النجم الوهاج في شرح المنهاج

الدَّمِيري

النجم الوهاج في شرح المنهاج للإمام العلامة المتقن المحدث الفقيه اللغوي كمال الدين أبي البقاء محمد بن موسى بن عيسى الدميري رحمه الله تعالى (742 - 808هـ) دار المنهاج

الطبعة الأولى 1425هـ - 2004م

أسماء اللجنة العلمية لكتاب النجم الوهاج في شرح المنهاج

بين يدي الكتاب بقلم الدكتور محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل جامعة أم القرى

ترجمة الإمام الشافعي

ترجمة الإمام محيي الدين النووي

ترجمة الإمام الدميري

أضواء على منهاج الطالبين

الابتهاج في بيان اصطلاح المنهاج تأليف السيد العلامة الإمام أحمد بن أبي بكر ابن سميط العلوي الحضرمي الشافعي رحمه الله تعالى (1277 - 1343هـ)

سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج تأليف العلامة الفقيه السيد أحمد ميقري شميلة الأهدل رحمه الله تعالى عني به الشيخ إسماعيل عثمان زين رحمه الله تعالى

وصف النسخ الخطية

منهج العمل في الكتاب

رموز تخريج الأحاديث في الكتاب

خاتمة

صور المخطوطات المستعان بها

النجم الوهاج في شرح المنهاج

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم الحمد لله المتفرد بنعوت الكمال، سبحانه هو أهل التقوى وجميل يحب الجمال، أحمده على نعم خصت الخلق بعموم الاشتمال، وأثني عليه بما أثنى به على نفسه بالتفصيل والإجمال، وأستعيذ به من كل قاطع عن العلم أمال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالم بمواقع النجوم وأعداد الرمال. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي هو للعالمين عصمة وثِمال، والقائل: (العلماء ورثة الأنبياء) ولم يورثوا المال. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين بهم يتقدى في الأعمال، صلاة تنجي من الأوزار إذا ثقلت منها الأحمال، وسلم تسليماً كثيراً ما هبت الجنوب والشمال، وتفيأت الظلال عن اليمين والشمال. أما بعد: فهذا شرح لـ (منهاج) النووي شيخ الإسلام، أودعته جملاً من مفردات العلماء الأعلام، وفوائد أثنت عليها أفواه المحابر وألسنة الأقلام، وأبكار أفكار بفرائد الدر تحلت، وملخص أبحاث بألفاظ قلت ودلت، وحوى مع ذلك أهم (المهمات)، ونصوص (المطالب) الملمات، (وجواهر) (بحر) صيغت خواتم وتتمات، وفواتح أبواب للأصول والضوابط أمات، وحوادث في (الفتاوى) تقررت، ومشكلات في الدعاوى تحررت، و (قواعد) كلية يرجع الفقيه إليها، و (تقريب) أحكام يعتمد المفتي عليها.

وفيه من (فتح العزيز) تعليل يشفي الغليل، ومن (روضة) (الرياض) (مجموع) ينفع العليل، ومن (الصحاح) و (العباب) ما تقر به العين، ومن (تجريد الأدلة والاستنباط) (محكم) النوعين، ومن (خلاصة) (الإحياء) ما عقد سلكنه انتظم، ومن (زهر آداب) (مروج) (الكامل) و (المنتظم). هذا ولسان التقصير في طويل مدحه قصير، والله يعلم المفسد من المصلح وإليه المصير. وأول من شرحه: الشيخ الإمام العلامة تقي الدين السبكي، فسبك إبريزه. ثم شيخنا الشيخ جمال الدين لخصه بعبارته الوجيزة. ثم شيخنا الشيخ سراج الدين ابن أبي الحسن بين من أدلته الصحيح والغريب والحسن، ونفى بشرحه ولغاته عن الطرف الوسن. ثم شرحه العلامة الأذرعي، فسكت وبكت. ثم النقاب ابن النقيب نقب عليه ونكت، فكان كالجدول من (البحر المحيط) و (الخلاصة) من (البسيط) و (الوسيط). ثم عليه أئمة من علماء العصر كتبوا فأحسنوا ما صنعوا، وقوم أطنبوا وآخرون تمموا، فتعبوا وأتعبوا، وكل منهم عادت عليه بركة علامة (نوى)، فبلغ قصده وكل امرئ ما نوى. وقل من جد في أمر يحاوله .... واستصحب الصبر .. إلا فاز بالظفر

وهذا الشرح إن شاء الله تعالى (عمدة) للراغب في (إيضاح) مفرداته، (عدة) للباحث عن باهر مولداته؛ لأنه استوعب ما يتعلق به أو يؤول إليه، واعتنى بدفع الاعتراضات عليه، و (بين) بمفصله مجمله، وأوضح بـ (تحقيقه) (مشكله)، وقيد بـ (تهذيبه) مطلقه، وفتح بـ (إقليده) مغلقه، وأودعه عن كل من القضاة (لباب) ما (علقه)، و (غرائب ابن الصلاح) و (نكته المفرقة)، فلو رآه أبو حامد العراقي لاستصغر (رونقه)، أو القفال لزين بـ (محاسن شريعته) طرقه، أو الإمام لتباهي في (أساليبه) المحققة. فهو بـ (تبيانه) (الكافي) (مهذب) الفصول، مرتب (الفروع) محقق الأصول، متوسط الحجم وخير الأمور أوساطها، لا تفريطها ولا إفراطها، جمعته تذكرة لنفسي، وعوناً لأبناء جنسي، ونوراً لظلمات رمسي، فهو سمير خلوتي وأنسي، يذكرني ما الحادثات تنسي، يا حبذا جهري به وهمسي، وساعتي مع غدي وأمسي، على أني لا أبرئه عن زلل يوجب له من لبيب وصمة، فكل أحد مأخوذ من قوله ومردود إلا من خصه الله بالعصمة. وحيث أطلق لفظ الشيخ فمراده الشارح الأول، وإن عبر بـ (مهمة) فعلى الثاني المعول، وإن أرسل التصحيح فمن كلام الرافعي أو المصنف، وما عدا ذلك فبذكره الأسماع تشنف. وسميته: (النجم الوهاج في شرح المنهاج) تيمناً بقوله تعالى: {وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. فالنجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت .. أتى أهلها ما يوعدون، وضعف البزار وابن حزم [6/ 243] حديث: (أصحابي كالنجوم)، ونحن بغيرهما مقتدون. والله المرجو أن يجعله خالصاً لوجهه ومن أجله، وأن يعيذنا من همز الشيطان وخليه ورجله، وأن يوفقنا في القول والعمل لما يرضيه، وأن يوزعنا شكراً يوجب المزيد من فضله ويقتضيه، وبالله أستعين فهو نعم المعين. * * *

بِسْمِ اللهِ اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم). افتتح كتابه بحمد الله تعالى بعد البسملة، كما افتتح الله به أشرف كتاب أنزله على أفضل نبي أرسله، وخاطبه بقوله: {وقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ} .. فسبحه وحمد له. وفي (صحيح ابن حبان) وغيره عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمر ذي بال) أي: حال يهتم به ((لا يبدأ فيه باسم الله)، وفي رواية: (ببسم الله الرحمن الرحيم)، وفي رواية: (بحمد الله فهو أجذم)؛ ومعناه: مقطوع البركة. و (الرحمن): صفة مبالغة من الرحمة بنيت على فعلان؛ لأن رحمته وسعت كل شيء. و (الرحيم): يقال لمن كثر منه ذلك. وقال الفارسي: إنما جيء بالرحيم بعد استغراق الرحمن معنى الرحمة؛ لتخصيص المؤمنين به في قوله: {وكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}، كما قال: {اقْرا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}، فخص به بعد أن عم؛ لما في الإنسان من أنواع الحكمة. قال: (الحمد لله) استحب العلماء أن يقدم المرء بين يدي خطبه وكل أمر يطلبه حمد الله لفظاً. وقد استحسن من أبي الحسن الدارقطني افتتاحه (كتاب الصلاة) من (سننه) [1/ 229] بالحديث المذكور؛ إشارة إلى تعيين الفاتحة في الصلاة. فإن قيل: ما بال البخاري والمزني لم يفعلا ذلك؟ فالجواب: أنهما اكتفيا بالبسملة؛ لأنها من أبلغ الثناء وحمد العطاء.

الْبَرَّ الْجَوَادِ، الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنِ الإِحْصَاءِ بِالأَعْدَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الحمد): الثناء بالكامل بذكر الصفات الجملية، والأفعال الحميدة، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. والشكر: ما كان في مقابلة نعمة، وبينه وبين الحمد خصوص وعموم من وجه. والألف واللام في (الحمد) لاستغراق الجنس، أي: الحمد على تنوعه لله، وهو نقيض الذم. وقال الزمخشري: الحمد والمدح أخوان، وهو قول الطبري وثعلب، والتحقيق: أنه أعلم من الحمد. واسم (الله): علم على المعبود بحق، الجامع لصفات الإلهية، وهو الباري جل وعلا. وأشهر الأقوال: أنه مشتق، والألف واللام من بنية الاسم لا للتعريف ولا لغيره؛ لأن حرف النداء يدخل عليه. وهو أعظم الأسماء وأجمعها وأكثرها استعمالاً، ولذلك لم يثن ولم يجمع، وذكر في (القرآن) في ألفين وثلاث مئة وستين موطناً. قال: (الباء) هو بفتح الباء من أسمائه الحسنى، قال تعالى: {إنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ}، أي: الذي إذا عبد أثاب، وإذا سئل أجاب. وقيل: معناه العطوف على عباده ببره ولطفه. قال: (الجواد) رواه البيهقي وغيره في (الأسماء)، ومعناه: الواسع العطاء. وقيل: المتفضل بالنعم قبل استحقاقها، المتكفل للأمم بإدرار أرزاقها، وجمعه: جود وأجواد وأجاويد. قال: (الذي جلت نعمه عن الإحصاء بالأعداء) أي: عظمت أن تحصى عدداً، قال تعالى: {وإن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}. و (الإحصاء): الضبط والإحاطة، لكن (الأعداد) جمع قلة، والشيء قد لا يضبطه العدد القليل، ويضبطه الكثير، فكان الصواب التعبير بالتعداد الذي هو مصدر عدد.

الْمَانَّ بِاللُّطْفِ وَالإِرْشَادِ، الْهَادِي إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، الْمُوَفَّقِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدَّينِ مَنْ لَطَفَ بِهِ وَاخْتَارَهُ مِنَ الْعِبَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (المان باللطف والإرشاد). (المنة): النعمة الثقيلة، والمنان: الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. والحنان: الذي يقبل على من أعرض عنه، كذا فسره ابن الصلاح مسنداً عن علي في النوع الخامس والأربعين، الحديث: رواه الخطيب [11/ 33] عن عبد الوهاب بن عبد العزيز. و (اللطف): من الله التوفيق والعصمة، ومن أسمائه تعالى: اللطيف، وهو: الرفيق بعباده. و (الإرشاد) والرشاد والرشد: نقيض الغي. قال السهيلي: لما جاء البشير إلى يعقوب وهو يهوذا .. أعطاه يعقوب في البشارة كلمات كان يرويها عن أبيه عن جده عليهم السلام، وهي: يا لطيفاً فوق كل لطيف، ألطف بي في أموري كلها كما أحب، ورضني في دنياي وآخرتي. ولما خرج يوسف عليه الصلاة والسلام من السجن، ودخل على ملك مصر الريان بن الوليد قال: اللهم؛ إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره. قال: (الهادي إلى سبيل الرشاد) أي: الدال على طريق الاستقامة. ومن أسمائه تعالى: (الهادي) وهو: الذي بصر عباده طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته. و (السبيل): الطريق، يذكران ويؤنثان. قال: (الموفق للتفقه في الدين من لطف به واختاره من العباد). (التوفيق): خلق قدرة الطاعة، وتسهيل سبيل الخير، وعكسه الخذلان، وهو: خلق قدرة المعصية، فالموفق في شيء لا يعصي فيه، وفي الحديث: (لا يتوفق عبد حتى يوفقه الله).

أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ وَأَكْمَلَهُ، وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي أوائل (الإحياء): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قليل من التوفيق خير من كثير من العلم)، وذكره صاحب (الفردوس) من حديث أبي الدرداء، وقال: (العقل) بدل (العلم). فالتوفيق المختص بالمتعلم: شدة العناية، ومعلم ذو نصيحة، وذكاء قريحة، وعصمة من الميل لغير ذلك. وفي (الصحيحين) [خ 71 - م 1037] عن معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً .. يفقهه في الدين). وفيهما [خ 6502]: عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: من آذى لي وليا .. فقد آذنته بالحرب). قال الشافعي وأبو حنيفة: إن لم يكن الفقهاء أولياء فليس لله ولي. وفي (الترمذي) [2681]: (فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد). وفي (تاريخ أصبهان) [10] في ترجمة محمد بن أبان: عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التفقه في الدين حق على كل مسلم). ولما كان التوفيق عزيزاً .. لم يذكر في القرآن إلا قوله تعالى: {ومَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ}، و {إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}، و {إنْ أَرَدْنَا إلاَّ إحْسَانًا وتَوْفِيقًا}. و (التفقه): أخذ الفقه شيئاً فشيئاً، وأصل الفقه في اللغة: الفهم، وقيل: فهم الأشياء الدقيقة. وفي الاصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية العملية، المكتسب من أدلتها التفصيلة. و (الدين): ما شرعه الله من الأحكام. و (العباد): جمع عبد وله عشر جموع مشهورة. قال: (أحمده أبلغ حمد وأكمله وأزكاه وأشمله). (أبلغ الحمد): أنهاه، والمراد: نسبة عموم المحامد إليه على جهة الإجمال، بأن يعترف باشتمال الباري تعالى على جميع صفات الكمال.

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْغَفَّارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (أكمله): أتمه. و (أزكاه): أنماه. و (أشمله): أعمه. قال: (وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له الواحد الغفار). معنى (أشهد): أعلم. و (الإله): المعبود بحق. روى أبو داود [4808] والترمذي [1106] بإسناد صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء)، أي: المقطوعة. وقال صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله). وفي (البخاري) قيل لوهب: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك. وفي رواية غيره: أن ابن عباس ذكر له قول وهب فقال: (صدق، ولكن أنا أخبركم عن الأسنان ما هي، فذكر الصلاة والزكاة والصوم وشرائع الإسلام). وفي كلمة لا إله إلا الله أسرار: منها: أن جميع حروفها جوفية، ليس فيها حرف شفهي؛ إشارة إلى الإتيان بها من خالص الجوف وهو القلب. ومنها: أنه ليس فيها حرف معجم؛ إشارة إلى التجرد عن كل معبود سواه. ومنها: أنها اثنا عشر حرفاً كشهور السنة، منها أربعة حرم وهي الجلالة، حرف فرد وثلاثة سرد، وهي أفضل كلماتها كما أن الحرم أفضل السنة، فمن قالها مخلصاً كفرت عنه ذنوب سنة. ومنها: أن الليل والنهار أربعة وعشرون ساعة، وهي و (محمد رسول الله) أربعة وعشرون حرفاً، كل حرف منها يكفر ذنوب ساعة.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى البخاري [99] عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله؛ من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: (لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه). قوله: (أول منك) أفعل تفضيل، وهي مضمومة على أنها صفة لـ (أحد). وقوله: (وحده) - مصدر في موضع نصب على الحال - أي: المتفرد الذي لا مثل له. وقوله: (لا شريك له) معناه: لا مشارك له في ملكه، ولا في ذاته، ولا في صفاته. وفي (الصحيحين) [خ 3222 - م 94]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فبشرني: أن من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً .. دخل الجنة، قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق). وأشار بالزنا والسرقة إلى أنه تعالى يتجاوز عن المعاصي المتعلقة بحق الله تعالى بعد الكفر كالزنا، والمتعلقة بحق العباد كالسرقة، ولم يذكر القتل؛ لكثرة السرقة والزنا، وقلة وقوع القتل، أو لأن بعض الصحابة أقيم عليه الحد فيهما دون القتل. و (الواجد): الذي لا نظير له، وهو من أعظم أسماء الله الحسنى. و (الغفار): الستار. قال: (وأشهد أن محمدً عبده ورسوله). هذا اللفظ ورد في (صحيح مسلم) [402] في (التشهد). والعرب تقول: مررت برجل محمد، إذا كثرت خصاله المحمودة. قال ابن العربي: لله تعالى ألف اسم، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ألف اسم. قال أبو علي الدقاق: ليس شيء أشرف من العبودية، ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بها، كما قيل [من السريع]: لا تدعني إلا بيا عبدها .... فإنه أشرف أسمائي

الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَزَادَهُ فَضْلاً وَشَرَفاً لَدَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذلك دعي به النبي صلى الله عليه وسلم في مقام تنزل الوحي ومقام الإسراء. ولفظ (الرسول): أخص من النبي عند الجمهور، وفي الحديث: (كل خطبة لا يصلى فيها على النبي صلى الله عليه وسلم فهي شوهاء) أي: قبيحة. قال: (المصطفى) أي: المجتبى من جميع الخلق، وصفوة الشيء: خالصه. روى مسلم [2276] عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)). قال: (المختار) أصله: مختير، فهو صلى الله عليه وسلم اختاره الله على سائر خلقه، فلذلك قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر). ويؤخذ من كلامه تفضيله على سائر الملائكة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة. قال: (صلى الله عليه وسلم، وزاده فضلاً وشرفاً لديه). (الصلاة) من الله تعالى: رحمة مقرونة بتعظيم، ومن الملائكة: استغفار، ومن الآدميين: دعاء وتضرع. ويكره إفرادها دون التسليم؛ لأن الله تعالى أمر بهما بقوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. وفي وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أقوال: أحدها: تجب في كل صلاة. والثاني: لا تجب بعد الإسلام إلا مرة. والثالث: كلما ذكر، واختاره الحليمي واللخمي والطحاوي.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الاِشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: في كل مجلس. والخامس: في أول كل دعاء وآخره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوني كقدح الراكب، اجعلوني في أول الدعاء، وفي وسطه، وفي آخره) رواه الطبراني عن جابر. و (الفضل): ضد النقص. و (الشرف): العلو. و (لديه) بمعنى: عنده. قال: (أما بعد). هذه الكلمة يأتي بها المتكلم إذا أراد الانتقال من أسلوب إلى غيره، ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد عقد البخاري لها باباً في (كتاب الجمعة) [944]، وذكر فيه أحاديث كثيرة. وهي بضم الدال، والتقدير: أما بعد ما ذكر من الحمد والصلاة. وفي المبتدئ بها أقوال: أحدها: داوود عليه الصلاة والسلام، وأنها فصل الخطاب الذي أوتيه. الثاني: قس بن ساعدة الإيادي. الثالث: كعب بن لؤي. الرابع: يعرب بن قحطان. الخامس: سبحان بن وائل، ولذلك يقول [من الطويل]: لقد علم الحي اليمانون أنني .... إذا قلت: (أما بعد) أني خطيبها قال: (فإن الاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات). (الاشتغال): افتعال من الشغل، وفيه أربع لغات: شغل وشغل وشغل وشغل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (العلم): معرفة المعلوم على ما هو عليه، فإذا قلت: عرفت زيداً .. فالمراد شخصه، وإذا قلت: علمت زيداً .. أردت العلم بأحواله من فضل ونقص. وفضل العلم لا تخفى أدلته، قال الله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}، وقال: {وقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وقال: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}. وفي (الصحيحين) [خ 3701 - م 3406]: عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. وقال: ليس بعد الفريضة أفضل من طلب العلم. وقال: من طلب الدنيا فعليه بالعلم، ومن طلب الآخرة فعله بالعلم. وفي (صحيح مسلم) [1631]: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). وفي (مسند أبي يعلى الموصلي) [320]: عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). وفي ذلك تأويلان: أحدهما: علم ما لا يسع جهله من العبادات. والثاني: جملة العلم إذا لم يقم بطلبه من فيه كفاية. وأما ما اشتهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) فلم يعرف له مخرج، ولم يوجد في كتاب معتبر. وفي (الترمذي) [2685]: عن أبي أمامة الباهلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في الماء ليصلون على معلم الناس الخير). وفيه [2647]: عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج في طلب

وَأَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الأَوْقَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العلم .. لم يزل في سبيل الله حتى يرجع). وفي (صحيح ابن حبان) [88]، و (الحاكم) [1/ 100]، و (أبي داوود) [3636]: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى لما يصنع، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه .. أخذ بحظ وافر، وإن العالم يستغفر له ما في السماوات وما في الأرض). فلله در العلم ومن به تردى، وتعساً للجهل ومن في أوديته تردى. وقال علي لكميل بن زياد: (يا كميل؛ العلم خير لك من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق). وقال الشافعي: من لا يحب العلم لا خير فيه؛ فإنه حياة القلوب، ومصباح البصائر. وقال أبو الدرداء: مذاكرة العلم خير من قيام الليل. وفي (الحلية) [4/ 385]: عن سلمان الفارسي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نوم مع علم خير من صلاة مع جهل). وعبارة المصنف تقتضي: أنه أراد علماً معيناً، وهو علم الفقه، لا العموم. وسيأتي إن شاء الله في (كتاب الصيام) عن سيبويه: أن لفظ العلم لا يجمع، ولا الفكر، ولا النظر. و (الطاعات): جمع طاعة، وهو كل ما لله فيه رضا. قال: (وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات) أي: في تعلمه والعمل به. قال الله تعالى: {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} وهي: العلم والعمل {ومَن يُؤْتَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [الحِكْمَةَ]}. العلم والعمل {فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ومَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}: العلماء الحكماء. و (نفائس الأوقات): أزمنة الصحة والفراغ المشار إليهما بقوله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة الفراغ). ويقال في الخير: أنفقت، وفي الشر: خسرت وضيعت. و (النفائس): جمع نفيس، وهو المرغوب فيه، قال تعالى: {وفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ}. وقد تكررت هذه اللفظة في الخطبة أربع مرات. و (الأوقات): جمع وقت، وهو المقدار من الدهر، وأكثر ما يستعمل في الماضي، وقد يستعمل في المستقبل أيضاً. ومن كلام السلف: الوقت سيف، إن لم تقطعه وإلا قطعك. وقال عمر: (تفقهوا قبل أن تسودوا) أي: تعلموا العلم قبل أن تصيروا سادة منظوراً إليكم، فتستحيوا أن تتعلموا بعد الكبر، فتبقوا جهالاً. وقيل: أراد قبل أن تتزوجوا وتشتغلوا بالزواج عن العلم. وفي (كامل ابن عدي) [1/ 189] في ترجمة أحمد بن سلمة الكوفي: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أفلح صاحب عيال قط). وفي (الإحياء) في (آداب النكاح) قال: رئي سفيان على باب سلطان، فقيل له: ما هذا موقفك! قال: وهل رأيت ذا عيال أفلح؟ وقال الخطيب البغدادي: يستحب لطالب العلم أن يكون عزباً ما أمكنه؛ لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجية وطلب المعيشة عن كمال الطلب. ثم أسند عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً .. اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد) [حلية 1/ 25].

وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى مِنَ التَّصْنِيفِ مِنَ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ، وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ: (الْمُحَرَّرُ) لِلإِمَامِ أَبيِ الْقَاسِمِ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ، ذِي التَّحْقِيقَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: واتفقوا على أن الهموم والأحزان وكثرة الأشغال والعلائق مورثة للنسيان بالخاصة؛ لأن هموم الدنيا تورث ظلمة القلب، وهموم الآخرة تنور القلب، ونظير ذلك: الفكرة في الصلاة في أمر الدنيا .. تمنع من الخير وكمال الأجر، وفي الآخرة تحمل على الخشوع وسكون الأعضاء. قال سحنون: لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع. وسئل الحسن: ما عقوبة العالم إذا آثر الدنيا؟ قال: موت قلبه. قال: (وقد أكثر أصحابنا رحمهم الله تعالى من التصنيف من المبسوطات والمختصرات). (الأصحاب): جمع صاحب، كشاهد وأشهاد، وسها الجوهري فقال: الأصحاب جمع صحب، وصحب جمع صاحب فجعل الأصحاب جمع جمع. وقولهم في النداء: يا صاح، معناه: يا صاحبي، ولا يجوز ترخيم المضاف إلا في هذا وحده. والمراد بالأصحاب: أتباع الشافعي رضي الله عنه، وهو مجاز مستفيض؛ لموافقتهم وشدة ارتباط بعضهم ببعض. و (التصنيف): مصدر صنف الشيء، إذا جعله أصنافاً يتميز بعضها عن بعض. و (المبسوط): ما كثر لفظه ومعناه. و (المختصر): ما قل لفظه وكثر معناه، مأخوذ من الخصر، وهو: المجتمع فوق الوركين. ومنه الخنصر؛ فإن الجوهري ذكره في مادة (خصر)، فيكون وزنه فنعل، لا فعلل. قال الخليل: الكلام يبسط ليفهم، ويختصر ليحفظ. قال: (وأتقن مختصر: (المحرر) للإمام أبي القاسم الرافعي رحمه الله، ذي التحقيقات). (إتقان الشيء): إحكامه وتهذيبه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المحرر): المتقن، جعل علما على الكتاب المذكور. و (الإمام): المقتدى به على زنة الإزار، والجمع: أئمة، ومنه قيل لخيط البناء: إمام. وإمام كل شيء: قيمه والمصلح له، والقرآن إمام المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم إمام الأمة، والخليفة إمام الرعية، وجعل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أماماً لأهل طاعته، يأتمون في دينهم؛ فلذلك اجتمعت الأمم على الدعوى فيه، وأعلم الله تعالى أنه كان حنفياً. و (الرافعي): هو الحبر العلامة إمام الدين، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني، ذو المخاطر العاطر، والفهم الثاقب، والمفاخر والمناقب. كان رحمه الله ن بيت علم: أبوه وجده وجدته. قال في (الأمالي): إنها كانت تفتي النساء. وفي (الدقائق): أنه منسوب إلى رافعان، بلدة معروفة بقزوين - وقيل: إلى رافع بن خديج الصحابي - وكان إماماً بارعاً في العلوم والزهد والمعارف والكرامات واللطائف. فريد وقته في التفسير والمذهب، رآه ابن الصلاح والحافظ المنذري. توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وست مئة، وهو ابن ست وستين سنة. وكان إذا خرج إلى المسجد .. أضاءت له الكروم وكذلك والده. وتكنية المصنف له بأبي القاسم كان الأولى أن يتجنبها؛ فإن المنصوص: أن ذلك لا يجوز عند المصنف وغيره، والعجب أنه لما نقل في (الأذكار) عن الشافعي عدم جوازه .. قال بعد خمسة أسطر: الإمام أبو القاسم الرافعي. وإنما امتنع للنهي عنه، وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقسم الجنة.

وَهُوَ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ، عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ، مُعْتَمَدٌ لَلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (التحقيق): الإحكام، يقال: كلام محقق، أي: محكم، وثوب محقق، أي: محكم النسج. و (التحقيقات): جمع تحقيقة، وهي: المرة من التحقيق، لكن جمع السالم للقلة، فلو عدل إلى جمع الكثرة كان أنسب. قال: (وهو كثير الفوائد): جمع فائدة، وهي: ما استفيد من علم أو مال. وحق له أن يصفه بذلك؛ فإنه بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره. قال: (عمدة في تحقيق المذهب) أي: يعتمد عليه في ذلك. و (المذهب): المعتقد الذي يذهب إليه. قال: (معتمد للمفتي وغيره من أولي الرغبات). (المعتمد): ما يعتمد عليه، ويرجع عند الحاجة إليه. و (المفتي): وارث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وموضح الدلالة، والمبين بجوابه حرام الشرع وحلاله. ويكفيه في هذا الوصف تعظيماً وجلالة قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلالَةِ}. و (الرغبات): جمع رغبة، قال تعالى: {ويَدْعُونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا}. تقول: رغبت عن الشيء إذا لم ترده، ورغبت فيه إذا أردته، وهذا من المصنف رحمه الله دليل على إنصافه في العلم. قال ابن عبد البر رحمه الله: من بركة العلم وآدابه الإنصاف، ومن لم ينصف .. لم يفهم ولم يتفهم. وقال مالك: ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف. هذا في زمان مالك، فكيف بهذا الزمان الذي هلك فيه كل هالك؟ قال صلى الله

وَقَدِ الْتَزَمَ مُصَنَّفُهُ رَحِمَهُ اللهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُعْظَمُ الأَصْحَابِ، وَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: (إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل). ولا يخفى أن شرف النفس بشرف طباعها، وتكريمها بحسب قد إطلاعها، وبعلو الهمم تعلو القيم، ولكل مجتهد نصيب والسهم يخطئ ويصيب. قال: (وقد التزم مصنفه رحمه الله أن ينص على ما صححه معظم الأصحاب) أي: أكثرهم؛ لأن نقل المذهب من باب الرواية فيرجح بالكثرة، كذا قاله ابن العطار تلميذ المصنف. ورده الشيخ بأن ذلك لو صح .. لوجب مثله في علماء الشريعة إذا كان الأكثر على شيء والشافعي على خلافه، ثم قال: بل سببه عندي ميل الناس في كل علم إلى قول الأكثر إذا لم يظهر دليل يخالفه؛ لأن العادة تقضي بأن الخطأ إلى القليل أقرب. قال: (ووفى بما التزمه). (التوفية) في اللغة: الإتمام والإكمال، والتشديد مبالغة في الوفاء، قال تعالى: {وإبْرَاهِيمَ الَّذِي وفَّى} أي: وفى بما أمر به من طاعة ربه. قال الشيخ في كتاب (الطوامع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة): من فهم عن الرافعي أنه لا ينص إلا على ما عليه المعظم .. فقد أخطأ في فهمه؛ فإنه إنما قال في خطبة (المحرر): إنه ناص على ما رجحه المعظم من الوجوه والأقاويل، ولم يقل إنه لا ينص إلا على ذلك، ولفظة التنصيص لا تدل على الموافقة، ثم إن هذا غير مطرد، فقد صرح في مواضع بمخالفة المعظم، كقوله: إن موضع التحذيف ليس من الوجه، وإن الجلوس بين السجدتين ركن قصير، ومنع النظر إلى وجه الحرة وكفيها، والأكثرون على خلاف ذلك. ثم إنه قد يجزم في (المحرر) بشيء، وهو بحث للإمام أو غيره، كما سيأتي في (كتاب الجمعة) في انصراف المعذور إذا حضر الجامع، وفي (الزكاة) في العلف

[وَهُوَ مِنْ أَهَمَّ أَوْ أَهَمُّ الْمَطْلُوبَاتِ]، لَكِنْ فِي حَجْمِهِ كِبَرُ عَنْ حَفْظِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعَصْرِ إِلاَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤثر، بل في الكتب ما لم يقف عليه الشيخان، وهي مشحونة بما لا يحصيه إلا الله تعالى من النصوص والمسائل التي لم يذكراها. وقد ذكر ابن الرفعة من ذلك ما يقيظ للناظر العجب من كثرته. [قال: (وهو من أهم أو أهم المطلوبات)]. قال: (لكن في حجمه كبر عن حفظ أكثر أهل العصر إلا بعض أهل العنايات). هذا استدراك لما تقدم، أشار به إلى أن الهمم قد تقاصرت عن حفظ المطولات، بل والمختصرات، وصارت على النزر اليسير مقتصرات. و (حجم) الشيء: ملمسه الناتئ تحت اليد، والجمع: حجوم. و (الكبر): نقيض الصغر. وقوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}، أي: أعجب. وقال كثير من المفسرين: يعني من خلق الدجال. و (العصر): الدهر، وفيه لغتان أخريان: عصر وعصر، كعسر وعسر، والجمع: عصور. و (أهل العنايات): ذوو الهمم العليات، والنفوس الأبيات. و (البعض): واحد أبعاض الشيء، وقد يرد بمعنى الجميع، قال لبيد [من الكامل]: تراك أمكنة إذا لم يرضها .... أو يعتلق بعض النفوس حمامها وقال طرفة [من الطويل]: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا .... حنانيك بعض الشر أهون من بعض يريد: بعض الشر أهون من كله.

فَرَأَيْتُ اخْتِصَارَهُ فِي نَحْوِ نِصْفِ حَجْمِهِ؛ لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فرأيت اختصاره في نحو نصف حجمه؛ ليسهل حفظه)؛ لأن ما كبر حجمه أحجم الطلاب عن تحصيله، وما اختصر رغبوا في إجماله وتفصيله. و (رأيت): من الرأي، وهو: الاعتقاد، يتعدى إلى مفعولين. و (الاختصار): حذف الفضول من كل شيء. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً). و (جوامع الكلم)، قيل: القرآن؛ لأن الله تعالى جمع في ألفاظه اليسيرة معاني كثيرة، وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بجوامع الكلم. و (نحو الشيء): قربه، فإن قيل: في عبارة المصنف نظر؛ فإنه إلا ثلاثة أرباعه أقرب .. فالجواب: أنه أراد ذلك أولاً، فلم يتفق له مع ما يقصده من التسهيل والإيضاح، أو يريد: نحو نصف حجمه مما يختص بـ (المحرر) دون (الزوائد). وقد قال شيخ الإسلام القشيري - في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ نحو وضوئي هذا) -: إن لفظة (نحو) لا تقتضي المساواة من كل وجه بخلاف لفظة مثل. وقال في حديث: (إذا سمعتم المؤذن .. فقولوا مثل ما يقول): إن لفظة (مثل) لا تقتضي المساواة من كل وجه؛ فإنه لا يريد بذلك مماثلته في رفع الصوت وغيره. و (النصف) مثلث النون، وفيه لغة رابعة: نصيف، بزيادة ياء وفتح أوله. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لو أنفق أحدكم ملء الأرض .. ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).

مَعَ مَا أَضُمُّهُ إِلَيْهِ إَنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِنَ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ، مِنْهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى قُيُودٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ هِيَ مِنَ الأَصْلِ مَحْذُوفَاتٌ، وَمِنْهَا: مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ ذَكَرَهَا فَي (الْمُحَرَّرِ) عَلَى خِلاَفِ الْمُخْتَارِ فِي الْمَذْهَبِ، كَمَا سَتَرَاهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَاضِحَاتٍ، وَمِنْهَا: إِبْدَالُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيباً أَوْ مُوهِماً خِلاَفَ الصَّوَابِ بأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مِنْهُ بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الحفظ): نقيض النسيان. قال: (مع ما أضمه إليه إن شاء الله تعالى من النفائس المستجادات: منها: التنبيه على قيود في بعض المسائل هي من الأصل محذوفات. ومنها: مواضع يسيرة ذكرها في (المحرر) على خلاف المختار في المذهب، كما ستراها إن شاء الله تعالى واضحات). (مع): كلمة تدل على المصاحبة. و (الضم): قبض الشيء إلى الشيء. و (المستجادات): ما طلب جودتها. و (الحذف) بالذال المعجمة: الإسقاط. قال: (ومنها: إبدال ما كان من ألفاظه غريباً أو موهماً خلاف الصواب بأوضح وأخصر منه بعبارات جليات). الفرق بين (التبديل) و (الإبدال): أن التبديل عبارة عن تغيير الشيء مع بقاء عينه، والإبدال: رفع الشيء ووضع غيره مكانه. قال الجوهري: والأبدال قوم صالحون، لا تخلوا الدنيا منهم، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر. الواحد: بذل وبدل. وقال ابن دريد: بديل. وقال علي رضي الله عنه: (الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب

وَمِنْهَا: بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصَّ، وَمَرَاتِبِ الْخِلاَفِ فِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعراق). أراد بالعصائب: جماعة يجتمعون للحرب والفتن. وقيل: أراد جماعة من الزهاد؛ لأنه قرنهم بالأبدال والنجباء. وكان حماد بن زيد من الأبدال. وعلامتهم: أن لا يولد لهم ولد، قيل: تزوج حماد سبعين امرأة فلم يولد له. وقال القزويني: مأوى الأبدال جبل لبنان؛ لما فيه من القوات الحلال؛ فإن فاكهته وزروعه لم يرزعها أحد من الناس. وكان الصواب أن يقول: إبدال الأوضح والأخصر بما كان من ألفاظه غريباً أو موهماً خلاف الصواب؛ فإن الباء مع الإبدال تدخل على المتروك، قال تعالى: {ومَن يَتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}. {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}. {ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}. {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ}. وسيأتي هذا في (صفة الصلاة). و (اللفظ الغريب): الغامض من الكلام. قال الشافعي رضي الله عنه: من تعلم القرآن .. عظمت قيمته، ومن تعلم الفقه .. نبل قدره، ومن كتب الحديث .. قويت حجته، ومن تعلم الحساب .. جزل رأيه، ومن تعلم العربية .. رق طبعه، ومن لم يصن نفسه .. لم ينفعه علمه. و (وضح) الأمر وضوحاً واتضح؛ أي: بان. وأوضحته؛ أي: أبنته. و (الجلي): نقيض الخفي. و (العبارات الجليات): التي لا خفاء فيها. قال: (ومنها: بيان القولين والوجهين والطريقين والنص، ومراتب الخلاف في جميع الحالات). هذا اصطلاح حسن ابتكره لم يسبق إليه؛ لكنه رحمه الله لم يف به في كثير من المواضع.

فَحَيْثُ أَقُولُ: فِي اَلأَظْهَرِ أَوِ الْمَشْهُورِ .. فَمِنَ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الأَقْوَالِ، فَإِنْ قَوِيَ الْخِلاَفُ .. قُلْتُ: الأَظْهَرُ، وَإِلاَّ .. فَالْمَشْهُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما (الأقوال): فللشافعي رحمه الله. و (الأوجه): لأصحابه يخرجونها على أصوله المنصوصة. و (الطرق) جمع طريقة، وهي: مذهب الرجل، تقول: ما زال فلان على طريقة واحدة، أي: على حالة واحدة. والمراد بها هنا: اختلافهم في حكاية المذهب، وقد تسمى الطرق وجوهاً. و (النص): الرفع، يقال: نصصت الحديث إلى فلان، أي: رفعته إليه. و (الخلاف): ضد الموافقة، روى الأصوليون والفقهاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اختلاف أمتي رحمة)، ولا يعرف من خرجه بعد البحث الشديد، وإنما نقله ابن الأثير في مقدمة (جامعه) من قول مالك. وفي (المدخل) للبيهقي عن القاسم بن محمد أنه قال: اختلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة. واختلفوا في معناه على قولين: أحدهما: أنه الاختلاف في الأحكام. والثاني: في الحرف والصنائع، قاله الحليمي. و (مراتب الخلاف): منازله في القوة والضعف، كما بينه المصنف. قال: (فحيث أقول: في الأظهر أو المشهور .. فمن القولين أو الأقوال، فإن قوي الخلاف .. قلت: الأظهر، وإلا .. فالمشهور.

وَحَيْثُ أَقُولُ: الأَصَحُّ أَوِ الصَّحِيحُ .. فَمِنَ الْوَجْهَيْنِ أَوِ الأَوْجُهِ، فَإِنْ قَوِيَ الْخِلاَفُ .. قُلْتُ: الأَصُحُّ، وَإِلاَّ .. فَالصَّحِيحُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: الْمَذْهَبُ .. فَمِنَ الطَّرِيقَيْنِ أَوِ الطُّرُقِ، وَحَيْثُ أَقُولُ: النَّصُّ .. فَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحيث أقول: الأصح أو الصحيح .. فمن الوجهين أو الأوجه، فإن قوي الخلاف .. قلت: الأصح، وإلا .. فالصحيح). و (حيث): كلمة تدل على المكان؛ لأنه ظرف في الأمكنة اتفاقاً بمنزلة (حتى) في الأزمنة. و (القولان والأقوال): للشافعي رضي الله عنه، وقد ينص على ذلك في وقتين وهو الأغلب، أو وقت وهو قليل محصور. وفائدة ذلك: تعريف السامع أن المسألة عنده فيها مأخذان لا ثالث لهما، أو ثلاثة لا رابع لها، وهو متردد في أيها أرجح، وقوة الخلاف وضعفه تعرف بالدليل، وعمل الأكثر، والتعليل. وإنما عبر بـ (الأصح والصحيح) للأوجه؛ تأدباً مع الشافعي رضي الله عنه؛ فإن قسيمهما الفاسد والباطل. وأما (الأظهر والمشهور): فيقابلهما الخفاء والغرابة. قال: (وحيث أقول: المذهب .. فمن الطريقين أو الطرق)، فيعرف بذلك أن المفتى به ما عبر عنه بالمذهب. وأما كون الراجح طريقة القطع أو الخلاف، وكون الخلاف قولين أو وجهين .. فلا يؤخذ منه؛ لأنه لا اصطلاح له فيه. قال: (وحيث أقول: النص .. فهو نص الشافعي رحمه الله). المراد بـ (النص): المنصوص، سمي بذلك؛ لتنصيص إمامه عليه. و (الشافعي) رحمه الله: هو حبر الأمة، وسلطان الأئمة أبو عبد الله محمد بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم. نسب كأن عليه من شمس الضحى .... نوراً من فلق الصباح عمودا ما فيه إلا سيد من سيد .... حاز المكارم والتقى والجودا والنسبة إليه شافعي، ولا يقال: شفعوي؛ فإنه لحن فاحش، وإن كان وقع في (الوسيط) وغيره. ولد رضي الله عنه على الأصح بغزة التي توفي فيها هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: بعسقلان، وقيل: باليمن، وقيل: بمنى، سنة خمسين ومئة. ثم حمل إلى مكة هو ابن سنتين، ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، و (الموطأ) وهو ابن عشر. وشافع بن السائب الذي ينسب إليه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع، وأسلم أبوه يوم بدر، فأسر وفدى نفسه ثم أسلم. تفقه بمكة على مسلم بن خالد الزنجي، وكان شديد الشقرة.

وَيَكُونُ هُنَاكَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأذن له مالك في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة. ورحل في طلب العلم إلى اليمن والعراق، إلى أن أتى مصر فأقام بها إلى أن توفاه الله تعالى شهيداً يوم الجمعة، سلخ شهر رجب، سنة أربع ومئتين. وانتشر علمه في جميع الآفاق، وتقدم على الأئمة في الخلاف والوفاق، وعليه حمل الحديث المشهور: (عالم قريش يملأ الأرض علماً)، فلذلك كان لمحله المقام الأسمى رضي الله عنه وأرضاه، وأكرم نزله ومثواه. وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة لا يعرف له كبوة ولا صبوة، قال في أواخر (الإحياء): قال الشافعي رحمه الله: دهمني في هذه الأيام أمر أمرضني وآلمني، ولم يطلع عليه غير الله تعالى، فلما كان البارحة .. أتاني آت في منامي فقال: يا ابن إدريس قل: اللهم؛ إني لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولا أتقي إلا ما وقيتني، اللهم؛ فوفقني لما تحب وترضى من القول والعمل في عافية. قال: فلما أصبحت .. أعدت ذلك، فلم ينصرف النهار حتى أعطاني الله طلبتي، وسهل لي الخلاص مما كنت فيه. قال: فعليكم بهذه الدعوات لا تغفلوا عنها. قال: (ويكون هناك وجه ضعيف أو قول مخرج). مراده بـ (الضعيف) هنا: خلاف الراجح، لا الضعيف المصطلح عليه قبل هذا. وحقيقة القول المخرج: أن يرد نصان مختلفان، في صورتين متشابهتين، ولم يظهر بينهما ما يصلح فارقاً، فيخرج الأصحاب من كل صورة قولاً إلى الأخرى فيقولون: فيهما قولان، بالنقل والتخريج.

وَحَيْثُ أَقُولُ: الْجَدِيدُ .. فَالْقَدِيمُ خِلاَفُهُ، أَوِ الْقَدِيمُ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ .. فَالْجَدِيدُ خِلاَفُهُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا .. فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَوِ الأَصَحُّ خِلاَفُهُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: وَفِي قَوْلٍ كَذَا .. فَالرَّاجَحُ خِلاَفُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحيث أقول: الجديد .. فالقديم خلافه، أو القديم أو في قول قديم .. فالجديد خلافه). (الجديد): ما نصه الشافعي رضي الله عنه بمصر، ورواته: المزني، والربيع المرادي صاحب (الأم)، والربيع الجيزي، والبويطي، وحرملة، ومحمد بن عبد الحكم، وعبد الله بن الزبير المكي. وذكر الإمام في (كتاب الخلع): أن (الأم) من الكتب القديمة، وصرح بذلك الخوارزمي في (الكافي). وأما (الإملاء) .. فجديد بالاتفاق. و (القديم): ما نصه بالعراق، وهو كتاب (الحجة)، ورواته: الزعفراني، والكرابيسي، وأبو ثور، وأحمد ابن حنبل. وكل مسألة فيها قديم وجديد .. فالعمل على الجديد، ولا يحل عد القديم حينئذ من مذهبه؛ لرجوعه عنه. فإذا لم ينص في الجديد على خلاف ما في القديم .. فهو مذهبه. وإن كان في الجديد قولان .. فالعمل بآخرهما، فإن لم يعلم .. فبما رجحه أصحاب الشافعي، فإن قالهما في قوت ثم عمل بأحدهما .. كان إبطالاً للآخر عند المزني، وقال غيره: لا يكون إبطالاً بل ترجيحاً. واتفق ذلك للشافعي في نحو ست عشرة مسألة. وإن لم يعلم هل قالهما معاً أو مرتباً .. لزم البحث عن أرجحهما بشرط الأهلية، فإن أشكل .. توقف فيه. قال: (وحيث أقول: وقيل كذا .. فهو وجه ضعيف، والصحيح أو الأصح خلافه)؛ لأن الصيغة تقتضي ذلك. قال: (وحيث أقول: وفي قول كذا .. فالراجح خلافه)؛ لأن اللفظ يشعر به.

وَمِنْهَا: مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ أَضُمُّهَا إِلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لاَ يُخْلَى الْكِتَابُ مِنْهَا، وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهَا: قُلْتُ، وَفِي آخِرِهَا: وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَا وَجَدْتَهُ مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي (الْمُحَرَّر) .. فَاعْتَمِدْهَا؛ فَلاَ بُدَّ مَنْهَا، وَكَذَا مَا وَجَدْتَهُ مِنَ الأَذْكَارِ مُخَالِفاً لِمَا فِي (الْمُحَرَّرِ) وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ .. فَاعْتَمِدْهُ؛ فَإِنَّي حَقَّقْتُهُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَقَدْ أُقَدَّمُ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفَصْلِ؛ لِمُنَاسَبَةٍ أَوِ اخْتِصَارٍ، وَرُبَّمَا قَدَّمْتُ فَصْلاً؛ لِلْمُنَاسَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومنها: مسائل نفيسة أضمها إليه ينبغي أن لا يخلى الكتاب منها، وأقول في أولها: قلت، وفي آخرها: والله أعلم). هذا بيان لمصطلحه في الزيادة التي وقع عليها اختياره، وقد وفق في اختصار هذا الكتاب فتم فخاره، ومن أمعن النظر فيه .. علم أن الجواد عينه فراره. ومعنى (الله أعلم) أي: من كل عالم. قال: (وما وجدته من زيادة لفظة ونحوها على ما في (المحرر) .. فاعتمدها؛ فلا بد منها، وكذا ما وجدته من الأذكار مخالفاً لما في (المحرر) وغيره من كتب الفقه .. فاعتمده؛ فإني حققته من كتب الحديث المعتمدة)؛ لأن مرجع ذلك إلى علماء الحديث وكتبه المعتمدة. قال: (وقد أقدم بعض مسائل الفصل؛ لمناسبة أو اختصار)؛ مراعاة لتسهيل حفظه وترتيبه وتيسير فهمه وتقريبه. و (المناسبة): المشاكلة. قال: (وربما قدمت فصلاً؛ للمناسبة)؛ فإن التصنيف قد يقتضي ذلك، كما فعل في (باب الإحصار والفوات). و (الفصل) في اللغة: الحاجز بين شيئين، ومنه فصل الربيع؛ لأنه يحجز بين الشتاء والصيف، وهو في الكتب كذلك؛ لأنه يفصل بين أجناس المسائل وأنواعها.

وَأَرْجُو إِنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ لِـ (الْمُحَرَّرِ)؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (رب): حرف جر، خلافاً للكوفيين في دعوى اسميته، وهو للتقليل عند الأكثرين، ويرد للتكثير قليلاً، ويدخل عليه (ما) ليمكن أن يتكلم بالفعل بعده، كقوله تعالى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}. وفيها ست عشرة لغة مشهورة. قال: (وأرجو إن تم هذا المختصر أن يكون في معنى الشرح لـ (المحرر))؛ لأن بينه وهذبه، وحققه وقربه، وزاد عليه ما يحتاج إليه، واحترز عما يعترض به عليه. و (الرجاء): ضد اليأس، ممدود، وقد جاء بمعنى الخوف قال تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقَارًا}، أي: لا تخافون عظمة الله. و (الشرح): الكشف والتبيين، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر للإسلام، فقال: (هو نور يقذفه الله في القلب، إذا دخله .. انشرح وانفسح)، قالوا: وما علامة ذلك؟ قال: (الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقائه). وشرح صدر النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن تنويره بالحكمة، وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه. قال الأستاذ أبو علي الدقاق: كان موسى عليه السلام مريداً فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم مراداً فقال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}؟ وكذلك قال موسى عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إلَيْكَ}، فقال الله تعالى: {لَن تَرَانِي}، وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ تَرَ إلَى رَبِّكَ}؟ وقوله تعالى: {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}؟ ستر للقصة، فالمريد مستحمل، والمراد محمول.

فَإِنَّي لاَ أَحْذِفُ مِنْهُ شَيْئاً مِنَ الأَحْكَامِ أَصْلاً، وَلاَ مِنَ الْخِلاَفِ وَلَوْ كَانَ وَاهيِاً، مَعَ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنَ النَّفَائِسِ. وَقَدْ شَرَعْتُ فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَمَقْصُودِي بِهِ: التَّنْبِيهُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ (الْمُحَرَّرِ)، وَفِي إِلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِنَ الضَّرُوِريَّاتِ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإني لا أحذف منه شيئاً من الأحكام أصلاً، ولا من الخلاف ولو كان واهياً، مع ما أشرت إليه من النفائس). (الأحكام): جمع حكم. و (الواهي): الساقط الاعتبار. و (مع) مع: فيها قليل، وقد شرح المصنف هذه الكلمات في (الدقائق). قال: (وقد شرعت في جمع جزء لطيف على صورة الشرح لدقائق هذا المختصر) أي: غوامضه التي تحتاج إلى البيان. ولم يتعرض المصنف هنا لتسمية كتابه، لكنه ترجمه بـ (المنهاج)، وهو الطريق الواضح. قال: (ومقصودي به: التنبيه على الحكمة في العدول عن عبارة (المحرر)، وفي إلحاق قيد أو حرف أو شرط للمسألة ونحو ذلك، وأكثر ذلك من الضروريات التي لا بد منها). أراد بـ (الحرف): الكلمة، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل، والجمع أحرف وحروف.

وَعَلَى اللهِ الْكَرِيمِ اعْتِمَادِي، وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي، وَأَسْأَلُهُ النَّفْعَ بِهِ لِي وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَرِضْوَانَهُ عَنَّي وَعَنْ أَحِبَّائِي وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعلى الله الكريم اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي). من أسمائه تعالى (الكريم)، وهو: الجامع لأنواع الخير والشرف. و (الكريم): المعطي الذي لا ينفد عطاؤه، وفي الحديث: (إن الله كريم يحب مكارم الأخلاق). و (تفويض) الأمر إلى الله تعالى: رده إليه. قال: (وأسأله النفع به لي ولسائر المسلمين، ورضوانه عني وعن أحبائي وجميع المؤمنين). (النفع): ضد الضر، وثمرة ذلك العمل بالعلم، قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل بما علم .. علمه الله علم ما لم يعلم). والمصنف رحمه الله غاير بين الإسلام والإيمان، فكل إيمان إسلام ولا ينعكس، وكل مؤمن مسلم ولا ينعكس. وقيل: الإيمان والإسلام – في حكم الشرع – واحد، وفي المعنى والاشتقاق مختلفان، وربما أطلق الإيمان على المراقبة. روى ابن ماجه عن عبادة الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت). و (الرضا والرضوان): ضد السخط، يقال: رضي عنه وعليه. قال قحيف العقيلي [من الوافر]: إذا رضيت علي بنو قشير .... لعمر الله أعجبني رضاها و (الأحباء): جمع حبيب، والمحبة في الله تعالى من تمام الإيمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روى مسلم [2566] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي). وروى أبو داوود عن عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتصافين في، وحقت محبتي للمتباذلين في). و (سائر): معناه باقي. وقال الجوهري: سائر الناس جميعهم، وأنكره ابن الصلاح وقال: إنه تفرد به فلا يقبل منه، وليس كذلك فقد وافقه عليه الجواليقي وابن بري، وكذلك استعملها المصنف في أول (باب محرمات الإحرام) تبعاً للغزالي وغيره. وسؤال المصنف أن ينفع الله بكتابه مما يرغب فيه؛ لأنه كان مجاب الدعوات الصاعدات من نفحات فيه، وقد حقق الله له ذلك، فنع به وجعله عمدة في الإفتاء لعلماء مذهبه، فعقدوا على تصحيحه الخناصر، واكتفوا بنفعه المتعدي والقاصر. * * * خاتمة مصنف هذا الكتاب الحبر الإمام، العلامة شيخ الإسلام، قطب دائرة العلماء الأعلام، الشيخ محيي الدين يحيى بن شرف النووي الحزامي – بحاء مهملة مكسورة، بعدها زاي – محرر المذهب، المتفق على إمامته وديانته، وسؤدده وسيادته، وورعه وزهادته. كان ذا كرامات ظاهرة، وآيات باهرة، وسطوات قاهرة، فلذلك أحيا الله ذكره بعد مماته، واعترف أهل العلم بعظيم بركاته، ونفع الله بتصانيفه في حياته وبعد وفاته، فلا يكاد يستغني عنها أحد من أصحاب المذاهب المختلفة، ولا تزال القلوب على محبة ما ألفه مؤتلفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولد في العشر الأول من المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مئة بنوى ونشأ بها. ثم انتقل إلى دمشق فدأب في الطلب، حتى فاق أهل زمانه، ودعا إلى الله في سره وإعلانه. وكان يديم الصيام، ولا تزال مقلته ساهرة، ولا تأكل من فواكه دمشق؛ لما في ضمانها من الشبهة الظاهرة، ولا يدخل الحمام تنعماً، وانخرط في سلك: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}. وكان يقتات مما يأتيه من قبل أبويه كفافاً، ويؤثر على نفسه الذين لا يسألون الناس إلحافاً، فلذلك لم يتزوج إلى أن خرج من الدنيا معافى. وحج حجتين مبرورتين، لا رياء فيهما ولا سمعة، وطهر الله من الفواحش قلبه، ولسانه وسمعه، حتى توفي ليلة الأربعاء رابع عشري شهر رجب، سنة ست وسبعين وست مئة، ودفن ببلده رضي الله عنه، وأحله رضى رضوانه، ومتعه بالداني من حنى جنانه. * * *

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الطهارة بدأ الشافعي رحمه الله وغيره بهذا الكتاب من العبادات؛ اهتماماً بالأمور الدينية، وتقديماً لها على المصالح الدنيوية، ولما في (الصحيحين) [خ 8 - م 16] عن عبد الله ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج). فرتبوها على هذا الترتيب المتين، وقدموا الطهارة؛ لأنها مفتاح الصلاة التي هي عماد الدين. وهي بالماء أصل، وبالتراب فرع، فقدست أحكام المياه. ولم يذكروا حكم الشهادتين؛ لأنها مفردة في علم سواه. واستدل له في (الإحياء) بقوله صلى الله عليه وسلم: (بني الدين على النظافة)، وهو بهذا اللفظ لم يوجد، لكن رواه ابن حبان في (الضعفاء) [3/ 57]، والطبراني في (الأوسط) [4890] بمعناه بإسناد ضعيف. والمراد: كتاب أحكام الطهارة. و (الكتاب) قال الفقهاء: إنه مأخوذ من الكتب، وهو: الضم، يقال: تكتب بنو فلان إذا تجمعوا، ومنه قيل للخط بالقلم: كتابة؛ لاجتماع الحروف والكلمات. وسميت الأوراق الجامعة للأحكام ونحوها بذلك؛ لأنها تجمع المسائل والأبواب كما في غالب كتب العراقيين، وتارة يعبر عنها بالفصول كما في غالب كتب الخراسانيين. وهو اسم مفرد، وجمعه كتب بضم التاء وإسكانها. وقال الشيخ أبو حيان وغيره: لا يصح أن يكون الكتاب مأخوذاً من الكتب؛ لأن المصدر لا يشتق من المصدر.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الطهارة) بالفتح: طهارة جسم، وطهارة نفس. فمن الأول تعالى: {وإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}. ومن الثاني: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}، و {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}. وفي في اللغة: مطلق النظافة والنزاهة عن الأقذار، وفي الشرع: رفع الحدث، وإزالة النجس، وما في معناهما: كالتثليث، والمضمضة، والاستنشاق، والأغسال المسنونة، والوضوء المجدد، وطهارة دائم الحدث، والدبغ، وانقلاب الخمر خلاً، فهذه طهارات شرعية لا ترفع حدثاً ولا تزيل نجساً، لكنها من مجاز التشبيه؛ لأن الوضوء المجدد شبيه بالوضوء الرافع للحدث في صورته، وكذلك الأغسال المسنونة شبيهة بالغسل الرافع للحدث، والغسلة الثانية والثالثة تشبهان الأولى، وكذلك التيمم أطلق عليه طهارة؛ لمشابهته الوضوء في إباحته الصلاة. واستشكل الشيخ التعبير بالرفع، وقال: هذا حد للتطهير لا الطهارة، والطهارة أثره. قال: والصواب: التعبير بالارتفاع والزوال؛ فإن الطهارة مصدر تطهر، والرفع والإزالة فعل الشخص، والزوال يشمل انقلاب الخمر خلاً؛ لأنه لا فعل فيه. قال: (قال الله تعالى: {وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}). بدأ بالآية تبركاً واقتداء بالشافعي رضي الله عنه، فإن من عادته إذا كان في الباب آية .. ذكرها، أو سنة .. روها، أو أثر .. حكاه، ثم رتب عليه مسائل الباب، وكذلك فعل في (المحرر). و {مَاءً} في الآية: عامة لوقوعها في سياق الامتنان؛ إذ يستحل أن يمتن علينا بغير طاهر، فوجب حمل قوله: {طَهُورًا} على معنى زائد، وهو: التطهير. ويؤيده أن قوماً قالوا: يا رسول الله؛ إنا نركب البحر، ونحمل القليل من الماء،

يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجّسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال: (هو الطهارة ماؤه، الحل ميتته)، قال الترمذي [69]: حسن صحيح. وسئل البخاري عنه، فقال: صحيح. وابتدأ في (المهذب) بقوله تعالى: {ويُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ}، وهذا أصرح في الدلالة. قال: (يشترط لرفع الحدث والنجس ماء مطلق). أما في (الحدث) .. قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. فأوجب التيمم على من فقد الماء، فدل على أنه لا يجوز الوضوء بغيره. ونقل ابن المنذر والغزالي فيه الإجماع. وأما في (النجس) .. فلما روى أبو داوود [367]، والترمذي [138بنحوه]، وابن خزيمة [277]، وغيرهم أن أم قيس بنت محصن الأسدية سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب، فقال: ((حكيه بضلع، واغسليه بماء وسدر). و (الضلع): العود. وقال صلى الله عليه وسلم حين بال ذو الخويصرة التميمي في المسجد: (صبوا عليه ذنوباً من ماء). و (الذنوب) بفتح الذال المعجمة: الدلو. والمأمور لا يخرج عن الأمر إلا بالامتثال، فنص على الماء، وذلك إما تعبد لا يعقل معناه كما قاله الإمام، أو يعقل كما اختاه الغزالي، وهو: ما فيه من الرقة واللطافة التي لا توجد في غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الشرط) في اللغة: العلامة، وفي الاصطلاح: ما لا بد منه. و (الحدث) في اللغة: وجود الشيء بعد أن لم يكن. وسمى سيبويه المصدر حدثاً؛ لحدوثه وكسره على أحداث. وفي الشرع: دنس يقوم بالأعضاء. وهو: ينقسم إلى أكبر وأصغر، وإذا أطلق .. فالمراد الأصغر غالباً. و (النجس) بفتح النون والجيم في اللغة: الشيء المبعد، قال الله تعالى: {إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} أي: مبعدون. وفي الشرع: العين المتصفة بالنجاسة. ولو عبر بإزالة النجاسة .. كان أولى؛ لأن النجس لا يوصف بالرفع في الاصطلاح. وشملت عبارته الأرض التي أصابتها نجاسة وذهب أثرها بالشمس والريح، وكذلك أسفل الخف إذا أصابته نجاسة فدلكها بالأرض. وفي القديم: يطهران بذلك. وخرج بقوله: (ماء) التيمم؛ فإنه مبيح لا رفع، وآلة الدبغ؛ فإنها محيلة لا مزيلة. ولكن يرد على مفهومه: ما تقدم من طهارة دائم الحدث كالمستحاضة، والمضمضة، والاستنشاق، والتثليث، والوضوء المجدد، والأغسال المسنونة، وغسل الميت، والذمية والمجنونة للحل الزوج بها؛ فإنها طهارات لا ترفع الحدث. ويشترط لها الماء المطلق، فلو قال: يشترط لرفع الحدث ونحوه .. لخف الإيراد. وقال في (الدقائق): إن لفظة (الاشتراط) أولى من قول (المحرر): لا يجوز؛ لأنه لا يلزم من التحريم الاشتراط، وهو قد أجاب عن هذا في (شرح المهذب) و (نكت التنبيه) بأنهم يستعملون لفظ الجواز بمعنى الحل، وبمعنى الصحة.

وَهُوَ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلاَ قَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الماء): معروف، وحكى بعضهم: اسقني ما بالقصر، وهمزته منقلبة عن هاء؛ بدلالة ضروب تصاريفه. والنسب إليه: مائي وماوي وماهي، والجمع: أمواه ومياه. ومن عجيب لطف الله تعالى: أن كل مأكول ومشروب يحتاج إلى تحصيل، أو معالجة حتى يصلح للأكل، إلا الماء فإن الله تعالى أكثر منه، ولم يحوج إلى معالجته؛ لعموم الحاجة إليه. قال: (وهو: ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد). شملت عبارته النازل من السماء، وهو ثلاثة: المطر وذوب الثلج والبرد. والنابع من الأرض، وهو أربعة: ماء العيون والآبار والأنهار والبحر. والماء النابع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف المياه. فأما النازل من السماء .. فيدل له الآيتان المتقدمتان مع ما في (الصحيحين) [خ 744 – م 598] من قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم؛ اغسلني بماء الثلج والبرد). ويدل للنابع من الأرض حديث البحر المتقدم، وأنه عليه الصلاة والسلام توضأ من بئر بضاعة، فقيل له: أنتوضأ منها ويلقى فيها المحائض ولحوم الكلاب والخبث؟ فقال: (الماء لا ينجسه شيء) رواه الشافعي [شم 1/ 165] وأحمد [3/ 31] وصححه وحسنه الترمذي [66]. وفي (الرافعي): كان ماؤها كنقاعة الحناء. ولأشرف المياه ما روى النسائي [1/ 61] وابن خزيمة [1/ 102] والبيهقي [1/ 30 و 43] عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في إناء وقال: (توضؤوا باسم الله)، فكان الماء يخرج من بين أصابعه حتى توضؤوا عن آخرهم، وكانوا نحواً من سبعين. وأكثر أهل العلم على أن الماء كان ينبع من نفس أصابعه. قال ابن العربي في (القبس): ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم خصيصة له لم تكن لأحد قبله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن المصنف عدل عن قول (المحرر): بلا إضافة إلى قوله: (بلا قيد)؛ ليشمل التقييد بالإضافة كماء الورد، وبالصفة كقوله تعالى: {مِن مَّاءٍ دَافِقٍ}، {مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ}، وبلام العهد كقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأت الماء)، و (إنما الماء من الماء)، يعني: المني، فخرج ما لا يطلق إلا مقيداً. واختلفوا في المستعمل: هل هو مطلق منع من استعماله، أو ليس بمطلق؟ على وجهين. أصحهما: الثاني، فيحترز عنه أيضاً، لكن صحح جماعة الأول. وإذا وقع في الماء خليط يستغني الماء عنه كورق تفتت .. فقال الإمام: إن الضرورة جوزت إطلاق اسم الماء عليه، فشملته عبارة المصنف. والمراد بالإطلاق عند أهل اللسان والعرف: ما فهم من قولك: ماء، كما نص عليه في (البويطي). وقال في (المختصر): كل ماء من بحر عذب أو مالح .. فالتطهير به جائز. وعاب الفراء وغيره على الشافعي قوله: مالح، وقالوا: هذا لحن، إنما يقال: ماء ملح. وكم من عائب قولاً صحيحاً .... وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الآذان منه .... على قدر القريحة والفهوم والصواب: أن فيه أربع لغات: ملح ومالح ومليح وملاح. قال الشاعر [من الطويل]: فلو تفلت في البجر والبحر مالح .... لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا نعم؛ يرد على عبارة (البويطي) ما حوالي النجاسة العينية؛ فإن الحد صادق

فَالْمُتَغَيَّرُ بِمُسْتَغْنىَ عَنْهُ – كَزَعْفَرَانٍ – تَغَيُّراً يَمْنَعُ إِطْلاَقَ اسْمِ الْمَاءِ .. غَيْرُ طَهُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، ولا يجوز استعماله على القول الجديد الموجب للتباعد. مهمة: الماء المترشح من بخار ارتفع من غليان الماء في زوائد (الروضة) طهور، والأصح: أنه غير طهور. والماء الذي ينعقد منه الملح تجوز الطهارة به على المذهب في (شرح المهذب) وزوائد (الروضة). ومحل الخلاف فيما ينعقد بنفسه، فإن كان بسبب سبوخة الأرض .. جاز قطعاً. قال: (فالمتغير بمستغنى عنه – كزعفران – تغيراً يمنع إطلاق اسم الماء .. غير طهور)، سواء كان قلتين أو أكثر؛ لزوال الإطلاق؛ فإنه لا يسمى ماء إلا مقيداً كماء الباقلاء، ولهذا لو حلف لا يشرب ماء فشرب متغيراً بزعفران أو نحوه .. لم يحنث. ولو وكل من يشتري له ماء فاشتراه .. لم يقع للموكل. ولا فرق في التغير بين الحسي والتقديري، فلو وقع في الماء مائع يوافقه في الصفات كماء الورد المنقطع الرائحة ولم يتغير .. قدرناه مخالفاً للماء، فإن غيره .. سلبه الطهورية، وإلا .. فلا. وقيل: لا أثر للتغير التقديري، بل العبرة بالغلبة، فإن كان الخليط اقل من الماء .. فهو طهور، وإن كان مثله أو أكثر .. فلا. وقيل: تعتبر الكثرة بثلاثة أضعاف الماء، وقيل: بسبعة أضعافه، حكاهما المحب الطبري. فإذا قلنا: لا يؤثر الخليط .. جاز استعمال الجميع. وقيل: يجب أن يبقى قد الخليط. وكل ما أشبه الزعفران من المخالطات يعطى حكمه، كالأشنان والدقيق، وكذلك

وَلاَ يَضُرَّ تَغَيَّرٌ لاَ يَمْنَعُ الاسْمَ، وَلاَ مُتَغَيَّرٌ بِمُكْثٍ، وَطِينٍ، وَطُحْلُبٍ، وَمَا فِي مَقَرَّهِ وَمَمَرَّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الملح الجبلي إذا طرح في الماء على الأصح دون المائي، أما المتغير بالنجس فسيأتي. لكن قوله: (تغيراً يمنع إطلاق اسم الماء) مستغنى عنه؛ لما سيأتي أن التغير الذي لا يمنع الاسم لا يضر. فلو كان على عضوه زعفران أو سدر، فتغير الماء بملاقاته .. ففي صحة طهارة ذلك العضو وجهان في (الذخائر)، الظاهر منهما: المنع كما في غسل الميت. و (الزعفران) جمعه زعافر، كترجمان وتراجم. قال: (ولا يضر تغير لا يمنع الاسم)؛ لما روى النسائي [1/ 131] وابن ماجه [378] عن أم هانئ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد من قصعة فيها أثر عجين). وقيل: يضر التغير المذكور كالتغير اليسير بالنجاسة. قال: (ولا متغير بمكث، وطين، وطحلب، وما في مقره وممره)، ولو تفاحش التغير؛ لمشقة الاحتراز، ولأن الماء لا يمكن صونه عن ذلك. والمراد بـ (الطين والطحلب): ما كانا في الممر والمقر، إلا أن الطين لو طرح فيه .. لم يضر على الصحيح. وصورة المسألة: إذا كان الطحلب ونحوه مفتتاً، فإن لم يكن .. كان مجاوراً، ولو أخرج منه ودق ناعماً وألقي فيه .. ضر على الصحيح. والمراد بـ (التغير) هنا: التغير الكثير. ومثل الطحلب الزرنيخ، وحجارة النورة، وليس المراد بها المحترقة بالنار، بل حجارة رخوة فيها خطوط إذا جرى عليها الماء انحلت فيه، كما نبه عليه ابن الصلاح هنا، والإمام في (النهاية) في (كتاب الحج).

وَكَذَا مُتَغَيَّرٌ بِمُجَاوِرِ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو صب المتغير بالمخالط الذي لا يضر على ماء لا تغير فيه بالكلية فتغير به .. ضر، كما صرح به ابن أبي الصيف؛ لأنه تغير بما يستغنى عنه، ويقال فيه: ماءان يصح الوضوء بكل منهما منفرداً، ويمتنع إذا اختلطا. و (المكث) مثلث الميم. و (الطحلب) بضم الطاء مضمونة ومفتوحة، ويقال له: العرمض وثور الماء، وهو: نبت أخضر يعلو الماء بعضه على بعض. قال: (وكذا متغير بمجاور كعود ودهن) فهو طهور؛ لأنه متغير بما لا يختلط به، فأشبه المتغير بجيفة ملقاة بقربه، وفي قول: لا، كالتغير بالنجاسة. و (المجاور): الذي يتميز برأي العين، وقيل: ما يمكن فصله من الماء. والمخالط: غير ذلك، وقيل: المعتبر فيهما العرف. قال: (أو بتراب طرح في الأظهر)، فيكون طهوراً؛ لأن التغير الحاصل منه مجرد الكدورة، وهي لا تسلب اسم الماء؛ للأمر بالتعفير به في ولوغ الكلب. والثاني: يضر؛ لتغيره بما يستغنى عنه. وأشار بقوله: (طرح) إلى أنه يشترط قصد الطرح، فلو ألقاه غير مكلف كصبي ومجنون .. لم يضر، لكن شرطه أن لا يصل إلى حد يسمى طيناً، وإلى أن الحاصل بهبوب الرياح، والذي يكون في الماء من أصله كالماء الكدر .. فإنه طهور بلا خلاف. ومحل الخلاف: في غير النجاسة الكلبية؛ فإنه لا بد فيها من التراب في إحدى الغسلات. وتعبيره بـ (الأظهر) تبع فيه (المحرر)، وعبر في (الروضة) بالصحيح، وهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخالف لـ (المنهاج) من وجهين: تصحيح كونهما وجهين، وتضعيف الخلاف. وإنما أعاد (الباء) مع التراب وعطفه بـ (أو)؛ ليفصله عن أن يكون من أمثلة المجاور، وليعلم أنه عنده مخالط، ومع ذلك لا يسلب في الأظهر، ويؤيده أنه لم يذكره مع أمثلة المجاور في (الروضة)، بل فصل بينهما بأسطر كثيرة. و (التراب): اسم جنس لا يثنى ولا يجمع عند الظهور. وقال المبرد: هو جمع واحدته تربة، ويدل على حديث يأتي في (الجنائز) عند قول المصنف: (ويحثو من دنا ثلاث حثيات تراب)، وله خمسة عشر اسماً مجموعة في (التحرير) وغيره. فروع: المتغير بالثمار الساقطة فيه .. غير طهور قطعاً. فإذا تناثر ورق الشجر في الماء وتغير به .. لم يضر على الأظهر؛ لعسر الاحتراز. وقيل: إن تغير بربيعي .. ضر، أو بخريفي .. فلا. وقيل: إن كانت الأشجار بقرب الماء .. لا يضر. وقيل: إن طرح قصداً .. ضر، وصححه في (أصل الروضة)، و (الشرح) و (الحاوي) الصغيرين. والمتغير بالمني غير ظهور على الأصح؛ لأنه مخالط، وقيل: طهور؛ لأنه لا يكاد ينماع كالدهن والكافور. والقطران نوعان: مخالط يضر، ومجاور يعفى عنه. وإذا وجدنا الماء متغيراً، وجوزنا أن يكون بطول المكث، أو طارئ طرأ عليه،

وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن لم يكن سبب ظاهر .. أحلنا التغير على طول المكث، وإن كان كما إذا رأينا ظبية تبول في ماء، ثم وجدنا متغيراً وجوزنا أن يكون التغير بطول المكث، وأن يكون بسبب بولها .. فالنص: أنا نحكم بنجاسته إحالة على السبب الظاهر، وهذا يشكل على ما إذا جرح صيداً، ثم غاب عنه ووجده بعد ذلك ميتاً كما سيأتي. قال: (ويكره المشمس) أي: من جهة الطب؛ لأن حمي الشمس يفصل من الإناء أجزاء تعلو الماء كالهباء، وهو: ما يدخل من الكوة مع ضوء الشمس شبيه بالغبار، فإذا لاقى البدن أورثه البرص. وروى الدارقطني [1/ 39] والبيهقي [1/ 6] عن عمر: (أنه كان يكره الاغتسال به)، وروى الشافعي [أم 1/ 3] (أن جابر بن عبد الله كان يكرهه، وقالا: إنه يورث البرص). وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وأما حديث عائشة .. فضعيف جداً. وقيل: إن المشمس لا يكره، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، واختاره المصنف وصوبه في (شرح المهذب)، وهو المنصوص؛ لأنه لم يصح دليل في كراهته. وإذا قلنا بالكراهة .. فشرطه: أن يكون في البلاد الحارة، والأواني المضروبة كالحديد والنحاس والرصاص، فلا يكره في الخزف والجلود والزجاج ونحوها، لكن تستثنى آنية الذهب والفضة؛ لصفاء جوهرهما. وقيل: يكره في النحاس خاصة. وقيل: كل منطبع بشرط تغطية الرأس. وقيل: إن شهد طبيان أنه يورث البرص .. كره، وإلا .. فلا، واختاره الشيخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يكره للنساء دون الرجال. وقيل: لكل شديد البياض. وقيل: لمن لم يعمه البرص دون غيره. وقيل: للحي دون غسل الميت. وليس من شرطه القصد على الأصح؛ لأن ما أثر بطبعه لا فرق بين أن يقصد ذلك منه أم لا. وخص بعضهم الكراهة بالبدن دون الثوب. وفي كراهة أكل ما طبخ به ثلاثة أوجه: ثالثها: يكره إن كان الطعام مائعاً، وبهذا يعلم أن تعبير المصنف أحسن من قول (المحرر): وتكره الطهارة بالمشمس. وفي كراهة سقي الحيوان منه نظر. فإن قيل: لم لا حرم استعماله؛ لأجل ضرره كالسموم القاتلة؟ فالجواب: أن ضرره مظنون بخلاف السموم. ثم الكراهة فيه شرعية على المشهور، وقيل: إرشادية، واختاره الغزالي وابن الصلاح، ويبنى عليهما الثواب على الترك، فإلارشادية لا ثواب فيها. ومحل الكراهة: إذا ما وجد ماء غيره، فإن تعين استعماله .. لم يكره ويجب شراؤه حيث يجب شراء الماء للطهارة، وسيأتي في أول (باب التيمم) عن صاحب (الإستقصاء): أن من لم يجد إلا المشمس يعدل إلى التيمم. فروع: الأصح في زائد (الروضة): أن كراهته تزول بتبريده. والأصح في (الشرح الصغير): بقاؤها؛ لأن العلة انفصال شيء من الإناء إلى الماء، وتلك الأجزاء هي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي تورث البرص وهي باقية، ولا تصحيح في ذلك في (شرح المهذب). والمسخن ولو بالنجاسة لا تكره الطهارة به، وقال مجاهد: لا تجوز الطهارة به. استدل الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حماماً بالجحفة وهو محرم، وقال أسلع بن شريك: (أجنبت وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعت حجارة وسخنت ماء واغتسلت، ثم أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر علي). وخلاف مجاهد لا يقدح في الإجماع. والفرق بينه وبين المشمس: أن للنار قوة وتأثيراً في إذهاب ما ينفصل عن تلك الأجزاء الصادرة، بخلاف المشمس. ولا تكره الطهارة بماء البحر؛ للحديث المتقدم، وكرهه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاصي، وقيل: منعاه وقالا: إنه طبق النار، ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك. وروى الدارقطني [1/ 35] بإسناد حسن عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يطهره ماء البحر .. فلا طهره الله). وتكره الطهارة بشديد الحرارة أو البرودة، إلا أن يضيق الوقت ولم يجد غيره. وتكره أيضاً بمياه بئار ثمود خلا بئر الناقة. ولا تكره بماء زمزم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منه. وقول العباس: (لا أحله لمغتسل، لكن لشارب حل وبل) لم يصح عنه، بل يحكى عن أبيه عبد المطلب، ولو ثبت عن العباس .. لم يجز ترك المنصوص به. وأجاب أصحابنا بأنه محمول على أنه قاله في وقت ضيق الماء لكثرة الشاربين.

وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ – قِيلَ: وَنَفْلِهَا -: غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما إزالة النجاسة به .. فقيل: يحرم؛ لأنه يقيت كالطعام؛ لحديث أبي ذر في ابتداء إسلامه. وفي (صحيح مسلم) [2473]: (أنه طعام طعم). وفي (أبي داوود الطيالسي) [457]: (وشفاء سقم). وقيل: يكره، وقال الصيمري: إنه خلاف الأولى. قال: (والمستعمل في فرض الطهارة – قيل: ونفلها – غير طهور في الجديد). الماء الذي أزيل به حدث .. طاهر؛ لأن السلف الصالح كانوا لا يحترزون عما يتقاطر عليهم منه، وكانوا مع قلة مياههم لم يجمعوا المستعمل للاستعمال ثانياً، بل انتقلوا إلى التيمم. وفي (الصحيحين) [خ 194 – م 1616]: عن جابر قال: (جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض يعودني فتوضأ، وصب علي من وضوئه). وفي القديم: طهور؛ لأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهراً فكان طهوراً. وعلى الجديد اختلفوا في علته، فقيل: تأدي فرض الطهارة به وهو الأظهر، وقيل: تأدي العبادة. فعلى الأول: يحكم بطهورية المستعمل في مسنونات الطهارة، دون المستعمل في غسل الذمية عن حيض لتحل لزوجها المسلم؛ لأنه استعمل في فرض. وعلى الثاني: يكون الحكم بالعكس. وقوله: (قيل: ونفلها) مراده: أن المستعمل في النفل، قيل: إنه غير طهور أيضاً؛ لأنه مستعمل في طهارة، فكان كالمستعمل في رفع الحدث، وبه قال أبو حنيفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس المراد هنا بالفرض: ما يحلق الإثم بتركه، بل ما لا بد منه، ولذلك يحكم باستعمال ما توضأ به الصبي على الصحيح. والمراد بـ (الطهارة) هنا: طهارة الحدث فقط، كما صرحا به في (الشرح) و (الروضة). أما المستعمل في الخبث .. ففيه تفصيل يأتي في (باب النجاسة). وسيأتي في (باب التيمم) تصحيح امتناعه بالمستعمل، وهو لا يرفع الحدث، فقياسه هنا: إلحاق الماء المستعمل في طهارة دائم الحدث به في جريان الوجهين. فروع: ملغزة: لنا ماء استعمل في نفل الطهارة، ومع ذلك لا يجوز استعماله، وهو الذي غسلت به نجاسة لا يجب غسلها، كالدم القليل ودم البراغيث. والأصح: أن المستعمل في الحدث لا يستعمل في الخبث، كما لا يستعمل في الحدث الأكبر. ولا يوصف الماء بالاستعمال ما دام متردداً على العضو، فإن فارقه .. صار مستعملاً سواء انتقل إلى الأرض، أم إلى عضو آخر، حتى لو انتقل من إحدى اليدين إلى الأخرى .. صار مستعملاً على الصحيح. وقيل: لا يضر انتقاله من إحدى اليدين إلى الأخرى؛ لأنهما كعضو واحد. فلو انفصل من بعض أعضاء الجنب إلى بعض .. فوجهان، أصحهما في (التحقيق): أنه يصير مستعملاً كالمحدث، والأصح في (الكفاية): عكسه. هذا كله في الانتقال النادر، أما الذي يغلب في الاستعمال كالحاصل عند نقله من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكف إلى الساعد ورده .. فإنه لا يصير مستعملاً، كما جزم به الرافعي في الباب الثاني من (التيمم). ولو كان على موضعين من بدنه نجاسة، وصب الماء على أعلاهما فمر ثم انحدر إلى الأسفل .. طهرا جميعاً كما أفتى به البغوي. ولو غمس المحدث يده في الإناء بعد غسل وجهة بنية الاغتراف .. لم يصر مستعملاً، وإن نوى الاستعمال .. فمستعمل، وكذا إن أطلق على الصحيح، وكذلك الجنب أيضاً. مهمة: صحح في زوائد (الروضة): أنه لو غسل رأسه بدل مسحه .. كان الماء مستعملاً. والأصح: أنه غير مستعمل. وما توضأ به الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب النية الأصح في زوائد (الروضة) أيضاً: أنه مستعمل. والثاني: لا. والثالث: إن نوى .. صار، وإلا .. فلا. وهذا مشكل على اعتبار اعتقادنا لا اعتقاد الفاعل. والصحيح: التفصيل. قلت: الفرق بين هذا وبين بطلان الصلاة خلف من مس ذكره: أن الإمام بينه وبين

فَإِنْ جُمِعَ قُلَّتَيْنِ .. فَطَهُورٌ فِي الأَصَحَّ. وَلاَ تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلاَقَاةِ نَجِسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المأموم ارتباط، فسرى منه البطلان إليه، بخلاف ما نحن فيه؛ فإنه لا ارتباط بين المستعمل وغيره. قال: (فإن جمع قلتين .. فطهور في الأصح)؛ لأن الماء النجس لو جمع حتى بلغ قلتين .. عاد طهوراً قطعاً فالمستعمل أولى. والثاني: لا يعود طهوراً؛ لأن قوته صارت مستوفاة بالاستعمال فالتحق بماء الورد ونحوه، وهذا اختيار ابن سريج. قال: (ولا تنجس قلتا الماء بملاقاة نجس)؛ لقول صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغ الماء قلتين .. لم يحمل الخبث)، قال الحاكم [1/ 133]: صحيح على شرط الشيخين، ورواه الشافعي [1/ 7] وأحمد [2/ 38] وأبو داوود [64] وابن ماجه [517] وابن حبان [1449]. فلو كانت النجاسة مائعة .. فقيل: يجب أن يبقى قدرها. والأصح: أن له استعمال الجميع كما تقدم في التغير بالطاهر. فلو كانت النجاسة عينية .. وجب التباعد عنها بمقدار قلتين على الجديد وإن كان ذلك المقدار طاهراً على الأصح. والقديم – وهو الذي عليه الفتوى -: لا يجب التباعد. واحترز المصنف بـ (الماء) عن المائعات؛ فإنها تنجس بملاقاة النجاسة وإن بلغت قلالاً؛ لأن صونها بالتغطية ممكن معتاد، بخلاف المياه الكثيرة. مهمة: إذا وقعت في الماء القليل نجاسة وشك: هل هو قلتان أو لا؟ في زوائد (الروضة) المختار بل الصواب: الجزم بطهارته؛ لأنه الأصل وشككنا في نجاسة منجسه،

فَإِنْ غَيَّرَهُ .. فَنَجِسٌ، فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَاءٍ .. طَهَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يلزم من النجاسة التنجيس. أهـ والصواب: أنه إن جمع شيئاً فشيئاً وشك في وصوله قلتين .. فالأصل القلة، وإن كان كثيراً وأخذ منه ثم شك .. فالأصل بقاء الكثرة. وإن ورد شخص على ماء يحتمل الكثرة والقلة .. فهذا محل التردد. أهـ قلت: الصواب ما قاله المصنف، كما لو شك: هل تقدم على الإمام أو تأخر؟ ووجه التفصيل هناك ضعيف، فكذلك هنا. قال: (فإن غيره .. فنجس) بالإجماع، ولا فرق في التغير بين اليسير والكثير، ولا بين المخالط والمجاور، ولا بين الحسي والتقديري، ولا بين اللون والطعم والريح كما سيأتي. فلو وقعت جيفة في ماء كثير وتروح .. تنجس على الصحيح خلافاً للشيخ أبي محمد. هذا إذا تغير كله، فإن تغير بعضه .. فالأصح عند المحققين منهم المصنف: أنه ينجس المتغير فقط. وأما الباقي، فإن كان قلتين .. لم ينجس، وإلا .. فهو نجس، وصحح الرافعي: أن الجميع نجس. قال: (فإن زال تغيره بنفسه أو بماء .. طهر)؛ لزوال علة النجاسة، ولا فرق في الماء المزيل بين الطاهر والطهور والنجس، فلذلك نكره المصنف. وقال الإصطخري: لا يطهر إذا زال التغير بنفسه؛ لأن نجاسته ثبتت بوارد، فلا تزال إلا بوارد. وسيأتي في (باب الأطعمة): أن الجلالة إذا زال تغير لحمها بغير أكل شيء .. لا يزول التحريم أو الكراهة، وهو يشكل على هذا، والخلاف راجع إلى أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد، وفيه صور تأتي متفرقة. وقوله: (طهر) فتح هائه أفصح من ضمها.

أَوْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ .. فَلاَ، وَكَذا تُرَابٌ وَجِصٌّ فِي الأَظْهَرِ. وَدُونَهُمَا بَنْجُسُ بِالْمُلاَقَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بمسك وزعفران .. فلا)؛ لأنا لا ندري أن أوصاف النجاسة زالت، أو غلب عليه المطروح فسترها، وهكذا لو زال طعمه بالخل. وفي (الكافي) وجه: أنه يطهر إذا زال بالمسك، وقياس الباقي كذلك، لكن عطف المصنف المسألة على الزوال ليس بجيد؛ لأنا نشك في زواله. وعبارة (المحرر) أحسن؛ لأنه قال: فلم يوجد التغير .. لم يطهر. قال: (وكذا تراب وجص في الأظهر)، فلا يطهر بهما؛ لأنهما يكدران الماء، فلا ندري أن التغير زائل أو مغلوب. والثاني: يطهر؛ لأن التراب يوافق الماء في الطهورية، فيتعاونان على رفع النجاسة، ولهذا جمع بينهما في تطهير النجاسة المغلظة. ومحل القولين عند كدورة الماء، فإن صفي .. فلا يبقى خلاف، بل إن كان التغير موجوداً .. فنجس قطعاً، وإلا .. فطاهر قطعاً، وبهذا صرح ابن الصلاح، والمصنف في (شرح المهذب). ولا فرق بين أن يكون التغير بالطعم أو باللون أو بالريح، كل ذلك فيه القولان. فإن قيل: إذا زال التغير بالتراب .. ينبغي أن يجزم بنجاسة الماء؛ لكونه متغيراً بتراب متنجس. فالجواب: أن نجاسة التراب نجاسة مجاورة للماء النجس، فإذا زالت نجاسة الماء طهر التراب والماء جميعاً؛ لأن عينه طاهرة. و (الجص): ما يبنى به ويطلى، وكسر جيمه أفصح من فتحها، وهو عجمي معرب، وتسميه العامة الجبس وهو لحن. قال: (ودونهما ينجس بالملاقاة)، تغير أم لا؛ لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغ الماء قلتين .. لم يحمل خبثاً) رواه الأربعة، وصححه الطحاوي، وأبناء منده وخزيمة [1/ 49] وجبان [1449]، والحاكم [1/ 134].

فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ وَلاَ تَغَيُّرَ .. فَطَهُورٌ، فَلَوْ كُوثِرَ بِإِيرَادِ طَهُورٍ فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا .. لَمْ يَطْهُرْ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ، لاَ طَهُورٌ. وَيُسْتَثْنَى مَيْتَةٌ لاَ دَمَ لَهَا سَائِلٌ، فَلاَ تُنَجَّسُ مَائِعاً عَلَى الْمَشْهُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك: لا ينجس إلا بالتغير، واختاره ابن المنذر والروياني، والغزالي في (الإحياء). والمراد (بالملاقاة): ورد النجاسة على الماء، أما وروده عليها .. فله حكم الغسالة، وسيأتي في (باب النجاسة) حكمها. قال: (فإن بلغهما بماء ولا تغير .. فطهور)؛ لزوال العلة وهي القلة، حتى لو فرق بعد ذلك .. لم يضر. والعبرة بالاتصال، كما أشعر به كلام المصنف، لا بالخلط، فيكفي رفع الحاجز بين الصافي والكدر. قال: (فلو كوثر بإيراد طهور فلم يبلغهما .. لم يطهر)؛ لأنه قليل فيه نجاسة. قال: (وقيل: طاهر، لا طهور)؛ لأنه نجس ورد عليه الماء فطهره، كالثوب النجس، وصححه العراقيون كما لو غمر ماء طاهر الأرض النجسة. فإن قلنا بالثاني .. فله شروط: أن يكون أكثر من النجس، وأن يكون وراداً عليه، وان يكون طهوراً. وقد ذكرها المصنف على هذا الترتيب، وأهمل شرطاً آخر وهو: أن لا يكون في الماء نجاسة عينية. وفي (الإستقصاء): أنه يشترط أن يكون الوارد سبعة أضعافه. قال: (ويستثنى ميتة لا دم لها سائل، فلا تنجس مائعاً على المشهور)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم .. فليغمسه ثم ليطرحه؛ فإن في إحدى جناحيه داء، وفي الأخرى شفاء) رواه البخاري [3320] عن أبي هريرة. زاد أبو داوود [3840] وابن خزيمة [105] وابن حبان [1246]: (وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن المعلوم: أن الذباب قد يموت فيه، فلو كان ينجسه .. لم أمرنا به. والثاني: أنها تنجسه، كسائر الميتات النجسة. وفي ثالث مخرج اختاره الشيخ: أن ما يعم وقوعه كالذباب والبعوض لا ينجس، وما لا يعم كالخنافس والعقارب ينجس، وهو متجه. والمراد بما (لا نفس لها سائل) عند قتلها، أو شق عضو من أعضائها، كالذباب والبعوض والزنبور والقمل والبراغيث والنحل والنمل والخنفساء والبق، ودود الفواكه والخل والجبن، وبنات وردان، والعقارب. قال الشيخ: وفي ذكر البق المعروف في بلادنا نظر. قال: وقد رأيت بعض الناس يذكر: أنه في كثير من البلاد اسم للبعوض، فلعل من أطلقه .. أراد به ذلك، وحصل الوهم لمن جمع بينهما. والأصح: أن الوزغ منها، دون الحيات والضفادع. وكلام المصنف يقتضي الجزم بنجاسة الميتة المذكورة، وبه قال الأكثرون كغيرها من الميتات. وقال القفال: إنها طاهرة؛ لعدم دمويتها، قال: والذي فيها من الرطوبة كرطوبة النبات. ومحل الخلاف: إذا لم يتغير المائع بها، فإن تغير .. فالأصح: أنها تنجسه. ومحله: إذا لم تنشأ في المائع، فإن نشأت فيه كدود الخل .. لم تنجسه بلا خلاف. ومحله: إذا وقع بنفسه، فإن طرح فيه .. ضره. وقوله: (مائعاً) أحسن من قول (المحرر): (ماء)؛ لأن المائع أعم والحكم سواء، ولو عبر بالرطب .. كان أشمل ليتناول الثياب الرطبة وغيرها. وقوله: (على المشهور) أشار إلى ضعف الخلاف، وهو في (الروضة) و (التحقيق) قوي.

وَكَذَا فِي قَوْلٍ: نَجِسٌ لاَ يُدْرِكُهُ طَرْفٌ. قُلْتُ: ذَا اَلْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا في قول: نجس لا يدركه طرف. قلت: ذا القول أظهر والله أعلم) أي: لا يشاهده بصر؛ لقلته ولعموم البلوى به، كما إذا وقع الذباب على نجاسة ثم سقط في الماء، وكرشاش البول الذي لا يدرك، فيعفى عنه كدم البراغيث. والثاني: وهو المنقول في (الشرح) عن المعظم: أنه ينجسه؛ قياساً على سائر النجاسات. ومجموع ما في المسألة سبع طرق: أصحها: قولان في الماء والثوب. والثانية: يؤثر فيهما قطعاً، وهو رأي ابن سريج. والثالثة: لا قطعاً. والرابعة: يؤثر في الماء، وفي الثوب قولان. والخامسة: عكس ذلك. والسادسة: يؤثر في الماء دون الثوب، بلا خلاف. والسابعة: عكسه. ويستثنى مع هاتين المسألتين: الهرة، إذا أكلت نجاسة وغابت وأمكن طهر فمها .. فلا نحكم بنجاسة ما ولغت فيه، والصبي إذا أكل شيئاً نجساً، ثم غاب واحتمل طهارة فيه، فهو كالهرة كما أفتى به ابن الصلاح. واستشكل في (الشرح الصغير) مسألة الهرة؛ فإنها تشرب الماء بلسانها وتأخذ منه الشيء القليل، ولا تلغ في الماء يطهر فمها من أكل الفأرة، فلا يفيد احتمال مطلق الولوغ احتمال عود فمها إلى الطهارة، وهو إشكال صحيح.

وَاَلْجَارِي كَرَاكِدٍ، وَفِي اَلْقَدِيمِ: لاَ يَنْجُسُ بِلاَ تَغَيُّرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستثنى القليل من دخان النجاسة إذا حكمنا بنجاسته؛ فإنه يعفى عنه، واليسير من الشعر المحكوم بنجاسته ويعرف بالعرف، والحيوان الذي على منفذه نجاسة – إذا وقع في مائع أو ماء قليل – فلا ينجسه على الأصح، بخلاف المستجمر فإنه ينجسه. وما تحمله الرياح من النجاسات معفو عنه، مثل الذر من غبار السرجين وغيره. قال: (والجاري كراكد)، فينجس القليل منه بملاقاة النجاسة؛ لمفهوم حديث القلتين؛ فإنه لم يفصل بين الجاري والراكد، فإذا كانت الجرية دون قلتين .. تنجست بالملاقاة، وإن كان مجموع ما في النهر أكثر من قلتين .. فيكون محل تلك الجرية من النهر نجساً، ويطهر بالجرية التي تعقبها، وتصير في حكم غسالة النجاسة، حتى لو كانت نجاسة كلبية .. فلا بد من سبع جريات عليها. و (الجاري): ما تدافع في استواء أو انحدار، فإن كان أمامه ارتفاع .. فحكمه حكم الراكد على المذهب. و (الجرية): الدفعة التي بين حافتي النهر في العرض. والجريات متفاصلة في الحكم وإن اتصلت في الحس؛ لأن كل جرية طالبة لما قلبها، هاربة مما بعدها. قال: (وفي القديم: لا ينجس بلا تغير)؛ لأنه ماء ورد على نجاسة، فلم ينجس من غير تغير، كالماء المزال به النجاسة إذا لم يتغير، واختاره جماعة، واقتصر عليه الإمام والغزالي، بل قال في (الإحياء): لا خلاف في مذهب الشافعي: أنه إذا وقع بول في مال ماء جار ولم يتغير .. أن الوضوء منه جائز. ومحل القديم: في الجاري على النجاسة الواقفة ثم ينفصل عنها، فلو اشتملت

وَ (اَلْقُلَّتَانِ): خَمْسُ مِئَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيًّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجرية على نجاسة جامدة تجري بجريها .. فهي شبيهة بالراكد. هذا حكم الجرية التي لاقت النجاسة، أما التي قبلها فطاهرة بلا خلاف. وموضع النجاسة الواقفة نجس، فكل جرية تمر به نجسة إلى أن تجتمع في موضع مقدار قلتين، فيقال: ماء بلغ ألف قلة من غير تغير وهو نجس، فهذه صورته. قال: (و (القلتان): خمس مئة رطل بغدادي)؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه [1/ 165] والبيهقي [صغرى 156] وابن عدي في حديث القلتين المتقدم: (إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر). و (قلال هجر) كانت معروفة عندهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في سدرة المنتهى: (وإذا ثمرها كقلال هجر). وهي قرية من قرى المدينة، نسبت إليها؛ لأنها أول ما عملت بها. وحديث القلتين تقدم أنه صحيح، لكن العمل به متوقف على معرفة مقدارهما، فلذلك لم يخرجه في (الإلمام) مع اعتقاده صحته؛ لأنه رأى أن مقدارهما غير معلوم. وروى الشافعي عن ابن جريج أنه قال: رأيت قلال هجر، فالقلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئاً، فاحتاط الشافعي وجعل الشيء نصفاً؛ لأنه لو كان فوقه .. لقال ثلاث قرب إلا شيئاً، فتكون جملة القلتين خمس قرب، والقربة لا تزيد غالباً على مئة رطل بغدادي، فيكون المجموع خمس مئة رطل. و (القلة) في اللغة: الجرة العظيمة التي يقلها الرجل العظيم بيديه، أي: يرفعها. وهي بالدمشقي: نحو من مائة وثمانية أرطال.

تَقْرِيباً فِي اَلأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالمصري: أربع مئة وستة وأربعون رطلاً وربع رطل، وسدس درهم وخمسة أسباع. وبالأمنان: مئتان وخمسون. وبالمساحة: ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً، بالذراع المذكور في (صلاة المسافر). فإن جعلناهما ألف رطل .. فقال القاضي حسين: هما ذراعان ونصف طولاً وعرضاً وعمقاً، والصواب: ذراع وربع طولاً في مثله عرضاً في ذراعين ونصف عمقاً، أو ذراعان ونصف طولاً في ذراع وربع عرضاً في مثله عمقاً. والوجه الثاني: أنهما ألف رطل؛ لأن أكثر ما تسع القربة مئتا رطل. والثالث: ست مئة رطل، قاله القفال واختاره الغزالي تبعاً للفوراني. و (الرطل) بكسر الراء، وجوز الكسائي فتحها. وسيأتي في (زكاة النبات) الكلام على لفظ بغداد وضبط رطلها. قال: (تقريباً في الأصح)؛ لما تقدم عن ابن جريج، ورجح جماعة: أنه تحديد كنصاب السرقة. فإذا قلنا بالأول .. فما هو النقص المغتفر؟ فيه خمسة أوجه: أصحها: قدر لا يظهر بنقصه تفاوت في التغير، بمقدار مغير من الزعفران أو نحوه. والثاني: رطلان.

وَالَتَّغَيُّرُ اَلْمُؤَثِّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ: طَعْمٌ، أَوْ لَوْنٌ، أَوْ رِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: ثلاثة. والرابع: ثلاثة وما قاربها. والخامس: مئة رطل؛ لشك ابن جريج وهو أبعدها. وإذا قلنا: تحديداً .. ضر نقصان أقل شيء. قاعدة: المقدرات أربعة أقسام: أحدها: ما هو تقريب بلا خلاف، كسن الرقيق المسلم فيه، أو الموكل في شرائه. الثاني: تحديد بلا خلاف، كتقدير مسح الخف، وأحجار الاستنجاء، وغسل الولوغ، والعدد في الجمعة، ونصب الزكوات والأسنان المأخوذة فيها، وسن الأضحية، والأوسق في العرايا، والحول في الزكاة والجزية، ودية الخطأ، وتغريب الزاني، وإنظار المولي والعنين، ومدة الرضاع، ومقادير الحدود. الثالث: تحديد على الأصح، فمنه تقدير خمسة أوسق بألف وست مئة رطل، فالأصح: أنه تحديد. ووقع في (شرح المهذب) هنا وفي (رؤوس المسائل) تصحيح عكسه، ولعله سهو. الرابع: تقريب على الأصح، كسن الحيض، والمسافة بين الصفين، وأميال مسافة القصر. قال: (والتغير المؤثر بطاهر أو نجس: طعم، أو لون، أو ريح)، سواء في ذلك المؤثر حساً أو تقديراً. أما في النجس فبالإجماع كما تقدم، والمعتبر فيه أحد الأوصاف بلا خلاف.

وَلَوِ اَشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ .. اَجْتَهَدَ وَتَطَهَّرَ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمتغير بطاهر كذلك على الصحيح المنصوص. والحديث الذي رواه ابن ماجه [517] والفقهاء: (الماء طهور لا ينجسه شيء) صحيح، وهو من تمام حديث بئر بضاعة. وأما ما فيه من استثناء طعمه أو ريحه .. فضعيف، وأضعف منه رواية ذكر اللون. وفي قول: إنما يسلب في التغير بالطاهرات تغير الأوصاف الثلاثة. وفي آخر: أن اللون وحده يسلب، وكذا الآخران إذا اجتمعا دون ما إذا وجد أحدهما. وعبارة المصنف رحمه الله تعالى تقتضي: أن لنا تغيراً بنجس لا يؤثر، وهذا لا يوجد، إلا أن يكون احترز عن التغير برائحة جيفة ملقاة بقربه، فإنه لا يضر. ثم إذا احتجنا إلى تقدير التغير بالطاهر .. فالمعتبر: أوسط الصفات وأوسط المخالفات. قال: (ولو اشتبه ماء طاهر بنجس .. اجتهد وتطهر بما ظن طهاته)؛ لأن أصل الطهارة معارض بيقين النجاسة، ولأنه شرط من شروط الصلاة يمكن التوصل إليه بالاجتهاد فوجب كالقبلة، وليس الإنسان مكلفاً باليقين، بل تكفيه غلبة الظن؛ بدليل جواز الوضوء بالماء القليل مع القدرة على الكثير، ثم لا بد من ظهور علامة تغلب على الظن الظاهر منهما كسائر الأحكام، وذلك كتغير لون أو ريح أو حركة أو رشاش حوله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما ذوق الماء .. فلا يجوز لاحتمال نجاسته، قال في (البيان). وكذلك يجتهد إذا اشتبه مطلق بمستعمل في الأصح. ووراء ما ذكره المصنف رحمة الله عليه أوجه: أحدها: ما قاله المزني وأبو ثور: إنه لا يجتهد، بل يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه؛ لأنه تحقق النجاسة ولا تزال بغلبة الظن. والأكثرون لم يثبتوه خلافاً مذهبياً. والثاني – عن الصيدلاني -: أنه يهجم ويتوضأ بأحد الآنية، ويصلي ولا إعادة عليه؛ لأن الأصل في كل منهما الطهارة وعدم وقوع النجاسة. والثالث – عن الشيخ أبي محمد-: أنه إذا ظن طهارة إناء من غير أمارة .. عول عليه. والرابع – قول أبي إسحاق الذي حكاه المصنف رضي الله عنه -: إن كان معه طاهر بيقين .. لم يتحر. وضعف الأول بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، وهذا واجد للماء. وضعف الثاني بأن أصل الطهارة قد عارضه تحقق وقوع النجاسة فارتفع. وضعف الثالث بأن الأحكام الشرعية لا تنبني على الإلهامات والخواطر. وأما قول أبي إسحاق .. فسيأتي إن شاء الله تعالى بيان ضعفه. والمذهب: أنه لا فرق في جواز الاجتهاد بين الحاضر والمسافر. وعلى المذهب لو توضأ بغير اجتهاد، ثم بان أن ما توضأ به طاهر .. لم يصح وضؤوه عند جماعة منهم المصنف رحمه الله تعالى؛ لأنه متلاعب كالقبلة. واختار ابن الصباغ والغزالي: أنه يصح كما لو أدى دينه بمال شك فيه، ثم تبين أنه ملكه. وحكم الثياب حكم المياه، إلا أن المزني قال: يصلي بكل مرة. وحكى المرعشي قولاً: أنه لا يجتهد في الثياب إلا في السفر. وقيل: لا يجتهد إن اختلف الجنس كلبن مع زيت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعترض ابن الفركاح على المصنف بأنه: إن أراد وجوب الاجتهاد .. شمل ما إذا قدر على طاهر بيقين، وهو لا يجب إذ ذاك، بل قيل: لا يجوز. أو الاستحباب .. اقتضى – فيما إذا لم يقدر على المتيقن – أنه يستحب، وهو إذ ذاك واجب. أو الجواز .. لم يفهم منه الوجوب عند عدم المتيقن. والجواب: أن مراده الجواز؛ بدليل حكايته الخلاف. وصورة الوجوب إنما يتحقق عند ضيق الوقت، وليس في كلامه ما ينفيه؛ إذ من المعلوم أن من قدر على الماء بطريق مأذون فيه شرعاً .. لزمه تحصيله ما لم يمنع منه مانع. والاجتهاد والتأخي والتحري: عبارة عن بذل الجهد – وهو الطاقة – في طلب المقصود. قال الله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}. وما أحسن قول ابن سناء الملك [من الخفيف]: فتحيرت أحسب الثغر عقداً .... لسليمى وأحسب العقد ثغرا فلثمت الجميع قطعاً لشكي .... وكذا فعل كل من يتحرى فروع: للاجتهاد شروط: أن يكون في متعدد، فلو انصب أحد الإناءين قبل الاجتهاد .. ففي الاجتهاد في الثاني وجهان، أصحهما عند الرافعي: الجواز، وعند المصنف: المنع، فيتيمم ويصلي ولا يعيد، وإن لم يرقه.

وَقِيلَ: إِنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ .. فَلَا - ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن يكون للعلامة فيه مجال لا كمحرم وأجنبية، وكذا إذا اختلطت زوجته بأجنبيات .. لا يجتهد احتياطاً للأبضاع. وأن تظهر له علامة كما تقدم. وأن يكون المتيقن الطهارة لا يخشى منه ضرراً كالمشمس، قاله صاحب (المعين) اليمني. وأن يعجز عن المتيقن الطهارة في الوجه الآتي إن شاء الله تعالى. ولو لم تظهر له علامة .. تيمم للعجز في الوضوء، وليكن تيممه بعد إراقة الماءين، أو صب أحدهما في الآخر، ولا إعادة عليه. فإن تيمم قبل ذلك .. وجبت إعادة الصلاة؛ لأنه تيمم ومعه ماء طاهر بيقين. ولو اختلطت ميتة بمذكاة بلد، أو إناء بول بأواني بلد .. فله الأخذ هجماً, وإلى متى يأخذ؟ الأصح: حتى يبقى واحد. والثاني: إلى أن يبقى قدر لو اختلط به ابتداء منع الجواز. ولو اشتبهت شاته بشاة غيره، أو طير بطير غيره، أو ثوبه بثوب غيره .. اجتهد وأخذ ما يؤدي إليه اجتهاده؛ لأن دلالة الملك لا تكفي في حل الأخذ. قال: (وقيل: إن قدر على طاهر بيقين .. فلا)، كما إذا كان معه إناء ثالث طاهر بيقين، أو كان على البحر؛ لأنه قادر على إسقاط الفرض بيقين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) رواه أحمد [1/ 200] وصححه الحاكم [2/ 13] والترمذي [2518]. وفرق الجمهور بينه وبين القبلة بوجوه:

وَاَلأَعْمَى كَبَصِيرٍ فِي اَلأَظْهَرِ – أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ .. لَمْ يَجْتَهِدْ عَلَى اَلصَّحِيحِ، بَلْ يُخْلَطَانِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: أن القبلة في جهة واحدة، فإذا قدر عليها .. كان طلب غيرها عبثاً، والماء الطهور في جهات كثيرة. قال: (والأعمى كبصير في الأظهر)؛ إذ يمكنه الوقوف على الأمارات كاللمس والشم والسماع واعوجاج الإناء ونحوه، فجاز له الاجتهاد كالوقت، فإنه يجتهد فيه بلا خلاف. والثاني: لا يجوز؛ لأن النظر أثراً في حصول الظن وقد فقد، فامتنع الاجتهاد كالقبلة؛ لأنه لا يجتهد فيها بلا خلاف، فمسألة الكتاب فرع يحاذيه أصلان. ومراد المصنف بتشبيهه بـ (البصير): [أي]: في أصل الاجتهاد وإن خالفه في بعض فروع المسألة؛ فإنه إذ تحير .. قلد على الصحيح بخلاف البصير. والمصنف في شروط الصلاة ذكر: أنه إذا اشتبه عليه ثوب طاهر بنجس .. اجتهد، ولم يفصل بين أعمى وبصير، ولا بين أن يقدر على طاهر بيقين أو لا، ولا شك أن الخلاف هناك كما هو هنا، فاجتهاده في الثياب كاجتهاده في الأواني. قال: (أو ماء وبول .. لم يجتهد على الصحيح)، سواء كان أعمى أو بصيراً؛ لأن الاجتهاد يقوي ما في النفس من الطهارة الأصلية، والبول لا أصل له فيها فامتنع الاجتهاد. والثاني: يجتهد كالماء النجس، قال الإمام: وهذا هو المتجه في القياس. وعلى هذا: لا بد من أمارة بلا خلاف. قال: (بل يخلطان ثم يتيمم)؛ لئلا يتيمم ومعه طاهر بيقين، وإنما يتيمم لتعذر

أَوْ وَمَاءُ وَرْدٍ .. تَوَضَّأَ بِكُلً، وَقِيلَ: لَهُ اَلاجْتِهَادُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمال الماء. فلو تيمم قيل الإراقة أو الصب .. أعاد الصلاة؛ لأن معه ماء طاهراً بيقين. قال المصنف: والصب كالخلط. وصوب في (المهمات) عدم اشتراط الصب في صحة التيمم، وقال: إنما هو شرط لوجوب القضاء فقط. وظاهر عبارة الكتاب: أنه لا بد من إتلاف الماءين، ولا حاجة إلى ذلك، بل يكفي إتلاف أحدهما فقط بأن يريقه، فإنه يحتمل أن يكون هو النجس، وأن يكون هو الطاهر، على السواء فلم يبق معه طاهر بيقين، والصواب: حذف النون من (يخلطان)؛ لأنه مجزوم بحذفها عطفاً على يجتهد. وقوله: (ثم يتيمم) أحسن من قول (المحرر): ويتيمم؛ لإفادة الترتيب. قال: (أو ماء ورد .. توضأ بكل مرة) أي: وجوباً إذا لم يجد غيرهما؛ لحصول المقصود بتيقن استعمال الطهور، ويعذر في تردد النية للضرورة، كمن نسي صلاة من الخمس. واعترض على عدم الجزم بالنية بأن ذلك يمكن، بأن يضع في إحدى يديه من هذا وفي الأخرى من هذا، ويغسل خده الأيمن بيمناه والأيسر بيسراه دفعة من غير خلط مقترناً بالنية، ثم يعكس المأخوذ والمغسول، فيصح وضوؤه وجزمه بالنية. قال: (وقيل: له الاجتهاد)، كالماء الطهور مع المتنجس، وهو جار في كل موضع لم يحصل فيه الاستناد إلى أحد من الجانبين، كخل وخمر، ومذكاة وميتة، ونحو ذلك. والصحيح في الجميع: عدم الاجتهاد. ثم لا بد هاهنا من ظهور علامة بلا خلاف، كما تقدم في الماء والبول.

وَإِذَا اَسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ .. أَرَاقَ اَلآخَرَ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ .. لَمْ يَعْمَلْ بِاَلثَّانِي عَلَى اَلنَّصَّ، بَلْ يَتَيَمَّمُ بِلاَ إعَادَةٍ فِي اَلأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا استعمل ما ظنه .. أراق الآخر)؛ لئلا يغلط فيستعمله، أو يتغير اجتهاده فيتهوس بذلك. قال الشيخ: وهذه الإراقة مستحبة بلا خلاف، وبقية الخلاف فيه نظر، فقد حكى الماوردي وجوبه إذا لم يخف العش، فإن خافه .. فله إمساكه ليشربه إذا اضطر. قال: (فإن تركه وتغير ظنه .. لم يعمل بالثاني على النص)؛ لأنه إذا استعمل الثاني ولم يغسل ما أصابه من الأول .. صلى وعليه نجاسة بيقين، وإن غسله .. كان نقضاً للاجتهاد بالاجتهاد وهو لا يجوز. وخرج ابن سريج: أنه يتوضأ بالثاني كما لو تغير اجتهاده في القبلة، وضعفه الأصحاب. قال: (بل يتيمم)؛ لأنه لا يمكنه استعمال ما معه. قال: (بلا إعادة في الأصح) أي: للصلاة الثانية؛ لأنه يتمم لها وليس معه طاهر بيقين. والثاني: يعيد؛ لأن معه طاهراً بحكم الاجتهاد. وأما الصلاة الأولى .. فلا تعاد جزماً، هذا إذا لم يبق معه من الأول شيء، فإن بقيت بقية .. وجبت الإعادة على الأصح؛ لأن معه ماء طاهراً بيقين، سواء كانت كافية لطهارته أم لا. هذا إذا أحدث، فإن كان على طهارة .. لم تجب الإعادة.

وَلَوْ أَخْبَرَ بِتَنَجُّسِهِ مَقْبُولُ اَلرَّوَايَةِ وَبَيَّنَ اَلسَّبَبَ، أَوْ كَانَ فَقِيهاً مُوَافِقاً .. اَعْتَمَدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم محل الخلاف في الإعادة: للمسافر، أما الحاضر .. فيعيد جزماً. قال: (ولو أخبر بتنجسه) أي: بتنجس أحدهما بعينه، أو على الإبهام. قال: (مقبول الرواية)، المراد به: العدل، فشمل العبد والمرأة والأعمى على الأصح. وما وقع في زوائد (الروضة) و (شرح المهذب) من قوله: بلا خلاف، معترض. وخرج الكافر والفاسق، والمجهول والمجنون، والصبي الذي لا يميز وكذا المميز على الأصح. ووقع في (شرح المهذب) في (باب الأذان): قبول إخبار المميز فيما طريقه المشاهدة، بخلاف ما طريقه النقل كالإفتاء، والمعتمد عدم قبوله مطلقاً. قال: (وبين السبب) أي: وكان منجساً عندنا؛ بأن قال: ولغ الكلب في أحدهما أم بال فيه، سواء كان فقيهاً أم عامياً، موافقاً أم مخالفاً. فلو شهد واحد أنه رأى الكلب ولغ في هذا الإناء، وآخر أنه ولغ في غيره .. حكمنا بنجاستهما، نص عليه. ولو شهد اثنان أنه وقت الزوال ولغ في هذا ولم يلغ في غيره .. عمل بقول أوثقهما. فإن استويا .. فالأصح: يسقط خبرهما فيتوضأ بما شاء وقيل: يجتهد. قال: (أو كان فقيهاً موافقاً .. اعتمده)، سواء أخبره بذلك قبل الاجتهاد أم بعده، حتى يجب عليه الاجتناب عند التعيين، والاجتهاد عند عدمه؛ لأنه خبر يغلب على الظن التنجس. وإنما اعتبرنا (الموافق)؛ لأن المذاهب مختلفة في أسباب النجاسة، وقد يظن بما ليس نجساً.

وَيَحِلُّ اَسْتِعْمَالُ كُلَّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (الفقيه): العارف بما ينجس الماء، فلو أخبره بنجاسة ما صلى به .. أعادها وغسل كل ما أصابه منه، فإن أطلق ولم يكن موافقاً .. لم يرجع إليه. وسيأتي في (باب الردة) ما يشكل على هذا. قال: (ويحل استعمال كل إناء طاهر) بالإجماع، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم من شن من جلد، ومن قدح من خشب، ومن مخضب من حجر. وقوله: (طاهر) أي: من حيث كونه إناء، فلا يرد المغضوب ونحوه. وما يورد على طرده: من إناء من جلد آدمي أو شعره .. تكلف، أو على عكسه: مما اتخذ من جلد نجس – العين إذا وسع فوق قلتين – غير صحيح، فإنا نمنع حل استعماله وإن كان الماء الذي فيه ظاهراً. نعم؛ المتخذ من عظام الميتة وجلدها قبل الدباغ يكره استعماله فقط، كما في زوائد (الروضة). وفي (الصحيح) [خ 197]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من إناء من صفر)، وكره في (الإحياء) الوضوء منه، ورواه عن ابن عمر وأبي هريرة، وهو محجوج بالحديث الصحيح، أما الأكل والشرب فيه .. فيكره. قال القزويني: اعتياد ذلك تتولد منه أمراض لا دواء لها.

إلاَّ ذَهَباً وَفِضَّةً فيَحْرُمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الإناء) جمعه: آنية كسقاء وأسقية، ورداء وأردية، وجمع الآنية: أواني، ووقع في (الوسيط) وغيره: إطلاق الآنية على المفرد، وليس بصحيح. وروى الطبراني عن أبي عنبة الخولاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله آنية في أرضه، وآنيته في أرضه قلوب عباده الصالحين، فأحبها إليه ألينها وأرحمها وأصفاها وأرقها). قال: (إلا ذهباً وفضة فيحرم) أي: استعمالهما بالإجماع على الرجل والمرأة، والصغير والكبير، حتى يحرم على الولي أن يسقي الصبي بإناء منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) رواه الشيخان [خ 5426 م 2067] من حديث حذيفة. وفي (مسلم) [2065] عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه ناراً) أي: يلقيها في جوفه لها صوت. وسمي المأكول والمشروب ناراً؛ لأنه يؤول إليها كما في قوله تعالى: {إنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}، فهذا نص في تحريم والأكل والشرب، وقيس عليه الباقي. وعن القديم: يكره كراهة تنزيه؛ لأن ما فيه من الخيلاء لا ينهض حجة في التحريم، لكنهم اتفقوا على ضعفه، ووهم السنجي في نقله الكراهة عن حرملة. وحكى المرعشي قولاً: أن الأكل والشرب يحرمان دون غيرهما. وعلى المذهب: إذا تطهر منه .. صحت الطهارة وعصى بالفعل، ولو أكل أو شرب فيهما .. عصى وكان الطعام والشراب حلالاً. ومن الاستعمال المحرم: الأكل بملعقة منهما، والتطيب من قارورتهما، والاحتواء على مجمرتهما، بخلاف إتيان الرائحة إليه من بعد، بحيث إنه لا ينسب إلى أنه متطيب بهما، فإن قصد تطييب البيت .. عد مستعملاً، صرح به المحب الطبري. ويحرم تخليل الأسنان بخلالهما، والاكتحال بميلهما، واستعمال الإبرة والمرآة منهما.

وَكَذَا اَتَّخَاذُهُ فِي اَلأَصَحَّ. وَيَحِلُّ الْمُمَوَّهُ فِي اَلأَصَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والحيلة في الاستعمال: أن يخرج الطعام من الإناء على شيء بين يديه، ثم يأكل، وأن يضع الطيب في يسراه، ثم يستعمله منها بيمينه. قال: (وكذا اتخاذه في الأصح)؛ لأن ما لا يجوز استعماله يحرم اتخاذه، كآلات الملاهي. والثاني: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استعماله، والنهي الوارد إنما هو في الاستعمال، وليس كآلات الملاهي؛ لأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها، بخلاف هذه. والصواب: أن الخلاف قولان منصوصان، كما صرح بهما الشيخ أبو حامد، والمحاملي، والبندنيجي، ونصر المقدسي، وصاحب (العدة)، وابن الرفعة. وفي جواز تزيين الحوانيت والبيوت بآنية النقدين وجهان، لم يصحح الرافعي منهما شيئاً. والأصح في (الروضة) و (شرح المهذب): التحريم. قال: (ويحل المموه في الأصح)، سواء موه بذهب أو بفضة؛ لاستهلاكه؛ وهذا بناء على أن التحريم للعين. والثاني: لا يحل بناء على أنه للخيلاء، واختاره الشيخ في (تنزيل السكينة). ثم الحل محله: إذا لم يحصل منه شيء بالعرض على النار، فإن حصل .. حرم قطعاً. و (التمويه): الطلي، ومنه تمول القول، وهو: تلبيسه. فروع: يحرم تمويه السقف والجدار بهما بلا خلاف، فإن حصل منه شيء بالعرض على النار .. حرمت استدامته، وإلا .. فلا.

وَاَلنَّفِيسُ – كَيَاقُوتٍ – فِي اَلأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح في (شرح المهذب) في بابي (اللباس) و (الزكاة): أنه لا يجوز تمويه الخاتم والسيف وغيرهما من آلة الحرب بالذهب، وهو مقتضى كلام الرافعي في (الزكاة)، وهو مخالف للمذكور هنا، إلا أن يحمل التحريم هناك على ما يلبس؛ لما فيه من كثرة الخيلاء، والمذكور هنا على غيره، أو يحمل المذكور هناك على نفس الفعل، وهنا على الاستعمال، ولهذا عبروا هناك بالتمويه وهنا بالمموه. ولو اتخذ إناء من أحد النقدين وموهه بنحاس ونحوه .. فالأصح عند المصنف: أنه لا يحرم استعماله، واعترض عليه بأن المعنى الصحيح الذي نص عليه الشافعي في الجديد: أن التحريم لعينها. ومعنى الخيلاء حكي عن القديم لا غير، وحينئذ فالأصح: التحريم، وهو مقتضى كلام الرافعي. والأصح عن الشيخين: حرمة تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة، وخالفهما الشيخ فصحح الحل – وفاقاً للقاضي حسين – وقال: المنع لاسيما في الكعبة بعيد شاذ غريب في المذاهب كلها، قل من ذكره، ولا وجه له، ولا دليل يعضده، هذا في التحلية بصفائح النقدين، أما التمويه .. فلا أمنع من جريان خلاف فيه؛ لأن فيه إفساد ماليته. فالتمويه عنده أضعف من التحلية. قال: (والنفيس – كياقوت – في الأظهر)؛ لأنه لا يعرفه إلا الخواص، ولم يرد فيه نهي، ولا يظهر فيه معنى السرف والخيلاء، لكنه مكروه. قال الشافعي رضي الله عنه: إنما أكره لبس الياقوت والزبد جد من جهة السرف، فلو اتخذ لخاتمه فصاً منها .. جاز قطعاً. والقول الثاني نص عليه في (حرملة): يحرم؛ لأنه أعظم من السرف في النقدين. قال في (شرح المهذب): ومن النفيس المرجان والعقيق والبلور، لكن في (الحاوي): أن البلور ليس من النفيس، وأن المتخذ من الطيب والعنبر والمسك والكافور منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيد في (المحرر) النفيس بكونه من الجواهر، وهو أولى من تعبير المصنف؛ لإخراج ما نفاسته من صنعته، كالزجاج والبلور والخشب المحكم الخرط، فإنه حلال بلا خلاف، وتعبير المصنف أولى لإدخال المتخذ من الطيب، فالأحسن حذف الجواهر وتقييد النفيس بالذات. فائدة: (الياقوت): فارسي معرب، الواحدة ياقوتة، وجمعه: يواقيت. روى ابن عدي [1/ 172] – في ترجمة أحمد ابن أبي أحمد – عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اتخذ خاتماً، فصه ياقوت .. نفي عنه الفقر)، قال ابن الأثير: يريد أنه إذا ذهب ماله .. باع خاتمه فوجد به غنى. قال: والأشبه إن صح الحديث .. أن يكون لخاصة فيه، كما أن النار لا تؤثر فيه ولا تغيره، وأن من تختم به .. أمن من الطاعون، وتيسرت له أمور المعاش، ويقوى قلبه وتهابه الناس، ويسهل عليه قضاء الحوائج. وفي (كامل ابن عدي) [3/ 387]: عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحجر الأسود من ياقوت الجنة، فمسحه المشركون فاسود من مسحهم). وفي (كتاب الخصائص) لأبي الربيع سليمان بن سبع السبتي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى علياً فصاً من ياقوت، وأمره أن ينقش عليه: لا إله إلا الله، ففعل وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ألم آمرك أن تنقش عليه: لا إله إلا الله؟ فلم زدت: محمد رسول الله؟) فقال: والذي بعثك بالحق ما فعلت إلا ما أمرتني به! فهبط جبريل عليه – صلى الله عليه وسلم – وقال: يا محمد؛ إن الله يقول لك: (أحببتنا فكتبت اسمنا، ونحن أحببناك فكتبنا اسمك)). والفيروزج: حجر أخضر تشوبه زرقة، يصفو لونه مع صفاء الجو، ويتكدر

وَمَا ضُبَّبَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَةً كَبِيرَةً لِزِينَةٍ .. حَرُمَ، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ اَلْحَاجَةِ .. فَلاَ، أَوْ صَغِيرَةً لِزِينَةٍ، أَوْ كَبِيرَةً لَحِاجَةٍ .. جَازَ فِي الأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بتكدره، ومن خواصه: أنه لم ير في يد قتيل خاتم منه أبداً. والمرجان إذا علق على طفل .. امتنعت عنه أعين السوء من الجن والإنس. والبلور من علق عليه .. لم ير منام سوء. قال: (وما ضبب بذهب أو فضة ضبة كبيرة لزينة .. حرم)؛ للسرف والخيلاء، وتحرم الضبة الكبيرة إذا كان بعضها للزينة وبعضها للحاجة. و (المضبب): الذي فيه ضبة، وهي: صفيحة يسمر بها موضع الشق من الإناء ونحوه، وجمعها: ضباب. قال: (أو صغيرة بقدر الحاجة .. فلا)؛ لما روى البخاري [5638] رضي الله عنه عن عاصم الأحوال قال: (رأيت قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك رضي الله عنه وكان قد انصدع، فسلسله بفضة. قال أنس رضي الله عنه: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا القدح أكثر من كذا وكذا). و (الصدع): الشق، والفاعل له أنس رضي الله عنه، كما قاله ابن الصلاح. قال: (أو صغيرة لزينة، أو كبيرة لحاجة .. جاز في الأصح). أما الأولى .. فلقدرة معظم الناس على مثلها. وأما الثانية .. فلظهور قدر الحاجة فيها. والثاني: لا؛ لظهور معنى الخيلاء. وروى البيهقي [1/ 29] – بإسناد جيد – عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة، ولا ضبة فضة). وعن عائشة رضي الله عنها: (أنها نهت عن تضبيب الأقداح بالفضة)، فلذلك قيل: يحرم استعمال المضبب مطلقاً. وقيل: لا مطلقاً، بل يكره. وضابط القلة والكثرة: العرف. ومتى شككنا في الكبيرة .. فالأصل: الإباحة.

وَضَبَّةُ مَوْضِع اَلاِسْتِعْمَالِ كَغَيْرِهِ فِي الأَصَحَّ. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: تَحْرِيمُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقاً، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: الكبيرة ما تستوعب جانباً من الإناء، كدور رأسه أو أعلاه أو أسفله أو شفته، وقيل: ما يلوح من بعد. و (الحاجة): المأربة، والجمع: حاج وحاجات وحوج، وحوائج على غير قياس، وكان الأصمعي ينكره ويقول: إنه مولد، وإنما أنكره؛ لخروجه عن القياس، وإلا فهو كثير في كلام العرب، وينشد [من الوافر]: نهار المرء أمثل حين يقضي .... حوائجه من الليل الطويل قال: (وضبة موضع الاستعمال كغيره في الأصح)؛ لأن الاستعمال منسوب إلى الإناء كله. والثاني: إن كنت في موضع الاستعمال .. حرم؛ لأنه يقع به الاستعمال. قال: (قلت: المذهب: تحريم ضبة الذهب مطلقاً والله أعلم)؛ لأن الحديثين السابقين إنما هما في الفضة، ولا يلزم من جوازه جواز الذهب، لاسيما وقد قال صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: (هذا حرامان على ذكور أمتي). ونقل الرافعي رحمه الله خلافه عن المعظم، فلو اضطر إليها .. جازت بلا خلاف. وفي المراد بـ (الحاجة) احتمالان للإمام: أحدهما: أن تكون الضبة على قدر موضع الكسر، لا تتجاوزه إلا بمقدار ما يستمسك، سواء وجد غيرها أم لا، والمراد بـ (الزينة): ما وراء ذلك. والثاني: أن يعدم ما يضبب به من غير النقدين. فروع: شرب بكفه وفي أصبعه خاتم فضة، أو في الإناء الذي شرب منه دراهم .. جاز ولو أثبتت الدراهم في الإناء بالمسامير، فهو كالضبة، وقطع القاضي حسين بجوازه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو اتخذ للإناء رأساً أو حلقة أو سلسلة من فضة .. صرح جماعة بالجواز، وعللوا الرأس بأنه منفصل عن الإناء لا يستعمل معه. قال (في المهمات): وكذلك الحرير أيضاً إنما يحرم منه ما تعلق بالبدن كالجلوس عليه، وحينئذ فيكون غطاء العمامة، وكيس الدراهم، ونحو ذلك من الحرير أولى بالجواز من غطاء الكوز وما يوضع فيه. ويستحب تغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وهو: شد رأسه بخيط أو نحوه. تتمة: أواني المشركين وثيابهم – إن كانوا لا يتعبدون باستعمال النجاسة كأهل الكتاب – فهي كآنية المسلمين وثيابهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة، وتوضأ عمر رضي الله عنه من جر نصرانية. والجر والجرار جمع جرة. وكره استعمالها لعدم تحرزهم، قال الشافعي رضي الله عنه: وأنا لما يلي أسافلهم من الثياب أشد كراهة. وخص البندنيجي الكراهة بما عدا آنية الماء، واستدل بفعله صلى الله عليه وسلم. وإن كانوا يتدينون باستعمال النجاسة، كطائفة من المجوس يغتسلون ببول البقر تقرباً .. ففي جواز استعمالها وجهان أخذاً من القولين في تعارض الأصل والغالب، ويجري الوجهان في أواني مدمني الخمر وثيابهم، وثياب القصابين الذين لا يحترزون من النجاسة، والأصح: الجواز. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة سئل فقيه العرب عن الوضوء من الإناء المعوج، فقال: إن أصاب الماء تعويجه .. لم يجز، وإلا .. جاز. والمراد بـ (المعوج): المضب بالعاج، وهو: ناب الفيلة، ولا يسمى غير نابها عاجاً، والصورة فيما دون القلتين. وليس مراد ابن خالويه والفقهاء والحريري بفقيه العرب شخصاً معيناً، إنما يذكرون ألغازاً وملحاً ينسبونها إليه، وهو مجهول لا يعرف، ونكرة لا يتعرف. * * *

باب أسباب الحدث

باب أسباب الحدث هِيَ أَرْبَعَةٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (باب) أي: هذا باب أفصل به الكلام عما قبله. و (الباب): ما يتوصل منه إلى الشيء، وجمعه: أبواب. قال الزمخشري: وإنما بوب المصنفون في كل فن من كتبهم أبواباً موشحة الصدور بالتراجم؛ لأن القارئ إذا ختم باباً من الكتاب ثم أخذ في آخر .. كان أنشط له، وأهز لعطفه، وأبعث على الدرس والتحصيل، بخلاف ما لو استمر على الكتاب بطوله، ومثله المسافر إذا علم أنه قطع ميلاً، أو طوى فرسخاً، أو انتهى إلى رأس بريد .. نفس ذلك عنه ونشط للمسير. ومن ثم كان القرآن سوراً، وجزأه القراء أسباعاً وعشوراً وأخماساً وأحزاناً. قال: (أسباب الحدث هي أربعة). (الأسباب): جمع سبب، وهو: كل شيء يتوصل به إلى غيره. و (الحدث) تقدم بيانه. وهذه العبارة أحسن من التعبير بنواقص الوضوء؛ لأن الأصح: أنها غايات له، فيقال: انتهى الوضوء كانتهاء الصوم بالغروب. لكن سيأتي إن شاء الله تعالى التعبير بالنقض في قوله: (فخرج المعتاد نقض). وقدمه على الوضوء كما قدم هو وغيره موجب الغسل على الغسل، وهو ترتيب طبيعي؛ فإن رفع الحدث إنما يكون بعد وجوده، وعكس في (الروضة) تبعاً للرافعي وجماعة. وكونها أربعة تبع فيه الجمهور، فلا يرد ما زاده المحاملي من: انقطاع الحدث الدائم؛ لأنه لم يرفع الحدث. ونزع الخف؛ لأنه يكفي فيه غسل الرجل على الأصح، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا الردة؛ لأنها لا تبطله على الأصح. ولا أكل لحم الجزور على المذهب، والقديم: النقض به، وصححه المصنف من جهة الدليل، وعلى المذهب يندب الوضوء من أكله خروجاً من الخلاف، وفيه نظر من جهة النية؛ لأن الجزم بها لا يمكن، ونية التجديد لا تفيد رفع الحدث في الأصح، فلا فائدة له. وكذا الكلام في استحباب غسل المجنون إذا أفاق. ولا قهقهة المصلي. ولا النجاسة الخارجة من غير السبيلين كالفصد والحجامة، خلافاً لأبي حنيفة وأحمد. لنا ما روى أبو داوود [200] – بإسناد صحيح – عن جابر رضي الله عنه: (أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع، فقام أحدهما يصلي فرماه رجل من الكفار بسهم، فنزعه وصلى ودماؤه تجري)، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره. وأما صلاته مع الدم .. فلقلة ما أصابه منه. قال: (أحدها: خروج شيء من قبله أو دبره)؛ لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ}. وفي (الصحيحين) [خ 137 – م 361]: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً). وفيهما [خ 132 – م 303] في المذي: (يغسل ذكره ويتوضأ). وفي (سنن أبي داوود) [178] و (الترمذي) [74] بإسناد صحيح: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح). وانعقد الإجماع على ذلك في البول والغائط والريح، وقيس عليها ما عداها. ولا فرق في الخارج بين الطاهر والنجس، والنادر والمعتاد، والعمد والسهو،

إِلاَّ اَلْمَنِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والطوع والإكراه، والقليل والكثير، انفصل أم لا. فلو أخرجت دودة رأسها ثم عادت .. فالأصح: الانتقاض بذلك. ولو كان له فرجان .. انتقض الوضوء بالخارج من كل منهما. والمشكل ينتقض وضوؤه بالخارج من فرجيه جميعاً، فإن خرج من أحدهما .. فلا؛ لاحتمال زيادته. قال: (إلا المني)؛ فإنه أوجب غسل أعظم الأمرين بخصوصه، فلا يوجب أدونهما بعمومه كزنا المحصن، والمراد: مني نفسه، فلو خرج مني غيره من قبل نفسه أو دبره .. انتقض جزماً. وعن القاضي أبي الطيب: أن خروج المني ينقض، ويصير به جنباً محدثاً، وهو قوي؛ لأنه خارج من السبيلين كالحيض، وهو يوجب الغسل والوضوء بالاتفاق، كما حكاه الماوردي وابن عطية، فلذلك اختاره الشيخ وصححه الرافعي في كتابه: (المحمود)، وهو: كتاب مبسوط، وصل فيه إلى أثناء الصلاة في ثماني مجلدات ولم يكمله. ولعدم النقض بخروج المني فائدتان: إحداهما: إذا كان محدثاً فاغتسل للجنابة .. ففي صحة صلاته خلاف، وهاهنا إذا اغتسل .. صحت صلاته بلا خلاف. والثانية: إذا تجردت جنابته عن الحدث، فتيمم لها عند عجزه عن استعمال الماء .. فله أن يصلي ما شاء من الفرائض بتيمم واحد، ما لم يحدث ولم يمكنه استعمال الماء، كالحائض إذا تيممت لاستباحة الوطء أو الصلاة، ثم أحدثت .. يجوز وطؤها ومكثها في المسجد، ما لم تجد الماء أو يعود حيضها.

وَلَوِ اَنْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَاَنْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ فَخَرَجَ اَلْمُعْتَادُ .. نَقَضَ، وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي اَلأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتي في (التيمم) إن شاء الله تعالى: أن هذه الصورة تستثنى من قوله: (ولا يصلي بتيمم غير فرض). قال: (ولو انسد مخرجه وانفتح تحت معدته فخرج المعتاد .. نقض) أي: قطع دوام حكم الطهارة قولاً واحداً؛ إذ لا بد للإنسان من مخرج يخرج منه البول والغائط، فإذا انسد الأصلي .. قام ما انفتح مقامه. وفي (الشرح الصغير) وجه: أنه لا ينقض. و (المعتاد): البول والغائط، واحترز به عن النادر، كالدم والقيح، وكذلك الريح في (الشرح الكبير). والمذهب في (الروضة): أنه من المعتاد. و (المعدة) بفتح الميم وكسر العين: موضع الطعام قبل أن ينحدر إلى الأمعاء، وهي بمنزلة الكرش لذوات الأظلاف والأخفاف، والجمع: معد، وكان القياس أن يقولوا: معد، كما قالوا في جمع نبقة: نبق، وفي جمع كلمة: كلم، ولم يقولوا كذا، بل عدلوا عنه إلى أن فتحوا المكسور وكسروا المفتوح. قال: (وكذا نادر كدود في الأظهر)؛ لأنا جعلناه كالأصلي. والثاني: لا، وصححه البغوي؛ لأنا أقمنا المنفتح مقام الأصل للضرورة، ولا ضرورة في خروج غير المعتاد؛ لأن الضرورة في جعله مخرجاً إنما هي في المعتاد. والمصنف أطلق المسألة، ومحلها: إذا كان الانسداد لعارض، فإن كان أصلياً .. ففي (الحاوي): أنه لا خلاف في الانتقاض بالخارج من المنفتح، سواء كان دون المعدة أو فوقها.

أَوْ فَوْقَهَا وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ .. فَلاَ فِي اَلأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتصويرهم المسألة بما إذا انسد الأصلي .. يشير إلى ما ذكره، وإن كان المصنف قال: لم أر لهم تصريحاً بموافقته ولا مخالفته. قال: (أو فوقها وهو منسد، أو تحتها وهو منفتح .. فلا في الأظهر)؛ لأنه من الأعلى كالقيء، من الأسفل كالجائفة، ولأن العادة فيما تحيله الطبيعة أن تلقيه إلى أسفل. وإذا حكمنا بنقض الوضوء بالخارج من هذا المخرج، فهل يجوز الاقتصار فيه على الحجر؟ فيه ثلاثة أقوال: الأظهر في (الروضة): لا. والثاني:: نعم. والثالث: يجوز في المعتاد دون النادر. والأصح: أنه لا يجب الوضوء بمسه، ولا الغسل بالإيلاج فيه، ولا يحرم النظر إليه إذا كان فوق السرة أو محاذياً لها، ولا يثبت الوطء فيه شيئاً من أحكامه، أي: أحكام الوطء، سوى الغسل على وجه. وقيل: يثبت المهر، وسائر أحكام الوطء. والثاني: ينقض فيهما كالمخرج المعتاد. هذا كله في الانسداد العارض لعلة، ويكون حكم السبيلين جارياً عليهما في النقض وغيره، فإن كان الانسداد من أصل في الخلقة .. فسبيل الحدث هو المنفتح، والخارج منه ناقض، سواء كان فوقها أم لا. والمنسد كالعضو الزائد من الخنثى، كذا قاله الماوردي ولم يتعرض له أحد سواه، وحكم الرجل والمرأة، والقبل والدبر في ذلك سواء على المذهب. تذنيب: ادعى المصنف أن مراد الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم بـ (المعدة): السرة، وأن حكم المنفتح في السرة أو في محاذاتها حكم ما فوقها، واستغربه ابن الرفعة؛ لأن المعدة: الموضع الذي يستقر فيه الطعام، وهو ما بين السرة وثغرة الصدر، وهذا هو

اَلثَّانِي: زَوَالُ اَلْعَقْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف عند الأطباء واللغويين وأكثر الفقهاء. أهـ قال: (الثاني: زوال العقل)، وهو يحصل بأمور: أحدها: الجنون، وهو: مرض يزيل الشعور من القلب، مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء. وثانيها: (الإغماء)، وهو: زوال الشعور مع فتور الأعضاء. وثالثها: (السكر)، وهو: خبل في العقل، مع طرب، واختلاط نطق. و (النوم): استرخاء أعصاب الدماغ، برطوبات البخار الصاعد إليه. وقيل: موت خفيف، والموت: نوم ثقيل، وهو ناقض لقوله صلى الله عليه وسلم: (العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ) رواه أبو داوود [205] وابن ماجه [477] بإسناد حسن. وما عدا النوم مقيس عليه؛ لأن الذهول معها أبلغ من النوم. ونقل ابن المنذر الإجماع على النقض بالجنون والإغماء، وكذلك السكر الذي يزيل الشعور بخلاف أوائله، وقيل: إنه لا ينقض بالكلية بناء على أنه كالصاحي. والنوم الناقض هو الذي يزول معه الشعور، بخلاف النعاس الذي يسمع فيه كلام الحاضر وإن لم يفهم معناه. فائدة: العقل: التثبت في الأمور، وجمعه: عقول، سمي ذلك؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي: يحبسه. وقيل: هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان، وهو ضد الحمق. وقال الحارث المحاسبي: هو نور في القلب يفيد الإدراك، وذلك النور يقل ويكثر، فإذا قوي .. قمع ملاحظة الهوى.

إِلاَّ نَوْمَ مُمَكَّنٍ مَقْعَدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل لعمرو بن العاصي رضي الله عنه: ما بال قومك لم يؤمنوا، وقد وصفهم الله تعالى بالعقل فقال: {أَمْ تَامُرُهُمْ أَحْلامُهُم بِهَذَا}؟ - وكانت قريش تدعى أهل الأحلام والنهى – فقال: (تلك عقول كادها الله) أي: لم يصحبها التوفيق. وقال قوم: أحلامهم: أذهانهم، وإن العقل لا يعطى لكافر؛ إذ لو كان له عقل .. لآمن، إنما يعطى الكافر الذهن. روى الترمذي الحكيم بسنده: أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ ما أعقل فلاناً النصراني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (مه، إن الكافر لا عقل له، أما سمعت قول الله تعالى: {وقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ})؟ وأجاب الجمهور بحمل هذا على العقل النافع. واختلف العلماء رضي الله عنهم في محل العقل: فقال أصحابنا وجمهور المتكلمين: إنه في القلب. وقال أصحاب أبي حنيفة وأكثر الأطباء: إنه في الدماغ. قال: (إلا نوم ممكن مقعده)، فلا ينقض سواء كان على أرض أو على دابة؛ لما روى مسلم [376] عن أنس: (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون). ولفظ (أبي داوود) [202]: (كانوا ينتظرون العشاء، فينامون حتى تخفق رؤوسهم الأرض، ثم يصلون ولا يتضؤون)، وحمل على نوم المتمكن جمعاً بين الأحاديث. وفي (البويطي): أن النوم ينقض، وبه قال المزني. والصحيح: أنه مظنة للحدث، فلو كان مفرط الهزال .. فهو عند الرافعي محدث مع تمكنه. وجعل ابن الرفعة هذا وجهاً، فقال: وفي الهزيل وجه. والمعتمد: ما في (الرافعي). وكان الأحسن أن يعبر بالغلبة على العقل؛ ليصح استثناء النوم؛ فإنه لا يزيل العقل. وقيل: نوم المحتبي ناقض. وقيل: النوم في الصلاة لا ينقض، ولو كان ساجداً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (إذا نام العبد في سجوده .. باهي الله تعالى به الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدي، روحه عندي وجسده بين يدي). ولقوله تبارك وتعالى: {والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيَامًا}، فأخرجه مخرج المدح. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وابن المسيب رحمه الله، وغيرهما: (لا ينقض النوم مطلقاً)، وإليه ذهبت الشيعة. فإن قيل: قد سبق أن خروج الريح من القبل ناقض، فما فائدة التمكن؟ .. جوابه: أن ذلك نادر. فروع: لا فرق في النائم المتمكن بين: أن يكون مستنداً إلى شيء بحيث لو أزيل لسقط، أو لم يكن مستنداً على الصحيح. ولو تحفظ بخرقة ونام غير قاعد .. انتقض وضوءه. ولو نام على قفاه ملصقاً مقعدته بالأرض .. انتقض أيضاً. ولو شك: هل نام أو نعس؟ أو هل نام متمكناً أو لا؟ لم ينتقض وضوءه. ولو رأي رؤيا وشك في النوم .. انتقض ولا فرق في نوم المتمكن بين: المتربع والمفترش والمتورك، وكذا المحتبي على الأصح. ولو نام متمكناً فسقطت يده على الأرض .. لم ينتقض ما لم تزال إليته عن التمكن. ويستحب الوضوء من النوم متمكناً؛ للخروج من الخلاف. وكان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: أن وضوءه لا ينتقض بالنوم مضطجعاً؛ ففي (الصحيحين) [خ 138 - م 363]: (أنه صلى الله عليه وسلم نام حتى

الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيِ اَلرَّجُلِ وَاَلْمَرْأَةِ إَلاَّ مَحْرَماً فِي اَلأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ سمع غطيطه، ثم صلى). وقال صلى الله عليه وسلم: (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي). ولا معارضة بينه وبين حديث الوادي؛ لأن طلوع الشمس ونحوهما مما يدرك بالصبر لا بالقلب. قال: (الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة)، عمداً كان أو سهواً، بشهوة أو غيرها، من حي أو ميت، عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً؛ لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}. عطف اللمس على المجيء من الغائط، ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند تعذر الماء، فدل على أنه حدث كالغائط. ولا يختص اللمس بالجماع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لماعز: (لعلك لمست). وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره: أن المراد باللمس في الآية: الجس باليد، ويشهد له قوله تعالى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}. والمراد بـ (البشرة): ظاهر الجلد، وفي حكمها اللسان واللثة قاله الدارمي. واحترز بـ (المرأة) عن لمس العضو المبان منها؛ فإنه لا ينقض على الأصح. وعن لمس الأمر الحسن، فإنه لا ينقض خلافاً للإصطخري. والعضو الزائد كالأصلي، والأشل كالسليم، ووقع في (رؤوس المسائل): أن لمس الميتة لا ينقض، وكأنه سبق قلم. وشملت عبارته العجوز التي لا تشتهي فتنقض على الأصح؛ إذ ما من ساقطة إلا ولها لاقطة. قال: (إلا محرماً في الأظهر)، سواء كانت من نسب أو رضاع أو مصاهرة؛ لخروجها عن مظنة الشهوة، حتى لو لمسها بشهوة .. لم ينتقض أيضاً؛ لأنها كالرجل في حقه.

وَاَلْمَلْمُوسُ كَلاَمِسٍ فِي اَلأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: نعم؛ لعموم الآية، والقولان مبنيان على أنه: هل يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه أو لا؟ وقيل: إن كانت من النسب .. لا تنقض، أو من غيره .. نقضت، حكاه في (شرح المهذب). وضابط المحرم التي لا تنقض الوضوء بمسها، ويجوز النظر إليها والخلوة والمسافرة بها: كل امرأة حرم نكاحها، على التأبيد، بسبب مباح، لحرمتها. فخرج بالتأبيد: أخت الزوجة وعمتها وخالتها. وبالسبب المباح: ما إذا وطئ امرأة بشبهة .. فإن أمهاتها وبناتها – وإن حرمن عليه على التأبيد – لا تثبت المحرمية لهن على الصحيح؛ لأن السبب ليس مباحاً. وبحرمتها: الملاعنة؛ فإن تأبيد حرمتها عقوبة لهما. وهذا الضابط ينتقض طرداً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الحد صادق عليهن ولسن بمحارم. وعكساً بما إذا عقد على امرأة ثم دخل بها وهي حائض أو نفساء أو محرمة أو صائمة صوماً واجباً .. فإن بنتها تحرم عليه بالوطء، وهو حرام. ولو شك: هل لمس محرمه أو أجنبية؟ لم ينتقض؛ لأن الأصل بقاء الطهارة. قال: (والملموس كلامس في الأظهر)؛ لاشتراكهما في اللذة الحاصلة في اللمس، فاستويا في حكمه، واستدل له ابن المنذر بحديث عاصم حمي الدبر، فإنه حلف أن لا يمس مشركاً، فلما مات غسلته الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: (قد أبر الله قسمه). والثاني: لا ينتقض طهر الملموس؛ لما روى مسلم [486] عن عائشة قالت:

وَلاَ تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعرٌ وَسِنٌ وَظُفْرٌ فِي اَلأَصَحَّ. اَلرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ اَلآدَمِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفراش ليلة، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في سجوده وهما منصوبتان، وهو يقول: (اللهم؛ إني أعوذ برضاك من سخطك، بمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك). وأجاب الأول باحتمال الحائل. وقيل: إن المرأة لا تزال ملموسة وإن فعلت اللمس. قال: (ولا تنقض صغيرة) أي: لا تشتهى؛ لأنها ليست في مظنة الشهوة. والمرجع في المشتهاة وغيرها إلى العرف على الصحيح. وقال الشيخ أبو حامد: التي لا تشتهى: من لها سبع سنين فما دونها. واحترز على التي تشتهى؛ فإنها تنقض قطعاً. قال: (وشعر وسن وظفر في الأصح)؛ لأنها لا تقصد للشهوة لعدم الإحساس، ولأن الالتذاذ بهذه الأشياء بالنظر دون اللمس. والثاني: تنقض، أما في الصغيرة .. فلعموم الآية، وأما في البواقي .. فقياساً على سائر أجزاء البدن، ولهذا يسوى بين الجميع في الحل بالنكاح والحرمة بالطلاق، وغسل الجنابة وإضافة الطلاق والعتق إليها. والمراد بـ (الشعر): المتصل، أما المنفصل .. فلا ينقض قطعاً، لكن نص الشافعي على استحباب الوضوء من مس شعر الأجنبية. ولو تيقن لمسها وشك: هل لمس شعرها أو ظفرها أو غيرهما؟ أو هل لمسها بشعره أو ظفره أو غيرهما؟ لم ينتقض. و (الشعر): بفتح العين وسكونها. ويجوز في (الظفر) ضم الظاء مع سكون الفاء وضمها، وكسر الظاء مع إسكان الفاء وكسرها، وأظفور كعصفور، ويجمع على أظفار وأظافير. قال: (الرابع: مس قبل الآدمي) أي: جزء منه، من نفسه أو غيره، من رجل

بِبَاطِنِ اَلْكَفَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أو امرأة، صغير أو كبير، حي أو ميت، متصل أو مبان، عمداً أو سهواً؛ لما روت بسرة بنت صفوان – جدة مروان لأبيه – أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس الذكر فليتوضأ)، حسنه الترمذي [82]، وصححه ابن حبان [1112] والدارقطني [1/ 146] والحاكم [1/ 137]، لكن ضعفه أحمد وابن معين. وروى الشافعي [أم 1/ 19] وأحمد [2/ 333]: (من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر. فقد وجب عليه الوضوء)، وفيه ضعف، لكن يقوى بكثرة طرقه. فثبت النقض في فرج نفسه بالنص، وقيس عليه فرج غيره؛ لأنه أفحش. وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضؤون)، قالت عائشة: بأبي أنت وأمي، هذا للرجال أفرأيت النساء؟ قال: (إذا مست إحداهن فرجها فلتتوضأ) رواه الدارقطني [1/ 147] بإسناد ضعيف، وصحح الحاكم [1/ 234] وقفه عليها. و (الفرج): يشمل القبل والدبر. قال: (بباطن الكف) وهو: الراحة وبطون الأصابع، لما روى الشافعي [شم 1/ 13] عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره .. فليتوضأ). والإفضاء – في اللغة – إذا أضيف إلى الكف .. كان عبارة عن اللمس بباطنها. و (الكف) مؤنثة، وسميت كفاً؛ لأنها تكف عن البدن الأذى. والمراد بـ (الباطن): ما يستتر عند إطباق إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير. والمراد بفرج المرأة: ملتقى الشفرين على المنفذ نفسه، دون ما عدا ذلك. وقال أحمد: تنتقض الطهارة بظهر الكف وبطنها.

وَكَذَا – فِي اَلْجَدِيِد – حَلْقَهُ دُبُرِهِ، لاَ فَرْجُ بَهِيمَةٍ. وَيَنْقُضُ فَرْجُ اَلْمَيْتِ وَاَلصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ اَلْجَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا – في الجديد – حلقة دبره) أي: دبر الآدمي قياساً على القبل؛ لأنه في معناه، كما أن الأمة في معنى العبد في قوله: من أعتق شركاً له في عبد. ولأن اسم الفرج في الحديث يشمله. والقديم: لا ينقض؛ لأن النص إنما ورد في القبل. والمراد بـ (حلقة الدبر): ملتقى المنفذ. وفهم من عبارته: أنه لا ينقض مس العانة والأنثيين والأليتين، وما بين القبل والدبر، وهو كذلك. و (الحلقة) بإسكان اللام على المشهور، وكذلك حلقة الحديد والعلم. قال: (لا فرج بهيمة)، فلا ينقض، كما لا يجب ستره، ولا يحرم النظر إليه. وعن القديم: ينقض مس المشقوق منه؛ لأن الغسل يلزم بالإيلاج فيه، فنقض كفرج المرأة. والطير كالبهيمة، كما نقله في (شرح المهذب) عن الدارمي وأقره. أما دبر البهيمة .. فلا ينقض قطعاً. وسميت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم. قال: (وينقض فرج الميت)؛ لبقاء الاسم، وشمول الحرمة. قال: (والصغير) ولو كان ابن يوم، سواء مس قلفته التي تزول بالختان أو غيرهما؛ لعموم ما تقدم. قال: (ومحل الجب)؛ لأنه محل خروج الخارج، وخصه القاضي بالثقبة. وقال الرافعي: لا يختص بها، بل يجري في المحل كله. وأطلق المصنف الخلاف هنا، ومحله: إن لم يبق شاخص، فإن بقي شيء .. نقض قطعاً.

وَاَلذَّكَرُ اَلأَشَلُّ، وَبِاَلْيَدِ اَلشَّلاَءِ فِي اَلأَصَحَّ، وَلاَ يَنْقُضُ رَاسُ اَلأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا. وَيَحْرُمُ بِاَلْحَدَثِ: اَلصَّلاَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والذكر الأشل، وباليد الشلاء في الأصح)؛ لعموم الأدلة، والخلاف عائد إلى المسائل الخمس، ومقابله: لا ينقض لخروج ذلك عن مظنة الشهوة. فلو كان له كفان عاملان .. انتقض بكل واحد منهما، وإن كانت إحداهما عاملة .. نقضت دون الأخرى، كذا في (الروضة)، وصحح في (التحقيق) عكسه. وهل يعرف عمل الذكر بالبول أو الجماع؟ وجهان في (جنايات) (الروضة)، وقوة كلام (المهمات) تقتضي ترجيح الأول. و (الشلل): يبس في العضو، يقال: شلت يده تشل بالفتح وأشلها الله. وسيأتي في (الأطعمة) خلاف فيه: هل هو موت العضو أو فساده؟ قال: (ولا ينقض رأس الأصابع وما بينها)؛ لخروجها عن سمت الكف. وقيل: ينقضان؛ لأنهما من جنس بشرة الكف. وقيل: ينقض رأسها دون ما بينها. وإنما ألحق حرف الكف هنا بالظاهر وحرف الخف بباطن الرجل؛ رجوعاً للأصل في الموضعين. وتنقض الإصبع الزائدة على سمت الكف دون غيرها على الأصح فيها. قال: (ويحرم بالحدث: الصلاة) فرضها ونفلها، عيناً وكفاية؛ لقوله تعالى: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا}، تقديره: إذا قمتم محدثين. وفي (الصحيحين) [خ 135 – م 225]: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ). وفي (الترمذي) [1]: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور)، قال: وهو أصح شيء في الباب، وهو إجماع في ذات الركوع، وسجود التلاوة والشكر. قال ابن الصلاح: وما يفعله عوام الفقراء من السجود بين يدي المشايخ محدثين ..

واَلطَّوَافُ، وَحَمْلُ اَلْمُصْحَفِ، وَمَسُّ وَرَقِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو من العظائم، ولو كانوا بطهارة وإلى القبلة، وأخشى أن يكون كفراً. وخطبة الجمعة في معناها، وصلاة الجنازة كغيرها. وفي (الأحوذي): أن الشافعي أجاز صلاتها بلا طهارة، وهذا لا يعرف عن الشافعي، إنما يحكى عن الشعبي وابن جرير. قال: (والطواف) فرضه ونفله، في ضمن نسك وغيره؛ لقول صلى الله عليه وسلم: (الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أحل فيه الكلام، فمن تكلم .. فلا يتكلم إلا بخير) رواه الحاكم [1/ 459] عن ابن عباس، وقال: صحيح الإسناد. وقال المصنف: الصحيح وقفه عليه. وصح: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ لطوافه وقال: (خذوا عني مناسككم)، وقال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: (افعلي كل شيء غير أن لا تطوفي بالبيت). وقيل: يصح طواف الوداع بلا طهارة. ووقع في (الكفاية): نقله في طواف القدوم، وهو وهم. قال: (وحمل المصحف، ومس ورقه)؛ لإخلاله بالتعظيم، والحمل بذلك أولى، بخلاف المحرم حيث حرم عليه مس الطيب دون حمله؛ لأن تحريم مسه للالتذاذ وهو مفقود في الحمل. وروى الدارقطني [1/ 122] والحاكم [3/ 485] وابن حبان عن حكيم بن حزام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحمل القرآن ولا يمسه إلا طاهر). وقال الله تعالى: {إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ}. والقرآن لا يمس، فعلم أن المراد: الكتاب، وهو أقرب مذكور، ولا يتوجه النهي إلى اللوح المحفوظ؛ لأنه غير ممكن.

وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى اَلصَّحِيحِ، وَخَرِيطَةٌ وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجوز أن يراد بالمطهرين: الملائكة؛ لأنه نفى وأثبت فكأنه قال: يمسه المطهرون لا غيرهم، والسماء ليس فيها غير المطهرين، فعلم أنه أراد الآدميين. فإن قيل: المراد بالآية الإخبار؛ لأنه ضم السين، ولو أراد النهي .. لفتحها وقال: لا يمسه. قيل: لفظها خبر، ومعناها النهي؛ كقوله تعالى: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا}. ولأنه لو كان خبراً .. للزم الخلف؛ فإن من ليس بمتطهر يمسه، ولا فرق بين أعضاء الوضوء، وغيرها وإن قلنا: الحدث لا يحلها. وفي (التتمة) وجه: أنه لا يحرم إلا مس موضع الكتابة، ويجوز مس الحواشي وما بين الأسطر. وفي وجه حكاه ابن الصلاح عن صاحب (التقريب): أنه يجوز مطلقاً. ويجوز مس التوراة والإنجيل وما نسخت تلاوته من القرآن على الأصح. وعنها احترز المصنف بلفظ (المصحف)، وهو مثلث الميم. قال: (وكذا جلده على الصحيح)؛ لأنه كالجزء منه، ولهذا يدخل في بيعه. والثاني: يجوز؛ لأنه ليس جزءاً متصلاً به حقيقة. قال: (وخريطة وصندوق فيهما مصحف)، فيحرم مسهما على الأصح؛ لأنهما متخذان له منسوبان إليه، فإذا اشتملا عليه .. منع المحدث منهما تعظيماً. و (العلاقة) كالخريطة، وهي: وعاء كالكيس من أدم وغيره. ووجه الجواز: أن الأدلة وردت في المصحف، وهذه خارجة عنه. وأفهمت عبارته الجواز في الخريطة والصندوق المنفصلين وهو كذلك، ولو حمل الصندوق وفيه المصحف .. منع اتفاقاً، وكذلك يحرم تحويله من موضع إلى موضع. فإن قيل: تحلية الصندوق ممتنعة بلا خلاف وإن جوزنا تحلية المصحف .. فالجواب: أن ذلك فعل احتياطاً في الموضعين.

وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي اَلأَصَحَّ، وَاَلأَصَحُّ: حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ، وَتَفْسِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الصندوق) بضم الصاد وفتحها معرب. قال: (وما كتب لدرس قرآن كلوح في الأصح)؛ لأن القرآن أثبت فيه للدراسة فأشبه المصحف. والثاني: لا؛ لأنه لا يقصد به الدوام، قال ابن الرفعة: وبهذا الوجه قطع الأكثرون. قال: (والأصح: حل حمله في أمتعة)؛ لأنه لما لم يكن هو المقصود .. لم يحصل الإخلال بتعظيمه، فإن كان المصحف هو المقصود .. حرم. والثاني: لا يحل له؛ لأنه ممنوع منه عند الانفراد، فمنع تبعاً كحامل النجاسة في الصلاة. وينبغي أن ينظر في حامل حامل المصحف هل يجوز؟ والظاهر: نعم. وفي الأمتعة: هل من شرطها أن تكون ثلاثة أشياء فأكثر، أو يكفي اقل من ذلك؟ وعبارة (الحاوي): إذا حمله مع قماش. والظاهر: أن المراد الجنس. و (الأمتعة) جمع متاع، وهو: المال والأثاث، وجمع الجمع: أماتع. قال: (وتفسير) سواء تميزت ألفاظه بلون أم لا. وصورة المسألة: أن يكون التفسير أكثر، فلو كان القرآن فيه أكثر .. حرم قطعاً، وكذلك الحكم في كتب الفقه، والثوب المطرز بآيات من القرآن، والحيطان المنقوشة به؛ لأنه لا يصدق عليها اسم المصحف. ومقتضى كلام المصنف تسليم الجواز عند التساوي، وهو قياس المذكور في الحرير وغيره، ولهذا يجوز هدم الجدار، ويجوز أكل ما كتب عليه آيات، وشرب الآيات الممحوة بالماء في الأصح.

وَدَنَانِيرَ، لاَ قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واختار المصنف: أنه لا يكره حمل الحروز التي كتب فيها شيء من القرآن، إذا جعل عليها شمع أو جلد ونحوه. واعترض على المصنف في قوله: (وتفسير)؛ لأنه معطوف على الضمير المجرور في (حمله) بدن إعادة الجار. والجمهور على منعه، وقد أجازه بعضهم كقوله تعالى: {تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ}. فكان الأحسن أن يقول: وحمل تفسير. مهمة: الصواب: أنه لا يجوز إحراق الخشب الذي كتب عليه القرآن كما قاله في (الباب التاسع) من (التبيان)، وما وقع له في (الباب السابع) – منه – وفي (شرح المهذب) و (الروضة) و (التحقيق) من الكراهة .. خلاف الصواب. قال: (ودنانير)، وكذا الدراهم التي كتب عليها شيء من القرآن كسورة الإخلاص وغيرها، وكذلك الخواتيم التي كتب عليها ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً إلى هرقل وفيه: {تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ} الآية، ولم يأمر حامله بالمحافظة على الطهارة، ولأنه لم يقصد بإثباته فيها قراءته. و (الدنانير): جمع دينار، وأصله دنار بالتشديد، فأبدلت من أحد حرفي تضعيفه ياء. قال: (لا قلب ورقه بعود) هو بالجر، أي: لا حل قلب ورقه بعود؛ لأنه حمل للورقة؛ لأنها إنما انقلبت بحمله. واحترز بـ (القلب بالعود) عما لو لف كمه على يده وقلب الأوراق .. فإنه يحرم جزماً خلافاً لأحمد.

وَأَنَّ اَلصَّبِيَّ اَلْمُحْدِثَ لاَ يُمْنَعُ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ: حِلُّ قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، وَبِهِ قَطَعَ اَلْعِرَاقِيُّونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وشذ الدرامي فحكى فيه خلافاً للأصحاب. قال: (وأن الصبي المحدث لا يمنع) لا من المس ولا من الحمل، لا في المصحف ولا في الألواح؛ لأن تكليفهم استحصاب الطهارة تعظيم فيه المشقة. والثاني: يجب على الوالي أو المعلم منعه منه كالصلاة محدثاً. وفي (الكفاية) وجه: أنه يمنع من المصحف دون الألواح. والخلاف في المميز المتعلم، أما غيره .. فلا يجوز للولي تمكينه، ومحله: فيما يتعلق بالدراسة، فإن كان لا لغرض، أو لغرض آخر .. حرما. و (الصبي): الغلام من لدن يولد إلى أن يبلغ، والجمع: صبيان وصبوان وصبية وصبوة، وتصغير صبية أصيبية. قال: (قلت: الأصح: حل قلب ورقه بعود، وبه قطع العراقيون والله أعلم)؛ لأنه غير ماس له ولا حامل. فروع: يحرم السفر بالمصحف إلى بلاد الكفار. وفي (فتاوى الحناطي): لا يجوز جعل الذهب والفضة في كاغد كتب فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فإن فعل ذلك مع العلم بالمنع .. أثم. وقال الشيخ عز الدين: القيام للمصحف بدعة لم يعهد في الصدر الأول. وفي (فتاوى المصنف): أنه مستحب كما يستحب القيام للفضلاء والعلماء. ويجوز للمحدث مس الأحاديث، لكن الأولى أن يتطهر. وتكره كتابة القرآن على الحيطان، وتحرم كتابته بشيء نجس، ومسه بعضو نجس. ولو خاف على المصحف من حرق أو غرق أو كافر، ولم يتمكن من الطهارة ..

وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْراً أَوْ حَدَثاً وَشَكَّ فِي ضِدَّهِ .. عَمِلَ بِيَقيِنِه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجب حمله مع الحدث للضرورة؛ لأن حمله حينئذ من تعظيمه، ويلزمه التيمم لذلك إن أمكنه على الصحيح. وفي (فتاوى الشاشي): إذا أراد الغائط وخاف إذا وضع المصحف من يده أن يأخذه غاصب .. فإن يتغوط وهو معه. ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم. ويندب كيف المصحف وتحسين خطه ونقطه وشكله. وأما أخذ الفأل منه .. فجزم ابن العربي والطرطوشي والقرافي المالكيون بتحريمه، وأباحه ابن بطة من الحنابلة، ومقتضى مذهبنا: كراهته. قال: (ومن تيقن طهراً أو حدثاً وشك في ضده) أي: في وجود ضده (.. عمل بيقينه) أما الثانية .. فبالإجماع، وأما الأولى .. فخلافاً لمالك؛ فإنه أوجب الوضوء إذا وقع الشك قبل الدخول في الصلاة. لنا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً، فأشكل عليه: خرج منه أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رواه مسلم [362]. فإذا ظن المحدث أنه تطهر، أو المتطهر أنه أحدث .. لم يعمل بظنه بل بالأصل، فيكون محدثاً في الأولى، متطهراً في الثانية، كذا قاله الجمهور. وقال الرافعي: ظن الحدث لا يرتفع بيقين الطهر، وأما ظن الطهارة .. فيرتفع بيقين الحدث، وتبعه عليه صاحب (الحاوي الصغير). وقد صرح الغزالي في (الوسيط) بخلافه عند الكلام في معاملة من أكثر ماله حرام. قال ابن الرفعة: وهذا الموضع غلط في (الرافعي)؛ فإن أحداً لم يفرق بين المسألتين. وفي وجه: يفرق بين أن يقع الشك في الصلاة أو خارجها، فيؤثر إذا كان خارج الصلاة ولا يؤثر فيها، وهو ضعيف.

فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ اَلسَّابِقَ .. فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا فِي اَلأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: من نام غير قاعد .. فقد تيقن الطهر وشك في الحدث، فينبغي أن لا ينتقض وضوءه. قلنا: هذا مستثنى لما تقدم من أنه مظنة للحدث، لا نفس الحدث. والمراد بالشك هاهنا وفي معظم أبواب الفقه: مطلق التردد بين الشيئين، سواء كانا على السواء، أو أحدهما أرجح، وهو اصطلاح المتقدمين والفقهاء. قال صاحب (التلخيص): لا يرتفع اليقين بالشك إلا في أربع مسائل: إذا شكلوا في انقضاء وقت الجمعة .. صلوا ظهراً. وإذا شك في انقضاء مدة المسح .. بنى على انقضائها. وإذا شك هل وصل إلى وطنه؟ وإذا شك هل نوى الإتمام؟ يلزمه الإتمام فيهما. والأصحاب قالوا: إن جميع ذلك رجوع إلى الأصل؛ فإن هذه الرخص منوطة بشرط، فإذا شككنا فيه .. رجعنا إلى الأصل، وهو: عدم الترخص. قال: (فلو تيقنهما وجهل السابق .. فضد ما قبلهما في الأصح). المراد: إذا تيقن أنه بعد طلوع الشمس مثلاً وجد منه حدث وطهارة، ولم يدر أيهما سبق .. فيؤمر بالتذكر، فإن تذكر أنه كان قبل طلوع الشمس متطهراً .. فهو الآن محدث، وإن كان محدثاً .. فهو الآن متطهر؛ لأن ما قبل الشمس إن كان طهارة .. فقد أحدث بعدها، وإن كان حدثاً .. فقد تطهر بعده، فما قبل الشمس ارتفع بيقين، وهو يشك في زوال الرافع له، ولا يزال اليقين بالشك، كمن عليه ألف درهم ديناً، فأقام بينة بالبراءة، فأقام المستحق بينة على إقراره بألف مطلق، فإنا نقدم بينة البراءة؛ لأنا تيقنا أنها وردت على دين واجب فأزالته ونحن نشك: هل اشتغلت ذمته بدين آخر بعد البراءة أو لا؟ فلا يزال يقين البراءة بالشك. والوجه الثاني: يكون حكمه وفق ما قبلهما لتعارضهما، وهو غلط صريح لتحقيق ارتفاعه. والثالث: يعمل بما ظنه فإن تساويا فمحدث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: يلزمه الوضوء بكل حال وهو الأصح المختار في شرحي (المهذب) و (الوسيط)، واختاره الشيخ لقول القاضي أبي الطيب: إنه قول عامة الأصحاب، ورجحه الدارمي، وجزم بن ابن كج، واختاره الشيخ أبو حامد وجماعة منهم ابن الصلاح وقرره تقريراً حسناً، وضعف المرجح في الكتاب. وحيث أمرناه بالتذكر فلم يتذكر شيئاً .. لزمه الوضوء لتعارض الاحتمالين من غير ترجيح، ولم يتعرض المصنف لهذا القسم. ولو علم قبلهما حدثاً وطهارة وجهل أسبقهما .. اعتبر ما قبل هذين وأخذ به، قاله في (البحر)، فيأخذ بالمثل في هذه الحالة. ومن نظائر المسألة: إذا أحرم بالعمرة، ثم أحرم بالحج وشك: هل أحرم قبل الطواف؟ فيصح حجه، أو بعده؟ فلا يصح، ففي (الحاوي) الأظهر: الصحة. ومنها: إذا أحرم وتزوج وشك: هل سبق التزوج الإحرام؟ فيصح، أو لا؟ فيبطل .. فالمنصوص: الصحة. تتمة: أطلق المصنف المسألة تبعاً لـ (المحرر) والجمهور، والذي في (الروضة) و (أصلها) و (التحقيق) وفاقاً للمتولي: إن كان قبلهما محدثاً .. أخذ بالضد مطلقاً، وإن كان قبلهما متطهراً .. فإنما يأخذ بالضد إذا كان ممن يعتاد تجديد الوضوء، وإلا فيأخذ بالمثل فيكون الآن متطهراً أيضاً. * * *

فصل

فَصْلٌ: يُقَدَّمُ دَاخِلُ اَلْخَلاَءِ يَسَارَهُ، وَاَلْخَارِجُ يَمِينَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل): عبر في (الروضة) عن هذا بـ (باب الاستنجاء)، وفي (التنبيه) بـ (باب الاستطابة)، وهو طلب طيب النفس بإخراج الأذى. قال: (يقدم داخل الخلاء يساره، والخارج يمينه)؛ لأن اليسار للدنيء واليمين لغيره، وكذلك الحمام ومكان الظلم والصاغة، وعكسها المسجد. وهذا الأدب لا يختص بالبنيان عند الأكثرين، بل يقدم اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه من الصحراء، فإذا فرغ .. قدم اليمنى. قال ابن الرفعة: تقديم اليمنى إذا فرغ ظاهر، وأما تقديم اليسرى إلى موضع الجلوس .. ففيه نظر؛ لمساواته لما قبله قبل قضاء الحاجة. وقد يجاب بأنه لما عينه للبول .. صار دنيئاً كالخلاء الجديد قبل قضاء الحاجة فيه. و (الخلاء) بالمد: موضع قضاء الحاجة، وأصله المكان الخالي، ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة. قال الترمذي الحكيم: سمي بذلك باسم شيطان فيه يقال له: خلاء، وأورد فيه حديثاً، وقيل: لأنه يتخلى فيه، أي: يتبرز، وجمعه: أخلية كرداء وأردية، ويسمى المذهب والمرفق والكنيف والمرحاض. و (اليسار) فتح يائه أفصح من كسرها خلافاً لابن دريد. ويندب أن لا يدخل حاسر الرأس، بل يستره ولو بكمه تخوفاً من الجن، وكذا يندب أن لا يدخل حافياً.

وَلاَ يَحْمِلُ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْتَمِدُ جَالِساً يَسَارَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يحمل ذكر الله تعالى)، أي: ما عليه ذكر الله تعالى تعظيماً له عن مكان القاذورات، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء .. نزع خاتمه، صححه الحاكم [1/ 187] والترمذي [1746] وابن حبان [1413]، وضعفه أبو داوود [20] والنسائي [8/ 178]. وقالوا: إنما نزعه؛ لأنه كان عليه محمد رسول الله، كما في (الصحيح). قال ابن حبان: وكانت ثلاثة اسطر محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، وكانت تقرأ من أسفلها ليكون اسم الله فوق الجميع. وألحق الغزالي اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم الله في ذلك. وقال ابن الصلاح: لم يوجد هذا لغيره، وقد وافقه الرافعي، فيحتمل أنه وجده لغيره. وكلام الإمام يشعر به؛ لأنه ألحق به كل اسم معظم، فيدخل فيه أسماء الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. أما لو كان اسم الإنسان محمداً، فهل يلتحق باسم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيه نظر. لكن في جواز وسم نعم الصدقة ما يقتضي إباحة ذلك؛ لأن المقصود التمييز. فلو نسي حتى جلس لقضاء الحاجة .. جعله في كفه وضمها عليه، أو في عمامته. فإن تختم في يساره بذلك .. حوله في الاستنجاء تنزيهاً له عن النجاسة. وفي (محاسن الشريعة): إشارة إلى تحريم بقائه في اليسرى. قال: (ويعتمد جالساً يساره)؛ تكريماً لليمنى، ولأنه أسهل لخروج الخارج، واستأنسوا له بحديث ضعيف عن سراقة بن مالك قال: (علمنا رسول الله صلى الله

وَلاَ يَسْتَقْبِلُ اَلْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرُهَا، وَيَحْرُمَانِ بِاَلصَّحْرَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم إذا أتينا الخلاء .. أن نتوكأ على اليسرى وننصب اليمنى). وكيفية ذلك: أن يضع أصابع القديم اليمنى على الأرض ويرفع الساق، وكذلك في البول، إلا أنه إذا بال قائماً .. فرج رجليه، ففي (صحيح ابن حبان) [1424]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك). قال البندنيجي: ويضم إحدى الفخذين على الأخرى، ولا يطيل القعود؛ لقول لقمان: إنه تتجع منه الكبد، ويحدث منه البواسير، فإن أطال .. كره. قال: (ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)؛ لما روى البخاري [394] عن أبي أيوب عبد الله بن زيد الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الغائط .. فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا). والمختار: أن ذلك في البنيان خلاف الأولى لا مكروه، كل هذا إذا لم يكن عليه مشقة في التحول، فإن كان .. لم يكن ذلك مكروهاً، ولا خلاف الأولى. ولا كراهة في استقبالها واستدبارها في حالة الاستنجاء، ولا في إخراج الريح. قال: (ويحرمان بالصحراء) جمعاً بين الأحاديث؛ لأن ابن عمر قال: (رقيت يوماً على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، متفق عليه [خ 145 – م 266]. وسبب المنع في الصحراء أن جهة القبلة معظمة، فوجب صيانتها في الصحراء، ورخص فيها في البنيان؛ للمشقة. وإنما يجوز في البنيان بشرطين: أن لا يزيد ما بينه وبين الجدار على ثلاثة أذرع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن يكون الجدار مرتفعاً قدر مؤخرة الرحل، والدابة ونحوها في الستر كالجدار. ويحصل الستر بكل ما يعد ساتراً، كحجر ودابة ووهدة وشجرة، وإرخاء الذيل على الأصح. قال البغوي: وينبغي أن تكون السترة فوق سترة المصلي حتى تستر أسافل بدنه، وبهذا أجاب المصنف في (شرح مسلم). والأصح: أنه يكفي قدر ثلثي ذراع في الموضعين. ويستثنى من التحريم في الصحراء أن يكون بحيث تهب الريح عن يمينه أو يساره، فإنهما لا يحرمان حينئذ للضرورة، صرح به القفال في (الفتاوى). وإذا أراد قضاء الحاجة في الصحراء، ولم يعرف عين الكعبة .. فالمتجه: وجوب الاجتهاد عليه. تتمة: صرح المتولي والرافعي في أواخر (التذنيب) بكراهة الاستقبال والاستدبار في البنيان، وكلام (الشرح) يشعر به، واختار في (شرح المهذب) و (مسلم) عدمها. وإذا لم يكن له بد من الاستقبال أو الاستدبار في الصحراء .. استدبر لفحش الاستقبال، كما يجب ستر القبل إذا قدر على ستر أحد سوأتيه كما سيأتي. والمراد هنا بالقبلة: المعهودة الآن لتخرج صخرة بيت المقدس؛ فإنه لا يحرم، بل يكره عند عدم الساتر. وفي (شرح الوسيط) وجه: أن ذلك يحرم.

وَيَبْعُدُ، وَيَسْتَتِرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره استقبال الشمس والقمر دون استدبارهما، كما وقع في (الروضة) و (شرح المهذب). وقال في (شرح الوسيط): إن ترك استقبالهما واستدبارهما سواء. وفي (التحقيق): أن كراهة استقبالهما لا أصل لها. قال: (ويبعد) أي: إذا كان في الصحراء وهناك غيره، بحيث لا يسمع للخارج منه صوت، ولا يشم له ريح؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا ذهب إلى الغائط .. أبعد). وعن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز .. انطلق حتى لا يراه أحد) رواه ابن النجار في ترجمة محمد بن محمد بن علي. وروى ابن السني في (سننه الصحاح) [1/ 17 – 18]، وأبو يعلى الموصلي في (مسنده) [5626] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة إذا أراد قضاء الحاجة .. خرج إلى المغمس)، قال نافع: وهو على نحو ميلين من مكة. قال: (ويستتر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى الغائط .. فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل .. فليستتر به؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل هذا .. فقد أحسن، ومن لا .. فلا حرج) رواه أبو داوود [36]، وصححه ابن حبان [1410]. ويندب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. قال ابن الرفعة: فيه نظر، لان الصحيح أن كشف العورة في الخلوة لا يجوز من غير حاجة، وقبل دنوه من الأرض لا حاجة به إلى الكشف. على أن المصنف في (شرح التنبيه) خرج ذلك على الخلاف المذكور.

وَلاَ يَبُولُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يبول في ماء راكد) قليلاً كان أو كثيراً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، رواه مسلم [281]. والغائط أفحش م البول. وفي الليل أشد كراهة؛ لما قيل: إن الجن بالليل تأوي إليه، فيخشى من آفة تصيبه من جهتهم. وأما الجاري: فإن كان كثيراً .. لم يحرم والأولى اجتنابه، وإن كان قليلاً .. كره. وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقاً؛ لأنه ينجسه ويتلفه على نفسه وعلى غيره، وفي المسألة اضطراب للمصنف. ويكره البول بقرب النهر لما سيأتي قريباً. ويكره الغسل في الماء الجاري ليلاً، والبول على ما منع من الاستنجاء به لحرمته. فروع: لا بأس بالبول في إناء، ويحرم فيه في المسجد، ويحرم على القبور المحترمة، ويكره بقربها، ويكره أن يبول قائماً بلا عذر أو يتغوط؛ لما روى ابن ماجه [308] وابن حبان [1423] والبيهقي [1/ 102] عن عمر: أنه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً فقال: (يا عمر؛ لا تبل قائماً)، قال: فما بلت بعد قائماً. وفي (الترمذي) [12] و (النسائي) [1/ 26] و (ابن ماجه) [307] بإسناد حسن عن عائشة قالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً .. فلا تصدقوه)، لكن في (الصحيحين) [خ 224 – م 273] عن حذيفة بن اليمان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً). و (السباطة): الموضع الذي ترمى فيه القمامة والأوساخ. قيل: فعل ذلك؛ لأنه لم يجد موضعاً غيره. وقيل: لمرض منعه من القعود.

وَجُحْرٍ، وَمَهَبَّ رِيحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: للتداوي من وجع الصلب؛ لأنهم كانوا يتداوون به. وفيه: أن مدافعة البول مكروهة؛ لأنه بال على البساطة قائماً ولم يؤخره. وفي (الإحياء) عن الأطباء: أن بولة في الحمام في الشتاء قائماً خير من شربة دواء. قال: (وجحر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، رواه أبو داوود [30] والترمذي وأحمد [5/ 82] والحاكم [1/ 186] عن قتادة عن عبد الله بن سرجس قالوا لقتادة: لم يكره ذلك؟ فقال: لأنها مساكن الجن، ولأنه ربما كان هناك بعض الهوام فيخرج فينجسه. وفي (مستدرك الحاكم) [3/ 253] عن [ابن] عون عن محمد: أن سعد بن عبادة أتى سباطة قوم فبال قائماً، فقالت الجن في ذلك [مجزوء الرمل]: نحن قتلنا سيد الـ .... ـخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهميـ .... ـن فلم نخطئ فؤاده وفي (الشامل) وغيره: أن سبب موته أنه بال في جحر، وهو – بضم الجيم وسكون الحاء – الثقب المستدير النازل، وجمعه: جحرة كخرج وخرجة، وألحق بالجحر السرب وهو المستطيل. قال المصنف: وينبغي تحريم ذلك؛ للنهي الصريح، إلا أن يعد لذلك، فلا حظر ولا كراهة. قال: (ومهب ريح)؛ لئلا يعود عليه الرشاش، ولا بأس باستدبارها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمخر الريح، أي: ينظر أين مجراها، فلا يستقبله، كذا استدل به الرافعي، وهو غريب، لكن روى ابن أبي حاتم في (علله) [1/ 37]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره البول في الهواء).

وَمُتَحَدَّثٍ، وَطَرِيقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر عبارة المصنف اجتنابها حال هبوبها وسكونها؛ لأنها قد تهب بعد شروعه في البول فترده عليه، وهو نظير ما عللوا به الكراهة في الجحر. قال: (ومتحدث) أي: الذي جرت عادة الناس بالتحدث فيه؛ لما فيه من الأذى. و (المتحدث) بفتح الدال: موضع الحديث، ويسمى النادي، وفي معناه: كل موضع يقصد لظل أو حر أو برد أو لمعيشة، أو لمقيل مسافر ومبيته وحو ذلك، إلا أمكنة المكس فإنها أسوأ حالاً من الأخلية. قال: (وطريق)؛ لحديث: (اتقوا اللعانين)، قال: وما اللعانان يا رسول الله؟ فقال: (الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم) رواه مسلم [269]. وفي رواية لابن منده: (في طريق المسلمين ومجالسهم). وفي (أبي داوود) [27]: (اتقوا الملاعن الثلاث، البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل). والمراد بـ (الموارد): طريق الماء، وبـ (الطريق): المسلوك، وأما الطريق المهجور .. فلا منع فيه. وفي (البيهقي) [1/ 98] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سل سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين .. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). و (السخيمة): الغائط. واتفق الأصحاب على أن هذا النهي للتنزيه.

وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المصنف: ينبغي أن يكون حراماً؛ للنهي الصريح والإيذاء القبيح، وسبقه إلى هذا البغوي في (شرح السنة). وحكى الرافعي في (كتاب الشهادات) عن صاحب (العدة) تحريم التغوط في الطريق. وعن الخطابي: تحريمه في الظل، وهذا في الصواب،؛ لأن الشافعي نص على تحريم التعريس على قارعة الطريق، وليس فيه إلا إرشاد المسافر إلى مصلحته وصونه عما عساه يطرقه من الهوام ونحوها، فالتخلي في الطريق أولى بالتحريم مع ما فيه من القبح والأذى، وجلب اللعن، والنهي الشديد. قال: (وتحت مثمرة) أي: شجرة من شأنها أن تثمر، سواء كانت مملوكة أو مباحة؛ لئلا تنجس ثمارها إذا سقطت، فتفسد أو تعافها الأنفس. وروى العقيلي [3/ 458] بسند فيه فرات بن السائب وهو ضعيف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة). ولا فرق بين البول والغائط، لكن الكراهة عند عدم الثمرة أخف. وفي (الشرح الصغير): أنها في الغائط أخف من البول؛ لأنه يرى فيجتنب، أما غير المثمرة .. فلا، إلا أن يكون ظلاً أو مناخاً أو غيرهما مما سبق، وإنما لم يقولوا بالتحريم؛ لعدم تيقن التنجيس. قال: (ولا يتكلم)؛ لما روى أبو داوود [15] عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله يمقت على ذلك). و (المقت): أشد البغض، ولم يفض إلى التحريم كما لم يفض إليه في قوله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، إلا أن يقال: ذلك اقترن به ما صرفه عن التحريم وهو قوله: (الحلال).

وَلاَ يَسْتَنْجِيِ بِمَاءِ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَسْتَبْرَئُ مِنَ اَلْبَوْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي معنى الكلام: رد السلام، وتشميت العاطس، والتحميد بعد عطاسه، وموافقة المؤذن، فإن حمد العاطس في نفسه .. فلا بأس. وأما قراءة القرآن .. ففي كلام ابن كج: أنها لا تجوز وهو الظاهر، لكن قضية إطلاق غيره .. الكراهة. ويستثنى موضع الضرورة، كما إذا رأى طفلا أو أعمى يقع في بئر، أو حية تقصد إنساناً .. لم يكره إنذاره بل يجب. قال: (ولا يستنجي بماء في مجلسه)؛ لئلا يلحقه الرشاش، وقد روى أحمد [5/ 56] وأصحاب السنن عن عبد الله بن مغفل – بالغين المعجمة وبالفاء المشددة -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه؛ فإن عامة الوسواس منه)، هذا إذا لم يكن مسلك يذهب فيه البول، كالأخلية المعدة لذلك. واحترز بـ (الماء) عن المستنجى بغيره، فلا يندب له الانتقال. ويستحب أن يبدأ في الاستنجاء بالماء بالقبل، وبغيره بالدبر. قال: (ويستبرئ من البول) أي: يستفرغ منه؛ لما روى الشيخان [خ 218 – م 292] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين .. فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كثير، أما أحدهما .. فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر .. فكان يمشي النميمة)، وفي رواية: (لا يستبرئ)، وفي أخرى: (لا يستنزه). ويحصل ذلك بالتنحنح، وإمرار بعض الأصابع على مجامع عروق الذكر ونتره ثلاثاً، وبالمشي عقب البول، وأكثره فيما قيل: سبعون خطوة، وذلك يختلف باختلاف الناس وكل أعرف بطبعه.

وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ: (بِاَسْمِ اَللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصل الاستبراء واجب، ولكن الكيفيات المذكورة فيه مستحبة استحباباً مؤكداً، لاسيما إن كان مستنجياً بغير الماء؛ فإنه يقال: إن الماء يقطع البول. وقد صح التحذير من عدم التنزه من البول، وأن عامة عذاب القبر منه. والمقصود: أن يظن أنه لم يبق في مجرى البول شيء منه. ويكره حشو الذكر بقطنة ونحوها. قال: (ويقول عند دخوله) أي: عند إرادة الدخول؛ لأن (عند) معناها: حضور الشيء ودنوه، وفي عينها ثلاث لغات وهي ظرف في الزمان والمكان، إلا أنها ظرف غير متمكن؛ لا تقول: عندك واسع بالرفع، وقد أدخلوا عليه من حرف الجر (من) وحدها، كما أدخلوا على (لدن) قال الله تعالى: {رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا}، وقال: {مِن لَّدُنَّا}. ولا يقال: مضيت إلى عندك، ولا إلى لدنك. قال: ((باسم الله)) أي: أبدأ باسم الله، أو أتحصن من الشياطين باسم الله. وفي (سنن ابن ماجه) [297] و (الترمذي) [606] عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنيف .. أن يقولوا: باسم الله). و (الستر): بكسر السين. وقدمت البسملة هنا على الاستعاذة، بخلاف التعوذ في الصلاة والقراءة؛ لأن التعوذ هناك للقراءة والبسملة من القرآن، فقدم التعوذ عليها بخلاف هذا. ولفظة (باسم الله) تكتب بالألف، فإن أضيف إليه (الرحمن الرحيم) .. حذفت لكثرة الاستعمال، حكاه جماعة منهم المصنف في (باب الأضاحي) من (شرح مسلم).

اَللَّهُمَّ؛ إِنَّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْخُبُثِ وَاَلْخَبَائِثِ)، وَخُرُوجِهِ: (غُفْرَانَكَ، اَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِي أَذْهَبَ عَنَّي اَلأَذَى وَعَافَانِي) ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ((اللهم؛ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث))؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله، متفق عليه [خ 142 – و 375]. و (الخبث) بضم الباء وإسكانها جمع خبيث، وهم: ذكور الشياطين. و (الخبائث) جمع خبيثة، وهن: إناثهم. وقيل: بالإسكان: الشر، وقيل: الكفر، و (الخبائث): المعاصي. ولا فرق في ذلك بين الصحراء والبنيان. قال: (وخروجه: (غفرانك)) بنصب النون، أي: أسألك غفرانك، أو اغفر غفرانك. روى أبو داوود [31] والترمذي [7] وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط .. قال ذلك. و (الغفران): الستر. وفي معنى تعقيب الخروج بالاستغفار قولان: أحدهما: أنه يسأله المسامحة لترك الذكر في تلك الحالة. والثاني: معناه طلب استمرار نعمائه عليه، بتسهيل خروج الأذى، وأن لا يحبسه؛ لئلا يفضى إلى شهرته وانكشافه. وقال القاضي حسين والمحاملي والشيخ نصر وسليم: يستحب تكرار (غفرانك) مرتين. قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني))، كذا رواه ابن ماجه [301] عنه صلى الله عليه وسلم. و (الأذى): لفظ جامع لأشياء تؤذي؛ لأنه قذر منتن، ومن سبيل مكروه. و (العافية): دفاع الله عن العبد، فمعنى عافاني: أي من احتباسه، أو من نزول الأمعاء معه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: (سلوا الله العفو والعافية والمعافاة). فـ (العفو): محو الذنوب. و (العافية): السلامة من الأسقام والبلايا، وهي الصحة وضدها المرض. و (المعافاة): أن يعافيك الله من الناس، ويعافيهم منك، أي: يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم. وقال الشيخ محب الدين الطبري: يستحب تكرار هذا الذكر ثلاثاً. وفي مصنفي (ابن أبي شيبة) [1/ 12] و (عبد الرزاق): أن نوحاً عليه السلام كان يقول: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته، وأذهب عني أذاه. وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل .. قال: الحمد لله، وإذا شرب .. قال: الحمد لله، وإذا ركب .. قال: الحمد لله، وإذا اكتسى .. قال: الحمد لله، وإذا احتذى .. قال: الحمد لله، فوصفه الله بالشكر فقال تعالى: {إنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}. تتمة: من الآداب: أن يتطلب موضعاً ليناً، فإن كانت الأرض صلبة .. حكها بشيء أو ضربها برجله حتى تلين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، رواه أبو داوود [3]. وأن يعد النبل؛ لما روى أحمد [6/ 133] وأبو داوود [41] والنسائي [1/ 41] والدارقطني [1/ 54] عن عائشة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا

وَيَجِبُ اَلِاسْتِنْجَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذهب أحدكم إلى الغائط .. فليذهب معه بثلاثة أحجار). وأن لا يبصق على الخارج منه، ولا ينظر إليه، ولا إلى فرجه. وأغرب الماوردي فحكى في (باب ستر العورة) وجهاً: أنه يحرم أن ينظر إلى فرج نفسه بلا حاجة. وأن لا يدخل الخلاء حافياً، ولا مكشوف الرأس، ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينظر إلى السماء ولا يلتفت، ولا يعبث بيده ولا يستاك؛ فإن ذلك يورث النسيان. ونقل في (البحر) عن بعض الأصحاب: أنه يكره أن يقال: أهرقت الماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقل أحدكم: أهرقت الماء، ولكن ليقل: بلت). والحديث رأيته مسنداً في (تاريخ ابن النجار) وغيره. قال: (ويجب الاستنجاء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم: إذا أتيتم الغائط .. فلا يستقبل أحدكم القبلة ولا يستدبرها، ولا يستنجي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها روث ولا رمة ولا عظم) رواه ابن خزيمة [1/ 44]. وروى الشافعي [شم/13] وغيره: (وليستنج بثلاثة أحجار). وأصله من نجوت الشجرة وأنجيتها، أي: قطعتها، كأنه يقطع الأذى عنه. وقيل: من النجوة وهي: المرتفع من الأرض؛ لأنه يستتر عن الناس بنجوة. ويلحق بالبول والغائط الرطوبات النجسة الخارجة من السبيلين. وضابط ما يستنجى منه: كل عين ملوثة خارجة من أحد السبيلين أو ما قام مقامهما.

بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبعد المزني حيث صار إلى عدم وجوبه، قياساً على عدم وجوب إزالة الأثر الباقي بعد الاستجمار. ويرد عليه صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول). قال: (بماء أو حجر)؛ للحديث السابق. وروى أحمد في (مسنده) [3/ 17]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنجي بالماء)، والماء أولى؛ لأنه يزيل العين والأثر، ويشترط فيه أن يكون طهوراً. والمراد بـ (الحجر): الجنس، ويجزئ الحجر مع وجود الماء، خلافاً لابن حبيب من المالكية. ولا يجب الاستنجاء على الفور، بل يجوز تأخيره عن الوضوء في الأصح، بشرط أن لا يمس شيئاً ناقضاً. والأفضل تقديمه على الوضوء؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وللخروج من الخلاف؛ فإن بعض العلماء اشترط تقديمه. وأما تأخيره عن التيمم .. فلا يجوز على الأصح؛ لأن التيمم موضوع لاستباحة الصلاة، ولا استباحة مع وجود النجاسة. وقد أورد على هذا: ما إذا تيمم وهو مكشوف العورة .. فإنه يصح وإن كان كشف العورة مانعاً من صحة الصلاة. ويستثنى وضوء دائم الحدث؛ فإنه كالتيمم. تنبيهان: أحدهما: دخل على إطلاقه: ماء زمزم، وقد تقدم في جوازه بذلك ثلاثة

وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أوجه، لكن لو استنجى به .. أجزأه بالإجماع، ودخل حجارة الذهب والفضة. وجزم الماوردي بالتحريم بالمطبوع منهما، وكذلك حجارة الحرم على الأصح في (شرح المهذب)، ويسقط الفرض بكل ذلك. الثاني: إنما يجوز الاستنجاء بالحجر في المخرج المعتاد، أما القائم مقامه عند انسداده – إذا حكمنا بالنقض بالخارج منه – فلا يكفي فيه الحجر على الأصح. وكذلك ليس للخنثى المشكل الاقتصار على الحجر إذا بال من السبيلين أو أحدهما؛ لالتباس الأصلي بالزائد. ويجوز للمرأة ذلك إذا كانت بكراً، وأما الثيب: فإن مجرى بولها فوق مدخل الذكر، والغالب أنها إذا بالت نزل البول إليه، فإن تحققت ذلك: تعين الماء لانتشاره، وإن لم تتحقق .. جاز الحجر؛ نظراً إلى الأصل، وقيل: لا؛ نظراً إلى الغالب. وإذا استنجت المرأة بالماء .. وجب عليها غسل ما يظهر إذا جلست على القدمين، ومقداره من الثيب يزيد على مقداره من البكر. وقيل: يجب على الثيب غسل باطن فرجها، كما تخلل أصابع رجليها؛ لأنه صار ظاهراً بالثيابة. قال: (وجمعهما أفضل)؛ لأن عائشة رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله. ويقدم الحجر ليذهب عين النجاسة، ثم الماء ليزيل الأثر، وما يروى: أن أهل قباء كانوا يتبعون الماء الحجر، وأن الله تعالى أثنى عليهم بسبب ذلك .. فرواه البزار [1/ 130] وهو حديث ضعيف، وقال في (شرح المهذب): لا أصل له.

وَفِي مَعْنَى اَلْحَجَرِ: كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن أراد الاقتصار على أحدهما .. فالماء أفضل. وقال في (محاسن الشريعة): إنما يستحب الجمع بينهما في الغائط. وصرح في (المهذب) باستحباب الجمع في السبيلين. فإن قيل: ينبغي أن يكتفى في هذا المستحب بدون ثلاثة أحجار إذا حصلت الإزالة به .. قلنا: لا، كما في غسل اليدين إذا قام من النوم، لكن يشكل عليه ما سيأتي في المسألة بعدها من عدم اشتراط طهارة الحجر عند إرادة الجمع. قال: (وفي معنى الحجر: كل جامد طاهر قالع غير محترم)؛ لحصول الغرض به سواء كان من خشب أو خزف أو حشيش أو ثياب أو غيرها؛ لأن التنصيص على الحجر خرج مخرج الغالب. واحترز بـ (الجامد): عن المائع. وبـ (الطاهر): عن النجس والمتنجس؛ لأن المقصود من الاستنجاء إزالة النجاسة أو تخفيفها والنجس يزيدها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: (هذا ركس) رواه البخاري [156] عن ابن مسعود. هذا عند الاقتصار على الحجر، وأما عند إرادة الجمع .. فنقل الجيلي في (الإعجاز) عن بعض كتب الغزالي: أنه لا يشترط طهارته، لكن يرد عليه ما إذا استنجى بحجر مبلول، فإنه لا يصح على الأصح؛ لأنه ينجس بنجاسة المحل فيتعين الماء. وإذا أزيلت النجاسة بحجر، ثم استعمل ثانياً وثالثاً ولم يتلوثا .. جاز استعمالهما من غير غسل. والفرق بينه وبين التيمم بالتراب المستعمل عسر. فإن استنجى بنجس .. فالأصح: تعين الماء بعده. واحترز بـ (القالع): عن نحو الزجاج والقصب الأملسين؛ فإنه يبسط النجاسة وعند ذلك يتعين الماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (بغير المحترم) عما له حرمة وهو أنواع: منها: ما كتب عليه شيء من العلم أو اسم معظم كما في (الكفاية). وقال القاضي حسين: أوراق التوراة والإنجيل مما لا حرمة له؛ لأنهما مبدلان. ومنها: المطعومات؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالعظم، وقال: (إنه طعام إخوانكم الجن)، وإذا نهينا عن مطعوم الجن .. فمطعوم الإنس أولى. ولفظه في (صحيح مسلم) [450]: أنهم سألوه الزاد فقال: (كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في يد أحدكم أوفر ما كان لحماً). وفي (أبي داوود): كل عظم لم يذكر اسم الله عليه. وأكثر الأحاديث تدل على معنى رواية أبي داوود، وحمل بعض العلماء رواية مسلم على الجن المؤمنين، والرواية الأخرى على الشياطين منهم، وصححه السهيلي. وروى أبو داوود [36] والنسائي [5067] – بإسناد جيد -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرويفع بن ثابت الأنصاري: (يا رويفع؛ ستطول بك الحياة فأخبر الناس: أن من استنجى برجيع دابة أو بعظم .. فإن محمداً بريء منه). وقيل: إن أحرق العظم .. جاز الاستنجاء به. وما يؤكل من الفواكه رطباً لا يابساً كاليقطين .. لا يجوز الاستنجاء برطبه، وكذلك كل ما يأكله الآدميون خصوصاً.

وَجِلْدٍ دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وما يشترك معهم فيه البهائم، فإن كان أكل البهائم له أكثر .. جاز، وإن كان بالعكس .. فلا، وإن استويا .. فوجهان. ومنها: جزء الحيوان المتصل، يمتنع الاستنجاء به؛ لحرمته، وجوز الشيخان الاستنجاء بخشن الديباج مع الإثم، لكن في تأثيم المرأة بذلك نظر، إلا أن يكون من جهة السرف. فرع: الاستنجاء بالتراب والفحم نص الشافعي فيهما على الإجزاء وعدمه، فقيل: قولان مطلقاً. والمذهب: إن كان التراب منعقداً كالمدر والفحم .. صح، وإلا .. فلا. قال القاضي حسين: فإن جوزناه بالتراب .. احتاج أن يستنجي أربع مرات؛ لأن التراب في الأولى التصق بالمحل، وفي الثانية تناثر عنه، وفي الثالثة يلتصق بالمحل، فيحتاج إلى رابعة، ويندب خامسة للإيتار، وإن معناه به ففعل .. تعين الماء، وكذلك الفحم المفتت. قال: (وجلد دبغ)؛ لأنه كالخرق، وليس بمأكول عادة، ولا يقصد بالأكل؛ بدليل جواز بيع جلدين بجلد، لكن يستثنى جلد المصحف إذا نزع عنه .. فإنه لا يجوز الاستنجاء به، كما ذكره الغزالي في (عقود المختصر). قال: ومن فعل ذلك .. وجب عليه الزجر، ويستغفر الله تعالى. و (الجلد) جمعه: أجلاد وجلود، قال الله تعالى: {وقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا}. قيل: معناه لفروجهم، حكاه ابن سيده. قال: (دون غيره)؛ لأن فيه دسومة تمنع التنشيف، ومعدود من المطعومات أيضاً، ولهذا يؤكل مع الرؤوس والأكارع وغيرهما. وأما المدبوغ .. فزالت

فِي اَلأَظْهَرِ. وَشَرْطُ اَلْحَجَرِ: أَنْ لاَ يَجِفَّ اَلنَّجَسُ، وَلاَ يَنْتَقِلَ، وَلاَ يَطْرَأَ أَجْنَبِيٌّ، فَلَوْ نَدَرَ أَوِ اَنْتَشَرَ فَوْقَ اَلْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ وَحَشَفَتَهُ .. جَازَ اَلْحَجَرُ فِي اَلأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ دسومته، وانقلب عن طبع اللحوم إلى طبع الثياب. قال: (في الأظهر)، هو نصه في (الأم)، وقال في (البويطي): يجوز بهما. وقال في (حرملة): لا يجوز بهما. قال: (وشرط الحجر: أن لا يجف النجس)؛ لأنه إذا جف لا يزيله إلا الماء، وأفتى القفال والقاضي بأنه إن قلعه .. كفى، واختاره الروياني. قال: (ولا ينتقل) أي: النجس عن الموضع الذي أصابه عند الخروج؛ لأنه بذلك يصير نادراً كسائر النجاسات، ولذلك قال المتولي وغيره: شرط الاستنجاء بالحجر من الغائط أن لا يقوم من موضعه؛ لأنه بالقيام تنطبق إليتاه فتنتقل النجاسة. قال: (ولا يطرأ أجنبي) أي: نجس أجنبي كما لو استنجى بشيء نجس، فإن استنجى بحجر ثم غسله وجف واستنجى به ثانياً .. جاز. قال: (فلو ندر أو انتشر فوق العادة) المراد: عادة غالب الناس، وقيل: عادة نفسه. قال: (ولم يجاوز صفحته) إن كان غائطاً (وحشفته) إن كان بولاً (.. جاز الحجر في الأظهر). أما النادر .. فلأن الحاجة تدعو إليه غالباً. وأما المنتشر .. فلأن المهاجرين رضي الله عنهم لما قدموا المدينة أكلوا التمر ولم يكن ذلك من عادتهم، فرقت بذلك أجوافهم، ولم يؤمروا بالاستنجاء بالماء، وذلك صحيح مشهور. والقول الثاني: لا يجوز إلا الماء للندور فيهما. وفي المسألة طريقان آخران: أحدهما: القطع بالأول. والثاني: القطع بالثاني.

وَيَجِبُ ثَلاَثُ مَسَحَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الرفعة: إذا كان الانتشار منقطعاً .. وجب غسل ما انقطع وانفصل عن حلقة الدبر على الأظهر، فتستثنى هذه الصورة من كلام المصنف. والمراد بـ (باطن الصفحة): ما ينطبق عند القيام. مهمة: المذي معتاد على المشهور، وما وقع في (الشرح) و (الروضة) من كونه نادراً .. خلاف المشهور. وأما الودي: فلم يذكره الرافعي، وجزم المصنف بأنه نادر. والوجه: عده من المعتاد، كما جزم به في (البيان)؛ لأنه جزء من البول يخرج عقبه. وأما الدم، فإن كان معتاداً كدم الحيض والنفاس .. فصرح صاحب (الحاوي) وغيره بجواز الاستنجاء بالحجر فيهما. وفائدته: فيمن انقطع حيضها واستنجت بالحجر، ثم تيممت لسفر أو مرض .. فإنها تصلي ولا إعادة عليها. وأما دم الاستحاضة والباسور الذي هو داخل الدبر .. فإنهما نادران. قال: (ويجب ثلاث مسحات)؛ لما روى مسلم [262] عن سلمان قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار). ويفارق الغسل بالماء؛ لأن الغسل بالماء يفيد حقيقة الطهارة فلم يعتبر فيه العدد، والحجر لا يفيد ذلك وإنما يخفف فاعتبر العدد. كما أن الاعتداد إن كان بوضع الحمل .. لم يعتبر فيه العدد؛ لأن خروج الولد يدل على حقيقة براءة الرحم والاعتداد بالأقراء معتبر بالعدد؛ لأن الأقراء تدل على البراءة من حيث الظاهر لا من حيث الحقيقة. ولما ظهر المعنى في الحجر .. ألحقنا به ما في معناه. وقيل: إذا حصل الإنقاء بما دون الثلاث .. كفى.

وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِ .. وَجَبَ اَلإِنْقَاءُ، وَسُنَّ اَلإِيتَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــ واشترط إبراهيم بن جابر – ووفاته سنة عشر وثلاث مئة – وابن المنذر ثلاثة أحجار، وهي ظاهرية محضة وبين الوجهين تباعد، والصحيح متوسط بينهما. ويحتاج المستجمر في القبل والدبر إلى ستة أحجار أو حجر له ستة جوانب وما في معناها. ولو مسح ذكره مرتين ثم خرجت منه قطرة .. وجب استئناف الثلاث. قال: (ولو بأطراف حجر)؛ لأن المقصود عدد المسحات، بخلاف ما إذا رمى الحاج بحجر له ثلاثة أحرف فإنه لا يحسب له إلا رمية واحدة؛ لأن المقصود تعدد الرمي. قال: (فإن لم ينق .. وجب الإنقاء) برابع وأكثر؛ لأنه المقصود من الاستنجاء، وللزائد حكم الحجر الثالث في الكيفية. والثاني: لا يجب، ورجحه الروياني؛ لأنه مأمور بثلاثة أحجار وقد استنجى بها. وفي (الحاوي) وجه: أنه إذا بقي ما لا يزول بالحجر ويزول بصغار الخزف .. لا يجب إزالته؛ لأن الواجب الإزالة بالأحجار ولم يكلفه الشرع غيرها. قال الشيخ: وهذا الوجه وإن كان بعيداً من حيث المذهب، فقد رجحه الروياني وصوبه المصنف. وصورته: أن ترق النجاسة وتغوص في تلك المعاطف، ولأجل هذا كره علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الاقتصار على الأحجار، إلا في حالة الضرورة. قال: (وسن الإيتار)؛ لما روى الشيخان [خ 161 – م 237] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استجمر أحدكم .. فليستجمر وتراً). وفي (أبي داوود) [36]: (من استجمر .. فليوتر، من فعل .. فقد أحسن، ومن لا .. فلا حرج). وقيل: إن الإيتار واجب؛ لظاهر الخبر الأول، وهو شاذ.

وَكُلُّ حَجَرٍ لِكُلَّ مَحَلَّهِ، وَقِيلَ: يُوَزَّعْنَ لِجَانِبَيْهِ وَاَلْوَسَطِ. وَيُسَنُّ بِيَسَارِهِ. وَلاَ اَسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ وَبَعْرٍ بِلاَ لَوْثٍ فِي اَلأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (شرح المهذب) و (الكفاية) نسبة هذا الوجه إلى ابن خيران ووهما في ذلك؛ فإن ابن خيران أوجب ثلاث مسحات أخرى. قال: (وكل حجر لكل محله)، فيبدأ بأول الصفحة اليمنى ويديرها عليها إلى آخرها، ثم على اليسرى حتى يصل إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم الحجر الثاني بعكس ذلك، ثم يمر الثالث على الصفحتين والمسربة، وهذا قول ابن أبي هريرة وعليه الجمهور؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وليستنج بثلاثة أحجار)، يقبل بواحد، ويدبر بواحد، ويحلق بالثالث. وقال الرافعي: إنه حديث ثابت، وأنكره عليه المصنف وابن الصلاح وقالا: إنه غير معروف. قال: (وقيل: يوزعن لجانبيه والوسط)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار .. حجرين للصفحتين، وحجراً للمسربة) رواه الدارقطني [1/ 56] والبيهقي [1/ 114] عن سهل بن سعد الساعدي. والخلاف الذي ذكره المصنف: في الاستحباب، وقيل: في الوجوب. أما البول .. فيمسح ذكره على ثلاثة مواضع، فإن مسح على موضع أو موضعين. تعين الماء. قال: (ويسن بيساره)؛ لما روى مسلم عن سلمان الفارسي قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي باليمين). وفي (المهذب) و (الكافي): أنه لا يجوز الاستنجاء باليمين، للنهي الصريح فيه. وأوله المصنف بأن الاستنجاء يقع بما في اليمين لا باليد، فلا معصية في الرخصة. قال: (ولا استنجاء لدود وبعر بلا لوث في الأظهر)؛ لأن المقصود من الاستنجاء إزالة النجاسة أو تخفيفها، فإذا لم تلوث .. فلا معنى للاستنجاء؛ لأنه خارج بلا رطوبة فأشبه الريح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يجب؛ لأنه لا يخلو عن رطوبة ولكن قد تخفى، وعبر في (المحرر) أيضاً بالحصاة، فأبدلها المصنف بالبعرة؛ لينبه على أن المعتاد إذا خرج بلا رطوبة .. كان حكمه حكم الدود والحصاة، وهو حسن والخلاف مشبه بما إذا ولدت ولم تر بللاً. وعلى الثاني، هل يكفي الحجر؟ فيه طريقان، قال في (الروضة): المذهب الإجزاء. تتمة: نقل المتولي وغيره الإجماع على أنه: لا يجب الاستنجاء من النوم والريح. قال ابن الرفعة: ولم يفرق الأصحاب بين أن يكون المحل رطباً أو يابساً، ولو قيل بوجوبه إذا كان المحل رطباً .. لم يبعد، كما قيل به في دخان النجاسة. والصواب: عدم الوجوب، بل عدم الاستحباب، بل قال الجرجاني: إن ذلك مكروه. وصرح الشيخ نصر المقدسي بتأثيم فاعله؛ لأنه تنطع وغلو. * * * خاتمة يعتمد المستنجي في اليد الإصبع الوسطى، وفي استحباب شم اليد بعد الاستنجاء وجهان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الماوردي: ينبني ذلك على ما لو شمها فأدرك فيها رائحة النجاسة، هل يكون ذلك دليلاً على نجاسة المحل؟ وقد صرح في زوائد (الروضة) بنجاسة اليد دون المحل، وهو مشكل. ويسن أن ينضح فرجه وداخل سراويله وإزاره بعد الاستنجاء دفعاً للوسواس. وقال في (الإحياء): يقول بعد فراغ الاستنجاء: اللهم؛ طهر قلبي من النفاق، وحصن فرجي من الفواحش. * * *

باب الوضوء

بَابُ اَلْوُضُوءِ فَرْضُهُ سِتَّةٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الوضوء أصله من الوضاءة وهو: الحسن والنظافة، وفيه لغات: أشهرها انه بضم الواو: اسم للفعل - وهو المراد هنا - وبالفتح: الماء الذي يتوضأ به. والثانية: بالفتح فيهما. والثالثة: بالضم فيهما، وهو أضعفها. وهو في الشرع: غسل أعضاء مخصوصة مفتتحة بالنية. قال: (فرضه ستة). الفرض والواجب بمعنى واحد، والمراد هنا: الركن، لا المحدود في كتب أصول الفقه، والصبي هنا كالبالغ، وعلم بالحصر أن الماء الطهور ليس من أركانه، بل هو شرط له كالعقل والإسلام والتمييز، لكن في (الروضة) في (باب التيمم) جعل التراب ركناً، والماء هنا كالتراب هناك، وقد عد المصنف من شروط الصلاة معرفة أعمالها وكيفيتها، وهذا يأتي في الوضوء وكل عبادة.

أَحَدُهَا: نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أحدها: نية رفع حدث)، أما وجوب النية .. فلقوله تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، والوضوء عبادة، وقال صلى الله عليه وسلم: (الأعمال بالنيات). و (النية) – بتشديد الياء ويقال بتخفيفها -: القصد بالقلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: قصد الشيء مقترناً بفعله، فإن قصده وتراخى عنه .. فهو عزم. وشرعت النية لتمييز العادات عن العبادات، كالجلوس في المسجد يكون للاعتكاف تارة وللاستراحة أخرى، أو لتمييز مراتب العبادات، كالصلاة للفرض تارة وللنفل تارة أخرى. ومحلها القلب، فإن اقتصر عليه ولم يتلفظ .. جاز، ويندب التلفظ بالمنوي. وقال الزبيري: يجب أن يساعد القلب اللسان. ولو نوى بلسانه التبرد، وبقلبه رفع الحدث أو بالعكس .. فالاعتبار بما في القلب بلا خلاف. و (رفع الحدث) معناه: رفع حكمه. وكان ابن الرفعة يقول: الحدث معنى يحل بالأعضاء منزل منزلة المحسوس؛ ولذلك يقال بتبعيضه وارتفاعه عن كل عضو. وشرط النية: العلم بالمنوي، فإن اعتقد أن جميع أفعاله فرض .. صح، أو سنة .. فلا، وإن اعتقد أن بعضها فرض وبعضها سنة ولم يميز .. صح بشرط أن لا يقصد بفرض نفلاً، كما سيأتي في الصلاة). وشرطها: أن لا تكون معلقة، فلو قال: إن شاء الله قاصداً التعليق .. لم يصح، وإن قصد التبرك .. صح، وإن أطلق .. لم يصح؛ لأن اللفظ موضوع للتعليق، كذا صرح به الجرجاني في (الشافي)، ولم يذكر الرافعي صورة الإطلاق. وعلم من وجوب النية اشتراط الإسلام والتمييز، فلا يصح الوضوء ولا الغسل ممن لا تمييز له قطعاً، ولا من كافر على الأصح، وقيل: يصحان منه، وقيل: يصح الغسل دون الوضوء. وهذا في الكافر الأصلي، وأما المرتد فقال الشيخان: لا يصحان منه بلا خلاف،

أَوِ اَسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إِلَى طُهْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الحاوي) وجه: أنه يصح غسله، وفي (التحقيق) وجه: أنه يصح وضوءه. وسيأتي في (كتاب النكاح) حكم غسل الذمية لجماع المسلم. ولو توضأ المسلم أو تيمم ثم ارتد .. بطل تيممه دون وضوئه في الأصح؛ لضعف التيمم، ولأن التيمم للإباحة ولا إباحة مع الردة. ثم إن المصنف ذكر للنية ثلاث كيفيات: إحداها: نية رفع الحدث، فإذا نوى ذلك .. صح؛ لأن المقصود بالوضوء رفع مانع الحدث، فإذا نواه فقد تعرض للمطلوب. وقيل: لا تكفي هذه الصيغة لماسح الخف؛ لأنه لم يرتفع حدثه. ونكر المصنف لفظ الحدث؛ ليشمل ما إذا نوى بعض أحداثه التي وقعت منه، فإن الأصح أن ذلك يكفي. فإن نوى رفع حدث البول، وليس عليه إلا حدث النوم مثلاً، فإن تعمد .. لم يصح؛ لتلاعبه، وإن غلط .. صح، كذا قاله الرافعي. وذكر في نظائره ما يخالفه، فقال في (صفة الأئمة): إذا أخطأ في تعيين الإمام أو الميت .. لا تصح صلاته، وفي (الزكاة): إذا ملك مئتين حاضرة ومئتين غائبة، فأخرج خمسة بلا تعيين، ثم بان تلف أحد المالين .. فله جعله عن الباقي. فلو عين أحدهما فبان تالفاً .. لم ينصرف إلى الآخر. وذكر في (الكفاية): أن الخطأ في التعيين يضر أيضاً. هذا والنية شرط في الجميع، وتعيينها ليس بشرط، وقد أخطأ في الجميع. قال: (أو استباحة مفتقر إلى طهر) هذا الكيفية الثانية، وهي: أن ينوي استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح إلا بالطهارة، كالطواف، وسجدة التلاوة والشكر، ومس

أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ اَلْوُضُوءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصحف، فيصح؛ لأن رفع الحدث إنما يطلب لهذه الأشياء، فإذا نواها .. فقد نوى غاية القصد. وقيل: لا يصح؛ لأن الاستباحة توجد مع بقاء الحدث، بدليل المتيمم والمستحاضة. وشملت عبارته ما إذا نوى ما لا يمكن فعله بذلك الوضوء، كالعيد وهو في صفر، أو الطواف وهو بمصر، والأصح: الصحة. واحترز عما لا يفتقر إليه، كدخول السوق ولبس الثوب، فلا تكفي نيته اتفاقاً، وعما يندب وسيأتي. لكن لو قال: مفتقر إليه، كما عبر به في (الغسل) .. كان أحسن؛ لأن المكث في المسجد وقراءة القرآن متوقفان على طهر وهو الغسل، فلا يصح الوضوء بنية استباحتهما. قال: (أو أداء فرض الوضوء) هذه الكيفية الثالثة، فيصح فيها الوضوء قياساً على الصلاة. وظاهر عبارة الكتاب: أنه لا بد من التعرض للأمرين جميعاً وليس كذلك، بل إذا نوى أداء الوضوء .. صح، كما صرح به في (الحاوي الصغير). وكذلك لو نوى فرض الوضوء .. فإنه يكفيه على الأصح، بل لو نوى الوضوء فقط .. صحح المصنف صحته أيضاً، وهو خلاف ما عليه الأكثر. وعكسه لو نوى الجنب الغسل .. فإنه لا يكفي، وهذا وارد على حصره في الكيفيات الثلاث. وكذلك إذا نوى الطهارة عن الحدث .. فإنه يصح، فإن لم يقل: عن الحدث .. لم يصح على الصحيح في زوائد (الروضة)؛ لتردده بين اللغوية والشرعية، ومنصوص (البويطي): الصحة.

وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ .. كَفَاهُ نِيَّةُ اَلِاسْتِبَاحَةِ دُونَ اَلرَّفْعِ عَلَى اَلصَّحِيحِ فِيهِمَا. وَمَنْ نَوَى تَبَرُّداً مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ .. جَازَ عَلَى اَلصَّحَيحَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن دام حدثه كمستحاضة .. كفاه نية الاستباحة دون الرفع على الصحيح فيهما). لما فرغ المصنف من حكم وضوء الرفاهية .. شرع في حكم وضوء الضرورة. ووجه الاكتفاء فيه بنية الاستباحة: القياس على التيمم. وأما عدم الاكتفاء بالرفع .. فلأن حدثه لا يرتفع؛ لمقارنته الوضوء أو تأخره عنه. وأشار إلى وجهين ضعيفين: أحدهما: أنه لا بد من النيتين، ليرتفع الماضي ويستبيح المستقبل والمقارن. والثاني: تكفي نية رفع الحدث أو الاستباحة؛ لأن نية رفع الحدث تتضمن الاستباحة. تنبيه: ظاهرة عبارة المصنف: أن نية استباحة الصلاة مطلقاً كافية وليس كذلك، بل حكم نية دائم الحدث حكم نية المتيمم، كما ذكره الرافعي هنا، وأغفله في (الروضة). فإن نوى الفرض .. استباحه، وإلا فلا على المذهب. وكالمستحاضة سلس البول والمذي. قال: (ومن نوى تبرداً مع نية معتبرة .. جاز على الصحيح)؛ لأن التبرد حاصل وإن لم ينوه، وقصد العبادة لا تضره مشاركته لذلك، كما لو كبر الإمام وقصد مع التحرم إعلام المأمومين .. فإنه لا يضر. والثاني: لا يجوز؛ لأنه شرك في العبادة وقال الله تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. والمراد بـ (المعية): أن يكون ذاكراً لها عند نية التبرد، فلو حدثت نية التبرد في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأثناء، فإن كان ذاكراً للنية المعتبرة .. فعلى الوجهين في الابتداء، وإن كان غافلاً .. لم يصح ما أتى به بعد ذلك في الأصح. فقوله: (نية معتبرة) شامل للابتداء والأثناء. وذكروا للتشريك في العبادة نظائر: منها: المغتسل للجنابة والجمعة. ولو أحرم بالصلاة بنيتها والاشتغال بها عن غريم، وكذلك الطواف مع ملازمة غريم. وإذا صلى بنية الفرض والتحية .. صح قطعاً. وقال الرافعي وابن الصلاح: إن الخلاف يجري فيه. ورده المصنف بأنهما قربتان، فلم يشرك بين قربة وغيرها، وذكر أنه لم ير في ذلك خلافاً بعد البحث الشديد سنين. وإذا كبر للصلاة وقصد إعلام القوم .. فإنه لا يضر كما تقدم. وإذا خطب يوم الجمعة على قصد الكسوف والجمعة .. لا يصح اتفاقاً. وإذا صام يوم عاشوراء عن قضاء أو نذر أو كفارة وأطلق، أو نوى معه صوم يوم عاشوراء .. أفتى الشيخ شرف الدين البارزي بالصحة ووقوعه عنهما، وهو نظير ما سيأتي في (باب الغسل) من نية الجنابة والجمعة، أو الحيض والعيد: أن ذلك يحصل. ومن لم يحج، إذا نوى بحجه الفرض والنفل .. وقع فرضاً. وإذا عجز عن قراءة القرآن في الصلاة، فانتقل إلى الذكر وأتى بالتعوذ ودعاء الاستفتاح قاصداً به السنة والبدلية .. لم يحسب عن الفرض كما قاله الرافعي. وإذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة بقصد التحرم والهوي .. لم تنعقد صلاته، وقيل: تنقلب نفلاً. وإذا صلى الفائتة في ليالي شهر رمضان ونوى معها صلاة التراويح .. لا تحصل

أَوْ مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ كَقِرَاءَةٍ .. فَلَا فِي اَلأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ التراويح، بل تحصل الفائتة فقط في الأصح، قاله ابن الصباغ، ونازعه في (المهمات). قال: (أو ما يندب له وضوء كقراءة .. فلا في الأصح)؛ لأنه مباح مع الحدث، فلا يتضمن قصده قصد رفع الحدث، فكان كزيارة الوالدين والصديق وعيادة المريض، وكل ذلك لا يصح الوضوء بنيته. والثاني: يصح؛ لأن مقصوده تحصيل المستحب، وهو لا يحصل بدون رفع الحدث، فكانت نيته متضمنة له. واحترز بـ (ما يندب) عما لا تشرع له الطهارة، كدخول السوق ولبس الثياب، فإن الوضوء لا يصح بنية ذلك جزماً. ولو أغفل لمعة من أعضائه في المرة الأولى، وغسلها في الثانية أو الثالثة .. فقد غسلها بنية النفل، والأصح: الإجزاء؛ لأن الغسل عن النفل إنما يقع بعد تمام الفرض، وهنا الفرض لم يتم فوقع الغسل فرضاً. وأنواع الوضوء المستحبة كثيرة: فمنها: من قهقهة المصلى، وحمل الميت، ومسه، ولزيادة القبور مطلقاً، وللأذان، والإقامة، والوقوف بعرفة، والسعي، وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مس شعر الأجنبية، وللمعيان إذا أصاب بالعين، والجلوس في المسجد – وفي (المحرر): ودخوله أيضاً – ولقراءة الحديث وسماعه، ودراسة العلم الشرعي، والنوم، والجماع، وإنشاد الشعر، واستغراق الضحك، ومن الفصد، والحجامة، والقيء، وأكل لحم الجزور كما تقدم، وخطب غير الجمعة، ومن الغيبة والنميمة،

وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِ اَلْوَجْهِ، وَقِيلَ: يَكْفِيِ بسُنَّةٍ قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والكذب، والقذف، وكل كلام قبيح، واستحبه ابن الصباغ من قص الشارب. قال: (ويجب قرنها بأول الوجه)؛ لأنه أول مفروض، فلا يكفي اقترانها بما قبله من السنن؛ لأنها توابع والمقصود من العبادة واجباتها، ولا بما بعده من الواجبات، وإلا لزم خلو بعض الواجبات عن النية. وإنما رخص في تقديم النية في الصوم في التقدم تارة والتأخر أخرى؛ لعسر مراقبة الفجر، وانطباق النية على أوله. وإذا اقترنت النية بأول الوجه ولم يكن نوى قبل ذلك .. لم يحصل له ثواب السنن على الصحيح. فإن قيل: من نوى صوم النفل في أثناء اليوم .. فإن النية تنعطف على الماضي ويحصل له ثواب جميع اليوم على الأصح، فلم لا كان هنا كذلك؟ فالجواب: أنه لا ارتباط لصحة الوضوء بالسنن المذكورة؛ فإنه يصح بدونها بخلاف بقية النهار، وأيضاً الصوم خصلة واحدة فإذا صح بعضها .. صح كلها، وللوضوء أركان متفاضلة فالانعطاف فيها أبعد. ولو قال المصنف: بأول غسل الوجه .. كان أحسن؛ لأن أول الوجه أعلاه ولا يجب غسله أولاً. وأفهمت عبارته: أنه لا يجب استصحاب النية ذكراً إلى آخر الوضوء وهو كذلك لما فيه من العسر، ولكن يجب استصحابها حكماً وهو: أن لا ينوي قطعها، ولا يأتي بما ينافيها. فلو ارتد – والعياذ بالله تعالى – أو نوى قطعها .. أثر ذلك في المغسول بعده، لا في الماضي، فإذا أسلم ونوى .. بنى. قال: (وقيل: يكفي بسنة قبله)؛ لأنها جزء من الوضوء. والسنن المتقدمة هي المضمضة والاستنشاق قطعاً. وفي السواك والتسمية وغسل الكفين وجهان، والوجه: أنها من السنن أيضاً؛ لأنها مندوبة في ابتدائه ويثاب عليها.

وَلَهُ تَفْرِيقُهَا عَلَى أَعْضَائِهِ فِي اَلأَصَحَّ. اَلثَّانِي: غَسْلُ وَجْهِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا اقترنت النية بها .. فقد اقترنت بأول العبادة، وقيل: يكفي الاقتران بالمضمضة والاستنشاق دون غيرهما. والذي قطع به الجمهور: أنه لا يكفي اقترانها بالاستنجاء. فعلى المذهب: يحتاج أن ينوي مرتين: مرة للسنن، ومرة للواجبات. ومحل الخلاف: إذا عزبت النية قبل غسل الوجه، فإن استمرت إلى غسله .. فلا إشكال في الصحة. وصورة المسألة: أن لا ينغسل حال المضمضة والاستنشاق شيء من الوجه، فإن انغسل منه شيء مع ذلك .. صح إن كان بنية الوجه، وكذا إن لم يكن على الصحيح. قال المصنف: لكنه يحتاج إلى إعادة غسل ذلك الجزء على الأصح، وهو كلام متدافع؛ فإن تصحيح النية يقتضي الاعتداد بالمغسول، والصواب: صحة الوضوء بهذه النية من غير وجوب الإعادة، كما نص عليه جماعة من الأصحاب. قال: (وله تفريقها على أعضائه في الأصح)، بأن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عنه، سواء نفاه عن غيره أم لا. والثاني: لا؛ قياساً على الصوم والصلاة. وقيل: إن لم ينفه عن غيره .. صح جزماً. قال: (الثاني: غسل وجهه)؛ لقوله تعالى: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ} الآية، وبذلك صحت السنة، وانعقد الإجماع. والمراد بـ (غسله): انغساله، فلا يشترط أن يغسله هو، وكذلك بقية الأعضاء.

وَهُوَ: مَا بَيْنَ مَنَابِتِ رَاسِهِ غَالِباً وَمُنْتَهَى لَحْيَتْهِ، وَمَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو: ما بين منابت) شعر (رأسه غالباً ومنتهى لحييه) هذا حده طولاً، وهو من مبتدأ تسطيح الجبهة؛ لأنه مأخوذ من المواجهة، وهي تحصيل به. واحترز بـ (غالباً) عن الأغم وسيأتي، وعن الأصلع الذي انحسر الشعر عن مقدم جبهته، فإنه لا اعتبار به. وكان الأحسن أن يقول: منابت شعر الرأس؛ لأن شعر رأسه شيء موجود، لا غالب فيه ولا نادر، ولكن قوله: (ومنتهى لحييه) يقتضي: أن منتهى اللحيين غير داخل وليس كذلك، بل ما أقبل منهما داخل لوقوع المواجهة به. و (المنابت) جمع منبت – بكسر الباء – وهو: موضع النبات. و (اللحيان) بفتح اللام: العظمان اللذان عليهما الأسنان، واحدها لحي، والجمع ألح. قال: (وما بين أذنيه) هذا عرضه، فالأذنان ووتداهما غير داخلين فيه، والأصح أن الصدغين ليسا منه. والثاني: منه، واختاره ابن الصلاح. والثالث: ما استعلى عن الأذنين من الرأس، وما انحدر عنهما من الوجه. ويجب غسل جزء من الرأس ومن الحلق ومن تحت الحنك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ومنه البياض الذي بين العذار والأذن. ومنه ما ظهر من حمرة الشفتين، ومن الأنف بالجدع، دون باطن الفم والعين، فهذه لها حكم الباطن في طهارة الحدث، وحكم الظاهر في طهارة الخبث. واستحب جماعة غسل باطن العين؛ لأن ابن عمر كان يفعله حتى عمي، رواه البيهقي [1/ 177]، وسائر الأصحاب على خلافه للمشقة والضرر. أما ماقا العين .. فيغسلان بلا خلاف. فإن كان عليهما ما يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب الغسل .. وجب إزالته وغسل ما تحته.

فَمِنْهُ مَوْضِعُ اَلْغَمَمِ، وَكَذَا اَلتَّحْذِيفُ في اَلأَصَحَّ، لاَ اَلنَّزَعَتَانِ، وَهُمَا: بيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ اَلنَّاصِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فمنه موضع الغمم)؛ لحصول المواجهة به. و (الغمم): أن يسيل الشعر حتى تضيق الجبهة أو القفا. ورجل أغم وامرأة غماء، والعرب تذم به وتمدح بالأنزع؛ لأن الغمم يدل على البلادة والجبن والبخل، والأنزع بضد ذلك. قال هدبة بن خشرم [من الطويل]: فلا تنكحي إن فرق الله بيننا .... أغم القفا والوجه ليس بأنزعا قال: (وكذا التحذيف في الأصح)؛ لمحاذاته بياض الوجه. والمراد: موضع (التحذيف)، وهو بالذال المعجمة: ما نبت عليه الشعر الخفيف متصلاً بالصدغ. وضابطه: أن يضع طرف خيط على رأس الأذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة، فما نزل عنه إلى جانب الوجه .. فهو موضع التحذيف؛ لمحاذاته بياض الوجه. وسمي بذلك؛ لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه. والثاني: أنه من الرأس لاتصال شعره بشعرها، وهذا هو الراجح في (الشرحين) و (التذنيب)، وهو الموافق للنص وعليه المعظم. قال: (لا النزعتان، وهما بياضان يكتنفان الناصية)؛ لأنهما في تدوير الرأس. و (النزعتان) بفتح الزاي ويجوز إسكانها، ويقال منه: رجل أنزع، أي: بين النزع، ولا يقال: امرأة نزعاء، لكن يقال: زعراء. و (الناصية): مقدم الرأس من أعلى الجبين.

قُلْتُ: صَحَّحَ اَلْجُمْهُورُ: أَنَّ مَوْضِعَ اَلتَّحْذِيفِ مَنَ الرَّاسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَجِبُ غَسْلُ كُلَّ هُدْبٍ وَحَاجِبٍ وَعِذَارٍ وَشَارِبٍ وَخَدَّ وَعَنْفَقَةٍ شَعْراً وَبَشَراً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ينبغي أن يقول: لا النزعتان والصلع؛ فإن الضابط كما أدخل الغمم اخرج الصلع، فلا وجه لذكر أحدهما دون الآخر، لاسيما وقد صرح به في (المحرر). قال: (قلت: صحح الجمهور: أن موضع التحذيف من الرأس والله أعلم) وهذا هو الذي عليه الأكثرون، وهو الموافق للنص كما تقدم، وذلك لاتصال الشعر بها. قال: (ويجب غسل كل هدب)، وهو بالمهملة: الشعر النابت على أجفان العين. قال: (وحاجب)، وجمعه: حواجب، وحاجب الأمير جمعه: حجاب، سمي بذلك؛ لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس. قال: (وعذار)، وهو بالمعجمة: الشعر النابت على العظم الناتئ بقرب الأذن وبينهما بياض، وهو أول ما ينبت للأمرد. قال: (وشارب)، وهو: الشعر النابت على الشفة العليا، سمي بذلك؛ لملاقاته فم الإنسان عند الشرب، والمصنف وافق الجمهور في إفراده .. وعبر الغزالي وغيره بالتثنية، وتعبه في (الشرح) و (الروضة) وكلاهما في (الأم)، فقيل: أراد ما على الشفتين وقيل: أراد جانبي العليا. قال: (وخد)، أي: الشعر النابت عليه، كذا ذكره البغوي، والمصنف في (شرح المهذب)، وليس له في كتب الرافعي ذكر ولا في (الروضة). قال: (وعنفقة)، وهو: الشعر النابت على الشفة السفلى. قال: (شعراً وبشراً)؛ لأنها من الوجه، سواء خفت أم كثفت؛ لأن الغالب على هذه الشعور الخفة وكثافتها نادرة، وكذلك لحية المرأة ولحية الخنثى إذا لم نجعلها علامة للذكور وهو المذهب.

وَقِيلَ: لاَ يَجِبُ بَاطِنُ عَنْفَقَةٍ كَثِيفَةٍ. وَاللَّحْيَةُ إَنْ خَفَّتْ .. كَهُدْبٍ، وَإِلاَّ .. فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: لا يجب باطن عنفقة كثيفة) كاللحية. وفي ثالث: يجب إن لم تتصل باللحية؛ لعدم إحاطة بياض الوجه بها، وعند هذا القائل غسل الخمسة الأولى لهذه العلة لا للندور فقط. قال: (واللحية إن خفت .. كهدب) أي: حكمها حكمه في جميع ما سبق. ولا خلاف في وجوب غسل باطنها إذا خفت، فإن خف بعضها وكثف بعضها .. كان لكل حكمه على الأصح، إلا أن لا تتميز .. فيجب غسل الجميع، وقيل: يجب غسل الجميع مطلقاً، وحكي عن النص. و (الخفيف): ما لم يستر البشرة عن الناظر في مجلس التخاطب، وقيل: ما يصل إليه الماء بلا مشقة، وقيل: يرجع فيه إلى العرف. و (اللحية) معروفة، والجمع لحى ولحى، ورجل لحيان: عظيم اللحية. قال: (وإلا .. فليغسل ظاهرها)؛ لحصول المواجهة به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل وجهه بغرفة، وتوضأ بماء لا يبل الثرى، وهو: التراب الندي. وكان صلى الله عليه وسلم كثير الشعر عظيم اللحية. ومن المعلوم: أن ذلك لا يصل إلى ما تحت شعره، فدل على الاكتفاء بالإفاضة على الظاهر، ولأنه باطن دونه حائل معتاد، فلا يجب غسله كداخل الفم. وقال المزني في (المنثور): يجب إيصاله إلى البشرة التي تحت الشعر، لكن يستثنى من إطلاقه لحية المرأة والخنثى كما تقدم، فيجب غسل باطنهما. ويستحب للمرأة حلقها، وكذا حكم شاربها وعنفقتها. وقال محمد بن جرير: لا يجوز لها حلق شيء من ذلك.

وَفي قَوْلٍ: لاَ يَجِبُ غَسْلُ خَارِجٍ عَنِ اَلْوَجْهِ. اَلثَّالِثُ: غَسْلُ يَدَيْهِ مَعَ مَرْفَقَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل الجيلي في (الإعجاز) عن الفوراني: أنه يجب عليها حلقها؛ لئلا تشبه بالرجال في إبقائها. وشعر العارضين – وهو: ما تحت العذار – له حكم اللحية، فيفرق بين خفيفه وكثيفه. قال: (وفي قول: لا يجب غسل خارج عن الوجه) أي: من شعر اللحية؛ لأنه لا يحاذي محل الفرض، فلا يعطى حكمه كالذؤابة والسبال. وأشار إلى أن الراجح: وجوب غسله، وهو الظاهر من القولين. ويستحب أن يأخذ الماء بيديه جمعياً. ولو خلق له وجهان .. وجب غسلهما. قال: (الثالث: غسل يديه)؛ للآية والإجماع. فلو نبت على ذراعه أو رجله شعر كثيف .. وجب غسله مع البشرة، وكذا لو طالت أظفاره .. وجب غسلها على المذهب. قال (مع مرفقيه)؛ تأسياً بالمبين عن الله تبارك وتعالى، صلى الله عليه وسلم. وروى البزار [كشف 268] عن وائل حجر قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه، ثم يديه حتى جاوز المرفق ثلاثاً)، وذكر في الرجل نحوه. وفعله صلى الله عليه وسلم بيان، فلما أدخل المرفقين في الغسل .. دل على وجوب غسلهما. قال الأكثرون: إن (إلى) في الآية بمعنى (مع) كقوله تعالى: {ولا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ}، {وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ}، {ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إلَى قُوَّتِكُمْ}. وفيه نظر؛ لأن المشهور: أن اليد حقيقة إلى المنكب، فتعين أن تكون للغاية. والغاية إذا كانت جزءاً من المغيا .. دخلت، كقوله: قطعت أصابعه من الخنصر إلى المسبحة، وبعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه.

فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ .. وَجَبَ مَا بَقِيَ، أَوْ مِنْ مِرْفَقِهِ .. فَرَاسُ عَظْمِ اَلْعَضُدِ عَلَى اَلْمَشْهُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أو أنها غاية للمتروك، أي: اتركوا منها إلى المرافق. فالمراد بالتحديد في هذا: إخراج ما وراء الحد. و (مع) بفتح العين على المشهور، وإسكانها قليل. و (المرفق) بكسر الميم وفتح الفاء وعكسه، سمي بذلك؛ لأن المتكئ يرتفق به إذا أخذ براحته رأسه متكئاً على ذراعه. واليد الزائدة أو الإصبع الزائدة، إن كانت في محل الفرض .. وجب غسلها، وإلا فإن حاذى شيء منها محل الفرض .. وجب غسل المحاذي في الأصح، لا ما لم يحاذ قطعاً. والسلعة تغسل إن نبتت في محل الفرض، وإلا فلا. قال: (فإن قطع بعضه) أي: بعض ما يجب غسله (.. وجب ما بقي) بلا خلاف؛ لقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر .. فأتوا منه ما استطعتم)، متفق عليه [خ 6859 – م 1337]. وحكى الإمام في (باب زكاة الفطر) وجهاً: أنه لا يجب. قال: (أو من مرفقه .. فرأس عظم العضد على المشهور)؛ لأنه من محل الفرض. والثاني: لا يجب؛ لأن غسل المرفق ليس مقصوداً لنفسه، بل للاستيعاب. والمصنف اقتصر على طريقة القولين تعباً لـ (المحرر) و (الشرح الصغير). ورجح في (الروضة) طريقة القطع، وليس في (الكبير) ترجيح لواحدة منهما. ولو لم يكن ليده مرفق، ولا لرجله كعب .. اعتبر قدره ويحتاط. و (العضد) من الإنسان وغيره: الساعد، وهو: ما بين المرفق إلى الكتف. حكى الجوهري وابن سيده فيها أربع لغات، وزاد غيرهما أربعة أخرى، وهي مؤنثة على المشهور، ففي حديث أبي قتادة في الحمار الوحشي: (فناولته العضد فأكلها).

أَوْ فَوْقَهُ .. نُدِبَ بَاقِي عَضُدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال اللحياني: لا يجوز فيها التذكير، وجمعها: أعضاد لا تكسر على غير ذلك. وفي حديث أم زرع: (وملأ من شحم عضدي)، لم ترده خاصة، ولكنها أرادت الجسد كله، فإنه إذا سمن العضد .. سمن سائر الجسد. قال: (أو فوقه .. ندب باقي عضده)، كما لو كان سليم اليد، ولئلا يخلو العضو عن طهارة، وكإمرار الموسى على رأس المحرم الذي لا شعر عليه، كذا علله أبو إسحاق. وعلله الجمهور بأنه موضع الحلية، وقال صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يبطل غرته وتحجيله .. فليفعل). ومنه يؤخذ: أن غاية التحجيل تمتد إلى الإبط، وهو الصحيح. ونظيره في الرجل: استيعاب الرجل. فلو كان القطع من المنكب .. ندب إمساس موضع القطع بالماء. فروع: لو قطعت يده أو رجله، أو حلق شعره، أو قلم أظفاره بعد تطهير ذلك العضو .. لا يلزمه إعادة غسله ولا مسحه. وقال محمد بن جرير: يلزمه الإعادة كماسح الخف إذا نزعه .. يلزمه غسل الرجلين، وهو غير صحيح؛ لأن الخف ليس من أصل الخلقة. ووقع في (الوسيط): نسبة ذلك إلى ابن خيران، فاقتضى أن يكون وجهاً في المذهب، وليس كذلك؛ لأن ابن جرير مجتهد لا يعد خلافه وجهاً في المذهب، ووقع له نظير ذلك في أول (كتب الزكاة)، وسيأتي ذكره في الزائد على مئة وعشرين من الإبل.

اَلرَّابِعُ: مُسَمَّى مَسْحٍ لِبَشَرةِ رَاسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا لم يقدر الأقطع أو المريض على الوضوء .. لزمه تحصيل من يوضئه ولو بأجرة، فإن عجز .. تيمم، فإن عجز .. صلى وأعاد كفاقد الطهورين. ولو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى البشرة .. لم تصح طهارته على الأصح. وإن كان على العضو دهن مائع، فجرى الماء على العضو ولم يثبت صح .. وضوءه. قال: (الرابع: مسمى مسح لبشرة رأسه)؛ لأن المسح في الآية مجمل، وهو ينطلق على القليل والكثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى مسلم [274] عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ، فمسح بناصيته وعلى عمامته)، فلو كان الاستيعاب واجباً لما اقتصر على بعضه. ولأن قول القائل: قبل فلان رأس اليتيم ومسحها أو ضرب رأسه .. صادق بالبعض، فكذلك هذا، وكل من الشعر والبشرة يصدق عليه مسمى الرأس عرفاً، إذ الرأس اسم لما رأس وعلا، بخلاف الوجه فإنه لو غسل بشرته وترك الشعر .. لم يجزئه؛ لأن الوجه من المواجهة وذلك إنما يقع على ظاهر الشعر. والمراد: أن الواجب أقل جزء من بشرة الرأس، أو من الشعر ينطلق عليه الاسم، ولو بعض شعرة حتى لو أدخل يده تحت شعره ومسح البشرة .. أجزأه وإن كانت مستورة بالشعر في أصح الوجهين، سواء مسح بيده أو خرقة مبلولة أو خشبة ونحو ذلك. وقيل: لا يجزئ مسح البشرة التي تحت الشعر؛ لانتقال الفرض إلى الشعر كاللحية الكثة. وأوجب المزني مسح جميعه كمذهب مالك وأحمد. واختار البغوي وجوب قدر الناصية كمذهب أبي حنيفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمسح على أقل منه. وقيل: يتقدر الواجب بثلاث شعرات كالحلق في الإحرام. وفرق الأصحاب بأن المطلوب في الحلق الشعر، وتقدير الآية: محلقين شعر رؤوسكم، والشعر: اسم جمع أو اسم جنس، وأقل الجمع: ثلاثة، بخلاف المسح فإنه غير منوط بالشعر. فإن قيل: صيغة الأمر بمسح الرأس والوجه في التيمم واحدة، فهلا أوجبتم

أَوْ شَعْرٍ فِي حَدَّهِ. وَالأَصَحُّ: جَوَازُ غَسْلِهِ، وَوَضْعِ اَلْيَدِ بِلاَ مَدًّ. اَلْخَامِسُ: غَسْلُ رِجْلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التعميم أيضاً؟ قلنا: المسح في التيمم بدل لأجل الضرورة، وهنا أصل. واحترزنا بقولنا: (لأجل الضرورة) عن المسح على الخفين؛ فإنه جوز للحاجة. قال: (أو شعر في حده)؛ لأنه يعد بذلك ماسحاً للرأس عرفاً. والمراد: الجنس لا الجمع، حتى لو مسح على بعض شعره في حد الرأس .. أجزأه. وأشار المصنف إلى أنه مخير إن شاء مسح البشرة، وإن شاء على الشعر، فلو كان الشعر مسترسلاً خارجاً عن حده .. لم يجز المسح عليه؛ لأن الماسح عليه غير ماسح على الرأس. وكذا لو كان متجعداً بحيث لو مد لخرج عن الرأس .. فلا يجوز وجهاً واحداً. والمراد: المد من جهة الرقبة والمنكبين، وهي جهة النزول. قال: (والأصح: جواز غسله)؛ لأنه مسح وزيادة. والثاني: لا يجزئ؛ لأنه لا يسمى مسحاً. وعلى الأصح .. يكره عند الأكثرين؛ لأنه سرف، وصحح الرافعي عدم الكراهة. ولو وقف تحت المطر، فوقع عليه ونوى المسح .. أجزأه بلا خلاف. قال: (ووضع اليد بلا مد)؛ لوصول الماء، وكذلك لو قطر على رأسه قطرة من غير جريان، فإن جرت .. كفى بلا خلاف. والثاني: لا يجزئ وضعها بلا مد؛ لأنه لا يسمى مسحاً. قال: (الخامس: غسل رجليه)؛ للآية. أما على قراءة النصب .. فظاهر. وأما على قراءة الجر .. فهي وإن كان ظاهرها يقتضي وجوب المسح، لكن لا يمكن حملها عليه؛ لأنه لم يرد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم إلا لغسل فتعين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجاب عن الآية بأن العطف فيها على الجوار، وهو جائز. وذهب محمد بن جرير الطبري إلى التخيير بين الغسل والمسح جمعاً بين القراءتين. وهذا المذكور ليس هو محمد بن جرير الإمام، إنما هو رجل من الشيعة موافق له في الاسم والنسبة. ويرد ذلك إجماع من يعتد به، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوماً يتوضؤون وأعقابهم تلوح، فقال: (ويل الأعقاب

مَعَ كَعْبَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من النار)، رواه الشيخان [خ 60 – م 241]. وفي (صحيح مسلم) [243]: أن رجلاً ترك موضع قدر ظفر على قدمه لم يغسله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فأحسن وضوءك). وفي (سنن أبي داوود) [136] وغيره – بأسانيد صحيحة -: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاً، وذكر الحديث إلى أن قال: ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص .. فقد أساء وظلم). قال: (مع كعبيه)؛ لما سبق في المرفق، وهذا الفرض مخصوص بغير لابس الخف، أما لابسه في مدة المسح .. فليس الغسل فرضاً متعيناً عليه، بل الواجب غسل الرجلين أو مسح الخفين. و (الكعب): العظم الناتئ بين مفصل الساق والقدم، ففي كل رجل كعبان؛ لما روى النعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا صفوفكم)، فرأيت الرجل منا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعبه. رواه البخاري وإنما يلصق الكعب بالكعب إذا كان ما ذكرناه. وفي وجه: أن الكعب هو الذي فوق مشط القدم، وهو شاذ ضعيف. فلو قطع بعض القدم .. وجب غسل الباقي، وإن قطع فوق الكعب .. فلا فرض عليه، ويستحب غسل الباقي كما تقدم في اليد.

اَلسَّادِسُ: تَرْتِيبُهُ هَكَذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (السادس: ترتيبه هكذا)؛ لأنه المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلماء المسلمين. وروى جابر في حديثه الطويل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبدأ بما بدأ الله به). ورواه النسائي [1/ 236] بصيغة الأمر بإسناد على شرط مسلم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وظاهر الآية يقتضي الترتيب. أما عند من يرى أن الواو للترتيب، كما قاله الفراء وثعلب وأكثر أصحاب الشافعي – كما قاله الماوردي – فظاهر. وأما على القول بأنها لمطلق الجمع – وهو الصحيح – فلأن الله تعالى أمر بغسل الوجه بحرف العطف الموجب للتعقيب والترتيب، وإذا ثبت تقديم الوجه .. وجب الترتيب في بقية الأعضاء، إذ لا قائل بالفرق. واستدل إمام الحرمين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه توضأ منكساً أبداً، ولو جاز لفعله ولو مرة لبيان الجواز. واعترض عليه بأنه عليه الصلاة والسلام لم ينقل عنه أنه غسل الشمال قبل اليمين، ولا خلاف في جوازه. وقيل: لا يشترط الترتيب، بل يشترط عدم التنكيس، واختاره ابن المنذر والمزني، والشيخ نصر والبندنيجي، وحكاه البغوي عن أكثر العلماء. فعلى هذا، لو استعان بأربعة غسلوا أعضاءه دفعة واحدة .. صح وضوءه، كما لو استأجر المغضوب رجلين ليحجا عنه حجة الإسلام وحجة نذر في سنة واحدة فحجا .. فإنهما تحصلان على الصحيح.

فَلَوِ اَغْتَسَلَ مُحْدِثٌ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ تَرْتَيبِ بِأَنْ غَطَسَ وَمَكَثَ .. صَحَّ، وَإِلاَّ .. فَلاَ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: الصَّحَّةُ بَلاَ مُكْثٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى اشتراط الترتيب يحصل له في هذه الصورة غسل الوجه فقط. والفرق: أن الواجب في الوضوء الترتيب ولم يحصل، وفي الحج أن لا يتقدم حجة الإسلام غيرها ولم يتقدم. وعن القديم: لا يضر ترك الترتيب سهواً. قال: (فلو اغتسل محدث .. فالأصح: أنه إن أمكن تقدير ترتيب بأن غطس ومكث .. صح)؛ لأن الغسل أكمل من الوضوء، والترتيب حاصل في اللحظات التي مكثها، فيرتفع عن الوجه في اللحظة الأولى، وعن اليد في الثانية، وعن الرأس في الثالثة، والرجل في الرابعة. والقول بعدم الصحة في هذه الحالة، فيما إذا نوى رفع الحدث ضعيف غريب. و (غطس) بفتح الطاء يغطس بكسرها، أي: انغمس. و (مكث) بضم الكاف وفتحها، أي: لبث. قال: (وإلا .. فلا)، شملت عبارته صورتين: إحداهما: إذا غسل الأسافل قبل الأعالي، والأصح باتفاق الأصحاب: أنه لا يجزئ. والثانية: إذا خرج في الحال، والأصح عند الرافعي: لا يجزئه؛ لأن الترتيب من واجبات الوضوء، والواجب لا يسقط بفعل غير الواجب. قال: (قلت: الأصح: الصحة بلا مكث والله أعلم)؛ لأنه يقدر الترتيب في لحظات لطيفة. والذي صححه المصنف هنا، نقله عن المحققين - أي: في (الروضة) - محله: إذا نوى رفع الحدث. فإن نوى رفع الجنابة .. فوجهان: أحدهما: لا يجزئه؛ لأنه نوى طهارة غير مرتبة. والأصح: الإجزاء كما تقدم.

وَسُنَنُهُ: اَلسَّوَاكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورته المسألة: أن يظن أن حدثه هو الأكبر، فإن كان عالماً بالحال .. لم يصح كما سبق. فرع: شك في أثناء الوضوء في غسل بعض أعضائه .. بنى على اليقين، وهو أنه لم يفعل. وإن شك بعد الفراغ .. فالأظهر المختار: الصحة. قال: (وسننه: السواك)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)، رواه الحاكم [1/ 146] وابن خزيمة [140]، والبخاري في (كتاب الصيام) تعليقاً، لا مسنداً كما وهم فيه عبد الحق في (الجمع بين الصحيحين). وفي رواية صحيحة: (لفرضت عليهم السواك مع الوضوء). ومحله: قبل التسمية، وقال ابن الصلاح: عند المضمضة، وصرح الرافعي بأنه قبلها. وعبارة المصنف تفهم حصر سننه فيما ذكره، وليس كذلك بل له سنن وآداب كثيرة لم يذكرها. وعبارة (المحرر): وأما سننه .. فمنها السواك إلى آخره. و (السواك) جمعه: سوك، ككتاب وكتب، والسواك والمسواك: ما يدلك به الأسنان من العيدان، يقال: ساك فاه يسوكه، أي: دلكه بالسواك، ولفظه مأخوذ من ذلك، وقيل: من التساوك وهو التمايل.

عَرْضاً بِكُلَّ خَشِنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وما أحسن قول محمد بن مكرم الأنصاري الضرير [من السريع]: بالله إن جزت بوادي الأراك .... وقبلت أغصانه الخضر فاك فابعث إلى المملوك من بعضها .... فإنني والله ما لي سواك وقال الآخر [من الجتث]: طلبت منك سواكا .... وما طلبت سواكا وما أردت أراكا .... لكن أردت أراكا وقال الآخر [من الخفيف]: لا أحب السواك من أجل أني .... إن ذكرت السواك قلت: سواك بل أحب الأراك من أجل أني .... إن ذكرت الأراك قلت: أراك قال: (عرضاً)، ففي (مراسيل أبي داوود) [5]: (إذا استكتم ... فاستاكوا عرضاً)، والمراد: عرض الأسنان؛ لأنه قد يدمي اللثة، ويفسد عمود الأسنان. وعبارته تقتضي: أنه لو استاك طولاً لم تحصل السنة، وليس كذلك بل تحصل، ولكن الأكمل ما ذكره. وأما اللسان .. فقد ورد في رواية: الاستياك فيه طولاً، قاله الشيخ تقي الدين في (شرح العمدة). ويستحب أن يمر السواك على سقف حلقه إمراراً لطيفاً، وعلى كراسي أضراسه، وينوي به السنة، ويبدأ بجانب فيه الأيمن، ثم الأيسر. قال: (بكل خشن) أي: لا تتأذى به الأسنان؛ لحصول المقصود، وهذا القيد

إَلاَّ إِصْبَعَهُ فِي اَلأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره الغزالي واحترز به عن المضمضة بماء الغاسول للقلاح؛ فإنه يزيل القلح ولا يكون فاعله مقيماً للسنة، لكن الأفضل الأراك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك به. وفي (معجم ابن قانع): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استاكوا بالأراك). فإن تعذر .. فبعراجين النخل؛ لأن آخر سواك استاك به النبي صلى الله عليه وسلم عند الموت كان من عسيب نخلة، رواه البخاري [4451]. وكرهه الخفاف بعود الريحان، ومثله قضبان الرمان؛ لما فيها من الضرر، وكذلك ذكره العراقي في (شرح المهذب)، ولا يجوز بما فيه سمية من العيدان، ويحصل بالأشنان. ويدخل في الخشن المبرد. وقال الشيخ برهان الدين ابن الفركاح في (تعليقه) على (الوسيط): يكره – ونص عليه المعافى بن إسماعيل الموصلي – لأنه يزيل جزءاً من السن، فالمراد: مزيل القلح وحده. قال: (إلا إصبعه في الأصح)؛ لأنه لا يسمى استياكاً، ولا ما في معناه. والثاني: يجزئ، وصححه صاحب (الرونق) و (اللباب)، والقاضي والبغوي والروياني، واختاره في (شرح المهذب) من جهة الدليل، فقد روى الضياء المقدسي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في (أحكامه) عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجزئ من السواك الأصابع)، قال: وهذا إسناد لا أرى به بأساً. والثالث: إن وجد غيره .. لم يكفه، وإلا كفاه. وصورة المسألة: أن تكون الإصبع خشنة متصلة، فإن انفصلت وقلنا بطهارتها .. فالظاهر: الإجزاء أيضاً. ولو وضع عليه خرقة خشنة .. أجزأه بلا خلاف. واحترز بـ (إصبعه) عن إصبع غيره المتصلة، فإنها تكفي بلا خلاف، كذا صرح به في (شرح المهذب) و (الدقائق)، لكنه أطلق الأوجه في (الروضة) و (التحقيق) و (الفتاوى)، وللمسألة نظائر: منها: إذا استنجى باليد، وفيه وجوه أصحها: عدم الإجزاء. ومنها: ستر العورة باليد، وهو جائز بيد غيره قطعاً، وبيده على الأصح. ومنها: السجود على اليد، وهو جائز على يد غيره، وممتنع على يده قطعاً. ومنها: ستر الرأس باليد في الإحرام، وهو جائز اتفاقاً. و (الإصبع) تذكر وتؤنث، وفيها عشر لغات: تثليث الهمزة مع تثليث الباء، والعاشرة: أصبوع، والأفصح: كسر الهمزة مع فتح الباء. تنبيه: بدء المصنف بالسواك يفهم أنه أول ما يبدأ به قبل التسمية وغيرها، وبه صرح الغزالي في (الإحياء)، والماوردي في (الإقناع). وفي (الصحيحين) [خ 4569 – م 256] من حديث ابن عباس في صفة تهجد النبي صلى الله عليه وسلم ما يشهد له.

وَيُسَنُّ لِلصَّلاَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: في (شرح المهذب) و (الأذكار) و (المطلب): أنه يستحب أن يكون السواك باليد اليمنى؛ لأنه أمكن. وبه أجاب الشيخ شرف الدين ابن البارزي. وفي (نوادر الأصول): أنه باليسار فعل الشيطان. وفي (أمالي ابن عبد السلام): أن القرب جميعها أصلها أن تكون باليمين. ورأيت بخط العلامة الشيخ شمس الدين ابن عدلان في (شرح المختصر) ما لفظه الذي تحرر لي من كلام الأصحاب: أن السواك إن كان المقصود به إزالة القلح .. فباليسار، وإن كان المقصود به العبادة .. فباليمين، وهو فقه حسن. والمنقول عن الإمام أحمد: أنه يستاك باليد اليسرى؛ لأنه إزالة مستقذر، فكان كالحجر في الاستنجاء. قال: (ويسن للصلاة) المراد: أنه يتأكد في هذه الحالة، وإن لم يكن الفم متغيراً؛ لقول حذيفة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يجتهد .. يشوص فاه بالسواك)، و (كان) تشعر بالحالة الدائمة. و (الشوص): الدلك، وقيل: الغسل. وقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) رواهما مسلم [252]. وصح من طريق الحاكم [1/ 146]: (ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك) رواه أبو نعيم والحميدي بإسناد كل رجاله ثقات.

وَتَغَيُّرِ اَلْفَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الإنتصار) وجه: أن السواك شرط في صحة الصلاة، ونقله ابن يونس عن أبي إسحاق، وهو غلط؛ إنما هو قول إسحاق بن راهويه، واتفق له نظير ذلك في (إجزاء البدنة عن عشرة)، وفي (الردة إذا تكررت). وسواء في الاستحباب الصلاة المفروضة النافلة، والتي بالوضوء والتيمم، حتى في حق فاقد الطهورين. والمتجه: أنه يسن أيضاً للطواف، وسجدتي التلاوة والشكر. قال: (وتغير الفم) سواء كان بكلام أو نوم أو سكوت أو أكل أو جوع أو عطش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)، صصحه ابن خزيمة [135] وابن حبان [1067]. ويجوز في (مطهرة) فتح الميم وكسرها. ويتأكد أيضاً عند القيام من النوم، وعند قراءة القرآن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (طهروا أفواهكم بالسواك؛ فإنها مسالك القرآن). وعند دخول المنزل؛ لما روى مسلم [253] عن شريح بن هانئ: (أنه سأل عائشة

وَلاَ يُكْرَهُ إِلاَّ لَلصَّائِمِ بَعْدَ اَلزَّوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنها: أي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ به إذا دخل بيته؟ قالت: السواك). وعد أبو شامة ذلك من حسن معاشرة الأهل. وقال الجويني: ينبغي أن يستاك عند كل صلاة وطهارة، فإن أخطأه ذلك .. فعند كل طهارة، فإن أخطأه ذلك .. ففي اليوم والليلة مرة. وينبغي أن ينوي بالسواك السنة، كما ينبغي أن ينوي بالجماع النسل، وإن كان المقصود يحصل بدون نية. وينبغي أن يعود الصبي السواك ليألفه. وأن يغسل السواك إذا أراد استعماله ثانياً، ولا بأس بالخلال قبل السواك وبعده؛ لما روى عبد بن حميد [217] عن أبي أيوب قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (حبذا المتخللون في الوضوء والطعام). وقال الترمذي الحكيم: يكره أن يستاك بسواك غيره، وأن يزيد طول السواك على شبر. وفي (البيهقي) [1/ 37] عن جابر قال: (كان سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب). واستحب بعضهم أن يقول في أوله: اللهم؛ بيض به أسناني، وشد به لثاتي، وثبت به لهاتي، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين. قال المصنف: وهذا لا بأس به، وإن لم يكن له أصل؛ فإنه دعاء حسن. قال: (ولا يكره إلا للصائم بعد الزوال)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، متفق عليه [خ 1894 – م 1151]. زاد مسلم: (يوم القيامة)، وزاد ابن حبان في (صحيحه) [3424]: (لخلوف فم الصائم حين يخلف)، وهو بتفح الخاء وضم اللام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأنه أثر عبادة مشهود له بالطيب، فكان إبقاؤها راجحاً على إزالتها كدم الشهيد، وأجمعنا على عدم التحريم في السواك، فتثبت الكراهة. وقولنا: (مشهود له بالطيب) احتراز من بلل الوضوء وأثر التيمم. وما يصيب ثوب العالم من المداد، فإنه مشهود له بالفضل لا بالطيب. واختصاصه بما بعد الزوال؛ لأن التغير قبله يكون من أثر الطعام، وبعده من الصيام، وروي: (استاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي؛ فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه إلا كان نوراً بين عينيه يوم القيامة)، وهذا يخص قوله صلى الله عليه وسلم: (من خير خصال الصائم السواك) رواه ابن ماجه [1677]، أو يحمل على ما قبل الزوال. وقيل: لا يكره السواك له مطلقاً، وبه قال الأئمة الثلاثة، واختاره المصنف في (شرح المهذب)، وحكاه في (الروضة) هنا قولاً؛ لما روى الترمذي [725] وحسنه عن عامر بن ربيعة قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم). وروى عن الشافعي: أنه لم ير به بأساً أول النهار وآخره. وعن القاضي حسين: أنه يكره في الفرض، ولا يكره في النفل؛ خوفاً من الرياء بتقدير الترك. وفي (الرونق) و (شرح المحب الطبري) وجه: أنه لا يكره إلا بعد العصر؛ لأثر فيه رواه البيهقي [4/ 274]. وفي (ودائع ابن سريج): أنه لا يكره إلا عند الإفطار، والأصح في (شرح المهذب): أن الكراهة تزول بغروب الشمس. وعن الشيخ أبي حامد: أنها تبقى إلى الإفطار.

وَاَلتَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والتسمية أوله)؛ لما تقدم في أول (الطهارة): أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الماء وقال: (توضؤوا باسم الله)، قال أنس: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، والقوم يتوضؤون حتى توضؤوا عن آخرهم، وكانوا نحو سبعين رجلاً. وروى الدارقطني [1/ 74] والبيهقي [1/ 44]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ وذكر اسم الله عليه .. كان طهوراً لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه .. كان طهوراً لما مر عليه الماء). قال المصنف: معناه: أنه طهور من صغائر الذنوب، لكن الحديث لم يصح، وأما تصحيح الحاكم له .. فإنه اشتبه عليه، وانقلب عليه إسناده. وأما حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) .. ففي (أبي داوود) [102] و (الترمذي) [25]، لكنه لم يصح. وقال أحمد: لا أعلم في التسمية حديثاً ثابتاً، ولذلك قال: ليست سنة فيه، بل هي محبوبة في كل أمر ذي بال، لا اختصاص لها بالوضوء. وعن الشيخ أبي حامد: أنها هيئة فيه. و (الهيئة): ما يتهيأ به لفعل العبادة. و (السنة): ما كان من أفعالها الراتبة. وأكمل ألفاظها: بسم الله الرحمن الرحيم، فأن قال: باسم الله .. حصل فضل التسمية بلا خلاف. وقال الأستاذ أبو منصور: يقول: باسم الله وعلى ملة رسوله الله صلى الله عليه وسلم. وفي (بداية الهداية): بسم الله الرحمن الرحيم {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}.

فَإِنْ تَرَكَ .. فَفِي أَثْنَائِهِ، وَغَسْلُ كَفَّيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُمَا .. كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب التعوذ قبلها، والإتيان بالشهادتين، ويقول: الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً. والحكم في الآكل إذا ترك التسمية كالمتوضئ؛ لما روى النسائي [سك 6725] وأحمد [4/ 336] عن أمية بن مخشي الخزاعي – ولا يعرف له سواه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يأكل ولم يسم، فلما كان في آخر لقمة قال: باسم الله أوله وآخره، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما زال الشيطان يأكل معه، فلما سمى .. قاء ما أكل). قال: (فإن ترك .. ففي أثنائه)؛ تداركاً لما فات، كما أن الآكل إذا نسيها في أول الأكل .. تداركها. وتعبيره بـ (الترك) أحسن من قول (المحرر): نسي؛ إذ لا فرق بين العم والنسيان، فلو لم يسم حتى فرغ .. فات محلها. ويندب إذا تدارك في الأثناء أن يقول: باسم الله على أوله وآخره، كما يستحب ذلك في الطعام. قال: (وغسل كفيه)؛ لما روى الشيخان عن عبد لله بن زيد [خ 185 – م 235] وعثمان [خ 160 – م 226]: (أنهما وصفاء وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغسلا يديهما ثلاثاً قبل المضمضة والاستنشاق)، والمنقول: أنه يغسلهما كذلك. قال: (فإن لم يتيقن طهرهما .. كره غمسهما في الإناء قبل غسلهما)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه .. فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، متفق عليه [خ 162 – م 278] إلا لفظ: (ثلاثاً) فلمسلم فقط. وفي الحديث إعلام بأن الأمر بذلك إنما هو لأجل توهم النجاسة؛ لأنهم كانوا أصحاب أعمال ويستنجون بالأحجار، وإذا ناموا جالت أيديهم فربما وقعت على محل

وَاَلْمَضْمَضَةُ وَاَلِاسْتِنْشَاقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النجو، أو بثرات في الجسد، فإذا صادفت ماء قليلاً .. نجسته. وإذا كان هذا هو المراد فمن لم ينم واحتمل نجاسة يده .. كان في معنى النائم، فلهذا عبر المصنف بقوله: (فإن لم يتيقن طهرهما)؛ فإنه شامل للقائم من النوم وغيره، وعدم التيقن يحصل بشكه في نجاستهما، أو توهمها، أو تيقن النجاسة. واحترز بـ (الإناء) عن البرك والأنهار، لكن المائع – وإن كثر – حكمه حكم القليل، فإن خالف وغمس .. لم يفسد الماء بذلك؛ للشك في نجاستهما. فإذا تيقن طهرهما .. لم يكره الغمس على الأصح. وعبر عنه في (التصحيح) بالصواب، وهو معترض بحكاية الخلاف، بل هو قوي. والأصح: أنه لا يستحب له الغسل قبل الغمس أيضاً. وحيث كرهنا له الغمس لا تزول الكراهة إلا بالغسلات الثلاث، نص عليه في (البويطي)، ونقله في (الروضة) عنه وعن الأصحاب، ولا فرق بين نوم الليل والنهار. وقال في (شرح المسند): يمكن أن يقال: الكراهة في نوم الليل أشد. وهذه الغسلات هي المطلوبة أول الوضوء، لكن تأكد تقديمها عند الشك على إدخال اليد، كذا أشعر به كلام الرافعي، وبه صرح البندنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ. قال: (والمضمضة والاستنشاق)؛ لما روى مسلم [832] عن عمرو بن عبسة السلمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يقرب وضوءه، ثم يتمضمض ويستنشق فينتثر .. إلا خرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء).

وَاَلأَظْهَرُ: أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى (خرت): سقطت وذهبت، ويروى: جرت بالجيم، أي: جرت مع ماء الوضوء. ولو قال المصنف: (المضمضة ثم الاستنشاق) .. كان أولى؛ لأنه صحح في زوائد (الروضة): أنه يشترط تقديم غسل الكفين عليهما، وأن تقديم المضمضة على الاستنشاق مستحق، وقد أشار إليه بعد ذلك بقوله: (ثم الأصح). وأما عدم وجوبهما .. فلقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي علمه الصلاة: (توضأ كما أمرك الله)، وليس فيما أمره الله المضمضة والاستنشاق. ثم أقلهما جعل الماء في الفم والأنف، ولا يشترط مجه ولا إدارته على الصحيح، فيكفي بلعه. وأكملهما المبالغة، وهو: أن ينتهي الماء إلى أقصى الحلق والخياشيم. والحكمة في تقديم السنن الثلاثة على الوضوء: أن يدرك أوصاف الماء الثلاثة اللون والطعم والريح. وقال ابن عبد السلام: قدمت المضمضة لشرف منافع الفم على الأنف؛ لأنه مدخل القوت الذي هو قوام الحياة، ومحل الأذكار الواجبة والمندوبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واتفق الأصحاب على أنه: يستحب أن يأخذ الماء بيده اليمنى، كما ثبت في (الصحيحين) [خ 160 – م 226]، ونص عليه في (المختصر). قال: (والأظهر: أن فصلهما أفضل)؛ لما روى أبو داوود [40] عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق). وروى ابن السكن في (سننه الصحاح) عن شقيق بن سلمة قال: شهدت علي بن أبي طالب وعثمان توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وأفرادا المضمضة من الاستنشاق، ثم قالا:

ثُمَّ اَلأَصَحُّ: يُمَضْمِضُ بِغَرْفَةٍ ثَلاَثاً، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلاَثاً، وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرُ اَلصَّائِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ (هكذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم). والثاني: الأفضل الجمع؛ لما روي عن علي كرم الله وجهه في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد). قال: (ثم الأصح) أي: على قول الفصل (يمضمض بغرفة ثلاثاً، ثم يستنشق بأخرى ثلاثاً)؛ لما روى البزار عن علي أنه كذلك وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنكر ابن الصلاح هذه الرواية، وليست منكرة. والحكمة في ذلك: أن لا ينتقل عن عضو إلا بعد إكمال ما قبله. والثاني: بست غرفات، يتمضمض بثلاث ويستنشق بثلاث؛ لأنه أقرب إلى النظافة، وهو أنظفها وأضعفها. وعلى قوله الفصل .. تقديم المضمضة على الاستنشاق مستحق؛ لأنهما عضوان مختلفان، فتعين الترتيب فيهما كسائر الأعضاء، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: (ثم). وقيل: إنه متسحب؛ لأنهما لما تقاربا نزلا منزلة العضو الواحد. والخلاف في الأفضل، فلو تمضمض واستنشق كيف كان .. فقد أدى سننهما. قال: (ويبالغ فيهما غير الصائم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (أكمل الوضوء، وبالغ [في] الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) رواه الأربعة، وصححه الترمذي [788] وابن خزيمة [151] وابن حبان [1054]. وفي رواية للدولابي: (وبالغ في المضمضة والاستنشاق). وقال الصيمري والماوردي: إن الصائم يبالغ في المضمضة دون الاستنشاق؛ لأن المتمضمض متمكن من رد الماء عن وصوله إلى جوفه بأن يطبق حلقه، بخلاف المستنشق فإنه لا يمكنه دفع الماء بالخيشوم.

قُلْتُ: اَلأَظْهَرُ: تَفْضِيلُ اَلْجَمْعِ بِثَلاَثِ غُرَفٍ، يُمَضْمِضُ مِنْ كُلًّ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَتَثْلِيثُ اَلْغَسْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا النهي على سبيل الكراهة لا التحريم، كما جزم به في (شرح المهذب). والفرق بينه وبين تحريم القبلة للصائم عند تحريك الشهوة: أن المبالغة نشأت عن سبب مأمور به وهو المضمضة، وتلك عن سبب منهي عنه. وسوى القاضي أبو الطيب بينهما، فجزم بتحريم المبالغة أيضاً. قال: (قلت: الأظهر: تفضيل الجمع بثلاث غرف، يمضمض من كل ثم يستنشق والله أعلم). قال الشيخ: وهو الذي لا يترجح غيره، ويتعين الجزم به؛ لأنه المنصوص في (الأم)، والذي صحت به الرواية عن عبد الله بن زيد وغيره. فالرافعي يرجح قول الفصل، والمصنف قول الوصل. فإن قلنا بقول الفصل .. فالأصح: عندهما أنه بغرفتين. وإن قلنا بالجمع .. فالأصح: عندهما أنه بثلاث غرفات. قال: (وتثليث الغسل) بالإجماع، فلو زاد .. فهل يكره أو يحرم، أو لا يكره ولا يحرم؟ فيه أوجه، أصحها: أولها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: (فمن زاد على هذا أو نقص .. فقد أساء وظلم) رواه أبو داوود [136] وغيره بإسناد صحيح. قال ابن الرفعة: مراده أساء بالنقص عن المرة، وظلم بالزيادة على الثلاث، وقيل: عكسه. فلو غمس يده في ماء كثير راكد وحركها .. حصل التثليث عند القاضي حسين

وَاَلْمَسْحِ، وَيَاخُذُ اَلشَّاكُّ بِاَلْيَقِينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والبغوي، وأفتى الشيخ بمخالفتهما؛ رعاية لصورة العدد، ولأن الماء قبل الانفصال عن المحل لا يثبت له حكم فلا يحصل العدد به. قال: (والمسح)، المراد: مسح الرأس والأذنين والصماخين؛ لما روى أبو داوود [107 عن عثمان] والنسائي عن علي كرم الله وجهه أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً وقال: (هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم)، لكن جاء في (صحيح مسلم) [235] في وصف عبد الله بن زيد وضوءه صلى الله عليه وسلم: (أنه مسح رأسه مرة واحدة). وفي رواية له [235]: (أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين، ورأسه مرة). لا جرم استحب بعض أصحابنا المسح مرة واحدة، وحكاه الترمذي عن الشافعي، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، واختاره ابن المنذر. وفي وجه: أن مسح الأذنين مرة واحدة. واحترز بـ (تثليث الغسل والمسح) عن القول، كالتسمية أوله والتشهد آخره، ولم يصرح في ذلك بالتكرار إلا الروياني، فإنه صرح بتثليث التشهد آخره، وجاءت فيه رواية في (ابن ماجه) [469]، والزيادة على الثلاث مكروهة، وقيل: حرام، وقيل: خلاف الأولى. فرع: توضأ مرة، ثم توضأ ثانياً كذلك قبل صلاة، ثم توضأ ثالثاً كذلك .. نال فضيلة التثليث كما أفهمه كلام الفوراني والروياني والإمام وغيرهم. وفي (فروق الجويني) ما يقتضي خلافه. قال: (ويأخذ الشاك باليقين) في المفروض وجوباً، وفي المسنون ندباً؛ لأن الأصل عدم ما زاد، كما لو شك في عدد الركعات، فإذا شك: هل غسل ثلاثاً أو مرتين؟ أخذ بالأقل وغسل أخرى.

وَمَسْحُ كُلِّ رَاسِهِ، ثُمَّ أُذُنَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ أبو محمد: يأخذ بالأكثر حذرا من أن يزيد رابعة؛ فإنها بدعة، وترك السنة أهون من ارتكاب بدعة. وأجاب الأولون بأن البدعة ارتكاب الرابعة عالما بكونها رابعة. قال: (ومسح كل رأسه)؛ لأنه أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخروجا من الخلاف، فيأخذ الماء بكفيه ثم يرسله، ثم يلصق طرف سبابته بطرف سبابته الأخرى، ثم يضعهما على مقدم رأسه ويضع إبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهذه مرة واحدة. وهذا الاستحباب لمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد، فالذي لا شعر له أو له شعر لا ينقلب .. اقتصر على الذهاب، فلو رد .. لم تحسب ثانية؛ لأنه صار مستعملا. وإذا مسح زيادة على الواجب .. فهل يقع جميعه واجبا، أو الواجب ما يقع عليه الاسم خاصة؟ فيه خلاف، واختلاف تصحيح في مسائل تأتي في مواضعها. قال: (ثم أذنيه)؛ لما روى أبو داوود [124] عن المقدام بن معدي كرب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصابعه في صماخيهما). قيل: وذلك مستحب بباقي بلل الرأس، والصحيح: أنه بماء جديد. وأتى المصنف بـ (ثم)؛ ليعلم أنهما مرتبان على مسح الرأس، فلو قدمهما عليه .. لم تحصل السنة في الأصح، وعطف في (المحرر) بالواو ففاته ذلك. قائدة: روى الدارقطني وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أعطاني نهرا، يقال له: الكوثر، في الجنة. لا يدخل أحد إصبعيه في أذنيه، إلا سمع خرير ذلك النهر) قالت: فقلت يا رسول الله؛

فَإِنْ عَسُرَ رَفْعُ الْعِمَامَةِ .. كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا. وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيف ذلك؟ قال: (أدخلي إصبعيك في أذنيك وسدي، فالذي تسمعين فيهما من خرير الكوثر). وهذا النهر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، تتشعب منه جميع أنهار الجنة. قال: (فإن عسر رفع العمامة .. كمل بالمسح عليها) سواء وضعت على طهر أم حدث؛ لما تقدم في حديث المغيرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته). والتعبير بـ (العسر) تبع فيه (المحرر) و (الشرحين). والذي في (الروضة): ولو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة أو غيرها .. مسح ما يجب من الرأس، ويسن تتميم المسح على العمامة. فاقتضت: أنه لا فرق بين أن يكون له عذر أم لا. وبه صرح في (شرح المهذب). وأشار بقوله: (كمل) إلى أنه لا بد من مسح شيء من الرأس خلافا لمحمد بن نصر المروزي، فإنه ذهب إلى جواز الاقتصار على العمامة. وفي مسح الرقبة بعد الأذنين أوجه: أحدها: أنه يسن بماء جديد، واختاره الروياني والغزالي. والثاني: وإليه مال الأكثرون أنه أدب وليس بسنة. والثالث: أنه بدعة واختاره المصنف. قال: (وتخليل اللحية الكثة)؛ فأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته الشريفة وكانت غزيرة، صححه ابن حبان [1081] والحاكم [1/ 149]. و (التخليل): تفريق الشعر، وأصله إدخال الشيء في خلال الشيء، وكذلك تخليل ما في معناها كالعارض، وتكون أصابعه من أسفلها. وقال المزني: تخليلها واجب.

وَأَصَابِعِهِ، وَتَقْدِيمُ الْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الروضة): ومراده وجوب إيصال الماء إلى المنبت. ويستثنى المحرم فإنه لا يخلل؛ لأن نتف الشعر حرام، والتخليل سنة ويخاف منه المحذور، قال المتولي في (كتاب الحج). وخالفه الشيخ في (الحلبيات) فقال: التخليل باق على سنيته، لكنه في حالة الإحرام أضعف من الاستحباب، ثم مال إلى أولوية الترك. وتستثنى لحية المرأة والخنثى؛ لأنه تقدم وجوب غسل بشرتهما. قال: (وأصابعه)؛ لما روى الترمذي [39] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت .. فخلل بين أصابع يديل ورجليك). فلو خلقت أصابعه ملتحمة .. لم يجز فتقها. والأولى في تخليل اليدين التشبيك: وفي الرجلين أن يكون بخنصر يده اليسرى، من أسفل رجله اليمنى ويختم بخنصر رجله اليسرى؛ لما روى أبو داوود [149] والترمذي [40] وابن ماجه [446] عن المستورد بن شداد أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ .. يدلك أصابع رجليه بخنصره). وقال أبو طاهر الزيادي: يخلل ما بين كل إصبعين بإصبع من أصابع يديه. قال: (وتقديم اليمين) بالإجماع. وروى أبو داوود [4138] وابن ماجه [402] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأتم .. فابدؤوا بميامنكم). وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله، متفق عليه [خ 168 – م 268]. فإن قدم اليسرى .. صح بالإجماع، ونص في (الأم) على كراهته. أما الكفان والخدان والأذنان .. فالسنة تطهيرها معا، لغير الأقطع على الأصح. وفي الوجه يبدأ بأعلاه، وفي اليد والرجل بالأصابع، إلا أن يكون غيره يصب عليه فبالمرفق والكعب. وأما الخفان فيمسحهما معا.

وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ. وَالْمُوَالاَةُ، وَأَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإطالة غرته وتحجيله)؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم الغز المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله .. فليفعل). فـ (إطالة الغرة): أن يغسل مع وجهه من مقدم رأسه وعنقه زائدا على الجزء الواجب. و (التحجيل): أن يغسل فوق مرفقيه وكعبيه، وغايته: استيعاب العضد والساق، وقيل: نصفهما، وقيل: الزيادة من غير تحديد. ولا يصير الماء مستعملا بانتقاله إلى موضع الغرة والتحجيل، بخلاف ما لو انتقل إلى غيرهما كفوق الركبة .. فإنه يصير مستعملا. وأطلق الغزالي وجماعة: أن الغرة في اليدين والرجلين، والصحيح: أن هذا التحجيل. قال: (والموالاة)؛ اتباعا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وصرفنا عن الوجوب: ما صح عن ابن عمر أنه توضأ في السوق، فغسيل وجهه ويديه ومسح برأسه، فدعي إلى جنازة، فدخل المسجد ثم مسح على خفيه، وكان ذلك بحضرة جماعة من الصحابة ولم ينكروا عليه. والقياس على رمي الجمار والطواف؛ فإنها لا يبطلان بالتفريق. قال: (وأوجبها القديم)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها وقال: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)، ولأنه عبادة يبطله الحدث فأبطله التفريق،

وَتَرْكُ الاِسْتِعَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كالصلاة إذا طول الركن القصير. وأجاب الأصحاب بأن الصلاة يبطلها التفريق اليسير ولا يبطل الوضوء بالإجماع. والأصح في ضابط الكثير: أن يجف المغسول مع اعتدال الزمان ومزاج الإنسان. والقليل: دون ذلك. والمعتبر: آخر غسلة – ويقدر مسح الرأس غسلا – وقيل: يرجع فيه إلى العادة، وقيل: قدر ما يمكن فيه تمام طهارة. والأصح: أن الخلاف لا يجري إذا كان التفريق بعذر كالنسيان ونحوه. قال: (وترك الاستعانة)؛ لأنه الأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه نوع تكبر وهو لا يليق بحال العبادة. وروى البزار [260]: أن أبا بكر – وقيل: عمر – هم بصب الماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني لا أحب أن يعينني على وضوئي أحد)، لكنه ضعيف. ودليل جوازها ما رواه الشيخان [خ 182 – م 274] عن المغيرة: (أنه صب على النبي صلى الله عليه وسلم)، وفيهما أسامة [خ 181 – م 1280] نحوه. وفي (ابن ماجه) [390] عن الربيع بنت معوذ بن عفراء: (أنها صبت عليه). وفيه [391]: (وصب عليه صفوان بن عسال في سفر)، فلذلك كان الأصح: أنها خلاف الأولى لا مكروهة. ومحل هذا الخلاف: إذا استعان بمن يصب عليه الماء، فإن استعان بمن يحضره له .. فلا بأس. وإن استعان بمن يغسل أعضاءه .. كره قطعا. وتعبير المصنف وغيره بالاستعانة يقتضي: اختصاص الحكم بطلب المتوضئ

وَالنَّفْضِ، وَكَذَا التَّنْشِيفُ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، فلو أعانه غيره وهو ساكت .. لا يكون خلاف الأولى، كما لو حلف لا يستخدمه فخدمه ساكتا .. لا يحنث، وليس المراد ذلك بل الاستقلال بالأفعال ولو لم يأمره. هذا فيمن يمكنه أن لا يستعين، فأما من لا يقدر على الوضوء إلا بذلك كالأقطع .. فإنه تلزمه الاستعانة ولو بأجرة المثل إن وجدها فاضلة عن كفايته وكفاية من تلزمه كفايته ليومه وليلته، وقضاء دينه، فإن لم يجد .. صلى وأعاد كفاقد الطهورين؛ لندوره. قال: (والنفض) أي: وترك النفض؛ لأنه كالتبري من العبادة. ولحديث: (إذا توضأتم .. فلا تنفضوا أيديكم؛ فإنه مراوح الشيطان)، لكنه ضعيف. واستثنى بعضهم النفض عند مسح الرأس والأذن والرقبة، فإنه مستحب إذا أمن الرشاش. وفيه نظر؛ لأنه يستحب في هذه الأحوال أن يرسل يديه لا أن ينفضهما. وفي النقض أوجه: أحدها: مكروه، وجزم به الرافعي في كتبه. والثاني: خلاف الأولى، وهو المنصوص. والثالث: مباح، ورجحه المنصنف؛ لأن في (الصحيح) [خ 276 – م 317] في صفة غسله صلى الله عليه وسلم: (أنه انطلق وهو ينفض الماء بيده). قال: (وكذا التنشيف في الأصح)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه يزيل أثر العبادة. وكان الأحسن حذف (كذا)؛ لأن ما قبله مختلف فيه أيضا. وقيل: إنه مباح يستوي فعله وتركه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقل عنه فعله وتركه، واختاره في (شرح مسلم).

وَيَقُولُ بَعْدَهُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ؛ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يستحب لما فيه من الاحتراز عن إلصاق الغبار. وقيل: يكره في الصيف دون الشتاء لعذر البرد، فإن دعت ضرورة إلى التنشيف .. فلا كراهة ولا أولوية في تركه، لكن روى السهيلي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل يمسح به وجهه من الوضوء). قال في (الذخائر): وإذا تنشف .. فالأولى أن لا يكون بديله وطرف ثوبه ونحوهما. أما تنشيف الميت .. فمستح بلا خلاف؛ لئلا يفسد الكفن، كذا علله الرافعي. وأما غسل البدن من النجاسة .. فالمتجه: أنه لا كراهة في التنشيف منه. قال: (ويقول بعده: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم؛ اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)؛ لما روى مسلم [234] عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صادقا من قلبه .. فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). زاد الترمذي [55] فيه: (اللهم؛ اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين). قال: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)؛ لما روى الحاكم [1/ 564]، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) [81]: (أن من ذكره .. كتب في رق، ثم طبع بطابع، فلم يكسى إلى يوم القيامة). واختلف في (سبحانك اللهم وبحمدك) فقيل: جملة واحدة و (الواو) زائدة

وَحَذَفْتُ دُعَاءَ الأَعْضَاءِ؛ إِذْ لاَ أَصْلَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: جملتان و (الواو) عاطفة أي: وبحمدك سبحتك. وقال الخطابي: المعنى: وبمعونتك التي هي نعمة توجب علي حمدك سبحتك لا بحولي وقوتي. ويستحب أن يأتي بهذا الذكر مستقبل القبلة، قال الرافعي، وأسقطه من (الروضة). وفي (الإحياء) و (البحر): ويومئ بطرفه إلى السماء ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. وفي (رحلة ابن الصلاح): عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن البردي الشافعي أنه قال في كتاب (الغنية): يستحب أن يقرأ سورة القدر. ووفاة المذكور سنة إحدى وخمسين وخمس مئة. وروى النسائي [825] وابن السني [28] عن أبي موسى الأشعري أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ، سمعته يقول: (اللهم؛ اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي)، فقلت: يا رسول الله؛ سمعتك تدعو بكذا وكذا، فقال: (وهل تركن من شيء)؟ قال: (وحذفت دعاء الأعضاء؛ إذ لا أصل له) لما قدم في الخطبة: أنه لا يحذف من (المحرر) شيئا من الأحكام ولا من الأذكار .. اعتذر عن حذف دعاء الأعضاء لعدم ثبوته، وسبقه إلى ذلك ابن الصلاح، وقد روي من طرق موقوفا على علي رضي الله عنه وغيره. وجمع الحافظ ابن عساكر فيه جزءا، وهو مروي عن السلف، والحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. فيقول عند غسل الوجه: اللهم؛ بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. وعند غسل اليد اليمنى: اللهم؛ أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا. وعند غسل اليسرى: اللهم؛ لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى المصنف والقاضي عياض قولين: أحدهما: أن جميع المؤمنين من الأمم يأخذون كتبهم بأيمانهم، ثم يعذب الله من يشاء من عصاتهم. والثاني: إنما يأخذه من يمينه الناجون من النار خاصة. وعند مسح الرأس: اللهم؛ حرم شعري وبشري على النار. عند الرجلين: اللهم؛ ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام. وزاد الرافعي في (الشرح) عند مسح الأذنين: اللهم؛ اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وهمزة (أعطني) للقطع لا للوصل، و (قدمي) بتشديد الياء على التثنية. تتمة: يكره الإسراف في الماء، وجزم المتولي بتحريمه؛ لما روى البيهقي في (الشعب) [2788] عن عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: (ما هذا السرف يا سعد؟!) قال: وفي الوضوء إسراف؟! قال: (نعم، وإن كنت على نهر جار). ويرتفع حديث كل عضو بغسله، وقال الإمام: يتوقف على فراغ الأعضاء. وتظهر فائدة الخلاف فيما لو أحدث في الأثناء، فأراد هو أو غيره أن يتوضأ بما كان قد استعمله في الأعضاء السابقة. فإن قلنا بالأول .. لم يجز، أو بمقالة الإمام .. جاز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة ختم الله لكاتبه بخير من آداب الوضوء: استقبال القبلة فيه. وأن يصلي عقبه ركعتين. وأن يبدأ في غسل وجهه بأعلاه، وفي غسل اليدين والرجلين بأطراف الأصابع إن كان يغسل بنفسه، فإن صب عليه غيره .. غسل من مرفقيه، وعقبه إلى أطراف الأصابع. وأن يجعل الإناء عن يساره إن كان يقلب منه، فإن غرف .. فعن يمينه. والجلوس بحيث لا يناله رشاش. والشرب من فضل الوضوء بعد الفراغ من هيئاته. ولا يلطم وجهه بالماء. ولا يتكلم في أثنائه إلا بذكر الله عز وجل. * * *

باب مسح الخف

بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب مسح الخف لما كان الواجب في الرجل الغسل، والمسح بدل عنه .. عقب به باب الوضوء، ولم يبوب له في (المحرر). وذكره الرافعي عقب التيمم؛ لأنهما مسحان يبيحان الصلاة. ولو عبر بالخفين .. كان أولى؛ فإنه لا يجوز مسحه من رجل وغسل الأخرى، ولكنه أراد الجنس لا التوحيد. والأصل في مشروعيته ما رواه الشيخان [خ 387 - م 272] عن جرير بن عبد الله البجلي أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه)، ورواه الترمذي [94] بإسناد فيه إبراهيم بن أدهم، وليس في الكتب الستة رواية عن إبراهيم سواه. زاد الترمذي [93]: قال إبراهيم بن يزيد النخعي: وكان يعجبهم - يعني: أصحاب عبد الله - حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة - لأنها نزلت سنة ست -

يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يكون الأمر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخا للمسح كما صار إليه بعض الصحابة. وروى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: حدثني سبعون من الصحابة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخف). ولأن الحاجة إلى دفع الحر والبرد تدعو إليه، ونزعه لكل وضوء يشق، ولم ينكره إلا الشيعة والرافضة والإمامية والخوارج. قال: (يجوز في الوضوء)؛ للأدلة السابقة. واحترز بذلك عن الغسل، فلا يجوز فيه، ولا في إزالة النجاسة. فلو أجنب أو دميت رجله، فأراد أن يمسح على الخف ليقوم مقام غسل الرجل .. لم يجز بل لا بد من الغسل. ويدل لمنع المسح في الجنابة ما رواه ابن خزيمة [17] والترمذي [96] – بإسناد صحيح – عن صفوان بن عسال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم). والفرق بين الوضوء والغسل من جهة المعنى: أن الوضوء يتكرر والحاجة إلى لبس الخف عامة، فلو كلف نزعه في كل وضوء .. لشق، بخلاف الجنابة؛ فإنها لا تتكرر كتكرره. وأما باقي الأغسال وغسل النجاسة .. فبالقياس على الجنابة للمعنى المذكور. وأشار بقوله: (يجوز) أنه لا يجب ولا يندب، ولا يمتنع ولا يكره، ولكن غسل الرجل أفضل من المسح، كما قاله في آخر (صلاة المسافر) من (الروضة)، إلا أن يتركه رغبة عن السنة، أو شكا في جوازه، أو خاف فوت عرفة واستنقاذ أسير، ونحو ذلك .. فالمسح أفضل، كذا قالوه. وفي تصوير جوازه عند الشك في جوازه نظر، فضلا عن كونه أفضل. واختار ابن المنذر: أن الغسل والمسح سواء. ولو كان المحدث لابس خف بشرطه ودخل الوقت، ووجد ما يكفيه لو مسح الخف ولا يكفيه إن غسل .. قال ابن الرفعة: الذي يظهر وجوب المسح لقدرته على

لِلْمُقِيمِ يَوْماً وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةً بِلَيَالِيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الطهارة الكاملة، وبذلك صرح الروياني في (البحر) في (باب التيمم). وقال الشيخ أبو محمد: المنصوص أن من أرهقه الحدث ومعه ما لا يكفيه ولو تخفف لكفاه .. أنه يلزمه لبس الخف ليحصل الوضوء، وصحح الشيخان خلافه. ولا يكره المسح على الخف، لكن حكى في (الكفاية) عن القاضي أبي الطيب: أنه مكروه، وهو وهم؛ فإن ذلك مذهب مالك. وكلام المصنف يقتضي: أنه لا يجوز المسح للمتيمم، وهو كذلك إذا كان تيممه لاعواز الماء؛ لأنه عند رؤيته يعود حكم حدثه. وقال ابن سريج: يمسح؛ لأن التيمم عنده يرفع الحدث. لكن يستثنى التيمم المضموم للوضوء لجرح ونحوه، فإنه كطهارة المستحاضة ومن في معناها من دائمي الحدث، فقيل: لا يمسح على الخفين أصلا. وقيل: إنه كالسليم سفرا وحضرا. والثالث: الأصح المنصوص: يجوز له المسح في حق فريضة واحدة إذا لم يكن قد صلى بوضوئه فريضة ولم يشف، فإن شفي .. لزمه الاستئناف وغسل الرجلين. وفهم من كلام الشيخين أن المتيمم لبرد ونحوه يمسح الخف، ولا يعرف لغيرهما. وأما المتحيرة .. فلا نقل فيها، ويحتمل أن لا تمسح؛ لأنها تغتسل لكل فريضة، ويحتمل أن يقال: إن اغتسلت ولبست الخف .. فهي كغيرها، وإن كانت لابسة قبل الغسل .. لم تمسح. قال: (للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة بلياليها)؛ لقول أبي بكرة نفيع بن الحارث: (أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما) رواه ابنا خزيمة [192] وحبان [1324]. وقال الخطابي: إنه صحيح الإسناد. وشرط جواز الثلاثة للمسافر: أن يكون سفره طويلا، مباحا، وأن يكون له قصد معلوم.

مِنَ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فما لا يقصر فيه لقصره أو تحريمه .. يمسح فيه كمقيم. وقيل: لا يمسح في سفر المعصية البتة. وفي القديم: لا يتأقت، لكن صح أنه رجع عنه. تنبهان: أحدهما: ليلة اليوم هي المتقدمة عليه لا المتأخرة، فالمسافر يمسح ثلاثة أيام وثلاث ليال مطلقا، كما يمسح المقيم يوما وليلة، ولا يؤخذ ذلك من التعبير (بلياليها)، إلا على تقدير وقوع ابتداء المدة عند الغروب دون ما إذا كانت عند الفجر. الثاني: رخص السفر ثمان: أربع تختص بالطويل، وهي: المسح ثلاثا، والقصر، والجمع، والفطر. وأربع تجوز في القصير والطويل: أكل الميتة، والتنفل على الراحلة، وإسقاط الصلاة بالتيمم، وترك الجمعة. وفي (المهمات) زيادة على ذلك. والأصل في مطلق الرخص ما روى مسلم [2356] عن عائشة قالت: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزه عنه ناس فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب حتى بان الغضب في وجهه، ثم قال: (ما بال أقوام يرغبون عما رخص الله لهم فيه؟! فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية). قال: (من الحدث بعد لبس) أي: إكمال اللبس، وذلك باستقرار القدم. فلو أحدث ورجله في ساق الخف .. لم يمسح في الأصح؛ لأنها عبادة مقدرة بوقت، فكان أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة. قال ابن الرفعة: وهذا يدل على امتناع تجديد الوضوء المشتمل على لبس الخف، ولا شك في أنه مكروه. والمجزوم به في (شرح المهذب): أنه مستحب، وفي (شرح الوسيط) نحوه.

فَإِنْ مَسَحَ حَضَراً ثُمَّ سَافَرَ أَوْ عَكَسَ .. لَمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ سَفَرٍ. وَشَرْطُهُ: أَنْ يُلْبَسَ بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب الأوزاعي وأبو ثور وابن المنذر إلى أن ابتداء المدة: من المسح، واختاره في (شرح المهذب). واعتبرها الحسن البصري من اللبس، واختاره الشيخ؛ لأنه وقت جواز الرخصة. قال: (فإن مسح حضرا ثم سافر أو عكس .. لم يستوف مدة سفر)؛ تغليبا لحكم الحضر، كما لو أحرم بصلاة في سفينة في البلد، فسارت وهو في الصلاة .. فإنه يتمها صلاة حضر بالإجماع. وشملت عبارته ما إذا مسح في الحضر أحد خفيه، ثم سافر ومسح الآخر في السفر .. فيمسح مسح مقيم عند المصنف. وجزم الرافعي بأنه يتم مدة مسافر. واحترز بقوله: (مسح حضرا) عما إذا أحدث حضرا، ثم ابتدأ المسح في السفر .. فإنه يتم مدة السفر على الصحيح. وقال أبو إسحاق: يمسح مسح مقيم. وقوله: (لم يستوف مدة سفر) يشمل ما لو بقي من مدة الإقامة شيء .. فيتمه، وأما إذا لم يبق شيء .. فيجب النزع، وأما إذا كان قد استوفي في السفر أكثر من يوم وليلة .. فلا يقضي صلوات ما زاد عليه، بل تنقضي المدة من وقت القدوم. وقال المزني: يمسح ثلث ما بقي من ثلاثة أيام ولياليهن. قال: (وشركه: أن يلبس بعد كمال طهر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: (إذا تطهر فلبس خفيه). وقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة حين رام نزع خفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين). فلو لبسهما قبل غسل الرجلين .. لم يجز قطعا.

سَاتِرَ مَحَلِّ فَرْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف .. لم يجز أيضا. قال الشيخ: وفي دلالة حديث المغيرة على الصورة الثانية نظر؛ لأنه يصح إذا أدخل كل واحدة طاهرة أن يقال: أدخلهما طاهرتين، كما تقول: ضربت الزيدين مجردين، فهي حال من كل واحد. ولكنا نقول: إنه إذا احتمل والمسح رخصة لا تناط بالشك .. فيرجع إلى الأصل، لا جرم قال المزني وأبو ثور وأبو حنيفة: لا حاجة إلى النزع في الصورتين، وهو القياس؛ لأن استدامة اللبس ليس كما ذكروه في (كتاب الأيمان). وعبارة (المحرر): بعد تمام طهر، ولو حذفها وحذف المصنف لفظة (كمال) لما ضرهما؛ لأن حقيقة الطهر أن يكون كاملا، لكن المصنف ذكره؛ لنفي توهم التجوز به عن البعض. ولم يحترز بـ (الكمال) عن طهر المتيمم ودائم الحدث، كما وهم فيه بعضهم؛ فإن طهارتهما كاملة ضعيفة لا ناقصة، والضعيف ضد القوي [و] دون الكامل والتام. وأيضا المذهب: أن دائم الحدث، والمتيمم لا لفقد الماء إذا تطهر ولبس ثم أحدث .. مسح لما كان يصليه بطهارة لبسه لو بقيت، فلا يصح الاحتراز عنه. قال: (ساتر محل فرضه)، وهو القدم؛ لأن فرض الظاهر الغسل وفرض المستور المسح، فإذا اجتمعا .. غلب حكم الأصل وهو الغسل، فلا يجوز المسح على المخرق في محل الفرض على الجديد، سواء كان التخرق قليلا أو كثيرا. والقديم: يجوز إن كان يتماسك في الرجل. ولو تخرقت الظهارة وحدها .. جاز إن كان الباقي قويا، وإن تخرقا من موضعين غير متحاذيين .. جاز.

طَاهِراً، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد: الستر من الجوانب والأسفل، لا من العلو على الأصح – ضد ستر العورة؛ فإن المعتبر فيها الستر من الجوانب والعلو لا من الأسفل – يكن يستثنى ما لا يستر إذا كان واسع الرأس، بحيث يرى منه بعض القدم .. فالأصح: جواز المسح عليه. وإذا كان شفافا يرى معه بشرة القدم كالزجاج .. فإنه يجوز المسح عليه إذا أمكن متابعة المشي عليه؛ لأن المراد بالستر ما يمنع نفوذ الماء. وادعى في (الروضة) و (شرح المهذب) الاتفاق عليه، وليس كذلك بل جزم البندنيجي فيه بالمنع؛ لعدم ستره القدم. ومن نظائر هذه المسألة رؤية المبيع من وراء زجاج وهو لا يكفي؛ لأن المطلوب نفي الغرر وهو لا يحصل؛ لأن رؤية الشيء من وراء زجاج يرى غالبا على خلاف ما هو عليه. قال: (طاهرا)، فلا يجوز على نجس العين، ولو كان يتيمم لمس المصحف ونحوه، وكذلك المتنجس لا يمسحه إلا بعد غسله. وقائدة المسح – وإن لم تنحصر – في الصلاة، فالمقصود الأصلي هو الصلاة وما عداها تابع، ولأن الخف بدل عن الرجل وهي لا تطهر مع بقاء النجاسة عليها. فرع: لا يجوز المسح على خف خرز بالهلب – وهو شعر الخنزير – ولا الصلاة فيه وإن غسله سبعا إحداهن بالتراب؛ لأن الماء والتراب لا يصلان إلى مواضع الخرز، فإذا غسله سبعا .. طهر ظاهره دون موضع الخرز. ولو عرقت رجله .. لا يحكم بنجاستها، ولو أدخل رجله فيه وهي رطبة .. لم تنجس. وكان أبو زيد المروزي يصلي فيه النوافل دون الفرائض، فراجعه القفال فقال: الأمر إذا ضاق اتسع.

يُمْكِنُ تِبَاعُ الُمَشْيِ فِيهِ لِتَرَدٌّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَاتِهِ. قِيلَ: وَحَلاَلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: أشار إلى كثرة النوافل. وقال المصنف: بل الظاهر أنه أشار إلى عموم البلوى فعفي عنه مطلقا. ويدل له من السنة ما روى الترمذي الحكيم: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخرازة بشعر الخنزير، فقال: (لا بأس بذلك). وحكى الدارمي وجهين في جواز خرز الخف به إذا كان رطبا؛ للضرورة الداعية إليه. قال: (يمكن تباع المشي فيه) ولو كان لابسه مقعدا؛ لأن المسح عليه إنما شرع لحاجة اللابس إلى الاستدامة، وهي لا تتأتى إلا فيما هذا شأنه. فلو تعذر المشي عليه لثقله كالحديد، أو غلظه كالخشب .. امتنع المسح عليه، وكذا لسعته أو ضيقه على الأصح. فإن كان الضيق يتسع بالمشي .. جاز بلا خلاف، كذا في (شرح المهذب). وقيده في (الكافي) بالاتساع عن قرب. ولو أمكن فيه المشي، ولكن تعذر التتابع كالخرقة والجلد الرقيقين .. لم يجز. قال: (لتردد مسافر لحاجاته)، فلا يعتبر أن يمشي عليه فراسخ، ولا يكفي المشي اليسير، بل تردد المسافر لحاجته – عند النزول والرحيل – من الاحتطاب والاحتشاش والحط والتحميل. وفي (الرونق) و (اللباب) ضبط بثلاثة أميال، وضبطه الشيخ أبو محمد بقدر مسافة القصر وهو المعتمد. وهل المراد المشي فيه بمداس أو لا؟ لم يتعرضوا لذلك. وسبب اشتراط هذه الأمور أن ما سوى ذلك لا تدعو الحاجة إليه. قال: (قيل: وحلالا)، هو قول ابن القاص. وأشار ابن الصباغ والغزالي إلى ترجيحه؛ لأن المسح رخصه وهي لا تناط بالمعاصي.

وَلاَ يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ لاَ يَمْنَعُ مَاءً فِي الأَصَحِّ، وَلاَ جُرْمُوقَانِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب الأكثرون إلى الجواز، وقاسوه على الوضوء بالماء المغصوب، والصلاة في الأماكن المغصوبة. قال: (ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء في الأصح)؛ لأن الغالب في الخفاف أن تمنع نفوذ الماء، فتنصرف نصوص المسح إليها ويبقى الغسل واجبا فيما عداها. والثاني: يجوز كما لو تخرقت بطانة الخف وظهارته من موضعين غير متوازيين .. يجوز المسح عليه مع نفوذ الماء، واختاره الإمام والغزالي. لكن تستثنى مواضع الخرز، فإنه لا يضر نفوذ الماء منها كما نقله في (شرح المهذب) عن القاضي وغيره. والمراد بـ (الماء): ماء المسح كما عبر به الماوردي. وقال الإمام: أن يمنع الماء إذا صب عليه. ويشترط في الممسوح أن يسمى خفا، فلو لف على قدميه قطعتي أدم وأحكمهما بالشد، وأمكنه متابعة المشي عليهما .. لا يجوز المسح عليهما؛ لعسر إزالة ذلك وأعادته على هيئته. قال: (ولا جرموقان في الأظهر)؛ لأن الحاجة إليه نادرة فلا تتعلق به هذه الرخصة العامة، كالجبيرة فإنه لا تتعلق بها الرخصة إلا في حق الكسير خاصة. و (الجرموق) بالضم فارسي معرب، وهو: خف كبير يلبس فوق الخف، سواء كان له ساق أم لا. والقول الثاني: يجوز كالخف، ولأن الحاجة تدعو إليه للبرد والوحل، واختاره المزني وأبو الطيب والروياني في (الحلية)، ونقله أبو حامد عن كافة العلماء. ونقل ابن الصلاح عن والده: أنه يجوز في البلاد الباردة قولا واحدا، ثم رده. ومحل القولين إذا كان الأعلى والأسفل قويين، فإن كانا ضعيفين .. لم يجز المحس عليهما قولا واحدا. فإن أدخل يده في صورة القولين ومسح الأسفل .. صح، وإلا فلا.

وَيَجُوزُ مَشْقُوقُ قَدَمٍ شُدَّ فِي الأَصَحِّ. وَيُسَنُّ مَسْحُ أَعْلاَهُ وَأَسْفَلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان الأعلى قويا بحيث يجوز مسحه لو انفرد، والأسفل ضعيفا .. صح مسح الأعلى على الصحيح. فإنا كانا بالعكس .. صح مسح الأسفل، وإن اقتصر على مسح الأعلى .. لم يصح إلا أن يصل منه البلل إلى الأسفل، فيصح إن قصده بمسح الأعلى واتصل البلل إلى الأسفل لعلمه بذلك، وكذا إن قصدهما أو لم يقصد شيئا في الأصح. فرع: لو لبس الخف على الجبيرة .. لم يجز المسح عليه على الأصح في زوائد (الروضة)؛ لأنه ملبوس فوق ممسوح، فأشبه المسح على العمامة. قال: (ويجوز مشقوق قدم شد في الأصح)؛ لحصول الارتفاق به. والمراد: ما شد بالسرج، وهي العرى. والثاني: لان كما لو لف على القدم قطعة أدم وأحكم شدها كما تقدم. وشرطه أن لا يبقى شيء من الرجل أو اللفافة على عقبيه يتبين في حالة المشي. قال: (ويسن مسح أعلاه وأسفله) أما مسح الأعلى .. فلا خلاف فيه. وأما الأسفل .. فلما روى ابن ماجه [550] عن المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله)، وكان ابن عمر يفعله، لكن الحديث ضعيف، لا جرم قال ابن المنذر: لا يستحب مسح الأسفل. وكان أحمد لا يفعله. فلو كان أسفله متنجسا بنجاسة معفو عنها .. اقتصر على الأعلى؛ لأنه لو مسح الأسفل زاد التلويث، ولزمه حينئذ غسل اليد وأسفل الخف. ولو غسل الخف بدل مسحه .. جاز على الصحيح، ويكره كما تقدم في غسل الرأس.

خُطُوطاً، ويَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ يُحَاذِي الْفَرْضَ، إِلاَّ أَسْفَلَ الرِّجْلِ وَعَقِبَهَا .. فَلاَ عَلَى المَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره تكرار المسح، بل يقتصر على مسحة واحدة. قال: (خطوطا)؛ لقول الحسن البصري: من السنة أن يمسح على الخف خطوطا. والأولى في كيفيته: أن يضع أصابع كفه اليسرى تحت العقب، واليمنى على ظهور الأصابع، ويمر باليسرى إلى أطراف الأصابع من أسفل واليمنى إلى الساق. وقد سكت المصنف عن الساق، والمذهب: استحباب مسحه أيضا، فيجعل راحة اليسرى على العقب، وأصابعه تحته ويفعل ما سبق. قال: (ويكفي مسمى مسح)؛ لأن الشارع علقه باسم المسح، والتعميم غير واجب بالاتفاق، والتقدير لا يهتدى إليه إلا بتوقيق ولم يرد، فكان الواجب ما ينطلق عليه الاسم، كمسح الرأس فيكفي وضع يد وغيرها عليه بلا مد، إلا أن يكون عليه شعر فلا يكفي الاقتصار على مسح الشعر جزما. والمراد: مسح ظاهره؛ فإنه لو مسح باطن أعلاه .. لم يجزه. وقد رأى أبو حنيفة المسح بثلاثة أصابع، ومالك وأحمد بالأكثر. قال: (يحاذي الفرض)؛ لأنه بدل عن الغسل. و (المحاذاة) بالذال المعجمة: المقابلة. قال: (إلا أسفل الرجل وعقبها .. فلا على المذهب)؛ لأن الاقتصار عليهما لم يرد، وثبت الاقتصار على الأعلى، والرخصة يجب فيها الاتباع. وعن علي رضي الله عنه: (لو كان الدين بالرأي .. لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) رواه أبو داوود [163].

قُلْتُ: حَرْفُهُ كَأَسْفَلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلاَ مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأنه موضع لا يرى غالبا، فلم يجز الاقتصار على مسحه كباطن الخف الداخل. والثاني: يكفي لأنهما يحاذيان محل الفرض، فأشبه المحاذي لمشط الرجل. وقال ابن سريج: لا خلاف بين المسلمين أنه لا يجوز الاقتصار على مسح أسفل الخف. وقيل: قولان. وجعل الرافعي محل الخلاف فيما يحاذي أخمص القدمين. و (العقب): مؤخر الرجل، وهي مؤنثة، وجمعها أعقاب، قال عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار)، خصه بالعذاب؛ لأنه العضو الذي لم يغسل. قال: (قلت: حرفه كأسفله والله اعلم) فلا يجوز الاقتصار عليه؛ لاشتراكهما في عدم الرؤية غالبا. قال: (ولا مسح لشاك في بقاء المدة)؛ لأن الأصل الغسل والمسح رخصة جوزت بشرط، فإذا لم يتيقن شرط الرخصة .. رجع إلى الأصل. وقال المزني: يجوز المسح؛ لأن الأصل بقاء مدته. والأصحاب نظروا إلى الأصل الأول، وألغوا الثاني كما إذا شك المسافر: هل وصل إلى بلده أو لا؟ وهل نوى الإقامة أو لا؟ لا يترخص. وإذا رمى صيدا ثم غاب عنه فوجده ميتا، وشك: هل أصابته رمية أخرى؟ لم يحل. وإذا شكوا في انقضاء وقت الجمعة .. لم يصلوها. هذه كلها ترك فيها الأصل الثاني المشكوك فيه للأصل الأول. فلو مسح على الخف في صورة الشك وصلى، ثم بان أنه مسح في غير المدة .. أعاد الصلاة والمسح، ولو زال شكه وتحقق بقاء المدة .. جاز المسح.

فَإِنْ أَجْنَبَ .. وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ، وَمَنْ نَزَعَ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ .. غَسَلَ قَدَمَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ: يَتَوَضَّأُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أجنب .. وجب تجديد لبس)، وكذا إذا حاضت أو نفست أو ولدت؛ لحديث صفوان المتقدم، وعللوه بأن هذه الأمور لا تتكرر فلا يشق النزع لها، بخلاف الحدث الأصغر، وللشيخ فيه بحث طويل. قال: (ومن نزع) أي: الخفين أو أحدهما، وفي معناه ما لو انقضت المدة، أو شك في بقائها، أو ظهر بعض الرجل بتخرق أو غيره، أو خرج عن الصلاحية لضعفه، أو دميت رجله ولم يمكن غسلها فيه. قال: (وهو بطهر المسح) احترز به عما إذا نزع وهو بطهارة الغسل، بأن كان بعد اللبس والحدث توضأ وغسل رجليه داخل الخف، فإنه هنا لا يلزمه شيء. قال: (.. غسل قدميه)؛ لأنه الأصل والمسح بدل، فإذا زال .. وجب الرجوع إلى الأصل. قال: (وفي قول: يتوضأ)؛ لأنها عبادة يبطلها الحدث، فإذا بطل بعضها .. بطل كلها كالصلاة، ولأن ذلك كالحدث بالنسبة إلى طهارة القدمين، والحدث لا يتبعض عوده حكما. وفي موضع القولين ست طرق، لا تصحيح فيها في (الشرح) ولا في (الروضة). والأصح في زوائدها: أنه يرتفع الحدث عن الرجل قياسا على مسح الرأس، ويجوز الجمع به بين فرضين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: إذا انقضت مدة المسح .. ليس له أن يصلي بعد ذلك بحكم المسح. ونقل المتولي وغيره عن الحسن البصري: أن له أن يصلي ما لم يحدث؛ لأن طهره قد صح فلا يبطل إلا بحدث، واختاره ابن المنذر والمنصنف في (شرح المهذب)، ويقال: إن الأستاذ أبا إسحاق حكاه وجها لبعض أصحابنا. * * * خاتمة ختم الله لكاتبه بالحسنى قال في (الإحياء) في (باب ما لا بد للمسافر من تعلمه): يستحب لمن أراد أن يلبس الخف أن ينفضه؛ لئلا يكون فيه حية أو عقرب أو شوكة، واستدل لذلك بما رواه الطبراني [طب 7620] عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما). * * *

باب الغسل

بابُ الغسلِ مُوجِبُهُ: مَوْتٌ، وَحَيْضٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الغسل هو بفتح الغين وضمها، والفتح أفصح عند اللغويين، والضم أشهر عند الفقهاء. وبالكسر: ما يغسل به من سدر ونحوه. ولما كان الغسل من الجنابة معلوما قبل الإسلام، بقية من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام - كما بقي الحج والنكاح - لم يحتاجوا إلى تفسيره، بل خوطبوا بقوله تعالى: {وإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}. وهي دليل الباب، ولذلك نذر أبو سفيان: أن لا يمس رأسه ماء من جنابة، حتى يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الحدث الأصغر .. فلم يكن معروفا عندهم قبل الإسلام، فلذلك بين أعضاءه وكيفيته والسبب الموجب له. قال: (موجبه: موت)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته: (اغسلوه بماء وسدر)، متفق عليه [خ 1265 - م 1206] من رواية ابن عباس. لكن يستثنى شهيد المعركة والذمي، والسقط إذا بلغ أربعة أشهر، ولم يختلج، ولم تظهر عليه أمارة الحياة، كما سيأتي في (الجنائز). قال: (وحيض)؛ لقوله تعالى: {فَإذَا تَطَهَّرْنَ}. قيل: المراد اغتسلن. وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (إذا أقبلت الحيضة .. فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها .. فاغسلي عنك الدم وصلي)، متفق عليه [خ 206 - م 333]. وأجمعوا على ذلك.

وَنِفَاسٌ، وَكَذَا وِلاَدَةٌ بِلاَ بَلَلٍ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل الموجب للغسل من الحيض خروج الدم، أو انقطاعه، أو الخروج موجب عند الانقطاع؟ فيه ثلاثة أوجه: صحح العراقيون والروياني: الأول. والخراسانيون و (شرح المهذب): الثاني. والأصح في (الروضة): الثالث. وفي وجه رابع: أنه يجب بالخروج والانقطاع والقيام إلى الصلاة. قال إمام الحرمين: ليس لهذا الخلاف ثمرة فقهية، وليس كذلك بل تظهر فائدته: فما لو استشهدت قبل انقطاعه .. لم تغسل على الثاني والثالث، وعلى الأول .. الوجهان في الجنب الشهيد. وفيما إذا أجنبت – وقلنا: إنها تقرأ القرآن على القديم – فلها أن تغتسل عن الجنابة لاستباحة قراءة القرآن. وفيما إذا قال لزوجته: إن وجب عليك غسل فأنت طالق، فحاضت. فإن قلنا: يجب بالخروج .. طلقت به، وتستحب له الرجعة كالطلاق البدعي، ولا يأثم. وإن قلنا: يجب بالانقطاع .. طلقت به، ويكون سنيا. قال: (ونفاس)؛ لأنه دم حيض مجتمع. قال: (وكذا ولادة بلا بلل في الأصح)؛ لأنه مني منعقد، ولأنه يجب بخروج الماء الذي يخلق منه الولد، فبخروج الولد أولى. والثاني – وبه قال ابن أبي هريرة -: لا يجب به شيء؛ لما روى مسلم [343] عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الماء من الماء)، والولد لا يسمى ماء.

وَجَنَابَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصنف حكى الخلاف وجهين تبعا للرافعي، وحكاه ابن يونس في (شرح التنبيه) قولين. والوجهان جاريات في إلقاء العلقة والمضغة، والأصح فيهما أيضا: الوجوب. وهل يصح غسلها بمجرد وضعها، أو لا يصح حتى تمضي ساعة؟ فيه وجهان. الصحيح: الأول. ولو ولدت في نهار رمضان ولم تر دما .. فالمذهب بطلان صومها، وقيل: لا يبطل؛ لأنها مغلوبة كالاحتلام، وقواه في (شرح المهذب) من جهة المعنى، وضعفه من جهة التعليل. قال: (وجنابة)؛ للآية المتقدمة والإجماع. و (الجنابة) في اللغة: البعد. سمي بذلك ههنا؛ لأنه نهي عن قرب مواضع القرب، ويقال: رجلان جنب ورجال جنب، قال الله تبارك وتعالى: {وإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}. ومن {والْجَارِ الجُنُبِ}، وهو: الأجنبي. {والصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}، هو: الصاحب في السفر، وقيل: الزوجة.

بِدُخُولِ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (السنن): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب). والمراد به: الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة، فيكون أكثر أوقاته جنبا، وهذا يدل على قلة دينه وخبث باطنه. والمراد بالملائكة: غير الحفظة، وغير ملائكة الموت. قال: (بدخول حشفة أو قدرها) فرجا، لما روى مسلم [350] عن عائشة: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم بحضرتها، عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل: أيغتسل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وهذه نفعله ثم نغتسل). يقال: أكسل الرجل، إذا خالط أهله ولم ينزل. وفي (الصحيحين) [349]: (إذا التقى الختانان .. فقد وجب الغسل). و (التقاؤهما): تحاذيهما وإن لم يتضاما؛ لأن ختانها أعلى من مدخل الذكر.

فَرْجاً، وَبِخُرُوجِ مَنِيٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: التقى الفارسان، إذا تحاذيا. وذلك يحصل بغيبوبة الحشفة، فلو أولج بعضها .. لم يجب على الصحيح؛ لأن التحاذي لا يحصل بذلك. والمراد: قدرها من المقطوع؛ لأنه قائم مقامها. وقيل: لا بد من تغيب جميع الباقي، فلو كان الباقي، دون قدرها .. لم يجب الغسل به بالاتفاق، وهكذا الحكم في سائر الأحكام المتعلقة بالجماع. ولا فرق في الإيلاج بين الناسي والمكره وغيرهما، ولا في الذكر بين أن يكون منتشرا أو لا، ولا بين أن يكون عليه خرقة أم لا في أصح الأوجه، والثالث: إن كانت خشنة تمنع الحرارة والرطوبة .. لم يجب الغسل، والا وجب، وهذه الأوجه تجري في جميع الأحكام. قال: (فرجا) سواء كان قبلا أو دبرا، من ذكر أو أنثى، آدميا أو غيره، حيا أو ميتا، ولا يعاد غسل الميت مكلفا أو غيره، حلالا أو حراما، ولو سمكة، خلافا لأبي حنيفة في البهيمة والميتة. ويستثنى الخنثى، فلا غسل بإيلاج حشفته، ولا بإيلاج في قبله، لا على المولج ولا على المولج فيه. وفي الإيلاج في البهيمة وجه ضعيف ذكره الماوردي في الحدود. قال: (وبخروج مني) ولو قطرة في يقظة أو منام، بجماع أو غيره، من رجل أو امرأة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء) رواه مسلم [343] وغيره. والمراد: مني الإنسان نفسه، فلو استدخلت منيا ثم خرج .. فلا شيء على الصحيح. والمراد: الخروج الكلي في حق الرجل البكر.

مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الثيب .. فيكفي خروجه إلى باطن فرجها؛ لأنه في الغسل كالظاهر. فلو أحس الرجل بانتقال المني .. فلا غسل حتى يتحقق خروجه، خلافا لأحمد. ولو خرج المني بعد أن اغتسل .. لزمه إعادة الغسل، خلافا لمالك. وقال أبو حنيفة: يجب إن لم يبل قبل الغسل. وعن أحمد ثلاث روايات كالثلاثة. و (المني) مشدد الياء. سمي منيا؛ لأنه يمنى، أي: يصب، وسمع تخفيفه عن ابن الأعرابي. قال: (من طريقه المعتاد) بالإجماع. قال: (وغيره)، كما لو خرج من ثقبة في الذكر أو الخصية، كذا صححه في (الشرح) و (الروضة). وقال المتولي: فيه التفصيل والخلاف في النقض بخارج من منفتح، وجزم بهذا في (التحقيق)، وصوبه في شرحي (المهذب) و (التنبيه)، ثم قال: قال أصحابنا: هذا في المني المستحكم، فإن لم يستحكم .. لم يجب بلا خلاف. والصلب هنا كالمعدة هناك. فروع: احتلم ولم ير المني، أو شك: هل خرج منه شيء أم لا. لم يلزمه الغسل. وإن رأى المني ولم يذكر احتلاما .. لزمه الغسل؛ لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل: يجد البلل ولم يذكر احتلاما، قال:

وَيُعْرَفُ بِتَدَفُّقِهِ، أَوْ لَذَّةٍ بِخُرُوجِهِ، أَوْ رِيحِ عَجِينٍ رَطْباً وَبَيَاضِ بَيْضٍ جَافّاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ (يغتسل)، وعن الرجل يرى أنه احتلم ولم يجد البلل، فقال: (لا غسل عليه) رواه الدارمي [792] وأبو داوود [240] والترمذي [113] وغيرهم، لكنه ضعيف ويغني عنه حديث أم سلمة الآتي. وإذا رأى في ثوبه منيا أو في فراش لا ينام فيه غيره، ولم يذكر احتلاما .. وجب عليه الغسل على الصحيح المنصوص، وتجب إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوث المني بعدها. وأطلق الجمهور المسألة، وقيدها الماوردي بما إذا رأى المني في باطن الثوب، فإن رآه في ظاهره .. فلا غسل لاحتمال أنه أصابه من غيره، ولأن لبن الخفاش يشبه مني الآدمي في لونه ورائحته، وفي ذلك قصة غريبة اتفقت لأبي يوسف مع أبي حنيفة. قال: (ويعرف بتدفقه) أي: انصبابه، بأن يخرج بتزريق، ولا يسيل دفعة واحدة سيلانا متصلا، كما وصفه الله تعالى بقوله: {مِن مَّاءٍ دَافِقٍ}. أي: مدفوق، كما قالوا: سر كاتم، أي: مكتوم. قال: (أو لذة بخروجه). (اللذة): نقيض الألم ن وهي: ما تستطيبه النفس. يقال: لذه ولذ به يلذ لذا ولذاذة، وعلامتها: أن يعقبها فتور وانكسار الشهوة. قال: (أو ريح عجين رطبا وبياض بيض جافا)؛ لأنه لا توجد صفة من هذه الثلاثة في خارج غيره، فأي صفة وجدت منها .. كفت. وقوله: (رطبا وجافا) حالان من المني، لا من العجين وبياض البيض.

فَإِنْ فُقِدَتِ الصِّفَاتُ .. فَلاَ غُسْلَ. وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يفقد بعض هذه الصفات فيرق أو يحمر أو يصفر لكثرة الجماع، فيصير كماء اللحم وربحا خرج دما عبيطا. وقد يخرج بغير لذة. وهو في هذه الأحوال كلها طاهر، موجب للغسل. قال: (فإن فقدت الصفات) أي: جميعها (.. فلا غسل)؛ لأنه ليس بمني. قال: (والمرأة كرجل)، فيلزمنا الغسل بإيلاج حشفة أو قدرها فيها، أو بخروج منيها؛ لما روت أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: (نعم، إذا رأت الماء) أخرجه البحاري [282]. وهذه أم أنس بلا خلاف، وقال الغزالي والإمام والصيدلاني: إنها جدته، وليس كذلك. وفي حديث آخر قالت أم سلمة: يا رسول الله، وهل تحتلم المرأة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (تربت يداك، فمم الشبه) متفق عليه [خ 130 – م 313]. ويطرد في منيها الخواص الثلاث، وأنكره ابن الصلاح، قال الشيخ: وهذا هو المعتمد، وليس لمنيها تدفق، ولا يوجد فيه إلا خصلتان: الرائحة والتلذذ، وكذا في (شرح مسلم). وقيل: ليس لمنيها غير التلذذ، وبه قال الإمام والغزالي. فرع: خرج منه شيء، وأشكل عليه: أهو مني أو مذي؟ فالأصح: أنه يتخير بين جعله منيا فيغتسل، أو مذيا فيتوضأ ويغسل ما أصابه منه. وقيل: يلزمه الوضوء مرتبا. وقيل: يلزمه وضوء غير مرتب وهو غلط.

وَيَحْرُمُ بِهَا مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ، وَالْمُكْثُ بالْمَسْجِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: يلزمه مقتضى المني والمذي جميعا، وهو الذي اختاره في (شرح المهذب). قال: (ويحرم بها) أي: بالجنابة (ما حرم بالحدث) من الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله، بل هي أولى لغلظ حكمها. وأما ما يحرم بالحيض والنفاس .. فسيأتي في بابهما , قال: (والمكث في المسجد)؛ لقوله تعالى: {ولا جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}. والأقرب في تفسيرها: أن المراد مواضع الصلاة؛ لقوله تعالى: {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ}. وذلك يدل على تحريم المكث وإباحة العبور. وحسن الترمذي [3727] قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: (لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك) أي: يمكث فيه جنبا، وعده ابن القاص من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. وكذا يحرم التردد فيه بلا خلاف؛ لأنه لبث. وقال المزني وابن المنذر: يجوز للجنب المكث فيه، مستدلين بأن: (المؤمن لا ينجس)، وبأن المشرك يمكث في المسجد على الأصح، فالمسلم الجنب أولى. وخرج بالمسجد مصلى العيد ونحوه. و (المكث): اللبث. و (المسجد) بكسر الجيم وفتحها، ويقال له: مسيد، بفتح الميم.

لاَ عُبُورُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: إذا كان في المسجد بئر .. لا يجوز للجنب المكث فيه. وفي (فتاوى البغوي): إذا دلى نفسه بحبل ومكث في هواء المسجد .. لا يجوز؛ لأن هواء المسجد جزء من المسجد. وإذا وقف جزءا شائعا من الأرض مسجدا .. فإنه يصح ويجب قسمتها، كما قاله ابن الصلاح. فعلى هذا: يتجه إلحاقها بالمسجد هنا، بخلاف صحة الاعتكاف، وصحة الصلاة فيها للمأموم إذا تباعد عن إمامه أكثر من ثلاث مئة ذراع. قال: (لا عبوره)؛ للآية، لكن يكره إلا لغرض، كما إذا كان طريقه أو أقرب طريقيه. والصحيح في (شرح المهذب): أنه خلاف الأولى، وهو المعتبر. وفي وجه: لا يجوز العبور إلا لمن لم يجد طريقا سواه. وإذا عبره .. لا يكلف الإسراع في المشي، بل يمشي على عادته. فلو كان فيه نهر فأراد أن يغتسل فيه .. لم يجز؛ لأنه يحتاج إلى مكث. ولو احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب فخرج من الأبعد .. لم يكره إن كان له غرض، وكذا إن لم يكن في الأصح. ويستثنى من المكث في المسجد إذا خاف من الخروج على نفس أو مال، فإنه يمكث. قال الرافعي: وليتيمم إن وجد غير تراب المسجد، أي: يجب التيمم؛ لأن ذلك ظاهر لام الأمر، ولذلك عبر في (الروضة) بقوله: يجب عليه التيمم، وبه صرح القفال والأستاذ أبو منصور وغيرهما. وقول (الشرح الصغير): يحسن أن يتيمم .. فيه نظر.

وَالْقُرْآَنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتراب المسجد الذي يحرم التيمم به هو المنهدم من جدرانه، لا ما يجتمع من الريح ونحوه. قال: (والقرآن) ولو بعض آية، سواء أسر أو جهر، إذا نطق بلسانه؛ لما روى الترمذي [131] وابن ماجه [596] والدارقطني [1/ 121] والبيهقي [1/ 89] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن)، لكنه ضعيف. وروى الأربعة وابن حبان [799] والحاكم [1/ 152] عن علي أنه قال: (لم يكن يحجز النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن شيء سوى الجنابة). وأجاز ابن المنذر وداوود أن يقرأ الجنب القرآن. وعلى المذهب .. يستثنى فاقد الطهورين، فإن الأصح عن المصنف: أنه تجب عليه قراءة الفاتحة، وصحح الرافعي المنع وينتقل إلى الذكر. ولا يحرم إجراؤه على القلب، ولا نظره في المصحف، ولا قراءة منسوخ التلاوة. وفي (فتاوى القاضي حسين): أن الأخرس الجنب يحرم عليه الإشارة بالقرآن. ولا فرق في التحريم بين أن يقرأ آية أو بعضها كما قاله الرافعي، أو حرفا كما قاله

وِتِحِلُّ أَذْكَارُهُ لاَ بِقَصْدِ قُرْآنٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الماوردي هنا، وأطلق في (باب سنة الوضوء): أن الكافر الجنب لا يمنع من قراءة القرآن، ويمنع من مس المصحف، وفي كلامه في (الصداق) ما يوافقه. ولو تنجس فم القارئ .. لم تحرم عليه القراءة قبل غسله على الأصح. قال: (وتحل أذكاره لا بقصد قرآن)؛ لأن الأعمال بالنيات، وذلك كقوله في ابتداء الأكل: باسم الله، وفي خاتمة الأمر: الحمد لله، وعند الركوب: سبحان الذي سخر لنا هذا، وعند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لأنه إذا لم يقصد القرآن .. لم يكن فيه إخلال بالتعظيم. ولو جرى على لسانه ولم يقصد هذا ولا ذاك .. لم يحرم أيضا، ومجموع ما في ذلك أربع صور: إحداها: أن يقصد بذلك القرآن، فيحرم على الجنب. الثانية: أن يقصد بها الذكر والقرآن معا، فيحرم أيضا؛ لأن في الصورتين يطلق عليهما قرآن. الثالثة: أن يقصد الذكر وحده، فلا يحرم. الرابعة: أن لا يقصد شيئا، فلا يحرم أيضا. وهذا الحكم لا يختص بأذكار القرآن، بل يأتي أيضا في مواعظه وأحكامه وأخباره وغير ذلك، ولهذا عبر في (الشرح) و (الروضة) بما إذا قرأ شيئا منه لا على قصد القرآن .. جاز. فائدة: قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها بني آدم، والملائكة لم يعطوا هذه الفضيلة، وهي حريصة على استماعه من الإنس، كذا أفتى ابن الصلاح. وقد يتوقف فيه من جهة أن جبريل عليه السلام هو النازل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الله تعالى في وصف الملائكة: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} أي: تتلو القرآن.

وَأَقَلُّهُ: نِيَّةُ رَفْعِ جَنَابَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: يستحب للجنب أن لا يأكل ولا يشرب، ولا ينام ولا يجامع، حتى يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة؛ ففي (الصحيحين) [خ 288 – م 305] عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك). والقراءة أفضل من الذكر، وفي المصحف أفضل؛ لأنها تجمع القراءة والنظر في المصحف وهو عبادة أخرى. ولا تكره القراءة في الحمام، ولا في الطريق إذا لم يلته، وكرهها الشعبي في بيت الرحى وهي تدور، وهو مقتضى مذهبنا. وقال في (الإحياء): لا ينبغي أن يحلق شعره أو يقلم ظفره أو يستحد أو يخرج دما أو شيئا من نفسه وهو جنب؛ لأن سائر أجزائه ترد إليه في الآخرة فيعود جنبا، ويقال: إن كل شعرة تطالب بجنابتها. قال: (وأقله) أي: أقل الغسل (نية رفع جنابة) سواء عينها أم لا؛ فما تقدم في الوضوء. ومن به سلس المني ينبغي أن لا يكفيه ذلك على الصحيح، بل ينوي الاستباحة كما تقدم في الوضوء. والحائض تنوي رفع حدث الحيض، فإن نوت رفع الجنابة أو عكست .. لم يصح على الأصح إن تعمدت، فإن غلطت .. صح جزما، وكذلك النفساء. وقيل: يصح اغتسال النفساء بنية الحيض؛ لأنه دم حيض مجتمع. ولو اجتمع على المرأة غسل جنابة وحيض، فاغتسلت بنية أحدهما .. أجزأها. قال في (شرح المهذب): بلا خلاف. وعبارة المصنف تفهم: أن الجنب لو نوى رفع الحدث وأطلق .. لا يكفي. وفي (شرح المهذب): أنه يكفي، فإن نوى الأكبر .. كان تأكيدا.

أَوِ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إَلَيْهِ، أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ، مَقْرُونَةً بِأَوَّلِ فَرْضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو استباحة مفتقر إليه)، كالصلاة والطواف ونحوهما؛ لما سبق في الوضوء. ومنه أن تنوي الحائض تمكين الزوج، والأصح: الصحة وتستبيح كل شيء، وقيل: تستبيح الوطء فقط، وقيل: لا تستبيح شيئا. أما إذا نوى ما لا يتوقف عليه كالأذان وعبور المسجد .. فإنه لا يصح، وقيل: إن ندب له .. صح. فال: (أو أداء فرض الغسل) هذه العبارة تقتضي: أنه لا بد من التعرض لهما، وقد تقدم في الوضوء: أنه لا يجب الجمع بينهما، بل لو نوى فرض الغسل، أو الغسل المفروض، أو الواجب .. كفى، وكذا لو نوى أداء الغسل .. فإنه يكفي كما صرح به (الحاوي الصغير)، ولا يعرف له سلف في ذلك. وإن اقتصر على نية الغسل .. لم يكف، وإن كفت فيه نية الوضوء. ومن إيجاب النية يعلم: أن الإسلام والتمييز شرطان، فلا يصح غسل الكافر على الأصح، إلا الذمية لتحل لمسلم، ويلزمها إعادته إذا أسلمت على الأصح. ولو نوى الجنب رفع الحدث الأصغر، فإن تعمد .. لم يصح في الأصح، وإن غلط .. لم يرتفع عن غير أعضاء الوضوء. وفي ارتفاعه عن الرأس وجهان. قال ابن الرفعة: ليت شعري! القائل بارتفاعه هل يقول: يرتفع عن جملة الرأس أم عن القدر المجزئ في الوضوء؟ والظاهر: الثاني، ونازعه شيخنا في ذلك. قال: (مقرونة بأول فرض) كما في الوضوء، وأول فرض هنا هو أول مغسول، سواء كان من أعلى البدن أو أسلفه؛ لأنه لا يترتب في الغسل. وإذا اقترنت بأول فرض .. لم يثب على السنن السابقة كما في الوضوء، ويأتي فيها ما تقدم في اقترانها بسنة قبله، وفي احتياجها إلى الإضافة إلى الله تعالى وجهان.

وِتَعْمِيمُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتعميم شعره وبشره)؛ لما روى أبو داوود [249] عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسله .. فعل الله به كذا وكذا من النار). قال علي: فمن ثم عاديت رأسي [ثلاثا] – أي: استأصلته – وكان يجز شعره، ولم يضعفه أبو داوود. وقال القرطبي في (شرح مسلم): إنه صحيح. وفي (شرح المهذب) في صفة الوضوء: أنه حسن، وفيه هنا: أنه ضعيف. وفي (أبي داوود) [253] – أيضا – عن ابن عمر: (كانت الصلوات خمسين، والغسل من الجنابة سبعا، وغسل البول من الثوب سبعا، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يسأل ربه حتى جعل الصلوات خمسا، والغسل مرة). واستدل الرافعي بحديث: (بلوا الشعر)، وأنقوا البشرة؛ فإن تحت كل شعرة جنابة) وهو في (أبي داوود) [252] و (الترمذي) [106]، لكن ضعفه البحاري وغيره. وقال سفيان بن عيينة: المراد بقوله: (وأنقوا البشرة) غسل الفرج وتنظيفه، كنى عنه بالبشرة. قال ابن وهب: ما رأيت أعلم بتفسير الأحاديث من ابن عيينة.

وِلاَ تَجِبُ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق في الشعر بين الخفيف والكثيف، حتى لو بقيت شعرة واحدة لم يصبها الغسل .. لم يجزه، ولا يستثنى من ذلك إلا الشعر النابت في الأنف والعين، فإنه لا يجب غسله؛ لأن إدخال الماء فيهما لا يجب. ويجب نقض الضفائر إن كان الماء لا يصل إلى باطنها إلا بالنقض، لكن يعفى عن باطن الشعر المعقود، وقيل: بجب قطع عقده. وما روى مسلم [330] عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله؛ إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: (لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين)، محمول على ما إذا كان الشعر خفيفا، والشد لا يمنع من وصول الماء إليه وإلى البشرة. وظاهر الجلد يسمى: البشرة، والباطن: الأدمة المستترة. ويجب غسل الأظفار وإن كان لا يطلق عليها بشرة. ويجب إيصاله إلى شقوق اليد والرجل الظاهرة، وما تحت القلفة وما ظهر من أنف الأجدع على الأصح فيهما، وكذا ما يبدو من فرج الثيب لقضاء الحاجة على الأصح. قال: (ولا تجب مضمضة واستنشاق) كما في الوضوء.

وَأَكْمَلُهُ: إِزَالَةُ الْقَذَرِ، ثُمَّ الْوُضُوءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أحمد – بإسناد صحيح – [4/ 81] عن جبير بن مطعم: أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال: (أما أنا فآخذ ملء كفي ثلاثا فأصب على رأسي، ثم أفيض بعده على سائر جسدي). وأوجبهما أبو حنيفة وبعض أصحابنا، ولذلك يستحب لتاركهما أن يعيد غسله خروجا من الخلاف. قال: (وأكمله: إزالة القذر) أي: الطاهر كالمني والمخاط، والنجس كالمذي وأثر الاستنجاء، ولكن إزالة الطاهر مندوبة، وإزالة النجس كذلك إن اكتفى بغسلة للحدث والنجس كما صححه المصنف، وإلا فشرط كما صححه الرافعي. قال: (ثم الوضوء)، ففي (الصحيحين) [خ272 – م 316] عن عائشة: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة). وعن أبي ثور: أنه شرط، ونقل ابن المنذر: الإجماع على خلافه. والأصح: استحباب التسمية في أوله، وقيل: لا؛ لأن نظمها نظم القرآن، وقيل: الأولى أن يقول: بسم الله العظيم، الحمد لله على الإسلام. قال ابن الصلاح: لم أجد لأحد من أصحابنا تعرضا لنيته إلا لمحمد بن عقيل الشهرزوري؛ فإنه قال: ينوي سنة الغل. قال: وأنا أقول: إن كان غير محدث .. فالأمر كما قال، وإن جان جنبا محدثا .. فينوي بوضوئه رفع الحدث الأصغر، إلا أن يكون جنبا غير محدث .. فينوي سنة الغسل. ويتصور تجرد الجنابة عن الحدث: في إتيان الغلام والبهيمة. وإذا لف على ذكره خرقة وأولج في فرج امرأة. وإذا انزل بنظر أو فكر أو احتلم قاعدا.

وَفِي قَوْلٍ: يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ تَعَهُّدُ مَعَاطِفِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَاسِهِ وَيُخِلِّلُهُ، ثُمَّ شِقَّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: يؤخر غسل قدميه)؛ لما روى الشيخان [خ 274 – م 317] عن ميمونة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سائر جسده غير قدميه، ثم تنحى فغسل رجليه)، فاختلاف القولين لاختلاف الروايتين في صفة غسله صلى الله عليه وسلم. وقال القاضي حسين: يتخير بين تقديمهما وتأخيرهما؛ لصحة الروايتين. والخلاف في ذلك في الأفضل، ولا خلاف أنه لا يشرع وضوءان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ بعد الغسل. قال: (ثم تعهد معاطفه)، وهو: ما فيه التواء وانعطاف كالأذنين والعكن، والسرة والإبط، فيأخذ كفا من ماء ويجعل الأذن عليه برفق ليصل الماء إلى معاطفها، ويتعهد الركبة وبين الأليتين وتحت الأظفار. قال: (ثم يفيض الماء على رأسه ويخلله)، فإن هذا الترتيب أبعد عن الإسراف، وأقرب إلى الثقة بوصول الماء. وفي حديث عائشة: أن التخليل قبل الإفاضة، وبه صرح الرافعي والمصنف وغيرهما. وعبارة المصنف لا يؤخذ منها ذلك. فلو خلله حالة إفاضة الماء كما هو ظاهر عبارة الكتاب .. كفى. وكيفية التخليل: أن يدخل أصابعه العشرة في الماء فيشرب بها أصول شعره من رأسه ولحيته؛ ليسهل إيصال الماء إليه، وليس في كلام المصنف تعرض لشعر اللحية. والمذهب: أنه كشعر الرأس يستحب تخليله. قال: (ثم شقه الأيمن، ثم الأيسر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في طهوره إذا تطهر. وقال صلى الله عليه وسلم في غسل ابنته: (إبدأن بميامنها) رواهما البخاري [167].

وَيَدْلُكُ، وَيُثَلِّثُ، وَتُتْبعُ لِحَيْضٍ أَثَرَهُ مِسْكاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيفية التيامن ستأتي في غسل الميت. قال: (ويدلك) أي: في كل مرة من الثلاث؛ إذ به يحصل إنقاء البشرة، ولا يجب؛ لأنه يسمى مغتسلا بدونه. يقال: غسل السيل الوادي. وقياسا على غسل الإناء من ولوغ الكلب. وأوجب مالك والمزني ذلك ما وصلت إليه يده في الغسل، وعلى أعضاء الوضوء قياسا على التيمم. وجوابنا: أن الواجب إمرار التراب عليها، فإن لم يحصل إلا بإمرار اليد .. وجب لأجل ذلك، والماء يصل بدونه. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: (فإذا وجدت الماء .. فأمسه جلدك)، ولم يأمره بزيادة. قال: (ويثلث) أي: في الرأس والبدن قياسا على الوضوء، بل أولى؛ لأن الوضوء مبني على التخفيف. وشذ الماوردي فقال: لا يستحب التثليث إلا في الرأس فقط، وكلام الحليمي يوافقه. فلو كان ينغمس في ماء راكد .. انغمس ثلاثا، وإن كان جاريا .. فقياس ما ذكروه في غسلات الكلب: أن تمر عليه ثلاثة أزمنة لطيفة. قال: (وتتبع لحيض أثره مسكا)، كذلك النفاس أيضا، فتجعله في قطنة وتدخلها الفرج وهو المراد بـ (الأثر)، وهو بكسر الهمزة مع إسكان الثاء، وبفتح الهمزة والثاء معا، أي: أثر الحيض، فإن تركت ذلك .. كره؛ لما روى الشيخان [خ 314 – م 332] عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل عن الحيض فقال: (خذي فرصة من مسك فتطهري بها)، فقالت: كيف أتطهر بها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله – واستتر بثوبه – تطهري بها)، فاجتذبتها فعرفتها: أنها تتبع بها أثر الدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمرأة المذكورة أسماء بنت يزيد بن السكن، ووقع في (صحيح مسلم) [332] بنت شكل بالشين المعجمة واللام، وهو تصحيف بعد النسبة إلى الجد. و (الفرصة) مثلثة الفاء، وحكى أبو داوود [319] قرصة بالقاف، أي: شيئا يسيرا. وعن ابن قتيبة: قرضة بالقاف والضاد المعجمة. وعن أبي عبيد: فرصة من مسك، أي: قطعة من جلد تحك بها موضع الدم. و (المسك) فارسي معرب: الطيب المعروف، وكانت العرب تسميه: المشموم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه: (أطيب الطيب) رواه مسلم [2252] عن أبي سعيد الخدري. وهو مذكر، وأنثه جران العود في قوله: . .. ومن أردانها المسك تنفح وأول على: إرادة الرائحة. وقال المحاملي في (المقنع): كل موضع أصابه الدم تتبعه بالطيب. وهو شاذ لا يعرف لغيره. والصحيح أو الصواب: أن المقصود به تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة، لا سرعة العلوق، فلذلك كان الأصح: أنها تستعمله بعد الغسل. ويستحب للبكر والخلية وغيرهما. ومن علله بسرعة العلوق .. عكس ذلك.

وَإِلاَّ .. فَنَحْوَهُ. وَلاَ يُسَنُّ تّجْدِيدُهُ، بِخِلاَفِ الْوُضُوءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستثنى من ذلك المحرمة والمعتدة. قال: (وإلا .. فنحوه) أي: مما فيه حرارة كالقسط والأظفار ونحوهما. فإن لم تجد الطيب .. استعملت الطين بالنون؛ لأنه يقطع الرائحة، فإن فقدته .. اقتصرت على الماء. وعبارة (المحرر) تقتضي: التخيير بين المسك ونحوه. وعبارة (الكتاب) أحسن لتقديم المسك. وعبارة الأصحاب أولى لتصريحهم بالمسك، ثم الطيب، ثم الطين. قال: (ولا يسن تجديده) أي: الغسل؛ لأنه لم يؤثر عن السلف الصالحين، وكذلك التيمم على الصحيح فيهما. قال: (بخلاف الوضوء) فإنه يستحب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ على طهر .. كتب الله له عشر حسنات) رواه أبو داوود [63] والترمذي [512] وابن ماجه [59] وابن السكن، ولأنه كان في أول الإسلام يجب الوضوء لكل صلاة، فنسخ وجوبه وبقي أصل الطلب. والمصنف أطلق استحباب تجديده في هذا الباب تبعا للرافعي، وهو محمول على ما قيده في (باب النذر) من (الروضة) و (شرح المهذب) و (التحقيق): أنه لا يشرع إلا إذا صلى بالأول صلاة على الأصح. وقيل: إن صلى به فرضا. وقيل: إن فعل به ما يقصد له. وقيل: إذا فرق بينهما تفريقا كثيرا، فإن وصله بالأول .. كان في حكم غسله رابعة. وقيل: إن صلى بالأول، أو سجد لتلاوة أو شكر، أو قرأ القرآن في مصحف .. استحب، وإلا .. فلا.

وَيُسَنُّ أَنْ لاَ يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ، وَالْغُسْلِ عَنْ عَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصرحوا بكراهة التجديد إذا لم يؤد بالأول شيئا. قال: (ويسن أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد، والغسل عن صاع)؛ لما روى مسلم [326] عن سفينة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع). و (الصاع والمد) هنا: هما المذكوران في الزكاة، هذا هو المشهور. وقيل: (المد) هنا: رطلان، و (الصاع): ثمانية أرطال؛ لما روى البخاري [250] عن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، يقال له: الفرق)، وهو: إناء يسع ستة عشر رطلا. وأما (الفرق) بتسكين الراء .. فيسع مئة وعشرين رطلا، كذا نقله ابن الصباغ عن الشافعي رضي الله عنه. وأما ما روي: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءا لا يبل الثرى) .. فلا يعرف. و (المد والصاع) تقريب لا تحديد. وقال ابن عبد السلام: هو لمن حجم بدنه كحجم بدن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا اعتبر بالنسبة زيادة ونقصا، وهو حسن ووافقه في (الإقليد). والمحبوب: الاقتصار على ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي أقوام يستقلون هذا، فمن رغب في سنتي وتمسك بها .. بعث معي في حظيرة القدس). والحديث غريب، لكنه في بعض الأجزاء من رواية أم سعد. و (حظيرة القدس) بالظاء المشالة: الجنة.

وَلاَ حَدَّ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (ينقص) بفتح الياء وهو متعد، قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا}. و (ماء الوضوء) منصوب على أنه مفعول، والفاعل ضمير يعود على الشخص. و (المد) مذكر، وجمعه: أمداد، وقال بعضهم: مداد، وتأول عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله مداد كلماته)، والمشهور: مثل عددها. وهذا مثال يراد به التقريب؛ لأن الكلمات لا تدخل في الكيل والوزن، وإنما تدخل في العدد. قال الخطابي: سمي المد مدا؛ لأن اليد تمد به، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)؛ لأنهم كانوا أقل ما يتصدقون به عادة. و (الصاع) يذكر ويؤنث، ويقال أيضا: صوع وصواع. قال: (ولا حد له)، فلو نقص عما تقدم وأسبغ .. أجزأ؛ لما روى مسلم [321] عن عائشة قالت: (كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك). وفي (سنن أبي داوود) – بإسناد حسن – [95] عن أم عمارة الأنصارية: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مد). قال الشافعي رحمه الله: قد يرفق الفقيه بالقليل فيكفي، ويخرق الأخرق بالكثير فلا يكفي.

وَمَنْ بِهِ نَجَسٌ يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَلاَ تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ، وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: تَكْفِيهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الأخرق): القليل المعرفة بالأمور. لكن الإسراف في الماء مكروه على الأصح. وقال المتولي وصاحب (الإشراف): يحرم الإسراف. ومن سنن الغسل: استصحاب النية إلى آخره. وأن لا يغتسل في الماء الراكد لغير عذر، قليلا كان الماء أو كثيرا، ولو كان بئرا معينا، وكذلك يكره الوضوء فيه. ويسن أن يقول في آخره ما سبق في الوضوء. ويستحب أن يكون اغتساله بعد البول؛ لئلا يخرج بعده مني. وحكم الموالاة كالوضوء، ونبه عليه المصنف في (باب التيمم). قال: (ومن به نجس يغسله ثم يغتسل)؛ لأنه أبلغ في التطهير. و (النجس) بفتح الجيم: النجاسة. وعلى هذا: تقديم إزالة شرط لا ركن. قال: (ولا تكفي لهما غسلة، وكذا في الوضوء)؛ لأنهما واجبات لا تداخل فيهما، ولا خلف في زوال النجاسة. قال: (قلت: الأصح: تكفيه والله أعلم) كما لو اغتسلت من جنابة وحيض، ولأن واجبهما غسل العضو وقد حصل. والخلاف ينبني على أن الماء: هل له قوتان: قوة لدفع النجاسة، وقوة لرفع الحدث، أو قوة واحدة؟ إن قلنا: قوتان .. صح ما قاله المصنف. وإن قلنا: قوة واحدة – وهو الصحيح – اتجه ما قاله الرافعي، ولذلك اختاره الشيخ.

وَمَنِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ .. حَصَلاَ، اَوْ لِأَحَدِهِمَا .. حَصَلَ فَقَطْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة المسألة: أن لا تحول النجاسة بين الماء والبشرة، بل يزيلها الماء بمجرد الملاقاة، فإن انتفى أحد الأمرين .. لم يكف غسله قطعا؛ لأن الماء لا يصل إلى العضو إلا مستعملا أو نجسا. وسيأتي في (غسل الميت) ما يخالف هذا، فإنه جزم فيه، وفي (الروضة) بأن إزالة النجاسة قبله شرط، وكذا جزم به في صفة (غسل الجنابة) من (شرح مسلم). فرع: لو كان على يده طين أو عجين فغسلها بنية رفع الحدث .. لم يجزه. وإذا جرى الماء إلى موضع آخر .. لم يحسب عن الطهارة؛ لأنه مستعمل كذا نقله المصنف في (باب نية الوضوء) عن القاضي وأقره. قال: (ومن اغتسل لجنابة وجمعة .. حصلا) أي: على الصحيح، كما لو نوى عند دخول المسجد الفرض والتحية؛ اعتبارا بما نواه. وفي وجه غريب اختاره أبو سهل الصعلوكي: أنه لا يجزئ لواحد منهما، كمن نوى بصلاته الظهر والنفل. وعلى هذا: يفرق بينه وبين التحية بأنها تحصل ضمنا، وهنا كل واحد منهما مقصود. وستأتي الإشارة إلى هذا في أواخر (صلاة النفل). وقياس الصحيح: أنه لو جمع بين مندوبات وواجب في النية .. أجزأه غسل واحد، كما أشار إليه في (البحر) في (باب غسل الجمعة). وللمسألة نظائر تقدمت في (باب الوضوء). قال: (أو لأحدهما .. حصل فقط)؛ اعتبارا بما نواه. أما إذا نوى الجمعة .. فلا ترتفع الجنابة؛ لأن نيته لم تتضمنها، والجنابة أخص، والأخص لا يستلزمه الأعم، هذا هو الصحيح، وقيل: يحصلان، وقيل: لا يحصلان.

قُلْتُ: وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ .. كَفَى الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، واللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما إذا نوى الجنابة .. فلا يحصل غسل الجمعة في الأظهر؛ لأنه قربة مقصودة، فلم تندرج كسنة الظهر مع فرضه، وهذا هو الأصح عند المصنف تبعا (للمحرر)، ومقابله: أصح في (الشرح)؛ لأن مقصود الجمعة التنظيف وقد حصل. فعلى هذا: إذا نوى الجنابة ونفى الجمعة .. فالظاهر: عدم حصولها. قال: (قلت: ولو أحدث ثم أجنب أو عكسه .. كفى الغسل على المذهب والله أعلم) سواء نوى الفرض معه أم لم ينو، وسواء غسل أعضاء الوضوء مرتبة أم لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات، فإذا أنا قد طهرت) رواه ابن ماجه [575] وغيره عن جبير بن مطعم، ولم يفصل صلى الله عليه وسلم، مع أن الغالب أن الجنابة لا تتجرد عن الحدث، فتداخلتا كالجنابة والحيض، ولهذا عبر المصنف بقوله: (كفى). والثاني: إن نوى الوضوء معه .. كفى، وإلا فلا. والثالث: يكفي الغسل، لكن لا بد من مراعاة الترتيب في أعضاء الوضوء؛ لأنه لا يكون إلا مرتبا. والرابع: إن سبق الأصغر الأكبر .. فلا بد منهما، وإن انعكس الحال .. كفى الغسل. والخامس: عكسه. والسادس: إن كان سبب اجتماعهما الجماع .. كفى، وإلا فلا. وسكت المصنف عما إذا وقعا معا، كما إذا مس مع الإنزال، وحكمه كتقدم الحدث الأصغر. فرع: إذا أحدث في أثناء غسله .. جاز أن يتمه ولا يمنع الحدث صحته، لكن لا يصلي به حتى يتوضأ، كذا في زوائد (الروضة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمله في (المهمات) على صورة خاصة، وهي: ما إذا أحدث بغد فراغ أعضاء الوضوء. تتمة: لا يجوز الغسل بحضرة الناس إلا مستور العورة، ويجوز في الخلوة مكشوفها والستر أفضل. وينبغي للمغتسل من الإناء كالإبريق أن يتفطن لدقيقة وهي: أنه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء بالماء .. أن يغسله بعد ذلك بنية غسل الجنابة؛ لأنه إذا لم يغسله الآن .. ربما غفل عنه بعد ذلك فلا يصح غسله، ولو ذكره .. احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوؤه، أو إلى لف خرقة على يده. * * * خاتمة يباح للرجل دخول الحمام، وعيه غض بصره وصون عورته، فقد روي: (أن الرجل إذا دخل الحمام عاريا .. لعنه ملكاه). وروى النسائي [1/ 198] والحاكم ب1/ 162] عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر، وحرام على المرأة دخول الحمام إلا نفساء أو مريضة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وينهى عن كشفها وإن ظن أنه لا يرى، وأن لا يزيد في استعمال الماء على الحاجة ولا العادة. وأن يقدم رجله اليسرى داخلا واليمنى خارجا، ويسمي ثم يتعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم. ويدخل وقت الخلوة، ويكره قبيل المغرب، وبينها وبين العشاء؛ لأنه وقت انتشار الشياطين. وسيأتي في (الجزية) حكم دخول المرأة إلى الحمام. وقال في (الإحياء): (يستحب أن يعطي الأجرة قبل دخول الحمام، ويكره دخوله بين العشائين، وقريبا من المغرب؛ فإن ذلك وقت انتشار الشياطين، ولا بأس أن يدلك، فقد نقل ذلك عن يوسف بن أسباط وأوصى [قبل وفاته] أن يغسله واحد لم يكن من أصحابه، وقال: إنه دلكني في الحمام فأردت أن أكافئه بما يفرح به، وإنه يفرح بذلك). * * *

باب النجاسة

بَابُ النَّجَاسَةِ هِيَ: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب النجاسة هي في اللغة: كل مستقذر، وهو ضربان: ضرب: يدرك بالبصر، وضرب بالبصيرة، وهو الذي وصف الله تعالى به المشركين في قوله: {إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ}. وفي الشرع: كل عين حرم تناولها على الإطلاق في حالة الاختيار، مع إمكانه، لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها ببدن أو عقل. فخرج بـ (الإطلاق): ما يباح قليله كنبات هو سم. وبـ (الاختيار): الميتة ونحوها؛ فإنه يباح تناولها عند الاضطرار مع نجاستها في ذلك الوقت، حتى يجب على آكلها غسل فمه. وبـ (إمكان التناول): الحجر ونحوه من الأشياء الصلبة، ولا يحتاج إلى هذا القيد؛ لأن ما لا يمكن تناوله لا يوصف بتحريم ولا تحليل. وبقوله: (لا لحرمتها) الآدمي. وبـ (لا ضرر) فيها: الحشيش المسكر، والسم الطاهر الذي يضر قليله وكثيره، والتراب. وبـ (غير المستقذر): المني والمخاط. ثم ذكر المصنف غالب أنواعها: قال: (هي: كل مسكر مائع). (المسكر): المغطي للعقل، المغير للحال المعهودة في الصحو، ومنه سكر المال وسكر الشباب وسكر السلطان، ومنه قوله تعالى: {لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا}.

وَكَلْبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: حارت كما يحار السكران. والمسكر: الخمر، سميت بالمصدر. قال ابن عبد البر والشيخ أبو حامد: أجمعت الأمة على نجاسة الخمر؛ لأن الله تعالى سماه رجسا – وهو النجاسة – وقال: {فَاجْتَنِبُوهُ}. فأمر باجتنابه من كل وجه، وحرم تناوله، وحكم بنجاسته تأكيدا للزجر عنها، وتغليظا لنجاسة الكلب. وحكي عن ربيعة طهارته، ونقله المرعشي عن المزني، ولا يصح ذلك عنهما. وقيس النبيذ عليه بجامع الشدة المطربة. وفيه وفي الخمرة المحترمة والمثلث الذي يبيحه أبو حنيفة، والمستحيلة في باطن حبات العنقود وجه. والتقييد بالمائع من زياداته على (المحرر)، واحترز به عن البنج ونحوه من الحشيش المسكر؛ فإنه ليس بنجس وإن كان حراما. فإن أورد عليه الخمرة المنعقدة .. فالجواب: أن الحكم بنجاستها وهي مائعة باق، ولم يحدث ما يطهرها. قال: (وكلب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسل سبعا) رواه مسلم [279]. فدل على نجاسة سؤره. وإذا كان فمه نجسا .. فسائر أعضائه كذلك؛ لأن لعابه أطيب فضلاته. وصح عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بإراقة ما ولغ فيه، ولو لم يكن نجسا .. ما أمر به؛ لأنه نهى عن إضاعة المال. وروى أحمد [2/ 327] والدارقطني [1/ 63] والحاكم [1/ 183] عنه صلى الله عليه وسلم

وَخِنْزِيرٌ، وَفَرْعُهُمَا، وَمَيْتَةُ غَيْرِ الآدَمِيِّ وَالشِّمَكِ وَالْجَرَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه دعي إلى دار قوم فأجاب، ثم دعي إلى دار أخرى فلم يجب، فقيل له في ذلك، فقال: (إن في دار فلان كلبا)، قيل: وإن في دار فلان هرة، فقال: (الهرة ليست بنجسة). قال: (وخنزير)؛ لقوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ}. والمراد: جملته؛ لأن لحمه داخل في عموم الميتة، ولأنه أسوأ حالا من الكلب؛ فإنه يستحب قتله، ولا يجوز اقتناؤه إجماعا، بخلاف الكلب فإنه يقتنى في مواضع. وقال ابن المنذر: وأجمعوا على نجاسته، واعترض عليه بمخالفة مالك وأحمد. لا جرم قال المصنف: ليس لنا دليل على نجاسته، بل مقتضى المذهب: طهارته كالأسد والذئب والفار. و (خاء) الخنزير مكسورة، و (نونه) أصلية، وقيل: زائدة، ولم يذكر الجوهري سواه. قال: (وفرعهما) أي: فرع كل منهما تغليبا للنجاسة؛ لأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين. ولو قال: وفرع كل منهما – كما قال في المني – لكان أحسن. قال: (وميتة غير الآدمي والسمك والجراد)؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الخِنزِيرِ}، وتحريم ما ليس بمحترم ولا ضرر فيه .. يدل على نجاسته. ومراده بـ (الميتة): ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية؛ ليعم ما مات حتف أنفه، وما لا يؤكل إذا ذبح، وما يؤكل إذا اختل فيه شرط من شروط التذكية. وفي وجه ضعيف: أن ميتة الضفدع، وما لا نفس له سائلة .. طاهرة، ووجه: أن الجلد لا ينجس بالموت، وإنما الزهومة التي فيه تنجسه، فيدبغ لإزالتها كالثوب المتنجس. وحيث حكمنا بنجاسة الميتة .. ففي شعرها وصوفها ووبرها وريشها قولان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أظهرهما: القطع بنجاسته. والثاني: أنها طاهرة، إلا من الكلب والخنزير. وفي عظمها طريقان: أظهرهما: القطع بنجاسته. والثاني: على القولين في الشعر. واستثنى المصنف الآدمي؛ لأن الأظهر: طهارة ميتته، فإن الله تعالى كرم بني آدم، ومن تكريمهم أن لا يحكم بنجاستهم. وقبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون بعد موته، ودموعه تجري على خديه. وفي (الصحيحين) [خ 285 – م 371]: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن لا ينجس) زاد الحاكم [1/ 385]: (حيا ولا ميتا). والقول الثاني: أنه نجس كغيره من الميتات. وعلى هذا، إذا نشف بعد غسله بثوب .. لم يحكم بنجاسة الثوب، كذا في (جنائز) (الروضة) عن أبي إسحاق. ومقتضاه: أنه يطهر بالغسل – كما يقول أبو حنيفة – وبه أفتى البغوي، والمعروف خلافه. وخص القاضي أبو بكر في (الأحوذي) الخلاف بغير الشهيد. وميتة السمك والجراد طاهرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). وروى البيهقي [9/ 257] عن ابن عمر – والأصح وقفه عليه – أنه قال: (أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال)، ورفعه ابن ماجه [3314] والدارقطني [4/ 271].

وَدَمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (السمك): كل ما أكل من حيوان البحر، وإن لم يسم سمكا. و (الجراد): اسم جنس، واحدته جرادة، يطلق على الذكر والأنثى. وأورد الرافعي على حصر المستثنى في الأنواع الثلاثة: الجنين الذي يوجد في بطن المذكاة، فإنه طاهر حلال. وكذلك الصيد المنضغط. والبعير الناد والمتردي إذا ماتا بالسهم ونحوه. والجواب: أنها مذكاة بذكاة الأم وبالضغطة والطعنة. قال: (ودم)؛ لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ}. وفي (الصحيحين) [خ 306 – م 333]: (اغسلي عنك الدم وصلي). ولم يخالف فيه إلا بعض المتكلمين. وقيل: الدم المتحلب من الكبد والطحال طاهر. وقيل: لا دم للسمك، والمنفصل منه رطوبة تشبه الدم، ولهذا تبيض إذا تركت في الشمس، وبه قال أبو حنيفة. وعلى هذا .. هي طاهرة قطعا. ووقع في (الروضة): أن للجراد دما، والذي صرح به الأصحاب: أنه لا دم له. ولا يستثنى إلا الدم الباقي في اللحم وعظامه؛ لمشقة الاحتراز منه، ولأنه ليس بمسفوح، كذا صرح به جماعة من العلماء، ولم يذكره من أصحابنا سوى الثعلبي في تفسيره. ويدل له من السنة قول عائشة: (كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم، فيأكل ولا ينكره). واستثنى قوم المني إذا خرج دما، فإنه محكوم بطهارته. والجواب: أنه مني وإن كان أحمر كما تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدتان: الأولى: قال أبو جعفر الترمذي: دم النبي صلى الله عليه وسلم طاهر؛ لأن أبا طيبة – واسمه نافع، وقيل: ميسرة، وقيل: دينار – شربه. ومصه مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري يوم أحد وازدرده. وفعل مثل ذلك ابن الزبير وهو غلام حزروة حين أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دم محاجمه ليدفنه فشربه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم – كما قال لمالك -: (من خالط دمه دمي .. لم تمسه النار)، لكنه زاد لابن الزبير: (ويل لك من الناس، وويل للناس منك)، ذكره الدارقطني [1/ 228] وغيره. و (ويل): كلمة عذاب، و (ويح): كلمة رحمة، وقال اليزيدي: هما بمعنى واحد. وفي (شعب البيهقي) [6489] و (كامل ابن عدي) [2/ 64] عن بريه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، وقال له: (خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس)، قال: فذهبت فشربته، ثم سأني فأخبرته فضحك. الثانية: الدم معروف، وأصله دمي عند سيبويه، وعند المبرد وعند الجوهري دمو؛ لأن بعض العرب تقول في تثنيته: دموان، لكن الأكثر: دميان.

وَقَيْحٌ، وَقَيْئٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشاعر: فلو أنا على صخر ذبحنا .. .. جرى الدميان بالخبر اليقين يزعم العرب: أن المتباغضين إذا ذبحا .. لم يختلط دمهما. وتصغير الدم: دمي، وجمعه: دماء، والنسبة إليه: دمي، والدمة أخص من الدم. وسيأتي (دما): اسم جبل، يقال سمي بذلك؛ لأنه ليس من يوم إلا ويسفك عليه دم، كأنهما اسمان جعلا واحدا، وأنشد سيبويه [من السريع]: لما رأت شاتي دما استعبرت .. .. لله در اليوم من لامها قال: (وقيح)؛ لأنه دم مستحيل لا يخالطه دم. و (الصديد): الماء الرقيق الذي يخالطه الدم، وهو مثله في الحكم، وكذا ماء القروح والنفاطات إن تغيرت رائحته، وسيأتي في (شروط الصلاة). قال: (وقيء) من آدمي وغيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: (إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والمني والدم والقيء) رواه أحمد من حديث ثابت بن حماد والدارقطني [1/ 127] والبزار [1397]، لكن ثابت بن حماد أحاديثه مناكير. وفي وجه بعيد: إن لم يتغير .. فهو طاهر. فروع: الراجع من الطعام قبل وصوله إلى المعدة ليس بنجس. و (الجرة) – وهي: ما يخرجه البعير أو الشاة من الجوف إلى الفم للاجترار – نجسة.

وَرَوْثٌ، وَبَوْلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك المرة الصفراء وما فيها، ولا يجوز بيع خرزتها الصفراء التي توجد في بعض الأبقار. و (البلغم): النازل من الرأس طاهر، والصاعد من المعدة نجس، والمنقطع من أعلى الحلق والصدر فيه وجهان أصحهما: أنه طاهر. والماء الذي يسيل من فم النائم إن كن من المعدة .. فنجس ويعرف بصفرته ونتنه. وقيل: إن كانت الرأس على مخدة .. فمنها، وإلا فمن المعدة، فإذا عمت بلوى شخص به .. فقياس المذهب: العفو عنه. ولو أكلت البهيمة حبا وخرج من بطنها صحيحا، فإن كانت صلابته باقية بحيث لو زرع نبت .. فهو متنجس يطهر بالغسيل، وإن لم يكن كذلك .. فهو نجس. قال: (وروث)؛ لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم ألقى الروثة، وقال: (هذا ركس). وفي رواية البخاري: (رجس)، ومعناهما النجس. وفي روث السمك والجراد، وما ليس له نفس سائلة وجهان، الأصح: نجاسته. وينبني على ذلك جواز أكل الأسماك المملحة التي لم ينزع جوفها، كما سيأتي في (كتاب الأطعمة). فلو عمت البلوى بذرق الطيور، وتعذر الاحتراز عنها .. ففي (شرح المهذب): يعفى عنها. و (الروث) بالثاء المثلثة: الخارج من الآدمي وغيره، ولذلك كان التعبير به أحسن من تعبير (المحرر) بالعذرة، و (التنبيه) بالغائط؛ لأنهما خاصتان بالآدمي. قال: (وبول)؛ لما روى الشيخان [خ 218 – م 292]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين مر على القبرين: (أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) أي: لا يحترز منه.

وَمَذْيٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الدارقطني) [1/ 127]: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه). وفي (الصحيح) [خ 220]: (أنه صلى الله عليه وسلم صب على بول الأعرابي ذنوبا من ماء). فبول ما لا يؤكل لحمه نجس بالإجماع خلافا للأوزاعي، وكذلك بول ما يؤكل لحمه على الصحيح. وفي قول اختاره ابن المنذر وابن خزيمة والروياني: أن روث ما يؤكل، لحمه وبوله طاهران؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل، وطاف على بعير. والجواب: أن شرب الأبوال كان للتداوي، وهو جائز بالنجاسات غير الخمر، بل قال الشافعي: خبرهم منسوخ، وطوافه على البعير لا يدل على طهارة بوله، كما أن: (حمله أمامة في الصلاة) لا يدل على طهارة بولها. وأما بول الصبي الذي لم يطعم غير اللبن .. فنص الشافعي على نجاسته، ونقل ابن العربي وابن عبد البر وابن بطال عنه: أنه طاهر، مردود. والصحيح: أنه لا فرق في ذلك بين بول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الآدميين. وفي وجه – اختاره الشيخ وجماعة -: نعم؛ لأن بركة الحبشية شربت بوله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لن تلج النار بطنك)، صححه الدارقطني، وحمله الأكثرون على التداوي. قال (ومذي)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسله في حديث علي.

وَوَدْيٌ، وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الآدَمِيِّ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو ماء أبيض رقيق يخرج لا بشهوة قوية، ولا دفق، ولا يعقبه فتور، وهو في الغالب يكون عند الملاعبة ونحوها، وهو بالذال المعجمة وفيه ثلاث لغات: أفصحها: إسكان الذال. وثانيها: كسرها مع تشديد الياء. وثالثها: كسرها مع تخفيف الياء كشح وعم. قال: (وودي) بالإجماع، ولأنه يخرج من مجرى البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة، أو عند حمل شيء ثقيل، ويخرج قطرة أو قطرتين، وهو أبيض كدر ثخين يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة، ولا رائحة له، وهو بإسكان الدال المهملة وتخفيف الياء، وقيل: بتشديد الياء، وقيل: بالمعجمة، وهما شاذان. قال: (وكذا مني غير الآدمي في الأصح. قلت: الأصح: طهارة مني غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما والله أعلم). المني على ثلاثة أقسام: مني الآدمي طاهر على المذهب، رجلا كان أو امرأة؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه، رواه مسلم [288]، ولو كان نجسا .. ما اكتفى فيه بالفرك، ولأنه لا يليق بالآدمي نجاسة أصله. وقيل: نجس يكفي فيه الفرك. ومني الكلب والخنزير وفرع أحدهما نجس بالاتفاق. ومني غيرهما من الحيوانات الأكولة وغيرها فيه ثلاثة أوجه: أصحها عند الرافعي: النجاسة للاستحالة، وإنما حكم بطهارته من الآدمي تكريما له، وليس غيره في معناه. وأصحها عند المصنف وغيره: الطهارة، واختاره الشيخ؛ لأنه خارج من حيوان

وَلَبَنُ مَا لاَ يُؤْكَلُ غَيْرَ الآدمِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ طاهر يخلق منه مثل أصله، فكان طاهرا كالبيض. وثالثها: طاهر من المأكول، نجس من غيره، كاللبن. قال: (ولبن ما لا يؤكل)؛ لأنه عصارته، ولبن المأكول طاهر بالنص والإجماع. ولبن الكلب والخنزير وفرع أحدهما نجس بالاتفاق. وإذا ولدت الفرس بغلا .. فلبنها طاهر حلال، قال البغوي. قال: (غير الآدمي) أي: الأنثى الحية فإن لبنها طاهر على المنصوص؛ إذ لا يليق بكرامته أن يكون نشوءه على الشيء النجس. وقيل: نجس يحل شربه للضرورة، لكن يستثنى من إطلاقه لبن الميتة فالمشهور: نجاسته. ولبن الرجل المشهور: طهارته، لكن جزم ابن الصباغ في (الشامل) في (كتاب الرضاع) بنجاسته. وقال الصيمري: طاهر لا يجوز بيعه لامتناع شربه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الحاوي الصغير): لبن البشر يمكن حمله على العموم. وقال ابن يونس وصاحب (البيان) في (الرضاع): لبن الصغيرة كبنت ثماني سنين نجس. والمصرح به في (شرح الكفاية) للصيمري وغيره: أنه طاهر. فروع: بيض المأكول طاهر كلبنه، وغير المأكول نجس على الأصح. والأصح: طهارة بزر القز، وهو أصل دوده. ولو ماتت ذات بيض وهو في جوفها .. ففيه أوجه: ثالثها: الأصح أن البيضة إن تصلبت قشرتها .. فهي طاهرة، وإلا فنجسة. ولو وضعت هذه البيضة تحت طائر آخر فصارت فرخا .. كان طاهرا قطعا. ولو ذبحت الدجاجة .. حل ما في جوفها منه، تصلب أم لا كالجنين. وإذا مذرت البيضة واختلطت صفرتها بالبياض .. فهي طاهرة كاللحم إذا نتن، فإن استحالت وصارت دما .. فالأصح: نجاستها. ووقع في (التنقيح) هنا: تصحيح طهارتها، وكأنه سبق قلم. يقال: مذرت البيضة بالذل المعجمة، إذا فسدت. وفي الحديث: (شر النساء المذرة الوذرة)، أي: الفاسدة التي لا تستحي عند الجماع. و (الزباد) طاهر يجوز بيعه؛ لأنه عرق سنور بري. وفي (البحر) و (الحاوي): أنه لبن سنور بحري، وهو وهم. وينبغي الاحتراز عما فيه من شعره؛ لأن الأصح: نجاسته. واختلفوا في العنبر: فمنهم من قال: إنه نجس؛ لأنه مستخرج من بطن دويبة لا يؤكل لحمها. ومنهم من قال: إنه طاهر؛ لأنه ينبت في البحر ويلفظه.

وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنَ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فال: (والجزء المنفصل من الحي كميتته) أي: كميتة ذلة الحي؛ لأن الحياة قد زالت منه. وروى الترمذي [1480] وأبو داوود [2852] عن أبي واقد الليثي قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يجبون أسمنة الإبل، ويقطعون أليات الغنم، فقال: (ما يقطع من البهيمة وهي حية .. فهو ميت)، وهو حديث حسن عليه العمل عند أهل العلم. ونقل ابن المنذر عليه الإجماع. ومخل الخلاف في المنفصل في الحياة. أما المنفصل بعد الموت .. فحكمه حكم ميتته بلا شك. وأفهمت عبارة المصنف: طهارة مشيمة الآدمي، والعضو المبان منه ومن السمك والجراد. قال الرافعي: وهو المذهب الصحيح. قال في (المهمات): والذي قاله صحيح في السمك والجراد، وأما في المشيمة وجزء الآدمي .. فالمنصوص الذي عليه الجمهور: نجاسة ذلك. وقال القاضي أبو الطيب: اليد المقطوعة في السرقة نجسه بالاتفاق. فرعان: أحدهما: المسك طاهر بالإجماع؛ ففي (الصحيحين) [خ 271 – م 1190] عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمله). وفي نافجته طريقان: أصحهما: أنها إن انفصلت بعد موتها .. فنجسة كاللبن. وفي وجه بعيد: طاهرة كالبيض المتصلب. وإن انفصلت في حياتها .. فطاهرة؛ لأنها تنفصل بالطبع فأشبهت الجنين، ولأنها لو كانت نجسة .. لنجست ما فيها. وقال في (محاسن الشريعة): كون المسك فيها يفيدها معنى الجفاف كالدباغ.

إِلاَّ شَعْرَ الْمَاكُولِ؛ فَطَاهِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلفوا في محلها من الظبية: فقيل: إنها تخرج من جانبها كالسلعة، فتحتك حتى تلقيها. وقيل: تكون في جوفها كالإنفحة، فتلقيها كالبيضة. وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب (حياة الحيوان). الثاني: الإنفحة طاهرة على الأصح، وهي: لبن يستحيل في جوف السخلة. ولطهارتها شرطان: أن تكون من مذكاة. وأن يكون الحيوان الذي أخذت منه لم يطعم غير اللبن، فإن أكل غيره .. فهي نجسة قطعا، وحينئذ لا تسمى إنفحة بل كرشا، ويجيء فيها القول المتقدم في روث الحيوان المأكول. قال: (إلا شعر المأكول؛ فطاهر)، وكذا صوفه ووبره؛ لقوله تعالى: {ومِنْ أَصْوَافِهَا وأَوْبَارِهَا وأَشْعَارِهَا أَثَاثًا ومَتَاعًا إلَى حِينٍ}. ومحل الوفاق إذا قص في حال الحياة، فإن تناثر أو نتف .. فالأصح: طهارته أيضا، وقيل: نجس، وقيل: المتناثر طاهر، والمنتتف نجس. والريش في معنى الشعر، واحترز المصنف عن شعر ما لا يؤكل لحمه كالحمار، فإنه إذا أبين .. نجس على المشهور. والقرن والظفر والظلف والسن إذا انفصلت في حال الحياة .. فالأصح: نجاستها؛ لأن الحياة تحلها فتنجس بالموت. والأصح: طهارة شعر الآدمي كميتته. ومن رآى شعرا لم يعلم حكمه، فإن علمه من مأكول .. فطاهر، أو من غيره ..

وَلَيْسَتِ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ بِنَجَسٍ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فنجس، وإن شك .. فالأصح: الطهارة. لكن يرد على المصنف الشعر الكائن على العضو المبان من الحي المأكول؛ فإنه نجس على الأصح في (الرافعي)، وأسقطه من (الروضة). والوسخ المنفصل من الآدمي في الحمام وغيره عند المتولي والروياني كميتته؛ لأنه متولد من البشرة. وقل في (التحقيق): قياس المذهب: أنه كعرقه. وقال في (المطلب): الذي يظهر أن الوسخ مركب من عرق وغبار، فيكون طاهرا قطعا. قال: (وليست العلقة والمضغة ورطوبة الفرج بنجس في الأصح). أما العلقة والمضغة .. فلأنهما أصل الآدمي، وليسا دما مسفوحا فأشبها منيه. وأما رطوبة الفرج – وهي: ماء أبيض يخرج من قعر الرحم متردد بين المذي والعرق – فكانت طاهرة كالعرق. وقيل: إنها نجسة، ووجهه في العلقة: أنه دم خارج من الرحم فأشبه الحيض، وفي المضغة: أنها كميتة الآدمي وهي نجسة على مقالة سبق بيانها، وفي رطوبة الفرج: لأنها متولدة من محل نجس. وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا جامع .. هل يلزمه غسل ذكره، وما أصابه من الرطوبة أو لا؟ وكذا غسل ظاهر البيض من الدجاج ونحوه. وأما الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة .. فلا يجب غسله إجماعا، ولا يأتي فيه هذا الخلاف؛ لأن (المؤمن لا ينجس). وإنما قال: (رطوبة الفرج)؛ ليشمل الآدمي وغيره، فهي أشمل من تعبير (المحرر) و (الروضة) و (التنبيه) و (المهذب) بفرج المرأة. و (العلقة) بفتح العين واللام: القطعة اليسيرة من الدم الغليظ، سميت بذلك؛ لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه. قال الماوردي: وإذا جفت .. لم تكن علقة.

وَلاَ يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ إِلاَّ خَمْرٌ تَخَلَّلَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المضغة): العلقة تستحيل قطعة لحم. سميت بذلك لصغرها؛ لأنها بقدر ما يمضغ. و (النجس) هنا بفتح الجيم. فروع: الزرع النابت على نجاسة طاهر العين، ويطهر ظاهره بالغسل وإذا سنبل .. فحبه طاهر بلا غسل، وكذا القثاء ونحوه، وأغصان شجرة سقيت بماء نجس، وثمرها. وقال الحليمي: إذا خرج من الإنسان ريح وكانت ثوبه مبلولة .. تنجست، وإن كانت يابسة .. فلا. قال: وكذا دخان كل نجاسة أصابت شيئا رطبا، كما إذا دخل إصطبلا راثت فيه دواب وتصاعد دخانه، فإن أصاب رطبا .. نجسه. قال: (ولا يطهر نجس العين) أي: بالغسل، ولا بالاستحالة كالكلب ونحوه إذا وقع في الملاحة فصار ملحا، أو احترق نجس العين فصار رمادا .. لم يطهر على المذهب الصحيح. واحترز عن المتنجس كالثوب وغيره؛ فإنه يطهر بالغسل، إلا ما سيأتي في المائع. قال: (إلا خمر تخللت) أي: بنفسها، سواء كانت محترمة أو غير محترمة؛ لأن النجاسة والتحريم إنما كانا لأجل الإسكار وقد زال. وروى البيهقي [6/ 37]: أن عمر رضي الله عنه خطب فقال: (لا يحل خل من خمر أفسدت، حتى يبدل الله إفسادها). وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (خير خلكم خل خمركم). ونقل القاضي عبد الوهاب [المالكي] في ذلك بالإجماع.

وَكَذَا إِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إِلَى ظِلٍّ وَعَكْسُهُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى غيره عن سحنون: أنها لا تطهر، وسواء كانت لمسلم أو ذمي. ولا بأس أن يشترى من أهل الذمة خل لم يتعمدوا إفساده؛ لقوله تعالى: {وطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}. و (الخمر) مؤنثة، وتذكر على ضعف، ويقال في لغة قليلة: خمره بالهاء. سميت بذلك؛ لتخميرها العقل، أي: تغطيتها إياه. وهي حقيقة في المعتصر من ماء العنب، ولا تطلق على غيره إلا مجازا. وأفادت عبارة المصنف: أن النبيذ لا يطهر بالتخليل، وبه صرح القاضي أبو الطيب في (كتاب الرهن)، لكن ذكر البغوي: أنه لو ألقى الماء في عصير العنب حالة عصره .. لم يضر بلا خلاف، واختاره الشيخ، قال: وعلى هذا .. ليس لنا خل متفق على طهارته، إلا إذا صفي من عناقيده قبل التخمر بحيث يبقى مائعا خالصا. وحيث طهرت الخمرة .. طهر ظرفها، حتى ما أصابه الخمر من أعاليه حال الغليان. وقال الداركي: إن كان الظرف لا يتشرب شيئا .. طهر، وإن كان يتشرب منه .. لم يطهر. وشرط كونها تطهر بالانقلاب: أن لا تلاقيها نجاسة غير معفو عنها، كما سيأتي بيانه. قال: (وكذا إن نقلت من شمس إلى ظل وعكسه في الأصح) سواء قصد به التخليل أم لا، وسواء المحترمة وغيرها؛ لأن سبب التنجيس وهو الإكسار قد زال ولم يخلفه سبب آخر. والثاني: لا؛ لأن إمساكها لذلك محرم، وسيأتي بيانه في المسألة التي بعدها. ويجري الوجهان فيما لو فتح رأس الدن للهواء استعجالا للحموضة. وقال الحليمي: العصير يصير خلا من غير تخمير في ثلاث صور: إذا صب في الظرف الضاري بالخل، وإذا ملئ الظرف وشد رأسه، وإذا صب على العصير خلا.

فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ .. فَلاَ. وَجِلْدٌ نَجِسَ بِالْمَوْتِ، فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ ظَاهِرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيصير في هذه الصور خلا من غير تخمير. قال: (فإن خللت بطرح شيء .. فلا). أشار إلى أن تخليل الخمر بطرح شيء فيها كالبصل أو الملح أو الخبز الحار ونحوه .. حرام، والخل الحاصل منه نجس؛ لما روى مسلم [1983] عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر: تتخذ خلا؟ فقال: (لا). وفي (سنن أبي داوود) [3667] – بإسناد صحيح – عن أبي طلحة: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يخللها، فقال: (أهرقها). ولأنه استعجل الخل بفعل محرم فعوقب بنقيض قصده، كما لو قتل مورثه، أو نفر صيدا من الحرم إلى الحل وأراد أخذه. وقيل: لأن المطروح ينجس بالملاقاة فيكون منجسا للخل بعد الانقلاب، وهذا أصح التعليلين، حتى لو وقع في الخمر أو العصير نجاسة .. لم تطهر. وأفسد الإمام هذا التعليل، بأن الخمر إذا انقلبت فمن ضرورة ذلك انقلاب تلك الأجزاء التي لاقت المطروح، سواء ألقي ذلك قصدا أو اتفاقا على الأصح، فلو قال: بوقوع شيء .. كان أشمل. ويجوز إمساك ظروف الخمر والانتفاع بها واستعمالها إذا غسلت، وإمساك المحترمة لتصير خلا، وغير المحترمة يجب إراقتها، فلو لم يرقها فتخللت .. طهرت على الصحيح. قال: (وجلد نجس بالموت، فيطهر بدبغه ظاهره)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إيما إهاب دبغ .. فقد طهر)) رواه مسلم [366]. وفيه [363] وفي (البخاري) [1492]: (هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه فانتفعتم به).

وكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا باطنه على المشهور)؛ لظاهر الخبرين المذكورين. وأما حديث ابن عكيم: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب). فمعلول بالإرسال وغيره، وإن صح .. فمحمول على الانتفاع قبل الدباغ؛ إذ هو قبله إهاب وبعده أديم وسختيان. والثاني: لا يطهر باطنه؛ لأن الأشياء الحريفية لا تصل إليه. وهو ضعيف؛ لأن خاصيتها تصل بواسطة الماء ورطوبة الجلد. فعلى هذا: لا يباع، ويصلى عليه لا فيه، ويستعمل في الأشياء الجافة دون الرطبة. وعلى المشهور .. يجوز جميع ذلك. ويجوز أكله إن كان من مأكول اللحم دون غيره. والقديم: المنع، ونقله في (الروضة) عن الأكثرين. واحترز المصنف بقوله: (نجس بالموت) عن جلد الكلب والخنزير، فإنه لا يطهر بالدباغ؛ لأنه يصيره كما كان حيا، والحياة لا تفيدهما الطهارة فالدبغ أولى. وقال أبو حنيفة: يطهرهما الدباغ؛ لعموم الأخبار. ولم يخصه بالمعنى مع اتفاقنا على جواز التخصيص به. وإذا قلنا بتحريم أكل الجلالة .. طهر جلدها بالدباغ بلا شك، مع أنه لم ينجس بالموت. فرع: لو كان في الجلد شعر .. لم يطهر على الأصح المنصوص؛ لأن الشعر لا يتأثر بالدباغ.

وَالدَّبْعُ: نَزْعُ فُضُولِهِ بِحِرِّيفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا: يعفى عن القليل الباقي على الجلد. والثاني: يطهر الشعر تبعا للجلد، وهذا رواية الربيع الجيزي عن الشافعي، ولم ينقل عنه في (المهذب) سوى هذه المسألة. وصحح هذا الإستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والروياني وابن أبي عصرون، واختاره الشيخ؛ لأن الصحابة في زمن عمر قسموا الفرى المغنومة من الفرس، وهي ذبائح مجوس. وفي (صحيح مسلم) [366] عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني قال: رأيت على ابن وعلة السبائي فروا فمسسته، فقال: ما لك تمسه؟ قد سألت ابن عباس قلت له: إنا نكون بالمغرب ومعنا البربر والمجوس، نؤتى بالكبش قد ذبحوه، ونحن لا نأكل ذبائحهم، ويأتونا بالسقاء يجعلون فيه الودك؟ فقال ابن عباس: قد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: (دباغه طهوره). قال الشيخ: فهذا نص في المسألة، وهذا الذي أختاره وأفتي به، والذي صححه الجمهور خلاف الحديث. قال: (والدبغ: نزع فضوله)، وهي: مائيته ورطوباته التي يفسده بقاؤها، ويطيبه نزعها، بحيث لو نقع في الماء .. لم يعد إلى الفساد والنتن. ثم يحتمل أن يريد: مقصود الدبغ نزع الفضول، ويحتمل أن يريد: أن نفس الدبغ نزع الفضول. قال: (بحريف) أي: طاهر أو نجس أو متنجس على الصحيح، كالشب والشث والقرظ والعفص وقشور الرمان، وذرق الحمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أليس في الماء والقرظ ما يطهرها)، وفي رواية: (يطهرها الماء والقرظ) رواه أبو داوود [4123] وغيره بإسناد حسن. وفي وجه: لا يجوز بالنجس. وقيل: يختص بالشب والقرظ؛ لأنه رخصة والشارع نص عليهما.

لاَ شَمْسٍ وَتُرَابٍ، وَلاَ يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَنْنَائِهِ فِي الأَصَحِّ. وَالْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ. وَمَا نَجِسِ بِمُلاَقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ .. غُسِلَ سَبْعاً إِحْدَاهَا بِتُرَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الشب) بالباء الموحدة: من جواهر الأرض، معروف يشبه الزاج. وأما الشث بالثاء المثلثة .. فشجر مر الطعم، طيب الريح، يدبغ به أيضا. قال: (لا شمس وتراب)، فلا يكفي التجفيف بهما وإن طابت رائحته؛ لأن الفضلات لم تزل وإنما جمدت، ولذلك إذا نقع في الماء .. عادت إليه العفونة، وقيل: يكفي أحدهما لحصول الطيب ظاهرأ. وقال القاضي أبو الطيب: يرجع فيه لأهل الخبرة، فإن قالوا: إن التراب والرماد يفعلان فعل القرظ .. اكتفي بهما، وإلا فلا. قال: (ولا يجب ماء في أثناءه في الأصح)؛ لعموم: (أيما إهاب دبغ .. فقد طهر). والثاني: يجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (يطهرها الماء والقرظ). وعلى هذا .. لا يضر كون الماء متغيرا بالأدوية التي لا بد منها، ولهذا أتى المصنف بـ (ماء) منكرا، وفي الاكتفاء بالماء النجس وجهان. قال: (والمدبوغ كثوب نجس) أي: متنجس، فلا بد من غسله بماء طهور نقي من الأدوية؛ لأن أجزاء الأدوية قد تنجست بملاقاة الجلد والتصقت به. وقيل: لا يجب غسله إذا كان الدباغ بشيء طاهر؛ لأن طهارته تتعلق بالاستحالة وقد حصلت، فطهر كالخمر إذا استحالت. ولا يفتقر الدبغ إلى فعل، فلو وقع الجلد في المدبغة فزالت فضوله .. طهر. قال: (وما نجس بملاقاة شيء من كلب) سواء في ذلك لعابه وبوله، وسائر رطوباته وأجزائه الجافة، إذا لاقت رطبا .. قال: (.. غسل سبعا إحداها بالتراب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلب في إناء أحدكم .. فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). وفي رواية: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه، أن يغسل سبعا أولاهن بالتراب)، رواه مسلم [279]، وفي رواية: (وعفروه الثامنة بالتراب). وإنما سميت ثامنة؛ لأجل استعمال التراب معها فأطلق الغسل على التعفير مجازا. وفي رواية صحيحة: (أولاهن)، وفي أخرى: (أخراهن)، فنص على اللعاب وألحق به ما سواه؛ لأن لعابه أشرف فضلاته. وإذا ثبتت نجاسته .. فشعره وعرقه وبوله وروثه أولى بالنجاسة. وفي وجه: أن غير لعابه كسائر النجاسات اقتصارا على محل النص؛ لخروجه عن القياس. وأورد بعض الحنفية علينا: أنا لم نحمل المطلق على المقيد هنا. والجواب: أن هذا مقيد بقيدين، ومن أصلنا: أن المقيد بقيدين يبقى على إطلاقه، لكن نص الشافعي في (البويطي) على أنه: لا يجزئ التراب إلا في الأولى أو الأخيرة. وجزم به المرعشي في (ترتيب الأقسام). ويستحب أن يجعل التراب في غير الأخيرة. فروع: إذا ولغت كلاب في إناء .. كفى سبع للجميع. وقيل: لكل واحد سبع.

وَالأَظْهَرُ: تَعَيُّنُ التُّرَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: إن تكرر من كلب .. كفى سبع، أو من كلاب .. فلكل سبع. وإذا جرى الماء على العين المتنجسة سبعا .. كفى وأجزأ عن التعفير إن كان كدرا، وكذا لو حركها سبعا في الماء الراكد كما تقدم. ولو لم تزل عين النجاسة الكلبية إلا بست .. صحح المصنف أن الجميع واحدة. وقيل: تحسب ستا، وهو ظاهر ما في (الشرح الصغير). ولو أكل لحم كلب .. نص الشافعي على أنه: يغسل فمه سبعا ويغفره، وأنه يكفي في قبله ودبره – من أجل البول والغائط – مرة واحدة. ولو وقعت في الإناء بعد الولوغ نجاسة .. كفى السبع بلا خلاف، قاله ابن الرفعة. وفيه وجه في (الشرح الصغير): أنه يغسله من تلك النجاسة، ثم يغسله من نجاسة الكلب. وما ولغ فيه الكلب، هل تجب إراقته أو يندب؟ فيه وجهان أصحهما: الثاني، وحديث الأمر بإراقته محمول على من أراد استعماله. وإذا أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء، فإن خرج فمه جافا .. لم يحكم بنجاسته، وكذا إن خرج رطبا في أصح الوجهين، عملا بالأصل، ورطوبته يحتمل أنها لعابه. ولو ولغ في ماء قليل، فصب عليه ما كثير حتى بلغ قلتين .. طهر الماء على المشهور، وكذا الإناء على الأصح. قال: (والأظهر: تعين التراب)؛ لأنه تطهير نص فيه على التراب، فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم. والثاني: يقوم مقامه ما في معناه، كالاستنجاء والدباغ. فعلى هذا .. يكفي الصابون والأشنان وكل مزيل. وصححه المصنف في (رؤوس المسائل). ورد بأنه: لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يبطله.

- وَأَنَّ الْخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ – وَلاَ يَكْفْي تُرَابٌ نَجِسٌ، وَلاَ مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: يقوم مقامه عند عدم التراب للضرورة، ولا يقوم عند وجوده. وقيل: يقوم مقامه فيما يفسده التراب كالثياب، دون ما لا يفسده كالأواني. وقيل: تقوم الغسلة الثامنة مقام التراب. قال: (وأن الخنزير ككلب)؛ لأنه حيوان نجس العين، بل الخنزير أولى بذلك؛ لأنه أسوأ حالا من الكلب كما تقدم. والقديم – واختاره في (شرح المهذب) -: أنه يكفي غسله مرة بلا تراب كسائر النجاسات. قال: (ولا يكفي تراب نجس)، كما لا يجوز التيمم به، ولأن النجس لا يزيل نجاسة، وهو بناء على أن العلة: الجمع بين نوعي الطهارة. والثاني: يجوز كالدباغ بالشيء النجس، وبهذا قال أبو بكر الضبعي، واتفق له في ذلك مع أمته ما هو مشهور عنهما، فقال لها: أنت أفقه مني. ومقتضى العلة الأولى: منعه بالمستعمل إذا منعنا التيمم به، ويكون قد روعي في ذلك اجتماع طهورين. قال الشيخ: ولم أر من صرح به انتهى. وقد صبح به الكمال سلار شيخ المصنف في تعليقه على (التنبيه). ومقتضاه: جوازه بالرمل الذي له غبار إذا جوزنا التيمم به. قال: (ولا ممزوج بمائع في الأصح)؛ لتنصيص الحديث على أنه: يغسله سبعا، والمراد: من الماء؛ بدليل أنه: لا خلاف أنه لا يجزئ الخل في غير مرة التراب. والثاني: يكفي التراب الممزوج بالمائع؛ لأن المقصود من تلك الغسلة إنما هو التراب والاستعانة به في قلع النجاسة، فأشبه الدباغ. واقتضى إطلاق الكتاب أنه: لو غسله سبعا بالماء، ثم بتراب مزج بمائع ..

وَمَا نَجِسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ .. نُضِحَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكفي، وبه صرح المصنف في (شرح الوسيط). نعم؛ لو مزج التراب بالمائع أولا، ثم استعمله مع الماء .. جاز قطعا، كما نبه عليه ابن الصلاح في (مشكله). ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا أصابت نجاسة أرضا تربة. فإن قلنا: يكفي التراب النجس .. لم يجب التعفير، وإلا وجب، لكن الأصح هنا: أنه لا يجب؛ لأنه لا معنى للتعفير، وهو مشكل على ما تقدم من اشتراط طهارة التراب. ولا يكفي ذر التراب على المحل، بل لا بد من مزجه بالماء. والواجب من التراب مقدار ما يكدر الماء، ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل. وقيل: ما ينطلق عليه الاسم، حكاه الماوردي. قال: (وما نجس ببول صبي لم يطعم غير لبن .. نضح)؛ لما روى الشيخان [خ 223 – م 287] عن أم قيس بنت محصن الأسدية: (أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله). وروى الترمذي [610] والحاكم [1/ 165] عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية). فهي والخنثى يغسل من بولهما كالكبير. وفي قول أن الجارية ملحقة بالغلام؛ لقول الشافعي: ولا يتبين لي فرق بينهما، ومراده: لا يتبين فرق من جهة المعنى وإن فرقت السنة بينهما. وبهذا يظهر ضعف ما فرق به الأصحاب من أن بول الصبية ثخين أصفر منتن يلتصق بالمحل، بخلاف الصبي. وأقوى ما قيل في ذلك: أن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث فيكثر حمل

وَمَا نَجِسَ بِغَيْرِهِمَا؛ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ .. كَفَى جَرْيُ الْمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكور، فناسب التخفيف الكتفاء بالنضح؛ دفعا للحرج والعسر، بخلاف الإناث فإن هذا المعنى قليل فيهن، فيجري على القياس في غسل النجاسة. ومنهم من فرق بما رواه ابن ماجه [525] عن أبي اليمان المصري قال: سألت الشافعي عن ذلك، فقال: إن الله لما خلق آدم .. خلقت حواء من ضلعه القصير، فصار بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم. والمراد بـ (لم يطعم): لم يستقل به، بحيث يصير له غذاء كالخبز ونحوه. وقيل: لم يطعم شيئا غير اللبن أصلا. أما تحنيك الصبي بالتمر والعسل .. فإنه لا يمنع من النضح قطعا، وكذلك السفوف ونحوه من الأدوية والأشربة التي يداوى بها. وشرب اللبن بعد الحولين بمنزلة الطعام والشراب، ولهذا يغسل من بول الأعراب الذين لا يتناولون إلا اللبن. و (النضح): الرش، يقال: نصحته أنصحه بالكسر. و (النضخ) بالخاء المعجمة أكثر منه بالمهملة. ولا بد من النضح من إيراد الماء على جميع المحل، ويشترط مع ذلك المغالبة والمكاثرة في أصح الوجهين، ولا يشترط جريان الماء وتقاطره؛ فإن ذلك غسل. قال: (وما نجس بغيرهما) أي: بغير نجاسة الكلب وبول الصبي (إن لم تكن عين .. كفى جري الماء). وهذه النجاسة ليست مغلظة ولا مخففة، بل هي متوسطة، وهي: حكمية وعينية. فـ (الحكمية): التي لا تشاهد بالبصر، ولا يدرك لها طعم ولا لون ولا رائحة، كالبول إذا جف وخفي أثره. و (العينية): نقيض ذلك، وكلاهما يطهر بجري الماء سواء كان قلتين أو أقل؛

وَإِنْ كَانَتْ .. وَجَبَ إِزَالَةُ الطَّعْمِ، وَلاَ يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ عَسُرَ زَوَالُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن ذا الخويصرة بال في المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه، رواه البخاري [221]. فلو لم يكن مطهرا له .. لم يأمر به؛ لأن صب الماء حينئذ يزيد النجاسة. وعبارة المصنف أحسن من قول (المحرر): إجراء الماء؛ لأنه لا فرق بين إجرائه، وجريه بنفسه كمطر أو سيل. والمراد بـ (الجري): وصول الماء إلى المحل بحيث يسيل عنه زائدا على التضح. نعم صرح الجرجاني في (البلغة) باستحباب كون الماء سبعة أمثال الخمر والبول. قال: (وإن كانت .. وجب إزالة الطعم)، أي: إذا كانت النجاسة عينية .. وجب بعد إزالة العين إزالة الطعم وإن عسر وشق؛ لأنه يدل على بقاء النجاسة. ويظهر تصوير ذلك بما إذا دميت لثته؛ لأن ذوق المحل لاختباره لا يجوز. قال: (ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله)، كلون دم الحيض والخضاب النجس في البدن، ورائحة الخمر العتيقة، وبعض أنواع العذرة للضرورة؛ لما روي عن خولة بنت يسار قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض، فال: (اغسليه)، فقلت: أغسله فيبقى أثره، فقال: (يكفيك ولا يضرك أثره) رواه أحمد [2/ 380] وأبو داوود [365] والبيهقي [2/ 408] والطبراني [طب 24/ 241]، لكن في روايته ابن لهيعة وهو ضعيف. وتعبير المصنف بـ (لا يضر) يفهم: أن المحل لا يطهر، بل يعفى عنه كأثر الاستنجاء ودم البراغيث، وهو الذي أبداه الرافعي احتمالا. والذي عليه الأكثرون: القول بالطهارة؛ لأنه لو كان معفوا عنه .. لتنجس الثوب المبلول إذا أصابه، وهنا لا ينجس بإصابة البلل. وقد روت عائشة رضي الله عنها: أن نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألنه عن دم الحيض يصيب الثوب ويبقى فيه لون الدم بعد الغسل، فقال: (الطخنه بزعفران)، كذا استدل به الرافعي، وهو غريب.

وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ. قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا مَعاً .. ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ، واللهُ أَعْلَمُ. ويُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي الريح قول)، وقيل: وجه، كما لو بقي اللون الذي تسهل إزالته أو الطعم .. فإنه تجب إزالته بلا خلاف، ولأن بقاء الريح يدل على بقاء العين. قال: (قلت: فإن بقيا معا .. ضر على الصحيح والله أعلم)؛ لقوة دلالتهما على بقاء العين. والثاني: لا يضر؛ لأنهما مغتفران مفردين، فاغتفرا مجتمعين. هذا إذا كانا في محل واحد، فإن بقيا متفرقين .. لم يضر. وإذا توقفت الإزالة على الأشنان أو الحت أو القرص .. وجب كما جزم به في (التحقيق)، وإن لم يتوقف زوال الأثر عليه .. استحب فعله للخروج من خلاف داوود؛ فإنه أوجبه لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (حتيه). ولو صبغ يده بصبغ نجس، أو خضب يده أو شعره بحناء نجس، بأن خلط ببول أو خمر أو دم، وغسله فزالت وبقي اللون .. فهو طاهر على الأصح. قال: (ويشترط ورود الماء)، بأن يضع الثوب النجس في شيء ويصب عليه الماء، فلو أورد الثوب النجس على الماء القليل تنجس الماء ولم يطهر الثوب. وقال ابن سيرج: يطهر، فلم يفرق بين الوارد والمورود. ويدل للمذهب قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه .. فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا)، نهى عن إيرادهما على الماء، وأمر بإيراد الماء عليهما، قدل على الفرق بينهما. ووافق ابن سريج على أنه: إذا ألقت الريح ثوبا نجسا في ماء قليل .. أن الماء ننجس ولا يطهر الثوب. فقيل: إن ذلك لاشتراطه النية في إزالة النجاسة، ووافقه أبو سهل الصعلوكي.

لاَ الْعَصْرُ فِي الأَصَحِّ. وَالأَظْهَرُ: طَهَارَةُ غُسَالَةٍ تَنْفَصِلُ بِلاَ تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهَرَ الْمَحَلُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمذهب: أنها لا تشترط، وادعى الماوردي الإجماع عليه. وحكى ابن الصلاح وجها ثالثا: أنها إن كانت في البدن .. اشترطت، وإلا .. فلا. قال: (لا العصر في الأصح) أي: فيما يمكن عصره؛ لعموم الأحاديث المتقدمة، ولأن الأصح: طهارة الغسالة كما سيأتي. والثاني: يشترط العصر، بناء على أن الغسالة نجسة. وعلى هذا: يقوم مقامه الجفاف على الأصح. ووجهوا وجوب العصر بأن الماء الباقي نجس. واستشكل ابن الصلاح الحكم عليه بالنجاسة قبل الانفصال، فلو عصره وبقيت رطوبة .. فهو طاهر بلا خلاف. قال في (المهمات): وأطلق الشيخان الخلاف في العصر. ومحله: إذا صب الماء عليه في إجانة ونحوها وبقيا معا. فأما لو صب عليه وهو في يده فجرى عليه .. فلا حاجة إلى العصر. قال: (والأظهر: طهارة غسالة تنفصل بلا تغير وقد طهر المحل)؛ لأن البلل الباقي في المحل بعض المنفصل فكان له حكمه. فعلى هذا: يكون المنفصل طاهرا غير طهور؛ لأنه مستعمل في الخبث. وإن لم يطهر المحل .. فالغسالة نجسة؛ لأنها بعض المتصل، والمتصل نجس. والقول الثاني – وهو القديم، واختاره الشيخ -: أن الغسالة طاهرة مطلقا. أما بعد طهارة المحل .. فلأنها لو كانت نجسة .. لكان البلل الباقي في المحل نجسا، وأدى إلى أن لا يطهر الثوب أبدا. وأما قبل طهارة المحل .. فلأنا جعلنا للوارد قوة فلا يتأثر بالنجاسة، والبلل الباقي

وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ .. تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ، وَقِيلَ: يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ في الثوب مع النجاسة ليس بنجس وإن كان مجاورا للنجاسة. قال: وأما جعل حكم الغسالة كحكم المحل فلا دليل عليه. وقال الإمام والغزالي: إن زاد وزن الغسالة .. كانت نجسة. وقضية إطلاق الجمهور: أنه لا فرق. وإذا انفصلت الغسالة متغيرة .. فالمحل باق على نجاسته على الأصح، والغسالة نجسة قطعا. ومحل الخلاف: في المستعمل في واجب الإزالة، أما المستعمل في مندوبها كالغسلة الثانية والثالثة .. فطاهر طهور في الأصح، والثاني: كالمستعمل في واجب. وفيما إذا لم يزد وزنها، فإن زاد .. فالأصح: القطع بالنجاسة. وفي الماء القليل، فلو كانت الغسالة قلتين .. فطاهرة قطعا مطهرة على المذهب. قال: (ولو تنجس مائع .. تعذر تطهيره) أما غير الأدهان كالخل والعسل .. فبلا خلاف؛ إذ لا يمكن انفصال النجاسة عنه. وأما الأدهان .. فلأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن، فقال: (إن كان جامدا .. فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا .. فلا تقربوه) رواه أبو داوود [3838]، وصححه ابن حبان [1392]. ولو كان تطهيره بالغسل جائزا .. لأرشدهم إليه ولم يأمر باجتناب المائع ولا بإلقاء ما حولها في الجامد، وهو: الذي إذا أخذ منه جزء لم يتراد من الباقي ما يملأ موضعه عن قرب، فإن تراد .. فمائع. قال: (وقيل: يطهر الدهن بغسله)؛ قياسا على الثوب، وذلك بأن يجعله في إناء ويصب عليه الماء، ثم يحركه ليصل الماء إلى جميع أجزائه، فيعلو الدهن ويفتح أسفله حتى يخرج الماء. وقيل: السمن لا يطهر، ويطهر ما عداه. ومخل الخلاف: فيما إذا تنجس الدهن ببول أو خمر ونحوهما مما لا دهنية فيه، فإن كان المنجس له ودك كدهن الميتة .. لم يطهر بلا خلاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: نص الشافعي رضي الله عنه في آخر (باب صلاة الخوف) على أن: السيف إذا أحمي بالنار، ووضع عليه سم نجس، ثم غسل بالماء .. طهر؛ لأن الطهارات على ما يظهر لا على الأجواف. وللأصحاب رحمهم الله تعالى في هذه المسألة وجهان، هذا أصحهما عند المصنف. والثاني: تتوقف طهارة باطنها على سقيا ثانيا بماء طهور، وبه أجاب القاضي والمتولي. والمصنف صحح في الآخر: أنه إذا غسل .. طهر ظاهره وباطنه إن كان رخوا، وإن كان صلبا .. طهر ظاهره فقط إلا أن يدق حتى يصير ترابا ثم يفاض عليه الماء، ولا وجه إلا تسوية الحكمين. ولو طبخ اللحم بماء نجس .. تنجس باطنه وظاهره، وفي كيفية طهارته وجهان: أحدهما: يغسل ثم يعصر كالبساط. والثاني: يشترط أن يغلى بماء طهور، واختار الشاشي الاكتفاء بالغسل، وهو المنصوص. * * * خاتمة قال في (الكفاية): اتفقوا على أنه لا يمكن تطهير الزئبق، وفصل في (الروضة) بين ما ينقطع وغيره، وبهذا التفصيل قال أبو علي السنجي والمحاملي والبغوي وغيرهم. وتطهر الأرض المتنجسة بالمكاثرة بالماء. وقال أبو حنيفة: إذا يبست .. طهرت؛ لما رواه أبو داوود [385] عن ابن عمر أنه قال: (كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت شابا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عزبا، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك). قال الخطابي: الحديث صحيح، ولكنه يحمل على أن الكلاب كانت تبول في مواطنها، وتقبل وتدبر في المسجد، وفي هذا التأويل نظر؛ لأن آخر الحديث يرده. وقيل: يشترط في تطهير الأرض نضوب الماء. وقيل: يشترط سبعة أمثال البول. وقيل: لبول كل رجل دلو. والوجهان منصوصان في (الأم)، فهما قولان. وعن الشيخ أبي محمد: لا يطهر البئر إلا بالطم ثم تحفر. وفي القديم قول: أن الأرض النجسة تطهر بزوال أثر النجاسة بالشمس والريح ومرور الزمن. * * *

باب التيمم

بَابُ التَّيَمُّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب التيمم وهو أحسن من ترجمته في (الروضة) و (المحرر) بـ (كتاب التيمم)؛ لأنه من جملة (كتاب الطهارة). وهو في اللغة: القصد. ومنه قوله تعالى: {ولا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ}. وقال الشاعر [المثقب العبدي، من الوافر]: فما أدري إذا يممت أرضا .. .. أريد الخير أيهما يليني ألخير الذي أنا أبتغيه .. .. أم الشر الذي هو يبتغيني قال عمرو بن العاصي مخاطبا عمارة بن الوليد [من الطويل]: إذا المرء لم يترك طعاما يحبه .. .. ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما قضى وطرا منه وغادر سبة .. .. إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما ثم نقله إلى مسح الوجه واليدين بالتراب، بدلا عن الوضوء أو الغسل، أو عوضا منهما مع النية بشرائط مخصوصة. والأصل فيه قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُم مِّنْهُ}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)، متفق عليه [خ 335 - م 521]. وانعقد الإجماع على مشروعيته، وعلى أنه خصيصة لهذه الأمة. والأكثرون على أنه فرض سنة ست من الهجرة النبوية. والمعروف أنه رخصة.

يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ لِأَسْبَابٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الكفاية) وجه: أنه عزيمة، وفي (المستصفى): أنه لعدم الماء عزيمة، ومع وجوده لمانع – كمرض ونحوه – رخصة. وفائدة الخلاف تظهر في وجوب القضاء على من سافر سفر معصية، وفي جواز التيمم بالتراب المغصوب كما سيأتي. قال: (يتيمم المحدث والجنب)؛ لقوله تعالى: {وإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وإن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. وفي (الصحيحين) [خ 347 – م 368] عن عمار بن ياسر قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت ولم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا)، ثم ضرت بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه. والإجماع منعقد على أن المحدث والجنب يتيممان، وكذلك ذات الحيض والنفاس أو الولادة، والمأمور بغسل مسنون، وكذلك الميت ييمم. فلو حذف المصنف لفظة (الجنب) .. لشمل الجميع، لكنه إنما خصهما بالذكر؛ لأنهما محل النص في القرآن. واحترز بهما عن المتنجس؛ فإنه لا يتيمم عند العجز لعدم وروده. وعن القديم: أنه يمسح محل النجاسة بالتراب. قال (لأسباب)، هي: جمع سبب، وهو: ما يتوصل به إلى غيره.

أَحَدُهَا: فَقْدُ الْمَاءِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ .. تَيَمَّمَ بِلاَ طَلَبٍ، وَإِنْ تَوَهَّمَهُ .. طَلَبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمبيح للتيمم في الحقيقة شيء واحد، وهو العجز عن استعمال الماء. وللعجز أسباب فلو قال: (لواحد من أسباب) .. كان أحسن. قال: (أحدها: فقد الماء)؛ للآية الكريمة والسنة. ويكفي في ذلك الظن، والحاضر كالمسافر على المشهور. وفي معنى فقده بعده، وخوف طريقه، والاحتياج إليه، أو إلى ثمنه، أو زيادة ثمنه كما سيأتي. وقال ابن درباس شارح (المهذب) – واسمه عثمان بن عيسى، ووفاته سنة اثنين وست مئة -: إذا لم يجد إلا الماء المشمس .. يعدل إلى التيمم. والفقد الشرعي كالحسي، فلا يتوضأ بماء سبل للشرب، كما لا يكتحل منه بقطرة؛ لأنه لم يبح لذلك. وشملت عبارته من نام في المسجد، فأجنب ولم يمكنه الخروج .. فإنه يجوز له المكث فيه، ويجب أن يتيمم إن وجد غير تراب المسجد كما تقدم. لكن أطلقوا: أنه لا يجوز التيمم بتراب الغير وهو مشكلة؛ لأنه يؤدي إلى أنه إذا مر بأراضي القرى الموقوفة أو المملوكة .. لا يجوز التيمم بترابها، وفيه بعد والمسامحة بذلك مجزوم بها عرفا، فلا ينبغي أن يشك في جوازه بها. قال: (فإن تيقن المسافر فقده .. تيمم بلا طلب)؛ لأن طلب ما علم عدمه عبث، كما إذا كان في بعض رمال البوادي ونحوها. وقيل: لا بد من الطلب؛ لأنه لا يقال لمن لم يطلب: لم يجد، وهو بعيد وإن كان هو الأوفق لإطلاق العراقيين. قال: (وإن توهمه) أي: توهم وجود الماء، أو كان يظن عدمه ظنا قويا. و (الوهم): من خطرات القلب، والجمع أوهام. قال: (.. طلبه) أي: وجوبا؛ لأن التيمم طهارة ضرورة، ولا ضرورة مع الإمكان.

مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وله طلبه بوكيله الموثوق به، وخالف طلب القبلة حيث لا يجوز أن يفوضه إلى غيره؛ لأن أمرها خفي ومبناها على الاجتهاد، فلا يقوم اجتهاد غيره مقام اجتهاده، والماء معاين مشاهد. فلو أخبره فاسق: أن الماء في مكان معين .. لم يعتمده. وإن أخبره: أنه ليس فيه ماء .. اعتمده؛ لأن العدم هو الأصل بخلاف الوجدان، قاله الماوردي والروياني. وقيل: يتعين أن يطلبه بنفسه إذا قدر، فلو طلب غيره بغير إذنه .. لم يكف بلا خلاف. ولا يصح التيمم قبل الطلب؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}. ولا يقال: لم يجد إلا إذا طلب. وفيه وجه ضعيف أو غلط: أن ظن العدم كاليقين، أما الشاك .. فلا بد من طلبه قطعا. وشرط الطلب وقوعه في الوقت؛ لأنه لا ضرورة قبله، فلو طالب مع الشك في الوقت .. لم يصح ولو صادف الوقت. ولو طلب أول الوقت وأخر التيمم إلى آخره .. جاز إذا لم يحدث سبب يحتمل معه وجود الماء. قال: (من رحله) أي: إن لم يتحقق العدم فيه. و (الرحل): منزل الرجل وما يستصحبه من الأثاث، ويجمع في الكثرة على رحال، وفي القلة على أرحل. قال: (ورفقته)، فيستوعبهم إذا كثروا، إلا أن يضيق الوقت عن تلك الصلاة، وقيل: عن ركعة، وقيل: يستوعبهم وإن خرج الوقت. ولا يجب أن يطلب من كل واحد بعينه وإن قلوا، بل ينادي: من معه ماء، حتى يبلغ جميعهم.

وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إِنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَرَدُّدٍ .. تَرَدِّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ .. تَيَمَّمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الرفقة) مثلث الراء. سموا بذلك؛ لارتفاق بعضهم ببعض. وسيأتي تحقيق ذلك في قول المصنف (ولو مآلا). قال: (ونظر حواليه إن كان بمستو)، فينظر يمينا وشمالا، وخلفا وأماما، ويخص مواضع الخضرة والطير بمزيد احتياط، ولا يلزمه المشي. وقيل: يمشي قدر غلوة سهم من كل جانب، وهو ضعيف. قال: (فإن احتاج إلى تردد .. تردد قدر نظره)، بأن يكون على ربوة أو في منخفض، فيجب التردد لتحصل له الثقة، وذلك بأن ينتهي إلى ما يصل إليه نظره لو لم يتردد. وقد ضبطه الإمام بحد الغوث، وهو: الموضع الذي لو انتهى إليه واستغاث بالرفقة .. لم يبعد غوثهم عنه مع تشاغلهم بأحوالهم، وتبع الغزالي وغيره الإمام في ذلك. وقال الرافعي: ليس في كلام الأصحاب ما يخالفه. وادعى المصنف: أن كلام الأصحاب يخالفه. واختار الشيخ مقالة الإمام، وحمل إطلاق الأصحاب على ما إذا كان الموضع مستويا، أو كانت تلحقه مشقة بالتردد. ثم قال: فقول الكتاب: (قدر نظره): إن أراد به: سواء لحقه الغوث أم لا .. فهو مخالف لكلام الإمام، بل لكلام الأصحاب كلهم. وإن أراد به: ضبط محل الغوث الذي أراده الإمام .. فهو كذلك في الغالب؛ لأن الموضع الذي ينتهي النظر إليه يدركه الغوث .. فيه غالبا. فلو فرضنا أن نظره يقصر عن حد الغوث .. فالذي ينبغي إيجاب الوصول إليه. فلو بعث النازلون واحدا يطلب لهم .. أجزأ عن الجميع. قال: (فإن لم يجد .. تيمم)؛ لحصول العجز، وهذا لا خلاف فيه؛ لأن عدم الوجدان يتحقق بذلك.

فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ .. فَالأَصَحُّ: وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ. فَلَوْ عَلِمَ مَاءً يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ .. وَجَبَ قَصْدُهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو مكث موضعه .. فالأصح: وجوب الطلب لما يطرأ)؛ لعموم الأمر به؛ لكن يكون الطلب الثاني أخف من الأول. والثاني: لا؛ لأنه لو كان هناك ماء .. لظفر به بالطلب الأول. ومحل ذكره: ما إذا لم يحدث ما يوهم ماء ولو على بعد، فلو انتقل أو طلع ركب أو أطبق غيم .. وجب الطلب جزما. قال: (فلو علم ماء يصله المسافر لحاجته)، وهو: ما ينتشر النازلون إليه لاحتطاب ورعي ونحوهما. وهذه الحالة هي المسماة بحد القرب، وهي أزيد من حد الغوث المتقدم. وقال محمد بن يحيى: إنه يقرب من نصف فرسخ. قال: (.. وجب قصده)؛ لأن السعي لحاجة العبادة أهم من السعي لحاجة الدنيا، وهذا الموضع يختلف بحسب الصيف والشتاء، وبالوعورة والسهولة ونحو ذلك، فيعتبر الوسط المعتدل. قال: (إن لم يخف ضرر نفس أو مال)، فإذا خاف على نفسه أو عضوه من سبع أو عدو، أو على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق، أو كان في سفينة وخاف لو استقى من البحر الغرق .. فله التيمم؛ لقوله تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. والمصنف هنا وفي (صلاة الجماعة) نكر النفس والمال؛ ليشمل مال الطالب ومال غيره من أهله ورفقائه وغيرهم، وهو حسن. لكن يرد عليه: ما إذا كان المال الذي يخاف عليه مقدارا يجب بذله في تحصيل الماء أو أجرته؛ فإن الطلب لا يسقط عنه، كما صرح به في (شرح المهذب) في موضع، وخالفه في آخر منه. ويشترط أيضا أن لا يخاف انقطاعه عن رفقة يضره التخلف عنهم، وكذا إن لم

فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ .. تَيَمَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يضره في الأصح؛ لما يلحقه من الوحشة، غير أنهم لم يبيحوا ترك الجمعة بسبب الوحشة، بل شرطوا خوف الضرر، ولعل الفرق: تكرر الطهارة في كل يوم. فائدة: (المال): ما تملكته من جميع الأشياء، وأكثر ما يطلق عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم. قال سيبويه: من شاذ الإمالة إمالة المال، والجمع أموال، وتصغيره مويل. وفي (حلية الأولياء): عن سفيان الثورة أنه قال: سمي المال مالا؛ لأنه يميل القلوب. قال المصنف: وهذا مناسب في المعنى؛ لكنه ليس مشتقا من ذلك فإن عين المال واو، و (الإمالة): من الميل بالياء، وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية. و (نهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال) قيل: أراد به الحيران. وقيل: إضاعته: إنفاقه في الحرام والمعاصي، وما لا يحبه الله عز وجل. وقيل: (أراد به التبذير والإسراف. قال: (فإن كان فوق ذلك .. تيمم)؛ لأن ابن عمر أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد .. تيمم وصلى العصر، فقيل له: أتتيمم وجدران المدينة تنظر إليك؟ فقال: أو أحيى حتى أدخلها؟ ثم دخل المدينة والشمس حية مرتفعة ولم يعد الصلاة، رواه الشافعي [شم 1/ 20] بإسناد صحيح. وإذا جاز التيمم في حق من يعلم الانتهاء إلى الماء في صوب سفره .. فأولى أن يجوز للنازل في بعض المراحل إذا كان الماء عن يمينه أو يساره؛ لزيادة مشقة السير لو سعى إليه، وإذا جاز التيمم للنازل .. فهو للسائر أجوز.

وَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ .. فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، أَوْ ظَنَّهُ .. فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا في المسافر، أما المقيم .. فيجب عليه أن يشتغل بتحصيل الماء إذا تيقنه مطلقا، ولو خرج الوقت؛ لأن صلاة المقيم لا يسقط قضاؤها بالتيمم، وفي (التهذيب) وجه: أن المقيم يتيمم ويصلي لحرمة الوقت. قال: (ولو تيقنه آخر الوقت). ينبغي أن يقرأ بـ (الفاء)؛ لأنه تفريع على جواز التيمم إذا أمكن الوصول إليه في آخر الوقت. قال: (.. فانتظاره أفضل)؛ لأن الصلاة في أول وقتها فضيلة، والطهارة بالماء فريضة، فكان انتظار الفريضة أولى، ولأن التقديم مستحب، والوضوء من حيث الجملة فرض فثوابه أكبر. والمصنف أطلق الحكم كما أطلقه الجهور، وقيده الماوردي بما إذا تيقن وجوده في غير منزله، فإن تيقنه آخر الوقت في منزله الذي هو فيه في أول الوقت .. وجب التأخير. وفي (التتمة) وجه: أن تقديمها بالتيمم أفضل؛ خوفا من الموت، وبه جزم في (الإحياء) و (الخلاصة)، وبه قطع الجويني في (مختصره)، فليس هو شاذا كما قاله المصنف. قال: (أو ظنه .. فتعجيل التيمم أفضل في الأظهر)؛ لأن فضيلة التقديم محققة، وفضيلة الوضوء موهومة. والثاني – وهو مذهب الأئمة الثلاثة -: أن التأخير أفضل؛ لأن تأخير الظهر عند شدة الحر مأمور به؛ محافظة على الخشوع المستحب، فالتأخير لإدراك الوضوء المفروض أولى، ويجريان في راجي القيام وراجي السترة والشفاء من حدث دائم آخر الوقت. وسيأتي في (الجمعة): أن من أمكن زوال عذره .. يندب له التأخير، وهو يشكل بما صححوه هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وموضع القولين، إذا أراد الاقتصار على صلاة واحدة، فإن صلى بالتيمم أول الوقت وبالوضوء مرة أخرى .. فهو النهاية في إحراز الفضيلة. ولو شك فلم يترجح عنده وجود الماء ولا عدمه .. فطريقان: أصحهما: على القولين كالظن. والثاني: الجزم بأن التقديم أفضل. ولو توهمه على ندور .. كان التقديم أفضل جزما. ولو تعارض أول الوقت والجماعة .. فسيأتي حكمه في مسألة الإبراد بالظهر. ونظير المسألة: إذا أراد المصلي التأخير لحيازة فضيلة الجماعة، فإن تيقنها .. فالتأخير أفضل، وإن ظنها .. فوجهان. والتحقيق: أن التقديم أفضل إن فحش التأخير، وإلا .. فالتأخير أفضل. وإذا علم أنه إن قصد الصف الأول تفوته الركعة .. قال المصنف: الذي أراه تحصيل الصف الأول، إلا في الركعة الأخيرة فتحصيلها أولى. وإذ ضاق الوقت عن سنن الصلاة، وكان بحيث لو أتى بها لم يدرك الركعة، ولو اقتصر على الواجب لأوقع الجميع في الوقت .. ففي (فتاوى البغوي): أن السنن التي تجبر بالسجود يأتي بها، وما عداها فيها احتمالان. ومنها: إذا كان المسافر بحيث لو غسل كل عضو ثلاثا لم يكفه الماء .. غسل مرة مرة. وإذا كان الإتيان بآداب الوضوء يفوت الجماعة .. فلحاق الجماعة أولى. فرع: ازدحم مسافرون على بئر لا يمكن أن يستقي منها إلا واحد بعد واحد، أو عراة على ثوب واحد، أو جماعة على مكان واحد لا يصلي فيه قائما إلا واحد، وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد خروج الوقت .. صلى في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا على المذهب.

وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لاَ يَكْفِيهِ .. فَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ، وَيَكُونُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ، وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو وجد ماء لا يكفيه .. فالأظهر: وجوب استعماله)؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، وهذا واجد. وفي (الصحيحين) [خ 7288 – م 1337]: (إذا أمرتكم بأمر .. فأتوا منه ما استطعتم). والثاني: يقتصر على التيمم؛ لأن في الجمع بينهما جمعا بين بدل ومبدل، فكان كمن وجد بعض الرقبة في الكفارة، وهذا قول أكثر العلماء. والخلاف جار فيما إذا وجد ثمن بعض ما يكفيه. قيل: ويجريان في بعض ما يكفيه من التراب، والأصح: القطع بوجوب استعماله. ولفظة (ماء) في كلام المصنف ممدودة لا موصولة؛ لأن المحدث إذا وجد ما يصلح للمسح كثلج .. لا يجب عليه استعماله على المذهب. قال: (ويكون قبل التيمم)؛ لئلا يكون متيمما ومعه ماء، فإن كان في الوضوء .. استعمله في وجهه ثم يديه على الترتيب بلا خلاف، وإن كان في الغسل .. تخير؛ لأنه لا ترتيب فيه، لكن يندب أن يبدأ بالرأس؛ لأن البداءة بها أفضل. قال: (ويجب شراءه بثمن ماله)، ويلزمه صرف ذلك من أي نوع كان من أمواله، كما يلزمه شراء: الرقبة للكفارة، والطعام للمجاعة. والأصح: أن المعتبر في ثمن المثل تلك الحالة التي هو فيها زمانا ومكانا، من غير انتهاء الأمر إلى حالة الاضطرار؛ فإن الشربة تشترى وقتئذ بدنانير، ويبعد في الرخص إيجاب ذلك على المسافر. وقيل: يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات. وقيل: أجره نقله إلى موضع الشراء، أخذا من أن: الماء لا يملك. فإن زاد على ثمن المثل .. ندب شراؤه. وآلات الاستقاء: كالدلو والرشاء إذا بيعت أو أجرت .. يجب تحصيلها إذا لم تزد

إَلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ لِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرٍ، أَوْ نَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على ثمن مثلها، قال الرافعي: كذا قالوه. ولو قيل: يجب التحصيل ما لم تجاوز الزيادة ثمن الماء .. كان حسنا. ويجب شراء التراب إذا وجده يباع بثمن المثل. و (الشراء) يمد فيكتب بالألف، ويقصر فيكتب بالياء، وجمعه أشرية. و (المؤنة): مهموزة وغير مهموزة. مهمة: في زوائد (الروضة): أن الجنب أو المحدث إذا كان على بدنه نجاسة ووجد ماء يكفي أحدهما .. تعين أن يغسل به النجاسة ثم يتيمم، فلو تيمم ثم غسل النجاسة .. جاز، والصواب: ما قاله في (باب الاستنجاء): أنه لا يصح التيمم قبل غسل النجاسة. قال: (إلا أن يحتاج إليه) أي: إلى ثمن الماء (لدين مستغرق، أو مؤنة سفر، أو نفقة حيوان محترم)؛ لأن هذه الأمور لا بدل لها، بخلاف الماء. وأطلق الدين ليعلم: أنه لا فرق بين الحال والمؤجل. ومؤنة السفر بينها في (كتاب الحج)، وفي نفقة الإياب للغريب وجه كما هناك. ونكر السفر ليعم سفر الطاعة والمباح، ولا فرق بين أن يريده في الحال أو بعد ذلك، ولا بين نفسه وغيره من مملوكه وزوجته ورقيقه ونحوهم ممن يخاف انقطاعهم وهو ظاهر، بخلاف الدين فإنه لا بد أن يكون عليه؛ فإنه لا يجب عليه أداء دين الغير. ودخل في نفقة الحيوان نفسه ورقيقه ودوابه، سواء فيه الكفار والمسلمون. وخرج بـ (المحترم): الحربي والمرتد والزاني المحصن وتارك الصلاة والكلب العقور، وأما غير العقور مما لا ينتفع به .. فنص الشافعي على جواز قتله. وفرض المسألة في (شرح المهذب) فيمن تلزمه نفقته. وطاهر عبارته هنا: أنه لا فرق بين أن يكون له أو لغيره – كما سيأتي في العطش –

وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ أَوْ أُعِيرَ دَلْواً .. وَجَبَ الْقَبُولُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن فيده في (الروضة) و (أصلها) بكونه معه، وعبارة الكتاب تشير إليه؛ لأن ما ليس معه لا يحتاج إليه. وسكت المصنف وغيره ههنا عن اعتبار المسكن والخادم، والظاهر: اعتبارهما. فروع: وجد الماء بثمن مؤجل، وزيد بسبب الأجل ما يليق به .. وجب شراؤه في الأصح. وإذا كان له مال غائب، وكان الأجل ممتدا إلى أن يصل إلى بلد ماله .. يلزمه شراؤه؛ لأنه ثمن مثله، وكذلك لو وجد ثوبا قدر على بله وعصره، أو على شده في الدلو، أو على شقه وإيصال بعضه ببعض ليصل .. فإنه يجب بشرط أن لا يزيد نقصانه على أكثر الأمرين. وإذا لم يكن له مال غائب .. لا يلزمه الشراء بالنسيئة بلا خلاف، بخلاف ما إذا وجد حرة ترضى بمؤجل لا يجوز له نكاح الأمة على وجه؛ لما فيه من إرقاق الولد. ولا يلزمه أن يشتري لمملوكه الماء في السفر، ويجب أن يشتري له ساتر العورة. قال: (ولو وهب له ماء أو أعير دلوا .. وجب القبول في الأصح)؛ لأنه يعد واجدا والمنة فيه لا تعظم للمسامحة به غالبا، لكن لو عبر بـ (بذل) كان أعم ليشمل ما لو أقرض الماء؛ فإن الأصح: لزوم قبوله، كل هذا إذا بذل له في الوقت، فإن كان قبله .. لم يجب قبوله. والثاني: لا يجب عليه قبول هبة الماء مطلقا؛ لأنه نوع اكتساب ولا يجب كاكتساب ثمن الماء. وعلى هذا .. لا يجب قبول العارية إذا زادت قيمة المستعار على ثمن مثل الماء؛ لأنها قد تتلف فيضمنها. وموضع الخلاف: إذا لم يمكن تحصيل ذلك بشراء ونحوه. وعلى الأصح .. يجب طلب اتهابه واستعارته واستقراضه، فلو خالف عند وجوب القبول وتيمم .. لم يصح.

وَلَوْ وُهِبَ ثَمَنَهُ .. فَلاَ. وَلَوْ نَسِيَهُ فَي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ فَتَيَمَّمَ .. قَضَى فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (وهب له)، هي لغة القرآن، ويقال أيضا: وهبت منه وجاءت بها أحاديث كثيرة، ومثله: بعت له ومنه. فروع: معه ماء يصلح للطهارة فأتلفه قبل الوقت أو بعده لغرض – كشرب أو غسل ثوب أو تبرد – فلا إعادة عليه قطعا، وكذا إذا أتلفه بلا غرض على الأصح. ولو وهب الماء – في الوقت – أو باعه من غير حاجة .. فالأصح: بطلانهما؛ لعدم القدرة على التسليم شرعا، وهذا يشكل على ما لو وجبت عليه كفارة وهو يملك عبدا فباعه أو وهبه، أو طولب بديون فباع أو وهب ما يملكه .. فإن ذلك يصح كما جزم به في (شرح المهذب)، مع أن التيمم له بدل. قال الأصحاب: وإذا قلنا: لا تصح هبته هذا الماء، فتلف في يد الموهوب له .. فلا ضمان عليه على المذهب؛ لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، والهبة الصحيحة لا ضمان فيها. قال: (ولو وهب ثمنه) أي: ثمن الماء أو الدلو (.. فلا) بالاتفاق لعظم المنة، هذا إذا كان الواهب أجنبيا، وكذا إن كان أبا أو ابنا على الصحيح. وقيل: لا؛ إذ لا منة فيه. قال: (ولو نسيه في رحله)، وكذا إن نسي ثمنه في الأصح، وينبغي جريانه في نسيان آلة الاستقاء عند الحاجة إليها. قال: (أو أضله فيه)، بأن كان يعلم أنه فيه، ولكن جهل مكانه. قال: (فلم يجده بعد الطلب فتيمم .. قضى في الأظهر)؛ لتقصيره في صورة النسيان، ولندور الضلال في مثل ذلك. والثاني: لا قضاء؛ لأنه في النسيان معذور، وفي الضلال بعد الإمعان غير مفرط.

وَلَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فَي رِحَالٍ .. فَلاَ. الثَّانِي: أَنْ يَحْتَاجَ إَلَيْهِ لِعَطَشِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ مَآلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ والخلاف في مسألة النسيان قول قديم معلل بأن: النسيان عذر حال بينه وبين الماء، فيسقط الفرض بالتيمم، كما لو حال بينهما سبع. ومدار هذا القول على أي ثور فإنه قال: سألت أبا عبد الله، فقال: لا قضاء. فقطع بعضهم بالجديد وحمل أبا عبد الله على مالك أو أحمد، ورد بأن: أبا ثور لم يلق مالكا، ولم تعرف له رواية عن أحمد، وإنما هو معروف بصحبة الشافعي. ولو نسي ثمن الماء .. قال ابن كج: يحتمل أن يكون كنسيان الماء، ويحتمل خلافه. قال الرافعي: والأول أظهر. واحترز المصنف عما إذا لم يتقدم له علم بماء في رحله، فلم يفتشه اعتمادا على علمه، والأصح في هذه الحالة: لا قضاء. وكذلك إذا حدثت بئر لم يكن يعهدها، فإن علم بها ونسي .. فهو كنسيان الماء في رحله. قال: (ولو أضل رحله في رحال .. فلا)؛ لأنه صلى ولا ماء معه. وصورته: أن يكون في ظلمة ونحوها، ويصلي بالتيمم بعد أن أمعن في الطلب، فإن لم يمعن فيه .. فلا خلاف في وجوب القضاء. والفرق بينه وبين الإضلال في الرحل: أن مخيم الرفقة أوسع، وأنه لا يصدق عليه أن معه ماء بخلاف ما إذا كان في رحله. وقيل: فيه القولان المتقدمان وصححهما في (شرح المهذب). وقال الحليمي: إن وجده قريبا .. أعاد، أو بعيدا .. فلا. قال: (الثاني) أي: من الأسباب (أن يحتاج إليه). لفظ (يحتاج) مبني للمفعول، والضمير في (إليه) للماء. قال: (لعطش محترم ولو مآلا)؛ دفعا للضرر اللاحق بسببه، فإذا احتاج إليه رفيقه أو حيوان آخر للعطش .. دفعه إليه مجانا أو بعوض وتيمم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وللعطشان أن يأخذه منه قهرا إذا لم يبذله له، وفي هذه الحالة يحرم الوضوء به. وضابط العطش المبيح: أن يتضرر بترك الشرب، نحو المرض المبيح للتيمم. أما غير المحترم .. فلا يجوز صرف الماء إليه بالاتفاق. وأطلق الأصحاب الرفيق هنا، ولعل المراد من تلزمه نفقته أو الخصيص به، ويبعد إرادة جمع الركب. وقد تكلموا في حديث: (لا تأكل منه أنت، ولا أحد من رفقتك)، هل المراد المختص به، أو جميع الركب وإن اختلف المأخذ، لكن التزود لمن لا تعلق له به بعيد. فروع: مات وله ماء، ورفته عطاش .. شربوه ويمموه، وعليهم قيمته بموضع الإتلاف، وقيل: مثله. ولو أوصى بماء لأولى الناس به .. قدم الميت على من به نجاسة في الأصح. فإن كانت على الميت نجاسة .. قدم قطعا، ثم تقدم الحائض، ثم الجنب في الأصح. ومن معه ماء نجس يمكنه إزالة العطش به، هل يلزمه الوضوء بالطاهر ويشرب النجس؟ ينظر إن لحقه العطش قبل دخول الوقت .. شرب الطاهر بلا خلاف وتيمم. وإن لحقه بعد دخول الوقت .. فالأصح عند المصنف: أن الحكم كذلك، وعند الرافعي: يشرب النجس ويتوضأ بالطاهر؛ لأنه بدخول الوقت صار مستحقا للطهارة، وهذا هو المفتى به المنصوص في (حرملة).

الثَّالِثُ: مَرَضٌ يَخَافُ مَعَهُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يكلف أن يتوضأ به، ثم يجمعه ليشربه؛ لأنه يستقذر عادة، لكن يتعين هذا في الحيوان إذا أمكن جمعه ولم ينقص عن حاجته. قال: (الثالث: مرض يخاف معه من استعماله على منفعة عضو) كالعمى والصمم والخرس والشلل ونحوها؛ لقوله تعالى: {وإن كُنتُم مَّرْضَى} الآية. قال ابن عباس: (نزلت في المريض يتأذى بالوضوء، وفي الرجل إذا كانت به جراحة في سبيل الله تعالى، أو القروح أو الجدري، فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت .. فيتيمم)، إسناده حسن، لكن الأصح وقفه عليه. وروى الحاكم [1/ 178] عنه: أن رجلا أصابه جرح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام فأمر بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قتلوه قاتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟). ولو لم يكن المرض المخوف حاصلا عنده، ولكن خاف من استعمال الماء أن يؤدي إليه .. أبيح له التيمم أيضا. ونبه بـ (منفعة العضو) على أنه إذا خاف فواته أو فوات الروح .. كان ذلك من باب أولى، وسواء في ذلك السفر والحضر. ويكفي في الخوف ظن المتيمم إن كان عارفا بالطب، وإلا .. رجع إلى طبيب حاذق بالغ مسلم عدل. وفي وجه: يقبل فيه قول الفاسق، وفي وجه: يقبل فيه قول الكافر. وقيل: يشترط طبيبان عدلان كما في الوصية. والفرق على الصحيح: تعلق حق الآدمي هناك. وفي العبد والمرأة وجهان: أصحهما: يقبلان. فعلى هذا .. في المراهق وجهان: أصحهما: لا يقبل.

وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ، أَوِ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظِاهِرٍ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو جهل ولم يجد طبيبا .. فعند أبي علي السنجي: لا يتيمم. وأفتى البغوي بأنه: يصلي بالتيمم ويعيد، واختاره في (المهمات). و (العضو) بضم العين وكسرها: واحد الأعضاء. قال في (المحكم): وهو كل عظم وافر بلحمه. وفي (الترمذي) [2407] عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان – أي: تذل وتخضع له – تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا). قال: (وكذا بطء البرء) أي: امتداد زمن العلة، وإن لم يزد ألم المرض. وكذلك زيادة العلة وهي: إفراط الألم وشدة الضنا، وهو المرض الثقيل، أو حصول نوع آخر من المرض .. ففي هذه قولان – أشار إليهما بعد -: أحدهما: لا يتيمم، بل يستعمل الماء؛ لأنه وجد ما لا يخاف من التلف، فأشبه خوف وجع الضرس، والأظهر: أنه يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه؛ لعموم الآية، ولأن هذا الضرر أشق من طلب الماء في مرسخ، وقطع قوم بالأول، وقوم بالثاني. والأصح: طريقة القولين. قال: (أو الشين الفاحش)، وهو: الأثر المستكره من تغير لون، ونحول واستحشاف، وثغرة تبقى، ولحمة تزيد. قال: (في عضو ظاهر في الأظهر)، وجه الجواز: ما فيه من الضرر، ووجه المنع: أنه فوت جمال فقط. والمراد من (الظاهر): ما يبدو غالبا عند المهنة كالوجه واليدين، كذا جزم به الرافعي هنا، وقال في (الجنايات): ما لا يكون كشفه هتكا للمروءة. وقيل: ما عدا العورة. واحترز بـ (الفاحش): عن الشين اليسير كأثر الجدري، أو السواد القليل، أو القبيح في الأعضاء الباطنة، أو خوف المرض اليسير الذي لا يخاف معه محذور في العاقبة، فلا يرخص في التيمم جزما.

وَشِدَّةُ اَلْبَرْدِ كمَرَضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ واستشكله الشيخ عز الدين بما إذا كان ذلك في عبد أو أمة؛ فإنه ينقص القيمة نقصاناً فاحشاً، مع قولهم: إن الماء إذا زاد على ثمن المثل ولو يسيراً .. عدل إلى التيمم. ولو برئ المريض في صلاته .. فهو كما لو وجد المسافر الماء فيها. قال: (وشدة البرد كمرض)، فمتى خاف من شدة برد الماء تلف نفسه أو عضوه أو منفعة عضوه أو شيئاً مما تقدم، ولم يقدر على تسخين الماء، ولا على غسل عضو وتدثيره .. جاز أن يتيمم. فإن قدر على التسخين أو التدثير .. امتنع عليه التيمم. وإن أمكن التسخين .. وجب. واستدل للمسألة بما روى أبو داوود [338] والحاكم [1/ 177] عن عمرو بن العاصي قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلك أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟!) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُم مِّنْهُ}، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً. و (ذات السلاسل) بسينين مهملتين، الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة واللام مخففة، موضع معروف بناحية الشام في ارض بني عذرة، كذا قاله البكري في (معجمه)، والمصنف في (تهذيبه). هذا هو المعروف، وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وكان عمرو أميرها،

وَإِذَا اَمْتَنَعَ اَسْتِعْمَالُهُ فِي عُضْوٍ: إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ .. وَجَبَ اَلتَّيَمُّمُ، وَكَذَا غَسْلُ اَلصَّحِيحِ عَلَى اَلْمَذْهَبِ، وَلاَ تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا لَلْجُنُبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (نهاية ابن الأثير): أنها بضم السين الأولى وكسر الثانية، وأنها بأرض جذام، وفي (الصحاح) قريب منه. قال: (وإذا امتنع استعماله) أي: امتنع وجوب استعماله لجرح أو خلع أو كسر أو مرض ونحو ذلك. ولم يرد بـ (امتناعه) تحريمه، ويحتمل أن يحرم استعماله عند الخوف، فالامتناع على بابه. قال: (في عضو) أي: في بعض محل الطهارة، عضواً كان أو أكثر، وفي (المحرر): بعض أعضائه دون بعض. واحترز به عن امتناعه في جميعها؛ فإنه يكفيه التيمم. قال: (إن لم يكن عليه ساتر .. وجب التيمم) هذا لا خلاف فيه؛ لئلا يخلو العضو عن طهارة، وحكاية الخلاف فيه في (المحرر) وهم، كما نبه عليه في (الدقائق). قال: (وكذا غسل الصحيح على المذهب)؛ للرواية الثانية. والطريق الثاني: أنه على القولين فيما إذا وجد من الماء ما لا يكفيه، وتقدم تعليلهما. ووجه الشبه: أنه متمكن في الصورتين من غسل بعض الأعضاء دون بعض. وعلى المذهب .. يجب الغسل بحسب الإمكان، فإذا خاف من سيلان الماء إلى موضع المرض .. فليتلطف بوضع خرقة مبلولة بالقرب منه، وليتحامل عليها ليغسل بالتقاطر ما حواليه، ويلزمه ذلك بنفسه أو بغيره بأجرة. ولا يجب مسح موضع المرض بالماء، ولو أمكن وسهل على قول الأكثرين. ولو كان المرض على محل التيمم .. أمر التراب على موضعه؛ إذ لا ضرر فيه. وكذا الجراحة المنفتحة الأفواه إذا أمكن إمرار التراب عليها. قال: (ولا ترتيب بينهما) أي: بين التيمم والغسل (للجنب)؛ إذ لا ترتيب في طهارته، فإن شاء تيمم قبل غسل الصحيح، وإن شاء عكس، وليس كمن وجد بعض

فَإِنْ كَانَ مُحْدِثاً .. فَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ اَلتَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ اَلْعَلِيلِ، فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ .. فَتَيَمُّمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يكفيه حيث يجب استعماله أولاً ثم يتيمم؛ لأن هناك أبيح له التيمم لعدم الماء فلا يجوز مع وجوده، وهنا أبيح للمرض أو الجرح وهو موجود. وفي وجه: يتعين تقديم الغسل؛ لأنه الأصل. ونقل في (الكفاية) عن النص: أنه يندب بالتيمم؛ ليغسله الماء. قال: (فإن كان محدثاً .. فالأصح: اشتراط التيمم وقت غسل العليل)؛ لأن التيمم بدل عن غسل موضع العذر، فلا ينتقل عنه حتى يكمله رعاية للترتيب، فيكمل طهارة العضو غسلاً وتيمماً ثم ينتقل عنه. فلو كان الجرح في الوجه .. جاز تقديم التيمم وتأخيره عن غسل الصحيح من الوجه، ولا يجوز تأخيره عن غسل اليدين. وإن كان في اليد .. وجب تأخيره عن الوجه وتقديمه على الرأس، ويتخير في تقديمه على صحيح اليد وتأخيره، وهكذا في بقية الأعضاء. والثاني: يجب تأخير التيمم عن جميع المغسول. والثالث: يتخير إن شاء قدم التيمم على المغسول، وإن شاء أخره. وقوله: (العليل) أصوب من قول (المحرر): المعلول، فتلك لغة ضعيفة منكرة. قال: (فإن جرح عضواه .. فتيممان). هذا تفريغ على الصحيح؛ لأن التيمم عن الثاني لا بد أن يكون بعد التيمم عن الأول. وعلى الوجه الثاني .. يكفيه تيمم واحد. فعلى الصحيح، لو جرح وجهه ويداه ورجلاه .. فثلاث تيممات، فإن عمت الأعضاء الأربعة .. فتيمم واحد. فلو كانت الجراحة في يديه .. استحب أن يجعل كل يد كعضو فيغسل وجهه، ثم صحيح اليمين ويتيمم عن جريحها، ثم يطهر اليسرى كذلك اليسرى كذلك غسلاً وتيمماً، وهكذا

وَإِنْ كَانَ كَجَبِيرَةٍ لاَ يُمْكِنُ نَزْعُهَا .. غَسَلَ اَلصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ كَمَا سَبَقَ، وَيَجبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلَّ جَبِيرَتِهِ بِمَاءٍ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجلان؛ لأن تقديم اليمنى سنة. قال: (وإن كان) أي: على جرسه ساتر. قال: (كجبيرة لا يمكن نزعها)، وكذلك اللصوق والشقوق التي في الرجل إذا احتاج إلى تقطير شيء فيها يمنع من وصول الماء. و (الجبيرة) بفتح الجيم – والجبارة بكسرها – خشب أو قصب يسوى ويشد على موضع الكسر أو الخلع لينجبر. وقال الماوردي: الجبيرة: ما كان على كسر، واللصوق: ما كان على جرح، ومنه عصابة الفصد ونحوها؛ فلهذا عبر المصنف بالساتر لعمومه ومثل بالجبيرة. قال: (.. غسل الصحيح)؛ لأنها طهارة ضرورة، فاعتبر الإتيان فيها بأقصى الممكن. قال: (وتيمم)؛ لما روى أبو داوود [340] والدارقطني [1/ 189] – بإسناد كل رجاله ثقات – عن جابر في المشجوج الذي احتلم واغتسل، فدخل الماء شجته فمات، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على رأسه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده). قال: (كما سبق) أي: من اشتراط الترتيب في أعضاء المحدث دون الجنب. قال: (ويجب مع ذلك مسح كل جبيرته بماء)؛ لحديث المشجوج المذكور. ولأن علياً رضي الله عنه انكسرت إحدى زنديه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح على الجبائر، رواه ابن ماجه [657] لكنه ضعيف. وصح عن ابن عمر: (أنه توضأ وكفه معصوبة، فمسح عليها وعلى العصائب، وغسل ما سوى ذلك).

وَقِيلَ: بَعْضِهَا. فَإِذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ ثَانٍ وَلَمْ يُحْدِثْ .. لَمْ يُعِدِ اَلْجُنُبُ غُسْلاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بالمسح على الجبائر الفقهاء السبعة فمن بعدهم. ووقت مسح الجبيرة وقت غسل العضو. وأشار المصنف بقوله: (بماء) إلى أن الجبيرة إذا كانت في أعضاء التيمم .. لا يجب مسحها بالتراب وهو الأصح؛ لأن التراب ضعيف لا يؤثر من وراء حائل، لكن يستحب خروجاً من الخلاف. قال: (وقيل: بعضها) كمسح الرأس والخف. وفي قول: لا يجب التيمم؛ إلحاقاً للجبيرة ونحوها بالخف. والجواب: أن مسح الخف رخصة لا يليق بها التشديد. وفي قول: يكفي التيمم وحده، كما لو عدم الساتر. وقيل: يتيمم مع غسل الصحيح، ولا مسح. ثم إذا قدر على نزع الجبيرة ونحوها عند الطهارة من غير ضرر .. وجب. ولا يجوز أن يضع الجبيرة على شيء من الصحيح، إلا على القدر الذي لا يتمكن من ستر الكسير إلا به. ويجب أن يضعها على طهر على الصحيح. واختلفوا في تنزيل الجبيرة منزلة الخف في التأقيت. والأصح الذي قطع به المتولي وغيره: أنها لا تتأقت، بل له الاستدامة إلى الاندمال. وقيل: تتأقت كالخف حضراً وسفراً. وقال ابن الصلاح: يوماً وليلة للمسافر والمقيم، وضعفه في (شرح المهذب). قال: (فإذا تيمم) أي: الذي غسل الصحيح وتيمم عن الباقي (لفرض ثان) وكذا لثالث (ولم يحدث) أي: بعد طهارته الأولى (.. لم يعد الجنب غسلاً)؛ لأن التيمم طهارة مستقلة، فلا يلزم بارتفاع حكمها انتفاض حكمها انتفاض طهارة أخرى، ولا ترتيب في طهارة الجنب.

وَيُعِيدُ اَلْمُحْدِثُ مَا بَعْدَ عَلِيِلهِ، وَقيلَ: يَسْتَانِفَانِ، وَقِيلَ: اَلْمُحْدَثُ كَجُنُبٍ. قُلْتُ: هَذَا اَلثَّالِثُ أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا أحدث .. فإنه يستأنف الطهارة كلها، ولا يلزم نزع الجبيرة إذا كان حدثه اكبر بخلاف الخف؛ لأن في إيجاب النزع هنا مشقة. قال: (ويعيد المحدث ما بعد عليله)؛ مراعاة للترتيب. فإذا كانت الجراحة في اليد .. تيمم وأعاد مسح الرأس، ثم غسل الرجلين؛ لأن حكم الحدث عاد إلى العضو في حق الفريضة دون النوافل، فيحتاج إلى إعادة ما بعده. وهذا اختيار ابن الصباغ والقاضي حسين والمتولي والبغوي وتبعهم الرافعي عليه، وقال الشيخ: إنه الأصح. قال: (وقيل: يستأنفان)، فيعيد المحدث الوضوء، والجنب الغسل بناء على الاستئناف فيما إذا نزع الخف، أو انقضت مدة المسح. قال: (وقيل: المحدث كجنب)، فلا يعيد شيئاً على الصحيح. قال: (قلت: هذا الثالث أصح والله أعلم) وهو قول الأكثرين. ونقل الإمام الاتفاق عليه؛ لأنه إنما يحتاج إلى إعادة ما بعد عليله أن لو بطلت طهارة العليل، وطهارة العليل باقية بدليل جواز التنفل. تتمة: رفع الجبيرة عن موضع الكسر، فوجده مندملاً .. أعاد كل صلاة صلاها بعد الاندمال بالمسح عليها بلا خلاف. ولو سقطت جبيرته في الصلاة .. بطلت صلاته سواء كان برأ أم لا، كانقلاع الخف. وإذا تحقق البرء وهو على طهارة .. كان كوجدان المتيمم الماء على التفصيل الآتي. ولو توهمه فرفع الساتر، فوجده لم يندمل .. لم يبطل تيممه في الأصح.

فصل

فَصْلٌ: يَتَيَمَّمُ بِكُلَّ تُرَابٍ طَاهِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كانت لصوقاً تنزع وتغير في كل يوم أو أيام .. فحكمها كالجبيرة الواحدة كما أفتى به الشيخ. ولو كانت الجبيرة على عضوين فرفع إحداهما .. لا يلزمه رفع الجبيرة الأخرى، بخلاف الماسح على الخف إذا نزع أحد الخفين .. يلزمه نزع الآخر؛ لأن الشرط في الابتداء أن يلبس الخفين جميعاً، وهنا لا يشترط في الابتداء أن يضع الجبيرة عليهما. قال: (فصل: يتيمم بكل تراب طاهر)؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. قال ابن عباس: هو التراب الطاهر. وقال الشافعي: تراب له غبار، وقوله حجة في اللغة، ويؤيده قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُم مِّنْهُ}. فإن الإتيان بـ (من) الدالة على التبعيض يقتضي: أن يمسح بشيء يحصل على الوجه واليدين بعضه. وأجاب الخصم بأنها لابتداء الغاية، وضعفه الزمخشري بأن أحداً من العرب لا يفهم من قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض، والإذعان للحق أحق من المراء. ويدل له من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً، وتربتها طهوراً) رواه مسلم [522]. وهذه الرواية مبنية للرواية المطلقة التي فيها: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).

حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واسم التراب يدخل فيه الأصفر والأعفر والأحمر، والطين الأرمني الذي يؤكل تداوياً، والأبيض الذي يؤكل سفهاً، والسبخ – بفتح الباء على الأفصح – وهو: الذي لا ينبت، دون الذي يعلوه ملح؛ فإن الملح ليس بتراب. وأجازه أبو حنيفة بكل ما كان من جنس الأرض، وإن لم يكن عليه غبار كحجر وزرنيخ وكحل. وزاد مالك: كل ما كان متصلاً بالأرض كالأشجار والزروع. وحكى ابن عطية عن ابن علية وابن كيسان: أنهما أجازا التيمم بالمسك والزعفران، والظاهر: أنهما استدلا بأنهما تراب الجنة. واحترز بـ (الطاهر) عن الذي أصابه مائع نجس، فإنه لا يجوز التيمم به؛ لأنه ليس بطيب. أما ما اختلط به جامد نجس كسرجين ونحوه .. فإنه وإن كان لا يجوز التيمم به، لكنه خرج بالتراب؛ لأن الذي يتيمم به يوصل إلى بعض بدنه تراباً وإلى بعضه سرجيناً. وحك تراب المقبرة حكم الصلاة عليه، لكن قال في (الأم): إن المقبرة المنبوشة إذا أصابها المطر .. لم يصح التيمم بترابها؛ لأن الصديد لا يذهب بذلك. والتراب الذي على الكلب إن تيقن أنه أصابه وهو جاف .. جاز التيمم به، أو وهو مبلول .. فلا، وإن تردد .. فعلى القولين في الأصل والغالب، كذا قاله الرافعي وغيره. قال في (الروضة): (وهو مشكل، وينبغي أن يقطع بجواز التيمم به؛ عملاً بالأصل الخالي عن المعارض). والتراب تقدم الكلام عليه في أول الطهارة. قال: (حتى ما يداوى به) كالطين الأرمني؛ لأنه يقع عليه اسم التراب، وكذا المشوي المسحوق على الأصح، اللهم إلا أن يحترق ويصير رماداً، فإنه يمتنع التيمم به؛ لعدم إطلاق اسم التراب عليه. قال: (وبرمل فيه غبار) أي: منه؛ لأن الغبار المرتفع تراب، ويؤخذ من هذا شرط آخر في التراب، وهو أن يكون له غبار يعلق بالوجه واليدين، فإن كان جريشاً أو ندياً لا يرتفع له غبار .. لم يجز.

لاَ بِمَعْدِنٍ وَسُحَاقَةِ خَزَفٍ وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوهِ – وَقِيلَ: إِنْ قَلَّ اَلْخَلِيطُ .. جَازَ – ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (فتاوى المصنف): لو سحق الرمل وتيمم به .. جاز؛ لأنه من طبقات الأرض والتراب جنس له، واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)، ولأن الرمال معظم الأرض لا سيما الحجاز، فلو منعناه بالرمل .. بطل العموم. وفي قوله ضعيف: لا يجوز بالرمل وإن كان ناعماً؛ لأنه ليس بتراب فأشبه الجص. وفي ثالث: يجوز وإن كان خشناً لا غبار فيه؛ لما روى أبو هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نكون بأرض الرمل وفينا الجنب والحائض، ونبقى أربعة أشهر لا نجد الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالأرض) رواه أحمد [2/ 278] والبيهقي [1/ 310]، لكن بسند ضعيف. قال: (لا بمعدن وسحاقة خزف)؛ لأن ذلك لا يسمى تراباً. و (المعدن) بكسر الدال: ما أسكنه الله تعالى في طبقات الأرض، كالزرنيخ وحجارة النورة. و (الخزف): ما اتخذ من الطين وشوي، فصار فخاراً، واحدته خزقة. وفي وجه شاذ: يجوز التيمم بجميع ذلك. قال: (ومختلط بدقيق ونحوه) مما يعلق باليد كالزعفران والجص؛ لأن ذلك مانع من تعميم العضو بالتراب، بخلاف الرمل إذا خالطه التراب فإنه يجوز التيمم به؛ لأنه لا يعلق باليد سواء قل الخليط أو كثر. قال: (وقيل: إن قل الخليط .. جاز)، كالمائع القليل إذا اختلط بالماء .. فإن الغلبة صيرت المنغمر القليل كالعدم. وأجاب الأولون بأن المائع لا يمنع وصول الماء إلى البشرة للطافته، والدقيق يمنع وصول التراب إلى المحل الذي يعلق به لكثافته. ولو خالط التراب مائع .. جاز التيمم به إذا جف، وإن تغيرت رائحته على الأصح.

وَلاَ بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى اَلصَّحِيحِ، وَهُوَ: مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ، وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ فِي اَلأَصَحَّ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ، فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ وَنَوَى .. لَمْ يُجْزِىْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وضبط الإمام القليل بما لا يرى. قال الرافعي: ولو اعتبرت الأوصاف الثلاثة كالماء .. لكان مسلكاً، وتبعه المصنف على ذلك، وقد صرح بما أشار إليه الشيخ أبو حامد وسليم وصاحب (البحر). قال: (ولا بمستعمل على الصحيح)؛ لأنه أدي به فرض وعبادة، فكان مستعملاً كالماء الذي توضأت به المستحاضة. والثاني: يجوز؛ لأنه لا يرفع الحدث، فلا يتأثر بالاستعمال. قال: (وهو: ما بقي بعضوه) أي: حالة التيمم لوجود المعنيين فيه. قال: (وكذا ما تناثر في الأصح)؛ قياساً على المتقاطر من الماء، وعليه نص الشافعي. والثاني: لا يكون مستعملاً؛ لأن التراب كثيف إذا علق منه شيء بالمحل .. منع غيره أن يلتصق به، وإذا لم يلتصق به .. فلا يؤثر بخلاف الماء، فإنه رقيق يلاقي جميع المحل. وكان ينبغي التعبير بالصحيح؛ فإن هذا الوجه ضعيف أو غلط. أما الذي تناثر ولم يحصل به إمساس العضو .. فالمشهور: أنه ليس بمستعمل كالباقي بالأرض. قال: (ويشترط قصده) أي: قصد التراب؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، فأوجب قصد الصعيد والمسح منه. قال: (فلو سفته ريح عليه فردده ونوى .. لم يجزئ). صورة المسألة: أن يبرز إلى مهب الريح قاصداً، ثم يحصل التراب على وجهه وهو ناو. وفي المسألة قولان: الذي عليه الأكثرون: أنه لا يجزئه؛ لأنه لم يقصد التراب، وإنما التراب أتاه.

وَلَوْ يُمَّمَ بِإِذْنِهِ .. جَازَ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عُذْرٌ. وَأَرْكَانُهُ: نَقْلُ اَلتُّرَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يصح، وهو قول الشيخ أبي حامد والحليمي والقاضي أبي الطيب والروياني، واختاره الشيخ؛ لأنه قصد ووصل التراب إلى العضو بقصده، فصار كما لو جلس تحت ميزاب ونوى الوضوء. هذا بالنسبة إلى الوجه، وأما اليد .. فيجب ترتيبها على الوجه. وأفهمت عبارة المصنف: أن التراب إذا عمه ولم يردده .. لم يجزه. قال: (ولو يمم بإذنه .. جاز) كالوضوء، ولكن يكره حال القدرة، ويجب عليه ذلك عند العجز. أما إذا يمم بغير إذنه .. فهو كوقوفه بمهب الريح، سواء قدر على منعه فلم يمنعه أم لا. قال: (وقيل: يشترط عذر)؛ لأنه لم يقصد التراب. فرع: يممه غيره فأحدث أحدهما بعد أخذ التراب وقبل المسح، ففي (فتاوى القاضي حسين): أن ذلك لا يضر. واستشكله الرافعي، وقال: ينبغي أن يبطل بحدث الآذن، والذي قاله متجه. قال: (وأركانه: نقل التراب). (ركن الشيء): جانبه الأقوى، وجمعه أركان، والتي ذكرها المصنف خمسة: النقل، والنية، ومسح الوجه، ومسح اليدين، والترتيب، وستأتي مرتبة كذلك. وزاد في (الروضة) شيئين آخرين: التراب والقصد، وفي (شرح المهذب): القصد فقط. وإسقاطهما أولى؛ لأن التراب كالماء في الوضوء وهو شرط، والقصد داخل في النقل؛ لأنه إذا نقل التراب على الوجه المشروط وقد نوى .. كان قاصداً بلا شك. الركن الأول: النقل.

فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إِلَى يَدٍ أَوْ عَكَسَ .. كَفَى فِي اَلأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو كان على العضو تراب فردده عليه من جانب إلى جانب .. لم يكف، واستدلوا له بأن القصد شرط كما تقدم، وإنما يكون قاصداً إذا نقل التراب. قال الرافعي: وغير هذا الاستدلال أوضح منه. قال الشيخ: ولا شك أن القصد والمسح مدلول عليهما بالآية، وأما النقل .. فلا يدل عليه، فلك أن تنازع في جعل القصد شرطاً وتقول: ينبغي أن يعد ركناً؛ لأن التيمم مفسر به، أو به مع المسح، وأما النقل .. فخارج عنهما، فكيف يجعل النقل ركناً والقصد شرطاً؟ ثم إنه لو حذف لفظة (القصد) واقتصر على النقل .. لكفى؛ فإن النقل يلزم منه القصد. وفائدة عد النقل ركناً: أنه لو أحدث بعده وقبل المسح .. كان عليه الأخذ ثانياً. قال: (فلو نقل من وجه إلى يد أو عكس .. كفى في الأصح)؛ لحصول مسمى النقل. وصورة الأولى – أي: النقل من الوجه إلى اليدين -: أن يزول ما مسح به وجهه، ثم يطرأ عليه تراب فينقله إلى اليد، وإلا كان المنقول مستعملاً لا يجزئ على الصحيح. ولذا عللوا الاكتفاء بذلك بأنه منقول من غير العضو المسموح، فجاز كالمنقول من الرأس والظهر وغيرهما. والثاني: لا يكفي؛ لان أعضاء التيمم كعضو واحد، فأشبه ما لو نقل من أعلى الوجه إلى أسفله. ومن الساعد إلى الكف. والأخذ من اليد إلى الأخرى كالأخذ من الوجه إلى اليد؛ لأنهما عضوان، قال القاضي حسين. وفي وجه حكاه ابن الرفعة: يمتنع؛ لأنهما كعضو واحد. ولو تمعك في التراب لعذر جاز جزماً، وكذا بغير عذر عند الأكثرين؛ لحديث عمار بن ياسر، ولأن القصد إلى التراب قد تحقق بذلك. وقيل: لا يجوز لعدم النقل.

وَنِيَّةُ اَسْتِبَاحَةِ اَلصَّلاَةِ، لاَ رَفْعِ اَلْحَدَثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ونية استباحة الصلاة). هذا هو الركن الثاني وقد تقدم في (باب الوضوء) بيان ما يتعلق بالنية. والأصل في ذلك: أن التيمم لا يرفع الحدث عندنا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو: (أصليت بأصحابك وأنت جنب)؟ ولأمره صلى الله عليه وسلم باستعمال الماء عند وجوده، ولو ارتفع الحدث .. لم يجب. وقال ابن سريج: يرتفع في حق فريضة واحدة، وجعله ابن خيران قولاً، وغلط فيه؛ لأن الحدث لا يتبعض. وعن المزني: أنه يرفعه مطلقاً، وهو خطأ؛ لأنه لو رفعه لما عاد برؤية الماء قبل الصلاة. والمزني موافق على عوده بذلك. وإذا نوى المتيمم استباحة الصلاة، ونحوها مما لا يباح إلا بالطهارة، كالطواف وحمل المصحف، وسجود التلاوة والشكر .. صح تيممه؛ لأنه قد تعرض للمقصود بالتيمم. ولو نوت الحائض استباحة الوطء .. صح أيضاً في الأصح. فإن قيل: قوله هنا: (استباحة الصلاة)، وفي (الوضوء): (استباحة مفتقر إليه) .. تبع فيه (المحرر) وهو يفهم منه التغاير. قلنا: ليس كذلك بل لو نوت هنا استباحة مس المصحف ونحوه .. صح على المذهب، ولو نوت ما تندب له الطهارة .. فينبغي أن يجيء فيه الخلاف، وأولى بالمنع. قال: (لا رفع الحدث)؛ لأن التيمم لا يرفعه، وإنما يبيح الصلاة. وقيل: يصح؛ لان رفع الحدث يتضمن استباحة الصلاة، فيكون قصد الرفع متضمناً لقصد الاستباحة. ولو نوى الجنب رفع الجنابة .. فهو كرفع الحدث، وكذا لو نويا الطهارة عن الحدث كما نقله في (شرح المهذب) عن جماعة، وفي (الكفاية)

وَلَوْ نَوَى فَرْضَ اَلتَّيَمُّمِ .. لَمْ يَكْفِ فَي اَلأَصَحَّ. وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِاَلنَّقْلِ، وَكَذَا اَسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنَ اَلْوَجْهِ عَلَى اَلصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن العراقيين. وكذا ما في معناها مما يتوقف على الطهارة، كالطواف والوطء وغيرهما، جنباً كان أو محدثاً، فيصح تيممه في الجملة. وفي (النهاية) في (باب مسح الخف): أن محل الخلاف في التيمم الذي ليس معه مسح، أما الذي معه مسح .. فإنه بمثابة مسح الخفين. قال الشيخ: وفيه نظر. ولا فرق في نية الاستباحة بين أن يعين الحدث أو لا، حتى لو كان جنباً فنوى الاستباحة عن الحدث أو عكسه غلطا .. صح؛ لأن التعرض للحدث غير واجب فلا يضر الغلط فيه. وادعى في (شرح المهذب) الاتفاق عليه، ونقله في (زوائد الروضة) عن المتولي فقط. والمسألة مشهورة في المذهب منصوصة للشافعي. وعن البويطي والربيع: أنه إذا انتقل من الأعلى إلى الأسفل .. لا يصح، وإن انتقل من الأسفل إلى الأعلى .. صح. قال: (ولو نوى فرض التيمم .. لم يكف في الأصح)؛ لأن التيمم ليس مقصوداً في نفسه، وإنما يؤتى به عن ضرورة، فلا يجعل مقصوداً بخلاف الوضوء، ولهذا تجديد الوضوء دون التيمم. والثاني: يصح تيممه كالوضوء. قال الروياني: ويكون كمن تيمم للنفل، ويجريان في نية الطهارة الواجبة .. ولو اقتصر على نية التيمم .. لم يجزه. قال: (ويجب قرنها بالنقل) أي: النقل الأول، وهو النقل إلى الوجه لا إلى اليدين؛ لأنه أول فعل مفروض في التيمم. والمراد بـ (النقل): الضرب كذا في (شرح المهذب) و (الكفاية). قال: (وكذا استدامتها إلى مسح شيء من الوجه على الصحيح)؛ لأنه

فَإِنْ نَوَى فَرْضاً وَنَفْلاً .. أُبِيحَا، أَوْ فَرْضاً .. فَلَهُ اَلنَّفْلُ عَلَى اَلْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المقصود، وما قبله وإن كان ركناً .. فليس مقصوداً في نفسه. ولو قارنته ثم عزبت، أو أحدث قبل مسح الوجه .. لم يجز على الصحيح. وكذلك لو أخذ التراب بكفه قبل الوقت وتيمم به بعد الوقت .. لم يجزئه. والوجه الثاني: لا تجب الاستدامة، كما لو قارنت نية الوضوء أول غسل الوجه ثم انقطعت. وعبارة المصنف والرافعي تقتضي: جريان الخلاف فيما إذا قارنت النقل ومسح الوجه ولكن عزبت فيما بينهما. والمتجه: أن ذلك يكفي، وهو المذكور في (شرح المفتاح) لأبي خلف الطبري. قال: (فإن نوى فرضاً ونفلاً .. أبيحا)؛ عملاً بنيته. وقيل: ليس له التنفل بعد خروج وقت الفريضة المعينة؛ لأن النفل تابع وقد خرج وقت المتبوع. وقيل: ليس للمتيمم أن يتنفل بالكلية، كما قد قيل به في المستحاضة، حكاه في (شرح المهذب) في (باب الحيض) عن حكاية القاضي حسين. والأصح عند الأكثرين: أنه لا يشترط تعيين الفريضة المنوية، ولهذا عبر المصنف بقوله: (فرضاً)، ولم يعبر بالفرض كما عبر به في (المحرر). وقيل: لا بد من تعيينها كالصلاة. فعلى الأول: إن أطلق .. صلى أي فرض شاء، وإن عين واحدة .. جاز أن يصلي غيرها. قال: (أو فرضاً .. فله النفل على المذهب)؛ لأن النوافل تابعة، فإذا استباح المتبوع .. استباح التابع، كما إذا أعتق الأم .. يعتق الحمل. والقول الثاني: لا؛ لأنه لم ينوها. والثالث: له ذلك بعد الفرض لا قبله؛ لأن التابع لا يقدم.

أَوْ نَفْلاً أَوِ اَلصَّلَاَة .. تَنَفَّلَ لاَ الْفَرْضَ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: ولو قيل: يستبيح النافلة التابعة لتلك الفريضة دون ما عداها .. لم يبعد، ولكن لم أرد من قال به. فرع: نية التيمم للجنازة كنية النفل؛ لأنه يسقط بفعل الغير، وقيل: كفرض، وهذا وارد على إطلاق المصنف، إلا أن يراد بالفرض المفروض على الأعيان، لا الكفاية. والتيمم للمنذور كالتيمم للفرض. قال: (أو نفلاً أو الصلاة .. تنفل لا الفرض على المذهب). اشتمل كلامه على مسألتين: إحداهما: إذا نوى النفل ولم يتعرض للفرض، وفيها قولان: أظهرهما: لا يستبيح الفرض؛ لأنه أصل والنفل تابع، فلا يجعل المتبوع تابعاً. والثاني: نعم؛ قياساً على الوضوء. الثانية: إذا نوى الصلاة من غير تعرض لفرض ولا نفل .. فالمذهب: أنها كنية النفل فقط؛ قياساً على ما لو تحرم بالصلاة .. فإن صلاته تنعقد نفلاً. وقيل: يستبيح الفرض والنفل؛ لأن الصلاة اسم جنس كما لو نواهما. ويخالف ما لو نوى المصلي الصلاة .. فإنه لا يمكن أن يجمع فيها بين فرض ونفل بنية واحدة، ولو جمع .. لم يصح، فحمل على الأقل وهو النفل. وقال الماوردي: لا يستبيح الطواف في الثانية، وفيه نظر للمصنف.

وَمَسْحُ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: ظن أن عليه فائتة ولم يجزم بها، فتيمم لها ثم تذكرها .. لم يصح تيممه. وسيأتي قريب منه فيما إذا نسي صلاة من خمس. ولو تيمم لفائتتين أو منذورتين .. استباح إحداهما على الأصح. والثاني: لا يستبيح شيئاً. ولو تيمم صبي بعد دخول الوقت لصلاة الوقت، ثم بلغ .. صلى به النفل لا الفرض على الأصح. من استباح النفل .. استباح من المصحف وحمله وقراءة القرآن، والجلوس في المسجد، وتمكين الزوج إن كانت حائضاً، إلا أن يكون تيممها للفرض وقد صلته .. ففي حلها للزوج بغير تيمم وجهان. ولو تيممت الحائض للوطء، ثم رأت الماء في أثنائه .. ففي وجوب قطعه وجهان في (طبقات العبادي): قال المحمودي: يجب القطع، وقال غيره: لا. قال: (ومسح وجهه ثم يديه مع مرفقيه). تضمنت هذه الجملة ثلاثة أركان: مسح الوجه بالتراب. ومسح اليدين به. والترتيب بين الوجه واليدين. فالأول والثاني دليلهما قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُم مِّنْهُ}. وروى أبو داود [333]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم، فمسح وجهه ويديه). ويجب أن يستوعب مسح وجهه ويديه؛ لأن من مسح وجهه ويديه ولم يستوعب ..

وَلاَ يَجِبُ إَيصَالُهُ مَنْبِتَ اَلشَّعْرِ اَلْخَفِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صح أن يقال: ما مسح وجهه وإنما مسح بعضه، وادعى المصنف في ذلك الإجماع. وخلاف أبي حنيفة في استيعاب الوجه مشهور في (الرافعي) وغيره. فعنه: أنه يجوز أن يترك منه الربع، وعنه: يكتفى بمسح أكثره. وعندنا: يجب مسحه كله، حتى النازل من اللحية عن الذقن في الأصح كالوضوء. ويجب مسح القدر الذي أقبل من الأنف على الشفة. وواجب اليدين أن يمسحهما إلى المرفقين كالوضوء. وروى الحاكم [1/ 179]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين). والصحيح: وقفه على ابن عمر. والقديم – ورجحه في (شرح المهذب) و (الوسيط) -: أنه يكفي مسح اليدين إلى الكوعين؛ للحديث المذكور. وفي (الكفاية): أنه الذي يتعين ترجيحه. وأما الترتيب .. فسبق دليله في الوضوء، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التيمم عن حدث أصغر أو أكبر. وإنما لم يجب الترتيب في الغسل؛ لأنه لما وجب تعميمه .. صار كعضو واحد، والتيمم يجب في عضوين فأشبه الوضوء. وفي (البخاري) [347] و (سنن أبي داوود) [325] من حديث عمار: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه)، وهو يقتضي: عدم الترتيب ولم أر أحداً من الأصحاب صار إليه، ويستدل بذلك على عدم الترتيب في الوضوء أيضاً. قال: (ولا يجب إيصاله منبت الشعر الخفيف)؛ لما فيه من المشقة بخلاف الماء، بل لا يستحب ذلك أيضاً. وقيل: يجب إيصاله إلى كل ما يصل الماء إليه في الوضوء، وقطع الأكثرون بالأول.

وَلاَ تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي اَلأَصَحَّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبيَسَارِهِ يَمِينَهُ .. جَازَ. وَتُنْدَبُ: اَلتَّسْمِيَةُ، وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ اَلْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ وَإِنْ أَمَكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا ترتيب في نقله في الأصح، فلو ضرب بيديه ومسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه .. جاز)؛ لأن النقل وسيلة إلى المسح، فلا يشترط فيه ما يشترط في القصد. والثاني: يجب كما في المسح. قال: (وتندب: التسمية) أي: أوله وإن كان جنباً أو حائضاً؛ قياساً على الوضوء. قال: (ومسح وجهه ويديه بضربتين) أي: بغير نقص ولا زيادة؛ لورودهما في الأخبار. وقيل: يستحب ثلاثاً، واحدة للوجه، واثنتان لليدين. ويستحب في كل ضربة أن تكون باليدين جميعاً، لكن صورة الضرب ليست متعينة، فإن التمعك كاف كما تقدم، وكذا وضع اليد على التراب الناعم. ثم إن في (المحرر) ذكر كيفية التيمم المشهورة، وأسقطها المصنف من غير تنبيه عليها في (الدقائق)، وهو قد قال في (شرح المهذب): إنها مستحبة. لكن في (الكفاية): أنها لا تستحب؛ لأنه لم يثبت فيها شيء، والمقصود إيصال التراب. قال: (قلت: الأصح المنصوص: وجوب ضربتين وإن أمكن بضربة بخرقة ونحوهما والله أعلم)؛ لحديث ابن عمر. ولأن الاستيعاب غالباً لا يتأتى بدونهما، فأشبه الأحجار الثلاثة في الاستنجاء. والعجب أن المصنف صحح هذا ودليله ضعيف، وترك الاكتفاء بمسح اليدين إلى الكوعين وحديثه صحيح.

وَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ وَأَعْلَى وَجْهِهِ، وَيُخَفَّفُ اَلْغٌبَارَ. وَمُوَالاَةُ اَلتَّيَمُّمِ كَاَلْوُضُوءِ. قُلْتُ: وَكَذَا اَلْغُسْلُ، وَيُنْدَبُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلاً، وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي اَلثانِيَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويقدم يمينه وأعلى وجهه) كالوضوء. وقيل: يبدأ بأسفله ثم يستعلي، وفارق الوضوء؛ لأن الماء ينحدر بطبعه فيعم الوجه، والتراب لا يجري إلا بإمراره باليد، فيبدأ بأسفل وجهه ليقل ما يحصل في أعلاه من الغبار فيكون أسلم لعينيه. قال: (ويخفف الغبار)؛ لئلا يتشوه. وفي (صحيح البخاري) [347]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفض يديه). قال: (وموالاة التيمم كالوضوء)، فيأتي فيه القولان؛ لأن كلاً منهما طهارة عن حدث، وإذا اعتبرنا هناك مدة الجفاف .. فنعتبر هنا أن يقدر التراب ماء. وقيل: تجب الموالاة في التيمم قطعاً، وقيل: لا قطعاً. قال: (قلت: وكذا الغسل)؛ لكونه طهارة أيضاً. وقيل: لا تجب فيه الموالاة قطعاً، حكاه الرافعي في (باب الوضوء)، وهو بعيد. قال: (ويندب تفريق أصابعه أولاً)؛ لأنه أبلغ في إثارة الغبار. وقيل: لا يتسحب ولكن يباح. وقال القفال: لا يجوز التفريق في الأولى؛ لأن يكون أخذ التراب لليد قبل مسح الوجه وهو بعيد. وإنما اقتصر المصنف على الأولى؛ لأن الخلاف فيها والتفريق في الثانية مندوب قطعاً. وفي (الكفاية): أنه يستحب التفريق أيضاً عند مسح الوجه. قال: (ويجب نزع خاتمه في الثانية والله أعلم) حتى يصل التراب إلى محله، بخلاف الوضوء للطافة الماء.

وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ: إَنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ .. بَطَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونزعه في الأولى مستحب ليكون مسح جميع الوجه باليد؛ اتباعاً للسنة. ومن هذا يعلم: أن النزع لا يجب حالة الضرب، وإنما يجب عند المسح. والخاتم بفتح التاء وكسرها، والخيتام والخاتام كلها بمعنى – وحكى ابن هشام السبتي: ختام ككتاب – والجمع خواتيم. وقال الثعالبي وغيره: لا يقال: خاتم إلا إذا كان له فص، وإلا فهو فتخة. وعلى هذا جرى الأصحاب فيما لو أقر بخاتم ثم قال: أردت غير الفص .. فإنه لا يقبل. فروع: لا يجوز مسح العضو المتنجس قطعاً، كما لا يصح غسله عن الوضوء مع بقاء النجاسة. ولو كانت يده نجسة وضرب بها على تراب ومسح وجهه .. جاز في الأصح. ولو تيمم ثم وقعت عليه نجاسة .. لم يبطل تيممه على المذهب. ولو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة .. فكما لو تيمم وعليه نجاسة. قال: (ومن تيمم لفقد ماء فوجده) كان الأحسن أن يقول: فتوهمه؛ ليدخل ما فوق الوهم كظهور سراب أو ركب. قال: (إن لم يكن في صلاة .. بطل) سواء ضاق الوقت عن الوضوء أم لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته)، صححه الترمذي [124] والحاكم [1/ 176] وغيرهما. وبالقياس على ما إذا وجده في أثناء التيمم .. فإنه مجمع على بطلانه، وعلى ما إذا

إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ، أَوْ فِي صَلاَةٍ لاَ تَسْقُطُ بِهِ .. بَطَلَتْ عَلَى اَلْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَسْقَطَهَا .. فَلاَ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ اَلنَّفْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ شهد شهود الفرع، ثم حضر شهود الأصل قبل الحكم. ودخل في قوله: (إن لم يكن في صلاة) ما إذا وجده في أثناء التكبير؛ لأنه لا يدخل في الصلاة إلا بتمامه، وقد صرح الرافعي فيها بالبطلان في (باب صفة الصلاة)، ونقله في (شرح المهذب) هنا عن الروياني فقط، ثم قال: ولم أجد لغيره تصريحاً بموافقته ولا بمخالفته، هو حسن. قال: (إن لم يقترن بمانع كعطش)؛ لأن وجوده في هذه الحالة كالعدم، ومثله المرض، وتعذر استقائه من البئر. وكذلك يبطل بتوهم الماء إلا أن يقارنه مانع، كما لو سمع إنساناً يقول: أودعني فلان ماء – وهو يعلم غيبة فلان – فلا يبطل تيممه. فإن كان حاضراً أو جهل غيبته .. بطل. فإن أخر لفظ الوديعة بأن قال: عندي ماء وديعة لفلان .. بطل تيممه مطلقاً. ورأى القاضي حسين تخريجه على ما لو قال: علي ألف من ثمن خمر. قال: (أو في صلاة لا تسقط به .. بطلت على المشهور)؛ لأنه لا بد من إعادتها، فلا فائدة في الاستمرار. وقيل: يتمها لحرمتها. والخلاف في (الروضة) وجهان، وهو الصواب. والغريب أن الرافعي في (المحرر) عبر بالأصح. قال: (وإن أسقطها .. فلا)؛ لأنه شرع في المقصود، فكان كما لو وجد المكفر الرقبة بعد الشروع في الصوم على الأصح. لكن إذا سلم منها .. بطل تيممه. قال: (وقيل: يبطل النفل)؛ لقصور حرمته عن الفرض. ومحل ما ذكره: في الصلوات الخمس، أما إذا يمم الميت وصلي عليه، ثم وجد الماء .. فإنه يجب غسله والصلاة عليه، سواء كان في أثناء الصلاة أو بعدها، كما أفتى

وَاَلأَصَحُّ: أَنَّ قَطْعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ، وَأَنَّ اَلْمُتَنَفَّلَ لاَ يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ به البغوي ثم قال: ويحتمل أن لا يجب، وهذا الاحتمال جزم به ابن سراقة في (التلقين). وكأن الفرق بين الميت وغيره: أن هذا خاتمة أمر الميت فاحتيط له بخلاف الحي. فرع: المتيمم في الحضر لا يصلي على الميت – قاله ابن خيران – لأن إيجاب ذلك في الصلوات الخمس إنما كان لحرمة الوقت، وذلك منتف في الجنازة، ولأن في تكليفه الذهاب إلى القبر مشقة، بخلاف فرائض الأعيان. وأيضاً القضاء لا يتأتى حقيقة؛ لعدم الوقت المحدود. قال: (والأصح: أن قطعها ليتوضأ أفضل)؛ خروجاً من الخلاف؛ فإن من العلماء من حرم عليه الاستمرار، ولأنه لو وجد الرقبة في أثناء الصيام .. كان الأفضل العدول إلى الإعتاق فكذلك هنا. والثاني: الأفضل الاستمرار؛ لأن الخروج منه إبطال للعمل. والثالث: الأفضل أن يقلب فرضه نفلاً ويسلم من ركعتين. والرابع: يجب الاستمرار فيها ويحرم قطعها. والخامس – ذكره الإمام -: إن ضاق الوقت .. حرم الخروج، وإلا فلا، وهذا هو الصحيح في (شرح المهذب) و (التحقيق) و (المهمات)؛ لأنه يلزم من جواز القطع في هذه الحالة تفويت الصلاة مع القدرة على إيقاع جميعها في الوقت بلا ضرورة. ويشكل على هذه المسألة ما إذا شرع في الصلاة منفرداً، ثم قدر على جماعة .. فإن الأصح: استحباب قلبها نفلاً. قال: (وأن المتنفل لا يجاوز ركعتين)؛ لأنه الأحب المعهود في النوافل. وقيل: له أن يزيد ما شاء، كما لو تطويل الأركان. وقيل: يقتصر على ركعة؛ بناء على حمل النذر المطلق عليها، حكاه في (الكفاية).

إِلاَّ مَنْ نَوَى عَدَداً فَيُيِمُّهُ. وَلاَ يُصَلَّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا من نوى عدداً فيتمه)؛ لأن إحرامه انعقد كذلك فأشبه المكتوبة المقدرة، ولا يزيد عليه؛ لأن الزيادة كافتتاح نافلة بدليل افتقارها إلى قصد جديد. وقيل: لا يزيد على ركعتين؛ لأنه عرف الشرع فيها. وقيل: له أن يزيد ما شاء؛ لأن حرمة تلك الصلاة باقية ما لم يسلم. وقيل: يقتصر على ركعتين. وكان الأحسن أن يقول: إلا من نوى شيئاً فيتمه؛ ليدخل من أحرم بركعة، فإنه لا يزيد عليها، ولا تسمى عدداً. وحكم المريض إذا شفي فيها حكم واجد الماء فيها. وإذا رأى الماء في أثناء الطواف .. قال الفوراني: إن قلنا: يجوز تفريقه .. توضأ، وإلا .. فكالصلاة. قال: (ولا يصلي بتيمم غير فرض)؛ لأن الوضوء كان لكل فرض التيمم بدل عنه، ثم نسخ ذلك في الوضوء بأنه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، وبقي التيمم على ما كان عليه، ولا يصح قياسه عليه؛ لأنه طهارة ضرورة. وروى البيهقي [1/ 221] عن ابن عمر أنه قال: (يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث). وروى الدارقطني [1/ 185] عن ابن عباس أنه قال: (من السنة أن لا يصلي بتيمم واحد إلا صلاة واحدة، ثم يحدث للثانية تيمماً). والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجوز المزني أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل، بناء على أصله – وهو: أنه يرفع الحدث مطلقاً – وبهذا قال ابن المنذر واختاره الروياني. ويستثنى من إطلاقه: المتيمم للجنابة عند عجزه عن استعمال الماء إذا تجردت جنابته عن الحدث؛ فإنه يصلي بتيممه فرائض، كما تقدم في أول (باب أسباب الحدث).

وَيَتَنَفَّلُ مَا شَاءَ, وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وسواء اتفق الفرضان كصلاتين, أو اختلفا كطواف وصلاة, وسواء الصبي وغيره على الأصح. فلو قال: ولا يفعل .. كان أحسن ليعم الطوافين, والصلاة والطواف, والجمعة والخطبة على الأصح. لكن يرد تمكينها الزوج, فإنها تفعله مرارا بتيمم واحد, وتجمع بينه وبين الصلاة. فلو نوى بتيممه استباحة فرضين قضاء, أو قضاء وأداء, فهل يصح تيممه ويستبيح به فرضا منهما, أو لا يصح؟ فيه وجهان أصحهما: الأول. وهذا إذا قلنا: إن تعيين الفريضة لا يشترط. قال: (ويتنفل ما شاء)؛ لأن النافلة وإن تعددت فهي في حكم صلاة واحدة بدليل أنه: لو أحرم بركعة .. فله جعلها مئة وبالعكس. ولأن في تكليفه التيمم لكل نافلة مشقة, ويؤدي إلى تركها, والشرع خفف فيها. ويؤخذ من هذا: أن من صلى فرضا بتيمم .. له إعادته به؛ لأن الفرض الأول كما سيأتي, وبه صرح الخفاف في (الخصال). قال: (والنذر كفرض في الأظهر)؛ لأنه تعين على الناذر فأشبه المكتوبة, وإذا تيمم له .. جاز أن يعدل عنه إلى الفرض. والثاني: لا؛ لأن وجوبه عارض, فلا يلحق بالفرض الأصلي. وصرح المصنف بضعف هذا الخلف في (الروضة) , وكذلك الشيخ في (كتاب الصيام) , فكان ينبغي التعبير بالمشهور. والخلاف ينبني على أنه: يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع أو جائزه. فلو قال: لله علي إتمام كل صلاة أدخل فيها .. كان له أن يشرع في نفل بعد أداء فريضة بتيمم؛ لأن ابتداءها نفل, قاله الروياني.

وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ, وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ إِحْدَى اٌلْخَمْسِ .. كَفَاهُ تَيَمُمٌ لَهُنَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: صحة جنائز مع فرض)؛ لأنها كالنوافل: في جواز تركها, وعدم انحصار عددها, وتعينها على المكلف عند انفراده إنما هو بطريق العرض, فلا يلحق بالواجب الأصلي. والثاني: لا؛ لأنها فرض في الجملة, وكما لا يصليها قاعدا ولا على الراحلة. والثالث: إن لم تتعين .. جاز كا لنفل, وإن تعينت .. فكالفرض, والذي صححه المصنف هو المنصوص في (المختصر). قال: (وأن من نسي إحدى الخمس .. كفاه تيمم لهن)؛ أن المنسية واحدة وما عداها ليس بفرض, بل هو وسيلة. والثاني: يجب لكل واحدة تيمم؛ لأن فعل الجميع واجب. وعطف المسألة على ما قبلها يقتضي: قوة الخلاف, وصرح في (الروضة) بضعفه. ولو قال المصنف: كفاه لهن تيمم .. كان أحسن؛ لئلا يوهم أنه لو نوى بتيممه الخمس كفى. والمراد: أنه يتيمم تيمما واحدا للمنسية منهن ويصلي به الخمس. وإذا صلى الخمس ثم تذكر المنسية .. جزم في (شرح المهذب) – تبعا للروياني وابن الصلاح – بوجوب إعادتها, وقد تقدم في أول الفرع الذي قبل قوله: (ومسح

وَإِنْ نسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ .. صَلَّى كُلَّ صَلاَةٍ بِتَيَمُمٍ, وَإِنْ شَاءَ .. تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالأَوَّلِ أَرْبَعاً وِلاَءً, وَبِالثَّانِي أَرْبَعاً لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ وجهه) قريب من هذا. ومن هنا يعلم: أن من نسي صلاة من خمس .. يلزمه أن يصلي الخمس. وقال المزني: يكفيه أن يصلي أربع ركعات ينوي بها الفائتة, ويجهر في الأوليين, ويجلس في الثالثة والرابعة, ويسجد للسهو ويسلم؛ لأن الفائتة إن كانت صبحا .. فقد أتى بها وزيادة ركعتين على وجه الشك, فلا يضر كزيادتهما سهوا والسجود يجبره, وكذا إن كانت مغربا .. فالركعة الزائدة على وجه الشك فالزيادة سهوا, وإن كانت رباعية .. فالزائد تشهد يجبر بالسجود. وإنما قال يجهر؛ لأن الغالب على الصلوات الخمس الجهر, وغلطه الأصحاب في ذلك. قال: (وإن نسي مختلفتين) كظهر وعصر (.. صلى كل صلاة بتيمم) , فيصلي الخمس بخمس تيممات, سواء علم أنهما من يوم أو يومين, وهذه طريقة ابن القاص. قال: (وإن شاء .. تيمم مرتين وصلى بالأول أربعا ولاء) كالصبح والظهر والعصر والمغرب. وضبط المصنف بخطه (ولاء) بالمد ولا وجه له. ولم يذكر هذا القيد في (الروضة) تبعا للرافعي, بل مقتضى كلامه عدم اشتراطه, ولعله أراد بذلك الاستحباب. قال: (وبالثاني أربعا يس منها التي بدأ بها) كالظهر والعصر والمغرب والعشاء, فيخرج مما عليه بيقين؛ لأنه أدى الصبح بتيمم والعشاء بتيمم وكلا من الظهر والعصر والمغرب بتيممين, وهذه طريقة ابن الحداد واستحسنها الأصحاب وعليها التفريع. وقيل: تتعين طريقة ابن القاص تعجيلا لبراءة الذمة.

أَوْ مُتَّفِقَتَينِ .. صَلَّى اٌلْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَلاَ يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والوجه الثاني – في أصل المسألة -: أنه يتيمم مرتين يصلي بكل تيمم الخمس, وهو شاذ. ولو نسي ثلاث صلاوات أو أربعا .. فثلاث تيممات في الأولى, وأربع في الثانية, ويصلي كما تقدم. وضابطه: أن تضرب المنسي في عدد المنسي فيه, وتزيد على الحاصل عدد المنسي, ثم تضرب المنسي في نفسه, وتسقط الحاصل من الجملة, فالباقي عدد المقضي, والتيمم بعدد المنسي. ففي صلاتين تضرب اثنين في خمسة, وتزيد على الحاصل اثنين, وتضرب الاثنين في نفسها يحصل أربعة, وتسقطها من الجميع يبقى ثمانية, واعمل ذلك في ثلاث صلوات وأربع. قال: (أو متفقتين .. صلى الخمس مرتين بتيممين)؛ ليخرج عن العهدة بيقين, ولا يكون ذلك إلا من يومين كصبحين أو ظهرين أو عصرين. وعلى الوجه الآخر .. يلزمه عشرة تيممات. فإن شك: هل هما متفقتان أو مختلفتان؟ أخذ بالأحوط وهو أنهما متفقتان. قال: (ولا يتيمم لفرض قبل وقت فعله)؛ لأنها طهارة ضرورة فلا تباح إلا عند وقت الضرورة, وهو قبل الوقت غير مضرور إليها. وجوزه أبو حنيفة والروياني قبل الوقت كالوضوء, وهو قياس قول المزني. ويشترط أيضا العلم بدخول الوقت على الأصح, وأخذ التراب في القت. فلو أخذه قبله ثم مسح به في الوقت .. لم يصح كما تقدم. ووقت الجنازة الغسل أو التيمم, وقيل: الموت, وبه أفتى الغزالي. ولو تيمم لجنازة بعد غسلها, ثم مات آخر .. جازت الصلاة عليه به. ووقت الفائتة تذكرها, ووقت تحية المسجد دخوله. ووقت صلاة الاستسقاء الاجتماع لها في الصحراء, كذا في (الشرح) و (الروضة) ,

وَكَذَا اٌلنَّفْلُ اٌلْمُؤَقَّتُ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَاباً .. لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْض ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مشكل فإن الصلاة تصح جماعة وفرادى, والاجتماع لا ضابط له. وقضية إطلاقهم .. أنه لا يصح التيمم للجمعة إلا بعد الخطبة, وأن الخطيب يحتاج إلى تيممين. أما لو علم بالوقت دون علمه بجهة القبلة .. ففي صحة تيممه قبل معرفة الجهة وجهان. والنذر المتعلق بوقت معين حكمه حكم الفرض. ولا فرق بين التيمم لفقد الماء أو لمرض. وإنما قال: (قبل وقت فعله) ولم يقل: قبله؛ لتدخل المجموعة تقديما. فلو تيمم للظهر وصلاها, ثم تيمم للعصر ليجمعها فدخل وقتها قبل فعلها .. بطل الجمع والتيمم. تنبيه: لا يرد على المصنف: من تيمم لفائتة ضحوة فلم يصلها به حتى زالت الشمس .. فإنه يصلي به الظهر في الأصح؛ لأنه لم يتيمم لظهر بل تيمم لغيرها في وقتها, غايته أنه يصلي به غير التي تيمم لها, ومثله لو تيمم لحاضرة في وقتها ثم تذكر فائتة فله أن يصليها به في الأصح. قال: (وكذا النفل المؤقت في الأصح) سواء الراتب وغيره؛ إلحاقا له بالفرض. والثاني: لا بل يجوز قبله؛ لأن أمره أوسع, ولهذا جاز الجمع بين نوافل بتيمم. واحترز ب (المؤقت) عن النوافل المطلقة؛ فإنه يتيمم لها متى شاء, إلا في أوقات الكراهة في الأصح. قال: (ومن لم يجد ماء ولا ترابا) لكونه في موضع ليسا فيه (.. لزمه في الجديد أن يصلي الفرض) لحرمة الوقت, كالعاجز عن السترة وإزالة النجاسة, ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) [خ 7288 – م 1337]

وَيُعِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الصحيحين) [خ 336 – م 367]: (أن عقد عائشة لما فقدته .. صلوا وهم على غير وضوء, فأنزل الله تعالى آية التيمم). فإن كان جنبا .. لا يقرأ فيها غير الفاتحة بلا خلاف. وصحح المصنف والشيخ وجوب قراءتها, وصحح الرافعي امتناع ذلك. واحترز ب (الفرض) عن النقل, فلا يصليها ولا يحمل مصحفا ولا يمكث في المسجد إذا كان جنبا, ولا تمكن زوجها إذا كانت منقطعة الحيض والنفاس. قال: (ويعيد)؛ لأنه عذر نادر. والثاني: تجب الصلاة بلا إعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها في حديث عائشة, وهذا القول مطرد في كل صلاة وجبت في الوقت مع خلل, وهو مذهب المزنيظو واختاره في (شرح المهذب)؛ لأنه أدى وظيفة الوقت, وإنما يجب القضاء بأمر جديد ولم يثبت فيه شيء. والثالث: لا تجب الصلاة وتجب الإعادة؛ لأنا لو أوجبنا الأداء .. لأوجبنا فرضين للوقت الواحد, لكن يستحب ذلك لحرمة الوقت. والرابع: كالثالث, إلا أن الإعادة لا تجب لما سبق. والخامس: أنها تحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم [224]. وفي (الترمذي) [3]: (مفتاح الصلاة الطهور). ومراد المصنف وغيره بالإعادة: القضاء لا الاصطلاح الأصولي, ولا يخفى أن قضاءه يشرع إذا قدر على الماء, وكذلك إذا على التراب في موضع يغني عن الإعادة, فإن لم يغن عنها .. لا يعيد؛ لأنها صلاة لا تنفعه ولا ضرورة إليها ولا حرمة وقت. وقع في (نكت المصنف): أنه يعيد إذا قدر على التيمم مطلقا, وهو سهو, وإنما وجبت الإعادة؛ لأنه عذر نادر. وأفهم كلامه: أن المأتي به في هذه الحالة صلاة صحيحة.

وَيَقْضِي اَلْمُقِيمُ اَلْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ اَلْمَاءِ, لاَ اَلْمُسَافِرُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (شرح المهذب): ولهذا تبطل بالحديث والكلام ونحوهما اتفاقا, وكذا برؤية الماء أو التراب في أثنائها على الصحيح. وقيل: ليس صلاة ولكنها تشبه الصلاة, كالإمساك في رمضان, حكاه في (شرح المهذب) , وجزم به في (الكفاية) في (باب الحيض). وبنى عليهما المتولي في (كتاب الأيمان): لو حلف لا يصلي فأتى بها. ثم إذا أعاد .. ففي لبفرض منهما أقوال أو أوجه: أحدهما: الأولى, وإنما أمر بالثانية تلافيا لما اختل من الأولى. والثاني: الثانية وهو الأصح, وإنما أمر بالأولى لحرمة الوقت. والثالث: كلاهما فرض, قال المصنف وهو أفقه. والرابع: إحداهما لا بعينها. قال: (ويقضي المقيم المتيمم لفقد الماء) أي: على الجديد؛ لأنه عذر نادر إذا وقع لا يدوم. والقديم المختار عند المصنف: لا يعيد؛ لأنه أتى بالمقدور. وفي قول: لا تلزمه الصلاة في الحال, بل يصبر حتى يجده. قال: (لا المسافر) سواء تيمم عن حدث أكبر أو أصغر؛ لأن الفقد في السفر يعم. وروى أبو داوود [342] والنسائي [1/ 213] عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر, فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا, ثم وجدا الماء في الوقت, فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر. ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: (أصبت السنة, وأجزأتك صلاتك) , وقال للذي توضأ وأعاد: (لك الأجر مرتين). صحح إرساله أبو داوود [342] , وصحح الحاكم وصله على شرطهما [1/ 178]. وعلى تقدير إرساله اعتضد بإجماع الفقهاء السبعة, والقياس على المريض,

إِلاَّ اَلْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وبفعل الصحابي؛ فإنه صح: (أن ابن عمر تيمم ولم يقض) , وهو قول أكثر أهل العلم. وقيل: يقضي في السفر القصير؛ لأنه في حكم الحضر. تنبيه: قولهم: المقيم يقضي والمسافر لا يقضي, جار على الغالب في حالتي السفر والإقامة من كثرة الماء في الحضر وقلته في السفر, فلو انعكس الحال انعكس الحكم. والجمعة لا تدخل في عبارة المصنف؛ لأنه لا قضاء لها. والمتجه: فعلها وقضاء الظهر. قال: (إلا العاصي بسفره في الأصح) , فإنه يلزمه أن يصلي بالتيمم ويقضي في الأصح؛ لأنه ليس من أهل الرخصة. والثاني: لا يقضي؛ لأنه لما وجب عليه .. صار عزيمة. وفي وجه ثالث: لا يستبيح التيمم أصلا, ويقال له: إن تبت .. استبحت, وإلا أثمت بترك الصلاة, وهو غريب في النقل, قوي في المعنى لا سيما إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت؛ لأن سفر المعصية لا تتعلق به رخصة, وكذلك الحكم في العاصي بإقامته في موضع يندر فيه وجود الماء كما سبق. قال الشيخ: إذا تقرر أن الاعتبار بموضوع ندور الماء وغلبته من نظر إلى سفر أو حضر, وهذا إشكال قوي ينبغي أن ينظر فيه في التوفيق بين الكلامين, ولا يستقيم ذكر مسألة العاصي إلا ممن يرى أن المسافر إذا اجتاز ببلد وتيمم .. لا يقضي, فعلى هذا: تظهر الفائدة فيها.

وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ .. قَضَى فِي الأَظْهَرِ, أَوْ لِمَرَضٍ يَمْنَعُ اَلْمَاءَ مُطْلَقَاً, أَوْ فِي عُضْوٍ وَلاَ سَاتِرَ .. فَلاَ, إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيٌر, وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ .. لَمْ يَقْضِ فِي اَلأَظْهَرِ إِنْ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وجواب هذا: أن تيمم العاصي بسفره إعانة له على السفر, ولذلك لا يحل له أكل الميتة وإن جوزناها للعاصي المقيم. قال: (ومن تيمم لبرد) أي: في السفر (.. قضى في الأظهر)؛ لندور فقدان ما يسخن به الماء أو يدثر به أعضاءه. والثاني: لا يقضي, وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمرو بن العاص بالإعادة. وجوابه: لعله كان يعلم ذلك, أو أن القضاء على التراخي, أو تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز. وقال الحسن وعطاء: لا يجوز له التيمم, بل يستعمل الماء وإن مات. هذا ومحل القولين في السفر, فإن كان حاضرا .. فالمذهب: القطع في حقه بالوجوب, وقيل بالقولين. قال: (أو لمرض يمنع الماء وطلقا, أو عضو ولا ساتر .. فلا) سواء كان حاضرا أو مسافرا؛ لأن المرض عذر عام. قال: (إلا أن يكون بجرخه دم كثير) , ففي هذه الحالة يقي, لأن العجز عن إزالته بماء مسخن ونحوه نادر. والتقييد ب (كثير) زاده على (المحرر). وسيأتي في (شروط الصلاة) ما يخالف تصحيحه هنا. واحترز به عن اليسر فإنه لا يضر, اللهم إلا إذا كان على موضوع التيمم وكان كثيفا يمنع وصول التراب إلى المحل, فإن القضاء يجب حينئذ لا لأجل النجاسة بل لنقصان البدل والمبدل, كما سيأتي في الجبيرة إذا كانت في محل التيمم. قال: (وإن كان ساتر .. لم يقض في الأظهر إن وضع على طهر)؛ لحديث جابر الصحيح في المشجوج فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة, ولأن المسح

فَإِنْ وُضِعَ عَلَى حَدَثٍ .. وَجَبَ نَزْعُهُ, فَإِنْ تَعَذَّرَ .. قَضَى عَلَى اَلْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على الخف يغني عن الإعادة مع أنه لا ضرورة إلى لبسه, فالمسح على الجبيرة أولى. والثاني: يجب؛ لأنه عذر نادر. قال: (فإن وضع على حدث .. وجب نزعه) أي: إن أمكن؛ لأنه مسح على ساتر فاشترط فيه الوضع على طهر كالخف. وقيل: لا يجب؛ لأنه موضوع ضرورة. فالنزع عند الإمكان واجب سواء وضع على حدث أم طهر, فذكره ههنا خاصة يوهم أنه لا يجب نزعه في السم الأول وليس كذلك. قال: (فإن تعذر .. قضى على المشهور)؛ لفوات شرط الوضع على الطهارة. والثاني: لا؛ لإمكان العذر. وكان ينبغي أن يقول: على المذهب؛ فإن الأظهر في (الرافعي) وفي (شرح المهذب): الجزم بالوجوب. وعبر في (الروضة) بالأظهر. تتمة: جميع ماذكره المصنف محله إذا كان الساتر على غير محل التيمم, فإن كان على محله .. وجب القضاء بلا خلاف؛ لنقصان البدل والمبدل جميعا كذا نقله الرافعي عن المتولي وابن الصباغ وأقره. هذا أوجبنا على الجديد, أما على القديم الذي اختاره المصنف: فإنه لا قضاء, وحيث أوجبنا الإعادة .. ففرضه الثانية كما تقدم في فاقد الطهورين, وقيل: الأولى, وقيل: إحداهما لا بعينها, وقيل: كلاهما واختاره القفال والفوراني وابن الصباغ والشيخ. وفائدة الخلاف: في فعلهما بتيمم واحد وغير ذلك. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة تيمم عن جنابة أو حيض, ثم أحدث .. حرم عليه ما يحرم على المحدث, إلا قراءة القرآن واللبث في المسجد. ولا يعرف جنب يباح له المسجد وقراءة القرآن سواه. * * *

باب الحيض

بَابُ الْحَيْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الحيض أصله: السيلان, تقول العرب: حاضت الشجرة إذا سال صمغها, وحاض الوادي إذا سال. وله عشرة أسماء: الحيض والطمث, والضحك والإكبار, والإعصار والدراس, والعراك بالعين, والفراك بالفاء, والطمس بالسين, حكاهما صاحب (الأحوذي) , والعاشر النفاس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (أنفست). وهو في الاصطلاح: دم يخرج بعد بلوغ المرأة, من أقصى رحمها, على سبيل الصحة, من غير سبب, في أوقات معلومة. والاستحاضة: سيلان الدم في غير أوقاته, من غير مرض وفساد, من عرق فمه في أدنى الرحم - يسمى: العاذل بالذال المعجمة - يتصل بالحيض تارة وينفصل أخرى. والنفاس سيأتي. ودم الفساد: الخارج قبل تسع سنين. فجموع ما يخرج من الفرج أربعة دماء. ونقل البخاري عن بني إسرائيل: أول ما وقع الحيض فيهم, ثم أبطله بقوله

أَقَلُّ سِنِّهِ: تِسْعُ سِنِينَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: (إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم). وقيل: أول من حاضت حواء – بالمد – لما كسرت الشجرة الحنطة أدمتها, فقال تعالى: وعزتي وجلالي لأدمينك كما أدميت هذه الشجرة. قال الجاحظ: والذي يحيض من الحيوان أربعة: الآدميات والأرانب والضبع الخفاش. وصدر الباب في (المحرر) بقوله تعالى: {ويسئلونك عن المحيض} الآية. والمحيض الأول في الآية: هو الدم بالاتفاق, والثاني: كذلك عندنا. وقيل: زمان الحيض, وقيل: مكانه وهو الفرج, كالمبيت والمقيل: اسم لموضعهما, وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين. والسائل عنه: أسيد بن حضير, وعباد بن بشر. قال: (أقل سنه: تسع سنين) أي: قمرية؛ لأنه لا ضابط له في الشرع ولا في اللغة, فرجع فيه إلى الوجود. قال الشافعي: أعجل من سمعت من النساء يحضن نساء تهامة؛ يحضن لتسع سنين.

وَأَقَلُّهُ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ, وَأَكْثرُهُ: خَمْسَةَ عَشَرَ بِلَيَالِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسواء في سن الحيض البلاد الحارة كتهامة, والباردة كالصين. وقيل: إذا رأته بنت التسع ونحوها في البلاد الباردة لا يكون حيضا. وأصح الأوجه: أنها باستكمالها, وقيل: نصفها, وقيل: أولها. والأصح: أن التسع تقريب. وعلى هذا: إذا رأت الدم قبله بزمن لا يسع طهرا وحيضا .. يكون حيضا, دون ما إذا وسعهما. قال: (وأقله: يوم وليلة). المراد: مقدار يوم وليلة, وهو أربع وعشرون ساعة؛ لأنه أقل ما علم, كذا قاله الشافعي, وهذا نصه في عامة كتبه, ونص في مواضع على أن: أقله قدر يوم فقط. وقيل: قولان. وقيل: دفعة كالنفاس وهو غريب. قال: (وأكثره: خمسة عشر بلياليها) , نقل ذلك عن عطاء وشريك وجماعة من التابعين, واستأنسوا له بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لعقول ذوي الألباب منكن يا معشر النساء)! قيل: وما نقصان دينهن وعقلهن يا رسول الله؟ قال: (أما نقصان عقلهن .. فشهادة اثنتين منهن بشهادة رجل واحد, وأما نقصان دينهن .. فإن إحداهن تمكث شطر عمرها لا تصلي). وعبر بذلك عن الحيض, لكن لم يذكره أهل الحديث بهذا اللفظ, بل بلفظ: (أليس إذا حاضت .. لم تصل ولم تصم) , فعمدتنا الاستقراء. وأما غالب الحيض فست أو سبع؛ لما روى أبو داوود [291] والترمذي [128]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة: (تحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله)

وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ اَلْحَيْضَتَيْنِ: خَمْسَ عَشَرَ, وَلاَ حَدَّ لِأَكْثَرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: فيما أعلمك الله من عادة النساء, إن كانت عادتهن ستا .. فتحيضي ستا, وإن كانت عادتهن سبعا .. فتحيضي سبعا. قال: (وأقل طهر بين الحيضتين: خمسة عشر)؛ لأنه أقل ما يثبت وجوده, ولأن أكثر الحيض إذا كان خمسة عشر .. لزم في الطهر ما ذكرناه. وقول صاحب (المهذب): ولا أعلم فيه خلافا, معترض بما روي عن بعض أصحاب مالك: أنه عشرة أيام, وعن أحمد: لا حد له, وعن يحيى بن أكثم: أنه تسعة عشر يوما. لنا: أن الله تعالى أجرى العادة أن الشهر ينقسم إلى طهر وحيض, ولو صح حديث: (ناقصات عقل ودين) .. لكان دليلا. واحترز بقوله: (بين الحيضتين) عما إذا رأت الحامل الدم وجعلناه حيضا, ولم يكن بينه وبين النفاس أقل الطهر .. فإنه لا يقدح في كونه حيضا في الأصح, وعما إذا رأت أكثر النفاس ثم انقطع دون خمسة عشر, ثم عاد الدم .. فهو حيض في الأصح, وعن طهر الآيسة والمبتدأة. قال: (ولا حد لأكثره) بالإجماع, فإن المرأة قد لا تحيض أصلا, وقد تحيض في السنة مرة واحدة. وحكى القاضي أبو الطيب: أن امرأة كانت تحيض في زمنه في كل سنة يوما وليلة. واقتضت عبارة المصنف: أنه لو اطردت عادة امرأة بأن تحيض دون يوم وليلة, أو أكثر من خمسة عشر .. أن ذلك لا يتبع, وهو كذلك على أصح الأوجه؛ لأن بحث الأولين أتم وأوفى, واحتمال عروض دم فاسد للمرأة أقرب من خرق العادة المستمرة. والثاني: نعم؛ لأن المرجع في هذه المقادير إلى الوجود. والثالث: إن وافق ذلك مذهب أحد من السلف .. أخذنا به, وإلا .. فلا.

وَيَحْرُمُ بِهِ: مَا حَرُمَ بِاَلْجَنَابَةِ, وَعُبُورُ اَلْمَسْجِدِ إِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ, وَاَلصَّوُمُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي نص عليه الشافعي الثاني, حكاه صاحب (التقريب) والماوردي, واختاره المتولي وابن الصلاح وطوائف من المحققين. وأما غالب الطهر .. فيعرف من غالب الحيض, فإذا كان ذلك ستا أو سبعا .. كان هذا أربعا وعشرين أو ثلاثا وعشرين. قال: (ويحرم به: ماحرم بالجنابة)؛ لأنه أغلظ, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعي الصلاة أيام أقرائك) , وقال لعائشة: (افعلي ما يفعل الحاج, غير أن لا تطوفي بالبيت). وفي القديم: لخوف النسيان, وقيل: قدر حاجة التعليم إن كانت معلمة. قال: (وعبور المسجد إن خافت تلويثه)؛ صيانة له عن القاذورات, ولهذا لم يفترق الحال فيه بين المسلمة والذمية, بخلاف الجنب. وهذا التقييد لا حاجة إليه؛ لأن الكلام في خاصية الحيض, وخوف التلويث لا يختص به, بل المستحاضة ومن به سلس البول أو جراحة نضاحة الدم يخشى من مروره التلويث كذلك. فلو أمنت .. فالأصح: الجواز, وقيل: يحرم لغلظ حدثها. ومحل الخلاف: قبل انقطاعه, أما بعده .. فالجمهور على الجزم بالجواز. وفهم من هذا: تحريم دخول المنتعل بنعل فيه نجاسة رطبة. أما إدخال البهيمة المسجد .. فسيأتي في الحج. قال: (والصوم) بالإجماع, قال الإمام: كون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه؛ فإن الطهارة ليست مشروطة فيه, وهو يضعفها وصوم الضعيف صحيح. والصحيح عند الجمهور: أن الحائض ليست مخاطبة بالصوم في حال الحيض.

وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ بِخِلاَفِ اَلصَّلاَةِ, وَمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ وفائدة الخلاف في (الذخائر): فيما إذا قلنا: يجب التعرض للأداء والقضاء في النية. فإن قلنا بوجوبه عليها .. نوت القضاء, وإلا نوت الأداء؛ فإنه وقت توجه الخطاب إليها. قال: (ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة)؛ لقول عائشة: (كنا نؤمر بقضاء الصوم, ولا نؤمر بقضاء الصلاة) , وأجمعت الأمة على هذين الحكمين. وفيه من المعنى: أن الصلاة تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم, وقد أعاد المصنف مسألة الصلاة في أوائل (الصلاة) , ولم يبين الشيخان حكم قضائها الصلاة: هل هو حرام أو مكروه؟ ونقل ابن الصلاح والمصنف في (طبقاتهما) عن (شرح التبصرة) للبيضاوي: أنه حرام. وفي (شرح الوسيط) للعجلي, و (البحر) و (الشامل): أنه مكروه. وأما ركعتا الطواف .. فنص الشافعي على أنها: تقضيهما, وتكون الصلاة في حديث عائشة محمولة على الصلاة المعهودة, لأن ركعتي الطواف لا آخر لوقتهما, فلا يتأتى قضاؤهما. قال: (وما بين سرتها وركبتها)؛ لقوله تعالى: {فاعتزلوا النساء في المحيض}. وروى أبو داوود [214] والبيهقي [1/ 312] – بإسناد جيد – عن حرام بن حكيم – وهو بفتح الحاء والراء المهملتين, لا بالزاي كما قاله الزنكلوني – عن عمه عبد الله بن

وَقِيلَ: لاَ يَحْرُمُ غَيْرُ اَلْوَطْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: (لك ما وراء الإزار) , حسنه الترمذي [133]. ومراد المصنف: تحريم المباشرة, كما عبر به في (شرح المهذب) و (التحقيق) , وهو يقتضي: إباحة النظر بشهوة. ويحتمل أن يريد: تحريم الاستمتاع مطلقا, وبه عبر في (الروضة) تبعا (للرافعي). أما الاستمتاع بنفس السرة والركبة .. ففي (شرح المهذب) المختار: الجزم بجوازه. قال: (وقيل: لا يحرم غير الوطء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) , رواه مسلم [302] واختاره الماوردي في (الإقناع) , والروياني في (الحلية) , والمصنف في (التنقيح) و (التصحيح) و (شرح المهذب) و (التحقيق) , وحمل الحديث الأول عليه. قال الشيخ: والأقوى حمل الثاني على الأول؛ لأن: (من حام حول الحمى .. يوشك أن يقع فيه). وجميع هذه الأحكام تثبت بمجرد رؤية الدم ظاهرا, فإن نقص عن اليوم والليلة غيرنا الحكم. وقيل: إن أمن الوطء لقوة ورع أو ضعف شهوة .. جاز, وإلا فلا, قاله أبو الفياض وهو حسن. وقيل: يحرم جميع ما أصابه دم الحيض من بدنها دون غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشذ ابن حربويه وعبيدة السلماني فقالا: تحرم مباشرتها في جميع بدنها. وإذا قلنا: لا يحرم .. فهو مكروه. فروع: عد في (المهذب) الطهارة مما يحرم عليها. قال المصنف: ومراده إذا قصدت التعبد بها مع علمها بأنها ل تصح, وإنما أثمت بذلك؛ لتلاعبها. ولم يصرح الرافعي بالتحريم, بل عبر بعدم الصحة. كل هذا في الطهارة لرفع الحدث, أما الطهارة االمقصودة للتنظيف – كأغسال الحج – فإنها تأتي بها, كما سيأتي في بابه. ومباشرتها له فيما بين السرة والركبة القياس: تحريمها. وفي (الرونق) و (اللباب): يحرم عليها حضور المحتضر, فإن كان لأجل حضور الملائكة .. ليكن الجنب كذلك؛ لما تقدم أن: (الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب). فلو خالف واستمتع بالحائض عالما بالتحريم .. فقد ارتكب كبيرة, ولا غرم عليه في الجديد, بل يستغفر الله ويتوب, ويستحب أن يتصدق بدينار إن كان وطؤه في إقبال الدم, وبنصف دينار إن كان في إدباره, وهذه الصدقة واجبة في القديم, ونقله الدارمي عن الجديد أيضا. وإنما اختلف بحسب الإقبال والإدبار؛ لأنه في أوله قد كان قريب عهد بجماع فلا يعذر, وفي آخره بعيد عهد به فخفف عنه. وإذا ادعت الحيض وظن صدقها .. حرمت المباشرة, أو كذبها فلا, بخلاف تعليقه طلاقها بحيضها, فإن القول قولها في الحالتين؛ لأنه مفرط في تعليقه. ولو اتفقا على الحيض واختلفا في انقطاعه .. فالقول قولها.

فَإِذَا اَنْقَطَعَ .. لَمْ يَحِلِّ قَبْلَ اَلْغُسْلِ غَيْرُ اَلصَّوْمِ وَاَلطَّلاَقِ. وَاَلاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ دَائِمٌ كَسَلَسٍ, فَلاَ تَمْنَعُ اَلصَّوْمَ وَاَلصَّلاَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإذا انقطع) أي: لزمن الإمكان (.. لم يحل قبل الغسل غير الصوم والطلاق)؛ لأن الحيض قد زال وصارت كالجنب, وصومه صحيح بالإجماع, ويجوز أيضا الطلاق؛ لأن تحريمه إنما كان لتطويل العدة وقد زال بمجرد الانقطاع. وأما تحريم المباشرة فيما دون السرة والركبة .. فيبقى إلى أن تطهر. واعترض على المصنف في استثناء الطلاق, ولم يتقدم له ذكر في (باب المحرمات) , ولهذا لم يستثنه في (المحرر) , وقد استثنى الرافعي مع ما ذكره المصتف شيئين: المنع من الطهارة, وسقوط قضاء الصلاة. وكان الأحسن أن يقول: لم يحل قبل التطهير؛ ليندرج فيه التيمم, فإنه يكفيها إذا وجد شرطه. ويباح وطؤها بالتيمم في الحضر كما أباح الصلاة, ولو لم تجد الماء والتراب .. وجبت الصلاة كما سبق, ولا يباح وطؤها في الأصح كما تقدم. والذمية إذا انقطع حيضها .. لا يطأها الزوج حتى تغتسل, وسيأتي حكمها في آخر (باب ما يحرم من النكاح). قال: (والاستحاضة حدث دائم كسلس) المراد: أن حكمها حكم سائر الأحداث لا حكم الحض, سواء اتصلت بالحيض أم لا. و (السلس) هنا بفتح اللام على أنه مصدر, فيشمل سلس النجو والبول والمذي الذي يحدث بغير سبب من نظر وغيره. أما من به سلس الريح .. فيتوضأ لكل فريضة. قال الشافعي: وقل من يستديم به سلس المني؛ لأن معه تلف النفس. قال: (فلا تمنع الصوم والصلاة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما حمنة بنت جحش وكانت مستحاضة, رواه الترمذي [128] وصححه.

فَتَغْسِلُ اَلْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فتغسل المستحاضة فرجها) أي: وجوبا, قبل الوضوء أو التيمم إن كانت تتيمم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فاغسلي عنك الدم وصلي) , متفق عليه [306 خ – 333م]. قال: (وتعصبه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة: (تلجمي) , قال الترمذي [128]: حسن صحيح. وفي حديث أم سلمة: (ولتستثفر بثوب). ويجب أن تسد الفرج بقطنة ونحوها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث حمنة: (أنعت لك الكرسف) , وهو: القطن. وإنما أمرت بذلك دفعا للنجاسة وتقليلا لها. وتتلجم وتستثفر فإن كان الدم يندفع بالحشو لقتله .. لم يلزمها غيره, وإلا شدت وتلجمت. وكيفية العصابة: أن تشد في وسطها خرقة أو خيطا, وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين تجعل وسطها على فرجها ملصقة بالقطنة التي في الفرج إلصاقا جيدا, وتشد الطرفين في التي في وسطها من قدامها وخلفها شدا محكما, ويسمى: تلجما واستثفارا, من لجام الدابة وثفرها. قال الرافعي: والحشو والتلجم واجب إلا في صورتين: إحداهما: أن تتأذى به ويحرقها الدم باجتماعه, فلا يلزمها. والثانية: أن تكون صائمة فتترك الحشو نهارا, وتقتصر على الشد والتلجم. قال ابن الرفعة: فإن قيل: قد تعارض في هذا مصلحة الصلاة والصوم, فينبغي أن يكون كما لو ابتلع بعض خيط ثم طلع الفجر وطرفه خارج وهو صائم, والأصح فيه: مراعاة الصلاة.

وَتَتَوَضَّأُ وَقْتَ اَلصَّلاَةِ, وَتُبَادِرُ بِهَا, فَلَوْ أَخَّرَتْ لِمَصْلَحَةِ اَلصَّلاَةِ كَسَتْرٍ وَاَنْتِظَارِ جَمَاعَةٍ .. لَمْ يَضُرَّ, وَإِلاَّ .. فَيَضُرُّ عَلَى اَلصَّحِيحِ. وَيَجِبُ اَلْوُضْوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوابه: أن الاستحاضة علة مزمنة فالظاهر دوامها, فلو راعينا الصلاة لتعذر عليها قضاء الصوم, وأما هناك فالقضاء متيسر كل وقت. وسلس البول يدخل قطنة في إحليله فإن انقطع, وإلا .. لف على رأسه خرقة. قال في (الكفاية): ول يجوز له أن يعلق قارورة يتقاطر فيها بوله؛ لأنه يصير حاملا للنجاسة في غير معدنها بغير ضرورة. قال: (وتتوضأ وقت الصلاة)؛ لأنها طهارة ضرورة, ولا ضرورة قبل الوقت. وقيل: يجوز تقديمها إذا انطبق آخرها على أول الوقت. قال: (وتبادر بها) أي: بالصلاة, بعد احتياطها وطهارتها تخفيفا للمانع؛ لأن الحدث يتكرر منها وهي مستغنية عن احتماله بالمبادرة. قال: (فلو أخرت لمصلحة الصلاة كستر وإنتظار جماعة .. لم يضر)؛ لأنها لا تعد بذلك مقصرة, وكذلك التأخير لإقامة الصلاة, والاجتهاد في القبلة, والذهاب إلى المسجد الأعظم, وكذا لتحصيل سترة لا تصل إليها. وعد الرافعي من ذلك التأخير للأذان – والمرأة لا يستحب لها الأذان على المعروف – فكان المراد: إجابته لا تعاطيه. قال: (وإلا) أي: وإن أخرت لا لمصلحة الصلاة (.. فيضر على الصحيح)؛ لأنها تصلي مع نجاسة يمكن التحفظ عنها. والثاني: لا يضر كتطويلها الصلاة, وقياس على التيمم. والثالث: إن أخرت إلى أن خرج الوقت .. لم يكن لها أن تصلي بتلك الطهارة, وإن لم يخرج .. حاز؛ لأن الواجب موسع. قال: (ويجب الوضوء لكل فرض) , فلا تجمع بين فرضين بوضوء واحد؛ لدوام حدثها, وإنما جوزنا الفريضة الواحدة للضرورة.

وَكَذَا تَجْدِيدُ اَلْعِصَابَةِ فِي اَلأَصَحَّ. وَلَوَ اَنْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَ اَلْوُضُوءِ وَلَمْ تَعْتَدِ اَنْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ, أَوِ اَعْتَادَتْ وَوَسِعَ زَمَنُ اَلِانْقِطَاعِ وُضُوءاً وَاَلصَّلاَةَ .. وَجَبَ اَلْوُضُوءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (توضئي لكل صلاة) , قال الترمذي [125]: حسن صحيح. والنذر كالفرض على المذهب. أما النفل .. فلها أن تتنفل ما شاءت كالمتيمم, وفي وجه: ليس لها أن تتنفل بحال. قال: (وكذا تجديد العصابة في الأصح) – أي: مع حشو الفرج وتطهيره – كما يجيب تجديد الوضوء. والثاني: لا؛ لأنه لا معنى للأمر بإزالة النجاسة مع استمرارها. ويجريان فيما إذا لم تصل ولكن انتقضت طهارتها بلمس أو ريح أو مس, فإن بالت .. وجب التجديد جزما, وكذلك إن زالت العصابة عن موضعها زوالا له بال, أو ظهر الدم على جوانبها .. فتجدد قطعا. قال: (ولو انقطع دمها بعد الوضوء ولم تعتد انقطاعه وعوده, أو اعتادت ووسع زمن الانقطاع وضوءا والصلاة) أي: التي توضأت لها على أقل ممكن (.. وجب الوضوء). أما في الأولى .. فلاحتمال الشفاء, والأصل عدم عوده. أما في الثانية .. فلإمكان أداء الصلاة على الكمال في الوقت. ولا تؤخر لجماعة ونحوها إذا خافت أو علمت عود الدم قبل إتمام الصلاة, بل تتعين المبادرة جزما. فلو لم يسع زمن الانقطاع الوضوء والصلاة ... فلا عبرة به. ولو أخبرها من يعتمد من أهل المعرفة بالعود, فكما لو اعتادت. فلو امتد الانقطاع .. بان بطلان الطهارة, ووجب القضاء؛ اعتبارا بما في نفس الأمر.

فصل

فَصْلٌ: رَأَتْ لِسِنَّ اَلْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ .. فَكُلُّهُ حَيْضٌ, وَاَلصُّفْرَةُ وَاَلْكُدْرَةُ حَيْضٌ فِي اَلأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو عبر المصنف بالطهارة بدل الوضوء .. كلن أحسن لشموله غسل الفرج من النجس. ولو كان الانقطاع في الصلاة .. فكهو قبلها. تتمة: قول الأصحاب: إذا شفيت المستحاضة .. يلزمها استئناف الوضوء, المراد به: إذا خرج منها دم في أثناء الصلاة أو بعد الوضوء, وإلا فلا يلزمها الوضوء بل تصلي بوضوئها الأول بلا خلاف؛ لأنه بان أن طهارتها تامة رافعة للحدث, صرح به في (البسيط) وغيره. ويجوز وطء المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر, ولا كراهة في ذلك وإن كان الدم جاريا, ولها قراءة القرآن. وإذا توضأت .. استباحت مس المصحف وحمله, وسجود التلاوة والشكر, وعيها الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات, فلا يثبت لها شيء من أحكام الحيض بلا خلاف. قال: (فصل: رأت لسن الحيض أقله ولم يعبر أكثره .. فكله حيض) سواء وافق العادة أو خالفها, اتفق لونه أو اختلف؛ لأن الشروط قد اجتمعت, واحتمال تغير العادة ممكن, حتى إذا رأت خمسة عشر, فإن جاوزها .. تبينا أن الأحمر استحاضة. قال: (والصفرة والكدرة حيض في الأصح) سواء كانت مبتدأة أو معتادة, خالف عادتها أو وافق, وهما ليسا من ألوان الدم, إنما هما كالصديد تعلوه صفرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكدرة, والدليل على ذلك ما رواه البخاري تعليقا, ومالك [130] وغيره متصلا: أن النساء كن يبعثن إلى عائشة الدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض, فتقول: (لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء) تريد: الطهر من الحيضة. و (الدرجة) – بدال مهملة مضمومة, وراء مهملة ساكنة بعدها جيم -: خرقة ونحوها تدخلها النرأة في فرجها, ثم تخرجها لتنظر: هل بقي شيء من أثر الحيض أو لا؟ و (القصة البيضاء) ,هي: القطنة أو الخرقة البيضاء التي تحتشي بها المرأة عند الحيض. ويقابل الأصح ستة أوجه: أحدها: أنهما ليسا حيضا؛ لقول أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا) , كذا رواه أبو داوود [311] والحاكم [1/ 174] وغيرهما. ووقع في (الوسيط) من قول زينب بنت جحش, وفي (النهاية) من قول حمنة, والصواب: الأول. والثاني – وبه قال الإصطخري -: أنهما حيض في أيام العادة فقط. والثالث: إن تقدمهما دم قوي ولو بعض يوم .. كانا حيضا. والرابع: يشترط تقدم دم قوي يوما وليلة. والخامس: يشترط أن يتقدمهما قوي ويلحقهما قوي. والسادس: يشترط أن يتقدمهما قوي يوما وليلة, ويلحقهما قوي يوما وليلة. ولم يسلم في (شرح المهذب) قول الرافعي: إن محل الخلاف في غير أيام العادة, أما في أيامها .. فهو حيض, وتابعه على ذلك في (الروضة).

فَإِنْ عَبَرَهُ: فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً؛ بِأَنْ تَرَى قَوِيَاً وَضَعِيفاً .. فَاَلضَّعِيفُ اَسْتِحَاضَةٌ, وَاَلْقَوِيُ حَيْضٌ إِنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ وَلاَ عَبَرَ أَكْثَرَهُ, وَلاَ نَقَصَ اَلضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ اَلطُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن عبره) أي: عبر الدم أكثر الحيض, وهذا ضابط المستحاضة, وهي تنقسم إلى: مبتدأة مميزة, ومعتادة مميزة, وغير مميزة, وقد تكون ناسية للقدر والوقت وسيأتي. قال: (فإن كانت مبتدأة مميزة؛ بأن ترى قويا وضعيفا .. فالضعيف استحاضة, والقوي حيض إن لم ينقص عن أقله ولا عبر أكثره, ولا نقص الضعيف عن أقل الطهر)؛ لما روى أبو داوود [290] والنسائي [1/ 185] والحاكم [1/ 174] – وقال: على شرط مسلم -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: (دم الحيض أسود يعرف, فإذا كان ذلك .. فأمسكي عن الصلاة, وإذا كان الآخر .. فتوضئي وصلي فإنما هو عرق). فإن فقد واحد من الشروط الثلاثة .. فهي غير مميزة, فلو رأت خمس عشر حمرة, ثم خمس عشر سوادا, ثم استمر السواد .. فهي فاقدة للتمييز, فتترك الصلاة في الشهر الأول بكامله, وفي الشهر الثاني يوما وليلة على الصحيح, وستا أو سبعا على القول. قال الأئمة: وليس لنا مستحاضة تجع الصلاة هذه المدة إلا هذه. قال شيخنا: ولك أن تقول: قد تؤمر بالترك في أضعاف ذلك, كما إذا رأت صفرة ثم شقرة, ثم سوادا بلا ثخانة ولا رائحة كريهة, ثم سوادا بأحدهما, ثم سوادا بهما معا, ونحو ذلك, وأقام كل دم خمسة عشر يوما, فإنها تترك في كل واحد للمعنى الذي ذكروه, وهو كونه أقوى مما قبله. ولو لم تكن الخمسة عشر متصلة, بأن كانت ترى يوما أسود, ويومين أحمر .. فلا تمييز.

أَوْ مُبْتَدَأَةً لاَ مُمَيِّزَةً؛ بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ, أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ .. فَاَلأَظْهَرُ: أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ, وَطُهْرَهَا: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كانت المبتدأة لا تذكر وقت الابتداء .. فكا لمتحيرة. واختلفوا فيما تحصل به القوة على وجهين: أحدهما – وادعى الأمام الاتفاق عليه -: اللون فقط. والأصح: أن القوة تحصل بأحد ثلاث خصال: اللون والثخانة والرائحة الكريهة. وعلى هذا, فلأسود أقوى من الأحمر, والأحمر أقوى من الأشقر, والأشقر أقوى من الأصفر والأكدر إن جعلنا هما حيضا. ويرجع ماله صفتان على ماله صفة, وما له ثلاث على ماله صفتان, فإن تعارضت الصفات .. رجع بالكثرة, فإن استوت فكان في كل واحد صفة واحدة .. رجح بالسيق. قال: (أو مبتدأة لا مميزة؛ بأن رأته بصفة) واحدة (أو فقدت شرط تمييز .. فالأظهر: أن حيضها يوم وليلة, وطهرها: تسع وعشرون)؛ لأن سقوط الصلاة عنها في هذا القدر متيقن, وفيما عداه مشكوك فيه, فلا يترك اليقين إلا بأمارة ظاهرة كالتمييز والعادة. والثاني: ترد إلى غالب عادة النساء, وهو: ست أو سبع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء, وكما يطهرن لميقات حيضهن) , صححه الترمذي [128]

أَوْ مُعْتَادَةً بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ .. فَتُرَدُّ إِلَيْهِمَا قَدْراً وَوَقْتاً, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صلى الله عليه وسلم: (ستا أو سبعا) الصحيح: أنه للتنويع, أي: إن كانت عادة النساء ستا .. فتحيضي ستا, وإن كانت سبعا .. فسبعا. ومحل ما ذكره: إذا عرفت ابتداء مدتها, فإن جهلته .. فلها حكم المتحيرة. والأصح: أن الستة والسبعة ينظر فيها إلى نساء عشيرتها من الأبوين, فإن فقدن .. فبدلها, وقيل: نساء العصبة, وقيل: البلد, فإن حاض بعضهن ستا وبعضهن سبعا ولا غالب .. فست, فإن نقصن عن ست .. فست, أو زدن عن سبع .. فسبع. وقيل: تتخير بين الستة والسبعة. قال: (أو معتادة) أي: غير مميزة (بأن سبق لها حيض وطهر .. فترد إليهما قدرا ووقتا)؛ لما روى مالك [138] والشافعي [1/ 60] وأحمد [6/ 320] وأبو داوود [278] – بأسانيد صحيحة – عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاستفتت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: (لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر, قبل أن يصيبها الذي أصابها, فلتدع الصلاة قدر ذلك من السهر, فإذا خلفت ذلك .. فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل).

وَتَثْبُتُ بِمَرَّةٍ فِي اَلأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى المرعشي قولا غريبا: أنه أثر للعادة, ومحل الرد إلى العادة بعد الخمسة عشر, أما قبلها في الدور الأول .. فلا؛ لاحتمال انقطاعه فيها. كل هذا في العادة المستمرة, أو المختلفة المنتظمة, فتجري على نظامها. فلو لم تنتظم العادات, بل تتقدم هذه مرة وهذه مرة .. فالأصح: الرد إلى ما تقدم الاستحاضة وإن كانت مرة في الأصح, فإن نسيت ما قبل الاستحاضة .. فعند الأكثرين: ترد إلى أكثر العادات. قال: (وتثبت بمرة في الأصح)؛ لحديث أم سلمة, فإنه رد المرأة إلى الشهر الذي قبل الاستحاضة. والثاني: بمرتين؛ لأنها من العود, ورد بأن هذا اصطلاح من الفقهاء, فكيف يستفاد منه الحكم الشرعي؟ والثالث: بثلاث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دعي الصلاة أيام أقرائك) , وأقل الجمع ثلاث. والرابع: إن كانت مبتدأة .. فمبرة, وإن كانت معتادة .. فبمرتين. والعادة في هذا الباب أربعة أقسام: أحدها: ما تثبت بمرة بلا خلاف, وهي الاستحاضة؛ لأنها علة مزمنة إذا وقعت دامت غالبا, وسواء فيه المبتدأة والمعتادة والمميزة. والثاني: ما لا تثبت فيه العادة بالمرة ولا بالمرات المتكررة بلا خلاف, وهي ما إذا انقطع دمها فرأت يوما دما ويوما نقاء واستمرت بها الأدوار هكذا, وقلنا بقول:

وَيُحْكَمُ لِلْمُعْتَادَةِ اَلْمُمَيِّزَةِ بِاَلتَّمَيِيزِ, لاَ اَلْعَادَةِ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللقط, فأطبق الدم على لون واحد .. فإنه لا يلتقط قدر أيام الدم بلا خلاف, وإنما نحيضها ما كنا نجعله حيضا بالتلفيق. والثالث: ما لا تثبت بمرة ولا مرات على الأصح, وهو التوقف بسبب تقطع الدم إذا كانت ترى يوما دما ويوما نقاء كما سيأتي. والرابع: ما تثبت بالثلاث جزما, وفي ثبوته بالمرة والمرتين وجهان, والأصح: الثبوت, وهو قدر الحيض, كما ذكره المصنف. قال: (ويحكم للمعتادة المميزة بالتمييز, لا العادة في الأصح)؛ لأن التمييز علامة في الدم والعادة علامة في صاحبته, ولأنه علامة قائمة في شهر الاستحاضة فكان عتباره أولى من عادة انقضت, ولما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (دم الحيض أسود يعرف, فإذا كان ذلك .. فأمسكي عن الصلاة) , والثاني: أنها تأخذ العادة لا التمييز؛ لحديث أم سلمة, ولأن العادة قد ثبت واستقرت وصفة الدم بصدد الزوال. والثالث: إن أمكن الجمع بينهما .. حيضناها الجميع, وإن لم يمكن .. سقطا وكانت كمبتدأة لا تمييز لها. فلو رأت خمسة سوادا, ثم أطبقت الحمرة .. فالخمسة حيض على الأوجه كلها. وصورة المسألة: إذا لم يتخلل بين العادة والتمييز أقل الطهر, فإن تخلل كما إذا كانت عادتها خمسة من أول الشهر, فرأت عشرين أحمر, ثم خمسة أسود .. فلأصح: أن كلا منهما حيض. وقيل: يطرد الخلاف, فلو كانت مع التمييز ناسية للعدد, فعلى الأصح: لا يختلف, وعلى الوجه الآخر: هي كفاقدة التمييز. وقال الإمام: ترد إلى التمييز للضرورة.

أَوْ مُتَحَيِّرَةً؛ بِأَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْراً وَوَقْتاً .. فَفِي قَوْلٍ: كَمُبْتَدَأَةٍ, وَاَلْمَشْهُورُ: وُجُوبُ اَلِاحْتِيَاطِ, فَيَحْرُمُ: اَلْوَطْءُ, وَمَسُّ اَلْمُصْحَفِ, وَاَلْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ اَلصَّلَاةِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو متحيرة؛ بأن نسيت عادتها قدرا ووقتا). لو عبر بقوله: (كأن نسيت) .. كان أولى, وكذا لو أبدل النسيان بالجهل أيضا؛ لأنه لا يستدعي سبق علم, وقد تجن وهي صغيرة وتستمر لها عادة, ثم تفيق وهي مستحاضة ولا تعرف شيئا. سميت بذلك؛ لأنها تحيرت في نفسها, وتسمى محيرة؛ لأنها حيرت الفقيه في أمرها. والمراد: أنها ليس لها تمييز, فإن ميزت .. ردت إلى التمييز على المذهب؛ للضرورة. قال: (.. ففي قول: كمبتدأة) بجامع فقد العادة والتمييز, فيكون حيضها من الوقت الذي عرفت ابتداء الدم فيه أقل الحيض أو غالبه كما سبق. وقيل: هنا ترد إلى غالبة قطعا, فإن لم تعرف وقت ابتداء الدم, أو كانت مبتدأة ونسيت وقت ابتداء الدم كما سبق .. فحيضها من أول كل هلال, ودورها شهر هلالي, ومتى أطلقنا الشهر في المستحاضة .. فالمراد به: ثلاثون يوما إلا في هذا الموضع. قال: (والمشهور: وجوب الاحتياط)؛ لأنه اشتبه حيضها بغيره, ولا يمكن التبعيض من غير معرفة أوله, ولا جعلها طاهرا أبدا في كل شهر, ولا حائضا أبدا في كل شهر, فتعين الاحتياط؛ للضرورة لا لقصد التشديد عليها. قال: (فيحرم: الوطء, ومس المصحف, والقراءة في غير الصلاة)؛ لاحتمال الحيض. ومباشرتها كمباشرة الحائض, وكذا كثها بالمسجد إلا في طواف الفرض, وكذا نفله في الأصح. وتقرأ ما زاد على الفاتحة في الصلاة على الأصح.

وَتُصَلِّي اَلْفَرَائِضَ أَبَداً, وَكَذَا اَلنَّفْلُ فِي اَلأَصَحِّ, وَتَغْتَسِلُ لكُلِّ فَرْضٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ونفقتها واجبة على الزوج وإن منع الوطء, ولا خيار له في فسخ نكاحها؛ لأن وطأها متوقع. قال: (وتصي الفرائض أبدا) أي: وجوبا؛ احتياطا للصلاة, وهذا الموضع مما رجح فيه جلب المصلحة على دفع المفسدة الحاصلة في الصلاة مع الحيض. وسواء في الصلاة: المفروضة والمنذورة, وغيرها كركعتي الطواف إذا أوجبناهما. وعبارة أحسن من قول (المحرر)): فرائض الأوقات. قال: (وكذا النفل في الأصح) أي ندبا؛ لأنه من مهمات الدين, فلا تمنع منه راتبا كان أو غيره على الأصح. والثاني: يحرم؛ لأن الضرورة لم تدع إليها, فأشبهت مس المصحف والقراءة في غير الصلاة. والثالث: تصلي الراتبة دون غيرها, والخلاف جار في نقل الصوم والطواف. وتنقضي عدتها بثلاثة أشهر على الأصح, إلا أن تعلم من عادتها ما يقتضي زيادة على ذلك أو نقصانا فتعمل به, ولا يلزمها إذا وطئت التصدق بدينار على القديم؛ لأجل الشك. واقتضى إطلاق المصنف: أنه لا فرق في جواز النقل لها بين أن يبقى وقت الفريضة أو بخرج, وهو الأصح في زوائد (الروضة). وخالف في (شرح المهذب) و (التحقق) و (شرح مسلم) , فصحح في الجميع عدم الجواز بعد خروج الوقت. قال: (وتغتسل لكل فرض)؛ لحديث حمنة, ولاحتمال الانقطاع قبلها. فإن ذكرت وقت الانقطاع بأن قالت: كان الدم ينقطع مع غروب الشمس مثلا .. لزمها الغسل لكل يوم عقب الغروب خاصة. ويلزمها إيقاع غسلها في الوقت, وقيل: يجوز لن يكون الغسل والصلاة في آخر

وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ شَهْراً كَامِلَيْنِ, فَيَحْصُلُ مِنْ كُلٍّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الوقت, إذا لم يبق منه شيء إلا ما يسعهما. وهل يجب عليها أن تبادر إلى الصلاة عقب الغسل؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم, كالمستحاضة. والأصح: لا؛ لأنا إنما أوجبنا البدار هناك تقليلا للحدث, والغسل إنما تؤمر به لاحتمال الانقطاع, ولا يمكن تكرر الانقطاع بين الغسل والصلاة. ويكفي غسل واحد للطواف, وركعتيه إذا أوجبناهما في أصح الوجهين, لكن لا بد من وضوء آخر في الأصح. ويستثنى ذات التقطع في النقاء؛ فإنه لا غسل عليها. وسكت المصنف عن قضاء الصلاة بعد فعلها في الوقت, وهو شعر بعدم وجوبه, وهو المنصوص ورأي الجمهور؛ لما في وجوبه من الحرج الشديد, ورجح الرافعي والمصنف وجوبه؛ ذهولا عن النص, والتفريع عليه يطول مع مخالفته لمذهب الشافعي. وستأتي الإشارة إليه في لفظ المصنف في (صلاة الجماعة) في قوله: (غير المتحيرة). قال: (وتصوم رمضان)؛ لاحتمال الطهر فيه. قال: (ثم شهرا كاملين)؛ لاحتمال حيضها في رمضان أكثر الحيض. قال: (فيحصل من كل أربعة عشر)؛ لاحتمال الطهر في أثناء يوم وينقطع في أثناء آخر, فيفسد من كل شهر ستة عشر يوما, فإن نقصها .. فثلاثة عشر يوما من كل شهر. وقيل: يحصل لها من كل شهر خمسة عشر. وقال الإمام: اثنان وعشرون؛ تفريعا على أن مرد المبتدأة الغالب. وإن نقص رمضان وكمل الثاني .. حسب منهما سبعة وعشرون على المذهب, فيبقى يومان. وإن كمل رمضان ونقص الثاني .. حسب منهما سبعة وعشرون, ويبقى ثلاثة أيضا.

ثُمَّ تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: ثَلاَثَةً أَوَّلَهَا, وَثَلاَثَةً آخِرَهَا, فَيَحْصُلُ اَلْيَوْمَانِ اَلْبَاقِيَانِ, وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ, ثُمَّ اَلثَّالِثِ وَاَلسَّابِعَ عَشَرَ. وَإِنْ حَفِظَتْ شَيْئاً .. فَلِلْيَقِينِ حُكْمُهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم تصوم من ثمانية عشر: ثلاثة أولها, وثلاثة آخرها, فيحصل اليومان الباقيان)؛ لأن الدم إن كان طرأ في اليوم الأول منها .. انقطع في أثناء السادس عشر فسلم السابع والثامن عشر, وإن طرأ في الثاني .. انقطع في السابع عشر فسلم الأول والثامن عشر, وإن طرأ في الثالث .. سلم الأول والثاني, ولا تتعين هذه الكيفية, بل لو صامت أربعة من الستة في أول الثمانية عشر واثنين في آخرها, أو بالعكس, أو اثنين في أولها واثنين في آخرها واثنين في الوسط كيف شاءت .. حصل اليومان الواجبان. قال: (ويمكن قضاء يوم بصوم يوم, ثم الثالث والسابع عشر)؛ لوقوع يوم من الأيام الثلاثة في الطهر على كل تقدير, ثم إنه لا يتعين الثالث للصوم الثاني, ولا السابع عشر للصوم الثالث, وإنما ذكرهما الأئمة؛ لبيان أن السبعة عشر أقل مدة يمكن فيها أولها وخمسة في آخرها, وكلما زادت في المدة يوما .. زادت في الصوم يومين: يوم في أولها, ويوم في آخرها, وعلى هذا القياس تعمل في طوافها. فرع: لا يصح جمع المتحيرة بالسفر أو المطر في وقت الأولى؛ لأن الجمع بالسفر في وقت الأولى شرطه تقدم الأولى صحيحة يقينا أو ظنا, وهو منتف ههنا, بخلاف الجمع في وقت الثانية. قال: (وإن حفظت شيئا) , كالعدد دون الوقت, أو عكسه. قال: (.. فلليقين حكمه) من حيض أو طهر - وسياق كلامه: أن هذه متحيرة, والأكثرون: لا يسمونها متحيرة - فإذا قالت: كان حيضي ستة أيام من العشر الأول .. فأربعة طهر بيقين, تفعل ما تفعله الطاهرات, والخامس والسادس حيض بيقين فهي

وَهِيَ فِي اَلْمُحْتَمِلِ كَحَائِضٍ فِي اَلْوَطْءِ, وَطَاهِرٍ فِي اَلْعِبَادَةِ, وَإِنِ اَحْتَمَلَ اَنْقِطَاعاً .. وَجَبَ اَلْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ. وَاَلأَظْهَرُ: أَنَّ دَمَ اَلْحَامِلِ وَاَلنَّقَاءَ بَيْنَ اَلدَّمَيْنِ حَيْضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ كالحائض مطلقا فيهما؛ إعطاء لكل من اليقينين حكمه. والأربعتان مختلفتان, فلأولى تحتمل الطروء فقط, والثانية تحتمل الانقطاع فقط, فهي فيهما كالمتحيرة, إلا أنها في الأربعة الأولى تتوضأ لكل فرض لعدم إمكان الانقطاع, وفي الثانية تغتسل لكل فرض لاحتمال الانقطاع. قال: (وهي في المحتمل كحائض في الوطء, وطاهرة في العبادة)؛ مراعاة للاحتياط. والمراد ب (المحتمل): محتمل الحيض والطهر. قال: (وإن احتمل انقطاعا .. وجب الغسل لكل فرض)؛ احتياطا, ويسمى هذا طهرا مشكوكا فيه, والذي لا يحتمل ذلك يسمى حيضا مشكوكا فيه – كما تقرر – فيجب فيه الوضوء فقط. قال: (والأظهر: أن دم الحامل والنقاء بين الدمين حيض) أشار إلى مسألتين: الأولى: إذا رأت الحامل دما يصلح أن يكون حيضا, وفيها قولان: قديم وجديد: ففي الجديد: حيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دم الحيض أسود يعرف) , ولأنه كدم المرضع, وإنما حكم الشارع ببراءة الرحم به بناء على الغالب. والقديم: أنه حدث دائم كسلس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: (ألا لا توطأ حامل حتى تضع, ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) , فجعل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحيض دليلا على براءة الرحم. ثم قيل: محل القولين بعد حركة الولد, أما قبلها .. فحيض قطعا. وقيل: إذا مضى للحمل أربعون يوما. والمذهب: طردهما فيهما. ودخل في كلام المصنف: ما تراه بين التوأمين, وفيه القولان. وقيل: حيض قطعا, وقيل: دم فساد قطعا. وعلى الجديد .. تثبت فيه جميع أحكام الحيض, إلا العدة وتحريم الطلاق. ويستثنى من إطلاقه: الدم الخارج عند الطلق ومع الولد؛ فإنهما ليسا بحيض ولا نفاس على الأصح. وأما الخارج قبل الطلق .. ففي (الشرح) و (الروضة): أنه ليس بنفاس بلا خلاف. وفي (الحاوي): أنه نفاس إن اتصل بدم النفاس. المسألة الثانية: إذا رأت دما ونقاء, ولم يجاوز خمسة عشر .. فالدم حيض, وفي النقاء قولان جديدان: أحدهما: أنه طهر – ويسمى قول اللقط والتلفيق – لأنه إذا دل الدم على الحيض .. وجب أن يدل النقاء على الطهر. والأظهر – وبه قال أبو حنيفة -: أنه حيض, ويسمى قول السحب. ووجهه: أن دم الحيض لا يسيل على الدوام, بل في وقت دون وقت. ويشترط في جعل الجميع حيضا بلوغ مجموع الدماء يوما وليلة, فإن نقصت .. كان دم فساد. وقيل: يشترط أن يكون كل من الدمين بالغا أقل الحيض. وقيل: لا يشترط شيء من ذلك. وقيل: يشترط بلوغ أولهما, وقيل: أحدهما.

وَأَقَلُّ اَلنِّفَاسِ: لَحْظَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة المسألة: أن يكون النقاء زائدا على الفترات المعتادة بين دفعات الحيض التي ينقطع فيها جريان الدم ويبقى أثره؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بأن دم الحيض لا يسيل دائما, بل لا بد له من فترات, فإن لم يزد عليها .. فالجميع حيض بلا خلاف. ومحل القولين في الصلاة والصوم ونحوهما, ولا يجعل النقاء طهرا في انقضاء العدة بالإجماع, ولا خلاف أنها في يوم النقاء تعمل عمل الطاهرات؛ لأنه قد لا يعود, فإذا عاد الدم .. غيرنا الحكم. وقوله: (بين الدمين) هو الموجود في كثير من النسخ, وكذلك كان في نسخة المصنف, ثم أصلح بعده بقوله: (بين أقل الحيض)؛ لما تقدم من أن محل القولين ذلك. ولا فرق على القولين بين أن يكون قدر الدم أكثر من قدر النقاء, أو يكونا متساويين, حتى إذا رأت يوما وليلة دما وثلاثة عشر نقاء, ثم رأت الخامس عشر دما .. كان على القولين. قال: (وأقل النفاس: لحظة) (النفاس) بكسر النون: الدم الخارج من الفرج, بعد ولادة ما, تنقضي به العدة, مأخوذ من النفس وهو: الدم, أو لأنه يخرج عقب النفس, أو من قولهم: تنفس الصبح إذا ظهر. ويقال لذات النفاس: نفساء بضم النون وفتح الفاء, وجمعها, نفاس, ولا نظير له إلا ناقة عشراء فجمعها: عشار, قال تعالى: {وإذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ}. يقال: نفست المرأة – بضم النون – إذا رأت النفاس, وسواء وضعت حيا, أو ميتا كاملا أو ناقصا, وكذا لو وضعت علقة أو مضغة. واختلفوا في ابتداء مدته على أوجه: أصحها: من حين فراغ الرحم بالكلية. وقيل: من الدم البادي عند الطلق.

وَأَكْثَرُهُ: سِتُّونَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: من الدم الخارج مع ظهور شيء من الولد وإن لم ينفصل. وقيل: من الخارج بعد انفصاله وإن بقي غيره, واختاره الغزالي. ولو ولدت ولم بر دما إلا بعد خمسة عشر يوما .. فلا نفاس لها في الأصح. وقيل: يكون نفاسا إذا رأته في الستين. والأصح: أن أقله: لحظة – كما قاله المصنف – للاستقراء. و (اللحظة): النظرة, والمراد: قدرها. وعبر بعضهم ب (مجة) , وهي: الدفعة من الدم, وهي بفتح الميم. ووقع في (الكفاية) بضمها, وهو وهم. وقيل: أقله ساعة من الساعات الأربع والعشرين, حكاه الماوردي. وقال المزني: أقله أربعة أيام, وعلل بأن أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض, فكان أقله أقل أربعة أضعاف أقل الحيض. وقال أبو يوسف: أحد عشر يوما؛ حتى تزيد على أكثر الحيض. وقدره بعض العلماء بثلاثة أيام. قال: (وأكثره: ستون)؛ لقول الأوزاعي: عندنا امرأة ترى النفاس شهرين, وروى ربيعة نحوه. وأبدى الأستاذ أبو سهل لذلك معنى لطيفا, نقله ابن الصلاح في فوائد (رحلته) , وهو: أن المني يمكث في الرحم أربعين يوما على حاله, ثم يمكث مثلها علقة, ثم مثلها مضغة, ثم ينفخ فيه الروح كما في الحديث الصحيح, والولد يتغذى بدم الحيض, فحينئذ لا يجتمع الدم من حين النفخ؛ لكونه غذاء للولد, إنما يجتمع في المدة التي قبلها وهي أربعة أشهر, وأكثر الحيض خمسة عشر يوما, فيكون أكثر النفاس ستين. وقال بعض العلماء: أكثره سبعون يوما. وقال أبو حنيفة: أربعون.

وَغَالِبُهُ: أَرْبَعُونَ. وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِاَلْحَيْضِ, وَعُبُورُهُ سِتِّينَ كَعُبُورِهِ أَكْثَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وغالبه: أربعون)؛ لما روته أم سلمة قالت: (كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما) رواه أبو داوود [315] والترمذي [139] , وصححه الحاكم [1/ 175]. وعن المزني: أنها الأكثر, وحكى الترمذي [139] ذلك عن الشافعي. قال: (ويحرم به ما حرم بالحيض) بالإجماع؛ لأنه دم حيض مجتمع, فيحرم الطلاق فيه كما صرح به الرافعي في (كتاب الطلاق) , وإن كان كلامه هنا بخلافه. قال: (وعبوره ستين كعبوره أكثره) أي: كعبور الحيض أكثره في الرد إلى التمييز والعادة, والأقل والغالب, فإن كانت مميزة .. ردت إلى التمييز بشرط أن لا يزيد القوي على ستين, وإن كانت مبتدأة في النفاس .. فالأصح: أن نفاسها الأقل, وهو لحظة. والثاني: الغالب, وهو أربعون. وإن كانت معتادة بأن تقدم لها نفاس تعرف قدره .. ردت إلى العادة, وإن نسيت عادتها, فهل تجعل كمبتدأة في النفاس أو يحتاط؟ فيه قولان. والصفرة والكدرة فيه كهما في الحيض, وفي النقاء المتخلل القولان. تتمة: إذا انقطع دم النفساء واغتسلت, أو تيممت حيث يشرع لها التيمم .. فللزوج أن يطأها في الحال من غير كراهة, وإن خافت عود الدم .. استحب له التوقف عن الوطء احتياطا. * * * خاتمة يجب على المرأة تعلم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض والاستحاضة النفاس, فإن كان زوجها عالما .. لزمه تعليمها, وإلا .. فلها الخروج لسؤال العلماء, بل يجب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحرم منعها, إلا أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك. وليس لها الخروج إلى مجلس ذكر أو تعلم خير إلا برضاه. وفي كتب الغريب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الغائصة والمغوصة). و (الغائصة): التي لا تعلم زوجها أنها حائض ليجتنبها, فيجامعها وهي حائض. و (والمغوصة): التي لا تكون حائضا, فتكذب زوجها وتقول: إنها حائض, فيجتنبها. * * *

فهرس الكتاب بين يدي الكتاب 7 ترجمة الإمام الشافعي 16 ترجمة الإمام النووي 36 ترجمة الإمام الدميري 47 أضواء على كتاب (منهاج الطالبين) 68 (الإبتهاج في بيان اصطلاح المنهاج) 79 (سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج) 99 وصف النسخ الخطية 142 منهج العمل في الكتاب 146 رموز تخريج الكتاب 148 الخاتمة 151 صور المخطوطات المستعان بها 155 (النجم الوهاج في شرح المنهاج) خطبة الكتاب 185 كتاب الطهارة 221 باب أسباب الحدث 246 فصل: في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 286 باب الوضوء 311 باب مسح الخف 360 باب الغسل 374 باب النجاسة وإزالتها 402

باب التيمم 434 فصل: في بيان أركان التيمم وكيفيته 457 باب الحيض وما يذكر معه من النفاس والاستحاضة 486 فصل: إذا رأت المرأة لسن الحيض أقله 498 فهرس الكتاب 515 * * *

كتاب الصلاة

كتابُ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصلاة جمعها: صلوات، وهي في اللغة: الدعاء بخير، قال الله تعالى: {وصل عليهم} أي: ادع لهم، ولتضمنها معنى التعطف عديت بـ (على). وهي من الله عز وجل: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدمي: الدعاء. وفي الشرع: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة. ولا ترد صلاة الأخرس؛ لأن الكلام في الغالب. وقيل: لأنها تفضي إلى المغفرة، والمغفرة تسمى صلاة، قال الله تبارك وتعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم} أي: مغفرة. والأصل في وجوبها قبل الإجماع قوله تعالى: {وأقيموا الصلوة} أي: حافظوا عليها. وقوله تعالى: {إن الصلوة كانت على المؤمنين كتبًا موقوتًا} أي: محتمة مؤقتة. وتجب بأول الوقت وجوبًا موسعًا إلى أن لا يبقى ما يسعها كلها، فإذا أراد تأخيرها إلى أثناء الوقت .. لزمه العزم على فعلها في أصح الوجهين، ويجريان في كل واجب موسع. قال: (المكتوبات خمس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات

الظُّهْرُ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ: زَوَالُ الشَّمْسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتبهن الله على عباده)، قال السائل: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع) رواه الشيخان [خ46 - م11]. وفيهما في حديث الإسراء: (هن خمس، وهن خمسون). وفيهما في حديث معاذ: (وأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة). وقال تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (39) ومن الليل فسبحه} الآية. فقبل طلوع الشمس: صلاة الفجر، وقبل الغروب: الظهر والعصر، ومن الليل: المغرب والعشاء، والإجماع منعقد على ذلك. وكان قيام الليل واجبًا في أول الإسلام ثم نسخ عن الأمة، وكذا عنه صلى الله عليه وسلم على الأصح. وبدأ بالمكتوبات؛ لأنها أهم وأفضل. ومراده: المفروضات العينية؛ لتخرج صلاة الجنازة، لكن الجمعة من المفروضات العينية ولم تدخل في كلامه، إلا إذا قلنا: إنها بدل عن الظهر. وكان فرض الخمس ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة، وقيل: بستة عشر شهرًا. قال: (الظهر) أي: صلاة الظهر. وبدأ بها؛ لأنها أول صلاة ظهرت، أو لأن الله تعالى بدأ بها في قوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}. وهي أول صلاة علمها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك بدأ الشافعي بها في الجديد، وبدأ في التقديم بالصبح؛ لأنها أول النهار. وقيل: سميت ظهرًا؛ لأنها تفعل وقت الظهيرة، وقيل: لأنها ظاهرة وقت الزوال. قال: (وأول وقته: زوال الشمس) بالإجماع. وزوال: ميلها عن كبد السماء،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويعرف ذلك بطول الظل بعدما تناهى قصره، والمراد بذلك: فيما يظهر لنا لا ما في نفس الأمر. والأصل في المواقيت ما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله، مثله، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد .. صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي وقال: يا محمد؛ هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين) رواه أبو داوود [396]، وحسنه الترمذي [149]، وصححه ابن خزيمة [325] والحاكم [1/ 193]. و (الشمس) تجمع على شموس، كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمسًا- كما قالوا للمفرق: مفارق- وهي في السماء الرابعة، وهي أفضل من القمر.

وَآخِرُهُ: مَصِيرُ ظِلِّ [الشَّيْءِ] مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام فخر الدين: وهي تقطع في خطوة الفرس في شدة عدوها عشرة آلاف فرسخ. قال: (وآخره: مصير ظل [الشيء] مثله)؛ لحديث جبريل عليه السلام. و (الظل) أصله: الستر- ومنه: أنا في ظل فلان، ومنه: ظل الجنة. وظل الليل: سواده- وهو يشمل ما قبل الزوال وما بعده. والفيء مختص بما بعد الزوال. فائدة: سئل الشيخ- عن الرجل هو آخر أهل الجنة دخولًا إذا تراءت له شجرة يقول: (يا رب؛ أدنين من هذه الشجرة لأستظل بظلها ...) الحديث: من أي شيء يستظل والشمس قد كورت؟ فأجاب بقوله تعالى: {وظل ممدود}، وبقوله تعالى: {هم وأزواجهم في ظلل على الأرائك}، وبـ (أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها ...) الحديث. ولا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل والاستظلال، وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تنسخه الشمس، وربما في أذهانهم أن الظل عدم الشمس، وليس كذلك بل الظل مخلوق لله تعالى، وليس بعدم بل هو أمر وجودي له نفع بإذن الله تعالى في الأبدان وغيرها، فذلك الخيال يحصل من تلك الشجرة التي يراها ذلك الرجل، وليس هو في مكانه الذي يكون فيه ذلك الوقت، فيطلبه؛ ليحصل له به روح وراحة. قال: (سوا ظل استواء الشمس)، وهو: الظل الذي يكون للشخص قبيل الزوال غالبًا، وذلك يكثر في قصر النهار ويقل في طوله، ويختلف باختلاف الأماكن، وفي بعضها لا يكون أصلاً كمكة وصنعاء اليمن في يوم واحد وهو أطول أيام السنة. قال: (وهو أول وقت العصر)؛ لحديث جبريل عليه السلام.

وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ، وَالاِخْتِيَارُ: أَنْ لاَ تْؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ. وَالْمَغَرِبُ: بِالْغُرُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخان: إنه لا خلاف في دخول وقت العصر حين يخرج وقت الظهر عندنا، لكن خروج وقت الظهر لا يكاد يعرف إلا بتلك الزيادة. ونفيهما الخلاف عجيب، ففي الزيادة المذكورة ثلاثة أوجه في (شرح المهذب) و (الكفاية): أحدها: هذا. والثاني: أنها من وقت الظهر. والثالث: فاصلة بينهما. قال: (ويبقى حتى تغرب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن [عمرو]: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول) رواه مسلم [612/ 174]، ورواه ابن أبي شيبة [1/ 353] بلفظ: (وقت العصر ما لم تغرب الشمس). وقال الإصطخري: يخرج بخروج وقت الاختيار، وكذلك قال في العشاء والصبح؛ وقوفًا مع بيان جبريل عليه السلام. وأجيب بحمله على بيان وقت الاختيار. فيجتمع للعصر خمسة أوقات: فضيلة، واختيار، وجواز بلا كراهة وهو من مصير الظل مثلين إلى الاصفرار، ووقت كراهة وهو وقت الاصفرار، ووقت تحريم وهو أن يؤخرها إلى ما لا يسعها، فإن الصحيح تحريمه وإن جعلنا الصلاة فيه أداء، وهو مطرد في كل الأوقات. قال: (والاختيار .. ألا تؤخر عن مصير الظل مثلين)؛ لبيان جبريل عليه السلام. وسمي اختيارًا لما فيه من الرجحان، وقيل: لاختيار جبريل إياه. وعلم من هذا: أن جميع وقت الظهر وقت اختيار وهو كذلك. قال: (والمغرب: بالغروب) بالنص والإجماع. والمرد: غروب جميع القصر؛ لما روى أبو داوود [420] عن سلمة بن الأكوع

وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الْجَدِيدِ: يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها)، وهو ظاهر في الصحارى. ولا يضر بعد الغروب بقاء شعاع، خلافًا للماوردي؛ فإنه شرط سقوطه بعد غيبوبة حاجب الشمس، وهو الضوء المستعلي عليها كالمتصل بها. والإجماع منعقد على خلاف دعواه. قال: (ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر في القديم)؛ لما روى مسلم [612/ 173] من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي: (وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق). واحترز بـ (الأحمر) عن الأصفر والأبيض. ولم يذكر في (المحرر) هذا القيد؛ لأن المعروف في اللغة: أنه الحمرة كما ذكره الجوهري وغيره. قال: (وفي الجديد: ينقضي بمضي قدر وضوء، وستر عورة، وأذان، وإقامة، وخمس ركعات)؛ لأن جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في أول الوقت، كذا استدل به الأصحاب. ورد بأن جبريل عليه السلام إنما بين الوقت المختار وهو المسمى بوقت الفضيلة، وأما الوقت جائز وهو محل النزاع .. فليس فيه تعرض له وإنما استثنى مقدار هذه الأمور؛ للضرورة.

وَلَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ .. جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (الخمس): المغرب وسنتها، وأن تكون الركعات وسطًا معتدلة بلا إطالة. واعتبر القفال في كل إنسان فعل نفسه المعتاد. وقيل: وركعتان قبلها أيضًا، قاله الإمام. وكان ينبغي للمصنف أن يرجح هذا؛ لأنه صحح في الكتاب استحباب ركعتين قبل المغرب. واستحب أبو بكر البيضاوي أربعًا بعدها. فيعتبر على هذا: تسع. وقيل: يكفي بقدر ثلاث فقط. ويعتبر أيضًا: قدر أكل لقم يكسر بها الجوع، كذا في (الروضة) و (الشرح)، وفي شرحي (المهذب) و (الوسيط): أن الصواب على هذا القول: أنه يتناول كفايته من الطعام. والمتجه: اعتبار زمن الاجتهاد للقبلة؛ لأنه من شروط الصلاة كالطهارة والستر. وتعبيره بـ (القدر) يفهم منه: أنه لا فرق بين أن يحتاج إلى ذلك أم لا، والحكم كذلك، لكن لو عبر بالطهارة ولبس الثياب .. كان أعم ليشمل طهارة الحدث الأكبر والأصغر، والتيمم، واستحباب التعمم والتقمص والارتداء. فإن قيل: الجمع بين المغرب والعشاء تقديمًا جائز، ومن شرط صحة الجمع أن يقع أداء الصلاتين في وقت أحداهما، وذلك يدل على سعة وقت المغرب. فالجواب: أن الصلاتين حالة الجمع كالصلاة الواحدة، وسيأتي: أن المغرب يجوز استدامتها. قال: (ولو شرع في الوقت ومد حتى غاب الشفق .. حاز على الصحيح)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ (الأعراف)، رواه الحاكم [1/ 237] وقال: صحيح الإسناد، وقرأها في الركعتين كلتيهما. والثاني: لا يجوز مدها؛ لوقوع بعضها خارج الوقت.

قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْعِشَاءُ: بِمَغِيبِ الشَّفَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: تجوز استدامتها القدر الذي تتمادى إليه الفضيلة أول الوقت في جميع الصلوات. ثم إذا جوزنا .. فيتجه اشتراط إيقاع ركعة في الوقت الأصلي. فإذا شرع في الصبح أو الظهر أو غيرهما من الصلوات ومدها إلى خروج الوقت .. جاز؛ لأن الصديق رضي الله عنه طول مرة في صلاة الصبح، فقيل له: كادت الشمس أن تطلع! فقال: (لو طلعت .. لم تجدنا غافلين). وفي كراهة ذلك وجهان، الصحيح: أنه خلاف الأولى، بل في (عمدة الفوراني) وجه: أن ذلك مستحب، وفي زوائد (الروضة) وجه: أن هذا المد حرام. قال: (قلت: القديم أظهر والله أعلم)؛ لأن الشافعي علق القول به في (الإملاء) على صحة الحديث وقد صح. وروى ابن حبان في (صحيحه) [1524] من حديث جابر: (أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم). وأجيب عن حديث جبريل عليه السلام بأنه إنما بين فيه الأوقات المختارة، أو أنه متقدم؛ لأنه بمكة وهذه الأحاديث بالمدينة، وأيضًا هذه الأحاديث أقوى إسنادًا منه ورواتها أكثر، وصحح هذا القول ابن خزيمة وابن المنذر والترمذي والخطابي والبيهقي والبغوي والروياني والعجلي والغزالي في (الإحياء) وابن الصلاح والطبري وابن الفركاح والشيخ، وهو الصواب. قال: (والعشاء: بمغيب الشفق) بالإجماع، ولحديث جبريل عليه السلام. والمراد: المعهود وهو الأحمر؛ لما روى الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر

وَيَبْقَى إِلَى الْفَجْرِ، وَالاِخْتِيَارُ: أَنْ لاَ تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشفق: الحمرة، فإن غاب الشفق .. وجبت الصلاة). وقال أبو حنيفة والمزني: هو البياض بعد الحمرة؛ لأن الصبح لما وجبت بالبياض المتقدم على الشمس .. اقتضى أن تجب العشاء بالبياض المتأخر عنها. و (العشاء) ممدود، ويجوز أن يقال لها: العشاء الآخرة وأنكره الأصمعي، ورد عليه بما روى مسلم [444]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة أصابت بخورًا .. فلا تشهد معنا العشاء الآخرة). وفي بلاد المشرق نواح يقصر ليلهم، فلا يغيب شفقهم فيها، فهؤلاء يصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم، كما أن من ليس لهم قوت .. يلزمهم إخراج زكاة الفطر من قوت أقرب البلاد إليهم. قال: (ويبقى في الفجر) - أي: الصادق- لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى) رواه مسلم [681]. خرجت الصبح بدليل، فيبقى على مقتضاه في غيرها. وعند الإصطخري يخرج وقتها بنصف الليل. قال: (والاختيار: أن لا تؤخر عن ثلث الليل)؛ لحديث جبريل عليه السلام. وروى الترمذي [167] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه). وهذا القول أصح عند الأكثرين وأقوى في الدليل. ويجوز في (الثلث) ضم اللام وإسكانها. قال: (وفي قول: نصفه)؛ لما روى الحاكم [1/ 146] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى نصف الليل). وفي (صحيح مسلم) [612] عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم

وَالصُّبْحُ: بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقت العشاء إلى نصف الليل)، والمراد: وقت الاختيار لا الجواز؛ جمعًا بين الأحاديث. وصحح هذا القول جماعة منهم المصنف في (شرح مسلم). قال الشيخ: فلا أدري أذلك عن عمد منه، فيكون مخالفًا لما في كتبه أم لا؟ وهو الأقرب. قال: (والصبح: بالفجر الصادق)؛ لحديث جبريل عليه السلام. وسميت بذلك؛ لأنها تفعل بعد الفجر الذي يجمع بياضًا وحمرة، فإنه يقال: وجه صبيح للذي فيه بياض وحمرة، وتسمى هذا الصلاة: الصلاة الوسطى، وصلاة التنوير، وقرآن الفجر، وصلاة الفجر. وقال الشافعي: ولا أحب أن تسمى الغداة، وكذا قال المحققون. وقال القاضي الطبري والشيخ أبو إسحاق: يكره أن تسمى غداة. قال المصنف: وما قالاه غريب ضعيف، والصواب: أنه لا يكره. و (الصادق): هو المستطير. واحترز به عن الكاذب الذي يطلع مثل ذنب السرحان، وهو المستطيل- باللام- ولا خلاف أنه يتعلق به الحكم. وما أحسن قول ابن الرومي حيث قال [من البسيط]: وكاذب الفجر يبدو قبل صادقه .... وأول الغيث قطر ثم ينسكب فمثل ذلك ود العاشقين هوى .... بالمزح يبدو وبالإدمان يلتهب وتقييده هنا بـ (الصادق)، وإهماله ذلك في خروج وقت العشاء قد يفهم عدم اعتبار هذا الوصف هناك وليس كذلك، بل وقت العشاء إنما يخرج بالصادق الذي

وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالأُفُقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يدخل به وقت الصبح، فلو عكسه في الكتاب فوصفه به أولًا وأطلقه ثانيًا بلام العهد ليعود إليه .. كان أولى. قال: (وهو المنتشر ضوءه معترضًا بالأفق)، كما بينه جبريل علي السلام، ولأنه علقه على الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب على الصائم، وإنما يحرمان بالصادق بالإجماع. فرع: صلاة الصبح أفضل الصلوات وآكدها في المحافظة عليها، وهي الصلاة الوسطى

وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عندنا؛ لأنها بين صلاتين ليلتين وصلاتين نهاريتين تجمعان وتقصران، وهي لا تجمع ولا تقصر. وقيل: الظهر؛ لأنها بين صلاتي نهار. وقيل: العصر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر) [خ4111]، وصححه في (شرح المهذب) و (التحقيق) وفاقًا للماوردي. وقيل: المغرب؛ لأنها بين صلاتين سريتين وصلاتين جهريتين. وقيل: العشاء؛ لأنها بين صلاتين لا تقصران. وقيل: إنها جميع الخمس. وقيل: الجمعة. وقال الإمام: واللائق بمحاسن الشريعة: أن لا تبنى على تعيين؛ ليحرص الناس على أداء جميع الصلوات كليلة القدر، وصحح هذا الاحتمال القاضي حسين. ومجموع ما في ذلك سبعة عشر قولا جمعها الحافظ شرف الدين الدمياطي في كتابه. قال: (ويبقى حتى تطلع الشمس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وقت صلاة

وَالاِخْتِيَارُ: أَنْ لاَ تُؤَخَّرَ عَنِ الإِسْفَارِ. قُلْتُ: يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ: عِشَاءٍ، وَالْعِشَاءِ: عَتَمَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس) رواه مسلم [612]. وفي (الصحيحين) [خ579 - م608]: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس .. فقد أدرك الصبح). وعند الإصطخري: يخرج بالإسفار. قال: (والاختيار: أن لا تؤخر عن الإسفار)؛ لبيان جبريل علي السلام. نعم؛ يكره التأخير إلى وقت طلوع الحمرة، وحينئذ يكون للصبح خمسة أوقات كالعصر. و (الإسفار): الإضاءة، يقال: سفر الصبح وأسفر. مسألة سيحتاج إليها: روى مسلم [2937] عن النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة الدجال، قلنا: يا رسول الله؛ وما لبثه في الأرض؟ قال: (أربعون يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم)، قلنا يا رسول الله؛ أتكفينا في ذلك اليوم صلاة اليوم؟ قال: (لا، اقدروا له قدره). قال: (قلت: يكره تسمية المغرب: عشاء)؛ لما روى البخاري [563] عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب؛ فإنهم يسمونها العشاء). قال: (والعشاء: عتمة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فإنهم يعتمون بالإبل). وقد صح في حديث آخر: (لو تعلمون ما في العتمة والصبح)، فقيل: لبيان الجواز، أو خاطب به من تشبه عليه العشاء بالمغرب.

وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثُ، بَعْدَهَا إِلاَّ فِي خَيْرٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وما جزم به هنا وفي (الروضة) و (التحقيق) من الكراهة خالفه في (شرح المهذب)، فقال: نص الشافعي على أنه: يستحب أن لا تسمى بذلك، وذهب إليه المحققون من أصحابنا، وقالت طائفة قليلة: يكره. و (العتمة): شدة الظلمة. ويقال للمغرب والعشاء: العشاءان. قال: (والنوم قبلها، والحديث بعدها) ولو في مباح؛ لما روى الشيخان [خ568 - م446] عن أبي برزة الأسلمي- واسمه: نضلة بن عبيد-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها). والمعنى فيه: أن النوم قبلها قد يفوتها، والحديث بعدها قد يستغرق فيشتغل عن قيام الليل أو صلاة الصبح، أو غير ذلك من مصالح الآخرة والدنيا. وعلله بعضهم بوقوع الصلاة التي هي أفضل الأعمال خاتمة عمله، والنوم نحو الموت فربما مات في ليلته. وقيل: لأن الله تعالى جعل الليل سكنًا، وهذا يخرجه عن ذلك. وروى البيهقي في (الشعب) [4991] عن مالك أنه قال: بلغني عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت ترسل إلى أهلها بعد العتمة، فتقول: (أريحوا كتابكم). قال ابن الصلاح: وهذه الكراهة تعم سائر الأوقات، ولا تخص العشاء. والمراد بـ (بعدها): بعدها فعلها، وذلك يشمل ما إذا جمعها تقديمًا مع المغرب، والمتجه: خلافه. ومفهومه: أنه لا يكره قبل فعلها وإن كثر وفيه نظر، ولو قيل: إنه بالكراهة أولى .. كان له وجه ظاهر. قال: (إلا في خير والله أعلم) كقراءة القرآن والحديث، ومدارسة العلم، وحكايات الصالحين، وإيناس الضيف والعروس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين لحفظ متاعهم، والإصلاح بين الناس ونحو

وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلاَةِ لأِوَّلِ الْوَقْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك؛ لأنه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة. وروى الحاكم [2/ 379] عن عمران بن حصين قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليلة عن بني إسرائيل). قال: (ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت)؛ لقوله تعالى: {حفظوا على الصلوات}، ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها، وقال صلاة الله عليه وسلم: (الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله) رواه الترمذي [172]، زاد إبراهيم بن عبد الملك: (وفي وسطه رحمة الله). قال الشافعي رحمه الله: رضوان الله إنما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن مسعود: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة في أول وقتها) صححه ابن حبان [1479] وابن خزيمة [327] والحاكم [1/ 188] والبيهقي [1/ 434]، وهو في (الصحيحين) [خ7534 - م85] بلفظ: (الصلاة لوقتها). ولأنه بالتأخير يعرضها للنسيان وحوادث الزمان. وأما حديث: (أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر) .. فصحيح، لكنه محمول على تبين الفجر وتيقنه؛ فإن المصلي إذا ظن دخول الوقت .. جاز له الصلاة، ولكن الأولى تأخيرها حتى يتيقنه. وقيل: يندب تأخير الظهر إلى مصير الظل كالشراك. وفيما تحصل به فضيلة الأولية أوجه: أصحها: بأن يشتغل بأسباب الصلاة عند دخول الوقت كالطهارة والسترة والأذان، فإنه لا يعد حينئذ متوانيًا ولا مقصرًا، ولا يضر أكل لقم وكلام يسير، ولا يكلف العجلة على خلاف العادة، ولا يضر شغل خفيف وسنة راتبة. والثاني: لا يحصل إلا بأن يقدم ما يمكن تقديمه من الأسباب لتنطبق الصلاة على أول الوقت.

وَفِي قَوْلٍ: تَاخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا قيل: لا ينال المتيمم فضيلة الأولية، كذا حكاه الرافعي، وهو معترض؛ لأن التيمم لا يمكن تقديمه. والثالث: لابد من تقديم الستر؛ لأن وجوبه لا يختص بالصلاة. والرابع: يمتد إلى نصف الوقت. والخامس: إلى نصف وقت الاختيار. وإنما يكون التعجيل أفضل حيث لا معارض أرجح، فإن كان .. فالتأخير أولى: كالإبراد بالظهر، ومن تيقن وجود الماء أو السترة أو القدرة على القيام، أو المعذور إدراك الجمعة، والمنفرد الجماعة، في وسط الوقت، والمسافر السائر إذا أراد الجمع .. فالأولى تأخيرها إلى وقت الثانية، ومن يدافع حدثًا أو حضره طعام وهو تائق إليه، والمقيم بمنى للرمي فإنه يستحب له تأخير الظهر عنه، والمحرم إذا خاف فوت الحج، وتأخير المغرب لمن دفع من عرفات كما سيأتي. وقال الروياني: ليس للسيد منع عبده من فعل المكتوبة أول الوقت على الأصح، ولا منعه من النوافل التي في أدبارها، وإنما يمنعه من غيرها، وقضيته: أن يمنعه من صلاة العيد والتراويح ونحوهما. قال: (وفي قول: تأخير العشاء أفضل) أي: ما لم يخرج وقت الاختيار، وهذا هو المنصوص في أكثر كتبه الجديدة- وقال في (شرح المهذب): إنه أقوى دليلًا. واختاره الشيخ- لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتم به حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر فقال: الصلاة! وخرج صلى الله عليه وسلم فقال: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم أن يصلوها هكذا) رواه الشيخان [خ571 - م639] عن ابن عباس. وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه: (لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل الأول) قال الترمذي [167]: صحيح. وقال ابن أبي هريرة: من علم من حاله أن النوم لا يغلبه .. فالتأخير في حقه أفضل، ومن لا يكون كذلك .. فالتعجيل له أفضل، ونزل النص على اختلاف الحالين.

وَيُسَنُّ الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرَّ، وَالأَصَحُّ: اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويسن الإبراد بالظهر في شدة الحر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر .. فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه الشيخان [خ534 - م615] عن أبي هريرة، وفي رواية للبخاري [538] عن أبي سعيد: (فأبردوا بالظهر). وحقيقة (الإبراد): أن تؤخر الصلاة عن أول الوقت بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشي فيه طالب الجماعة، ولا تؤخر عن النصف الأول. وقيل: (الإبراد) رخصة لا سنة، فلو تكلف التعجيل .. كان أفضل، وهذا هو المنصوص في (البويطي)، وصححه الشيخ أبو علي السنجي وآخرون. وخرج بالظهر الجمعة، فلا يبرد بها في الأصح؛ لأن الناس يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر. وقيل: يستحب؛ لما روى الشيخان عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبرد بالجمعة). أما الإبراد بالأذان .. ففي (المطلب): أنه لا يستحب، لكن صح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالًا)، وقال عمر لأبي محذورة مؤذن مكة: (إنك في بلد حار فأبرد عن الناس، ثم أبرد مرتين أو ثلاثًا ثم أذن، ثم أنزل فاركع ركعتين ثم ثوب). ولعل ذلك محمول على ما إذا علم من حال السامعين أنهم يحضرون عقب الأذان فيبرد؛ لئلا يشق عليهم، أما إذا كان من الناس من لا يحضر فينبغي الأذان في أول الوقت؛ ليعلم بدخوله. قال: (والأصح: اختصاصه ببلد حار)؛ لأن البلاد المعتدلة يحتمل فيها إشراق الشمس. والثاني: أنه يتعدى إلى المعتدلة أيضًا؛ لوجود التأذي بالشمس فيها.

وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: والظاهر أن مرادهم بالبلد الحار كمكة والمدينة وتهامة والحجاز ونحوها، كما أشعر به كلم الشافعي رضي الله عنه وغيره. قال: (وجماعة مسجد يقصدونه من بعد) نظرًا إلى المعنى، وعدم التأذي في المنفرد والجماعة القريبين من المسجد. والثاني: لا يختص، فيبرد المنفرد والمصلي جماعة، قربت أم بعدت، وإطلاق الحديث يقتضيه. وعلى المشهور، لو كان لهم كن يمشون فيه .. لم يستحب الإبراد، والخلاف قولان. وتعبيره بـ (المسجد) جري على الغالب، وإنما المراد: موضع الجماعة، ولا فرق بين المسجد المطروق وغيره على المذهب. وقيل: المطروق لا يبرد فيه؛ لأنه يشهده أصناف لا يمكن تواعدهم. وضابط البعيد: ما يتأثر قاصده بالشمس. ويبرد الإمام الحاضر في موضع الصلاة، وكذلك من حضر معه انتظارًا للقاصدين من بعد؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، وفيه أهل الصفة مقيمون، ومع ذلك كانوا يبردون انتظارًا للغائبين. وقد تفهم عبارته: أن انتظار الجماعة أفضل من المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، وفي الصحيح شاهد له صريح. واختار المصنف: أن الأفضل أن يصلي مرتين: مرة في أول الوقت منفردًا، ثم في الجماعة؛ لحديث: (سيجيء قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة). تنبيه: إنما يكون وقت الصلاة موسعًا إذا لم يشرع فيها أول الوقت أو في أثنائه، فإن شرع

وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلاَتِهِ فِي الْوَقْتِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ رَكْعَةٍ .. فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ، وَإِلاَّ .. فَقَضَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها .. يضيق- كما سيأتي- ولزمه إتمامها، فلو أفسدها .. وجب القضاء على الفور وصارت قضاء؛ لأن الخروج منها لا يجوز، فلزم فوات وقت الإحرام بها، كذا صرح به القاضي والمتولي والروياني، وفي إثبات ذلك في الجمعة نظر. قال: (ومن وقع بعض صلاته في الوقت .. فالأصح: أنه إن وقع ركعة .. فالجميع أداء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة .. فقد أدرك الصلاة) متفق عليه [خ580 - م 607]. والثاني: الجميع قضاء، اعتبارًا بآخر الوقت. والثالث: ما وقع في الوقت أداء، وما وقع خارجه قضاء، اعتبارًا لكل جزء بزمانه، قال الشيخ أبو حامد: وهو قول عامة أصحابنًا. وذكر الماوردي: أنها للمعذور أداء جزمًا، وإنما الخلاف في غيره. قال: (وإلا .. فقضاء)؛ لمفهوم الحديث، وقال المتولي: بلا خلاف، وقيل: بطرد الأوجه. وإذا عقدها ووقتها متسع ثم أفسدها .. تعين عليه فعلها على الفور؛ لأنها صارت قضاء بإفسادها، حتى لو فعلها في الوقت .. لا ينوي الأداء، ولا يقصرها فيه إذا سافر

وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ .. اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلاَتَهُ قَبْلَ الْوَقْتَ .. قَضَى فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد ذلك، صرح به القاضي والمتولي والروياني؛ لأنه يضيق عليه الوقت بدخوله، ففات وقت إحرامه بها، كالحج الفاسد يتدارك قضاء لا أداء، والعمر كله وقت له. قال الشيخ: وقضية هذا أنه لو وقع في الجمعة .. لا تفعل ثانيًا؛ لأنها لا تقضى. قال: (ومن جهل الوقت .. اجتهد) أي: وجوبًا، كالاجتهاد في القبلة. قال: (بورد ونحوه) كقراءة ودرس وأعمال وصياح ديك مجرب، ولا فرق بين أن يكون بحيث لو صبر لتيقن دخول الوقت أو لا، كما لو كان في مطمورة على الأصح، وهما كالوجهين في الأواني إذا قدر على طاهر بيقين، هذا إذا لم يخبره ثقة عن علم، بطلوع فجر أو غروب شمس، فإنه حينئذ يجب عليه العمل بخبره. ومتى وجب الاجتهاد فصلى بدونه .. أعاد وإن وقعت صلاته في الوقت. وللأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة العارف في الصحو والغيم في أصح الأوجه؛ لأنه لا يؤذن إلا في الوقت. والثاني: لا يجوز لهما. والثالث: يعتمده الأعمى والبصير في صحو دون غيم. والرابع: يجوز للأعمى دون البصير. وإذا كثر المؤذنون في يوم صحو أو غيم، وغلب على الظن أنهم لا يخطؤون لكثرتهم .. جاز اعتمادهم للبصير والأعمى بلا خلاف. والمنجم إذا عرف الوقت بالحساب .. جاز له أن يعتمده دون غيره على الأصح، كما سيأتي في نظيره من الصوم. قال: (فإن تيقن صلاته قبل الوقت .. قضى في الأظهر)؛ لفوات شرطها وهو الوقت. والثاني: لا قضاء؛ اعتبارًا بما في ظنه.

وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ، وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وموضع الخلاف: إذا تبين له ذلك خارج الوقت، فإن كان الوقت باقيًا .. وجبت الإعادة قطعًا. قال: (وإلا .. فلا) شملت عبارته إذا لم يتيقن الحال، وإذا تيقن وقوعها في الوقت، وفي الصورتين لا قضاء. والثالثة: إن تيقن وقوعها بعد الوقت .. فلا قضاء أيضًا، ولكن هل نصف الذي فعله بالقضاء أو الأداء؟ فيه وجهان، أصحهما: بالقضاء؛ لأنه خارج الوقت. قال: (ويبادر بالفائت)؛ تعجيلًا لبراءة الذمة، فإن فات بعذر كنوم ونسيان .. ندبت المبادرة، وإن كان بغير عذر .. وجب لتفريطه، هذه طريقة الخراسانيين. وقيل: يندب فيهما، وهو الأصح عند العراقيين؛ لأن القضاء بأمر جديد. وقيل: يجب فيهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها .. فليصلها إذا ذكرها) متفق عليه [خ597 - م684]. وإذا وجب الفور في المعذور .. فغيره أولى. والأصح: التفصيل. وهذا الخلاف مطرد في قضاء الصوم قبل رمضان آخر، وفي الكفارات، والاعتكاف المنذور. ويؤخذ من المبادرة بالفائت: أن من لم يصل حتى فات الوقت- وهو من أهل الفرض- بعذر أو غيره .. يلزمه القضاء. ويستثنى من الأمر بالمبادرة فاقد الطهورين، فالصواب: أنه لا يجوز له القضاء إلا إذا وجد الماء كما تقدم. ونقل عن ابن بنت الشافعي: أن غير المعذور لا يقضي الصلاة عملًا بمفهوم الحديث تغليظًا عليه، وهو مذهب جماعة من أهل الظاهر، وقواه الشيخ عز الدين، كما أن تارك الأبعاض عمدًا لا يسجد على وجه مع أنه أحوج إلى الجبر. قال: (ويسن ترتيبه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق صلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، متفق عليه [خ596 - م631].

وَتَقْدِيمُهُ عَلىَ الْحَاضِرَةِ الَّتِي لاَ يَخاَفُ فَوْتَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجب؛ لأن الترتيب إنما استحق للوقت، فسقط بفواته كقضاء صوم رمضان، ولم يصح دليل على وجوب الترتيب. قال: (وتقديمه على الحاضرة التي لا يخاف فوتها)؛ لحديث الخندق المذكور، فإن خاف فوتها .. وجب تقديم الحاضرة؛ لأن الوقت تعين لها، ولئلا تصير الأخرى قضاء. والتعبير بالفوات يقتضي: استحباب الترتيب أيضًا إذا أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة؛ لأنها لم تفت، وبه جزم في (الكفاية)، لكن فيه بعد لإخراج بعض الصلاة عن الوقت، وهو ممتنع على الصحيح. فلو شرع في الحاضرة، ثم ذكر الفائتة وهو فيها .. وجب إتمام الحاضرة، ضاق الوقت أو اتسع، ثم يقضي الفائتة، ويستحب له أن يعيد الحاضرة؛ لما روى الدارقطني [1/ 421] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في مكتوبة .. فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ منها .. صلى التي نسى، ثم ليعيد الصلاة التي صلى مع الإمام). ولو دخل في الفائتة معتقدًا سعة الوقت فبان ضيقه .. وجب قطعها والشروع في الحاضرة على الصحيح. ولو تذكر فائتة، وهناك جماعة يصلون الحاضرة، والوقت متسع .. فسيأتي في خاتمة (الجماعة). فروع: ذكر الأصحاب: أن النائم معذور في تأخير الصلاة، والمراد: من استغرق الوقت بالنوم، أما من دخل عليه الوقت ثم نام، فإن ظن أنه لا يستيقظ قبل خروجه .. أثم، وكذا إن احتمل أن لا يستيقظ كما أفتى به ابن الصلاح والشيخ. ومن ظن قبل دخول الوقت أنه إذا نام استغرق الوقت .. جزم الشيخ بأنه لا يأثم؛ لأنه لم يخاطب بها قبل الوقت.

وَتُكْرَهُ الصَّلاَةُ عِنْدَ الاِسْتِوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب إيقاظ النائمين للصلاة، لاسيما إذا ضاق وقتها، ففي (سنن أبي داوود): (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومًا إلى الصلاة، فلم يمر بنائم إلا أيقظه)، وكذلك إذرا رآه نائمًا أمام المصلين، وإذا كان نائمًا في الصف الأول أو محراب المسجد، وكذا إذا نام على سطح لا حافة له؛ لورود النهي عنه من طريق أنس، أو نام وبعضه في الشمس وبعضه في الظل، لورود النهي عنه، أو نام بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس؛ لأن الأرض تعج إلى الله من نومة عالم حينئذ، قاله علقمة بن قيس، أو نام قبل صلاة العشاء، أو بعد صلاة العصر، أو نام خاليًا في بيت وحده، فإن ذلك يكره، أو نامت المرأة مستلقية ووجهها إلى السماء، ذكرهما الحليمي، أو نام رجل على وجهه منبطحًا؛ فإنها ضجعة يبغضها الله، رواه أحمد [2/ 287] وابن حبان [5549]. ويستحب أن يوقظ غيره لصلاة الليل وللتسحر، ومن نام وفي يده غمر، والنائم بعرفات وقت الوقوف؛ لأنه وقت طلب وتضرع. ومن فاتته صلاة العشاء، هل له أن يصلي الوتر قبل قضائها؟ حكى القمولي فيه وجهين، وهما غريبان. وحكى الطبري شارح (التنبيه) وجهين فيمن عليه فوائت وأراد قضاءها، هل يبدأ بالصبح أو الظهر؟ وفيه ما يقتضي: أن ثواب القضاء دون ثواب الأداء. ومن عليه فوائت لا يعرف عددها .. قال القفال: يقضي ما تحقق تركه، وقال القاضي حسين: يقضي ما زاد على ما تحقق فعله، وهو الأصح. قال: (وتكره الصلاة عند الاستواء)؛ لما روى مسلم [831] عن عقبة بن عامر قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى

إِلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ، وَالْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تميل الشمس، وحين تضيف للغروب). فـ (الظهيرة): شدة الحر، و (قائمها): البعير يكون باركًا فيقوم من شدة حر الأرض. و (تضيفت للغروب) أي: مالت إليه، ومنه: الضيف؛ لميله إلى المضيف، وميل المضيف إليه. مهمة: الأصح: أن هذه الكراهة للتحريم، كما صححه هنا في زوائد (الروضة) وفي (شرح المهذب)، والأصح فيه في (كتاب الطهارة) وفي (التحقيق): أنها للتنزيه، وسيأتي في تتمة هذا الفصل: أنه صحح تبعًا للرافعي: أنها لا تنعقد، وهو مشكل. قال: (إلا يوم الجمعة)؛ لما روى أبو داوود عن أبي سعيد الخدري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس، إلا يوم الجمعة). ولأن الشارع طلب التبكير إليها، ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء. والأصح: جوازه في هذا الوقت مطلقًا سواء حضر الجمعة أم لا. وقيل: يختص بمن حضر وغلبه النعاس، فيدفعه بركعين. قال: (وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح، والعصر حتى تغرب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب) رواه الشيخان [خ1197 - م827]. والكراهة في هذين الوقتين متعلقة بفعل الصبح والعصر، إن قدمهما .. اتسع وقت

إِلاَّ لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكراهة، وإن أخرهما .. تضيق، وكذلك إذا جمع العصر تقديمًا .. امتنع عليه النفل بعدها على المنصوص الذي نقله أبو غلي البندنيجي عنه. وقيل: يكره التنفل بعد ركعتي الفجر. وقيل: يكره بعد طلوع الفجر غير ركعتيه. والمراد بارتفاعها كرمح: في رأي العين، وإلا فالمسافة طويلة جدًا. وقيل: تزول الكراهة بتمام الطلوع. وأهمل المصنف وقتين ذكرهما في (المحرر)، وهما حالتا الطلوع والغروب؛ لما تقدم من حديث عقبة بن عامر. فمن صلى العصر، ثم تنفل حال الاصفرار .. تكره صلاته لسببين، على أنه جاء في (صحيح مسلم) [832] في حديث عمرو بن عبسة عدها ثلاثة كما في الكتاب. وأجيب بأنه علمه ما يحتاج إليه في نفسه، وباقي الأحاديث تثبت الشرع العام. قال: (إلا لسبب)، وهو على ثلاثة أقسام: متقدم كالفوائت، ومقارن كركعتي الطواف، ومتأخر كسنة الإحرام. والأصح: أنها لا تفعل في وقت الكراهة؛ لأن سببها الإحرام، وهو قد يقع وقد لا يقع. قال: (كفائتة) فرضًا كانت أو نفلًا؛ لما روى الشيخان [خ1233 - م834/ 297] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر، فلما انصرف قال: (يا بنت أبي أمية؛ سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من وفد عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن اللتين بعد الظهر، فهما هاتان الركعتان). وفي (صحيح مسلم) [835/ 299]: (أنه لم يزل يصليهما حتى فارق الدنيا)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل عملًا .. أدامه. أما غير النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته راتبة فاتخذها وردًا، فهل له المداومة على ذلك في أوقات الكراهة؟ فيه وجهان، أصحهما: لا، وتلك الصلاة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

وَكُسُوفٍ، وَتَحِيَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أبو داوود [1261] والترمذي [422] وابن ماجه [1154] وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قيس بن فهد يصلي ركعتين بعد الصبح، ولفظ ابن حبان: عقب سلام النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال: (ما هاتان الركعتان؟) فقال: إني لم أكن صليت ركعتين الفجر، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه. وفي الاستدلال بهذا نظر؛ لأن ركعتي الفجر بعد الصبح أداء لا قضاء على المعروف، لكن نقل ابن المنذر الإجماع على: أنها تفعل بعد الصبح والعصر، وكذلك إعادة الفريضة في جماعة، ولا تكره صلاة الاستسقاء على الأصح. والثاني: تكره؛ لأن سببها الدعاء وهو متأخر. ولا تكره سنة الوضوء خلافًا للغزالي في (الإحياء). واستدل الرافعي بما روى الشيخان [خ1149 - م2458] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعفيك بين يدي في الجنة)، قال: ما عملت عملًا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار .. إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. و (الدف) بالفاء: صوت النعل وحركته على الأرض، قاله المصنف في (الرياض). ولا يصلى في وقت الكراهة صلاة الاستخارة، ولا الصلاة عند السفر، ولا عند الخروج من المنزل. قال: (وكسوف)؛ لأنها تفوت بالانجلاء، وكذلك صلاة الاستسقاء والعيد على الأصح. والثاني: تكرهان؛ لعدم اختصاصها بوقت. قال: (وتحية)؛ لعموم دليلها. هذا إذا دخل لا بقصد التحية، فإن دخل

وَسَجْدَةِ شُكْرٍ. وَإِلاَّ فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليصليها .. فالأصح: الكراهة، كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات، كذا أطلقه الشيخان. وقال الشيخ: ينبغي أن يكون المكروه الدخول لهذا الغرض، وبعد الدخول لا تكره الصلاة، وكذلك الفائتة المكروه تأخيرها إلى ذلك الوقت، أما فعلها فيه .. فكيف يحكم بكراهته؟ وقد يكون واجبًا إذا كانت فاتت عمدًا. قال: (وسجدة شكر)؛ لفواتها بالتأخير، وفي (الصحيح) في توبة كعب بن مالك: أنه سجد بعد صلاة الصبح. وسجود التلاوة مقيس عليه، وإنما اقتصر المصنف على الشكر؛ لأن النص ورد بها. قال: (وإلا في حرم مكة على الصحيح)؛ لما روى الأربعة والحاكم [1/ 448] وابن حبان [1553] عن جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف؛ لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار). والمعنى فيه: ما في الصلاة في تلك الأماكن من زيادة الفضيلة، فلا يحرم المقيم هناك من استكثارها خصوصًا الآفاقيين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة)، ولا خلاف أن الطواف يجوز، وكذلك الصلاة. وقيل: تكره كحرم المدينة؛ لعموم الأخبار، وحملت الصلاة في هذا الخبر على ركعتي الطواف، وهو قوي وحكي عن النص. وإذا قيل: يجوز التنفل، فهل يختص ذلك بالمسجد، أو يجوز في جميع بيوت مكة؟ فيه وجهان، والصواب: أنه يعم جميع الحرم.

فصل

فَصْلٌ: إِنَّمَا تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: إذا أحرم بصلاة مكروهة في هذا الأوقات .. ففي الانعقاد وجهان، أصحهما عند الشيخين والأكثرين: عدم الانعقاد، وينبني عليهما ما لو نذر أن يصلي في هذه الأوقات، هل تصح؟ فإن قلنا: تنعقد .. صح ويصليها فيها، والأولى أن يصليها في غيرها، كمن نذر أن يضحي بشاة بسكين مغصوبة .. يصح نذره ويذبحها بغير مغصوبة، فإن ذبحها بها .. عصى وأجزأه. والثاني: لا يصح. أما لو نذر صلاة مطلقة .. فله أن يصليها في هذه الأوقات قطعًا. قال: (فصل: إنما تجب الصلاة على كل مسلم)، فالكافر الأصلي لا يطالب بها في الدنيا- وإن قلنا: إنه مكلف بفروع الشريعة على الأصح؛ لتضعيف العقاب عليه في الآخرة- وإن كان في الدنيا مخاطبًا بإيجاب الحدود، والمؤاخذات كالطلاق والظهار والكفارات. قال: (بالغ عاقل)؛ لرفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق. رفعه أبو داوود [4398] وغيره بإسناد صحيح. قال: (طاهر)، فلا تجب على حائض ونفساء بالإجماع، كما سبق في (باب الحيض). قال: (ولا قضاء على كافر) المراد: من كان كافرًا وأسلم؛ لقوله تعالي: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}. ولأن في وجوب القضاء عليهم تنفيرًا عن الإسلام ومشقة شديدة، وإذا أسلم .. أثيب على ما كان يعمله من القرب التي لا تحتاج إلى النية، كالعتق والصدقة والصلة ونحو ذلك.

إِلاَّ الْمُرْتَدَّ. وَلاَ الصَّبِيِّ، وَيْؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا المرتد)، فإنه يلزمه قضاء ما فات في الردة؛ لأنه اعتقد وجوبها، وقدر على التسبب إليه، فهو كالمحدث. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداوود: لا يلزم المرتد إذا أسلم قضاء ما فات في الردة، ولا في الإسلام قبلها، وجعلوه كالكافر الأصلي يسقط عنه بالإسلام ما سلف؛ لقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}. فرعان: الأول: لو صلى المسلم ثم ارتد، ثم أسلم ووقت الصلاة باق. لم تجب إعادتها. الثاني: المرتدة لا تقضي زمن الحيض ونحوه، بخلاف الجنون ونحوه؛ لأن إسقاط الصلاة عن الحائض عزيمة، وعن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهلها. والواقع في (شرح المهذب) من أنها: لا تقضي زمن الجنون .. سهو. قال: (ولا الصبي)؛ لرفع القلم عنه كما تقدم. قال: (ويؤمر بها لسبع، ويضرب عليها) أي: على تركها (لعشر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أبو داوود [496] والترمذي [407] وابن خزيمة [1002] والحاكم [1/ 197]. ولا فرق بين الصبي والصبية، فيجب على الآباء وإن علوا وعلى الأمهات والأوصياء والقوام تعليم الأطفال الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع، كتحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة والنميمة، والوظائف الدينية كحضور الجماعات وأن يضربوهم على تركها بعد العشر.

وَلاَ ذِي حَيْضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى السيد أن يعلم رقيقه البالغ ما لا تصح الصلاة إلا به، أو يخليه ليتعلم. وإنما قدر بسبع؛ لأن التمييز غالبًا يحصل عندها. ولا يقتصر في ذلك على صيغة الأمر، بل لابد من التهديد، قاله المحب الطبري. وخص الضرب بالعشر؛ لأنه مظنة البلوغ، ولأنه حينئذ قوي واحتمل. والمراد بالسبع والعشر استكمالها، وقيل: ابتداؤهما. و (المميز): من يأكل وحده، ويشرب وحده، ويستنجي وحده. وفي (أبي داوود) [498] أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: متى يصلي الصبي؟ قال: (إذا عرف شماله من يمينه)، والمراد: عرف ما يضره وما ينفعه. فروع: مقتضى كلام (الروضة) في (باب التعزير): أن الزوج ليس له ضرب زوجته على ترك الصلاة، لكن في (فتاوى ابن البرزي): أنه يجب عليه أمرها بالصلاة في أوقاتها وضربها عليها. ويؤمر الصبي بقضاء الصلوات كما يؤمر بأدائها ما لم يبلغ، فإذا بلغ .. لم يؤمر بها، قاله الشيخ عز الدين في (مختصر النهاية) في (باب اللعان). وأجرة تعليم الفرائض في مال الصبي، فإن لم يكن .. فعلى من تلزمه نفقته. والأصح في زوائد (الروضة): أنه يجوز أن يصرف من ماله أجرة ما سوى الفرائض من القرآن والآداب. قال: (ولا ذي حيض) بالإجماع، وكذلك النفساء ولو كانت مرتدة كما تقدم. وقيل: إن تسببت في إلقاء الولد .. قضت، وهذه تقدمت في (باب الحيض).

أَوْ جُنُونٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ، بِخِلاَفِ الشُّكْرِ. وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الأَسْبَابُ وَبَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ .. وَجَبَتِ الصَّلاَةُ، وَلاَ ذِي حَيْضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو جنون، أو إغماء)؛ لورود النص في المجنون، وقيس عليه كل من زال عقله بسبب يعذر فيه. وإنما وجب قضاء الصوم على من أغمي عليه جميع اليوم؛ لأن الصلوات الفائتة بالإغماء قد تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم، لكن يستثنى ما إذا طرأ الجنون على الردة .. فإنه يجب قضاء أيام الجنون الواقعة في الردة كما تقدم. وأما إذا طرأ الجنون على السكر العاصي به .. فإنه يجب قضاء المدة التي ينتهي إليها سكره. قال: (بخلاف السكر) أي: إذا كان مختارًا عالمًا بكونه مسكرًا؛ فإنه لا تصح صلاته في تلك الحالة، فإذا عاد عقله .. لزمه القضاء. فلو أكره عليه أو جهل كونه مسكرًا .. فلا قضاء. قال المصنف: وهذه الحشيشة المعروفة حكمها حكم الخمر في وجوب قضاء الصلوات. فإن قيل: لو ألقى نفسه من شاهق فانكسرت رجله وصلى قاعدًا .. لا قضاء عليه مع عصيانه .. فالجواب: أنه بسقوطه انتهت معصيته، فهو غير عاص في دوام القعود، وليس كذلك شارب المسكر. قال: (ولو زالت هذه الأسباب) أي: الكفر الأصلي والصبا والجنون والحيض والنفاس، وهي أحسن من قول (المحرر): هذه الموانع؛ لأن من جملتها الصبا، وليس بمانع من الفعل، وإنما هو سبب لعدم الوجوب. قال: (وبقي من الوقت تكبيرة .. وجبت الصلاة)؛ لأن الإدراك الذي يتعلق به الإيجاب يستوي فيه قدر الركعة ودونها، كما أن المسافر إذا اقتدى بمقيم في جزء يسير من الصلاة .. لزمه الإتمام. وتردد الشيخ أبو محمد في إدراك بعض تكبيرة.

وَفِي قوْلٍ: تُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ. وَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ آخِرَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ آخِرَ الْعِشَاءِ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا .. أَتَمَّهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: تشترط ركعة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة .. فقد أدركها) متفق عليه [خ580 - م607]. فمفهومه: أن ما دون الركعة بخلافه. والمعتبر في الركعة أخف ما يمكن، وعن الشيخ أبي محمد ركعة مسبوق. والمصنف أطلق الوجوب، وشرطه بلا خلاف: أن تمتد السلامة من الموانع قدر إمكان تلك الصلاة والطهارة، فلو عاد المانع قبل ذلك .. لم تجب. قال: (والأظهر: وجوب الظهر بإدراك تكبيرة آخر العصر، والمغرب آخر العشاء)؛ لاشتراكهما في الوقت في حال العذر، ففي حال الضرورة أولى، وهذا هو الجديد، وأحد قولي القديم، ونقله البيهقي عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف، والفقهاء السبعة. والثاني- وهو القديم-: لا يجب الظهر مع العصر إلا بإدراك أربع ركعات زائدة على ما تجب به العصر، ولا المغرب إلا بإدراك ثلاث زائدة على ما تجب به العشاء، ومجموعة ما في المسألة اثنان وثلاثون قولًا ووجهًا. واحترز المصنف عن الصلاة التي لا تجمع مع ما قبلها، وهي الصبح والظهر والمغرب، فإذا زال العذر في آخرها .. وجب فقط؛ لانتفاء العلة السابقة وهي: الاشتراك في الوقت. قال: (ولو بلغ) إما بالسن كما قاله في (المحرر)، أو بسبق المني على قولنا: سبق الحديث لا يبطل. قال: (.. أتمها) أي: وجوبًا؛ لأنه مضروب على تركها. قال: (وأجزأته على الصحيح)؛ لأنه أدى الواجب بشرطه، كالعبد إذا عتق في أثناء ظهره قبل فوات الجمعة، لكن يندب أن يعيد.

أَوْ بَعْدَهَا .. فَلاَ إِعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ .. وَجَبَتْ تِلْكَ إِنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: كيف يجزئ وأول الفعل سنة وآخره واجب؟ قلنا: لا منع من ذلك كما لو دخل في صوم نفل أو صلاته ثم نذر الإتمام. ويقابل الصحيح: يتمها ندبًا ويعيدهما حتمًا. وقيل: إن بقي من الوقت ما يسعها .. أعادها حتمًا، وإلا .. فلا. قال: (أو بعدها) أي: في الوقت (.. فلا إعادة على الصحيح)؛ لأنه شرع في وظيفة الوقت بشرائطها، فأجزأته وإن تغير حاله إلى الكمال، كالأمة إذا صلت مكشوفة الرأس ثم عتقت في الوقت. والثاني: تجب الإعادة- وهو مذهب الأئمة الثلاثة- لأن المؤدى في الصغر واقع في حال النقصان، فأشبه ما إذا حج ثم بلغ. وأجاب الأول بأن الصبي مأمور بالصلاة مضروب عليها بخلاف الحج، ولأنه لما كان وجوبه مرة في العمر .. اشترطنا وقوعه في حال الكمال بخلاف الصلاة. والثالث: إن بقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة .. وجبت إعادتها، وإلا .. فلا. والرابع: إن كان المفعول ظهرًا في يوم الجمعة، ثم بلغ والجمعة غير فائتة .. وجبت إعادتها؛ لأن الظهر لا تجزئ عن الجمعة بخلاف سائر الصلوات، وإلى هذا ذهب ابن الحداد، وعلى المذهب .. تستحب له الإعادة. قال: (ولو حاضت أو جن أول الوقت .. وجبت تلك إن أدرك قدر الفرض)؛ لأنه أدرك من الوقت ما يمكن فيه فعله، فلا يسقط بما يطرأ بعده، كما لو هلك النصاب بعد الحول وإمكان الأداء .. فإن الزكاة لا تسقط، وكذا حكم النفاس والإغماء. وخرج ابن سريج قولًا: أنه لا تجب إلا إذا أدركت جميع الوقت. وحكم الإدراك في وسط الوقت حكم ما لو وقع في أوله. والمعتبر: أخف ما يمكن من الصلاة، حتى لو طولت صلاتها فحاضت فيها، وقد مضى من الوقت ما يسعها لو خففتها .. وجب القضاء.

فصل

وَإِلاَّ .. فَلاَ. فَصْلٌ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ سُنَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان سفر قصر .. اعتبر قدر ركعتين فقط. ولا تعتبر الطهارة في الأصح، إلا إذا لم يجز تقديمها كطهارة المستحاضة والمتيمم. قال: (وإلا .. فلا) أي: إن لم يدرك قدر الفرض كما وصفنا .. فلا وجوب في ذمته، كما لو هلك النصاب قبل التمكن. وجعل أبو يحيى البلخي حكمه حكم آخر الوقت وهو: تكبيرة أو ركعة وغلطوه، وفرقوا بأنه في آخر الوقت إذا أدرك قدر ركعة .. يمكنه أنه يبني على ما أدرك بعد الوقت، وههنا لا يمكن التقديم على الوقت. وهل يقال في هذه الحالة: سقط الوجوب بعد ثبوته، أو تبين عدم الوجوب؟ صرح في (شرح المهذب) بالثاني، وكلام غيره يقتضي الأول، وجعلوا الوجوب بأول الوقت والاستقرار بالتمكن كما في الزكاة. تتمة: ذكر المصنف الحيض والجنون ليعلم منهما حكم النفاس والإغماء من باب أولى، ولا يتصور طرآن الكفر المسقط للإعادة؛ لأنها ردة وهو فيها ملزوم بالإعادة. قال: (فصل: الأذان والإقامة سنة) أي: من سنن الكفاية؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك والمواظبة عليه، وذلك الأخبار على أنه ليس بفرض عين ولا كفاية؛ لقوله صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول .. لاستهموا عليه) رواه البخاري [654]. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهما الأعرابي مع ذكره صلى الله عليه وسلم الوضوء والاستقبال، و (جمع صلى الله عليه وسلم بين صلاتين، وترك الأذان للثانية)، والجمع بين الصلاتين سنة، فلو كان الأذان واجبًا .. لما تركه لأجل سنة. و (الأذان): اسم وضع موضع التأذين الذي هو المصدر، وهما في اللغة: الإعلام، قال تعالى: {وأذن في الناس بالحج}. وفي الشرع: ذكر مخصوص، شرع للإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة. و (الإقامة) في الأصل: مصدر أقام، وسمي الذكر المخصوص بذلك؛ لأنه يقيم إلى الصلاة. والأصل في مشروعيته قبل الإجماع قوله تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلوة}، وقوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلوة}. ومن السنة أحاديث منها: حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه أنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي رجل وأنا نائم يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله؛ أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أولا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر إلى آخر ألفاظ الأذان، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر إلى آخر لفظ الإقامة، فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنها رؤيا حق إن شاء الله تعالى، قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتًا منك). قال أبو داوود: وتزعم الأنصار أن عبد الله بن زيد حين رأى الأذان كان مريضاً، ولولا ذلك .. لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان، قالوا: فلما أذن بلال سمع بذلك عمر وهو في بيته، فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق! لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله) رواه أبو داوود [500] وغيره بإسناد صحيح. وذكر الإمام والغزالي والقاضي حسين: أن عبد الله بن زيد أذن مرة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول مؤذن في الإسلام، قال ابن الصلاح: لم أجد هذا بعد البحث عنه. وروى البزار: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أري الأذان ليلة الإسراء وأسمعه مشاهدة فوق سبع سماوات، ثم قدمه جبريل عليه السلام فأم أهل السماء والأرض، وفيهم آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام، فأكمل الله له الشرف على أهل السماوات والأرض). وإنما أفرد المصنف الضمير وهو عائد على شيئين؛ لتأويله بالمجموع، ولو أتى به مثنى كما فعل في (المحرر)، وكما فعل هو بعد هذا .. كان أحسن. فائدتان أجنبيتان: الأولى: نقل القرطبي [5/ 271] في تفسير قوله تعالى: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} عن مكي والقشيري: أن عبد الله بن زيد المذكور لما توفي النبي صلى الله عليه

وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم .. قال: (اللهم؛ أعمني حتى لا أرى شيئًا بعده)، فعمي من ساعته، وكان رؤيا الأذان في السنة الأولى من الهجرة. قال الترمذي: سمعت البخاري يقول: لا يعرف له إلا حديث الأذان. قال المصنف: قد رويت له أحاديث وذكر بعضها في (تهذيب الأسماء). الثانية: بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أذن في الإسلام. قال مالك: ولم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة لعمر حين دخل الشام، فبكى الناس بكاء شديدًا. وروى ابن أبي شيبة وابن عبد البر: أنه أذن لأبي بكر إلى أن مات، ولم يؤذن لعمر. وأمه حمامة، ووقع في (الصحاح): أنه بلال بن حمام وهو وهم. وذكر ابن حزم في هذا الباب من (المحلى): أنه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة إلا بسواد بلال؛ فإنه يفرق سواده شامات في خدودهن، فسبحان من أكرم أهل طاعته. وروى الحاكم [3/ 284]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير السودان ثلاثة: بلا ولقمان ومهجع)، وهو مولى عمر، وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر. قال: (وقيل: فرض كفاية)، واختاره الشيخ وجماعة؛ لما روى الشيخان [خ631 - م674/ 292] عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضر الصلاة .. فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)، وفي لفظ [خ 630 - م674/ 293]: (فأذنا ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما)، ولأنهما من الشعائر الظاهرة. وقيل: فرضا كفاية في الجمعة دون غيرها؛ لأنهما دعاء إلى الجماعة وهي واجبة في الجمعة مستحبة في غيرها، فيكون الدعاء إليها كذلك. وعلى هذا: الواجب هو الذي بين يدي الخطيب.

وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن المنذر: فرض في حق الجماعة دون المنفرد. فإن أوجبناهما .. قوتل أهل البلد بتركهما. وشرط حصولهما فرضًا أو سنة: أن يظهرا في البلد بحيث يبلغ جميعهم لو أصغوا، فيكفي في القرية الصغيرة في موضع، وفي الكبيرة في مواضع يظهر الشعار بها. قال: (وإنما يشرعان للمكتوبة)؛ إعلامًا بدخول الوقت، ليتهيأ من يريد الحضور. ولم يرد في السنة: أنهما فعلًا لغير الصلوات الخمس. وأما قول صاحب (الذخائر): إن المنذورة يؤذن لها ويقيم إذا قلنا: يسلك بها مسلك واجب الشرع .. فقال المصنف: إنه غلط منه وهو كثير الغلط. وقد اتفق الأصحاب على أنه: لا يؤذن لها ولا يقيم ولا يقال: الصلاة جامعة. لكن يرد على حصره: أن الأذان يشرع في أذن المولود كما سيأتي في (العقيقة)، وإذا تغولت الغيلان؛ أي: تمردت الجان؛ لحديث صحيح ورد فيه كما قاله في (الأذكار). قال: (ويقال في العيد ونحوه) كالكسوف والاستسقاء والتراويح (الصلاة جامعة)؛ لما روى الشيخان [خ960 - م886] عن ابن عباس وجابر قالا: (لم يكن يؤذن في يوم الفطر ولا يوم الأضحى). ورويا [خ1045 - م910] عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. نودي بالصلاة جامعة). و (الصلاة جامعة) منصوبان، الأول على الإغراء، والثاني على الحال، ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر، وهذا اللفظ ورد عن الزهري وتبعه الناس. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى العيد بغير أذان ولا إقامة).

وَالْجَدِيدُ: نَدْبُهُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى فيه: الفرق بينها وبين الفرائض. والصحيح في زوائد (الروضة)، وهو المنقول عن النص: أن صلاة الجنائز لا يستحب فيها ذلك؛ لأن المشيعين لها حاضرون. قال: (والجديد: ندبه للمنفرد) سواء كان في بلد أو صحراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد الخدري: (إني أراك تجب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة .. فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)، كذا ذكر الحديث الرافعي والغزالي والإمام وهو وهم والصواب: ما ثبت في (البخاري) [609] وغيره عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: قال لي أبو سعيد: إني أراك تحب الغنم والبادية إلى آخره. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا إذا لم يبلغ المنفرد أذان غيره، فإن بلغه .. ففي (شرح مسلم): لا يؤذن. وفي (شرح الوسيط) و (التحقيق): الأصح استحبابه، وهو مقتضى كلام (الشرح الصغير)، وعلي الفتوى. والقديم: لا يستحب؛ لانتفاء المعنى المقصود منه وهو الإعلام. وقيل: إن رجا المنفرد حضور جماعة .. أذن، وإلا .. فلا. وقال الشافعي: ترك الأذان في السفر أخف منه في الحضر. قال: (ويرفع صوته)؛ لحديث أبي سعيد السابق. وقيل: إن انتظر حضور جماعة .. رفع صوته، وإلا .. فلا. والمراد برفعه: أن يبالغ في رفعه ما أمكنه، فإن لم يبالغ ولكنه أسمع بعض الناس .. حصل الأذان قطعًا. وإن أذن بحيث لم يسمع إلا نفسه، فإن كان منفردًا .. صح عند الجمهور، وإن لم يسمع نفسه .. فليس بأذان ولا يسمى كلامًا، وبذلك يعلم: أن رفع الصوت منقسم إلى: واجب، ومستحب، وخلاف الأولى.

إِلاَّ بِمَسْجِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ. وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ، وَلاَ يُؤَذِّنُ فِي الْجَدِيدِ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ .. لَمْ يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الأُولَى. وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الإِقَامَةُ، لاَ الأَذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا بمسجد وقعت فيه جماعة) أي: وانصرفوا، فذلك خلاف الأولى؛ لئلا يوهم دخول وقت صلاة الأخرى سيما في يوم غيم. ولو قال: بموضع بدل (مسجد) .. كان أشمل. قال: (ويقيم للفائتة) بالاتفاق. قال: (ولا يؤذن في الجديد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر يوم الخندق بعد الغروب، كلا منهما بإقامة، وروى معناه أبو داوود [1901]. قال: (قلت: القديم أظهر والله أعلم) يعني: أنه يؤذن للفائتة مطلقًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نام هو وأصحابه في الوادي إلى أن طلعت الشمس، ثم صلى صلاة الغداة بعد أن أذن لها بلال، رواه مسلم. وفي (الصحيحين) [خ595 - م684]: (فصنع ما كان يصنع كل يوم)، وهذا القول صححه الجمهور، وبه قال الأئمة الثلاثة، فالأذان في الجديد حق للوقت، وفي القديم حق للفريضة، وفي (الإملاء) حق للجماعة، كل هذا في الفائتة الواحدة، فإذا تعددت .. فسيأتي في كلام المصنف. قال: (فإن كان فوائت .. لم يؤذن لغير الأولى) أي: ويقيم لكل واحدة بلا خلاف، هذا إذا والى بينهما؛ لعدم ورود الموالاة بين أذانين، أما إذا قضاها متفرقات .. ففي الأذان لكل واحدة الخلاف السابق، ويقيم للجميع. قال: (ويندب لجماعة النساء الإقامة لا الأذان على المشهور)؛ لما روى البيهقي [1/ 408] عن ابن عمر أنه قال: (ليس على النساء أذان)، ولما في الأذان من رفع الصوت الذي يخاف منه الافتتان بخلاف الإقامة. ونص في (البويطي) على أنه: لا يستحب لها الأذان ولا الإقامة؛ لأن في أثر ابن عمر ليس على النساء أذان ولا إقامة.

وَالأَذَانُ مَثْنَى، وَالإِقَامَةُ فُرَادَى إِلاَّ لَفْظَ الإِقَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي قول ثالث: يستحبان؛ لما روى الحاكم [1/ 203] والبيهقي [1/ 408] عن عائشة أنها كانت تفعلهما. والخنثى كالمرأة. ولو قال: ويندب للنساء .. كان أولى؛ لأن الخلاف جار فيهن عند الانفراد، فإن قلنا: لا تؤذن، فأذنت ولم ترفع صوتها .. لم يكره على الصحيح، وإن قلنا: تؤذن وتقيم .. لم ترفع فوق ما تسمع صواحبها، فإن زادت .. حرم على الصحيح عند الشيخين هنا، والصواب المنصوص المفتى به: الجواز كما صرح به في رفع الصوت بالتلبية، وجواز استماع غنائها وأذانها وإن كانت أجنبية حرة أو أمة. ولو أذنت للرجال .. لم يصح، وفيه وج ضعيف؛ تغليبًا للأخبار، على عكس الصبي والفاسق، فإن الصحيح: صحته منهما؛ تغليبًا للشعار. قال: (والأذان مثنى، والإقامة فرادى إلا لفظ الإقامة)؛ لما رواه الشيخان [خ605 - م378] عن أنس قال: (أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة إلا الإقامة)، وعليه أجمع أهل الحرمين، والحكم على الأذان بالتثنية باعتبار معظمه، ولا خلاف في ذلك عندنا، وأنه بالترجيع: تسع عشرة كلمة كما: (علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة)، ولم يزل هو وأولاده يؤذنون بمكة كذلك إلى زمن الشافعي، فسمعه من إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وسمعه يفرد الإقامة، ولم يزل بنو سعد القرظ على ذلك بالمدينة أيضًا إلى أن وقع التغيير في أذانيهما. وأما الإقامة .. ففيها خمسة أقوال: الجديد الصحيح: أنها إحدى عشرة كلمة؛ لإجماع أهل الحرمين على ذلك. والثاني: عشر كلمات يفرد قوله: قد قامت الصلاة.

وَيْسَنُّ إِدْرَاجُهَا، وَتَرْتِيلُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: تسع يفرد التكبير في آخرها. والرابع: ثمان يفرد الجميع، وهو مذهب مالك. والخامس: أنه إن رجع في الأذان .. فالسنة أن يثني الإقامة؛ لأنها إنما أفردت اكتفاء بتثنية الأذان، وإن لم يرجع فيه وصححناه .. أفرد الإقامة، واختاره ابن المنذر؛ لما روى أبو محذورة أنه قال: (لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة)، رواه الدارقطني [237] والنسائي [2/ 4]، والترمذي [192] وقال: حسن صحيح، وابن ماجه [709] برجال الصحيح. قال ابن سريج: وهذا من الاختلاف في المباح، وليس بعضه أولى من بعض. وقال الماوردي: الاختلاف في الأفضل. ولما كانت كلمات الأذان والإقامة مشهورة .. لم يذكرها المصنف، بل اقتصر على كونه مثنى وهي فرادى. قال: (ويسن إدراجها) أي: الإسراع فيها مع بيان الحروف، من قولك: أدرجت الكتاب إذا طويته؛ وذلك أنها للحاضرين فإدراجها أشبه، ولما روى أبو داوود والترمذي [195] والحاكم [1/ 204] عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بلال إذا أذنت .. فترسل، وإذا أقمت .. فاحذم)) أي: فأسرع، وهي بالذال المعجمة وبعدها ميم. ويسن أيضًا أن تكون أخفض صوتًا من الأذان. قال: (وترتيله) أي: من غير تمطيط؛ لأنه للغائبين. وترتيله: أن يأتي به حرفًا حرفًا، وأن يقف على آخر الكلمات. قال الهروي: وعوام الناس يقولون: أكبر بضم الراء إذا وصل، وكان المبرد يفتح الراء من أكبر الأولى ويسكن الثانية.

وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ، وَالتَّثْوِيبُ فِي الصُّبْحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يجمع بين كل تكبيرتين بصوت، وأما باقي الكلمات .. فيفرد كل واحد بصوت، وفي الإقامة يجمع كل كلمتين. قال: (والترجيع فيه)، كما رواه مسلم [379] عن أبي محذورة، وحكمته التدبر والإخلاص، وفي وجه: أنه شرط فيه، والصواب: أن الترجيع الذي يأتي به سرًا. وفي (شرح مسلم) و (الحاوي الكبير): أنه العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت [بعد قولهما مرتين بخفض الصوت]، وكلام (الشرح) و (الروضة) محتمل؛ لأنه اسم للمجموع. والمراد بالخفض: أن يسمع نفسه، أو أهل المسجد إن كان واقفًا عليهم. قال: (والتثويب في الصبح) هذا نصه في القديم و (الإملاء)، وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم مرتين، أي: اليقظة للصلاة خير من الراحة التي تحصل من النوم. سمي تثويبًا من قولهم: ثاب فلان إذا رجع، وهو بالثاء المثلثة بلا خلاف، ففي (سنن أبي داوود) [501] و (ابن حبان) [1682]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقنه لأبي محذورة)، وصح: أن بلالًا كان يفعله، رواه عنه أحمد [4/ 42] والترمذي [198]، وقيل: فيه قولان: أحدهما: هذا، وهو القديم المفتى به. والثاني- هو الجديد-: أنه لا يسن، قال الشافعي: لأن أبا محذور لم يروه. قال الأصحاب: وقد صح أنه رواه. وظاهر إطلاق الغزالي والمصنف .. أن التثويب يشمل الأذان الذي قبل الفجر والذي بعده، وصرح في (التهذيب) بأنه إذا ثوب في الأذان الأول .. لا يثوب في الثاني، وأقره عليه المصنف والشيخ. والصحيح في (التحقيق): أنه يثوب فيهما: وفي (شرح المهذب): ظاهر إطلاق الأصحاب .. أنه لا فرق.

وَأَنْ يُؤَذَّنَ قَائِمًا لِلْقِبْلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بـ (الصبح) عما عداها؛ فإنه لا يستحب فيها التثويب، بل يكره خلافًا للنخعي، ونقل ابن الصلاح عن الحسن بن صالح: أنه استحبه في أذاني الصبح والعشاء. ويكره أن يقول في (الأذان): حي على خير العمل. قال: (وأن يؤذن قائمًا)؛ لحديث: (قم يا بلال؛ فناد بالصلاة) رواه الشيخان [خ604 - م377] عن ابن عمر. وروى أبو داوود [500]: أن الملك الذي رآه عبد الله بن زيد في المنام كان قائمًا، ولأنه أبلغ في الإعلام، فلو أذن قاعدًا مع القدرة .. كره وأجزأه على الصحيح. وقيل: القيام شرط فيه. وعلى الأول .. في جواز الاضطجاع فيه وجهان، أصحهما: يجوز. أما العاجز .. فيجوز له القعود بلا كراهة قولًا واحدًا. ويجوز على الراحلة في السفر كالنافلة، ففي (الترمذي) [411] بإسناد صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك). وهل يجوز ماشيًا؟ قال الماوردي: إن انتهى في مشيه إلى حيث لا يسمع من كان في موضع ابتدائه بقية أذانه .. لم يجز، وإلا .. أجزأه. وهذا الحكم والذي بعده يستوي فيما الأذان والإقامة، وعبارة المصنف قاصرة عن ذلك. ويستحب أن يؤذن على موضع عال، وأن يضع إصبعيه في صماخي أذنيه؛ لأن ذلك أجمع للصوت، ويستدل به الأصم على الأذان، وقال الروياني: لا يستحب ذلك في الإقامة وهو ظاهر. قال (للقبلة)؛ لأنها أشرف الجهات. وقيل: الاستقبال فيه شرط، لكن يستحب الالتفات في الحيعلتين، بأن يلوي رأسه وعنقه من غير أن يحول صدره عن القبلة، فيلتفت عن يمينه فيقول: حي على

وَيُشْتَرَطُ تَرْبِيتُهُ، وَمُوَالاَتُهُ، وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَضُرُّ كَلاَمٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلاَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة مرتين، ثم عن شماله فيقول: حي على الفلاح مرتين، فإن كان على مئذنة .. لا يستحب أن يدور عليها خلافًا لأبي حنيفة. وإنما خص الالتفات بالحيعلتين؛ لأنه دعاء إلى الصلاة، بخلاف باقي الكلمات، والفرق بين هذا وبين كراهة الالتفات في الخطبة: أن المقصود بالأذان إعلام الغائبين، والخطبة وعظ للحاضرين، لكن يشكل على هذا: أن الأصح: استحباب الالتفات في الإقامة، وقيل: لا، وقيل: إن ضاق المسجد .. فلا. قال: (ويشترط ترتيبه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أبا محذورة كذلك، وهو أمر لا يعقل معناه فيتبع فيه ما ورد، ولأن عكسه يفوت مقصوده، فلو عكسه .. اعتد بأوله وبنى عليه. قال الماوردي: فلو أذن بالعجمية وهو يحسن العربية .. لم يصح، وكذا إن لم يحسنها بالنسبة إلى غيره، وأما بالنسبة إلى نفسه .. فيعتد به. قال: (وموالاته)؛ ليعلم السامع أنه أذان، وكذلك الإقامة، ولا يضر سكوت قصير بالاتفاق، ولا يكره ذلك إذا كان لمصلحة كتشميث العاطس ونحوه؛ لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في الخطبة، ففي الأذان أولى، وتردد الشيخ أبو محمد فيما إذا رفع الصوت بالكلام اليسير. قال: (وفي قول: لا يضر كلام وسكوت طويلان)؛ لأن ذلك في الخطبة لا يوجب استئنافها، فالأذان أولى. والجواب: أن كلمات الخطبة غير متعينة، بخلاف كلمات الأذان، فيعد قاطعه معرضًا، وموضع الخلاف: ما لم يفحش الطول، فإن فحش بحيث لا يسمى مع الأول أذانًا واحدًا .. استأنف جزمًا.

وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ: الإِسْلاَمُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالذُّكُورَةُ. وَيُكْرَهُ لَلْمُحْدِثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (البحر) وجهان في اشتراط النية في الأذان، ذكرهما قبل (باب صلاة المسافر). قال: (وشرط المؤذن: الإسلام)، فلا يصح أذان الكافر؛ لأنه ليس من أهل الصلاة، فلا يكون داعيًا إليها، فلو أذن .. حكم بإسلامه إن لم يكن عيسويًا، وهم: طائفة من اليهود ينسبون إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني اليهودي، كان في خلافة المنصور يعتقد أن نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب خاصة، وتبعه على ضلاله بشر كثير من اليهود، وله كتاب وضعه حرم فيه الذبائح، وخالف اليهود في أحكام كثيرة، وليس هذه النسبة إلى عيسى ابن مريم. والمرتد في أثناء الأذان الأصح: يبني إن عاد إلى الإسلام، وقصر الفصل دون طوله. قال: (والتمييز)؛ لأن غير المميز ليس من أهل العبادة، وكذلك لا يصح أذان السكران الذي لا تتميز له في الأظهر كالمجنون. ولو طرأ إغماء في أثنائه .. فالأصح: لا يضر إن قصر زمنه، ولو مات أو جن .. لم يبن غيره على أذانه على الأصح. قال: (والذكورة)، فلا يصح أذان المرأة والخنثى للرجال قياسًا على إمامتهما لهم، فلو بانت ذكورة الخنثى بعد أذانه .. فالوجه: إجزاؤه. ويشترط أيضًا: أن يكون عارفًا بالوقت إذا كان راتبًا. ويستحب أن يكون المؤذن حرًا بالغًا؛ لما روى البيهقي [1/ 426] أن عمر قال لقيس بن أبي حازم التابعي الجليل: (من مؤذنوكم؟) قال: موالينا وعبيدنا، فقال: (إن ذلك لنقص كبير). ويصح أذان الأعمى، لكن يكره إذا لم يكن معه بصير. قال: (ويكره للمحدث)؛ لما روى الترمذي [200]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تؤذن إلا وأنت متوضئ)، والأصح: أنه موقوف على أبي هريرة.

وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ، وَالإِقَامَةُ أَغْلَظُ. وَيُسَنُّ صَيِّتٌ، حَسَنُ الصَّوْتِ، عَدْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لما سلم عليه المهاجر بن قنفذ وهو يبول .. لم يرد عليه حتى توضأ، ثم قال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة)، ولأنه دعاء وذكر وذلك على طهارة أفضل، وظاهر عبارته الكراهة للمتيمم وإن أباح تيممه الصلاة؛ لأنه محدث عند الشافعي، وبه صرح ابن الرفعة، وكذلك فاقد الطهورين والسلس، لكن تعليلهم يقتضي: عدم الكراهة لهما وهو الظاهر. قال: (وللجنب أشد)؛ لأن حدثه أغلظ، وينبغي أن يكون للحائض أغلظ، وفي (الكفاية) وجه عن (البحر): أن الجنب يحرم عليه الأذان. والذي قاله مخصوص بما إذا أذن في غير المسجد، فإن أذن فيه أو في رحبته .. أثم بالمكث وصح أذانه. قال: (والإقامة أغلظ)؛ لطول أمد التخلف للطهارة، ولأنه يوقع الناس فيه بسبب انصرافه، ولأن الطهارة بعدها ربما فوتت الصلاة. قال: (ويسن صيت) أي: عالي الصوت؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألقه على بلال؛ فإنه أندى منك صوتًا)، والمعنى فيه: زيادة الإبلاغ. و (الأندى): هو الأبعد مدى، هذا هو المشهور في اللغة. وفي (نهاية ابن الأثير) - قول ضعيف- أنه الأحسن. قال: (حسن الصوت)؛ ليرق قلب السامع ويميل إلى الإجابة، ولأن الداعي ينبغي أن يكون حلو المقال، وروى الدارمي [1232] وابن خزيمة [377]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عشرين رجلًا فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان). ويكره التمطيط والتطريب والتغني في الأذان. قال: (عدل)؛ ليقبل خبره، ويؤمن إلى العورات نظره، وفي (أبي داوود) [591]

وَالإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (ابن ماجه) [726] عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤذن لكم خياركم)، ولذلك قال الشافعي: يستحب أن يكون المؤذن خيار الناس، فلو أذن فاسق .. تأدى الشعار به، لكن لا يقلد ولا يقبل خبره في دخول الوقت كالصبي المميز، بخلاف الكافر؛ فإن أذانه لا يصح كما تقدم. فرع: يستحب أن يكون المؤذن من ذرية من جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأذان فيهم، وهم أربعة: بلال وابن أم مكتوم كانا بالمدينة، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظ بقباء، فإن عدم أقرباؤهم فأقرباء الصحابة. وأن يكون عارفًا بالوقت، إلا الراتب فيشترط ذلك فيه، وإذا كانت الليلة ذات ريح ومطر يستحب أن يقول بعد الأذان: ألا يصلوا في رحالكم، فإن قاله بعد الحيعلتين .. جاز، فلو جعله عوضًا عنهما .. جاز، ففي (صحيح البخاري): (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك). قال: (والإمامة أفضل منه) أي: من الشعار المتقدم من الأذان والإقامة في الأصح)؛ لأنها أشق. وفي (الصحيحين) [خ628 - م674] عن مالك بن الحويرث قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (ليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين اختاروها، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر كما تقدم؛ فلأنه عليه الصلاة والسلام لو

قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أذن .. لوجب الحضور على من سمعه، واختار هذا الشيخ تبعًا للرافعي. ونقل في (الأحياء) عن بعض السلف أنه قال: ليس بعد الأنبياء عليهم صلاة والسلام أفضل من العلماء، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين؛ لأنهم قاموا بين الله وبين خلقه، هؤلاء بالنبوة، وهؤلاء بالعلم، وهؤلاء بعماد الدين وهي الصلاة، وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم الصديق للخلافة؛ إذا قالوا: نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين، فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، وما قدموا بلالًا؛ احتجاجًا بأنه رضيه للأذان. قال: (قلت: الأصح: أنه أفضل والله أعلم)؛ لقوله تعالى: {ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله}. قالت عائشة: (هم المؤذنون)، رواه ابن أبي شيبة [1/ 255]، وأبو موسى في (معرفة الصحابة)، لكنه معارض بقول ابن عباس: إن المراد بها النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قوله تعالى: {يقومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا به}. قال ابن الرفعة: وكأنه الصحيح؛ لأن الآية مكية بلا خلاف، والأذان إنما ترتيب بالمدينة. لكن في (الصحيحين) [خ615 - م437] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلمون ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه .. لاستهموا عليه). وروى أحمد [2/ 266] وأبو داوود [516] والنسائي [2/ 12] عن أبي هريرة رفعه: (المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس). وروى الحاكم [1/ 205] وابن ماجه [728] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أذن اثنتي عشرة سنة .. وجبت له الجنة). وفي (ابن ماجه) [727] و (الترمذي) [206] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أذن [محتسبًا] سبع سنين .. كتب الله له براءة من النار).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الطبراني في (أصغر معاجمه) [499] عن أنس رفعه: (إذا أذن في قرية .. أمنها الله من عذابه في ذلك اليوم). وروى أبو داوود [518] والترمذي [207] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم؛ أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين). والأمانة أعلى في الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد. وروى مسلم [387] عن معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة)، واختلفوا في معناه، فقيل: أكثر رجاء لرحمة الله تعالى، وقيل: لا يلجمهم العرق. وروى: (إعناقًا) بالكسر، أي: إسراعًا إلى الجنة. وروى أبو الشيخ الحافظ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أذن خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا .. غفر له ما تقدم من ذنبه).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أبو بكر الخطيب في كتاب (موضح أوهام الجمع والتفريق [1/ 54] عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول من يدخل الجنة الأنبياء، ثم مؤذنوا البيت الحرام، ثم مؤذنوا بيت المقدس، ثم مؤذنو مسجدي، ثم سائر المؤذنين). قال: ومؤذن البيت الحرام بلال. وروى ابن عدي [6/ 120]، والبخاري في (التاريخ) [1/ 37]، والعقيلي [4/ 21] في ترجمة محمد بن إسماعيل الضبي: أنه روى عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملًا أدخل به الجنة، قال: (كن مؤذنًا)، قال: لا أقدر على ذلك، قال: (فكن إمامًا)، قال: لا أقدر على ذلك، قال: (فصل بإزاء الإمام). وروى الحاكم [1/ 151] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله)، وقال عمر رضي الله عنه: (لولا الخليفي .. لأذنت)، رواه البيهقي [1/ 426]. وقال ابن مسعود: لو كنت مؤذنًا .. ما باليت أن لا أحج ولا أغزو. وقال الحسن البصري: أهل الصلاح والخشية من المؤذنين أول من يكسى يوم القيامة. ويشكل على المصنف: أن الإمامة إقامة للجماعة، وهي فرض كفاية عنده، فكيف يكون الأذان المستحب أفضل منها؟ وقيل: هما سواء في الفضيلة؛ لما روى أحمد والترمذي [2566] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: رجل أم قومًا وهم به راضون، ورجل يؤذن في كل يوم خمس صلوات، وعبد أدى حق الله وحق مواليه).

وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع فضائلها .. فهي أفضل، ولذلك يتعين لها الأفضل علمًا وروعًا وسنًا. قال الشافعي: ولا أكره الإمامة إلا من أجل أنها ولاية، وأنا أكره سائر الولايات. والأصح في زوائد (الروضة)، وبه صرح أبو علي الطبري والماوردي والقاضي أبو الطيب: أنه يستحب للصالح لهما أن يجمع بينهما. واستنبط ابن حبان [1668] من قوله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير .. فله مثل أجر فاعله) أن المؤذن يكون له مثل أجر من صلى بأذانه؛ لأنه دعاه إلى ذلك. فروع: يستحب أن يكون الأذان بقرب المسجد، ويكره أن يخرج من المسجد بعد الأذان قبل أن يصلي إلا لعذر. ويستحب أن لا يكتفي أهل المساجد المتقاربة بأذان بعضهم، بل يؤذن في كل مسجد. ووقت الأذان منوط بنظر المؤذن، لا يحتاج فيه إلى مراجعة الإمام، والإقامة بنظر الإمام، فلا يقيم إلا بإذنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة) رواه [ابن] عدي [4/ 12] من رواية أبي هريرة، فلو أقام المؤذن بغير إذن الإمام .. اعتد به على الصحيح. قال: (وشرطه الوقت)؛ لأنه إعلام به، فلا يصح قبله اتفاقًا، وكما لا يصح لا يجوز أيضًا؛ لما فيه من الإلباس، لكن تسقط مشروعيته بفعل الصلاة، كذا نص عليه البويطي. ولو نوى المسافر تأخير الصلاة .. ففي استحباب الأذان في وقت الأولى نظر،

إِلاَّ الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ؛ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَآخَرُ بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويظهر تخريجه على أنه حق للوقت أو الصلاة، فإن قلنا بالأول .. أذن، وإلا .. فلا. قال: (إلا الصبح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)، رواه الشيخان [خ618 - م1092]. زاد البخاري: وكان رجلًا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت. ولأن وقتها يدخل وفيهم الجنب والنائم، فاستحب تقديم أذانها ليتهيؤوا لإدراك فضيلة أول الوقت، ولهذا اختصت بالتثويب. وقيل: لا يستحب ذلك في بلد لم يعتادوه كيلا يلتبس عليهم. قال: (فمن نصف الليل)؛ لأن معظمه قد ذهب، ولأنه يشبه الدفع من مزدلفة، ولهذا يقال فيه عند التحية: صباح مبارك، وصححه في (شرح المهذب). وعبارة (المحرر): آخر الليل، فغيرها المصنف إلى ما صححه. والثاني: من ذهاب وقت الاختيار للعشاء، وهو الثلث أو النصف، وصححه في (الروضة). والثالث- وصححه الرافعي-: أنه إن كان في الشتاء .. فمن سبع يبقى، ولنصف سبع في الصيف. والرابع: جميع الليل. والخامس: أنه من السحر قبل طلوع الفجر، وصححه الشيخ تبعًا للقاضي والبغوي والمتولي- وضبطه بما بين الفجر الكاذب والصادق- ولأنه المنقول عن بلال. وقيل: بعد ثلثي الليل حكاه في (الأذكار) وهو غريب. فلو أراد الاقتصار على أحدهما .. قال المتولي: اقتصر على الثاني. قال: (ويسن مؤذنان للمسجد؛ يؤذن واحد قبل الفجر، وآخر بعده)، كما كان

وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بلال وابن أم مكتوم، فيعلم بأذان أحدهما ذاك، وبأذان الآخر هذا، بخلاف ما إذا أذن أحدهما مرتين. وذكر المسجد مثال، والأول أولى بالإقامة، فإن كان للمسجد مؤذن واحد .. أذن مرتين. وقال الغزالي: إذا كان للمسجد مؤذن واحد .. منع من الأذان قبل الفجر؛ لئلا يشوش. فإن احتيج إلى زيادة .. زيد إلى أربعة ولا يتعداها، قاله الجمهور. وقال جماعة من المحققين منهم المصنف: ضابطه الحاجة والمصلحة، فيزاد وينقص بحسب ذلك، فإن زاد على ذلك للحاجة .. جاز، لكن في كراهة الزيادة على أربع خلاف، صحح الرافعي الكراهة، والمصنف عدمها وهو المنصوص، فإذا احتاج إلى الزيادة .. جعلهم ستة، فإن احتاج .. جعلهم ثمانية؛ ليكونوا شفعًا لا وترًا، فيؤذنون واحدًا بعد واحد، إلا أن يضيق الوقت فيؤذنون متفرقين في جوانب المسجد إن كان كبيرًا في وقت واحد، ولا يؤذنون مجتمعين. وقال الماوردي: لا بأس باجتماعهم إذا اتسع البلد؛ لأن اجتماع الأصوات أبلغ في الإعلام. وقال القاضي حسن: إن اتفقت أصواتهم .. جاز، وإن اختلفت .. لم يجز. قال: (ويسن لسماعه مثل قوله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء .. فقولوا مثل ما يقول [المؤذن]) رواه الشيخان [خ611 - م383] عن أبي سعيد. ويستحب أن يتابع عقب كل كلمة، لا معها ولا يتأخر عنها، وعبر بـ (السامع) ليؤخذ منه المستمع من باب أولى. قالوا: ولا فرق في الاستحباب بين الجنب والحائض. قال الشيخ: وفيه نظر؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر). قال: (والتوسط أنه يستحب للمحدث دون الجنب والحائض؛ لأنه كان يذكر الله على كل أحيانه إلا لجنابة.

إِلاَّ فِي حَيْعَلَتَيْهِ فَيَقُولُ: (لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفهم كلام المصنف: أنه لا يجيب في الترجيع، واختار المصنف أنه يجيب فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا مثل ما يقول)، ولم يقل: مثل ما سمعتم، فلو علم أنه يؤذن ولكن لم يسمعه لصمم ونحوه .. لم يجبه. وكلام المصنف على إطلاقه في الخالي عن الشغل، وكذا المشغول بالقراءة والذكر والتدريس، فيقطع ما هو فيه ويجيب المؤذن ثم يعود إلى ما كان فيه، وكذا إذا سمع وهو طائف .. يجيب. وأما المصلي .. ففيه أقوال أصحها: يكره؛ لأنه يشغله إلا في: صدقت وبررت، فإن أتى بذلك عالمًا بالصلاة، وبأن ذلك مفسد .. بطلت صلاته. وإن كان ناسيًا أو جاهلًا .. فلا في الأصح. ولو سمع مؤذنًا بعد مؤذن .. قال المصنف: المختار: أنه يختص بالأول؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار، والأفضل أن يجيب كلًا منهما، ووافق ابن عبد السلام على ذلك في الصبح والجمعة، فقال فيهما: يجيب على السواء. وقال الرافعي في كتاب (أخطار الحجاز) - وليته قال: خواطر-: إن سمع ثم صلى جماعة .. لا يجيب الثاني؛ لأنه غير مدعو بهذا الأذان، وهو حسن. ولو لم يجب المؤذن حتى فرغ .. تدارك قبل طول الفصل لا بعده، وينبغي أن يستثنى من هذا ما إذا شرع خطيب الجمعة بعد الأذان في الخطبة؛ فإن الإنصات آكد. قال: (إلا في حيعلتيه فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال المؤذن: حي على الصلاة .. قال سامعه: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قال: حي على الفلاح .. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) رواه مسلم [385] ولأن الحيعلة دعاء للصلاة، فحسن لسامعها الإتيان بما تقدم عوضًا عنها. وفي (الصحيحين) [خ4205 - م2704] عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) أي: أجرها مدخر لقائلها، كما يدخر الكنز. وروى البيهقي في (الشعب) [1/ 664] عن ابن مسعود أنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: (تدري ما تفسيرها؟) قلت: لا، قال: (لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله عز وجل إلا بعون الله)، ثم ضرب بيده على منكبي وقال: (هكذا أخبرني جبريل عليه السلام). والحاء والعين لا يجتمعان في كلمة واحدة أصلية الحروف لقرب مخرجها، إلا أن تؤلف كلمة بكلمتين كقولهم: بسمل إذا قال: باسم الله، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، هكذا قاله الجوهري. وقال الأزهري وغيره: حولق بتقديم اللام على القاف، وقالوا: سبحل إذا قال: سبحان الله، وحمدل إذا قال: الحمد لله، والهيللة: لا إله إلا الله، والجعفلة: جعلت فداك، والطلبقة: أطال الله بقاءك، والدمعزة: أدام الله عزك. ومعنى (حي على الصلاة): هلم وأقبل إليها، وقال الزمخشري: أسرع.

قُلْتُ: وَإِلاَّ فِي التَّثْوِيبِ، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، وَالله أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الفلاح): الظفر بالمطلوب، والنجاة من المرهوب. والحوقلة في الأذان أربع، لكل حيلعة واحدة، فلو عبر بقوله: في حيعلاته .. لشملها. وفي (تلخيص الروياني): يقول ذلك مرتين: مرة عند حي على الصلاة، ومرة عند حي على الفلاح، واختاره ابن الرفعة، لكنه صحح في الحيعلة موافقة الجمهور. فرع: في الجمع بين الأذان والإمامة ثلاثة أوجه: أحدها: أن ذلك مكروه؛ لما روي عن جابر وأنس- بإسناد ضعيف- (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يكون المؤذن إمامًا). والثاني: يستحب؛ ليحور الفضيلتين، وهذا ما صححه في (شرح المهذب)، قال: (وقد نقل القاضي أبو الطيب الإجماع على جواز كون المؤذن إمامًا واستحبابه. والثالث: أن ذلك لا يستحب، وصححه الرافعي في (الشرح)، وحمل الماوردي والروياني ذلك على اختلاف أحوال الناس. قال: (قلت: وإلا في التثويب، فيقول: صدقت وبررت والله أعلم)؛ لأنه مناسب، وادعى ابن الرفعة أن خبرًا ورد فيه، ولا يعرف ما قاله. و (بررت) بكسر الراء الأولى وسكون الثانية. وفي وجه يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهور: استحباب الإجابة في كلمات الإقامة. وقيل: لا يجيب إلا في كلمتيها، فيقول: (أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض) كما رواه أبو داوود [529]، لكن بإسناد ضعيف.

وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ، ثُمَّ: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الإمام: يقول: اللهم؛ أقمها وأدمها واجعلني من صالحي أهلها، وهو أيضًا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (ولكل) أي: من السامع والمؤذن (أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن .. فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة .. صلى الله عليه به عشرًا) رواه مسلم [384]. قال: (ثم) يقول: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة؛ آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته))؛ لما روى البخاري [614] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال ذلك .. (حلت له شفاعتي يوم القيامة). وقوله: (اللهم) أصله: يا الله، حذف منها ياء وعوض عنها الميم، ولهذا لا يجوز الجمع بينهما. ووصف هذه الدعوة بالتمام؛ لأنها ذكر الله، ويدعى بها إلى عبادته. و (الصلاة القائمة) أي: التي ستقام وتفعل بصفاتها. و (الوسيلة) أصلها: ما يتوصل به إلى الشيء، والجمع: وسائل، والمراد بها في الحديث: القرب من الله تعالى، وقيل: منزلة في الجنة كما ثبت في (صحيح مسلم) [384].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (شرح الصابن) للجيلي: (الوسيلة والفضيلة): قبتان في أعلى عليين: إحداهما من لؤلؤة بيضاء يسكنها محمد صلى الله عليه وسلم وآله، والأخرى من ياقوتة صفراء يسكنها إبراهيم وآله عليهم الصلاة والسلام. وذكر في (الروضة) أيضًا: مقامًا محمودًا منكرًا، وقال في (الدقائق): إنه ثبت كذلك في (الصحيح)، وإنه موافق لقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا}. وفي (المحرر) و (الشرح): (المقام المحمود) معرفًا، وهو صحيح أيضًا، رواه ابن خزيمة [420] والنسائي [2/ 27] وابن حبان [1689] والبيهقي [1/ 410] بإسناد صحيح، والمراد: مقام الشفاعة العظمى في القيامة؛ حيث يحمده الأولون والآخرون، والحديث بطوله في (الصحيح). وقال مجاهد والطبري: المقام المحمود هو: أن الله تعالى يجلسه على العرش. والحكمة في سؤال ذلك- وهو واجب الوقوع بوعد الله تعالى-: إظهار شرفه وعظيم منزلته صلى الله عليه وسلم. ووقع في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) بعد (والفضيلة) زيادة: والدرجة الرفيعة، ولا وجود لها في كتب الحديث. ويستحب أن يقول بعد أذان الصبح: (اللهم؛ هذا إقبال نهارك، وإدبار ليلك، وأصوات دعاتك، فاغفر لي)، وعند إقبال الليل وإدبار النهار: اللهم هذا إقبال ليلك إلى آخره؛ لما روى أبو داوود [531] والترمذي [3589] عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها ذلك. ويستجيب الدعاء بين الأذان والإقامة؛ لما روى أبو داوود [522] والترمذي [212]: (أن الدعاء حينئذ لا يرد)، والمستحب أن يقعد بينهما قعدة ينتظر فيها الجماعة؛ لأن الذي رآه عبد الله بن زيد أذن وقعد قعدة، ثم أقام إلا في صلاة المغرب؛ لضيق وقتها. تتمة: لو وجد أمينًا يتطوع بالأذان، وأمينًا أحسن منه صوتًا لا يتطوع .. قال ابن سريج: يجوز للإمام أن يرزقه، وقال القفال: لا يجوز.

فصل

فَصْلٌ: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِصَلاَةِ الْقَادِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرجهما المتولي على القولين فيما إذا طلبت الأم أجرة الرضاع ووجد الأب متبرعة، والأصح: الجواز، وصحح المصنف في مسألتنا الجواز إذا رآه الإمام مصلحة. ويصح الاستئجار للأذان على الصحيح. والثالث: يجوز للإمام دون الآحاد. وتدخل الإقامة في إجارة الأذان تبعًا، ولا يصح إفرادها بالإجارة. فإن وجد متطوعًا لا يستأجر عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على الأذان أجرًا) حسنه الترمذي [209]. فلو وجد فاسقًا متطوعًا .. فالصحيح: أنه يرزق أمينًا. قال: (فصل: استقبال القبلة شرط لصلاة القادر) أي: على الاستقبال؛ لقوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} أي: نحوه، والاستقبال لا يجب في غير الصلاة، فتعين أن يكون فيها. وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته- وهو خلاد بن رافع الخرزجي الأنصاري-: (إذا قمت إلى الصلاة .. فأسبع الوضوء، ثم استقبل القبلة) رواه الشيخان [خ6251 - م397]. (والقلة): الكعبة. سميت قبلة؛ لأن المصلي يقابلها. وسميت كعبة؛ لارتفاعها، وقيل: لاستدارتها. وأجمعوا على أنه: لابد من استقبال المصلي القادر، وفي وجه ضعيف: أنه ركن، وسيأتي الفرق بين الركن والشرط. والاستقبال معتبر بالصدر لا بالوجه. والفرض في حق التقريب: إصابة عينها، وفي البعيد قولان:

إِلاَّ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصح: العين أيضًا، لكن بالظن. والثاني: الجهة؛ لما صححه الترمذي [344] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، وصح عن عمر رضي الله عنه، ولا يقوله إلا عن توقيف، وبدليل صحة صلاة الصف المستطيل من المشرق إلى المغرب. وأجيب بأن المسامتة تصدق مع البعد، ولأن المخطئ فيه غير متعين. والمسألة معروفة بالإشكال. واحترز بـ (القادر) عن المريض الذي لا يجد من يوجهه، والمربوط على خشبة، والغريق، فكل منهم يصلي ويعيد كما ذكره الرافعي في آخر التيمم، وكذلك من يخاف من نزوله عن دابته على نفسه أو ماله، وسيأتي حكمه في قوله: (أو سائرة فلا). قال: (إلا في شدة الخوف)، فإن ذلك لا يشترط في الصلاة المفروضة والنافلة؛ لقوله تعالى: {فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا}. قال ابن عمر: (مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها). قال مالك: قال نافع: لا أراه ذكر إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي [3/ 255]: وهو ثابت من جهة موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في (صلاة شدة الخوف). نعم؛ يستثنى من ذلك ما لو أمن وهو راكب؛ فإنه يشترط في البناء أن يستقل القبلة، فإن استدبرها .. بطلت بالاتفاق. فلو قدر أن يصلي قائمًا إلى غير القبلة، وراكبًا إليها .. وجب الاستقبال راكبًا؛ لأنه آكد من القيام؛ لأن القيام يسقط في النافلة بغير عذر، بخلاف الاستقبال.

وَنَفْلِ السَّفَرِ. فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَقُّلُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ونفل السفر) أي: سفر البر المباح ماشيًا، أو على راحلة لا محمل عليها يتمكن فيه من الاستقبال، فإنه يصلي حيث توجه؛ لقوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله}. قال ابن عمر: نزلت في التطوع خاصة. وفي (الصحيحين) [خ1098 - م700/ 39]: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على ظهر راحلته حيث توجهت به، وإذا أراد الفريضة .. نزل عنها واستقبل القبلة). والمعنى فيه: أن لا ينقطع المتعبد عن السفر، ولا المسافر عن العبادة، وشملت عبارته النوافل كلها. وعن الصيدلاني: لا تجوز صلاة العيد والكسوف والاستسقاء على الراحلة وإن قلنا: إنها سنة؛ لنذرتها. وخرج بالنفل: الفرض والمنذورة وصلاة الجنازة، فلا تصلى على الراحلة على الصحيح، ولا يترك فيها الاستقبال. ووقع في (شرح المهذب) تصحيح امتناع المشي فيها، وهو سهو. وأما النافلة الحضر .. فإنها لا تجوز على الراحلة ولا مشيًا، ولا بد فيها من الاستقبال، وجوزها الإصطخري على الراحلة حيث توجهت؛ لعموم حديث جابر، واختاره القفال. ووجه بأن الإنسان قد تعرض له حاجة في البلد، والزمان زمان تعبد، فلو منعناه من التنفل في تلك الحالة .. لفاته أحد أمرين: إما حاجته، وإما عبادته. قال: (فللمسافر التنفل راكبًا)؛ للحديث المتقدم. والشرط فيه: أن يكون له مقصد معلوم، وأن يكون السفر مباحًا، وأن يترك الأفعال الكثيرة من غير عذر كالركض والعدو. قال: (وماشيًا) بالقياس على ما تقدم؛ لأن المشي أحد السفرين، بل هو أشق،

وَلاَ يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فِي مَرْقَدٍ، وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ .. لَزِمَهُ، وَإِلاَّ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ سَهُلَ الاِسْتِقْبَالُ .. وَجَبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيضًا استويا في صلاة الخوف فكذا في النافلة، وخالف فيه مالك وأبو حنيفة، وبقولهما قال بعض الأصحاب. وقيل: يجوز بشرط استقبال القبلة في جميع الصلاة. قال: (ولا يشترط طول سفره على المشهور)؛ لإطلاق الخبر، ولأن المعنى موجود في الطويل والقصير، وهو: عموم الحاجة والتوسع في النفل، بخلاف القصر. والثاني: يشترط؛ لأنه تغيير ظاهر في الصلاة، فأشبه القصر، وكان ينبغي أن يعبر بالمذهب كما في (الروضة)، فإن الراجح: القطع به. أما المسافر في البحر .. فيشترط في تنفله الاستقبال في كل الصلاة، وخص الماوردي وصاحب (العدة) ذلك بما إذا لم يكن المتنفل مسير المركب، فإن كان .. فله أن يتنفل إلى جهة سيره، وصححه المصنف، وصحح في (الشرح الصغير) المنع. قال: (فإن أمكن استقبال الراكب في مرقد) كالمحمل الواسع (وإتمام ركوعه وسجوده .. لزمه)؛ لسهولته كراكب السفينة. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن ذلك (.. فالأصح: أنه إن سهل الاستقبال)؛ لتيسره، بأن كانت: واقفة وتسير عن قرب وأمكن انحرافه عليها أو إحرافها، أو سائرة وبيده زمامها وهي سهلة. قال: (.. وجب)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر، وأراد أن يتطوع .. استقبل بناقته القبلة، فكبر ثم صلى حيث وجه ركابه، رواه أبو داوود [1218] بإسناد حسن.

وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَيَخْتَصُّ بِالتَّحَرُّمِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي السَّلاَمِ أَيْضًا. وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ طَرِيِقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يسهل لكونها مقطورة أو صبعة ولم يمكن انحرافه عليها .. لم يجب في شيء منها؛ لما فيها من المشقة. والثاني: يجب مطلقًا؛ لمراعاة للشروط في الأول. فعلى هذا: إن تعذر الاستقبال في تلك الحالة .. لم تصح الصلاة. والثالث: إن كانت الدابة عند الافتتاح متوجهة إلى طريقه .. لم يكلف تحويلها إلى القبلة، وإلا .. كلف. ومقتضى عبارته .. أن الواقف إذا سهل عليه إدارتها، أو انحرافه عليها .. إنما يجب عليه الاستقبال حال التحرم فقط، وهو بعيد. والقياس كما قاله ابن الصباغ: أنه ما دامت واقفة .. لا يصلي إلا إلى القبلة، فإذا أراد السير .. انحراف إلى طريقه. وحكى القاضي حسين وجهين فيمن ركب الحمار مقوبًا وصلى النفل إلى القبلة، هل يجوز أو لا؛ لأن قبلته في هذه الحالة وجهة دابته؟ والأصح: الصحة؛ لأنها إذا صحت لغير القبلة .. فإليها أولى. قال: (ويختص بالتحرم) أي: الوجوب الذي ذكرناه؛ لأنه حال العقد. قال: (وقيل: يشترط في السلام أيضًا)؛ ليحصل الاستقبال في طرفي الصلاة وهو ضعيف. أما في غيرهما .. فالمذهب: الجزم بأنه لا يجب فيه الاستقبال. وقيل: يجب في الركوع والسجود، وبه جزم في (التنبيه). وقال في (التصحيح): الصواب: أنه لا يشترط في الركوع والسجود، فاقتضى: أنه لا خلاف في ذلك. وليس كما قال، بل هو وجه حكاه القاضي أبو الطيب والبندنيجي، وصححه الروياني. لكن المصنف قال: إنه باطل لا يعرف ولا أصل له. قال: (ويحرم انحرافه عن طريقه)؛ لأن استقباله وترك القبلة إنما كان للحاجة، ولا حاجة له في غيره، فإن انحرف عمدًا .. بطلت صلاته، وكذلك عند النسيان إن طال الزمان.

إِلاَّ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَيُومِئُ بَرُكُوعِهِ، وَسُجُودُهُ أَخْفَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يستثنى من انحراف زمنًا يسيرًا، أو لجماح الدابة، أو عروض الريح للسفينة. قال: (إلا إلى القبلة)؛ لأنها الأصل، وطريقة بدل عنها. هذا إذا كانت القبلة عن يمينه أو يساره، فإن كانت خلفه فانحرف إليها عمدًا .. بطلت صلاته لتخلل المنافي. وهذه لا ترد على المصنف؛ لأن الانحراف إنما يستعمل عرفًا عن اليمين والشمال، أما إلى ورائه .. فيقال له: التفات ولم يعبر به. كل هذا الحكم والتفصيل في المصلي على الأرض إذا انحرف عن القبلة أو إليها، فلو أماله غيره قهرًا، فعاد بعد طول الفصل .. بطلت بلا خلاف، وكذا على القرب على الأصح؛ لأنه نادر. ولو كان له مقصد فقصد غيره في أثناء صلاته .. وجب انحرافه إليه، ويصير قبلة بمجرد القصد. قال: (ويومئ بركوعه، وسجوده أخفض)؛ لقوله في حديث البخاري [1000]: يومئ إيماء، وجعل السجود أخفض من الركوع واجب كما جاء في (صلاة المريض): (واجعل سجودك أخفض). ولا يجب عليه وضع الجبهة على السرج ونحوه، ولا يبلغ غاية جهده في الانحناء، بل يكفيه مجرد الانحناء للركوع والسجود. وقول المصنف: (أخفض) منصوب على الحال. نعم؛ يشترط ترك الأفعال التي لا يحتاج إليها كركض الدابة وضربها، فإن حرك رجليه للسير .. لم تبطل إلا أن يكثر بغير عذر. ويشترط طهارة ما يلاقي بدنه وثوبه، فلو بالت أو وطئت نجاسة أو أوطأها .. لم تبطل، وفي الإيطاء وجه. أما راكب الدابة إذا جعل وجه للقبلة وظهره لمقصده .. ففيه وجهان، أصحهما: الصحة؛ لأنها إذا صحت لغير القبلة .. فإليها أولى.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الْمَاشِيَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إِحْرَامِهِ، وَلاَ يَمْشِي إِلاَّ فِي قِيَامِهِ وَتَشَهُّدِهِ. وَلَوْ فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَهِيَ وَاقِفَةٌ .. جَازَ، أَوْ سَائِرَةٌ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأظهر: أن الماشي يتم ركوعه وسجوده، ويستقبل فيهما وفي إحرامه)؛ لسهولة ذلك عليه. والثاني: يومئ بهما كالراكب، وعلى هذا: لا يستقبل في ركوع ولا سجود ولا في تشهد. قال: (ولا يمشي إلا في قيامه وتشهده)؛ لطول زمنهما. والثاني: يجب عليه التشهد والسلام قاعدًا مستقبلًا؛ لخفتهما. والثالث: أنه كراكب سهل عليه الاستقبال؛ لأن كثرة اللبث قد تفضي إلى الانقطاع عن الرفقة. واقتضى كلامه أن هذه الرخصة لا تثبت في حق المقيم، ولا في حق قاصد عرفة إذا خاف فوت الوقت، وهو الأصح في المسألتين. ويمشي حال اعتداله، دون جلوسه بين السجدتين؛ لأن قيامه غير جائز، قاله البغوي وغيره. قال: (ولو صلى فرضًا على دابة واستقبل وأتم ركوعه وسجوده) أي: وقيامه وغيره. ولو قال: وأتم أركانها .. كان أولى. قال: (وهي واقفة .. جاز)، كما لو صلى على سرير أو في سفينة. وقيل: لا يجوز، وبه قطع جماعة؛ لأنها ليست للقرار. ولا فرق فيما ذكرناه بين أن تكون الدابة معقولة أو لا، على خلاف ما يوهمه لفظ (المحرر). والأرجوحة المعلقة بالحبال كالدابة الواقفة. قال: (أو سائرة .. فلا)؛ لأنها لا تعد قرارًا في هذه الحالة، ولأن سيرها منسوب إليه بدليل صحة الطواف عليها، بخلاف السفينة فإنها كالدار. وقيل: يجوز كالسفينة السائرة.

وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا، أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا، أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَي ذِرَاعٍ، أَوْ عَلَى سَطْحِهَا مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ .. جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا لم يكن عذر، فإن كان كما إذا خاف من النزول عن الدابة انقطاعه عن الرفقة، أو على نفسه أو ماله .. لم يجز ترك الصلاة، بل يصلي على الدابة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير، فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة، فمطروا السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأقام، فتقدم على راحلته صلى بهم يومئ إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع، رواه الترمذي [411] بإسناد صحيح، وهذه الصلاة كانت فريضة؛ لأنه أذن لها. واختلف الأصحاب في وجوب إعادة الصلاة في هذه الحالة على وجهين، الأصح: الوجوب. و (البلة) بكسر الباء: النداوة. فرع: لو صلى على سرير يحمله رجال .. جاز على الأصح في (أصل الروضة)، ومقتضاه: أنه لا فرق بين أن يسيروا به أم لا، وقد صرح بنقله القاضي أبو الطيب عن الأصحاب، وأقره عليه في (شرح المهذب). والفرق بين السرير والدابة: أن السرير يعد قرارًا وإن سار به حاملوه، بخلاف الدابة ولو وقفت؛ فإنه خلقت للدبيب، والسرير للاستقرار. قال: (ومن صلى في الكعبة، واستقبل جدارها، أو بابها مردودًا، أو مفتوحًا مع ارتفاع عتبته ثلثي ذراع، أو على سطحها مستقبلًا من بنائها ما سبق .. جاز)؛ لأنه في كل ذلك يعد مستقبلًا لجزء من البيت. وفي (الصحيحين) [خ397 - م1329] عن ابن عمر قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم الباب، فلما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتحوا .. كنت أول من ولج فلقيت بلالاً فسألته: هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: ركعتين بين الساريتين عن يسارك إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين). فإن قيل: في (الصحيحين) [خ398 - م1330] أيضًا عن أسامة، وفي (البخاري) عن أنس: (أنه عليه الصلاة والسلام لم يصل). فالجواب: أن الدخول كان مرتين: لم يصل في المرة الأولى، وصلى في الثانية، كذا رواه أحمد [1/ 311] وابن حبان [3207]، فثبت جواز النفل فيها، وقسنا عليه الفرض؛ لأن الاستقبال شرط فيهما في حق الحاضر. ومنع مالك وأحمد الفرض، ومنع ابن جرير الفرض والنفل، وهو غلط؛ لمخالفة الحديث، بل الصلاة فيها أفضل إلا في حالتين: إحداهما: المكتوبة إذا رجا جماعة .. ففعلها خارج الكعبة أفضل. والثاني: النوافل؛ فإن صلاة المرء في بيته أفضل. وخرج من ذلك المنذورة، وقضاء الفائتة، والفريضة إذا لم يرج جماعة .. ففعلها في الكعبة أفضل. وذكر المصنف الجدار ليس بقيد، فلو جمع تراب العرصة أو السطح، أو سمر عصا وصلى إلى ذلك .. جاز، كذا جزم به الأصحاب، وصححوا صلاة الواقف عند الركن إن لم يخرج بعضه عنه. والفرق: أن الذي استقبل الجزء الشاخص مستقبل له بأسفله، ولهواء الكعبة بأعلاه، ومستقبل العصا المسمرة يعد مستقبلًا. ولو استقبل الحجر .. لو يصح في الأصح؛ لأن كونه من البيت ثبت بخبر الواحد، والقبلة لا تثبت إلا بالقطع. وما ذكره في ارتفاع العتبة هو الأصح وهو تقريب. وقيل: يشترط أن يكون الشاخص ذراعًا، وقيل: قدر قامة المصلي طولًا وعرضًا، وقيل: يكفي أدنى شخوص، وقيل: لا يشترط شاخص.

وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ .. حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَالاِجْتِهَادُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو صلى على بعض الجبال المحيطة بمكة، أو على سطح أعلى من الكعبة .. صحت صلاته. فإن كان في هذه الحالة مقتديًا بمن في المسجد الحرام .. ففي (الحاوي الصغير): تصح صلاته، وفي (الكافي) عن النص: لا تصح؛ لن بينهما دورًا مملوكة، وهذا هو الصواب؛ لأن مكان المأموم أعلى، ولم يحاذ بجزء. قال: (ومن أمكنه علم القبلة .. حرم عليه التقليد والاجتهاد)، كما إذا كان بمكة أو فوق جبل أبي قبيس .. فلا اجتهاد في حقه ولا تقليد، كالحاكم إذا وجد النص. وإن لم يكن كذلك .. نظر إن كان بين المكي وبينها حائل خلقي كالجبل .. فإنه يجتهد، وادعى المصنف أنه لا خلاف فيه، لكن ابن الرفعة حكى عن القاضي أبي الطيب: أنه لا يجوز له الاجتهاد، وهو غريب، وإن كان الحائل طارئًا كالجدار .. جاز أيضًا على الصحيح. والثاني- ونص عليه في (البويطي) -: أنه لابد من المعاينة، بأن يرقى مثلًا على سطح، وهذا وارد على المصنف؛ فإنه أمكنه علم القبلة وجاز له الاجتهاد، والأخذ بقول ثقة. فرع: إذا كان المصلي بالمدينة، أو في موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم .. لا يجتهد فيه، لكن عليه أن يتوجه حيث توجه النبي صلى الله عليه وسلم، ويجري ذلك مجرى عين الكعبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ. ومن الأصحاب من ألحق به قبلة البصرة والكوفة؛ لنصب الصحابة لهما. قال الشيخ: وقضيته أن يلحق به جامع مصر العتيق؛ لما اشتهر من بناء الصحابة له. قال: لكن محرابه القبلي تقدم عما كان عليه، فحصل بسببه خلل يسير.

وَإِلاَّ .. أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ، فَإِنْ فَقَدَ وَأَمْكَنَ الاِجْتِهَادُ .. حَرُمَ التَّقْلِيدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قبلة الجامع الطولوني .. فمنحرفة انحرافًا كثيرًا جدًا. وقبلة الشافعي والقرافة والأرياف على خط نصف النهار، وذلك مما يؤكد النظر في الأدلة، وأنه لا يكتفي بالمحاريب المجهولة. قال: (وإلا) أي: إن لم يمكنه، بأن كان غائبًا عن مكة. قال: (.. أخذ بقول ثقة) أراد بالثقة: مقبول الرواية من رجل وامرأة، وحر وعبد، بشرط البصر، كذا نص عليه في (الأم)، لا صبي على المشهور، ولا فاسق على المذهب. ويقوم مقام الخبر في ذلك محاريب المسلمين. قال ابن الصلاح: الإجماع منعقد على إتباعها والعمل بها، قال: فإذا رأى محرابًا في بلد كبير، أو قرية صغيرة يكثر المارون بها حيث لا يقرون على خطأ .. اعتمده. ولا يجوز الاجتهاد إلا في التيامن والتياسر، فيجوز على الأصح إلا محراب النبي صلى الله عليه وسلم كما تقرر. قال: (يخبر عن علم)، بأن يكون المخبر فوق جبل، فيقول: ها أنا أشاهد الكعبة، أو هي هنا .. فيلزمه الأخذ بقوله ولا يجتهد. فإن أخبره عن اجتهاد .. لم يقلده القادر. قال: (فإن فقد وأمكن الاجتهاد .. حرم التقليد)؛ لأن المجتهد لا يقلد، بل يجتهد بالأدلة، وأضعفها الرياح لاختلافها، ومن أيسرها وأحسنها القطب- مثلث القاف- وهو في بنات نعش بين الجدي والفرقدين. وأما قول الرافعي والمصنف: إنه نجم .. فوهم، بل هو: نقطة تدور عليها الكواكب المذكورة، يجعله المصلي بالعراق على كتفه الأيمن، وباليمن قبالته مما يلي

وَإِنْ تَحَيَّرَ .. لَمْ يُقَلِّدْ فِي الأَظْهَرِ، وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ وَيَقْضِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الجانب الأيسر، وبالشام وراءه، وبمصر على عاتقه الأيسر، وبحران وراء ظهره، ولذلك قيل: إن قبلتها أعدل القبل. قال: (وإن تحير)؛ لظلمة أو غيم أو تعارض أدلة أو غير ذلك. قال: (.. لم يقلد في الأظهر)؛ لأنه مجتهد والتحير عارض قد يزول عن قرب. والثاني: يقلد كالأعمى، ومنهم من قطع بالأول، ومنهم من قطع بالثاني. وقيل: إن ضاق الوقت .. قلد، وإلا .. فلا، فهي أربع طرق، والطريقة الأولى أصح، والمذهب: جريان الطرق مطلقًا. قال: (وصلى كيف كان)؛ لحرمة الوقت. قال: (ويقضي)؛ لأنه عذر نادر. وقيل: يصبر إلى أن تظهر القبلة وإن ضاق الوقت.

وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الاِجْتِهَادِ لِكُلِّ صَلاَةٍ تَحْضُرُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الاِجْتِهَادِ وَتَعَلَّمِ الأَدِلَّةِ كَأَعْمَىً .. قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجب تجديد الاجتهاد لكل صلاة تحضر على الصحيح)؛ سعيًا في إصابة الحق؛ لأن الاجتهاد الثاني إن وافق الأول .. ففيه تقوية له، وإن خالفه .. فإنما يخالف إذا كان أقوى، والأخذ بالأقوى واجب. والثاني: لا يجب؛ إذ الأصل بقاء الظن الأول. واحترز بقوله: (تحضر) عن النافلة؛ فإن لا يحتاج إلى تجديد الاجتهاد لها قطعًا، والفائتة كالحاضرة، والظاهرة أن المنذورة كذلك، فلو قال: لكل صلاة تفعل .. كان أولى. قال في (الروضة): قيل: والوجهان فيما إذا لم يفارق موضعه، فإن فارقه .. وجبت الإعادة قطعًا كالتيمم، قال: ولكن الفرق ظاهر في أن أدلة القبلة سماوية، ودلالتها لا تختلف بالمسافة القريبة، ثم جزم في (التحقيق) بالإلحاق بالتيمم. وصورة المسألة: ما إذا لم يكن المجتهد ذاكرًا للدليل الأول، فإن كان ذاكرًا له .. كفى قطعًا، كالحاكم في واقعة بالاجتهاد الواقعة ثانيًا وهو ذاكر للأدلة .. فإنه يكتفي بها قطعًا. ونظيره المفتي في الأحكام الشرعية، وفي طلب الماء إذا لم ينتقل عن موضعه كما سبق، والشاهد إذا زكي ثم شهد ثانيًا كما سيأتي في بابه. قال: (ومن عجز عن الاجتهاد وتعلم الأدلة كأعمى .. قلد ثقة عارفًا) أي: مكلفًا؛ لقوله تعالى: {فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}. وقال صلى الله عليه وسلم: (هلا سألوا إذا لم يعلموا؟). وفي معنى الأعمى: البصير الذي لا يمكنه التعلم؛ لأن عمى البصيرة أشد من عمى البصر، فإن صلى من غير تقليد. لم تصح صلاته وإن أصاب القبلة.

وَإِنْ قَدَرَ .. فَالأَصَحُّ: وُجُوُ التَّعَلُّمِ فَيَحْرُمُ التَّقْلِيدُ. وَمَنْ صَلَّى بِالاِجْتِهَادِ فَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ .. قَضَى فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والتقليد: قبول قول الغير المستند إلى اجتهاد، أما إذا قال: رأيت القطب هنا، أو رأيت الكثير من الناس يصلون إلى كذا .. فهو خبر لا تقليد. وخرج بالثقة: الكافر والصبي وغير الثقة، لكن لا تشترط الذكورة. والأعمى يعتمد المحراب باللمس حيث يعتمده البصير، فإن أبصر في أثناء الصلاة، وقارنه ما يعتمده البصير، وهو على جهة القبلة .. استمر، وإلا .. بطلت صلاته، لكن قال الماوردي: يجوز تعلم أدلة القبلة من الكافر إذا وقع في قلبه صدقه. قال: (وإن قدر)، بأن كان إذا عرف عرف .. (.. فالأصح: وجوب التعلم)؛ لإمكانه، كتعلم الوضوء وغيره من فروض الأعيان. قال: (فيحرم التقليد) هذا تفريع على أنه فرض عين، كما صححه الرافعي، ووافقه المصنف عليه ههنا. فإن قلد .. لزمه القضاء، فإن ضاق الوقت عن التعليم والاجتهاد .. فكتحير العارف وقد تقدم الخلاف فيه. أما إذا قلنا: إنه فرض كفاية .. فله التقليد كالأعمى، ولا قضاء. وفي ثالث: أنه فرض كفاية إلا أن يريد سفرًا .. فيتعين؛ لعموم حاجة المسافر وكثرة الاشتباه عليه، وصححه المصنف. قال الشيخ: وينبغي أن يكون مراده السفر الذي يغلب فيه ذلك، أما السفر الذي يكثر فيه الناس والعارفون بالقبلة كركب الحاج مثلًا .. فينبغي أن يكون كالحاضر. قال: (ومن صلى بالاجتهاد) أي: اجتهاد نفسه، بأن كان مجتهدًا، أو مقلدًا لمجتهد إن لم يكن أهلًا للاجتهاد كالأعمى ونحوه. قال: (فتيقن الخطأ) أي: من نفسه أو مقلده، سواء أخطأ العين على القول به، أو الجهة على القول بها، أو في التيامن والتياسر بعد أن فرغ منها. قال: (.. قضى في الأظهر)؛ لأنه تيقن الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء، فلا يعتد بما مضى، كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه.

فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا .. وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترزوا بقولهم: فيما يأمن مثله في القضاء .. عن الخطأ في الوقوف بعرفة، فإن القضاء لا يجب؛ لأن مثله غير مأمون في القضاء. والثاني- وهو مذهب الأئمة الثلاثة-: لا يقضي؛ لأنه ترك القبلة بعذر، فأشبه تركها في حال القتال، ونقله الترمذي [2/ 177] عن أكثر أهل العلم، واختاره المزني، واستدلوا له بصلاة أهل قباء التي استداروا فيها بعد أن جاءهم بالخبر عباد بن نهيك الخطمي الأنصاري، وقيل: عباد بن بشر، فوجدهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم أن القبلة حولت، فأتموا الركعتين الباقيتين نحو المسجد الحرام. وأجاب الأصحاب بأنا إن لم نثبت النسخ في حقهم إلا بعد بلوغ الخبر .. فكل من الجهتين في حقهم قبلة، وإن أثبتنا قبل بلوغه .. فالفرق: أنهم كانوا متمسكين بنص، فلا ينسبون إلى تقصير، بخلاف المجتهد فإنه قد يكون قصر في اجتهاده. قال الشيخ: وحقيقة الخلاف ترجع إلى أن الواجب ما في نفس الأمر، أو ما ظنه المكلف، كما إذا دفع الزكاة إلى من ظنه فقيراً فبان غنيًا، لكن يشكل على ذلك ما إذا صلى قبل الوقت بالاجتهاد ثم تبين بقاء الوقت .. فإنه يعيد قطعًا، وما إذا ظن الطهارة ثم تبين خلافه. ولا فرق في جريان القولين بين أن يتيقن الصواب أو لا، على المذهب. واحترز بـ (اليقين): عن من ظن الخطأ .. فإنه لا يعيد على الصحيح، كما سيأتي فيما إذا صلى أربع ركعات لأربع جهات. وقوله: (قضى) يشعر بأن صورة المسألة: ما إذا بان بعد الوقت، فإن بان فيه .. وجب القضاء قطعًا، كما في نظيره من الاجتهاد في وقت الصلاة والصوم. قال: (فلو تيقنه فيها .. وجب استئنافها)؛ لأنه تحقق إيقاع جزء من صلاته إلى غير قبلة محسوبة.

وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ .. عَمِلَ بِالثَّانِي وَلاَ قَضَاءَ، حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبعِ جِهَاتٍ بِالاِجْتِهَادِ .. فَلاَ قَضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كله إذا ظهر الخطأ في الجهة، فإن ظهر في التيامن والتياسر .. فالأصح: كذلك، فلذلك أطلقه المصنف. والمراد بـ (التيقن) هنا: ما يمتنع معه الاجتهاد، فيدخل فيه خبر الواحد الثقة- لأن الفقهاء إذا أطلقوا اليقين .. اندرج ذلك فيه، ولهذا يمتنع معه الاجتهاد- وإذا أخبره بنجاسة الماء الذي صلى به بالاجتهاد، وفي غير ذلك من المسائل، ونص (البويطي) شاهد لذلك. قال: (وإن تغير اجتهاده .. عمل بالثاني)؛ لأنه الصواب في ظنه. وهذا بخلاف الأواني، والفرق: أن هذه القضية أخرى غير الأولى، فلا يلزم منها نقض الاجتهاد بالاجتهاد فكان كالحاكم، ولأنه لا يمكن أن يعمل بالأول؛ لأنه الآن يعتقد خطأه، ولا بهما، ولا يتركهما، فتعين العمل بالثاني. قال في (الروضة): والحق أنه متى كان الثاني أوضح .. اعتمده وهو المراد بتغير الاجتهاد، ومتى كان الأول أوضح .. اعتمده ولا يغير، ومتى استويا: فإن كان قبل الصلاة .. فكما لو تحير، فلو كان في الصلاة .. استمر فيها؛ لأنه بتعارض الدليلين حصل له شك، وقد سبق له ظن. قال: (ولا قضاء)؛ لأن الاجتهاد لا ينقص بالاجتهاد. قال: (حتى لو صلى أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد .. فلا قضاء)؛ لأن كل واحدة مؤداة باجتهاد لم يتعين فيه الخطأ. وقيل: يقضي الجميع؛ لأن الخطأ متيقن في ثلاث منها، وصوبه الشيخ؛ لأن الصلاة اشتملت على الخطأ قطعًا، وليست كصلاة أهل قباء التي استداروا فيها كما تقدم. قال: (وكيف لا يجب قضاؤها، وبعضها إلى غير القبلة قطعًا؟! وإذا ثبت تعين الخطأ فيها .. امتنع الاستمرار فيها، وجب استئنافها. وفي وجه ثالث: يقضي غير الأخيرة، ويجعل الاجتهاد الأخير ناسخًا لما قبله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: خص البغوي الخلاف بما إذا كان الدليل الثاني أوضح من الأول- قال- فإن استويا .. تمم صلاته إلى الجهة الأولى ولا إعادة. قال الشيخ محب الدين الطبري: ولا يتجه غيره، وصوبه في (المهمات). * * * خاتمة إذا اجتهد جمع في القبلة، فأدى اجتهاد كل منهم إلى جهة .. لم يجز أن يقتدي بعضهم ببعض وإن جوزنا اقتداء الشافعي بالحنفي. وإن اختلف اجتهادهم بالتيامن والتياسر .. لم يقتد بعضهم ببعض أيضًا على الصحيح. ولو اختلف عليه اجتهاد مجتهدين .. قلد من شاء منهما على الأصح. وقيل: يأخذ بقول الأوثق الأعلم، ورجحه في (الشرح الصغير)، وادعى ابن الرفعة: أنه منقول عن النص. وقيل: يصلي للجهتين مرتين. * * *

باب صفة الصلاة

بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ أَرْكَنُهَا ثَلاَثَةَ عَشَرَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صفة الصلاة هذا الباب معقود لبيان كيفية الصلاة وتفصيل أجزائها؛ ليفعل المصلي الفرض حتمًا إن كان يعلمه، ويتعلمه وجوبًا إن جهله، ولهذا قال الإمام: يجب على كل من أسلم أن يبتدئ بتعلم شرائط الصلاة وأركانها، ومعرفة كون الشيء جزءًا من الصلاة أو ليس بجزء. مأخوذ من اصطلاح الشارع الذي دل عليه فهم مراده من الصلاة الشرعية، وهي مشتملة على شروط وأركان وأبعاض وهيئات، فالشروط مذكورة في الباب الآتي، والأبعاض السنن المجبورة بسجود السهو مذكورة في بابه، والأركان مذكورة هنا، وكذلك الهيئات وهي: السنن التي لا تجبر. والأركان والشروط قد يعسر التمييز بينهما من جهة أن كل واحد منهما لابد منه، فكما أن الصلاة متوقفة على الشرط، كذلك هي متوقفة على الركن. والتحقيق أن شرطها: ما يعتبر في صحتها متقدمًا عليها ومستمرًا فيها، والركن ما تركبت منه، مع اشتراكهما في أن كلاً منهما لابد منه. وعلى هذا: يكون الركن والشرط خاصين تحت أعم وهو الواجب، ويمكن استحضار الصلاة دون شروطها، ولا يمكن تصور حقيقتها إلا بتصور جميع أجزائها. قال: (أركانها ثلاثة عشر)، كذا في (المحرر)، وجعلها في (الروضة) و (التحقيق) سبعة عشر، فزاد الطمأنينة في الركوع وفي السجود وفي الاعتدال وفي الجلوس بين السجدتين، وهنا جعلها في كل ركن كالجزء منه وكالهيئة التابعة له، وهو صريح كلامهم في التقدم والتأخر بركن أو ركنين.

النِّيَةُ. فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا .. وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ وَتَعْيِينُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وبه يشعر قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا)، وهو خلاف لفظي، وزاد بعضهم الموالاة، وبعضهم نية الخروج، وبعضهم استقبال القبلة. ونقص الغزالي النية، فجعلها بالشروط أشبه، وعدها في الصوم ركنًا؛ لأنها هنا صفة للأفعال فكانت كالطهارة، وأما الصوم .. فترك، فلا يحسن أن تكون وصفًا له، ولذلك لا تعتبر في سائر التروك، ولولا الخبر لما اعتبرت في الصوم. قال: (النية)؛ لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. قال الماوردي: والإخلاص في كلامهم: النية. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). ولأن الصلاة قربة محضة، فلا تصح بغير نية كالصوم، وأجمع الأمة على اعتبار النية في الصلاة. وبدأ بها، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بها. قال: (فإن صلى فرضًا .. وجب قصد فعله وتعيينه) أي: فعل الصلاة، وتعيين كونها ظهرًا أو عصرًا؛ ليتميز بالأول عن سائر الأفعال، وبالثاني عن سائر الصلوات؛ لأن النية شرعت لتمييز العبادة عن العادة كما في القسم الأول، أو لتمييز مراتب العبادة كما في الثاني، وكان الصواب أن يقول: قصد فعلها وتعيينها بضمير المؤنث ليعود على الصلاة؛ إذ لا يمكن عوده على الفريضة؛ لأن قصد الفرض سيأتي. قال الرافعي: ولا يكفيه أن يحضر نفس الصلاة بباله مع الغفلة عن الفعل. ولو اقتصر على نية فرض الوقت .. لم يكف في الأصح؛ لاحتمال أنه ذكر حينئذ فائتة. ولا تصح الظهر بنية الجمعة على الصحيح، وتصح الجمعة بنية الظهر المقصورة إن قلنا: إنها كذلك.

وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّة دُونَ الإِضَافَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: وجوب نية الفرضية)؛ لتمتاز عن صلاة الصبي، والصلاة المعتادة في جماعة. والثاني: لا؛ لأن الظهر من البالغ إذا لم تكن معادة .. لا تكون إلا فرضًا، وصلاة الصبي حجة لنا؛ لأن الصبي إذا صلى ثم بلغ .. يجزئه ما أتى به، ولو كانت نية الفرضية مشترطة .. لما أجزأه ذلك. لكن صحح في (التحقيق) و (شرح المهذب): أن نية الفرضية لا تشترط في صلاة الصبي، وفي (أصل الروضة) الاشتراط، والأول هو الظاهر. والنذر كالفرض، حكاه ابن الرفعة عن بعضهم وأقره. قاعدة: العبادات المشروط فيها النية، في وجوب التعرض للفرض فيها خمسة أقسام: الأول: يشترط بلا خلاف كالزكاة. الثاني: عكسه كالحج والعمرة. الثالث: يشترط التعرض له على الأصح كالصلاة. الرابع: عكسه الجمعة والصوم على ما صححه في (شرح المهذب)، خلافًا لما وقع للرافعي من ترتيب الخلاف على الصلاة، وتبعه صاحب (الحاوي الصغير). الخامس: عبادة لا يكفي فيها ذلك، بل يضر على الصحيح، وهي التيمم، فإذا نوى فرضه .. لم يكف. قال: (دون الإضافة إلى الله تعالى)؛ لأن عبادة المسلم لا تكون إلا لله. والثاني: يجب؛ لتحقق معنى الإخلاص. ويجريان في سائر العبادات. ولا يشترط التعرض لعدد الركعات واستقبال القبلة على الصحيح، لكن متى نوى الظهر ثلاثًا أو خمسًا .. لم ينعقد. وفي تصوير عدم الإضافة إلى الله تعالى إشكال، فإن فعل الفرض لا يكون إلا لله، فلا ينفك قصد الفرضية عن نية الإضافة إلى الله تعالى.

وَأَنَّهُ يَصِحُّ الأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ. وَالنَّفْلُ ذُو الْوَقْتِ أَوِ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنه يصح الأداء بنية القضاء وعكسه)؛ لاستعمال كل بمعنى الآخر، تقول: قضيت الدين وأديته، وقال تعالى: {فإذا قضيتم الصلوة} أي: أديتموها. والثاني: يشترطان؛ ليتميز كل منهما عن الآخر. والثالث: يشترط التعرض لنية القضاء دون الأداء، لأن الأداء يتميز بالوقت بخلاف القضاء. والرابع: إن كان عليه فائتة مثلها .. اشترط التعرض لنية الأداء، وإلا .. فلا، وبه قطع الماوردي والقفال. قال الرافعي: هذا الخلاف ليس بظاهر؛ لأنه إن جرت هذه النية على لسانه أو في قلبه، ولم يقصد حقيقة معناها .. فينبغي أن يصح قطعًا، وإن قصد حقيقة معناها .. ينبغي أن لا تصح قطعًا؛ لتلاعبه. وأجاب المصنف بأن مراد الأصحاب من نوى ذلك جاهلًا بالوقت لغيم ونحوه، فصلى بنية الأداء ثم تبين أنه صلى في غير الوقت .. فنص الشافعي على صحتها، وكذا لو ظن خروج الوقت فصلى بنية القضاء، ثم بان أنه باق .. فإنه تجزئه بلا خلاف، وكذا لو لم ينو شيئًا منهما؛ لأن الوقت يغني عن تعيين الأداء والقضاء. ومن عليه فائتة أو فوائت .. لا خلاف أنه لا يشترط أن ينوي ظهر يوم الخميس مثلًا، بل تكفيه نية الظهر، أو الظهر الفائتة إذا شرطنا نية القضاء. قال: (والنفل ذو الوقت أو السبب كالفرض فيما سبق) أي: من اشتراط نية فعل الصلاة والتعيين، فينوي في ذي السبب صلاة الاستسقاء مثلًا أو الخسوف. وأما ذو الوقت .. فينقسم إلى راتب وهو: التابع للفرائض كسنة الظهر، وإلى غيره كصلاة العيد. فغير الراتب يعينه بما اشتهر به كالتراويح والضحى وصلاة العيد. وقال الشيخ عز الدين: لا يجب التعرض لكونه فطرًا أو نحرًا.

وَفِي نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: لاَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلاَةِ. وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والرواتب يعينها بالإضافة، فيقول مثلًا: أصلي ركعتي الفجر، أو سنة العشاء، أو راتبة الظهر. وقال في (شرح المهذب): التي قبلها أو بعدها وفيه نظر. والوتر صلاة مستقلة فلا يضيفها لصلاة العشاء، فإن أوتر بواحدة أو بما زاد ووصل .. نوى الوتر، وإن فصل .. نوى بالواحدة الوتر، وفيما قبلها أوجه: أصحها: ينوي الوتر أيضًا. والثاني: صلاة الليل. والثالث: سنة الوتر. والرابع: مقدمة الوتر. قال الرافعي: وهذه الأوجه تشبه أن تكون في الأولوية لا في الاشتراط. قال: (وفي نية النفلية وجهان)، كما في اشتراط الفرضية في الفرض. ولو عبر بالتعريف كما عبر في (المحرر) و (الروضة) .. كان أولى، وكانت في أصل المصنف كذلك، لكنه كشط الألف واللام وصحح عليه. قال: (قلت: الصحيح: لا يشترط نية النفلية والله أعلم)؛ لأن النفلية ملائمة للفعل، بخلاف الظهر ونحوها. قال: (ويكفي في النفل المطلق) وهو: الذي ليس له وقت ولا سبب (نية فعل الصلاة)؛ لأن بها تتحقق القربة، ولا خصوصية لها تفتقر إلى قصدها. قال: (والنية بالقلب)؛ لأنها القصد، فلا يكفي النطق مع غفلة القلب بالإجماع، ونبه به هنا على جميع الأبواب فإنه لم يذكره إلا هنا.

وَيُنْدَبُ النُّطْقُ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ. الثَّاني: تَكْبِيرةُ الإِحْرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويندب النطق قبيل التكبير)؛ ليساعد اللسان القلب، ولأن ذلك أبعد عن الوسواس، وتقدم أن الزبيري أوجب التلفظ بالنية في كل عبادة وهو بعيد، بل لم يقم دليل على الندبية. ولا يجب استصحاب النية بعد التكبير، ولكن يشترط أن لا يأتي بمناقض لها. فلو نوى في أثناء الصلاة الخروج منها .. بطلت، وإن تردد في أن يخرج أو يستمر .. بطلت. ولو نوى في الركعة الأولى الخروج في الثانية، أو علق الخروج بشيء يوجد في صلاته .. بطلت في الحال على الصحيح، كما لو علق به الخروج من الإسلام .. فإنه يكفر في الحال كما سيأتي في بابه. ولو تردد في الخروج من صومه، أو علقه على وجود شيء .. لم يبطل على المذهب كالحج. فالعبادات في قطع النية أربعة أضرب: الأول: الإيمان والصلاة، يبطلان بنية الخروج وبالتردد. الثاني: الحج والعمرة لا يبطلان. الثالث: الصوم والاعتكاف، الأصح: أنهما لا يبطلان. الرابع: الوضوء فلا يبطل بنية الخروج بعد الفراغ على المذهب، ولا بالتردد فيه قطعًا. ولو عقب النية بإن شاء الله بلسانه أو قلبه تبركًا .. لم يضر، وإن علق أو شك .. ضر. ولو قيل له: صل الظهر لنفسك ولك دينار، فصلى بهذه النية .. صحت ولا دينار. قال: (الثاني: تكبيرة الإحرام)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة .. فكبر).

وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَادِرِ: (اللهُ أَكْبَرْ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الشافعي [1/ 100] وأبو داوود [62] والحاكم [1/ 223] عن محمد ابن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وقال الترمذي [3]: هو أصح شيء في الباب وأحسن. وسميت تكبيرة الإحرام؛ لأنه يحرم بها عليه ما كان حلالًا قبلها من مفسدات الصلاة، كالأكل والكلام ونحوهما. وعند أبي حنيفة: التكبير شرط لا يدخل في الصلاة إلا بعد فراغه. وعندنا وجه كمذهبه، والمذهب: أنا نتبين بفراغه منه دخوله فيها بأوله. وفائدة الخلاف: فيما لو افتتح التكبير بمانع ما من نجاسة أو غيرها. قال: (ويتعين على القادر: (الله أكبر))؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل به في الصلاة، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري [631]. وروى أبو حميد الساعدي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فتتح الصلاة .. استقبل القبلة ورفع يديه وقال: (الله أكبر) رواه ابن ماجه [862]، وصححه ابن حبان [1870]،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا تنعقد بقوله: الله الكبير؛ لفوات مدلول أفعل التفضيل، وفي وجه شاذ: يجزئ الرحمن الرحيم أكبر. ومعنى (الله أكبر) أي: من كل شيء. ويشترط في التكبير جزم الراء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (التكبير جزم)، فلو ضم الراء من أكبر .. لم تصح صلاته كما قاله ابن يونس في (شرح التنبيه)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالتكبير إلا مجزومًا. ولو قال: أللهو أكبر بزيادة واو ساكنة أو محركة .. لم تصح. ولو قال: الله هو أكبر .. لم تصح كما قال في (الكفاية). ولو شدد الباء من أكبر .. ففي (فتاوى ابن رزين): أنها لا تنعقد.

وَلاَ تَضُرُّ زِيَادَةٌ لاَ تَمْنَعُ الاِسْمَ كَـ (اللهُ الأَكْبَرْ)، وَكَذَا (اللهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرْ) فِي الأَصَحِّ، لاَ (أَكْبَرُ اللهُ) عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: أصلي الظهر مأمومًا أو إمامًا الله أكبر .. فالأولى أن يقطع الهمزة من قوله: الله أكبر وليحققها، فإن وصلها .. خلاف الأولى، ولكن تصح صلاته، كذا في (شرح المهذب) و (التحقيق)، وأفتى به ابن الصلاح وابن عبد السلام. والحكمة في استفتاح الصلاة بالتكبير: استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه؛ ليمتلئ هيبة فيحضر قلبه ويخشع ولا يغيب. قال: (ولا تضر زيادة لا تمنع الاسم كـ (الله أكبر))؛ لأنه أتى به وبزيادة لا تخل بالمعنى. قال: (وكذا (الله الجليل أكبر) في الأصح)؛ قياسًا على الله أكبر، والله عز وجل أكبر، ونحو ذلك من الصفات التي لا يطول بها الفصل؛ لما سبق. والثاني: يضر؛ لأن هذه زيادة مستقلة تغير النظم، بخلاف تلك. وصورة المسألة: أن يكون الفاصل يسيرًا كما مثله المصنف، فإن طال كقوله: الله الذي لا إله هو الرحمن الرحيم الملك القدوس أكبر .. ضر بلا خلاف، كذا في (الروضة). وفي (الكفاية) وجه: أنه لا يضر، وهو اختيار الشاشي. قال: (لا (أكبر الله) على الصحيح)؛ لأنه لا يسمى تكبيرًا، هذا هو المنصوص هنا، ونص على أنه: لو قال في آخر الصلاة عليكم السلام .. أجزأه، فقيل قولان بالنقل والتخريج، والأصح تقرير النصين. والفرق: أن ذلك يسمى تسليمًا، وهذا لا يسمى تكبيرًا. والثاني: لا يضر؛ لأن تقديم الخبر جائز. فائدة: قال الإمام فخر الدين في تفسير قوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية} أجمع

وَمَنْ عَجَزَ .. تَرْجَمَ، وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إِنْ قَدَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المتكلمون على أن: من عبد الله ودعا لأجل الخوف من العقاب والطمع في الثواب .. لا تصح عبادته، وجزم في أوائل تفسير (سورة الفاتحة) بأن لو قال: أصلي لثواب الله أو للهرب من عقابه .. فسدت صلاته. قال: (ومن عجز) أي: عن النطق بالعربية، ولم يقدر على التعلم (.. ترجم) أي: بدل التكبير؛ ولا يعدل إلى ذكر آخر؛ لأنه لا إعجاز فيه، والأصح: أنه يتخير، فيأتي بأي لسان كان. وقيل: إن عرف السريانية أو العبرانية .. تعينت؛ لشرفها بإنزال الكتاب بهما، وبعدهما الفارسية أولى من التركية والهندية. وانفرد أبو حنيفة بجواز الترجمة للقادر. أما العاجز لخرس أو نحوه .. فسيأتي حكمه في القراءة. قال: (ووجب التعلم إن قدر)؛ لأن: (ما لا يتم الواجب إلا به .. فهو واجب). فلو كان في موضع لا يجد من يعلمه .. لزمه السير إليه في الأصح. وقيل: لا يجب السفر، كما لا يلزمه ذلك عند عدم الماء ليتوضأ. والفرق: أن هذا تعلم كلمة واحدة ينتفع بها طول عمره، بخلاف الماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجوز الاقتصار على الترجمة في أول الوقت إذا قدر على التعلم والإتيان بها في آخره، فلو أخر مع القدرة وضاق الوقت فلم يتعلم .. صلى بالترجمة لحرمة الوقت، ثم يقضي لتقصيره، وفي وجه: لا يجب القضاء. فروع: يلزم السيد أن يعلم غلامه العربية لأجل التكبير، أو يخليه ليكتسب أجرة المعلم، فلو لم يعلمه واستكسبه .. عصى بذلك. ويجب الاحتراز في التكبير عن وقفة بين كلمتيه، وعن زيادة تغير المعنى كمد الهمزة من الله، أو إشباع حركة الباء من أكبر فتحدث بعدها ألف. والواجب فيه وفي سائر الأقوال الواجبة: أن يسمع نفسه إن كان صحيح السمع، ولا مانع من لغط وغيره. ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير فيسمع من خلفه، ورفع المرأة إذا أمت دون رفع الرجل. أما المأموم .. فيكره له الجهر؛ لئلا يشوش على غيره. والأخرس يجب عليه أن يحرك لسانه وشفتيه بحسب الإمكان. ويستحب على المشهور أن يأتي بتكبيرة الإحرام بسرعة، ولا يمدها؛ لئلا تزول النية. ويجب أن يكبر قائمًا حيث يجب القيام، فلو وقع حرف من تكبيرته في غير القيام .. لم يصح مسبوقًا كان أو غيره. فلو كبر المسبوق تكبيرة واحدة نوى بها التحريم والهوي .. فالأصح: لا تنعقد.

وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كبر للإحرام أربع تكبيرات أو أكثر .. دخل في الصلاة بالأوتار، وبطلت بالأشفاع. وصورته: أن ينوي بكل تكبيرة افتتاح الصلاة، ولم ينو الخروج منها، فبالأولى دخل، وبالثانية خرج، وبالثالثة دخل، وبالرابعة خرج، وبالخامسة دخل، وبالسادسة خرج وهكذا أبدًا، هكذا في زوائد (الروضة)، والمسألة في (الشرح) كذلك في الباب الثاني من (أبواب الشفعة). قال: (ويسن رفع يديه في تكبيره)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة .. رفع يديه حذو منكبيه، متفق عليه [خ735 - م930]، وأجمعت الأمة عليه. وقال أبو الحسن أحمد بن سيار المروزي- من متقدمي أصحابنا، أصحاب الوجوه في طبقة المزني-: رفعهما واجب، لا تصح الصلاة إلا به. وهو قول الأوزاعي والحسن وداوود وآخرين، وسواء فيه من صلى قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، والمفترض والمتنفل، والرجل والمرأة، والإمام والمأموم. قال: (حذو منكبيه)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا افتتح الصلاة كما تقدم. فلو كان بيديه ما يمنع من ذلك .. رفع إلى حيث يمكنه. ولو كان بإحدى يديه علة .. رفع الصحيحة كما سبق، والعليلة إلى حيث أمكن. ويستحب كشف يديه، وأن تكون إلى القبلة، وتفريق أصابعهما تفريقًا وسطًا. و (حذو) بالذال المعجمة معناه: مقابل. و (المنكب): مجمع عظم العضد والكتف. والمراد بـ (اليدين) هنا: الكفان.

وَالأَصَحُّ: رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ. وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَقِيلَ: يَكْفِي بِأَوَّلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قطعت يده من الكوع .. رفع الساعد، أو من المرفق .. رفع العضد في الأصح. قال: (والأصح: رفعه مع ابتدائه)؛ لما روى الشيخان [خ735 - م930] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر)، فيكون ابتداؤه مع ابتدائه، ولا استحباب في الانتهاء، فإن فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس .. أتم الآخر، وإن فرغ منهما .. حط يديه ولم يستدم الرفع. والثاني: يرفع يديه غير مكبر، ثم يكبر ويداه قارتان، فإذا فرغ .. أرسلهما؛ لأن أبا داوود [725] رواه كذلك بإسناد حسن، وصحح هذا البغوي، واختاره الشيخ، ودليله في (مسلم) [390] من رواية ابن عمر. والثالث: يرفع مع ابتداء التكبير، ويكون انتهاؤه مع انتهائه، ويحطهما بعد فراغ التكبير لا قبل فراغه؛ لأن الرفع للتكبير فكان معه، وصححه المصنف ونسبه إلى الجمهور. ولو نسي الرفع ثم ذكره بعد فراغ التكبير .. لم يأت به، ولو ذكره في أثنائه .. أتى به. قال: (ويجب قرن النية بالتكبير)؛ لأنه أول فرض، وجميعه بالنسبة إلى الصلاة كالجزء الواحد. ومعنى مقارنتها للتكبير: أن تقارن جميعه. وفي كيفية المقارنة وجهان: أحدهما: يجب أن يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان، ويفرغ منها مع فراغه منه، واستبعده الشيخ؛ لأن النية عرض لا ينقسم فلا أول لها ولا آخر. وأصحهما- وهو مراد المصنف-: أن توجد النية مع أول التكبير وتستمر إلى آخره. قال: (وقيل: يكفي بأوله)؛ لأن ما بعد التكبير في حكم الاستدامة، وهذا الوجه صححه الرافعي في (الطلاق).

الثَّالِثُ: الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الإمام: لم يكن السلف الصالحون يرون المؤاخذة بهذه التفاصيل، إنما المعتبر انتفاء الغفلة بذكر النية حالة التكبير مع بذل المجهود، ومن لم يقل بذلك .. وقع في الوسواس المذموم. واختار في شرحي (المهذب) و (الوسيط) تبعًا للإمام، والغزالي في (الإحياء): أن المراد المقارنة العرفية العامة بحيث يعد مستحضرًا للصلاة غير غافل عنها، قال الشيخ: وهو الصواب. قال: (الثالث: القيام في فرض القادر)؛ لقوله تعالى: {وقوموا لله قنتين}. وقال عمران بن حصين: كان بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: (صل قائمًا، فإن لم تستطع .. فقاعدًا، فإن لم تستطع .. فعلى جنب) رواه البخاري [371]. زاد النسائي: (فإن لم تستطع .. فمستلقيًا {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}. وأجمع الأمة على ذلك، وهو معلوم من الدين بالضرورة، من استحله من غير عذر .. كفر، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام. وكلام المصنف يقتضي: أن المعادة في جماعة، إذا قلنا بالمذهب: إنها نافلة .. يجوز فعلها قاعدًا، وكذلك ظهر الصبي، وفيهما نظر. وصحح في (البحر): أن الصبي لا يصح ظهره قاعدًا مع القدرة على القيام. لكن يستثنى لحاجة أو ضرورة مسائل: منها: إذا كان للغزاة رقيب يرقب العدو، ولو قام لرآه العدو، أو جلس الغزاة في مكمن، ولو قاموا لرآهم العدو، وفسد تدبير الحرب .. فلهم الصلاة قعودًا، والمذهب: وجوب الإعادة. ومنها: إذا خاف راكب السفينة الغرق، أو دوران الرأس .. صلى قاعدًا ولا يعيد.

وَشَرْطُهُ: نَصْبُ فَقَارِهِ، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا أَوْ مَائِلاً بِحَيْثُ لاَ يُسَمَّى قَائِمًا .. لَمْ يَصِحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: المريض إذا أمكنه القيام منفردًا ولو صلى جماعة قعد في بعضها .. نص الشافعي على جواز الأمرين، وقعوده أفضل. والسلس الذي إذا قام استرسل بوله .. يصلي قاعدًا على الصحيح ولا إعادة عليه، وقال القفال: يصلي قائمًا محافظة على الركن كما يصلي العاري. ومنها: إذا قال طبيب ثقة لمن بعينيه ماء: إن صليت مستلقيًا أمكن مداواتك .. فله ترك القيام على الأصح. والثاني: لا يجوز، قال في (الوسيط): لأن ابن عباس استفتى عائشة وأبا هريرة، فليم يرخصا له فيه، وهذا لا يصح إنما روي: أنه كره ذلك. وفي (المهذب): أن عبد الملك بن مروان حمل إليه الأطباء على البرد، فنعتوا له ذلك، فاستفتى عائشة وأم سلمة فنهتاه. وإنما تولى عبد الملك الخلافة بعد موتهما وموت أبي هريرة بسنين عديدة. أما إذا قال: إن صليت قاعدًا أمكن مداواتك .. فقال الإمام: يجوز القعود قطعًا، ونازعه الرافعي في ذلك. قال: (وشرطه: نصب فقاره)؛ لأنه لا يسمى قائمًا بدون ذلك، ولا يضر إطراق الرأس بغير انحناء بلا خلاف، بل صرح في (الخلاصة) باستحبابه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. لكن يكره أن يلصق قدميه، وأن يقدم إحداهما على الأخرى. و (الفقار) بفتح الفاء: خرزات الظهر، وفي حديث زيد بن ثابت: ما بين عجب الذنب إلى فقار القفا ثنتان وثلاثون فقارة. قال: (فإن وقف منحنيًا أو مائلًا بحيث لا يسمى قائمًا .. لم يصح)؛ لتركه الواجب بلا عذر.

فَإِنْ لَمْ يُطِقِ انْتِصَابًا وَصَارَ كَرَاكِعٍ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ، وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إِنْ قَدَرَ. وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقَيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسَّجُودِ قَامَ وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إِمْكَانِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو استند مع الانتصاب المشروط إلى جدار أو إلى إنسان استنادًا لا يسلب اسم القيام .. صح في الأصح، وقيل: لا، وقيل: إن كان بحيث لو رفع السناد لم يسقط .. صح، وإلا .. فلا. ولو لم يقدر على النهوض للقيام إلا بمعين .. لزمه أن يستعين بمن يقيمه، فإن لم يجد متبرعًا .. لزمه الاستئجار بأجرة المثل إن وجدها، أو أن يعتمد على شيء. قال القاضي حسين: لم يلزمه ذلك، وصرح الإمام والمتولي بخلافه. وإذا عجز عن القيام في الفاتحة فجلس .. وجب عليه إدامة القراءة في هوية، وقال المتولي: تجوز القراءة في هذه الحالة. وفي (مرشد ابن أبي عصرون): لا تجزئه القراءة فيها، فحصلت ثلاثة آراء، وبالأول جزم الشيخان. قال: (فإن لم يطق انتصابًا وصار كراكع .. فالصحيح: أنه يقف كذلك) أي: وجوبًا؛ لأنه أقرب إلى الواجب. والثاني- قاله الإمام استنباطًا من كلام الأئمة، وتبعه عليه الغزالي-: أنه يلزمه أن يقعد؛ لأن حد الركوع يخالف حد القيام، فلا يتأدى أحدهما بالآخر. ويشكل على الإمام: أنه رجح فيمن لا يمكنه القيام على قدميه، وأمكنه النهوض على ركبتيه .. أنه يلزمه- كما نقله الغزالي في تدريسه عنه، وهو أحد الوجهين- مع أنه لا يسمى قائمًا. قال: (ويزيد انحناءه لركوعه إن قدر)؛ ليتميز الواجب عن غيره، وظاهر عبارة المصنف وغيره أن ذلك على سبيل الوجوب. قال: (ولو أمكنه القيام دون الركوع والسجود .. قام وفعلهما بقدر إمكانه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر .. فأتوا منه ما استطعتم)، فيحني

وَلَوْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ .. قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ، وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ صلبه ما أمكنه، فإن عجز .. حتى رقبته ورأسه، فإن عجز .. أومأ إليهما؛ لأن: (الميسور لا يسقط بالمعسور). قال: (ولو عجز عن القيام .. قعد)؛ لما روى الشيخان [خ805 - م411] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سقط عن فرس، فجحش شقه الأيمن، فدخلتا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى قاعدًا)، ولإطلاق حديث عمران والإجماع، ولا إعادة عليه. قال في (التهذيب): قال في (المهذب): ولا ينقص بذلك ثوابه؛ لأنه معذور. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى قائمًا .. فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا .. فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا .. فله نصف أجر القاعد) كما أخرجه البخاري في (التاريخ) عن عمران بن حصين .. فمحمول على النفل عند القدرة على القيام، وضبط الإمام العجز في هذا الباب بأن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه. والمذهب: أنه لا يكفي ذلك، بل خوف الهلاك، أو زيادة المرض، أو مشقة شديدة. قال: (كيف شاء) لا خلاف في ذلك، إنما الخلاف في الأفضل. قال: (وافتراشه أفضل من تربعه في الأظهر) أي: في موضع قيامه؛ لأنها هيئة مشروعة في الصلاة، فكانت أولى من التربع؛ لأنه لا يليق بالخضوع، وهذا هو الصحيح، وخصه في (الحاوي) بالرجل وقال: الأولى للمرأة التربع؛ لأنه أستر. والثاني: تربعه أفضل، وهو نصه في (البويطي)، واختاره الشيخ؛ لما رورى النسائي [3/ 224] عن عائشة رضي الله عنه قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعًا)، وكان أنس وابن عمر يفعلانه.

وَيُكْرَهُ الإقْعَاءُ بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرض عند العجز كالنفل، والمعنى فيه: أنه بدل عن القيام فاستحب مخالفة صورته لصورة القعود كصلاة الصحيح، ولأنه أبعد عن السهو. وقيل: التورك؛ لأنه أعون للمصلي. وقيل: يجلس على رجله اليسرى، وينصب ركبته اليمنى كالجلوس بين يدي المقرئ؛ لأنه أكثر أدبًا، فهي قولان ووجهان. قال: (ويكره الإقعاء)؛ لما روى الحسن عن سمرة قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة) رواه الحاكم [1/ 272] وقال: [صحيح] على شرط البخاري؛ لأن البخاري روى أنه سمعه من سمرة. قال: (بأن يجلس على وركيه ناصبًا ركبتيه)، هكذا فسره أبو عبيد القاسم بن سلام عن شيخه أبي عبيدة معمر بن المثنى بزيادة: وضع يديه على الأرض. والمراد بـ (الورك): أصل الفخذ. ومعنى ذلك: أن يلصق أليته بالأرض، وينصب فخذيه وساقيه كهيئة المستوفز. وإنما نهى عن ذلك؛ لتشبهه بالكلاب والقردة. وهذا الإقعاء منهي عنه في جميع الصلاة. ومن الإقعاء نوع مستحب عند المصنف وابن الصلاح والبيهقي، ونص عليه في (البويطي)، وصوبه الشيخ وهو: أن يفرش رجليه، ويضع أليتيه على عقبيه، كما ثبت في (صحيح مسلم) [536] عن طاووس قال: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، قال: (هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وروي ذلك عن العبادلة، وجعله الرافعي أحد الأوجه في الإقعاء المكروه، وليس المراد بكونه سنة أنه أفضل من غيره، بل الافتراش أفضل منه؛ لكثرة رواته ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره أيضًا أن يقعد مادًا رجليه.

ثُمَّ يَنْحَنِي لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ، وَالأَكْمَلُ: أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ .. صَلَّى لِجَنْبِهِ الأَيْمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم ينحني لركوعه بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه) أي: من الأرض؛ وهذا أقل ركوع القاعد. قال: (والأكمل: أن تحاذي موضع سجوده)؛ لأنه يضاهي أكمل ركوع القائم. أما سجوده فكسجود القائم، فإن عجز عن الركوع والسجود على ما تقرر .. أتى بالممكن، وإذا لم يقدر من السجود على وضع الجبهة، وقدر على زيادة أكمل الركوع .. وجب الاقتصار من الركوع على أكمله ليتميز عن السجود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمريض عاده، فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلي عيه فرمى به، وقال عليه الصلاة والسلام: (صل على الأرض إن استطعت، وإلا .. فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك) رواه البيهقي [2/ 306]. قال: (فإن عجز عن القعود .. صلى لجنبه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تستطع .. فعلى جنب). والمعتبر في العجز هنا: ما يعتبر في القيام، وقال الإمام هنا: لابد من عدم تأتي القعود، أو خيفة الهلاك، أو المرض الطويل، كالتيمم. قال: (الأيمن)؛ لفضله. ويجب استقبال القبلة بوجهه ومقدم بدنه، كالميت في لحده؛ لأنه روي: (فإن لم تستطع .. فعلى جنبك الأيمن مستقبل القبلة). فعلى هذا، لو اضطجع على يساره .. جاز؛ لإطلاق الحديث. وقيل: على قفاه ورجلاه إلى القبلة، ويضع تحت رأسه شيئًا ليرتفع ويصير وجهه إلى القبلة لا إلى السماء، والخلاف في الوجوب لا الأولوية، بخلاف الكلام في هيئة القاعد. والخلاف فيمن قدر على الاضطجاع والاستلقاء، أما من لم يقدر على كيفية واحدة .. فإنها تجزئه جزمًا.

فَإِنْ عَجَزَ .. فَمُسْتَلْقِيًا. وَلِلْقَادِرِ التَّنَفُّلُ قَاعِدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن عجز .. فمستلقيًا) - أي: على قفاه- ويجعل رجليه إلى القبلة، كذا رواه الدارقطني [2/ 42] بمعناه، لكن ضعفه عبد الخالق. ويجب عليه في هذه الحالة أن يأتي بالركوع والسجود إذا قدر عليهما، وإلا .. أومأ بهما وقرب الجبهة من الأرض بحسب الإمكان، ويجب عليه أيضًا أن يضع تحت رأسه شيئًا ليقبل بوجهه إلى القبلة كما تقدم، وهذا الوجه الثاني في المسألة قبلها، فإن عجز عن الإيماء برأسه .. أومأ بجفونه، فإن عجز عن الإيماء .. أجرى أفعال الصلاة على قلبه، بأن يمثل نفسه قائمًا وراكعًا وساجدًا، ويأتي بالقراءة والأذكار في محالها، فإن اعتقل لسانه .. وجب أن يجري القراءة والأذكار على قلبه، والمذهب: أنها لا تسقط ما دام عقله باقيًا ولا يعيد، وفيه وجه: أنه يعيد، ووجه آخر: أنه لا يصلي وتسقط عنه الصلاة في هذه الحالة، وحيث تغيرت حاله في الصلاة بقدرة أو عجز .. أتى بما يمكنه إلا إذا قدر على ركوع القائم بعد أن اطمأن في ركوعه .. فلا؛ لئلا يزيد ركوعًا. كل هذا إذا صلى خارج الكعبة، أما إذا صلى فيها مضطجعًا لمرض أو نفلًا .. فالمتجه: أنه يجوز أن يصلي مستلقيًا على ظهره أو على وجهه؛ لأنه كيفما توجه مستقبل لجزء من أجزاء البيت، فإن لم يكن للكعبة سقف، أو كان على سطحها .. امتنع الاستلقاء على الظهر. والمصلوب يلزمه أن يصلي، ثم إن كان مستقبل القبلة .. فلا إعادة عليه، وإلا .. أعاد، وكذلك الغريق على لوح. قال: (وللقادر التنفل قاعدًا) بالإجماع، سواء فيه الرواتب وغيرها. وفي صلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء وجه: أنها لا تجوز، ويدل لعموم الجواز أنه صلى الله عليه وسلم في حديث عمران المتقدم جعل للقاعد نصف أجر القائم، وللنائم نصف أجر القاعد، والمراد: حالة القدرة، وإلا .. لم ينقص الأجر بذلك، ولأن النوافل تكثر فاشتراط القيام فيها يؤدي إلى المشقة والحرج.

وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الأَصَحِّ. الرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا مضطجعًا في الأصح)؛ للحديث المتقدم. وعلى هذا: يلزمه أن يقعد للركوع والسجود، وقيل: يومئ بهما أيضًا. والوجه الثاني: لا يجوز لانمحاق صورة الصلاة، وصاحب هذا الوجه يحمل الحديث على الفرض ويقول: المراد به: المريض الذي لا يستطيع إلا ذلك، وأجره على النصف مما قبله، فإن تحمل المشقة وأتى بالزائد .. تم أجره؛ لأن الخطاب في الحديث كان لعمران، ومعلوم من حاله أنه كان مريضًا. وأجيب بأن كونه جوابًا لعمران .. لا يدل لاحتمال أن يكون عمران سأله عن الفرض مرة وعن النفل أخرى، لكن نقل السهيلي قبيل غزوة ودان عن الخطابي وابن عبد البر: أنهما نقلا إجماع الأمة على أن: المضطجع لا يصلي في حال الصحة نافلة ولا غيرها، ثم قال: وليست مسألة إجماع كما زعما، بل كان في السلف من يجيز ذلك كالحسن وغيره. فائدة: سئل الشيخ عز الدين عن رجل يتقي الشبهات، ويقتصر على مأكول يسد الرمق من نبات الأرض ونحوه، فضعف بسبب ذلك عن الجماعة والجمعة والقيام في الفرائض: هل هو مصيب؟ فأجاب: بأنه لا خير في ورع يؤدي إلى إسقاط فرائض الله تعالى. قال: (الرابع: القراءة) حفظًا أو تلقينًا أو نظرًا في المصحف؛ لقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه}. وبينه صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)، وقوله: (كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج) أي: ناقصة. وفي قول: لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية؛ لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا}.

وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الاِفْتِتَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى مسلم [404] عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وليؤمكم أحدكم، فإذا كبر .. فكبروا، وإذا قرأ .. فأنصتوا)، وهذا نصه في القديم، وبعض الجديد. وأجاب القائل بالأول بأن الآية المراد بها: الخطبة، وأما الخبر .. فمحمول على السورة جمعًا بين الأحاديث. أما السرية .. فيلزمه فيها القراءة وجهًا واحدًا. ولو أسر الإمام في الجهرية، أو جهر في السرية، فهل الاعتبار بصفة الصلاة في الأصل، أو بفعل الإمام الآن؟ فيه وجهان، صحح المصنف الثاني. قال: (ويسن بعد التحرم دعاء الافتتاح) أشار بذلك إلى أن لقراءة الفاتحة سنتين سابقتين، وسنتين لاحقتين: دعاء الاستفتاح والتعوذ، والتأمين وقراءة السورة. فأما دعاء الاستفتاح .. فهو: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم؛ أنت الملك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعها؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)، رواه مسلم [771] من حديث علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (وأنا أول المسلمين)؛ لأنه أول مسلمي هذه الأمة، وغيره إنما يقول: وأنا من المسلمين. وورد في الاستفتاح أحاديث أخر اختار الشافعي منها هذا؛ لما فيه من موافقة ألفاظ القرآن، ولو دعا بغيره .. كان آتيًا بالسنة. فإن كان إمامًا، ولم يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل .. لم تستحب له الزيادة على قوله: من المسلمين، وكذلك المأموم فيما ينصت فيه لقراءة إمامه. وغيرهما يستحب له إكماله، ويزيد عليه ما في (الصحيحين) [خ744 - م598] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم؛ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم؛ نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم؛ اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) أي: طهرني من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذنوب. وذكر هذه الأشياء مبالغة في التطهير. وروت عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة .. قال: (سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) خرجه أصحاب السنن، لكن انفرد به طق بن غنام وليس بالقوي، فاستحب القاضي حسين والقاضي أبو حامد وغيرهما: أنه يبدأ به، ثم يقول: وجهت وجهي ... إلى آخره. وعن الطبري: يندب أن يقول: الله أكبر كبيرًا، والحمد له كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وجهت وجهي .. إلى آخره. فلو ترك دعاء الاستفتاح عمدًا أو سهوًا .. لم يعد إليه، ولا يأتي به في باقي الركعات. ويستثنى من إطلاق المصنف صلاة الجنازة على الأصح، والمسبوق إذا أدرك الإمام في غير القيام، أو فيه وخاف فوت الفاتحة، حتى لو أدركه في الاعتدال .. لم يأت به، بل يأتي بالتسميع والتحميد. تنبيه: لا فرق في التعبير بقوله: من المسلمين، ومن المشركين، بين الرجل والمرأة؛ لما روى الحاكم [4/ 222] عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك؛ فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)، قال عمران: قلت يا رسول الله؛ هذا لك ولأهل بيتك خاصة، أم للناس عامة؟ قال: (بل للمسلمين عامة). فائدة: معنى (وجهت وجهي): قصدت بعبادتي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (فطر السماوات): ابتدأ خلقها من غير مثال سبق، وجمعت السماوات ووحدت الأرض في جميع الآيات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إليها، ووطئها بقدميه فتشرفت بذلك فجمعت، وأما الأرض فلم يطأ بقدميه الشريفتين سوى العليا منها، ولأن السماوات محل الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ولم يثبت في الأرض مثل ذلك، فجمعت السماوات حينئذ لشرفها، ولذلك كان المختار أنها أفضل من الأرض. وروينا عن كعب الأحبار أنه قال: خلق الله سماء الدنيا من موج مكفوف، والثانية صخرة، والثالثة حديد، والرابعة نحاس، والخامسة فضة، والسادسة ذهب، والسابقة ياقوت. وروى البيهقي عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {ومن الأرض مثلهن} قال: (سبع أرضين، في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، وعيسى كعيسى)، ثم قال: إسناد هذا الحديث عن ابن عباس صحيح، غير أني لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا. والحنيف): المائل إلى الخير والصلاح. وقوله: (وما أنا من المشركين) بيان للحنيفي وإيضاح لمعناه. و (النسك): العبادة، وجمع بين الصلاة والنسك، وإن كانت داخلة فيه تنبيهًا على شرفها وعظم مرتبتها، وهو من باب ذكر العام بعد الخاص. و (رب العالمين) معناه: ملك الجن والإنس. وأما قوله: (والشر ليس إليك) .. فقال المزني: معناه لا ينسب إليك وإن

ثُمَّ التَّعَوُّذُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كنت فاعله، كما لا يقال: يا خالق القردة والخنازير. وقال ابن خزيمة وغيره: معناه لا يتقرب به إليك، وقيل: لا يصعد إليك. قال: (ثم التعوذ)، لقوله تعالى: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} أي: أردت القراءة، كقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم} أي: أردتم القيام. وصيغته المحبوبة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقيل: بزيادة السميع العليم. ومعنى (أعوذ بالله): ألتجئ إليه وأعتصم به. و (الشيطان): كل متمرد من الجن والإنس، وهو من: شاط يشيط إذا هلك، أو من: شطن بمعنى بعد. و (الرجيم): بمعنى مرجوم بالطرد واللعن، وقيل: يرجم به غيره بالإغواء. ويحصل التعوذ بكل لفظ حصل معناه. وقيل: يستحب ما رواه الحاكم [1/ 235] وابن حبان [1779] عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا افتتح الصلاة: (أعوذ بك من الشيطان

وَيُسِرُّهُمَا، وَيَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالأُولَى آكَدُ. وَتَتَعَيَّنُ (الْفَاتِحَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه). (همزه): الجنون، و (نفخه): الكبر، و (نفثه): الشعر. ويستثنى المسبوق إذا علم عدم إدراك الفاتحة، وحيث لا يقرأ المأموم لا يستحب له التعوذ في الأصح. وقياسه عدم الاستحباب فيمن لا يحسن القراءة، إذا قلنا: التعوذ لها، فإن قلنا: التعوذ للصلاة .. تعوذ في الأولى. قال: (ويسرهما) كسائر الأذكار المستحبة، وفي قول: يستحب الجهر بالتعوذ في الجهرية؛ لأنه تابع للقراءة فأشبه التأمين، وقيل: يستحب الإسرار قطعًا، وقيل: يتخير بين الجهر والإسرار. قال: (ويتعوذ كل ركعة على المذهب)؛ لحصول الفصل بين القراءتين بالركوع وغيره. والثاني: يختص بالأولى، كما لو سجد لتلاوة ثم عاد للتلاوة .. فإنه لا يعيد التعوذ. وعلى هذا، إذا تركه في الأولى عمدًا أو سهوًا .. أتى به في الثانية بخلاف دعاء الاستفتاح. قال: (والأولى آكد)؛ للاتفاق عليها، ولأن افتتاح القراءة في الصلاة فيها. ويتعوذ في صلاة الجنازة، وفي قراءة خارج الصلاة، وكلما قطع بكلام أو سكوت طويل، لا سجدة تلاوة كما تقدم. قال: (وتتعين (الفاتحة)) حتى لو قرأ القرآن كله في ركعة ولم يقرأها .. لم تصح صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة لكتاب) متفق عليه [خ756 - م394] من رواية عبادة بن الصامت. وفي رواية: (لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) رواه ابن خزيمة [490]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن حبان [1794] من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح، والدارقطني [1/ 322] من رواية عبادة وقال: رجاله كلهم ثقات. وأفهم قوله: (تعيين) أنها لا تسقط بالنسيان، وهو كذلك على الصحيح، كالركوع والسجود. وفي القديم: تسقط به؛ لما روي أن عمر صلى المغرب، فترك قراءة الفاتحة، فقيل له ذلك، فقال: (كيف كان الركوع والسجود؟) قالوا: حسنًا، قال: (فلا بأس إذاً). والقائلون بالأول أجابوا عن هذا: بأنه ترك الجهر بالقراءة، أو أنه منقطع؛ فإن الشافعي رواه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه، وأبو سلمة لم يدرك عمر. فائدة: سميت (فاتحة الكتاب)؛ لافتتاح القرآن بها. وسميت (أم الكتاب)؛ لأنها أوله وأصله، ولذلك سميت مكة أم القرى؛ لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دحيت. وحكى في (التحرير): لها عشرة أسماء: الحمد، وفاتحة الكتاب، وأم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني- لأنها سبع آيات، وتثنى في كل ركعة- والصلاة، والوافية، والكافية، والشفاء، والأساس، زاد الكاشغري في (غريبه): الكنز.

كُلَّ رَكْعَةٍ، إِلاَّ رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الإكمال): وكره قوم منهم ابن سيرين تسميتها بأم الكتاب، ولا وجه له لصحة الأحاديث به. وفي (تفسير بقي بن مخلد): أن إبليس رن أربع رنات: رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم، ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب. قال: (كل ركعة)؛ لما روى أحمد [4/ 304] والبيهقي [2/ 374] وابن حبان [1787]- بسند صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخلاد بن رافع الزرقي حين أساء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة .. فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن) إلى أن قال: (ثم اصنع ذلك في كل ركعة). ولأنه صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ في كل ركعة) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه الشيخان [خ631 - م674]. قال: (إلا ركعة مسبوق)؛ لأنه إذا أدرك الركوع .. فقد أدرك الركعة؛ لحديث أبي بكرة: (أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع معه، ثم دخل في الصف) رواه البخاري [783]. وعبارة المصنف تفهم: أن (الفاتحة) لا تجب عليه وهو وجه. والأصح: أنها تجب عليه، ثم يتحملها الإمام عنه، فيكون مراده: نفي الوجوب المستقر. وذهب ابن خزيمة وأبو بكر الصبغي من أصحابنا إلى أنه لا يكون مدركًا للركعة بإدراك الركوع. أما إذا أدركه قائمًا وقرأ بعضها من غير اشتغال بشيء فركع .. فإنه يركع معه في الأصح. وتسقط (الفاتحة) أيضًا في الركعات كلها حيث حصل له عذر تخلف بسببه عن الإمام

وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بأربعة أركان طويلة، وزال عذره والإمام راكع، وذلك في صور: منها: لو كان الإمام بطيء القراءة. ومنها: لو نسي أنه في الصلاة. ومنها: لو امتنع من السجود بسبب الزحمة. ومن الأعذار أيضًا: ما إذا شك بعد ركوع إمامه في قراءة الفاتحة .. ففي الجميع يتحمل عنه. قال: (والبسملة منها)؛ لما روي: (أنه صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة سبع آيات، وعد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية منها)، وعزاه الإمام والغزالي إلى البخاري، وليس في (صحيحه)، بل في (تاريخه). وروى الدارقطني [1/ 312] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قرأتم: الحمد لله .. فاقرؤوا: {بسم الله الرحمن الرحيم}؛ إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، و {بسم الله الرحمن الرحيم} إحدى آياتها)). وروى ابن خزيمة [1/ 248]- بإسناد صحيح- عن أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية، و (الحمد لله رب العالمين) ست آيات)، وبه قال علي وابن عباس وابن عمر وابن الزبير. وقال أبو نصر المؤذن: اتفق قراء الكوفة وفقهاء المدينة على أنها آية منها. وقال قراءة المدينة وفقهاء الكوفة: إنها ليست آية منها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأنها ثبتت بإجماع الصحابة في المصحف مع تحريهم في تجريده مما ليس بقرآن، وأجمعوا على كتابتها بخط القرآن، وأما ما أثبت فيه من أسماء السور والأعشار .. فذلك شيء ابتدعه الحجاج في زمنه فلا اعتبار به، وأيضًا هي بعير خط المصحف. وسواء قلنا: هي من أول كل سورة قطعًا أو ظنًا، فمن تركها .. لم يكن قرأ السورة كلها، فلا يخرج عن نذره ولا تبر يمينه إذا كان قد حلف على قراءة سورة كذا، ولا تصح صلاته إذا تركه من الفاتحة، لكن إن قلنا: هي قرآن ظنًا .. لم يكفر جاحدها، وإن قلنا قطعًا .. فالمذهب: القطع بعدم تكفيره أيضًا؛ لشبهة الخلاف فيها من الجانبين. وفي (الكفاية): أن صاحب (الفروع) قال: يكفر جاحدها، ويفسق تاركها. ثم هي آية كاملة من أول الفاتحة بلا خلاف، وكذا فيما عدا براءة من أوائل السور. وفي قول: بعض آية. ويجهر بها فيما يجهر فيه بـ (الفاتحة)، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أحد وعشرين صحابيًا. وقال ابن أبي هريرة: لا يجهر بها؛ لأن ذلك صار من شعار الرافضة. وحجة المخالفين حديث أنس. وجوابه: أنه محمول على سورة (الحمد)، أو أن المراد عدم المبالغة في الجهر. وروى أحمد [3/ 166] وابن خزيمة والدارقطني [1/ 316]- بسند صحيح- أن أنسًا سئل: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بـ {الحمد لله رب العلمين}، أو بـ {بسم الله الرحمن الرحيم}؟ فقال للسائل: (هذا شيء لم أعرفه، ولم يسألني عنه أحد قبلك). وروى الدارقطني [1/ 311] والحاكم [1/ 233] عن أنس أنه قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ البسملة في (أم القرآن)، ولم يقرأها في السورة، فلما سلم .. ناداه من شهد ذلك من المهاجرين من كل مكان: يا معاوية؛ أسرقت الصلاة

وَتَشْدِيدَاتُهَا. وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ .. لَمْ تَصِحَّ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك .. قرأها. قال: (وتشديداتها)؛ لأن المشدد حرفان أولهما ساكن، وفيها أربع عشرة شدة، وجملة حروفها مئة وأحد وأربعون حرفًا دون التشديدات، وبها مئة وخمسة وخمسون إلا لمن أدغم، أو قرأ: {ملك}، فإنه يزيد حرفًا وينقص حرفًا. والحكم على التشديد بكونه من الفاتحة فيه تجوز. وقد أحسن (المحرر) في قوله: وتجب رعاية تشديداتها. وقال في (البحر): لو ترك التشديد من قوله: {إياك} وخففها، فإن تعمد وعرف معناه .. كفر؛ لأن (الإيا): ضوء الشمس، فكأنه قال: نعبد ضوء الشمس، وإن كان ناسيًا أو جاهلًا .. سجد للسهو. قال: ولو شدد حرفًا مخففًا منها .. أساء وأجزأه، وفيه نظر. قال: (ولو أبدل ضادًا بظاء .. لم تصح في الأصح)؛ لاختلاف المعنى؛ لأن الضاد من الضلال، والظاء من قولهم: ظل فعل كذا ظلولًا إذا فعله نهارًا، وقياسًا على باقي الحروف. والثاني: يصح لقرب المخرج، وعسر التمييز بينهما، والخلاف مخصوص بالقادر. وأما العاجز .. فيجزئه قطعًا، وعبارة المصنف كعبارة (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) وغيرها من كتب الأصحاب، وصوابه: بالعكس؛ لأن الباء تدخل على المتروك، فإذا ترك الظاء إلى الضاد .. فقد أصاب، وإنما الممتنع على الأصح العكس، كقوله تعالى: {ومن يتبدل الكفر بالإيمان}. وقال: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير}. وقال: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب}. لكن حكى الواحدي عن ثعلب عن الفراء في قوله تعالى: {بدلنهم جلودًا غيرها} ما يدل على صحة عبارة المصنف. ويشهد لذلك قول الطفيل بن عمرو الدوسي لما أسلم في وصف النبي صلى الله عليه وسلم [من الوافر]:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فألهمني هداي الله عنه .... وبدل طالعي نحسي بسعدي وأيضًا (الإبدال) في اللغة: الإزالة، فيكون المعنى أزال ضادًا بظاء. وسيأتي في (الديات): أن لغة الغرب انفردت بحرف الضاد، فلا يوجد في لغة غيرها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد). وكذلك الحكم إذا أبدل حرفًا بحرف من (الفاتحة) غير الضاد، كالذال المعجمة إذا أتى بها مهملة، إلا أن تكون قراءة شاذة مثل: (إنا أنطيناك الكوثر) .. فإنها لا تبطل. فرع: تشرع القراءة بما ورد في السبع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، كلها شاف كاف). قال المتولي: المراد: أنزل بلغة سبع قبائل من فصحاء العرب. قال: وأما القراءة بالشواذ، فإن لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه .. فتجوز ولا تبطل الصلاة- كاللحن الذي لا يغير المعنى- وإن كان فيها زيادة حرف أو تغيير معنى .. امتنع وتبطل الصلاة به إذا تعمده، كقوله: (ثلاثة أيام متتابعات)، وقوله: (فاقطعوا أيمانهم)، وقوله: (وأقيموا الحج والعمرة لله)، و (إنما يخشى الله من عباده العلماء) برفع (الله) وبنصب (العلماء)، وإن كان ساهيًا .. سجد للسهو، وإن لم يغير المعنى ولم يزد في الكلام .. لم تبطل.

وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا وَمُوَالاَتُهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ .. قَطَعَ الْمُوَالاَةَ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلاَةِ كَتَامِينِهِ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجزم المصنف في كتبه بتحريم القراءة بالشاذ من غير تفصيل. وحكى البغوي في أول (تفسيره) الاتفاق على جواز القراءة بما قرأ به يعقوب وأبو جعفر لاستفاضتها، وصوبه الشيخ واختاره. وفي (فتاوى) قاضي القضاة صدر الدين موهوب الجزري: أن القراءة بالشواذ جائزة مطلقًا، إلا في الفاتحة للمصلي. ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه: لا تجوز القراءة بالشاذ، ولا الصلاة خلف من يقرأ بها. وقال العجلي: وتكره القراءة بها وتجزئ الصلاة. قال: (ويجب ترتيبها) بأن يأتي بالآية بعد الآية؛ لأن نظم القرآن معجز، وترك الترتيب يزيل إعجازه. فإن قدم وأخر عمدًا .. بطلت قراءته دون صلات واستأنف القراءة، وإن كان سهوًا .. لم يعتد بالمؤخر. واستشكل الشيخ وجوب الاستئناف عند التعمد على الوضوء والأذان والطواف والسعي وغيرها، قال: ولو قيل: إنه يبني .. لكان له وجه. قال: (وموالاتها) وهي: أن يصل الكلمات بعضها ببعض، ولا يفصل إلا بقدر التنفس؛ لأنها القراءة المأثورة. قال: (فإن تخلل ذكر .. قطع الموالاة) سواء كثر أم قل، وسواء كان قرآنًا أم غيره: كالتحميد عند العطاس، وإجابة المؤذن، والتسبيح للداخل، ونحو ذلك؛ لأن الاشتغال به يوهم الإعراض عن القراءة فيستأنفها. هذا إذا تعمد. فإن كان سهوًا .. فالصحيح المنصوص: لا يقطع فيبني، وقيل: إن طال الذكر .. قطع القراءة، وإلا .. فلا. قال: (فإن تعلق بالصلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه)، وكذلك إذا قرأ

فَلاَ فِي الأَصَحِّ، وَيَقْطَعُ السُّكُوتُ الطَّوِيلُ، وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الأَصَحِّ. فَإِنْ جَهِلَ (الْفَاتِحَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام آية رحمة فسألها المأموم، أو آية عذاب فاستعاذ، أو آية سجدة فسجد. و (الفتح): تلقين الآية عند التوقف فيها. قال: (.. فلا في الأصح) أي: لا يقطع القراءة؛ لأن المأموم مندوب إلى هذه الأمور على المشهور. أما التأمين .. فلما سيأتي. وأما الفتح عليه .. فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة، فترك شيئًا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله؛ آية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم لأبي: (أصليت معنا؟) قال: نعم، قال: (فما منعك؟). وأما باقيها .. فواضح، لكن عبارة المصنف تقتضي: أنه لا فرق بين أن يطول الذكر الفاصل أو يقصر، وفيه إذا طال نظر. والوجه الثاني: تبطل الموالاة كالذكر الأجنبي. والثالث: تبطل الصلاة. ومحل الخلاف: في العامد، فإن كان ساهيًا .. لم يقطع جزمًا. قال: (ويقطع السكوت الطويل) وهو: المشعر بإعراضه عن القراءة، مختارًا كان أو لعائق؛ لإخلاله بالموالاة المعتبرة. وقيل: لا لوجود القراءة المأمور بها. كل ذلك في المعتمد، أما الناسي .. فلا يضره على الصحيح. قال: (وكذا يسير قصد به قطع القراءة في الأصح)؛ لاجتماع السكوت والقصد. والثاني: لا يقطع؛ لأن كلًا منهما لا يؤثر بمفرده، فكذلك إذا اجتمعا. و (اليسير): ما جرت به العادة لتنفس أو استراحة. قال: (فإن جهل (الفاتحة)) أي: كلها بالعربية. وعجز عن قراءتها أو تعلمها أو

فَسَبْعُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ .. فَمُتَفَرَّقَةٍ. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تلقنها أو قراءتها في المصحف- بإجارة أو إعارة- أو عدم الضوء وهو في ظلمة وضاق الوقت عن التعلم. قال: (.. فسبع آيات)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة .. فتوضأ كما أمرك الله، فإن كان معك قرآن .. فاقرأ، وإلا .. فاحمد الله وهلل وكبر) رواه الترمذي [302] وقال: حسن. والمعنى فيه: أن القرآن بالقرآن أشبه. وإنما أوجبنا سبع آيات؛ لأن هذا العدد مرعي في (الفاتحة)؛ لأنها السبع المثاني. ولا تجزئ الآية الواحدة وإن طالت كآية الدين. قال الشافعي: وأحب أن يقرأ ثماني آيات؛ لتكون الآية الثامنة بدلًا عن السورة. وحكى المحب الطبري وجهين: في أن البدل هل يشترط أن يكون مشتملًا على ثناء ودعاء؟ قال: (متوالية)؛ لأنها أشبه بـ (الفاتحة). قال: (فإن عجز) أي: عنها (.. فمتفرقة)؛ لأنه المقدور. قال: (قلت: الأصح المنصوص: جواز المتفرقة) أي: من سورة أو سور (مع حفظه متوالية والله أعلم) كما في قضاء رمضان. وقال في (المهمات): المعتمد في الفتوى ما ذهب إليه الرافعي، لكن قال الإمام: إذا كانت الآية المنفردة لا تفيد معنى منظومًا كـ {ثم نظر} .. لم يؤمر بقراءتها. وحكى صاحب (التنبيه) وغيره الخلاف قولين، وهو الصواب؛ لأنهما منصوصان في (الأم).

فَإِنْ عَجَزَ .. أَتَى بِذِكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن عجز) أي: عن المتوالية والمتفرقة. قال: (.. أتى بذكر)؛ لما روى أبو داوود [828] والنسائي [2/ 143] وابن حبان [1808] أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فعلمني ما يجزيني في صلاتي، فقال عليه الصلاة والسلام: (قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). وأشار المصنف بقوله: (بذكر) منكرًا إلى أنه: لا يتعين ما في الحديث، وهو المرجح. وهل يشترط أن يأتي بسبعة أنواع منه؟ فيه وجهان، قال الرافعي: أقربهما: نعم، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقن العاجز عقب الذكر المتقدم: (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن). والثاني: لا تلزمه الإضافة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الكلمات الخمس لما سئل عما يجزئ، ولأنه بدل من غير الجنس، فجاز أن ينقص عن أصله كالتيمم، بخلاف القرآن فإنه بدل من الجنس. تنبيهات: أحدها: ادعى ابن الرفعة أنه لا خلاف أن معرفة بعض آية كالعدم، وفي إطلاقه نظر ظاهر؛ فإن بعض الآية قد يفيد معنى منتظمًا كآية الدين، وكقوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} إلى قبيل آخرها، بل هو أولى بالاعتبار من آية كاملة قصيرة، وكقوله سبحانه: {ثم نظر}. الثاني: الدعاء المحض، في إغنائه عن الذكر تردد للشيخ أبي محمد، والمختار في (النهاية) و (البسيط)، ورجحه في (التحقيق): أنه إن تعلق بأمور الآخرة .. أجزأ، وإلا .. فلا. قال الشيخ: وفي هذا خروج عن الحديث بالكلية، والمختار: أنه لا يقوم مقام الذكر.

وَلاَ يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ عَنِ (الْفَاتِحَةِ) فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: يشترط في الذكر المأتي به أن لا يقصد به غير البدلية. وفي اشتراط قصد البدلية وجهان، أصحهما: لا يشترط، فلو أتى بدعاء الاستفتاح والتعوذ وقصد به البدلية .. أجزأه عن (الفاتحة)، وإن قصد الاستفتاح والتعوذ .. فلا، وإن لم يقصد شيئًا .. أجزأه على الأصح. قال: (ولا يجوز نقص حروف البدل عن (الفاتحة) في الأصح) سواء كان البدل قرآنًا أو ذكرًا، كما لا يجوز النقص عن آياتها. والمراد: أن لا ينقص المجموع عن المجموع، لا أن كل آية أو نوع ذكر قدر آية من (الفاتحة)، حتى يجوز جعل آيتين مقام آية من (الفاتحة). وقيل: يشترط أن تعدل حروف كل آية حروف آية من (الفاتحة) أو أطول وهو بعيد، ولم يشترطوه في الذكر. ومقابل كلام المصنف: أنه لا يشترط عدد حروف الآية أصلًا، بل يكفي سبع آيات قصارًا كن أو طوالاً، كما يكفي أن يصوم يومًا قصيرًا عن يوم طويل. فإن عجز عن الذكر بالعربية .. ترجمه كما سيأتي. هذا كله إذا عجز عن (الفاتحة) بجملتها، فلو كان يحسن بعضها: فإن لم يحسن للباقي بدلًا .. كرر ما يحسنه مرة أو مرات حتى يبلغ قدر (الفاتحة)، وإن أحسن .. فقولان أو وجهان: أحدهما: هذا؛ لأنه أقرب إليها. وأصحهما: أنه يأتي به ويضيف إليه من الذكر قدر ما تتم به (الفاتحة)؛ لأن الشيء لا يكون أصلًا وبدلًا. ويجب رعاية الترتيب، فإن كان الذي يحفظه الأول .. بدأ به وختم بالذكر، وإن كان غير الأول .. بدأ بالذكر وأتى بالذي يحفظه في محله. ولا يأتي بالذكر إلا إذا كان عاجزًا عن جميع القرآن.

فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا .. وَقَفَ قَدْرَ (الْفَاتِحَةِ). وَيُسَنُّ عَقِبَ (الْفَاتِحَةِ): آمِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن لم يحسن شيئًا .. وقف قدر (الفاتحة))؛ لأنه كان يلزمه عند القدرة على القراءة قيام وقراءة، فإذا فات أحدهما .. بقي الآخر. ومثل هذا من لا يحسن التشهد والقنوت .. فإنه يمكث بقدرهما، ولهذا عد القنوت وقيامه، والتشهد الأول وقعوده مما يسجد لكل منهما عند السهو. فإن قيل: القيام إنما وجب للقراءة فيسقط بسقوطها .. قلنا: القيام وجب عندنا؛ لنفسه على الأصح. وهل يندب أن يزيد في القيام قدر سورة؟ لا نقل في ذلك، ولا يبعد القول به. وقال أبو حنيفة: إذا عجز عن القرآن .. قام ساكتًا، ولا يجب الذكر. وقال مالك: لا يجب الذكر ولا القيام. فرع: الأخرس يجب عليه أن يحرك لسانه بالتكبير والتشهد؛ لأن ذلك يتضمن نطقًا وتحريك لسان، فالقدر الذي تعذر .. جعلناه عفوًا، وما يقدر عليه لابد من الإتيان به، قاله الجمهور ولو لم يرتضه الإمام والغزالي. ويشكل عليه أن من لا يشعر برأسه .. يستحب إمرار الموسى عليه ولا يجب، وكذلك المريض إذا اعتقل لسانه .. يجري الأفعال على قلبه ولم يأمروه بتحريك اللسان. قال: (ويسن عقب (الفاتحة): آمين) سواء كان في الصلاة أم خارجها، وهو في الصلاة أشد استحبابًا. روى أبو داوود [929] والترمذي [248] والدارقطني [1/ 335] وابن حبان [1805] عن وائل بن حجر قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قال: ({ولا الضالين}) .. قال: (آمين)، ومذ بها صوته. وروى الدارقطني [1/ 335] والحاكم [1/ 223] وابن حبان [1806] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إا فرغ من قراءة (أم القرآن) .. رفع صوته، وقال: (آمين).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى البخاري [782] عن أبي هريرة: (إذا قال الإمام: {ولا الضالين} .. فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة .. غفر له ما تقدم من ذنبه). وقوله: (عقب) بفتح العين وكسر القاف بعدها باء موحدة، ويجوز ضم العين وإسكان القاف. وأما قول كثير من الناس: عقيب بياء بعد القاف .. فهي لغة قليلة. والمعنى في ذلك كله: أن يكون بعده غير متراخ عنه، وإن كان يتسحب بين قوله: {ولا الضالين} و (آمين) سكتة قليلة لطيفة؛ ليعلم أن (آمين) ليست بقرآن، فمراد المصنف بـ (العقب): هذا. ولا يفوت التأمين إلا بالشروع في السورة أو الركوع. و (آمين): اسم فعل بمعنى استجب، وهي مبنية على الفتح مثل: كيف وأين.

خَفِيفَةَ الْمِيمِ بِالْمَدِّ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ، وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَامِينِ إِمَامِهِ، وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (خفيفة الميم بالمد) هذه اللغة الفصيحة المشهورة. قال الشاعر [من البسيط]: آمين آمين لا أرضى بواحدة .... حتى أبلغها ألفين آمينا قال: (ويجوز القصر)؛ لأنه لا يخل بالمعنى، وحكى الواحدي مع المد لغة ثالثة وهي: الإمالة، ورابعة وهي: التشديد؛ أي: قاصدين، والمشهور: أنها لحن هنا. واختلفوا في بطلان الصلاة بها، فذهب المتولي والروياني إلى ذلك. وقال الشيخان أبو محمد ونصر المقدسي: لا تبطل بذلك وإن تعمد، ورجحه المصنف. قال في (الأم): ولو قال: آمين رب العالمين، وغير ذلك من الذكر .. كان حسنًا. قال: (ويؤمن مع تأمين إمامه)؛ ليوافق تأمين الملائكة المقتضية: مغفرة ما تقدم من الذنوب. قال الشيخ: والظاهر أن المراد: الموافقة في الزمان لا في الصفات من الإخلاص وغيره، وفي ذلك مزية عظيمة ودرجة رفيعة للإمام تقتضي: التهالك على الإمامة لينال هذا الأجر العظيم. فإن لم تتفق موافقته .. أمن عقبه، فإن لم يؤمن الإمام أو لم يسمعه أو لم يدر: هل أمن أو لا؟ .. أمن هو. ولو أخر الإمام التأمين عن الوقت المستحب فيه .. أمن المأموم. قال: (ويجهر به في الأظهر) المراد: أن الإمام والمأموم والمنفرد يجهرون بالتأمين في الصلوات الجهرية؛ للأحاديث المتقدمة. قال البخاري: قال عطاء: أمن ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد

وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ (الْفَاتِحَةِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ للجة، وتقدم أن تعليقات البخاري بصيغة الجزم كهذا صحيحة عنده وعند غيره. وقال عطاء: أدركت مئتين من الصحابة في هذا المسجد- يعني: المسجد الحرام- إذا قال الإمام: {ولا الضالين} .. رفعوا أصواتهم بآمين، رواه ابن حبان في (ثقاته) [6/ 265]. وهذا هو القديم، والمسألة مما يفتى به على القديم، ولأن تأمين المأموم ليس هو لقراءة نفسه، إنما هو لقراءة الإمام، فيتبعه في الجهر كما يتبعه في التأمين. والثاني- وهو الجديد-: لا يجهر المأموم كما لا يجهر بالتكبير، أما المنفرد والإمام .. فيجهران قطعًا. والسرية فيها جميعهم كالقراءة. والثالث: إن جهر الإمام .. أسر بالقياس على التكبير، وإلا .. فيجهر. وهذه الأقوال محلها: إذا أمن الإمام، فإن لم يؤمن .. استحب للمأموم التأمين جهرًا بلا خلاف؛ ليسمعه الإمام فيأتي به. وينبغي أن يستثنى من ذلك المرأة والخنثى، فيأتي في تأمينهما ما في جهرهما بالقراءة كما سيأتي. قال: (وتسن سورة بعد (الفاتحة))؛ لما روى الشيخان [خ776 - م451] عن أبي قتادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بـ (أم الكتاب) وسورتين، وفي الأخريين بـ (أم الكتاب)، ويسمعنا الآية أحيانًا، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وكذا في العصر). وإنما لم تجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أم القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها منها عوضًا) رواه الحاكم [1/ 238] وقال: على شرط الشيخين. وأصل السنة يتأدى بقراءة شيء من القرآن، لكن السورة القصيرة أولى من قدرها من الطويلة، هذه عبارة (الشرح) و (الروضة) و (شرح المهذب). وفي (الشرح الصغير): أفضل من بعض طويلة وإن طال، وهذا هو الصواب،

إِلاَّ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قضية إطلاق الأكثرين، ونقله ابن الأستاذ صريحًا عن البغوي. ويجوز أن يجمع بين سورتين فأكثر في ركعة واحدة، والسنة أن يقرأ على ترتيب المصحف، فإن خالف ذلك .. خالف السنة ولا شيء عليه. لكن يستثنى صلاة فاقد الطهورين، وصلاة الجنازة. وقول المصنف: (بعد (الفاتحة)) يفهم: أنه لو قرأها قبلها .. لم يعتد بها، وهو كذلك على الصحيح. ويجوز في السورة الهمز، وتركه وهو أشهر. فرع: لو كرر (الفاتحة) وقلنا: لا تبطل صلاته .. لم تحسب المرة الثانية عن السورة بلا خلاف؛ لأن الشيء الواحد لا يؤدى به فرض ونفل في محل واحد، كذا قاله في (شرح المهذب). ويرد عليه: أنا عهدنا ذلك فيما إذا اغتسل للجنابة والجمعة، ولهذا صرح شارح (التعجيز) بأنها تحسب، خلافًا للمتولي. ولو فرق بين من يحسن السورة فلا تجزئ، ومن لا يحسن إلا (الفاتحة) فتحسب .. لكان له وجه. قال: (إلا في الثالثة والرابعة في الأظهر) وهو القديم، وأفتى به الأكثرون، ويدل له حديث أبي قتادة المتقدم. والثاني- وهو نص (الأم)، وصححه أكثر العراقيين والبيضاوي في (شرح التبصرة)، واختاره الشيخ-: أنها تسن فيهما أيضًا، إلا أنها تكون أقصر؛ لما روى مسلم [452]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية- أو قال- قدر نصف ذلك). وثبت في (الموطأ) [1/ 79] عن أبي عبد الله الصنابحي أنه صلى وراء أبي بكر الصديق المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بسورتين من قصار المفصل، ثم قام في

قُلْتُ: فَإِنْ سُبِقَ بِهِمَا .. قَرَأَهَا فِيهِمَا عَلَى النَّصِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ولاَ سُورَةَ لِلْمَامُومِ، بَلْ يَسْتَمِعُ، فَإِنْ بَعُدَ أَوْ كَانَتْ سِرِّيَّةً .. قَرَأَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه، فسمعته قرأ بـ (أم الكتاب)، وبهذه الآية: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}. قال: (قلت: فإن سبق بهما .. قرأها فيهما على النص والله أعلم)؛ لئلا تخلو صلاته عن قراءة سورة. وقيل: لا، كما لا يجهر فيهما. والفرق على المشهور: أن السنة في آخر الصلاة الإسرار بخلاف القراءة؛ فإنا لا نقول: إنه يسن تركها، بل لا يسن فعلها. وفرق قوم بأن القراءة سنة مستقلة، والجهر صفة للقراءة فكانت أخف. قال: (ولا سورة للمأموم، بل يستمع)؛ لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له}. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم خلفي .. فلا تقرؤوا إلا بأم القرآن) حسن صحيح. وروى عبادة بن الصامت قال: كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ .. قال: (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)، قلنا: نعم، هذا يا رسول الله، قال: (لا تفعلوا إلا بـ (فاتحة الكتاب)؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) رواه أبو داوود [819] والترمذي [311] والدارقطني [1/ 318] والحاكم [1/ 238] وابن حبان [178]. قال: (فإن بعد أو كانت سرية .. قرأ في الأصح)؛ لانتفاء المعنى. وكذلك حكم الأصح. والثاني: لا؛ لإطلاق الخبر. والمراد بـ (السماع): سماع الكلمات مفسرة، فلا اعتبار بسماع الهيمنة. فرع: المرأة إذا أمت أو صلت منفردة .. تجهر إن لم تكن بحضرة الأجانب، لكن دون

وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَضَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ، وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جهر الرجل، وتسر إن كان ثم أجانب. وقيل: تسر مطلقًا. وحيث قلنا: تسر، فجهرت .. لا تبطل صلاتها. والخنثى كالمرأة، قاله في (الروضة). وقال في (شرح المهذب): الصواب: أنه يسر بحضرة الرجال والنساء. ومن قضى فائتة في مثل وقتها .. لم يغير هيئة القراءة من جهر أو إسرار. وإن قضى فائتة الليل نهارًا أو بالعكس .. فالأصح: أن العبرة بوقت الأداء، ورجح القفال والماوردي وقت القضاء، واختاره الشيخ. هذا كله في غير الصبح، أما الصبح .. فوقتها وقت جهر، فإذا قضاها فيه أو في الليل .. جهر، وإن قضى فيه مغربًا أو عشاء .. جهر، وإن قضى فيه ظهرًا أو عصرًا أو قضى الفجر فيما بين طلوع الشمس وغروبها .. فعلى الوجهين. قال: (ويسن للصبح والظهر طوال المفصل، وللعصر والعشاء أوساطه، وللمغرب قصاره)؛ لما روى أحمد [2/ 329 - 330] والنسائي [2/ 167] وابن حبان [1837] عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: (ما رأيت رجلًا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان) لإمام كان في المدينة. قال سليمان: فصليت خلفه، فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، وكان يقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في الأوليين من العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الغداة بطوال المفصل. وفي (صحيح مسلم) [457]: (أنه صلى عليه وسلم قرأ في الصبح بـ (ق والقرآن المجيد)). قال الترمذي [306]: وكان ذلك في الركعة الأولى، و (قرأ فيها بـ (الواقعة))، كما أشار إليه الترمذي. والمستحب أن تكون القراءة في الصبح أطول منها في الظهر، فإن خالف ذلك ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جاز؛ لما روى أبو داوود [812]- بإسناد صحيح-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح: (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما). وفي (الصحيحين) [خ765 - م463]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ (الطور))، و (فيهما أيضًا [خ763 - م462] بـ (المرسلات))، وتقدم: (أنه قرأ فيها بـ (الأعراف)) [خ764]. وأوساط المفصل كـ (الجمعة)، و (المنافقين)، و (سبح اسم ربك الأعلى)، (والليل إذا يغشى). و (طوال) بكسر الطاء. ويستثنى- من إطلاق المصنف- المسافر، فيستحب له أن يقرأ في الصبح بـ (قل يا أيها الكافرون)، و (قل هو الله أحد)، كذا في (الإحياء) و (الخلاصة) و (عقود المختصر). وروى أحمد في (مسنده) [4/ 144] من حديث عقبة بن عامر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في صلاة الصبح في السفر). و (المفصل): المبين المميز، قال تعالى: {كتب فصلت ءايته} أي: جعلت تفاصيل في معاني مختلفة: من حكم، وأمثال، ومواعظ، ووعد ووعيد، وحلال وحرام. وقيل: سمي بذلك؛ لكثرة الفصول بين السور. وقيل: لقلة المنسوخ فيه. وآخره: {قل أعوذ برب الناس}، وفي أوله عشرة أقوال للسلف: الأول: (الجاثية). الثاني: (القتال). الثالث: (الحجرات). الرابع: (ق). الخامس: (والصافات). السادس: (الصف). السابع: (تبارك)، حكاها ابن أبي الصيف اليمني.

وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ: (آلمَ تَنْزِيلُ)، وَفي الثَّانِيةِ: (هَلْ أَتى) ـــــــــــــــــــــــــــــ الثامن: (إنا فتحنا)، حكاه الدزماري. التاسع: (سبع) حكاه ابن الفركاح. العاشر: (الضحى)، حكاه الخطابي في (غريبه). قال: (ولصبح الجمعة: (الم تنزيل)، وفي الثانية: (هل أتى))؛ لما روى الشيخان [خ891 - م1880] عن أبي هريرة، ومسلم [879] من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل). فإن اقتصر على بعضها أو قرأ غيرها من السجدات .. خالف السنة. وعن ابن أبي هريرة: (لا تستحب المداومة عليها). وقيل للفقيه عماد الدين ابن يونس: إن العامة صاروا يرون قراءة (السجدة) يوم الجمعة واجبة، وينكرون على من تركها، فقال: يقرأ في وقت ويترك في وقت؛ ليعرفوا أنها غير واجبة. وفي (فضائل الأوقات) للبيهقي عن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أفضل الصلاة عند الله تعالى صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة). وقوله: (تنزيل) مرفوع على حكاية التلاوة. و (سورة السجدة) ثلاثون آية مكية، وفي (مسند الدارمي) [3454] و (الترمذي) [2892] عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأها و (تبارك الذي بيده الملك)). فائدة: قال ابن عبد السلام: القرآن ينقسم إلى فاضل ومفضول، كآية الكرسي

الْخَامِسُ: الرُّكُوعُ. وَأَقَلُّهُ: أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (تبت)، فالأول كلام الله عز وجل في الله، والثاني كلامه في غيره، فلا ينبغي أن يداوم على قراءة الفاضل ويترك المفضول؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولأنه يؤدي إلى هجران القرآن ونسيانه. وروى أبو داوود [1324]- بإسناد صحيح- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بلالاً يقرأ من ههنا ومن ههنا، فسأله عن ذلك، فقال: أخلط الطيب بالطيب، فقال عليه الصلاة والسلام: (أحسنت). ويستحب للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة .. أن يسأل الله تعالى الرحمة، أو بآية عذاب .. أن يسبح، أو بآية مثل .. أن يتفكر، وإذا قرأ: {أليس الله بأحكم الحكمين}؟ .. قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ: {فبأي فحديث بعده يؤمنون}؟ .. قال: آمنت بالله، والمأموم يفعل ذلك لقراءة إمامه على الصحيح. قال: (الخامس: الركوع)؛ لقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا). قال: (وأقله) أي: للقائم (أن ينحني قدر بلوغ راحتيه ركبتيه) أي: لو أراد وضعهما عليهما؛ لأنه بدون ذلك لا يسمى راكعًا، ولابد من اعتدال اليدين والركبتين في الطول. فلو طالت يداه أو قصرتا أو قطع شيء منهما .. لم يعتبر ذلك. وشرطه أن يبلغ ذلك بالانحناء الصرف.

بِطُمَانِينَةٍ بِحَيْثُ ينْفَصِلُ رَفْعُهُ عنْ هَوِيِّهِ، وَلاَ يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ. فَلَوْ هَوَى لِتِلاَوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا .. لَمْ يَكْفِ. وَأَكْمَلُهُ: تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب .. لم يكن ذلك ركوعًا وإن كان بحيث لو مد يديه لنالتا ركبتيه؛ لأن ذلك لم يكن بالانحناء. فلو لم يقدر على المذكور أولًا إلا بمعين .. لزمه. و (الراحة): بطن الكف، وجمعها: راح. وظاهر عبارته عدم الاكتفاء بالأصابع. قال: (بطمأنينة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا). ورأى حذيفة رجلًا لا يتم الركوع، فقال: (ما صليت، ولو مت .. مت على غير الفطرة التي فطر الله محمد صلى الله عليه وسلم عليها) رواه البخاري [791]. قال: (بحيث ينفصل رفعه عن الهوية) أي: سقوطه. هذا بيان حقيقة الطمأنينة، وهي: سكون بعد حركة. و (الهوى) بضم الهاء وفتحها، والفتح أشهر. ولا تقوم زيادة الهوى مقام الطمأنينة. قال: (ولا يقصد به غيره) أي: غير الركوع. فيجب عدم الصرف لا قصد الركوع. قال: (فلو هوى لتلاوة فجعله ركوعًا .. لم يكف)؛ لأنه صرفه إلى غير الواجب. أما قصد الركوع وسائر الأركان .. فلا يشترط؛ لدخوله في عموم نية الصلاة. قال: (وأكمله تسوية ظهره وعنقه)، فيجعلهما كالصفيحة؛ لما روى مسلم [498] عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع .. لم يشخص رأسه ولم

وَنَصْبُ سَاقَيْهِ، وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، وَتفْرِقَهُ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هَوِيِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يصوبه، ولكن بين ذلك)، وسيأتي في آخر (شروط الصلاة) الكلام على شيء من هذا. قال: (ونصب ساقيه)؛ لأن أعون. والمراد: نصبهما إلى حقوبه، ولا يستثنى ركبتيه. وكان ينبغي أن يقول: وفخذيه؛ فإن الساق إلى الركبة فقط. والساق مؤنثة، وجمعها: سوق وأسوق. قال: (وأخذ ركبتيه بيديه)؛ لما روى البخاري [828] عن أبي حميد الساعدي: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ركع، فمكن يديه من ركبتيه). ولفظ أبي داوود [730]: (ووضع يديه على ركبتيه). وفي (الصحيحين) [خ790 - م535] عن سعد بن أبي وقاص: (كنا نطبق في الركوع، فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب). و (التطبيق): أن يجعل بطن إحدى كفيه على بطن الأخرى، ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه. فلو لم يمكن وضعهما على ركبتيه .. أرسلهما، فإن كانت إحدى يديه مقطوعة أو عليلة .. فعل بالأخرى ما أمرنا. قال: (وتفرقة أصابعه)؛ لحديث وائل بن حجر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع .. فرج أصابعه، وإذا سجد .. ضمها) رواه البيهقي [2/ 112] وصححه ابن حبان [1920]، ولأن التفريق أعون. وشذ الغزالي وإمامه فقالا: يتركها على هيئتها. قال: (للقبلة)؛ لأن ذلك ثبت في السجود، فقسنا عليه هذا. قال: (ويكبر في ابتداء هويه)؛ لما روى الشيخان [خ803 - م392] عن أبي هريرة أنه كان يكبر في الصلاة كلها، ويقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي كذلك).

وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ، وَيَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ والجديد: أنه يمد هذا التكبير، وغيره من تكبيرات الانتقالات إلى أن يحصل في الركن المنتقل إليه، حتى لا يخلو جزء من صلاته عن ذكر، وسيأتي ذكره في الرفع من السجود. قال: (ويرفع يديه)؛ لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه منه، وكان لا يفعل ذلك في السجود) رواه الشيخان [خ735 - م390] وغيرهما. وقد رد البخاري على منكري الرفع، وقال: روى هذه السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصحابة، وأنه لم يثبت عن أحد منهم عدم الرفع. وكان الأوزاعي يرفع يديه، والثوري لا يرفعهما، فتكلما في ذلك بمنى، فقال الأوزاعي للثوري: قم بنا إلى مقام نلتعن أينا على الحق، فامتنع الثوري من ذلك. وكيفية الرفع: أن يبدأ به وهو قائم مع ابتداء التكبير، فإذا حاذى بكفيه منكبيه .. انحنى. قال: (كإحرامه) أي: بحيث تحاذي كفاه منكبيه، فيبتدئ به قائمًا مع ابتداء التكبير، فإذا حاذى كفاه منكبيه .. انحنى، وليس المراد: مجيء الخلاف في الابتداء والانتهاء، وكذلك يرفعهما إذا صلى جالسًا أو مضطجعًا. قال: (ويقول: (سبحان ربي العظيم))؛ لما روى مسلم عن حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك). وروى أحمد [4/ 155] وأبو داوود [865] وابن ماجه [887] وابن حبان [1898] والحاكم [1/ 225] أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} .. قال: (اجعلوها في ركوعكم)، ولما نزل قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} .. قال: (اجعلوها في سجودكم).

ثَلاَثًا، وَلاَ يَزِيدُ الإِمَامُ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: (اللَّهُمَّ؛ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي، وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي) ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يضيف إليها: وبحمده. قال الإمام فخر الدين: (الجليل): الكامل في الصفات، و (الكبير): الكامل في الذات، و (العظيم): الكامل فيهما. قال: (ثلاثًا)؛ لما روى ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع أحدكم فقال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات .. فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات .. فقد تم سجوده، وذلك أدناه)، وهو إن كان مرسلًا .. فقد اعتضد بفتوى أكثر أهل العلم. فلو اقتصر على مرة في الركوع، ومرة في السجود .. أدى أصل السنة، إلا أن المستحب أن لا ينقص عن ثلاث. ثم الكمال درجات أعلاها: إحدى عشرة أو تسع، وأوسطها: خمس، واختار الشيخ: أنه لا يتقيد بعدد، بل يزيد في ذلك ما شاء، وكذلك الزيادة في الدعاء، ففي (صحيح مسلم) [772] عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه قرأ في ركعة البقرة والنساء وآل عمران، ثم ركع نحوًا من قيامه، ثم قام قريبًا مما ركع). قال: (ولا يزيد الإمام) خشية التطويل على المأمومين، إلا إذا كانوا محصورين ورضوا به. وقيل: يزيد إلى خمس. قال: (ويزيد المنفرد: (اللهم؛ لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي وعصبي، وما استقلت به قدمي))؛ تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه مسلم [771] إلا: (وما استقلت به قدمي) فهذه في (ابن حبان) [1901]، وزاد الشافعي [شم1/ 38]: وشعري وبشري. ويكره أن يقرأ القرآن في الركوع والسجود؛ لما روى مسلم [479] أن النبي صلى الله

السَّادِسُ: الاِعْتِدَالُ قَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم قال: (ألا، وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا وساجدًا)، وكذلك الحكم فيما عدا القيام. ويستحب أن يزيد في الركوع والسجود ما رواه الشيخان [خ794 - م484] عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي). و (الاستسلام): الانقياد والطواعية لأوامر الله، والرضا بقضائه. قال عمر بن عبد العزيز: ما قضى الله في بقضاء فسرني أن يكون قضى لي بغيره، وما أصبح لي هوى إلا في مواقع قدر الله. و (قدمي) في لفظ المصنف بلفظ الإفراد، ولا يصح فيها التشديد على أنه مثنى، لفقدان ألف الرفع. و (القدم) مؤنثة، قال الله تعالى: {فتزل قدم بعد ثبوتها}. قال: (السادس: الاعتدال قائمًا) أي: على الحالة التي كان عليها قبل الركوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (حتى تتعدل قائمًا). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره من الركوع والسجود) رواه أبو داوود [851] وغيره، وقال الترمذي [265]: حسن صحيح. هذا في صلاة الفرض، أما الاعتدال من الركوع والسجود في النفل .. ففي وجوبه وجهان، وأجراهما القفال في الجلوس بين السجدتين بناء على الخلاف: فيما لو صلى القادر النفل قاعدًا أو مضطجعًا، وصحح المصنف وجوبه. وقال أبو حنيفة: لا يجب الاعتدال، فلو انحط من الركوع إلى السجود .. أجزأه وعن مالك روايتان كالمذهبين.

مُطْمَئِنّا، وَلاَ يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ .. لَمْ يَكْفِ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَاسِهِ قَائِلًا: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (مطمئنًا)؛ قياسًا على الركوع، وقال الإمام: في قلبي منه شيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لها هنا، وبين السجدتين في خبر المسيء صلاته، وهما ركنان قصيران. والجواب: أن ابن حبان رواها في (صحيحه) [1787]، والشافعي في (الأم) [1/ 102] وابن عبد البر في (التمهيد) [9/ 183] ولفظه: (حتى تطمئن قائمًا)، والصواب: وجوبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمئن، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). قال: (ولا يقصد به غيره، فلو رفع فزعًا من شيء .. لم يكف)؛ لأنه صارف كما تقدم. و (الفزع): الذعر، قال الله تعالى: {ففزع من في السموات ومن في الأرض}. ويجوز في لفظ المصنف فتح الزاي على أنه مصدر مفعول لأجله، والكسر على أنه اسم فاعل منصوب على الحال. قال: (ويسن رفع يديه مع ابتداء رفع رأسه)؛ لما تقدم في حديث ابن عمر وغيره. قال: (قائلًا: (سمع الله لمن حمده))، ففي (الصحيحين) [خ734 - م675] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يرفع صلبه من الركوع: (سمع الله لمن حمده)، ثم يقول وهو قائم: (ربنا ولك الحمد)، ويبتدئ به مع ابتداء رفع الرأس واليد. ومعنى (سمع الله لمن حمده): أجاب الله حمد من حمده، وقيل: غفر له. ولو قال: من حمد الله سمع له، أو لك الحمد ربنا .. قال في (الأم): أجزأه. والأول أولى، والفرق بينهما وبين أكبر الله: أن ذلك لا يسمى تكبيرًا.

فَإِذَا انْتَصَبَ .. قَالَ: (رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: (أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدَ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإذا انتصب .. قال: ((بنا لك الحمد))؛ للحديث المذكور. ويجهر الإمام والمبلغ عنه بالتسميع فقط كالتكبير؛ لأنه ذكر الانتقال، أما التحميد .. فهو تسبيح الانتقال مثل: سبحان ربي العظيم والأعلى. واقتصر المصنف والجمهور على: ربنا لك الحمد بلا واو، وأكثر الروايات بالواو، وقال في (الأم): وهو أحب إلي. وزاد المصنف في (التحقيق): (حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه)، ولم يذكره الجمهور وهو في (البخاري) [799] من رواية بن رافع، وفيه: (أنه ابتدر ذلك بضعة وثلاثون ملكًا يكتبونه)، وذلك أن عدد حروفها بضعة وثلاثون حرفًا. وأغرب المصنف في (شرح المهذب) فقال: لا يزيد الإمام على: ربنا لك الحمد، إلا برضا المأمومين، وهو مخالف لما في (الروضة) و (التحقيق). قال: ((ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)) رواه مسلم أيضًا [476]. و (ملء) يجوز فيه الرفع على الصفة، والنصب على الحال؛ أي: مالئا لو كان جسمًا. وقوله: (من شيء بعد) أي: كالكرسي وغيره، مما لا يعلمه إلا الله. قال: (ويزيد المنفرد: (أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) رواه مسلم [477]. وإنما لم يستحب ذلك للإمام؛ لما فيه من التطويل.

وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ: (اللَّهُمَّ؛ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ...) إِلَى آخِرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (أهل) منصوب على النداء، و (الثناء): المدح، و (المجد): العظمة، وقال الجوهري: الكرم. و (أحق ما قال العبد) مبتدأ خبره: (لا مانع لما أعطيت) إلى أخره، وما بينهما اعتراض. وإثبات ألف (أحق) وواو (وكلنا) هو المشهور، ويقع في كتب الفقهاء حذفهما، والصواب: إثباتهما كما رواه مسلم [477] وسائر المحدثين، كذا قاله المصنف، واعترض عليه بأن النسائي روى حذفهما [سك 1382]. و (الجد) بفتح الجيم: الحظ والغنى. وروى بالكسر، وهو: الاجتهاد. والمعنى: لا ينفع ذا الحظ في الدنيا حظه في العقبى، إنما تنفعه طاعتك. قال الأزهري: و (منك) هنا بمعنى: عندك. قال: (ويسن القنوت في اعتدال ثانية الصبح)؛ لقول أنس: (ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا)، صححه الحاكم والبيهقي [2/ 201] وأحمد [3/ 162] والدارقطني [2/ 39] وجماعة من الحفاظ، وعمل به الخلفاء الراشدون. وأما كونه بعد الركوع .. فقال البيهقي: إنه رواته أكثر وأحفظ، فهو أولى. فلو قنت قبل الركوع .. لم يجزئه ويسجد للسهو، وقيل: يجزئه، وقيل: تبطل صلاته كما لو نقل التشهد وهو غلط. قال: (وهو: (اللهم؛ اهدني فيمن هديت ..) إلى آخره) أي: (وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت)، كذا صح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الحسن بن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ذلك، رواه أبو داوود [1420] عن أبي الحوراء- بالحاء والراء المهملتين وهو فرد في الأسماء- عن الحسن مكبرًا، ووقع في (الكفاية) عن الحسين مصغرًا، ووقع له نظير ذلك في (العدد) كما سيأتي. قال الرافعي: وزاد بعض العلماء فيه: (ولا يعز من عاديت) قبل: (تباركت وتعاليت)، وبعده: ولك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك، ولم يستحسن القاضي أبو الطيب: ولا يعز من عاديت؛ لأن العداوة لا تضاف إلى الله تعالى، ورد عليه بقوله تعالى: {فإن الله عدو للكافرين}. وظاهر عبارة المصنف أن هذه اكلمات متعينة للقنوت، وهو وجه اخاره الغزالي قياسًا على التشهد، والأصح: أنها لا تتعين. فلو قنت بآية من القرآن تضمنت دعاء أو شبهه ناويًا بذلك القنوت .. أجزأ، وإن لم تتضمنه كآية الدين و {تبت يدا أبي لهب} .. لم يكن ذلك قنوتًا على الصحيح. ولو قنت بالمنقول عن عمر .. كان حسنًا، وهو: (اللهم؛ إنا نستعينك ونستهديك ..) إلى آخره. ويستحب الجمع بينهما للمنفرد، ويؤخر قنوت عمر على الأصح، فإن اقتصر على أحدهما .. فعلى الأول. وكان الشيخ أبو محمد يقول في دعاء قنوت الصبح: اللهم؛ لا تعقنا عن العلم بعائق، ولا تمنعنا منه بمانع. وقال في (الإقليد): (الذكر الوارد في الاعتدال لا يقال مع القنوت؛ لأنه يطول وهو ركن قصير، وعمل الأئمة بخلافه لجهلهم بفقه الصلاة، فإن الجمع إن لم يكن مبطلًا .. فلا شك في كونه مكروهًا) اهـ

وَالإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. وَالصَّحِيحُ: سَنُّ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والصواب: الجمع بينهما، نص عليه البغوي ونقله عن النص، وفي (العمدة) نحوه. قال: (والإمام بلفظ الجمع)؛ حتى لا يخص نفسه بالدعاء، ففي (سنن أبي داوود) [92] و (الترمذي) [357] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤم عبد قومًا، فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل ذلك .. فقد خانهم)، ومقتضى كلام (الأذكار) اطراده في كل الأدعية، وبه صرح في (الإحياء)، ونقله ابن المنذر عن النص، إلا ما ورد السنة فيه بالإفراد كقوله: (اللهم؛ باعد بيني وبين خطاياي)، (اللهم؛ اغسلني من خطاياي)، والدعاء بين السجدتين .. فيفرده؛ لأن الجميع مأمورون بقوله هناك. قال: (والصحيح: سن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخره)؛ لأن ذلك ورد في رواية في حديث الحسن في (النسائي) [3/ 248] بإسناد حسن، ولفظه: (وصلى الله على النبي). وروى ابن حبان [3382] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول لك: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم، قال: إذا ذكرت .. ذكرت معي). ولم يذكر المصنف الآل، وفي (الأذكار) [42]: يستحب أن يقول: اللهم؛ صل على محمد، وعلى آل محمد وسلم، وفي (حيلة الروياني) نحوه. والوجه الثاني: لا تجوز، فإن فعلها .. بطلت صلاته؛ لأنه نقل ركنًا إلى غير موضعه، وهو شاذ بل غلط.

وَرَفْعِ يَدَيْهِ، وَلاَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ. وَأَنَّ الإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ. وَأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَامُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ورفع يديه) ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم- بإسناد حسن- في قنوته على أصحاب بئر معونة، وصح عن جماعة من الصحابة في القنوت، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. والثاني: لا يرفع- وبه قال مالك- قياسًا على سائر الأدعية في الصلاة، ولما روى الشيخان [خ1031 - م895] عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء). وذكر الرافعي في بابه: أن السنة لمن دعا برفع بلاء .. أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء، ولمن دعا لتحصيل شيء .. أن يجعل بطنهما إليها. قال: (ولا يمسح وجهه)؛ لأنه لم يثبت بذلك خبر ولا أثر. وقال أحمد: لا يعرف عن أحد أنه كان يمسح وجهه بعد الدعاء إلا الحسن. والثاني: نعم؛ لما في (أبي داوود) [1480] و (ابن ماجه) [3866] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعوت .. فادع ببطون كفيك، فإذا فرغت .. فامسح راحتيك على وجهك) لكنه ضعيف. وأما الصدر .. فلا يستحب مسحه قطعًا، بل هو بدعة منكرة. قال: (وأن الإمام يجهر به)؛ لأحاديث بئر معونة التي تأتي قريبًا. والثاني: يسر كغيره من الدعاء. أما المنفرد .. فإنه يسر به بلا خلاف. قال: (وأنه يؤمن المأموم للدعاء ويقول الثناء)؛ لما روى أبو داوود [1438] والحاكم [1/ 225] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة، إذ قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة .. يدعو على أحياء من بني

فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ .. قَنَتَ. وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليم: على رعل وذكوان وعصية، ويؤمن من خلفه). وهل يجهر المأموم بالتأمين، أو لا؟ فيه الخلاف في التأمين للقراءة. والوجه الثاني: يؤمن للدعاء والثناء؛ لإطلاق الحديث. والثالث: يتخير بين التأمين والقنوات. والرابع: يقنت. ووجه المشاركة في الثناء ظاهر، وقال الرافعي: يشاركه فيه أو يسكت. وقال في (الإحياء): يقول: صدقت وبررت، أو بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وما أشبه ذلك. وعبارة المصنف تقتضي: أنه يؤمن في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها دعاء، وبه جزم الطبري في (شرح التنبيه). قال: (فإن لم يسمعه .. قنت)، كما يشاركه في سائر الدعوات والأذكار السرية. والثاني: يؤمن. وهما كالوجهين السابقين في قراءة السورة. وإذا قلنا: يقنت .. فقياسه: أن يسر، ويأتي بلفظ الإفراد كالمنفرد، ولفظ المصنف يشعر بذلك. قال: (ويشرع القنوت) أي: يسن (في سائر المكتوبات للنازلة)، كالوباء والقحط والجراد والخوف؛ لأحاديث بئر معونة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام شهرًا يدعو عليهم، ثم ترك الدعاء عليهم، فكان إذا قال: (سمع الله لمن حمده) من الركعة الأخيرة .. يدعو عليهم، ويؤمن من خلفه. رواه أبو داوود [1438]. وقنت علي في المغرب، وأبو هريرة في الظهر والعشاء، وبه يرد على الطحاوي حيث قال: لم يقل بالقنوت في غير الصبح إلا الشافعي.

لاَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ. السَّابِعُ: السُّجُودُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكأن الحامل على القنوت في قصة بئر معونة دفع تمرد القاتل لا النظر إلى المقتولين؛ لعدم إمكان تداركهم. وفي قول: أنه لا فرق في النازلة بين العامة والخاصة، وهو المفهوم من عبارة المصنف وفيه نظر، وأفهم أنه: لا يقنت في النوافل وهو المنصوص في (الأم). قال: (لا مطلقًا على المشهور) المراد: أنه إذا لم ينزل بالمسلمين نازلة .. فالمذهب المنصوص في (الأم): لا يقنت؛ لعدم وروده. وخالفت الصبح غيرها لشرفها؛ لأنه يؤذن لها قبل الوقت وبالتثويب، ولأنها أقصر الفرائض فكانت بالزيادة أليق. ويقابل المشهور في كلام المصنف قوله في (الإملاء): إن شاء قنت فيها، وإن شاء ترك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قنت فيها وترك، والخلاف في الاستحباب. وقيل: في الجواز، وهو مقتضى كلام أكثر الأئمة. وقيل: يقنت في الجمعة والعشاء حكاه في (البحر). وقيل: إنما يقنت الإمام في الجهرية دون السرية. وإذا قنت في الجميع .. فالراجح: أنه كالصبح سرية كانت أو جهرية. ومقتضى إيراد (الوسيط): أنه يسر في السرية، وفي الجهرية الخلاف. قال: (السابع: السجود)؛ للأمر به في الكتاب والسنة. وهو في اللغة: التطامن.

وَأَقَلُّهُ: مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلاَّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأقله: مباشرة بعض جبهته مصلاه)؛ لما روى البيهقي [2/ 105]- بإسناد صحيح- عن خباب بن الأرت قال: (شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا)، وهو في (مسلم) [619] بدون جباهنا وأكفنا، ووقع في (الكفاية) و (شرح الشيخ) بهما، وهو منسوب إلى (مسلم) وهو وهم. ومعنى (لم يشكنا): لم يزل شكوانا، فلو لم تجب المباشرة بالجبهة .. لأرشدهم إلى سترها. وقال المصنف: الحديث منسوخ بأمره صلى الله عليه وسلم بالإبراد بالظهر، واستدل للاكتفاء بالبعض بأن النبي صلى الله عليه وسلم (أصبح ليلة القدر وعلى جبهته أثر الماء والطين). وقيل: لابد من السجود على جميعها. قال الشيخ: فإن أريد كشفها .. فلا دليل له صحيح. وإن أريد الموضوع فقط .. فدليله: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)، مع أن الأولى ذلك. والاقتصار على بعضها مكروه كراهة تنزيه، ولا يجزئ غير الجبهة على انفراده، كالصدغ والجبين والخد ومقدم الرأس والأنف، وإنما يجب كشف بعضها حيث لا عذر، فلو عصبها لجرح ونحوه وسجد عليها .. صح ولا إعادة عليه على المذهب حيث لا نجاسة تحت العصابة، فإن كانت غير معفو عنها .. أعاد. وفي قول: يجب وضع الأنف مع الجبهة؛ لما روى الدارقطني [1/ 348] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لا يضع أنفه على الأرض)، لكنه ضعيف. وقال أبو حنيفة: وهو مخير بين الجبهة والأنف، وله الاقتصار على أحدهما.

فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ .. جَازَ إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ. وَلاَ يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن سجد على متصل به .. جاز إن لم يتحرك بحركته)، كطرف كمه وعمامته وذيله الطويل؛ لأنه كالمنفصل. وقيل: لا يجوز كما يمنع الصحة لو كان متنجسًا. فإن تحرك بحركته في القيام والقعود أو غيرهما .. لم يجز؛ لظاهر حديث خباب. ويؤخذ من عبارة المصنف أن الامتناع على اليد من باب أولى، لكن يستثنى ما لو كان بيده عود فسجد عليه .. فإنه يجوز كما صرح به في (نواقض الوضوء) من (شرح المهذب). قال: (ولا يجب وضع يديه وركبتيه وقدميه في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}، ولأنه لو وجب وضعها .. لوجب الإيماء بها عن العجز، ولأنه النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني عبد الأشهل وعليه كساء ملتحف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصى، رواه ابن ماجه [1032]. قال المصنف: ويتصور ذلك بما إذا رفع ركبتيه وقدميه، ووضع ظهر كفيه أو حرفيهما .. فإنه في حكم رفعهما. قال: (قلت: الأظهر: وجوبه والله أعلم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء). وروي: (آراب الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين) متفق عليه [خ809 - م490]. فعلى هذا: لا يجب كشفهما، بل يكره كشف الركبتين. وفي قول: يجب كشف اليدين، وفي (شرح كفاية الصيمري): أنه يكفي كشف إحداهما، وأن الاعتبار في اليدين بباطن الكف، وفي الرجلين ببطون الأصابع، وقيل: يكفي ظهر القدمين.

وَيَجِبُ أَنْ يَطْمِئِنَّ وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ ثِقَلُ رَاسِهِ. وَأَنْ لاَ يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ .. وَجَبَ الْعَوْدُ إِلَى الاِعْتِدَالِ. وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجب أن يطمئن)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا). قال: (وينال مسجده ثقل رأسه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجدت .. فمكن جبهتك من الأرض، ولا تنقر نقرًا) رواه ابن حبان [1887]. ولابد من التحامل بحيث لو فرض تحته حشيش أو قطن .. لانكبس وظهر أثره. ومعنى (ينال): يصيب، و (مسجده) بفتح الجيم أي: محل السجود. واكتفى الغزالي وإمامه بإرخاء الرأس؛ لأن الغرض إبداء هيئة التواضع. ولو نبت على جبهته شعر فسجد عليه .. جاز بخلاف الناصية، قاله البغوي في (الفتاوى). قال: (وأن لا يهوي لغيره)؛ لما سبق. قال: (فلو سقط لوجهه .. وجب العود إلى الاعتدال) أي: ليسجد منه؛ لأنه لابد من نية أو فعل، ولم يوجد واحد منهما. هذا إذا سقط قبل الهوي، فلو هوى ليسجد فسقط على الأرض بجبهته، فإن وضع جبهته على الأرض للاعتماد .. لم يحسب عن السجود، وإلا .. حسب سواء قصد السجود أم لا؛ استصحابًا لحكم السجود. قال: (وأن ترتفع أسافله على أعاليه في الأصح)؛ لأن البراء بن عازب وضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال: (هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) رواه أبو داوود [892] والنسائي [2/ 212]، وصححه ابن حبان [1916]. وإطلاق البراء: (العجيزة) على الرجل مجاز كما سيأتي في (الجنائز).

وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ لِهَوِيِّهِ بِلاَ رَفْعٍ وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يجوز أن تستوي أسافله وأعاليه. والأصح في هذه الصورة: عدم الصحة. ولو كانت أعاليه أعلى، بأن سجد على مخدة .. فلا يصح قطعًا. هذا في المتمكن، أما من به علة تمنعه التنكيس أو الاستواء .. فلا يلزمه، لكن هل يلزمه وضع شيء يسجد عليه أو يكفيه الإيمانء؟ .. فيه وجهان، صحح في (الشرح الصغير) الأول، وقال في (الشرح الكبير): الثاني أشبه بكلام الأكثرين. ولا خلاف أنه إذا عجز عن وضع الجبهة بالأرض، وقدر على وضعها على وسادة مع رعاية التنكيس .. أنه يلزمه ذلك، ولو عجز عن الانحناء .. أشار بالرأس ثم بالطرف. قال: (وأكمله: يكبر لهوية)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع، متفق عليه [خ785 - م392]. قال: (بلا رفع)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفعل ذلك في السجود، متفق عليه [خ735 - م390]. وقيل: يرفع في كل خفض ورفع، وفيه أحاديث صحيحة، واختاره أبو بكر بن المنذر وأبو علي الطبري والروياني وبعض أهل الحديث. قال: (ويضع ركبتيه ثم يديه)؛ لقول وائل بن حجر: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد .. وضع ركبتيه قبل يديه، فإذا نهض .. رفع يديه قبل ركبتيه) رواه الأربعة، وصححه ابن خزيمة [626] وابن حبان [1912] والحاكم [1/ 226]، ولا يضره أن في سنده شريكًا القاضي وليس بالقوي؛ لأن مسلمًا روى له فهو على شرطه، لكن يعارضه ما في (أبي داوود) [836] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم .. فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل

ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، وَيَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) ثَلاَثًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ركبتيه)، وهو جيد الإسناد، وبه أخذ مالك؛ لأنه قول وأمر، وهو أقوى من الفعل. لنا: ما رواه سعد بن أبي وقاص قال: (كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين) خرجه ابن خزيمة [628] وابن حبان. وقال الخطابي: إن تقديم الركبتين أثبت من تقديم اليدين، وبه قال أكثر العلماء، وهو أرفق بالمصلي، وأحسن في الشكل ورأي العين. قال: (ثم جبهته وأنفه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رئي على جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صلاة صلاها بالناس، رواه البخاري [669] ومسلم [1167]. وهما كعضو واحد يقدم أيهما شاء، فلو خالف الترتيب المذكور .. قال الشافعي: كرهته ولا إعادة عليه. وفي (شرح التبصرة) للبيضاوي: الجزم باستحباب تقديم الجبهة على الأنف. قال: (ويقول: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثًا)؛ لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم .. فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا)، وهو مرسل اعتضد بقول الصحابة وأكثر أهل العلم. وفي (المهذب): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: (سبوح قدوس، رب الملائكة والروح)، والمراد به: جبريل عليه السلام، وقيل: ملك له مئة ألف رأس، لكل رأس مئة ألف وجه، في كل وجه مئة ألف فم، في كل فهم مئة ألف لسان يسبح الله تعالى بلغات مختلفة، وقيل: خلق من الملائكة يرون الملائكة ولا تراهم، فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم. ويستحب أن يبرز قدميه من ذيله في السجود، ويكشفهما إذا لم يكن عليهما خف.

وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: (اللَّهُمَّ؛ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آَمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال: (ويزيد المنفرد: (اللهم؛ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)) رواه مسلم [771] بهذا اللفظ. زاد في (الروضة): (بحوله وقوته) قبل: (تبارك). وخص الوجه بالذكر؛ لأنه أكرم جوارح الإنسان، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه لشيء .. فقد خضع له سائر جوارحه. وفي (المرشد) عن الشافعي أنه كان يقول: سجد وجهي حقًا حقًا، عبودية ورقًا. قال: (ويضع يديه حذو منكبيه) أي: مقابلهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، رواه أبو داوود [734] وغيره من حديث أبي حميد. وعن وائل بن حجر قال: (قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال- فلما افتتح الصلاة .. كبر ورفع يديه، فرأيت إبهاميه قريبًا من أذنيه ....) فذكر الحديث قال: (فسجد فوضع رأسه بين يديه على مقدارهما حين افتتح الصلاة). قال: (وينشر أصابعه مضمومة للقبلة)، أما النشر .. فرواه البخاري [828] من حديث أبي حميد. وأما الضم .. فرواه ابن حبان [1920] من حديث وائل بن حجر. وأما كونها للقبلة .. فرواه البيهقي [2/ 112] عن البراء بن عازب. وسئل صاحب (الحاوي الصغير) عن حكمة وضع اليدين في السجود مضمومة الأصابع، وفي التشهد منشورة، فقال: لتنصب الرحمة على أعضائه في التشهد، وفي السجود؛ لئلا تنزل على الأرض.

وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويفرق ركبتيه)، وكذا بين قدميه قدر شبر؛ لأن أبا حميد رواه، وكذا يفرج بين فخذيه نص عليه. قال: (ويرفع بطنه عن فخذيه)؛ لما روى أبو داوود [894]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد لو مرت بهيمة .. لنفذت). وروى مسلم [497]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد .. جخى) ويروى: (خوى) [سك 737]، ومعناه: رفع عضديه وجافاهما عن جنبيه، ورفع بطنه عن الأرض. قال: (ومرفقيه عن جنبيه، في ركوعه وسجوده)، أما في ركوعه .. فلا خلاف فيه، وأما في سجوده .. ففي (الصحيحين) [خ390 - م495] عن أبي حميد: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد .. فرج بين يديه حتى يرى بياض إبطيه). ويستحب: (أن يرفع مرفقيه ويعتمد على راحتيه) روى البخاري ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. وأن يرفع ظهره ولا يحدودب. ولا يرفع وسطه عن أعلاه وأسفله. قال: (وتضم المرأة)؛ لأنه أستر لها؛ لما روى البيهقي [2/ 223] مرسلًا أنه صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: (إذا صليتما .. فضما بعض اللحم إلى بعض). قال: (والخنثى)؛ احتياطًا. وقيل: هما في حقه سواء. وهذه المسألة من زياداته على (المحرر) و (الشرحين)، وكان أليق تقديم هذه الصفات على قوله: (ويقول: سبحان ربي الأعلى.

الثَّامِنُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنّاً. وَيَجِبُ: أَنْ لاَ يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ. وَأَنْ لاَ يُطَوَّلَهُ وَلاَ الاِعْتِدَالَ. وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (الثامن: الجلوس بين سجدتيه مطمئنًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا). وفي (الصحيحين) [خ793 - م498]: (كان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه .. لم يسجد حتى يستوي جالسًا). وقال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة ولا الجلوس، بل يكفي أن يرفع رأسه .. عن الأرض أدنى رفع ولو كحد السيف. قال: (ويجب: أن لا يقصد برفعه غيره)، كما تقدم في الاعتدال. قال: (وأن لا يطوله ولا الاعتدال)؛ لأنهما ركنان قصيران ليسا مقصودين لذاتهما وإن كانا فرضين. وتجب الطمأنينة فيهما ليكون على سكينة وثبات، وإنما الغرض منهما الفصل بين الركوع والسجود وبين السجدتين. فلو أطال الاعتدال حيث ورد الشرع بتطويله بالقنوت، أو في صلاة التسبيح .. لم تبطل، وإن أطاله عمدًا بالسكوت أو بذكر آخر .. فالأصح: البطلان. واختار المصنف والشيخ جواز إطالته بالذكر لما تقدم عن (صحيح مسلم): (أن النبي صلى الله عليه وسلم طوله جدًا). ولو قيل بمثل ذلك في الجلوس بين السجدتين .. لم يبعد، ففي (الصحيحين) [خ820 - م471]: (كان ركوعه عليه الصلاة والسلام وجلوسه بين السجدتين قريبًا من السواء). قال: (وأكمله: يكبر)؛ لما سبق. قال: (ويجلس مفترشًا)؛ لحديث أبي حميد. وروى البويطي عن الشافعي: أنه يجلس على عقبيه وتكون صدور قدميه على الأرض؛ لأن العبادلة كانوا يفعلون ذلك.

وَاضِعًا يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ قَائِلاً: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْمِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي). ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُولَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع لابن الرفعة وغيره وهم في العبادلة سيأتي في (دية المرأة). قال: (واضعًا يديه قريبًا من ركبتيه)؛ بحيث تساوي رؤوس الأصابع الركبتين؛ لأنه أسهل. قال: (وينشر أصابعه) أي: إلى القبلة؛ قياسًا على السجود وغيره. قال: (قائلًا: (رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني))، هذه الألفاظ السبعة رواها الحاكم [1/ 241 و271] بإسناد صحيح، وزاد في (الإحياء): (واعف عني). وروى مسلم [2697] عن طارق بن أشيم الأشجعي الصحابي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله؛ كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: (قل: اللهم؛ اغفر لي وارحمني، وعافني وارزقني؛ فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك). وأي شيء قال من الذكر .. فحسن. وفي (تحرير الجرجاني) يقول: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. وقال المتولي: يستحب للمنفرد أن يزيد على ذلك: رب هب لي قلبًا تقيًا نقيًا، من الشرك بريًا، لا كافرًا ولا شقيًا. و (الغفر): الستر. و (العافية) تقدم أنها: دفاع الله عن العبد. و (الأرزاق) نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم. قال: (ثم يسجد الثانية كالأولى) أي: في الأقل والأكمل. وإنما شرع تكرار السجود دون غيره؛ لأنه أبلغ في التواضع، ولأن الشارع أمر بالدعاء فيه وأخبر أنه حقيق بالإجابة، فيسجد ثانيًا شكرًا لله تعالى على إجابتها، كما هو المعهود فيمن سأل ملكًا فأنعم عليه. وروى: (أنه لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء فمن كان من

وَالْمَشْهُورُ: سَنُّ جَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الملائكة قائمًا .. سلموا عليه قيامًا، ثم ركعوا شكرًا لله تعالى على رؤيته صلى الله عليه وسلم، ومن كان من الملائكة راكعًا .. رفعوا رؤوسهم من الركوع وسلموا عليه، ثم سجدوا لله تعالى شكرًا على رؤيته، ومن كان منهم ساجدًا .. رفعوا رؤوسهم وسلموا عليه، ثم سجدوا ثانية شكرًا لله تعالى على رؤيته)، فلذلك صار السجود مثنى مثنى، فلم يرد الله تعالى أن يكون للملائكة حال إلا وجعل لهذه الأمة حالًا مثل حالهم، كذا قاله أبو الحسن القرطبي في كتاب (الزاهر). وجعل المصنف السجدتين ركنًا واحدًا، والصحيح في (البسيط): أنهما ركنان. قال ابن الرفعة: وتظهر فائدة الخلاف في المأموم إذا تقدم على إمامه في الأفعال أو تأخر عنه. وجزم في (الروضة) بأن أفضل الأركان: القيام، ثم السجود، ثم الركوع. وقيل: كثرة الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام. وقيل: الأفضل تطويلهما نهارًا، وتطويل القيام ليلًا؛ لأن الظلمة مانعة لرؤية ما يلهيه، حكاه الطبري شارح (التنبيه). وأفتى بعض المتأخرين بأن عشرين ركعة من قعود أفضل من عشر ركعات من قيام؛ لما في الأول من زيادة الركوع والسجود وغيره، وفي ذلك نظر؛ لأن الشرع شهد له بالمساواة. قال: (والمشهور: سن جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية في كل ركعة يقوم عنها) سواء في ذلك الفرض والنفل، والشيخ والشاب؛ لما روى البخاري [823] عن مالك بن الحويرث: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإن كان في وتر من صلاته .. لم ينهض حتى يستوي جالسًا). واحترز بـ (كل ركعة) عن سجود التلاوة، فلا تشرع له جلسة الاستراحة. ويقابل المشهور قول: أنه لا يجلس- وهو مذهب الأئمة الثلاثة- لقول وائل بن حجر: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجود .. استوى قائمًا)، ولأنها لو ندبت لكان لها ذكر مشروع، ولما أجمعنا على أنه لا ذكر فيها .. دل على أنها

التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِي عَشَرَ: التَّشَهُّدُ، وَقُعُودُهُ، وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إِنْ عَقَبَهُمَا سَلاَمٌ .. فَرُكْنَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ غير مستحبة. والعمل بالخبر الأول أولى؛ لاشتماله على زيادة. فلو لم يجلس الإمام للاستراحة، فجلس المأموم .. جاز. وقال المتولي: قدرها قدر الجلوس بين السجدتين، ويكره أن يزيد عليها. قال الشيخان: ولا يكبر تكبيرتين بلا خلاف. وفيه وجه في (الإقليد): أنه يكبرهما. والصحيح في زوائد (الروضة): أنها فاصلة بين الركعتين، وقيل: من الثانية. والمسألة في (الرافعي) كذلك. وفي (شرح المهذب): فائدة الخلاف في تعليق الطلاق على الركعة. وقال الشيخ شرف الدين البارزي: فائدته في المسبوق إذا كبر والإمام فيها، فإن قلنا: إنها مستقلة .. جلس معه كما يجلس في التشهد، وإن قلنا: إنها من الثانية .. فله أن ينتظره إلى القيام. قال: (التاسع والعاشر والحادي عشر: التشهد، وقعوده، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم). (التشهد) تفعل من الشهادة؛ لما اشتمل هذا الذكر على الشهادة لله سبحانه وتعالى بالتوحيد، والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. سمي تشهدًا من باب تسمية الشيء بأشرف ما اشتمل عليه، ولذلك سمي اللسان شاهدًا. قال: (فالتشهد وقعوده إن عقبهما سلام .. فركنان)؛ لقول ابن مسعود: كان نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل: عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا: السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله) رواه الدارقطني [1/ 350] والبيهقي [2/ 378] بإسناد صحيح، فدل على وجوب التشهد.

وَإِلاَّ .. فَسُنَّتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا ثبت وجوبه .. وجب القعود؛ لأن كل من أوجبه .. أوجب فيه القعود. وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. فلما رواه الشيخان [خ4797 - م406] عن كعب بن عجرة قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم؛ صلى على محمد، وعلى آل محمد ...) إلى آخره. وفي رواية صحيحة: (كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟). واستدل الشافعي بقول الله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}، فاقتضت الآية الوجوب، وأولى الأحوال بذلك الصلاة. وفي (مسند أبي عوانة) [2/ 224] عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيدعو ربه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم ينهض قائمًا ولا يسلم، ثم صلي التاسعة فيقعد ويحمد ربه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ويدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعناه)، وهذا مع قوله: عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) يدل على الوجوب، فخرج وجوبها في التشهد الأول بالإجماع، فبقي في الثاني على مقتضى الدليل. وفي (الشافعي) للجرجاني حكاية قول: أنها ليست ركنًا في الصلاة، واختاره ابن المنذر والخطابي، كذا نقله القاضي عياض في (الشفا) عنهما. قال: (وإلا .. فسنتان)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جبرهما بسجود السهو، كما رواه الشيخان [خ829 - م570]، والواجب لا يجبر بالسجود. والجلسات المشروعات في الصلاة أربع: اثنتان واجبتان: الجلسة بين السجدتين وجلسة التشهد الأخير، واثنتان سنتان: جلسة الاستراحة وجلسة التشهد الأول.

وَكَيْفَ قَعَدَ .. جَازَ. وَيُسَنُّ فِي الأَوَّلِ: الاِفْتِرَاشُ، فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ، وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَفِي الآخِرِ: التَّوَرُّكُ، وَهُوَ كَالاِفْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالأَرْضِ. وَالأَصَحُّ: يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ وَالسَّاهِي. وَيَضَعُ فِيهِمَا يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتِهِ مَنْشُورَةَ الأَصَابعِ بِلاَ ضَمٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكيف قعد .. جاز) أي: في الجلسات الأربع بالاتفاق، سواء تورك أو افتراش أو تربع أو مد رجليه أو نصب ركبتيه أو إحداهما أو غير ذلك، لكن يكره الإقعاء الذي ذكره المصنف. قال: (ويسن في الأول: الافتراش، فيجلس على كعب يسراه وينصب يمناه، ويضع أطراف أصابعه للقبلة، وفي الآخر: التورك، وهو كالافتراش، لكن يخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض)؛ لأن جميع ذلك ثبت في (الصحيحين) [خ828]. وإنما خولف في التشهدين؛ لأنه أقرب إلى نفي الغلط، وليعلم المسبوق حالة الإمام؛ لأن المصلي بعد الأول يبادر إلى قيام، وليس بعد الآخر قيام. قال: (والأصح: يفترش المسبوق والساهي)؛ لأنه ليس آخر صلاته. والثاني: يتورك تبعًا للإمام. والثالث: إن كان في محل تشهده الأول .. افترش، وإلا .. تورك؛ لأن جلوسه حينئذ لمجرد المتابعة. ولو ترك الأبعاض عمدًا .. فهو كالساهي؛ لأنه مأمور بالسجود، فلو قال: ومريد السجود .. لدخل فيه ذلك وكان أولى. قال: (ويضع فيهما) أي: في التشهدين (يسراه على طرف ركبتيه)، ويجعلها قريبًا من ركبته بحيث تسامت رؤوسها الركبة؛ لما روى مسلم [580/ 116] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله). قال: (منشورة الأصابع بلا ضم)؛ كذلك هو في حديث ابن عمر [م580].

قُلْتُ: الأَصَحُّ: الضَّمُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ، وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الأَظْهَرِ، وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: الأصح: الضم والله اعلم)؛ لتتوجه إلى القبلة. ونقل الشيخ أبو حامد الاتفاق عليه. ويجري الوجهان بما فيهما من اختلاف التصحيح في الجلوس بين السجدتين. قال: (ويقبض من يمناه الخنصر والبنصر، وكذا الوسطى في الأظهر) رواه كذلك مسلم [580] عن ابن عمر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: لا يضم الإبهام، بل يبسطها. والثالث: لا يقبض الوسطى، بل يلحقها مع الإبهام؛ لحديث وائل بن حجر في (البيهقي) [2/ 131]. والخلاف في الأفضل، وكيف فعل ذلك كان آتيًا بالسنة، إلا أن يفعلها كعاقد ثلاثة وعشرين. و (الخنصر والنبصر) بكسر أولهما وفتح صاديهما. ومقتضى كلام الجوهري: أن نون الخنصر زائدة؛ لأنه ذكره في مادة (خصر)، فوزنه فنعل، لكن صاحب (المحكم) ذكره في الرباعي، فيكون وزنه فعلل. قال: (ويرسل المسبحة) أي: في كل التشهد؛ لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم [م580]. وسميت مسبحة؛ لأنه يشار بها في التوحيد. وتسمى السبابة؛ لأنه يشار بها في السب أيضًا. فائدة: كانت سبابة النبي صلى الله عليه وسلم أطول من الوسطى، والوسطى أطول من البنصر، والبنصر أطول من الخنصر، كذا رواه يزيد بن هارون عن عبد الله بن مقسم عن سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم تخبر: (أنها رأت أصابع

وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: (إِلاَّ اللهُ)، وَلاَ يُحَرِّكُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك). قال: (ويرفعها عند قوله: (إلا الله))؛ لما روى البيهقي [2/ 133] من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: (يرفعها في كل التشهد)؛ لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الرفع عند الهمزة .. فلأنه حالة إثبات الوحدانية. وخصت السباب بذلك؛ لأن لها اتصالًا بنياط القلب، فكأنها سبب لحضوره. وفي (اللباب) و (الرونق): يستحب: (أن يميلها قليلًا عند رفعها)، وكذلك رواه أبو داوود [983] والنسائي [3/ 39] وابن ماجه [911] من فعله صلى الله عليه وسلم. فلو كانت اليمين مقطوعة .. سقطت هذه السنة ولا يشير بغيرها، وهو نظير من ترك الرمل في الأشواط الثلاثة .. لا يتداركه في الأربعة؛ لأن سنتها ترك الرمل. ويسن أن تكون الإشارة بها إلى جهة القبلة، وأن ينوي بها الإخلاص والتوحيد؛ ليكون جامعًا في التوحيد بين القول والفعل والاعتقاد. وعن مجاهد: أنها مقمعة للشيطان. ويكره أن يشير بالسبابتين، ويستحب أن لا يجاوز بصره إشارته. قال: (ولا يحركها) أي: عند رفعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، كذا رواه أبو داوود [981] عن عبد الله بن الزبير. وقيل: يستحب التحريك؛ لأن وائل بن حجر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحركها مرغمة للشيطان، قال البيهقي: والحديثان صحيحان.

وَالأَظْهَرُ: ضَمُّ الإِبْهَامِ إِلَيْهَا كَعَاقِدِ ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ. وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يحرم تحريكها وتبطل الصلاة. قال: (والأظهر: ضم الإبهام إليها كعاقد ثلاثة وخمسين)، كذا رواه مسلم [580] عن عبد الله بن عمر. وشرط هذا عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر. والمستحب هنا إنما هو وضعهما معًا على الراحة، وهو الصورة التي سماها أهل الحساب تسعة وخمسين، وإنما عبر الفقهاء بالأول دون الثاني إتباعًا رواية ابن عمر. وأجاب في (الإقليد) بأن اشتراط وضع الخنصر على البنصر هي طريقة أقباط مصر، وأما غيرهم .. فلا يشترطون ذلك. والقول الثاني: يرسل الإبهام مع طول المسبحة. وقيل: (يقبضه ويجعله فوق الوسطى)، كما رواه مسلم [579] عن ابن الزبير. والخلاف في الأفضل، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك تارة كذا، وتارة كذا. فائدة: الإبهام من الأصابع مؤنث، ولم يحك الجوهري غيره، وحكى في (شرح الجمل) فيها التذكير والتأنيث، وجمعها: أباهم على وزن أكابر، وقال الجوهري أباهيم بزيادة ياء. قال: (والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في التشهد الأخير)؛ لما تقدم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو في صلاته لم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجل هذا)، ثم دعاه فقال: (إذا صلى أحدكم .. فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء) صححه الترمذي [3477] والحاكم [1/ 230] وابن حبان [1960]. وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم علمهم ذلك،

وَالأَظْهَرُ: سَنُّهَا فِي الأَوَّلِ. وَلاَ تُسَنُّ عَلَى الآلِ فِي الأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتُسَنُّ فِي الأَخِيرِ، وَقِيلَ: تَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووافق الشافعي على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، ولم يخالف فيه من أصحابه سوى ابن المنذر كما تقدم. قال: (والأظهر: سنها في الأول)؛ لأنها ذكر يجب في الجلسة الأخيرة فتسن في الأول كالتشهد. والثاني- وهو قديم-: لا تسن، كما لا تسن فيه الصلاة على الآل. قال: (ولا تسن على الآل في الأول على الصحيح)؛ لطلب التخفيف، ففي (أبي داوود) [987] وغيره عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين كأنه يجلس على الرضف حتى يقوم). و (الرضف): الحجارة المحماة. والثاني: تسن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم؛ صل على محمد وعلى آل محمد) [خ3370 - م406]. و (آله) صلى الله عليه وسلم: بنو هاشم وبنو المطلب، بلا خلاف عندنا. وقيل: كل مسلم، واختاره في (شرح مسلم). وقيل: من انتسب إلى النضر بن كنانة، وقيل: أصحابه وعشيرته. وقيل: الأتقياء من المسلمين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن آله فقال: (كل مؤمن تقي)، لكنه ضعيف. و (آل إبراهيم): إسماعيل وإسحاق عليهما الصلاة والسلام وأولادهما. قال: (وتسن في الأخير)؛ لحديث الأمر بها. قال: (وقيل: تجب)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وظاهر الأمر الوجوب، وهو قول الزنجي من أصحابنا وأبي إسحاق المروزي، وهما مسبوقان بالإجماع.

وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ. وَأَقَلُّهُ: (التَّحِيَّاتُ للهِ، سَلاَمٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلاَمٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأكمل التشهد مشهور) وردت فيه أحاديث أصحها حديث ابن مسعود لاتفاق البخاري [831] ومسلم [402] عليه، ثم حديث ابن عباس وحديث أبي موسى رواهما مسلم [403 و 404]، ثم حديث ابن عمر وحدث عائشة رواهما مالك [1/ 91]. واختار الشافعي حديث ابن عباس وهو: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله)؛ لزيادة: المباركات؛ موافقة لقوله تعالى: {تحية من عند الله مبركة طيبة}، ولأن ابن مسعود من متقدمي الصحابة، وابن عباس من متأخريهم، والمتأخر يقضي به على المتقدم. وتعريف السلام أفضل، وقيل: تنكيره، وقيل: هما سواء. قال: (وأقله: (التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله))؛ لأن جميع الروايات اتفقت عليه. و (التحيات) جمع تحية وهي: الملك، وقيل: البقاء والدوام، وقيل: العظمة، وقيل: الدعاء، وقيل: الرحمة.

وَقِيلَ: يَحْذِفُ (وَبَرَكَاتُهُ) وَ (الصَّالِحِينَ)، وَيَقُولُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ). قُلْتُ: الأَصَحُّ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)، وَثَبَتَ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ)، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الطيبات): الأعمال الصالحة، وقيل: الكلمات الصالحة، وقيل: الكلمات الطيبات لله عز وجل وهي: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، وهي: الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. و (الصالحون) جمع صالح وهو: القائم بحقوق الله عز وجل، وحقوق العباد. قال: (وقيل: يحذف (وبركاته) و (الصالحين)، ويقول: (وأن محمدًا رسوله)). أما حذف (وبركاته) .. فرواه ابن كج والصيدلاني عن الشافعي. وأما لفظ (الصالحين) .. فأسقطها الحليمي محتجًا بأن لفظ: العباد إذا أضيف إلى الله تعالى .. انصرف إلى الصالحين. وأما حذف (أشهد)، والإتيان بالضمير .. فلم يوافق المصنف عليها بل قال: (قلت: الأصح: و (أن محمدًا رسول الله)، وثبت في (صحيح مسلم) والله أعلم) أما إسقاط لفظة (أشهد) .. فرواها مسلم [404] عن أبي موسى الأشعري، ولفظه: (إذا كان أحدكم عن القعدة .. فليكن من قوله: التحيات إلى أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله). وأما الإتيان بالضمير في: (وأن محمدًا رسوله) .. فلا يكفي، بل لابد من قوله: وأن محمدًا رسول الله، كما اقتضاه كلام الرافعي في (الشرحين)، ونقله في (شرح المهذب) عن النص، وصححه في (التحقيق) و (شرح الوسيط)، لكنه اختصر في (الروضة) كلام الرافعي على العكس فصحح: أن الضمير يجزئ. قال في (المهمات): والمفتى به: المنع، غير أنه ثبت الضمير مع زيادة (العبد) في التشهد الوارد في (الصحيح) من رواية ابن مسعود وأبي موسى، ولم يقع الظاهر إلا في رواية ابن عباس. وقد اتفق العلماء على جواز التشهد بالروايات الثلاثة كما قاله في (شرح مسلم)، فالخلاف مختص بما عدا هذه الصورة، ثم إن المصنف جزم في كتبه بأن الضمير كاف

وَأَقلُّ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصلاة على الآل إذا أوجبناها، فيطلب منه الفرق بينهما. والمنقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده: (وأني رسول الله)، كذا ذكره الرافعي في صلاة العيدين). فإن قيل: سلام عليك خطاب لآدمي، فلم لا تبطل؟ فالجواب: أن هذا كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة من خواصه، لكن روى البخاري في (كتاب الاستئذان) [6265] وأبو عوانة في (مسنده) [2026] كلاهما عن ابن مسعود قال: (كنا نقول في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قلنا: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم)، فمقتضى ذلك: أن الخطاب اليوم غير واجب، وبه صرح أبو حفص عمر بن أبي العباس بن سريج في كتاب (تذكرة العالم)، وهو غريب. قال: (وأقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله: (اللهم؛ صل على محمد وآله)). أما الواجب .. فقوله: اللهم؛ صل على محمد. وأما الآل .. فمراده: إذا أوجبناها؛ لأن اسم الصلاة حاصل فيه. وفي (سنن النسائي) [3/ 49] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتهدوا في الدعاء وقولوا: (اللهم؛ صل على محمد وعلى آل محمد). وروى الدارقطني [1/ 355]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاة لم يصل علي فيها، ولا على أهل بيتي .. لم تقبل منه)، لكن في رجاله جابر بن يزيد الجعفي. فإن قيل: فأين السلام؟ قيل: هو في قوله: السلام عليك أيها النبي. وأفهمت عبارة المصنف تعين ما ذكره، وقد قال القاضي حسين: تسمية محمد

ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم واجبة، فلا يكفي على النبي ولا على أحمد. وقال في (التحقيق): يجزئ صلى الله عليه وسلم وعلى النبي دون أحمد على الصحيح، وقياسه: أنه لو قال: وأن أحمد رسول الله .. لا يجزئ، وفيه نظر. ولو قال: صلى الله عليه وسلم .. فوجهان أصحهما: لا يكفي. فإن قيل: تقرر أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، فكيف يسأل أن يصلي عليه كإبراهيم عليهما الصلاة والسلام؟ فالجواب: أن الكلام تم عند قوله: (اللهم؛ صلى على محمد)، واستأنف: و (على آل محمد ... إلخ). وقيل: طلب له ولآله وليسوا بأنبياء منازل إبراهيم وآله الأنبياء؛ لأن (آل إبراهيم): إسماعيل وإسحاق عليهما الصلاة والسلام وذريتهما. وخص إبراهيم بالذكر؛ لأن الصلاة من الله رحمة ولم تجمع الرحمة والبركة لنبي غيره، قال الله تعالى: {رحمت الله وبركته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}. و (إبراهيم) معناه بالسريانية: أب رحيم. قال الشافعي: الأولى في الصلاة أن يقول: اللهم؛ صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. مهمة: نقل الرافعي عن الصيدلاني: أن من الناس من يزيد: وارحم محمدًا كما ترحمت على إبراهيم، وربما يقول: كما رحمت .. قال: وهذا لم يرد في الخبر، وهو غير فصيح؛ فإنه لا يقال: رحمت عليه، وهذه أسقطها من (الروضة).

وَالزِّيَادَةُ إِلَى (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) .. سُنَّةٌ فِي الآخِرِ، وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ، وَمَاثُورُهُ أَفْضَلْ، ... . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (لا يقال: رحمت عليه) .. غير صحيح؛ فقد نقلها الطبري شارح (التنبيه) عن الصاغاني. وقال الغزالي: لا يجوز: ترحم بـ (تاء)، وقال المصنف: إنه بدعة. وبالغ ابن العربي في إنكاره وخطأ فيه ابن أبي زيد. قال: (والزيادة إلى (حميد مجيد) .. سنة في الآخر)؛ للأمر به في حديث كعب بن عجرة. ولا فرق بين أن يكون منفردًا أو مأمومًا، وكذا الإمام على الأصح. و (الحميد): الذي تحمد فعاله. و (المجيد): الكامل الشرف. قال: (وكذا الدعاء بعده)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: (ثن ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به) متفق عليه [خ835 - م402]. وفي رواية لمسلم [402]: (ثم ليتخير من المسألة ما شاء). وكلام الشافعي يقتضي: أن ترك الدعاء مكروه، قال الشيخ: وكأنه يريد خلاف الأولى. وعن الشيخ أبي محمد تردد في مثل: اللهم؛ ارزقني جارية صفتها كذا وكذا؛ ومال إلى المنع وأن الصلاة تبطل وهو خلاف ما عليه الجمهور، وإن حكاه الروياني في (البحر)، والشاشي في (الحلية)، والعمراني في (البيان). والعجب أنه نقله في (الكفاية) عن ابن يونس، وذكر أن الرافعي نقله عن بعض الحنفية، وأنه لم يره في مشاهير الكتب. وقال في (الشامل): إذا دعا بدعاء محظور .. بطلت صلاته. قال: (ومأثوره أفضل) المراد بالمأثور: المنقول من الدعاء في هذا المحل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أفضل من غير المنقول؛ لتنصيص الشارع عليه.

وَمِنْهُ: (اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ... إلخ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: الدعاء إن كان بأمر الدنيا .. فمباح، أو بأمر الدين .. فمسنون، وهو حسن. قال: (ومنه) أي: المأثور هنا ((اللهم؛ اغفر لي ما قدمت وما أخرت ... إلخ)) أشار إلى ما رواه مسلم [771] عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: (اللهم؛ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت). والمراد بالتأخير: بالنسبة إلى ما وقع؛ لن الاستغفار قبل وقوع الذنب محال. ومن آكد الأدعية المأثورة: ما روى مسلم [588] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تهد أحدكم .. فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم؛ إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)، ولذلك أوجب هذا الدعاء بعض العلماء، وأمر طاووس من صلى ولم يقله أن يعيد الصلاة. و (المسيح) بالحاء المهملة: مسيح الضلالة. سمي مسيحًا؛ لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة، أي: يطؤها. واختلفوا في معناه على ثلاثة وعشرين قولًا حكاها ابن دحية.

وَيُسَنُّ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَلَى قَدْر التَّشَهُّدِ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ سمي دجالاً؛ لتمويهه وكذبه، (يمكث في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وباقي الأيام كأيامكم، مكتوب بين عينيه: ك ف ر) [م2937و 2933]. ومن أحسن الأدعية ما رواه البخاري [834] عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله؛ علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: (قل: اللهم؛ إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته. قال: (ويسن أن لا يزيد على قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه تبع لهما. فإن زاد. فإن زاد .. لم يكره إلا أن يكون إمامًا؛ رعاية للتخفيف- والظاهر: أن مراد المصنف: لا يزيد على قدر أقهلما- أما المنفرد .. فيطيل ما شاء ما لم يخرجه إلى خوف السهو.

وَمَنْ عَجَزَ عَنْهَمَا .. تَرْجَمَ، وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ الْعَاجِزُ لاَ الْقَادِرُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن عجز عنهما) أي: عن التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (.. ترجم)؛ قياسًا على تكبيرة الإحرام. قال: (ويترجم للدعاء والذكر المندوب العاجز)؛ ليحوز فضلهما. قال: (لا القادر في الأصح)؛ قياسًا على ما تقدم، ولأنه لا ضرورة به إلى ذلك، فإن ترجم القادر .. بطلت صلاته. والثاني: يجوز مطلقًا؛ قياسًا على الدعاء خارج الصلاة، والجامع عدم الوجوب. والثالث: لا مطلقًا؛ لعدم الضرورة إليه. والخلاف محله: في المأثور، أما غيره .. فلا يجوز ترجمته قطعًا وتبطل الصلاة به. فرع: لا يجب التتابع في كلمات التشهد، فإن نكسه .. فالأصح المنصوص في (الأم): أنه إن لم يغير المعنى .. أجزأه، وإن غيره .. أبطل الصلاة إن تعمده. وسكوت المصنف عن اشتراط ترتيبه مؤذن بما ذكرناه، بخلاف (الفاتحة). ويسن للإمام أن يرتله، بحيث يعلم أن من في لسانه ثقل ممن خلفه قد أتى به، فإن حدره .. كره. ويستحب أن يسر به، وكذا سائر الأذكار في الجلوس إلا السلام. وروى أبو داوود [978] عن ابن مسعود أنه قال: (من السنة إخفاء التشهد).

الثَّانِي عَشَرَ: السَّلاَمُ. وأَقَلُّهُ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ)، وَالأَصَحُّ: جَوَازُ: (سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ). قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: لاَ يُجْزِئُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَنَّهُ لاَ تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (الثاني عشر: السلام)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) رواه مسلم، ولأنه كان مشغولًا كان مشغولًا عن الناس وأقبل عليهم. قال: (وأقله: (السلام عليكم))، فلو أخل بحرف من ذلك .. لم يصح، فإن كان عمدًا .. بطلت صلاته، وإن كان سهوًا .. سجد للسهو، إلا في: السلام عليهم .. فإنهما لا تبطل؛ لأنه دعاء لغائب. قال: (والأصح: جواز: (سلام عليكم)) - بالتنوين- قياسًا على التشهد؛ لأن التنوين يقوم مقام الألف واللام. وفي هذا نظر؛ لأن مدلول المعرف غير مدلول المنكر. قال: (قلت: الأصح المنصوص: لا يجزئه والله أعلم) ووافقه الشيخ؛ لأنه لم يصح في حديث. ولو قال: عليكم السلام .. فالأصح: الإجزاء مع الكراهة؛ لأنه يسمى سلامًا، بخلاف التنكير كما تقدم. ولو قال: سلام عليكم بغير تنوين .. فالمذهب: أنه لا يجزئه قولًا واحدًا. ولو قال: سلامي عليكم، أو سلام الله عليكم، أو السلام عليه، أو عليهم .. لم يجزئه. قال: (وأنه لا تجب نية الخروج) كسائر العبادات؛ لأن النية تليق بالفعل دون الترك، ولأن النية السابقة منسحبة على جميع الصلاة. والثاني: تجب؛ لأنه نطق وجب في أحد طرفي الصلاة، فلم يصح بغير نية كالتكبير، وهذا عليه جمهور العراقيين، فيجب عندهم أن تمتزج النية بالتسليم، فإن قدمها عليه أو أخرها عنه .. بطلت صلاته. ولا يجب تعيين الصلاة في نية الخروج بلا خلاف، فإن عين وأخطأ .. فعلى

وَأَكْمَلُهُ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ)، مَرَّتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا، مُلْتَفِتًا فِي الأُولَى حَتَّى يُرَى خَذُّهُ الأَيْمَنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الأَيْسَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: لا يضر، وعلى الثاني: إن كان عمدًا .. بطلت صلاته، وإن كان سهوًا .. سجد وأعاد السلام مع النية إن لم يطل الفصل، وإن طال .. بطلت. قال: (وأكمله: (السلام عليكم ورحمة الله))؛ لأنه المأثور عن السلف، وزاد السرخسي والإمام، والروياني في (الحلية): وبركاته؛ لما رواه أبو داوود [989] وابن ماجه [914] وابن حبان [1993]- بإسناد صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وشماله: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، فليس يحسن حينئذ قوله في (شرح المهذب): أن الصحيح أو الصواب خلافه. قال: (مرتين)؛ لما روى مسلم [581] عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره). قال: (يمينًا وشمالًا، ملتفتًا في الأول حتى يرى خده الأيمن، وفي الثانية الأيسر)؛ لما روى مسلم [582] عن سعد بن أبي وقاص قال: (كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده). قال الرافعي: وينبغي أن يبتدئ بها مستقبل القبلة، ثم يلتفت بحيث تنقضي مع تمام الالتفات. والقول الثاني: يسن تسليمة واحدة تلقاء وجهه. والثالث: إن كان منفردًا أو في جماعة قليلة .. فتسليمة، وإلا .. فثنتان.

نَاوِيًا السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلاَئِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ، وَيَنْوِي الإِمَامُ السَّلاَمَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ، وَهُمُ الرَّدَّ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ناويًا السلام على من عن يمينه ويساره من ملائكة وإنس وجن) أي: مؤمنين؛ ليحوز بذلك فضيلة السلام. وروى الترمذي [429]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعًا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين ومن معه من المؤمنين). قال: (وينوي الإمام السلام على المقتدين، وهم الرد عليه)؛ لما روى الحاكم [1/ 270] وأبو داوود [993] عن سمرة بن جندب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض)، وفي رواية: (وأن ينوي بعضنا بعضًا). فإن كان المأموم خلف الإمام .. تخير الإمام، فإن شاء نوى السلام عليه، بالأولى أو بالثانية. وأما المأموم، فإن كان عن يمين الإمام .. نوى بالثانية الرد عليه، وإن كان عن يساره .. نوى ذلك بالأول، وإن كان محاذيًا .. فإن شاء رد عليه بالأولى أو بالثانية، والأولى أفضل. فروع: التسليمة الثانية هل هي من الصلاة؟ اختلف في تصحيحها، فصحح الرافعي، والمصنف في (شرح المهذب) في (الجمعة): أنها ليست من الصلاة، وصححا في آخر (صلاة الجماعة): أنها منها.

الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض؛ لظاهر حديث سمرة بن جندب، وأن لا يمد لفظ السلام؛ لما روى الترمذي [297]- وقال: حسن صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حذف السلام سنة). وقال في (الإحياء): السنة أن يفصل بين التسليمتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المواصلة في الصلاة، عزاه رزين إلى الترمذي وليس فيه. قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل: ما كنا ندري ما المواصلة في الصلاة حتى قدم علينا الشافعي فمضى إليه أبي فسأله عنها، فقال: هي في مواضع من الصلاة: منها: أن يقول الإمام: {ولا الضآلين}، فيقول من خلفه: (آمين) معًا. ومنها: أن يصل القراءة بالتكبير. ومنها: السلام عليكم ورحمة الله، فيصلها بالتسليمة الثانية، الأولى فرض والثانية سنة، فلا يجمع بينهما. ومنها: إذا كبر الإمام .. فلا يكبر معه حتى يسبقه ولو بحرف. قال: (والثالث عشر: ترتيب الأركان كما ذكرنا)؛ للإجماع، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: إذا قمت إلى الصلاة .. فكبر، ثم اقرأ، ثم كذا، فذكرها بـ (الفاء) أولًا، ثم بـ (ثم)، وهما للترتيب. وأما السنن كالاستفتاح والتعوذ، والتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه .. فليس الترتيب ركنًا فيها، لكنه شرط في الاعتداد بها. وتستثنى النية فإنها تقارن التكبير، لكن قوله: (كما ذكرنا) يخرجه. ويستثنى نية الخروج إن أوجبناها؛ فإنها تقارن السلام. ويستثنى القيام؛ فإنه يقارن التحرم والقراءة. والجلوس الآخر؛ فإنه يقارن التشهد والسلام. ومقتضى إطلاقه .. أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لابد من إيقاعها بعد

فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ .. بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ سَهَا .. فَمَا بَعْدَ الْمَتْروكِ لَغْوٌ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ .. فَعَلَهُ، وَإِلاَّ .. تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ، فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنَ الأَخِيرَةِ .. سَجَدَهَا وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا .. لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، وَكَذَا إِنْ شَكَّ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التشهد، وبه جزم في (شرح المهذب)، ونقل الرافعي في (شرح المسند) عن الحليمي: أنه كبعض أجزاء التشهد، حتى يجوز فيه التقديم والتأخير. قال: (فإن تركه عمدًا بأن سجد قبل ركوعه .. بطلت صلاته) بالإجماع. هذا في الأركان الفعلية، كما مثله بالسجود قبل الركوع، أما تقديم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على التشهد .. فلا يبطل، لكنه لا يعتد بالمتقدم. قال: (وإن سها .. فما بعد المتروك لغو)؛ لوقوعه في غير محله. قال: (فإن تذكر قبل بلوغ مثله .. فعله) أي: على الفور. قال: (وإلا .. تمت به ركعته وتدارك الباقي)؛ لأن كل ما يفعل قبل وقته كالعدم. هذا إذا عرف عين المتروك، فإن لم يعرف .. أخذ بأدنى الممكن وأتى بالباقي، وفي الأحوال كلها يسجد للسهو، إلا إذا وجب الاستئناف بأن ترك ركنًا وأشكل عليه، وجوز أن يكون النية أو تكبيرة الإحرام، وإلا إذا كان المتروك هو السلام؛ فإنه إذا تذكر قبل طول الفصل .. سلم ولا حاجة إلى سجود السهو. قال: (فلو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة من الأخيرة .. سجدها وأعاد تشهده)؛ لأنه وقع بعد متروك. قال: (أو من غيرها .. لزمه ركعة)؛ لأن الركعة الناقصة ملفقة بالركعة التي بعدها، وتصير الثالثة ثانية والرابعة ثالثة. قال: (وكذا إن شك فيهما) أي: هل تركه من الأخيرة أو من غيرها .. جعله من غيرها أخذًا بالأحوط ولزمه ركعة أخرى.

وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ، فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ .. سَجَدَ- وَقِيلَ: إِنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الاِسْتِرَاحَةِ .. لَمْ يَكُفِهِ- وَإِلاَّ .. فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنّاً ثُمَّ يَسْجُدُ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ فَقَطْ. وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا .. وَجَبَ رَكْعَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن علم في قيام ثانية ترك سجدة، فإن كان جلس بعد سجدته .. سجد) أي: مطلقًا في الحال من قيام؛ لأن ذلك الجلوس فاصل. وقيل: لابد من أن يجلس لينتقل منه إلى السجود، وهو ضعيف. قال: (وقيل: إن جلس بنية الاستراحة .. لم يكفه) وصححه البغوي؛ لأنه قصد بها النفل فلا ينوب عن الفرض. والأصح: الاكتفاء بها كما لو جلس للتشهد الأخير وهو يظنه الأول، بخلاف ما إذا قرأ هذا التارك في قيامه آية سجد لها .. فإنها لا تجزئه عن السجدة المنسية على الصحيح المنصوص؛ لأن سجدة التلاوة لم تشملها نية الصلاة بخلاف ما نحن فيه. قال: (وإلا .. فليجلس مطمئنًا ثم يسجد)؛ لأن الجلوس ركن لابد منه. قال: (وقيل: يسجد فقط)؛ لأن الفصل حصل بالقيام. وأجاب الأول بأن الفصل وإن كان هو المقصود لكنه على هيئة الجلوس، فلا يقوم القيام مقامه كما لا يقوم التشهد مقام القيام. قال: (وإن علم في آخر رباعية ترك سجدتين أو ثلاث جهل موضعها .. وجب ركعتان). أما الأولى .. فلأن الأسوأ تقدير سجدة من الركعة الأولى وسجدة من الثانية، فتنجبر الركعة الأولى بسجدة من الثانية ويلغو باقيها، وتنجبر الثالثة بسجدة من الرابعة ويلغو باقيها، وتصير الثالثة ثانية. وأما الثانية- وهي ترك الثلاث- فسيأتي ما قاله الأصحاب فيها، ولشيخنا اعتراض في (المهمات) و (التنقيح) على الأصحاب تبع فيه الشيخ نجم الدين الأصفوني، ورده النشائي في (نكته) بأنه خلاف الفرض؛ فإن فرض المسألة في ترك سجدتين فقط. و (الرباعية): نسبة إلى رباع المعدول عن أربع.

أَوْ أَرْبَعٍ .. فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ .. فَثَلاَثٌ، أَوْ سَبْعٍ .. فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلاَثٌ. قُلْتُ: يُسَنُّ: إِدَامَهُ نَظَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو أربع .. فسجدة ثم ركعتان)؛ لاحتمال أن يكون قد ترك سجدتين من ركعتين غير متواليتين، كسجدتين من الأولى، وسجدة من الثانية، وسجدة من الرابعة. قال: (أو خمس أو ست .. فثلاث) أما في الخمس .. فلاحتمال ترك واحدة من الأولى، واثنتين من الثانية، وأخريين من الثالثة. وأما في الست .. فلأنه لم يأت إلا بسجدتين، فكمل له ركعة. قال: (أو سبع .. فسجدة ثم ثلاث)؛ لأن الحاصل له ركعة إلا سجدة. وفي ثمان سجدتان، ثم ثلاث ركعات، وفي جميع ذلك يسجد للسهو. وصوروا ذلك بأن يظهر على جبهته عصابة ونحوها. قال: (قلت: يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده)؛ لأن جمع البصر في مكان واحد أقرب إلى الخشوع، وفي (المهذب) عن ابن عباس والبيهقي [2/ 284] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة .. لم ينظر إلا إلى موضع

- وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ- وَعِنْدِي: لاَ يُكْرَهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ سجوده). وروى محمد بن سيرين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى السماء في صلاته، فأنزل الله تعالى: {الذين هم في صلاتهم خشعون}، فجعل ينظر في صلاته حيث يسجد)، ولم يصح في شيء من ذلك حديث. والصحيح: أن هذا في جميع الصلاة، وإليه أشار المصنف بقوله: (إدامة نظره). وقيل: ينظر في القيام إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى ظهر قدميه، وفي السجود إلى أنفه، وفي القعود إلى حجره؛ لأن امتداد البصر يلهي فإذا قصره .. كان أولى، وبهذا جزم البغوي والمتولي. وحكى المحب الطبري وجهًا: أن الذي بالمسجد الحرام نظره إلى الكعبة أولى، لكنه صحح الأول. والسنة للمتشهد أن لا يجاوز بصره إشارته. قال: (وقيل: يكره تغميض عينيه) قاله العبدري من أصحابنا وبعض التابعين. لكن أسند الطبراني في (معجمه الصغير) [24] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة .. فلا يغمض عينيه). قال: (وعندي: لا يكره إن لم يخف ضررًا)؛ لأنه يجمع الخشوع وحضور القلب. وعبر في (الروضة) بالمختار، وهذا قاله اختيارًا من عنده، وهو مذهب بعض العلماء. وقال الشيخ عز الدين: إذا خشي فوات الخشوع لرؤية ما يفرق خاطره .. فالأولى تغميض عينيه. وقال بعض الصوفية: الأولى للساجد أن يفتح عينيه؛ لأنهما تسجدان. وروى مالك [1/ 98] عن أبي طلحة أنه صلى يومًا في حديقته فدخل طائر فأعجبه ذلك، فلم يدر كم صلى، فتصدق بها.

وَالْخُشُوعُ وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والخشوع) فيتصف به ظاهر وباطنه، ويستحضر أنه واقف بين يدي ملك الملوك يناجيه، وأن صلاته معروضة عليه، ومن الجائز أن يردها ولا يقبلها. والدليل على أنه مسنون في الصلاة قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خشعون}. والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة. ولذلك قيل: إنه شرط في جزء من الصلاة، وليس للإنسان من الصلاة إلا ما عقل منها. و (الخشوع): السكون. وروى الترمذي الحكيم [3/ 210] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: (لو خشع قلب هذا .. لخشعت جوارحه). وروى الترمذي [2653] عن عبادة بن الصامت وغيره: (أن الخشوع أول علم يرفع من الناس) وقال: حسن غريب، ورواه النسائي أيضًا. وقال الإمام فخر الدين: اختلفوا في الخشوع، فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف، فإذا خشع القلب .. خشعت الجوارح؛ لأنه ملكها. ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون. ومنهم من قال: هو مجموع الأمرين وهو أولى. أما العبث في الصلاة .. فهو مكروه، وفي (الرافعي) في (الشهادات) عن صاحب (العدة): أنه حرام من الصغائر. واعترض عليه المصنف بأن المشهور في كتب الأصحاب: كراهته. حتى لو سقط رداؤه أو طرف عمامته .. كره له تسويته إلا لضرورة، قاله في (الإحياء). قال: (وتدبر القراءة والذكر)؛ لأن بذلك يحصل مقصود الخشوع والأدب، قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها}. وقال تعالى: {ليدبروا ءايته}. فلو اشتغل بذكر الجنة والنار وغيرهما من الأحوال السنية التي لا تعلق لها بذلك المقام .. كان من حديث النفس. ويكره أن يفكر في صلاته في أمر دنيوي، أو في مسألة فقهية كما قاله القاضي حسين.

وَدُخُولُ الصَّلاَةِ بِنَشَاطٍ وَفَراغِ قَلْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ودخول الصلاة بنشاط)؛ لأن الله تعالى قد ذم تارك ذلك بقوله تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى}. و (الكسل): الفتور عن الشيء، والتواني فيه، وهو: ضد النشاط. وأنشد الشيخ أبو حيان لبعضهم في ذم من ينتمي إلى الفلاسفة [من الوافر]: وما انتسبوا إلى الإسلام إلا .... لصون دمائهم ألا تسالا فيأتون المناكر في نشاط .... ويأتون الصلاة وهم كسالى قال: (وفراغ قلب) أي: عن الشواغل الدنيوية؛ لن ذلك أدعى إلى تحصيل هذا الغرض. فإذا كانت صلاته كذلك .. انفتح له فيها من المعارف ما يقصر عنه فهم كل عارف؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة). ومثل هذه الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. فرع: لو خاف قاصد الجماعة فوت فضيلة التحرم .. لم يستحب له الإسراع عند الجمهور، خلافًا لأبي إسحاق المروزي. قال الفارقي: ويظهر أنه لو خشي فوات الجماعة بجملتها .. له أن يسرع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالمشي مع إمكان إدراك الصلاة. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم .. فصلوا ...)، فدل على أنه خطاب لمن يعلم أنه يدرك بعض الصلاة. وقيل: إذا خاف فوت بعض الجماعة أو كلها .. أسرع. كل هذا ما لم يضق الوقت، فإن ضاق وخشي فواته .. أسرع لا محالة.

وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ. وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وجعل يديه تحت صدره)؛ لما روى ابن خزيمة [479] عن وائل بن حجر قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره). وعبارة الأصحاب: تحت صدره، فكأنهم جعلوا التفاوت بينهما يسيرًا. كل هذا في حالة القيام، ويلتحق به القعود والاضطجاع. وقال أبو إسحاق: يجعلهما تحت سرته؛ لقول عائشة: (وضعهما تحت السرة)، رواه أحمد [1/ 42] وأبو داوود [تحفة 10314 عن علي]. وقال ابن المنذر: يتخير بينهما. قال: (آخذًا بيمينه يساره)؛ لما روى الترمذي [252] وغيره ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن حبان [1770] عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من سنن المرسلين: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة). وفي (سنن أبي داوود) [727]: (ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى). قال بعض الأصحاب: يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى، ويقبض رسغها وساعدها. وقال القفال: يتخير بين بسط أصابع اليمنى على عرض المفصل، وبين نشرها في صوب الساعد. والأصح في (الروضة): أنه يحط يديه بعد التكبير تحت صدره، وقيل: يرسلهما ثم يستأنف نقلهما إلى تحت صدره. قال في (الأم): والقصد من وضع اليمين على اليسار تسكين اليدين. فإن أرسلهما ولم يعبث .. لا بأس. قال: (والدعاء في سجوده)؛ لما روى مسلم [479] من حديث ابن عباس أن

وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما السجود .. فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم) أي: حقيق. وفيه [483] أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول فيه: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وآخره وأوله، علانيته وسره). وروى الحاكم [1/ 492] عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض). وفيه [1/ 493] عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه). وفيه [1/ 492] عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة). وروى ابن ماجه [3817] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يسأل الله بغضب عليه). وظاهر لفظ الشافعي .. أنه لا فرق بين الإمام والمنفرد. والرافعي فرق بين الإمام وغيره. قال: (وأن يعتمد في قيامه من السجود والقعود على يديه)؛ لأنه أشبه بالتواضع وأعون للمصلي، و (كذلك كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري [824]. وكيفية الاعتماد: أن يجعل بطن راحتيه وبطن أصابعه على الأرض. وسواء فيه القوي والضعيف. وأما الحديث الذي في (الوسيط) عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الصلاة وضع يده بالأرض كما يضع العاجن) .. فباطل، وإن صح ..

وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الأَصَحِّ. وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حمل على ذلك، ويكون المراد بـ (العاجن): الشيخ الكبير، لا عاجن العجين كقول الشاعر [من الطويل]: فأصبحت كنتيًا وأصبحت عاجنًا .... وشر خصال المرء كنت وعاجن قال: (وتطويل قراءة الأولى على الثانية في الأصح)؛ لحديث أبي قتادة الثابت في (الصحيحين) [خ759 - م451]. والثاني: لا، وصححه الجمهور، وحملوا حديث أبي قتادة على أنه أحسن بداخل، وهذا بعيد؛ لقوله: (كان ...). وكل هذا إذا لم تدع ضرورة أو مصلحة إلى خلافه كمسألة الزحام؛ فإنه يستحب للإمام فيها أن يطول الثانية على الأولى. وكذا إذا ورد نص من الشارع بتطويل غير الأولى، كصلاة الكسوف وصبح الجمعة. فلو أغفل قراءة السجدة في الأولى .. قرأها في الثانية، وكذلك (سبح) و (الغاشية) في العيد. وإذا صلى بهم الإمام في الخوف صلاة ذات الرقاع .. فالمستحب: أن يخفف القراءة في الأولى؛ لأنها حال شغل. ويستحب للطائفتين التخفيف في الثانية؛ لئلا يطول الانتظار. قال: (والذكر بعدها) ثبت ذلك في (الصحيحين) بأنواع من الأذكار والأدعية: فمن ذلك: حديث ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته .. استغفر الله تعالى ثلاثًا، وقال: (اللهم؛ أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذات الجلال والإكرام) قيل للأوزاعي وهو أحد رواته: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله. رواه مسلم [591].

وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ، وَأَفْضَلُهُ إِلَى بَيْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم؛ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد). ومنها: ما رواه مسلم [596] عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاثًا تسبيحة، وثلاثًا وثلاثين تحميد، وأربعًا وثلاثين تكبيرة). وروى أن من قال ذلك. (غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال دبر صلاة الفجر وهو ثان رجله قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات .. كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله تعالى) رواه الترمذي [298] وقال: حديث حسن صحيح. قال بعض العلماء: خاطب الله تعالى هذه الأمة بقوله: {فاذكروني أذكركم}، فأمرهم أن يذكروه بغير واسطة، وخاطب بني إسرائيل بقوله: {اذكروا نعمتي}؛ لأنهم لم يعرفوا الله إلا بآلائه، فأمرهم أن يتصوروا النعم ليصلوا بها إلى ذكر المنعم. قال: (أن ينتقل للنفل من موضع فرضه)؛ لتكثر مواضع سجوده؛ فإنها تشهد له، فإن لم ينتقل .. فليفصل بكلام إنسان، ففي (صحيح مسلم) [883]: (الأمر بأن لا يوصل صلاته حتى يتكلم). قال: (وأفضله إلى بيته)؛ لما روى الشيخان [خ731 - م781] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.

وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ .. مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل البيت الذي يذكر فيه، والبيت الذي لا يذكر فيه مثل الحي والميت). وقال صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا). وفي (صحيح مسلم) [778]: إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده .. فليجعل لبيته [نصيبًا] من صلاته؛ فإن الله جاعل [في بيته] من صلاته خيرًا). والمراد: صلاة النافلة. وإنما حيث عليه في البيت؛ لكونه أخفى وأبعد عن الرياء، ولتنزل الرحمة في ذلك المكان. وسواء في ذلك مسجد مكة والمدينة وغيرهما؛ لعموم الحديث، لكن تستثنى النافلة يوم الجمعة لفضيلة البكور، وركعتا الطواف، وركعتا الإحرام إذا كان في الميقات مسجد. وذهب مالك والثوري إلى الفرق بين الليل والنهار: ففي النهار .. في المسجد أفضل، والبيوت في الليل. وقال القاضي أبو الطيب: إذا أخفى نافلته في المسجد .. كانت أفضل من البيت. قال: (وإذا صلى وراءهم نساء)، وكذا الخناثى فيما يظهر (.. مكثوا حتى ينصرفن)؛ لقول أم سلمة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم .. قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث يسيرًا كي ينصرفن قبل أن يدركهن أحد من القوم)، رواه البخاري [837]. ولأن الاختلاط بهن مظنة الفساد. فإن لم يكن ثم نساء .. فالمستحب للإمام: أن يقوم من مصلاه عقب صلاته؛ لئلا يشك هو ومن خلفه هل سلم أو لا؟ ولئلا يدخل غريب فيظنه في الصلاة فيقتدي به.

وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ، وَإِلاَّ .. فَيَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الإحياء): (أن ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر). وقال ابن الرفعة: إنما يستحب له القيام بعد الذكر والدعاء. قلت: ينبغي أن يستثنى من ذلك: (ما إذا قعد مكانه يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس؛ لن ذلك كحجة وعمرة تامة تامة تامة) رواه الترمذي [586] عن أنس. فرع: إذا أراد الإمام أن ينفتل من المحراب .. فلينفتل عن يمينه، والأصح في كيفيته: يدخل يساره في المحراب ويجعل يمينه إلى الناس؛ لما روى مسلم [709] عن البراء قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه؛ يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول: (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك). وقيل: يستدبر القبلة. وقيل: يلي المحراب يمينه، ويساره إلى الناس، وبه قال أبو حنيفة. قلت: ينبغي أن يرجح هذا في محراب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إن فعل الصفة الأولى يصير مستديرًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قبلة آدم فمن بعده من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال: (وأن ينصرف في جهة حاجته، وإلا .. فيمينه)؛ لأن التيامن محبوب ففي (صحيح مسلم) [708]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه). وفي (أبي داوود) [1034] عن هلب الطائي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن شقيه). لكن ذكر المصنف في (الرياض) أنه: يستحب في الحج والصلاة وعيادة المريض وسائر العبادات أن يذهب من طريق، ويرجع من أخرى، كما سيأتي في صلاة العيد. ويؤخذ من عبارة المصنف .. أنه لا يكره أن يقال: انصرفنا من الصلاة، وقد أسند

وَيَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلاَمِ الإِمَامِ، فَلِلْمَامُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلَوِ اقْتَصَرَ إِمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ .. سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبري [11/ 55] عن ابن عباس: أنه يكره ذلك؛ لقوله تعالى: {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم}. وفي (الصحيحين) [خ841 - م583]: (أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن عباس: (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته). وفيهما [خ4168 - م860] عن سلمة بن الأكوع: (كنا ننصرف من الصلاة وليس للحيطان ظل نستظل به). وفي (مسلم) [1779] في حديث غزوة بدر: (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فلما رأى ذلك .. انصرف). وفي (كامل ابن عدي) [2/ 53]- في ترجمة بحر بن كثير السقاء- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من الصلاة قال: (اللهم؛ بحمدك انصرفت، وبذنبي اعترفت، وأعوذ بك من شر ما اقترفت). قال: (وتنقضي القدوة بسلام الإمام) أي: التسليمة الأولى؛ لخروجه من الصلاة بها. قال: (فللمأموم) أي: الموافق (أن يشتغل بدعاء ونحوه ثم يسلم)؛ لانقطاع القدوة. وهذا محله إذا كان غير مسبوق، أو مسبوق وجلوسه مع الإمام في موضع تشهده الأول، أما غيرهما .. فيلزمه القيام عقب التسليمتين. قال: (ولو اقتصر إمامه على تسليمة .. سلم ثنتين والله أعلم) لأنه خرج عن متابعة الإمام بالأولى، بخلاف التشهد الأول فإن الإمام لو تركه .. لزم المأموم تركه؛ لأن المتابعة واجبة عليه قبل السلام. تتمة: اتفقوا على أنه يجوز أن يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى بعد (الميم) من قوله: عليكم، إذا قدم الإمام لفظ السلام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح المنصوص: أن الأفضل أن لا يسلم حتى يسلم الإمام الثانية. وقال المتولي: يستحب أن يسلم بعد سلام الإمام الأولى. ولو قارنه في التسليمة الأولى .. فالأصح: أن الصلاة لا تبطل كما لو قارنه في بقية الأركان، بخلاف تكبيرة الإحرام فإنه لا يصير في الصلاة حتى يفرغ منها. ولو سلم قبل شروع الإمام في السلام، فإن لم ينو المفارقة .. بطلت صلاته، وإن نواها .. ففيه الخلاف فيمن نوى المفارقة. * * * خاتمة يستحب الدعاء بعد الصلاة؛ لما روى الترمذي [3499] أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الدعاء أسمع؟ - أي: أقرب إلى الإجابة- قال: (جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات). وروى أبو داوود [1517] والنسائي [3/ 53]- بإسناد صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد معاذ وقال: (يا معاذ؛ والله إني أحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم؛ أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). ويستحب الإسرار به وبالذكر، إلا أن يكون إمامًا يريد التعليم. وسئل الشيخ عز الدين: هل يكره أن يسأل الله تعالى بعظيم من خلقه كالملك والنبي والولي؟. أجاب بأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه علم بعض الناس: (اللهم؛ إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة ...) الخ [خز 1219]. فإن صح .. فينبغي أن يكون مقصوراً عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة؛ لأنهم ليسوا في درجته. ويكون هذا من خواصه صلى الله عليه وسلم. والحديث المذكور خرجه الترمذي [3578] وقال: صحيح غريب.

باب

باب شُرُوطُ الصَّلاَةِ خَمْسَةٌ: مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ. وَالاِسْتِقْبَالُ. وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال رحمه الله: (باب) أي: هذا باب معقود لشروط الصلاة. ثم إن المصنف لما فرغ من الشروط .. أفرد للمناهي فصلًا؛ لأن الأصح عنده: أنها ليست شروطًا. والرافعي جعلها تبعًا للغزالي شروطًا، فزاد الإمساك عن الكلام والأفعال والأكل. قال الشيخ: والصواب: أنها لا تسمى شروطًا إلا على سبيل المجاز. قال: (شروط الصلاة خمسة) تقدم أول الكتاب أن الشرط في اللغة: العلامة، ومنه: أشراط الساعة. وفي الإصطلاح: ما يلزم من عدمه عدم الصحة، ولا يلزم من وجوده وجودها. وتقدم في أول صفة الصلاة الفرق بين أركان الصلاة وشروطها. ومراد المصنف: أن للصلاة شروطًا خمسة غير الإسلام والتمييز؛ لأنهما شرطان لكل عبادة، لكنه أهمل شرطًا سادسًا جزم به في (التحقيق) وغيره وفاقًا للبغوي وهو: تمييز فرضها من سنتها، فلو اعتقد جميع أفعالها سنة، أو بعضها فرضًا وبعضها سنة ولم يميز .. لم يصح، أو كلها فرضًا .. صحت في الأصح، وفي (فتاوى الغزالي): إذا لم يميز العامي فرضًا من سنة .. صحت إن لم يقصد التنفل بفرض، قال في (الروضة): وهذا هو الظاهر الذي تقتضيه أحوال السلف. وقد تقدم بعض هذا في أول الباب قبله. قال: (معرفة الوقت) أي: علمًا، أو ظنًا بالاجتهاد. قال: (والاستقبال) كما سبق إلا ما استثنى، وقد أبعد ابن القاص والقفال فجعلاه ركنًا. قال: (وستر العورة) أي: عند القدرة ولو كان خاليًا في ظلمة؛ لقوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}. قال ابن عباس: (هي السترة في الصلاة)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأفاد التقييد بـ (الصلاة) شرطيته فيها؛ إذ هو واجب في غيرها. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) حسنه الترمذي [377] وصححه الحاكم [1/ 251]، والمراد: من بلغت سن الحيض. وكون ستر العورة شرطًا قال به جمهور العلماء، فمتى انكشف شيء من العورة قل أو كثر، في حضرة الناس أو في خلوة .. فات. وأما وجوبه .. فبالإجماع وبقوله تعالى: {وإذا فعلوا فحشة قالوا وجدنا عليها ءاباءنا}. قال ابن عباس: (كانوا يطوفون بالبيت عراة وهي فاحشة). وكذلك يجب في غير الصلاة في حضرة الناس بالإجماع، وفي الخلوة على الأصح؛ لإطلاق الأمر بالستر، ولما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله؛ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال عليه الصلاة والسلام: (احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك)، قال: قلت: يا رسول الله؛ إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال عليه الصلاة والسلام: (الله أحق أن يستحيا منه من الناس) حديث حسن رواه أصحاب السنن. فإن قيل: الستر لا يحجب عن الله؛ لأنه تعالى يرى المستور كما يرى المكشوف .. فالجواب: أنه يرى المكشوف تاركًا للأدب، والمستور متأدبًا. وما ذكره من الشرطية محله: عند القدرة، فإن عجز .. وجب عليه أن يصلي عاريًا. والأصح: أنه يتم الركوع والسجود ولا يعيد. وقيل: يومئ بهما ويعيد.

وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ: مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يتخير بين الإتمام ولإيماء. ويستثنى من وجوب الستر في الخلوة: إذا دعت الحاجة إلى الكشف، كالاغتسال ونحوه. ولا يجب ستر العورة عن نفسه، لكن يكره نظره إليها. و (العورة): سوأة الإنسان وكل ما يستحيا منه، والجمع: عورات. سميت بذلك؛ لقبح ظهورها. والعورة: الكلمة القبيحة. وأصلها في اللغة: النقص والخلل. وفي الشرع: ما يجب ستره من البدن. قال: (وعورة الرجل: ما بين سرته وركبته)؛ لما روى الحارث بن أبي أسامة [143] عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عورة المؤمن ما بين سرته إلى ركبته). وروى الدارقطني [1/ 231] عن أبي الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل السرة من العورة)، لكن ضعفه البيهقي، وقال صلى الله عليه وسلم لجرهد: (غط فخذك؛ فإن الفخذ عورة) رواه أحمد [3/ 479] وأبو داوود [4010]، وحسنه الترمذي [2798]. فالسرة والركبة ليسا من العورة. وقيل: منها. وقيل: الركبة دون السرة. وقيل: عكسه. وقيل: السوأتان فقط- وبه قال مالك وجماعة- لما روى مسلم [2401] عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مكشوف الفخذ، فدخل أبو بكر وعمر فلم يستره، ودخل عثمان فستره وقال: (ألا أستحي ممن استحت منه الملائكة). والجواب: أن المكشوف حصل الشك فيه في (مسلم) هل هو الساق أو الفخذ؟ فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ.

وَكَذَا الأَمَةُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق فيما ذكره بين الحر والعبد، والمسلم والذمي. وأما الصبي .. فأطلق في (شرح المهذب): أنه كالبالغ، وقال الصيمري: عورته قبل سبع القبل والدبر، ثم تتغلظ بعد السبع، ثم بعد العشر يكون كالبالغين؛ لأنه زمان يمكن فيه البلوغ. واستسحنه الشيخ؛ لأن المنع من النظر إلى عورة الطفل يشق. وقال صاحب (الحاوي) و (البيان): الأطفال لا حكم لعوراتهم قبل السبع، وحكهم حكم البالغين بعد إمكان البلوغ، وفيما بينهما يحرم النظر إلى الفرج خاصة. وسيأتي في النكاح قول المصنف: (وإلى صغيرة إلا الفرج). ومقتضى إطلاقهم .. أنه لا فرق في تحريم النظر لذلك بين أمه وغيرها، وفيه بعد، وينبغي الجواز اللازم في زمان التربية والرضاع لمكان الضرورة. وقد ذكره ابن القطان في (أحكام النظر). ومن فوائد [ذلك] معرفة عورة الصغير- إذا طاف به وليه في الحج والعمرة- في القدر الذي يجب ستره. و (السرة): الموضع الذي يقطع من المولود. والسر: ما يقطع من سرته. يقال: عرفت هذا الأمر قبل أن يقطع سرك، ولا تقل: سرتك؛ لأن السرة لا تقطع وجمع السرة: سرر وسرات. و (الركبة): موصل ما بين أطراف الفخذ وأعالي الساق، والجمع: ركب. وكل ذي أربع ركبتاه في يديه، وعرقوباه في رجليه. قال: (وكذا الأمة في الأصح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زوج أحدكم خادمة أو عبده أو أجيره .. فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة) رواه أبو داوود [4111]. وأجمعوا على أن رأسها غير عورة، فإن عمر ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة وقال: (اكشفي رأسك، ولا تتشبهين بالحرائر)، ولم ينكر ذلك أحد. وما روي

وَالْحُرَّةِ: مَا سِوَى الْوَجْهِ والَكفَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أن الحسن البصري يقول بوجوب لبس الخمار إذا تزوجت، أو اتخذها سيدها لنفسه .. متأخر عن ذلك. وجميع ما في الأمة ثمانية أوجه: الأربعة دون الخامس. والخامس: جميع بدنها إلا ما يبدو في المهنة، وهو: الرأس والرقبة والساعد وطرف الساق، فليس بعورة. والسادس: هي كالحر إلا رأسها. والسابع: جميع بدنها إلا وجهها وكفيها. والثامن: جميعه إلا وجهها وكفيها ورأسها. وسواء في هذا القنة والمدبرة والمكاتبة والمبعضة على الأصح، وصحح الماوردي وابن أبي عصرون والشاشي في (الحلية): أنها كالحرة؛ لما في ذلك من الاحتياط في الأحكام. فلو قال المصنف: وكذا غير الحرة .. كان أشمل. والخنثى كالأنثى رقًا وحرية، فإن اقتصر على ما يستر الرجل .. ففي صحة صلاته وجهان أصحهما في (الروضة) و (شرح المهذب): عدم الصحة. والأصح في (التحقيق): الصحة. قال: (والحرة: ما سوى الوجه والكفين) ظهرًا وبطنًا من رؤوس الأصابع إلى الكوعين؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}. قال ابن عباس وعائشة: (هو الوجه والكفان). ولأنهما لو كان عورة .. لما وجب كشفهما في الإحرام. وفي قول أو وجه: أن باطن قدميها ليس بعورة.

وَشَرْطُهُ: مَا مَنَعَ إِدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المزني: ليس القدمان عورة. والذي يجب ستره من الحرة في الخلو ما يجب ستره من الرجل. وكلامهم هنا محمول على العورة في الصلاة، فللحرة ثلاث عورات: عورة في الصلاة وهي ما ذكره هنا، وفي النظر جميع بدنها، وفي الخلوة كالرجل، صرح به الإمام والرافعي وغيرهما في (كتاب النكاح). أما صوتها .. فالأصح: أنه ليس بعورة، وستأتي المسألة ونظائرها في (الإقرار) عند قوله: (ولو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو)، وفي أول (كتاب النكاح). قال: (وشرطه: ما منع إدراك لون البشرة) من سائر أنواع الثياب والجلود والرقوق والخرق والورق والليف والمصبوغ والمخلوق، فلا يكفي الثوب الرقيق، والغليظ المهلهل النسج، والماء الصافي، والزجاج ونحو ذلك؛ لأن مقصود الستر لا يحصل به. وفي (الحاوي) وجه: أن الصلاة تصح في الثوب الحاكي للون. نعم؛ يرد على إطلاقه .. الظلمة؛ فإنها مانعة من الإدراك وهي غير كافية جزمًا، فلو ستر اللون ووصف الحجم .. صح على الصحيح، ويكره ذلك للمرأة، وهو خلاف الأولى للرجل. قال: (ولو طين وماء كدر)؛ لأنهما يمنعان الإدراك. وقيل: لا يكفيان؛ لأنهما غير معتادين. وقيل: يكفي الطين عند عدم الثوب ونحوه. وحكم الماء الصافي المتراكم بخضرة ونحوها كالكدر. وصورة الصلاة في الماء الكدر: أن يصلي على جنازة أو يمكنه السجود فيه. ولم يلم يوجد الستر على الوجه المعتبر، بأن صلى في خيمة صغيرة مكشوفًا .. لم يصح. ولو وقف في خابية وصلى على جنازة، فإن كانت واسعة الرأس تظهر منها العورة .. لم يجز، وإن كانت ضيقة الرأس .. فوجهان أصحهما في (الروضة): الجواز، والأشبه في (الشرح الصغير): عدمه، ولو حفر حفرة ووقف فيها، فإن رد

وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ. وَيَجِبُ: سَتْرُ: سَتْرُ أَعْلاَهُ وَجَوَانِبِهِ لاَ أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ .. لَمْ يَكْفِ، فَلْيَزُرُّهُ أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التراب بحيث يستر العورة .. جاز، وإلا .. فكالجب. وكان الصواب أن يقول: ولو طينًا وماء كدرًا على حذف كان واسمها، كقوله عليه الصلاة والسلام: (ولو خاتمًا من حديد)، لكن المصنف يستعمل ذلك كثيرًا، كقوله في أول (الظهار): (ولو ذمي وخصي). قال: (والأصح: وجوب التطين على فاقد الثوب)؛ لأنه قادر على الستر بما يعد ساترًا. والثاني: لا؛ لما فيه من المشقة والتلويث. ويجريان في وجوب الستر بالماء الكدر. ولو لم يجد من الطين ما يستر العورة، ووجد ما يغير لونها .. لا يجب، لكن يستحب، قاله الماوردي. قال: (ويجب: ستر أعلاه وجوانبه لا أسفله)؛ لأنه الستر المعهود. فلو وقف على طرف سطح وكان من تحته يرى عورته .. فالأصح: صحة صلاته، بخلاف لابس الخف فإن الستر يعتبر فيه من الجوانب والأسفل دون العلو؛ لأن الخف يتخذ للبس الأسف، فاعتبر الستر به بخلاف القميص. والثاني: لا يصح؛ لأن ذلك لا يعد سترًا. وتوقف الإمام والشاشي في ذلك، ومالا إلى بطلان الصلاة به. وفي (تاريخ أصبهان) [722] عن مالك بن عتاهية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأرض تستغفر للمصلي بالسراويل). قال: (فلو رئيت عورته من جيبه في ركوع أو غيره .. لم يكف)؛ لعدم الشرط. قال: (فليرزه أو يشد وسطه)؛ ليستدام الصحة. روى الحاكم [1/ 250] وابن خزيمة [778] وأبو داوود [632] والنسائي [2/ 270] عن سلمة

وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ كَافِي سَوْأَتَيْهِ .. تَعَيَّنَ لَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الأكوع أنه قال: قلت: يا رسول الله إنا نصيد، أفنصلي في الثوب الواحد؟ قال: (نعم، وازرره ولو بشوكة). وأشار المصنف إلى أنه إذا لم يفعل شيئًا من ذلك .. تنعقد الصلاة ثم تبطل عند الانحناء، وهذا هو الأصح. وقيل: لا تنعقد أصلاً. وهما احتمالان للإمام، وفائدتهما تظهر فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع. و (الجيب): المنفذ الذي يدخل فيه الرأس. وقوله: (فليزره) الأحسن في لامه الإسكان، والراء مضمومة. وقوله: (أو يشد) هو مثلث الدال. و (الوسط) بفتح السين هنا على المشهور. يقال: زر الثوب إذا جعل زره في عروته. وفي المثل: ألزم من زر العروة. قال: (وله ستر بعضها بيده في الأصح)؛ لحصول المقصود. وكذا بلحيته وشعر رأسه. والثاني: لا يصح- وبه جزم الماوردي وغيره- لاتحاد الساتر والمستور. وهذه تقدمت في حكم السواك مع نظائرها. ولا خلاف أنه لو جمع الثوب المخرق وأمسكه بيده .. أن صلاته تصح؛ لانتفاء علة المنع. ولو سترها غيره بيده .. أجزأ قطعًا وإن فعل محرمًا، كما لو ستره بقطعة حرير. قال: (فإن وجب كافي سوأتيه .. تعين لهما) وجوبًا؛ لأنهما أغلظ وأفحش وهذا مما لا خلاف فيه؛ لأن: (الميسور لا يسقط بالمعسور). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر .. فأتوا منه ما استطعتم). وخالف من وجد بعض الماء .. فإنه يتيمم في قول؛ لأنه ينتقل إلى بدل بخلاف هذا.

أَوْ أَحَدِهِمَا .. فَقُبُلَهُ، وَقِيلَ: دُبُرَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (السوأتان): القبل والدبر. سميتا بذلك؛ لأن كشفهما يسوء صاحبهما، قال الله تعالى: {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما} أي: ظهرت لهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما، ولا أحدهما من الآخر، كما قالت عائشة: (ما رأيت منه صلى الله عليه وسلم، ولا رأى مني). قال: (أو أحدهما .. فقبله)؛ لأنه يستقبل به القبلة، والدبر تستره ألياه، سواء في ذلك الرجل والمرأة. وإذا قلنا بهذا .. فيجب على الخنثى ستر القبلين معًا، فإن كفى أحدهما .. تخير، والأولى ستر آلة الرجال إن كان هناك امرأة، وآلة النساء إن كان هنا رجل. قال: (وقيل: دبره)؛ لأنه أفحش في الركوع والسجود. قال: (وقيل: يتخير)؛ لتعارض المعنيين. وقيل: تستر المرأة القبل، والرجل الدبر، وسها ابن الرفعة فعكسه. و (القبل والدبر) بضم الباء منهما، ويجوز إسكانه. فروع: قال لأمته: إن صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها، فصلت مكشوفة الرأس، فإن كانت عاجزة عن سترها .. صحت صلاتها وعتقت، وإن كانت قادرة .. صحت ولم تعتق. ويجوز كشف العورة لقضاء الحاجة ونحوها، وكذا الختان والمداواة- وضبطه الغزالي بمعالجة مرض يخاف منه فوات العضو وطول الضنا- والحاجة في السوأتين.

وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أشد، وضابطها: أن لا يعد الكشف لها هتكًا للمروءة. وليس للعاري أخذ الثوب من مالكه قهرًا، فلو أعير منه .. لزمه القبول، ولو وهب له .. فلا في الأصح؛ لأنه لا منة في العارية. نعم؛ يتجه في هبة الطين والماء الكدر وجوب القبول، كالماء للتيمم. ولو لم يجد الرجل إلا بثوب حرير .. لزمه التستر به على الأصح. ومحل الخلاف: إذا لم يضطر إليه بحر أو برد أو حكة، فإن كان كذلك .. فالوجه: الجزم باللزوم؛ لأنه مباح له في هذه الحالة. ولو أوصى بثوب لأولى الناس به في ذلك الموضع .. قدمت المرأة، ثم الخنثى، ثم الرجل. والمستحب أن يصلي الرجل في ثوبين: قميص ورداء، فإن اقتصر على ستر العورة .. جاز، إلا أن المستحب أن يطرح على عاتقه شيئًا. ويستحب أن يصلي في أحسن ما يجد. ويكره أن يصلي الرجل متلثمًا، والمرأة متنقبة، وأن يغطي فاه إلا إذا تثاءب؛ فإن السنة حينئذ: أن يضع يده على فيه. ويستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب، وأن تكثف جلبابها. قال: (وطهارة الحدث) هذا هو الشرط الرابع، واستدلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم [224]. وأجمعوا على ذلك، إلا ما يحكى عن الشعبي في صلاة الجنازة، وغلط من نسبه إلى الشافعي، وقد سبق بيان (الطهارة). فلو لم يكن عند الشروع في الصلاة متطهرًا .. لم تنعقد سواء كان عمدًا أو ساهيًا اتفاقًا؛ لكنه يثاب على قصده دون فعله إذا كان ناسيًا، إلا القراءة ونحوها مما لا يتوقف على الوضوء فإنه يثاب على فعله أيضًا.

فَإِنْ سَبَقَهُ .. بَطَلَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ: يَنْبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن شرع فيها ثم أحدث، فإن كان باختياره .. بطلت صلاته بالإجماع، سواء كان عمدًا أو سهوًا، علم أنه في صلاة أم لا. قال: (فإن سبقه .. بطلت) أي: صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في صلاته .. فلينصرف وليتوضأ، وليعد صلاته) رواه أبو داوود [207]، وحسنه الترمذي [1164]. وهذا في غير المستحاضة ونحوها، أما هي وشبهها .. فلا يضر حدثه الطارئ ولا المقارن كما بين في موضعه. قال: (وفي القديم: يبني) أي: يتطهر ويبني- وإن كان حدثًا أكبر- لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته .. فلينصرف وليتوضأ، وليبن على صلاته ما لم يتكلم) رواه ابن ماجه [1221] والدارقطني [1/ 152 - 153]. وليس المراد حالة العمد بالإجماع، فتعين أن يكون السبق مرادًا، سواء كان حدثه أكبر أم أصغر؛ لأنه غير مقصر في ذلك، وبهذا قال مالك وأحمد. وأجاب الجمهور بأن الحديث متفق على ضعفه. وإذا قلنا بهذا .. فشرطه قرب الفصل بين حدثه وطهارته، كما قاله الماوردي والمصنف. وقال الإمام: لا يشترط حتى لو كان بينهما فرسخ .. لا يضر. ولا يلزمه العدو على خلاف مشيه المعتاد بل يقتصد، لكن يلزمه أن يقصد أقرب الطرق، فلو كان للمسجد بابان فسلك الأبعد .. بطلت صلاته. وله استقاء الماء من البئر، وليس له بعد طهارته أن يعود إلى المكان الذي كان فيه إلا أن يكون إمامًا لم يستخلف، أو مأمومًا ليحوز فضيلة الجماعة، كذا جزمًا به في (الشرح) و (الروضة). والصواب- كما جزم به في (الحقيق) -: أن الجماعة عذر مطلقًا. ويشترط أن لا يتكلم إلا أن يحتاج إليه في تحصيل الماء. فلو أخرج تمام الحدث الأول متعمدًا .. لم يمتنع البناء على المنصوص في القديم، وقال إمام الحرمين والغزالي: يمتنع.

وَيَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ عَرَضَ بِلاَ تَقْصِيرٍ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الْحَالِ .. لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَّرَ بِإَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا .. بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أحدث حدثًا آخر .. ففي منع البناء وجهان. قال: (ويجريان في كل مناقض عرض بلا تقصير، وتعذر دفعه في الحال) كما لو تنجس بدنه أو ثوبه واحتاج إلى غسله، أو أبعدت الريح ثوبه أو أخذه آخذ، أو أكره على الحدث، أو تقطع الخف في الصلاة على الأصح. قال: (فإن أمكن) أي: الدفع في الحال (بأن كشفته ريح فستر في الحال .. لم تبطل) بالاتفاق؛ لانتفاء المحذور. وكذا لو وقع على ثوبه نجاسة رطبة فألقى الثوب في الحال، أو يابسة فنفض ثوبه في الحال. قال: (وإن قصر بأن فرغت مدة) مسح (خف فيها .. بطلت) جزمًا من غير تخريج على القولين؛ لأنه بإيقاع الصلاة في الوقت الذي تنقضي مدة المسح في أثنائه يشبه المختار للحدث. قال الشيخ والأصحاب: أطلقوا هذا الحكم وله صورتان: إحداهما: أن لا يكون عالمًا حين الدخول في الصلاة بالحال. والثانية: أن يكون عالمًا بأن المدة تنقضي في أثنائها. وما ذكروه في الصورة الأولى لا إشكال فيه، وأما في الثانية فيشبه .. أن يقال: إن الصلاة لا تنعقد؛ لأن انعقادها- مع القطع بأن البطلان يعرض لها- بعيد، وليس كما تقدم فيما لو كانت عورته تنكشف في الركوع حيث يحكم بالانعقاد على الصحيح؛ لأن هناك لا يقطع بالبطلان بل الصحة ممكنة بأن يسترها عند الركوع بشيء، وأما هنا .. فكيف تنعقد صلاته مع القطع بعد استمرار صحتها؟ وكيف تتحقق نيتها؟ والرافعي ذكر المسألة على إطلاقها ثم قال: وقضية هذا أن يقال: لو شرع في الصلاة على مدافعة الأخبثين وهو يعلم أنه لا تبقى له قوة التماسك في أثنائها، ووقع ما علمه .. تبطل صلاته لا محالة ولا يخرج على القولين، وتبعه المصنف فجزم بالمسألة في (الروضة) و (شرح المهذب) فقال: لا يجوز البناء قولاً واحدًا.

وَطَهَارَةُ النَّجِسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي ينبغي أن يقال: إن الدخول في الصلاة مع مدافعة الأخبثين له صورتان- كما ذكرناه في ماسح الخف- فإن كان يقطع بأنه لا يتماسك .. يتجه أنها لا تنعقد، وإن كانت مترددًا .. انعقدت، ثم إذا عرض الحدث .. جزم بالبطلان لتقصيره. قال: (وطهارة النجس في الثوب والبدن والمكان) هذا هو الشرط الخامس. فأما وجوبها في الثوب .. فلقوله تعالى: {وثيابك فطهر}. وأما في البدن .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه). وفي موضع الصلاة .. لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في المقبرة والمجزرة ونحوهما، ولا علة إلا النجاسة، ولعموم قوله تعالى: {والرجز فاهجر}. وأما الشرطية .. فلأنه يثبت الأمر باجتنابها ولا يجب ذلك في غير الصلاة، فتعين أن يكون الأمر بها، (والأمر بالشيء نهي عن ضده)، و (النهي في العبادات يقتضي الفساد)، فإن وقعت عليه نجاسة يابسة فنحاها في الحال، بأن نفض ثوبه فسقطت .. لم تبطل. ثم لا يخفى أن داخل الفم هنا كظاهر البدن، فلو أكل نجسًا .. لم تصح صلاته ما لم يغسله. وفي وجوب إيصال الماء إليه في غسل الجنابة خلاف، إن لم نوجبه .. فهو كالباطن، والفرق بين البابين غامض. فرع: لو رأينا في ثوب من يريد الصلاة نجاسة لم يعلم بها .. لزمنا إعلامه بها؛ لأن الأمر

وَلَوِ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ .. اجْتَهَدَ، وَلَوْ نَجَسَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ وَجُهِلَ .. وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمعروف لا يتوقف على العصيان- قاله الشيخ عز الدين، وبه أفتى الحناطي- كما لو رأينا صبيًا يزني بصبية .. فإنه يجب علينا المنع وإن لم يكن عصيانًا. قال: (ولو اشتبه طاهر ونجس .. اجتهد) كالأواني، وكذا لو أمكنه طاهر بيقين على الأصح، فلو تحير وأمكن غسل واحد .. لزمه على الصحيح. ولو ظن طهارة أحد الثوبين وصلى فيه، ثم تغير اجتهاده .. عمل بالاجتهاد الثاني على الأصح كالقبلة، ولا تجب إعادة الاجتهاد على الأصح، كذا في (شرح المهذب) و (التحقيق)، ولم تذكر المسألة في غيرهما، والرافعي لم يذكرها في كتبه. ووقع في (الكفاية): أن الرافعي والمصنف صححا وجوب إعادة الاجتهاد، وهو معدود من أوهامه. والمصنف أطلق وجوب الاجتهاد، وحكمه الجواز عند القدرة على طاهر متيقن، والوجوب عند فقده وضيق الوقت. ولو تلف أحدهما قبل الاجتهاد .. لم يجتهد في الباقي على الأصح عند المصنف. وقياس تصحيح الرافعي: أنه يجتهد. ولفظه عام في الثوب والبدن والمكان، وهو أحسن من تعبير (المحرر) بقوله: ولو اشتبه ثوب طاهر بثوب نجس .. اجتهد. قال: (ولو نجس بعض ثوب أو بدن وجهل .. وجب غسل كله). صورة هذه المسالة: أن تجوز النجاسة في كل جزء منه، فيجب غسل الجميع؛ لأن الأصل بقاء النجاسة ما بقي جزء بغير غسل. وشذ ابن سريج فقال: إذا غسل بعضه .. كفاه؛ لأنه يشك بعد ذلك في نجاسته والأصل طهارته. فلو شق هذا الثوب نصفين .. لم يجز التحري فيهما، ولو أصاب بيده المبلولة بعض هذا الثوب .. لم تنجس يده، ولو أصاب شيء رطب طرفًا منه .. لم ينجس الرطب؛ لأنه لم يتيقن نجاسة موضع الإصابة.

فَلَوْ ظَنَّ طَرَفًا .. لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ غَسَلَ نِصْفَ نَجِسٍ ثُمَّ بَاقِيهُ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَةُ .. طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلاَّ .. فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (نجس) يجوز فيه فتح جيمه وكسرها. قال: (فلو ظن طرفًا .. لم يكف غسله على الصحيح). صورته: أن تقع النجاسة في أحد موضعين متميزين من الثوب كأحد كمية ويشكل عليه، فيؤدي اجتهاده إلى نجاسة أحد الكمين فغسله وصلى فيه .. ففي صحة صلاته وجهان: أصحهما عند معظم الأصحاب: لا يكفي ذلك، ولا تصح الصلاة؛ لأن الثوب واحد قد تيقن نجاسته ولم يتيقن الطهارة فيستصحب اليقين، وصار كما لو خفي عليه موضع النجاسة ولم ينحصر في بعضه المواضع. والوجه الثاني- وهو قول ابن سريج-: يجتهد وتصح الصلاة لحصول غلبة الظن بالطهارة؛ لأنهما عينان متميزتان فهما كالثوبين. فلو فصل أحد الكمين من الثوب واجتهد فيهما .. فهما كالثوبين، إن غسل ما ظنه نجسًا وصلى فيه .. جاز. وإن صلى فيما ظنه طاهرًا .. جاز أيضًا؛ لأنه لم يتيقن نجاسته أصلاً، فاجتهاده متأيد باستصحاب أصل الطهارة، بخلاف ما قبل الفصل. ويجري الوجهان فيما إذا نجس إحدى يديه أو إحدى أصابعه، وغسل النجس عنده وصلى. قال: (ولو غسل نصف نجس ثم باقيه .. فالأصح: أنه إن غسل مع باقيه مجاوره .. طهر كله، وإلا .. فغير المنتصف) بفتح الصاد؛ لأنه رطب ملاق لنجس. والثاني- وصححه في (شرح المهذب) دون باقي كتبه-: أنه لا يطهر مطلقًا حتى يغسل الجميع دفعة واحدة؛ لأن الرطوبة تسري. وهذا ينبني على أن الثوب الرطب إذا وقعت عليه نجاسة هل ينجس جميعه، أو موضع الإصابة فقط؟ على وجهين. وفي مسألة الكتاب وجهان آخران في (الكفاية): أحدهما: أن يطهر مطلقًا.

وَلاَ تَصِحُّ صَلاَةُ مُلاَقٍ بَعْضُ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلاَ قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجِسٍ إِنْ تَحَرَّكَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: إن علق الثوب وصب الماء من أعلاه إلى النصف، ثم صب على النصف الثاني .. طهر؛ لأن الماء لا يتراد إلى الأعلى. وإن لم يكن كذلك .. لم يطهر. وإذا خفى موضع النجاسة من أرض، فإن كانت واسعة كالصحراء .. صلى حيث شاء منها بلا اجتهاد، وإن كانت ضيقة أو كان بيتًا .. فأوجه: أصحها: يجب غسل كله كالثوب. والثاني: يصلي فيه حيث شاء. والثالث: يجتهد ويصلي فيما ظن طهارته. قال: (ولا تصح صلاة ملاق بعض لباسه نجاسة) سواء كان ذلك في قيامه أو قعوده، أو ركوعه أو سجوده؛ لما سبق. ويؤخذ من اشتراط ذلك في الثوب اشتراطه في البدن من باب أولى. قال: (وإن لم يتحرك بحركته)؛ لأنه منسوب إليه كذؤابة العمامة الطويلة؛ لأن الشرط أن لا يكون ثوبه المنسوب إليه نجسًا ولا ملاقيًا للنجاسة، بخلاف السجود على ما لا يتحرك بحركته؛ فإن المعتبر فيه أن يسجد على قرار وهو حاصل فيما لا يتحرك بحركته. قال الشيخ: هكذا ذكره الأصحاب واتفقوا عليه، وجعلوا حمله لما يلاقي النجاسة مبطلًا، وهو يحتاج إلى دليل. قال: (ولا قابض طرف شيء على نجس إن تحرك) بحركته؛ لأنه حامل للشيء النجس، كمن قبض طرف حبل أو ثوب، أو شده في رجله أو يده أو وسطه، وطرفه الآخر نجس أو متصل بنجاسة. قال: (وكذا إن لم يتحرك في الأصح) كالعمامة. والثاني: يصح؛ لأن الطرف الملاقي للنجاسة ليس محمولًا له.

فَلَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ رِجْلِهِ .. صَحَّتْ مُطْلَقًا، وَلاَ يَضُرُّ نَجِسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الشرح الصغير): وهذا أوجه الوجهين. والثالث: إن كان الطرف الآخر نجسًا، أو متصلاً بعين النجاسة كما لو كان في عنق كلب .. لم يصح. وإن كان متصلًا بطاهر، وذلك الطاهر متصل بالنجاسة، كما لو كان مشدودًا في ساجور أو خرقة وهما في عنق كلب، أو عنق دابة تحمل نجاسة .. فلا بأس. والأوجه جارية سواء تحرك بحركته أم لا على الأصح، هذه طريقة الإمام. وقال أكثر الأصحاب: إن كان كلبًا صغيرًا أو ميتًا .. بطلت قطعًا، أو كبيرًا حيًا .. فكذا في الأصح. ولو كان الحبل مشدودًا بباب دار فيها نجاسة .. لم تبطل بلا خلاف. قال: (فلو جعله تحت رجله .. صحت مطلقًا) سواء تحرك بحركته أم لا، كالمصلي على بساط طرفه الآخر نجس؛ لأنه ليس بحامل للنجس ولا المتصل به. قال: (ولا يضر نجس يحاذي صدره في الركوع والسجود على الصحيح)؛ لعدم الحمل والملاقاة. والثاني: يضر؛ لأن القدر الذي يوازيه منسوب إليه لكونه مكان صلاته. وقوله: (صدره) مثال، والمراد: شيء من بدنه كبطنه وغير ذلك. ومن صور ذلك: أن يصلي على ثوب مهلهل النسج مبسوط على نجاسة، فإن حصلت له مماسة النجاسة من الفرج .. بطلت صلاته، وإن لم تحصل وحصلت الماحاذاة .. فعلى الوجهين، الأصح: لا تبطل. ولو صلى على سرير قوائمه على نجاسة .. صحت صلاته وإن تحرك بحركته. ولو نجس طرف ثوبه ولم يجد ماء يغسله به، فإن كان أرش قطعه كأجرة مثل السترة .. لزمه قطعه، وإن كان أكثر .. فلا.

وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجِسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ .. فَمَعْذُورٌ، وَإِلاَّ .. وَجَبَ نَزْعُهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا- قِيلَ: وَإِنْ خَافَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو وصل عظمه) أي: عند احتياجه إليه لكسر ونحوه (بنجس لفقد الطاهر .. فمعذور)؛ للضرورة، فلا يعطي ولا يلزمه نزعه. قال الشيخ: هكذا أطلقه الرافعي والمصنف، وهو محمول على ما إذا كان يخاف من نزعه. أما عند عدم الخوف .. فالمفهوم من إطلاق غيرهما- كصاحب (التنبيه) وغيره- وجوب النزع، وبه جزم الإمام والمتولي وابن الرفعة. وإطلاقه: (فقد الطاهر) يفهم جواز الوصل بعظم الآدمي، وليس بمراد؛ لأن العظم المحترم يحرم الوصل به مطلقًا، أما عظم الحربي والمرتد فمقتضى إطلاقهم أيضًا .. أنه لا يجوز. قال: (وإلا) أي: وإن لم يحتج إلى الوصل، أو احتاج ولكن وجد طاهرًا يقوم مقامه (.. وجب نزعه) سواء اكتسى اللحم أم لا. قال: (إن لم يخف ضررًا ظاهرًا) كهلاك أو تلف عضو من أعضائه، أو شيء من المحذورات المذكورة في التيمم؛ لأنها نجاسة غير معفو عنها أوصلها إلى موضع يلحقه حكم التطهير لا يخاف التلف من إزالتها، فأشبه ما إذا وصلت المرأة شعرها بشعر نجس. فإن لم يفعل .. أجبره السلطان عليه. فإن امتنع .. لزم السلطان قلعه؛ لأنه تدخله النيابة كرد المغصوب. ولا تصح صلاة معه سواء اكتسى اللحم أم لا، وقيل: إن اكتسى اللحم .. لم ينزع. قال: (قيل: وإن خاف) أي: الهلاك أو تلف منفعة العضو؛ لأنه حصل بفعله وعدوانه، كما لو غصب مالًا ولم يمكن انتزاعه منه إلا بضرب يخاف منه التلف. والصحيح: أنه لا يجب؛ لأن النجاسة يسقط حكمها عند خوف التلف، كما يحل أكل الميتة.

فَإِنْ مَاتَ .. لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن مات) أي: بعد وجوب النزع .. (.. لم ينزع على الصحيح)؛ لأن النزع لأجل الصلاة وقد سقط التكليف بالموت، ولما فيه من المثلة وهتك الحرمة. وقال ابن سريج: ينزع؛ حتى لا يلقى الله عز وجل حاملًا للنجاسة. وعلى هذا الوجه .. الأصح: أن النزع مستحب، وقيل: واجب. وأما على المذهب .. فالتعليل الأول يقتضي: عدم الوجوب، والثاني يقتضي التحريم. فروع: لو داوى جرحه بدواء نجس، أو خاطه بخيط نجس، أو شق موضعًا من بدنه وجعل فيه دمًا .. فحكمه حكم الوصل بالعظم النجس، وكذا الوشم على الأصح. وعن (تعليق الفراء): أنه يزال الوشم بالعلاج، فإن لم يمكن إلا بالجرح .. لم يجرح ولا إثم عليه بعد التوبة. و (الوشم): أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بالعظلم- وهو النيل- فيزرق أثره أو يخضر، وتصحف العظلم على المصنف فعبر في (الروضة) بالعظام. ووصل المرأة شعرها بشعر نجس، أو شعر آدمي حرام قطعًا؛ لأنه يحرم الانتفاع به لكرامته، بل يدفن شعره وغيره. وسواء في هذين المزوجة وغيرها. وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي، فإن لم تكن ذات زوج ولا سيد .. حرم الوصل به على الصحيح، وإن كانت ذات زوج أو سيد .. فثلاثة أوجه: أصحها: إن وصلت بإذنه .. جاز، وإلا .. حرم. والثاني: يحرم مطلقًا. والثالث: لا يحرم ولا يكره مطلقًا. وأما تحمير الوجه، والخضاب بالسواد، وتطريف الأصابع به .. فحرام على الخلية، وعلى غيرها بغير إذن أما بالحناء وحده .. فجائز.

وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ، وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا .. بَطَلَتْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو صلى على جنازة ورجله في مداسه النجس .. لم يصح، ولو جعله تحت قدميه .. جاز. ولو نزع أصابعه منه، إن كان شيء من رجله بحذاء ظهر المداس .. لم يجز، وإلا .. جاز، قاله القاضي أبو الطيب والمتولي، قالا: وكثيرًا ما تبول الأبقار على الغلة عند الدياس وتروث، فإن اتخذه خبزًا من غير غسل الحنطة .. فهو طاهر لا يجب غسله منه؛ لعدم التحقق. والاحتياط غسل الفم. قال: (ويعفى عن محل استجماره)؛ لجواز الاقتصار على الحجر، فلو عرق وتلوث بمحل النجو غيره .. فالأصح: العفو أيضًا؛ لعسر الاحتراز. قال: (ولو حمل مستجمرًا .. بطلت في الأصح)؛ لأن المصلي غير محتاج إلى حمل غيره. والثاني: تصح؛ لأن ذلك الأثر معفو عنه. ويجري الوجهان في حمل من على ثوبه نجاسة معفو عنها. فروع: لو وقع المستجمر في ماء قليل .. نجسه على الأصح. ولو حمل بيضة استحالة دمًا، أو عنقودًا استحال خمرًا .. فالأصح: البطلان. وكذا لو حمل قارورة مصمتة الرأس برصاص ونحوه فيها نجس، فإن كانت مصمتة بخرقة ونحوها .. بطلت قطعًا. واللحم المنتن طاهر، وأسقطه من (الروضة). ولو حمل طيرًا أو حيوانًا آخر لا نجاسة عليه .. صحت صلاته، ولا نظر إلى

وَطِينُ الشَّرِعِ الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى مِنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ما في بطنه من النجاسة؛ لأنها في معدنها الخلقي فلا تعطي حكم النجاسة، كما في جوف المصلي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامه بنت بنته زينب وهو يصلي. هذا إذا كان الحيوان المحمول طاهر المنفذ، فإن لم يكن .. فوجهان: أظهرهما عند الغزالي: الصحة ولا مبالاة بذلك القدر اليسير. والأصح: أنه لا يصح كغيره من الأماكن المتنجسة. ولو حمل حيوانًا مذبوحًا بعد غسل الدم عن موضع الذبح وغيره .. لم يصح قطعًا. قال: (وطين الشارع المتيقن نجاسته يعفى منه عمًا يتعذر الاحتراز منه غالبًا)؛ لأن الناس لابد لهم من التردد والانتشار في حوائجهم، وكثيرًا منهم لا يجد إلا ثوبًا واحدًا، فلو أمروا بالغسل كلما أصابهم ذلك .. لعظمت المشقة. واحترز المصنف بـ (المتيقن النجاسة) عما يغلب على الظن اختلاطه بها كغالب الشوارع .. ففيه قولان- كثياب القصابين والأطفال والكفار ومدمني الخمر- أظهرهما: الطهارة؛ تغليبًا للأصل على الظاهر.

وَيخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن)، فقد يتعذر الاحتراز عنه في زمن الشتاء عن مقدار لا يتعذر الاحتراز عنه في زمن الصيف. ويعفى في الرجل وذيل القميص عما لا يعفى عنه في اليد والكم. و (المعفو عنه): ما لا ينسب صاحبه إلى سقطة أو كبوة أو قلة تحفظ، فإن نسب إلى ذلك .. لم يعف عنه. والأصح في جميع ذلك: ترجيح الأصل كما سيأتي في آخر (صلاة الخوف). فروع: ماء الميزاب الذي تظن نجاسته ولم تتيقن طهارته فيه الخلاف في طين الشارع، واختار المصنف الجزم بطهارته. وسئل ابن الصلاح عن الجوخ الذي اشتهر على ألسنة الناس أن فيه شحم خنزير فقال: لا نحكم بنجاسته إلا بتحقق النجاسة. وسئل عن الأوراق التي تعمل، وتبسط وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس فقال: لا نحكم بنجاستها. وسئل عن قليل من قمح بقي في سفل هري وقد عمت البلوى بزبل الفأر في أمثال ذلك، فقال: لا نحكم بنجاسته، إلا أن نعلم نجاسته في هذا الحب المعين. قال: (وعن قليل دم البراغيث) وكذا القمل؛ لعموم البلوى به وعسر الاحتراز. ولا خلاف في العفو عن ذلك، إلا ما حصل بفعله كما إذا قتل برغوثًا أو قملة ونحو ذلك في ثوبه أو بدنه، فإن كان كثيرًا .. لم يعف عنه قطعًا، وإلا .. فوجهان. ولا فرق في العفو بين الثوب والبدن، وكذلك كل ما ليس له نفس سائلة كالبعوض وشبهه. و (القليل) جمعه: قلل، مثل: سرير وسرر.

وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَالأَصَحُّ: لاَ يُعْفَى عَنْ كَثِيِرهِ، وَلاَ قَلِيلٍ انتْشَرَ بِعَرقٍ، وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالعَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (البراغيث) جمع: برغوث بالضم، والفتح قليل. ويقال له: طامر بن طامر. روى أحمد [2/ 178] والبزار [كشف 2042]، والبخاري في (الأدب) [1237]، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يسب برغوثًا فقال: (لا تسبه؛ فإنه أيقظ نبيًا لصلاة الفجر). قال: (وونيم الذباب) هو بفتح الواو وكسر النون- وهو روثها- للعلة المذكورة. و (الذباب) مفرد، وجمعه: ذباب بالكسر وأذبة. ولا يقال: ذبابة بنون قبل الهاء قاله الجوهري. وألحقوا بذلك بول الخفاش. قال: (والأصح: لا يعفى عن كثيره، ولا قليل انتشر بعرق)؛ لأن البلوى لا تعم به. والثاني: يعفى عنهما؛ لأن الغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز، فيلحق غير الغالب منه بالغالب. ولو حمل الثوب الذي أصابه الدم المعفو عنه في كمه أو فرشه وصلى عليه، فإن كان كثيرًا .. لم يعف عنه، وإلا .. عفي. وقال القاضي: لو لبس ثوبًا زائدًا على تمام لبوس بدنه وعليه دم البراغيث .. لم تصح صلاته؛ لأنه غير مضطر إليه. قال: (وتعرف الكثرة بالعادة)، فما يقع التلطيخ به غالبًا ويعسر الاحتراز منه .. فهو قليل، وما ليس كذلك .. فهو كثير، وعلى هذا: يختلف بالبلاد والأوقات. قال الإمام: والذي أقطع به: أنه لابد من اعتبار عادة الناس في غسل الثياب. والوجه الثاني المقابل لما في الكتاب: أنه لا تعتبر العادة بل الكثير: ما يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان طلب، والقليل دونه. وهذان الوجهان على الجديد.

قُلْتُ: الأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَدَمُ الْبَثَرَاتِ كَالْبَرَاغِيثِ، وَقِيلَ: إِنْ عَصَرَهُ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي قول قديم: القليل: قدر دينار، وفي آخر: ما دون الكف. ولو كانت النجاسة متفرقة، ولو جمعت لبلغت قدرًا لا يعفى عنه، أو شك في كونها قليلًا أو كثيرًا .. ففيهما احتمالان للإمام، وميله إلى العفو فيهما، وكلام (التتمة) يقتضي: الجزم، بخلافه في الصورة الأولى. قال: (قلت: الأصح عند المحققين: العفو مطلقًا والله أعلم) سواء قل أو كثر، انتشر بعرض أم لا؛ لأنه مما يشق الاحتراز منه غالبًا، فألحق نادره بغالبه. أما إذا اجتمعت الكثرة والانتشار بالعرق .. فظاهر إطلاق المصنف العفو عنه، وفيه نظر. قال: (ودم البثرات كالبراغيث) بالاتفاق؛ لأن الإنسان قل ما يخلو عنها، فلو وجب الغسل لكل مرة .. لشق، فيعفى عن قليله قطعًا، وعن كثيره على المرجح. ولأن دم البراغيث رشحات يمصها البرغوث من بدن الإنسان ثم يمجها، وليس للبرغوث دم في نفسه، ولذلك يعد مما ليس له نفس سائلة. و (البثرات) جمع بثرة- بفتح الباء وإسكان الثاء المثلثة- خراج صغار. وخص بعضهم به الوجه، والمشهور: أنه يعم الوجه وسائر البدن. روى ابن السني [635] والنسائي في (عمل اليوم والليلة) [1031] عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج في إصبعي بثرة فقال: (عندك ذريرة)؟ قلت: نعم، فوضعها عليها وقال: (قولي: اللهم؛ مصغر الكبير، ومكبر الصغير، صغر ما بي) فطفئت. قال: (وقيل: إن عصره .. فلا)؛ للاستغناء عنه. والأصح فيما إذا كان قليلًا: العفو عنه؛ لما روى البخاري بغير إسناد، والبيهقي [1/ 141] مسندًا: (أن ابن عمر عصر بثرة على وجهه، وذلك بين إصبعيه بما خرج منها، وصلى ولم يغسله). قال: الإمام: لعل يده جرت عليها في غفلة منه.

وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ .. قِيلَ: كَالْبَثَرَاتِ، وَالأَصَحُّ: إِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا .. فَكَالاِسْتِحَاضَةِ، وَإِلاَّ .. فَكَدَمِ الأَجْنَبِيِّ فَلاَ يُعْفَى، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الرفعة: ولعل ما خرج منه مما لا رائحة له .. فيكون طاهرًا على المذهب، كما سيأتي. والمصنف أطلق الخلاف ومحله- كما قال في (شرح المهذب) - إذا كان الخارج دمًا قليلًا، فإن كان كثيرًا .. ضر جزمًا. قال: (والدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة .. قيل: كالبثرات)؛ لأنه- وإن لم تكن غالبة- فليست بنادرة، وإذا وجدت .. دامت ويعسر الاحتراز عن لطخها، وهذا رأى ابن سريج، وهو قضية كلام الأكثرين، وصححه المصنف هنا وفي (الروضة). قال: (والأصح: إن كان مثله يدوم غالبًا .. فكالاستحاضة) فيحتاط له بقدر الإمكان، ويعفى عما يتعذر أو يشق من غير جريان خلاف. والحاصل في دم الاستحاضة أوجه: العفو عنه وعكسه، والفرق بين قليله وكثيره. قال: (وإلا .. فكدم الأجنبي)؛ لأنها تندر بخلاف البثرات. قال: (فلا يعفى) عنه- أي: عن دم الأجنبي- لانتفاء المشقة فيه. قال: (وقيل: يعفى عن قليله) وهو: ما يعده الناس يسيرًا؛ لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو، فيقع القليل منه في محل المسامحة. قال: (قلت: الأصح: أنها كالبثرت) وهو كما قال؛ فقد ذكر الرافعي: أنه قضية كلام الأكثرين، إلا أنه رجح الوجه الثاني بحثًا. وقد جزم المصنف في آخر (التيمم) بعدم العفو في قوله: (إلا أن يكون بجرحه دم كثير) - والجرح هو القرح- وصحح هنا: أن دم القروح كالبثرات، والبثرات

وَالأَظْهَرُ: الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الأَجْنَبِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ، وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوح وَالْمُتَنَفِّطُ الَّذِي لَهُ رِيحٌ، وَكَذَا بِلاَ رِيحٍ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: طَهَارَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كالبراغيث، وصحح في دم البراغيث: العفو عن كثيره، فانتهى الأمر إلى أنه إذا كان بجرحه دم كثير .. يعفى عنه لا قضاء. قال: (والأظهر: العفو عن قليل دم الأجنبي والله أعلم) هو الذي ذهب إليه الأكثرون وأطلقوا الخلاف، وقيده صاحب (البيان) بغير دم الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما، فلا يعفى من شيء من ذلك بلا خلاف لغلظ حكمه، ووافقه على ذلك الشيخ نصر المقدسي، وإن كان المصنف قال في (التحقيق): إنه لم يوافقه عليه أحد. فرع: قال القاضي: الجدري إذا تورم واجتمعت فيه المادة .. تجوز الصلاة معه ما لم يخرج منه شيء، فإذا يبس وصارت تلك الجلدة كالميتة بحيث لا يتألم لقطعها .. صحت الصلاة معها كاليد الشلاء. قال: (والقيح والصديد كالدم)؛ لأنهما دمان مستحيلان إلى نتن وفساد. قال الجوهري: (الصديد): ماء رقيق مختلط بدم. وقال ابن فارس: دم مختلط بقيح. وحكمهما في الانقسام- إلى خارج منه، أو من أجنبي- كالدم. قال: (وكذا ماء القروح والمتنفط الذي له ريح)؛ قياسًا على القيح والصديد. قال: (وكذا بلا ريح في الأظهر) قياسًا على الصديد الذي لا رائحة له. قال: (قلت: المذهب: طهارته والله أعلم)؛ تشبيهًا بالعراق، لعدم استقذاره. ورجح في (شرح المهذب) القطع، ثم قال: وحيث نجسناه .. فهو كالبثرات. والرافعي استدل لقول النجاسة بالقياس على الصديد الذي لا رائحة له. فإن كان الحكم فيه مسلمًا .. فيحتاج المصنف إلى الفرق بينهما؛ فإن عدم النتن في الموضعين.

وَلَوْ صَلَّى بِنَجِسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك يعفى عما يلحق البدن والثوب من عبار المزابل والمواضع النجسة حسب العادة. وفي دخان النجاسة وجهان: أصحهما: أنه نجس؛ لأنه أجزاء متحللة منها. والثاني: ليس بنجس؛ لأنه بخار نجاسة، فهو كالبخار الذي يخرج من الجوف. فإن قلنا بالنجاسة .. فالصواب: أنه لا ينجس الثوب اليابس ولا البدن اليابس، وكذا الرطب منهما على الصحيح. قال: (ولو صلى بنجس) أي: غير معفو عنه (لم يعلمه .. وجب القضاء في الجديد) سواء في ذلك البدن والثوب والمكان؛ لأنها طهارة واجبة، فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث. والقديم: لا يجب، ونقله ابن المنذر عن خلائق، واختاره هو والمصنف في (شرح المهذب)؛ لما روى الحاكم [1/ 139] وأبو داوود [650]- بإسناد صحيح- عن

وَإِنْ عَلِمَ ثَمَّ نَسِيَ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه .. إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم ذلك .. ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله عليه وسلم صلاته .. قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟) قالوا: يا رسول الله؛ رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا). وفي رواية لأبي داوود [651]: (خبثاً) عوضًا عن (قذرًا)، وفي رواية [مي 1418]: (أذى)، وفي رواية [قط 1/ 399]: (دم حلمة). ووجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام لم يستأنف الصلاة، ولو كان مبطلًا .. لاستأنفها. وجوابه: أن المراد بـ (القذر): الشيء المستقذر. وبـ (دم الحلمة): الشيء اليسير المعفو عنه. وإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ تنزهًا. و (الحلمة) بالتحريك: القرادة الكبيرة، والجمع: حلم. قال: (وإن علم ثم نسي .. وجب القضاء على المذهب)؛ لتقصيره بتركها. وقيل: على القولين في الجاهل. وجعل الغزالي مثار الخلاف في حالتي الجهل والنسيان .. أن اجتناب النجاسة في الصلاة هل هو من قبيل المنهيات وخطاب التكليف، فيسقط بالجهل والنسيان كما يسقط الإثم؟ أو اجتنابها من باب الشروط وخطاب الوضع، فلا يؤثر فيه الجهل والنسيان كضمان المتلفات؟ تتمة: حيث أوجبنا الإعادة .. فإنما تجب إعادة كل صلاة تيقن فعلها مع النجاسة، فإن احتمل حدوثها بعد الصلاة .. فلا شيء عليه؛ لأن: (الأصل في كل حادث تقدير وجوده في أقرب زمن، والأصل عدم وجوده قبل ذلك). وقال المتولي: لا يلزمه إلا إعادة صلاة واحدة، سواء كانت النجاسة يابسة أو رطبة، سواء كان في الصيف أو الشتاء.

فصل

فَصْلٌ: تبْطُلُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة: إن كانت النجاسة رطبة .. فالواجب إعادة صلاة واحدة، وإن كانت يابسة، فإن كان الزمان صيفًا .. يعيد صلاة، وإن كان شتاءً .. يعيد خمس صلوات. قال: (فصل: تبطل بالنطق) أجمعت الأمة على بطلان الصلاة بالكلام العمد الذي يطلح لخطاب الآدميين من غير عذر، إذا لم يكن من مصلحة الصلاة؛ لما روى مسلم [539] عن زيد بن أرقم قال: (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قوله تعالى: {وقوموا لله قنتين}، فمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث: ألا تكلموا في الصلاة) رواه أبو داوود [921] وغيره. فإن قيل: روى الشيخان [خ482 - م573] عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو العصر فسلم من ركعتين، فخرج سرعان الناس وقالوا: قصرت الصلاة! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خشبة في المسجد كالمتفكر، فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ذلك لم يكن)، وفي القوم أبو بكر وعمر، فلما قالا كما قال ذو اليدين .. قام وأتم الصلاة، وسجد سجدتين. وهذا يدل على أن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها .. فالجواب: أن كلام ذي اليدين لم يبطل؛ لاعتقاده أن الصلاة قد قصرت، وجوابه صلى الله عليه وسلم؛ لاعتقاده تمام الصلاة، وكلام أبي بكر وعمر؛ إجابة لقوله صلى الله عليه وسلم وهي لا تبطل. قال: (بحرفين) اتفقوا على ذلك. وشمل قوله: (بحرفين) المهمل والمستعمل، والمفهم وغير المفهم. قال في (شرح المهذب): لأن الكلام يقع على المفهم وغيره- عند اللغويين والفقهاء والأصوليين- وإن كان النحاة يقولون: إن الكلام لا يكون إلا مفهمًا.

أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ، وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونازعه الشيخ بأن الأصوليين يشترطون فيه الوضع فالمهمل لا يسمى كلامًا عندهم. وأما الفقهاء .. فلا اصطلاح لهم في ذلك، وإنما المرجع في ذلك إلى اللغة، فكل ما سماه أهل اللغة كلامًا .. اندرج في عموم كلام الآدميين المنهي عنه، فإن الكلام إذا لم يكن له حقيقة في الشرع .. يجب الرجوع فيه إلى اللغة، والكلام فيها ينقسم إلى مفهم وغيره. وفهم من بطلانها بحرفين: بطلانها بثلاثة فصاعدًا؛ لأن فيها نطقًا بحرفين، وعدم بطلانها بحرف واحد بالشرط الآتي: قال: (أو حرف مفهم)، كقولك إذا أمرت بالوفاء والوقاية والوعي والوشي: (ف) و (ق) و (ع) و (ش)، وكذلك في الولاية (ل)، وفي الأمر بضرب الرئة (ر) ونحوها؛ لأنه كلام تام لغة وعرفًا وإن أخطأ بحذف هاء السكت. وحكى صاحب (التعجيز) وجهًا: أنها لا تبطل؛ لأن أقل ما يحتاج إليه الكلام حرفان: حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه. واحترز عن غير المفهم فإنه لا يبطل؛ لأنه لا يسمى كلامًا. قال: (وكذا مدة بعد حرف في الأصح)؛ لأن المد ألف أو ياء أو واو، وهي حروف مخصوصة، فضمها إلى الحروف كضم حرف إلى حرف. وإن كان قبل الحرف همزة مثل آه .. بطلت سواء كان من خوف النار أو من غيره. وقال المحاملي: إن كان من خوف النار .. لم تبطل. والمشهور الأول. والوجه الثاني: لا تبطل بذلك؛ لأنها قد تتفق لإشباع الحركة ولا تعد حرفًا. فروع: يستثنى من بطلانها بالكلام ما إذا أنذر أعمى أو صغيرًا من بئر ونحوه على الأصح في (التحقيق)، وهو مقتضي ما في (شرح المهذب)، لكنه في (الروضة) تبع الرافعي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فصحح البطلان؛ لأنه قد لا يقع فيما يخاف منه. ويستثنى ما إذا تلفظ بنذر .. فالأصح في (شرح المهذب): أنهما لا تبطل به؛ لأنه مناجاة. ويجب أن يكون محل الخلاف فيما إذا قال: لله علي كذا. فلو علق كأن شفى الله زيدًا ونحوها من صيغ التعليق .. فلا وجه إلا البطلان. ولو دعا النبي صلى الله عليه وسلم في عصره مصليًا .. وجبت إجابته على الأصح، ولا تبطل بذلك على الصحيح. وفي نداء أحد الأبوين ثلاثة أوجه: أصحهما: أن الإجابة لا تجب. وثانيهما: تجب وتبطل الصلاة. وثالثها: تجب ولا تبطل. واختار الشيخ أن الصلاة إن كانت نفلًا .. قطعا وأجاب، وإن كانت فرضًا .. لا يقطعها ولا يجيب. وروينا في (معجم ابن قانع) من حديث حوشب الفهري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان جريج الراهب فقيهًا عالمًا لعلم .. أن إجابة أمة أفضل من عبادة ربه)؛ لأن الكلام الذي كان يحتاج إليه كان مباحًا ذلك الوقت، وكذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ. وإشارة الأخرس المفهمة لا تبطلها على الأصح. وقراءة الآية المنسوخة التلاوة في الصلاة تبطلها، وفي وجه: لا تبطل بآية الرجم حكاه الرافعي في (باب حد الزنا). وفي (زيادات العبادي): لو قرأ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب النار، إن تعمد .. بطلت صلاته، وإلا .. فلا ويسجد للسهو. قال في (شرح المهذب): وفيما قاله نظر، ولم يبينه. قال القفال في (الفتاوى): إن قال ذلك متعمدًا معتقدًا .. صار كافرًا، وإن قاله غير معتقد ولكن تعمد قراءته .. بطلت صلاته. وإن قرأها ساهيًا .. لم تبطل ويسجد للسهو.

وَالأَصّحُّ: أَنْ التَّنَحْنُحَ وَالضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ وَالأَنِينَ وَالنَّفْخَ إِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ .. بَطَلَتْ، وَإِلاَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والقراءة بالشواذ تقدمت في (صفة الصلاة). قال: (والأصح: أن التنحنح والضحك والبكاء والأنين والنفخ إن ظهر به حرفان .. بطلت)، كما لو أتى بحرفين على وجه آخر، (وإلا .. فلا)؛ لأنه لا يسمى كلامًا. والثاني: لا تبطل مطلقًا- وحكي عن النص- لأنه ليس من جنس الكلام، ولا يكاد يتبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل، ولا فرق في النفخ بين الفم والأنف. والثالث: قال القفال: إن كان فمه منطبقًا .. لم تبطل؛ لأنه لا يكون على هيئة الحروف، إنما هو كقرقرة في الجوف، وإن كان مفتوحًا .. بطلت. قال الإمام: وليس بشيء؛ لأن الأصوات لا تختلف في السمع بذلك. ونقل ابن المنذر الإجماع على بطلان الصلاة بالضحك، وحمله في (شرح المهذب) على ما إذا بان منه حرفان، لكن في (البحر) عن القاضي أبي الطيب: أن الضحك مبطل مطلقًا وإن قل؛ لما فيه من هتك الحرمة، وفي (التجريد) نحوه. وفي (فتاوى القفال): إن ضحك عمدًا فعلا صوته .. بطلت صلاته ظهر منه حرفان أم لا. والتبسم لا يبطل الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبسم فيها، فلما سلم قال: (مربي ميكائيل فضحك لي، فتبسمت له). وأما البكاء والأنين والنفخ .. فالخلاف مرتب. وقال الماسرجسي: إن كان البكاء لخشية الله تعالى .. لم تبطل، وإن كان حزنًا على ميت ونحوه .. بطلت. وفي (الشامل) عن الشيخ أبي حامد: أنه إذا حزن في الصلاة ففاضت عيناه .. جازت صلاته؛ لقوله تعالى: {خروا سجدًا وبكيًا}.

وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلاَمِ إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، أَوْ نَسِيَ الصَّلاَةَ، أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ إِنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالإِسْلاَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن عبد الله بن الشخير قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء) رواه أبو داوود [900] والنسائي [3/ 13] والترمذي في (الشمائل) [322]، وصححه ابن حبان [753] والحاكم [1/ 264]، ووقع في (الإلمام) عزو هذا الحديث لمسلم وهو سهو. وعد الرافعي في (الشهادات) الضحك في الصلاة من الصغائر، نقله عن صاحب (العدة) وأقره). قال: (ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه، أو نسي الصلاة، أو جهل تحريمه إن قرب عهده بالإسلام) لا خلاف عندنا في المسائل الثلاث. أما الجاهل بالتحريم .. فلحديث معاوية بن الحكم قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني .. سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فبأبي هو وأمي؛ ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، إنما قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم [537]. وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة. وقال صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)، ومن سبق لسانه .. أولى. ولو علم أن الكلام حرام، ولم يعلم أنه يبطل الصلاة .. لم يكن عذرًا. ولو لم

لاَ كَثِيرِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعلم تحريم التنحنح ولا كونه مبطلًا وهو طويل العهد بالإسلام .. فالأصح: أنه يعذر؛ لأنه يخفى على العوام. وأما الناسي للصلاة .. فلقصة ذي اليدين، فإنها متأخرة عن النهي عن الكلام في الصلاة؛ لأن نسخ الكلام في الصلاة كان بمكة؛ وقصة ذي اليدين حضرها أبو هريرة وغيره ممن لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة، فمن ادعى أنها منسوخة بـ (النهي عن الكلام) .. فهو غالط جاهل بالتاريخ. وذو اليدين تأخرت وفاته إلى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذو الشمالين الذي مات ببدر غيره. فإذا ثبت تأخر قصة ذي اليدين .. فالنهي محمول على العمد. قال: (لا كثيره في الأصح) أي: لا يعذر في الكثير وإن سبق لسانه، أو نسي الصلاة، أو جهل التحريم وكان قريب العهد بالإسلام؛ لأنه يمكن الاحتراز منه؛ ولأنه يقطع نظم الصلاة والقليل يحتمل. والثاني: يعذر فيه؛ لأنه لو أبطلها .. لأبطلها القليل كما في حالة العمد. والفرق بين هذا وبين الصوم حيث لا يبطل بالأكل الكثير ناسًا- على ما صححه المصنف-: أن المصلي متلبس بهيئة مذكرة بالصلاة يبعد معها النسيان بخلاف الصائم. وصحح الشيخ تبعًا للمتولي: أن الكلام الكثير نسيانًا لا يبطل؛ لقصة ذي اليدين. ويرجع في القليل والكثير إلى العرف على الأصح. وقيل: القليل: مثل ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين، وقيل: الكلمة والكلمتان ونحوهما، وفي قول: ما يسع زمانه ركعة، وفي وجه: ما لا تسعه تلك الصلاة.

وَفِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ، لاَ الْجَهْرِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلاَمِ .. بَطَلَتْ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي التنحنح ونحوه) أي: مما سبق في الضحك والبكاء والنفخ والعطاس. و (التنحنح): صوت يردده الرجل في صدره. قال: (للغلبة وتعذر القراءة)؛ لأنه معذور. والمراد: القراءة الواجبة وهي: (الفاتحة)، أو بدلها عند العجز عنها، وفي معنى ذلك التشهد الواجب، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسكت المصنف عن حكم المستحب. والقياس: تخريجها على الخلاف في الجهر، والأصح فيه: أنه ليس بعذر. وقيل: لا يعذر للقراءة، حكاه المحب الطبري. أما السعال والعطاس .. فالصواب: عدم الإبطال بكثرتهما؛ لأنه لا يمكن الاحتراز من ذلك، ولا ينقطع به نظم الصلاة. وما وقع للرافعي والمصنف في ذلك من الفرق بين القليل والكثير رده الشيخ وغيره. فرع: لو تنحنح إمامه .. لم تجب مفارقته على الأصح؛ لاحتمال الغلبة وغيرها من الأعذار، والأصل بقاء العبادة. قال: (لا الجهر في الأصح)؛ لأنه سنة فلا حاجة لاحتمال التنحنح لأجله. والثاني: أنه يعذر؛ إقامة لشعائر الصلاة. وأما الجهر بأذكار الانتقالات عند الحاجة إلى سماع المأمومين .. فلا يبعد أن يكون عذرًا. قال: (ولو أكره على الكلام .. بطلت في الأظهر)؛ لأنه أمر نادر، وقياسًا على ما لو أكره على الصلاة قاعدًا أو بلا وضوء .. فإن ذلك لا يكون عذرًا.

وَلَوْ نَطَقَ بِنِظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَـ {يَيَحيَى خُذِ الْكِتَابَ} إِنْ قَصَدَ مَعَهُ قِرَاءَةً .. لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلاَّ .. بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا كالناسي. قال: (ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم كـ {ييحيى خذ الكتاب})، ومثله: {ادخلوها بسلام ءامنين}، ولم يمشي في نعليه: {فاخلع نعليك}. واحترز (بنظم القرآن) عما لو أتى بكلمات مفرداتها في القرآن دون نظمها كقوله: يا قومنا، قوموا لله قانتين، فإن أتى به موصولًا .. بطلت صلاته، وإن فرق الكلام .. لم تبطل؛ لأن الجميع قرآن. قال: (إن قصد مع قراءة .. لم تبطل)؛ لأن عليًا كان يصلي، فدخل رجل من الخوارج فقال: لا حكم إلا لله ورسوله، فتلا علي: {فاصبر إن وعد الله حق}، وسيأتي الخبر بتمامه في (باب البغاة). وفي وجه: تبطل في هذه الحالة؛ تغليبًا للإفهام. قال: (وإلا .. بطلت) أي: إذا قصد التفهيم وحده. وهذا لا خلاف فيه؛ لأنه كلام، ولهذا قال المصنف: (بنظم القرآن) ولم يقل: بالقرآن. وقال في (الدقائق): يفهم من عبارته أربع مسائل: إحداها: إذا قصد القراءة. والثانية: إذا قصد القراءة والإعلام. والثالثة: إذا قصد الإعلام فقط. والرابعة: أن لا يقصد شيئًا. ففي الأولى والثانية لا تبطل الصلاة فيهما، وفي الثالثة والرابعة تبطل فيهما. قال: وتفهم الرابعة من قوله: (وإلا بطلت) كما تفهم منه الثالثة وهذه الرابعة لم يذكرها في (المحرر)، وهي نفيسة لا يستغنى عن بيانها، وسبق مثلها في قول (المنهاج): (وتحل أذكاره لا بقصد قرآن) اهـ والصورة الرابعة لم يذكرها الرافعي ولا الماوردي ولا المتولي، وجزم الشيخ فيها بالبطلان، كما يحل للجنب ذكره؛ لأن مثل ذلك لا يصير قرآنًا إلا بالقصد، لكن ظاهر كلام (الحاوي الصغير) فيها عدم البطلان، وبه صرح القاضي شرف الدين البارزي، وجزم به الحموي شارح (الوسيط).

وَلاَ تَبْطُلُ بِالذَكْرِ وَالدُّعَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإطلاق البطلان فيما تقدم محمول على ما إذا أتى به وحده، أما إذا كان قد انتهى في قراءته إليه .. فقال المصنف والشيخ: لا تبطل. والاسترسال في القراءة قائم مقام القصد. والأقسام الأربعة تأتي في الجنب كما أشار إليه، وفيمن حلف أن لا يكلمه، فأتى بآية فهم المحلوف عليه منها ما قصده الحالف. تحقيق: إذا أرتج على الإمام القراءة، ففتح عليه المأموم بقصد الرد .. لم تبطل صلاته بلا خلاف؛ لأن الفتح مندوب للإمام في هذه الحالة- كما سيأتي- ففي (الدارقطني) [1/ 400]، و (البيهقي) [3/ 212]، و (الحاكم) [1/ 276]- وقال: صحيح- عن أنس قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يلقن بعضهم بعضًا في الصلاة). ولا يتخرج ذلك على هذه المسألة، كما صرح به الماوردي، والشيخ أبو إسحاق في (التذكرة) في الخلاف- وهو المنصوص- وكثيرًا ما يغلط في ذلك. وهو في (الشرح) و (الروضة) في (كتاب الأيمان) حيث قالا: لو صلى الحالف: لا يكلم زيدًا خلف المحلوف عليه، ففتح عليه القراءة .. لم يحنث، ولو قرأ آية فهم منها مقصوده .. لا يحنث إن قصد القراءة، وإلا .. فيحنث. قال: (ولا تبطل بالذكر والدعاء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ليتخير

إِلاَّ أَنْ يُخَاطِبَ كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: (يَرْحَمُكَ اللهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــ من الدعاء ما شاء)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع من الصلاة بأدعية مختلفة، فدل على أنه لا حجر فيه. كل هذا بشرط النطق بالعربية إن كان يحسنها، وبشرط أن لا يقصد به شيئًا آخر، فإن كان قصد كسبحان الله بقصد التنبيه، وتكبيرات الانتقالات من المبلغ بقصد التبليغ .. ففيه التفصيل السابق. قال: (إلا أن يخاطب كقوله لعاطس: (يرحمك الله)) فتبطل بذلك؛ لحديث معاوية بن الحكم، وبالقياس على رد السلام. على أن يونس بن عبد الأعلى روى عن الشافعي قولًا غريبًا: أن الصلاة لا تبطل بذلك؛ لأنه دعاء، واختاره الروياني. وقيد الرافعي المسألة بغير خطاب الله تعالى، وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم. وأهمله المصنف؛ لأنه يؤخذ من التشهد. ويؤخذ من كلامه أيضًا: أنها تبطل بخطاب ما عدا النبي صلى الله عليه وسلم من الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فروع: إذا سلم على المصلي .. لا يجب عليه الرد لا في الحال ولا بعد السلام؛ لأن

وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلاً بِلاَ غَرَضٍ .. لَمْ تَبْطُلْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوبه منوط باستحباب السلام، والسلام عليه لا يستحب، بل نص الشافعي على كراهته على الخطيب، فعلى المصلي أولى، ليكن الأصح أنه يستحب له الرد بالإشارة ناطقًا كان المصلي أو أخرس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد على الأنصار بيده حين سلموا وهو في الصلاة، ورد على صهيب فيها بإصبعه، رواه أبو داوود [922]. ولو عطس في صلاته .. حمد الله في نفسه ولا يحرك لسانه، قاله في (الإحياء)، لكن في (الروضة) في آخر (كتاب السير): أنه يسمع به نفسه. ولو نطق بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو قال الله كذا .. بطلت صلاته. ولو قرأ الإمام: {إياك نعبد وإياك نستعين}، فقال المأموم مثل ذلك غير قاصد التلاوة، أو قال: استعنا بالله أو نستعين بالله .. بطلت. قال في (التحقيق): وقال الشيخ محب الدين الطبري: تصح؛ لأنه ثناء على الله. وقال الشيخ جمال الدين: إنه الحق، ويدل له قولهم في قنوت شهر رمضان: اللهم؛ إياك نعبد. قال: (ولو سكت طويلًا بلا غرض) أي: عمدًا في ركن طويل (.. لم تبطل في الأصح)؛ لأن السكوت لا يخل بهيئة الصلاة. والثاني: تبطل؛ لإشعاره بالإعراض عنها.

وَيُسَنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ كَتَنْبِيهِ إِمَامِهِ، وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ، وَإِنْذَارِهِ أَعْمَىً: أَنْ يُسَبِّحَ، وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بـ (الطويل) عن القصير، فإنه لا يضر قطعًا؛ لأنه مضرور إليه غالبًا. وبقوله: (بلا غرض) عما لو سكت لغرض، بأن نسي شيئًا فوقف ليتذكره .. فإنها لا تبطل على المذهب. قال: (ويسن لمن نابه شيء كتنبيه إمامه) أي: إذا سها (وإذنه لداخل، وإنذاره أعمى) أي: يخشى وقوعه في هلكة (أن يسبح، وتصفق المرأة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نابه شيء في صلاته .. فليسبح؛ فإنه سبح .. التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء) متفق عليه [خ684 - م421]. وفي رواية [خ1218]: (من نابه شيء في صلاته .. فليقل: سبحان الله). وإذا سبح .. ينبغي له أن يقصد الذكر والإعلام، فإن قصد الإعلام فقط .. لم تبطل؛ لأنه مأمور به. فلو سبحت المرأة أو صفق الرجل .. لم تبطل في الأصح. والخنثى كالمرأة كذا في (شرح المهذب)، وعبارة (الروضة) تقتضي: أنه يسبح. وإنذار الأعمى لا شك في وجوبه، ولكن السنة في كيفيته: ما ذكره في التفرقة بين الرجال والنساء، فإن كان التنبيه سنة .. كان التصفيق سنة، وإن كان مباحًا .. فمباح. وإذا لم يحصل الإنذار بالتسبيح ونحوه بل بالكلام .. وجب، والأصح: بطلان الصلاة به. وصحح في (التحقيق) عكسه كما تقدم قريبًا.

بِضَرْبِ الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ. وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلاَتِهِ غَيْرَهَا، إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا .. بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا لم يحصل إلا بالفعل الكثير .. فيتخرج على الخلاف في القول، فإذا لم نحكم ببطلان الصلاة .. فيتم صلاته في الموضع الذي انتهى إليه، قاله المحب الطبري. قال الشيخ: وإطلاق المصنف الاستحباب .. لك أن تجعله راجعًا إلى الكيفية، فيكون على إطلاقه من الفرق بين الرجال والنساء، وإن جعلته عائدًا إلى التسبيح والتصفيق .. فإنما يكونان سنتين إذا كان التنبيه قربة، فإن كان مباحًا .. كانا مباحين، قاله الشيخ أبو حامد وغيره. وقياس ذلك إذا كان التنبيه واجبًا، كإنذار الأعمى من الوقوع في بئر .. أن يكونا واجبين إذا تعين طريقًا في حصول المقصود. قال: (بضرب اليمين) أي: بطنها (على ظهر اليسار)، ولا ينبغي أن تضرب بطنًا على بطن؛ فإن ذلك لعب. ولو فعلته على وجه اللعب عالمة بالتحريم .. بطلت صلاتها وإن قل كما قاله الرافعي. وفي معنى الكيفية التي ذكرها المصنف .. أن تعكس فتضرب بطن الشمال على ظهر اليمين. وقيل: تضرب إصبعين على ظهر الكف. وقيل: تصفق كيف شاءت ولو بالباطن على الباطن. قال: (ولو فعل في صلاته غيرها) أي: فعلًا غير أفعالها (إن كان من جنسها) كزيادة ركوع أو سجود أو قيام أو قعود لا على وجه المتابعة (.. بطلت) إذا كان عالمًا بالتحريم؛ لأنه متلاعب. قال الإمام: ولا يشترط فيه أن يطمئن؛ لأنه يغير نظمها وإن لم يطمئن بخلاف الركن المعتد به؛ فإن مقصوده الخضوع ولا يحصل إلا بالمكث. نعم؛ يشترط في القعود أن يكون طويلاً، لكن يستثنى من إطلاق المصنف ما إذا كان قائمًا فانتهى إلى حد الركوع لقتل حية أو عقرب .. فإن ذلك لا يضر كما صرح به في (الكافي)، وما إذا جلس قبل سجوده جلسة خفيفة .. فإنها لا تضر.

إِلاَّ أَنْ يَنْسَى، وَإِلاَّ .. فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ لاَ قَلِيلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بقوله: (فعل) عما إذا كرر الفاتحة أو التشهد .. فإن ذلك لا يضر على النص كما سيأتي. قال: (إلا أن ينسى) .. فلا تبطل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا ولم يعد صلاته، بل سجد للسهو، متفق عليه [خ1226 - م572]. وسكت المصنف عن الجاهل، ولا شك في عذر من قرب عهده بالإسلام ونحوه. وأطلق المصنف أن الجاهل بالتحريم في قليل الأكل كالناسي لا تبطل صلاته بلا خلاف، وفيه نظر؛ لأن الجهل ممن نشأ بين المسلمين تقصير؛ إذا التحرز منه ممكن بالتعلم بخلاف النسيان. ويخرج من كلامه مسألة حسنة وهي: مسبوق أدرك الإمام في السجدة الأولى من صلب صلاته فسجدها معه، ثم رفع الإمام رأسه فأحدث وانصرف .. قال ابن أبي هريرة وابن كج: على المسبوق أن يأتي بالسجدة الثانية؛ لأنه صار في حكم من لزمه السجدتان. ونقل القاضي أبو الطيب عن عامة الأصحاب: أنه لا يسجد؛ لأنه بحدث الإمام انفرد، فهي زيادة محضة بغير متابعة فكانت مبطلة. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن من جنس أفعالها (.. فتبطل بكثيره) بالاتفاق؛ لأن الحاجة لا تدعو إليه. قال: (لا قليله) بالاتفاق أيضًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه وضعهما على يساره، و (صلى وهو حامل أمامة بنت زينب) رواه الشيخان [خ516 - م543]، زاد مسلم: (وهو يؤم الناس في المسجد). وروى ابن جريج: (أنها كانت صلاة الصبح). وروى ابن إسحاق: (أنها كانت صلاة الظهر أو العصر).

وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، فَالْخَطْوَتَانِ أَوِ الضَّرْبَتَانِ .. قَلِيلٌ، وَالثَّلاَثُ كَثِيرٌ إِنْ تَوَالَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (أمر بقتل الأسودين: الحية والعقرب في الصلاة)، صححه الترمذي [390]. و (أمر بدفع المار)، كما سيأتي. و (أدار ابن عباس من يساره إلى يمينه). قال: (والكثرة بالعرف)، فلا يضر ما يعد قليلًا، كخلع النعل ولبس الثوب الخفيف، والإشارة برد السلام. وقيل: القليل ما لا يحتاج إلى كلتا اليدين، كرفع العمامة وحل شوطة السراويل. والكثير: ما يحتاج إليهما، كالتعميم وعقد الإزار وتزرير الأزرار. وقيل: ما لا يسع ركعة. وقيل: ما يظن الناظر إليه أن فاعله ليس مصليًا، وضعف هذا بحمل الصبي وقتل الحية والعقرب وهو لا يضر قطعًا. قال: (فالخطوتان) أي: المتوسطتان (أو الضربتان .. قليل)؛ لحديث خلع النعلين. وقيل: هما كثير؛ لأن الفعل قد تكرر بخلاف لواحدة. و (الخطوة) بفتح الخاء المرة الواحدة، وبالضم: اسم لما بين القدمين، وقيل: لغتان. قال: (والثلاث كثير إن توالت) .. فتبطل. وادعى ابن الرفعة الاتفاق على ذلك، والخلاف ثابت في (الرافعي) كما تقدمت الإشارة إليه. فلو تفرقت .. لم يضر وإن كثرت. وحده: أن يعد الثاني منقطعًا عن الأول. فإن تردد في فعل هل انتهى إلى حد الكثرة أو لا .. فأظهر الأوجه: لا يؤثر.

وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ، لاَ الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الُمْتَوَالِيَةِ، كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ فِي سُبْحَةٍ أَوْ حَكٍّ فِي الأَصَحِّ. وَسَهْوُ الْفِعْلِ كَعَمْدِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا شرع في الفعل ناويًا فعلًا كثيرًا، فاقتصر على القليل .. فإن الصلاة تبطل، قاله صاحب (البيان) و (الشامل) في آخر (صلاة الخوف)، وجزم به المحب الطبري في (ألغازه)، وكأنه أخذه من كلامه في نية قطع الفاتحة؛ فإنهم قالوا: إذا سكت سكوتًا يسيرًا ناويًا به قطعها .. بطلت صلاته في الأصح. قال: (وتبطل بالوثبة الفاحشة)؛ لمنافاتها الصلاة. و (الوثبة): الطفرة. قال: (لا الحركات الخفيفة المتوالية، كتحريك أصابعه في سبحة أو حك في الأصح)، لأنها لا تخل بهيئة الخشوع، فهي مع الكثرة كالفعل القليل، ولهذا قال الشافعي: لا يضر عد الآيات عقدًا باليد، وإن كان الأولى تركه، كذا في (شرح المهذب) و (الروضة)، وجزم في (التحقيق) بكراهته. وكذلك المداومة على تحريك الأجفان. والثاني: تبطل؛ لأنها أفعال متعددة متوالية فأشبهت الخطوات. وأشار المصنف (بالأصابع) إلى أن صورة المسألة: أن يضع يده في محل واحد ويحرك أصابعه ويمر ذاهبًا وآيبًا. فإن حرك كفه ثلاثًا .. أبطل، إلا أن يكون به جرب لا يقدر معه على عدم الحك قاله في (الكافي)، وهو مأخوذ من قول القاضي حسين في (الفتاوى): إنه لو أكثر من حك جسده مرارًا متوالية مختارًا .. بطلت صلاته، فإن كان لجرب لا يمكنه الصبر عنه .. لم تبطل انتهى. وعلى هذا يحمل إطلاق البغوي: أن الحك ثلاثًا مبطل. ومر اليد وجذبها حكة واحدة. وكذا رفع اليد عن الصدر ووضعها في محل الحك. قال: (وسهو الفعل كعمده في الأصح)، فيبطل كثيره وإن كان سهوًا؛ لأنه يقطع نظم الصلاة- بخلاف الكلام حيث فرقنا في قليله بين العمد والسهو- ولأن الفعل

وَتَبْطُلُ بِقَلِيلِ الأَكْلِ. قُلْتُ: إِلاَّ أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً تَحْرِيمَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَبَلَعَ ذَوْبَهَا .. بَطَلَتْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقوى من القول، ولذلك ينفذ إحبال المجنون دون إعتاقه، ويجب القصاص على المكره على القتل على الصحيح ولا يقع عليه طلاق. وإنما احتمل الفعل القليل؛ لأنه لا يمكن التحرز عنه. والثاني: لا يبطل كثيره وصححه المتولي؛ لقصة ذي اليدين، فإن سرعان الناس لم يؤمروا بالإعادة. واختار هذا في (التحقيق)، ووافقه الشيخ وإن كان مخالفًا للجمهور. وفي الجواب عن قصة ذي اليدين تكلف. قال: (وتبطل بقليل الأكل)؛ لشدة منافاته هيئة الخشوع، ولأنه يبطل الصوم الذي لا يبطل بالأفعال، فالصلاة أولى. ويرجع في القلة والكثرة إلى العرف، وهل الإبطال به لما فيه من العمل أو لوصول المفطر جوفه؟ وجهان ينبني عليهما بلغ ذوب السكرة، لكن صرح الرافعي والبغوي وغيرهما بأن مجرد المضغ إذا كثر .. يبطل وإن لم يصل بسببه شيء إلى الجوف بالكلية، فبطريق الأولى مع حصول شيء. وتعبير المصنف يقتضي: أن النظر إلى الفعل لا إلى المأكول، وهو كذلك. قال: (قلت: إلا أن يكون ناسيًا أو جاهلًا تحريمه والله أعلم)، فلا تبطل بقليله قطعًا كالصوم، أما الكثير .. فيبطل عمده وسهوه على الأصح كالكلام الكثير، وليس كسائر الأفعال التي يشق الاحتراز عنها. قال: (فلو كان بفمه سكرة فبلغ ذوبها .. بطلت في الأصح)؛ لأن الإمساك عن المفطرات شرط فيها. فعلى هذا: تبطل بكل ما يبطل به الصوم. والثاني: لا؛ لأنه لم يوجد منه مضغ وازدراد، وهذا ذهاب إلى أن الإبطال بالأكل لما فيه من العمل.

وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي إِلَى جِدَارٍ، أَوْ سَارِيَةٍ، أَوْ عَصَاً مَغْرُوزَةٍ، أَوْ بَسَطَ مُصَلَّىً، أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ: دَفْعُ الْمَارِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الدارمي: إن بلع شيئًا يسيرًا يجري به ريقه .. لم تبطل، وإن مضغه وازدرده .. بطلت. قال في (الدقائق): بلع بكسر اللام، وحكى الفتح أيضًا في (تهذيبه)، وهما لغتان شهيرتان. وإثبات الميم في فيه: لغة فاشية نثرًا ونظمًا، ففي الحديث: (لخلوف فم الصائم)، وزعم أبو علي وابن عصفور: أنها لا تثبت إلا في الشعر نحو قول الشاعر [من الرجز]: كالحوت لا يلهيه شيء يلهمه .... يصبح ظمآن وفي البحر فمه و (السكر): فارسي معرب، الواحدة: سكرة. قال: (ويسن للمصلي إلى جدار، أو سارية، أو عصا مغروزة، أو بسط مصلي، أو خط قبالته: دفع المار) اتفقوا على أنه: يستحب أن يكون بين يدي المصلي سترة كحائط ونحوه. وحكمتها: كف البصر عما وراءها، ومنع من يجتاز بين يديه. ويسن أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع، فإن لم يكن حائط ونحوه .. غرز عصًا أو نحوها، أو جمع متاعه أو رحله. ويكون ارتفاع العصا ونحوها ثلثي ذراع، وهي: قدر مؤخرة الرحل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل .. فليصل ولا يبال بما مر وراء ذلك) رواه مسلم [499]. وقيل: قدر ذراع اليد. ولا ضابط لعرضها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (استتروا في صلاتكم ولو بسهم)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه الحاكم [1/ 382] وقال: على شرط مسلم. وفي (الصحيحين) [خ376 - م501]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى عنزته)، و (العنزة): الحربة. قال في (البويطي): ولا يستتر بامرأة ولا دابة. وفي (الصحيحين) [خ507 - م502]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى راحلته)، وكان ابن عمر يفعله. وقد أوصى الشافعي بالعمل بالحديث الصحيح وهذا منه، فهو مذهبه. فإن لم يجد ساترًا .. استحب أن يخط بين يديه خطًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم .. فليجعل أمام وجهه شيئًا، فإن لم يجد .. فلينصب عصًا .. فإن لم يكن معه عصًا .. فليخط خطًا، ثم لا يضره ما مر أمامه) رواه أبو داوود [689] بسند يعمل به في فضائل الأعمال، وهذا منها. واختلف في صورة الخط: فقيل: مقوس كالهلال، وقيل: بالطول من قدميه إلى القبلة وهو الأصح، وقيل: من اليمين إلى الشمال. والاكتفاء بالخط هو الأصح، وحكمه حكم الشاخص في منع المرور وجواز الدفع، وقيل: إن الشافعي خط عليه في الجديد. وعبارة المصنف تقتضي: التخيير فيما ذكره وليس كذلك؛ فقد قال في (التحقيق): فإن عجز عن سترة .. بسط مصلًى، فإن عجز .. خط خطًا على المذهب. وذكر في (شرح مسلم) مثله، وزاد فقال نقلًا عن الأصحاب: فإن لم يجد عصًا ونحوها .. جمع أحجارًا أو ترابًا، وإلا .. فليبسط مصلًى، وإلا .. فليخط خطًا طولًا من قدميه إلى القبلة.

وَالصَّحِيحُ: تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله، ولا يصمد إليها أي: يجعلها تلقاء وجهه. ومحل الدفع: إذا أراد المرور بينه وبين سترته. وهل يسن الدفع لغير المصلي أو يباح أو يحرم؟ فيه نظر: فإن لم تكن سترة، أو كانت ولكن تباعد عنها أكثر من ثلاثة أذرع .. لم يكن له الدفع في الأصح لتقصيره، لكن المرور في هذه الحالة خلاف الأولى. وقال في (شرح مسلم) و (التحقيق): إنه مكروه. وقال ابن المنذر رحمه الله: كان مالك رحمه الله يصلي متباعدًا عن السترة، فمر به رجلًا لا يعرفه فقال له: أيها المصلي؛ ادن من سترتك! فجعل يتقدم ويقول: {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا}. و (الجدار) والجدر: الحائط، وجمعه: جدر، وجمع الجدر: جدران. و (السارية): الأسطوانة. و (العصا) مؤنثة وجمعها: عصي وعصي. وفي المثل: العصا من العصية، أي: بعض الأمر من بعض. قال الفراء: وأول لحن سمع بالعراق: هذه عصاتي، وإنما الصواب كما قال الله تعالى: {هي عصاي}. قال: (والصحيح: تحريم المرور حينئذ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه .. لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه) متفق عليه [خ510 - م507]. وفي رواية للبخاري: (ماذا عليه من الإثم). وفي (مسند البزار) [3782]: (أربعين خريفًا). وفي (مصنف ابن أبي شيبة): (مئة عام). والثاني: يكره؛ لما روى ابن ماجه [948] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلي، فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا .. مشيرًا للرجوع فمضت، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته .. قال: (هن أغلب). وزينب هذه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح في وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت. وعلى الوجهين .. للمصلي دفعه ومنعه من المرور وإن أدى إلى قتله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه .. فليدفعه، فإن أبى .. فليقاتله؛ فإنما هو شيطان) رواه مسلم [505]. والمراد: معه شيطان، وقيل: هو من شياطين الإنس. وعن صاحب (المحيط): أن دفع المار بالأسهل مستحب، وجزم به في (التحقيق). وقال في (شرح المهذب): ظاهر الحديث يقتضي: وجوبه، لكن لا أعلم أحدًا من العلماء قال به، ثم دفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل، فإن انتهى إلى قتله .. كان هدرًا. لكن يستثنى من تحريم المرور إذا كان في الصف المتقدم فرجة .. فله أن يمر بين يدي من خلفه ليسدها. ثم جميع ما تقدم إذا وجد المار سبيلًا سوى الذي بين يدي المصلي، فإن لم يجد وازدحم الناس .. فلا نهي عن المرور ولا يشرع الدفع، كذا قاله الإمام والغزالي، وأكثر الكتب ساكتة عن هذا القيد. وفي (صحيح البخاري) ما يدفعه. قال في (الروضة): والصواب أنه لا فرق.

قُلْتُ: يُكْرَهُ الاِلْتِفَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في (الكفاية): هذا إذا لم يكن المصلي منسوبًا إلى تقصير بالصلاة في المكان، فإن كان مقصرًا كما إذا وقف في قارعة الطريق .. فلا كراهة جزمًا، وحينئذ فلا دفع بطريق الأولى. قلت: لم يفصل أصحابنا بين المصلي في المطاف وغيره، وفي (مسند أحمد) أحاديث صحيحة مصرحة بجواز المرور بين يديه. ولا تبطل الصلاة بمرور كلب ولا غيره، خلافًا لأحمد في الكلب الأسود. وفي (مسلم) [510] عن أبي ذر: (تقطع الصلاة المرأة، والحمار، والكلب الأسود). وأجاب الشافعي وغيره بأن المراد القطع عن الخشوع. وادعى بعض أصحابنا نسخه بحديث ابن عباس في مرور الأتان (ترتع بين يدي الصف)، وكان ذلك في حجة الوداع. وادعى في (الكفاية) نسخه بحديث أبي سعيد الخدري المرفوع: (لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم) رواه أبو داوود [719]. قال: (قلت: يكره الالتفات) أي: يمينًا وشمالاً إذا لم يحول صدره؛ لما روى البخاري [751] عن عائشة أنها سألت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد). وفي (التتمة): أنه حرام. وفي (أبي داوود) [906] و (النسائي) [3/ 8] من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله مقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت .. انصرف عنه).

لاَ لِحَاجَةٍ. وَرَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ. وَكَفُّ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم المصلي من يناجي .. ما التفت يمينًا ولا شمالًا). والمراد: الالتفات بالوجه، فلو حول صدره عن القبلة .. بطلت صلاته كما تقدم في استقبال القبلة. قال: (لا لحاجة)؛ لما روى مسلم [3/ 4] عن جابر قال: (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا) وفي (أبي داوود) و (الترمذي) [587]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة). قال: ورفع بصره إلى السماء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم) متفق عليه [خ750 - م428]. وهذا مجمع عليه في الصلاة، وأما رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة في الدعاء .. فاختلفوا في كراهته: فكرهه شريح وآخرون، وجوزه الأكثرون، قالوا: لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، فلا ينكر رفع البصر إليها كما لا ينكر رفع اليد، قال الله تعالى: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}. وقد تقدم في (الوضوء): أن الغزالي قال في (الإحياء): يستحب أن يرمق ببصره إلى السماء في الدعاء بعد الوضوء. قال: (وكف شعره أو ثوبه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن لا أكفت الشعر، ولا الثياب) رواه الشيخان [خ809 - م490]. و (الكفت) بالتاء المثناة في آخره: الجمع، قال الله تعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتا (25) أحياءً وأمواتا} أي: جامعة لهم.

وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ بِلاَ حَاجَةٍ. وَالْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ. وَالصَّلاَةُ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبر المصنف عنه بـ (الكف) الذي هو: نقيض الإرسال وهو صحيح. والحكمة في النهي عنه: أن ذلك يسجد معه، فمن ذلك كره أن يعقص شعره، أو يرده تحت عمامته، أو يشمر ثوبه أو كمه، أو يشد وسطه، أو يغرز عذبته. ونص الشافعي على كراهة الصلاة وفي إبهامه الجلدة التي يجر بها وتر القوس، قال: لأني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض. قال: (ووضع يده على فمه)؛ لما روى أبو داوود [643] وابن حبان [2353] والحاكم [1/ 253] عن أبي هريرة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطي الرجل فاه في الصلاة). قال: (بلا حاجة)، فإن كان لحاجة .. لم يكره، كما إذا تثاءب .. فإنه يستحب وضعها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تثاءب أحدكم في الصلاة .. فليكظم ما استطاع) وفي رواية: (وليمسك على فيه؛ فإن الشيطان يدخل) رواه مسلم [2995]. قال: (والقيام على رجل) أي: لغير حاجة؛ لأنه ينافي الخشوع، ويسمى ذلك: الصفن، ومنه: {الصفنت الجياد}. قال في (الإحياء): (وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة)، وعزاه رزين إلى الترمذي وليس فيه، وإنما ذكره أصحاب الغريب كابن الأثير. وروى سعيد بن منصور أن ابن مسعود رأى رجلًا صافنًا فقال: (أخطأ هذا السنة). و (الصفد): أن يقرن بين قدميه معًا كأنهما في قيد، فإن كان معذورًا .. لم يكره. قال: (والصلاة حاقنًا أو حاقبًا) الأول .. للبول، والثاني .. للغائط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) رواه مسلم

أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَتُوقُ إِلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الأخبثان): البول والغائط. وتكره أيضًا مع مدافعة الريح، وهو: الحازق. وقال الشيخ أبو حامد والمحاملي والغزالي: (الحازق): صاحب الخف. وعن أبي زيد المروزي والقاضي حسين: إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن ذهب خشوعه .. لم تصح صلاته، والصحيح: خلافه. قال: (أو بحضرة طعام يتوق إليه)؛ للحديث المتقدم، ولأن تناول ذلك قبل الصلاة أجمع للبه وأخشع لقلبه، وفي (صحيح مسلم) [558]: (إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة .. فابدؤوا بالعشاء قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم). وفي التقييد بالمغرب فائدتان: إحداهما: أن وقتها ضيق، فإذا أمر به فيها .. ففي غيرها أولى. الثانية: أنه ربما يكون صائمًا. وهو الذي تتوق نفسه إليه غالبًا، وكذلك الشراب أيضًا قاله الرافعي في (صلاة الجماعة)، وكذا لو تاقت نفسه إليه وهو غائب عنه قاله في (الكفاية)، وسواء أكان جائعًا أم لا، فيتناول ما يزول به التوقان فقط كذا في (الشرح) و (الروضة) وغيرهما، والصواب في (شرح مسلم) [5/ 46]: أنه يأكل حاجته بكمالها. و (الحضرة) مثلثة الحاء. و (التوقان) بالمثناة: الاشتياق إلى الشيء. فإن قيل: المصنف كرر هذه المسألة والتي قبلها في (صلاة الجماعة) فقال: (وجوع وعطش ظاهرين ومدافعة حدث) .. فالجواب: أنه هنا نصر على الكارهة، وهناك على أنه مسقط لطلب الجماعة، والمسقط للطلب لا يلزم منه الكراهة. فرع: لو خاف من زوال هذه العوارض الثلاثة فوت الوقت .. فالأصح: أنه يصلي مع العارض؛ لحرمة الوقت.

وَأَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: الأولى أن يزيل العارض فيتوضأ ويأكل وإن خرج الوقت، ثم يقضيها. قال: (وأن يبصق قبل وجهه أو عن يمينه)؛ فإن عن يمينه ملكًا، بل يبصق عن يساره. فإن كان في المسجد .. بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض. وإن كان في غيره .. فعن يساره أو تحت قدمه؛ لما روى الشيخان [خ405 - م551] عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في صلاته .. فإنه يناجي ربه، فلا يبزق بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه) وفي رواية لهما [خ408 - م548]: (عن شماله تحت قدمه) وفي أخرى لهما [خ1214 - م551] أيضًا من حديث أبي سعيد: (ولكن عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى. قال الخطابي: في الحديث دليل على طهارة البصاق، ولا أعلم خلافًا في ذلك إلا عن إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه الإمام، فإنه قال بنجاسته. وروى ابن عساكر [58/ 440] عن عبادة بن الصامت عن معاذ بن جبل قال: (ما بزقت عن يميني منذ أسلمت). قلت: ينبغي أن يستثنى من كراهة البصاق عن اليمين إذا كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، فإن بصاقه عن يمينه أولى؛ لأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره. و (البصاق) بالسين والصاد والزاي. والمشهور في كتب المذهب: أنه يكره في المسجد، وممن صرح بذلك المحاملي وسليم والجرجاني والروياني والعمراني وآخرون. وحزم في (شرح المهذب) و (التحقيق) بتحريمه ووجوب الإنكار على فاعله.

وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّاسِ فِي رُكُوعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن خالف .. فكفارته دفنه في ترابه. وقيل: إخراجه من المسجد، فإن أهمله .. فليدفنه غيره. ويندب تطييب محله، أما البصاق في غير المسجد وغير الصلاة عن اليمين وقبالة الوجه .. فلا يكره مطلقًا؛ حملًا لمطلق الروايات على مقيدها. ويحتمل أن يقال: إنما يحمل المطلق على المقيد في الأمر لا في النهي. قال: (ووضع يده على خاصرته)؛ لأنه فعل اليهود، وقيل: فعل الشيطان؛ لأن إبليس نزل من الجنة كذلك حكاه في (شرح مسلم)، وقيل: لأنه فعل المتكبرين. وفي (صحيح ابن حبان) [2286]: (الاختصار في الصلاة راحة أهل النار)، قال ابن حبان: يعني فعل اليهود والنصارى وهم أهل النار. وروى الشيخان [خ1220 - م545] عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرًا). وفي رواية: (نهى عن الاختصار في الصلاة). والصحيح: أن هذا معناه، وقيل: أن يختصر السورة فيقرأ بعضها، وقيل: أن يختصر من الصلاة فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها. وقال المحب الطبري: هو أن يقتصر على الآيات التي فيها السجدات ليسجدها، وأن يختصر السجدة التي انتهى في قراءته إليها فلا يسجدها. قال: (والمبالغة في خفض الرأس في ركوعه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التدبيح في الصلاة، وهو بالدال المهملة، لكن الحديث ضعيف. قال الشيخ: وتقييده بالمبالغة يقتضي: عدم الكراهة عند عدمها، وهو خلاف ما دل عليه كلام الشافعي والأصحاب.

وَالصَّلاَةُ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والصلاة في الحمام)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد إلى المقبرة والحمام) رواه الشافعي [1/ 20] وأبو داوود [493] والترمذي [317] وابن ماجه [745] من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه ابن حبان [2321] والحاكم [1/ 251]. والصحيح في سبب النهي: أنه مأوى الشيطان؛ لما يكشف فيه من العورات. وقيل: لغلبة النجاسة فيه. فلو صلى في موضع تحقق طهارته أو في المسلخ .. فإنه يكره على الأول دون الثاني. و (الحمام) مذكر اللفظ بلا خلاف، يقال: حمام مبارك، وجمعه: حمامات، مشتق من الحميم وهو: الماء الحار. قال: (والطريق)؛ لما روى الترمذي [346] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله العتيق). و (قارعة الطريق): وسطه، وقيل: أعلاه. والمراد هنا، نفس الطريق، ولذلك عبر بها المصنف. والمعنى فيه: تأذي المارة، وتأذي المصلي بمرورهم وقلة خشوعه.

وَالْمَزْبَلَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَعَطَنِ الإِبِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لأن الغالب عليها النجاسة. فعلى الأول .. لا يكره في الطريق في البرية، وعلى الثاني .. يكره مطلقًا. وخص الكراهة في (التحقيق) بالبنيان دون البرية في الأصح. قال: (والمزبلة)؛ للحديث المتقدم. وعلة الكراهة: النجاسة. وصورة المسألة: إذا بسط طاهرًا وصلى عليه، فإن لم يفعل .. لم تصح صلاته. و (المزبلة) بفتح الباء وضمها: موضع الزبل. وقال القاضي أبو الطيب وغيره: وتكره الصلاة وبين يديه نجاسة كما تكره عليها. قال: (والكنيسة)؛ لأنها مأوى الشياطين. ونقله ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس ومالك. وكذلك حكم البيعة وجميع أمكنة الكفر والمكس والخمر والحانة. واختار ابن المنذر عدم الكراهة في ذلك؛ إذ لم يثبت فيه نهي مخصوص. و (الكنيسة) بفتح الكاف: متعبد النصارى، و (البيعة) بكسر الباء: لليهود. قال: (وعطن الإبل)؛ لما روى مسلم [360] عن جابر بن سمرة أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: (نعم)، قال: أنصلي في مبارك الإبل؟ قال: (لا). وروى ابن ماجه [769] وابن حبان [1702] عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل). و (المرابض) بالضاد المعجمة: المراقد. و (العطن): الموضع الذي تنحى إليه الإبل الشاربة ليشرب غيرها، فإذا اجتمعت .. سيقت إلى المرعى. وقيل: الموضع الذي تنحى إليه إذا شربت الشربة الأولى، ثم تعاد من عطنها إلى

وَالْمَقْبَرَةِ الطَّاهِرَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحوض لتشرب الشربة الثانية وهي: العلل. وقيل: العطن ما حول الحوض. قال المصنف: والكراهة في مأواها ليلًا أخف من العطن. واتفقوا على أن العلة فيه: ما يخشى من نفارها وتشويشها على المصلي، وإلى ذلك وقعت الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: (إنها خلقت من الجن)، ولو كانت العلة النجاسة .. لكانت هي ومرابض الغنم سواء. وقد روى البيهقي [2/ 450] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكرموا المعزى وامسحوا عنها الأذى؛ فإنها من دواب الجنة. وصلوا في مراحها). وعلل ببركتها وكون كل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رعاها. ولا يخفى أن الكلام إذا كان خاليين عن البول، وإلا .. لم تصح فيهما مع عدم الحائل الطاهر، ومعه تصح مع الكراهة. أما موضع البقر .. ففي (مسند أحمد): إلحاقها بعطن الإبل، وهو ظاهر. وقال ابن المنذر: إنه كمراح الغنم، ونقله عن مالك وعطاء، ويدل له ما روى عبد الله بن وهب في (مسنده): (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في معاطن الإبل، وأمر أن يصلى في مراح الغنم والبقر)، لكن في إسناده رجل مجهول. قال: (والمقبرة الطاهرة والله أعلم)؛ للحديث السابق، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا، وقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا) فدل على أن المقابر لا يصلى فيها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسبب الكراهة عند العراقيين: ما تحت مصلاه من النجاسة، وبذلك عللها الشافعي. وكلام القاضي يدل على أن سببها: حرمة الموتى. وكذلك يكره في المقبرة النجسة- وهي المحققة النبش- إذا بسط شيئًا وصلى عليه، فإن لم يبسط شيئًا .. لم تصح. وأما المشكوك في نبشها .. فالأصح: صحة الصلاة فيها بغير حائل والتيمم بترابها؛ لأن الأصل عدم النبش. و (المقبرة) بثليث الباء حكاه ابن مالك، ولم يحك الجوهري الكسر. قال ابن الرفعة: ولا فرق في الكراهة بين أن يصلي على القبر أو بجانبه- قال- ومنه تؤخذ كراهة الصلاة إلى جانب النجاسة وخلفها، وفيما قاله نظر. أما الصلاة على القبر .. فكالجلوس عليه، وهو حرام على الأصح. تتمة: يكره استقبال القبر إلا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يحرم التوجه إلى رأسه كما جزم به المصنف في (التحقيق)، ونقله في (شرح المهذب) عن المتولي. ويستثنى من المقبرة مقابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا كراهة في الصلاة فيها؛ لأنهم في قبورهم أحياء يصلون صلوات الله عليهم. * * * خاتمة اختلف في نبش قبور الكفار لطالب المال المدفون معهم: فكرهه مالك؛ لأنها مواضع العذاب. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا باكين؛ خشية أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصيبكم ما أصابهم). وأجازه أصحابه؛ لأن الصحابة نبشت قبر أبي رغال لذلك. ومقتضى مذهبنا .. جواز النبش إن كان القبر دارسًا، أو كان جديدًا وعلمنا أن فيه مالًا لحربي. وأجمع المسلمون إلا الشيعة: على جواز الصلاة على الصوف وفيه، ولا كراهة في الصلاة على شيء من ذلك إلا عند مالك، فإنه كره الصلاة عليه تنزيهًا. وقالت الشيعة: لا يجوز ذلك؛ لأنه ليس من نبات الأرض. وقال في (الإحياء): تكره الصلاة في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد- قال- وكان بعض الصحابة يضرب الناس، ويقيمهم في الرحاب. وتكره الصلاة في (الوادي الذي نام فيه النبي صلى الله عليه وسلم)، وأطلق الرافعي تبعًا للإمام والغزالي الكراهة في بطون الأودية مطلقًا، وعللوه باحتمال السيل المذهب للخشوع، فإن أمن فهل تكره؟ نظرًا لظاهر اللفظ فيه احتمالان للرافعي. وفي (سنن أبي داوود) [491] عن علي قال: (نهاني حبيبي صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بابل؛ فإنها ملعونة). قال الخطابي: في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحدًا من العلماء حرم الصلاة فيها، ويحتمل إن ثبت .. أن يكون نهاه عن اتخاذها وطنًا ومقامًا؛ فإنه إذا أقام بها .. كانت صلاته فيها. ولعل النهي له خاصة؛ إنذارًا منه بما لقي من المحنة بالكوفة وهي من أرض بابل، فإنها الصقع المعروف بالعراق. * * *

باب

بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَامُورٍ بِهِ، أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب قال: (سجود السهو سنة): (السهو) في اللغة: نسيان الشيء والغفلة عنه، وفي الصلاة: الغفلة عن شيء منها. وفائدة السجود: جبر خللها لزيادة أو نقص مخصوص. فأما كون السجود مطلوبًا لذلك .. فبالإجماع، وإنما لم يجب لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم فلم يدر كم صلى: ثلاثًا أم أربعًا .. فليلق الشك وليبن على اليقين، وليسجد سجدتين قبل السلام؛ فإن كانت صلاته تامة .. كانت الركعة والسجدتان نافلة له، وإن كانت ناقصة .. كانت الركعة تمامًا للصلاة، والسجدتان ترغيمًا لأنف الشيطان) رواه أبو داوود [1016] بإسناد صحيح، ومسلم [571] بقريب من معناه. ولأنه يفعل جبرًا لما لا يجب فلا يجب، والبدل إما كمبدلة أو أخف. فإن قيل: قوله عليه الصلاة والسلام: (وليسجد سجدتين) ظاهره الوجوب، ويعتضد بجبران الحج، أي: فإنه واجب .. قيل: إنما وجب جبران الحج؛ لكونه بدلًا عن واجب بخلاف هذا. وسواء في ذلك صلاة الفرض والنفل على المذهب. وعن القديم قول: أنه لا يشرع في صلاة النفل؛ لأنها أخف من الفرض. قيل: ولا يعرف هذا للشافعي، بل نص في القديم على أنه يسجد لها. قال: (عند ترك مأمور به، أو فعل منهي عنه) على ما فصله، لا كل مأمور ومنهي؛ لأن الخلل يحصل في الصلاة بذلك فيجبر بالسجود. وأهمل رحمه الله سببًا ثالثًا وهو: إذا فعل فرضًا مترددًا في تأديته.

فَالأَوَّلُ: إِنْ كَانَ رُكْنًا .. وَجَبَ تَدَارُكُهُ، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ، أَوْ بَعْضًا- وَهُوَ: الْقُنُوتُ، أَوْ قِيَامُهُ، أَوْ التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، أَو قُعُودُهُ، وَكَذَا الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ فِي الأَظْهَرِ- .. سَجَدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فالأول: إن كان ركنًا .. وجب تداركه)؛ لأن حقيقة الصلاة لا توجد إلا به، ولا يكفي السجود عنه. قال: (وقد يشرع السجود كزيادة حصلت بتدارك ركن كما سبق في الترتيب) ومراده بـ (ما سبق): بيان الزيادة لا السجود؛ فإنه لم يسق، وذلك من قوله: (وإن سها .. فما بعد المتروك لغو) إلى قوله: (قلت) ففي تلك الصورة كلها إذا تدارك .. يسجد للسهو. قال: (أو بعضًا) جمعه: أبعاض. سميت بذلك؛ لأنها لما تأكدت بحيث صارت تجبر بالسجود .. أشبهت الأركان التي هي أبعاض وأجزاء. وقيل: لأن الفقهاء قالوا: يتعلق سجود السهو ببعض السنن دون بعض، والتي يتعلق بها السجود أقل. ثم شرع في بيانها فقال: (وهو: القنوت، أو قيامه، أو التشهد الأول، أو قعوده، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه في الأظهر .. سجد)؛ لما روى الشيخان [خ829 - م570] عن عبد الله ابن بحينة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأول ناسيًا، وسجد قبل أن يسلم). وإذا شرع السجود له .. شرع أيضًا لقعوده؛ لأنه مقصود له. ثم قسنا عليهما القنوت وقيامه. وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول: فلأنه ذكر يجب الإتيان به في الجلوس الأخير، فسجد لتركه في الأول قياسًا على التشهد. والمراد بالتشهد: المقدار الواجب في الأخير. وما كان سنة فيه .. فلا يسجد لتركه.

وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا .. فَلاَ. قُلْتُ: وَكَذَا الصَّلاةُ عَلَى الآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بالقنوت: جميعه. وقال الشيخ محب الدين الطبري: ترك كلمة منه كترك كله، وحكى عن (فتاوى الإمام) احتمالا: أنه إذا أتى بالأكثر .. لا سجود، وهذا لا يأتي إلا على القول بتعين لفظه، والأصح خلافه. والمراد: قنوت الصبح، ووتر نصف شهر رمضان. أما قنوت النازلة .. فلا يسجد لتركه على الأصح. فرع: ترك الإمام القنوت لكونه لا يراه، فإن تمكن منه المأموم من غير مخالفة .. فعله قطعًا. وأطلق الرافعي والغزالي: أنه لا بأس بانفراده بالقنوت إذا لحقه عن قرب. وأطلق القاضي حسين: أن من صلي الصبح خلف الظهر فقنت .. بطلت صلاته، ولعله مصور بحالة المخالفة وهو الظاهر، قال: فإن فارقه وقنت .. جاز. قال: (وقيل: إن تركه عمدًا .. فلا)؛ لأن السجود مضاف إليه السهو، فلا يثبت بدونه كسجود التلاوة، ولأنه فوت السنة على نفسه، والناسي معذور فناسب أن يشرع له الجبر. والصحيح: أن العامد كالناسي؛ لأن الخلل عند العمد أكثر فيكون الجبر أهم، كفدية الأذى فإنها تجب بحلق الشعر من غير أذى. قال: (قلت: وكذا الصلاة على الآل حيث سنناها والله أعلم) وذلك في التشهد الأول في وجه، وفي الأخير على الأصح، فإنها تكون بعضًا وتجبر بالسجود. فإن قيل: السجود لترك الصلاة على الآل مأمور به؛ لأن محله قبل السلام

وَلاَ تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ. وَالثَّانِي: إِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ كَالاِلْتِفَاتِ وَالْخَطْوَتَيْنِ .. لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيفعل .. فالجواب: أنه يتصور بما إذا كان مأمومً وتحقق ترك إمامه لذلك. وينبغي عد الصلاة على الآل في القنوت من الأبعاض إذا قلنا باستحبابها، وهو الصحيح كما تقدم. قال: (ولا تجبر سائر السنن) أي: باقيها؛ لأن ذلك لم ينقل، والباب باب توقيف. وفي قول قديم: يستحب لترك كل مسنون. وفي قول: يسجد لترك تسبيح الركوع والسجود. واختار القاضي حسين: أنه يسجد لترك السورة؛ فإنها آكد في القنوت والتشهد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وشيء معها). وقال أبو حنيفة: يسجد لترك الجهر والإسرار. قال: (والثاني) أي: فعل المنهي عنه (إن لم يبطل عمده كالالتفات والخطوتين .. لم يسجد لسهوه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الفعل اليسير في الصلاة كـ (حمله أمامة)، و (خلع نعليه)، ونظر إلى أعلام الخميصة وقال: (ألهتني آنفًا عن صلاتي) [خ373]، ولم يسجد لشيء من ذلك. وسيأتي أنه يستنثى من هذه القاعدة: ما إذا نقل ركنًا قوليًا .. فإنه يسجد، وكذا إذا قرأ في غير محل القراءة غير الفاتحة كـ (سورة الإخلاص) .. فإنه يسجد كما ذكره في (شرح المهذب). ويستثنى القنوت قبل الركوع؛ فإن عمده لا يبطل الصلاة ويسجد للسهو مع أن سهوه يقتضي السجود على الأصح المنصوص كما ذكره المصنف في (باب صفة الصلاة) من زيادات (الروضة). وصورة المسألة: أن يقرأه بنية القنوت، فإن لم ينوه به .. فلا سجود قاله الخوارزمي في (الكافي).

وَإِلاَّ .. سَجَدَ إِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ كَكَلاَمٍ كَثِيرٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا صلى في الخوف بفرقة ركعة وبأخرى ثلاثًا .. فإنه يصح ويسجد للسهو. وإذا ترك التشهد الأول ناسيًا، وتذكره بعدما صار إلى القيام أقرب .. فله أن يعود إليه، فإذا عاد .. سجد، وسيأتي. والقاصر إذا زاد ركعتين سهوًا .. فإنه يسجد مع أنه تجوز له زيادتهما، قاله ابن الصباغ وابن أبي الصيف. وإذا طول ركنًا قصيرًا ساهيًا وقلنا لو تعمده لا يضر .. فإنه يسجد على الصحيح. قال: (وإلا .. سجد إن لم تبطل بسهوه ككلام كثير في الأصح)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، فسجد للسهو سجدتين بعد السلام، متفق عليه [خ1226 - م572]. فإن أبطل سهوه كالحدث والردة، وكذلك الكثير من الكلام والفعل والأكل على الأصح .. فلا سجود؛ لأنه ليس في صلاة. فقوله: (على الأصح) عائد على التمثيل بما يبطل سهوه وهو: الكلام الكثير، لا إلى قوله: (سجد). ونبه بـ (الكلام الكثير) على ما ليس في معناه، كالركوع والسجود الزائدين فيسجد لسهوه. قال الشيخ: ومتابعة الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في السلام من الركعة في قصة ذي اليدين، وفي زيادة خامسة في الحديث المذكور غير مبطلة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يجوز أن يوحى إليه بالزيادة والنقصان. أما بعده صلى الله عليه وسلم فمتى تابع المأموم الإمام في ذلك عامدًا .. بطلت صلاته. لكن يستثنى المتنفل راكبًا إذا تحول عن قصده ناسيًا وعاد سريعًا .. فالأصح في (التحقيق) و (شرح المهذب): أنه لا يسجد- مع أن عمده مبطل- وصحح في (الشرح الصغير): أنه يسجد.

وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي الأَصَحِّ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، فَالاِعْتِدَالُ قَصِيرٌ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتطويل الركن القصير يبطل عمده في الأصح) سواء طوله بقنوت أو سكوت أو ذكر؛ لأن تطويله يخل بالموالاة. أما إذا ورد الشرع بالتطويل .. فلا يضر بلا إشكال، كالقنوت في موضعه وصلاة التسبيح. والوجه الثاني: لا يبطل واختاره المصنف؛ لما روى مسلم [473] عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: (سمع الله لمن حمده) .. قام حتى يقول القائل: قد نسي، ويقعد بين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي. والثالث: إن قنت عمدًا في اعتداله في غير موضعه .. بطلت، وإن كان طول بذكر آخر لا بقصد القنوت .. لم تبطل. والرابع: إن طول بنقل ركن كالفاتحة أو التشهد .. بطلت؛ لانضمام النفل إلى التطويل، وإلا .. فلا. هذا في الاعتدال، وأما في الجلوس بين السجدتين .. فسيأتي. قال: (فيسجد لسهوه) بالاتفاق؛ لإخلاله بصورة الصلاة. هذا إذا قلنا بالأصح وهو: البطلان بعمده، وإن قلنا بمقابله .. فمفهوم الكتاب المنع، لكن الأصح أيضًا: أنه يسجد لسهوه كما تقدم. قال: (فالاعتدال قصير) أي: بالنسبة إلى غير القنوت وصلاة التسبيح. ومعنى كونه قصيرًا: أن المصلي مأمور بتخفيفه، ولهذا لا يسن فيه تكرير الذكر المشروع، بخلاف التسبيح في الركوع والسجود، وكأنه ليس مقصودًا لنفسه بل للفصل بين الركوع والسجود وإنما وجبت فيه الطمأنينة ليكون المصلي على سكينة. قال: (وكذا الجلوس بين السجدتين في الأصح)؛ لأن المقصود منه الفصل، فأشبه الاعتدال بل أولى؛ لأن الذكر المشروع فيه أقصر من المشروع في الاعتدال. والثاني: أنه طويل؛ للحديث السابق. ونقله الإمام عن الجمهور.

وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَـ (فَاتِحَةٍ) فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ .. لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الأَصَحِّ، وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي صححه المصنف هنا صحح مثله في (الروضة) و (شرح المهذب) و (التحقيق) في (صلاة الجمعة)، لكن صحح فيهما هنا أنه طويل. قال: (ولو نقل ركنًا قوليًا كـ (فاتحة) في ركوع أو تشهد .. لم تبطل بعمده في الأصح)؛ لأنه لا يخل بصورتها، بل ادعى في (الكفاية) نفي الخلاف في ذلك، وهو ثابت بل قوي كما ترى. والثاني: تبطل كنقل الركن الفعلي. وحكم بعض الفاتحة وبعض التشهد حكم جميعها، وحكم نقله إلى السجود كهو إلى الركوع. ويدخل في كلام المصنف: السلام ونقله مبطل، والتكبير وفي عدم البطلان بنقله نظر. ولو نقل إلى ركن قصير ولم يحصل به تطويله، كقراءة بعض (الفاتحة) أو التشهد في الاعتدال .. جرى فيه الخلاف. ولو نقل ذكرًا مقصودًا غير ركن .. فقيل هو: كالركن، وقيل: لا. قال: (ويسجد لسهوه في الأصح)؛ لأن المصلي مأمور بالتحفظ وإحضار الذهن حتى لا يتكلم ولا يزيد في الصلاة ما ليس منها، وهذا الأمر مؤكد عليه تأكد التشهد الأول، فإن غفل وطول الركن القصير أو نقل الركن .. فقد ترك الأمر المؤكد وغير شعار الصلاة، فيجبر بالسجود كترك التشهد الأول والقنوت. والثاني: لا يسجد كغيره مما لا يبطل عمده. وعبارته تقتضي .. أنه لا يسجد لعمه، والأصح في (شرح المهذب): أنه يسجد، وصرح فيه أيضًا بضعف الخلاف، وهو مخالف لتعبيره هنا بالأصح.

وَعَلَى هَذاَ: تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا: (مَا لاَ يُبْطِلُ عَمْدُهُ لاَ سُجُودَ لِسَهْوِهِ). وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ .. لَمْ يَعُدْ لَهُ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ .. بَطَلَتْ، أَوْ نَاسِيًا .. فَلاَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ جَاهِلاً .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعلى هذا: تستثنى هذه الصورة من قولنا: (ما لا يبطل عمده لا سجود لسهوه)، وسبب الاستثناء التعليل بأن المصلي مأمور بالتحفظ إلى آخره، وقد تقدمت هذه مع نظائرها. قال: (ولو نسي التشهد الأول فذكره بعد انتصابه .. لم يعد له)؛ لما روى أبو داوود [1028] وابن ماجه [1208] عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الركعتين، فلم يستتم قائمًا .. فليجلس، فإن استتم قائمًا .. فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو)، ولأن القيام فرض والتشهد الأول سنة، والفرض لا يقطع للسنة. وقيل: يجوز له القعود ما لم يشرع في القراءة، وهو مذهب أحمد. قال: (فإن عاد عالمًا بتحريمه .. بطلت)؛ لأنه زاد قعودًا عمدًا. قال: (أو ناسيًا .. فلا)؛ لرفع القلم عنه. قال: (ويسجد للسهو)؛ لأنه زاد جلوسًا في غير موضعه، وعليه القيام إذا تذكر. قال: (أو جاهلًا .. فكذا في الأصح) أي: لا تبطل ويسجد للسهو؛ لأنه مما يخفى على العوام. والثاني: تبطل صلاته لتقصيره بترك التعلم. وهذا جار في المنفرد والإمام، ولا يجوز للمأموم أن يتخلف عنه للتشهد، فإن فعل .. بطلت صلاته، إلا أن ينوي فارقته .. فيجوز، ويكون مفارقًا بعذر. ولو انتصب مع الإمام فعاد الإمام للتشهد .. لم يعد المأموم بل ينوي مفارقته،

وَلِلْمَامُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إِمَامِهِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ .. عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إِنْ كَانَ صَارَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل له انتظاره قائمًا حملًا على أنه عاد ساهيًا؟ وجهان كنظيرهما في التنحنح. ولو قعد المأموم، فانتصب الإمام ثم عاد .. لزم المأموم القيام؛ لأنه توجه عليه بانتصاب الإمام. قال: (وللمأموم العود لمتابعة إمامه في الأصح)؛ لأن متابعته فرض عليه، فيرجع من فرض إلى فرض لا إلى سنة، بخلاف الإمام والمنفرد إذا رجعا. وقيل: لا يجوز له العود كالمنفرد، بل يصبر قائمًا إلى أن يلحقه الإمام. قال: (قلت: الأصح: وجوبه والله أعلم)؛ لتأكيد المتابعة، ولهذا يسقط بها القيام والقراءة عن المسبوق، فإن لم يعد .. بطلت صلاته. ومحل الوجوب: إذا قام ساهيًا، فإن قام عامدًا .. فالعود مستحب لا واجب. وقد صرح المصنف والرافعي في (صلاة الجماعة) بأن المأموم إذا تقدم بركن عمدًا أو سهوًا .. يندب له العود، وأنه منصوص (الأم)، وقطع به الجمهور. ونقل- فيما إذا وقع ذلك سهوًا- تصحيح البغوي: أنه يتخير، فيكف يستقيم منه بعد ذلك أن يصحح وجوب العود إلى التشهد؟! فالموافق للنص والترجيح المذكور .. أن العود مستحب سواء كان القيام سهوًا أم عمدًا إلا أن يفرق بفحش التقدم هنا. قال: (ولو تذكر قبل انتصابه .. عاد للتشهد)؛ لحديث المغيرة السابق، ولأنه لم يتلبس بفرض والمراد بـ (الانتصاب): الاعتدال والاستواء. وقيل: المراد: أن يصير إلى حالة أرفع من حد أقل الركوع. والأول أصح. قال: (ويسجد إن كان صار إلى القيام أقرب) أي: أقرب منه إلى القعود؛ لأنه أتى بفعل يغير نظم الصلاة ولو أتى به عمدًا في غير موضعه .. لبطلت صلاته. وإن كان إلى القعود أقرب، أو كانت نسبته إليهما على السواء .. لم يسجد، لكن المصنف

وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ .. بَطَلَتْ إِنْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ. وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ .. لَمْ يَعُدْ لَهُ، أَوْ قَبْلَهُ .. عَادَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ. وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ .. سَجَدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صحح في (التحقيق) و (تصحيح التنبيه): أنه لا يسجد مطلقًا، ونقله في (شرح المهذب) عن الجمهور. وقال في (المهمات): الفتوى على عدم السجود خلافًا لما في (المنهاج). قال: (ولو نهض عمدًا فعاد .. بطلت إن كان إلى القيام أقرب)، فلا تبطل إن عاد قبله؛ لأنه زاد في الصلاة على وجه العمد ما لو وقع منه سهوًا جبره بالسجود فكان مبطلًا، والبطلان في هذا الموضع ليس للنهوض؛ لأنه جائز، وإنما حكم العود هنا كحكم النهوض في غيره؛ لما يحصل به من الخلل. فرع: صلى قاعدًا فافتتح القراءة بعد الركعتين، فإن كان قد سبق لسانه إلى القراءة وهو عالم أنه لم يتشهد .. فله العود إلى التشهد، وإن كان على ظن أنه فرغ من التشهد وأنه جاء وقت الثالثة .. لم يعد إلى قراءة التشهد على الأصح. وقيل: يعود. والوجهان مبنيان على أن العبرة بصورة الصلاة أم بمعناها؟ فإن قلنا: بالصورة .. عاد، وإن قلنا: بالمعنى وهو الأصح .. لم يعد. قال: (ولو نسي قنوتًا فذكره في سجوده .. لم يعد له)؛ لتلبسه بفرض. قال: (أو قبله .. عاد)؛ لعدم التلبس به. قال: (ويسجد للسهو إن بلغ حد الراكع)؛ لأنه زاد ركوعه وتعمده مبطل. والتقييد بـ (بلوغ حد الراكع) عائد إلى السجود لا إلى العود. قال: (ولو شك في ترك بعض) أي: معين (.. سجد)؛ لأن الأصل أنه لم يفعله. فإن شك هل ترك مأمورًا في الجملة أو لا؟ فلا يسجد كما لو شك هل سها أو لا؟

أَوِ ارْتِكَابِ نَهْيٍ .. فَلاَ. وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ: هَلْ سَجَدَ .. فَلْيَسْجُدْ. وَلَوْ شَكَّ: أَصَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا .. أَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلاَمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو ارتكاب نهي .. فلا)؛ لأن الأصل أنه لم يفعله. قال: (ولو سها وشك: هل سجد .. فليسجد) تمسكًا بالأصل أيضًا؛ لأن الأصل عدم السجود. ولو شك: هل سجد للسهو سجدة أو سجدتين .. أخذ بالأقل وسجد أخرى؛ لأن الأصل في الثانية العدم. ولو تيقن السهو، وشك: هل هو ترك مأمور أو ارتكاب منهي .. سجد. قال: (ولو شك: أصلى ثلاثًا أم أربعًا .. أتى بركعة)؛ لحديث أبي سعيد الخدري المتقدم في أول الباب. والمراد بـ (الشك): مطلق التردد، سواء ترجح أحد الاحتمالين أم لا، حتى يرجع إلى ما غلب على ظنه، ولا يرجع إلى قول غيره. وقيل: يجوز الرجوع إلى قول جمع كثير كانوا يرقبون صلاته؛ لظاهر حديث ذي اليدين. والجواب: أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر فرجع إلى علمه، أو أن قولهم أفاد شكًا فأخذ بالأصل، وليس ذلك عملًا بقولهم. قال: (وسجد)؛ للحديث المتقدم. وهذا السجود مخالف للقاعدة؛ لأنه لم يترك مأمورًا به، ولا تحقق ارتكاب منهي عنه، ولهذا اختلفوا في سببه: فقيل: المعتمد فيه الخبر، ولا يظهر معناه. والأصح: أن سببه التردد في زيادة الركعة التي يأتي بها. وفائدتهما تظهر- فيما ذكره المصنف بعد ذلك- فيما إذا زال تردده قبل السلام وعرف أن التي أتى بها رابعة .. فإن لا يسجد على الأول، ويسجد على الثاني؛ لأن الركعة تأدت على التردد، وزواله بعد ذلك لا يرفع ما وقع. قال: (والأصح: أنه يسجد وإن زال شكه قبل سلامه) أي: وتبين أنها غير زائدة؛ لأن الأصح: أن سبب السجود التردد وقد حصل.

وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ زَائِدًا. وَلاَ يَسْجُدُ لِمًا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إِذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ: شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ: أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ فَتَذَكَّرَ فِيهَا .. لَمْ يَسْجُدْ، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ .. سَجَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يسجد؛ لأن الحديث ظاهر إنما ورد في دوام الشك إلى السلام وقد زال ذلك. قال: (وكذا حكم يصليه مترددًا واحتمل كونه زائدًا)؛ لما تقرر. قال: (ولا يسجد لما يجب بكل حال إذا زال شكه، مثاله: شك في الثالثة: أثالثة هي أم رابعة؟ فتذكر فيها) أي: في الثالثة قبل أن يقوم إلى الرابعة، أو في الرابعة واقتصر عليها (.. لم يسجد)؛ لأن ما فعله على الشك لابد منه على التقديرين، إذ المسألة مفروضة في الرباعية. وكان ينبغي أن يقول: ولو شك في ركعة: أثالثة هي، وإلا فبعد فرضها ثالثة كيف يشك: أثالثة هي أم رابعة؟ قال: (أو في الرابعة .. سجد) أي: وإن تذكر في الرابعة أنها رابعة .. سجد؛ لأن احتمال الزيادة كان موجودًا حين قام إليها. فهذا ضابط عروض الشك المقتضي للسجود عند من علل به. فلو بان له بعد القيام إلى الركعة أنها خامسة .. فلا شك في السجود. ثم إن كان قيامه لها قبل التشهد .. تشهد وسجد، وإن كان قيامه لها بعد التشهد .. فالمشهور: أنه لا يحتاج إلى إعادة التشهد. وقال ابن سريج: يعيد؛ لأن ما أتى به في حالة التشهد ليس من الصلاة. فإعادته لمعنيين: أحدهما: أن ينتقل من ركن إلى ركن.

وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلاَمِ في تَرْكِ فَرْضٍ .. لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: تحقيق الموالاة؛ فإن السلام ركن فلابد أن يتصل بالتشهد. وينبني على المعنيين: إذا تذكر بعد القيام إلى ثانية أنه ترك سجدة من الأولى، فإن قلنا بالمعنى الأول .. سجد سجدتين؛ لينتقل إلى الركن عن الركن الذي يتصل به. وإن قلنا بالثاني .. اقتصر على السجدة المتروكة؛ لأن آخرها يتصل بجزء من الصلاة وهو القيام. قال: (ولو شك بعد السلام في ترك فرض .. لم يؤثر على المشهور)؛ لأن الظاهر أداؤها على التمام، ولأنه لو أثر .. لعسر الأمر على الناس خصوصًا على ذوي الوسواس. والثاني: يؤثر كما لو شك في الصلاة؛ لأن الأصل عدم الفعل. وموضع الخلاف: إذا لم يطل الزمان، فإن طال .. لم يؤثر قطعًا؛ لكثرة الشكوك عند الطول. وقيل: على القولين، وهو مقتضى إطلاق الكتاب. واحترز بقوله: (بعد السلام) عن الشك في النية؛ لأن شكه فيها يخرج سلامه عن كونه سلاما. وتعبيره بـ (الفرض) يشمل الشرط والركن، لكن يرد عليه ما لو خرج من الصلاة ثم شك: هل كان متطهرًا أو لا؟ والأصح في (باب مسح الخف) من (شرح المهذب): أنه يؤثر، فتجب الإعادة. والفرق: أن الشاك في الطهر شاك في الانعقاد والأصل عدمه، والشاك في الركن قد تيقن الانعقاد وشك في المبطل والأصل عدمه. اهـ. وقد نص الشافعي على خلاف ما قاله. ولو شك أن ما فعله ظهر أو عصر وكانا فاتاه .. أعادهما. ولو شك المقتدي بعد السلام في نية الاقتداء .. لم يؤثر، وقيل: على الخلاف في مسألة الكتاب.

وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إِمَامُهُ، فَلَو ظَنَّ سَلاَمَةُ فَسَلَّمَ، فَبَانَ خِلاَفُهُ .. سَلَّمَ مَعَهُ وَلاَ سُجُودَ. وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ .. صَلَّى بَعْدَ سَلاَمِ إِمَامِهِ رَكْعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو شك: هل سلم أو لا؟ يسلم ولا يسجد للسهو، بخلاف ما إذا شك في ركن آخر- كذا أفتى به القفال- والفرق: فوت محل السجود بالإتيان بالسلام المشكوك فيه. قال: (وسهوه حال قدوته يحمله إمامه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن) رواه أبو داوود [518] والترمذي [207]، وصححه ابن حبان [1672]. وروى الدارقطني [1/ 377] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على من خلف الإمام سهو، فإذا سها الإمام .. فعليه وعلى من خلفه). و (تكلم معاوية بن الحكم خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالسجود). وكما يحمل عن المأموم: الجهر، والسورة، وسجود السهو والتلاوة، ودعاء القنوت، والقراءة عن المسبوق والقيام عنه، والتشهد الأول عن الذي أدركه في الركعة الثانية، والقنوت في الصبح إذا لحقه في الثانية، وقراءة الفاتحة في الجهرية على القديم فهذه عشرة أشياء. وقوله: (حال القدوة) احتراز مما قبل القدوة وبعدها. وسيأتي ذكرهما في كلامه، ولا فرق بين القدوة الحسية والحكمية كما سيأتي في (المزحوم) و (صلاة الخوف). قال: (فلو ظن سلامه فسلم، فبان خلافه .. سلم معه)؛ لأنه لا يجوز تقديمه على سلام الإمام. قال: (ولا سجود)؛ لأن القدوة باقية. قال: (ولو ذكر) أي: المأموم (في تشهده ترك ركن غير النية والتكبيرة) كالفاتحة (.. صلى بعد سلام إمامه ركعة) ولا يجوز أن يعود إلى تداركه؛ لما فيه من ترك المتابعة الواجبة.

وَلاَ يَسْجُدُ. وَسَهْوُهُ بَعْدَ سَلاَمِهِ لاَ يَحْمِلُهُ، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلاَمِ إِمَامِهِ .. بَنَى وَسَجَدَ وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إِمَامِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يسجد)؛ لما تقدم. وإنما استثنى النية وتكبيرة الإحرام؛ لأن تركهما يوجب الاستئناف. ولم يستثنهما في (المحرر) لوضوحهما. قال: (وسهوه بعد سلامه لا يحمله)؛ لانتهاء القدوة. ولا فرق في ذلك بين المأموم الموافق إذا تكلم ساهيًا عقب سلام الإمام، والمسبوق إذا سها فيما يأتي بعد السلام. وكذا المنفرد إذا سها في صلاته، ثم دخل في جماعة وجوزنا ذلك .. لا يتحمل الإمام سهوه، بل يسجد هو بعد سلام الإمام. قال: (فلو سلم المسبوق بسلام إمامه .. بنى) أي: إذا لم يطل الفصل. قال: (وسجد)؛ لأن سهوه بعد انقطاع القدوة، ولأن عمده مبطل. ولو نطق بالسلام ولم يقل: عليكم .. لم يسجد؛ لأن السلام من أسماء الله تعالى ولم يوجد خطاب، قاله البغوي في (الفتاوى). لكن لو نوى معه الخروج من الصلاة .. فالقياس: أنه يسجد. قال: (ويلحقه سهو إمامه) كما يتحمل الإمام سهوه؛ لحديث الدارقطني [1/ 377] المتقدم، ولأن الخلل يتطرق بذلك إلى صلاة المأموم، واستثنى الشيخان صورتين: إحداهما: إذا بان الإمام محدثًا .. فلا يسجد المأموم لسهوه، ولا يتحمل هو عن المأموم أيضًا. والثانية: إذا علم سبب سجوده وتيقن غلطه في ظنه، كما إذا ظن الإمام أنه ترك بعضًا والمأموم تيقن عدم تركه .. فلا يوافقه إذا سجد. قال في (الكفاية): في الاستثناء نظر؛ لأن الأصح: أن الصلاة خلف المحدث جماعة، حتى لا يجب عند ظهوره في الجمعة إعادتها، وأما الثانية .. فإن ذلك

فَإِنْ سَجَدَ .. لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِلاَّ .. فَيَسْجُدُ عَلَى النَّصِّ. وَلَوِ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضي: سجود السهو على الإمام على الأصح كزيادة سجدتين سهوًا، فلم يخرج سهو الإمام عن اقتضائه: سجود السهو في حق المأموم وعلى الوجه الآخر .. لا استثناء؛ لأنه لم يحصل من الإمام سهو يقتضي السجود. قال: (فإن سجد) أي: في غير الصورتين (.. لزمه متابعته)، فإن تركها عمدًا .. بطلت صلاته؛ لمخالفته حال القدوة، سواء عرف سهو إمامه أم لا. قال: (وإلا) أي: وإن لم يسجد الإمام إما عمدًا أو سهوًا، وسلم. قال: (.. فيسجد على النص) أي: المأموم؛ جبرًا لخلل صلاته لسهو إمامه. وفيه قول مخرج: أنه لا يسجد؛ لأنه لم يسه. فلو سلم الإمام لاعتقاده أن السجود بعده .. فالأصح: أنه يسجد المأموم قبل السالم ولا ينتظره. والثاني: يتبعه في السلام ثم في السجود. والثالث: ينتظره حتى يسجد فيسجد معه ثم يسلم؛ ليكون قد تابعه وسجد قبل السلام. قال: (ولو اقتدى مسبوق بمن سها بعد اقتدائه، وكذا قبله في الأصح .. فالصحيح: أنه يسجد) للسهو (معه)؛ رعاية للمتابعة. قال: (ثم في آخر صلاته) أي: صلاة نفسه؛ لأنه محل الجبر بالسجود. والثاني: يسجد معه ولا يسجد في آخر صلاته، قاله في القديم، واختاره المزني. والثالث: لا يسجد معه؛ لأن محل السجود آخر الصلاة. والوجه الثاني المقابل لقول المصنف: (وكذا قبله في الأصح): أن سهو الإمام

فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الإِمَامُ .. سَجَدَ آخِرَ صَلاَةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصَّ. وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ كَسُجُودِ الصَّلاَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يلحق المقتدي بعد ذلك حكمه؛ لأنه لم يكن بينهما رابطة الاقتداء، فأشبه السهو الواقع من المأموم بعد سلام إمامه. فعلى هذا: لا يسجد المأموم لا مع الإمام، ولا في آخر صلاة نفسه. قال: (فإن لم يسجد الإمام .. سجد آخر صلاة نفسه على النص) وهو النص المتقدم أي: في الحالين، وهما: حالة الاقتداء وقبله. قال: (وسجود السهو وإن كثر سجدتان)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من اثنتين، وكلم ذا اليدين، واقتصر على سجدتين، ولذلك جعل آخر الصلاة حتى يجمع كل سهو. ولا فرق بين أن يكون من نوع أو أنواع بزيادة أو نقصان أو بهما. وقال ابن أبي ليلى: لكل سهو سجدتان؛ لما رواه أبو داوود [1030] من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل سهو سجدتان). والجواب: أنه من رواية زهير بن سالم وهو مجهول. وفي وجه حكاه ابن عبدان في (شرائط الأحكام): إن سها بالزيادة والنقصان .. سجد أربعًا. وقيل: يتعدد إذا تعدد سببه، حكاه صاحب (الوسائل) وهو ابن جماعة المقدسي. قال: (كسجود الصلاة) في الكيفية والجلوس بينهما والطمأنينة والتسبيح فيهما قاله المتولي، ولم يره الرافعي بل قال: إن الكتب ساكتة عن الذكر فيهما، وذلك يشعر بأن المشروع فيهما هو المشروع في سجدات صلب الصلاة كسائر ما سكتوا عنه من واجبات هذا السجود ومحبوباته، قال: وسمعت بعض الأئمة يحكي: أنه يستحب أن يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو، وهو لائق بالحال. اهـ نعم؛ سكتوا عن الذكر بينهما، والظاهر: أنه كالذكر بين سجدتي صلب الصلاة.

وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلاَمِهِ. فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا .. فَاتَ فِي الأَصَحِّ، أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ .. فَاتَ فِي الْجَدِيدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والجديد: أن محله بين تشهده وسلامه)؛ لما تقدم عن عبد الله بن بحينة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد قبل السلام). وفي حديث أبي سعيد: (وليسجد سجدتين قبل السلام)، وكذلك في (سنن أبي داوود) [1006] من رواية أبي هريرة، وفي (الترمذي) [398] من حديث عبد الرحمن بن عوف، وقال الزهري: إنه آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه يفعل لإصلاح الصلاة، فكان قبل السلام كما لو نسي سجدة من الصلاة. وأما حديث ذي اليدين وما في طرقه من السجود بعد السلام .. فمحمول على أن تأخيره كان سهوًا لا مقصودًا، مع أن هذا الحديث لم يرد لبيان حكم سجود السهو، فوجب تأويله وحمله على رواية أبي سعيد وأبي هريرة وابن عوف. والقول الثاني: إن سها بزيادة .. سجد بعد السلام، وإن سها بنقص .. فقبله. والقول الثالث: يتخير إن شاء قبله، وإن شاء بعده. وهما قديمان. والخلاف في الإجزاء في الأصح، وقيل: في الأفضل. قال: (فإن سلم عمدًا .. فات في الأصح)؛ لفوات محله. وأشار بالفاء إلى أنه تفريع على الجديد. والثاني: أنه كما لو سلم ناسيًا، إن طال الفصل .. لم يسجد، وإلا .. سجد. ونص عليه في (باب صلاة الخوف) من (البويطي). وعلى هذا، إذا سجد .. لا يكون عائدًا إلى الصلاة بلا خلاف. قال: (أو سهوًا وطال الفصل .. فات في الجديد)؛ لأنه يفعل لتكميل الصلاة، فلا يفعل عند طول الفصل.

وَإِلاَّ .. فَلاَ عَلَى النَّصِّ. وَإِذَا سَجَدَ .. صاَرَ عَائِدًا إِلىَ الصَّلاَةِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني- وهو القديم-: يسجد؛ لأنه جبران عبادة، فلا يسقط بالتطاول كجبران الحج. واختلفوا في حد الطول: فقال الشيخ أبو إسحاق: هو أن يمضي قدر ركعة، وعليه نص في (البويطي). وقال غيره: يرجع فيه إلى العرف. وقال ابن أبي هريرة: إن مضى مقدار الصلاة التي نسي فيها .. استأنف، وإن كان دون ذلك .. بنى؛ لأن آخر الصلاة يبنى على أولها، وما زاد على ذلك لا يبنى، فجعل ذلك حدًا. قال: (وإلا .. فلا على النص) أي: إذا لم يطل .. لم يفت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، وقيل له في ذلك، فسجد للسهو، متفق عليه [خ1226 - م572]. والثاني: يفوت؛ لأن السلام ركن جري في محله، والسجود يجوز تركه قصدًا. قال: (وإذا سجد .. صار عائدًا إلى الصلاة في الأصح)؛ لأن محل السجود قبل السلام. والثاني: لا؛ لأن التحلل حصل بالسلام. وينبني على الخلاف مسائل، كبطلان الصلاة بالحدث وغيره من المفسدات إذا وقع في السجود، ولزوم الإتمام على القاصر إذا نواه فيه، وفوات الجمعة بخروج وقت الظهر فيه، نعم السجود في هذه الحالة حرام عند العلم بالحال؛ لأنه يفوت الجمعة مع إمكانها. إذا قلنا بالعود .. لا يكبر للافتتاح ولا يتشهد على الأصح، وعلى مقابله يكبر ولا يتشهد في الأصح.

وَلَوْ سَهَا إِمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا فَبَانَ فَوْتُهَا .. أَتَمُّوا ظُهْرًا وَسَجَدُوا. وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ .. سَجَدَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو سها إمام الجمعة وسجدوا فبان فوتها .. أتموا ظهرًا)؛ لما سيأتي في بابها. قال: (وسجدوا)؛ لأن محله آخر الصلاة. قال: (ولو ظن سهوًا فسجد فبان عدمه .. سجد في الأصح)؛ لأنه زاد سجدتين سهوًا. والثاني: لا؛ لأن سجود السهو يجبر كل خلل في الصلاة، فيجبر نفسه كما يجبر غيره، وصار كإخراج شاة من الأربعين تزكي نفسها وغيرها. تتمة: أشار المصنف بهاتين المسألتين إلى أن سجود السهو وإن كان لا يتعدد حكمًا .. فإنه قد يتعدد صورة فيما ذكرناه، وفي صور أخرى: منها: المسبوق كما تقدم. ومنها: إذا سجد في آخر الصلاة المقصورة، ثم لزمه الإتمام فأتم .. فإنه يسجد أيضًا. * * * خاتمة ختم الله لنا بالحسنى سجد للسهو ثم سها قبل السلام بكلام أو غيره .. قال ابن القاص: يسجد؛ لأن السجود لا يجبر ما بعده. والأصح عند المتولي وغيره: لا يعيد؛ لأنه لا يأمن وقوع مثله فيتسلسل- وهو قول أبي عبد الله الختن- ولأن السجود يجبر خلل الصلاة مطلقًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه المسألة التي سأل عنها أبو يوسف الكسائي لما ادعى: أن من تبحر في علم اهتدى به إلى سائر العلوم، فقال له: أنت إمام في النحو والأدب فهل تهتدي به إلى الفقه؟ فقال: سل ما شئت، فقال: لو سجد سجود السهو ثلاثًا، هل يلزمه أن يسجد؟ قال: لا؛ لأن المصغر لا يصغر. وذكر الخطيب في (تاريخ بغداد) [14/ 156]: أن هذه القضية جرت بين محمد بن الحسن والفراء، وهما ابنا خالة. * * *

باب

بَابٌ تُسَنُّ سَجَدَاتُ التِّلاَوَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب قال: (تسن سجدات التلاوة): (التلاوة): القراءة. والسجود عند قراءة آيات السجدات مطلوب بالإجماع، وفي (الصحيحين) [خ1075 - م575] عن عبد الله بن عمر أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد بعضنا موضعًا لمكان جبهته). وفي رواية لمسلم [575]: (في غير صلاة)، وفيه [81/ 133] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد .. اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلتاه أمر ابن بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار). واستدل بعضهم لعدم الوجوب بأن عمر قرأن يوم الجمعة على المنبر (سورة النحل) حتى إذا جاء إلى السجدة .. نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة .. قال: (إنما نمر بالسجود فمن سجد .. فقد أصاب، ومن لم يسجد .. فلا إثم عليه)، ولم يسجد عمر. وروي أنه قال: (إن الله عز وجل لم يفرض السجود إلا لمن شاء)، روى البخاري الروايتين في (صحيحه) [1077].

وَهُنَّ فِي الْجَدِيدِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا من عمر في هذا الموطن العظيم دليل على إجماعهم على أنه: ليس بواجب. فإن قيل: ذم الله تعالى من لم يسجد بقوله: {وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون} فدل على وجوبه .. فالجواب: أن الآية في الكافرين بدليل ما قبلها وما بعدها. قال: (وهن في الجديد)، لو قال: (وهي) كما في (التنبيه) .. كان أفصح. قال: (أربع عشرة)؛ لما روى أبو داوود [1396] والحاكم [1/ 223]- بإسناد حسن- عن عمرو بن العاص قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشر سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي (الحج) سجدتان). وعدها خمس عشرة لأجل (ص)، فإن السجود فيها مشروع بالشرط الآتي. والأربعة عشر: واحدة: في آخر (الأعراف). وثانية: في (الرعد) عند قوله تعالى: {والأصال}. وثالثة: في (النحل) عند قوله تعالى: {يؤمرون}، وقيل عند: {وهم لا يستكبرون}، وهو بعيد. ورابعة: في (سبحان) عند قوله تعالى: {ويزيدهم خشوعًا}. وخامسة: في (مريم) عند قوله تعالى: {وبكيا}. وسادسة: في (الحج) عند قوله تعالى: {ما يشاء}. وسابعة: فيها عند قوله تعالى: {لعلكم تفلحون}. وثامنة: في (الفرقان) عند قوله تعالى: {وزادهم نفورًا}. وتاسعة: في (النمل) عند قوله تعالى: {رب العرش العظيم}، وقيل: عند قوله تعالى: {وما تعلنون}، نقله العبدري وهو شاذ.

مِنْهَا سَجْدَتا (الحَجِّ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعاشرة: في (الم السجدة) عند قوله تعالى: {وهم لا يستكبرون}. وحادية عشرة: في (حم السجدة) عند قوله تعالى: {وهم لا يسئمون}، وقيل: عند قوله تعالى: {إن كنتم إياه تعبدون} وجزم به الماوردي، وصححه القاضي. وثلاث في المفصل: إحداها: سجدة (النجم). والثانية: في (إذا السماء انشقت) عند قوله تعالى: {لا يسجدون}. والثالثة: آخر (اقرأ). وقال في القديم: السجدات: إحدى عشرة، وأسقط سجدات المفصل؛ لما روى أبو داوود [1398] عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحويله إلى المدينة). وجوابه: ما رواه الشيخان [خ766 - م578] عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في: (إذا السماء انشقت)) وفي رواية لمسلم [578]: (و (اقرأ باسم ربك)). وإسلام أبي هريرة سنة سبع، ووقع في (الوسيط) و (الرافعي): أنه في السنة الثانية وهو وهم. وفي (الصحيحين) [خ4863 - م576] عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قرأ: {والنجم} وسجد فيها، لكن ذلك كان بمكة حين سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد معه الجن والإنس، إلا أمية بن خلف فقتل يوم بدر مشركًا، وعند ذلك قال عتيبة بن أبي لهب: هو كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنى فتدلى، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأكله السبع بأرض الشام، وكان هو وأخوه عتبة متزوجين بابنتي النبي صلى الله عليه وسلم زينب وأم كلثوم فطلقاهما، ثم أسلم عتبة- المكبر- وأخوه معتب يوم الفتح وشهدا حنينًا ولم يهزما، وشهد الطائف وماتا بمكة مسلمين رضي الله عنهما. قال: (منها: سجدتا (الحج))؛ لحديث عمرو بن العاصي السابق.

لاَ (ص~)؛ بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أبو داوود [1397] والترمذي [578] عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله في (الحج) سجدتان؟ قال: (نعم، ومن لم يسجدهما .. فلا يقرأهما)، لكن في سنده ابن لهيعة إلا أن له شاهدًا يقويه. قال أبو إسحاق السبيعي التابعي: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في (الحج) سجدتين. وأسقط أبو حنيفة الثانية منهما، وأثبت سجدة (ص). والمجمع عليه في المذهب: الأربعة عشر، والمختلف فيه خمس، لكن حكي عن النقاش: السجود في (الحجر) عند قوله تعالى: {وكن من الساجدين}. قال: (لا (ص)) وهي عند قوله تعالى: {وخر راكعًا وأناب}؛ لقول ابن عباس: (ص) ليست من عزائم السجود)، رواه البخاري [1069]. وأثبتها ابن سريج فجعلها خمسة عشر لحديث عمرو المتقدم. والمشهور في {ص} وما أشبهها من الحروف التي في أوائل السور: أنها أسماء لها، وتقرأ بالإسكان على المشهور، وتكتب حرفًا واحدًا. قال: (بل هي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة)، فإن تليت .. يسجد شكرًا لله تعالى على قبول توبة داوود عليه الصلاة والسلام. روى أبو داوود [1405]- بإسناد صحيح- عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا

وَتَحْرُمُ فِيهَا فِي الأَصَحِّ. وَتُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقرأ: (ص)، فلما مر بالسجود .. تشزنًا للسجود- أي: تهيأنا له- فلما رآنا .. قال: (إنما هي توبة نبي، ولكن قد استعددتم للسجود) فنزل السجود. وليس مراد المصنف بـ (سجدة الشكر): أنها مثل سجدة الشكر الآتية في الوقت، بل نسجدها نحن شكرًا على قبول توبة داوود عليه الصلاة والسلام. قال: (وتحرم فيها في الأصح) كسائر سجود الشكر. فعلى هذا، إن سجدها وكان عامدًا .. بطلت، وإن كان ساهيًا أو جاهلًا .. فلا ويسجد للسهو. والثاني: لا تحرم؛ لأنها وإن كانت سجدة شكر فسببها التلاوة، بخلاف غيرها من سجود الشكر. مهمة: قال الرافعي: لو سجد إمامه في (ص) لكونه يرى السجود فيها كالحنفي .. لم يتابعه بل يفارقه أو ينتظره قائمًا. وإذا انتظره هل يسجد للسهو؟ فيها وجهان. قال في (الروضة): قلت: الأصح لا يسجد. وهذا التصحيح مشكل لا يمشي على القواعد، والصواب: أنه يسجد؛ لأنه يعتقد أن إمامه زاد في صلاته شيئًا جاهلاً، والاعتبار بنية المقتدي. ثم إن تخصيص السجود بحالة الانتظار لا وجه له، بل يجري مع نية المفارقة أيضًا. قال: (وتسن للقارئ والمستمع) أي: حيث يندب للقارئ القراءة وللمستمع الاستماع؛ لما روى الشيخان عن ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعًا

وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ. قُلْتُ: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمكان جبهته)، وفي رواية لمسلم: (في غير صلاة) كما تقدم. ولا فرق بين أن يكون القارئ في صلاة أم لا، وفي وجه ضعيف: لا يسجد المستمع لقراءة من في الصلاة. ولا فرق بين أن يكون القارئ رجلًا أو امرأة خلافًا لمالك، ولا بين أن يكون صبيًا أو محدثًا أو كافرًا على الأصح، لكن لا سجود لقراءة الجنب والسكران. وإذا سجد المستمع مع القارئ .. لا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء، وله الرفع من السجود قبله. قال: (وتتأكد له بسجود القارئ)؛ للاتفاق على استحبابه في هذه الحالة للمستمع، بخلاف ما إذا لم يسجد القارئ .. ففي وجه: لا يستحب السجود لمستمعه، ويدل له أن زيد بن ثابت قال: (قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (النجم) فلم يسجد)، قال أبو داوود [1400]: وكان زيد الإمام فلم يسجد. وهذا الجواب فيه نظر، والصواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك بيانًا للجواز. وأفاد الشيخ: أن القراءة اتفقوا على أن الطالب إذا قرأ على الشيخ .. لا يسجد. قال: فإن صح ما قالوه .. فحديث زيد حجة لهم. قال: (قلت: وتسن للسامع والله أعلم) وهو: الذي لم يقصد السماع؛ لعموم قوله تعالى: {وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون}، فدخل فيه السامع والمستمع. لكن لا يتأكد في حق السامع كالمستمع؛ لقول ابن عباس: (السجدة لمن استمع

وَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلاَةِ .. سَجَدَ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ لِقِرءَتِهِ فَقَطْ، وَالْمَامُومُ لِسَجْدَةِ إِمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ إِمَامُهُ فَتَخَلَّفَ، أَوِ انْعَكَسَ .. بَطَلَتْ صَلاَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لها)، رواه البيهقي [2/ 324]، وعلقه البخاري عن عثمان وغيره، وقيل: السامع كالمستمع في التأكد، وقيل: لا يسن له السجود أصلاً. أما إذا لم يسمع .. فلا يسجد بالاتفاق وإن علم بذلك برؤية الساجدين ونحوه. قال: (وإن قرأ في الصلاة .. سجد الإمام والمنفرد لقراءته) أي: سجد كل واحد منهما لقراءته (فقط)، ولا يسجدان لقراءة غيرهما؛ لأنه يكره لهما الإصغاء لها. والمراد: إذا قرأ في محل القراءة وهو القيام، سواء قرأها قبل الفاتحة أم بعدها، فلو قرأها في الركوع أو السجود فسجد .. بطلت. وقال في (البحر): لو قرأ في صلاة الجنازة سجدة .. لا يسجد فيها ولا بعد فراغها على الأصح. قال: (والمأموم لسجدة إمامه) أي: فقط، فلو سجد لقراءة نفسه أو غيره .. بطلت صلاته للمخالفة. قال: (فإن سجد إمامه فتخلف، أو انعكس) أي: بأن سجد هو دون إمامه (.. بطلت صلاته)؛ لما فيه من المخالفة. وإذا لم يسجد الإمام .. فيحسن من المأموم إذا فرغ قضاء السجود، ولا يتأكد ولا يفعل ذلك في قراءة غير إمامه؛ لأنه لا يشرع له السجود. ولو سجد إمامه ولم يعلم المأموم بذلك حتى رفع الإمام رأسه من السجود .. لا يجوز له أن يسجد كما لو جلس إمامه للتشهد الأول وقام ولم يعلم أو قنت ولم يعلم. فلو أراد هذا أن ينوي مفارقته ليسجد .. لم يكن له ذلك، بخلاف ما لو نوى مفارقته ليأتي بالتشهد أو القنوت، والفرق: أنهما من الأبعاض وتركهما يوجب نقصانًا في الصلاة، ولا كذلك سجود التلاوة.

وَمَنْ سَجَدَ خَارِجَ الصَّلاَةِ .. نَوَى وَكَبَّرَ لِلإِحْرَامِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ لِلْهَوِيِّ بِلاَ رَفْعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهمة: قال في زوائد (الروضة): (لم أر نقلًا في جمع السجدات لغرض السجود فقط- قال- وفي كراهة ذلك خلاف للسلف، ومقتضى مذهبنا .. أنه إن كان في غير الصلاة، أو فيها في غير وقت الكراهة .. لم يكره، أو فيها .. فمكروه) اهـ والمسألة ذكرها القاضي حسين والشيخ عز الدين، فأما القاضي حسين .. فمقتضى كلامه جواز ذلك، وعدم استحبابه. وأما الشيخ عز الدين .. فإنه منع ذلك، وأفتى ببطلان الصلاة مطلقًا وقت الكراهة وغيرها. قال: (ومن سجد خارج الصلاة .. نوى)؛ لحديث: (الأعمال بالنيات). قال: (وكبر للإحرام)؛ قياسًا على الصلاة. وفي (أبي داوود) [1408] عن ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة .. كبر وسجد وسجدنا). قال: (رافعًا يديه) كتحريم الصلاة، ولا يستحب أن يقوم ثم يكبر على الصواب، خلافًا للقاضي والمتولي والبغوي، وكان الجويني يفعله. وقال أبو حامد النيسابوري- واسمه محمد بن أحمد-: السنة أن يقوم إذا أراد أن يسجد للتلاوة؛ لأن النافلة قائمًا أفضل. والمذكور عده العبادي في طبقة أبي سهل الصعلوكي. قال: (ثم للهوي بلا رفع) كما في الصلاة. وعند ابن أبي هريرة: لا يكبر لا للسجود ولا للرفع. وعن أبي جعفر الترمذي: أنه يكبر عند السجود لا غير، ويقرن به النية.

وَسَجَدَ كَسَجْدَةِ الصَّلاَةِ وَرَفَعَ مُكَبِّرًا وَسَلَّمَ. وَتَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ شَرْطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا السَّلاَمُ فِي الأَظْهَرِ. وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلاَةِ، وَمَنْ سَجَدَ فِيهَا .. كَبَّرَ لِلْهَوِيِّ وَلِلرَّفْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا يشترط فيها تكبير ولا تسليم، بل تكفي صورة السجود بالطهارة وباقي الشروط، وصحح الغزالي، ونص عليه في (البويطي) فقال: وأقله أن يضع جبهته بلا شروع ولا سلام. والأصح: ما ذكر المصنف. قال: (وسجد كسجدة الصلاة) أي: في جميع ما سبق من الشروط والسنن. قال: (ورفع مكبرًا وسلم)؛ لأنها في الحقيقة صلاة. قال: (وتكبيرة الإحرام شرط على الصحيح) مراده: أنه لابد منها. وتسمح في تسميتها شرطًا. ومقابل الصحيح: مقالة ابن أبي هريرة والترمذي. أما التشهد .. فالأصح: أنه لا يشرع، وقيل: يندب. قال: (وكذا السلام في الأظهر)؛ قياسًا على التحريم. والثاني: لا يشترط كما لا يشترط ذلك إذا سجد في الصلاة. قال: (وتشترط شروط الصلاة) كالطهارة والستر والاستقبال وطهارة الحدث والخبث ودخول الوقت وهو: الانتهاء إلى آخر أية السجدة، فلو سبق بحرف .. لم يجز. ويشترط أيضًا الكف عن المفسدات كالأكل والكلام والفعل، لكن المصنف لم يعدها في بابها من الشروط. قال: (ومن سجد فيها) أي: في الصلاة (.. كبر للهوي وللرفع) أي: منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة. ولا إشكال

وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ. قُلْتُ: وَلاَ يَجْلِسُ لِلاسْتِرَاحَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَقُولُ: (سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه لا يكبر للافتتاح؛ لأنه في الصلاة. قال: (ولا يرفع يديه)؛ لأن ذلك ليس محل رفع اليدين. قال: (قلت: ولا يجلس للاستراحة والله أعلم)؛ لأنه زيادة في الصلاة لم يرد فعلها. قال: (ويقول: (سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)، كذا رواه أبو داوود [1409] والترمذي [580] والنسائي [2/ 222] من رواية عائشة، إلا أنهم لم يذكروا فيه لفظة (وصوره). زاد الحاكم [1/ 220]: (فتبارك الله أحسن الخالقين). وسواء كان السجود في الصلاة أو غيرها. ويستحب أن يقول أيضًا: (اللهم؛ اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داوود عليه السلام)؛ لما روى ابن عباس أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! رأين هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة، وكأني قرأت سجدة فسجدت، فرأيت الشجرة كأنها كسجودي فسمعتها تقول وهي ساجدة: الله؛ اكتب لي بها عندك أجرًا ... إلى آخره. قال ابن عباس: فقرأن النبي صلى الله عليه وسلم سجدة، فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما قال الرجل عن الشجرة)، رواه الترمذي [579] وغيره بإسناد حسن. ونقل إسماعيل الضرير في (تفسيره) عن الشافعي: أنه اختار أن يقول: {سبحن ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا}. وقال الغزالي والروياني: يستحب أن يقول في سجوده ما يليق بالآية التي قرأ بها، فيقول في سجدة (الفرقان): سجدت للرحمن، وآمنت بالرحمن، فاغفر يا رحمن. وينبغي أن لا يزيد الإمام على مقدار ثلاث تسبيحات سجود الصلاة إلا برضا المحصورين.

وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي مَجْلِسَيْنِ .. سَجَدَ لِكُلٍّ، وَكَذَا الْمَجْلِسُ فِي الأَصَحِّ، وَرَكْعَةٌ كَمَجْلِسٍ، وَرَكْعَتَانِ كَمَجْلِسَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَطَالَ الْفَصْلُ .. لَمْ يَسْجُدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو كرر آية) أي: خارج الصلاة (في مجلسين .. سجد لكل)، كما تتكرر التحية بتكرر دخول المسجد. قال: (وكذا المجلس في الأصح)؛ لتجدد السبب. والثاني: تكفيه الأولى كما لو كررها قبل أن سجد. والثالث: إن طال الفصل .. سجد مرة أخرى، وإلا .. كفت الأولى. قال في (العدة): وعليه الفتوى، وأقره عليه الرافعي. وقال المصنف في (التبيان): إن الفتوى على الثاني، وذكره نحوه في (شرح المهذب)، وهو سهو. قال: (وركعة كمجلس، وركعتان كمجلسين)؛ نظرًا إلى الاسم. قال: (فإن لم يسجد وطال الفصل .. لم يسجد) اتفقوا على أنها تفوت بطول الفصل، واختلفوا في أنها: هل تقضي أو لا؟ والأصح: أنها لا تقضي؛ لأنها تعلقت بسبب عارض، فإذا فاتت .. لم تقض كصلاة الاستسقاء. والثاني: تقضى كما إذا سمع المؤذن وهو يصلي، فإن الشافعي نص على أنه: يجيبه إذا سلم. فروع: لا يقوم الركوع مقام سجدة التلاوة عندنا خلافًا لأبي حنيفة والخطابي. ونقل في زيادات (الروضة) هنا عن (البحر) وأقره: أن الخطيب إذا قرأ آية سجدة .. يترك السجود؛ لما فيه من الكلفة. وقال في (صلاة الجمعة): إن أمكنه السجود على المنبر .. سجد، وإلا .. نزل وسجد. والشافعي له في المسألة نصان. فالذي قاله هنا موافق لأحدهما، وفي (الجمعة) موافق للآخر.

وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لاَ تَدْخُلُ الصَّلاَةَ. وَتُسَنُّ: لِهُجُومِ نِعْمَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره للمأموم قراءة السجدة، والإصغاء إلى قراءة غير إمامه. ولا يكره للإمام قراءة السجدة في جهرية ولا سرية خلافًا لمالك. ولو سمع مع دخوله المسجد قراءة سجدة، فهل يسجد أو يصلي التحية؟ فيه احتمال. وقال البندنيجي وغيره: إذ قرأ أو سمع آية سجدة وهو محدث .. توضأ وسجد وهذا قريب إذا تيسر الوضوء على قرب. وإذا سجد المصلي ثم اعتدل .. استحب له أن يقرأ شيئًا ثم يركع، وحكى في (المعتمد) في ذلك وجهين. قال: (وسجدة الشكر لا تدخل الصلاة)، فلو فعلها فيها .. بطلت صلاته ولو كانت نافلة؛ لأن سببها لا تعلق له في الصلاة، وهذا في العالم، أما الجاهل .. فلا تبطل صلاته. قال: (وتسن: لهجوم نعمة) كحدوث ولد أو جاه أو مال أو نصر على الأعداء أو قدم الغائب وشفاء المريض وحدوث المطر عند القحط وزواله عند خوف التأذي، سواء كان ذلك خاصًا به أم عامًا؛ لما روى أبو داوود [2768] وابن ماجه [1394] والحاكم [1/ 276] وصححه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسر به .. خر ساجدًا لله تعالى). وروى عبد الرحمن بن عوف قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، فسجد وأطال السجود، فسألته فقال: (إن جبريل عليه السلام أتاني فبشرني: أن من صلى علي مرة .. صلى الله عليه بها عشرًا، فسجدت شكرًا لله) رواه العقيلي في (تاريخه) [3/ 467] وأحمد [1/ 191] والحاكم [1/ 550] بنحوه وقال: على شرط الشيخين. وفي (أبي داوود) [2769] بإسناد حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

أَوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (سألت ربي عز وجل وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي .. فخررت ساجدًا شكرًا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي .. فخررت ساجدًا شكرًا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر .. فخررت ساجدًا شكرًا لربي). وروى البيهقي بإسناد صحيح [2/ 363]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خر ساجدًا لما جاءه كتاب علي من اليمن بإسلام همدان). وسجد أبو بكر عند فتح اليمامة وقتل مسيلمة، وسجد عمر عند فتح اليرموك، وعلي عند رؤية ذي الثدية قتيلًا بالنهروان. واحترز بـ (هجوم النعمة) عن استمرارها، فإنها لا يسجد لها؛ لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر. قال: (أو اندفاع نقمة) كنجاة من غرق ونحوه، زاد في (المحرر): من حيث لا يحتسب، وكذا ذكره في (الشرح)، وقيده في (المهذب) و (التنبيه) بالنعمة والنقمة الظاهرتين. وقال القاضي حسين: إنما يسجد لنعمة طالما كان يتوقعها، أو انكشاف بلية طالما كان يترقب انكشافها؛ لما روى الشيخان [خ3951 - م2769] عن كعب بن مالك: أنه لما جاءته البشارة بتوبته .. خر ساجدًا. وروى الحافظ ابن عبد البر وغيره: أن فرات بن حيان وأبا هريرة والرجال بن عنفوه- واسمه نهار- قاموا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لضرس أحدهم في النار أعظم من أحد، وإن معه قفا غادر)، فلم يأمن فرات وأبو هريرة حتى بلغهما ردة الرجال وإتباعه مسيلمة .. فخرًا ساجدين لله شكرًا. أما الثلاثة الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (آخرهم موتًا في النار) ..

أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلَىً أَوْ عَاصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأبو هريرة وسمرة بن جندب وحذيفة بن اليمان، والذي سقط منهم في القدر هو سمرة، مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين. قال: (أو رؤية مبتلى) - أي: في بدنه أو غيره- فيشكر الله تعالى على السلامة في البدن والدين؛ فقد روى الحاكم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد مرة لرؤية زمن، ومر به أبو بكر فنزل وسجد شكرًا لله، ومر به عمر فنزل وسجد شكرًا لله)، و (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى القرد .. سجد لله تعالى شكرًا)، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا نغاشيًا، فخر ساجدًا ثم قال: (أسال الله العافية) رواه البيهقي [2/ 371] مرسلًا، وله شاهد يؤكده. و (النغاشي) بضم النون، وبالغين والشين المعجمتين، قيل: الناقص الخلق الضعيف الحركة، وقيل: المبتلى، وقيل: المختلط العقل. ويسن عند رؤية المبتلى أن يقال ما رواه الترمذي [3431] عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا .. [إلا] عوفي من ذلك البلاء كائنًا ما كان ما عاش). قال: (أو عاص)؛ لأن مصيبة الدين أعظم من مصيبة الدنيا. ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم؛ لا تجعل مصيبتنا في ديننا). وفي (الكفاية) تقييد العاصي بكونه يتظاهر بمعصيته. واستحباب السجود لرؤية العاصي يؤخذ منها استحبابه لرؤية الكافر من باب أولى،

وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي لاَ لِلْمُبْتَلَى. وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلاَوَةِ. وَالأَصَحُّ: جَوَازُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنْ سَجَدَ لِتَلاَوَةِ صَلاَةٍ .. جَازَ عَلَيْهَا قَطْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد صرح به في (البحر)، ولو سمع صوت مبتلى أو عاص .. فيظهر أنه كرؤيته. قال: (ويظهرها للعاصي) لعله يتوب، وكذا يندب إظهارها في تجدد النعم واندفاع النقم التي لا تتعلق بغيره. قال: (لا للمبتلى)؛ لأنه معذور. فإن كان غير معذور كالمقطوع في السرقة .. أظهرها. فلو رأى فاسقًا متجاهرًا ومبتلى في بدنه، فهل يبديها أو يخفيها؟ فيه احتمالان، والثاني: أقرب. قال: (وهي كسجدة التلاوة) أي: المفعولة خارج الصلاة في كيفيتها وشرائطها، فيؤخذ منه: أنه لابد من النية وهو الأصح، وفيه وجه في (الوسيط). ويؤخذ منه: أن يكون في حال استقراره- قبل هويه إلى السجود- إما قائمًا أو جالسًا. قال: (والأصح: جوازهما) أي: سجدة التلاوة والشكر. قال: (على الراحلة للمسافر) أي: بالإيماء؛ لأنهما مما يكثر بخلاف صلاة الجنازة لا تجوز على الراحلة على الأصح؛ لأنها تندر، ويبطل ركنها الأعظم وهو القيام. والماشي يسجد على الأرض على الصحيح. والوجه الثاني: لا يجوز؛ لأن أظهر أركانها إلصاق الجبهة بالأرض. قال: (فإن سجد لتلاوة صلاة .. جاز عليها قطعًا)؛ تبعًا للصلاة كما في سجود الصلاة. وهذا لا يأتي في سجدة الشكر؛ لأنها لا تفعل في الصلاة. تتمة: لو خضع فتقرب لله بسجدة واحدة من غير سبب .. فالأصح: أنه حرام. قال المصنف [في (المجموع) 4/ 78]: وليس من هذا أن يفعله كثير من الجهلة الضالين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من السجود بين يدين المشايخ؛ فإن ذلك حرام قطعًا بكل حال، سواء كان إلى القبلة أو لغيرها، وسواء قصد السجود لله تعالى أو غفل، وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر. * * * خاتمة ختم الله لنا بالحسنى قال البغوي: لو تصدق من تجددت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة، أو صلى شكرًا لله تعالى .. كان حسنًا، أي: مع فعله سجدة الشكر، كذا قاله المصنف والظاهر: أن مراد البغوي خلافه. ولو قرأ من حصل له سرور وهو في الصلاة آية سجدة ليسجد بها للشكر .. ففي جواز السجود وجهان أصحهما: يحرم وتبطل صلاته. وهما كالوجهين فيمن قصد المسجد في وقت النهي ليصلي التحية لا لغرض آخر. * * *

باب

بَابٌ صَلاَةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب قال: (صلاة النفل قسمان). النفل في اللغة: الزيادة، وفي الاصطلاح: ما عدا الفرائض سمي. بذلك؛ لأنه زائد على ما فرضه الله تعالى. والنفل والسنة والتطوع والمندوب والمستحب ألفاظ مترادفة. وقيل: غير الفرض ثلاثة أقسام. سنة: وهو ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم. ومستحب: وهو ما فعله أحيانًا. وتطوع: وهو ما لم يرد فيه بخصوصه نقل، وينشئه الإنسان باختياره. فلما كان لفظ النفل متفقًا على عمومه .. اختار المصنف التعبير به، ولم يعبر بالتطوع كـ (التنبيه) و (الوجيز) وغيرهما. وقال الحسن وغيره: ليس لأحد نافلة إلا النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن فرائضه كاملة، وأما غيره .. فنوافله تكمل فرائضه.

قِسْمٌ لاَ يُسَنُّ جَمَاعَةً، فَمِنْهُ: الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قسم لا يسن جماعة)؛ لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعله كذلك. و (جماعة): تمييز لا حال؛ لأن مدلوله حينئذ نفي السنية عنه حال كونه في جماعة وليس مرادًا. ولو قال: يسن فرادى .. لكان أحسن؛ فإن السنة أن لا تكون في جماعة، وإن جاز بالجماعة بلا كراهة. قال: (فمنه: الرواتب مع الفرائض). المراد بـ (الرواتب): السنن التابعة للفرائض. وفيها اصطلاح آخر: أنها النوافل المؤقتة بوقت مخصوص. فالترويح والعيد والضحى راتبة على الثاني لا الأول. وملخص ما في أكمل الروايات وأقلها ثمانية أوجه، من ست ركعات إلى عشرين. وممن جعلها ستًا أبو الحسن علي بن خيران في (اللطيف) فقال: ركعتان قبل الفجر، وركعتان قبل الظهر، وركعتان بعد المغرب، وهو غريب. قال: (وهي: ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر، وكذا بعدها وبعد المغرب والعشاء)؛ لما روى الشيخان [خ1172 - م729] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء)، وحدثتني حفصة بنت عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر). والسنة التخفيف في ركعتي الفجر؛ لما في (الصحيحين) [خ1171 - م724] عن عائشة رضي الله عنها وعن أبويها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف فيهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى أقول: هل قرأ فيهما بـ (أم القرآن)؟) ولذلك قال مالك وأكثر أصحابه: لا يقرأ فيهما غير (الفاتحة). ونص الشافعي رضي الله عنه على أنه: يقرأ فيهما بعد (الفاتحة): (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد)؛ لما روى مسلم [726]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بذلك)، وفيه [727] عن ابن عباس أنه كان يقرأ في الأولى: {قولوا ءامنا بالله وما أنزل إلينا} الآية التي في البقرة، وفي الثانية: {ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون}. وفي كتاب (وسائل الحاجات) للغزالي: يحسن أن يقرأ في الأولى: (أم نشرح)، وفي الثانية: (ألم تر كيف)، فإن ذلك يرد شر ذلك اليوم. ويستحب أن يتكئ بعدهما وقبل صلاة الصبح، أو يتكلم، ففي (الصحيحين) [خ626 - م736]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك). وجزم المتولي بكراهة التنفل بين سنة الفجر وفرضه. وقال الخفاف: السنة أن لا يتكلم بينهما. قال ابن الصلاح: ولا أدري من أين قال هذا؟! وقال الترمذي: كره بعض الصحابة وغيرهم الكلام حينئذ، وإلا ما كان من ذكر الله تعالى، أو ما لا بد منه، وهو قول أحمد وإسحاق. وفي (تاريخ أصفهان) [1/ 461] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد صلاة الفجر: (اللهم؛ إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا)، وبه قال الخضري من أصحابنا، ونص عليه الشافعي. وفي (كتاب ابن السني) [103] عن أبي المليح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

وَقِيلَ: لاَ رَاتِبَةَ لِلْعِشَاءِ، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول بعدها: (اللهم؛ رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار) ثلاث مرات. والسنة في سنة المغرب تطويل القراءة؛ لرواية أبي داوود [1295]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القراءة حتى يتفرق أهل المسجد). ويسن أن يقول بعدها ما رواه ابن السني [658] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد سنة المغرب: (يا مقلب القلوب؛ ثبت قلبي على دينك)، وكأن هذا إشارة إلى قوله تعالى: {يقلب الله اليل والنهار}. قال: (وقيل: لا راتبة للعشاء)؛ لأن الركعتين بعدها يجوز أن يكون من صلاة الليل، وبهذا قال الخضري والقفال، وحكي عن نصه في (البويطي). قال: (وقيل: أربع قبل الظهر)؛ لما روى البخاري [1182] عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعًا قبل الظهر). وفي (مسلم) [730] عنها: (أنه كان يصلي قبل الظهر في بيته أربعًا، وبعدها ركعتين). وفي (الترمذي) [478]: أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي أربعًا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح). وفيه [415] عن أم حبيبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد مسلم يصلي لله اثنتي عشرة ركعة من غير الفريضة .. إلا بني الله له بيتًا في الجنة، أربعًا قبل الظهر ...)، والباقي كحديث ابن عمر. قال: (وقيل: وأربع بعدها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها .. حرمه الله على النار) صححه الترمذي [428] وأبو داوود [1263] والحاكم [1/ 312]. حرمه الله على النار) صححه الترمذي [428] وأبو داوود [1263] والحاكم [1/ 312].

وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ. وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ. وَقِيلَ: رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: وأربع قبل العصر)؛ لما روى أبو داوود [1265] والحاكم والترمذي [430] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا) وصححه ابن حبان [2453]. وفي (التبصرة) للبيضاوي استحباب أربع بعد المغرب. قال المصنف في (فتاويه): إن الأربع التي قبل الظهر، والتي بعدها، والتي قبل العصر تجوز .. بتشهدين وبتشهد واحد. وهذا يرد على ما ذكره في (التراويح) من أنه: لا يجمع بين أربع ركعات بتسليمة، وسيأتي جوابه. قال: (والجميع سنة، وإنما الخلاف في الراتب المؤكد) فمنهم من يقول الجميع مؤكد، ومنهم من يقول: المؤكد العشرة المذكورة أولاً. لكن يستثنى من ذلك الجامع بجمع؛ فإن الشافعي نص على أن السنة له ترك التنفل بعد المغرب وبعد العشاء؛ لقول ابن عمر: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسبح بينهما، ولا على إثر واحدة منهما). وجزم الدارمي بأنه يأتي بالوتر دون سنة العشاء. وقال الرافعي: لا يأتي بالسنة المطلقة ويأتي بالراتبة. قال: (وقيل: ركعتان خفيفتان قبل المغرب)، ففي (صحيح البخاري) [503] من حديث أنس: أن كبار الصحابة كانوا يبتدرون السواري عند المغرب. وفي رواية لمسلم [837]: حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد، فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما.

قُلْتُ: هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ فَفِي (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ) الأَمْرُ بِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا تستحبان؛ لما روى أبو داوود [1278] عن ابن عمر بإسناد حسن قال: (ما رأيت أحد يصلي الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولم يستحبها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وآخرون من الصحابة، ومالك وأكثر الفقهاء. وقال النخعي: هي بدعة. قال: (قلت: هما سنة على الصحيح؛ ففي (صحيح البخاري) [1183] الأمر بما) أشار إلى حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا قبل صلاة المغرب، صلوا قبل صلاة المغرب) وقال في الثالثة: (لمن شاء) كراهة أن يتخذها الناس سنة. والمراد بالسنة: الطريقة اللازمة لا المعنى الاصطلاحي. والجواب عن قول ابن عمر .. أنه نفى وغيره أثبت، لاسيما والمثبت أكثر عددًا. وإذا قلنا باستحبابهما فهما .. من غير المؤكد، قاله الرافعي وابن الصلاح. ومحلهما قبل الشروع في الإقامة، أما إذا شرع المؤذن فيها .. فتكره كغيرها كذا في (شرح المهذب). لكن في (صحيح مسلم) [836]: أنهم كانوا يصلونها عند أذان المغرب، وفي (ابن حبان) [2489]: (ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء)، فظاهر هذا: تقديمهما على إجابة المؤذن وفيه نظر. فلو أدى الاشتغال بهما إلى فوات فضيلة التحرم .. فالذي يظهر تأخيرهما إلى ما بعد المغرب. وزاد في (شرح المهذب) و (واللباب) استحباب ركعتين قبل العشاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة)، رواه الشيخان [خ624 - م838]. والمراد: الأذان والإقامة باتفاق العلماء.

وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ، وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرَ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبعد الجمعة أربع) نص عليه الشافعي في اختلاف علي وابن مسعود. وفي (صحيح مسلم) [881] من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم الجمعة .. فليصل بعدها أربعًا). وقال ابن رزين: إذا صلى بعدها في المسجد .. صلى أربعًا، وإن صلى في بيته .. صلى ركعتين، إشارة إلى ترك الاقتصاد في المسجد على ركعتين؛ لئلا تلتبس الجمعة بالظهر، ولئلا يتطرق أهل البدع إلى صلاتها ظهرًا أربعًا. وفي (الإحياء) و (بداية الهداية): يستحب بعدها ست. وعده ابن الصلاح من شذوذ مصنفها. قال: (وقبلها ما قبل الظهر والله أعلم)؛ لعموم: (بين كل أذانين صلاة)، وفي (سنن ابن ماجه) [1114] عن جابر وأبي هريرة قالا: جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أصليت قبل أن تجيء؟) قال: لا، قال: (فصل ركعتين وتجوز فيهما) وإسناده على شرط الشيخين. وروى الدارقطني [1/ 267] وابن حبان [2455] وابن السكن في (سننه الصحاح) عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان). قال شيخنا: ومقتضى كلام المصنف .. مخالفة الجمعة للظهر في سنتها المتأخرة دون المتقدمة، وأن يتأكد بعدها أربع وقبلها ركعتان وهو بعيد. ومقتضى ما في (الروضة) و (شرح المهذب) .. إلحاقها بها مطلقًا، وصرح به في (التحقيق) فقال: (والجمعة كالظهر، وقال ابن الرفعة: إنه الصحيح. وحينئذ فيكون الأكمل قبلها وبعدها أربعًا وأربعًا، والأدنى ركعتين وركعتين. تنبيهان: أحدهما: ينوي بما قبل الجمعة وما بعدها سنة الجمعة.

وَمِنْهُ: الْوِتْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن صاحب (البيان): أنه ينوي بالتي قبلها سنة الظهر والتي بعدها سنة الجمعة؛ لأنه منها على غير ثقة من استكمال شروطها، وسيأتي عنه في نية الإمامة نظير هذه المقالة الشاذة. وقيل: ينوي بها سنة فرض الوقت. الثاني: يستحب عندنا وعند أكثر العلماء فعل السنن الراتبة في السفر سواء قصر أم أتم، لكنها في الحضر آكد؛ لما روى الشيخان [خ1000 - م 700] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح قبل الظهر على ظهر راحلته حيث كان وجهه، يومئ برأسه)، وكان ابن عمر يفعله لكن في (الموطأ) [1/ 150]: أن ابن عمر لم يكن يصلي مع الفريضة في السفر شيئًا قبلها ولا بعدها، إلا أن في جوف الليل فإنه كان يصلي على الأرض، وسيأتي في (الشهادات): أن من واظب على ترك الراتبة أو تسبيحات الركوع والسجود .. ردت شهادته. قال: (ومنه: الوتر) أي: من السنن، وليس بواجب كما يقول أبو حنيفة، وهو بكسر الواو وفتحها. فأما كونه مطلوبًا .. فبالإجماع، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر) رواه أبو داوود [1411] وصححه الترمذي [453]. فإن قيل: هذا أمر وظاهر الوجوب، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق، فمن لم يوتر .. فليس منا) رواه أحمد [5/ 357] وأبو داوود [1414]، وفي (مسند البزار) [1637]: (الوتر واجب على كل مسلم). قلنا: هذا محمول على تأكيد الاستحباب؛ لقوله تعالى: {والصلوة الوسطى}، فلو وجب الوتر .. لم يكن لها وسطى، وفي حديث الأعرابي: هل علي غيرها؟ قال عليه الصلاة والسلام: (لا، إلا أن تطوع)، وفي (الصحيحين) [1395 - م19] في حديث معاذ: (إن الله افترض عليكم خمس صلوات في اليوم والليلة)، وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا يوافق أبا حنيفة على وجه، حتى صاحبيه.

وَأَقَلُّهُ: رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ: إِحْدَى عَشْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدل لنا أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث كتبن علي ولم تكتب عليكم: الضحى والأضحى والوتر)، و (أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على الراحلة)، كما ثبت في (الصحيحين) [خ1000 - م700/ 38]. فإن قيل: لا دلالة في ذلك؛ لأن الوتر كان واجبًا عليه .. فالجواب: أن الحليمي والشيخ عز الدين والقرافي قالوا: كان الوتر واجبًا عليه في الحضر دون السفر. والضمير في قول المصنف: (ومنه) يعود إلى القسم الذي لا تسن فيه الجماعة لا إلى الرواتب، ولهذا قال: (ومنه) ولم يقل: ومنها. فعلى هذا: الوتر قسيم للرواتب لا قسم منها، لكن المجزوم به في (الشرحين) و (الروضة): أنه قسم منها. قال: (وأقله: ركعة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الوتر ركعة من آخر الليل) رواه مسلم من حديث عمر [752] وابن عباس [753]، وفي (الصحيحين) [خ1137 - م749]: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح .. فأوتر بواحدة)، وفي (السنن الأربعة) عن أبي أيوب الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يوتر بثلاث .. فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة .. فليفعل)، لكن قال القاضي أبو الطيب: يكره الإيتار بها. وفي (الوسيط): (أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة)، وهو لا يعرف، وظن المزني أن أقله: ثلاث من قول الشافعي في موضع: يوتر بثلاث. وليس كما ظنه بل أقله: ركعة بلا خلاف. قال: (وأكثره: إحدى عشرة)؛ لقول عائشة: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة) متفق عليه [خ1147 - م738].

وَقِيلَ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ. وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ وَهُوَ أَفْضَلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: ثلاث عشرة)؛ لما روى الترمذي [457] عن أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف .. أوتر بسبع)، قال: حديث حسن، وقال الحاكم [1/ 306]: على شرط الشيخين. وأول هذا بأن الركعتين سنة العشاء. وهذا الوجه رجحه الرافعي في (شرح المسند). ولم يتعرض في الكتاب لأدنى كماله وهو: ثلاث؛ لما روى النسائي [3/ 235] عن أبي بن كعب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، يقرأ في الأولى .. (سبح اسم ربك الأعلى)، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة: (الإخلاص) و (المعوذتين)) رواه أبو داوود [1419] والترمذي [463] وابن حبان [2432]، وقال الحاكم [1/ 305]: على شرط الشيخين. وأصح الوجهين: أنه لا تجوز الزيادة على المنقول، كما تمتنع الزيادة في سنة الفجر وسائر الرواتب. قال: (ولمن زاد على ركعة الفصل)؛ لما روى أحمد [2/ 76] وابن حبان [2435] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه). قال: (وهو أفضل)؛ لأن أحاديثه أكثر، وهو أكثر عملًا؛ إذ يزيد بالسلام والتكبير والنية وغيرها. وقيل: الأفضل الوصل خروجًا من خلاف أبي حنيفة؛ فإنه لا يصحح المفصول. وقيل: الفصل أفضل للمنفرد بخلاف الإمام؛ لأنه يقتدي به الحنفي وغيره. وعكس الروياني فكان يصل منفردًا ويفصل إمامًا. وجزم ابن خيران في (اللطيف) بكراهة الوصل. وفي (صحيح ابن حبان) [2429]: (لا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب). وهذا كله في الثلاث، فإن زاد .. فالفصل أفضل بلا خلاف.

وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ، أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الآخِرَتَيْنِ. وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الأصحاب أربعة أوجه في كيفية النية: أصحها: أنه ينوي بكل شفع ركعتين من الوتر، والثاني: قيام الليل، والثالث: سنة الوتر، والرابع: مقدمة الوتر. قال: (والوصل بتشهد)؛ لحديث عائشة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلى آخرها) رواه مسلم [737]. قال: (أو تشهدين في الآخرتين)؛ لما روى مسلم [746] عن عائشة: أنها لما سئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله تعالى ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا). وقد تقدم في (باب صفة الصلاة) في هذا الحديث زيادة في (مسند أبي عوانة) تدل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير. والأصح: أنه لا يجوز أكثر من تشهدين، ولا يكونان إلا في الأخيرتين، حتى لو أوتر بتسع وتشهد في السابعة والتاسعة .. لم يجز. والثاني: يصح كالنوافل الملطقة. والفرق: أن النفل المطلق لا حصر لعدد ركعاته وتشهداته بخلاف الوتر. وإذا تعارض زيادة العدد والفصل، كخمسة موصولة مع ثلاثة مفصولة .. فالأفضل النظر إلى عدد الركعات دون الفصل. قال: (ووقته بين صلاة العشاء وطلوع الفجر) أما جوازه في هذا الوقت ..

وَقِيلَ: شَرْطُ الإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ: سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلاَةِ اللَّيْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فبالإجماع، قاله ابن المنذر. وقيل: يدخل وقته بدخول وقت العشاء. وفي قول: أنه يمتد بعد الفجر إلى أن يصلي الصبح، حكاه الرافعي في آخر الباب. وفي (مقنع المحاملي): أن وقته المختار إلى نصف الليل، ووقت جوازه إلى الفجر. ويستثنى من ذلك إذا جمع تقديمًا .. فإنه يوتر عقبهما وإن لم يدخل وقت العشاء. قال: (وقيل: شرط الإيتار بركعة: سبق نفل بعد العشاء)؛ ليوتر ما تقدم عليه من السنن. والصحيح: خلافه؛ لأن عثمان رضي الله عنه كان يحيي الليل بركعة هي وتره، ولإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يوتر بركعة .. فليفعل)، ولأنه إذا جاز إفراد الركعة عما قبلها بالسلام .. جاز فعلها وحدها. قال: (ويسن جعله آخر صلاة الليل)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا) متفق عليه [خ998 - م751] من حديث ابن عمر. فإن كان له تهجد .. فعله بعده، وإن لم يكن له تهجد فإن وثق باستيقاظه .. أخره إلى آخر الليل، وإلا .. فبعد فريضة العشاء وسنتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل .. فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره .. فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل) رواه مسلم [755] من حديث جابر.

فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ .. لَمْ يُعِدْهُ، وَقِيلَ: يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أوتر ثم تهجد .. لم يعده)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة) رواه أبو داوود [1434]، وحسنه الترمذي [470]، وصححه ابن حبان [2449]، وممن كان يفعل ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ولا يكره التهجد بعد الوتر، لكن لا يستحب تعمده. وإذا أوتر ثم بدا له أن يصلي قبل أن ينام .. فليؤخره قليلًا، نص عليه في (البويطي). و (الهجود) لغة: هو النوم، يقال: (هجد) إذا نام، و (تهجد) إذا أزال النوم بتكلف. وفي الاصطلاح: صلاة التطوع في الليل بعد النوم. قال: (وقيل: يشفعه بركعة) ويسمى هذا: نقض الوتر (ثم يعيده) روي ذلك عن عثمان وعلي، وهذا الوجه شاذ بل ذكر في (الإحياء): (أنه صح النهي عن نقض الوتر). (وشفع يشفع) بفتح الفاء فيهما: إذا ضم إلى الوتر عددًا صار به شفعًا. فروع: السنة إذا أوتر بثلاث .. أن يقرأ في الأولى: بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، وفي الثانية بـ (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة بـ (الإخلاص) و (المعوذتين)؛ للحديث المتقدم. وقال في (اللباب): يستحب أن يصلي ركعتين بعد الوتر قاعدًا متربعًا، يقرأ في الأولى بعد (الفاتحة): (إذا زلزلت)، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون)، فإذا ركع .. وضع يديه على الأرض وثنى رجليه، وجزم بذلك الطبري أيضًا. وأنكر في (شرح المهذب) على من اعتقد سنية ذلك وقال: إنه من البدع المنكرة.

وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ: كُلَّ السَّنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يقول بعد الوتر: (سبحان الملك القدوس) ثلاثًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، رواه أبو داوود [1425] بإسناد صحيح، وفي رواية أحمد [3/ 406] والنسائي [3/ 245]: (كان يمد صوته بالثالثة). ويستحب أن يقول بعده أيضًا: (اللهم؛ إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، ففي (سنن أبي داوود) [1422] و (الترمذي) [3566] و (النسائي) [3/ 249] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله في آخر وتره. قال: (ويندب القنوت آخر وتره في النصف الثاني من رمضان)؛ لما روى الحسن البصري: أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي بهم عشرين ركعة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني، فإذا كانت العشر الأواخر .. تخلف فصلى في بيته، رواه أبو داوود [1423] وهو منقطع؛ لأن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. واستدل له الشيخ في (المهذب) بأن عمر رضي الله عنه قال: (السنة إذا انتصف الشهر من رمضان أن يلعن الكفرة في الوتر بعدما يقول: سمع الله لمن حمده)، قال الحافظ زكي الدين بن العظيم: وهو صحيح رواه البخاري ومسلم؟! ومراده: أن أصل الحديث في (الصحيحين) [خ4560 - م675]، أما هذه الزيادة التي هي من كلام عمر وهي المقصودة هنا .. فليست فيهما. قال: (وقيل: كل السنة)؛ لظاهر خبر أبي. وهو قول أربعة من أصحابنا: الزبيري وأبو الوليد النيسابوري وابن عبدان وأبو منصور بن مهران، واختاره الروياني وذكر: أنه اختيار مشايخ طبرستان، وقال أبو حاتم القزويني: إن عليه إجماع العامة وبه الفتوى. واختاره المصنف في (التحقيق)؛ لحديث الحسن بن علي قال: (علمني

وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ، وَيَقُولُ قَبْلَهُ: (اللَّهُمَّ؛ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ ....) إِلَى آَخِرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: الله؛ اهدني فيمن هديت ...) إلى آخره، رواه أصحاب السنن الأربعة بإسناد على شرط الصحيح، وإسناد صحيح، وليس فيه تصريح بأنه في كل السنة. ووقع في (الروضة) حكاية وجه ثالث: أنه يقنت في جميع رمضان وهو وهم؛ فإن الرافعي إنما حكاه عن مالك، ويدل له ما في (الموطأ) عن الأعرج قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان. قال: (وهو كقنوت الصبح) في لفظه ومحله واقتضاء السجود بتركه ورفع اليد وغيره؛ للحديث المتقدم. وقيل: يقنت في الوتر قبل الركوع ليحصل الفرق بين الفضل والنفل، كما فرقوا في الخطبتين فجعلوهما في الجمعة قبل الصلاة وفي العيدين بعدها. وقيل: يتخير إن شاء .. قنت قبل الركوع، وإن شاء .. بعده. وإذا قلنا قبل الركوع .. فقيل: يكبر بعد القراءة ثم يقنت، وقيل: يقنت من غير تكبير وهو الأصح. قال: (ويقول قبله: (اللهم؛ إنا نستعينك ونستغفرك ...) إلى آخره) أي: ونستهديك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك اللهم؛ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق) كذا رواه البيهقي [2/ 210].

قُلْتُ: اَلأَصَحُّ: بَعْدَهُ، وَأَنَّ اَلْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي اَلْوِتْرِ عَقِبَ اَلْتَرَاوِيحِ جَمَاعَةَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد فيه القاضي أبو الطيب وغيره: اللهم؛ عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم؛ أغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، والف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم، إله الحق واجعلنا منهم. و (الجد) بكسر الجيم: معناه الحق و (ملحق) بكسر الحاء على المشهور على معنى: لحق فهو لا حق، ويجوز فتحه؛ لأن الله تعالى ألحقه بهم. و (الحكمة): كل ما منع القبيح، وأصله وضع الشيء في محله. و (أوزعهم) أي: ألهمهم. و (العهد): ما ألزم الله تعالى به خلقه من القيام بأوامره واجتناب نواهيه. وقال الروياني وابن القاص: يزيد في القنوت: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا ......} إلى آخر السورة، وضعفه في (شرح المهذب). قال: (قلت: الأصح: بعده)؛ لأن قنوت الصبح ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم في الوتر، فكان تقديمه أولى، وللك إذا اقتصر .. اقتصر عليه، والمصنف أطلق استحباب الجمع بينهما، ومحله: إذا كان منفردًا، أو إمام قوم محصورين رضوا بالتطويل، وإلا .. فيقتصر على قنوت الحسن، كذا نقله في آخر (صفة الصلاة) من (شرح المهذب) عن الأصحاب. قال: (وأن الجماعة تندب في الوتر عقب التراويح جماعة والله أعلم)؛ لنقل الخلف ذلك عن السلف، فلو كان له تهجد .. جعل الوتر بعده، لكن الأولى له أن

وَمِنْهُ: اَلْضُّحَىَ، وَأَقَلُّهَا: رَكْعَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلي معهم نافلة؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف .. فإنه يعدل قيام ليلة) صححه الترمذي [806]. وكلام المصنف يقتضي: أنه إذا صلى التراويح فرادى .. لا تستحب له الجماعة في الوتر، وليس كذلك بل استحبابها فيه دائر مع استحبابها في التراويح، لا مع فعلها فيها. وأما الجماعة في الوتر في غير رمضان .. فالمذهب: أنها لا تشرع كغيره من السنن. قال: (ومنه: الضحى) أي: من قسم النوافل التي لا تسن فيها الجماعة صلاة الضحى، لقوله تعالى: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ والإشْرَاقِ} قال ابن عباس: (الإشراق: صلاة الضحى). وروي استحبابها عن أبي هريرة وفي (الصحيحين) [خ 1981 - م 721] عنه قال: (أوصاني خيلي صلي الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام). والأحاديث تقتضي: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلبها في بعض الأوقات، ويتركها في بعضها؛ مخافة أن يعتقد وجوبها أو تفرض عليهم. ووقتها من ارتفاع الشمس إلا الزوال. وفي زوائد (الروضة): يدخل وقتها بالطلوع، والتأخير إلى الارتفاع مستحب، ولعله سبق قلم. ووقتها المختار: إذا مضى ربع النهار. قال: (وأقلها: ركعتان)؛ لحديث أبي هريرة السابق. وفي (صحيح مسلم) [720]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة

وَأَكْثَرُهَا: أَثْنَتَا عَشْرَةّ، وَتَحِيَّةُ اّلْمَسْجِدِ رَكْعَتَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". قال: (وأكثرها: اثنتا عشرة) ركعة؛ لقوله صلي الله عليه وسلم لأبي ذر: (إن صليت الضحى ركعتين .. لم تكتب من الغافلين، وإن صليتها أربعًا .. كتبت من المحسنين، وإن صليتها ستًا .. كتبت من القانتين، وإن صليتها ثمانيًا .. كتبت من الفائزين، وإن صليتها عشرًا .. لم يكتب عليك ذلك اليوم ذنب، وإن صليتها ثنتي عشرة ركعة .. بني الله لك بيتًا في الجنة) رواه البيهقي بإسناد فيه نظر [3/ 48]. وأكثر الأصحاب على أن أكثره: ثمان؛ لحديث أم هانئ. وأدنى الكمال: أربع، وأفضل منه: ست. ولا يكره تركها. فرع: قال في (البحر): قال أصحابنا: إن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلي بين المغرب والعشاء ثنتي عشرة ركعة ويقول: (هذه صلاة الأوابين، فمن صلاها .. غفر له) وكان الصالحون من السلف يصلونها صلاة الغفلة، قال: والأظهر عندي: أنها دون صلاة الضحى في التأكيد. قال: (وتحية المسجد ركعتان)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد .. فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) متفق عليه [خ 1163 - م 714]. زاد ابن حبان [2495]: (فلا يجلس فيه حتى يصلي ركعتين)، وهو يرد على ابن حزم في قوله: لا يجلس مطلقًا حتى يصلي فيه أو في غيره. وسواء وقت انهي وغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يستثنى من ذلك: الخطيب عند صعود المنبر كما سيأتي في موضعه، وإذا دخل والإمام في المكتوبة أو والصلاة تقام، وكذا إذا دخل المسجد الحرام قادمًا .. فلا يشتغل بها عن الطواف، أو خاف فوات سنة راتبة. وتسقط بالجلوس الطويل بلا خلاف، وبالقصير على الأصح. وقال أبو الفضل بن عبدان: لو جلس ناسيًا، ثم ذكر بعد ساعة .. صلاها، والداخل زحفًا يؤمر بها. وقال في (الإحياء): يكون أن يدخل المسجد على غير وضوء، فإن دخل .. فليقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ فإنها تعدل ركعتين في الفضل، وحكاه المصنف عن بعض السلف، وجزم به ابن يونس وابن الرفعة. وزاد ابن الرفعة: ولا حول ولا قوة لا بالله. وفي (الأذكار): يقوله أربع مرات. قال: وكذا لو كان له شغل يمنعه عن الصلاة .. فظاهر كلام المصنف تبعًا لـ "المحرر" يقتضي: منع الزيادة على ركعتين، لكنه قد قال في (شرح المهذب): قال أصحابنا: وتحية المسجد ركعتان، فإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمه واحدة ..

وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَقْلٍ آَخَرَ، لاَ رَكْعَةٍ عَلَى اَلصَّحِيحِ. قُلْتُ: وَكَذَا اَلْجَنَازَةُ، وَسَجْدَةُ اَلْتِّلاَوَةِ وَاَلْشُّكْرٍ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرٍ اَلْدُّخُولٍ عَلَى قُرْبِ فِي اَلأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جاز وكانت كلها تحية؛ لاشتمالها على الركعتين. هذا لفظه ومقتضاه: المنع عند الفصل وهو ظاهر؛ لأن التحية حصلت بالأولى. ولو أحرم بها قائمًا، ثم أراد القعود لإتمامها .. فالقياس عدم المنع. قال: (وتحصل بفرض أو نقل آخر) سواء كان ركعتين أو أكثر، مؤداة أو مقتضية أو منذورة، ونوى ذلك مع التحية .. فيحصلان؛ إذ الغرض أن لا تنتهك حرمة المسجد بغير الصلاة. وسواء نواها معه أو أطلق. قال الرافعي: ويجوز أن يطرد فيه الخلاف فيما إذا نوى غسل الجنابة هل يحزئه عن العيد والجمعة؟ قال ابن الصلاح: وينبغي ما إذا نواهما .. أن يتخرج أيضًا على الخلاف مما إذا نوى بغسله الجنابة والجمعة معًا. قال في (شرح المهذب): وليس الأمر كما قالا، بل الأصحاب كلهم مصرحون بأنه لا خلافي حصول التحية في الصورتين، وفرق بأن غسل الجمعة سنة مقصودة، وأما التحية فالمقصود منها شغل المكان. قال في (المهمات): والفرق المذكور غير واضح. والقياس: أنه لا يجوز ثواب التحية ما لم ينوها تقدم في (باب الغسل). قال: (لا ركعة على الصحيح)؛ للحديث السالف. والثاني: نحصل؛ لحصول الإكرام. قال: (قلت: وكذا الجنازة، وسجدة التلاوة والشكر) فلا تحصل بهما التحية على الصحيح؛ لما ذكرناه في الركعة. قال: (وتتكرر بتكرر الدخول على قرب في الأصح والله أعلم)؛ لتجدد السبب. والثاني: لا؛ للمشقة.

وَيَدْخُلُ وَقْتُ اَلْرَوَاتَبِ قَبْلَ اَلْفَرضِ بِدُخُولِ وَقْتِ اَلْفَرضِ، وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ اَلنَّوْعَانِ بِخْرُوجِ وَقْتِ اَلْفَرْضِ. وَلَوْ فَاتَ اَلْنَّقْلُ الَمْؤُقَّتُ .. نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي اَلأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن طال الفصل .. تكرر الأمر بها بلا خلاف؛ لزوال المشقة. قال: (ويدخل وقت الرواتب قبل الفرض بدخول وقت الفرض، وبعده بفعله) هذا لا خلاف فيه. قال: (ويخرج النوعان بخروج وقت الفرض)؛ لأنهما تابعان له. وقيل: يمتد وقت الفجر إلى الزوال، وقيل: يخرج بفعل الصبح، وكذا سنة الظهر المتقدمة عليها. وقيل: تمتد سنة المغرب إلى مغيب الشفق، وقيل: إلى فعل العشاء. وتمتد سنة العشاء إلى صلاة الصبح. قال: (ولو فات النقل المؤقت) كالعيد والرواتب والضحى والتراويح (.. ندب قضاؤه في الأظهر)؛ لأنه صلي الله عليه وسلم صلي ركعتين بعد العصر عن الركعتين اللتين بعد الظهر، كما تقدم، و (قضي ركعتي الفجر لما نام في الوادي). والثاني: لا يقضي كغير المؤقت. والثالث: إن لم يتبع غيره كالضحى والعيد .. قضي لمشابهته الفرائض في الاستقلال، وإن تبع كالرواتب ... فلا. واحترز بـ (المؤقت) عما يفعل بسبب عارض كالكسوف وتحية المسجد، فلا مدخل للقضاء فيه. ووفي في "الروضة" تبعًا للرافعي: عد الاستقساء في ذلك، وليس يجيد، لأنها لا تفوق بالسقيا كما سيأتي في بابه. وإذا قلنا بالقضاء .. فهو أبدًا في الأصح، وقيل: فائته اليوم ما لم تغيب شمسه،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفائتة الليل ما لم يطلع فجره، وقيل: ما لم يصل فريضة مستقلة، وقيل: ما لم يدخل وقتها. ثم الظاهر: أنه إنما يندب قضاء النقل لغير من سقط عنه الفرض بعذر، كجنون وحيض ونفاس وغيرها، أما هؤلاء .. فلا يندب لهم قضاء ما فاتهم منه زمن العذر كالفرض، وإليه أشار الرافعي في (باب الوضوء) عند الكلام على غسل اليدين. تتمة: بقي من هذا القسم مسائل: إحداها: قال القاضي والبغوي والمحاملي والمتولي والروياني والغزالي وابن الصلاح: تستحب صلاة التسبيح وهي: أرباع ركعات يقول فيها ثلاث مئة مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. بعد التحريم وقبل القراءة: خمسة عشر، وبعد القراءة وقبل الركوع: عشرًا، وفي الركوع: عشرًا، وكذلك في الرفع منه، وفي السجود، والرفع منه، والسجود الثاني، فهذه خمس وسبعون في أربع: بثلاث مئة. وهي سنة حسنة، وحديثها في (أبي داوود) [1291] و "ابن ماجه" [1386] و (الترمذي) [483]، و (المستدرك) [1/ 318]، وصححه بن حبان وكذلك في (صحيح ابن خزيمة) [1216]، ووهم ابن الجوزي فعده من الموضوعات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الغزالي: ويستحب أن لا يخلو الأسبوع منها أو الشهر، والأحسن إذا صلاها نهارًا .. أن تكون بتسليمة واحدة، وإذا صلاها ليلاً .. أن تكون بتسليمتين. الثانية: ركعتا الإحرام الثالثة: ركعتا الطواف. الرابعة: سنة الوضوء. الخامسة: ركعتان في المسجد إذا قدم من سفره، وكذا عند خروجه من منزله للسفر. السادسة: ركعتا الاستخارة وحديثها مشهور. وفي (الترمذي) [2151]: (من سعادة ابن أدم استخارة الله تعالى في كل أموره، ومن شقاوته ترك استخارة الله تعالى في كل أموره). وروي ابن السني [601] عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: (إذا هممت يأمر .. فاستخر الله فيه سبع مرات، ثم أنظر إلى الذي سبق قلبك فإن الخير فيه). واستحب بعض السلف أن يقرأ في الركعة الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، وقوله تعالى: {ورَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ويَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ} إلى {يُعْلِنُونَ}، وفي الثانية: (الإخلاص) وقوله تعالى: {ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية، وهو حسن. السابعة: صلاة الحاجة في (الترمذي) [479] قال في (التحقيق): لا تكره وإن كان حديثها ضعيفًا. الثامنة: قال في (الإحياء) [1/ 202]: تستحب صلاة الرغائب وهي: ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء وأول ليلة جمعة من شهر رجب، يقرأ في كل ركعة (فاتحة الكتاب) مرة، (وإنا أنزلناه في ليلة القدر) ثلاثًا، و (قل هو الله أحد) اثنتى عشرة

وَقَسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةَ كَالْعِيدِ وَاَلْكُسُوفِ وَالاسْتِقسُاَءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لاَ يُسَنُّ جَمَاعَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ .. قال: اللهم؛ صل على محمد النبي الأمي وآله سبعين مرة، ثم يسجد فيقول في سجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبعين مرة، ثم يرفع رأسه فيقول: رب أغفر وارحم وتجاوز عما تعلم؛ إنك أنت الأعز الأكرم سبعين مرة، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ذلك. التاسعة: صلاة ليلة نصف شعبان وهي: مئة ركعة يقرأ في كل ركعة بعد (الفاتحة) سورة (الإخلاص) عشرًا. قال في (الإحياء): تستحب أيضًا. وقال المصنف: إنهما بدعتان مذمومتان قبيحتان، وسبقه إلى إنكار ذلك الشيخ عز الدين، وافتى الصلاح باستحبابهما، وفي (شرح العمدة) للشيخ تقي الدين قبيل (باب الأذان): أن بعض المالكية في إحدى ليالي الرغائب مر بقوم يصلونها، وقوم عاكفين على محرم، فحسن حالهم على حال المصلين؛ لأن هؤلاء عالمون بارتكاب المعصية فترجى لهم التوبة، وأولئك يعتقدون أنهم في طاعة فلا يتوبون ولا يستغفرون. أهـ. وهذه زلة من المالكي المذكور، كيف حسن معصية على عمل مشكور؟! العاشرة: الركعتان عند القتل إن أمكنه لحديث خبيب في (الصحيح) [خ 3045]، وروى الرشاطي في ذلك حديثنا حسنًا. قال: (وقسم يس جماعة كالعبد والكسوف والاستقساء، وهو أفضل مما لا يسن جماعة)؛ لتأكدها بمشروعة الجماعة فيها. والمراد: جنس هذه الصلاة مع جنس الأخرى من غير نظر إلى عدد مخصوص. فإن قيل: روى مسلم [1163] عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل).

لَكِنِ اَلأَصَحُّ: تَفْضِيلُ اَلرَّاتِبَةِ عَلَى اَلْتَّرَاوِيحِ، وَأَنَّ اَلْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي اَلْتَّرَاوِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فجوابه: أنه محمول على النوافل المطلقة، لأن رواتب الفرض أفضل منها. وعن أبي اسحاق المروزي: أن صلاة الليل أفضل من الرواتب، وقواه المصنف. وكسوف الشمس أفضل من كسوف القمر، وليس في تفضيل أحد العيدين على الآخر نقل، لكن ذكروا أن تكبير الفطر أفضل من تكبير الأضى على الجديد، والعيد أفضل من الكسوف، ثم الاستقساء بلا خلاف، وكذلك رتب المصنف أبوابها. قال: (لكن الأصح: تفضيل الراتبة على التراويح)؛ لمواظبة النبي صلي الله عليه وسلم دون التراويح. والثاني: أن التراويح أفضل؛ لأنها تسم لها الجماعة فأشبهت العيد، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب. هذا إذا قلنا بنسية الجماعة، وإلا .. فالراتبة أفضل جزمًا. وسميت تراويح لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات. قال: (وأن الجماعة تسن في التراويح)؛ لإجماع الصحابة على ذلك، وهي أحسن سنة سنها إمام، وفي (الصحيحين) [خ 924 - 761] عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلاها في بيته باقي الشهر وقال: (إني خشيت ألا تفرض عليكم فتعجزوا عنها)، وإنما صلاها النبي صلي الله عليه وسلم بعد ذلك فرادى لخشية الافتراض، وكان عمر قد جمع الناس لها على أبي والنساء على سليمان بن أبي حثمة، وكان على رضي الله عنه يجعل للنساء إمامًا وللرجال إمامًا، وجعل عرفجة إمام النساء. رواهما البيهقي [2/ 494]. والثاني: الانفراد أفضل كسائر النوافل. والثالث: إن كان حافظًا للقرآن آمنًا من الكسل، ولم تختل الجماعة بتخلفه .. فالانفراد أفضل، وإلا .. فالجماعة. وتصلي ركعتين ركعتين، فلو صلاها أربعًا بتسليمة واحدة .. لم تصح بلا خلاف،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله القاضي حسين في (فتاويه). وقد تقدم عن (فتاوي المصنف): أنه لو صلى سنة الظهر أو العصر أربعًا بتسليمة واحدة .. جاز. والفرق بينهما: أن التراويح بمشروعية الجماعة فيها أشبهت الفرائض، فلا تغير عما ورد. ووقتها وقت الوتر، وفي جوازها قبل العشاء خلاف، والأصح: المنع. وقال الحليمي: لا يدخل وقتها إلا بعد مضي ربع الليل فصاعدًا - قال - وأما فعلها في أول الليل بعد العشاء .. فمن بدع الكسالى والمترفين، وليس من القيام المسنون بسبيل، بل تطوع كسائر التطوع ليلاً ونهارًا. وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات؛ لما روي البيهقي [2/ 496] وغيره - بالإسناد الصحيح - عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: (كما نقوم على عهد عمر بن الخطاب بعشرين ركعة والوتر). وفي (البحر) عن القديم: أنه لا حصر لها. ولا تصح بنية مطلقة، بل ينوي بكل ركعتين من التراويح أو قيام رمضان. ولأهل المدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام أن يصلوها ستًا وثلاثين دون غيرهم، لأن لهم شرفًا بهجرة النبي صلي الله عليه وسلم دون غيرهم. وقال مالك: التراويح إحدى عشرة ركعة بالوتر، واختاره الجوري من أصحابنا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مذهب داوود؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (ما زاد صلي الله عليه وسلم في رمضان ولا غيره على ذلك). وختم القرآن فيها أفضل من قراءة (سورة الإخلاص). فرع: أفضل الرواتب الوتر، ثم ركعتا الفجر؛ لأن أبا حنيفة يرى وجوب الوتر، ولم يوجب ركعتي الفجر أحد، وما اختلف في وجوبه أكد مما لم يختلف فيه. والمراد: مقابلة الجنس بالجنس، ولا يبعد أن يجعل الشارع العدد القليل أفضل من العدد الكثير مع اتحاد النوع، بدليل القصر في السفر فمع اختلافه أولى. والقديم: بالعكس؛ لقول عائشة: (إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتين قبل الصبح) متفق عليه [خ 1169 - م 427]. وقال صلي الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) رواه مسلم [425] عن عائشة. قال المصنف: معناه أنها خير من متاح الدنيا. وقال غيره: إنما ذلك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بشر بأن حساب أمته بقدرهما، فلذلك كانتا عده خيرًا من الدنيا وما فيها؛ لما يتذكر بهما من عظيم رحمة الله لأمته في ذلك الوقت. وقيل: معناه أن الناس عند قيامهم من نومهم يبتدرون معاشهم وكسبهم، فأعملهم أنها خير من الدنيا وما فيها، فضلاً عما عساه أن يحصل لهم، منها فلا يتركونها ويشتغلون به.

وَلاَ حَضْرَ لِلنَّفْلِ اَلْمُطْلَقِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ .. فَلَهُ اَلْتَّشَهُدُ فِي كُلَّ رَكْعَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأن عددها لا يزيد ولا ينقص فأشبهت الفرائض، ولأنها تتقدم على متبوعها، والوتر يتأخر عنه، وما تقدم متبوعة أولى، ولأنها بيع للصبح، والوتر تبع للعشاء، والصبح أكد من العشاء. وفي وجه بعيد: أن ركعتي الفجر والوتر سواء. واتفقوا على أنهما أفضل من غيرهما. والأفضل بعد الرواتب صلاة الضحى، ثم ماي تعبق بفعل كركعتي الطواف والإحرام وتحية المسجد، ثم سنة الوضوء. قال: (ولا حصر للنفل المطلق)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم لأبي ذر: (الصلاة خير موضوع، استكثر أو أقل) رواه ابن حبان [361]. وقال صلي الله عليه وسلم لربيعة بن كعب: (أعني على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم [489] والأربعة، وأحمد [4/ 59] ولفظ روايته: أن ربيعة بن كعب قال: كنت أخدم النبي صلي الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، فإذا صلى العشاء الآخرة .. أجلس ببابه إذا دخل بيته لعله يحدث له صلي الله عليه وسلم حاجة حتى تغلبني عيني فأرقد، فقال لي يومًا: (يا ربيعة سلني) فقلت: أنظر في أمري ثم أعلمك، قال: ففكرت في نفسي وعلمت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقًا يأتيني قلت أسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم الأخرى، قال: فجئته فقلت: يا رسول الله؛ أسألك أن تشفع لي أن يعتقني الله من النار، وأن أكون رفيقك في الجنة، فقال: (من أمرك بهذا يا ربيعة؟)، قلت: ما أمرني به أحد، فصمت رسول الله صلي الله عليه وسلم طويلاً ثم قال: (إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود). قال: (فإن أحرم بأكثر من ركعة .. فله التشهد في كل ركعتين) كان في الفرائض الرباعية، وكذا في كل ثلاث وكل أربع.

وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قُلْتُ: اَلْصَّحِيحُ: مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا نَوَى عَدَدًا .. فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ اَلْنِّيَةِ قَبْلَهُمَا، وَإِلاَّ .. فَتَبْطُلُ فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَينِ فَقَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا .. فَاَلأَصَحُّ: أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إِنْ شَاءَ. قُلْتُ: نَفْلُ اَللَّيْلِ أَفْضَلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي كل ركعة)؛ لأن له أن يصلي ركعة فردة. قال: (قلت: الصحيح: منعه في كل ركعة والله أعلم؛ لأنا لا نجد في الفرائض صلاة على هذه الصورة. وقيل: لا يزيد على تشهد واحد. وقيل: لا يزيد على تشهدين. قال: (وإذا نوى عددًا .. فله أن يزيد وينقص بشرط تغيير النية قبلهما)؛ لأنه لا حصر للنقل المطلق. وكذا لو نوى ركعة .. فله أن يزيد بهذا الشرط، ولا تدخل في كلام المصنف؛ لأن الواحدة لا تسمى عددًا. قال: (وإلا .. فتبطل) أي: وإن لم ينو قبل الزيادة أو النقصان .. بطلت إذا تعمد لتلاعبه، فإن سها .. عاد وسجد. قال: (فلو نوى ركعتين فقام إلى ثالثة سهوًا .. فالأصح: أنه يقعد ثم يقوم للزيادة إن شاء) أي: شاء الزيادة؛ لأن القيام إليها لم يكن معتدًا به، فأشبه القاصر إذا قام سهوًا ثم نوى الإتمام. والثاني: له المضي فيه ولا يحتاج إلى القعود إذا بدا له؛ لأن القيام في النافلة ليس بشرط. فلو لم ينو واحدة ولا عددًا .. ففي جواز الاقتصار على الواحدة وجهان حكاهما الرافعي عن المتولي قال: وينبغي أن يقطع بجواز الاقتصار. واعترض عليه المصنف بأن المتولي إنما حكي وجهين في أنه: هل يكره الاقتصار على ركعة أو لا؟ وجزم بالجواز كما جزم به سائر الأصحاب. قال: (قلت: نقل الليل أفضل) أي: من النفل المطلق في النهار؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) رواه مسلم [1163].

وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ أَخِرُهُ، وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَينِ، وَيُسَنُّ اَلْتَّهَجُّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأوسطه أفضل) - هذا إذا قسمه أثلاثًا - لشمول الغفلة فيه وثقل العبادة حينئذ، وقد قال صلي الله عليه وسلم: (ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء بين أشجار يابسة). وأفضل منه السدس الرابع والخامس؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) متفق عليه [خ 1131 - م 1159]. قال: (ثم آخره) أي: نصفًا أو ثلثًا أفضل من أوله؛ لأن الله تعالى حث على الاستغفار بالأسحار، وهو محل الرحمة والمغفرة. قال: (وأن يسلم من كل ركعتين) ليلاً كان أو نهارًا؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) رواه الشيخان [خ 472 - 749]. وفي (السنن الأربعة): (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى). والمراد بـ (مثنى مثنى): أن يسلم من كل ركعتين؛ لأنه لا يقال في الظهر: مثنى مثنى. أما التنفل بالأوتار .. فلا يستحب. قال: (ويسن التهجد) وهو متأكد بالكتاب والسنة والإجماع ومداومة النبي صلي الله عليه وسلم عليه، وهو: الصلاة في الليل بعد النوم؛ لقوله تعالى: {ومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ}، وقوله: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}، و (الهجوع): النوم ليلاً. وفي الحديث: (عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم) رواه الحاكم [1/ 308]. وما يروي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى بالليل .. حسن وجهه

وبكرة قيام كل الليل دائمًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنهار)، فقال ابن الصلاح: إنه موضوع ظنه ثابت بن موسى الزاهد حديثًا فأسنده، وإنما هو من كلام السلف. وقال في (البحر): أراد به في نهار يوم القيامة. وذكر أبو الوليد النيسابوري: أن المتهجد يشفع من أهل بيته. وروى البيهقي في (الشعب) [3244] عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة، فينادي مناد: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يؤمر بسائر الناس إلى الحساب. ثم روى أن الجنيد رئي في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر. ويستحب للمتهجد القيلولة، وهي: النوم قبل الزوال، وهي بمنزلة السحور للصائم؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل)، رواه أبو داوود وابن ماجه [1693]. والأصح: أن الوتر يسمى تهجدًا، وقيل: الوتر غير التهجد. قال: (ويكره قيام كل الليل دائمًا)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عنه عبد الله بن عمرو بن العاصي، ولأنه مضر بالعين وسائر البدن، وينقطع به عن معاشه. وحكى في (البحر) عن الحسن بنص الح بن حي الإمام المشهور: أنه كان له ثلاثة إخوة، فجزأ الليل أرباعًا بينه وبينهم، فمات أحدهم فجزأه أثلاثًا، فمات الآخر

وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ اَلْجُمُعَةِ بِقَيامٍ، وَتَرْكُ تَهَجُّدٍ أَعْتَادَهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فجزأه نصفين، ثم مات الثالث وبقي الحسن وحده فقام الليل جميعه. وقال وكيع: كان الحسن وعلى ابنا صالح وأمهما قد جزؤوا الليل ثلاثة أجزاء، فكل واحد يقوم ثلثًا، فماتت أمهما فاقتسما الليل بينهما، ثم مات علي فقام الحسن الليل كله. وروي الربيع: أن الشافعي كان ينظر في العلم في الثلث الأول من الليل ويصلي الثلث الثاني، وينام الثالث، قال: وأقام المعتمر بن سلميان أربعين سنة يصوم يومًا ويفطر يومًا، ويصلي الصبح بوضوء العشاء، وكذلك سعيد بن جبير وأقام بالمدينة أربعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى مع الإمام في الصف الأول. قال: (وتخصيص ليلة الجمعة بقيام) سواء ليلة الرغائب وغيرها؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي) رواه مسلم [1144]. واستحب في (الإحياء) قيامها، ويحمل كلامه على إحيائها مضافًا إلى أخرى قبلها أو بعدها كما في الصوم. قال: (وترك تهجد اعتاده والله أعلم)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم: (كان عمله ديمة)، وقال لعبد الله بن عمرو بن العاصي: (لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه) متفق عليه [خ 1152 - م 1159]. ووقع في (الكفاية) عبد الله بن عمر بغير واو، وهو وهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: روى الدارمي وعبد الحق من حديث سلمان أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا تزوج أحدكم امرأة فكان ليلة البناء .. فليصل ركعتين وليأمرها فلتصل خلفه؛ فإن الله عاجل في ذلك خيرًا). تتمة: ينبغي أن لا يخل بصلاة الليل وإن قلت. ويستحب لمن قام يتهجد أن يوقظ من يطع في تهجده إذا لم يخفف ضررًا. والأصح: أن نوافل الليل يتوسطها فيها بين الجهر والإسرار. وقال المتولي: يستحب فيها الجهر، إلا إذا كان عنده مصلون أو نيام يشوش عليهم فيسر. وتستثنى التراويح فيجهر فيها. روي أن أبا بكر كان يخفي صوته بالقراءة في صلاته يقول: (أناجي ربي وقد علم حاجتي)، وكان عمر يرفع صوته ويقول: (أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان)، فانزل الله تعالى: {ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخَافِتْ بِهَا وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}، فأمر أبا بكر أن يرفع صوته قليلا، وعمر أن يخفض قيلاً. * * * خاتمة اختلف الأصحاب في أفضل عبادات البدن بعد الشهادتين: فقال الجمهور: أفضلها الصلاة فرضها ونفلها، لأن الله تعالى سماها إيمانًا، قال الله تعالى: {ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ} أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، وقال عليه الصلاة والسلام: (الطهور شطر الإيمان) أي: شطر الصلاة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إنما كان شطر الإيمان؛ لأن الإيمان يطهر نجاسة الباطن، والطهور يطهر نجاسة الظاهر. وقال آخرون: الصوم أفضل منها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا بالصوم ) الحديث. وقال الماوردي: أفضلها الطواف، ورجحه الشيخ عز الدين في (القواعد). وقال قوم: الصلاة بمكة أفضل، والصوم بالمدينة أفضل. وقال القاضي: الحج أفضل. وقال ابن أبي عصرون: الجهاد أفضل. وقال في (الإحياء) [4/ 137 - 138]: العبادات تختلف أفضليتهما باختلاف أحوالها وفاعليها، فلا يصح إطلاق القول بأفضلية بعضها، كما لا يصح إطلاق القول بأن الخبز أفضل من الماء؛ فإن ذلك مخصوص بالجائع والماء أفضل للعطشان، فإن اجتمعا .. نظر إلى الأغلب، فتصدق الغني الشديد البخل بدرهم أفضل من قيام ليلة وصيام ثلاثة أيام؛ لما فيه من دفع حب الدنيا، والصوم لمن استحوذت عليه شهوة الأكل أفضل من غيره. قال المصنف: وليس المراد من قولهم: الصلاة أفضل من الصوم: أن صلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعتين أفضل من صيام أيام أو يوم، فإن صوم يوم أفضل من ركعتين، وإنما معناه: أن من أمكنه الاستكثار من الصوم والصلاة، وأراد أن يستكثر من أحدهما ويقتصر من الآخر على المتأكد منه .. فهذا محل الخلاف، والصحيح: تفضيل جنس الصلاة. وخرج بإضافة العبادات إل البلدان أمران: أحدهما: عبادات القلب، كالإيمان والمعرفة، والتفكير والتوكل، والصبر والرضا، والخوف والرجاء، والمحبة والتوبة، والورع والزهد، وتعظيم الله ومحبته، ومحبة رسول الله صلي الله عليه وسلم، والتطهر من الرذائل ونحوها. فهذه كلها أفضل من العبادات البدنية قطعًا، وأفضلها الإيمان وهو لا يكون إلا واجبًا، وقد يكون متطوعًا بالتجديد. والثاني: العبادات المالية. قال أبو علي الفارقي: إنها أفضل من العبادات البدنية؛ لتعدي النفع بها. وكلام الشيخ عز الدين ينازع في ذلك؛ فإنه قال: من ادعى أن العمل المتعدي أفضل من القاصر .. فهو جاهل، بل إن كانت مصلحة القاصر أرجح .. فهو أرجح، وإن رجحت مصلحة المتعدي فهو أرجح، وإن لم نجد نصًا ولم يظهر الرجحان .. فليس لنا الحكم بأن أحدهما أفضل من الآخر. * * *

كتاب صلاة الجماعة

كِتَابُ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظها: من الجمع، وقد استعملوا ذلك في غير الناس حتى قالوا: جماعة الشجر. والأصل في مشروعيتها في الصلوات الخمس قوله تعالى: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ}، وإذا ثبتت في الخوف .. ففي الأمن أولى. وفي (الصحيحين) [خ 645 - م 650] أنه صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وفي رواية: (بخمس وعشرين ضعفًا) [خ 647]، وفي رواية: (جزءًا) [خ 648] بدل (ضعفًا) ولا منافاة بينهما؛ لأن القليل لا ينفي الكثير، أو أن ذلك يختلف باختلاف الناس، أو أنه صلى الله عيه وسلم أخبر أولاً بالقليل ثم أعلمه الله بزيادة الفضل، ومفهوم العدد باطل عند الجمهور. وقيل: الدرجة غير الجزء، وهو غفلة من قاتله. وكان صلي الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يصلي بغير جماعة؛ لأن الصحابة كانوا مقهورين في بيوتهم، فلما هاجر إلى المدينة .. أقام الجماعة وواظب عليها، وانعقد الإجماع عليها. وفي (مصنف عبد الرزاق): أن قومًا تدافعوا الإمامة بعد إقامة الصلاة - قال - فخسف بهم. وهو في (الإحياء) بلفظ: وقد قيل: إن قومًا .. إلى آخره. وقد نقل الزمخشري عن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة: هل تجد صلاة الجماعة في القرآن؟ قال: لا تحضرني، فقال في قوله تعالى: {واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا}.

هِيَ فِي اَلْفَرَائِضِ - غَيْرَ اَلْجُمُعَةِ - سُنَّةَ مُؤّكَّدَةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل في (الإحياء) في آخر (كتاب التوبة) عن أبي سليمان الداراني أنه قال: لا تفوت أحدًا صلاة الجماعة إلا بذنب أذنبه، قال: وكان السلف يعزون أنفسهم ثلاثة أيام غذا فاتتهم التكبيرة الأولى، ويعزون سبعة أيام إذا فاتتهم الجماعة، قال: والاحتلام عقوبة، ولذلك عصم الله منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال: (هي في الفرائض - غير الجمعة - سنة). (غير) منصوب على الحال، ولا يصح جره على الصفة؛ لكونه لا يتعرف. وإنما كانت سنة؛ لأنها فضيلة في الصلاة لا تبطل بتركها، فلم تجب كالتكبيرات. وخرج بـ (الفرائض) النوافل؛ ليست الجماعة فيها فرض كفاية، ولكنها سنة في بعضها كما تقدم. وعبر في (المحور) بالخمس؛ ليخرج المنذورة، فلا تشرع لها الجماعة كما صرح به الرافعي في (باب الأذان)؛ لأنه لا شعار فيها. واحترز (بغير الجمعة) عن الجمعة؛ فغن الجماعة فيها فرض عين بالاتفاق. قال: (مؤكدة)؛ لما روى مسلم [654] عن ابن مسعود قال: (من سره أن يلقي الله تعالى غدًا مسلمًا .. فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، وقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف). و (مؤكدة) بالهمز ودونه، يقال: أكدت الشيء ووكدته توكيدًا وتأكيدًا، وبالواو أفصح؛ لأنها أصل والهمزة بدل، قال الله تعالى: {ولا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}. قال: (وقيل: فرض كفاية للرجال)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الجماعة .. إلا استحوذ عليهم الشيطان) أي: غلب، رواه أبو داوود [548] والنسائي] 2/ 106 - 107] والحاكم [1/ 211] وابن حبان [2101]. وفي (مسلم) [651]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام، ثم أمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أمر فتيتي فيجمعوا لي حزمًا من حطب،

فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ اَلْشَّعَارُ فِي اَلْقَرْيةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم آتى يومًا يصلون في بيوتهم فأحرقها عليهم). واحترز بـ (الرجال) عن النساء؛ فإنهن لا يدخلن في هذا الفرض جزمًا، لكنها تسن لهن؛ لما روى أبو داوود [592]: أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر أم ورقة بنت نوفل أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن وكان النبي صلي الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة، فاتفق أنه كان لها عبد وأمة دبرتهما فقتلاها في زمن عمر فصلبهما، وكانا أول مصلوبين بالمدينة، فقال عمر: صدق الله صلي الله عليه وسلم حيث كان يقول: (انطلقوا بنا نزور الشهيدة). وفي (الكفاية) عن القاضي حسين: أنها لا تسن في حقهن كما لا يسن لهن الأذان. والخنثى في هذا كالمرأة. والمصنف أطلق الخلاف مع أنها لا تجب على العبد جزمًا. وكان ينبغي أن يقولك في المؤداة؛ فإنها ليست في المقضية فرض كفاية قطعًا، بل سنة إن لم تصل قضاء خلف أداء وعكسه، فإن كان .. فالانفراد أفضل. ويستثنى العراة؛ فالخلاف في حقهم في الاستحباب: صحح الرافعي استحبابها لهم، والمصنف أنها والانفراد في حقهم سواء. والمسافرون استثناهم في (الروضة) و (شرح المذهب) و (التحقيق)، والنص: أنهم كالمقيمين. قال: 0فتجب بحيث يظهر الشعار في القرية)، وكذلك في البلد، وذلك يختلف باختلاف البلاد وسكانها، ففي القرية الصغيرة يكفي فعلها في موضع، وفي البلد الكبير تفعيل في محالها. فلو ظهر الشعار في بلد بإقامة غير البالغين لها .. ففي الاكتفاء بذلك تردد للشيخ محب الدين الطبري.

فَإِنِ اَمْتَنَعُوا كُلُّهُمْ .. قُوتِلُوا، وَلاَ يَتَأَكَّدُ اَلْنَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي اَلأَصَحِّ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ اَلْمَنْصُوصُ: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةِ، وَقِيلَ: عَيْنٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهر: عدم الإجزاء كرد السلام، بخلاف صلاة الجنازة؛ فإن مقصودها الدعاء وهو من الصغير أقرب إلى الإجابة؛ لأنه لا ذنب عليه. ولو أطبقوا على إقامتها في البيوت ولم يحضروا المسجد .. فالأصح: أنه لا يكفي سواء حصل الشعار بذلك أم لا. قال: (فإن امتنعوا كلهم .. قوتلوا)؛ لأن هذا شأن فروض الكفايات إذا عطلت، وإنما يقاتلهم الإمام أو نائبه دون آحاد الناس. أما إذا قلنا سنة .. فالأصح: أنهم لا يقاتلون. قال: (ولا يتأكد الندب للنساء تأكده للرجال في الأصح)؛ لقوله تعالى: {ولِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، فلا يكره لهن تركها. والثاني: يتأكد؛ لعموم الأدلة. والأصح: أن جماعة الرجال أفضل من جماعتهن، وقيل: هما سواء. قال: (قلت: الأصح المنصوص: أنها فرض كفاية)؛ لظاهر الأحاديث الصحيحة المتقدمة، ونص عليه في (الأم) صريحًا. ولا فرق في هذا الفرض بين أهل القرى والبوادي كما تقدم. قال: (وقيل: عين والله أعلم) واختاره ابن خزيمة وابن المنذر وأبو ثور؛ لما تقدم من همه صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت من لم يشهدها. ولأن ابن أم مكتوم قال: يا رسول الله؛ إني ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمين، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال عليه الصلاة والسلام: (هل تسمع النداء؟) قال: نعم، قال: (لا أجد لك لخصة) رواه أبو داوود [553] بإسناد صحيح. وعلى هذا: الأصح: أنها ليست شرطًا في صحة الصلاة. وأجاب الأصحاب بأن معناه: لا رخصة لك تلحقك بفضيل من حضرها، وبأن

وفي المسجد لغير المرأة أفضل، ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلي الله عليه وسلم رخص لعتبان بن مالك حين شكا بصره أن يصلي في بيته، وحديثه في (الصحيحن) [خ 425 - م 33]. وفي الاستدلال به نظر؛ لأنه إنما امتنع من الاتيان إلى المسجد لأجل السيول التي بينه وين المسجد، وهذا عذر مانع من حضور الجماعة. وأكد الصلوات في طلب الجماعة: الصبح، ثم العشاء، ثم العصر، كذا في (زوائد الروضة). زاد عليه في (الكفاية): أنها في صبح الجمعة أكد. قال: (وفي المسجد لغير المرأة أفضل)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله تعالى ليقضي فريضة من فرائض الله .. كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) رواه مسلم [666]. وفي (الصحيحين) [خ 731 - م 781]: (صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) ويهما [خ 647 - م 649/ 272] إذا توضأ الرجل، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة .. لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه خطيئة). ولأن المسجد مشتمل على الشرف وإظهار الشعار وكثرة الجماعة. فإن كان إذا صلى في بيته صلى جماعة، وإذا صلى في المسجد صلى منفردًا .. فصلاته في بيته أفضل. ولو كانت جماعة بيته أكثر من جماعة المسجد .. فقال الماوردي: المسجد أولى، وقال القاضي أبو الطيب: بيته أولى. وشملت عبارته: الصبي وهو كذلك. وأما النساء .. فصلاتهن في بيوتهن أفضل؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بتيها) رواه أبو داوود [571]. و (الحجرة): صحن الدار، و (المخدع): بيت داخل البيت تخبئ فيه ثيابها.

وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ إِلاَّ لِبِدْعَةِ إِمَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يكره للعجائز إذا خرجن متبذلات؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). وبالحالين يجمع بين الخبرين، فلو تشبهن بالشواب .. كره لهن ذلك، وغير العجائز .. يكره لهن. فإذا استأذنت زوجًا أو وليًا .. كره له حيث يكره لها، وإلا .. ندب. ويكره لها أن تطبيب، وأن تلبس فاخر الثياب إذا حضرت المسجد. ودخل في قوله: (لغير المرأة) الخنثى، فلو عبر بالذكر .. كان أولى. قال: (وما كثر جمعه أفضل) وإن كان قليل الجماعة بعيدًا؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر .. فهو أحب إلى الله تعالى) رواه أبو داوود [555] والنسائي [2/ 104] وابن ماجه (790] وصححه ابن حبان [2056]. وقيل: إن مسجد الجوار أفضل بكال حال؛ فإن كان مسجد الجوار بلا جماعة ولو حضر فيه لم يحضر معه غيره .. فالذهاب إلى البعيد للجماعة أفضل بالاتفاق، وإن استويا .. فمسجد الجوار بالاتفاق أفضل. وأفادت عبارة المصنف .. أن أقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (الاثنان فما فوقهما جماعة) رواه ابن ماجه [972]. وعن صاحب (الفروع): أقلها ثلاثة يؤمهم أحدهم؛ لأنه أقل الجمع عند الشافعي. والجواب: أن ذلك وضع لغوي، وهذا حكم شرعي مأخذه التوقيف. قال: (إلا لبدعة إمامه) كالمعتزلي والقدري والرافضي.

أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبِ لِغَيْبَتِهِ. وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَهِ اَلإِحْرَامِ فَضِيلَةٌ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِاَلاِشْتِغَالٍ بِاَلْتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إِمَامِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو تعطل مسجد قريب لغيبته)؛ لكونه إمامه، أو يحضر الناس بحضوره. وكذا إذا كان الإمام فاسقًا، أو يعتقد عدم وجوب بعض الأركان .. ففي هذه الأحوال المسجد القليل الجماعة أولى، فإن لم تحصل الجماعة .. إلا مع هذه الأحوال .. فهي أفضل. فلو كان بجواره مسجدان .. استوت جماعتهما، فإن سمع نداء أحدهما .. فهو أولى، وإن لم يسمع منهما .. فالأقرب أولى، فإن استويا .. يخير، قاله الروياني. قال: (وإدراك تكبيرة الإحرام فضيلة)؛ لما روى الترمذي [241] عن عمارة بن غزية عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من صلى الله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى .. كتب الله له يراءتين: براءة من النار، وبراءة من النفاق) وهو منقطع؛ لأن ابن غزية لم يدرك أنسًا، لكنه من الفضائل فيتسامح فيه. وروى البزار في (مسنده) [كشف 521] عن أبي هريرة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لكل شيء صفوة، وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى، فحافظوا عليها) ورواه عن أبي الدرداء بمعناه. قال: (وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه)؛ لأن الفضل معلق في الحديث بالإدراك، وإذا لم يتعقبه .. لم يسم مدركًا. وفي (الصحيحين) [خ 378 - م 411]: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر .. فكبروا)، والفاء للتعقيب. قال الرافعي: هذا إذا لم تكن وسوسة ظاهرة، فإذا منعته الوسوسة عن التعقيب .. حصلت الفضيلة كما جزم به ف (التحقيق) و (شرح المهذب). وجزم في (شرح المهذب) بأن الوسوسة في القراءة ليست عذرًا في التخلف عن الإمام بتمام ركعتين فعليتين. والفرق: أن المخالفة في الأفعال أشد منها في الأقوال كما تقدم.

وَقِيلَ: بِإِدْرَاكِ بَعْضِ اَلْقِيَامِ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ رُكُوعٍ. وَاَلْصَّحِيحُ: إِدْرَاكُ اَلْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الاستيعاب) في ترجمة على: أن ابن مسعود قال: 0الوسوسة برزخ بين الشك اليقين). قال: (وقيل: بإدراك بعض القيام)؛ لأنه محل التكبيرة الأولى. قال: (وقيل: بأول ركوع)؛ لأن حكمه حكم قيامها، بدليل إدراك الركعة بإدراكه مع الإمام، ولأنه معظمها، واختاره القفال. والوجهان فيمن لم يحضر إحرام الإمام، أما من حضر وأخر .. فقد فاتته فضيلة التكبيرة وإن أدرك الركعة. وفي وجه رابع: ما لم يشرع في (الفاتحة). وخامس: إن اشتغل بأمر دنيوي .. لم يدرك بالركوع، أو بعذر أو سبب للصلاة كالطهارة .. أدرك. ولو خاف فوت هذه التكبيرة .. لم يسرع عند الأكثرين، بل يمشى بسكينة، ففي (الصحيحين) [خ 636 - م 602]: (إذا أقيمت الصلاة .. فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم .. فصلوا .. وما فاتكم .. فأتموا). ولو خاف فوات الجماعة .. فمقتضى كلام الرافعي في (باب الجمعة) .. أنه يسرع، وبه صرح ابن أبي عصرون وشيخه الفارقي. قال: (والصحيح: إدراك الجماعة ما لم يسلم) سواء جلس معه أو لا؛ لأنه قد أدرك من الجماعة قدرًا يعتد به وهو: النية والتكبير، فكان كما لو أدرك ركعة. قال الرافعي: وقد يوجه ذلك بأن هذه البقعة إذا لم تكن محسوبة من صلاته، فلو لم ينل بها الفضيلة .. لمنع من الاقتداء والحالة هذه؛ لكونها زيادة في الصلاة لا فائدة فيها. وفي (كامل ابن عدي) [6/ 70] من حديث جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من أدرك الإمام قبل أن يسلم .. فقد أدرك فضل الجماعة).

وَلْيُخَفَّفِ اَلإِمَامُ مَعَ فِعلِ اَلأَبْغَاضِ وَاَلْهَيِئَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والوجه الثاني: لا يدرك إلا بركعة؛ لأن الصلاة كلها ركعة مكررة، واختاره الغزالي والفوراني. ومقتضى عبارة المصنف .. أنه فرق بين أن يقتدي به في آخر الصلاة أو في أولها. فإن أخرج نفسه من الجماعة، أو خرج الإمام بحدث أو غيره .. فإنهم صححوا جواز الخروج من الجمعة قبل سلام الإمام مع أن الجماعة شرط فيها، إلا أن الجواز هناك مشروط بفعل ركعة مع الإمام؛ لأن الجمعة لا تحصل بدون ذلك. فرع: دخل جماعة المسجد والإمام في التشهد الأخير .. فعند القاضي حسين يستحب لهم الاقتداء به، ولا يؤخرون لصلاة جماعة ثانية. وجزم المتولي بخلافه، وكلام القاضي في موضع آخر يوافقه، وهو الظاهر. قال: (وليخفف الإمام مع فعل الأبعاض والهيئات)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا أم أحدكم بالناس .. فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف وذا الحاجة، وإذا صلى وحده .. فليطل ما شاء) رواه مسلم [467]، وفي (الصحيحين) [خ 708 - م 469] قال أنس: (ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلي الله عليه وسلم). قال الأصحاب: والتخفيف: أن الإمام لا يزيد على ثلاث تسبيحات. والشافعي قال في (الأم): إن كل ما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في ركوع أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه إمامًا كان أو منفردًا. قال المصنف: والأقوى ما كره الأصحاب، فيتناول نصه على ما إذا رضى المأمومون. هذا في الأذكار، أما القراءة .. فتقدمت في (صفة الصلاة).

إِلاَّ أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ. وَبُكْرَةُ: اَلْتَّطْوِيلِ لِيَلْحَقَ آَخَرُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أن يرضى بتطويله محصورون)، فحينئذ لا يكره التطويل، بل يستحب، لأن العلة انتفت. والمراد بـ (المحصورين): أن يكونوا في موضع غير مطروف أو في سفينة وفهم منهم ذلك، فيأتي بأعلى الكمال؛ لانتفاء علة التخفيف. وعلى هذا يحمل تطويل النبي صلي الله عليه وسلم في بعض الأوقات. فإن كان المسجد مطروقًا بحيث يدخل في الصلاة من حضر بعد دخول الإمام فيها .. لم يطول. ومراده: إلا أن يرضى جميع المأمومين بالتطويل، وعبارته لا تعطي ذلك، وعبارة (المحرر): إلا أن يرضى الجميع بالتطويل. فإن رضى بعضهم .. قال الجيلي: راعى الأكثر. وفي (فتاوى ابن الصلاح) [1/ 234]: لو آثروا التطويل إلا واحدًا أو اثنين لعذر، فإن كان مرة ونحوها .. خفف، وإن كثر حضوره .. طول ولا يفوت حق الراضين بهذا الفرد الملازم، قال المصنف: هذا حسن متعين. واستشكله الشيخ بأن النبي صلي الله عليه وسلم أنكر على معاذ التطويل لرجل واحد ولم يستفصل، وبأن فيه تنفير الملازم وهو مفسدة، ومراعاة الرضا مصلحة ظاهرة، فمراعاة درء المفاسد أولى؛ لأنه صلي الله عليه وسلم قال: (إني لأدخل الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهة أن أشق على أمه) رواه البخاري [707]. قال: (ويكره: التطويل ليلحق أخرون) أي: عادتهم الحضور من أسواقهم ومنازلهم؛ للنهي عن التطويل، ولأن في عدم انتظارهم حثًا لهم على المبادرة. وسواء كان المنتظر مشهورًا بعلم أو دين أو دنيا، كذا اتفق عليه الأصحاب. واختار الشيخ أن الانتظار في القيام لذلك لا يكره ما لم يبالغ فيه؛ لرواية أبي قتادة في (الصحيحين) [خ 759 - م 451]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يفعله).

وَلَوْ أَحَسنَّ فِي اَلْرُّكُوعِ أَوِ اَلْتَّشَهُّدِ اَلأَخِيرِ بِدَاخِلٍ .. لَمْ يُكْرَهٍ اَنْتِظَارُهُ فِي اَلأَظْهَرِ إِنْ لَمْ يُبَالِغ فِيهِ، وَلَمْ يَفْرُقْ بَيْنَ اَلْدَّاخِلِينَ. قُلْتُ: اَلْمَذْهَبُ: اَسْتِحْبَابُ اَنْتِظَارِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلل ذلك بإدراك القاصدين لها، وجاء التعليل مصرحًا به في رواية في (الصحيحين) ولفظه: (كي يدرك الناس). ولو حضر بعض المأمومين والإمام يرجو زيادة .. فالمستجب أن لا يؤخر الإحرام، ولو أقيمت الصلاة .. لم يحل له الانتظار بلا خلاف. قال: (ولو أحس في الركوع أو التشهد الأخير بداخل .. لم يكره انتظاره في الأظهر إن لم يبالغ فيه، ولم يفرق بين الداخلين)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم انتظر في غزوة ذات الرقاع، وفي (سنن أبي داوود) [798] عن عبد الله بن أبي أوفى: (أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان ينتظر ما دام يسمع وقع نعل)، ولأن في ذلك عونًا على إدراك الركعة والجماعة، (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه). والثاني: يكره؛ لما فيه من الإضرار بالباقين، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، واختاره المزني، لأن الصلاة يجب أنم تكون خالصة لله تعالى، وفي الانتظار تشريك بين العمل لله والعمل للمخلوقين. وملخص ما في المسألة طريقان: إحداهما: أن الخلاف في الكراهة وعدمها مع القطع بعدم الاستحباب، وهي طريقة الشيخ أبي حامد، وصححها الرافعي. والثانية: أن الخلاف في الاستحباب وعدمه، واختارها المصنف فلذلك قال: (قلت: المذهب: استحباب انتظاره والله أعلم) فاستفيد من كلامه حكاية ثلاثة أقوال: الاستحباب والكراهة وعدمها. وعلى القول بالكراهة .. المشهور: لا تبطل الصلاة، وقيل: تبطل فيأتي قول رابع بتحريم الانتظار.

وَلاَ يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا، وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي وَحْدَهُ - وَكَذَا جَمَاعَةّ فِي اَلأَصَحَّ-: إَعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يَدْرِكُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن عرف الداخل نفسه .. لم ينتظره، وإلا .. انتظره. وقيل: إن كان الداخل ممن يلازم الجماعة .. انتظره، وإلا .. فلا. فهذه ستة أقوال. وللانتظار شروط: أحدها: أن يكون الجانبي داخل المسجد، كما أشعر به لفظ المصنف، فإن كان خارجًا .. لم ينتظره قولاً واحدًا. الثاني: أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى دون استمالة القلوب والتودد إلى الناس، فإن قصد ذلك .. كره قولاً واحدًا. وههنا قال أبو حنيفة: أخشى أن يكفر بذلك. وهذا يفهم من قوله: (ولم يفرق بين الداخلين). والثالث: أن لا يبالغ في التطويل، وضبطه الإمام بالتطويل الذي لو وزع على الصلاة .. أن لا يبالغ في التطويل، فهذا ممنوع منه، وإلا .. فلا. وأشار ابن الصباغ وغيره - بضبطه - بأن لا يزيد على الركوع المشروع للأئمة. وقوله: (أحس) هي اللغة المشهورة، قال الله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} .. وفي لغة غريبة بلا همز. قال: (ولا ينتظر في غيرهما)؛ إذ لا فائدة يه، بل صرح في زوائد (الروضة) بكراهته. وقيل: يجري الخلاف في الجميع لإفادة الداخل بركة الجماعة. وقيل: يجريان في القيام خاصة؛ لأنه موضع التطويل. قال: (ويسن للمصلي وحده - وكذا جماعة في الأصح .. إعادتها مع جماعة يدركها). أما المصلي وحده .. فلما روى مسلم [648] عن أبي ذر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لهك (كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فبماذا تأمرني؟ قال: (صل الصلاة في وقتها، فإن أدركتها معهم .. فصل فإنها لك نافلة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المصلى جماعة .. فلما روى يزيد بن الأسود أن النبي صلي الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح في مسجد الخيف، فرأى في آخر المسجد رجلين لم يصليا معه قال: (ما منعكما أن تصليا معنا؟) قالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا، فقال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيمتا مسجد جماعة .. فصلياها معهم؛ فإنها لكما نافلة) قال الترمذي [219]: حسن صحيح. ولقصة معاذ المشهورة؛ فإن النبي صلي الله عليه وسلم أنكر عليه التطويل دون الإعادة. والثاني: لا يستحب؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) رواه أبو داوود [580]، ولأنه حصل فضيلة الجماعة. والثالث: يستحب إعادة الظهر والعشاء فقط. والرابع: إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لإمام أو مكان أو كثرة جمع ... استحب. والصحيح في المسألتين: أنه لا فرق بين صلاة وصلاة. وقيل: لا يعيد الصبح والعصر، ويعيد ما سواهما؛ لأن الصلاة بعدكما مكروهة بلا سبب. والحديث حجة عليه، لكن روى الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من صلى وحده ثم أدرك جماعة .. فليصل إلا الصبح والعصر)، قال عبد الحق: الذي وصله ثقة. وقيل: لا يعيد المغرب أيضًا؛ لئلا تصير شفعًا. وفي (الترمذي) عن الشافعي: أنه يعيدها أربعًا. ويستثنى - من هذا - الجنازة، فسيأتي أن من صلى لا يعيد. وإنما تسن الإعادة لغير من الانفراد له أفضل كالعاري. ولو صلى معذور الجمعة الظهر، ثم أدرك معذورين يصلونها .. لا يعيدها معهم، ويحتمل غيره.

وَفَرْضُهُ اَلأُولَى فِي اَلْجَدِيدِ، وَالأَصَحُّ: أَنّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن الإعادة إنما تستحب لمن لو اقتصر عليها .. أجزأته، أما لو كانت غير مغنية عن إلقاء كمقيم تيمم أو لبرد ... فلا. وإن الإعادة إنما تستحب حيث لا يعارضها ما هو أهم منها وأمثلته كثيرة. ومن صلى منفردًا في جماعة، ثم رأى من يصلي وحده .. فاتفقوا على أنه يستحب له أن يصلي معه لورود الخبر، وهذا ما أدرك جماعة لكن يصدق أنه أعادها جماعة. ومراد المصنف: الإعادة اللغوية، لا الاصطلاحية وهي: التي سبقت بأداء مختل. قال: (وفرضه الأولى في الجديد)؛ للحديثين المتقدمين، ولسقوط الخطاب بها. والقديم: الفرض إحداهما، ويحتسب الله منهما ما شاء. وقيل: الفرض كلاهما، والأولى مسقطة للحرج لا مانعة من وقوع الثانية فرضًا، كصلاة الجنازة إذا صلت طائفة .. سقط الحرج عن الباقين، فإذا صليت طائفة أخرى .. وقعت قرضًا أيضًا، وهكذا فروض الكفايات كلها. وقيل: الفرض أكملهما .. فهذه أربعة:: قولان ووجهان. وإنما يكون فرضه الأولى إذا أغنت عن القضاءن وإلا .. ففرضه الثانية المغنية عنه على المذهب. قال: (والأصح: أنه ينوي بالثانية الفرض) أي: تفريعًا على الجديد؛ ليحصل له ثواب الجماعة في فرض وقته حتى يكون كمن صلاها أولاً في جماعة، وذلك توسيع إلى حيازة فضل الجماعة. واستشكل إمام الحرمين ذلك فقال: كيف ينوي الفرضية مع القطع بأن الثانية ليست فرضًا؟ قال: بل الوجه أن ينوي الظهر أو العصر ولا يتعرض للفرضية، ويكون ظهره نفلاً كظهر الصبي، ورجحه المصنف.

وَلاَ رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا - وَإِنْ قُلْنَا: سُنَّة - إِلاَّ بِعُذْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: ولعل مراد الأكثرين: أن ينوي إعادة الصلاة المفروضة إلا إعادتها فرضًا. وقيل: هو مخير، إن شاء .. أطلق النية، وإن شاء .. نوى الفر. كل هذا على الجديد، فإن قلنا فرضة الثانية .. نوى بها الفرض لا محالة. قال: (ولا رخصة في تركها وإن قلنا: سنة)؛ لتأكدها. و (الرخصة) بإسكان الخاء وضمها: التيسير في الأمر والتسهيل فيه، وهي: الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر. قال: (إلا بعذر)؛ لما روى ابن ماجه [793] وابن حبان [2064] والحاكم [1/ 246] عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء ولم يأته .. فلا صلاة إلا من عذر)، قالوا: ما العذر؟ قال: (خوف أو مرض). والمراد: أن العذر يسقط إثمها على قول الفرض، والكراهة على قول السنة. واختلفوا إذا تركها لعذر: هل يحصل له فضلها؟ فقطع في (شرح المهذب) بعدم الحصول: قال الشيخ: وهو ظاهر إذا لم تكن له عادة بها، فإن كان ملازمًا لها .. حصل له؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر .. كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) رواه البخاري [2996] عن أبي موسى الأشعري. وقال الروياني في (التلخيص) وابن الرفعة: كما ينفي العذر الحرج، تحصل فضيلة الجماعة إذا كان قصده الجماعة لولا العذر، وبه قال القفال والغزالي في (الخلاصة)، وهو الصواب. ففي (سنن أبو داوود) [565] و (النسائي) [2/ 111] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد

عَامَّ كَمَطَرٍ أَوْ رِيحٍ عَاصِفِ بِاَلْلَّيْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلوا .. أعطاه الله تعالى مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا). وذكر الرافعي في (باب صفة الصلاة): أن من صلى قاعدًا لمرض .. حصلت له فضيلة القيام. وقال في (شرح المهذب): لا خلاف فيه .. وهو يقوي الحصول هنا، إلا أن الفرق ظاهر. قال: (عام كمطر) سواء كان ليلاً أو نهارًا، لما روى مسلم [698] عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فمطرنا، فقال: (ليصل من شاء في رحلة). وفي (الصحيحين) [خ 901 - م 699] عن ابن عباس أنه قال لمؤذنة في يوم جمعة فيه مطر: (قل بعد الشهادتين: صلوا في رحالكم، فكأن الناس استنكروا ذلك فقال: أتعجبون من هذا؟ والله فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتشمون في الطين والدحض) وهو: الزلق. وشرط كون المطر عذرًا: أن تحصل به مشقة، كما صرح به الرافعي في الكلام على المرض، وصاحب (التنبيه) حيث قال هنا: ومن يتأذى بالمطر، وفي (الجمعة): ومن تبتل ثيابه بالمطر، وهو في معنى تقييد الماوردي والمتولي بالشديد. فعلى هذا: لا يعذر بالخفيف ولا بالشديد إذا كان يمشي في كن. قال: (أو ريح عاصف بالليل)؛ لما روى الشيخان [خ 632 - م 697] عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال النبي صلي الله عليه

وَكَذَا وَحَلّ شَدِيدٌ عَلَى اَلْصَّحِيحِ. أَوْ خَاصِّ كّمَرَضِ، وَحَرَّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم: (ألا صلوا في الرحال)، ولما فيه من المشقة. و (الريح) مؤنثة، و (العاصف): الشديدة. واحترز المصنف بها عن الخفيفة؛ فإنها ليست عذرًا بالاتفاق. والعاصفة بالنهار ليست عذرًا على المشهور لخفة المشقة. وفي (الكفاية) وجه: أنها عذر أيضًا. لكن هذا يقتضي: أنها لا تكون عذرًا في صلاة الصبح؛ لأنها صلاة نهارية وفيه نظر. والمتجه: إلحاقها بالليل؛ لأن المشقة فيها أشد من المشقة في المغرب. ولا فرق في الليل بين المظلم وغيره؛ لإطلاق الأحاديث. قال: (وكذا وحل شديد على الصحيح) فهو عذر وحده ليلاً ونهارًا، لحديث ابن عباس المتقدم، ولأنه أشق من المطر. والثاني: لا؛ لإمكان الاحتراز عنه بالنعال ونحوها. والمراد بـ (الوحل الشديد): الذي لا يؤمن معه التلويث وإن لم يكن متفاحشًا. و (الوحل) بالتحريك: الطين الرقيق، وإسكان حائة لغة رديئة. قال: (أو خاص كمرض)؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. وتقدم أن ابن عباس سئل عن العذر فقال: (خوف أو مرض)، ولأن النبي صلي اله عليه وسلم لما مرض .. ترك الخروج إلى الجماعة أيامًا كثيرة. وضبطه الأصحاب بأن يشق معه القصد إلى الجماعة مشقة كمشقة المشي في المطر، فإن كانت مشقة يسيرة كوجع الضرس والصداع اليسير والحمى الخفيفة .. فليس بعذر. قال: (وحر وبرد شديدين) سواء كان ليلاً أو نهارًا؛ لعظم المشقة فيهما.

وَجْوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ، وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ، وَخَوْفٍ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَمُلاَزَمَةِ غريم معسر، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ ففي (الصحيح): [خ: 3260 - 1617] (اشتكت النار إلى ربها، فأذن لها في التنفس، فهي تتنفس نفسًا في الشتاء ونفسًا في الصيف، فما كان من شدة الحر .. فهو من فيحها، وما كان من شدة البرد .. فهو من زمهريرها). والمصنف تبع (المحرر) في عد هذين من الأعذار الخاصة، والرافعي عدهما من الأعذار العامة، وتبعه على ذلك في (الروضة) وهو الصواب. قال: (وجوع وعطش ظاهرين، ومدافعة حدث)؛ لما تقدم في آخر (شروط الصلاة) وتقدم هناك أن ذلك ليس تكرارًا. قال: (وخوف ظالم على نفس أو مال)؛ لما تقدم في حديث ابن عباس أنه فسر العذر بالخوف. والمراد: النفس والمال المعصومان. والمصنف هنا وفي (باب التيمم) نكر النفس والمال ليشمل ماله ومال غيره ممن يلزمه الذب عنه، ولهذا كان أحسن من قول (الشرحين) و (الروضة): إلا أن يخاف على نفسه أو ماله. وقد يقال: في الذب عن مال الغير نظر، لكن سيأتي في (دفع الصائل): أنه لو رأى غيره يحرق متاعه أو يشدخ رأس حماره .. لزمه الدفع عنه على الأصح. قال الرافعي: ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم بمنعه، بل عليه الحضور وتوفيقه الحق، وسيأتي فيمن عليه حضور ما يخصص هذا الإطلاق. ويدخل في الخوف ما إذا كان خبره في التنور، أو قدره على النار ولا متعهد لهما. قال: (وملازمة غريم معسر). المراد بـ (المعسر): من عسر عليه إقامة البينة على إعساره؛ للحديث السابق. وصورة المسألة: أن لا تكون له بينة بإعساره، أو كانت وتعذر إحضارها، فإن

وَعُقُوبَةٍ يُرْجَى تَرْكُهَا إِنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجدا ولم يتعذر إحضارها .. فلا يعذر. والمتجه: إلحاق رد اليمين بذلك. والملازم قد يكون صاحب الحل، وقد يكون غيره وهو المعهود الآن، والحبس كالملازمة في ذلك. وقوله: (غريم معسر) يقرأ بالإضافة من غير تنوين، أي: ملازمة غريمه له وهو معسر. وعبارة (المحرر): أو خاف حبس الغريم وملازمته. وما أحسن قول (البسيط): ومديونًا معسرًا يعسر عليه إثبات الإعسار. و (الغريم) أصله من الغرام - وهو: الدائم، ومنه قوله تعالى: {إنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} - فأطلقوه هنا لدوام الطلب. قال الجوهري: الغريم: الذي عليه الدين، وقد يكون الذي له الدين، قال كثير عزة [في (ديوانه) 297 من الطويل]: قضي كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها قال: 0وعقوبة يرجى تركها إن تغيب أيامًا) كالقصاص وحد القذف والتعازير وغير ذلك مما يقبل العفو، بخلاف ما لا يقبله كحد الزنا والسرقة والشرب إذا بلغت الإمام، وكذا كل ما لا يسقط بالتوبة. واستشكل الإمام جواز التغيب لمن عليه قصاص بأن القتل ونحوه من الكبائر والتخفيف ينافيه، وكيف يجوز له التغيب مع أن التسليم واجب عليه؟ ثم أجاب بأن العفو مندوب إليه، والتغيب طريق إليه. وعبر في (المحرر) بقوله: (يرجو تركها، وهي أصوب؛ فإن النظر إلى رجائه وبأسه دون غيره.

وَعُرْيٍ، وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهر: أن المراد: الرجاء القريب، أما البعيد .. ففيه نظر. قال: (وعرى) ولو وجد سائر العورة؛ لأن فيه مشقة في المشي من غير ساتر يليق به، فإن اعتاد ستر العورة فقط .. لم تسقط عنه الجماعة. ووجود ما لا يليق كالفقيه إذا وجد قباء .. حكمه حكم العدم. قال: (وتأهب لسفر) أي: مباح (مع رفقة ترحل) فيتخلف عن الجماعة ولا يتخلف عنهم؛ لما في ذلك من المشقة. وتقدم في (باب التيمم): أن الأصحاب لم يبيحوا ترك الجماعة ولحاق القافلة بسبب الوحشة، بل شرطوا خوف الضرر، وهنا اعتبروا الوحشة وتقدم الفرق. قال: (وأكل ذي ريح كريه)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا .. فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) رواه الشيخان (خ 855 - م 564] عن جابر. زاد البخاري [854]: قال جابر: (ما أراه يعني إلا نيته). وزاد الطبراني (طس 37]: (أو فجلا). لا جرم صرح في (شرح مسلم) بأن الفجل كالكراث. وذهب الخطابي إلى أن أكل جميع ذلك ليس عذرًا في ترك الجماعة. تنبيهات: أحدها: المجزوم به في (الروضة) وغيرها: أن دخول المسجد للذي أكل ذلك مكروه، وظاهر الحديث يقتضي: تحريمه، وإليه ذهب ابن المنذر. الثاني: محل كون ذلك عذرًا: إذا لم يمكن إزالة رائحته بغسل ومعالجة، فإن كان مطبوخًا .. فلا.

وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتَضَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأسقط المصنف قيد النيء، اعتمادًا على أن الطبخ يزيل رائحته، وهو كذلك اعتمادًا على الأحاديث الصحيحة فيه. الثالث: اختلف العلماء في أكل ما له رائحة كريهة من البقول: فذهب الجمهور إلى جوازه، وذهبت طائفة من أهل الظاهر القائلين بوجوب الصلاة في جماعة إلى المنع محتجين بأن النبي صلي الله عليه وسلم سماها: (خبيثة)، والله تعالى وصفه بأنه يحرم الخبائث. وحجة الجمهور قوله عليه الصلاة والسلام: (كله؛ فإني أناجي لمن لا تناجي". قال المصنف: وقاس العلماء على هذا مجالس العلم وأمكنه الولائم ونحوها، ولا يلتحق بها الأسواق. الرابع: يؤخذ مما ذكره المصنف سقوط الجماعة بالبخر والصنان المستحكمين من باب أولى. والظاهر: أن الجذام والبرص كذلك، وكذلك من بها استحاضة أو جرح سيال. الخامس: ظاهر إطلاقهم .. أنه لا فرق في ذلك بين المعذور وغره، خلافًا لابن حبان [2095] فإنه استثنى المعذور، ثم أسند إلى المغيرة بن شعبة أنه قال: أكلت ثومًا ثم أتيت مصلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فوجدته قد سبقني بركعة، فلما قمت لأقضي .. وجد ريحه فقال: (من أكل هذه البقلة .. فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها)، قال المغيرة: فلما قضيت الصلاة .. أتيته فقلت: يا رسول الله؛ إن لي عذرًا فناولني كفك فوجدته والله سهلاً، فأدخلها في كمي إلى صدري فوجده معصوبًا فقال: (إنك لمعذور). قال: (وحضور قريب محتضر)؛ لما في ذهابه إلى الجماعة من شغل القلب السالب للخشوع. وفي (البخاري) [3990] في (باب فضل من شهد بدرًا): أن ابن عمر كان يتطيب

أَوْ مَرِيضٍ بِلاَ مُتَعَهِّدٍ أَوْ يَانَسُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للجمعة، فأخبر ابن سعيد بن زيد منزل به وكان قريبًا له .. فأتاه وترك الجمعة. وفي معنى القريب: المولى والزوجة والصديق والصهر، وكذا الأستاذ كما نبه عليه المحب الطبري، ولا يبعد إلحاق المعتق والعتيق بهم أيضًا. قال: (أو مريض بلا متعهد) سواء كان قريبًا أم أجنبيًا؛ لأن حفظ الآدمي أولى من المحافظة على الجماعة. وشرطه: أن يلحقه بغيبته ضرر ظاهر في الأصح - وكذا من كان له متعهد مشغول عند ذلك الوقت - فلو خاف هلاكه .. فعذر قطعًا. قال: (أو يأنس به) هذا مخصوص بالقريب، كما صرح به (المحرر) وهو المنقول، فيتخلف القريب - للأنس - مع المتعهد، بخلاف الأجنبي لظهور الفرق بينهما. و (الأنس): خلاف الإيحاش، يقال: تأنست به واستأنست، وكانت العرب تسمى يوم الخميس مؤنسًان لأنهم كانوا يمليوا فيه إلى الملاذ. قال الجوهري: تقول: هو إنسي وخدني وخلصي وجلسي كله بالكسر. تتمة: عد المتولي وغيره من الأعذار: أن يخاف أن يسرق رحله، أو تضيع وديعة عنده، وعد الماوردي من الأعذار العامة: الزلزلة، ومن الخاصة: إنشاد الضالة التي يرجو الظفر بها. ومنه: غلبة النعاس والنوم عند الروياني؛ لأنه يسلب الخشوع في الصلاة، ويخاف انتفاض الطهر في اثنائها، وترك الصلوات الليلة لذات الزفاف كما سياتي في (باب القسم). وعد ابن حبان [2070] من ذلك: السمن المفرط المانع من حضور الجماعة؛ لأن رجلاً ضخمًا من الأنصار شكا لرسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك فشكاه.

فصل

فَصْلٌ: لاَ يَصِحُّ اَقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلاَنَ صَلاَتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ، كَمُجْتَهِدَيْنٍ أَخْتَلَفَا فِي اَلْقَبْلَةِ أَوْ إِنَاءَينِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ اَلْطَّاهِرُ .. فَالأَصَحُّ: اَلْصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إَنَاُء اَلإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: لا يصح اقتداؤه من يعلم بطلانه صلاته)؛ لأنها غير مقبولة فلا يرتبط بها غيرها، وذلك بأن يعلم حدثه أو كفره، أو يعلم أن به نجاسة غير معفو عنها. قال: (أو يعتقده). مرادهم بـ (الاعتقاد) هنا: الظن الغالب لا المصطلح عليه عند الأصوليين وهو: الجازم لدليل. قال: (كمجتهدين اختلفا في القبلة أو إناءين) أي: بغير زيادة، فلا يجوز لأحدهما أن يقتدي بالآخر، لأن كلاً منهما يعتقد بطلان صلاة الآخر. ولو اجتهد في القبلة أكثر من اثنين كأربعة أدى اجتهاد كل منهم إلى جهة .. كان الحكم فيهم كالاثنين أيضًا. وهكذا في الأواني إذا كان الطاهر منها واحدًا. وقد صرح بالمسألتين في (المحرر)، وأشار إليه المصنف بكاف التشبيه. قال: (فإن تعدد الطاهر .. فالأصح: الصحة ما لم يتعين إناء الإمام للنجاسة) مثاله: كانت الأواني ثلاثة: أحدها نجس، والطاهر اثنان، واعتقد طهارة إنائه خاصة، ولم يغلب على ظنه شيء من حال الآخرين .. فالأصح: جواز اقتدائه بمن شاء منهما؛ لأن الأصل عدم وصول المنجس إلى الإناء. والثاني - وبه قال صاحب (التلخيص) -: لا يجوز له الاقتداء بواحد من صاحبيه؛ لأنه متردد في مستعمل النجس منهما. والثالث: يصح الاقتداء الأول إن اقتصر عليه، فإن اقتدى ثانيًا .. لزمه إعادتهما؛ للاشتباه، وهو قول أبي إسحاق.

فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إِنَاءِ غَيْرِهِ .. اَفْتَدَى بِهِ قَطْعًا، فَلَوِ اَشْتَبَهَ خَمْسَةٌ فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ، فَظَنَّ كُلِّ طَهَارَةَ إِنَاءٍ فَتوَضَّأَ بِهِ، وَأَمَّ كُلُّ فِي صَلاَةٍ .. فَفِي اَلأَصَحِّ: يُعِيدُونَ اَلْعِشَاءَ إِلاَّ إِمَامَهَا فَيُعِيدُ اَلْمَغْرِبَ. وَلَوِ اَقْتَدَى شَافِعِيِّ بِحَنَفِيَّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ اَقْتَصَدَ .. فَالأَصَحُّ: اَلصِّحَّةُ فِي اَلْفَصْدِ دُونَ اَلْمَسِّ؛ اَعْتِبَارًا بْنِيَّةِ اَلْمُقْتَدِي ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن اقتدى بهما في صلاتين .. فالأصح: يعيد الأخيرة فقط، وقيل: يعيدهما؛ للاشتباه. قال: (فإن ظن طهارة إناء غيره .. اقتدى به قطعًا)، كما يجوز له أن يصلي إذا ظن طهارة إناء نفسه. وفهم منه: إنه إذا ظن نجاسة إناء غيره .. لا يقتدي به ولا خلاف في ذلك؛ لأنه مكلف بما غلب على ظنه. قال: (فلو اشتبه خمسة فيها نجس على خمسة، فظن كل طهارة إناء فتوضًا به، وأم كل في صلاة) - أي: بالباقين - وابتدؤوا بصلاة الصبح. قال: (... ففي الأصح) أي: الذي سبق (يعيدون العشاء)؛ لأن النجاسة قد انحصرت في حق إمامها فيما يزعمون. قال: (إلا إمامها فيعيد المغرب)؛ لأنه يعتقد انحصار النجاسة في إمامها، وضابطه: أن كل واحد يعيد ما كان مأمومًا فيه أخرًا. وعند صاحب (التلخيص) وأبي إسحاق: يعيد كل منهم الأربع التي كان مأمومًا فيها. ومدركهما مختلف كما تقدم. ولو سمع صوت حدث بين خمسة وتناكروه .. فعلى الأوجه في الأواني. قال: (ولو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو اقتصد .. فالأصح: الصحة في الفصد دون المس؛ اعتبارًا بنية المقتدي)، كما لو اختلف اجتهاد رجلين في القبلة أو الأواني. لا يقتدي أحدهما بالآخر.

وَلاَ تَصِحُّ قُدْوَهٌ بِمُقْتَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: عكسه اعتبارًا بنية الإمام؛ لأن صلاته في هذه الحالة صحيحة في نفسه، وخطؤه غير مقطوع به، وإلى هذا ذهب القفال، وهو المنصوص وعليه الجمهور وعمل الناس في الأعصار مع الخلاف بينهم، فلم تزل الصحابة وغيرهم يصلون خلف المخالف وإن ترك واجبًا عندهم، وقد صلى معاوية بأهل المدينة فلم يبسمل، فلما سلم ذكروا له ذلك، فلما صلى بهم ثانيًا قرأها، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أعاد تلك الصلاة. والثالث: إن اقتدى بولي الأمر أو نائبه .. صح مع تركه لبعض الواجبات؛ إخمادًا للفتنة، وإلا .. لم يصح، قاله الحليمي والأودني، واستحسنه الرافعي. وكذلك الحكم لو ترك الاعتدال في الركوع والسجود. وقد تقدم في (الوضوء): أن الماء الذي توضأ به الحنفي مستعمل على الأصح، وتقدم الفرق هناك. وقول المصنف: (اعتبارًا بنية المقتدي) من زياداته على (المحرر)، وكان الصواب أن يقول: اعتبارًا باعتقاد المتقدي؛ إذ لا معنى للنية هنا. وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: لا يصح اقتداؤه به ولو حافظ على جميع الواجبات؛ لأنه لم يأت بها على اعتقاد الوجوب. قال الشيخ: وما قاله لازم على قول الأصحاب: أنه ذا أتى بفروض الصلاة على اعتقاد أنها نفل .. لم تصح، قال: ولا يترجح إلا قول الأستاذ، وإلا .. فقول القفال. فإن اقتدى بالمخالف ولم يعلم أنه أتى بمناف .. فالأصح: الصحة. قال: (ولا تصح قدوة بمقتد) أي: في حالة قوته؛ لأنه تابع لغيره يلحقه سهو ذلك الغير، ومنصب الإمام يقتضي الاستقلال وأن يتحمل هو سهو غيره، و (أما اقتداء الناس بأبي بكر خلف النبي صلي الله عليه وسلم) .. فإنهم كانوا مقتدين بالنبي صلي الله عليه وسلم وأبو بكر يسمعهم التكبير.

وَلاَ بِمَنْ تَلْزَمُهُ إِعَادَةٌ كَمُقِيمِ تَيَمَّمَ، وَلاَ قَاِرئٍ بَأُمِّيِّ فِي اَلْجَدِيدِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو رأى صفًا فنوى الاقتداء بالإمام ولم يعلمه. لم يصح. وإن التبس الأمر على القوم، فاعتقد كل منهم أنه مأموم. بطلت صلاتهم؛ لأن كل واحد منهم اقتدى بمن ليس بإمام. فإن اعتقد كل منهم أنه إمام. صحت صلاة الجميع؛ لأن كل واحد منهم يصلي لنفسه. قال: (ولا بمن تلزمه إعادة كمقيم تيمم)؛ ومثله من لم يجد ماء ولا ترابًا على الجديد؛ لأن صلاته غير معتد بها لوجوب إعادتها. وقيل: يجوز لمن هو في مثل حاله أن يقتدي به. قال: (ولا قارئ بأمي في الجديد)؛ لأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المأموم، فإذا لم يحسنها .. لا يصح تحمله، كالإمام الأعظم إذا عجز عن تحمل أعباء الرعية. والمراد بـ (الأمي) عندنا: من لا يحسن (الفاتحة) أو بعضها، و (القارئ): الذي يحسنها. وعند أصحاب أبي حنيفة: الأمي: من لا يحسن من القرآن ما يصلي به. و (الأمي): نسبة إلى الأم، كأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها. وحقيقته في اللغة: الذي لا يكتب، ثم استعمل فيما ذكر هنا مجازًا. فإذا خالف واقتدى به بطلت صلاة القارئ دون الأمي. وقال أبو حنيفة: تبطل صلاتهما؛ لأنه ألزمه تحمل القراءة وليس أهلاً لذلك، فكأنه ترك ركنًا من صلاته فبطلت وبطل بها صلاة المأموم. وفي القديم: إن كانت الصلاة سرية .. صح الاقتداء، وإلا .. فلا بناء على أنه يتحمل عنه القراءة في الجهرية. وذهب المزني إلى صحة الاقتداء به سرية كانت أو جهرية. ولا فرق في جريان الخلاف بين أن يعلم أنه أمي أم لا على الأصح، وقيل: إن علمه أميًا .. لم تصح قطعًا. ومحل الخلاف: فيمن لم يطاوعه لسانه، أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن فيه

وَهُوَ: مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنَ (اَلْفَاتِحَةِ)، وَمِنْهُ: أَرَتُ يُدْعِمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَاَلْثَغُ: يُبْدِلُ حَرْفًا - ـــــــــــــــــــــــــــــ التعلم، فأما إذا مضي وقصر بترك التعلم .. فلا يصح اقتداؤه به بلا خلاف. قال: (وهو: من يخل بحرف أو تشديدة من (الفاتحة)) هذا تفسير الأمي، ونبه به على أن من لا يحسنها من طريق أولى. والمراد: من يخل به عجزًا لا اختيارًا، ولهذا عبر في (المحرر) بقوله: لا يطاوعه لسانه. وإنما يبطل الاقتداء إذا حصل بعد الإخلال المذكور. ومن يحسن سبع آيات من غير الفاتحة بالنسبة إلى من لا يحسن إلا الذكر .. كالقارئ مع الأمي. قال: (ومنه: أرت يدغم في غير موضعه)؛ لنقصه. وقيل: هو من يبدل الراء بالياء. وعن الشافعي هو: من في لسانه رخاوة. وهو بالتاء المثناة المشددة، يقال: في لسانه رتة بضم الراء. قال: (والثغ: يبدل حرفًا)؛ لأنه أمي. وفي قول آخر: يجوز أن يقتدى بالأرت والألثغ؛ لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز للقادر عليه أن يأتم بالعاجز عنه، كالقائم خلف القاعد. والذي ذكره المصنف هو موضع الخلاف، فلو كانت اللثغة لا تمنعه أن يأتي بالحرفز. فقارئ وهو: من يأتي بالحرف غير صاف كما قاله القاضي أبو الطيب. وحكى في (البحر) عن الشيخ أبي إسحاق الإسفراييني عن الداركي عن أبي غانم ملقي أبي العباس قال: انتهى ابن سريج إلى هذه المسألة فقال: لا تجوز إمامة

وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ. وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَامِ، وَالْفَافَاءِ، وَاللاَّحِنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الألثغ، وكانت لثغته يسيرة وبي مثلها، فاحتشمت أن أقول: هل تصح إمامتك؟ فقلت: أيها الشيخ هل تصح إمامتي؟ قال: نعم، وإمامتي أيضًا. و (اللثغة) بالثاء المثلثة وضم اللام: أن يصير الراء غينًا أو لامًان والسين ثاء، وقد لثغ بالكسر يلثغ لثغًا فهو ألثغ وامرأة لثغاء. قال: (وتصح بمثله) يدخل فيه الأمي بالامي والألثغ والأرت بالأرت، لاستوائهما في النقصان، لا من يحسن بعض (الفاتحة) بمن يحسن بعضًا آخر، ومن هذا النوع اقتداء الأرت بالألثغ. قال: (وتكره بالتمتام، والفأفاء)؛ لما فيه من التطويل فإنهما يزيدان على الكلمة ما ليس منها. و (التمتام): من يكرر التاء. و (الفأفاء) من يكرر الفاء، وهو بهمزتين والمد، ويجوز قصره. وسائر الحروف في تكرارها بمثابة التاء والفاء في الكراهة للمعنى السابق، ولهذا قال صاحب (البيان): تكره إمامة الوأواء وهو: الذي يكرر الواو. وصلاة هؤلاء صحيحة؛ لأنهم يأتون بالحرف على التمام والزيادة مغلوب عليها. قال: (واللاحن) أي: في القراءة، وهو أحسن من قول (المحرر): لحان؛ لأن اللحان: من أكثر من ذلك ولا يشترط. والمراد هنا: لحن لا يغير معنى، كرفع الهاء من: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ} بجر اللام .. فإنه مبطل. كل هذا إذا كان قادرًا عليه عامدًا، أما مع العجز أو الجهل أو النسيان: فإن كان في غير (الفاتحة) .. لم يضر، وإن كان فيها .. ضرَّ، لأنها ركن. ولذلك قال الشافعي: الاختيار في الإمام: أن يكون فصيح اللسان حسن البيان مرتلاً للقرآن.

فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنَىّ كَـ (أَنْعَمْتُ) بِضَمَّ أَوْ كَسْرٍ .. أَبْطَلَ صَلاَةَ مَنْ أَمْكَنَهُ اَلْتَّعَلُّمُ، فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ، أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إِمْكَانِ تَعَلُّمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي (اَلْفَاتِحَةِ) .. فَكَأُّمَّيَّ، وَإِلاَ .. فَتَصِحُّ صَلاَتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ، وَلاَ تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجْلٍ وَلاَ خُنْثَى بِاَمْرَأَةَ وَلاَ خُنْثَى ـــــــــــــــــــــــــــــ و (اللحن): الخطأ في الإعراب. واللحن بالتحريك: الفطنة، وفي الحديث: (ولعل بعضكم ألحن بحجته) أي: أفظن بها، قال مالك بن أسماء [م الخفيف]: وحديث ألذه وهو مما ... ينعت الناعتون يوزن وزنًا منطق رائع وتلحن أيحا ... نًا وخير الحديث ما كان لحنًا يريد أنها تزيل الكلام عن موضعه لذكائها وفطنتها، كما قال تعالى: {ولَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ واللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أي: في فحواه ومعناه. قال: (فإن غير معنى كـ (أنعمت) بضم أو كسر .. أبطل صلاة من أمكنه التعلم)؛ لأنه ليس بقرآن. وقال الروياني وغيره: تكره إمامة من ينطق بالحرف بين الحرفين، كالعربي الذي يعقد القاف فينطق بها بينها وبين الكاف. قال في (شرح المهذب): وفي الصحة نظر؛ لأنه لم يأت بالحرف الأصلي. قال: (فإن عجز لسانه، أو لم يمض زمن إمكان تعلمه، فإن كان في (الفاتحة) .. فكأمي). فعلى هذا: تصح صلاته وحده دون القدوة به. قال: (وإلا .. فتصح صلاته والقدوة به)، لأن ترك السورة لا يبطل الصلاة، ولا يمنع الاقتداء. قال: (ولا تصح قدوة رجل ولا خشى بامرأة ولا خنثى). أما امتناع قدوة الرجل بالمرأة .. فلقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، ولقوله صلي الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري [4425].

وَتَصِحُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بِاَلْمُتَيَمِّمِ وَبِمَاسِحِ اَلْخُفِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن صح ما رواه ابن ماجه [1081] أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لا تؤمن امرأة رجلاً) .. كان صريحًا فيه. وقد قيل: إن ذلك مذهب الفقهاء السبعة م التابعين فمن بعدهم، خلافًا لأبي ثور والمزني وابن جرير، فإنهم جوزوا لها أن تؤم الرجال في التراويح بشرط أن لا يكون ثم قارئ غيرهان وأنها تقف خلفهم مستدلين بقوله صلي الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله). جوابه: أن القوم خاص بالرجال؛ لقوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} الآية. وإذا امتنع اقتداء الرجل بالمرأة .. امتنع اقتداؤه بالخنثى، واقتداء الخنثى بالمرأة والخنثى، للاحتمال والمراد بـ (الخنثى): المشكل، لكن قال في (الحاوي): إذا زال إشكاله وتبين أنه امرأة .. كرهنًا له أن يأتم بامرأة، وإن بان رجلاً .. كرهنا للرجال الائتمام به. ولو عبر المصنف بالذكر بدل الرجل .. لعم الصبي وكان حسن؛ فإن الحكم فيه كالرجل. ويجوز اقتداء النسوة بالخنثى اتفاقًان ولا يقف وسطهن بل أمامهن، ولا يجوز أن يصلي بهن إلا أن يكون ثم محرم لإحداهن، فإن كثرن، فهل تحرم الخلوة بهن؟ وجهان: ونص الشافعي على أنه: لا يجوز للرجل أن يؤم نسوة منفردات إلا أن تكون إحداهن محرمًا له. قال: 0وتصح للمتوضي بالمتيمم) الذي لا يجب عليه القضاء؛ لأنه أتى عن طهارته ببدل. قال: (وبماسح الخف)؛ لأنها مغنية عن القضاء. وكذا المستنجي بالماء المستجمر بالأحجار.

وَلِلْقَائِمِ بِاَلْقَاعِدِ وَاَلْمُضْطَجِعِ، وَلِلْكَامِلِ بِاَلصَّبيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وللقائم بالقاعد) خلافًا لابن المنذر؛ فإنه أوجب القعود. لنا: ما روى الشيخان [خ 664 - م 418] عن عائشة: (أن النبي صلي اله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعدًا وأبو بكر والناس قيامًا). قال البيهقي: وكان ذلك في صلاة الظهر يوم السبت والأحد، وتوفي صلي الله ليه وسلم ضحى يوم الاثنين، فكان ذلك ناسخًا لما في (الصحيحين) [خ 722 - م 414] عن أبي هريرة من قوله صلي الله عليه وسلمك (وإذا صلى جالسًا .. فصلوا جلوسًا أجمعون). قال: (والمضطجع) أي: يصح اقتداء كل من القائم والقاعد بالمضطجع، قياسًا على قدوة القائم بالقاعد. وكان الأحسن أن يقول: والقائم بغيره؛ ليشمل المستلقي. وهذا فيمن يأتي بالركن ولو موميًا، فأما من يشير إليه بجفنه أو يجري أفعال الصلاة على قلبه .. فالظاهر: أنه لا تصح القدوة به. قال: (وللكامل بالصبي)؛ لما روى البخاري [4302] أن عمرو بن سلمة بكسر اللام كان يؤم قومه على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ابن ست أو سبع سنين. وعمرو المذكور اختلف في سماعه من النبي صلي الله عليه وسلم ورؤيته إياه، والمشهور: أنه لم يسمعه ولم يره، لكن كانت الركبان تمر بهم فيحفظ عنهم ما سمعوه من النبي صلي الله عليه وسلم وكان أحفظ قومه، فلذلك قدموه فصلى بهم، ولا خلاف عندنا في صحة إمامته في غير الجمعة. والمراد بـ (الصبي): المميز الذي يعقل أفعال الصلاة، ولا كراهة في إمامته عندنا. وقال أبو حنيفة: تجوز إمامته في النقل دون الفرض. ومنعها داوود في الفرض والنقل. ومنعها داوود في الفرض والنفل. وفي (فضائل الأوقات) للبيهقي عن ابن عباس قال: قالت عائشة: كنا نأخذ

وَاَلْعَبْدِ، وَالأَعْمَى وَاَلْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى اَلْنَّصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبيان من المكتب فيصلون بنا التراويح، وكنا نعمل لهم القليلة والخشكنان. قال: (والعبد) أي: يصح اقتداء الكامل بالعبد؛ لأنه من أهل الفرض؛ لأن ذكوان مولى عائشة كان يؤمها، رواه البخاري. وفيه: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة). ورواه الفقهاء بزيادة: (ما أقام فيكم الصلاة). ولا كراهة في ذلك خلافًا لابن خيران، لكن الحر أولى منه، والعبد البالغ أولى من الحر الصبي. وفي العبد الفقيه والحر غير الفقيه ثلاثة أوجه، أصحها: أنهما سواء. قال الشيخ: وعندي أن العبد الفقيه أولى؛ فقد كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء وفيهم عمر وغيره؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، وهو وإن كان معتقًا في ذلك الوقت، إلا أنه مولى وقدم على حر الأصل لكثرة قرآنه. والظاهر: أن المبعض أولى من كامل الرق. قال: (والأعمى والبصير سواء على النص)؛ لأن في البصير اجتناب النجاسة، وفي الأمى الخشوع فاستويا، ويقابل النص وجهان: أحدهما: الأعمى أولى، وبه قال أبو إسحاق المروزي، وصححه ابن أبي عصرون والمصنف في (مختصر التذنيب)، واختار في باقي كتبه: أنهما سواء، وكره ابن سيرين ومالك وأبو حنيفة إمامته. والثاني: البصير أولى، وهو ظاهر؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم إنما كان يستخلف ابن أم مكتوم؛ لأنه تخلف عن الغزو لعذر، فأراد النبي صلي الله عليه

وَاَلأَصَحُّ: صِحَّةُ قُدْوَةٍ اَلْسَّلِيمِ بِاَلْسَّلِسِ، وَالَطَّاهِرِ بِاَلْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ اَلْمُتَحَيِّرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أن يجبره بذلك، ولأن أهل الإمامة كانوا لا يتأخرون عن الغزو مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأما عتبان بن مالك .. فلعله لم يكن في قومه من يصلح للإمامة سواه. واتفق أصحابنا على أن إمامته لا تكره. والحر الضرير أولى من العبد البصير؛ لأن الرق نقص. وقال شارح (التعجيز): الأصم في هذا كالأعمى. وفي (رحلة ابن الصلاح) عن أبي نصر بن الصباغ: تكره إمامة الأقلف بعد البلوغ لا قبله. قال: (والأصح: صحة قدوة السليم بالسلس، والطاهر بالمستحاضة غير المتحيرة)؛ لأن صلاة الإمام مغنية عن القضاء، فصحت قياسًا على من على ثوبه أو بدنه نجاسة معفو عنها. والثاني: لا تصح؛ لحملها النجاسة، وإنما صحت صلاتهما في نفسهما، للضرورة. أما المتحيرة .. فلا يصح الاقتداء بها جزمًا لوجوب القضاء عليها وفاء بالقاعدة المتقدمة. ومن هنا يؤخذ من الكتاب أن المتحيرة تقضي ما صلته؛ إذ لا معنى لمنع الاقتداء بها إلا ذلك، وقد تقدم هذا في (باب الحيض)، وأن المنصوص: عدم القضاء. وصحح الشيخان وجوبه؛ ذهولاً عن النص. وعلى هذا: فالظاهر: جواز اقتداء الطاهرة بها. وعبارة الكتاب تقتضي: جواز اقتداء كل منهما بمثله، وهو قياس ما تقدم في

وَلَوْ بَانَ إِمَامُةُ اَمْرَأَةَ، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا، قِيلَ: أَوْ مَخْفِيًا .. وَجَبَتِ اَلإِعَادَةُ، لاَ جُنُبًا، وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمي بمثله، لكن الصحيح في زوائد (الروضة) في (باب الحيض): أنه لا تصح صلاة المتحيرة خلف مثلها. و (السلس) هنا بكسر اللام: اسم للشخص، وأما الفتح: فهو المصدر. قال: (ولو بان إمامه امرأة، أو كافرا معلنًا، قيل: أو مخفيًا .. وجبت الإعادة)؛ لأنه مقصر بترك البحث عن حال إمامه، ولأن الإمارة على ذلك ظاهرة. والمراد بـ (الكافر المعلن): كاليهودي والنصراني، و (المخفي): كالزنديق والمرتد والدهري. وقال المزني: لا تجب الإعادة فيهما قياسًا على ما لو بان محدثًا أو جنبًا. والفرق: أن الجنب يصح أن يكون إمامًا في حالة وهو: إذا تيمم عند عدم الماء، والكافر لا يصح أن يكون إمامًا بحال. وجواب المزني: أن التيمم عنده يرفع الحدث. فرع: تبين أن إمامة خنثى .. وجب القضاء عند الأكثرين؛ لأن أمره لا يخفي غالبًا، لما جبلت عليه النفوس من التحدث بالأعاجيب. قال: (لا جنبًا، وذا نجاسة خفية)؛ إذ لا أمارة عليهما فلا تقصير من جهته، وكذلك المحدث كما قاله في (المحرر)، فلو عبر المصنف به .. كان أشمل. وتقييده بـ (الخفية) يفهم: وجوب القضاء في الظاهرة، لكنه صحح في (التحقيق) عدمها. وهذا في غير الجمعة، أو فيهتا وهو زائد على الأربعين كما سيأتي في بابها. فرع: صلاة المأموم إذا تبين حدث إمامة أو كونه جنبًا، هل هي جماعة أو فرادى؟ وجهان:

قُلْتُ: اَلأَصَحُّ اَلْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ اَلْجُمْهُورِ: أَنَّ مُخْفِيَ اَلْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: أنها جماعة. وأقواها عند الشيخ: أنها فرادى؛ لأن الذين قالوا: إنها جماعة تمسكوا بحديث رواه ابن ماجه [1220] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وكبر، ثم أشار إليهم فمكثوا، ثم أنطلق فاغتسل، ثم أتى فصلى بهم وقال: (كنت خرجت إليكم جنبًا وإني نسيت حتى قمت إلى الصلاة) وهو حديث ضعيف، والصحيح ما رواه البخاري [639] عن أبي هريرة: (أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف، حتى إذا قام في مصلاة انتظرناه أن يكبر فانصرف وقال: (مكانكم)، فمكثنا على هيئتنا ثم خرج إينا ينظف رأسه ماء وقد اغتسل). ولا دليل فيه على حصول الجماعة للمصلى خلف المحدث، بل صحة الصلاة خلف المحدث مختلف فيها، ومذهبنا: صحتها. وحكى صاحب (التلخيص) قولاً: أن الإمام الجنب أو المحدث إن كان عالمًا بحدثه .. وجب على المأموم القضاء، وإلا ... فلا. وقيل: إن هذا النقل غلط وإن الشافعي إنما حكاه عن مالك. قال: (قلت: الأصح المنصوص وقول الجمهور: أن مخفي الكفر هنا كمعلنة والله أعلم) لأن على كفره أما رأت من الغيار وغيره، ولأنه من أهل الصلاة، بخلاف المسلم المحدث فإنه من أهلها في الجملة. ولم يتعرض المصنف لطريق بيان ذلك هل يكتفي فيه بقول الكافر أو لا؟ ونص في (الأم) على أنه: يقبل قوله في كونه كافرًا في (باب صلاة الرجل بالقوم لا يعرفونه)، ولولا هذا النص .. لكان يظهر أن يقال: لا يقبل قوله إلا أن يسلم بعد ذلك، ويخبر بالحالة التي تقدمت منه، فحينئذ يقبل قوله؛ لأن ذلك من باب الخبر.

وَاَلأُمِّيُّ كَاَلْمَرْأَةِ فِي اَلأَصَحِّ. وَلَوِ اَقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلاً .. لَمْ يَسْقُطِ اَلْقَضَاءُ فِي اَلأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا صلى الكافر في دار الإسلام، ولو يظهر التشهد بحيث يسمع منه .. لا يحكم بإسلامه سواء صلى في المسجد أو في غيره، وسواء كان إمامًا أو مأمومًا؛ لأن الصلاة من فروع الإيمان فلا يصير بها مسلمًا، كما لو صام رمضان وزكى، لكنه يعزر. وإن كان في دار الحرب .. لم يحكم بإسلامه أيضًا على الأصح. وقال القاضيان أبو الطيب والحسين: يحكم بإسلامه؛ لأنه لا قوة للمسلمين في دار الحرب. قال: (والأمي كالمرأة في الأصح)، فيعيد إذا بان إمامه أميًا على قولنا: لا يصلي القارئ خلف الأمي. والثاني: لا يعيد كما لو بان جنبًا. والفرق على الأول: أن الحدث ليس نقصًا في الشخص، بخلاف الأمية. فإن لم يتبين حاله هل هو قارئ أو أمي؟ فإن كانت صلاة سرية .. استحبت الإعادة، ولا تجب تحسينًا للظن بالإمام. وإن كانت جهرية فلم يجهر .. وجب على المأموم الإعادة؛ لأن الظاهر أنه لو كان قارئًا لجهر. فلو سلم وقال: أسررت ونسيت الجهر .. استحب له أن يعيد، ولا يجب على النص. قال: (ولو اقتدى بخنثى فبان رجلاً. لم يسقط القضاء في الأظهر)؛ لتردده في النية. والثاني: يسقط؛ لأنه تبين كونه رجلاً. وكذلك الحكم فيما لو اقتدى خنثى بامرأة ثم بان امرأة، أو اقتدى خنثى فباتا رجلين أو امرأتين أو الإمام رجلاً أو المأموم امرأة.

وَاَلْعَدْلُ أَوْلَى مِنَ اَلْفَاسِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والخلاف ينبني على أن: (العبرة بما في نس الأمر)، أو (بما ظنه المكلف)، وله نظائر: منها: ما تقدم في المستحاضة إذا امتد انقطاع دمها .. تبين بطلان طهارتها، ويجب القضاء اعتبارًا بما في نفس الأمر. ومنها: لو صلوا السواد ظنوه عدوًا، فبان غيره .. قضوا في الأظهر. ومنها: المغصوب إذا استناب من يحج عنه، ثم برئ .. فالأصح: عدم الإجزاء. ومنها: لو باع مال أبيه على ظن حياته، فبان ميتًا .. صح في الأظهر. ومنها: إذا وكل وكيلاً في شراء شيء، ثم باع ذلك الشيء ظانًا أن وكيله لم يشتره بعد وكان قد اشتراه .. صح في الأصح. ومنها: لو زوج أمة أبيه ظانًا حياته وكانه ميتًا .. فالأصح: الصحة. ومنها: لو تزوج خنثى بامرأة، ثم بان رجلاً .. لم يصح. ولو تزوج الرجل بمن يشك في كونها محرمة عليه .. لم يصح وهي تشكل بما قبلها. ومنها: إذا أعتق من لا يجزئ في الكفارة، ثم صار بصفة الإجزاء .. صح في الأصح عند الإمام. ومنها: لو تصرف في مرض مخوف فبرئ .. نفذ قطعًا. قال: (والعدل أولى من الفاسق) وإن جمع الفاسق جميع الخصال من فقه وقراءة وغيرهما؛ لأنه لا يوثق به، وتكره الصلاة خلفه. وإنما جوزنا القدوة به لصحة صلاته في نفسه. وروى الدارقطني [2/ 56] أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله) لكنه ضعيف. وروى هو [2/ 87] والحاكم [3/ 222] أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن سركم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تقبل صلاتكم .. فاجلعوا أئمتكم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم). وفي (الصحيحين): صلى ابن عمر خلف الحجاج، قال الشافعي: وكفى به فاسقًا. وفي (تاريخ البخاري) [6/ 90]: صلى عشرة من الصحابة خلف أئمة الجور. فإن كان الإمام متوليًا من السلطان أو نائبه .. فقال الماوردي: لا يجوز أن يكون فاسقًا كسائر الولايات الشرعية وإن صحت الصلاة خلفه. وتكره الصلاة خلف الروافض والمبتدعة والخوارج. وقال مالك: الفاسق بغير تأويل لا تجوز الصلاة خلفه، ولذلك انقطع رضي الله

وَاَلأَصَحُّ: أَنَّ اَلأَفْقَهَ أَوْلَى مِنَ اَلأَقْرَأِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه عن الجماعة والجمعة بالمدينة على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة السلام، وكان يقول: للناس أعذار، فسئل عن ذلك فقال: ما كل ما يعلم يقال. قال: (والأصح: أن الافقة) أي: في دين الله (أولى من الأقرأ)؛ لأن الحاجة إلى الفقه أهم، إذ الحوادث في الصلاة لا تنحصر، والواجب فيها من القراءة محصور. ولأن النبي صلي الله عليه وسلم قدم أبا بكر وغيره أحفظ منه، ففي (البخاري) عن أنسن [3810]: (جمع القرآن على عهد النبي صلي الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد)، وفيه عنه أيضًا [5004]: (مات النبي صلي الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة)، وذكر ما تقدم، لكنه أبدل أبيًا بأبي الدرداء. والثاني: انهما سواء؛ لتقابل الفضيلتين، وهما قولان منصوصان فكان الصواب التعبير بالأظهر. والثالث: الأقرأ أولى، واختاره ابن المنذر؛ لما روى مسلم [672] عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا كانوا ثلاثة .. فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم). وأجاب عنه الشافعي بأن أهل العصر الأول كانوا يتفقهون في معاني الآية قبل حفظها، فلاي وجد منهم قارئ إلا وهو فقيه. قال ابن مسعود: (ما كنا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها. قال الإمام: ومراد الشافعي بذلك: الأغلب، فإن عمر لم يحفظه وهو مفضل على عثمان وعلي مع حفظهما. قال ابن الرفعة: ويحتمل أنه عام إذا قلنا: المراد: الأصح قراءة، فيحتمل أن

وَالأَوْرَعِ. وَيُقَدَّمُ الأَفْقَهُ وَالأَقْرَأُ عَلَى الأَسَنِّ النَّسِيبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر كان أصح قراءة منهما، ولهذا صحح ابن الرفعة والشيخ أنه مراد الفقهاء بقولهم الأقرأ. وصحح الرافعي: أنه الذي يقرأ القرآن كله وهو قليل الفقه، والأفقه: الذي لا يحفظ غير (الفاتحة)، لكن عنده فقه كثير في أبواب الصلاة، فالأفقه فيها مقدم على أفقه منه في باقي أبواب الفقه وغيره من العلوم إذا كان يقرأ ما يكفيه في الصلاة. قال: (والأورع) أي: الأصح: أن الأفقه أولى من الأورع؛ لما تقدم م احتياج الصلاة إلى الفقه أكثر من غيره. والثاني: عكسه؛ لأن مقصود الصلاة الخشوع والخضوع والتدبر ورجاء إجابة الدعاء، والأورع أقرب إلى ذلك منهما؛ لأنه أكرم عند الله. ولا يؤخذ من كلام المصنف معرفة المقدم من الأقرأ، والأورع، والجمهور على تقديم الأقرأ. و (الورع) في اللغة: الكف، وفي الشرع: ترك الشبهات خوفًا من الله تعالى. والمراد: حسن الطريقة لا مجرد العدالة المسوغة لقبول الشهادة. وفي الحديث: (ملاك الدين الورع). و (الزهد): ترك ما زاد على الحاجة. قال: (ويقدم الأفقه والأقرأ على الأسن النسيب)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء .. فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في القراءة سواء .. فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء .. فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء .. فأقدمهم سنًا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم. ونص في (الجنائر) على تقديم الأسن على الأفقه والأقرأ، فخرج بعضهم منه إلى

وَاَلْجَدِيدُ: تَقْدِيمُ اَلأَسَنِّ عَلَى اَلْنَّسِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا قولاً، لما في (الصحيحين) [خ 6008 - م 674] عن مالك بن الحوبرث: (ليؤمكم أكبركم). والجواب: أن هذا خطاب المشافهة لمالك ورفقته؛ فإنهم كانوا في الفقه والقراءة سواء؛ لأنهم جماعة هاجروا سواء، وأقاموا عند النبي صلي الله عليه وسلم نحوًا من عشرين ليلة، وسافروا جملةز قال: (والجديد: تقديم الأسن على النسيب)؛ لحديث مالك المذكور، فيقدم شيخ غير قرشي على شاب قرشي. والقديم: عكسه، ورجحه جماعة؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (قدموا قريشًا ولا تقدموها)، وسيأتي في (قسم الفيء والغنيمة). والمعتبر سن مضى في الإسلام، فيقدم الشاب الناشئ في الإسلام على شيخ حديث الإسلام. والصحيح: أنه لا تعتبر الشيخوخة، بل النظر إلى تفاوت السن. والمراد بـ (النسب): ما يعتبر في كفاءة النكاح، كالانتساب إلى العلماء والصلحاء. وقيل: المعتبر نسب قريش فقط. فروع: اتفقوا على أن الهجرة معتبرة؛ لأنها موروثة، وقال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ

فَإِنِ اَسْتَوَيَا، فَنَظَافَةُ اَلْثَّوْبِ وَاَلْبَدَنِ، وَحُسْنُ اَلْصَّوْتِ، وَطِيبُ اَلْصَّنْعَةِ وَنَحْوُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ}، ولحديث مالك بن الحويرث، وقال الحسن: لا يجعل الله عز وجل عبدًا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه. فمن هاجر إلى النبي صلي الله عليه وسلم، أو هاجر إلينا من دار الحرب مقدم على من لهم يهاجر، أو تأخرت هجرته عن هجرته، وكذا الحكم في أولادهم، واختلفوا في محل اعتبارها على أقوال: أحدها: أنها مقدمة على السن والنسب، وهو الصحيح في (التحقيق)، والمختار في (شرح المهذب). والثاني: أنها مؤخرة عنهما. والثالث: متوسطة، فيعتبر بعد السن وقبل النسب، وقيل: بالعكس. وليس في (الشرحين) ولا في (الروضة) تصريح بترجيح. والمقيم أولى من المسافر، والبالغ أولى من الصبي وإن كان أفقه وأقرأن لأنه مجمع على صحة الاقتداء به، فإن أورد على هذا إمامة عمرو بن سلمة بقومه .. فالجواب: أنه كان أكثرهم قرآنًا. وإمام المسجد أحق من غيره، وباني المسجد لا يكون أحق بإمامته والتأذين فيه خلافًا لأبي حنيفة. قال: (فإن استويا) أي: في جميع الصفات المذكورة (.... فنظافة الثوب والبدن، وحسن الصوت، وطيب الصنعة ونحوها) أي: من الفضائل كحسن الوجه والسمنت والذكر بين الناس؛ لأنها تقتضي استمالة القلوب وكثرة الجمع. وفي (الشرح المهذب) أحسنهم ذكرًا ثم صوتًا ثم هيئة؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) رواه أبو داوود [1463] والنسائي [2/ 179] وروي: (حسنوا) قيل: معناه: زينوا أصواتكم بالقرآن.

وَمُسْتَحِقُّ اَلْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ وَنَحوِهِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى مسلم: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن). أي: يحسن صوته به. فإذا استويا من كل وجه وتشاحًا .. أقرع بينهما لطع النزاع. قال: (ومستحق المنفعة بملك ونحوه أولى) أيك إذا كان أهلاً للإمامة، سواء كان غيره أكمل منه أم لا؛ لما تقدم من قوله صلي الله عليه وسلم: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه). وفي رواية صحيحة ذكرها البغوي في (شرح السنة): (لا يؤمن رجل رجلاً في بيته). ومراده بـ (الملك): ملك المنفعة، سواء كان مالكًا للرقبة أم لم يكن، كالمستأجر والموقوف عليه والموصى له بها. قال الشيخ: واقتضى منطوق كلام المصنف .. أن المستأجر مقد على المالك. وهو أصح الوجهين. واقتضى منطوه ومفهومه معًا .. أن المعير مقدم على المستغير؛ فإنه يستحق الانتفاع لا المنفعة .. وهو الأصح عند الرافعي. والثاني: أن المستعير أولى، وهو الذي رجع إليه القفال آخرًا، واقتصر عليه صاحب (التهذيب)، وهو المختار. قال: وجمهور العماء على أنه إذا أذن .. فلا بأس؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إلا أن يأذن له). ويلزم الرافعي إن جمل البيت في الحديث على الملك .. تقديم المؤجر ولم يقل به، وأن حمله على المسكن .. تقديم المستعير ولم يقل به. قال: (فإن لم يكن أهلاً) أي: لإمامة الحاضرين كامرأة أو خنثى لرجال، أو لم يكن أهلاً للصلاة مطلقًا كالكافر.

فَلَهُ اَلْتَّقْدِيمُ، وَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ اَلْسَّاكِنِ، لاَ مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ. وَاَلأَصَحُّ: تَقْدِيمُ اَلْمُكْتَرِي عَلَى اَلْمُكْرِي، وَاَلْمُعِيرِ عَلَى اَلْمُسْتَعِيرِ. وَاَلْوَالِي فِي مَحَلِّ وَلاَيَتِهِ أَوْلَى مِنَ اَلأَفْقَهِ وَاَلْمَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فال: (.. فله التقديم) أي: لا لغيره؛ لأنه محل سطانه. فإن كان صبيًا أو مجنوبًا .. استؤذن ويه. قال: (ويقدم على عبده الساكن)؛ لأن العبد والمسكن له، وهذا لا خلاف فيه سواء كان العبد مأذونًا أو غير مأذون. وصورة المسألة: أن يكون العبد ساكنًا في ملك السيد، فلرو كان ساكنًا في غير ملك السيد .. فالمتجه: تقديم السيد أيضًا. ومفهوم كلام المصنف: أن المبغض مقدم على السيد فيما ملكه ببعضه الحر، وهو ظاهر. قال: (لا مكاتبه في ملكه) أي: في ملك المكاتب؛ لاجتماع المسكن والملك المكاتب، وإن كان في ملك المكاتب وجه بعيد. قال: (والأصح: تقديم المكتري على المكري)؛ لآنه مستحق المنفعة. والثاني: المالك؛ لأنه مالك الرقبة وملكها أقوى من ملك المنفعة. والخلاف جار في الموصى له بالمنفعة مع مالك الرقبة، وفي الموقوف عليه مع الواقف إذا ملكنا الواقف. ومراد المصنف: المكتري لنفسه، فلو اكترى لغيره .. لم يقدم بلا خلاف؛ لأنه في هذه الحالة لا يملك المنفعة. قال: (والمعير على المستعير)؛ لأنه قادر على منع المستعير من الانتفاع. والثاني: المستعير؛ لأن السكنى له في الحال. قال: (والوالي في محل ولايته أولى من الأفقه والمالك)؛ للحديث المتقدم. ويلزم من تقديمه عليها تقديمه على غيرهما. فإن لم يتقدم .. قدم من شاء ممن يصلح للإمامه وإن كان غيره أصلح منه؛ لأن الحق فيها له فاختص بالتقديم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويراعى في الولاء تفاوت الدرجة، فيكون الأعلى فالأعلى منهم أولى. وفي قوله غريب: أن المالك أولى من الإمام الأعظم. فرع: لا يكره أن يؤم من فيهم أبوه أو أخوه الأكبر؛ لأن الزبير كان يصلي خلف ابنه عبد الله، وأنس كان يصلي خلف ابنه، و (أمر النبي صلي الله عليه وسلم عمرو بن سلمة أن يصلي بقومه وفيهم أبوه). فرع: إمامة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه خلاف الأولى، وأطلق جماعة أنها مكروهة، وما قالوه من الكراهة صورته: أن يكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم يساوه المأموم، فإن ساواه أو وجده قد أحرم فاقتدى به .. فلا بأس. تتمة: يكره أن يؤم الرجل قومًا وأكثرهم له كارهون؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون) رواه الترمذي [360] وقال: حسن غريب، وروى البيهقي في (الشعب): أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تقبل صلاتهم: رجل أمن قومًا وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارًا، ورجل باع محررًا). وجزم الشيخان في (الشهادات) بتحريم ذلك وهو المنصوص، أما إذا كرهه أقلهم أو نصفهم .. فلا كراهة. والاعتبار في الكراهة بأهل الدين، حتى قال في (الإحياء) [1/ 173]: لو كان الأقلون أهل الدين .. فالاعتبار بهم. هذا إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعًا كظلمه، أو

فصل

فَصْلٌ: لاَ يَتَقَدَّمُ عَلَى إِمَامِهِ فِي اَلْمَوْقِفِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ .. بَطَلَتْ فِي اَلْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تغلبه على الإمامة من غير استحقاق، أو لأنه لا يحترز من النجاسات، أو يتعاطى معيشة مذمومة، أو يعاشر الظلمة والفساق، أو يمحق هيئات الصلاة ونحو ذلك، فإن لم يكن .. كذلك فاللوم على من كرهه. وخص الإمام الكراهة بما إذا لم ينصبه السلطان، فإن نصبه .. لم يكره، وضعفه المصنف. وحيث ثبتت الكراهة .. فهي مخصوصة بالإمام، فأما المأموم .. فلا يكره له إن كرهه بعضهم، بخلاف الإمامة العظمى .. فإنها تكره إذا كرهها البعض. قال: (فصل: لا يتقدم على إمامه في الموقف)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، والائتمام: الاتباع، والمتقدم غير تابع. قال: (فإن تقدم .. بطلت في الجديد)، كالتقدم بتكبيرة الإحرام؛ فياسًا للمكان على الزمان. والقديم: لا تبطل مع الكراهة، كما لو وقف خلف الصف وحده. وعلى الجديد لو شك: هل هو متقدم أو متأخر؟ بأن كان في ظلمة .. صحت صلاته مطلقًا، لأن الأصل عدم المفسد، كذا نقله المصنف في (فتاويه) عن النص، وصححه في (التحقيق). وقال القاضي حسين: إن جاء من ورائه .. صحت صلاته، وإن جاء من قدامه .. لم تصح؛ عملاً بالأصل فيهما.

وَلاَ تَضْرُّ مُسَاوَاتُهُ، وَيُنَدبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلاً، وَاَلاِعْتِبَارُ بَاَلْعَقِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن يستثنى من إطلاق المصنف: جواز التقدم في شدة الخوف، كما جزه به جماعة من الأصحاب. قال: (ولا تضر مساواته)؛ لعدم المخالفة، وهذا لا خلاف فيه. وفي (الصحيحين) [خ 183 - م 763]: (أن ابن عباس بات عند خالته ميمونة فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقام عن يساره فأخذ برأسه وأدراه عن يمينه)، والمنقول: (أنه أداره من ورائه)، ولو جاز تقدم المأموم على الإمام ... لكانت الإدارة من أمامه أسهل. قال الشيخ: والاستدلال بهذا ليس بالقوى؛ لأن المرور بين يدي المصلي مكروه، فجاز أن يكون أداره من خلفه لأجل ذلك. وقال جماعة من العراقيين: تكره المساواة، وتبعهم في (شرح المهذب) و (التحقيق)، واستبعده الشيخ. قال: (ويندب تخلفه قليلاً)؛ استعمالاً للأدب، ولتظهر رتبة الإمام علي المأموم. وإنما يندب التخلف في الذكرين المستورين، أما المرأتان .. فلا، وكذا العاريان البصيران، أو كان الإمام عاريًا فقط والمأموم بصيرًا فقط ولا ظلمة. قال: (والاعتبار بالعقب) في التقدم والمساواة، سواء تقدمت الأصابع أو تأخرت؛ لأن ابن مسعود كان قصيرًا وصلى بعلقمة والأسود، ذات عن يمينه، وذا عن يساره. وفي (البسيط): الاعتبار بالكعب، وتبعه ابن يونس. هذا إذا صلى قائمًا، فإن صلى قاعدًا .. فالاعتبار بالآلية، قاله البغوي. والاعتبار بالاعتماد على الرجل، فلو قدم رجله على رجل الإمام وهي مرتفعة عن الأرض .. لم يضر إذا كان الاعتماد على غير المتقدمة، والظاهر: أن المعتبر في المستلقي رأسه.

وَيَسْتَدِيرُونَ فِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَام حَوْلَ اَلْكَعْبَةِ، وَلاَ يَضُرُّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ إِلَى اَلْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ اَلإِمَامِ فِي الأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَا فِي اَلْكَعْبَةِ وَاَخْتَلَفَتَ جِهَتَاهُمَا .. وَيَقِفُ اَلْذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويستديرون في المسجد الحرام حول الكعبة)؛ ليحصل الاستقبال للجميع، وأول من فعل ذلك عبد الله بن الزبير، وأجمع عليه من في عصره، ومن بعده. وقيل: أول من فعله خالد بن عبد الله القسري لما ولي إمرة مكة في أيام عبد الملك بن مروان. وكان عطاء وعمرو بن دينار ونظراؤهم هناك ولم ينكروا عليه. ويستحب للإمام أن يقف خلف المقام. قال: (ولا يضر كونه) أي: كون المأموم (أقرب إلى الكعبة في غير جهة الإمام في الأصح)؛ لأنه لا تظهر به مخالفة فاحشة، ولأن رعاية القرب والبعد في غير جهته تشق. والثاني - ونسب إلى الشيخ ابن إسحاق الإسفراييني -: أنه يضر كما لو كان أقرب في جهة الإمام. فلو استقل نفس الركن الذي فيه الحجر الأسود - مثلاً - فهل تكون جهته جهة الباب، أو جهة ما بين الركنين؟ فيه نظر، ويحتمل أن يقال: جهته مجموع الجهتين، لأنه يستقبل هذه بكتفه الأيمين وبعض صدره، وتلك بكتفه الأيسر وبعض صدره. قال: (وكذا لو وقفا في الكعبة واختلفت جهتاهما)، فيجوز أن يكون وجه المأموم إلى وجه الإمام وظهره إلى ظهره، ولا يمتنع إلا أن يتقدم المأموم على إمامه في جهته خاصة. قال: (ويقف الذكر عن يمينه) بالغًا كان أو صبيًا؛ لحديث ابن عباس. فإن أحرم عن يساره .. رجع عن يمينه، ويتحرز من أفعال تبطل الصلاة، فإن لم

فَإِنْ حَضَرَ آَخَرُ .. أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ اَلإِمَامُ، أَوْ يَتَأَخَّرَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَلَوْ حَضَرَ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيِّ .. صَفَّا خَلْفَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يحسن .. علمه الإمام كما صنع رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال: (فإن حضر .. أخر أحرم عن يساره، ثم يتقدم الإمام، أو يتأخران)؛ مراعاة للسنة في تقديم الإمام وتأخر الصف. هذا إذا جاء في القيام، فأما إذا لحق الثاني في التشهد أو السجود .. فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوم. ونبه بقوله: (ثم يتقدم ... إلى آخره) على أن التقدم أو التأخر لا يكون إلا بعد إحرام المأموم الثاني، وهو كذلك بالاتفاق. قال: (وهو أفضل) أي: تأخرما؛ لما روى مسلم [3010] في آخر كتابه من حديث جابر الطويل أنه قال: (قمت عن يسار رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأخذ بيدي فأدراني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأخذ بيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه)، ولأن الإمام متبوع فلا ينتقل عن مكانه. وقيل: تقدم الإمام أولى؛ لأنه عمل واحد وهو أخف من عملين. وهذا إذا أمكن كل منهما، فإن لم يكن إلا أحدهما لضيق إحدى الجهتين .. تعين. قال: (ولو حضر رجلان أو رجل وصبي .. صفا خلفه). أما الرجلان .. فلحديث جابر المذكور. وأما الرجل والصبي .. فلما روى الشيخان [خ 380 - م 658] عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: أن جدته مليكة - أي: جده إسحاق - دعت رسول الله صلي الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه ثم قال: (قوموا فلأصل لكم)، فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا، فصلى ركعتين ثم أنصرف.

وَكَذَا اِمْرَأَةٌ أَوْ نْسَوةٌ. وَيَقِفُ خَلْفَهُ اَلْرِّجَالُ ثُمَّ اّلْصِّبْيَانُ ثُمَّ اَلْنَّسَاءُ، وَتِقفُ إِمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا امرأة أو نسوة) فالسنة: أن تقف الواحدة خلف الإمام، كذلك النسوة. قال: (ويقف خلفه الرجال)، وإذا اجتمع عدد من الرجال والصبيان .. يقف خلفه الرجال، ثم الصبيان، فإن كان صبي واحد .. دخل صف الرجال، ثم الخنثى، ثم النساء؛ لقول صلي الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) رواه مسلم [432]. و (أولوا الأحلام والنهى): البالغون العقلاء. والمعنى فيه: أن الصف الأول أفضل، والرجال أكمل فاختصوا به، ويليهم الصبيان؛ لأنهم من الرجال لكنهم دونهم في الفضيلة. هذا إذا حضروا جميعًا، أما إذا حضر الصبيان أولاً ثم الرجال وقد استوعب الصبيان الصف الأولى .. فليس لهم إزالتهم عن امكنتهم. وإن حضر النساء أولاً .. أخرن. وقيل: يقف كل صبي بي رجلين؛ ليتعلم منهما أحكام الصلاة. قال: (ثم الصبيان)؛ لأنهم دون الرجال في الفضيلة. قال الدارمي: هذا إذا كان الرجال أفضل أو تساووا، فإن كان الصبيان أفضل .. قدموا. قال: (ثم النساء)؛ لما روى البيهقي [3/ 97] عن أبي مالك الأشعري قال: (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يليه في الصلاة الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء). قال: (وتقف إمامتهن وسطهن)؛ لأن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أمتا نسوة ووقفتا وسطهن، رواه الشافعي [أم 1/ 164] والبيهقي [3/ 131]. ولأن ذلك أستر لها. وجميع هذا مستح لا تبطل الصلاة بمخالفته حتى لو وقفت المرأة مع الرجل .. لم تبطل الصلاة.

وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَامُومِ فَرْدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (وسط) هنا بإسكان السين، تقول: جلست وسط القوم بالتسكين؛ لأنه ظرف، وجلست وسط الدار بالفتح؛ لأنه اسم. وضابطه: أن كل موضع صلح فيه (بين) .. فهو بالتسكين، وإن لم يصلح .. فهو بالفتح. فرع: العراة إن كانوا عميًا أو في ظلمة .. صلوا جماعة وتقدم إمامهم، وإن أبصروا أو كانوا في ضوء .. فالأظهر: أن الجماعة والانفراد في حقهم سواء. وإذا صلوا جماعة .. وقف إمامهم وسطهم؛ لسلا يقع بصر واحد منهم على عورة غيره. هذا إذا أمكن، فإن لم يمكن لضيق المكان .. فعن الإمام والمتولي: أنهم يقفون صفوفًا مع غض البصر. فإن كان فيهم مكتس أهل .. استحب تقديمه، ويصلون جماعة قولاً واحدًا ويكونون صفًا، فإن تعذر .. فصفين أو أكثر بحسب الحاجة. قال: (ويكره وقوف المأموم فردًا)؛ لما روى البخاري [783] عن أبي بكرة نفيع بن الحارث أنه دخل النبي صلي الله عليه وسلم راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك النبي صلي الله عليه وسلم فقال: (زادك الله حرصًا ولا تعد)، ولم يأمره بالإعادة مع أنه أتى ببعض الصلاة خلف الصف. وقال ابن المنذر وابن خزيمة والحميدي: تبطل الصلاة بذلك؛ لحديث وابصة بن معبد: (أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده .. فأمره أن يعيد الصلاة) رواه أبو داوود [682]، وحسنه الترمذي [231]. وف (ابن ماجه) بسند حسن [1003]: (لا صلاة للذي خلف الصف)، وحمل الأصحاب ذلك على الاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة.

بَلْ يَدْخُلُ اَلْصَّفِّ إِنْ وَجَدَ سَعَةَ، وَإِلاَّ .. فَلْيَجُرَّ شَخْصًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ضعف الشافعي حديث وابصة، وكان في القديم يقول: لو ثبت .. لقلت به. قال البيهقي: والاختيار أن يتوقى ذلك. هذا إذا كان ثم من هو من جنسه، فلو جاءت امرأة ولا نساء هناك، أو خنثى ولا خنائي .. استجب له أن يقف فردًا، ويكره له الدخول في الصف. قال: (بل يدخل الصف إن وجد سعة) سواء وجد ذلك في الصف الذي انتهى إليه، أو في صف أمامه. قال في (المهمات): كذا أطلقه الشيخان وابن الرفعة وليس كذلك، بل محله إذا كان التخطي إلى الفرجة بصف أو صفين، فإن انتهى إلى ثلاثة .. امتنع كما نص عليه في (الأم)، وصرح به جماعة من الأصحاب. و (السعة): أن لا يكون خلاء، ويكون بحيث لو دخل بينهما .. لو سعهم. و (الفرجة): الخلاء الظاهر، فقول المصنف: (سعة) دال على الفرجة بطريق أولى. قال" (وإلا .. فليجر شخصًا) أي: إذا لم يجد سعة في صف من الصفوف .. فعل ذلك خروجًا من الخلاف. واستأنس له الأصحاب بحديث في (مراسيل أبي داوود) [83] و (البيهقي) [3/ 105] عن مقاتل بن حيا أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن جاء فلم يجد أحدًا .. فليختلج إليه رجلاً من الصف فلقم معه, فما أعظم أجر المختلج! " فما أعظم أجر المختلج! " وهذا إذا كان في القيام، أما في غيره .. فلا كما تقدم. والقول الثاني - وهو المنصو في (البويطي) -: أنه يقف منفردًا ولا يجر إلى نفسه أحدًا، وصححه جماعة، لأنه يؤدي إلى الإخلال بالصف وتفويت الفضيلة على المجرور. وعن مالك وأبي حنيفة: كراهة الجذب.

بَعْد اَلإِحْرَامِ، وَلْيُسَاعِدْهُ اَلْمَجْرُورُ. وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِاَنْتِقَالاَت اَلإِمَام، بِأَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْضَ صَفِّ، أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا، وَإِذاَ جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ .. صَحَّ اَلاِقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتِ اَلْمَسَافَةُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بعد الإحرام)؛ لأن المجذوب يصير منفردًا إلى أن يحرم، فيفوت عليه الفضيلة. قال: (وليساعده المجرور)؛ ليحصل له فضيلة المعاونة على البر والتقوى. قال: (ويشترط علمه بانتقالات الإمام) بالإجماع، ولأنه بدون العلم بذلك لا تمكنه المتابعة. قال: (بأن يراه أو بعض صف، أو يسمعه أو مبلغًا) هذا من جملة أسباب العلم، ولم يستوعب المصنف الأسباب، وإنما ذكر أمثلة منها. ولا يكفي عندما وعند جمهور العلماء ذلك، بل لابد معه من أن يعد الإمام والمأموم مجتمعين، والدعاء إلى الجماعة، وكان كل يصلي في بيته وفي سوقه بصلاة الإمام في المسجد إذا علمها وهو خلاف الكتاب والسنة. ولا فرق في المبلغ بين أن يكون مصليًا أو غيرهن وكلام الشيخ أبي محمد في (الفروق) يقتضي: اشتراط كونه مصليًا، وأن يكون ثقة، لكن قال في (شرح المهذب)، في (باب الأذان): قبول خبر الصبي في ذلك كله. وكان الصواب التعبير بـ (الكاف) يدل (الياء)؛ لأن الأعمى الأصم لو علم ذلك بحركات شخص إلى جانبه .. كفى على النص. قال: (وإذا جمعهما مسجد .. صح الاقتداء وإن بعدت المسافة وحالت أبنية)، كصحن المسجد وصفته وسرداب وبئر في وسطه ومنارة فيه؛ لأن المسجد كله مبني للصلاة، فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة صلاة الجماعة مؤدون لشعارها - إذا علم المأموم بصلاة الإمام، ولم يتقدم عليه.

وَلَوْ كَانَا بِفَضَاءٍ .. شُرِطَ أَنْ لاَ يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلى ثَلاثَ مِئَةِ ذَرَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرط البنائين في المسجد أن ينفذ أحدهما إلى الآخر، ولا يضر حينئذ إغلاق باب بينهما ولا مرقا السطح على الأصح. أما المساجد التي يفتح بعضها إلى بعض .. فلها حكم المسجد الواحد ولو انفرد كل منها بإمام ومؤذن وجماعة. ولو حال بين المسجدين نهر أو طريق أو حائط بلا نفوذ .. فكملك مع مسجد. وأما رحبة المسجد .. فعدها الأكثر منه، ولم يذكروا فرقًا بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أم لا، ونزلها ابن كج - إن كانت منفصلة - منزلة مسجد آخر. قال: (ولو كانا بفضل) وهو: المكان الواسع، سواء كان محوطًا أو غير محوط، كالبيت الواسع مسقفًا كان أو غير مسقف. قال: (.. شرط أن لا يزيد ما بنيهما على ثلاث مئة ذراع)؛ لأن ذلك قريب عادة.

تَقْرِيبًا، وَقِيَ: تَحْدِيدًا. فَإِنْ تَلاَحَقَ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ .. اُعْتُبِرَتِ اَلْمَسَافَةُ بَيْنَ الأَخِيرِ وَالأَوَّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن ذلك أخذ من صلاة النبي صلي الله عليه وسلم في صلاة الخوف؛ فإنه انحاز بالجماعة إلى حيث لا تناله سهام العدو، وسهام العرب إنما تبلغ إلى هذه الغاية غالبًا. قال الإمام: كنت أود لو قال قائل من أئمة المذهب: يراعى في التواصل مسافة يبلغ فيها صوت الإمام المقتدي لو رفعه قاصدًا به تبليغًا على الحد المعهود. و (الذراع) بالذال المعجمة، والمراد به هنا: ذراع اليد المذكور في مساحة القلتين. قال: (تقريبًا)؛ لعدم ورود ضابط له في الشرع، فلو زاد على ذلك زيادة غير متفاحشة .. لم يضر، وقيدها في (الشافي) بذراعين، وفي (البحر) و (المذهب) بثلاثة. قال: (وقيل: تحديدًا)، فلو زاد ذراع .. ضر، وهو قول أبي اسحاق المروزي. قال الإمام: كيف يطمع الفقيه في التحديد، ونحن في إثبات التقريب على علالة؟! وفيه طريقة ثانية: أنه تقريب وجَها واحدًا. قال: (فإن تلاحق شخصان أو صفان .. اعتبرت المسافة بين الأخير والأول) ولو بلغ بين الإمام والأخير فراسخ. وفي وجه: يعتبر ما بين الإمام والصف الآخر. ولا فرق بين أن يكون هذا التباعد وراء الإمام أو عن يمينه أو عن يساره كما اقتضاه إطلاق الكتاب.

وَسَوَاءٌ اَلْفَضَاءُ اَلْمَمْلُوكُ وَاَلْوَقْفُ وَاَلْمُبّغَّضُ. وَلاَ يَضُرُّ اَلْشَّارِعُ اَلْمَطْرُوقُ وَاَلْنَّهَرُ اَلْمُحْوِجُ إِلَى سِبَاحَةٍ عَلَى اَلْصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّهٍ أَوْ بَيْتٍ .. فَطَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا: إِنْ كَانَ بِنَاءُ اَلْمَامُومٍ يَمِينًا أَوْ شِمَالاً .. وَجَبَ اَتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ اَلْبِنَاءَيْنِ بِاَلآَخَرِ، وَلاَ تَضُرُّ فَرْجَهٌّ لاَّ تَسَعُ وَاقِفًا فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وسواء) أي: في الصحة (الفضاء المملوك والوقف والمبعض) وهو الذي بعضه وقف، وبعضه طلق؛ لعموم الأدلة. قال: (ولا يضر الشارع المطروق والنهر المحوج إلى سباحة على الصحيح)؛ لأن ذلك ليس بحائل؛ إذ الماء لم يخلق للحيلولة، وإنما خلق للمنفعة، فلا يمنع الائتمام كالنار، وهي لا تمنع بالإجماع. أما النهر الذي يمكن العبور من أحد طرفيه إلى الآخر بلا سباحة كالوثوب أو الخوض أو العبور على جسر .. فلا يضر، وادعى المصنف الاتفاق عليه. والوجه الثاني: يضر، ووجه في (الشارع) بوقوع الحيلولة عن الاطلاع - على أحوال الإمام فتعسر المتابعة. و (النَّهَر والنَّهْر) لغتان، والجمع) انهار ونهر. قال: (وإن كانا في بناءين كصحن وصفة أو بيت .. فطريقان: أصحهما) وهي طريقة القفال وموافقيه: (إن كان بناء المأموم يمينًا أو شمالاً .. وجب اتصال من أحد البناءين بالآخر)؛ لأن اختلاف البناء يوجب كونهما متفرقين، فلابد من رابطة يحصل بها الاتصال. و (الصحن): وسط الدار. قال: (ولا تضر فرجة لا تسع واقفًا في الأصح)؛ لأن ذلك يعد صفًا واحدًا. والثاني: يضر؛ لعدم الاتصال الحقيقي.

وَإِنْ كَانَ خَلْفَ بِنَاءِ اَلإِمَامِ .. فَاَلْصَّحِيحُ: صِحَّهُ اَلْقُدْوَةِ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ بَيْنَ اَلصَّفَّيْنِ أَكْثّرُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ. وَاَلْطَرِيقُ اَلْثَّانِي: لاَ يُشْتَرَطُ إِلاَّ اَلْقُرْبُ كَاَلْفَضَاءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ أَوْ حَالَ بَابٌ نَاَّفِذٌّ، فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ اَلْمُرُورَ لاَ اَلَرُّؤْيَةَ .. فَوَجْهَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الفرجة) بضم الفاء وفتحها: الخلل بين الشيئين. قال: (وإن كان خلف بناء الإمام .. فالصحيح: صحة القدوة بشرط أن لا يكون بين الصفين) أيك أي اللذين أحدهما في بناء الإمام والآخر في بناء المأموم (أكثر من ثلاثة أذرع) أي: تقريبًا؛ لأنها تعد جماعة واحدة، ولأن الحاجة تمس إلى الاقتداء هها كما في اليمين والشمال، وبذلك يحصل الاتصال العرفي .. وإنما جوزنا في اليمين والشمال؛ لأن الاتصال المحسوس يتواصل المناكب فيه ممكن. والثاني: لا يصح؛ لأن اختلاف البناء يوجب الافتراق، ولم ينجبر ذلك بالاتصال المحسوس بتواصل المناكب. قال: (والطريق الثاني: لا يشترط إلا القرب كالقضاء)؛ للقياس الذي أشار إليه. فعلى هذا: يصح الاقتداء ما لم يزد ما بينه وبين آخر صف على ثلاث مئة ذراع، وهذه طريقة أبي إسحاق المروزي، وأكثر العراقيين. قال: (إن لم يكن حائل أو حال باب نافذ) أي: فوقف بحذائه صف أو رجل. وفي عبارة المصنف غلاقة؛ لأن النافذ ليس بحائل، وصوابها أو كان باب نافذ، ومع ذلك لا يحتاج إلى ذكر ذلك مع قوله: (إن لم يكن حائل). قال: (فإن حال ما يمنع المرور لا الرؤية) أي: كالشباك (.. فوجهان): أحدهما: الصحة؛ لوجود القرب والمشاهدة، فهو كان لو كان معهم. ولا عبرة بالاستطراق، ألا ترى أنه إذا بعد في الصحراء .. لا يصح الاقتداء وإن كان الاستطراق ممكنًا. والثاني: لا يصح؛ لأن بينهما حائلاً يمنع الاستطراق فأشبه الحائط .. ولا اعتبار بالمشاهدة كما لو زاد بعده عن ثلاث مئة ذراع .. فإنه لا يصح مع المشاهدة.

أَوْ جِدَارٌ .. بَطَلَتْ بِاَتِّفَاقِ اَلْطَّرِيقَيْنِ .. قُلْتُ: اَلْطَّرِيقُ اَلْثَّانِي أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطلق المصنف الوجهين كما في (المحرر) و (الشرح)، وصحح في (شرح المذهب) و (التحقيق): أنه لا يصح، وكذلك صححه في (أصل الروضة)، ولا تصحيح في (الشرح الكبير)، وليس في (المنهاج) خلاف مرسل إلا هذا الموضع وموضع آخر في (نفقة الأقارب) لا ثالث لهما، إلا ما كان مفرعًا على وجه ضعيف، كالأقوال المفرعة على تعارض السنتين، وفي (المحرر) بلا تصحيح ثمانية مواضع لا تاسع لها. فرع: إذا كان الشباك في جدار المسجد، ككثير من الأربطة المتصلة بالمسجد الحرام والمدينة الشريفة وبيت المقدس .. صحت الصلاة إذا وقف المأموم في نفس الجدار؛ لأن جدار المسجد من المسجد، والحيلولة فيه بين الإمام والمأموم لا تضر كما تقدم. قال: (أو جدار .. بطلت باتفاق الطرفين) وإن علم بصلاة الإمام؛ لأن الجدار معد للفصل بين الأماكن، فإذا صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد وحال حائل .. ولم يصح عندنا - وبه قال أحمد - لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، ووقفه أصح من رفعه. وقال مالك: تصح إلا في الجمعة. وقال أبو حنيفة: تصح مطلقًا. قال: (قلت: الطريق الثاني أصح والله أعلم) وهو في ترجيح هذا تابع لمعظم العراقيين، والأولى طريقة المراوزة. قال الشيخ: وصفف المدارس الشرقية والغربية إذا كان الواقف فيها لا يرى الإمام ولا من خلفه .. الظاهر: أن القدوة ممتعة فيها - كما صححه الرافعي والمصنف من الطريقين - لامتناع الرؤية دون المرور، وإنما يجئ أحدهما إذا حصل إمكان الرؤية

وَإِذَا صَحَّ اَقْتِداؤُهُ فِي بِنَاءٍ آَخَرَ .. صَحَّ اَقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلإِمَامِ. وَلَوْ وَقَفَ فِي عُلُوٍّ وَإمَامُةُ فِي سُفْلٍ أَوْ عَكْسِهِ .. شَرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمرور جميعًا .. فلا تصح الصلاة فيها على الصحيح، إلا بان تتصل الصفوف من الصحن بها، قال: ولم أر في ذلك تصريحًا. قال: (وإذا صح اقتداؤه في بناء أخر .. صح اقتداء من خلفه وإن حال جدار بيته وبين الإمام) تبعًا له، وهم معه كالمأمومين مع الإمام، ولهذا لا يجوز تقدمهم عليه في الموقف، ولا في تكبيرة الإحرام. قال: (ولو وقف في علو وإمامه في سفل أو عكسه .. شرط محاذاة بعض بدنه بعض بدنه)، وذلك بأن يحاذي رأس الأسفل قدم الأعلى على الأصح؛ لأنه لابد من الاتصال المحسوس. وشرط الشيخ أبو محمد أن يحاذي رأس الأسفل ركبة الأعلى. والاعتبار بالقيام من معتدل القامة، حتى لو لم تحصل المحاذاة لأجل قصره أو قعوده .. لم يضر. وصورة المسألة: أن لا يكونا في مسجد، فإن كانا فيه .. صح قطعًا كما تقدم. والربط والخانات في حكم الدور. قال الشيخ: واشتراط المحاذاة التي أطبق عليها الأصحاب يحتاج إلى دليل، والمعتمد في هذا الباب: العرف وأن الإمام والمأموم يعدان مجتمعين، وكأن الأصحاب رأوا أن بفوات المحاذاة يفوت ذلك. ومتى فاتت المحاذاة على الصفة المذكورة صار حكمه حكم السطح. و (العلو) مثلث العين، و (السفل) بضم السين وكسرها.

وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوَاتٍ وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ .. فَاَلْشَّرْطُ اَلْتَّقَارُبُ مُعْتَبَرًا مِن آخِرِ اَلْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: آَخِرِ صَفٍّ، وَإِنْ حَالَ جدِاَرٌ أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ .. مَنَعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو وقف في موات وإمامه في مسجد، فغن لم يحل شيء .. فالشرط التقارب) - كوقوفهما في الفضاء - وهو: أن لا يتأخر أكثر من ثلاث مئة ذراع. قال: (معتبرًا من آخر المسجد) هذا تفريع على الصحيح؛ لأن المسجد مبني للصلاة فلا يدخل في الحد الفاصل. قال: (وقيل: آخر صف)؛ لأن الاتصال مرعي بينه وبين الإمام لا بينه وبين المسجد. وعلى هذا، فإذا لم يكن فيه المسجد الإمام .. اعتبرنا المسافة من موقفه، وكان ينبغي أن يقول: من آخر مأموم؛ لأن المنفرد إذا اقتدى به .. اعتبرت المسافة منه على هذا. وقيل: يعتبر من حريم المسجد، وهو: المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح المقامات. وفي كلام الشافعي والشيخ أبي محمد .. اعتبار فناء المسجد، وهو محتمل للوجه الأول والثالث. قال: (وإن حال جدار أبو باب مغلق .. منع)؛ لعدم الاتصال، سواء علم بحال الإمام أم لا. وقال أبو إسحاق المروزي: يصح الاقتداء، ولا يكون حائط المسجد حائلاً، سواء كان قدام المأموم أم عن جنبه؛ لأنه من جملة أجزاء المسجد، أما جدار غير المسجد .. فيمنع الاقتداء قطعًا. وقوله: (مغلق) هو الأفصح. قال أبو الأسود الدؤلي - واسمه: ظالم بن عمرو -[من البسيط]: ولا أقوم لقدر القوم: قد غليت ... ولا أقول لباب الدار: مغلوق

وَكَذَا اَلْبَابُ اَلْمَرْدُودُ وَاَلْشُّبَّاكُ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله تعالى: {وغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} شدد للكثرة. قال: (وكذا الباب المردود والشباك في الأصح)؛ لحصول الحائل من وجه دون وجه؛ لأن الباب المردود مانع من المشاهدة، والشباك مانع من الاستطراق فغلب جانب المنع. والثاني: لا يمنع لحصول الاتصال من وجه، وهو الاستطراق في الصورة الأولى، والمشاهدة في الثانية. لكن في (فتاوي البغوي): لو كان الباب مفتوحًا وقت الإحرام، فأغلق في أثناء الصلاة .. لم يضر، وقيل: يصح لحصول الاتصال من وجه. ثم إن المصنف تبع في تصحيحه هذا (المحرر) هنا: وإن كان قد أهمله فيمتا تقدم في البناءين وهما سواء لاتحاد العلة. و (الشباك) واحدة الشبابيك، وهي: المشبكة من الجديد والقصب ونحوه. فرع: صلاة الجماعة في السفينة جائزة، فلو كانت ذات طبقتين فصلى الإمام في طبقة واقتدى به بعضهم في طبقة أخرى .. فهي كالدار ذات البيوت. وإن صلى في سفينة وإمامة في أخرى، فإن كانتا أو إحداهما مغطاة .. لم يصح، وإن كانتا مكشوفتين .. صح إذا علم بصلاته ولم يزد ما بينهما على ثلاث مئة ذراع من موقف الإمام إن كان وحده، وإلا .. فمن أخر صف. قال الماوردي: وكذا إن كان أحدهما في سفينة والآخر على الشط. وعن الإصطخري: أنه شرط في الصحة أن تشد إحدى السفينتين بالأخرى؛ لاحتمال تقدم سفينة المأموم على سفينة الإمام، ولأن الماء يمنع الاستطراق. فإن كانت الريح عاصفة بحيث لا يؤمن أن تسبق إحداهما .. كره وأجزأتهم الصلاة إذا لم يتقدم المأموم على الإمام.

قُلْتُ: يُكْرَهُ اَرْتِفَاعُ اَلْمَامُوم عَلَى إِمَامِهِ، وَعَكْسُهُ إِلاَّ لِحَاجَةٍ .. فَيُسْتَحَبُّ، وَلاَ يَقُومٌ حَتَّى يَفْرُغَ اَلْمُؤَذِّنُ مِنَ اَلإِقَامَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: يكره ارتفاع المأموم على إمامه، وعكسه). أما الثاني: فلما روى أبو داوود [597] والحاكم [1/ 210] أن حذيفة أم الناس على دكان بالمدائن، فأخذه ابن مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ .. قال: (الم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى وقد ذكرت حين جبذتني). وأما الأول .. فمن باب أولى. وهذا إذا أمكن وقوفهم على مستو من الأرض أو غيرها، فإن كان ولابد من وقوف أحدهما أعلى من الآخر .. فقال القاضي حسين: الأولى أن يقف الإمام أعلى. قال: (إلا لحاجة .. فيستحب) أي: فيهما، والمراد: حاجة تتعلق بالصلاة، كتعليم الإمام القوم أو تبليغ المؤذن، بل في هذه الحالة يستحب أن يقف في موضع عال كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديث سهل بن سعد في (الصحيحين) [خ 917 - م 544] فإنه يقال: (يا أيها الناس؛ إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي). ولو حضر مأموم فلم يجد إلا موضعًا مرتفعًا .. لم يكره له ذلك، ولا نول: إنه يستحب. قال: (ولا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة)؛ لأنه ما لم يفرغ منها لم يحضر وقت الدخول في الصلاة، ويكون مشتغلاً بجوابه، ولو أسقط لفظ (المؤذن) .. لكان أحسن، لكنه جرى على الغالب.

وَلاَ يَبْتَدِئُ نَفْلاً بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ .. أَتَمَّهُ إِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ اَلْجَمَاعَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصحح في (الكافي): أنه يقوم عند: قد قامت الصلاة. وقال الماوردي والروياني: البطيء النهضة يقوم عند: قد قامت الصلاة، والسريع بعد الفراغ. وقال الحليمي: إن أقام الإمام .. قاموا عند: قد قامت الصلاة، وإن أقام غيره .. لم يقوموا حتى يروا الإمام وقد خرج أو نهض إن كان بينهم؛ لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث المشهور في (الصحيحين) [خ 637 - م 604] عن أبي قتادة: (إذا أقيمت الصلاة .. فلا تقوموا حتى تروني) وفي رواية [م 604]: (حتى تروني خرجت). والمراد (بالقيام): التوجه والإقبال؛ ليشمل المصلي قاعدًا أو مضطعجًا. قال: (ولا يبتدئ نفلاً بعد شروعه فيها)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة .. فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم [710]. وفي (الصحيحين) أن النبي صلي الله عليه وسلم رأى رجلاً وقد أقيمت صلاة الصبح صلى ركعتين، فلما انصرف .. قال: (الصبح أربعًا؟! الصبح أربعًا؟!) ووهم الحاكم فاستدركه عليهما. ولا فرق بين الرواتب وغيرها. قال: (فإن كان فيه .. أتمه إن لم يخش فوت الجماعة والله أعلم)؛ لقوله تعالى: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}. فإن خشي فوت الجماعة بأن يسلم الإمام .. قطع النافلة؛ لأن الجماعة أفضل. لكنى يستثنى ما لو وجد جماعة أخرى يصلون الكسوف .. فإنه يستحب له أن يصليها معهن خوف فواتها. وقال الرافعي: إن دخل يوم الجمعة والإمام في آخر الخطبة .. لا يصلي التحية؛ لئلا يفوته أول الجمعة مع الإمام.

فصل

فَصْلٌ: شَرْطُ اَلْقُدْوَةِ: أَنْ يَنْوِيَ اَلْمَامُومُ مَعَ اَلْتَكْبِيرِ اَلاِقْتِدَاءَ أَوِ اَلْجَمَاعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (الفوت): السلام، أو لم يبق ركعة على الخلاف، أما الجمعة. فركعة. تتمة: قال الشافعي رحمه الله: إذا أقيمت الصلاة وهو في الفرض .. أحببت له أن يسلم من ركعتين ليكونا له نافلة، فإن بقي من فرضه ركعة أو ثنتان .. أتمه ثم صلى جماعة. قال المتولي: كل ذلك إذا لم يخش خروج الوقت، فإن خاف .. لم يجز قطعها. قال: (فصل: شرط القدوة: أن ينوي المأموم مع التكبير الاقتداء أو الجماعة)، وإلا .. لم تكن صلاة جماعة، لأن التبعية عمل فافتقرت إلى النية؛ للحديث. ويقوم قمام نية الائتمام نية الصلاة في جماعة أو مأمومًا كما قاله مجلي. وقد سوى المصنف بين نية الاقتداء والجماعة، والأول أخص من الثاني، فلو حضر اثنان ونوى كل منهما الجماعة من غير تمييز للإمام .. لم يصح. وكأن المراد بنية الجماعة هنا: التي هي حاضرة مع الإمام كما صرح به غيره، وحينئذ هي راجعة إلى نية الاقتداء. وإنما قال: (مع التكبير) لأمرين: أحدهما: توطئة لما بعده؛ فإنه إذا لم يقرنها بالتكبير .. انعقدت فرادى، فإن تابعه في أفعاله .. بطلت صلاته. والثاني: الخروج من الخلاف الآتي فيما إذا اقتدى في أثناء الصلاة. وحاصله: أنه لا يتابعه إلا غذا نوى الاقتداء به، إما مع التكبير قطعًا، أو بعده في الأصح. وقد استشكل الرافعي في (الشرح الصغير) صحة الاقتداء بنية الجماعة؛ لأن كلاً

- وَاَلْجُمُعَةُ كَغَيرِهَا عَلَى اَلْصَّحِيحِ - فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ اَلْنِّيّةَ وَتَابَعَ فِي اَلأَفْعَالِ .. بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عَلَى اَلَّصِحيحِ. وَلاَ يَجِبُ تَعْيِينُ اَلإِمَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإمام والمأموم في جماعة، فليس في نية الجماعة المطلقة نية الاقتداء بالغير وربط فعله بفعله. قال: (والجمعة كغيرها على الصحيح)، فيلزم المأموم فيها نية الاقتداء لتعلق صلاته بصلاة الإمام، لكنه إن لم ينوه .. لم تنعقد بخلاف غيرها؛ فإنها تنعقد فرادى. والثاني: لا؛ لأنها لا تصح إلا بجماعة، فكان التصريح بنية الجمعة مغنيًا عن التصريح بنية الجماعة، وظاهر كلام الشيخ عز الدين ترجيحه. والمصنف عبر بالمعية تبعًا لـ (المحرر)، وليس ذلك في (الشرح) ولا في (الروضة)، والشرط: وجود النية حال إرادة الاقتداء، سواء كان عند الإحرام أو بعده، كما ذكره فيما إذا أحرم منفردًا ثم نوى الاقتداء خلال صلاته. قال: (فلو ترك هذه النية تابع في الأفعال .. بطلت صلاته على الصحيح)؛ لأنه وقف صلاته على صلاة من ليس بإمام، فأشبه الارتباط بغير المصلي. والثاني: لا؛ لأنه أتى بالأركان على وجهها وليس فيه إلا أنه قارن فعله فعل غيره. وهذا يخرج بقوله: (وتابع). ولا خلاف أن الصلاة قبل المتابعة منعقدة على الانفراد، وإنما تبطل إذا انتظر ركوعه أو سجوده أو غيرهما وطال انتظاره، فإن كان يسيرًا .. فلا تبطل قطعًا، وكذا إذا حصل ذلك اتفاقًا لا عن قصد، فإن ذلك لا يضر. وإذا قلنا بالصحة .. لم يحصل له ثواب الجماعة؛ لأنه لم ينوها. قال: (ولا يجب تعيين الإمام)؛ لأن مقصود الجماعة لا يختلف بذلك، بل يكفيه أن ينوي الاقتداء بالإمام الحاضر وإن لم يعرف من هو، قال الإمام: وهو أولى. فإن رأى مصليين على الانفراد فنوى الائتمام بهما .. لم تصح صلاته؛ لأنه

فَإِنْ عَيَّنَةُ وَأَخْطَأَ .. بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَلاَ يَشْتَرَطُ لِلإِمَامِ، نِيَّةُ اَلإِمَامَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يمكن أن يقتدي بهما في وقت واحدن فإن نوى الاقتداء بأحدهما من غير تعيين .. لم تصح صلاته؛ لأنه إذا لم يعين .. لم يمكنه الاقتداء. قال: (فإن عينة وأخطأ .. بطلت صلاته)، كما إذا نوى الاقتداء بزيد فبان عمرًا، لأنه ربط صلاته بمن لم ينو الائتمام به. فإن انضم إلى ذلك إشارة .. فالأرجح في زوائد (الروضة): الصحة تغليبًا للإشارة، وقال في (الكفاية): المنقول عدم الصحة، كما إذا قال: بعتك هذه البغلة، فإذا هي رمكة. ونظير المسألة: إذا نوى التكفير عن الظهار وعليه كفارة يمين، أو الزكاة عن ماله الغائب فكان تالفًا، أو الصلاة على زيد فإذا هو عمرو .. لا يجزئه. وقال الشيخ: ينبغي أن تبطل نية الاقتداء لا نية الصلاة، فإذا بطل الاقتداء فإن تابعه .. يخرج على متابعه من ليس بإمام، بل ينبغي هنا أن تصح؛ لأنه تابعه ظانًا أنه إمام. كذا بحثه في (باب التيمم). قال: (ولا يشترط للإمام نية الإمامة) أي: في غير الجمعة؛ فإنه مستقل بنفسه بخلاف المأموم، فإنه تابع. وقال القفال وأبو إسحاق والباب شامي: يشترط؛ لأنه أحد ركني الجماعة فأشبه المأموم. وإذا لم ينو .. لم تحصل له فضيلة الجماعة في الأصح. وقيل: تحصل؛ لأن القدوة به قد حصلت له الفضيلة؛ ولأن المأمومين يكثر أجرهم بكثرة العدد وليس لهم فيه نية. وقيلك إن علم بهم .. لم تحصل، وإلا .. حصلت.

وَتُسْتَحبُّ، فَلَوْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ .. لَمْ يَضُرَّ. وَتَصحُّ قُدْوَةُ اَلْمُؤَدِّي بِاَلْقَاِضي، وَاَلْمُفْتَرِضِ بِاَلْمُتَنَقِّلِ، وَفِي اَلْظُّهْرِ بِاَلْعَصْرِ، وَبِاَلْعكُوسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث: (من يتصدق على هذا) يؤيد الحصول مطلقًا. أما الجمعة .. فيلزمه فيها أن ينوي الإمامة في الأصح إذا كان من أهل الوجوب. قال: (وتستجب) أي: له ذلك؛ لينال فضيلة الجماعة ويخرج من خلاف أحمد؛ فإنه أوجبها. قال العجلي: وإذا نوى في الأثناء .. نال ثوابها من حين النية. وقياس نية الصوم في أثناء النهار: أن يثاب من أول الصلاة. فائدة: قال صاحب (البيان): لا تصح نية الإمامة من الإمام حالة إحرامه؛ لأنه في هذه الحالة غير إمام. وقال الشيخ برهان الدين الزاري: لا ينبغي نية الإمامة مع الإحرام؛ لأنه كاذب بقوله: إمامًا، وإن أراد الوعد .. فالنية لا تكون كذلك. والمنقول في المسألة: أنه ينوي حالة الإحرام، صرح به الشيخ أبو محمد في (التبصرة)، والمصنف في (صفة الصلاة) في (شرح المهذب)، كما تقدم التنبيه عليه. قال: (فلو أخطأ في تعيين تابعه .. لم يضر)؛ لأن أصل النية ليست بشرط في حقه، بخلاف نية الائتمام، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وتصح قدوة المؤدي بالقاضي، والمفترض بالمتنقل، وفي الظهر بالعصر، وبالعكوس)، ولا يضر في ذلك اختلاف النيات. وقال الماوردي: أجمعت الصحابة على صحة الفرض خلف النفل.

وَكَذَا اَلْظُّهْرُ بِاَلْصُّبْحِ وَاَلْمَغْرِبِ، وَهُوَ كَاَلْمَسْبُوقِ، وَلاَ تَضُرُّ مُتَابَعَةُ اَلإِمَامِ فِي اَلْقُنُوتِ وَاَلْجُلُوسِ اَلأَخِيرِ فِي اَلْمَغْرِبِ، وَلَهُ فِرَاقُةُ إِذَا اَشْتَغَلَ بِهِمَا. وَتَجُوزُ اَلْصُّبْحُ خَلْفَ اَلْظُّهْرِ فِي اَلأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما عند اتفاق العدد .. فلما روى الشيخان [خ 701 - م 465] عن جابر قال: (كان معاذ يصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصليها بهم)، وفي رواية للشافعي [أم 1/ 173]: (هي له تطوع ولهم مكتوبة). قال الشافعي: ولا يظن بمعاذ أنه كان يترك الفرض خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم ويصلي معه النفل وقد قال صلي الله عليه وسلمك (إذا أقيمت الصلاة .. فلا صلاة إلا المكتوبة). وفي صحة الفرض خلف صلاة التسبيح وجهان، الأصح: الصحة. قال: (وكذا الظهر بالصبح والمغرب، وهو كالمسبوق) فيجوز وإن كانت صلاة المأموم أطول من صلاة الإمام؛ لإمكان الإتيان ببعضها معه وبالباقي بعده. قال: (ولا تضر متابعة الإمام في القنوت والجلوس الأخير في المغرب) كالمسبوق. قال: (وله فراقه إذا اشتغل بهما) أي: بالقنوت والجلوس، ولا يتخرج على المفارقة بغير عذر؛ مراعاة لنظم الصلاة، لكن الأفضل عدم مفارقته. قال: (وتجوز الصح خلف الظهر في الأظهر)، وكذا كل صلاة أقصر من صلاة الإمام قياسًا على الصورة السابقة، والجامع: اتفاق صلاته مع ما يأتي به الإمام من الأفعال الظاهرة. والثاني: لا، لأنه يدخل في الصلاة بنية مفارقة الإمام. وللأول أن يجيب بأنها مفارقة بعذر، وقطع أهل العراق بالأول، وصححها في (الروضة) تبعًا للرافعي، وضعف طريقة القولين.

فَإِذَا قَامَ لِلثَّالِثَةِ: إِنْ شَاءَ .. فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ .. اَنْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ، قُلْتُ: اَنْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ اَلْقُنُوتُ فِي اَلثَّانِيَةِ .. قَنَتَ، وَإِلاَّ .. تَرَكَهُ، وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ. فَإِنِ اَخْتَلَفَ فَعْلُهُمَا - كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جَنَازَةٍ - .. لَمْ يَصِحَّ عَلَى اَلصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإذا قام للثالثة: إن شاء .. فارقه وسلم، وإن شاء .. انتظره ليسلم معه، قلت: انتظاره أفضل والله أعلم). أما المفارقة .. فلانقضاء صلاته، وأما الانتظار .. فلغرض أداء السلام في الجماعة، ولأن في المفارقة قطع القدوة وهي مكروهة. قال: (وإن أمكنه القنوت في الثانية .. قنت)؛ تحصيلاً للسنة من غير مخالفة. قال: (وإلا .. تركه)؛ لمتابعة الإمام. ومقتضى كلام المصنف .. أنه لا يسجد. قال: (وإلا .. تركه)؛ لمتابعة الإمام. ومقتضى كلام المصنف .. أنه لا يسجد لترك القنوت، قال شيخنا: والقياس خلافه، وفيه نظر بل تركه هو القياس. قال: (وله فراقة ليقنت) ويكون كقطع القدوة لعذر فتركه أفضل. لكن في المغرب بالظهر إذا قام الإمام إلى الرابعة .. لا ينتظره في الأصح عند المصنف؛ لأنه يحدث تشهدًا وجلوسًا لم يفعله الإمام بخلاف الصورة السابقة؛ فإنه وافقه في تشهده ثم استدام. فإذا قام الإمام إلى خامسة .. فارقه المأموم ولم ينتظر تسليمه كما جزم به في (شرح المهذب) في (باب الجنائز). قال: (فإن اختلف فعلهما - كمكتوبة وكسوف أو جنازة - لم يصح على الصحيح)؛ لتعذر المتابعة. والثاني - وهو قال القفال -: يصح؛ لأن المقصود من الاقتداء اكتساب الفضيلة، وكل واحد يراعي واجبات صلاته. ثم إن ما ذكروه عند اختلاف فعلهما من منع الاقتداء مشكل؛ لأن الاقتداء في أول الصلاة لا مخالفة فيه، وإذا قام الإمام إلى الأفعال المخالفة وفارقه .. استمرت الصحة كمن صلى في صوب ترى عورته منه إذا ركع. وقال في (الكفاية): إذا اقتدى به في القيام الثاني من الكرعة الثانية عالمًا أو جاهلاً ثم تبين الحال .. الذي يظهر: الصحة؛ لعدم المخالفة.

فصل

فَصْلُ: تَجِبُ مُتَابَعَةُ اَلإِمَامِ فِي أَفْعَالِ اَلْصَّلاَةِ، بِأَنْ يَتَأَخَّرَ اَبْتِدَاءُ فِعْلِهِ عَنِ اَبْتِدَائِهِ، وَيَتَقَدَّمَ عَلَى فَرَاغِهِ مَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: الصحيح الذي قطع به المتولي صحة الاقتداء بمصلي العيد كالاقتداء بمصلي الصبح، فإذا كبر الإمام التكبيرات الزائدة .. لا يتابعه المأموم، فإن تابعه .. لم تبطل. ولو صلى العيد خلف من يقضي الصبح .. صح ويكبر التكبيرات الزائدة. قال: (فصل: تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تبادروا الإمام، إذا كبر .. فكبروا، وإذا ركع .. فاركعوا) رواه مسلم [415]. واحترز بـ (الأفعال) عن الأقوال؛ فإن المتابعة فيها لا تجب، بل يجوز أن يسبقه بالقراءة والتشهد وغيرهما إلا في التحرم والسلام كما سيأتي: وإطلاق المصنف وجوب المتابعة في الأفعال يشمل السنن ولا تجب في جلسة الاستراحة، وإن حمل على الفرض .. ورد جلوس التشهد الأول وغيره. ثم إن عبارته مصرحة بأن المقارنة محرمة وإن لم تبطل، وكذا عبارة (الروضة)، لكنه قال بعد بقليل: إن المقارنة جائزة في غير التحرم، ولكن تكره وتفوت بها فضيلة الجماعة، وهو تصريح بأن التأخر ليس بواجب، بل مستحب كما صرح به غيره. فرع: في (فتاوي البغوي): أنه لو كبر فبأن أن الإمام لم يكبر .. انعقدت صلاته منفردًا، وقال غيره: لا تنعقد، وهو ضعيف. وهما جوابان لشيخه القاضي حسين. قال: (بأن يتأخر ابتداء فعله عن ابتدائه) أي: عن ابتداء فعل الإمام (ويتقدم على فراغه منه) أما تقدمه على فراغه منه .. فلا شك في وجوبه حيث لا عذر، وأما تأخر

فَإَنْ قَارَنَهُ .. لَمْ يَضُرَّ إلاَّ تَكْبِيرَةَ اَلِإحَرَامِ. وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنِ بِأَنْ فَرَغَ اَلإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ فَيمَا قَبْلَهُ .. لَمْ تَبْطُلْ فِي اَلأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتداء فعله عن ابتداء فعل الغمام قليلاً .. فهو مستحب كما صرح به الإمام والغزالي في كتبه الثلاثة. وأما ما أفهمه كلام الشيخين من وجوبه .. فتبعًا في ذلك البغوي. قال: (فإن قارنه .. لم يضر)؛ لأنه لا يعدو بذلك مخالفًا. وتعبيره بـ (المقارنة) أحسن من تعبير (المحرر) بالمساوقة؛ فإن المساوقة أن يجيء واحد بعد آخر. وجزموا بكراهة المقارنة وأنه تفوق بها فضيلة الجماعة، ومقتضى هذا: أن تكون مبطلة في الجمعة؛ لأن الجماعة شرط فيها. واستشكله الشيخ بأنهم صرحوا بعدم الفساد، وذلك يقتضي أنها جماعة وإلا .. لبطلت بمتابعة من ليس بإمام، وإنما هي جماعة فات فضلها. قال: (إلا) في (تكبيرة الإحرام) فلا تنعقد إذا قارنه فيها، بل لابد من تأخر جمع لفظها؛ حتى يثبت للإمام كونه في صلاة فينتظم الاقتداء، فإذا قارنه في التكبيرة. لم تنعقد صلاته؛ لأنه اقتدى بمن لم تنعقد صلاته بعد، ومن طريق الأولى إذا أحرم قبله - والأصح: أنه لا تضر المقارنة في السلام - وإذا شك: هل قارنه فيها أو تأخر عنه .. لم تنعقد. ولا يخفى أن اشتراط تأخر تحرم المأموم عن تحرم الإمام إنما هو فيمن أراد الائتمام في أول صلاته، أما من صلى منفردًا ثم نوى الاقتداء في أثناء صلاته .. فتحرمه سابق، وذلك لا يضر على الأظهر. قال: (وإن تخلف بركن بأن فرغ الإمام منه وهو فيما قبله .. لم تبطل في الأصح)؛ لأنها مخالفة يسيرة. وقال صلي الله عليه وسلم: (لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود، فما أسبقكم به إذا ركعت .. تدركوني به إذا رفعت، ومهما أسبقكم به إذا سجدت .. تدركوني به إذا رفعت) رواه ابن ماجه [963] من حديث معاوية بن أبي سفيان.

أَوْ بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ فَرَغَ مِنْهُمَا وَهْوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ .. بَطَلَتْ. وَإِنْ كَانَ بِانْ أَسْرَعَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إِتْمَامِ اَلْمَامُومِ (اَلْفَاتِحَةَ) .. فَقِيلَ: يَتْبَعُهُ وَتَسْقُطُ اَلْبَقَيِةُّ، وَاَلْصَّحِيحُ: ئُتِمُهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِن ثَلاَثَةِ أَرْكَانِ مَقْصُودَةِ - وَهِيَ اَلْطَّوِيلَةُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: تبطل إذا فعله عامدًا للمخالفة. والمراد بـ (الركن) ههنا: الفعلي، وتمثيل المصنف يشعر به. قال: (أو بركنين بأن فرغ منهما وهو فيما قبلهما، فإن لم يكن عذر ... بطلت)، للمخالفة. والمراد (بعدم العذر): بأن اشتغل بقراءة السورة أو تسبيح الركوع. ولا فرق في التخلف بركنين بين الطويلين وغيرهما. قال: (وإن كان بأن اسرع قراءته وركع قبل إتمام المأموم (الفاتحة)) وكذلك لو كان بطيء القراءة للعجز لا للوسوسة (.. فقيل: يتبعه وتسقط البقية)؛ لأنه معذور فأشبه المسبوق، فل وتخلف في هذه الحالة .. كان متخلفًا بغير عذر. قال: 0والضحيح: يتمها) أي: يتم (الفاتحة) وجوبًا (ويسعى خلفه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان)؛ لأن ترك (الفاتحة) إنما اغتفرناه للمأموم في الركعة الأولى، لتفاوت الناس في الحضور غالبًا والإحرام، بخلاف الإسراع في القراءة؛ فإن الناس غلبًا لا يختلفون فيه. والذي قاله المصنف هنا اتفق فيه (الشرح) و (الروضة) و (التحقيق) وهو الصواب. والذي في (المحرر): ما لم يسبقه بثلاثة أركان. قال: (مقصودة، وهي الطويلة) فلا يحسب منها الاعتدال ولا الجلوس بين السجدتين؛ لأنهما تابعان ما قبلهما شرعًا للفصل لا لذاتهما، بخلاف القيام وغيره. وعبارة المصنف تقتضي: أن القصير غير مقصود، وبه جزم في (الروضة) و (الشرحين).

فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ .. فَقِيلَ: يُفَارِقُهُ، وَالأَصَحُّ: يَتْبَعُهُ فَيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلاَمِ اَلإِمَامِ. وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ (اَلْفَاتِحَةَ) لِشَغْلِهِ بِدُعَاءِ اَلاِفْتِتَاحِ .. فَمَعْذُورٌ هَذَا كُلُهُ فِي اَلْمُوَافِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (التحقيق) و (الشرح الصغير): أنها مقصودة، وفي (أصل الروضة) هنا وفي (شرح المهذب): أن الأكثرين قالوا به. وعلى هذا: فلا فائدة للتقييد بالمقصودة؛ لأن الجميع مقصود. والأصل في المسألة: (صلاة النبي صلي الله عليه وسلم بعسفان). فإذا ركع الإمام والمأموم قائم، ثم أدركه فيه .. فليس متخلفًا بركن فلا تبطل صلاته قطعًا. فلو اعتدل الإمام والمأموم في القيام .. فالأصح في (زوائد الروضة): لا تبطل صلاته، فإن هوى إلى السجود .. بطلت على المذهب، فإن سجد ... بطلت قطعًا. قال: (فإن سبق بأكثر) بأن قام الإمام إلى الركعة الثانية والمأموم بعد قائم في الأول .. لم يركع. قال: (.. فقيل: يفارقه)؛ لتعذر الموافقة، وتكون مفارقة بعذر. قال: (والأصح: يتبعه فيما هو فيه، ثم يتدارك بعد سلام الإمام)؛ لما في مراعاة نظم صلاته في هذه الحالة من المخالفة الفاحشة. وقيل: يراعي نظم صلاة نفسه، ويجري على أثر إمامه، ويكون متخلفًا بعذر. وهذان الوجهان كالقولين في مسألة الزحام. قال: (ولو لم يتم (الفاتحة) لشغله بدعاء الافتتاح .. فمعذور) كما في بطيء القراءة. قال: (هذا كله في الموافق) وهو: الذي أدرك قبل ركوع الإمام زمنًا يسع (الفاتحة).

فَأَمَّا مَسْبُوقُ رَكَعَ اَلإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بَالِافْتِتَاحِ وَاَلْتَّعَوُذِ .. تَرَكَ قِرَاءَةٌ وَرَكَعَ، وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ، وَإِلاَّ .. لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ. وَلاَ يَشْتَغِلُ اَلْمَسْبُوقُ بِسُنَّةٍ بَعْدَ اَلْتَّحَرُّمِ، بّلْ بِـ (اَلْفّاتِحَةِ) إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ إِدْرَاكَهَا ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فأما مسبوق ركع الإمام في فاتحته .. فالأصح: أنه إن لم يشتغل بالافتتاح والتعوذ .. ترك قراءته وركع، وهو مدرك للركعة)؛ لأنه لم يدرك إلا ما يقرأ فيه بعض (الفاتحة)، فلا يلزمه زيادة عليه، كما أنه إذا لم يدرك شيئًا من القيام .. لا يلزمه شيء من (الفاتحة). والوجه الثاني: أنه يركع معه مطلقًا للمتابعة، ويسقط باقي (الفاتحة). قال البندنيجي وغيره: وهو المذهب ونص عليه الشافعي. قال: (وإلا) أي: وإن اشتغل بالافتتاح والتعوذ (.. لزمة قراءة بقدره)؛ لتقصيره بالعدول عن الفرض إلى غيره. والثاني: أنه يتم (الفاتحة) في الحالتين؛ لإدراكه القيام الذي هو محلها. والثالث: يسقط ما بقي فيركع معه في الحالتين. تنبيهان: أحدهما: إذا قلنا بالأصح فتخلف ليتم (الفاتحة) .. كان متخلفًا بعذر، فإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل ركوعه .. فاتته الركعة كما صرح به في (الوسيط) تبعًا للإمام، وكذا تفوته أيضًا إذا قلنا بالوجه الثاني، أما إذا قلنا بالثالث .. فلا. الثاني: المنتظر سكتة الإمام ليقرأ فيها (الفاتحة)، فركع الإمام عقب فاتحته .. قال الشيخ محب الدين الطبري: لا نص فيها، ويحتمل أن يترتب على الساهي عن (الفاتحة) حتى ركع إمامه إن قلنا: إنه عذر .. ركع هذا معه وأدرك جميع الصلاة، وإلا .. احتمل هنا وجهان. قال: (ولا يشتغل المسبوق بسنة بعد التحرم، بل بـ (الفاتحة)) كحذرًا من فواتها؛ لأن الاشتغال بالفرض أولى .. وهذا على جهة الاستحباب. قال: (إلا أن يعلم إدراكها)؛ حيازة لفضيلة الفرض والنقل.

وَلَوْ عَلِمَ الْمَامُومُ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ تَرَكَ (الْفَاتِحَةَ) أَوْ شَكَّ .. لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، بَلْ يَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ. فَلَوْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ وَقَدْ رَكَعَ الإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ .. قَرَأَهَا وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ، وَقِيلَ: يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ. وَلَوْ سَبَقَ إِمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ .. لَمْ تَنْعَقِدْ، أَوْ بِـ (الْفَاتِحَةِ) أَوِ التَّشَهُّدِ .. لَمْ يَضُرَّهُ وَيُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ إِعَادَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو علم المأموم في ركوعه أنه ترك (الفاتحة) أو شك .. لم يعد إليها)؛ لقوات محلها (بل يتدارك بعد سلام الإمام) كالمسبوق. قال: (فلو علم أو شك وقد ركع الإمام ولم يركع هو ... قرأها)؛ لبقاء محلها. قال: (وهو متخلف بعذر) أي: على الأصح، فيأتي فيه ما تقدم حتى لو أدركه في قيام الركعة الثانية .. صح دون ما بعده. وقيل: هو متخلف بغير عذر لتقصيره بالنسيان. قال: (وقيل: يركع ويتدارك بعد سلام الإمام) محافظة على متابعة الإمام. قال: (ولو سبق إمامه بالتحرم .. لم تنعقد)؛ لما سبق في أول الفصل. وهذه في الحقيقة مكررة. هذا إذا سبقه عالمًا بعدم تحرمه أو مترددًا كما قاله القفال. فلو سبقه ظانًا تحرمه، ثم بان له أنه لم يتحرم بعد .. فالأصح: ما قدمناه عن البغوي، وأحد جوابي شيخه، أنه تنعقد صلاته منفردًا. قال: (أو بـ (الفاتحة) أو التشهد ... لم يضره)؛ لأنه لا تظهر به مخالفة فاحشة. وقيل: تبطل كالركوع وهو ضعيف. قال: (ويجزئه)، هذا تفريع على الأصح، والمراد: أنها تقع محسوبة. قال: (وقيل: تجب إعادته) إما مع قراءة أو بعده؛ لأنه أتى به أولاً في غير محله.

وَلَوْ تَقَدَّمَ بِفِعْلِ - كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ - إِنْ كَانَ بِرُكْنَيْنِ .. بَطَلَتْ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرُكْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المتولي: السنة أن تتأخر قراءة المأموم عن قراءة إمامه في الجهريات - قال - فإن كانت الصلاة سرية .. فالأولى تأخير القراءة مقدار ماي علم أن الغمام فرغ من (الفاتحة). فإن فرغ منها قبل شروع الإمام فيها .. ففيه أوجه: أصحها: تجزئ. والثاني: لا تجزئ فتجب إعادتها. والثالث: تبطل صلاته. والتشهد كالقراءة. قال: (ولو تقدم بفعل - كركوع وسجود - إن كان بركنين .. بطلت) أي: إذا كان عامدًا عالمًا بالتحريم؛ لفحش المخالفة، وإن كان ناسيًا أو جاهلاً .. لم تبطل ولم يعتد بتلك الركعة. قال: (وإلا .. فلا) أي: إن لم يكن بركنين .. فلا تبطل لقلة المخالفة، سواء كان مقصودًا كالركوع أم لا؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) الحديث. وفي (صحيح مسلم) [426]: (أيها الناس لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف). قال: (وقيل: تبطل بركن) - أي: تام - بأن انتقل عنه وإن لم يصل إلى غيره؛ لأنه مخالف لصورة الاقتداء، ولهذا قلنا: التقدم في الموقف بجزء قليل يبطل وخالف تخلفه عن الإمام بركن؛ لأن رتبته التخلف. ومحل ما ذكره المصنف في الركن المقصود، أما غيره .. ففي السبق به وجهان كما في التخلف.

فصل

فَصْلٌ: خَرَجَ اَلإِمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ .. اَنْقَطَعَتِ اَلْقُدْوَةُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُ وَقَطْعَهَا اَلْمَامُومُ .. جَازَ، وَفِي قْول: لاَ يجُوزُ إِلاَّ بِعُذْرٍ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ اَلْجَمَاعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال البغوي والمتولي: كراهة سبق المأموم الإمام بركن كراهة تحريم. وهذا هو الأصح المنصوص؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟!) رواه الشيخان لأخ 691 - م 427]. وغيرهما أطلق الكراهة. قال: (فصل: خرج الإمام من صلاته .. انقطعت القدوة)؛ لزوال الرابط سواء كان خروجه بحدث أو غيره. وأفهمت عبارته .. أنه لا يجوز للمسبوق الجلوس بعد تسليم الإمام الأولي كما أفتى به ابن عبد السلام. والمنصوص: أنه يستحب له أن لا يقوم حتى يسلم الإمام الثانية، وسيأتي في آخر الباب. قال: (فإن لم يخرج وقطعها المأموم .. جاز)؛ لأن ما لا يتعين فعله .. لا يلزم بالشروع سواء كان تطوعًا أو فرض كفاية، ولأن إخراج نفسه من الجماعة بعد حصول شرطها لا يمنع حصولها، بدليل جوازه في الجمعة بعد حصول ركعة، ولأن الفرقة الأولى في صلاة ذات الرقاع فارقت النبي صلي الله عليه وسلم كما سيأتي. وفي (الصحيحين) [خ 701 - م 465]: (أن معاذًا صلى بأصحابه العشاء فطول بهم، فانصرف رجل فصلى وحده، ثم أتى النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره بالقصة، فغضب وأنرك على معاذ)، ولم ينكر على الرجل، ولم يأمره بإعادة الصلاة. قال: (وفي قوله: لا يجوز إلا بعذر برخص في ترك الجماعة)؛ لأن فيه إبطالاً

وَمِنَ اَلْعُذْرِ: تَطْوِيلُ اَلإِمَامِ أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةَ مَقْصُودَةُ كَتَشَهُّدٍ. وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى اَلْقُدْوَةَ فِي خِلاَلِ صَلاَتِهِ .. جَازَ فِي اَلأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للعمل. والله تعالى قال: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}، وفي الحديث الصحيح السابق: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه). وفي قول ثالث: لا يجوز لا بعذر ولا بغيره؛ للنهي عن الاختلاف على الإمام. واستثنى ابن الرفعة وشارح (التعجيز) الجمعة؛ فإن شرطها الجماعة. والذي في (الرافعي) و (الروضة): أنها على هذا الخلاف. قال: (ومن العذر: تطويل الإمام) أي: والمأموم لا يصبر لضعف أو شغل؛ لحديث معاذ المذكور. والثاني: أن التطويل ليس بعذر، وهو الذي نص عليه في (الأم). ومن الأعذار: إذا رأى على ثوب إمامه نجاسة قاله القفال، وكذلك إذا انقضت مدة الخف فيها والمأموم يعلم ذلك. قال: (أو تركه سنة مقصودة كتشهد)؛ ليأتي بتلك السنة. ومثله: القنوت. قال: ولو أحرم منفردًا، ثم نوى القدوة من خلال صلاته .. جاز في الأظهر)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثم تذكر أنه جنب، فأشار إليهم أن كما أنتم وخرج فاغتسل، وعاد ورأسه يقطر وتحرم بهم، رواه أبو داوود [226] بإسناد صحيح كما تقدم. ولأن أبا بكر كان يصلي بالناس، فتقدم النبي صلي الله عليه وسلم فصلى واقتدى به أبو بكر والجماعة، متفق عليه [خ 684 - 421].

وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أَخْرَى، ثُمَّ يَتْبَعُهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا، فَإِنْ فَرَغَ اَلإِمَامُ أَوَّلاً .. فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، أَوْ هُوَ .. فَإِنْ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ اَنْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا، هو مكروه، والمستحب إتمامها ركعتين ويسلم فتكون نافلة، ثم يقتدي، فإن لم يفعل .. استحب قطعها على الصحيح. والثاني: لا يجوز وتبطل بها لصلاة للحديث السابق: (إذا كبر .. فكبروا)، وهذا كبر قبله، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك. قال: (وإن كان في ركعة أخرى) أي: فإنه يجوز على الصحيح. وأشار بهذا إلى أن القولين جاريان مطلقًا. وقيل: محلهما إذا اتفقا في الركعة الأولى أو الثانية، فإن كان الإمام في ركعة والمأموم في أخرى .. بطلت قولاً واحدًا. وقيل: إن دخل قبل ركوعه .. صحت قولاً واحدًا، والقولان فيمن دخل بعده. وقيل: إن دخل بعد ركوعه .. بطلت قولاً واحدًا، والقولان قبله، فهذه أربع طرق. قال: (ثم يتبعه قائمًا كان أو قاعدًا)، فيقوم في موضع قيامه ويقعد في موضع قعوده؛ لأنه من لوازم الاقتداء. قال: (فإن فرغ الإمام أولاً .. فهو كمسبوق)، فيقوم ويتم صلاته. قال: (أو هو .. فإن شاء فارقه، وإن شاء انتظره ليسلم معه)؛ لأن المفارقة بالعذر والانتظار به جائزان، ولكن لا يتابعه، فإن تابعه .. بطلت صلاته. مهمة: إذا قام مسبوق للتكميل فاقتدى به مسبوق أخر .. مقتضى كلام (الروضة) هنا: تصحيح الجواز، وبه صرح في (شرح المهذب) ثم قال: اعتمده ولا تغتر بتصحيح صاحب (الانتصار) المنع.

وَمَا أَدْرَكَهُ اَلْمَسْبُوقُ .. فَأَوَّلُ صَلاَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجزم في (باب الجمعة) من (الروضة) بأن الأصح: المنع؛ لأن الجماعة حصلت، فإذا أتموا فرادى .. نالوا فضلها فوافق (الانتصار). فرع: لو أحرم بفائتة منفردًا ثم أقيمت صلاة الوقت جماعة .. لم يجز أن يسلم من ركعتين ليصلي معهم؛ لأنه: إن أراد أن يصلي معهم الفائتة .. فقد قطعها لغير فضيلة؛ فإن الأفضل أن لا يصلي الفائتة خلف المؤداة، وإن أراد أن يصلي معهم فرض الوقت .. فكذلك؛ لأنه لا يجوز قطع فريضة لمراعاة مصلحة فريضة أخرى. قال: (وما أدركه المسبوق .. فأول صلاته)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (فما أدركتم .. فصلوا، وما فاتكم .. فأتموا) متفق عليه [خ 636 - م 602]. وإنما الشيء لا يكون إلا بعد أوله، والقضاء إذا أطلق بالمعنى اللغوي لا ينافي ذلك.

فَيُعِيدُ فِي اَلْبَاقِي الَقْنُوُتَ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةّ مِنَ اَلْمَغْرِبِ .. تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا .. أَدْرَكَ اَلْرَّكْعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: في (صحيح مسلم) [602] (صل ما أدركت، واقض ما سبقك)، ولو كان ما أتى به أول صلاته لم يكن قاضيًا .. فالجواب: أن رواه الأول أكثر وأضبط؛ حتى قال أبو داوود: إن هذه الرواية انفرد بها ابن عيينة. نعم؛ يستثنى من ذلك قراءة السورة في الأخيرتين على النص كما تقدم في (صفة الصلاة). قال: (فيعيد في الباقي القنوت)؛ لأن محله آخر الصلاة. قال: (ولو أدرك ركعة من المغرب .. تشهد في ثانيته)، وهذا بالاتفاق بيننا وبين الحنيفة، وهو دليل على أصل المسألة. قال: (وإن أدركه راكعًا .. أدرك الركعة)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه .. فقد أدركها) صححه ابن حبان. سواء كان الإمام بالغًا أو صبيًا. وفيما إذا كان صبيًا وجه: أنه لا يكون مدركًا لها؛ لأنه ليس أهلاً للتحمل عن المأموم. والمراد بـ (إدراكها): أن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع، حتى لو كان في الهوى والإمام في الارتفاع وقد بلغ في ركوعه حد الأقل قبل أن يرتفع الإمام عنه .. كان مدركًا، وإن لم يلتقيا فيه .. فلا، كذا نقله الرافعي عن الأئمة على اختلاف طبقاتهم. والشرط في الركوع: أن يكون محسوبًا للإمام، فإن لم يكن كركوع المحدث، أو من قام إلى خامسة ساهيًا .. لم يكن مدركًا به على الأصح؛ لأنه إذا لم يحسب للإمام .. فالمأموم أولى. وادعى الماوردي الإجماع على أن الركعة تدرك بالركوع، واعترض عليه بأن ابن خزيمة وأبا بكر الصبغي قالاً: إن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع والقراءة، وإن من

قُلْتُ: بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ اَرْتِفَاعِ اَلإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ اَلْرُّكُوعِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ شَكَّ فِي إِدْرَاكِ حَدِّ اَلإِجْزَاءِ .. لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي اَلأَظْهَرِ. وَيُكَبِّرُ لِلإِحْرَامِ ثُمَّ لِلرُّكُوع، فَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ .. لَمْ تَنْعَقِدْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أدرك الركوع فقط .. يعيد الركعة، وهو مذهب أبي هريرة؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من أدرك الإمام راكعًا .. فليركع معه وليعد الركعة). وفي كتاب (القراءة خلف الإمام) للبخاري: أنه إنما جاز إدراك الركوع من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم الذين لم يروا القراءة خلف الإمام، فأما من رأى القراءة .. فلا. وفي (الكفاية) عن بعض شارحي (المهذب): أنه إن قصر .. لم يدرك، وإلا .. أدرك. أما صلاة الكسوف .. فلا تدرك الركعة فيها إلا بإدراك الركوع الأول كما سيأتي. قال: (قلت: بشرط أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع والله أعلم) لأن الركوع بدون طمأنينة لا يعتد به. ومقتضى كلامه .. أنه لا فرق بين أن يقصر حتى يركع الإمام أم لا، كما قاله الإمام وأفتى به ابن الصلاح. ولا فرق بين أن يتم الإمام الركعة فيتمها معه أم لا، بأن يدركه راكعًا ثم يحدث الإمام في السجود؛ لأنه أدركه في ركوع محسوب، بخلاف ما سيأتي في (صلاة الجمعة) كذا قاله القاضي والبغوي. قال: (ولو شك في إدراك حد الإجزاء .. لم تحسب ركعته في الأظهر)؛ لأن الأصل عدم الإدراك. والثاني: تحسب؛ لأن الأصل عدم ارتفاع الإمام عنه. وقال زفر: تدرك الركعة بالاعتدال. قال: (وكبر للإحرام ثم للركوع)؛ للأدلة السابقة. قال: (فإن نواهما بتكبيرة .. لم تنعقد)، كما لو تحرم بفريضة ونافلة، بخلاف ما لو اغتسل للجنابة والجمعة.

وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ نَفْلاً، وَإِنْ لمَ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا .. لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى اَلْصَّحِيحِ. وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي اَعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ .. اَنْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا، وَاَلأَصَحُّ: أَنَّهُ يُوَافِقَهُ فِي اَلْتَّشَهُدِ وَاَلْتَّسْبِيحَاتِ، وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي سَجْدَةِ .. لَمْ يُكَبِّرْ لِلاِنْتِقَالِ إِلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: تنعقد نفلاً)، كما لو أخرج دينارًا ونوى به الزكاة وصدقة التطوع، أو أعتق عبدًا ونوى به التطوع والكفارة. قال: (وإن لم ينو بها شيئًا .. لم تنعقد على الصحيح)؛ لأن قرينة الافتتاح تصرفها له، وقرينة الهوى، تصرفها للهوى فتصير كما لو شرك. والثاني: تنعقد نافلة كالوجه المتقدم؛ لأن الظاهر أنه لا يقصد الهوى ما لم يتحرم. وبقي حالتان. أحداهما: أنه ينوي الإحرام فقط .. فتصح صلاته. والثانية: ألا ينوي الهوى فقط .. فلا تنعقد. قال: (ولو أدركه في اعتداله فيما بعده. انتقل معه مكبرًا)؛ موافقة للإمام وإن لم يكن محسوبًا للمأموم. قال: (والأصح: أنه يوافقه) أي: استحبابًا (في التشهد والتسبيحات)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (فلا تختلفوا عليه). والثاني: لا يستحب ذلك؛ لأنه غير محسوب له، فلا يأتي به كما لو أدركه في السجدة الأولى أو الثانية أو التشهد .. فإنه لا يكبر للانتقال إليه. وفي (الحاوي) وجه: أنه يجب عليه أن يوافقه في التشهد الأخير. قال: (وأن من أدركه في سجدة .. لم يكبر للانتقال إليها)؛ لأنه غير محسوب له، ولا موافقة للإمام في انتقاله إليها بخلاف الركوع، لكن يكبر بعد ذلك إذا انتقل مع الإمام في السجود أو غيره موافقة له. والثاني: يكبر كما في الركوع. وقال القفال: يكبر إذا أدركه في السجدة الأولى دون الثانية.

وَإِذَا سَلَّمَ اَلإِمَامُ .. قَامَ اَلْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا إِنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، وَإِلاَّ .. فَلاَ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا سلم الإمام .. قام المسبوق مكبرًا إن كان موضع جلوسه)، كما إذا أدركه في ثالثة الرباعية أو ثانية المغرب .. فإنه لوكان وحده كان لكان هكذا يفعل. قال: (وإلا .. فلا في الأصح)؛ لأنه ليس موضع تكبيره، وليس فيه موافقة الإمام. والثاني: يقوم مكبرًا؛ لأنه انتقال فلا يخليه عن ذكر. تتمة: يستحب أن لا يقوم المسبوق حتى يسلم الإمام الثانية؛ ليحوز فضلها، قاله القاضي. قال ابن الرفعة: وعن بعض علماء زماننا: أنه لا يفعل ذلك، فإن فعله .. بطلت صلاته - قال - ووقع لي فيه تفصيل حسن، وهو: إن كان جلوسه مع الإمام في التشهد الأخير في محل تشهده الأول .. فكما قال القاضي، وإلا .. فكما قال الآخر. وفي كلام القاضي في (باب سجود السهو) ما يفهمه. ... خاتمة إذا كانت علية صلاة الظهر مثلاً، وأتى في وقت العصر فوجد الجماعة مقامة لصلاة العصر فما الأولى في حقه؟ قال في (شرك المهذب): يصلي الظهر منفردًا، ثم إن إدراك الحاضرة معهم،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا .. صلاها منفردًا أيضًا؛ لأن الترتيب مختلف في وجوبه، وكذلك إيقاع صلاة خلف أخرى، والخروج منها أولى، وذكر نحوه في زوائد (الروضة) في (صفة الصلاة). والمنقول المعتمد: أنه يصلي العصر في الجماعة؛ لأنها متأكدة أكثر، والخلاف عندنا: في أنها قرض عين أو لا؟ وممن نص على المسألة البغوي في (فتاويه)، والغزالي في (الإحياء)، وابن أبي الصيف، وصاحب (التعجيز) وغيرهم. * * *

باب صلاة المسافر

بابُ صَلاَةِ اَلْمُسَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صلاة المسافر خص الله تعالى المسافر في إقامة الصلوات الخمس بنوعين من التخفيف: القصر والجمع، وأهمهما القصر، وهو مجمع عليه، فلذلك بدأ به المصنف. و (المسافر): الملتبس بالسفر وهو: قطع المسافة، وجمعه: أسفار، سمي سفرًا، لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي: يكشفها، من قولهم: سفرت المرأة عن وجهها إذا أظهرته. والأصل في القصر قوله تعالى: {وإذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} الآية، فأباحه بشرط الخوف، وبينت السنة جوازه عند الأمن: روى مسلم [686] عن يعلي بن أمية أنه قال لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا، وقد شرط الله تعلى الخوف؟! فقال: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته). وروى ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (خيار أمتي من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والذين إذا أحسنوا .. استبشروا، وإذا اساؤوا .. استغفروا، وإذا سافروا .. قصروا وأفطروا). و (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقصر في أسفاره غازيًا وحاجًا ومعتمرًا). وفي (الصحيحين) [خ 1084 - م695] عن ابن مسعد قال: (صليت مع النبي صلي الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين). وقال ابن عمر: (سافرت مع النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين). ولا خلاف بين المسلمين في جوازه.

إَنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ مُؤَداَّةٌ فِي اَلْسَّفَرِ اَلطَّوِيلِ اَلْمُبَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إنما تقصر ربعاية مؤداة في السفر الطويل المباح) أما جواز قصر الرباعية .. فبالإجماع. واحترز بذلك عن المغرب والصبح .. فلا تقصران؛ لأن الصبح لو قصرت .. لم تكن شفعًا؛ فتخرج عن موضوعها، والمغرب لا يمكن قصرها إلى شطرها، ولا أن تكمل الثانية فلا تكون وترًا، ولا الاقتصار على ركعة لخروجها بذلك عن باقي الصلوات. وحكي عن محمد بن نصر المروزي: أنه جوز قصر الصبح في الخوف إلى ركعة، وهو مذهب ابن عباس، وفي (صحيح مسلم) [687]: (فرض الله تعالى الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة). وأجيب عنه بأنه يصلي في الخوف مع الإمام ركعة وينفرد بأخرى .. وبقية القيود شرحها المصنف. ونقل صاحب (البيان) والحناطي قولاً: أنه يجوز القصر في السفر القصير بشرط الخوف، هكذا نقله الشيخان في هذا الباب هنا، ثم نفاه في (شرح المهذب) في (كتاب الحج) فقال: لا يجوز القصر إلا في السفر الطويل عندنا بلا خلاف. ومراده بـ (المباح): ما نفي عنه الحرج، كما هو اصطلاح المتقدمين من الأصوليين، فيندرج في ذلك الواجب كسفر الحجر، والمندوب كزيارة قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وحج التطوع ولطلب العلم وزيادة الوالدين، والمستوى الطرفين صلي الله عليه وسلم وحج التطوع ولطلب العلم وزيارة الوالدين، والمستوى الطرفين كالتجارة والنزاهة؛ لأنه صلي الله عليه وسلم وأصحابه قصروا في العود إلى المدينة، وهو مباح.

لاَ فَائِتَةُ اَلْحَضَرِ. وَلَوْ قَضَي فَائِتَةَ اَلْسَّفَرِ. فَالأَظْهَرُ: قَصْرُهُ فِي اَلْسَّفَرِ دُونَ اَلْحَضَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمكروه كسفر المنفرد عن رفيق والسفر يوم الجمعة إذا لم نقل بتحريمه، ولا يخرج عنه إلا سفر المعصية وهو كذلك على الصحيح. لكن يرد عليه ما إذا نذر أن يصلي أربع ركعات في وقت الظهر مثلاً .. فإن قصرها لا يجوز مع أنها صلاة رباعية مؤداة، وكذا جمعها مع منذورة مثلها أو فرض أصلي .. ولو قال قائل: إنهما جائزان بناء على أن المنذور يسلك به مسلك الواجب .. لكان محتملاً. نعم؛ يرد على حصره ما ذكره بعد هذا من جواز قصر فائتة السفر في السفر. قال: (لا فائتة الحضر)؛ لأنها ترتبت في ذمته أربعًا. وجوز المزني قصرها فيه اعتبارًا بوقت الفعل، كما لو فاتته وهو صحيح فقضاها وهو مريض قاعدًا. ولو شك: هل فاتت في السفر أو الحضر؟ .. لم يقصر؛ لأن الأصل الإتمام. ولو سافر وقد بقي من الوقت ما لا يسع الصلاة، فإن قلنا: إنها أو بعضها قضاء .. لم يقصر، وإلا .. قصر. قال: (ولو قضى فائتة السفر .. فالأظهر: قصره في السفر دون الحضر)؛ نظرًا إلى قيام العذر المرخص. والثاني: يقصر فيهما؛ لأنه إنما يلزمه في القضاء ما كان يلزمه في الأداء. والثالث: يتم فيهما؛ لأنها صلاة ردت إلى ركعتين فإذا فاتت .. أتى بأربع كالجمعة.

وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ .. فَأَوَّلُ سَفَرِهِ: مُجَاوَزَةُ سُورِهَا، فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ .. اشَترِطَ مُجَاوَزَتُهَا فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ: لاَ يُشْتَرَطُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورٌ .. فَأَوَّلُهُ: مُجَاوَزَةُ اَلْعُمْرَانِ، لاَ اَلْخَرَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: إن قضى في ذلك السفر .. قصر، وإن قضى في سفره أخرى .. أتم. قال: (ومن سافر من بلدة) هو منون لا مضاف، والبلدة والبلد واحد البلاد والبلدان. قال: (.. فأول سفره: مجاوزة سورها)؛ لأن جميع ما أحاط به السور معدود منها. والمراد: السور العامر المخصوص بها، فالمستهدم كالعدم. ولوكان لها سور من بعض الجهات، فإن كان في جهة مقصده .. أعتبر مجاوزته، وإلا .. فما اتصل بالعمران. قال: (فإن كان وراءه عمارة .. اشترط مجاوزتها في الأصح)؛ لأنها من مواضع الإقامة المعدودة من توابع البلد ومضافاتها حكمًا. قال: (قلت: الأصح: لا يشترط والله أعلم) لأن تلك الأبنية لا تعد من البلد، ألا تراهم يقولون: موضع كذا خارج البلد. لكن المصنف وافق الرافعي في الصوم على اعتبار العمران فيما إذا نوى المقيم ليلاً، ثم سافر وفارق العمران ... قبل الفجر .. فإنه يفطر، وإلا .. فلا. ولو كان خارج السور نهر أو رباط أو منازل متفرقة أو قنطرة .. اشترط مفارقتها. ولا يشترط مجاوزة المقابر المتصلة بالبلد عند الجمهور، ولا مفارقة الخندق المحيط بالبلد. قال: (فإن لم يكن سور .. فأوله: مجاوزة العمران)؛ ليفارق مواضع الإقامة. قال: (لا الخراب)؛ لأنه لا يفصد للسكنى، كذا أطلقه هنا، وهو المنقول عن البغوي والغزالي، والموافق للنص. وصحح في (شرح المهذب) - تبعًا العراقيين والجويني -: أن حيطان الخراب إن

وَاَلْبَسَاتِينِ، وَاَلْقَرْيَةُ كَبَلْدَةٍ. وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ اَلْخِيَامِ: مُجَاوَزَةُ اَلْحِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت قائمة .. فلابد من مجاوزتها؛ لأنه يعد من البلد، أما إذا اندرس الخراب ولم يبق له أثر .. فلا يشترط مجاوزته قطعًا. ومحل الخلاف: إذا لم يكن وراء الخراب عمارة معدودة من البلد، فإن كانت .. فهو من البلد، كالنهر المتخلل بين جانبيها، فيجب مجاوزة منتهى العمارة اتفاقًا. قال: (والبساتين)؛ لأنها ليست للإقامة والسكنى. وزاد في (المحرر) المزارع، وحذفه المصنف؛ لأنه يؤخذ من البساتين من باب أولى. وقيل: لابد من مجاوزتها. وسواء في البساتين المحوط وغيره خلافًا للغزالي. قال الرافعي: إلا إذا كان فيها قصورًا أو دور يسكنها ملاكها، في بعض الفصول أو دائمًا .. فلابد من مجاوزتها، وتبعه في (الروضة). وقال في (شرح المهذب): الظاهر أنه لا يشترط. قال: (والقرية كبلدة) في جميع ما ذكر، فلا يشترط مجاوزة خرابها ومزارعها والبساتين والقرى المتصلة .. كالقرية خلافًا لابن سريج. و (القرية): المصر، والجمع: قرى على غير قياس. قال: (وأول سفر ساكن الخيام: مجاوزة الحلة) وهي بكسر الحاء: بيوت مجتمعة؛ لأنها كدور البلد. وإن كانت تعد حلتين .. كفت مفارقة حلته كالقريتين. وضابط الحلة الواحدة: أن يجمعهم ناد واحد، ويستعير بعضهم من بعض. وفي وجه: لا تشترط مفارقة الخيام، وتكفي مفارقة خيمته والموضع المختص به. وإنما قال: (الحلة) ولم يقل الخيام؛ ليشمل المرافق كمطرح الرماد وملعب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبيان والنادي ومعاطن الإبل ومرتكض الخيل، فكل هذه تشترط مجاوزتها؛ فلا معدودة من الحلة. وإن كان في ربوة .. لابد أن ينزل، أو وهدة .. فلابد أن يصعد. فلو كان لا خيمة له بل يأوي إلى بقعة من البئر .. اشترطت مجاوزة ذلك الموضع نص عليه. ولو سافر في البحر والساحل متصل بالبلد .. قال البغوي: لم يقصر حتى تجري به السفينة. ولو كانت السفينة كبيرة لا تتصل بالساحل وينقل المتاع إليها بالزوارق .. قصر في الزورق. فائدة: الخيمة عند العرب بيت تبنيه من أربعة أعواد من الشجر وتسقفه بالثمام ونحوه، واشتقاقها: من الخيم بكسر الخاء وهو: الأصل؛ لأنها صارت كالمنزل الأصلي، وجمعها: خيم كتمرة وتمر، ثم جمعوا الخيم على خيام ككلب وكلاب، فالخيام جمع الجمع، كذا قاله المصنف والواحدي والأزهري وابن الأعرابي. قالوا: والمتخذ من ثياب أو شعر أو صوف لا يقال له: خيمة إلا على جهة التجوز. وقال سيبويه: الخيام جمع كثرة، وخيمات جمع قلة. وقال ابن سيده: الخيمات والخيام جمع خيمة.

وَإِذَا رَجَعَ .. اَنْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ اَبْتِدَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عطية وأبو حيان: الخيام جمع خيمة، وتكون من الخشب والثياب، وخيام الجنة اللؤلؤ. وفي (البخاري) [4880]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون مثلاً، في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون". وفي الحديث: (الشهيد في خيمة الله تحت العرش) أستعارها لظل رحمة الله وروضوانه وأمنه. قال: (وإذا رجع .. انتهى سفره ببلوغه ما شرط مجاوزته ابتداء) من سورة أو بنيان أو حلة، فينقطع الترخيص بمجرد ذلك. هذا إذا رجع من مسافة القصر إلى وطنه، أو إلى غير وطنه بنية الإقامة، فإن رجع مما دونها: فإن كان بنية الإقامة .. انقطع سفره بمجرد رجوعه، وإن كان لحاجة كأخذ شيء نسيه وتجديد طهارة ونحوها: فإن كان البلد الذي رجع إليه وطنه .. فليس لهالترخيص في رجوعه إلا على وجه شاذ، وإن لم يكن .. فله الترخيص في الأصح. وشملت عبارة المصنف إذا مر المسافر بوطنه قاصدًا الخروج منه إلى غيره .. فإنه ينقطع سفره على الصحيح لحصوله فيه. وعلى هذا: إذا أنشأ سفرًا من مكان إلى مسافة يومين ووطنه فيما بينهما قاصدًا المرور .. لم يترخص، ولا يلحق بالوطن البدل الذي له بها أهل وعشيرة على الأصح. وحيث حكمنا بأنه إذا عاد لا يترخص، فنوى العود ولم يعد .. لم يترخص وصار بالنية مقيمًا.

وَلَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِمّوْضِعِ .. اَنْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ، وَلاَ يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمًا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى اَلْصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو نوى إقامة أربعة أيام بموضع .. انقطع سفره بوصوله)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (يمكث) المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا)، رواه مسلم [1352]. وكانت الإقامة قبل فتحها حرامًا على المهاجرين، فدل على أن نية الثلاثة لا تصيره مقيمًا. و (قد أقام النبي صلي الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج). ومنع عمر أهل الذمة من الإقامة بالحجاز، وجوز للمجتازين ثلاثة أيام. ثم لا فرق على الأصح - في الموضع الذي نوى الإقامة فيه - بين أن يصلح للإقامة أم لا كالمفازة. والذي أطلقه المصنف له شرطان: أحدهما: أن يكون ماكثًا، فإن نوى إلغاء المسافة وهو سائر .. لم يؤثر على المشهور. الثاني: أن يكون الناوي مستقلاً بنفسه، فلو نوى العبد أو الزوجة أو الجيش ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير .. ففي لزوم الاتمام وجهان أقواهما: أن لهم القصر؛ لأنهم غير مستقلين فنيتهم كالعدم. قال: (ولا يحسب منها يومًا دخوله وخروجه على الصحيح)؛ لأنه فيهما مشغول بأسباب الحط والترحال، وهما من أشغال السفر. والثاني: يقصر المقاتل وإن نوى إقامة الأربعة؛ لأنه يضطر إلى الارتحال، فلا يكون له قصد جازم.

وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إِذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ .. قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المزني: لا يصير المسافر مقيمًا إلا إذا نوى خمسة عشر يومًا. واختار الشيخ مذهب أحمد وابن المنذر: أن الرخصة لا تتعلق بعدد الأيام، بل بعدد الصلوات، فتتعلق بإحدى وعشرين صلاة مكتوبة؛ لأنه المحقق من فعل النبي صلي الله عليه وسلم؛ فإنه قدم مكة يوم الأحد لصبح رابعة من ذوي الحجة، وأقام بها إلى أن صلى الصبح يوم الخميس بالأبطح, والأيام المغتفرة يغتفر معها لياليها، ولو دخل ليلاً .. لم تحسب بقية الليلة. قال: (ولو أقام ببلد بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت .. قصر ثمانية عشر يومًا)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أقام في حرب هوازن ثمانية عشر يومًا يقصر الصلاة ينتظر انجلاء الحرب، رواه أبو داوود [1222] والبيهقي [3/ 157] عن عمران بن حصين. قال ابن عباس: فمن أقام ذلك .. قصر، ومن زاد عليه .. أتم. وفي (البخاري) [1080] (أنه أقام يقصر تسعة عشر يومًا). وفي (أبي داوود) [1228] عن جابر: (أنه عليه الصلاة السلام أقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة)، وصححه ابن حبان [2749] في رواية لهما [د 1225 - حب 2750]: (سبع عشرة)، وفي رواية لأبي داوود [1224] وابن ماجه [1076]: (خمسة عشر ليلة). وما رجحوه من القصر إلى ثمانية عشر يومًا يحتمل اطراده في باقي الرخص كالفطر وغيره، ويدل له تعبير (الوجيز) بالترخص، ويحتمل اختصاصه بالقصر؛ لأنهم إذا منعوه فيما زاد على الثمانية عشر لعدم وروده مع أن أصله قد ورد .. فالمنع فيما لم يرد بالكلية بطريق أولى، وهذا أقوى.

وَقِيلَ: أَرْبَعَةً، وَفِي قَوْلٍ: أَبَدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: أربعة)، وهو قول أبي إسحاق؛ لأن الترخيص إذا امتنع بنية إقامتها فإقامتها .. أولى، ثم يعود على هذا الوجه ما تقدم في كيفية احتساب الأربعة، وغليه أشار في (المحرر) بقوله: كما وصفنا، أي: فلا يحسب يومًا الدخول والخروج، كذا شرحه الشيخ. واعترض شيخنا على المصنف في حكاية هذا الوجه بأمرين: أحدهما: تحديده بالأربعة، وكان حقه أن يقول: دون الأربعة. والثاني: جعله إياه وجهًا، وإنما هو قول كما صرح به في (الشرح) و (الروضة) أهـ والذي دل عليه كلام الرافعي .. أن له القصر في الأربعة بلا خلاف، وأن الخلاف فيما فوقها، لكن القطع في الأربعة بالجواز غير صحيح من جهة أن الإمام حكى قولاً: أنه يقصر ثلاثة أيام، فإن أقام بعدها .. أتم، وكذلك حكاه الفوراني. وهذا هو الوجه الذي حمل عليه شيخنا كلام (المنهاج)، لكن لم يحكه الرافعي ولا المصنف. وحكى ابن الرفعة في (الكفاية) القول بالأربعة عن الشيخ أبي إسحاق، وهو منطبق على كلام (المنهاج) وبذلك شرحه الشيخ. قال: (وفي قول: أبدًا) نص عليه في (الإملاء)، وهو من زيادات الكتاب على (المحرر) وعللوه بأن الظاهر: أنه لو زادت الحاجة .. لدام رسول الله صلي الله عليه وسلم على القصر. قال الإمام: وهذا يقرب من القطعيات. وروى البيهقي [3/ 152] بإسناد صحيح - أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ويقول: (اليوم أخرج غدًا أخرج). وأقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين يقصر.

وَقِيلَ: اَلْخِلاَفُ فِي خَائِفِ اَلْقِتَالَ، لاَ اَلْتَّاجِرِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا مُدَّةً طَوِيلَةَ .. فَلاَ قَصْرَ عَلَى اَلْمَذْهَبِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقام علقمة بخوارزم ستين يقصر. وفي حديث صحيح: (أن الصحابة أقاموا برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة)، فدل فعلهم مع النكير على أنه جماع. وأجاب الجمهور بأن الصحابة كانوا ينتقلون من بلد إلى بلد، وبأنه معارض بقول ابن عباس. وقيل: يجوز سبعة عشر، وقيل: تسعة عشر، وقيل: عشرين؛ للروايات السابقة. قال: (وقيل: الخلاف في خائف القتال، ولا التاجر ونحوه)، فلا يقصر التاجر ونحوه، ويقصر خائف القتال؛ لأنه أحوج إلى الترخيص من غيره. وأجاب الأول بأن القتال ليس هو المرخص، وإنما المرخص وصف السفر، وهو وغيره فيه سواء. قال: (ولو علم) أي: المحارب وغيره (بقاءها مدة طويلة .. فلا قصر على المذهب)؛ لأنه مطمئن ساكن بعيد عن هيئة المسافرين. وقيل: يجري فيه الخلاف كغيره، للأحاديث المتقدمة. تتمة: إذا خرجوا من البلد وأقاموا في موضع ينتظرون الرفقة: فإن قصدوا أنهم إن خرجوا سافروا كلهم وإلا رجعوا .. لم يقصروا، إن قصدوا أن ينتظروهم يومين أو ثلاثة فإن لم يخرجوا سافروا وتركوهم .. فلهم القصر. وقال في (البحر): لو أقام في المراسي في المواضع التي تحبس فيها السفن .. فهو كالمقام في البر ولا يختلف، فإن أزمع أربعة أيام .. أتم، وإن لم يزمع، قصر، فإن حبسه الريح وأقام ينتظره .. قصر أربعة أيام، فإذا مضت الأربع .. أتم.

فصل

فَصْلٌ: طَوِيلُ اَلْسَّفَرِ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً هَاشِمِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: طويل السفر: ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية)؛ لما روي البيهقي [3/ 173]- بسند صحيح - عن ابن عباس أنه سئل: أقصر إلى عرفة؟ قال: (لا، ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف)، وهذه الأمكنة كل واحد منها بينه وبين مكة أربعة برد، وروى [3/ 137] بإسناده عن عطاء بن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوقها. وذكر هذا البخاري في (صحيحه) تعليقًا بصيغة جزم، ومثل ذلك لا يقال إلا بتوقيف. وقيل: إنه رفعه إلى النبي صلي الله عليه وسلم، فيكون ذلك مخصصًا لعموم الآية. وقال الليث بعد سعد: هذا الذي عليه الناس. واستحب الشافعي أن لا يقتصر في أقل من ثلاثة أيام للخروج من خلاف أبي حنيفة. ونقل في (الحاوي) عنه في (كتاب النكاح): أنه كره في أقل من الثلاث، وجزم به أيضًا في (كتاب الرضاع). و (الميل): اسم لمسافة معلومة متسعة، لا يكاد بصر الرجل يلحق آخره،

قُلْتُ: وَهِيَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ اَلأَثْقَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو: أربعة آلاف خطوة، كل خطوة ثلاثة أقدام. وهو: ستة آلاف ذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضات، كل إصبع ست شعيرات معترضات. وهذهالمدة معتبرة ذهابًا، وفي وجه ضعيف: ذهابًا وإيابًا. والأصح: أن ذلك تحديد. ووقع في (رؤوس المسائل): أنه تقريب. والفرق على لا أصح بينه وبين القلتين: أن تقدير الأميال ثابت عن الصحابة بخلاف تقدير القلتين؛ فإنه لا توقيف في تقديرهما بالأرطال، فلذلك كان الأصح فيهما التقريب. ونسب الرافعي وابن الرفع الأميال الهاشمية إلى هاشم جد النبي صلي الله عليه وسلم؛ لأنه قدرًا أميال البادية. والصواب: أنها منسوبة إلى بني هاشم؛ فإنهم فعلوا ذلك حين أفضت الخلافة إليهم، فإن بني سبقوهم إلى تقديرها بأميال هي أكثر من هذه فغيروا ذلك التقدير، نبه عليه ابن الصلاح وغيره. و (البريد) على المشهور: أربعة فراسخ، و (الفرسخ): ثلاثة أميال هاشمية. وحد الشافعي في (البويطي) المسافة بما ذكره المصنف، وفي (المختصر) بستة وأربعين، وفي القديم بأربعين، وقال في موضع: مسيرة يوم، وفي موضع: مسيرة يومين، وفي موضع: مسيرة ليلتين، وفي موضع: مسيرة يوم وليلة، وفي موضع: بأربعة برد، وكل هذا واحد: فالستة والأربعون لم يعتبر فيها الميل الذي يبدأ به ولا الذي ينتهي إليه. والأربعون أموية ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية؛ لأن كل خمسة منها ستة. وحيث قال: يومًا أراد بليلته، وحيث قال: يومين أراد بلا ليلة، وحيث قال: ليلتين أي: بلا يوم، وحيث قال: يومًا وليلة أرادهما. قال: (قلت: وهي مرحلتان بسير الأثقال)، وكلك دبيب الأقدام؛ لأن بذلك ضبطه الأولون، كذا نص عليه واتفقوا عليه.

واَلَبْحْرُ كَاَلْبَرِّ، فَلَوْ قَطَعَ اَلأَمْيَالَ فِيهِ فَي سَاعَةٍ. قَصَرَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعِ مُعَيَّنِ أَوَّلاً، فَلا قَصْر لِلْهَائِمِ وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والبحر كالبر، فلو قطع الأميال فيه في ساعة .. قصر والله أعلم)؛ لأنها مسافة صالحة للقصر، فلا يؤثر قطعها في زمن يسير كما لو قطعها في البر على فرس جواد في بعض يوم. وفي وجه: أنه لا يجوز القصر للملاح إذا كان أهله وماله معه، والأصح: أنه يقصر. فلو شك في المسافة .. فالنص: لا قصر، وقال الأصحاب: يجتهد فإن لم يظهر له أنها القدر المعتبر .. لم يقصر، وحملوا النص على ذلك. وسمى البحر بحرًا؛ لعمقه واتساعه، والجميع: أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر. قال: (ويشترط قصد موضع معين أولاً) وينبغي أن يزاد: لغرض مباح مقصود؛ فإنهم قالوا: لو سافر لا لغرض لم يقصر. ويشترط: أن لا ينوي الإقامة - في كل مرحلة - مدة تقطع الترخيص. قال: (فلا قصر للهائم) وهو: المتحير الذي ركب البر بلا قصد معلوم، مع أنه لا يرجع بل يمضي على وجهه. وقد جمع الغزالي بين الهائم وراكب التعاسيف. قال أبو الفتوح العجلي: هما عبارة عن شيء واحد وليس كما قال، بل الهائم: الخارج على وجه لا يدري أين يتوجه وأنسلك طريقًا مسلوكًا، وراكب التعاسيف لا يسلك طريقًا، فهما مشتركان في أنهما لا يقصدان موضعًا معلومًا وإن اختلفا فيما ذكرناه. قال: (وإن طال تردده) كألف فرسخ؛ لأنه لا يدري: أسفره طويل أم لا؟ وفي وجه: أنه إذا بلغ مسافة القصر .. يقصر، وهو شاذ منكر.

وَلاَ طَالِبِ غَرِيمٍ وَابِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ وَلاَ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ. وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ، فَسَلَكَ اَلْطَّوِيلَ لِغَرَضٍ كَسُهُولَةٍ أَوْ أَمْنٍ .. قَصَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (أولاً) أي: في ابتداء سفره. وقيل: ذلك لا يضر. ولو قصد أولاً مقصدًا معينًا، ثم نوى أنه إن وجد غريمه رجع، فإن حدث له هذا القصد قبل مفارقة العمران .. لم يقصر. أما المنتج وهو: من يطلب الكلأ وقصده الإقامة إذا وجده .. فإنه لا يقصر وإن طال سفره. فرع: لو نوى الكافر أو الصبي السفر إلى مسافة القصر، ثم أسلم وبلغ في أثناء الطريق .. فلهما القصر في بقيته، هكذا في زيادات (الروضة). وفي (فتناوي البغوي): أن الصبي يقصر دون من أسلم. قال: (ولا طالب غريم وآبق يرجع متى وجده ولا يعلم موضعه)؛ لأنه في معنى الهائم إذ لا يتحقق طول السفر وهو شرط. قال: (ولو كان لمقصده طريقان: طويل وقصير، فسلك الطويل لغرض كسهولة أو أمن .. قصر)؛ لأنه غرض معتبر شرعًا، وكذا إذا قصد زيارة صديق في مروره ونحو ذلك ... وهل التنزه من الأغراض حتى يقصر أولاً؟ فيه وجهان، أصحهما: نعم. و (المقصد) بكسر الصاد كما ضبطه المصنف بخطه. والمراد بـ (الطويل): مسافة القصر فأكثر، وبـ (القصير): دون ذلك. أما إذا كان كل منهما مسافة القصر، وأحدهما أطول .. فإنه يقصر جزمًا، وفيه نظر؛ لأن إتعاب النفس بلا غرض حرام.

وَإِلاَّ .. فَلاَ فِي اَلأَظْهَرِ .. وَلَوْ تَبعَ اَلْعَبْدُ أَوِ اَلْزَّوْجَةُ أَوِ اَلْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ فِي اَلْسَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُ مَقْصَدَهُ .. فَلاَ قَصْرَ، فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ اَلْقَصْرِ .. قَصَرَ اَلْجُنْدِيُ دُونَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فلا في الأظهر) يعني: إذا لمي كن له غرض في سلوك الطويل .. لا يقصر؛ لأنه طول الطريق على نفسه من غير غرض فصار كما لو سلك القصير وجعل يذهب يمينًا وشمالاً مطولاً على نفسه حتى بلغت المسافة مرحلتين، فإنه لا يقصر بالاتفاق. والثاني: يقصر؛ لأنه سفر مباح تقصر الصلاة في مثله، فأشبه ما إذا لم يكن له سواه، وقصد الترخيص غرض صحيح؛ فإن اله يحب أن تؤتي رخصة كما يحب أن تؤتي عزائمه. والأول أصح، وقول الثاني: إنه سفر مباح ممنوع بل هو محرم؛ لأن الله تعالى يبغض المشائين في الأرض من غير إرب، ولأن تعذيب الدابة يركضها لغير غرض حرام، فتعذيب نفسه أولى بالتحريم. ولا خلاف أنه إذا سلك الأقرب .. لا يقتصر. ونظير الخلاف في المسألة: ما إذا سلك الجنب في خروجه من المسجد الطريق الأبعد من غير غرض، والأصح من زوائد (الروضة): لا يكره. قال: (ولو تبع العبد أو الزوجة أو الجندي مالك أمره في السفر ولا يعرف مقصده .. فلا قصر)؛ لفقد الشرط وهو تحقيق السفر الطويل. هذا قبل مرحلتين، فإذا ساروا مرحلتين .. قصروا وإن لم يعرفوا القصد، نبه عليه في (شرح المهذب)، كما لو أسر الكفار رجلاً فساروا به ولم يعلم أين يذهبون به .. فإنه لا يقتصر إلا إذا سار معهم يومين، نص عليه. وأفهمت العبارة .. أنهم إذا عرفوا المقصد، وكان مسافة القصر، ونووا .. فلهم القصر وهو كذلك. قال: (فلو نووا مسافة القصر .. قصر الجندي دونهما)؛ لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره، كذا قاله البغوي والرافعي والمصنف في (الروضة) هنا.

وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلاً فَسَارَ ثُمَّ نَوَى رُجُوعًا .. اَنْقَطَعَ، فَإنْ سَارَ .. فَسَفَرٌ جَدِيدٌ. وَلاَ يَتَرَخَّصُ اَلْعَاصِيِ بِسَفَرِهِ كَابِقِ وَنَاشِزَهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال فيها قبل ذلك في (زياداته): لو نوى العبد إقامة أربعة أيام أو الزوجة أو الجيش، ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير .. ففي لزوم الإتمام في حقهم وجهان، الأقوى: أن لهم القصر؛ لأنهم لا يستقلون فنيتهم كالعدم. وظاهره في الجيش مخالف لما ذكره هنا في الجندي. قال الشيخ: والذي يقتضيه الفقه: أن الجندي إن تبع في سفر تجب طاعته فيه كالقتال .. فكالعبد، وإلا .. فهو مستقل ورفيق طريق .. فيحمل كلام المصنف هنا على القسم الثاني ورفيق طريق. فيحمل كلام المصنف هنا على القسم الأول. قال: (ومن قصد سفرًا طويلاً فسار ثم نوى رجوعًا. .. انقطع) سفره، فلا يترخص ما دام في ذلك الموضع. قال: (فإن سار .. فسفر جديد) فيعتبر في جواز القصر أن يقصد مرحلتين سواء رجع، أو يطل عزمه وسار إلى مقصده الأول، أو توجه إلى غيرهما. قال: (ولا يترخص العاصي بسفره كآبق وناشزة)، والمسافر لقطع الطريق، والغريم يهرب وهو قادر على الوفاء؛ لأن القصر رخصة شرعت إعانة للمسافر على مقاصده والعاصي لا يعان، و (لا تناط رخصة بمعصية)، ففي الحديث: (لا ينال ما عند الله بالمعاصي). وخالف المزني فقال: يقصر؛ لعموم الآية. وألحق به الصيدلاني السفر لا لغرض؛ لقوله تعالى: {ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا}. قال الجويني: من الأغراض الفاسدة سفر الصوفية لنظر البلاد؛ فإنهم هائمون على وجوههم ليس لهم غرض في مقصد معين، بل يسافرون طعمة طيبة فإن وجدوها بموضع. أقاموا به. واختار الإمام: أنهم لا يترخصون بذلك.

فَلَوْ أَنْشَأَ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةَ .. فَلاَ تَرْخُّصَ فِي اَلأَصَحِّ، وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ .. فَمَنْشَأُ اَلْسَّفَرِ مِنْ حِينِ اَلْتَّوْبَةِ. وَلَوِ اَقْتَدَى بِمًتِمَّ لَحْظَةَ .. لَزِمَهُ اَلإِتْمَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو ارتكب في السفر المباح المعاصي .. فله القصر؛ لأن مصيعته ليست هي المرخصة. قال: (فلو أنشأ مباحًا) أي: كسفر التجارة (ثم جعله معصية .. فلا ترخص في الأصح)، كمال وأنشأه بنية المعصية. والثاني: يترخص؛ مراعاة لأول الأمرين. قال: (ولو أنشأه عاصيًا ثم تاب .. فمنشأ السفر من حين التوبة)، فإن كان منه إلى مقصده مسافة القصر .. قصر، وإلا .. فلا. وقيل: بطرد القولين. لكن يستثنى من إطلاق المصنف إذا عصى بسفره يوم الجمعة .. فإنه لا يجوز له الترخيص ما لم تفت الجمعة، ومن قوت فواتها يكون ابتداء سفره، كذا في (شرح المهذب) عن القاضي حسين التوبة، بل من حين فوات الجمعة. قال: (ولو اقتدى بمتم لحظة .. لزمه الإتمام)؛ لما روى أحمد [1/ 216]- بسند صحيح - عن ابن عباس أنه سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد، وأربعًا إذا أئتم بمقيم؟ فقال: (تلك السنة). وسواء أدرك معه ركعة أم لا. وقال مالك: إن أدرك معه ركعة فاكثر .. لزمه الاهتمام، وإلا .. فله القصر. والتعبير بـ (المتم) يدخل فيه المسافر المقيم، وهو أحسن من تعبير (التنبيه) وغيره بالمقيم، لكن يرد عليه ما إذا اقتدى بالمقيم في نافلة .. فإنه يتم. قال ابن الرفعة: لكنه يخرج مصلى الظهر خلف مقيم يصلي الجمعة، فإنه يتم المنصوص، ولا يقال له: متم. ولو اقتدى بمن يصلي مسافرًا كان أو

وَلَوْ رَعَفَ اَلإِمَامُ اَلْمُسَافِرُ وَاَسْتَخْلَفَ مُتِمًا .. أَتَمَّ اَلْمُقْتَدُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مقيمًا .. فإنه يتم في الأصح؛ لأنها تامة في نفسها. والثاني: يقصر؛ لتوافق الصلاتين في العدد. وقوله: (لحظة) أي: في جزء من صلاته؛ إما آخرها بأن كان مسبوقًا، أو أولها بأن أحدث الإمام بعد اقتدائه. قال: (ولو رعف الإمام المسافر واستخلف متمًا .. أتم المقتدون)؛ لأنهم مقتدون بمتم، سواء نووا الاقتداء به، أم لم ينووا وقلنا بالمذهب: إن نية الاقتداء بالخليفة لا تجب؛ لأنهم بمجرد الاستخلاف صاروا مقتدين به، حتى لو نووا مفارقته عقب الاستخلاف .. لم يجز القصر. فائدة: (الرعاف): الدم الذي يسبق من الأنف. و (رعف) مثلث العين، والأفصح: فتح عينه، والضم ضعيف، والكسر أضعفها. وفي (مشكل الوسيبط): أن هذه الكلمة كانت سبب لزوم سيبويه الخليل بن أحمد في طلب علم العربية، بعد أنكان يطلب علم الحديث والتفسير، وذلك أنه سأل يومًا حماد بن سلمة فقال له: أحدثك هشام بن عروة عن أبيه عن رجل رعف في الصلاة؟ وضم العين - فقال له: أخطأت، إنما هو رعف بفتحها، فانصرف إلى الخليل ولزمه. وقيل: كان سببه أنه أتى إلى حماد لكتابة الحديث فاستملى منه قوله صلي الله عليه وسلم: (ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت عليه أبا الدرداء)، فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، فصاح به حماد: لحنت يا سيبويه! إنما هو استثناء، فقال: والله لأطلبن علمًا لا يلحنني معه أحد، ثم مضى ولزم الأخفش الأكبر وغيره. وكان الخليل إذا رآه قال: مرحبًا بزائر لا يمل.

وَكَذَا لَوْ عَادَ الإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ. وَلَوْ لَزِمَ الإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلاَتُهُ أَوْ صَلاَةُ إِمَامِهِ، أَوْ بَانَ إِمَامُهُ مُحْدِثًا .. أَتَمَّ. وَلَوِ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا، أَوْ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ .. أَتَمَّ، وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ .. قَصَرَ، وَلَوْ شَكَّ فِيهَا فَقَالَ: إِنْ قَصَرَ قَصَرْتُ وَإِلاَّ أَتْمَمْتُ .. قَصَرَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيبويه: لقب فارسي معناه بالعربي: رائحة التفاح، قيل له ذلك؛ لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان، وكان في غاية الجمال رحمه الله. قال: (وكذا لو عادة الإمام واقتدى به) .. فيلزمه الإتمام، لأنه اقتديا بمتم في جزء من صلاته. وقيل: يجب عليه الإتمام سواء اقتدى به أم لا؛ لأن الخليفة فرع له ولا يجوز أن تكون صلاة الأصل أنقص من صلاة الفرع. قال: (ولو لزم الإتمام مقتديًا ففسدت صلاته أو صلاة إمامه، أو بأن إمامه محدثًا .. أتم)؛ لأنها صلاة تعين علهي إتمامها، فلم يجز بعده قصرها كما لو فاتته في الحضر ثم سافر. وأفهم قوله: (ففسدت صلاته) أنه لو بان فسادها بأن تذكر أنه محدث .. أنه يقصر وهو الصحيح. قال: (ولو اقتدى بمن ظنه مسافرًا فبان مقيمًا، أو بمن جهل سفره .. أتم)؛ لأنه الأصل مع ظهور شعار الإقامة والسفر. قال: (ولو علمه مسافرًا) أي: سفرًا تقصر فيه الصلاة (وشك في نيته قصر)؛ لأن الظاهر من حال المسافر القصر، وليس للنية شعار تعرف به. قال: (ولو شك فيها فقال: إن قصر قصرت وإلا أتممت .. قصر في الأصح)؛ لأن الظاهر من حال المسافر القصر، لكن يشترط أن يظهر ما يدل عليه. والثاني: لا يجوز القصر؛ للشك.

وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَتُهُ فِي اَلإِحْرَامِ، وَاَلْتَحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا دَوَامًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَوْ يَتِمُّ، أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى اَلْقَصْرَ، أَوْ قَامَ إِمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ: هَلْ هُوَ مُتِمٌ أَمْ سَاهٍ؟ ... أَتَمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو فسدت صلاة الإمام واستمر التردد في أنه كان نوى القصر أو لا؟ .. لزم الإتمام في الأصح. قال: (ويشترط للقصر نيته)؛ لأن الإحرام المطلق ينصرف إلى الإتمام لكونه الأصل. قال: (في الإحرام) كسائر النيات. وقال المزني: تكفي في جزء من الصلاة، حتى لو نوى الإتمام ثم نوى القصر .. جاز. قال: (والتحرز عن منافيها دوامًا) بأن لا يقطعها ولا يتردد فيه، والذي بعد هذا تفسير له فكان الإتيان فيه بـ (الفاء) أحسن كما في (المحرر)، والذي في نسخة المصنف بـ (الواو). قال: (ولو أحرم قاصرًا ثم في أنه يقصر أو يتم، أو في أنه نوى القصر، أو قام إمامه لثالثة فشك: هل هو متمم أم ساه؟ .. أتم). أما الأول: فلفوات الجزم بالنية.

وَلَوْ قَامَ اَلْقَاصَرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلاَ مُوجِبِ لِلإِتْمَامِ .. بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا .. عَادَ وَسَجَدَ لَهُ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ .. عَادَ ثَّم نَهَضَ مُتِمًّا. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلاَتِهِ، فَلَوْ نَوَى اَلإِقَامَةَ فِيهَا، أَوْ بَلَغَتْ سَفِيَنُتُه دَارَ إِقَامَتِهِ .. أَتَمَّ. وَاَلْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ اَلإِتْمامِ عَلَى اَلْمَشهُورِ إِذَا بَلَغَ ثَلاَثَ مَرَاحِلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الثانية وهي التردد في نية القصر .. فلأن الأصل عدم النية، ولا فرق فيها بين أن يتذكر عن قرب أم لا. وأما الثالثة وهي الشك عند قيام الإمام .. فلأن القيام مشعر بالإتمام. قال: (ولو قام القاصر لثالثة عمدًا بلا موجب للإتمام .. بطلت صلاته)، كما لو قام المتمم إلى ركعة خامسة، أو قام المتنقل إلى ركعة زائدة قبل تغيير النية. فإن حدث ما يوجب الإتمام وقام لذلك .. لم تبطل؛ لأنه فعل واجب عليه. قال: (وإن كان سهوًا .. عاد وسجد له وسلم) كغيره مما يبطل عمده. قال: (فإن أراد أن يتم .. عاد ثم نهض متمًا)؛ لأن القيام الأول غير محسوب. وقوله: (عاد) أي: وجوبًا، وقيل: لا، بل له أن يمضي في قيامه. قال: (ويشترط كونه مسافرًا في جميع صلاته، فلو نوى الإقامة فيها، أو بلغت سفينته دار إقامته .. أتم)؛ لزوال سبب الرخصة، كما لو كان يصلي قائمًا فمرض فزال المرض .. يجب عليه أن يقوم. ويشترط أيضًا: العلم بجواز القصر، فلو جهله .. لم تصح صلابة بلا خاف. فشروط القصر أربعة: نيته، وعدم الاقتداء بمتم، ودوام السفر، والعلم بجوازه. قال: (والقصر أفضل من الإتمام على المشهور إذا بلغ ثلاث مراحل)؛ خروجًا من خلاف من يوجب القصر، ولأنه المأثور من فعله صلي الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. وقال صلي الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتي رخصة كما يحب أن تؤتي عزائمه) رواه ابن حبان وصححه [354].

وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم عن (صحيح مسلم) [686] أنه صلى الله عليه وسلم قال في القصر: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته). وأما جواز الإتمام .. فلما روى أبو داوود وغيره أن عائشة قالت: يا رسول الله؛ قصرت وأتممت، قال عليه الصلاة والسلام: (أحسنت). والثاني: الإتمام أفضل واختاره المزني؛ لأنه أكثر عملاً فأشبه غسل الرجل مع المسح على الخف. وفي وجه: هما سواء لتعارض الأدلة. نعم؛ يستحب الإتمام في مسائل: إحداها: من يدوم سفره بأهله وولده كالملامح ونحوه .. فالإتمام له أفضل قاله الشافعي والأصحاب خروجًا من خلال أحمد؛ فإنه لم يجوز له القصر، وجوزه للجمال وهو حجة لنا عليه. وقال صاحب (الفروع): يستحب الإتمام لمن عادته السفر دائمًا. ولك أن تقول: لم روعي خلاف أحمد في هاتين المسألتين، ولم يراع فيهما خلاف أبي حنيفة؟ الثانية: من لا وطن ل وعادته السير دائمًا. الثالثة: إذا قدم من سفر طويل وبقي بينه وبين مقصده دون ثلاثة أيام .. فإن الإتمام له أفضل قاله المحب الطبري، وفيما قاله نظر؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما رجع من حجة الوداع .. لم يزل يقصر حتى أتى المدينة. أما الذي يجد من نفسه كراهة القصر .. فيستحب له تعاطيه بالاتفاق، وكذلك الحكم في جميع الرخص. قال: (والصوم أفضل من الفطر إن لم يتضرر به)؛ لقوله تعالى {وأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، ولما فيه من براءة الذمة، والمحافظة على فضيلة الوقت،

فصل

فَصْلٌ: يَجُوزُ اَلْجَمْعُ بَيْنَ اَلْظُّهْرِ وَاَلعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَاخِيرًا - وَاَلْمَغْرِبِ وَاَلْعِشَاِء كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الأكثر من فعل النبي صلي الله عليه وسلم. هذا إذا لم يشك في جواز الفطر، أو يكره الأخذ به، أو رغب عن الرخصة، أو كان ممن يقتدي به .. فالفطر له أفضل كما تقدم. وقيل: الفطر أفضل مطلقًا؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر) رواه الشيخان (خ 1946 - م 1115] من حديث جابر، وهو محمول على من أجهده الصوم. وأما أمره صلي الله عليه وسلم بالفطر في غزوة الفتح، وقوله في الصائمين في ذلك اليوم: (أولئك العصاة) .. فذلك لأجل ملاقاة العدو، ولهذا: (كانت الصحابة بعد ذلك يصومون مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في السفر)، كما رواه مسلم في (صحيحه). تتمة: الرخص ثلاثة أقسام: أحدها: ما يجب فعله وهو: إساغة اللقمة بالخمر إذا لم يجد غيرها وأكل الميتة عند خوف الهلاك على الصحيح. والثاني: تركها أفضل وهي: المسح على الخف، والجمع بين الصلاتين، والتيمم لمن لم يجد الماء إلا بأكثر من قيمته وهو قادر عليه، وإتيان الجماعة والجمعة مع العذر، والصوم في السفر لمن لم يتضرر به. الثالث: رخصة فعلها أفضل، كالإبراد بالظهر في الحر، والقصر والإتمام على ما تقرر فيه من الخلاف والتفصيل، وقد تقدم في (باب مسح الخف) عد رخص السفر الطويل والقصير. قال: (فصل: يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديمًا وتأخيرًا، والمغرب والعشاء كذلك)؛ لما روى الشيخان [خ 111 - م 704] عن أنس: (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا

فِي اَلْسَّفَرِ اَلْطَوِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ارتحل قبل أن تزيغ الشمس .. أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما). وعنه عن النبي صلي الله عليه وسلم: (أنه كان إذا عجل عليه السفر .. يؤخر الظهر إلى وقت العصر، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق). وروى أبو داوود [1201] والترمذي [553] عن معاذ: (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يجمع في سفره إلى تبوك تقديمًا وتأخيرًا)، حسنه الترمذي، وصححه البيهقي [3/ 163]. وأشار بقوله: (يجوز) إلى أن الأفضل ترك الجمع، ويصلي كل صلاة في وقتها خروجًا على الخلاف، ولأن من جمع .. أخلى وقت العبادة منها. لكن يستثنى من ذلك: الجمع بجمع؛ فإذنه أفضل خروجًا من خلاف أبي حنيفة والمزني، والمتحيرة؛ فإنه لا يجوز لها تقديمًا كما تقدم، والراغب عن الرخصة، والكاره لها كما تقدم، ومن لو جمع .. لصلى في جماعة ولو ترك .. لانفراد، وكذا دائم الحدث إذا كان بحيث لو جمع تقديمًا أو تأخيرًا .. تخلى عن خروج الحدث، ولو تركه لجرى في وقت إحداهما، وكذا لو خاف فوت الوقوف بعرفة، أو فوت استنفاذ الأسير ونحو ذلك لو ترك الجمع. وعلم بقوله: (الظهر والعصر والمغرب والعشاء) منع الجمع بين الصبح وغيرها، وبين العصر والمغرب، وذلك إجماع. وأشار بقوله: (كذلك) إلى التقديم والتأخير. قال: (في السفر الطويل)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يجمع إلا فيه، وبالقياس على القصر المتفق عليه.

وَكَذَا اَلْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ. فإَنِ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ اَلْأوَلَى. فَتَاخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَإِلاَّ .. فّعَكْسُهُ. وَشُرُوطُ اَلْتَقْدِيِم ثَلاَثَةٌ: اَلْبُدَاءَةُ بِاَلأُولَى، فَلَوْ صَلاَّهُمَا قَبَانَ فسَاَدهُاَ .. فَسَدَتِ اَلْثَّانِيَةُ. وَنِيَّةُ اَلْجَمْعِ، وَمَحَلَّهَا: أَوَّلُ اَلأُوَلَى، وَتُجوٌز فِي أَثْنَائِهَا فِي اَلأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قالب: (وكذا القصير في قول)؛ قياسًا على التنقل على الراحلة، والصحيح عند الجهور: الأول كالقصر. قال: (فإن كان سائرًا وقت الأولى .. فتأخيرها أفضل، وإلا .. فعكسه)؛ اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم، ولأنه أرفق بالمسافر. قال: (وشروط التقديم ثلاثة: البداءة بالأولى)؛ لأن ذلك هو المأثور، ولأن وقت الثانية لم يدخل، وإنما تفعل تبعًا للأول والتابع لا يتقدم على متبوعة. قال: (فلو صلاهما فبان فسادها .. فسدت الثانية)؛ لفوات الشرط. وإطلاق فساد الثانية وقع أيضًا في (الشرحين) و (الروضة). والمراد: بطلان كونها عصرًا أو عشاء لا أصل الصلاة، بل تنعقد نافلة على الصحيح كما إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلاً بالحال. قال: (ونية الجمع)؛ لتتميز عن تقديمها سهوًا. وجوز المزني وبعض الأصحاب أن يأتي بالثانية عقب الأولى من غير نية الجمع؛ لأن الجمع بفعله قد حصل. قال: (ومحلها: أول الأولى) أي: مع التحرم قياسًا على نية القصر بجامع: أنهما رخصتا سفر. قال: (وتجوز في أثنائها في الأظهر)؛ لأن الجمع: ضم الثانية إلى الأولى، فيحصل الغرض بتقديم النية على حالة الضم. والثاني: يشترط عند التحريم كنية القصر. وفي قول مخرج وقيل منصوص: أنه يجوز بعد الفراغ من الأولى وقبل الشروع في الثانية، وقواه في (شرح المهذب).

وَالَمُوَالاَةُ بِأَنْ لاَ يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ .. وَجَبَ تَاخِيرُ اَلْثَّانِيَةِ إِلَى وَقْتِهَا، وَلاَ يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ، وَيُعْرَفُ طوُلُهُ بِاَلْعُرْفِ. وَلِلْمُتَيَمِّمِ اَلْجَمْعُ عَلَى اَلصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو نوى الجمع ثم نوى تركه في أثناء الأولى، ثم نوى لجمع ثانيًا .. ففيه القولان. و (الأثناء) جمع ثني وهو: ما بين الطرفين. قال: (والموالاة بأن لا يطول بينهما فصل)؛ لأنه المأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولهذا: (ترك الرواتب بينهما). وفي وجه: يجوز الجمع وإن طال الفصل ما لم يخرج وقت الأولى. وفي (الكفاية) عن الاصطخري: جواز الفصل بالنافلة، والأحاديث الصحيحة ترد عليه. قال: (فإن طال ولو بعذر) كالسهو والإغماء (.. وجب تأخير الثانية إلى وقتنها)؛ لفوات شرط الجمع. قال: (ولا يضر فصل يسير)؛ ففي (الصحيحين) [خ 139 - م 1280/ 276] عن أسامة: (أن النبي صلي الله عليه وسلم لما جمع بنمرة .. أقام بينهما). قال: (ويعرف طوله بالعرف)؛ لأنه لا ضابط له في الشرع، ولا في اللغة، فما عده العرف تفرقه .. ضر، وإلا .. فلا. وضبطه القاضي حسين بقدر ماي تخلل بين الإيجاب والقبول، وبين الإقامة والصلاة، وبين الخطبتين. وقيل: ما زاد على قدر الإقامة. وقيل: لا تجب الموالاة أصلاً. قال: (وللمجتمع الجمع على الصحيح) كالمتوضئ.

وَلاَ يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ. وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ مِنَ الأُولَى .. بَطَلَتَا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا، أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ .. تَدَارَكَ، وَإِلاَّ .. فَبَاطِلَةٌ وَلاَ جَمْعَ، وَلَوْ جَهِلَ .. أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو إسحاق: لا يجوز؛ لأنه يحتاج إلى اطلب. قال: (ولا يضر تخلل طلب خفيف) أشار به إلى خلاف أبي إسحاق، لأنه من مصلحة الصلاة فأشبه الإقامة، بل أولى؛ لأنه شرط دونها. ولا يضر الفصل بالوضوء قطعًا. قال: (ولو جمع ثم علم ترك ركن من الأولى. وبطلتا) أما الأولى .. فلترك الركن وتعذر التدارك؛ لطول الفصل بالصلاة التي أبطلناها، وأما الثانية .. فلأن شرط صحتها تقدم الأولى والأولى باطلة، وهذه تقدمت في قوله: (فلو صلاهما فبان فسادها .. فسدت الثانية). ويعتذر عنه بأنه ذكرها أولاً، لبيان الترتيب، وثانيًا، لبيان الموالاة، وتوطئة لقوله عقبه: (أو من الثانية). قال: (ويعديهما جامعًا)؛ لأنه لم يصل. هذا إذا كان العلم بعد الفراغ كما أشار إليه بـ (ثم)، فأما إذا كان في أثناء الثانية .. فحكمه كذلك إن طال الفصل، وإن لم يطل .. لم يصح إحرامه بالثانية ويبني على الأولى. قال: (أو من الثانية، فإن لم يطل .. تدارك) وحينئذ تمضي الصلاتان على الصحة. قال: (وإلا .. فباطلة ولا جمع)؛ لحصول الفصل الطويل، فيعيد الصلاة الثانية في وقتها. قال: (ولو جهل .. أعادهما لوقتيهما)؛ لاحتمال أن يكون المتروك من الأولى، ولا يجوز الجمع لاحتمال كونه من الثانية .. فتقضيان في وقتيهما. وقيل: له الجمع كما لو أقيمت الجمعتان في بلد ولم تعرف السابقة منهما .. فإنه تجوز إعادة الجمعة في قول.

وَإِذَا أَخَّرَ اَلأُولَى .. لَمْ يَجِبِ اَلْتَرْتِيبُ وَاَلْمُوَالاَةُ ونِيَةٌ اَلْجَمْعِ عَلَى اَلْصَّحِيحِ، وَيَجِبُ كَوْنَ اَلْتَاخِيرِ بِنِيَّةِ اَلْجَمْعِ، وَإِلاَّ .. فَيَعْصِىِ وَتَكُوُن قَضَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا أخر وجوب الترتيب .. فلأن الوقت للثانية فلا تجعل تابعة. وأما عدم وجوب الموالاة .. فلما روى الشيخان (خ 139 - م 1280/ 276] عن أسامة: (أن النبي صلي الله عليه وسلم لما دفع من عرفة إلى المزدلفة .. نزل فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم صلى العشاء). وأما نية الجمع .. فالخلاف فيها مبني على الخلاف في اشتراط الموالاة. وفي وجه: يجب ذلك في الجمع تأخيرًا كما لو جمع تقديمًا. والمصنف صحح في المسائل الثلاث عدم الاشتراط كما صححه في (الروضة) وهو الصواب. وجزم في (المحرر) باشتراط نية الجمع، وهو سهو تبعه علهي في (الحاوي الصغير). ونبه عليه في (الدقائق) فقال لم يقل بما في (المحرر) أحد، بل في المسألة وجهان: الصحيح: أن الثلاث سنة. والثاني: أن الثلاث كلها واجبة. قال: (ويجب كون التأخير بنية الجمع)، تمييزًا له عن التأخير تعديًا. قال: (وإلا .. فيعصي وتكون قضاء)، لإخراجه الصلاة عن وقتها بغير نية. وتوقف الشيخ في عصيانه؛ لأن الوقتين للجامع كالوقت الواحد، ولم ينقل أن النبي صلي الله عليه وسلم أمرهم ليلة مزدلفة ينووا التأخير للجمع، وقد كان معه من يخفي عليه ذلك بلا شك وهو إشكال قوي. واقتضت عبارة المصنف .. أنه يجوز أن يؤخر هذه النية إلى أن يبقى من الوقت

وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا، فَصَارَ بَيْنَ اَلْصَّلاَتَيْنِ مُقِيمًا .. بَطَلَ اَلْجَمْعُ، وَفِي اَلثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا .. لاَ يَبْطُلُ فِي اَلأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مقدار يسع ركعة فينوي إذ ذاك، وبه صرح في (الروضة) تبعًا لـ (أصلها). وجواز التأخير إلى هذا الحد ممنوع، فإنهما صرحا في (باب المواقيت) بأنه لا يجوز التأخير إلى هذا الوقت. والصواب: أنه لا يجوز تأخيرها عن الوقت الذي يسعها، وبه جزم في شرحي (المهذب) و (مسلم)، والشيخ في (التنبيه) وأقره عليه في (تصحيحه). وفي (الكفاية) وجه: أنه يجوز التأخير إلى مقدار تكبيره. وقال في (الإحياء): لو نسى النية حتى خرج الوقت .. لم يبطل الجمع؛ لأنه معذور. قال: (ولو جمع تقديمًا، فصار بين الصلاتين مقيمًا .. بطل الجمع)؛ لزوال سببه، فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها، وأما الأولى ... فلا تأثير بذلك. وعلم من كلامه أنه إذا صار مقيمًا في أثناء الليلة .. كان ببطلان الجمع أولى. ولا يخفي أن الشك في صيرورته مقيمًا .. حكمه حكم نية الإقامة. قال: (وفي الثانية وبعدها .. لا يبطل في الأصح) أشار إلى مسألتين: الأول: إذا أقام في أثناء الصلاة الثانية .. فإن الجمع لا يبطل في الأصح؛ لأن أولهما قد اقترن بالعذر، فاكتفى بذلك صيانة لفرضه عن البطلان. والثاني: يبطل قياسًا على القصر. وعلى هذا: إن كان عالمًا .. بطلت، وإلا .. انقلبت نقلاً. الثانية: إذا صار مقيمًا بعد الفراغ من الثانية .. فإن الجمع لا يبطل أيضًا على الأصح؛ لأن الرخصة قد تمت، فأشبه ما إذا قصر ثم طرأت الإقامة .. فإنه لا يلزمه الإتمام. والوجه الثاني: يبطل؛ لأنها مقدمة على وقتها، فإذا زال المقتضى وأدرك وقتها .. وجبت الإعادة كما لو عجل الزكاة فخرج الفقير قبل الحول عن الشرط المعتبر.

أَوْ تَاخِيرًا، فَأَقَامَ بعَدْ فَرَاغِهِمَا .. لَمْ يُؤَثِّرْ، وَقَبْلَهُ .. يَجْعَلُ اَلُأولَى قَضَاءً .. وَيَجُوزُ اَلجَمْعُ بِاَلْمَطَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: تقدح الإقامة فليها، ولا تقدح فيما بعدها. قال: (أو تأخيرًا، فأقام بعد فراغهما .. لم يؤثر) بالإجماع. قال: (وقبله) أي: قبل فراغهما، وحينئذ فيدخل فيه أثناء الثانية. قال: (... يجعل الأولى قضاء)؛ لأنها تبع للثانية هنا، فاعتبر وجود السبب في جميعها كذا علله الرافعي. قال الشيخ: (وهذا التعليل منطبق على تقديم الأولى، فلو عكس وأقام في أثناء الظهر .. فقد وجد السبب في جميع المتبوعة وأول التابعة، فقياس ما سبق في جمع التقديم: أنها أداء في الأصح، قال: وحينئذ ترد هذه الصورة على لفظ الكتاب وعلى الرافعي أ. هـ. والذي في (شرح المهذب): إن أقام بعد فراغ الأولى .. صارت قضاء، أو في أثناء الثانية .. فينبغي أن تكون الأولى أداء بلا خلاف .. أهـ. وهذا مخالف لما تقدم من ظاهر كلام (المنهاج) و (الروضة) و (أصليهما). قال: (ويجوز الجمع بالمطر) أي: بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وكذا بين الجمعة والعصر، بالشروط السابقة؛ لما روى أبو داوود [1203] عن ابن عباس أنه قال: (صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، من غير خوف ولا سفر)، قال مالك: أرى ذلك كان في المطر، رواه مسلم [705] بدون كلام مالك. ووقع في (الوسيط): أن الشافعي قال ذلك. والمشهور: أن الشافعي نقله عن مالك واستأنس بقوله كما استأنس بقوله ابن جريج في تحديد القلتين. ومنع أبو حنيفة الجمع بالمطر مطلقًا.

تَقْدِيمًا، وَاَلْجَدِيدُ: مَنْعُهُ تَاخِيرًا. وَشَرْطُ اَلْتَقْدِيمِ: وُجُودُهُ أَوَّلَهُمَا، وَاَلأَصَحٌ: اَشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلاَمِ اَلأَولَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي قول غري ضعيف: اختصاص الجمع بالمغرب مع العشاء؛ لأجل الظلمة وإليه ذهب أحمد. والمذهب: جوزاه في الجمع. والتعليل بـ (الظلمة) يبطل بجوازه في الليلة المقمرة. والمراد بـ (المطر): ما يبل الثوب؛ لأن الشافعي قال: ويجمع من قليل المطر وكثيرة. واشترط القاضي حسين والمتولي: أن يكون المطر وابلاً بحيث يبل الثوب من الأعلى والنعل من الأسفل، ويحصل به الوحل في الطريق. قال: (تقديمًا) أي: مطلقًا؛ إتباعًا لما ورد، وفي (الإبانة) حكاية خلاف فيه، وغلطة الأصحاب. قال: (والجديد: منعه تأخيرًا)؛ لأن المطر قد ينقطع فيؤدي إلى الجمع بغير وجود عذر. والقديم - وهو منصوص في الجديد أيضًا -: الجواز قياسًا على الجمع بعذر السفر. قال: (وشرط التقديم: وجوده أولهما) أي: أولى الصلاتين، ليتحقق الجمع مع العذر، ولا يضر انقطاعه فيما عدا ذلك. قال: (والأصح: اشتراطه عند سلام الأولى)؛ ليتحقق اتصال آخر الأولى بأول الثانية في حال العذر. والثاني: لا يشترط، ونقله في (النهاية) عن معظم الأصحاب، كما في الركوع والسجود. وقيل: إن افتتح الأولى، ولا مطر، فطرَأ في أثنائها .. ففيه القولان في نية الجمع في أثناء الأولى.

وَاَلثَّلْجُ وَاَلْبَرَدُ كَمَطَرِ إِنْ ذَابَا، وَالأَظْهَرُ: تَخْصِيصُ اَلْرُّخْصَةِ بِمُصَلَّ جَمَاعَةّ بِمَسْجِدِ بَعِيِدٍ يَتَأَذَّىَ بِاَلْمَطَرِ فِي طَرِيِقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وهو قوي مع غرابته. ولو قال لشخص بعد سلامة من الأولى: انظر هل انقطع المطر أو لا؟ .. بطل الجمع؛ لشكه في سببه. قال: (والثلج والبرد كمطر إن ذابا)؛ لتضمنهما العذر المبيح وهو: ما يبل الثوب، فإن لم يذوبا .. فالأصح: أنهما لا يبيحان؛ لأن الرخصة متعلقة بالمطر دون الثلج والبرد، اللهم إلا أن يكون البرد قطعًا كبارًا .. فإنه يجوز الجمع بذلك كما قاله في (الشامل)، وانعكس النقل على الرافعي في ذلك. وقيل: إن الثلج والبرد لا يرخصان؛ لأن السنة إنما وردت في المطر، وهو خارج عن القياس فلا يقاس عليه. والشفان - بفتح الشين وتشديد الفاء: ريح باردة فيها نداوة، فإذا بل الثوب .. جاز الجمع به، وكان له حكم المطر؛ لتضمنه القدر المبيح. وقول الرافعي: إن الشفان مطر وزيادة أنكره عليه المصنف وقال: إنه ليس بمطر فضلاً عن كونه وزيادة. قال: (والأظهر: تخصيص الرخصة بمصل جماعة بمسجد بعيد يتأذى بالمطر في طريقه)؛ لأن الجمع إنما جوز للمشقة وهي موجودة، فإن صلى في بيته منفردًا أو في جماعة، أو صلى في مسجد منفردًا، أو كان المسجد على باب داره، أو بعد وكان يمشي في كن .. فلا جمع على الأصح لانتفاء المشقة. والثاني: لا يختص بذلك بل يجمع مطلقًا؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يجمع وبيوت زوجاته في المسجد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجح في (الروضة) كون الخلاف وجهين، وفي (شرح المهذب) كونهما قولين. لكن يستثنى من إطلاقه من خرج إلى المسجد ولا مطر فحصل المطر وهو فيه .. قال الشيخ محب الدين الطبري: الظاهر القطع فيه بجواز الجمع؛ لأنه لم يجمع .. لاحتاج إلى صلاة العصر أيضًا في الجماعة وفيه مشقة؛ إما في رجوعه إلى بيته ثم عوده إلى المسجد، وإما في الإقامة في المسجد. تتمة: المذهب: امتناع الجمع بغير ما ذكر، فلا يجمع بمرض ووحل وخوف لا تقديمًا ولا تأخيرًا. وأدعى الإمام الإجماع على امتناعه بالمرض، واختار القاضي والمتولي جوازه بالخوف والمرض، وجوزه الخطابي بالوحل المرض، واستحسنه الروياني، واختاره المصنف في المرض للحديث الصحيح: (أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر)، وسيأتي في (باب حد الخمر) شيء يتعلق به. وروى أحمد [6/ 381 - 382] والبيهقي في (المعرفة) [2191]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر حمنة بنت جحش، وسهلة بنت سهيل بن عمرو بالجمع بين الصلاتين لأجل الاستحاضة)، وهو نوع مرض واختاره ابن المنذر. وأجاز أحمد بعذر الوحل كما تسقط به الجمعة. والفرق: أن تارك الجمعة يصلي بدلها الظهر، وترك الوقت للجمع لا بدل له. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة إذا جمع الظهر والعصر .. قال الرافعي: صلى سنة الظهر ثم سنة العصر، ثم يأتي بالفريضتين، وفي المغرب والعشاء بالعكس. وضعف المصنف ما قاله في الظهر والعصر وقال: الصواب: أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها، ثم يجمع الفريضتين ثم يصلي سنة الظهر التي بعدها، ثم سنة العصر؛ لأن سنة الظهر المتأخرة لا تصلي قبل فعل الظهر، وكذا سنة العصر لعدم دخول وقتها. * * *

باب صلاة الجمعة

بَابُ صَلاَةِ اَلْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صلاة الجمعة هي بضم الميم وإسكانها وفتحها، وجمعها: جمعات وجمع، سميت بذلك لاجتماع الناس لها، وقيل: لما جمع في يومها من الخير، وقيل: لأنه جمع فيه خلق أدم عليه الصلاة والسلام. وكان يسمى في الجاهلية: يوم العروبة ومعناه: البين المعظم، وقيل: يوم الرحمة، قال الشاعر [من البسيط]: نفس الفداء لأقوام هم خلطوا ... يوم العروبة أورادًا بأوراد وأول من سماها الجمعة كعب بن لؤي، وهو أول من جمع الناس بمكة وخطبهم وبشر بمبعث النبي صلي الله عليه وسلم وحض على إتباعه. والأصل فلي وجوبها قبل الإجماع قوله تعالى: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ} أي: في يوم الجمعة {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي: امضوا وبذلك قرأ عمر، وعمل الإنسان يسمى سعيًا قال تعالى: {وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى}. وفي (صحيح مسلم) [652] من رواية ابن مسعود: (لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أيضًا: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين). وروى أحمد [3/ 424] والأربعة، وابن حبان [2786] والحاكم [3/ 280] عن أبي الجعد الضمري قال البخاري: ولا أعرف له إلا هذا الحديث: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاونًا .. طبع الله على قلبه) أي: ختم عليه وغشاه ومنعه من الألطاف. وروى البيهقي في (الشعب) [3006] عن ابن عباس: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر .. فقد نبذ الإسلام وراء ظهره). وفرضت الجمعة والنبي صلي الله عليه وسلم بمكة ولم يصلها حينئذ بها؛ إما لأنه لم يكمل عددها عنده، أو لأن من شعارها الإظهار وكان النبي صلي الله عليه وسلم مستخفيًا. وأول جمعة صليت بالمدينة في الإسلام جمعة أقامها أسعد بن زرارة في بني بياضة بنقيع الخضمات، و (كان النبي صلي الله عليه وسلم أنفذ مصعب بن عمير أميرًا على المدينة وأمره أن يقيم الجمعة، فنزل على أسعد وكان من النقباء الاثنى عشر، فأخبره بأمر الجمعة وأمره أن يتولى الصلاة بنفسه). وفي (البخاري) [892] عن ابن عباس أن أول جمعة جمعت بعد جمعةٍ في مسجد النبي صلي الله عليه وسلم جمعة جواثني قرية من قرى البحرين. والجديد: أنها صلاة على حيالها. والقديم: أنها ظهر مقصورة بشرائط. وهي أفضل الصلوات، ويومها أفضل أيام الأسبوع، وخير يوم طلعت فيه الشمس

إِنَّمَا تَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلاَ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعتق الله فيه ست مئة ألف عتيق من النار، من مات فيه .. كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة القبر. قال: (إنما تتعين على كل مكلف حر ذكر مقيم بلا مرض ونحوه). أما كونها فرض عين .. فبالإجماع، وشذ بعض الأصحاب فقال: إنها فرض كفاية. غير أنها لا تكون فرض عين إلا بشروط ذكرها المصنف. والأصل في ذلك ما رواه طارق بن شهاب البجلي الكوفي أن النبي صلي الله ليه وسلم قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض) رواه أبو داود [1060] والدارقطني [2/ 3] بإسناد صحيح. وطارق بن شهاب رأى النبي صلي الله عليه وسلم، وقال أبو داوود وغيره: لم يسمع منه، فإن صح ذلك .. فهو مرسل صحابي وهو حجة. وخرج بـ (المكلف) الصبي والمجنون، فلا تجب عليهما كسائر الصلوات، لكن يستحب للصبي أن يحضرها ليتعود إقامتها ويتمرن عليها كما يؤمر بالصلاة، نص عليه في (الأم). والمغمى عليه كالمجنون، بخلاف السكر فإنه يلزمه قضاؤها ظهرًا كغيرها، لأنه مكلف. وخرج بـ (الحر) الرقيق؛ لأنه ممنوع من التصرف لحق السيد، فأشبه المحبوس لحق الغريم، ولا فرق بين القن والمدبر المكاتب، وفي المبغض خلاف ذكره المصنف بعد هذا. والأفضل للعبد إذا أذن له سيده الحضور؛ ليحصل الفضيلة، وفي (الجيلي) وجه: أنها تلزمه حينئذ، وتقدم أنه: لا يجوز للسيد منع العبد من الجماعة إذا لم يكن له شغل. وأما المرأة .. فلأنها مأمورة بالستر والانعزال، وحضور الجمعة ينافي ذلك، ولأنها لما سقطت بالرق وهو نقص يزول .. فأولى أن تسقط بالأنوثة وهو نقص

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يزول، لكن يستحب للعجوز التي لا تشتهي حضورها إذا أذن زوجها. ويكره للمشتهاة حضورها وحضور سائر الصلوات مع الرجال إلا العيدين، ويكره لوليها الإذن فيه. والخنثى كالمرأة، لكن تستحب له، وقيل: تجب عليه احتياطًا؛ لاحتمال الذكورة، وتعبيره في (التصحيح) بالصواب مستدرك. وخرج بقيد (الإقامة) المسافر، سواء كان السفر طويلاً أم قصيرًا إذا كان حلالاً؛ لما روى تميم الداري أنه قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: (الجمعة واجبة إلا على خمسة ...)، وعد منهم المسافر، رواه البيهقي [3/ 183] وغيره، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يكثر الأسفار ولمي نقل عنه أنه صلى الجمعة فيها أبدًا، فلو كانت واجبة .. لفعلها ولو مرة، هذا مذهب أكثر العلماء. وأما المريض .. فلا جمعة عليه، فإن تكلف وحضر .. فهو أفضل. قال الإمام: والمرض المسقط للجمعة أخف من المرض المسقط للقيام في الفريضة، وفي معنى المرض .. الأعذار لمرخصة في ترك الجماعة، وهذا مراد المصنف بقوله: (ونحوه). ومما يلتحق به: من به إسهال لا يقدر معه على ضبط نفسه ويخشى من تلويث المسجد .. فإن دخول المسجد عليه محرم كما صرح به الرافعي في (الشهادات). والاشتغال بتجهيز الميت عذر صرح به ابن عبد السلام، وكان لما ولى خطابه الجامع العتيق بمصر يصلي على الموتى قبل الخطبة ويفتي أهلها حمالها بأن لا جمعة عليهم، وسيأتي في أخر (صلاة الكسوف) أيضًا. ولفظه: (ونحوه) زادها على (المحرر)، وقد بينا مراده بها، وقد يقال: لا يظهر لها فائدة؛ لأنها مفسرة بالمرض والزمانة وغيرهما من الأعذار، وهي داخلة في قوله: (ولا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة). وإنما أهمل المصنف قيد الإسلام؛ لأنه صرح في أول (كتاب الصلاة) بأنها

وَلاَ جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصِ فِي تَرْكِ اَلْجَمَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تجب إلا على مسلم جمعة كانت أو غيرها، فلذلك لم يذكره هنا. قال: (ولا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب .. فلا جمعة له إلا من عذر) حديث صحيح. وقد سبق بيان الأعذار في (صلاة الجماعة) وأن الخطابي قال: أكل الثوم والبصل ليس عذرًا في ترك الجماعة. لكن الربح العاصفة لا تكون عذرًا في ترك الجماعة إلا ليلاً، فلا يمكن أ، تكون عذرًا في الجمعة. وفي الوحل وجه: أنه عذر في الجماعة لتكررها في اليوم والليلة خمسًا دون الجمعة، وبه أفتى أثمة طبر ستان. وقال القاضي حسين: إذا تقاطر الماء من سقف الأسواق .. جاز ترك الجمعة بسببه إذا الغالب نجاسة. فرع: المحبوس إذا قدر على الخلاص .. لزمته، وإلا .. فلا، وصرح البغوي بأنه لا يجب إطلاقه لفعلها، فلو أرسل المحبوس مع كفيل يصلي .. فلا بأس. وفي (فتاوي الغزالي): إن رأي القاضي المصلحة في منعه .. منعه. وحكى الصميري وجهًا: أنه يجب عليه استئذان غريمه فإن منعه .. سقط الوجوب. فإن قيل: إذا اجتمع في الحبس أربعون، فالقياس: أنه لتزمهم الجمعة؛ لأن إقامتها في المسجد ليست بشرط، والتعدد يجوز عند عسر الاجتماع، فعند تعذره بالكلية أولى .. فأجاب الشيخ بأنه لا يجوز لهم ذلك، بل يصلون ظهرًا؛ لأنه لم يبلغنا أن أحدًا من السلف فعل ذلك، مع أنه كان في السجون أقوام من العلماء المتورعين

وَالْمُكَاتَبِ، وَكَذَاَ مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ .. صَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنَ الْجَامِعِ، إِلاَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ إِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ إِلاَّ أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مع كثرة العدد. ولأن المقصود من الجمعة إقامة الشعار، والسجن ليس محلاً لذلك، فهي غير جائزة سواء ضاق البلد الذي فيه السجن أو اتسع، لكنهم يصلون ظهرًا جماعة على الأصح. وإنما يصلون ظهرهم بعد فراغ جمعة البلد، وستأتي المسألة في (باب القضاء). قال: (والمكاتب)؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم. قال: (وكذا من بعضه رقيق على الصحيح)؛ لأن رق البعض مانع من الاستقلال. والثاني: إن كان بنيه وبين سيده مهايأة، وصادف يوم نوبته يوم الجمعة .. لزمته، هذا هو المقابل لقول المصنف، وليس لنا قول باللزوم مطلقًا. قال: (ومن صحت ظهره .. صحت جمعته) بالإجماع. قال: (وله أن ينصرف من الجامع) أي: قبل أن تقام الصلاة، فإذا أقيمت .. لا يجوز له الانصراف مطلقًا. قال: (إلا المريض ونحوه)، وكذا الأعمى الذي لا يجد قائدًا. قال: (فيحرم انصرافه إن دخل الوقت) بلا خلاف؛ لزوال المشقة بالحضور. قال: (إلا أن يزيد ضرره بانتظاره) هناك الاستثناء نقله الرافعي عن الإمام واستحسنه وقال: لا يبعد أن ينزل إطلاق المطلقين عليه، وجزم به في (المحرر).

وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إِنْ وَجَدَا مَرْكَبًا وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ، وَالأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا. وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إِنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ، أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ فِي هُدُوٍّ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ .. لَزِمَتْهُمْ، وَإِلاَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا وافق العيد يوم الجمعة .. فسيأتي في (تتمة صلاة العيدين). قال: (وتلزم الشيخ الهرم والزمن إن وجدا مركبًا ولم يشق الركوب)؛ لانتفاء الضرر، وسواء كان المركب بملك، أو إجارة العوض، أو إعارة، أو آدميًا. وعن القاضي حسين: من لا يستطيع المشي، إذا وجد أجرة من يحمله إلى المسجد .. لزمه. و (الشيخ): من جاوز الأربعين- والمرأة شيخة- وتصغيره: شييخ وشييخ بضم الشين وكسرها، ولا يقال: شويخ وأجازه الكوفيون. و (الهرم): أقصى الكبر. و (الزمانة): الابتلاء والعاهة، وزمن فهو زمن. قال: (والأعمى يجد قائدًا)؛ لأنه يتضرر معه عدمه، سواء كان القائد متبرعًا أو بأجرة يجدها كما يؤمر بالجماعة، وبهذا قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد والجمهور. وقال أبو حنيفة: لا جمعة على الأعمى. وقال القاضي والمتولي: إن كان يحسن المشي على العصا من غير قائد .. لزمته، وضعفه الشاشي والمصنف في (تعليقه) على (التنبيه). قال: (وأهل القرية إن كان فيهم جمع تصح به الجمعة، أو بلغهم صوت عال في هدو من طرف يليهم لبلد الجمعة .. لزمتهم، وإلا .. فلا)، وكذلك أهل البساتين والخيام؛ لما روى أبو داوود [1049] عن عمرو بن العاصي: أن النبي صلى الله عليه والخيام؛ لما روى أبو داوود [1049] عن عمرو بن العاصي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة على من سمع النداء). والمعتبر: سماع من أصغى إليه ولم يكن أصم، ولا جاوز سمعه حد العادة. والمراد بـ (النداء): الأذان الذي يتعلق به وجوب حضور الجمعة.

وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ السَّفَرُ بَعْدَ الْزَّوَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما كان الاعتبار من الطرف الذي يلي السامع؛ لأن البلد قد يكون كبيرا لا يبلغ النداء، من وسط أطرافه، فاعتبر آخر موضع يصلح لإقامة الجمعة فيه؛ احتياطا للعبادة. وإذا سمع ذلك بعض أهل القرية .. وجب على جميع أهلها المكلفين بالجمعة. وقيل: يعتبر السماع من وسطها. وقيل: من المكان الذي تصلى فيه الجمعة. وقيل: يشترط أن يكون المنادي في مكان عال كمنارة أو سور، والأكثرون على عدم اعتبار هذا إلا بطبرستان؛ فإنها بين أشجار وغياض تمنع بلوغ الأصوات. ومقتضى كلام الكتاب و (المحرر) - وهو الأصح في (الشرح الصغير):- أن العبرة ببلوغ الصوت سواء ارتفعت القرية، أو موضع النداء، أو هما، أولا. والمرجح في (الكبير) و (الروضة) و (شرح المهذب): أن العبرة بتقدير الاستواء، فلو سمعت العالية، ولو ساوت لم تسمع .. فلا جمعة عليها. ولو لم تسمع المنخفضة، ولو ساوت لسمعت النداء .. لزمها وهو الأصح، وإلا لزم أن تجب على البعيدة العالية دون القريبة المنخفضة وهو بعيد. وحديث: (الجمعة على من سمع النداء) محمول على الغالب. فرع: إذا دخل أهل الفرية المصر فصلوها فيه .. سقط الفرض عنهم وكانوا آثمين؛ لتعطيلهم الجمعة في قريتهم، وفيه وجه: أنهم غير آثمين؛ للخروج من خلاف أبي حنيفة. قال: (ويحرم على من لزمته السفر بعد الزوال)؛ لأن فرض الجمعة توجه عليه بدخول الوقت فلا يجوز تفويته بالسفر. وروى الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من سافر من دار إقامته يوم الجمعة .. دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره، ولا يعان على حاجته).

إِلَاَّ أَنْ تُمْكِنَهُ الجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الرُّفْقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الإحياء)] 1/ 88 [: أن (من سافر ليلة الجمعة .. دعا عليه ملكاه). وكذلك صرح ابن أبي الصيف اليمني بكراهة السفر ليلة الجمعة، وأقره عليه الشيخ محب الدين الطبري. وحيث منعناه السفر فسافر .. لا يجوز له الترخص حتى يخرج وقت الجمعة. فإن قيل: إذا زالت الشمس لا تتعين إقامة الجمعة؛ فإن الصلاة تجب وجوبا موسعا .. فالجواب: أن الناس تبع للإمام في هذه الفريضة، فلو عجلها .. تعينت متابعته وسقطت خبرة الناس في التأخير، وإذا خالف وسافر .. لم يجز له الترخص ما دام وقت الجمعة باقيا. قال: (إلا أن تمكنه الجمعة في طريقه)؛ لحصول المقصود. وفي معنى الطريق .. إدراكها في مقصده. مهمة: التعبير ب (الإمكان) ذكره الرافعي في (الشرح الكبير) و (المحرر)، والمصنف في (الروضة)، والتعبير به غير مستقيم؛ فإنه إذا غلب على الظن عدم الإدراك .. يحرم السفر. وإن تردد على السواء .. فالمتجه: التحريم أيضا؛ ولهذا قالوا: إذا خشي المريض الغضب .. تضيق عليه الحج على الصحيح، وقالوا: تستحب البداءة بالفائتة إلا أن يخشى فوات الحاضرة .. فتجب البداءة بها. وعبر الرافعي في (الشرح الصغير) بالتمكن فقال: إن تمكن منها .. جاز، وإن لم يتمكن .. لم يجز، وهو تعبير صحيح. قال: (أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة)، فلا يحرم عليه السفر حينئذ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام).

وَقَبَلَ الزَّوَالِ كَبَعَدِهِ فِي الْجَدِيدِ إِنْ كَانَ سَفَراً مُبَاحاً، وَإِنْ كَانَ طَاعَةً .. جَازَ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّ الطَّاعَةَ كَالمُبَاحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (المهمات): اشتراط الضرر عند التخلف صرح به في (المحرر)، وفي (شرح المهذب)، وهو مقتضى كلام (الشرحين) و (الروضة). والصواب: اعتبار مجرد الانقطاع لا وجود الضرر؛ لما في الانقطاع عن الرفقة من الوحشة، كما صرح به ابن الرفعة وغيره. وصرحوا في (باب التيمم) بأن المسافر لا يجب عليه الذهاب إلى الماء في هذه الحالة، وعللوه بهذه العلة. والظاهر: أنه لا عبرة بتخلفه عن الرفقة في سفر النزهة ونحوه من أسفار البطالين وإن شمله كلام الرافعي والمصنف. وقيد شارح (التعجيز) المسألة بأن لا ينقص بسفره عدد البلد، وهو حسن. قال: (وقبل الزوال كبعده في الجديد)؛ لأنه وقت لوجوب السعي على من كانت داره بعيدة، ولأن اليوم ينسب إليها. والقديم ونص عليه في (حرملة): أنه لا يحرم؛ لقول عمر: (إن الجمعة لا تحبس مسافرا)، ولأن الوجوب بالزوال، فلا يحرم قبله كبيع النصاب قبل الحول من غير قصد الفرار. وعلى هذا: قال القاضي حسين: يكره، وفيه نظر. قال: (إن كان سفرا مباحا، وإن كان طاعة .. جاز) أي: القولان في المباح، أما الطاعة الواجبة أو المندوبة .. فلا تحرم قطعا. وظاهر كلام الكتاب: التحريم بعد الزوال مطلقا طاعة كان أو مباحا، وهو كذلك بلا خلاف. قال: (قلت: الأصح: أن الطاعة كالمباح والله أعلم) فيكون على القولين، والأصح عند المصنف: التحريم.

وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ .. تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِم فِي الْأَصَحِّ، وَيُخْفُونَهَا إِنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يجوز قطعا، وبه جزم في (المحرر)؛ لان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه تخلف عن جيش جهزه النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا .. ما أدركت غدوتهم)، لكن ضعفه الترمذي] 527 [. قاعدة: الناس في الجمعة ستة أقسام: الأول: من تلزمه وتنعقد به، وهو: من اجتمعت فيه الصفات المعتبرة. الثاني: تنعقد به ولا تلزمه، وهو: من له عذر على الأصح. الثالث: لا تلزمه ولا تنعقد به ولا تصح منه، وهو: المجنون والمغمى عليه والكافر الأصلي. الرابع: لا تلزمه ولا تنعقد به لكن تصح منه، وهو: الصبي المميز والعبد والمسافر والمرأة والخنثى. الخامس: تلزمه ولا تصح منه، وهو: المرتد. السادس: تلزمه وتصح منه وفي انعقادها به خلاف، وهو: المقيم غير المستوطن. قال: (ومن لا جمعة عليهم .. تسن الجماعة في ظهرهم في الأصح)؛ لعموم الأدلة على طلب الجماعة. والثاني: لا؛ لأن الجماعة في هذا اليوم شعار الجمعة. والخلاف في المعذورين في البلد، أما لو كانوا في غيرها .. فالجماعة تستحب في ظهرهم إجماعا. قال: (ويخفونها إن خفي عذرهم)؛ لئلا يتهموا في دينهم.

وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرهِ: تَاخِيرُ ظُهْرِهِ إِلَى الْيَاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَلِغَيْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ: تَعْجِيلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يخفونها مطلقا؛ لأنه قد لا يتفطن للعذر الظاهر، وقد يتهم صاحبه مع العلم بعذره. قال: (ويندب لمن أمكن زوال عذره: تأخير ظهره إلى اليأس من الجمعة)، فقد يزول العذر ويتمكن من فرض الكاملين كالعبد والمريض يرجو العتق والشفاء، ويحصل اليأس برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية على الصحيح. وقال في (تعليقه) على (التنبيه): ليس هذا على إطلاقه؛ فإن الإمام لو أخر الجمعة إلى أن يبقى من وقتها أربع ركعات .. لا تؤخر بعد ذلك الظهر. ويرد على إطلاق المصنف هنا: ما إذا كان منزله بعيدا وانتهى الوقت إلى حد لو أخذ في السعي لم يدرك الجمعة .. فإن اليأس قد حصل، ومع ذلك لا يستحب له فعل الظهر إلا بعد رفع الرأس على الصحيح. قال: (ولغيره كالمرأة والزمن: تعجيلها)؛ محافظة على أول الوقت. وقيل: هو كالمعذور نظرا إلى أن الجمعة صلاة الكاملين، فينبغي أن تكون المقدمة. قال في (الروضة): الأول اختيار الخراسانيين، والثاني اختيار العراقيين. و (الاختيار): التوسط. فإن جزم بأنه لا يحضر الجمعة ولو تمكن منها .. ندب التقديم، وإلا .. فالتأخير. والمذهب المنصوص في (الأم): ما قاله العراقيون. فرع: إذا صلى المعذور الظهر، ثم زال عذره وتمكن من حضورها .. لم تلزمه، إلا الخنثى إذا بان رجلا. قال ابن الحداد: وإلا الصبي إذا بلغ بعد فعل الظهر وتمكن من الجمعة، وخالفه الجمهور.

وَلِصِحَّتِهَا- مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا- شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: وَقْتُ الظُّهْرِ فَلَا تُفْضَى جُمُعَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما غيرهما من ذوي الأعذار .. فيستحب لهم حضورها بعد زوال عذرهم، فإن فعلوا .. ففرضهم الظهر على الأظهر. وعلى الثاني: يحتسب الله أيتهما شاء. وإن زال العذر في أثناء فعلهم .. قال القفال: هو كرؤية الماء في أثناء الصلاة، والمذهب: استمرار صحة ظهرهم. أ. هـ. وإذا عتق العبد قبل فعله الظهر، ففعلها جاهلا بالعتق ثم علم به قبل فوات الجمعة وما أشبه هذا .. فالظاهر: أنه يلزمه حضور الجمعة. وفي (فتاوى البغوي): أن المريض إذا شفي بعد صلاة الظهر وأمكنه حضور الجمعة .. لزمه. قال: (ولصحتها – مع شرط غيرها- شروط) أي: زائدة على شروط باقي الصلوات. وهي ستة كما ذكر، لكنه أدرج السادس وهو: العدد في الرابع وهو: الجماعة. وبعضهم أضاف إليها سابعا وهي: نية الإمامة ونية الخطبة. ويمكن أن يضاف ثامن وهو: إذن السلطان أو حضوره، فإن القديم اشتراطه. قال: (أحدها: وقت الظهر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس، رواه البخاري عن أنس] 904 [، وجرى على ذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم، ولأنهما صلاتا وقت واحد، فلم يختلف وقتهما كصلاة الحضر، وصلاة السفر، وبهذا قال جمهور العلماء. وقال أحمد: يجوز أن تفعل قبل الزوال. قال: (فلا تقضى جمعة) - بالإجماع- وهو ب (الواو) لا ب (الفاء)؛ لأن عدم القضاء لا يؤخذ من اشتراط وقت الظهر؛ لأن بينهما واسطة وهو القضاء في وقت الظهر من يوم آخر.

فَلَوْ ضَاقَ عَنْهَا .. صَلَّوْا ظُهْراً، وَلَوْ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا .. وَجَبَ الْظُّهْرُ بِنَاءٌ، وَفِي قَوْلٍ: اسْتِئْنَافاً. وَالمَسْبُوقُ كَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا جُمُعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (جمعة) بالنصب. قال: (فلو ضاق عنها) بأن لم يبق من الوقت ما يسع خطبتين وركعتين (.... صلوا ظهرا)، كما لو فات شرط القصر .. رجع إلى الإتمام. قال: (ولو خرج وهم فيها .. وجب الظهر)؛ إلحاقا للدوام بالابتداء. والمراد ب (خروج الوقت): أنهم علموا ذلك، فلو شكوا فيه .. أتموها جمعة على الصحيح. فلو وقعت التسليمة الثانية بعد الوقت .. لم تبطل؛ لأنها غير معدودة من الصلاة كذا قال الرافعي هنا، وتقدم في (صفة الصلاة) خلاف ذلك. قال: (بناء) أي: تنقلب الجمعة ظهرا ويبنون على ما مضى وجوبا؛ لأنهما صلاتا وقت فجاز- بناء أطولهما على أقصرهما، كصلاة الحضر مع السفر. قال: (وفي قول: استئنافا) أي: يبطلون الجمعة ويستأنفون الظهر. قال الرافعي: وهما مبنيان على أنهما ظهر مقصورة أم لا؟ فعلى الأول .. يبني، وعلى الثاني .. يستأنف. وقضية هذا البناء: ترجيح الثاني؛ لأن الأصح كما تقدم في (أول الباب): أنها صلاة على حيالها، وأن الظهر بدل عنها. قال: (والمسبوق كغيره)، فإذا خرج الوقت بعد أن قام إلى تدارك الثانية .. أتمها ظهرا في الأصح وجمعة في الثاني. وعلى هذا: فالقياس: أنه يجب عليه أن يفارق الإمام في التشهد، ويقتصر على الفرائض إذا لم يمكنه إدراك الجمعة إلا بذلك. قال: (وقيل: يتمها جمعة)؛ لأنه تابع للقوم وقد صحت جمعتهم.

الثَّانِي: أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيِةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (الثاني: أن تقام في خطة أبنية أوطان المجمعين) - وهم: عدد تنعقد بهم الجمعة فصاعدا- أي: تشترط إقامتها في بقعة معدودة من بلد، وتلك البلد، وطن للذين يقيمون الجمعة، فلا تكفي إقامتها في الصحراء؛ لأنها لم تقم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده إلا كذلك، ولو جازت في غيرها .. لفعلت ولو مرة، ولو فعلت .. لنقلت. ولا فرق بين القرية والمصر، وهو في المصر إجماع، وفي القرية دليله ما تقدم من قول ابن عباس: (أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جمعة بجوائى)، وذلك لا يفعل إلا بأمره صلى الله عليه وسلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا جمعة إلا في مصر) .. فقال به الشافعي في القديم، لكنه لم يصح رفعه، بل هو موقوف على علي، وقد خالفه عثمان، فلذلك لم يقل به في الجديد. و (الخطة) بكسر الخاء: محل الأبنية وما بينها، وهذا هو المراد بخطة الأبنية. وقوله: (في خطة أبنية) أي: من الأبنية، فشمل المساجد والرحاب المسقفة والساحات. وسواء كانت الأبنية من خشب أو حجر أو لبن أو سعف أو جريد؛ لأنها للاستيطان، ولأن معظم قرى الحجاز من سعف وجريد وقصب. وما ذكره المصنف مثال؛ لأن الأسراب المستوطنة والغيران كالأبنية. ولو كانت الأبنية متفرقة لا تعد بلدا واحدا .. لم تجز إقامة الجمعة بها، إلا أن يبلغ أهل دار أربعين رجلا بالصفات .. فتلزمهم ويكونون بالنسبة إلى من قرب منهم كبلد الجمعة. و (المجمعون) بتشديد الميم: مصلو الجمعة الذين تنعقد بهم.

وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الخِيامِ الصَّحْراءَ أَبَداً .. فَلَا جُمُعَةَ فِي الأَظْهَرِ، الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو لازم أهل الخيام الصحراء أبدا .. فلا جمعة في الأظهر)؛ لأن قبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة وكانوا لا يصلونها، ولا أمرهم بها الشارع؛ لأنهم على هيئة المستوفزين. والثاني: تلزمهم الجمعة ويقيمونها في ذلك الموضع؛ لأنهم استوطنوه. وموضوع القولين إذا لازموا ذلك المكان كما أشار إليه المصنف، فإن كانوا ينتقلون عنه في الشتاء أو غيره .. لم تصح فيه جزما. وقوله: (فلا جمعة) أي: لازمة ولا صحيحة. وتقدم في (صلاة المسافر) الكلام على لفظ الخيمة وجمعها. فرع: نص الشافعي على أنه: لو خربت البلد أو القرية وأقام أهلها على عمارتها .. لزمتهم الجمعة فيها، سواء كانوا في سقائف ومظال أم لا؛ لأنه محل الاستيطان. ولا تتصور جمعة عند الشافعي في غير بناء إلا هذه. وهذا بخلاف ما لو نزلوا هناك ابتداء وأرادوا إحداث قرية .. فإنها لا تصح؛ استصحابا للحال فيهما، نص عليه الشافعي رضي الله عنه. قال: (الثالث: أن لا يسبقها ولا يقارنها جمعة في بلدتها) ولو عظمت؛ ليظهر شعار الاجتماع واتفاق كلمة الإسلام، ولأنها لم تفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين إلا في موضع واحد. قال الشافعي: ولأنها لو جاز فعلها في مسجدين .. لجاز في مسجد العشائر، وهو لا يجوز إجماعا. أهـ. و (العشائر): القبائل، و (العشيرة): القبيلة وهم: أبناء أب واحد، والجمع: قبائل.

إِلَّا إِذَا كَبُرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُم فِي مَكَانٍ، وَقِيلَ: لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ، وَقِيلَ: إَنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا، كَانَا كَبَلَدَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَت قُرَى فَاتَّصَلَتْ .. تَعَدَّدّتِ الجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا إذا كبرت وعسر اجتماعهم في مكان) .. فتجوز الزيادة بحسب الحاجة لا مطلقا، فإذا اكتفى بجمعتين .. لم تجز ثالثة، وبه أفتى المزني بمصر لما ازدحم الناس في الجامع العتيق. قال: (وقيل: لا تستثنى هذه الصورة) وهو ظاهر النص، وعليه اقتصر الشيخ أبو حامد وطبقته. قال الشيخ: وهو الصحيح مذهبا ودليلا، وقول أكثر العلماء، وأنكر نسبة الاستثناء إلى الأكثرين، وتمسك بما درج عليه الصدر الأول، وأنه لا يحفظ عن صحابي ولا تابعي تجويز ذلك. قال: وتحريم الإذن في اجتماع جمعتين في بلد مجمع عليه، معلوم من الدين بالضرورة. قال: (وقيل: إن حال نهر عظيم بين شقيها .. كانا كبلدين، وقيل: إن كانت قرى فاتصلت .. تعددت الجمعة بعددها) وسبب هذا الاختلاف: أن الشافعي دخل بغداد وهم يقيمون الجمعة في موضعين فلم ينكر عليهم، فاختلف أصحابه في ذلك على أوجه: أصحها: أن السبب مشقة الاجتماع في مكان واحد. والثاني: أن سببه النهر الحائل بين جانبيها. الثالث: أنها كانت قرى متفرقة فاتصلت الأبنية. والرابع: أن الزيادة لا تجوز بحال؛ لأن المسألة اجتهادية والمجتهد لا ينكر على مجتهد آخر. وقيل: لم يقدر على الإنكار. وسئل أبو إسحاق المروزي عن إقامة أهل مرو جمعتين مع تمكنهم من الاقتصار

فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ .. فالصَّحيحَةُ السَّابِقَةُ، وَفِي قَوْلٍ: إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ .. فَهِيَ الصَّحِيحَةُ. وَالْمُعْتَبَرُ: سَبْقُ التَّحَرُّمِ، وَقِيلَ: الْتَّحَلُّلِ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ. فَلَوْ وَقَعَتَا مَعاً أَوْ شَكَّ .. اسْتُؤنِفَتْ الجُمُعَةٌ. وَإِنْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ، أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيتْ .. صَلَّوْا ظُهْرا، ـــــــــــــــــــــــــــــ على واحدة، فقال: لأن أبا مسلم دخلها وغصب دورا جعلها جامعا، فتورع الزهاد والمحدثون عن الصلاة فيه فأقاموا جمعة في غيره. قال: (فلو سبقها جمعة .. فالصحيحة السابقة) هذا تفريع على عدم جواز التعدد لاجتماع الشرائط فيها، واللاحقة باطلة. قال: (وفي قول: إن كان السلطان مع الثانية .. فهي الصحيحة)؛ لأن في تصحيح غير جمعته افتتانا عليه وتفويتا لها على غالب الناس؛ لأن غالبهم يكونون مع الإمام. قال الشيخ: ويظهر أن كل خطيب ولاه السلطان قائم مقام الإمام في ذلك، وأنه مراد الأصحاب. وقد صرح المحاملي في (المقنع) بأن إحداهما إذا كانت بإذنه .. فهي الصحيحة. قال: (والمعتبر: سبق التحرم)؛ لأن به الانعقاد. فالتي سبق تحرمها هي الصحيحة، والاعتبار بآخر التكبير لا بأوله على الصحيح. قال: (وقيل: التحلل)، فالتي سبق تحللها هي الصحيحة؛ لأن به يؤمن من عروض الفساد، بخلاف ما قبل التحلل، فكان الاعتبار به أولى. قال: (وقيل: بأول الخطبة)؛ بناء على: أن الخطبتين يدل على ركعتين. قال: (فلو وقعتا معا أو شك .. استؤنفت الجمعة) أي: إن اتسع الوقت لتدافعهما في المعية، واحتمال ذلك عند الشك. قال: (وإن سبقت إحداهما ولم تتعين، أو تعينت ونسيت .. صلوا ظهرا)؛ لأن الجمعة صحت، فلا يجوز عقد جمعة أخرى بعدها.

وَفِي قَوْلِ: جُمْعَةٌ. الْرَابِعُ: الْجَمَاعَةُ، وَشَرْطُهَا: كَغَيْرِهَا. وَأَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: جمعة)؛ لأن الأولى لم تحصل بها البراءة، فهي كجمعة فاسدة لفوات بعض شروطها أو أركانها، ورجحه في (الوسيط). وقال المزني: برئت زمتهم ولا يلزمهم شيء. قال: (الرابع: الجماعة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم ينقل عنهم ولا عن غيرهم أنهم فعلوها فرادى. وفي (فتاوى القاضي حسين): أن من لا تنعقد به الجمعة .. لا يصح إحرامه بها إلا بعد إحرام أربعين من أهل الوجوب؛ فإنهم تبع لهم فلا يتقدمون. وينبغي لأهل الكمال المبادرة بالتحرم لحيازة الفضيلة، وتيسير عقد الجمعة لغيرهم. قال: (وشرطها: كغيرها) أي: من الجماعات، لكن تستثنى نية الإمامة؛ فإنها تجب هنا لا هناك على الأصح فيهما. ولا يشترط حضور السلطان ولا إذنه فيها، خلافا لأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين. لنا: ما روى مالك والشافعي عن علي أنه أقام الجمعة وعثمان محصور، وبالقياس على سائر العبادات. قال: (وأن تقام بأربعين)؛ لما روى أبو داوود] 1062 [عن كعب بن مالك قال: (أول من صلى بنا الجمعة في نفيع الخضمات أسعد بن زرارة وكنا أربعين) صححه ابن حبان] 7013 [والبيهقي] 3/ 176 [والحاكم] 1/ 281 [وقال: على شرط مسلم، ولأن

مُكَلَّفاً حُرّاً ذَكَرَاً مُسْتَوْطِناً لَا يَظْعَنُ شِتَاءً وَلَا صَيْفَاً إِلَّا لِحَاجَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغالب على الجمعة التعبد، والأربعون أقل ما ورد. و (النقيع) بالنون، و (الخضمات) بالخاء والضاد المعجمتين. وأما حديث: (انقضاضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق إلا اثنا عشر رجلا) وهو في (الصحيحين)] خ 936 - م863 [عن جابر، وفيهم نزلت:} وإذا رأوا تجارة أو لهوا {الآية، فلذلك كان في الخطبة، ولعلهم عادوا فحضروا الأركان والصلاة. وحكى صاحب (التلخيص) - عن القديم- انعقادها بثلاثة، وغلطه الأصحاب. وقد تقدم: أن هذا في الحقيقة شرط سادس، لكنه أدرجه في الرابع؛ لأنه صفة للجماعة. قال: (مكلفا)، فلا تنعقد بالصبي، ولا يصح الاحتراز عن المجنون ونحوه؛ لأن الكلام في شرائط الجمعة بخصوصها، والعقل شرط في سائر الصلوات كما تقدم. قال: (حرا ذكرا مستوطنا لا يظعن شتاء ولا صيفا إلا لحاجة)، فلا تنعقد بالأرقاء، ولا بمن بعضه رقيق، ولا بالنساء والخناثى؛ لنقصانهم، ولا بغير المستوطنين كالمسافرين، ومن يقيم شتاء لا صيفا أو بالعكس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم الجمعة في حجة الوداع، وقد وافق يوم عرفة يوم الجمعة، مع عزمه على الإقامة أياما. وقوله: (لا يظعن ...) إلى آخره بيان لقوله: (مستوطنا). فإن قيل: لا حاجة لقوله: (مستوطنا)؛ لأن الاستيطان فهم من قوله: (أوطان المجمعين) .. قلنا: لا؛ فإن ذلك شرط في المكان، وهذا في الأشخاص، حتى لو أقامها في محل الاستيطان أربعون غير مستوطنين .. لم تنعقد بهم. والمراد: مستوطنا في مكان الجمعة؛ ليخرج ما إذا تقاربت قريتان في كل منهما

وَالّصَّحِيحُ: انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى، وَأَنَّ الإِمَامَ لَا يَشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ. وَلَوِ انْفَضَّ الأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ .. لَمْ يُحْسَبِ الْمَفْعُولُ فِي غَيْبَتِهِمْ، وَيَجُوزُ البِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إِنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الفَصْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ دون الأربعين بصفة الكمال، ولو اجتمعوا لبلغوا أربعين؛ فإنها لا تنعقد بهم وإن سمعت كل منهما نداء الأخرى؛ لأن الأربعين غير مقيمين في موضع الجمعة. وينبغي أن يزاد: مميزا: فإن السكران مكلف ولا تنعقد به الجمعة. وأن يزاد: سميعا؛ لما سيأتي. وقال ابن القطان: لو كان في القرية أربعون أخرس .. ففي انعقاد جمعتهم وجهان. قال: (والصحيح: انعقادها بالمرضى)؛ لكمالهم، وإنما لم تجل عليهم تخفيفا. والثاني: لا تنعقد بهم كما لا تنعقد بالمسافرين. والخلاف قولان فكان الصواب: التعبير بالمشهور. قال: (وأن الإمام لا يشترط كونه فوق أربعين)؛ لإطلاق الحديث المتقدم. والثاني: ونقل عن القديم اشتراط ذلك؛ لأن الغالب على الجمعة .. التعبد، فلا ينتقل من الظهر إليها إلا بيقين. قال: (ولو انفض الأربعون أو بعضهم في الخطبة .. لم يحسب المفعول في غيبتهم) بلا خلاف؛ لأن مقصود الخطبة إسماع أربعين، فإذا انفضوا .. بطل حكم الخطبة، ولأنه ذكر واجب، فاشترط حضور العدد فيه كتكبيرة الإحرام. ولا بد أن يسمع الأربعون أركان الخطبة، والفرق بينها وبين الصلاة حيث جرى فيها: الخلاف في الانقضاض فيها أن كل واحد يصلي لنفسه ولا يخطب لنفسه. والمراد بـ (الأربعين): العدد المعتبر في الانعقاد، وقد تقدم أن الإمام لا يشترط كونه زائدا على الأصح، وحينئذ يكون المعتبر: سماع تسعة وثلاثين، فلو كان مع الإمام أربعون وانفض واحد منهم .. لم يضر. قال: (ويجوز البناء على ما مضى إن عادوا قبل طول الفصل)؛ لأنه ليس بأكثر من الصلاتين المجموعتين، والفصل اليسير لا يمنع الجمع، فكذلك لا يمنع الجمع

وَكَذَا بِنَاءُ الْصَلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إِنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا. فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ .. وَجَبَ الاِسْتِئْنَافُ فَي الأَظْهَرِ، وَإِنْ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ .. بَطَلَتْ، وَفِي قَوْلٍ: لَا، إِنْ بَقِيَ اثْنَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بين الخطبة والصلاة، وكما يجوز البناء إذا سلم ثم تذكر قبل طول الفصل. وقد ذكر المصنف هاهنا (طول الفصل) ولم يبين مقداره اكتفاء بالعرف. قال: (وكذا بناء الصلاة على الخطبة إن انفضوا بينهما) أي: وعادوا قريبا. قال: (فإن عادوا بعد طوله .. وجب الاستئناف في الأظهر) أي: في المسألتين وهما: بناء بعض أركان الخطبة على بعض، وبناء الصلاة على الخطبة، سواء كان بعذر أم لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه ذلك إلا متواليا، وكذلك الأئمة بعده، ولأن الموالاة لها موقع في استمالة النفس. والثاني: لا يجب؛ لأن الغرض من التذكير والصلاة حاصل مع التفريق. واحترز بقوله: (عادوا) عما إذا عاد بدلهم .. فلا بد من استئناف الخطبة طال الفصل أم لا. قال: (وإن انفضوا في الصلاة .. بطلت) فيتمونها ظهرا؛ لأن العدد شرط في الابتداء، فيكون شرطا في الانتهاء كالوقت. قال: (وفي قول: لا إن بقي اثنان) أي: مع الإمام؛ لما تقدم من حديث جابر: (أنه لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا)، فدل على أن الأربعين لا تشترط في دوام الصلاة؛ فإنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. وغنما اشترطنا بقاء اثنين مع الإمام؛ ليبقى أقل الجمع. ولنا قول قديم: إنه يكفي بقاء واحد معه؛ لوجود اسم الجمع. وفي قول رابع مخرج: لا تبطل ولو بقي وحده. وفي قول خامس مخرج أيضا: إن كان الانفضاض في الركعة الأولى .. بطلت، وإلا .. فلا.

وَتَصِحُّ خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ فِي الأَظْهَرِ إِذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ. وَلَوْ بَانَ الإِمَامُ جُنُباً أَوْ مُحْدِثاً .. صَحَّتُ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إِنْ تَمَّ العَدَدُ بِغَيرِهِ، وَإِلَّا فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتصح خلف العبد والصبي والمسافر في الأظهر إذا تم العدد بغيره)؛ لأن الجمعة تصح من الثلاثة، والعدد قد وجد بصفة الكمال، والاقتداء في صلاة من لا تجب عليه تلك الصلاة صحيح. والثاني: لا تصح؛ لأن الإمام ركن في صحة هذه الصلاة، فيشترط فيه الكمال كالأربعين بل أولى. ولو كان الإمام متنفلا .. ففيه القولان. والخلاف في العبد وجهان لا قولان، وكان الصواب التعبير: بـ (غيرهم) بضمير الجمع لأجل العطف بـ (الواو). قال: (ولو بان الإمام جنبا أو محدثا .. صحت جمعتهم في الأظهر إن تم العدد بغيره، وإلا .. فلا) تقدم في (صلاة الجماعة): أن المأموم إذا بان إمامه جنبا أو ذا نجاسة خفية .. لا إعادة عليه، وتقدم: أن الأصح: أن الصلاة خلف من تبين حدثه جماعة. فعلى هذا: تصح هنا الجمعة إن تم العدد بغيره، فإن تم به .. لم تصح جزما. وإن قلنا: إن الصلاة خلفه فرادى .. لم تصح الجمعة أيضا؛ لأن الجماعة شرط فيها. والثاني: لا تصح؛ لأن الجماعة شرط في الجمعة، والجماعة تقوم بالإمام والمأموم، وإذا بان محدثا ... بان أن لا جمعة له ولا جماعة، بخلاف غيرها. وإذا قلنا بالصحة فبان حدث المأمومين دون الإمام ... قال صاحب (البيان): صحت صلاة الإمام، وأقره عليه الشيخان. واعترض ابن الرفعة بأن الخلاف مخصوص بما إذا كان الإمام زائدا على الأربعين،

وَمَنْ لَحِقَ الإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعاً .. لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. الخَامِسُ: خُطْبَتَانِ قَبْلَ الْصَّلَاة، وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ: حَمْدُ اللهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا: لزم انعقاد الجمعة بما دون ذلك، وعلى هذا: يستحيل القول بحصولها للإمام؛ لانتفاء العدد المشروط. قال: (ومن لحق الإمام المحدث راكعا .. لم تحسب ركعته على الصحيح)؛ لأن المحدث ليس أهلا للتحمل وإن حكمنا بصحة الصلاة والجماعة خلفه. والثاني- وصححه الرافعي في (صلاة المسافرين) -: أنه يكون مدركا للركعة، كما تصح الصلاة خلف المحدث وإن لم تكن تلك الصلاة محسوبة للإمام. وتعبيره بـ (الصحيح) يقتضي: ضعف الخلاف، والصواب: التعبير بالأصح كما في (الروضة). قال: (الخامس: خطبتان)؛ للاتباع، ففي (الصحيحين)] خ 928 - م861 [عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين). وقال أبو حنيفة: تجزئ واحدة. قال: (قبل الصلاة) بالإجماع، ولا أثر لمخالفة الحسن البصري في ذلك؛ لأنه مسبوق بالإجماع. وهذا بخلاف صلاة العيد؛ لأن خطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة، وشأن الشرط أن يتقدم على مشروطه. قال: (وأركانهما خمسة: حمد الله تعالى)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يوم الجمعة .. حمد الله تعالى وأثنى عليه، رواه مسلم] 867 [وغيره.

وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ. وَالوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله .. افتكرت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالأذان والصلاة. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا اسم الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيه .. إلا كان عليهم ترة، فإن شاء .. عذبهم، وإن شاء ... غفر لهم). و (الترة): الحسرة، وقيل: التبعة، وقيل: المطالبة. والحديث حسنه الترمذي] 3380 [، وقال الحاكم] 1/ 550 [: صحيح على شرط البخاري، وترجم عليه البيهقي] 3/ 210 [(باب: ما يستدل به على وجوب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة). وفي (دلائل النبوة) للبيهقي عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي). وقيل: إن الشافعي تفرد بذلك، وحبذا هذا التفرد. قال: (ولفظهما متعين)؛ اقتداء بالسلف الصالح، فلو قال: لا إله إلا الله .. لم يكف خلافا لأبي حنيفة ومالك، وكذا: الحمد للرحمن، أو الشكر لله. قال في (نكت التنبيه): لا خلاف في ذلك بين أصحابنا. ولو قال: والصلاة على محمد أو على النبي أو الرسول .. كفى، ولو قال: اللهم؛ ارحم محمدا .. لم يكف. والظاهر: أن كل ما كفى في التشهد .. كفى هنا. فلو قال: صلى الله عليه وسلم .. لم يكف؛ لأنه لم يصرح باسمه صلى الله عليه وسلم. وكثيرا ما يسهو الخطباء في ذلك. ولم يذكر الرافعي الصلاة على الآل هنا ولا شك في استحبابها. قال: (والوصية بالتقوى) وهي: امتثال أمر الله واجتناب نهيه؛ لأن المقصود

وَلَا يَتَعَيَّن لَفْظُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي الخُطْبَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالخطبة: الوعظ والتحذير، و (قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على الوصية بالتقوى في خطبه) رواه مسلم] 885 [. وفيه] 867 [عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يوم الجمعة .. احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش ويقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، ويقرن بين أصابعه: السبابة والوسطى، ويقول: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة). وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال في خطبته: (الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا). وهذا الفرض هو مقصود الخطبة، ولا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها، بل لا بد من الحض على الطاعة والمنع من المعاصي. قال: (ولا يتعين لفظها على الصحيح) أي: لفظ الوصية؛ لانتفاء الدليل على تعينها، وحصول المقصود بدونها، فيكفي ما دل على الموعظة طويلا كان، أو قصيرا كقوله: أطيعوا الله. وقال الإمام: لا يكفي اللفظ القصير، بل لا بد من فصل يهز السامع كما جرى عليه الأولون. والثاني: أنها تتعين قياسا على الحمد والصلاة. قال: (وهذه الثلاثة أركان في الخطبتين). أما الحمد .. فلما تقدم عن (صحيح مسلم)] 867 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمد في خطبته). وأما الصلاة .. فلقوله تعالى:} ورفعنا لك ذكرك {ومعناه: لا أذكر إلا وتذكر معي كما ورد في (صحيح ابن حبان)] 3382 [. وأما الوصية بالتقوى .. فلأنها المقصود الأعظم من الخطبة ..

وَالرَّابِعُ: قِرَاءَة آيَةٍ فِي إِحْدَاهُمَا، وَقِيلَ: فِي الأُولَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والرابع: قراءة آية) سواء تضمنت وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصة أو وصية؛ لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس) رواه مسلم] 862 [. وفيه] 871 [وفي (البخاري)] 3230 [عن يعلي بن أمية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: (} ونادوا يا مالك {) وفي رواية: (يا مال) على الترخيم. قال ابن مسعود والحسن البصري: ما كان أغناهم عن الترخيم!!. قال ابن جنى والزمخشري: ضعفت قواهم عن تكميل الكلمة فرخموا. فإن قلت: كيف ينادي المبلس الساكت؟! قيل: النداء قبل ذلك فإذا قيل لهم:} إنكم ماكثون {.. أبلسوا. وأقل ما يجب قراءة آية، وقال الإمام: لا يبعد أن يكتفي ببعض آية طويلة. قال: ولو قال:} ثم نظر {.. لم يكف بلا شك وإن عدت آية، بل يشترط أن تفهم. وإطلاقهم يقتضي: الاكتفاء بمنسوخ الحكم، وعدم الاكتفاء بمنسوخ التلاوة، ويظهر تخريجه على الخلاف في تحريمه على المحدث والجنب. قال: (في إحداهما) - نص عليه في (الأم)؛ لإطلاق الأدلة- وهذا صريح في أنه لا بد من اشتمال إحداهما على قراءتها، لكن في (الحاوي) عن النص: أنه لو قرأ في الأولى، أو الثانية، أو بين ظهراني ذلك .. أجزأه، قال: وكذا لو قرأ قبل الخطبة أو بعد فراغها .. أجزأه. قال: (وقيل: في الأولى)؛ لأنها أحق بالطول، ولأنه في مقابلة الدعاء في الثانية، وهذا ظاهر نص (المختصر). وعلى هذا: لا تجزئ في الثانية.

وَقِيلَ: فِيهِمَا، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ. وَالْخَامِسُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: فيهما) كالتحميد، ولأن الخطبتين قامتا مقام ركعتين فوجب فيهما القراءة كالركعتين. والذي يظهر على هذا: أنه يجب في كل منهما آية، لا أنه يقسم الآية فيهما. قال: (وقيل: لا تجب)؛ لأن مقصود الخطبة بعد ذكر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام الوعظ. ويستحب أن يقرأ في الخطبة سورة (ق) - قال الدارمي: في الأولى- لما روي في (صحيح مسلم)] 873 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بها في كل جمعة). قال البندنيجي: فإن لم يفعل .. ندب:} يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا {. ولو قرأ مكان كل ركن آية مشتملة على المعنى المطلوب .. لم يكف؛ فإنه لا يسمى خطبة، ولأن القراءة فرض والوصية فرض، والشيء الواحد لا يؤدى به فرضان. ولو قرأ آية فيها سجدة .. نزل وسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر فعلاه. فلو كان المنبر عاليا ولو نزل لطال الفصل .. لم ينزل، لكن يسجد عليه إن أمكنه، وإلا .. يترك السجود. قال: (والخامس: ما يقع عليه اسم دعاء للمؤمنين)؛ لنقل الخلف عن السلف.\ قال الإمام: واجب أن يكون متعلقا بالآخرة. وعبارته تفهم: أنه لا يجب للمؤمنات، ولفظ (المختصر) يفهم إيجابه، وبه قال القاضي والفوراني والإمام والروياني، وصرح به في (الانتصار).

فِي الْثَانِيَةِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عطيه في تفسير (سورة القتال): واجب على كل مسلم أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ فإنها صدقة. قال الشيخ: إن أراد بالوجوب الاستحباب المؤكد .. فصحيح، وإن أراد الوجوب .. فغريب لم أر من صرح به ولا بخلافه، ويمكن الاستدلال له بأن ظاهر الأمر الوجوب، وأن ما ثبت في حقه .. ثبت في حق أمته إلا ما خصه الدليل. قال: (في الثانية)؛ لأن ذلك لائق بحاله. وليس على ركنيته دليل، ولا على تخصيصه بالثانية، بل نقل الشيخ أبو حامد- شيخ العراقيين- الإجماع على عدم وجوبه، و: ليس في خطب النبي صلى الله عليه وسلم المنقولة إلينا ذلك. قال: (وقيل: لا يجب)، كما لا يجب في غير الخطبة. فروع: قال في (شرح المهذب): المختار أنه لا بأس بالدعاء لسلطان بعينه إذا لم يكن في وصفه مجازفة. وقال ابن عبد السلام: لا يجوز وصفه بالصفات الكاذبة إلا لضرورة. ويستحب الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح، والإعانة على الحق، والقيام بالعدل، وللمحبوسين بالخلاص. ومن عطش في حال الخطبة .. لا بأس أن يشرب، ويكره أن يشرب تلذذا. وقال الأوزاعي: إذا شرب .. بطلت جمعته. ويستحب إذا خطب الإمام .. أن يحول الناس وجوههم إليه، وذلك هو الاستماع المأمور به. وإذا جاء والموضع ضيق .. يقول: تفسحوا وتوسعوا. ويكره أن يتكئ، وأن يمد رجليه، أو يلقي يديه من خلفه، إلا أن تكون به علة، وأن يجلس حبوا في حال الخطبة؛ لأن ذلك يجلب النعاس.

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا عَرَبِيَّةً مُرَتَّبَةَ الأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الأُوَلِ. وَبَعْدَ الزَّوَالِ. وَالْقِيَامُ فِيهِمَا إِنْ قَدَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا أحدث شخص .. (أخذ بأنفه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم). قال: (ويشترط كونها عربية)؛ لأنها ذكر مفروض فاشترط فيها ذلك كتكبيرة الإحرام. وفي وجه ضعيف: لا يشترط؛ لأن المقصود الوعظ وهو حاصل بكل اللغات. فعلى الصحيح: لو لم يكن فيهم من يحسن العربية .. خطب لغيرها، ويجب أن يتعلم كل واحد منهم الخطبة العربية كالعاجز عن التكبير بالعربية، فغن مضت مدة إمكان التعلم ولم يتعلموا .. عصوا كلهم ولا جمعة لهم. قال: (مرتبة الأركان الثلاثة الأول)، فيبدأ بالحمد، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بالوصية بالتقوى؛ لان ذلك هو المعهود من فعلها. ولا ترتيب بين القراءة والدعاء، ولا بينهما وبين غيرهما. ونفى صاحب (العدة) وآخرون وجوب الترتيب في ألفاظها أصلا، وقالوا: الأفضل رعايته. وسيأتي تصحيح المصنف خلاله. قال: (وبعد الزوال)؛ لأنها كذلك فعلت، و (كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على ذلك). قال الرافعي: ولو جاز التقديم .. لقدمها تخفيفا على المبكرين، وإيقاعا لها في أول الوقت. وفي (البخاري)] 904 [عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة بعد الزوال). وخالف في ذلك مالك وأحمد فجوزا تقديمها معا على الزوال. قال: (والقيام فيهما إن قدر)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يخطبوا إلا من قيام، وقال تعالى:} وتركوك قائما {، وروى مسلم] 863 [: (أن الترك كان وهو قائم يخطب). فإن عجز عن القيام .. فالأولى أن يستنيب.

وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو خطب قاعدا أو مضطجعا .. جاز كالصلاة، ويفصل بينهما بسكتة على الأصح. وإن خطب قاعدا وجهل حاله .. حمل على أنه عاجز وجاز الاقتداء به، فغن تبين بعد ذلك أنه قادر .. فكالاقتداء بالمحدث. فإن قيل: لم عددتم القيام والقعود هنا من الشروط، وفي الصلاة من الأركان؟ .. قال الإمام: الأمر فيه قريب ولا حجر في عدهما ركنين في الموضعين أو شرطين. وفرق بعضهم بأن المطلوب بالصلاة: الخدمة بالقيام والقعود، فعدا ركنين، والخطبة المقصود منها: الوعظ، ولا مدخل للقيام والقعود فيه، فكانا بالشروط فيه أشبه. قال: (والجلوس بينهما)؛ لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده على ذلك. وروى جابر بن سمرة: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، قال: فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا .. فقد كذب، والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة). وفي رواية أبي داود] 1088 [: (كان يخطب قائما، ثم يقعد قعدة فلا يتكلم ....) وساق الحديث. والمخالف في ذلك الأئمة الثلاثة. وقيل: لا يجب الجلوس بل يفصل بسكتة خفيفة، وقيل: يفصل بسكوت أو جلوس أو كلام غير ما هو فيه.

وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ. وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمٌ عَلَيْهِمُ الْكَلَامُ، وَيُسَنُّ الإِنْصَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإسماع أربعين كاملين)؛ لأنه لا فائدة في حضور من غير سماع. والمراد: إسماعهم الأركان فقط لا الخطبة، فإن الزائد لا يشترط ذكره فضلا عن إسماعه. فلو خطب سرا بحيث لم يسمع غيره .. لم تحسب كالأذان. وعن أبي حنيفة: أنها تجزئ، وهو وجه عندنا. فلو رفع الصوت قدر ما يبلغهم، لكن كانوا أو بعضهم صما .. ففيه وجهان: أصحهما: لا تجزئ كما لو لم يسمع شهود النكاح. والثاني: تجزئ كما لو حلف لا يكلم فلانا، وكلمه بحيث يسمع لكنه كان أصم، وكما لو سمعوا الخطبة ولم يفهموا معناها .. لا يضر. والمراد بـ (الكاملين): من اجتمعت فيهم شرائط الوجوب. واعتبار الأربعين وقع كذلك في (المحرر) و (الشرح) وفيه تساهل؛ لأن الأصح: أن الإمام من الأربعين فإن أراد أن يسمع نفسه أيضا فلا يجوز أن يكون أصم، ولكن المراد: إسماع عدد تنعقد به الجمعة. قال: (والجديد: أنه لا يحرم عليهم الكلام، ويسن الإنصات)؛ لأن رجلا دخل والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: متى الساعة؟ فأشار إليه الناس أن أسكت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عند الثالثة: (ما أعددت لها؟) قال: حب الله ورسوله، قال: (أنت مع من أحببت) رواه النسائي] سك 5843 [والبيهقي] 3/ 221 [بإسناد صحيح. والقديم- وهو منصوص (الإملاء) أيضا وقال به الأئمة الثلاثة-: يحرم الكلام، ويجب الإنصات؛ لقوله تعالى:} فاستمعوا له وأنصتوا {.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: من أنكر وجوب الاستماع .. فليس معه من حقيقة هذه المسألة شيء، فيجب القطع بالوجوب على مذهب الشافعي؛ لأنه بنى مذهبه في الخطبة على الاتباع، ولو جاز الكلام .. لما كان في حضور أربعين كاملين فائدة. تنبيهات: أحدها: في تحريم الكلام على الخطيب طريقان أصحهما: القطع بأنه لا يحرم؛ لما روى الشيخان] خ 930 - م 875 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم سليكا الغطفاني وهو يخطب). وفي رواية لمسلم] 875/ 59 [: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس فقال له: (يا سليك قم فاركع ركعتين، وتجوز فيهما)، ثم قال: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب .. فليركع ركعتين وليتجوز فيهما). وروى البيهقي] 3/ 221 [وأصحاب المغازي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم قتلة ابن أبي الحقيق، وسألهم عن كيفية قتله في الخطبة). والمذكور هو: أبو رافع اليهودي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه جماعة من أصحابه ليقتلوه بخيبر، فقتلوه ورجعوا والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فسألهم عنه فأخبروه بقتله. وذكره الغزالي في (الوسيط) و (الوجيز) على غير وجهه. الثاني: كلام المصنف مخصوص بكلام لا يتعلق به غرض مهم ناجز، فأما إذا رأى أعمى يقع في بئر أو عقربا يدب على إنسان فأنذره، أو علم شيئا من الخير أو نهى عن منكر .. فهذا لا يحرم قولا واحدا، والأولى أن يقتصر على الإشارة ما أمكن الاستغناء عنه. الثالث: لا خلاف أنه لا يحرم الكلام قبل الخطبة، ولا بعدها قبل الصلاة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا على من دخل ما لم يأخذ لنفسه مكانا، فكلام المصنف محمول على الحاضرين، والضمير راجع إلى الأربعين. وعلى القديم .. يحرم رد السلام باللفظ، وكذا تشميت العاطس في الأصح؛ لأن المسلم سلم في غير موضعه فلم يرد عليه، وتشميت العاطس سنة فلا يترك له الإنصات الواجب. ومن أصحابنا من قال: لا يرد السلام ويشمت العاطس؛ لأن المسلم مفرط بخلاف العاطس. وصرح في (شرح المهذب) بكراهة السلام للداخل. أما البعيد .. فهو بالخيار بين الذكر والتلاوة والإنصات. ويستحب إذا قال الخطيب:} إن الله وملائكته يصلون على النبي {صلى الله عليه وسلم- أن يصلي عليه المستمع ويرفع بها صوته. الرابع: قال الرافعي- وتبعه صاحب (الحاوي الصغير) -: يكره للحاضر في المسجد إذا صعد الخطيب المنبر أن يتنفل. والمعروف التحريك كما صرح به في (شرح المهذب)؛ لأنه إعراض عن الإمام بالكلية، بل نقل الماوردي فيه الإجماع. وتطويله كإنشائه يحرم أيضا، ولا يستثنى من ذلك إلا التحية للقادم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد .. فلا يجلس حتى يصلي ركعتين).

قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّ تَرْتِيبَ الأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاللهُ أَعَلَمُ. وَالْأَظْهَرُ: اشْتِرَاطُ المُوَالَاةِ. وَطَهَارَةِ الْحَدَثِ والْخَبَثِ. وَالسَّتْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وله أن يصلي السنة وتحصل بها التحية ولا يزيد على ذلك. قال: (قلت: الأصح أن ترتيب الأركان ليس بشرط والله أعلم)؛ لأن المقصود الوعظ وهو حاصل، ولم يرد نص في اشتراط الترتيب. قال: (والأظهر: اشتراط الموالاة)؛ للاتباع. والفرق بين هذا وبين الوضوء: أن للموالاة أثرا ظاهرا في استمالة القلوب الذي هو المقصود من الخطبة، والوضوء لا يفوت مقصوده بترك الموالاة. والثاني: لا تشترط الموالاة كالوضوء، ولأن غرض الوعظ والتذكير يحصل مع تفريق الكلمات، وهذه المسألة مكررة تقدمت عند ذكر الانفضاض. قال: (وطهارة الحدث والخبث، والستر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). والثاني: لا يشترط كما لا يشترط استقبال القبلة. ولا فرق على الصحيح بين الحدث الأكبر والأصغر، وقيل: الخلاف في الحدث الأصغر، فأما الأكبر .. فلا تحسب معه الخطبة قولا واحدا. واشتراط (الستر) من زياداته على (المحرر)، وبقي من شروط الخطبة: اشتراط نيتها- على رأي- وفرضيتها؛ اشترطه القاضي حسين. فرع: لو شك بعد الفراغ من الخطبتين في ترك شيء من فرائضها .. قال الروياني: ليس له الشروع في الصلاة، وعليه إعادة خطبة واحدة إذا كان المشكوك فيه فرضا واحدا ولم يعلم عينه.

وَتُسَنُّ عَلَى مِنْبَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتسن على منبر) بالإجماع، وفي (الصحيحين)] خ 917 - م 544 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب عليه)، ولفظ البخاري: (أنه كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فالتزمه)، وفي رواية له: (فمسحه)] 3583 [، وفي أخرى] 918: [(فسمعنا له مثل أصوات العشار). وفي (صحيح مسلم)] 544 [وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة أن: (مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها)، فعملت هذه الثلاث درجات فكان يخطب عليها. و (كان منبره صلى الله عليه وسلم ثلاث درج غير الدرجة التي تسمى المستراح). ويستحب أن يقف على التي تليها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: روي أن أبا بكر نزل عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم درجة، وعمر درجة أخرى، وعثمان أخرى، ثم وقف علي على موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قلنا: كل منهم له قصد صحيح، وليس فعل بعضهم حجة على بعض. والمختار موافقة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعموم الأمر بالاقتداء به. ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب- وهي جهة يمين المصلي- لأن منبره صلى الله عليه وسلم كان كذلك، فإن خطب على الأرض .. فليقف هناك. ويكره المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين كمنبر مكة الآن. وكان الشيخ رحمه الله تعالى يقول: الخطابة بمكة على منبر بدعة، وإنما السنة: (أن يخطب على الباب كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح)، ولا يقال: إن تلك قضية خاصة فعلت للضرورة.

أَوْ مُرْتَفِعٍ. وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إِذَا صَعِدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جوابه: أن الخلفاء الراشدين أقروا الأمر على ذلك وهم الذين يقتدى بهم، وإنما أحدث ذلك بمكة معاوية بن أبي سفيان. و (المنبر) بكسر الميم مشتق من النبر وهو: الارتفاع. قال: (أو مرتفع)؛ لأنه أبلغ في الإعلام. وظاهر عبارة المصنف التسوية، والذي في (الشرحين) و (الروضة): أن المستحب المنبر، فإن لم يكن .. فالموضع العالي، فإن تعذر ... استند إلى خشبة ونحوها. مهمة: أنكر في زيادات (الروضة) الدق على المنبر، وأفتى الغزالي باستحبابه، والشيخ عماد الدين بن يونس بأنه لا بأس به، وقال: فيه تفخيم للخطبة وتحريك لهمم السامعين وإن كان بدعة، وأنكر الدعاء إذا انتهى صعود الخطيب المنبر قبل أن يجلس، وصرح أبو بكر الفارسي في كتاب (التبصرة) باستحبابه، بل قال: يستحب أن يقف على كل مرقاة وقفة خفيفة يسأل الله تعالى فيها المعونة والتسديد، كذا نقله عنه ابن الصلاح، وصحح أن الخطيب لا يصلي تحية المسجد، بل تسقط بالاشتغال بالخطبة، كما تسقط تحية المسجد الحرام بالطواف، والمعروف نقلا وبحثا استحبابها، كما صرح به البندنيجي والجرجاني وصاحبا (العدة) و (البيان)، ولذلك كان الشيخ عز الدين يصليها قبل صعود المنبر لما خطب بجامع مصر. قال: (ويسلم على من عند المنبر)؛ لما روى البيهقي] 3/ 205 [عن ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دنا من منبره يوم الجمعة .. سلم على من عنده من الجلوس). وعبارة (شرح المهذب): إذا دخل المسجد .. سلم على الحاضرين فيه على عادة الداخلين، فإن انتهى إلى المنبر .. سلم على الذي عنده سلام المفارقة. قال: (وأن يقبل عليهم إذا صعد)، ففي (سنن ابن ماجة)] 1136 [و (الترمذي)] 509 [: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب .. استقبل الناس واستقبلوه).

وَيُسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَيَجْلِسَ ثُمَّ يُؤَذَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويسلم عليهم)؛ لما روى الضياء المقدسي في (أحكامه) وابن عدي في (كامله)] 5/ 253 [عن جابر بن عبد الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر .. استقبل الناس بوجهه، ثم سلم)، لكن في رجاله ابن لهيعة ولا يضره ذلك. والحكمة فيه: أن يسمعه من لم يسمع الأول، ولأنه في صعوده كالمفارق لهم وكان الصحابة يسلم بعضهم على بعض إذا حال بينهم شجرة. وقال الأئمة الثلاثة: هذا السلام الثاني مكروه. قال: (ويجلس ثم يؤذن)؛ لما روى أبو داوود] 1085 [: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر .. جلس حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب). وفي (البخاري)] 912 [عن السائب بن يزيد قال: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حين يجلس الإمام على المنبر، فلما كثر الناس في خلافة عثمان .. أمر الناس بأذان آخر على الزوراء. وقال عطاء: إن الذي أحدثه هو معاوية. قال الشافعي رضي الله عنه: وفعله صلى الله عليه وسلم أحب إلي. وإذا جلس .. يستقبل الناس ويستدبر القبلة. وقوله: (ثم يؤذن) ينبغي أن يقرأ بكسر الذال ليوافق ما في (المحرر) من كون الأذان المذكور يستحب أن يكون من واحد، لا من جماعة كما استحبه أبو علي الطبري وغيره. ولفظ الشافعي في ذلك: وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر، لا جماعة المؤذنين، لأنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد، فإن أذنوا جماعة .. كرهت ذلك، ولا يفسد شيء منه الصلاة؛ لأن الأذان ليس من الصلاة، وإنما هو دعاء إليها. وقول (الوسيط): ويؤذن المؤذنون بين يديه، أنكره عليه ابن الصلاح وغيره.

وَأَنْ تَكُونَ بَلِيغَةً مَفْهُومَةٌ قَصِيرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وان تكون بليغة) أي: فصيحة جزلة؛ لتقع موقعا من القلب. وتكره الألفاظ المشتركة والبعيدة عن الأفهام، وما تنكره عقول الحاضرين. وقال الشافعي: يكون كلامه مسترسلا مبينا معربا، من غير تغن ولا تمطيط. قال: (مفهومة)؛ لقول علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!) رواه البخاري آخر (كتاب العلم)] 127 [. ورواه في (البحر) عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: لا تقولوا ما تقصر عنه الأفهام؛ فيكذبوا الله ورسوله لذلك. قال: (قصيرة)؛ لأن خطب النبي صلى الله عليه وسلم كانت قصدا، رواه مسلم] 866 [. و (كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم). وقال عمار بن ياسر: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب)، وقال صلى الله عليه وسلم: (قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل) رواه مسلم] 869 [. و (المئنة): العلامة. هذا في خطبة الجمعة، أما في غيرها ... فلا؛ ففي (صحيح مسلم)] 2892 [عن أبي زيد عمرو بن أخطب قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل وصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فاخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا). وفي استحباب التقصير مع قولهم: يقرأ في الأولى (ق) إشكال ظاهر.

وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَشِمَالاً فِي شَيْء مِنْهَا. وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصَا وَنَحْوِهِ وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا قَدْرَ (سُورَةِ الإِخْلَاصِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عبد السلام: من أقبح البدع أن يذكر في الخطبة شعرا. لكن روى البيهقي في (شرح الأسماء والصفات)] 419 [عن ابن مسعود: أن عمر كان يكثر أن يقول في خطبه على المنبر] من المتقارب [: فخفض عليك فإن الأمور .... بكف الإله مقاديرها. فليس بآتيك منهيها .... ولا قاصر عنك مأمورها. قال: (ولا يلتفت يمينا وشمالا في شيء منها)؛ لقول البراء بن عازب: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطبنا .. استقبلنا بوجهه ونستقبله بوجوهنا). ولو عبر بقوله: يمينا ولا شمالا بزيادة (لا) كما عبر في (الروضة) تبعا ل (الشرح) .. كان أولى، ولو حذفهما .. كان أعم وأصوب. قال: (ويعتمد على سيف أو عصا ونحوه) كالعنزة؛ ففي (سنن أبي داوود)] 1089 [بإسناد حسن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام متوكئا على قوس أو عصا)، ويقبض ذلك بيده اليسرى كما هو عادة من يريد الضرب بالسيف والرمي بالقوس، ويشغل يده اليمنى بحرف المنبر، فإن لم يجد شيئا .. سكن يديه بجعل اليمنى على اليسرى، أو يرسلهما. و (السيف) جمعه: أسياف وسيوف، وله خمس مئة اسم. قال: (ويكون جلوسه بينهما قدر (سورة الإخلاص))؛ لأنه المأثور من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أكملها. وفي (البحر): أنه أقلها، والمشهور: أن أقلها أن يطمئن كما بين السجدتين. وهل يكون فيها ساكتا أو يقرأ؟ .. لم يصرحوا به، لكن في (كتاب ابن حبان)

وَإِذَا فَرَغَ .. شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإقَامَةِ، وَبَادَرَ الْإِمَامُ لَيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ. وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى (الْجُمُعَةَ)، وَفِي الْثَّانِيِةِ (الْمُنَافِقِينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ ] 2803 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في جلوسه من كتاب الله)، وقال القاضي حسين: الدعاء فيه مستجاب. قال: (وإذا فرغ ... شرع المؤذن في الإقامة، وبادر الإمام ليبلغ المحراب مع فراغه) تحقيقا للموالاة، وتخفيفا على الحاضرين، ويستحب أن يختم الخطبة بالاستغفار. قال: (ويقرأ في الأولى (الجمعة)، وفي الثانية (المنافقين)) رواه مسلم] 877 [من حديث ابن عباس وأبي هريرة وفيه: أن عليا وأبا هريرة فعلا ذلك، وفي بعض طرفه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك). وفيه] 878 [أيضا عن النعمان بن بشير: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية). قال الشافعي: فلو قرأ بذلك .. كان حسنا. وجعل ذلك بعضهم قولا قديما وجعل المسألة على قولين، وليس كذلك بل كل منهما سنة، فلو قرأ سورة (المنافقون) في الأولى .. قرأ (الجمعة) في الثانية. قال الشيخ عز الدين: وقراءة سورة كاملة أفضل من بعض (الجمعة) و (المنافقون)، وقراءة بعضهما أفضل من قراءة مثلهما من غيرهما، إلا أن يكون غيرهما مشتملا على الثناء كآية الكرسي وأول سورة (الحديد) وآخر سورة (الحشر).

فصل

جَهْراً. فَصْل: يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (جهرا) بالإجماع، وهذا من زياداته على (المحرر). تتمة: روى الحافظ المنذري في جزء جمعه في (غفران ما تقدم من الذنوب وما تأخر) من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ إذا سلم الإمام يوم الجمعة قبل أن يثني رجله (فاتحة الكتاب)، (قل هو الله أحد)، و (المعوذتين) سبعا سبعا .. غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطى من الأجر بعدد كل من آمن بالله ورسوله). وروى ابن السني] 375 [من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ بعد صلاة الجمعة (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) سبع مرات .. أعاذه الله من السوء إلى الجمعة الأخرى). قال أبو طالب المكي: ويستحب له بعد الجمعة أن يقول: يا غني يا حميد، يا مبدئ يا معيد، يا رحيم يا ودود؛ أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، يقال: من واظب على هذا الدعاء .. أغناه الله تعالى عن خلفه، ورزقه من حيث لا يحتسب. قال: (فصل: يسن الغسل لحاضرها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم الجمعة .. فليغتسل) متفق عليه] خ 877 - م 844 [من رواية ابن عمر.

وَقِيلَ: لِكُلِّ أَحَدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق في الحاضر بين الرجل والمرأة والصبي والعبد والمسافر، وقيل: لمن حضرها من أهلها؛ لأن الخطاب كان لهم. قال: (وقيل: لكل أحد) حضر أو لم يحضر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) - أي: بالغ- رواه الشيخان] خ858 - م 846 [. وفيهما] خ 898 - م 849 [أيضا: (حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما) زاد النسائي] 3/ 93 [بإسناد صحيح: (هو يوم الجمعة). وإنما صرفه عن الوجوب ما رواه أحمد] 5/ 15 [وأبو داوود] 358 [والترمذي] 497 [والنسائي] 3/ 94 [من رواية الحسن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة .. فيها ونعمت، ومن اغتسل .. فالغسل أفضل) قيل: معناه فبالسنة، وقيل: بالرخصة أخذ ونعمت الفعلة. وهو وإن كان مرسلا كما قال الترمذي، لكن يقوى بما روى مسلم] 845 [عن أبي هريرة قال: بينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون عن النداء؟! فقال: يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت، فقال عمر: والوضوء أيضا! ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا جاء أحدكم الجمعة .. فليغتسل). وذكر الطبراني] طس 7997 [ذلك مرفوعا من رواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب فدخل رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يبطئ أحدكم ثم يتخطى رقاب الناس ويؤذيهم)، فقال: ما زدت على أن سمعت النداء فتوضأت، فقال: (أو يوم وضوء هو؟!). وهذه القصة تدل على أن الأمر به ندب، وعليه حمل الشافعي قول عليه الصلاة والسلام: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) أراد: وجوب الاختيار. لكن في (شرح غنية ابن سريج) لبعض أصحاب القفال عن القديم: أنه واجب. وفي (الرسالة) للشافعي في وجوبه احتمالان، واحتمالات الشافعي أقوال. وفي كراهة ترك الغسل وجهان: أصحهما: نعم.

وَوَقْتُهُ: مِنّ الْفَجْرِ، وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ أَفْضَلُ، فَإِنْ عَجَزَ ... تَيَمَّمَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وهذا عندي جار في كل مسنون صح الأمر به مقصودا. ولا يبطل الغسل للجمعة بالحدث ولو كان أكبر. قال: (ووقته: من الفجر)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم علقه باليوم في الحديث المتقدم وفي قوله: (من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى .. فكأنما قرب بدنة ..) الحديث. وقيل: من نصف الليل كغسل العيد، وهو ضعيف جدا. قال: (وتقريبه من ذهابه أفضل)؛ لأنه أقرب إلى تحصيل المقصود منه، وهو: دفع الروائح الكريهة. فلو كان لا يقدر على الغسل إلا بأن يتأخر عن التبكير، فأي الشيئين أولى بالمراعاة؟ .. فيه نظر، والظاهر: أن مراعاة الغسل أولى؛ للاختلاف في وجوبه. قال: (فإن عجز ... تيمم في الأصح) كما في سائر الأغسال؛ لأن الشرع أقامه مقامه. والثاني: لا؛ لأن المقصود منه التنظيف، والتيمم ينافيه، وهذا احتمال للإمام أثبته الغزالي وجها. وسلم الغزالي: أن الحاج يتيمم إذا لم يجد ماء يغتسل به؛ لان التيمم يلائم الحاج فإنه أشعث أغبر. وفي (فتاوى ابن الصلاح): أن الإمام والغزالي من أصحاب الوجوه وقد رقم الغزالي بـ (الواو) بخلاف الإمام كثيرا. وقول ابن الرفعة في (المطلب) في (صفة الصلاة): إنهما ليسا من أصحاب الوجوه، لا يوافق عليه بل ابن الرفعة نفسه ينبغي أن يكون منهم.

وَمِنْ الْمَسْنُونِ: غُسْلُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالاِسْتِسْقَاءِ، وَلِغَاسِلِ الْمَيِّتِ، وَالْمَجْنُونِ والْمُغْمَى عَلَيْهِ إَذَا أَفَاقَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد وقع في (المنهاج) مواضع كثيرة عد فيها خلاف الإمام وجها، منها هذا. ومنها قوله في (اللقيط): (وغن أخذ ليعرف ويتملك .. فأمانة مدة التعريف، وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح). وفي (اللعان) في قوله: (ولو وطئ وعزل .. حرم على الصحيح). وفي (العدد) في الإحداد: (وكذا اللؤلؤ في الأصح). وفي (كيفية القصاص): (والصحيح: قطع ذاهبة الأظفار بسليمتها دون عكسه)، ليس في عكسه إلا احتمال للإمام. وفي (الزنا) في قوله: (ويحد الرقيق سيده أو الإمام، فإن تنازعا .. فالأصح: الإمام)، فالأوجه الثلاثة احتمالات للإمام. قال: (ومن المسنون: غسل العيد والكسوف والاستسقاء)؛ لأن الناس تجتمع لها. قال: (ولغاسل الميت) سواء كان كبيرا أو صغيرا، ذكرا أم أنثى، مسلما أم كافرا؛ لعموم قوله: (من غسل ميتا .. فليغتسل) حسنه الترمذي] 993 [، وصححه ابن حبان] 1161 [، لكن قال أحمد والبخاري: إنه موقوف على أبي هريرة. وصرفنا عن الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه) قال الحاكم] 1/ 386 [: إنه على شرط البخاري، وبهذا قال المزني، لكنه يستحب أيضا وقواه في (شرح المهذب). وقال في القديم: إنه واجب؛ لظاهر الأمر به. ثم اختلفوا فيه فقيل: إنه تعبد، وقيل: لنجاسة الميت عند القائل به. قال: (والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا)؛ لأنه قل من جن إلا وينزل، وإنما لم نوجبه؛ لأن أثر الإنزال يظهر بوجود المني. وأما المغمى عليه .. فدليل استحباب الغسل له حديث مرض النبي صلى الله عليه

وَالْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ، وَأَغْسَالُ الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم وفيه: فأغمى عليه ثم أفاق فقال: (أصلى الناس؟) قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله؛ فقال: (ضعوا لي ماء في المخضب)، ففعلنا فاغتسل منه، متفق عليه] خ 687 - م418 [. و (المخضب) بالكسر: شبه المركن، وهو: إجانة تغسل فيها الثياب. قال: (والكافر إذا أسلم)؛ تعظيما للإسلام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به قيس بن عاصم، كما رواه أبو داوود] 359 [والترمذي] 605 [، وصححه ابن خزيمة] 254 [وابن حبان] 1240 [، وصححا أيضا] خز 253 - حب 1238 [: (أنه صلى الله عليه وسلم أمر به ثمامة بن أثال الحنفي)، وأصله في (الصحيحين)] خ 4372 - م 1764 [وإن قلنا: لا يجب؛ لأنه توبة من معصية فأشبه غيره، ولأن جماعة أسلموا فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به. ثم الأصح: أنه بعد الإسلام إذ لا سبيل إلى تأخير الإسلام الواجب. وقيل: قبيله، وهو غلط. كل هذا إذا لم يعرض له في حال الكفر ما يوجب الغسل من حيض أو جنابة، فإن عرض له ذلك .. لزمه الغسل بعد الإسلام. وقال الإصطخري: يسقط بالإسلام؛ لأنه يهدم ما قبله. وقيل: إن اغتسل في الكفر .. كفاه، وإلا ... لزمه، وعلى المذهب ... تلزمه الإعادة. ويستحب له أيضا حلق رأسه بعد الغسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به رواه أبو داوود] 360 [ولم يضعفه. قال: (وأغسال الحج)؛ لما سيأتي فيه.

وَآَكَدُهَا: غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْجُمْعَةِ، وَعَكَسَهُ: الْقَدِيمُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ، وَرَجَّحَهُ الأَكْثَرُونَ، وَأَحَادِيثُهُ صَحِيحَةٌ كَثِيرةُ وَلَيْسَ لِلجَدِيدِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وآكدها: غسل غاسل الميت ثم الجمعة) استدل له الرافعي والمصنف وابن الرفعة بأن غسل الغاسل اختلفوا في وجوبه بخلاف غسل الجمعة، وما ذكروه من نفس الخلاف في الجمعة مردود بما تقدم. وقيل: هما سواء؛ لتعارض الأدلة. قال: (وعكسه: القديم) فقال: إن غسل الجمعة آكد؛ لأن الأخبار فيه أصح وأثبت. قال: (قلت: القديم هنا أظهر، ورجحه الأكثرون، وأحاديثه صحيحة كثيرة، وليس للجديد حديث صحيح والله أعلم). قال الشيخ: هو كما قال، لكن اعترض عليه بما تقدم من تحسين الترمذي] 993 [وتصحيح ابن حبان] 1161 [حديث الأمر به، وروى من عدة طرق صحيحة. قال الماوردي: خرج بعض أصحاب الحديث لصحته مئة وعشرين طريقا. وتظهر فائدة القولين فيما إذا أوصى بماء لأحق الناس به، فحضر مريد الجمعة ومن غسل ميتا. تنبيهان: أحدهما: بقي من الأغسال المسنونة الغسل للاعتكاف نقله ابن خيران عن الشافعي، ولكل ليلة من شهر رمضان قاله الحليمي، ولحلق العانة ولبلوغ الصبي بالسن قالهما في (الرونق)، ولدخول حرم مكة قاله الخفاف، ولدخول مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في بابه- ونقل الإمام وابن الرفعة عن صاحب (التلخيص): أنه يستحب لدخول الكعبة أيضا، وبين شيخنا في (أوهام الكفاية) وهمهما في ذلك- وللحجامة والخروج من الحمام نص عليهما في (جمع الجوامع)، وفي (سنن أبي داوود)] 352 [و (البيهقي)] 1/ 300 [دليل ذلك.

وَالتَّبْكِيرُ إِلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الصلاح: والمراد الغسل عند إرادة الخروج منه، وهو الذي اعتاده الخارجون من صب الماء على أجسادهم عند الخروج. وفي (سنن البيهقي)] 1/ 300 [: أن ابن عمر كان يغتسل منهما، ومن نتف الإبط أيضا. ويستحب لكل اجتماع، وفي كل حال تتغير فيه رائحة البدن كما سيأتي. الثاني: سئل الشيخ عن الأغسال المسنونة: هل تقضى؟ فقال: لم أر فيها نقلا، والظاهر: لا؛ لأنها إن كانت للوقت .. فقد فات، أو للسبب .. فقد زال. قال: (والتبكير إليها) أي: من المأموم؛ لقوله تعالى:} أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون {وقال صلى الله عليه وسلم: (على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول) رواه الشيخان] خ 3211 - م 850/ 24 [. وفيهما] خ 881 - م 850 [: (من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى .. فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية .. فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة .. فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة .. فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة .. فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام .. حضرت الملائكة يستمعون الذكر) زاد النسائي] 3/ 98 [في الخامسة: (كالذي يهدي عصفورا)، وفي

مَاشِياّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (مسند أحمد)] 2/ 259 [: (بطة أو إوزة). والساعة معتبرة: من طلوع الفجر، وقيل: من طلوع الشمس، وقيل: من الزوال ويكون أطلقها على اللحظات، ويبعده قوله صلى الله عليه وسلم: (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، فيه ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئا إلا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) رواه أبو داوود] 1041 [، وقال الحاكم] 1/ 279 [: صحيح على شرط مسلم. ويستحب الدنو من الإمام لما روى أبو داوود] 1101 [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احضروا الذكر وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها). وينبغي أن ينوي- في سعيه- الاعتكاف في المسجد إلى انقضاء الصلاة. قال: (ماشيا)، ففي الصحيح: (ما ركب النبي صلى الله عليه وسلم في عيد ولا جنازة)، ولم يذكر الجمعة؛ لأن باب حجرته كان في المسجد. وقال صلى الله عليه وسلم: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ .. كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) حسنه الترمذي] 496 [، وصححه الحاكم] 1/ 282 [وابن حبان] 2781 [. يروى: (غسل) بالتخفيف؛ أي: غسل أعضاء الوضوء، واغتسل في جميع بدنه، واختاره ابن الصلاح. ويروى بالتشديد؛ أي: جامع فأوجب الغسل على غيره. ويروى بعين مهملة وبالتشديد، ومعناه كالذي قبله. ومعنى (بكر وابتكر): جاء في أول الوقت وأدرك أول الخطبة، وقيل: بكر في الزمان وابتكر في المكان. ومعنى (مشى ولم يركب): أمكنه الركوب فتركه ابتغاء الثواب.

بِسَكِينَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: أول بدعة ظهرت: ترك التبكير إلى الجامع يوم الجمعة. غير أنه يستثنى من ذلك الإمام، فلا يستحب له التبكير بل: (يأتي حين يصعد المنبر كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم). ويستثنى من له عذر من مرض ونحوه، فلا يكره له الركوب إليها. هذا في الذهاب إليها، أما العود منها .. فصرح الرافعي وغيره بأن المشي فيه لا يستحب، بل يكون مخيرا فيه إذا لم يحصل من الركوب ضرر، مستدلين بأن العبادة قد انقضت. والصواب: أن الذهاب كالعود، وهو وجه حكاه شارح (التعجيز)؛ لما روى مسلم] 663 [عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار كان بيته في أقصى المدينة، ومات لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتوجعنا له فقلت له: يا فلان، لو أنك اشتريت حمارا تركبه في الظلماء ويقيك من الرمضاء ويقيك هوام الأرض؟ فقال: إني أحب أن يكتب لي ممشاي في ذهابي وعودي، فقال صلى الله عليه وسلم: (قد فعل الله لك ذلك). لكن روى أحمد في (مسنده) عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل البيت القريب من المسجد على البعيد منه كفضل المجاهد على القاعد عن الجهاد). قال: (بسكينة) هذا مستحب في الجمعة وغيرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة .. فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة) رواه الشيخان] خ 908 - م 602 [. هذا إذا لم يضق الوقت، فإن ضاق .. ففي (الشرح) و (الروضة): لا يبعد القول بوجوب السعي، وقالا في (باب الصيد والذبائح): إنه لا يكلف في هذه الحالة زيادة على طبعه.

وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ بِقرَاءةٍ أَوْ ذِكْرٍ. وَلَا يَتَخَطَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي في (الإقناع): يمشي بالسكينة وإن ضاق الوقت. قال: (وأن يشتغل في طريقه وحضوره) أي: قبل الخطبة (بقراءة أو ذكر)، وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مجلسه تقول: اللهم؛ اغفر له، اللهم؛ ارحمه ما لم يحدث، وإن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه). ولفظ (الطريق) من زيادة الكتاب وهي حسنة، لكن في كراهة القراءة في الطريق خلاف والمختار: أنه لا كراهة فيها ما لم يلته صاحبها، فإن التهى .. كرهت. قال: (ولا يتخطى)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له: (اجلس؛ فقد آذيت) رواه الحاكم] 1/ 288 [وابن حبان] 2790 [. وقال صلى الله عليه وسلم: (من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة .. اتخذ جسرا إلى جهنم) رواه الترمذي] 513 [. وقال القفال: إذا كان له موضع يألفه وهو معظم عند الناس .. لم يكره؛ لأن عثمان تخطى الرقاب إلى موضعه وعمر يخطب فلم ينكر عليه. واستثنى في (الشرح) و (الروضة) و (الكفاية) ما إذا كان إماما، أو بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي، وقد تقدم أنه مقيد بما بعد صف أو صفين، فإن زاد على ذلك .. كره. وقال ابن المنذر: التخطي حرام، وعده صاحب (العدة) من الصغائر. فروع: لا يجوز لأحد أن يقيم أحدا من مجلسه ويقعد فيه إلا الذي قعد في موضع الإمام، أو في الطريق بحيث يمنع الناس من الاجتياز، أو بين الصفين مستدبر القبلة والمكان ضيق.

وَأَنْ يَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو بعث إنسانا يجلس في مكان حتى إذا جاء يقوم له ويجلس هو فيه .. لم يكره؛ لأن محمد بن سيرين كان يرسل غلامه يوم الجمعة يشغل له موضعا، فإذا جاء .. قام وجلس هو فيه. ولو بعث شيئا يفرش له حتى إذا جاء جلس فيه .. قال في (الأم): ليس لغيره أن يصلي عليه؛ لأن ملك غيره. وقال الشيخ أبو محمد: له أن ينحيه ويجلس في المكان؛ لأن الحرمة للإنسان دون فرشه. قال: (وأن يتزين بأحسن ثيابه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته .. كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها) رواه ابن حبان] 2778 [، والحاكم] 1/ 238 [وقال: على شرط الشيخين. وقال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته لجمعته) رواه النسائي وأبو داوود] 1071 [. ويستحب للإمام أن يزيد على سائر الناس في الزينة؛ لأنه المنظور إليه والمقتدى له، وينبغي: (أن يعتم ويرتدي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل). وأفضل الثياب: البياض لقوله صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم) رواه الترمذي] 994 [. فإن لبس مصبوغا .. فلا بأس.

وَطِيبٌ. وَإِزَالَةُ الْظُّفْرِ] والْرِّيحِ [ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الإحياء): يكره له لبس السواد، وفي (باب الأمر بالمعروف): لا يكره ولا يستحب. وقال في (الأحكام السلطانية): ينبغي له لبس السواد، والظاهر: أنه أراد في زمنه وهي الدولة العباسية؛ فإنه كان شعارهم. قال المصنف: والصحيح أنه لا يلبسه إلا أن يظن ترتب مفسده على تركه. وقال الشيخ عز الدين: المواظبة على لبس السواد بدعة، فإن منع أن يخطب إلا به .. فليفعل. قال: (وطيب)؛ لما تقدم، وروى مسلم] 846/ 7 [عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة على كل محتلم، وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه)، وفي رواية] 846 [: (ولو من طيب المرأة). ويستوي في استحباب الطيب كل من أراد حضور الجمعة من الرجال والصبيان والعبيد إلا النساء، فيكره لمن أرادت منهن الحضور الطيب والزينة وفاخر الثياب، ويستحب لها قطع الرائحة الكريهة. قال: (وإزالة الظفر] والريح [) وكذا الشعر إن طال؛ لما روى البزار] كشف 1/ 299 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة). يقال: قلمت ظفري، وقلمت أظفاري شدد للكثرة، و (القلامة): ما سقط منه. فروع: يستحب حلق العانة. قال المصنف: والمستحب للمرأة النتف، ويجب عليها إذا أمرها به زوجها على الأصح، فإن تفاحش ... وجب قطعا.

قُلْتُ: وَأَنْ يَقْرَأَ (الْكَهْفَ) يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقوم مقام الحلق القص والنتف، ويكره أن يوليه غيره إلا زوجته وجاريته التي يباح لها النظر إلى عورته فيجوز مع الكراهة. و (العانة): الشعر النابت حوالي ذكر الرجل وقبل المرأة. وفي (ودائع ابن سريج): أنها الشعر المستدير حول الدبر. قال المصنف: والأولى حلق الجميع. ويستحب دفن ما يزيله من شعر وظفر ودم؛ لما روى الدارقطني والبيهقي في (الشعب)] 6487 [عن ميل بنت مشرح الأشعري: أن أباها مشرحا- وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- قص أظفاره فجمعها ثم دفنها ثم قال: (هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل)، وفي رواية] هب 6488 [: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بدفن الشعر والأظفار)، لكن إسناده ضعيف. والتوقيت في إزالة الشعور والظفر: بالطول ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وقد صح عن أنس أنه قال: (أقت لنا في ذلك أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة)، وذلك مرفوع على الصحيح. وقد نص الشافعي على استحباب ذلك في أيام الجمع، لكن يستثنى منه ما سيأتي في (باب الأضحية): أن من أراد أن يضحي .. يكره له فعل ذلك في عشر ذي الحجة. ثم استحباب الغسل والتطيب، وإزالة الشعر والظفر والروائح الكريهة، ولبس أحسن الثياب ليس مختصا بالجمعة، بل هو مستحب لكل من أراد حضور مجمع من مجامع الناس، نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وغيرهم، ولكنها في الجمعة أشد استحبابا. قال: (قلت: وأن يقرأ (الكهف) يومها وليلتها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ الكهف في يوم الجمعة .. أضاء له من النور ما بين الجمعتين) رواه الحاكم] 2/ 368 [وقال: صحيح الإسناد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الدارمي] 3450 [والبيهقي] 3/ 249 [: (لأن من قرأها ليلة الجمعة .. أضاء له نور ما بينه وبين البيت العتيق). وفي بعض طرقه: (وغفر له إلى الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وعوفي من الداء والدبيلة، وذات الجنب والبرص، والجذام وفتنة الدجال). وفي (شعب البيهقي)] 2448 [عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سورة الكهف) تدعى في التوراة: الحائلة؛ تحول بين قارئها وبين النار). وفي (الذخائر): أن وقت قراءة (الكهف) قبل طلوع الشمس، وقيل: بعد العصر، وقال بعض المتأخرين: عند الخروج من المسجد. وعبارة المصنف تقتضي: أن يقرأها مرة في الليل ومرة في النهار وفيه نظر؛ فقد نص الإمام الشافعي رضي الله عنه على استحباب الإكثار من قراءتها ليلا ونهارا من غير ضبط بعدد. أما إذا اقتصر على قراءتها مرة .. فالنهار أولى من الليل. والحكمة في قراءتها يوم الجمعة: أن الله تعالى ذكر فيها أهوال يوم القيامة، والجمعة تشبهها لما فيها من اجتماع الخلق وقيام الخطيب، ولأن القيامة تقوم يوم الجمعة فإذا قرئت في النهار .. تذكر بها ذلك، وإذا قرئت في ليلتها .. ذكر بها ليلة ليس بعدها إلا يوم القيامة. وفي (الدارمي)] 3446 [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا (سورة هود) يوم الجمعة). وفي (الترمذي)] 2889 [: (من قرأ (سورة الدخان) ليلة الجمعة .. غفر له). وفي (تفسير الثعلبي)] 3/ 5 [عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ (سورة آل عمران) يوم جمعة .. صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس). وفي (الطبراني): (من قرأها يوم جمعة .. غربت الشمس بذنوبه). والظاهر أن الحكمة في ذلك: أن الله تعالى ذكر فيها خلق آدم عليه الصلاة والسلام

وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في قوله تعالى:} إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب {، وآدم خلق يوم الجمعة. قال: (ويكثر من الدعاء) رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، وصوب المصنف: أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، وقيل: من الفجر إلى طلوع الشمس، وقيل: ما بين الزوال إلى دخول الإمام في الصلاة، وقيل: بعد العصر إلى الغروب. والأصل في ساعة الإجابة: ما رواه البخاري] 935 [ومسلم] 757 [وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئا .. إلا أعطاه إياه)، وقال بيده يقللها. والمراد بكونه قائما يصلي أي: ينتظر الصلاة. وأراد بالقيام: الملازمة كقوله تعالى:} إلا ما دمت عليه قائما {. ويستحب كثرة الصدقة وفعل الخير في ليلتها ويومها. قال (والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه) رواه أحمد] 4/ 8 [وأبو داوود] 1040 [والحاكم] 1/ 278 [وابن حبان] 910 [عن أوس بن أوس. وفي (سنن البيهقي)] 3/ 249 [- بإسناد جيد- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة؛ ويوم الجمعة فمن صلى علي صلاة .. صلى الله عليه بها عشرا) صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (أقربكم مني في الجنة أكثركم علي صلاة، فأكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر). قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (الليلة الغراء): ليلة الجمعة، و (اليوم الأزهر): يومها. قال أبو طالب المكي: وأقل ذلك ثلاث مئة مرة.

وَيَحْزُمُ عَلَى ذِي الْجُمْعَة التَّشَاغُلُ بِالبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة .. غفر الله له ذنوب ثمانين سنة، قيل: يا رسول الله؛ كيف الصلاة عليك؟ قال: (تقول: اللهم؛ صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وتعقد واحدة)). قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان: إنه حديث حسن. قال: (ويحرم على ذي الجمعة التشاغل بالبيع وغيره) أي: من العقود والصنائع (بعد الشروع في الأذان بين يدي الخطيب)؛ لقوله تعالى:} إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع {. والمراد بـ (ذي الجمعة): من يلزمه السعي إليها. تنبيه: احترز بقوله: (ذي الجمعة) عمن لا تلزمه، فإذا تبايع اثنان لا تلزمهما .. لا إثم عليهما، فلو لزمت أحدهما فقط .. اختص التحريم بالمخاطب بها دون الآخر على المنصوص وقول الأكثرين. وفي (الرافعي): أنهما يأثمان؛ لأن الذي ليس من أهلها أعان على معصية. وأشار بـ (التشاغل) إلى جوازه في الطريق وفي المسجد، وهو كذلك؛ لعدم منافاته السعي. وقوله: (بين يدي الخطيب) أشار به إلى أنه الأذان الذي كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر كما تقدم.

فَإِنْ بَاعَ .. صَحَّ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ الأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن باع .. صح)؛ لأن النهي لمعنى خارج عن العقد، ولم يمنع الصحة كالصلاة في الدار المغصوبة. قال: (ويكره قبل الأذان بعد الزوال والله أعلم)؛ لأن وقتها قد دخل، فلا يليق الاشتغال بغيرها. قال الشيخ جمال الدين: ينبغي أن لا يكره في بلد يؤخرون فيها الصلاة تأخيرا كثيرا كمكة لما فيه من الضرر. أما قبل الزوال .. فلا يكره بحال. فرع: يستحب إذا أتى المسجد أن يقدم رجله اليمنى في الدخول قائلا: (بسم الله، اللهم؛ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك). قال المزني: ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (اللهم؛ اجعلني من أوجه من توجه إليك، وأقرب من تقرب إليك، وأنجح من دعاك وتضرع إليك، وأربح من سألك وطلب إليك). تتمة: اتفق الأصحاب وغيرهم على كراهة تشبيك الأصابع في طريقه إلى المسجد وفي المسجد يوم الجمعة وغيره، وسائر أنواع العبث ما دام قاعدا في الصلاة أو منتظرها؛ لأنه في صلاة، واحتجوا بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى المسجد .. فلا يشبكن بين أصابعه؛ فإنه في صلاة) رواه أبو داوود] 563 [والترمذي] 386 [بإسناد ضعيف.

فصل

فَصْلٌ: مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ ... أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الإِمَامِ رَكْعَةً، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَهُ .. فَاتَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والاعتماد على ما رواه مسلم] 602 [عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة)، ولا يخالف هذا ما رواه البخاري] 482 [وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شبك أصابعه في المسجد بعد ما سلم من الصلاة عن ركعتين في قصة ذي اليدين)، و (شبك في غيره)؛ لأن الكراهة إنما هي في حق المصلي وقاصد الصلاة، وهذا كان منه صلى الله عليه وسلم بعدها. قال: (فصل: من أدرك ركوع الثانية .. أدرك الجمعة، فيصلي بعد سلام الإمام ركعة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها) متفق عليه] خ 580 - م 607 [. وفي (المستدرك)] 1/ 291 [: (من أدرك من الجمعة ركعة .. فليصل إليها أخرى). هذا إذا أكملها الإمام، أما لو خرج منها قبل السلام .. فلا، ويرشد إليه قوله: (فيصلي بعد سلام الإمام ركعة) والمراد: الركوع المحسوب للإمام. وعبارته توهم: أن الركوع المحسوب للإمام وحده كاف، فيجوز لمن أدركه إخراج نفسه وإتمامها منفردا وليس كذلك، وعبارة (المحرر): من أدرك مع الإمام ركعة وهي أصوب. ويجهر المسبوق في هذه الركعة بالقراءة، ذكره في (الشامل) في (صلاة الخوف) ناقلا له عن النص وهو القياس. قال: (وإن أدركه بعده .. فاتته)؛ لمفهوم الحديث المذكور.

فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِ الإِمَامِ ظُهْراً أَرْبَعاً، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَنْوِي فِي اقْتِدَائِهِ الجُمْعَةَ. وَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ مِنْ الجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ .... جَازَ الاِسْتِخْلَافُ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فيتم بعد سلام الإمام ظهرا أربعا) سواء كان عالما بالحال أو جاهلا؛ لزوال شرطها هذا قول أكثر العلماء. وقال أبو حنيفة: تدرك الجمعة بالتشهد كغيرها من الصلوات. وأشار بقوله: (فيتم) إلى أنه لا يحتاج إلى استئناف نية. قال: (والأصح: أنه ينوي في اقتدائه الجمعة)؛ موافقة للإمام، ولأنه لا يحصل اليأس إلا بالسلام؛ لاحتمال أن يتذكر الإمام ترك ركن فيجب الإتيان بركعة، فيكون مدركا للجمعة. والثاني: ينوي الظهر؛ لأنها الحاصلة له. والظاهر: مضي الجمعة على الصحة. قال: (وإذا خرج الإمام من الجمعة أو غيرها بحدث أو غيره .. جاز الاستخلاف في الأظهر) سواء غلبه ذلك أم فعله مختارا، عالما بالصلاة أو جاهلا، ففي (الصحيحين)] خ 1201 - م 421 [عن سهل بن سعد: (أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس لغيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إصلاحه بين الطائفتين من الأنصار، ثم رجع صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة فتقدم وتأخر أبو بكر، وائتموا برسول الله صلى الله عليه وسلم في بقية الصلاة). والثاني- وهو القديم-: لا يجوز؛ لأنها صلاة واحدة، فيمتنع فيها ذلك كما لو اقتدى بإمامين دفعة واحدة، ويكون ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لعلو منصبه] فلا [يتقدمه أحد. والصحيح الأول، ومنهم من قطع به في غير الجمعة وخص القولين بالجمعة- وقواه في (شرح المهذب) - لكن في الاستدلال بالحديث نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه أن يثبت، وإنما فعل ذلك أبو بكر رضي الله عنه أدبا، وإنما ينبغي

وَلَا يَسْتَخْلِفُ لِلجُمُعَةِ إِلاَّ مُقْتَدِياً بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهً حَضَرَ الخُطْبَةَ وَلَا الرَّكْعَةَ الأُولَى فِي الأَصَحِّ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستدلال باستخلاف عمر رضي الله عنه عبد الرحمن بن عوف لما طعن، كما رواه البيهقي] 3/ 113 [وغيره. ويشترط أهلية الخليفة لإمامتهم، فلو استخلف امرأة لرجال ... لغا. ولو لم يستخلف الإمام وكان خروجه من الصلاة في الركعة الأولى من الجمعة .. وجب على القوم تقديم واحد، وإن كان في الثانية أو في غير الجمعة .. جاز ولم يجب. قال: (ولا يستخلف للجمعة إلا مقتديا به قبل حدثه)؛ لأنه لا يجوز افتتاح جمعة بعد انعقاد جمعة أخرى، وهذا لا خلاف فيه، فلو خالف وفعل، فهل تبطل صلاة هذا الخليفة، أو تكون ظهرا؟ .. فيها القولان في صحة الظهر قبل فوات الجمعة، والمشهور: عدم الصحة، وفي انعقادها نقلا القولان في نظائره. قال: (ولا يشترط كونه حضر الخطبة)؛ لأنه صار بالاقتداء في حكم من حضرها، ولهذا تصح جمعته كما تصح جمعة الحاضرين السامعين. وقيل: يشترط ذلك كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها .. فإنه لا يصح. والخلاف في مجرد حضور الخطبة، ولا يشترط سماعها بالاتفاق. قال: (ولا الركعة الأولى)؛ لما تقدم، إلا أن الخليفة لا يصلي الجمعة في هذه الحالة كما سيأتي. قال: (في الأصح فيهما) أي: إن قلنا: يشترط حضور الخطبة .. اشترط حضور الركعة الأولى، وإلا .. فلا في الأصح. والخلاف في الثانية مرتب على الخلاف في الأولى وأولى بالمنع، لكنه عبر في الثانية في (الروضة) و (شرح المهذب) بالأظهر، فهو مخالف لتعبير الكتاب. ولو استخلف في أثناء الخطبة .. فالأصح: جوازه، وكذلك بين الخطبة والصلاة وشرطه: أن يكون الخليفة سمع الخطبة على المذهب؛ لأن من لم يسمع .. ليس من أهل الجمعة.

ثُمَّ إِنْ كَانَ أَدْرَكَ الأُولَى .. تَمَّتْ جُمُعَتُهُمْ، وَإِلاَّ .. فَتتِمُّ لَهُمْ دُونَهُ فِي الأَصَحِّ، وَيُرَاعِي الْمَسْبُوقُ نَظْمَ الْمُسْتَخْلِفِ، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً .. تَشَهَّدَ وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ لِيُفَارِقُوهُ أَوْ يَنْتَظِرُوا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك لو بادر أربعون من السامعين بعد الخطبة فعقدوا الجمعة .. انعقدت لهم بخلاف غيرهم. وإنما يصير غير السامع من أهل الجمعة إذا دخل في الصلاة. قال الشيخ: فإذا تأملت هذا الكلام .. ظهر لك: أن الشرط هنا حقيقة السماع، ولا يكفي الحضور بخلاف المسألة المتقدمة، وهو مما يرشد إلى أن سماع الأربعين حقيقة لا بد منه في أصل الباب. قال: (ثم إن كان أدرك الأولى .. تمت جمعتهم) أي: جمعة الجميع، سواء كان حدث الإمام في الأولى أو الثانية. وقيل: إن الخليفة يصلي الظهر، والقوم يصلون الجمعة. قال: (وإلا .. فتتم لهم دونه في الأصح) فيهما؛ لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة، فيتمها ظهرا، بخلاف ما إذا استمر مأموما إلى آخر الصلاة؛ فإنه إذا أدرك ركعة .. جعل تبعا للإمام في إدراك الركعة، والخليفة إمام لا يمكن جعله تبعا للمأمومين. والثاني: يتمها الإمام جمعة أيضا؛ لأنه صلى ركعة في جماعة فأشبه المسبوق. والثالث: أن القوم أيضا يتمونها ظهرا لا جمعة تبعا للإمام. وتعبيره ب (الأصح) يقتضي: قوة الخلاف وهو عكس عبارة (الروضة). ولك أن تقول جواز تقديم المأموم نفسه في هذه الحالة مشكل؛ لأن من فرضه الجمعة لا يجوز له أن يصلي الظهر مع إمكان الجمعة، فهو بتقديم نفسه مفوت للجمعة، فينبغي أن لا يجوز له أن يصير نفسه إماما. قال: (ويراعي المسبوق نظم المستخلف) أي: وجوبا (فإذا صلى ركعة .. تشهد وأشار إليهم ليفارقوه أو ينتظروا)؛ لأنه قائم مقامه. وأشار ب (المراعاة) إلى أن استخلاف المسبوق محله: إذا عرف نظم صلاة

وَلَا يَلْزَمُهُمُ اسْتِئْنَافُ نِيَّةِ القُدْوَةِ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ زُوحِمَ عَنْ السُّجُودِ فَأَمْكَنَهُ عَلَى إِنْسَانٍ ... فَعَلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إمامه، فإن لم يعرفها .. لم يصح، وهذا هو الأشبه في (الروضة). والثاني: يصح ويراقب القوم، فإن قعدوا ... قعد، وإن هموا بالقيام ... قام، ورجحه في (التحقيق) في (صلاة الجماعة). وتعبيره بـ (النظم) يفهم: أنه لا يجب عليه قراءة التشهد وهو كذلك، وقياس ما تقدم في (صلاة الجماعة) .. أن يكون انتظاره أفضل. قال: (ولا يلزمهم استئناف نية القدوة في الأصح)؛ لأن الأول لو استمر ... لم يحتج القوم إلى تجديد النية، فكذلك عند الاستخلاف. والثاني: يلزمهم استئنافها؛ لأنهم بعد خروج الإمام من الصلاة قد انفردوا، بدليل أنهم يسجدون لسهوهم في تلك الحالة. قال: (ومن زحم عن السجود فأمكنه على إنسان .. فعل) هذه مسألة الزحام وهي موصوفة بالإشكال، فإذا منعته الزحمة أن يسجد إلا على ظهر إنسان أو رجله .. لزمه ذلك؛ لأنه متمكن منه فلزمه، فإن لم يفعل .. كان متخلفا بغير عذر. وروى البيهقي] 3/ 183 [عن عمر أنه قال: (إذا اشتد الزحام .. فليسجد أحدكم على ظهر أخيه)، ولا يعرف له مخالف، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. وقال مالك: يصبر ولا يسجد على غيره. ونقل المحاملي وغيره وجها أنه: يتخير بين أن يسجد على الغير متابعة للإمام، وبين أن يصبر ليفعله على الأرض. ثم على المذهب .. يشترط أن ترتفع أسافله على أعاليه في الأصح، كما في سائر الصلوات. وصورته: أن يكون الساجد على شاخص، والمسجود عليه في وهدة. وقيل: لا يضر عدم التنكيس هنا وإن ضر في باقي الصلوات؛ لمكان العذر. وحكم ظهر البهيمة كالإنسان، وعبر في (التنبيه) بظهر إنسان.

وَإِلَّا .. فَالصَحِيحُ: أَنَّهُ يَنْتَظِرُ، ولَا يُومئ بِهِ، ثُمَّ إِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ .. سَجَدَ، فَإِنْ رَفَعَ وَالإِمَامُ قَائِمٌ .. قَرَأَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (التحرير): ولو حذف لفظ: إنسان .. لعم، وقد وقع هو هنا فيه، فلو قال: على شيء .. لعم. قال: (وإلا) أي: وإن لم يمكنه السجود (.. فالصحيح: أنه ينتظر، ولا يومئ به) حتى يزول الزحام؛ لأن ذلك نهاية قدرته. والثاني: يومئ كالمريض؛ لمكان العذر. والثالث: يتخير بينهما. وهما ضعيفان. وقيل: يجوز له الخروج من متابعة الإمام لهذا العذر ويتمها ظهرا؛ بناء على صحة الظهر قبل فوات الجمعة. ومقتضى إطلاق المصنف: أنه لا يجوز له إخراج نفسه من الجماعة، والمشهور في المذهب المنصوص: أنه يجوز له إبطال الصلاة وينتظر الجمعة إن زال الزحام. هذا كله في الركعة الأولى؛ فإن كان في الثانية .. سجد متى تمكن قبل سلام الإمام أو بعده. قال: (ثم إن تمكن قبل ركوع إمامه .. سجد) تداركا عند زوال العذر، ولا يضر تخلفه بالسجدتين؛ لأنه معذور. قال: (فإن رفع والإمام قائم .. قرأ)، فإن لم يتم قراءته حتى ركع الإمام .. فكما تقدم في (صلاة الجماعة) في الأصح، وهذا تخلف بعذر كما في (صلاة عسفان)، وهي العمدة في جواز ذلك.

أَوْ رَاكِعٌ .. فَالأَصَحُّ: يَرْكَعُ وَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، فَإِنْ كَانَ إِمَامُهُ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ .. وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ .. فَاتتِ الجُمُعَةُ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُ السُّجُودُ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ .. فَفِي قَوْلِ: يُرَاعِي نَظْمَ نَفْسِهِ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ، وَيُحْسَبُ رُكُوعُهُ الأَوَّلُ فِي الأَصَحِّ، فَرِكْعِتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، وَتُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو راكع .. فالأصح) أنه (يركع وهو كمسبوق). والثاني: لا؛ لأنه مؤتم بالإمام حال قراءته، فيقرأ ويسعى خلفه؛ لتخلفه بعذر. قال: (فإن كان إمامه فرغ من الركوع ولم يسلم .. وافقه فيما هو فيه ثم يصلي ركعة بعده)؛ لأنه فاتته ركعة كالمسبوق. وصرحوا هنا بأنه: لو سلم الإمام، كما رفع هو من السجود .. أنه يتم الجمعة. قال: (وإن كان سلم .. فاتت الجمعة)؛ لأنه لم يدرك معه ركعة. قال: (وإن لم يمكنه السجود حتى ركع الإمام) أي: في الثانية (.. ففي قول: يراعي نظم نفسه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد .. فاسجدوا)، وقد سجد الإمام في الأولى فيسجد هو. وعلى هذا: فالوجه: أن يقتصر على الأركان، ويحتمل أن يأتي بالسنن أيضا، كذا نقله الرافعي عن الإمام. قال: (والأظهر: أنه يركع معه)؛ لحديث: (وإذا ركع .. فاركعوا)، ولأن متابعة الإمام آكد، ولهذا يتبعه المسبوق إذا أدركه راكعا، ويترك القراءة والقيام. قال: (وبحسب ركوعه الأول في الأصح)؛ لأنه أتى به وقت الاعتداد به، وركوعه الثاني كان للمتابعة. والثاني: المحسوب هو الثاني؛ لإفراط التخلف وكأنه مسبوق لحق الآن. قال: (فركعته ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية، وتدرك بها الجمعة في الأصح)؛

فَلَوْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ عَالِماً بَأَنَّ وَاجِبَهُ المُتَابَعَةُ .. بَطَلَت} صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَسِيَ أَو} جَهِلَ .. لَمْ يُحْسَبْ سُجُودُهُ الأَوَّلُ، فَإِذَا سَجَدَ ثَانِياً .. حَسِبَ، وَالأَصَحُّ: إِدْرَاكُ الْجُمُعَةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ إِذَا كَمُلَتِ السَّجْدَتَانِ قَبْلَ سَلَامِ الإِمَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الجمعة .. فليصل إليها أخرى). والثاني: لا تدرك بها لنقصانها بالتلفيق، والجمعة تعتبر فيها صفات الكمال. قال: (فلو سجد على ترتيب نفسه عالما بأن واجبه المتابعة .. بطلت صلاته)؛ لتلاعبه بسجوده في موضع الركوع عالما بتحريمه، ويلزمه الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع هذا إذا لم ينو مفارقته، فإن نواها .. فقد أخرج نفسه من المتابعة بغير عذر. قال: (وإن نسي أو جهل .. لم يحسب سجوده الأول)، وهذا هو الذي أتى به على ترتيب صلاة نفسه؛ لأنه أتى به في غير موضعه. قال: (فإذا سجد ثانيا .. حسب) قاله الصيدلاني والإمام والغزالي، واستشكله الرافعي وأشار إليه في (المحرر) بقوله حيث قال: المنقول أنه يحسب. وصورة مسألة الكتاب: أن يستمر النسيان والجهل حتى يسجد ثانيا، فلو زال قبل ذلك .. فعلى ما فهمه الرافعي عن الأكثرين ينبغي: أن يمتنع، وتجب المتابعة في التشهد، وإن كان الإمام في السجود .. تابعه. قال: (والأصح: إدراك الجمعة بهذه الركعة إذا كملت السجدتان قبل سلام الإمام)؛ لما سبق في الركعة الملفقة. والثاني: لا وإن قلنا بالإدراك بالملفقة؛ لأن الملفقة فيها نقصان واحد، وهذه فيها نقصانان.

وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالسُجُودِ نَاسِياً حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ .. رَكَعَ مَعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تخلف بالسجود ناسيا حتى ركع الإمام للثانية .. ركع معه على المذهب)؛ لأنه مفرط بالنسيان، فلا يجوز له ترك المتابعة. ويقابله: أنه يراعي ترتيب نفسه ويسعى خلفه. والطريقة الثانية: فيه القولان في المزحوم: هل يتبع الإمام، أو يشتغل بما عليه؟ وصحح هذه الطريقة في (الشرح الصغير) و (المحرر)، وفي (الروضة) تفصيل حاصله: إطلاق خلاف بلا تصحيح. تتمة: إذا لم يزل الزحام حتى تشهد الإمام .. قال المتولي: يسجد، ثم إن رفع قبل السلام .. أدرك الجمعة، وإلا .. فلا. قال ابن الرفعة: ولا شك أن الركعة ملفقة، كملت في قدوة حكمية. ولو استمر نسيانه حتى سجد الإمام في الثانية .. قال الشيخ: الذي ينبغي أن لا تبطل الصلاة، وتحصل له ركعة ملفقة إذا سجد مع الإمام وإن كان قد حصل التخلف بأربعة أركان. ... خاتمة ختم الله لكتابه بخير الزحام كما يفرض في الجمعة يفرض في سائر الصلوات، وإنما ذكر في الجمعة؛ لأن الزحام فيها أكثر، ولأنه يجتمع فيها وجوه من الإشكال لا تأتي في غيرها، كالتردد في الإدراك بالملفقة والحكمية واشتراط الجماعة المانع من المفارقة، وفي غيرها عند الزحمة يمكنه أن يفارق والله أعلم. ***

باب صلاة الخوف

بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صلاة الخوف نسأل الله الأمن من أعدائه وعذابه وعقابه. الخوف والخيفة: ضد الأمن، وليس المراد: أن للخوف صلاة كالعيد ونحوه، وغنما المراد: أن الخوف يقتضي احتمال أمور في الصلاة لا تحتمل عند انتفائه، ولا يؤثر في قدرها. وعن محمد بن نصر المروزي: أن الصبح تصلى في الخوف ركعة؛ لما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها، وتقدم جوابه. وهي مشروعة في حقنا إلى يوم القيامة. وقال أبو يوسف وغيره: إنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى:} وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة {الآية، والمراد بها: صلاة الخوف إجماعا. ودليلنا: أنها إذا ثبتت في حقه صلى الله عليه وسلم ... ثبتت في حقنا؛ لقوله تعالى:} فاتبعوه {، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو قد يخاطب بالشيء وتشركه فيه أمته؛ لقوله تعالى:} خذ من أموالهم صدقة {وغيره مثله في ذلك اتفاقا. وروى البيهقي] 3/ 252 [: أن سعيد بن العاصي صلاها بطبرستان، وأبا موسى ببعض بلاد فارس، وعليا بصفين ليلة الهرير ولم ينكره أحد. : أن سعيد بن العاصي صلاها بطبرستان، وأبا موسى ببعض بلاد فارس، وعليا بصفين ليلة الهرير ولم ينكره أحد.

هِيَ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَيُرَتِّبَ الإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ وَيُصَلِّي بَهِمْ، فّإِذَا سَجَدَ .. سَجَدَ مَعَهُ صَفٌ سَجْدَتَيْهِ، وَحَرَسَ صَفٌ، فَإِذَا قَامُوا .. سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحَقُوهُ، وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوْلاً، وَحَرَسَ الآَخَرُونَ، فَإِذَا جَلَسَ .. سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَسِلَّمَ، وَهَذِهِ صَلَاة رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (ليلة الهرير): حرب كانت بينه وبين الخوارج، وكان بعضهم يهر على بعض فسميت بذلك. وقيل: هي ليلة صفين بين علي ومعاوية. وقال المزني: إنها نسخت؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أخر يوم الخندق أربع صلوات، ولم يصل صلاة الخوف. وجوابه: أن ذلك كان قبل مشروعيتها، كما جاء مبينا في رواياتهم، و (أنه صلى الله عليه وسلم صلاها بذات الرقاع)، وهي بعد الخندق. قال: (هي أنواع) ذكر المصنف منها ثلاثة، وعد ابن حبان منها تسعة، ومجموعها ستة عشر نوعا، بعضها في (صحيح مسلم)، ومعظمها في (سنن أبي داوود)، واختار الشافعي منها الثلاثة الأنواع المذكورة في الكتاب. وتجوز عندنا في الحضر خلافا لمالك. وفي جعل المصنف هذه الأحوال أنواعا نظر، إنما أنواعها الصلاة المفعولة في هذه الأحوال التي تفعل فيها هذه الصلاة. قال: (الأول: أن يكون العدو في جهة القبلة، فيرتب الإمام القوم صفين ويصلي بهم، فإذا سجد .. سجد مع صف سجدتيه، وحرس صف، فإذا قاموا .. سجد من حرس ولحقوه، وسجد معه في الثانية من حرس أولا، وحرس الآخرون، فإذا جلس ... سجد من حرس وتشهد بالصفين وسلم، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (عسفان): بين مكة والمدينة، كانت قرية جامعة، بينها وبين مكة أربعة برد، سميت بذلك لعسف السيول فيها. وهذه الصلاة رواها أبو عياش الزرقي: أحد الصحابة، أخرج حديثه أبو داوود] 1229 [والنسائي] 3/ 176 [وغيرهما وهو حسن. وروى مسلم] 840 [عن جابر نحوه، لكن فيه: (أن الصف الأول سجد معه في الركعة الأولى، والثاني في الثانية)، وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه في (المختصر) عكس ذلك، وكلاهما جائز، والأفضل ما ثبت في السنة. وإنما تستحب هذه الصلاة بثلاثة شروط: أن يكون العدو في جهة القبلة. وأن يشاهد المسلمون عدوهم في الصلاة ليأمنوا كيدهم. وأن يكون في المسلمين كثرة، بحيث تسجد طائفة وتحرس طائفة أخرى. وفي هذه الصلاة يتخلف المأموم عن الإمام بثلاثة أركان: السجدتين والجلسة بينهما، وإنما احتمل للحاجة، فلو كان في حالة الأمن .. لم يجز؛ لأنه تخلف بغير عذر. ولفظ المصنف محتمل لثلاث كيفيات: إحداها: (أنه في الركعة الأولى يسجد الصف المقدم ثم المؤخر، وفي الركعة الثانية يتأخر الصف المقدم ويتقدم المؤخر، ثم يسجد المقدم الذي كان مؤخرا، ثم المؤخر الذي كان متقدما)، والحديث كذلك في (صحيح مسلم)] 840 [و (أبي داوود)] 1230 [. والثانية: أن يثبت كل صف في مكانه، ويتقدم الصف الأول بالسجود في الأولى ويتأخر في الثانية. والثالثة: أن يسجد الصف المؤخر أولا في الركعة الأولى ويحرس المقدم، وفي الثانية بالعكس.

وَلَوْ حَرَسٍ فِيهِمَا فِرْقَتَا صَفٍّ .. جَازَ، وّكَذَا فِرْقَةٌ فِي الأَصَحِّ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهَا، فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ، كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ، وَهّذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والكيفيات الثلاثة جائزة، وأفضلها ما جاء في الحديث، وحكمته: تفضيل الصف الأول بتقديمه في السجود، ويشترط أن لا يزيدوا على خطوتين. والحراسة مختصة بالسجود؛ لأن الراكع يمكنه المشاهدة. وقيل: يحرسون في الركوع أيضا، وفي بعض الروايات ما يدل له. قال: (ولو حرس فيهما فرقتا صف .. جاز)؛ لحصول المقصود، وهو الحراسة. قال: (وكذا فرقة في الأصح)؛ لأنه قد لا يتأهل للحراسة غيرهم. والثاني: إذا حرست طائفة واحدة في الركعتين .. لم تصح الصلاة؛ لأن الخبر ورد في ذلك القدر من التخلف، فلا يحتمل الزيادة عليه. ويجوز أيضا جعلهم صفوفا كثيرة، ويحرس في كل مرة منها صفان فصاعدا. قال: (الثاني: أن يكون في غيرها، فيصلي مرتين، كل مرة بفرقة، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة) وهي: موضع من نجد، ونخل من أرض غطفان، غير نخلة الموضع الذي بقرب مكة: (الذي جاء صلى الله عليه وسلم إليه فيه وفد الجن)، وهذه الكيفية رواها الشيخان] خ 4137 - م 843 [، ولفظهما: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان، وهو محمول على ما قلناه وكانت الصلاة مقصورة). وإنما تندب هذه الصلاة بثلاثة شروط: أن يكون العدو في غير جهة القبلة. وان يكون في المسلمين كثرة والعدو قليل. وأن يخافوا هجوم العدو عليهم في الصلاة.

أَوْ تَقِفَ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ وَيُصَلِّي بّفِرْقَةٍ رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ ... فَارَقَتْهُ وَأَتَمَّتْ وّذَهَبَتْ إِلَى وَجْهِهِ، وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ فَاقْتَدُوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمُ الثَّانِيَةَ، فّإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ .. قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وهذه الأمور ليست شروطا للصحة، بل الصلاة على هذا الوجه تجوز بغير خوف. واعترضه في (المهمات) بأن المستحب للمفترض أن لا يصلي خلف المتنفل، وفيما قاله نظر. قال: (أو تقف فرقة في وجهه ويصلي بفرقة ركعة، فإذا قام للثانية .. فارقته وأتمت وذهبت إلى وجهه، وجاء الواقفون فاقتدوا به فصلى بهم الثانية، فإذا جلس للتشهد .. قاموا فأتموا ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع). هذه الكيفية في (الصحيحين)] خ 4131 - م 841 [من حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. و (ذات الرقاع) أيضا من أرض غطفان، قيل: سميت بذلك؛ لأنهم رقعوا فيها راياتهم، وقيل: شجرة تعرف بذات الرقاع، وقيل: لترقيع صلاتهم فيها. قال ابن الرفعة: والأصح ما ثبت في (الصحيحين)] خ 4128 - م 1816 [عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال فيها: (نَقِبَتْ أقدامنا- أي: تقرحت وتقطعت جلودها- فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع بذلك). قال الدمياطي: وفيه نظر؛ لأن أبا موسى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر مع أصحاب السفينتين، فكيف حضر هذه الغزاة، وهي قبل خيبر بثلاث سنين؟!.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ بَطْنِ نَخْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (صحيح مسلم)] 843 [عن جابر رضي الله عنه: (حتى إذا كنا بذات الرقاع)، فلذلك قال بعضهم من أجل هذا: الأصح: أنه اسم موضع. وجمع ابن الصلاح بينهما بأن البقعة سميت بذات الرقاع؛ لما قاله أبو موسى. ووقع في (الوسيط): أن ذات الرقاع آخر الغزوات وهو غير صحيح، بل آخرها تبوك. وما ذكره المصنف من الكيفية هو الأولى، ويجوز لها أن تفارقه بعد رفع رأسه من السجود. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وأكره أن تصلى هذه الأنواع بأقل من ثلاثة، ويقف في وجه العدو ثلاثة؛ لقوله تعالى:} وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم {. وفي قول: تفارقه الطائفة الثانية بعد التشهد. ولفظ الحديث محتمل للقولين. وفي القديم: قول بعد السلام كالمسبوق، وهو مخالف للحديث. قال: (والأصح: أنها أفضل من بطن نخل)؛ لأنها أخف وأعدل بين الطائفتين، ولا يأتي فيها الخلاف في صلاة المفترض خلف المتنفل. وقال أبو إسحاق: صلاة بطن نخل أفضل؛ ليحصل لكل فضيلة جماعة تامة.

وَيَقْرَأُ الإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ الثَّانِيَةَ وَيَتَشَهَّدُ، وَفِي قَوْلٍ: يُؤَخِّرُ لِتَلْحَقَهُ. فَإِنْ صَلَّى مَغْرِبًا .. فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويقرأ الإمام في انتظاره الثانية ويتشهد) أي: يقرأ في انتظاره فراغ الأولى ومجيء الثانية. أما القيام .. فلأنه ركن تجب فيه القراءة، فلا يجوز فيه السكوت ولا الاشتغال بذكر آخر. وأما التشهد .. ففيه طريقان. إحداهما: فيه القولان كالقراءة. والثانية: يتشهد قطعا وهي الأصح؛ لئلا تختص الثانية بالتشهد. والخلاف في الصورتين في الاستحباب قطعا. وعلى الأصح: يقرأ (الفاتحة) وسورة طويلة يطيل فيها القراءة حتى تجيء الطائفة الثانية، فيقرأ من السورة بقدر (الفاتحة) وسورة قصيرة؛ لتحصل لهم القراءة. ودليله: أن الصلاة مبنية على أن لا سكوت فيها، والقيام لا يشرع فيه إلا القراءة. قال: (وفي قول: يؤخر لتلحقه)؛ لأنه قرأ مع الأولى (الفاتحة) فينبغي أن يقرأها أيضا مع الثانية، ولا يشرع غير (الفاتحة) قبلها فيشتغل بالذكر والتسبيح حتى يأتوا؛ طلبا للتسوية. قال: (فإن صلى مغربا .. فبفرقة ركعتين، وبالثانية ركعة)؛ لأنه لا يمكن فيها التسوية بين الطائفتين فيما يصلونه مع الإمام، فجاز أن يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة، وبالعكس، وفي الأولى منهما طرق أشار إليها المصنف فقال: (وهو أفضل من عكسه في الأظهر)؛ لأن الأولى امتازت بحق السبق، فخصت بركعتين معه، ولأنه أقرب إلى المساواة، إذ كل منهما يتشهد تشهدين، ولأنه لو عكس .. لزاد في صلاة الطائفة الثانية تشهدا غير محسوب لها؛ لوقوعه في ركعتها الأولى، واللائق بالحال التخفيف دون التطويل. والقول الثاني- وهو نصه في (الإملاء) -: يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين؛

وَيَنْتَظِرُ فِي تَشَهُّدِهِ، أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ أفْضَلُ فِي الأَصَحِّ. أَوْ رُبَاعِيَّةٌ .. فَبِكُلَّ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً .. صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن عليا رضي الله عنه كذا صلاها ليلة الهرير، لكنه أثر ضعيف. وعلى هذا: يكون الانتظار في قيام الثانية. قال: (وينتظر في تشهده، أو قيام الثالثة وهو أفضل في الأصح) هذا تفريع على الأظهر، فينتظر الثانية في تشهده الأول، أو في قيامه للركعة الثالثة؛ لحصول المقصود بكل منهما، لكن انتظارهم في القيام أفضل في الأصح؛ لأنه محل التطويل، والتشهد الأول مبني على التخفيف. والثاني: في التشهد أولى ليدركوا معه الركعة من أولها. والخلاف في (الشرح) و (الروضة) وغيرهما قولان، فكان الصواب التعبير بالأظهر. قال: (أو رباعية .. فبكل ركعتين)؛ طلبا للمساواة، ويتشهد بكل طائفة تشهدا قطعا، وهذا إذا قضى في السفر رباعية، أو وقع الخوف في الحضر، وفيما دون ثلاثة أيام؛ لأن الإتمام أفضل، وإلا .. فالقصر أفضل لا سيما وهو أليق بحالة الخوف، وهل يستحب انتظار الثانية جالسا أو قائما؟ .. فيه القولان. قال: (فلو صلى بكل فرقة ركعة) أي: وفارقته وصلت لنفسها ثلاثا، وهو ينتظر فراغها ومجيء الأخرى، وانتظر الرابعة في التشهد حتى أتموا وسلم بهم. قال: (.. صحت صلاة الجميع في الأظهر)؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، بأن يكون المسلمون مثلا أربع مئة، والعدو ست مئة، فيحتاج أن يقف بإزاء العدو ثلاث مئة، ويصلي بمئة مئة، ولأن الانتظار الثالث والرابع بالقيام والقراءة وذلك لا يبطل الصلاة. وتفصيل الخلاف: أن في الإمام قولين:

وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: صحة صلاته؛ لأن المخالفة هنا بتطويل قيامه وتشهده وذلك لا يضر، ولأن انتظار الداخل في الركوع لا يبطل فكذلك هنا. وعلى هذا: في المأمومين قولان: أصحهما: صحة صلاتهم. والثاني: تصح صلاة الفرقة الرابعة فقط، وتبطل صلاة الباقين لأجل المفارقة. والقول الثاني في الإمام: بطلان صلاته؛ لأن الرخصة وردت بانتظارين فلا يزاد عليهما، كما أن العمل القليل لا يبطل الصلاة ويبطلها الكثير. فعلى هذا: تصح صلاة الطائفة الأولى والثانية؛ لانهم فارقوه قبل بطلان صلاته، كذا جزم به الرافعي. وقال المصنف: فيهم قولا المفارقة بغير عذر، وتبطل صلة الفرقة الرابعة إن عملت بطلان صلاته، وكذا الثالثة في الأصح بناء على أن صلاة الإمام بطلت بالانتظار في الثالثة. ويشترط في جواز هذه الصلاة الحاجة إلى ذلك كما جزم به في (المحرر)، وحذف المصنف هنا؛ لأنه صحح في (شرح المهذب) عدمها. ولو فرقهم فرقتين فصلى بفرقة ركعة وبفرقة ثلاثا، أو عكسه .. فالصواب الذي نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه والجمهور: أن صلاة الجميع صحيحة. ولو فرقهم في المغرب ثلاث فرق .. صحت صلاتهم على المنصوص. قال: (وسهو كل فرقة) أي: من فرق هذه الصلاة، وهي صلاة (ذات الرقاع) إذا فرقهم فرقتين، كما صرح به في (المحرر). قال: (محمول في أولاهم)؛ لأنهم فيها مقتدون.

وَكَذّا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ فِي الأَصَحِّ، لَا ثَانِيَةُ الأُولَى. وَسَهْوُهُ فِي الأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الأَوَّلِينِ. وَيُسَنُّ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي هَذِهِ الأَنْوَاعِ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا ثانية الثانية في الأصح)؛ لان حكم القدوة مستمر في حقهم. والثاني: لا؛ لأنهم منفردون حسا. قال: (لا ثانية الأولى): لانفرادهم حسا وحكما، وهذا لا خلاف فيه. أما إذا فرقهم أربع فرق وقلنا بالصحة .. فسهو كل فرقة محمول في أولاهم فيصح أن يدرج في كلامه: وكذا باقي الرابعة في الأصح لا باقي البواقي. قال: (وسهوه في الأولى يلحق الجميع)، فيسجد المفارقون عند تمام صلاتهم للنقصان الحاصل في صلاة الإمام، سواء كان قبل اقتدائهم أو حال القدوة. قال: (وفي الثانية لا يلحق الأولين)؛ لأنهم فارقوه قبل السهو، وتسجد الثانية معه آخر صلاته، ولو سها في حال انتظارهم .. لحقهم في الأصح. وهذه الأنواع الأربعة جائزة في الجمعة على الأصح إلا صلاة بطن نخل؛ إذ لا جمعة بعد جمعة. قال: (ويسن حمل السلاح في هذه الأنواع)؛ لأن وضعه لا يفسد الصلاة، فلا يجب كسائر ما لا يفسد تركه. قال: (وفي قول: يجب)؛ لقوله تعالى:} وليأخذوا أسلحتهم {. وقيل: ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين .. يجب حمله، وما يدفع به عن غيره كالرمح والقوس .. لا يجب حمله. قال الإمام: ولو غلب على ظنه الهلاك بتركه .. وجب قطعا- قال- ووضعه بين يديه إذا سهل تناوله كالحمل.

الرَّابِعُ: أَنْ يَلْتَحِمَ القِتَالُ أَوْ يَشْتَدَّ الخَوْفُ فَيُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبَاً وَمَاشِياً، وَيَعْذَرُ فِي تَرْكِ الْقِبْلَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والخلاف له شروط: أحدها: أن يكون السلاح طاهرا، فإن كان نجسا .. حرم حمله قطعا. الثاني: أن لا يكون مانعا لبعض الأركان، كالبيضة المانعة من السجود. ومحل هذين الشرطين: إذا لم يخف ضررا من تركهما. الثالث: أن لا يتأذى به الغير، فإن تأذى به كالرمح في وسط الصف .. كره حمله، كذا قاله الرافعي والمصنف. والصواب: أنه يحرم إذا تحقق ذلك، أو غلب على ظنه. قال: (الرابع: أن يلتحم القتال أو يشتد الخوف)، وذلك بأن يلتحم القتال فلم يأمنوا أن يتركوهم إذا انقسموا فرقتين. و (التحام القتال): أن يقطع بعضهم لحم بعض، و (الملحمة): المقتلة. و (اشتد الخوف): من الشدة، يقال: عن الشدة إذا تتابعت .. انفرجت، وإذا توالت .. تولت، وفي الحديث: (اشتدي أزمة انفرجي). قال: (فيصلي كيف أمكن راكبا وماشيا)؛ لقوله تعالى:} فإن خفتم فرجالا أو ركبانا {، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (مستقبلي القبلة وغير مستقبليها) رواه البخاري] 4535 [. وفي هذه الحالة يجوز اقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين في جوف الكعبة، والجماعة في هذه الحالة أفضل من الانفراد. وقال أبو حنيفة ومالك/ لا تصح صلاتهم في هذه الحالة جماعة، بل قال أبو حنيفة: إذا التحم القتال .. جاز تأخير الصلاة. قال: (ويعذر في ترك القبلة)؛ للضرورة وللحديث. وإنما يعفى عن ترك

وَكَذَا الأَعْمَالُ الكَثِيرَةُ لِحَاجَةٍ فِي الأَصَحِّ، لَا صِيَاحٌ، وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دَمِيَ، فَإِنْ عَجَزَ .. أَمْسَكَهُ، وَلَا قّضَاءَ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستقبال إذا كان بسبب القتال، فلو انحرف عنها لجماع الدابة وطال الزمان .. بطلت صلاته. قال: (وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح)، وذلك كالضربات المتوالية، والركوب في أثناء الصلاة. والثاني: لا يعذر؛ لأن النص ورد في هذين فيبقى ما عداهما على الأصل، وهو المنصوص في (الأم). والثالث: يعذر في أشخاص لا في شخص واحد؛ لندرة الاحتياج إليها. أما لغير الحاجة .. فلا يعذر قطعا. قال: (لا صياح)؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأن الساكت أهيب. قال: (ويلقى السلاح إذا دمي) محافظة على صحة الصلاة، قال الإمام: أو يرده سريعا إلى قرابه ويجعله تحت ركابه، وخالفه الروياني. قال: (فإن عجز .. أمسكه)؛ للمشقة، ولو عبر بقوله: فإن احتاج .. كان أولى. قال: (ولا قضاء في الأظهر)؛ لأن ذلك عذر عام في المقاتل، فأشبه المستحاضة. والثاني: يجب القضاء لندوره، وهذا هو المنصوص في (البويطي)، وظاهر كلام جمهور الأصحاب .. القطع به، وهو المفتى به، وبه صرح الرافعي في (باب التيمم)، وحاصل كلامه هنا، وفي (شرح المهذب): ترجيح الأول كما في الكتاب. فرع: لو شردت فرسه فتبعها إلى صوب القبلة شيئا يسيرا .. لم تبطل صلاته، وإن تبعها كثيرا .. فسدت، وإن تبعها إلى غير القبلة .. بطلت مطلقا.

فإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ .. أَوْمَأَ وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ. وَلَهُ ذَا النَّوعُ فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ، وَهَرَبِ مِنْ حَرِيقٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ سَبْعٍ، وَغَرِيمٍ عِنْدَ إِعْسَارٍ وَخَوْفٍ حَبْسٍ، وَالأَصَحُّ: مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن عجز عن ركوع أو سجود .. أومأ)؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما بعد أن وصف صلاة الخوف التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان خوف أكثر من ذلك .. يصلي راكبا أو قائما يومئ إيماءً)، رواه مسلم] 839 [. قال: (والسجود أخفض)؛ ليتميز بذلك عن الركوع. قال: (وله ذا النوع) - أي: صلاة شدة الخوف- للواحد والجمع بلا إعادة أيضا على المشهور. قال: (في كل قتال وهزيمة مباحين)، فلا يجوز في القتال المحرم بالإجماع. والمراد ب (المباح) هنا: ما لا إثم فيه ولو كان واجبا كقتال البغاة والكفار وقطاع الطريق، ولا يجوز ذلك للبغاة والقطاع، ويجوز في هزيمة مسلم عن أكثر من كافرين. قال: (وهرب من حريق أو سيل) إذا لم يجد سبيلا غير ذلك. قال: (أو سبع) وكذلك الحية- إذا لم يمكنه التحصين بشيء- لدفع الضرر، ولأن الخوف في الجملة عذر عام وإن كان سببه غير معهود، كما أن المرض يبيح الصلاة قاعدا ويبيح الفطر وإن كان من الأمراض ما هو نادر. قال: (وغريم عند إعسار وخوف حبس)، أما إذا كان معه مال .. فلا يباح له ذلك. وإذا جوزنا صلاة شدة الخوف لغير القتال .. فالأظهر: لا إعادة، وفي قول مخرج: نعم؛ لندور ذلك. قال: (والأصح: منعه لمحرم خاف فوت الحج). صورتها: أن يقرب المحرم من عرفات ولم يبق للفجر إلا قدر الصلاة، وإن سار

وَلَوْ صَلَّوْا لِسَوَادٍ ظَنُّوهُ عَدُوّا فَبَانَ غَيْرُهُ .. قَضَوْا فِي الأَظَهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه إلى عرفات فاتته الصلاة .. فالأصح: أنه لا يجوز له أن يصلي صلاة شدة الخوف؛ لأن الصلاة أفضل من الحج، ولأن وقتها مضيق ووقت الحج موسع. والثاني: يجوز أن يصليها، ورجحه ابن عبد السلام في (قواعده)؛ لأن الضرر الذي يلحقه بفوات الحج قد يعظم على ضرر الحبس أياما في حق المعسر. وإذا قلنا بالأول .. ففي جواز تأخير العشاء وجهان: رجح الرافعي: المنع. والثاني- وصوبه المصنف- يؤخرها. وإذا قلنا بهذا .. فهل التأخير على سبيل الإيجاب أو الجواز؟ صرح في (الكفاية) في أوائل (الصلاة) بأنه على سبيل الوجوب. والوجهان الأخيران يقربان من الوجهين الآتيين فيمن أصبح صائما وفي فيه طرف خيط، هل يحافظ على الصلاة أو الصوم؟ ونقل ابن الصلاح في (رحلته) قولا رابعا: أنه إن كان آفاقيا .. قدم الحج، أو مكيا .. قدم الصلاة، لكنه نسبه إلى أصحاب مالك رضي الله عنه. قال: (ولو صلوا لسواد ظنوه عدوا فبان غيره) أي: ظهر السواد (.. قضوا في الأظهر)؛ لعدم الخوف في نفس الأمر. والثاني: لا؛ لوجود الخوف في نفس الأمر. والثالث: إن كانوا في دار الحرب .. لم يجب لغلبة الخوف، وإلا .. وجب. والرابع: إن استند الظن إلى إخبار ثقة فتبين غلطه .. لم يجب، وإلا .. وجب. وقيد في (المحرر) المسألة بصلاة شدة الخوف. فإن صلوا صلاة الخوف .. فلا قضاء قطعا وبه صرح الماوردي؛ لأنهم لم يسقطوا فرضا ولا غيروا ركنا. ويجري القولان الأولان فيما إذا هربوا ظنا منهم أن في العدو كثرة ثم تبين أنهم

فصل

فَصَلٌ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الحَرِيرِ بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قليل، وفيما إذا هربوا ولم يعلموا أن بقربهم مددا، وفيما إذا لم يعلموا أن بالقرب منهم حصنا أو نهرا ثم تبين. تتمة: صلاة شدة الخوف تجوز للمنفرد، كمن قصده ثلاثة من الكفار وضاق الوقت، أو قاطع طريق يريد دمه أو حريمه، وكذا ماله في الأصح. واشترط ابن الصباغ وقوع صلاة الخوف في السفر، والصواب: صحتها سفرا وحضرا. قال: (فصل: يحرم على الرجل استعمال الحرير بفرش وغيره). ختم الشافعي رضي الله عنه هذا الباب ببيان ما يجوز لبسه وما لا يجوز، فاقتدى به الأكثرون فأوردوا أحكام الملابس هنا، وذكرها بعضهم في (صلاة العيدين) وهو مناسب أيضا، وأورد الغزالي بعضها هنا وبعضها هناك. فالتزين بالحرير والديباج حرام على الرجال؛ لما روى أبو داوود] 4054 [والنسائي] 8/ 160 [وابن ماجه] 3595 [عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما وفي يمينه قطعة حرير، وفي شماله قطعة ذهب، فقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم)، قال علي بن المديني: إنه حديث حسن. وروى الشيخان] خ 886 - م 2068 [: (إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة)، (ومن لبسه في الدنيا .. لم يلبسه في الآخرة)] خ 5833 - م 2073 [. وفي (البخاري)] 5837 [عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ليس الحرير والديباج، وأن يجلس عليه)، وقيس على ذلك باقي الاستعمال. والمعنى في تحريمه على الرجال: ما في لبسه من الخنوثة التي لا تليق بهم،

وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ، وَالأَصَحُّ: تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا، وَأَنْ لِلْوَلِيِّ إِلْبَاسَهُ الصَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ واستشكل الرافعي هذه العلة بأن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال في (الأم): ولا أكره اللؤلؤ إلا أنه من زي النساء. وفي وجه ضعيف: لا يحرم الجلوس عليه؛ لأنه لا يسمى لبسا. وشمل قوله: (بفرش وغيره) لبسه، والتغطية به، والاستناد إليه، وجعله سترا، أو بطانة أو ظهارة. قال: (ويحل للمرأة لبسه) انعقد الإجماع على ذلك بعد عبد الله بن الزبير. وقال صلى الله عليه وسلم: (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها) رواه أحمد] 4/ 392 [، وقال الترمذي] 1720 [: حسن صحيح، ولأن تزيين المرأة بذلك يدعو إلى الميل إليها وإلا وطئها، فيؤدي إلى ما طلبه الشارع من كثرة النسل. وفي (الصحيح)] م 2071 [أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إليه أكيدر دومة ثوب حرير فأعطاه عليا وقال: (شققه خمرا بين الفواطم) أراد: فاطمة بنت أسد أمه، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته، وفاطمة بنت عمه حمزة. وذكر الحافظان عبد الغني وابن عبد البر بإسنادهما أن عليا قسمه بين الفواطم الأربع، قال القاضي عياض: الرابعة: فاطمة بنت شيبة بن ربيعة زوجة أخيه عقيل. ولم يذكر المصنف حكم الخنثى، والمجزوم به في (الروضة): أنه كالرجل لاحتمال الذكورة. وفي وجه حكاه المحب الطبري، وأشار إليه الرافعي: أنه كالمرأة؛ تغليبا لجانب الإباحة. قال: (والأصح: تحريم افتراشها)؛ للسرف والخيلاء، كما قلنا: يجوز لها لبس الذهب دون الأكل في إنائه. والثاني: لا؛ لعموم الحديث المتقدم. قال: (وأن للولي إلباسه الصبي)؛ لأنه غير مكلف.

قَلْتُ: الأَصَحُّ: حِلُّ افْتِرَاشِهَا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا كما يمنعه من شرب الخمر وغيره، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (ذكور أمتي) ولم يقل: رجالهم. والثالث: يحل قبل سبع سنين لا بعدها وهو الراجح في (الشرحين) كيلا يعتاده. وهذه الأوجه جارية في الحلي أيضا. ومحل الخلاف: في غير يومي العيد، فأما فيهما .. فيجوز إلباسه الحرير والحلي بلا خلاف؛ لأنه يوم زينة، لكن قال الشيخ عز الدين: الأولى اجتنابه، قال: وعمل ذلك من مال الصبي أقبح من عمله من مال الولي. قال: (قلت: الأصح: حل افتراشها، وبه قطع العراقيون وغيرهم والله أعلم)؛ لما تقدم. وقوله: (وغيرهم) فيه نظر. فروع: سئل قاضي القضاة ابن رزين عمن يفصل الكلوتات والأقباع الحرير، ويشتري القماش الحرير مفصلا ويبيعه للرجال، فقال: يأثم بتفصيله لهم وبخياطته، وبيعه وشرائه، كما يأثم من يصوغ الذهب للبسهم. قال: وكذلك خلع الحرير يحرم بيعها والتجارة فيها، وأما الكتابة فيه فإن كان مما ينتفع به الرجال كالمراسلات .. حرم، وغن كان للنساء كصدقاتهن .. فهو كافتراشهن الحرير، بل هو أبلغ في الإسراف؛ إذ لا حاجة إليه ولا يتزين به، وأفتى المصنف بتحريم ذلك. وقال الشيخ شرف الدين البارززي: كتابة الكاتب والشاهد والقاضي على الصداق الحرير جائزة، وبه أفتى شيخه ابن عساكر مفتي الشام، وعليه عمل القضاة في

وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرِّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ، أَوْ فَجْأَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمصار في سائر الأعصار. وقال الشيخ أبو حامد، والزاهد الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي: يحرم تعليق ستر الحرير وفرش البيوت بها، ووافقهما في (الروضة) هنا على ذلك، ولذلك كان ابن الرفعة أيام زينة المحمل لا ينظر إليها، لكن كلام (الشرح) و (الروضة) في (باب الوليمة) يشعر بالجواز، وكلام الرافعي في (باب النذر) صريح في جوازه. وقال الغزالي: تزيين الحيطان بالحرير لا ينتهي إلى التحريم، ولو حرم .. لحرم تزيين الكعبة به، والأولى إباحته .. وأجاب الشيخ عز الدين بقريب منه- قال- ولم تزل الكعبة تستر بالحرير، فلا يبعد إلحاق غيرها بها. وسيأتي هذا مع سترها بغير الحرير في (باب الوليمة). قال: (ويحل للرجل لبسه للضرورة كحر وبرد مهلكين)؛ حفظا للنفس المحرمة. والتقييد بكونهما (مهلكين) ذكره في (المحرر) و (الشرحين)، فتبعه المصنف وليس كذلك؛ فإن الخوف على العضو والمنفعة ومن المرض الشديد مبيح أيضا. والمتجه: إلحاق الألم الشديد بذلك؛ لأنه أبلغ من المشقة الحاصلة لصاحب الجرب، ولأجل ذلك لم يذكر هذا التقييد في (الروضة) ولا في (شرح المهذب). قال: (أو فجأة حرب ولم يجد غيره)؛ للضرورة. و (الفجاءة) بضم الفاء وفتح الجيم والمد: البغتة، وفيها لغة أخرى: فتح الفاء وسكون الجيم، وبهذا ضبطها المصنف بخطه، لكنه في (الوصايا) ضبطها باللغة الأولى فجمع بين اللغتين. وكذلك يحل له لبسه إذا كان في خلوة أو في صلاة ولم يجد ما يستتر به غيره، بل يجب على الأصح فيهما.

وَلِحَاجَةٍ كَجَرَبٍ وَحِكَّةٍ وَدَفْعِ قَمْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولحاجة كجرب وحكة) أي: إذا آذاه لبس غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبسه لحكة بهما، متفق عليه] خ 2919 - م 2076 [، زاد أبو داوود] 4053 [: (في السفر). ووقع في (الوسيط) أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في ذلك لحمزة، والصواب ما تقدم. وفي وجه – وإليه ذهب مالك-: أنه لا يجوز؛ لعموم الأخبار السابقة. وهذا الوجه لم يحكه الرافعي إلا عن (التنبيه). وفي وجه: يجوز ذلك في السفر دون الحضر؛ لأن الرخصة وردت فيه؛ إذ المقيم يمكنه المداواة. والصحيح: لا فرق. و (الحكة) بكسر الحاء: الجرب اليابس وهو الحصف، فلذلك غاير المصنف بينهما، والجوهري جعل الجرب والحكة واحدا. فإن قيل: هل من شرط جوازه لذلك أن لا يجد ما يغني عنه من دواء ولباس، كما في التداوي بالنجاسة؟ .. فالجواب: أنهم أطلقوا ذلك والقياس عدم التسوية؛ لأن جنس الحرير مما أبيح لغير ذلك فكان أخف من النجاسة. قال: (ودفع قمل)؛ لأنه لا يقمل بالخاصة. وفي (الصحيح)] خ 2920 - م 2076 [: (أن الزبير وعبد الرحمن بن عوف شكيا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرخص لهما في قميص الحرير). والصحيح: أن هذا أيضا لا يختص بالسفر. وقيل: يختص- واختاره الشيخ أبو حامد وابن الصلاح، وإليه ذهب مالك- لأن الرواية مقيدة به، وسببه أن كثرة التعب والعرق تولده. واعترض في (المهمات) على المصنف في حكاية هذا الوجه في القمل وغلطه فيه وقال: إنه مخصوص بالجرب. و (القمل): جمع قملة، وهو القمل المرسل على بني إسرائيل في قول عطاء،

وَلِقِتَالٍ كَدِيبَاجٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَيَحْرُمُ الْمُرَكَّبُ مِنْ إِبْرِيسَمٍ وَغَيْرِهِ إِنْ زَادَ وَزْنُ الإِبْرِيسَمِ، وَيَحِلُّ عَكْسُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: البراغيث قاله أبو زيد، وقيل: السوس، وقيل غير ذلك. قال: (ولقتال كديباج لا يقوم غيره مقامه) في دفع السلاح صيانة لنفسه، وذلك في حكم الضرورة. فلو وجد ما يقوم مقامه .. فالأصح: التحريم. وقيل: يجوز مع الكراهة، كالتضبيب بالفضة للحاجة مع وجود النحاس. وجوز ابن كج اتخاذ القباء ونحوه مما يصلح في الحرب من الحرير، ولبسه فيهما على الإطلاق؛ لما فيه من حسن الهيئة وزينة الإسلام؛ لينكسر قلب الكفار منه كتحلية السيف ونحوه. والمشهور الأول. و (الديباج) بكسر الدال وفتحها: فارسي معرب، مأخوذ من التدبيج وهو: النقش والتزين، وجمعه: دبابيج وديابيج. وقوله: (مقامه) هو بفتح الميم؛ لأنه من ثلاثي تقول: قام هذا مقام ذاك بالفتح، وأقمته مقامه بالضم. قال: (ويحرم المركب من إبريسم وغيره إن زاد وزن الإبريسم، ويحل عكسه) تغليبا لجانب الأكثر، وروى أحمد] 1/ 313 [وأبو داوود] 4052 [- بإسناد صحيح- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير)، فأما العلم وسدى الثوب .. فلا بأس به. و (المصمت): الخالص، و (العلم) بفتح اللام: الطراز ونحوه. واعتبار الكثرة بالوزن هو الأصح. وقيل: إن ظهر الحرير .. حرم وإن قل وزنه، وإن خفي واستتر .. حل وإن كثر وزنه. و (الإبريسم) بكسر الهمزة والراء، وبفتحهما، وبكسر الهمزة وفتح الراء.

وَكَذَا إِنْ اسْتَوَيَا فِي الأَصَحِّ. وَيَحِلُّ مَا طُرِّزَ أَوْ طُرِّفَ بِحَرِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن استويا في الأصح)؛ لأنه لا يسمى ثوب حرير، والأصل في المنافع الإباحة. والثاني- واختاره الماوردي-: يحرم؛ تغليبا لجانب الحرمة. فرع: الذي قطع به الجمهور: أن القز من الحرير يحرم على الرجال استعماله، وفي وجه: لا يحرم؛ لأنه ليس من الزينة. و (القز): ما قطعته الدودة وخرجت منه حية، فلا يمكن حله وغزله كالكتان، وهو كمد اللون. و (الحرير) ما حل عن الدود بعد موته. وقد يطلق الإبريسم عليهما، وهو معرب. قال: (ويحل ما طرز أو طرف بحرير). (المطرز): ما جعل له طراز وهو العلم، ودليله: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والمراد: أن يكون الطراز كله حريرا مركبا على الثوب. أما التطريز الذي يجعل في الثوب بالإبرة، فهل هو مثله لأنه زائد على الثوب، أو مثل المعمول من أصل النسج حتى يكون حكمه حكم المركب من الحرير وغيره؟ .. قال الشيخ: لم أر فيه نقلا، والأقرب: أنه كالمنسوج. و (المطرف): هو المسجف، مأخوذ من الطرف، ودليله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له جبة مكفوفة الفرجين بالديباج) رواه مسلم] 2069 [. وفي (النسائي) بسند صحيح: (الفرجين والكمين والجيب). وروى مسلم] 2069 [عن عمر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير، إلا موضع إصبع أو إصبعين أو ثلاث أو أربع).

قَدْرَ الْعَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بقوله: (بحرير) عن التطريز والتطريف بالذهب، فإنه حرام؛ لشدة السرف فيه. وشذ ضياء الدين الحسين بن محمد الهروي في (لباب التهذيب) فجعله كالحرير في جواز قد أربع أصابع، وفي (الكافي) قريب منه. وترقيع الثوب بالديباج كتطريزه. ولو خاط ثوبا بإبريسم .. جاز لبسه قطعا، بخلاف الدرع المنسوجة بالذهب، فإنه حرام وإن قل، ولا يخرج على التفصيل في الإناء المضبب. وفي (فتاوى ابن عبد السلام): لا بأس باستعمال العمامة التي في طرفها من الحرير قدر شبر إذا كان- بين كل قدر إصبع- أربع أصابع منها فرق من كتان أو غيره. قال: (قدر العادة) هكذا قدره الشيخ أبو محمد، وقدره صاحب (التهذيب) بأربع أصابع فما دونها وهو الأصح. والمصنف ضبط التطريف بالعادة، والتطريز بأربع أصابع فما دونها، قال الشيخ: ولا معنى لذلك. والصحيح: ضبطهما بأربع أصابع؛ للحديث، وصاحب (التهذيب) لم يتعرض للتطريف، فلو تعرض له .. لقال فيه كما قال في التطريز. فروع: يجوز حشو الجبة والمخدة منه، والجلوس عليه إذا بسط فوقه ثوب. ولو نظم سبحة في خيط حرير .. لم يحرم استعمالها، ولا يجوز لبس جبة بطانتها حرير.

وَلُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحرم إطالة الثوب والإزار والسراويل للخيلاء، ويجوز للمرأة إسباله على الأرض. ويستحب تقصير الكم، ويجوز لبس العمامة بإرسال طرفها ودونه، ولا كراهة في واحد منهما. ويكره المشي في نعل واحدة أو خف واحدة ونحوه لغير عذر، وإذا انقطع شسع نعله .. ينبغي أن يخلع الآخر. ويكره الانتعال قائما، ويستحب أن يبدأ باليمين لبسا وباليسار خلعا. ويستحب غسل الثوب إذا توسخ، وإصلاح الشعر إذا تشعث. ولا يحرم استعمال النشاء في الثياب، والأولى اجتنابه، قاله ابن عبد السلام. قال: وإفراط توسعة الأكمام بدعة وسرف وتضييع مال، ولا بأس بلبس شعار العلماء؛ ليعرفوا بذلك فيسألوا. ويحرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة- في اللباس وغيره- وعلى المرأة أن تتشبه بالرجل، وقيل: يكره في اللباس وغيره. قال: (ولبس الثوب النجس) أي: المتنجس مع طهارة عينه (في غير الصلاة ونحوها) أي: مما شرط فيه طهارة الملبوس، كالطواف وخطبة الجمعة وسجود التلاوة والشكر؛ لأن تكليف إدامة طهارته تشق خصوصا على الفقير وبالليل.

لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخَنْزِيرٍ إِلَّا لِضَرُورَة كَفَجْأَةِ قِتَالٍ، وَكّذّا جِلْدُ الْمِيْتَةِ فِي الأَصَحِّ. وَيَحِلُّ الاِسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا جلد كلب ولا خنزير) وفرع أحددهما، فلا يجوز لبسه؛ لأنه لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حال حياته ولا بالكلب إلا في أشياء مخصوصة؛ فبعد موتهما أولى، وفرع أحدهما مما يلحق بهما. قال: (إلا لضرورة كفجأة قتال)، أو خوف على نفسه من حر أو برد أو غيرهما، ولم يجد غيره فيجوز. قال: (وكذا جلد الميتة في الأصح) أي: لا يحل عند عدم الضرورة لنجاسته. والثاني: يحل؛ لأن جلد الكلب إنما حرم لغلظ نجاسته. ولا فرق في ذلك بين الثوب والبدن، ويجوز إلباس دابته الجلد النجس سوى جلد الكلب والخنزير؛ إذ لا تعبد على الدواب. فرع: الامتشاط بمشط العاج رطبا ويابسا: صرح الرافعي بالمنع منه، وصرح في (شرح المهذب) بالجواز، فظنه في (المهمات) تناقضا وليس كذلك، بل (العاج) هو: الذبل، وهو مراده في (شرح المهذب)، وأما عظم الفيل .. فهو الذي أراده الرافعي. قال: (ويحل الاستصباح بالدهن النجس على المشهور) سواء تنجس بعارض، او كان نجس العين كودك الميتة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن فأرة وقعت في سمن .. فقال: (إن كان ذائبا .. فاستصبحوا به) رواه الطحاوي، ولكنه يكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يجوز؛ لقوله تعالى:} والرجز فاهجر {وذلك يقتضي: الاجتناب من كل وجه، ولأجل دخان النجاسة. وصحح في (شرح المهذب) القطع بالأول. ويحل دهن السفن به، وان يتخذ صابونا يستعمله ولا يبيعه، ولمالك رضي الله عنه فيه قولان. تتمة: استثنى صاحب (البيان) والمتولي ودك الكلب والخنزير، والقياس في (المهمات): منعه. ولا شك أن تستثنى المساجد، وعن مالك رضي الله عنه قولان في جواز الاستصباح به فيها.\ وقد سها ابن الرفعة في (كتاب البيع) في نقله عن الرافعي: أن الظاهر عند الأصحاب منع الاستصباح بالدهن النجس، وهو إنما نقله عنهم في منع البيع. ولا بأس أن يطعم ما عجن بماء نجس ناضحه وبهيمته، وأن يطعم النحل العسل المتنجس، والكلب وطيور الصيد الميتة. وإذا سجر التنور بالسرجين، فإن قلنا بتنجس دخان النجاسة .. ففي العفو عنه وجهان: أحدهما: نعم، فيجعل الخبز فيه من غير مسح. وثانيهما: لا. فعلى هذا: لو تدخن به ثوبه .. لزمه غسله، ويجب مسح التنور قبل جعل الخبز فيه بخرقة، فإن خبز قبله .. نجس ظاهره، والقياس: نجاسة جميعه؛ لرطوبته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة يباح لبس الكتان والقطن والصوف والوبر والشعر ونحوها وإن كثرت قيمتها؛ لأن نفاستها بالصنعة. ولا يكره لبس الناعم منه، ولبس الخشن مكروه إلا لغرض شرعي مع الاستغناء عنه؛ لأنه تعذيب للنفس. وسواء غير المصبوغ والمصبوغ، وسواء الأخضر والأحمر والأسود، وسواء صبغ قبل النسج أم بعده، ففي (الصحيحين)] خ 3551 - م 503 [: (أنه صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء). وفيهما] خ 5812 - م 2079 [: (كان أعجب اللباس إليه صلى الله عليه وسلم الحبرة)، وهي: شملة فيها بياض وحمرة. وروى الترمذي] 2812 [وأبو داوود] 4062 [: (أنه صلى الله عليه وسلم لبس بردين أخضرين). وروى مسلم] 1358 [: (أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء)، و (لبسها على المنبر أيضا)، ومن ثم كان شعار بني العباس في الخطبة لبس الأسود. وأما الأصفر .. فكان ابن عمر رضي الله عنهما يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه منها ويقول: (هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل). لكن المنصوص: أن المزعفر حرام على الرجال، وأما المعصفر .. فالمذهب: كراهته. وقال ابن الرفعة: الصواب تحريمه كما قاله الحليمي للأحاديث الصحيحة الواردة فيه التي لو بلغت الإمام الشافعي رضي الله عنه .. لقال بها؛ لأن مذهبه: إتباع الحديث الصحيح.

باب صلاة العيدين

بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ هِيَ سُنَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صلاة العيدين (العيد): مشتق من العود. سمي بذلك، لأنه يتكرر بتكرر السنين. وقيل: من عود السرور بعوده. وقيل: من كثرة عوائد الله تعالى على عباده. والأصل في مشروعية الصلاة فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: (فصل لربك وانحر)، وما روى أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: (ما هذان اليومان؟) فقالوا: كنا نلعب فيهما بالجاهلية، فقال: (إن الله تعالى أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى)، وهو يوم الحج الأكبر، و (أول عيد صلاه النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر، من السنة الثانية من الهجرة)، ثم (لم يزل يواظب على صلاة العيدين حتى فارق الدنيا). قال: (هي سنة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله تعالى على عباده)، قال له السائل: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع).

وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتُشْرَعُ جَمَاعَةٌ، وَلِلمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى هذا: لو اتفق أهل بلد على تركها .. لم يقاتلوا- خلافا لأبي إسحاق- واختاره الروياني وابن أبي عصرون، وهما كالوجهين في الأذان. قال: (وقيل: فرض كفاية) قاله الإصطخري؛ لأنها صلاة يتوالى فيها التكبير من قيام فأشبهت صلاة الجنازة، وأجمع المسلمون: على أنها ليست فرض عين. قال: (وتشرع جماعة) بالإجماع. قال: (وللمنفرد والعبد والمرأة والمسافر) كسائر النوافل، إلا أن المرأة الجميلة وذات الهيئة يكره لها أن تحضرها، والعجوز يستحب لها الحضور لكن في ثياب بيتها بلا طيب كما سيأتي، والخنثى في هذا كالمرأة. ونقل عن القديم: أنها كالجمعة في الشروط، حتى لا تصح للمنفرد ونحوه، إلا أنه يستثنى - على هذا القول- إقامتها في خطة، الأبنية، وتقديم الخطبتين، والعدد. وإذا قلنا: يصلي المنفرد .. لا يخطب على الأصح. وإذا اجتمع مسافرون .. صلى بهم واحد منهم وخطب، وكذلك من لا جمعة عليهم إذا اجتمعوا. فرعان: أحدهما: الحاج بمنى لا تستحب له صلاة العيد على النص، وفي (التجربة النظامية) للإمام: أنها تستحب لهم، وكلام المتولي يقتضي: أنها تصلى فرادى. الثاني: إذا وافق يوم العيد يوم جمعة، وحضر أهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد، وعلموا أنهم لو انصرفوا فاتتهم الجمعة .. فلهم أن ينصرفوا ويتركوها نص عليه في القديم والجديد.

وَوَقْتُهَا: بَيْنَ طُلُوِعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا، وَيُسَنُّ تَاخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدل له ما روى أحمد] 4/ 372 [وأبو داوود] 1066 [والنسائي] 3/ 194 [وابن ماجة] 1310 [والحاكم] 1/ 288 [عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن أحب أن يشهد معنا الجمعة .. فليفعل، ومن أحب أن ينصرف .. فليفعل). وصح عن عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز: أنهم خطبوا بمثل ذلك. قال: (ووقتها: بين طلوع الشمس وزوالها)، أما خروج وقتها بالزوال .. فمتفق عليه، وأما أول وقتها .. فالأصح: أنه: - كما قال المصنف- يدخل بطلوع الشمس؛ لأن به يخرج وقت الصبح فدخل وقت غيرها، ثم فرع المصنف على هذا فقال: (ويسن تأخيرها لترتفع كرمح)؛ لخروج وقت الكراهة وإن كان لها سبب. وقال الماوردي: يدخل وقتها بتمام الطلوع. وقيل: لا يدخل حتى ترتفع: واختاره الشيخ لعدم الدليل على فعلها قبل ذلك. وقال ابن الرفعة: لا يتم القول بأن وقتها يدخل بالطلوع إلا إذا قلنا: إن الصلاة في الأوقات المكروهة لا تحرم وتصح، أما إذا قلنا: لا تصح أو تحرم- كما هو الأصح- فلا؛ إذ يستحيل أن نقول بعدم دخول الوقت وعدم الصحة أو التحريم. ومقتضى عبارة المصنف .. أنها تفوت إذا شهدوا بالرؤية بعد الزوال يوم الثلاثين، وعدلوا بعد الغروب وقلنا العبرة بالتعديل وهو الأصح، وليس كذلك بل يصلوا من الغد أداء كما سيأتي. وإذا خرج وقتها .. ففي استحباب قضائها القولان السابقان في صلاة التطوع، والأصح: الاستحباب: وهما مفرعان على الجديد: الصحيح: أنه لا يشترط فيها شروط الجمعة، أما على القديم .. فلا تقضى قطعا. وقال الماوردي: ليس لمن ولي الصلوات الخمس حق في إقامة العيدين والخسوف والاستسقاء، إلا أن يقلد جميع الصلوات، ويأمر الإمام الناس بصلاة العيد.

وَهِيَ رَكْعَتَانِ يُحْرِمُ بِهِمَا، ثُمَّ يَاتِي بِدُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ، ثُمَّ بِسَبْعِ تَكْبِيرِاتٍ يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ كَآَيِةٍ مُعْتَدِلَةٍ يُهَلِّلُ وَيَكَبِّرُ وَيُمَجِّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل الأمر واجب أو مستحب؟ وجهان، قال المصنف في (سير) (الروضة): قلت: الأصح الوجوب وإن قلنا: إنها سنة؛ لأن الأمر بالمعروف وهو الطاعة واجب، لا سيما إذا كان شعارا ظاهرا. قال: (وهي ركعتان) بالإجماع. قال: (يحرم بهما) بنية صلاة العيد. هذا أقلها. قال: (ثم يأتي بدعاء الافتتاح) كسائر الصلوات. قال: (ثم بسبع تكبيرات)؛ لما روى الدارقطني] 2/ 48 [وابن ماجه] 1279 [والترمذي] 536 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الثانية خمسا)، قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال: ليس في الباب أصح منه. وعلم من عبارة المصنف .. أن تكبيرة الإحرام ليست من السبعة، وجعلها منها مالك والمزني وأبو ثور. لنا: ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر في الأولى سبعا، وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة الإحرام) رواه أبو داوود] 1145 [، وهو حجة على أبي حنيفة أيضا حيث قال: يكبر ثلاثا. وتكره الزيادة والنقص عن هذا العدد، فلو صلى خلف من كبر ثلاثا أو ستا .. تابعه في الأظهر؛ لئلا يخالفه. قال: (يقف بين كل ثنتين كآية معتدلة يهلل ويكبر ويمجد) روى الطبراني] 9/ 303 [والبيهقي] 3/ 292 [ذلك عن ابن مسعود قولا وفعلا، وأيضا فإن سائر التكبيرات المشروعة في الصلاة يعقبها ذكر مسنون فكذلك هذه التكبيرات. و (التهليل): قول: لا إله إلا الله.

وَيَحْسُنُ: (سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ)، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ، وَيُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسَا قَبْلَ القِرَاءَةِ، وَيِرْفَعُ يَدْيْهِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَسْنَ فرْضًا وَلَا بَعْضاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (التمجيد): التسبيح والتشريف والتعظيم، وفي حديث قراءة (الفاتحة): (.. مجدني عبدي ..). ومن أسمائه تعالى: المجيد والماجد وهو: الشريف الذات، الكريم الفعال. وقالت عائشة رضي الله عنها: (ناوليني المجيد) أرادت: المصحف، قال تعالى:} بل هو قرءان مجيد {. قال: (ويحسن: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))؛ لأن هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات، وهي لائقة بالحال. وقال ابن الصباغ: لو قال ما اعتاده الناس وهو: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا .. كان حسنا أيضا. وقال المسعودي: يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك، وجل ثناؤك ولا إله غيرك. قال: (ثم يتعوذ) لاستفتاح القراءة، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: يتعوذ قبل التكبير. قال: (ويقرأ) أي: الفاتحة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بها. قال: (ويكبر في الثانية خمسا قبل القراءة)؛ للحديث السابق. قال: (ويرفع يديه في الجميع)؛ قياسا على غيرها من تكبيرات الصلاة. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: فإن تركه في بعضها أو كلها .. كرهت له ذلك ويستحب أن يضع يمينه على يساره بين كل تكبيرتين. قال: (ولسن فرضا ولا بعضا)، فلا تبطل الصلاة بتركهن، ولا يجبرن بالسجود، بل هن من الهيئات كالتعوذ ودعاء الاستفتاح.

وَلَوْ نَسِيَهَا وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءِةِ .. فَاتَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ: يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ. وَيَقْرَأُ بَعْدَ (الْفَاتِحَةِ) فِي الأُولَى (قَ)، وَفِي الْثّانِيَةِ (اقْتَرَبَتْ) بِكَمَالِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمعوا: على أنه يجهر بالتكبير، ويسر الذكر. ولا يأتي بالذكر بعد السابعة والخامسة ولا قبل السبع اتفاقا. قال: (ولو نسيها وشرع في القراءة .. فاتت)؛ لفوات محلها. والتعبير ب (النسيان) يعلم منه: الفوات في العمد من باب أولى- فلو عاد .. لم تبطل صلاته، لكن لو عبر بقوله: لم يتدارك .. كان أولى؛ لأن الفائت قد يقضى. قال: (وفي القديم: يكبر ما لم يركع)؛ لأن محله القيام وهو باق. وإذا أدرك الإمام في أثناء (الفاتحة)، أو بعض التكبيرات، فعلى الجديد .. لا يكبر ما فاته، وعلى القديم .. يكبر. ولو أدركه راكعا .. لم يكبر اتفاقا، ولو أدركه في الثانية .. كبر معه فيها خمسا، ويكبر بعده إذا قام في الثانية خمسا. ولو قضى صلاة العيد .. فقال العجلي: لا يكبر؛ لأن التكبيرات من شعار الوقت وقد فات. ويظهر: أن يأتي فيه الخلاف الآتي عن القاضي فيما إذا فاتته صلاة في أيام التشريق، فقضاها في غيرها، هل يكبر خلفها. ولو شك في عدد التكبيرات .. أخذ بالأقل. قال: (ويقرأ بعد (الفاتحة) في الأولى (ق)، وفي الثانية (اقتربت) بكمالهما)؛

جَهْراً، وَيُسَنُّ بَعْدَهَا خُطْبَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهما فيهما، رواه مسلم] 891 [من حديث أبي واقد الليثي. وفيه] 878 [أيضا من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ب (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية)، وكلاهما سنة. قال: (جهرا) بالإجماع. قال: (ويسن بعدها خطبتان) اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين؛ ففي (الصحيحين)] خ 963 - م 888 [عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيد قبل الخطبة). فلو خطب قبلها .. أساء ولا يعتد بها، وكذا قبل طلوع الشمس قطعا.

أَرْكَانُهُمَا كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أركانهما كهي في الجمعة) فيحمد لله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصي بالتقوى، ويقرأ، ويدعو فيهما، وكذلك في السنن؛ لما روى ابن ماجه] 1298 [عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم فطر أو أضحى إلى المصلى فخطب قائما، ثم قعد بعده، ثم قام). واقتصاره على ذكر الأركان يشعر بأنه يجوز القعود فيهما وهو كذلك على الأصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على بعيره)، وكذلك فعل علي وعثمان والمغيرة رضي الله عنهم. وقيل: لا بد فيهما من القيام كخطبتي الجمعة. وأفهمت عبارته: أنه لا يشترط فيهما شروط خطبة الجمعة كالطهارة والستر، وقل من تعرض لذلك من الأصحاب، لكنه جزم في آخر (الوضوء) من (شرح المهذب) و (التحقيق) باستحباب الوضوء لخطبة غير الجمعة. وأفهمت عبارة المتولي: اشتراط ذلك؛ فإنه قال: صفتهما في الشرائط كخطبتي الجمعة إلا في القيام. فيؤخذ منه اشتراط الطهارة والستر. ومما يسن أيضا: الجلوس بينهما، والسلام عند صعود المنبر كالجمعة. وهل يجلس قبل الأولى؟ فيه وجهان: الصحيح المنصوص: يجلس كما في خطبة الجمعة، وعن بعضهم: أنه يجلس قدر ما يؤذن المؤذن يوم الجمعة وهو غلط، وإنما هي جلسة خفيفة بقدر ما يستريح. والثاني: لا يجلس؛ لأنه إنما يجلس في الجمعة ليؤذن المؤذن وذلك مفقود هاهنا. وينبغي: أن يحث في الخطبة على الصدقة؛ إتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم، ويفصل بين الخطبتين بالتكبير، ويكثر منه في فصول الخطبة. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه] أم 1/ 239 [: أخبرني الثقة من أهل المدينة: أنه

وَيُعَلِّمُهُمْ فِي الْفِطْرِ الْفِطْرَةَ، وَفِي الأَضْحَى الأُضْحِيَةَ، يَفْتَتِحُ الأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أثبت له كتاب عن أبي هريرة فيه: يكبر الإمام في الخطبة الأولى يوم الفطر ويوم الأضحى إحدى أو ثلاثا وخمسين تكبيرة بين ظهراني الكلام. وقوله: (كهي) كثيرا ما يستعمله المصنف وغيره من الفقهاء، وهو قليل؛ فإن الكاف لا تجر إلا الظاهر فقط وجرها ضمير الغائب قليل، وسيأتي هذا في (باب الصيال) أيضا، وغيره. قال: (ويعلمهم في الفطر الفطرة، وفي الأضحى الأضحية) تعليما واضحا يفهمونه، فيذكر من أحكامهما ما تعم الحاجة إليه؛ لأن ذلك لائق بالحال. وخطب صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم قال: (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا .. فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة .. فلا نسك له). قال: (يفتتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع)؛ لقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: إنه من السنة. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وبقوله نقول. لكنه ضعيف، ومع ضعفه، لا دلالة فيه؛ لأن عبيد الله تابعي، والتابعي إذا قال: (من السنة) .. فيه وجهان: أشهرهما: أنه موقوف. والثاني: مرفوع مرسل. فإن قلنا بالأول .. فهو قول صحابي لم ينشر فلا حجة فيه على الصحيح، وإن قلنا بالثاني .. فهو مرسل لا يحتج به. وهذه التكبيرات مقدمة للخطبة لا منها- كذا نص عليه- لأن افتتاح الشيء قد يكون بمقدمته التي ليست منه.

وَلَاءَ. وَيُنْدَبُ: الْغُسْلُ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلِ: بِالفَجْرِ. والتَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُنُ كَالْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو خطب واحدة، أو ترك الخطبة، أو شيئا منها .. أساء ولا إعادة عليه. قال: (ولاء) كذا عبر في (الروضة) أيضا، وقال في (شرح المهذب): نسقا، وقال الرافعي: تترى، والجميع متقارب. قال الشيخ: والتنبيه على الموالاة لا بد منه، وإلا لفات المقصود عند السكوت الطويل. ولو أدخل بينهما الحمد والتهليل والثناء .. كان حسنا. قال: (ويندب: الغسل) أي: كالجمعة؛ لما صح في (الموطأ)] 1/ 177 [أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من الصحابة بإسناد ضعيف. قال: (ويدخل وقته بنصف الليل) كما في الأذان للصبح. قال: (وفي قول: بالفجر) كالجمعة. وقيل: يجوز في جميع الليل. قال (والتطيب والتزين كالجمعة)؛ لأنه يوم زينة وإظهار سرور بنعمة الله تعالى. وأشار المصنف بالتشبيه إلى قوله هناك: (وأن يتزين بأحسن ثيابه، وطيب، وإزالة الظفر والريح). وروى الحاكم] 4/ 230 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يلبسوا في

وَفِعْلُهَا بِالمَسْجِدِ أَفْضَلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العيد أجود ما يجدون، وأن يتطيبوا بأجود ما يجدون)، لكن في سنده رجل مجهول. و (كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس في العيدين برد حبرة ويتعمم). ويستوي- في استحباب الطيب والزينة، وإزالة الشعر والظفر والرائحة الكريهة- الخارج إلى الصلاة، والقاعد في بيته، والمسافر. وأفضل الألوان البياض، قال ابن الصلاح: وفي جعل الأبيض من الزينة نظر. فإن استوى اثنان في الحسن والنفاسة .. فالأبيض أفضل، فإن كان الحسن ليس بأبيض .. فهو أفضل من الأبيض، فإن لم يجد إلا ثوبا .. استحب أن يغسله للجمعة والعيد، واستحباب ذلك للإمام أكثر؛ لأنه منظور إليه ومقتدى به. وهذا في غير النساء، فهن يلبسن ثيابا قصدا من البياض أو غيره، ويكره لهن ثياب الزينة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات) - أي: غير عطرات- رواه مسلم] 442 [. ويكره لهن الشهرة من الثياب والتطيب. قال: (وفعلها بالمسجد أفضل)؛ لأن المساجد خير البقاع وأشرفها وأنظفها، ولأن الأئمة لم يزالوا يصلون العيد بمكة في المسجد الحرام، وهذا إذا اتسع كالمسجد الحرام وبيت المقدس، وإلا .. فالصحراء أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الصحراء لضيق مسجده، فلو صلى الإمام بهم في هذه الحالة في المسجد .. كره للمشقة عليهم.

وَقِيلَ: بِالصَّحْرَاءِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ. وَيَذْهَبُ فِي طَرِيقِ وَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: بالصحراء)؛ تأسيا به صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا: يستثنى المسجد الحرام؛ لأنه حاز شرف البقعة مع سعة الخطة، وألحق به الأكثرون بيت المقدس للفضل والسعة. قال: (إلا لعذر) كوحل أو مطر أو خوف وشبهه، فعند ذلك لا خلاف أن المسجد أفضل؛ لما روى أبو داوود] 1153 [والترمذي والحاكم] 1/ 295 [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد). قال: (ويستخلف من يصلي بالضعفة) كالزمنى والمرضى؛ لأن عليا رضي الله عنه استخلف أبا مسعود الأنصاري ليصلي بالضعفة من الناس في المسجد، رواه الإمام الشافعي رضي الله عنه بإسناد صحيح، ولأن فيه حيازة فضيلة الصلاة بهم. وقال في (الأم): يأمره أن يخطب بهم، فإن لم يأمره .. لم يخطب. وكذلك في الكسوف تكره الخطبة بغير أمره. فرع: قال في (الأم): أكره للمساكين إذا حضروا العيد المسألة في حال الخطبتين، بل يكفوا عنها حتى يفرغ الإمام، فإن سألوا .. فلا شيء عليهم إلا ترك الأفضل في الاستماع. قال: (ويذهب في طريق ويرجع في أخرى)؛ لقول جابر رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في العيد) رواه البخاري] 986 [وغيره. واختلف في سبب ذلك على أقوال: أظهرها: أنه كان يتوخى أطول الطريقين في الذهاب؛ تكثيرا للأجر. وقيل: ليتبرك به أهل الطريقين، وقيل: ليستفتى فيهما، وقيل: ليتصدق على

وَيُبَكِّرُ النَّاسُ. وَيَحْضُرُ الإِمَامُ وَقْتَ صَلَاتِهِ وَيُعَجِّلُ فِي الأَضْحَى ـــــــــــــــــــــــــــــ فقرائهما، وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما، وقيل: ليشهد له الطريقان، وقيل: ليزداد غيظ المنافقين به، وقيل: خوفا من مكائدهم، وقيل: ما من طريق مر بها إلا فاحت فيها رائحة المسك، وقيل: ليساوي بين الأوس والخزرج في المرور؛ لأنهم كانوا يتفاخرون بمروره عليهم، وقيل: تفاؤلا بتغير الحال إلى المغفرة والرضا كما حول رداءه في الاستسقاء، وقيل: فعل ذلك ليخف الزحام، واختاره الشيخ أو حامد وابن الصلاح؛ لوروده في رواية. ويستوي في هذه السنة الإمام وغيره، قاله في (الأم). وإذا لم يعلم السبب .. استحب التأسي قطعا. وقال المصنف في (رياض الصالحين): إن ذلك يجري في الجمعة والحج وعبادة المريض وسائر العبادات. وقول الإمام: أن الرجوع ليس بقربة غلط، بل الأجر حاصل في الذهاب والإياب؛ لما تقدم في (صلاة الجمعة) عند قول المصنف: (والتبكير إليها ماشيا بسكينة). قال: (ويبكر الناس)؛ ليحصل لهم القرب من الإمام، وفضيلة انتظار الصلاة. قال: (ويحضر الإمام وقت صلاته)؛ لما روى الإمام الشافعي رضي الله عنه] أم 1/ 232 [عن الثقة: أن الحسن رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلى العيدين في الأضحى والفكر حين تطلع الشمس ويتم طلوعها، فأول شيء يبدأ به الصلاة). قال: (ويعجل في الأضحى)؛ ليتسع الوقت للتضحية والتفرقة، بخلاف عيد الفطر فإنه يؤخر فيه؛ توسعا لوقت الاستحباب في زكاة الفطر، فإن المستحب إخراجها قبل الصلاة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم حين ولاه البحرين: (أن عجل الأضحى وأخر الفطر)، إلا أنه مرسل كما قاله البيهقي] 3/ 282 [.

قُلْتُ: وِيَاكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَيُمْسِكُ فِي الأَضْحَى. وَيَذْهَبُ مَاشِيَاً بِسَكِينَةٍ، وَلَا يُكْرَهُ النَّفْلُ قَبْلَهَا لِغَيْرِ الإِمَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: ويأكل في عيد الفطر قبل الصلاة، ويمسك في الأضحى)؛ لما روى البخاري] 953 [عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل ثمرات، ويأكلهن وترا). وروى الترمذي] 542 [وابن ماجه] 1756 [والحاكم] 1/ 294 [عن بريدة بن الحصيب قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ويوم النحر لا يأكل حتى يرجع فيأكل من نسكه). قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: فإن لم يطعم في بيته .. ففي الطريق أو المصلى إن أمكن. والحكمة في ذلك: أن يتميز يوم الفطر عما قبله الذي يحرم فيه الأكل. قال: (ويذهب ماشيا بسكينة)، ففي ابن ماجة] 1294: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيا). ولا باس أن يركب في الرجوع- إذا لم يتضرر به أحد- لأن الرجوع وإن كان يثاب عليه إلا أنه ليس في تلك الحال قاصدا إلى قربة. قال: (ولا يكره النفل قبلها لغير الإمام والله أعلم)؛ لانتفاء الأسباب المقتضية للكراهة، وروى البيهقي] 3/ 303 [عن أنس وغيره: (أنهم كانوا يتنفلون قبل خروج الإمام). وكذا لا يكره بعدها إذا لم يسمع الخطبة. أما الإمام فيكره له التنفل قبل وبعد؛ لما روى الشيخان] خ 964 - م 884/ 13 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفعل ذلك). والسبب فيه: أن وظيفته بعد الحضور صلاة العيد، وبعد الصلاة الخطبة. فرع: إذا فرغ من الخطبة، ثم علم أن قوما فاتهم سماع الخطبة .. استحب أن يعيدها لهم؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى

فصل

فَصْلٌ: يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالأَسْوَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وخطب، فلما فرغ .. رأى أنه لم يسمع النساء، فجاء إليهن ومعه بلال فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة)، وليس ذلك متأكدا فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مرة وتركه أكثر. تتمة: قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلاما في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي: أنه سئل عن ذلك، فأجاب بأن الناس لن يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه: أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. وفي (جامع البيان والتحصيل) عن مالك أنه قال: لا يكره. وقال ابن حبيب في (الموضحة): لا أعرفه ولا أنكره. قال: (فصل: يندب التكبير بغروب الشمس ليلتي العيد في المنازل والطرق والمساجد والأسواق) هذا يسمى التكبير المرسل والمطلق، ودليل استحبابه في عيد الفطر قوله تعالى:} ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم {. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: سمعت من أرضاه من العلماء بالقرآن يقول: المراد ب (العدة) عدة الصوم، و (التكبير) عند الإكمال. قال المحب الطبري: حمل (الواو) هنا على الترتيب متفق عليه. قال البيهقي] 3/ 279 [: وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكبر ليلة الفطر حتى يغدو إلى المصلى.

بِرَفْعِ الصَّوْتِ، وِالأَظْهَرُ: إِدَامَتُهُ حَتَّى يُحْرِمَ الإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ الأَضْحَى، بَلْ يُلَبِّي، وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الأَصَحِّ. وَيُكَبِّرُ الْحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما عيد الأضحى .. فبالقياس عليه. والجديد: أن تكبير ليلة الفطر آكد من ليلة الأضحى؛ لأنه منصوص عليه، والقديم: عكسه. قال: (برفع الصوت) قياسا على التلبية للحاج والمعتمر، واستثنى الرافعي المرأة، وغيره الخنثى أيضا. ويتأكد عند ازدحام الناس ليوافقوه إذا سمعوه. و (الأسواق): جمع سوق يذكر ويؤنث. سميت سوقا؛ لقيام الناس فيها على سوقهم، وهي أبغض البقاع إلى الله، وبها ينصب الشيطان رايته، وبها باض وفرخ، وسيأتي فيه أثر آخر في (كتاب الشهادات). قال: (والأظهر: إدامته حتى يحرم الإمام بصلاة العيد)؛ لأن الكلام مباح إلى تلك الغاية، وذكر الله أولى ما يقع به الاشتغال فإنه ذكر الله وشعار اليوم. والثاني: إلى أن يخرج الإمام إلى الصلاة. والثالث: إلى فراغه من الصلاة. والرابع: إلى فراغ الخطبة. والأخيران قديمان. قال: (ولا يكبر الحاج ليلة الأضحى، بل يلبى)؛ لأنها ذكره. قال: (ولا يسن ليلة الفطر عقب الصلوات في الأصح)؛ لأنه لم ينقل. وهذا النوع يسمى: التكبير المقيد؛ لأنه يقتصر به على أدبار الصلوات. والثاني: يسن كالأضحى، فيكبر خلف المغرب والعشاء والصبح، واختاره المصنف في (الأذكار)، وهو مذهب أهل العراق، وعليه العمل بالاتفاق. قال: (ويكبر الحاج من ظهر النحر)؛ لقوله تعالى:} فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله {، والمناسك تقضى يوم النحر ضحوة، وأول صلاة تلقاهم الظهر.

وَيَخْتِمُ بَصُبْحِ آَخِرِ التَّشْرِيقِ، وَغَيْرُهُ كَهُوَ فِي الأَظْهَرِ، وَفِي قَوْلٍ: مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَفِي قَوْلٍ: مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويختم بصبح آخر التشريق)؛ لأنه آخر صلاة يصليها الحاج بمنى، والناس تبع لهم. والسنة لهم: أن يرموا في اليوم الثالث بعد الزوال وهم ركبان، ولا يصلون الظهر بمنى بل بعد نفرهم منها. و (أيام التشريق): الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة. سميت بذلك لتشريق اللحم بها- وهو: نشره- وقيل: من قولهم: أشرق ثبير كيما نغير، وقيل: لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس. قال: (وغيره كهو في الأظهر)؛ لأن الناس تبع للحجيج وهم يكبرون من الظهر كما تقرر، ولإطلاق حديث مسلم] 1142 [: (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله). وقوله: (كهو) تقدم الكلام عليه قريبا. قال: (وفي قول: من مغرب ليلة النحر، وفي قول: من صبح) يوم (عرفة ويختم بعصر آخر) أيام (التشريق، والعمل على هذا)؛ لما روى الحاكم] 1/ 299 [عن علي وعثمان قالا: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر في المكتوبات بـ} بسم الله الرحمن الرحيم {ويقنت في صلاة الفجر، وكان يكبر يوم عرفة من صلاة الصبح، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق) قال: وهذا حديث صحيح الإسناد، لا أعلم في رواته منسوبا إلى الجرح. وصح من فعل عمر وعلي، فلذلك اختاره المصنف في (شرح المهذب) و (التصحيح)، وصححه في (الأذكار)، ونسبه في زوائد (الروضة) إلى المحققين.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ لِلفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ وَالنَّافِلَةِ. وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ: (اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأظهر: أنه يكبر في هذه الأيام للفائتة والراتبة والنافلة)؛ لأن التكبير شعار للوقت، والنافلة تشبه الفريضة. والقول الثاني- وبه قال الأئمة الثلاثة-: يختص التكبير بالفرائض المفعولة في هذه الأيام، سواء كانت مؤداة أو فائتة، كالأذان والإقامة. والثالث: بفرائضها فقط. والرابع: بفرائضها وسننها الراتبة؛ لتآكدها. واحترز بقوله: (هذه الأيام) عما لو فاتته صلاة منها فقضاها في غيرها .. فإنه لا يكبر عقبها بالاتفاق. والمنذورة كالنافلة، وكذلك العيد والكسوف والاستسقاء. والأصح: أنه يكبر خلف الجنازة، وقيل: لا؛ لأن مبناها على التخفيف. ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، والحاضر والمسافر، والمنفرد والمصلي جماعة. فلو نسي التكبيرات .. أتى بها إن قرب الفصل، وكذا إن طال في الأصح. كل هذا في التكبير الذي يرفع به الصوت ويجعله شعارا، ما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه .. فلا منع. فلو كبر الإمام على خلاف اعتقاد المأموم .. فالأصح: اعتبار اعتقاد نفسه، بخلاف تكبير نفس الصلاة. قال: (وصيغته المحبوبة: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر)) كذا ورد عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما. وفي القديم: يكبر مرتين.

لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ). وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ: (كَبِيراً، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). وَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ .. أَفْطَرْنَا وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ. وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ .. لَمْ تُقْبَلِ الشَّهَادَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (... لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد)؛ اتباعا للسلف الصالح. قال: (ويستحب أن يزيد: (كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا)) كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا. والصواب زيادة التكبير أيضا، فيكون التكبير أربعا. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وما زاد من ذكر الله فهو حسن- قال- ويستحب أن يقول: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. قال في (شرح مسلم): قوله عليه الصلاة والسلام: (الله أكبر كبيرا) قيل: هو على إضمار فعل؛ أي: كبرت تكبيرا، وقيل: على القطع، وقيل: على التمييز. و (البكرة): الغدوة: والجمع: بكر. و (الأصيل): من العصر إلى المغرب، وجمعه: أصل وآصال وأصلان. قال: (لو شهدوا يوم الثلاثين قبل الزوال برؤية الهلال الليلة الماضية). لو قال: (شهدا) بالتثنية ... كان أولى من (واو) الجمع. قال: (.. أفطرنا وصلينا العيد) أداء؛ لبقاء الوقت. هذا إذا بقي ما يمكن جمع الناس فيه وإقامة الصلاة، وإلا .. فكما لو شهدوا بعد الزوال. قال: (وإن شهدوا بعد الغروب .. لم تقبل الشهادة)؛ لأن شوالا قد دخل وصوم ثلاثين قد تم، فلا فائدة في شهادتهم إلا المنع من صلاة العيد. هذا بالنسبة إلى الصلاة خاصة، أما الحقوق والأحكام المتعلقة بالهلال كالتعليق

أَوْ بَيْنَ الزَّوَالِ وَالغُرُوبِ .. أَفْطَرْنَا وَفَاتَتِ الصَّلَاةُ، وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ فِي الأَظْهَرِ، وَقِيلَ: فِي قَوْلٍ: تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعدوة والإجارة والعتق وغيرها .. فتثبت قطعا. أما بالنسبة إلى الصلاة .. فلا تثبت وتصلى من الغد أداء بلا خلاف؛ لما روى الترمذي] 802 [- بإسناد صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس). قال الأصحاب: ليس يوم الفطر أول شوال مطلقا، إنما هو اليوم الذي يفطر فيه الناس، وكذلك يوم النحر. ويوم عرفة هو اليوم الذي يظهر للناس؛ لأن العباد إنما كلفوا بالظاهر، لا بما في نفس الأمر. قال: (أو بين الزوال والغروب .. أفطرنا وفاتت الصلاة)؛ لخروج وقتها بالزوال. هذا هو المذهب ويقابله قوله: (وقيل في قول: تصلى من الغد أداء) ففيه طريقان: أصحهما: القطع بالفوات. والثاني: قولان. وفي (سنن أبي داوود)] 1150 [و (ابن حبان)] 3456 [: (أن ركبا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا .. يغدون إلى مصلاهم). وحكى قول: أنها لا تفوت ويصلون من الغد أداء لظاهر الحديث. قال: (ويشرع قضاؤها متى شاء في الأظهر) هذه مكررة تقدمت في قوله: (ولو فات النقل المؤقت .. ندب قضاؤه في الأظهر)؛ والقضاء في باقي اليوم أولى على الأصح مبادرة إلى العبادة وتقريبا لها من وقتها. والثاني: الأولى التأخير إلى الغد؛ لأن اجتماع الناس فيه أسهل. قال: (وقيل: في قول: تصلى من الغد أداء)؛ لأن الغلط في الهلال كثير، فلا يفوت به هذا الشعار العظيم، ويؤيده صحة الوقوف في العاشر غلطا. وأشار بقوله: (وقيل: في قول) إلى الطريقتين المتقدمتين في قوله: (وفاتت الصلاة)، ولو ذكره عقبه .. كان أولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: شهد شاهدان قبل الغروب ولكن عدلا بعده .. فالعبرة بوقت التعديل في الأظهر؛ لأنه وقت جواز الحكم. وعلى هذا: فيصلون من الغد أداء كما تقدم. والثاني: أن الاعتبار بوقت الشهادة؛ لأن التعديل مستند إليها. ... خاتمة يستحب إحياء ليلتي العيد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا ليلتي العيد .. أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب) رواه الدارقطني في (علله) قال: والمحفوظ وقفه على مكحول، ورواه ابن ماجه] 1782 [عن أبي أمامة مرفوعا بعنعنة بقية. واختلفوا في معناه. فقيل: لا يشغف بحب الدنيا؛ لأنه موت قال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء الموتى، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الأغنياء). وقيل: يأمن من سوء الخاتمة، قال الله تعالى:} أو من كان ميتا فأحييناه {أي: كافرا فهديناه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الروضة): ويحصل ذلك بمعظم الليل. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه يحصل بأن يصلي العشاء والصبح في جماعة). وروى ابن ماجه في (سننه)] 1302 [من حديث عياض الأشعري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالتقليس في العيدين) وهو: الضرب بالطبل والدف ونحوهما؛ لأنه من شعار الإسلام. ***

باب صلاة الكسوفين

بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ هِيَ سُنَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صلاة الكسوف (الكسوف والخسوف) قيل: مترادفان، يقال: كسفت الشمس والقمر إذا ذهب ضوءهما، وانكسفا وانخسفا وخسفا. وقيل: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، وصححه الجوهري. فعلى هذا: يكون التبويب لأحدهما، وخص بالشمس؛ لأنها أشهرهما، أو لأن المصنف يرى أنه يطلق عليهما. وقيل: الكسوف أول ذهاب الضوء، والخسوف آخره، واللفظان مأخوذان من قولهم: فلان كاسف الحال أي: متغيره. وأصل الباب قبل الإجماع: قوله تعالى:} لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن {، أي: عند كسوفهما؛ لأنه أرجح من احتمال أن المراد النهي عن عبادتهما؛ لأنهم كانوا يعبدون غيرهما أيضا، فلا معنى لتخصيصهما بالنهي. قال: (هي سنة) سواء وقع ذلك في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أو غيرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك .. فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم). ويكره تركها، وإنما لم تجب لقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله الأعرابي: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع). وفي (الحاوي) في صلاة التطوع وجه: أنها فرض كفاية، وجزم به الخفاف في (الخصال) قبيل (الزكاة).

فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَيَقْرَأُ (الفَاتِحةَ) وِيَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَقْرَأُ (الْفَاتِحَةَ)، ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ، فَهَذِهِ رِكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلَّي ثَانِيَةٌ كَذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ لِتَمَادِي الكُسُوفِ، وَلَا نَقْصُهُ لِلانْجِلَاءِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمخاطب بها: المخاطب بالصلوات الخمس. وتستحب للنساء ذوات الهيئات في بيوتهن، وغير ذوات الهيئات مع الإمام، وإذا صلين في بيوتهن .. لا يستحب لهن الخطبة، فلو ذكرتهن إحداهن .. كان حسنا. قال: (فيحرم بنية صلاة الكسوف، ويقرأ (الفاتحة) ويركع، ثم يرفع ثم يقرأ (الفاتحة) ثم يركع ثم يعتدل ثم يسجد، فهذه ركعة، ثم يصلي ثانية كذلك) أي: ثم يسلم فهذه ركعتان، في كل ركعة قيامان وركوعان، ويقرأ (الفاتحة) في كل قيام، ويسجد سجدتين في كل ركعة كغيرها من الصلوات. وهذه الكيفية رواها البخاري] 1052 [ومسلم] 907 [من رواية ابن عمر إلا أنهما لم يصرحا بقراءة (الفاتحة) في كل ركعة. لكن في ذكره النية نوع تكرار؛ لأنه ذكرها في (صفة الصلاة)، ولهذا أهمل ذكرها في (صلاة العيد) و (الاستسقاء). والذي ذكره المصنف هو الأقل في كيفيتها، ومقتضاه: أنه لا يجوز الاقتصار على ركوع واحد في كل ركعة كصلاة الصبح، وهذا هو الصحيح في (الروضة) و (المهمات). والذي وقع في (شرح المهذب) من استحباب الركوع الثاني، وأنه لو اقتصر على ركوع واحد كسنة الظهر .. صحت وكان تاركا للأفضل .. خلاف الصحيح. قال: (ولا يجوز زيادة ركوع ثالث لتمادي الكسوف، ولا نقصه للانجلاء في الأصح) كغيرها من الصلوات لا يزاد على أركانها ولا ينقص منها. والثاني- وبه قال أحمد وابن خزيمة وابن المنذر والخطابي والصبغي-: تجوز الزيادة حتى تنجلي؛ جمعا بين الأحاديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، في كل ركعة ثلاث ركوعات، وروى: (أربعة) أخرجهما مسلم] 901/ 6 [] 908 [، وروى: (خمسة) أخرجها أحمد] 5/ 134 [وأبو داوود] 1175 [والحاكم] 1/ 333 [.

وَالأَكْمَلُ: أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الأَوَّلِ بَعْدَ (الفَاتِحَةِ): (الْبَقَرَةَ)، وَفِي الثَّانِي كَمِئَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وفَي الثَّالِثِ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ، وَالرَّابعِ: مِئةٍ تَقْرِيباً ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا صح الحديث .. فهو مذهبي، واعتذر جمهور الأصحاب عن ذلك بأن أحاديث الركوعين أشهر وأصح، وهي في (الصحيحين). قال الشيخ: ولا يصح الاعتذار بذلك إلا إذا كانت الواقعة واحدة واختلف الرواة فيها، أما إذا كانت وقائع فلا تعارض. والوجهان في النقص للانجلاء بنوهما على الوجهين في الزيادة. وقول المصنف: (ولا نقصه) أي: ولا نقص الركوع الثاني، ولا يمكن عوده على المذكور في الكلام فإنه الثالث، ولو حذف لفظة (ثالث) .. كان أخصر وأصوب، ثم إن الخلاف لا يختص بزيادة الثالث، بل الرابع والخامس كذلك، أما الزائد على الخامس .. فممنوع جزما؛ لأن المروي في الأحاديث زيادة الرابع والخامس فقط. قال: (والأكمل: أن يقرأ في القيام الأول بعد (الفاتحة) (البقرة))؛ لما روى مسلم] 907 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الأولى قياما طويلا قدر (سورة البقرة)، وقالت عائشة رضي الله عنها: (حرزت قيامه الأول بقدر (سورة البقرة)). والمراد: إذا كان يحسنها، فإن لم يحسنها .. قرأ قدرها. قال: (وفي الثاني كمئتي آية منها، وفي الثالث مئة وخمسين، و) في (الرابع مئة تقريبا)؛ لما روى البخاري] 1052 [عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طول الأول على الثاني، والثاني على الثالث، والثالث على الرابع). والذي ذكره المصنف هو نص (الأم) و (البويطي)، ونص في موضع آخر منه: أنه يقرأ في الثاني نحو (آل عمران)، وفي الثالث نحو (سورة النساء)، وفي الرابع

وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكوعِ الأَوَّلِ قَدْرَ مِئَةٍ مِنْ (الْبَقَرَةِ)، وَفِي الثَّانِي ثَمَانِينَ، وَالثَّالِثِ سَبْعِينَ، وَالرَّابِعِ خَمْسِينَ تَقْرِيباً، ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو (سورة المائدة)، وليس ذلك باختلاف وإنما هو للتقريب. والمعتبر في الآيات: الوسط، لا الطول كآية الدين. فائدة: (سورة البقرة) فساط القرآن وسنامه ولبابه، تعلمها عمر رضي الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة، وابنه عبد الله في ثمان سنين. قال ابن العربي: فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر، أخذها بركة، وتركها حسرة، لا تستطيعها البطلة- وهم: السحرة- لمجيئهم بالباطل، إذا قرئت في بيت .. لم تدخله مردة الشياطين ثلاثة أيام. قال: (ويسبح في الركوع الأول قدر مئة) آية (من (البقرة)، وفي الثاني) قدر (ثمانين، و) في (الثالث سبعين، والرابع خمسين تقريبا)؛ لما روى مسلم] 901/ 3 [عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام وكبر وصف الناس وراءه، فاقترأ قراءة طويلة، ثم كبر وركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه فقال: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقال: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)، ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخيرة مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف). وإنما كانت تقريبا؛ لعدم ورود تقدير فيه من الشارع. وقوله: (سبعين) هو بتقديم السين، ووقع في (التنبيه) بتقديم التاء على السين، وقيل: بقدر ثمانين، وقيل: خمس وثمانين، وقيل: ما بين الثمانين إلى التسعين. والصواب: أنه يقول في الاعتدال عن كل ركوع: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)، كما في حديث عائشة المتقدم، وبه صرح في (الشرح) و (الروضة).

وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: تَطْوِيلُهَا ثَبَتَ فِي (الصَحِيحَيْنِ) وَنَصَّ فِي (الْبُوَيْطِيِّ): أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: لا يقول ذلك في الرفع الأول، بل يرفع مكبرا؛ لأنه ليس باعتدال، ونقله عن النص، ولهذا عبر في (المنهاج) عنه بالرفع، وفي الثاني بالاعتدال. قال: (ولا يطول السجدات في الأصح)، كما لا يطول الاعتدال من الركوع الثاني والجلوس بين السجدتين والتشهد، ولو عبر بالأظهر كما في (الروضة) .. كان أحسن. قال: (قلت: الصحيح: تطويلها ثبت في (الصحيحين)] خ 1051 - م 910 [) من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما. قال: (ونص في (البويطي): أنه يطولها نحو الركوع الذي قبلها والله أعلم) هو كما قال، وبه قال ابن سريج وابن المنذر والخطابي وقال: إنه مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه والبندنيجي والبغوي، ولا يعرف للشافعي نص يخالفه وينبغي القطع به. و (البويطي): نسبة إلى بويط قرية من صعيد مصر الأدنى، وهو أبو يعقوب، يوسف بن يحيى، وكان من أجل أصحاب الإمام الشافعي رضي الله عنه وخليفته بعده في حلقته، مات في السجن والقيد ببغداد، سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة إحدى، وامتحن ليقول بخلق القرآن فثبته الله بالقول الثابت، وكان لسانه لا يزال رطبا بذكر الله عز وجل. تنبيهان: أحدهما: ظاهر عبارته: أنه لا يطيل الجلوس بين السجدتين، وبه جزم البغوي والغزالي.

وَتُسَنُّ جَمَاعَةٌ. وَيَجْهَرُ بَقِرَاءَةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لَا الشَّمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وصح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع). وصرح في (الأذكار) باختبار إطالته، بل في (صحيح مسلم)] 904 [من حديث جابر: تطويل الاعتدال الثاني ظاهره: أنه لا فرق بين أن يرضى المأمومون بالتطويل أم لا، وفيه نظر. ويحتمل أن يحتمل هذا التطويل لندرة هذه الصلاة وهو بعيد، ثم إن التطويل إنما يشرع إذا لم يضق وقت الحاضرة كما سيأتي. قال: (وتسن جماعة) كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: الجماعة شرط فيها، وقيل: لا تقام إلا جماعة واحدة كالجمعة، وهما شاذان. ويستحب أن ينادى لها: (الصلاة جامعة). قال: (ويجهر بقراءة كسوف القمر) بالإجماع. قال: (لا الشمس)؛ لما روى الترمذي] 562 [وابن حبان] 2851 [والحاكم] 1/ 334 [- وقال: على شرط الشيخين- عن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف، فلم نسمع له صوتا). وقال ابن المنذر: يجهر. وقال الخطابي: الذي يأتي على مذهب الإمام الشافعي الجهر؛ لما روت عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس وجهر بالقراءة) متفق عليه] خ 1065 - م 901/ 5 [. وأجاب بعضهم- عن حديثها- بأن في بعض طرفه أنها قالت: (حزرت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدل على أنه لم يجهر إلا أنه كان يظهر الآية أحيانا.

ثٌمَّ يَخْطُبُ الإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانَهِمَا فِي الجُمُعَةِ، وَيَحُثُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالخَيْرِ. وَمَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ .. أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، أَوْ فِي ثَانٍ، أَوْ قِيَامٍ ثَانٍ .. فَلَا فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم يخطب الإمام)؛ لما روى الشيخان] خ 1044 - م901 [عن عائشة: (أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من صلاته .. خطب). وأشار بقوله: (الإمام) إلى أن المنفرد لا يخطب وهو كذلك. قال: (خطبتين بأركانهما في الجمعة) قياسا عليها، والخطبتان سنة لا شرط لصحة الصلاة. والمنصوص: أن الخطبة الواحدة مجزئة في ذلك. قال: (ويحث على التوبة والخير) وكذلك الصدقة، والإعتاق كما رواه البخاري] 1054 [عن أسماء بنت أبي بكر. قال: (ومن أدرك الإمام في ركوع أول .. أدرك الركعة)؛ لأنه الأصل وما بعده تابع له. قال: (أو في ثان، أو قيام ثان .. فلا في الأظهر)، كما لو أدرك الاعتدال في سائر الصلوات. والقول الثاني: أنه يصير بإدراك الركوع الثاني مدركا للقومة التي قبله. فعلى هذا: إذا أدرك الركوع الثاني من الركعة الأولى .. قام بعد سلام الإمام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وتحلل، ولا يسجد؛ لأن إدراك الركوع إذا أثر في إدراك القيام الذي قبله .. كان السجود الذي بعده محسوبا بطريقة أولى. وإن كان في الثانية .. فيأتي مع ما ذكرناه بالركعة الثانية كاملة. هذا هو المقابل لقول المصنف: (الأظهر)، ولا يفهم ذلك من الكتاب. ولا خلاف أنه لا يكون مدركا للركعة بجملتها.

وَتَفُوتُ صَلَاةُ الشَّمْسِ بِالانْجِلَاءِ وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةٌ، وَالْقَمَرِ بِالانْجِلَاءِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا الفَجْرِ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا بغُرُوبِهِ خَاسِفًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتفوت صلاة الشمس بالانجلاء)؛ لحصول المقصود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتم ذلك) أي: الكسوف (.. فادعوا الله تعالى وصلوا حتى ينكشف ما بكم)، فجعل الكسوف سببها، والتجلي غايتها، وذلك يفيد التأقيت. والمراد بـ (الانجلاء): أن ينجلي جميع ما انكسف، وبـ (الفوات): امتناع الفعل، لا تتميم الأداء. وقد أرشد إلى عدم القضاء في (باب صلاة النفل) حيث قيد القضاء بالنفل المؤقت؛ ليخرج ذات السبب. فلو انجلى بعض المنكسف .. فالوقت باق؛ لأن ما بقى لو انكسف لا غير .. شرعت له الجماعة. ولو جللتها غمامة وهي كاسفة .. صلى؛ لأن الأصل بقاء الكسوف. قال: (وبغروبها كاسفة)؛ لأن الانتفاع بها يبطل بغروبها؛ لزوال سلطانها. قال: (والقمر بالانجلاء)؛ لحصول المقصود. قال: (وطلوع الشمس)؛ لعدم الانتفاع بضوئه. قال: (لا الفجر في الجديد)؛ لبقاء الظلمة. والقديم: تفوت بطلوع الفجر؛ لذهاب سلطانه وهو الليل. قال: (ولا بغروبه خاسفا)؛ لبقاء محل سلطانه وهو الليل. فإن قيل: القمر لا يخسف إلا في ليال التمام غالبا، فهو يبقى إلى طلوع الفجر .. فجوابه ما سيأتي في اجتماع عيد وكسوف. وسكوت المصنف عن الخطبة يقتضي: أنه يخطب لخسوفهما وإن غابا وهو كذلك؛ لأن المقصود بالخطبة الوعظ فجاز بعد زوال العارض بخلاف الصلاة، قاله في (شرح مسلم) و (الكفاية).

وَلَوِ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آَخَرُ .. قُدِّمَ الْفَرْضُ إِنْ خِيفَ فَوْتُهُ، وَإِلاَّ .. فَالأَظْهَرُ: تَقْدِيمُ الكُسُوفِ، ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمَعِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ. وَلَوِ اجْتَمَعَ عِيدٌ أَوْ كُسُوفٌ وَجَنَازَةٌ .. قُدِّمَتِ الْجَنَازَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الصحيح) [خ1044 - م901]: (أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت بعد التجلي). ولا يعمل في الكسوف بقول المنجمين، فلو أخبروا به ثم حصل عارض غيم .. لم يصل له. قال: (ولو اجتمع كسوف وجمعة أو فرض آخر .. قدم الفرض إن خيف فوته)؛ لأنه أهم، فيخطب للجمعة ثم يصليها، ثم يصلي للكسوف ثم يخطب له. قال: (وإلا) أي: وإن لم يخف فوت الفرض (.. فالأظهر: تقديم الكسوف)؛ لأنه يخاف فوته ولا يخاف فوت الفرض. وعلى هذا: يخفف فيقرأ في كل قيام بـ (الفاتحة) و (سورة الإخلاص) نص عليه. والقول الثاني: يقدم الفرض؛ لتحتمه. قال: (ثم يخطب للجمعة متعرضًا للكسوف، ثم يصلي الجمعة)، ولا يحتاج إلى أربع خطب، ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة، ولا يجوز أن يقصد الجمعة والكسوف؛ لأنه تشريك بين فرض ونفل، بخلاف العيد والكسوف فإنه يقصدهما جميعًا بالخطبتين؛ لأنهما سنتان. قال المصنف: كذا قالوه وفيه نظر؛ لأن السنتين إذا لم تتداخلا .. لا يصح أن ينويهما بصلاة واحدة، ولهذا لو نوى بركعتين صلاة الضحى وقضاء سنة الصبح .. لم تنعقد صلاته، ولو ضم إلى فرض أو نفل تحية المسجد .. لم يضر؛ لأنها تحصل ضمنًا فلا يضر ذكرها. قال: (ولو اجتمع عيد أو كسوف وجنازة .. قدمت الجنازة)؛ لما يخشى من حدوث التغير للميت. هذا إذا حضرت وحضر الولي، فإن لم تحضر بعد، أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حضرت ولم يحضر الولي .. أفرد الإمام جماعة ينتظرونها واشتغل هو بغيرها. ولو حضرت جنازة وجمعة ولم يضق الوقت .. قدمت الجنازة، وإن ضاق .. قدمت الجمعة على المذهب. وقال الشيخ أبو محمد: تقدم الجنازة؛ لأن للجمعة بدلًا. ورد المصنف عليه بأنها- وإن كان لها بدل- لا يجوز إخراجها عن وقتها عمدًا. قال الشيخ: وقد أطلق الأصحاب تقديم الجنازة على الجمعة في أول الوقت ولم يبينوا هل ذلك على سبيل الوجوب أو الندب؟ وتعليلهم يقتضي: الوجوب. قال: وقد جرت عادة الناس في هذا الزمان بتأخير الجنازة إلى بعد الجمعة، فينبغي التحذير عن ذلك. وقد حكى لي ابن الرفعة: أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام لما ولي الخطابة بجامع مصر .. كان يصلي على الجنائز قبل الجمعة، ويفتي الحمالين بسقوط الجمعة عنهم ليذهبوا بها. تتمة: فهم من كلامه .. أن ما سوى الخسوف والكسوف من الزلازل والصواعق والرياح لا يصلى لها جماعة كما صرح به المتولي وغيره؛ لأن عمر رضي الله عنه ظهرت الزلزلة في زمنه فلم يصل لها. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وآمر بالصلاة منفردين. ويستحب أن يدعو ويتضرعوا. وروى الإمام الشافعي رحمه الله [أم 7/ 168] عن علي رضي الله عنه: أنه صلى في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زلزلة جماعة، ثم قال: إن صح .. قلت به، قال الماوردي: وإلى الآن لم يصح. * * * خاتمة اعترض على الفقهاء في تصوير اجتماع العيد والكسوف؛ لأن الكسوف لا يكون إلا في سرر الشهر. والجواب: أن الله على كل شيء قدير، وأن ذلك وقع: (يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول) رواه الزبير بن بكار، ويوم قتل الحسين حتى ظهرت الكواكب وكان يوم عاشوراء سنة إحدى وستين. وأيضًا ذلك فرض ولا يلزم منه الوقوع، كفرضهم ألف جدة ونحو ذلك، ويجوز أن يقع العبد في التاسع والثامن والعشرين بسبب توارد شهادات كاذبة بنقص رجب وشعبان، وهما كاملان. * * *

باب صلاة الاستسقاء

بَابُ صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ هِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صلاة الاستسقاء (الاستسقاء): طلب السقيا من الله عند الحاجة إليها تقول: استعطى واستخرج أي: طلب العطاء والخراج. وسقى وأسقى بمعنى، قال تعالى: {وسقاهم ربهم شرابًا طهورا}، وقال تعالى: {لأسقيناهم ماء غدقا}، ويقال: سقى إذا ناوله ماء ليشرب، وأسقى إذا أعد له سقيًا، ويقال: سقيته لنفسه وأسقيته لماشيته وأرضه. والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: {وإذا استسقى موسى لقومه} الآية، و (استسقى النبي صلى الله عليه وسلم)، وكذلك الأئمة من بعده، ومن السنة أحاديث يأتي بعضها في الباب، وله أنواع: أدناها: مجرد الدعاء. وأوسطها: الدعاء خلف الصلاة، وفي خطبة الجمعة ونحو ذلك. وأفضلها: الاستسقاء بركعتين وخطبتين كما سيأتي. قال: (هي سنة)؛ لما روى الشيخان [خ1012 - م894] عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى، واستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين)، زاد البخاري [1024]: (جهر فيهما بالقراءة). وحكى الماوردي وجهًا: أنها فرض كفاية. ولا فرق في الاستحباب بين أهل القرى والبوادي، ولا بين المقيمين والمسافرين، وإذا نذرت .. وجبت كسائر القرب، وسيأتي في (باب النذر) حكم الإمام وغيره إذا نذره. قال: (عند الحاجة)؛ لأنه المأثور من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن

وَتُعَادُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إِنْ لَمْ يُسْقَوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ بعده، وذلك إذا أجدبت العيون أو انقطع الغيث أو عارت العيون المحتاج إليها. وعارت بالعين المهملة تعير؛ أي: ذهبت في الأرض، قاله الجوهري. وكذلك لو ملح الماء فامتنع شربه، وقلة الماء في النهر كانقطاع المطر. قال أصبع: استسقى أهل مصر للنيل خمسة وعشرين يومًا متوالية، وحضره ابن وهب وابن القاسم. واحترز المصنف عما إذا انقطعت المياه ولم يكن ثم حاجة، فإنها لا تشرع، لكن عبارته تفهم .. أنها لا تشرع للاستزادة وهو وجه، والأصح: مشروعيتها عند ذلك. وإطلاقه: (الحاجة) يشمل ما إذا احتاجت طائفة من المسلمين، فإنه يستحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم. قال: (وتعاد ثانيًا وثالثًا إن لم يسقوا)، وكذلك أكثر من ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) رواه ابن عدي [7/ 163] والعقيلي [4/ 452] عن عائشة وضعفاه. وفي (الصحيحين) [خ6340 - م2735]: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي). وفيهما [خ240 - م1794] عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا .. دعا ثلاثًا، وإذا سأل .. سأل ثلاثًا)، والذي يستحب إعادته هو الصلاة، وكذا الخطبة صرح به ابن الرفعة وغيره، وأما الصوم .. فنص في القديم و (الأم) على إعادته، ونص في (المختصر) على أنهم يخرجون من الغد، فقال بعضهم: فيه قولان، وقال الجمهور- كما نص المصنف في (شرح المهذب): إنهما محمولان على حالين: فالأول: محمول على ما إذا شق على الناس الخروج من الغد واقتضى الحال التأخير أيامًا فحينئذ يصومون قبل الخروج.

فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلاَةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا .. اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَامُرُهُمُ الإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلاً، وَالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الثاني .. محمول على ما إذا لم يشق على الناس الخروج من الغد. وتعبير المصنف يوهم تقييد الإعادة بالصلاة فقط مع أنها لا تتقيد بذلك كما صرح به في (شرح المهذب)، وإذا قلنا بالخروج في الغد وفي الذي يليه .. فيكون وجهًا كما جزم به في (الكفاية). قال: (فإن تأهبوا للصلاة فسقوا قبلها .. اجتمعوا للشكر والدعاء). قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، وقال صلى الله عليه وسلم: (من ألهم الشكر .. لم يحرم المزيد). والمراد بـ (الشكر): الثناء على الله تعالى والتحميد والتمجيد. و (الدعاء) أي: اطلب المزيد إذا لم يتضرروا بكثرة المطر. قال: (ويصلون على الصحيح)، كما يجتمعون للدعاء ونحوه. والثاني: لا؛ لأنها لم تفعل إلا عند الحاجة، وصححه ابن الصلاح في (مشكله). وسكت المصنف عن الخطبة، وكلام الرافعي مشعر بأنها تفعل. قال: (ويأمرهم الإمام بصيام ثلاثة أيام أولًا)؛ لأن ذلك معين على رياضة النفس وخشوع القلب. وهذا الصوم صرح المصنف في (فتاويه) بوجوب؛ لقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. وصرح الرافعي في (باب قتال البغاة) بأن ذلك يتعدى إلى كل ما يأمر به الإمام من الطاعات. وهذه الأيام الثلاثة: قبل يوم الاستسقاء، ويخرجون في الرابع صيامًا كما سيأتي. قال: (والتوبة والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر، والخروج من المظالم)؛

وَيَخْرُجُونَ إِلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن ذلك أرجى للإجابة، فقد يكون منع الغيث بسبب هذه الأمور. قال عبد الله بن مسعود: (إذا بخس الناس المكيال .. منعوا القطر من السماء). وقال مجاهد في قوله تعالى: {ويلعنهم اللاعنون} هم: دواب الأرض تعلنهم يقولون: منعنا القطر بخطاياهم. ويأمرهم بالصلح بين المتشاحنين. والخروج من المظالم من جملة التوبة، ولكن المصنف ذكرها لعظم شأنها قال الله تعالى: {إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي} الآية، وكان من توبتهم أن ردوا المظالم، فدفع الله عنهم البلاء والعذاب. قال في (شرح المهذب): (المظالم): حقوق العباد، و (المعاصي): حقوق الله تعالى. وهذا المراد هنا. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: يستحب لكل أن يذكر في نفسه ما فعله من خير فيعرضه على ربه سراً، ثم يسأل الحاجة كما روي في خبر الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فمثل ذلك يستحب في الشدائد، ورفع الحوائج إلى الله تعالى. قال: (ويخرجون إلى الصحراء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليها في الاستسقاء، ولأن الناس يكثرون فلا يسعهم المسجد. واستثنى صاحب (الخصال) ما إذا كانوا بمكة أو بيت المقدس لشرف البقعة وسعتها، وما قاله عليه عمل السلف والخلف. قال: (في الرابع صيامًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة المظلوم، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) رواه البيهقي [هب 3595]، وصححه ابن حبان [3428]. ورواه الترمذي [3598] بلفظ: (الإمام العادل، والمظلوم، والصائم حتى يفطر).

فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ، وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما استحب الصوم فيها مع الدعاء، ولم يستحب في يوم عرفة؛ لأن هذه الصلاة في أول النهار، وعرفة في آخره مع تعب الحج والسفر. ويأمرهم بالصدقة مع ذلك؛ لأنها تطفئ غضب الرب، والدعاء يرد البلاء. قال: (في ثياب بذلة وتخشع)؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا متبدلًا متخشعًا) رواه أحمد [1/ 269] والأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح. ولا يتزينون ولا يتنظفون إلا بالغسل، والسواك، وقطع الرائحة الكريهة. ويستحب أيضًا تواضعهم في كلامهم ومشيهم وجلوسهم. و (البذلة) بكسر الباء وسكون الذال المعجمة: ثياب المهنة التي تلبس في حالة الشغل، وملابسة الخدمة، والتصرف في المنزل. و (التخشع): التذلل. وينبغي للخارج أن يخفف غذاءه وشرابه تلك الليلة ما أمكن. ولو خرجوا حفاة مكشوفة رؤوسهم .. لم يكره كما قاله المتولي. وينبغي أن لا يركبوا إلا لضعف، واستبعده الشاشي. قال: (ويخرجون الصبيان والشيوخ) وكذلك العجائز؛ لأن الشيوخ أرق قلبًا، والصبيان لا ذنب لهم، فدعاؤهم أسرع إلى الإجابة. وفي (البخاري) [2896] من حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم). وفي (سنن البيهقي) [3/ 345]: (مهلًا عن الله، مهلًا؛ فإنه لولا شباب خشع،

وَكَذَا الْبَهَائِمُ فِي الأصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبهائم رتع، وشيوخ ركع، وأطفال رضع .. لصب عليكم العذاب صبًا). والمراد بـ (الركع): الذين انحنت ظهورهم من الكبر، وقيل: العباد ويؤيده أنه جاء: (وعباد ركع). و (الشيخ): من جاور الأربعين. قال في (الأم): وأحب أن تخرج كبار السن، ومن لا هيئة لها منهن. والخنثى القبيح المنظر يشبه أن يلحق بالعجائز. قال: (وكذا البهائم في الأصح)؛ لأن الجدب أصابها وضمن الله رزقها، وصحح الحاكم [1/ 325] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خرج نبي من الأنبياء يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة). والنبي المذكور: سليمان بن داوود عليهما الصلاة والسلام. وعلى هذا: توقف معزولة عن الناس. والثاني: لا يستحب ولا يكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا نهى عنه. والثالث: يكره؛ لأن فيه إتعابها، وربما شوشت على الناس بأصواتها، وبهذا قال الطبري الشيخ أبو محمد والصميري وأبو علي البندنيجي والمحاملي والدارمي وأبو خلف الطبري وسليم والقاضي أبو الطيب وصاحب (المهذب) وابن الصباغ والمتولي وصاحب (العدة) والروياني والشاشي والجرجاني والخوارزمي والعمراني والشيخ نصر. والذي صححه المصنف والرافعي خلاف المعروف في المذهب. والمسألة ذات قولين شهيرين، فالتعبير بـ (الأصح) وهم أيضًا.

وَلاَ يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ، وَلاَ يَخْتَلِطُونَ بِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يمنع أهل الذمة الحضور)؛ لأنهم يشاركون المسلمين في طلب الرزق وفضل الله واسع، وقد يجيبهم استدراجًا. قال: (ولا يختلطون بنا)؛ لأنهم ملعونون فتنزل اللعنة عليهم وقال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}، وربما كانوا سبب القحط واحتباس الغيث. وحكى الماوردي والروياني وجهًا: أنهم يمنعون في يومنا وإن امتازوا. وقال بعض أصحاب مالك: يمنعون من الانفراد بيوم؛ لأنه قد يصادف الإجابة فيفتتن العوام بذلك وهو حسن. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لا أكره من إخراج صبيانهم ما أكره من إخراج كبارهم؛ فإن ذنوبهم أخف والعلماء مختلفون في حكمهم إذا ماتوا، ولكن يكره لكفرهم. فائدة: قال في (البحر) في (كتاب الصلاة): لا يجوز أن يؤمن على دعاء الكافر؛ لأن دعاءه غير مقبول قال الله تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلل}. قال ابن عباس: (أصواتهم محجوبة عن الله تعالى فلا يسمع دعاءهم). وروى أصحاب (السنن)، والحاكم [1/ 491] بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة)، والعبادة لا تصح من الكافر. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها) رواه مالك [1/ 217] والحاكم [1/ 493] والترمذي [3381] بإسناد صحيح.

وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَالْعِيدِ لَكِنْ قِيلَ: يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا). وَلاَ تَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْعِيدِ فِي الأَصَحِّ. وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخرون: وقد يستجاب للكافر كما استجيب لإبليس في الإنظار، وأجابوا- عن الآية- بأن المراد بالدعاء: العبادة. قال: (وهي ركعتان كالعيد)، فيكبر بعد الاستفتاح وقبل التعوذ في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا، ويرفع يديه، ويقف بين كل تكبيرتين، ويجهر بالقراءة، وينادي لها: الصلاة جامعة. قال: (لكن قيل: يقرأ في الثانية (إنا أرسلنا نوحًا)) أي: وفي الأولى (ق)؛ لأن فيها ذكر الاستسقاء. والمنصوص: أنه يقرأ كما يقرأ في العيد. قال: (ولا تختص بوقت العيد في الأصح)؛ لأنها صلاة ذات سبب فدارت مع سببها كصلاة الكسوف، فيفعلها متى شاء ليلًا أو نهارًا حتى في وقت الكراهة في الأصح. والثاني: تختص به؛ لقوله في الحديث السابق: (أنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين كما يصلي العيد). والثالث: تمتد بعده إلى صلاة العصر. وكلا الوجهين لا دليل له. قال: (ويخطب كالعيد)؛ لما روى أبو داوود [1166]- وغيره بإسناد صحيح- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى).

لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ. وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى: (اللَّهُمَّ؛ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا، مُرِيعًا غَدَقًا، مُجَلِّلاً سَحّاً، طَبَقًا دَائِمًا. الَّهُمَّ؛ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ؛ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (ابن ماجه) [1268]: (فصلى ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا). وقوله: (كالعيد) عام في جميع ما تقدم وفاقًا وخلافًا إلا في ثلاثة أشياء سنذكرها، لكن عبارته تقتضي: أن السنة لا تحصل إلا بخطبتين، وذكر ابن الرفعة: أنه لو اقتصر على خطبة واحدة .. جاز. قال: (لكن يستغفر الله تعالى بدل التكبير)؛ لأنه أليق بالحال فيقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؛ فإن الله تعالى وعد بإرسال المطر عند الاستغفار. وفي وجه: أنه يكبر كالعيد، وهو ظاهر نص (الأم). ويستحب أن يختم كلامه بالاستغفار، وأن يكثر منه في الخطبة ومن قوله تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} الآية. وروى أبو داوود [1513] والحاكم [4/ 262] وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لزم الاستغفار .. جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب). قال: (ويدعو في الخطبة الأولى: (اللهم؛ اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا غدقًا، مجللًا سحًا، طبقًا دائمًا، اللهم؛ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم؛ إنها نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا)) كذا رواه الإمام الشافعي رحمه الله [أم 1/ 251] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به في الاستسقاء)، وزاد فيه بعد قوله: (من القانطين): (اللهم؛ إن بالعباد والبلاد والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم؛

وَيَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم؛ إنا نستغفرك ...) إلى آخره، وهذه الزيادة في (المحرر) فكان ينبغي للمصنف أن يذكرها. وزاد في الحديث أيضًا بعد لفظ (الأرض) وقبل قوله (اللهم؛ إنا نستغفرك) زيادة لم يذكرها في (المحرر)، وذكرها الشيخ في (التنبيه) والمصنف في (الروضة) وهي: اللهم؛ ارفع عنا الجهد والجوع والغلاء، واكشف عنا في البلاء ما لا يكشفه غيرك. وقوله: (اسقنا) يجوز فيه قطع الهمزة ووصلها. و (الغيث): المطر، و (المغيث): المنقذ من الشدة. و (المريء) بفتح الميم: المحمود العاقب. و (الهنيء): الطيب الذي لا ينغصه شيء. و (المريع) بميم مضمومة: الذي يأتي بالريع وهو: الزيادة والنماء، ويجوز فتح ميمه وكسر رائه. و (الغدق) بفتح الغين- أي: المعجمة- والدال: الكثير الماء، وقيل: الذي قطره كبار. و (المجلل) بكسر اللام: الذي يعم البلاد نفعه. و (السح): الشديد الوقع على الأرض. و (الطبق) بفتح الطاء والباء: الذي يطبق البلاد كالطبق عليها. و (السماء) هنا: السحاب. قال: (ويستقبل القبلة بعد صدر الخطبة الثانية) قال في (الدقائق): إنه نحو ثلثها، وفي (الكافي) للزبيري: عند بلوغ نصفها. ودليل الاستقبال: حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المتقدم في أول الباب.

وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرّاً وَجَهْراً، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارته تقتضي: أنه يستقبل القبلة إلى فراغ الخطبة، والمجزوم به في (المحرر): أنه إذا فرغ من الدعاء الآتي .. استقبل الناس، وأتى بباقي الخطبة، وقال: أستغفر الله لي ولكم. قال: (ويبالغ في الدعاء سرًا وجهرًا)؛ لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية}، فإذا أسر .. دعا الناس سرًا، وإذا جهر .. أمنوا، وهكذا السنة في كل دعاء لرفع بلاء. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وينبغي أن يقول في دعائه في هذه الحالة: اللهم إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة، وأنت لا تخلف الميعاد، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا. ويستحب رفع اليد في هذا الدعاء؛ لما روى الشيخان [خ3565 - م895] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء، فإنه كان يرفع يده حتى يبدو بياض إبطيه). والسنة في هذا الرفع: أن يجعلوا ظهور أكفهم إلى السماء، وهكذا السنة في كل دعاء لرفع البلاء، فإذا سأل الله شيئاً .. عكس. قال: (ويحول رداءه عند استقباله)؛ لما ثبت في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في (الصحيحين) [خ1012 - م894]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة وحول رداءه).

فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ، وَيُنَكِّسُهُ- عَلَى الْجَدِيدِ- فَيَجْعَلُ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السهيلي: وكان طول ردائه أربع أذرع، وعرضه ذراعان وشبر. والحكمة في تحويله: التفاؤل بتحويل الحال من الضيق إلى السعة. وفي (الدارقطني) [2/ 66]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وحول رداءه؛ ليتحول القحط)، و (كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن). وقال المتولي: إنما استحب ذلك؛ لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فيغيروا بواطنهم بالتوبة، وظواهرهم بتحويل الرداء لعل الله تعالى يغير ما بهم. وقال الماوردي: يستحب أن يكون التحويل قبل الاستغفار. قال: (فيجعل يمينه يساره وعكسه) كذا رواه أبو داوود [1156] عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن. قال: (وينكسه- على الجديد- فيجعل أعلاه أسفله وعكسه)؛ لما روى الحاكم [1/ 327] وأبو داوود [1157] والنسائي [1/ 157]: (أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه .. قلبها على عاتقه)، فرأى الإمام الشافعي رضي الله عنه إتباعه فيما أراده عليه الصلاة والسلام وهم به. قال الرافعي: ومتى جعل الطرف الأسف الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن، والطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر .. حصل التحويل والتنكيس جميعًا. ومحل الخلاف بين القديم والجديد: في الرداء المربع، فإن كان مدورًا .. لم يستحب التنكيس، بل يقتصر على التحويل بالاتفاق.

وَيُحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: وَيُتْرَكُ مُحَوَّلاً حَتَّى يَنْزِعَ الثِّيَابَ، وَلَوْ تَرَكَ الإِمَامُ الاِسْتِسْقَاءَ .. فَعَلَهُ النَّاسُ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ .. جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحول الناس مثله) أي: مثل تحويل الإمام؛ لمشاركتهم له في المعنى، وقد روى أحمد في (مسنده) [4/ 41]: (أن الناس حولوا مع النبي صلى الله عليه وسلم). قال: (قلت: ويترك محولاً حتى ينزع الثياب)؛ لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم غيرها بعد التحويل. قال: (ولو ترك الإمام الاستسقاء .. فعله الناس) كغيره من السنن، ولأنهم أشد حاجة من الإمام، ولأن الناس قدموا أبا بكر رضي الله عنه حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف، و (قدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في غزوة تبوك حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة). قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وإذا كان ذلك في المكتوبة .. فغيرها أولى. والمصنف أطلق المسألة، والذي نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه: أنهم عند وجود الوالي في المصر لا يستحب لهم فعل ذلك؛ لما فيه من خوف الفتنة. وقد سبق: أنهم في العيد في مثل هذه الحالة يصلون بلا خطبة. قال: (ولو خطب قبل الصلاة .. جاز) وكان تاركًا للأكمل؛ لأن أكثر العلماء على استحباب التأخير، واستدلوا لجواز التقديم بحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه سلم إلى المصلى فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة، ثم صلى) رواه البخاري [1012] ومسلم [894]. وفي (سنن أبي داوود) [1166]- بإسناد صحيح- عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الخطبة).

وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ، وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ. وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ. وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلاَ يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويسن أن يبرز لأول مطر السنة، ويكشف غير عورته ليصيبه)؛ لما روى مسلم [898] عن أنس رضي الله عنه قال: أصبنا مطر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحسر صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: (إنه حديث عهد بربه) أي: حديث عهد بتكوينه وإنزاله. واتفقوا على أن ذلك إنما يكون في أول مطر السنة كما قاله المصنف. قال: (وأن يغتسل أو يتوضأ في السيل)؛ لما روى الإمام الشافعي رضي الله عنه [أم 1/ 253]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل .. قال: (اخرجوا إلى هذا الذي جعله الله طهورًا؛ نتطهر منه ونحمد الله عليه). وتعبير المصنف بـ (أو) موافق لعبارة (الروضة)، وعبر في (شرح المهذب) بـ (الواو) ثم قال: فإن لم يجمعهما .. توضأ. قال: (ويسبح عند الرعد والبرق)؛ لما روى مالك [2/ 992] عن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع الرعد .. ترك الحديث وقال: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته). وأما استحباب التسبيح عند البرق .. فذكره الشيخ في (التنبيه)، وتابعه عليه في الكتاب وفي (الروضة)، ولم يذكره في (المهذب) ولا في (شرحه). قال: (ولا يتبع بصره البرق)؛ لما روى الإمام الشافعي رضي الله عنه [شم 1/ 82] عمن لا يتهم عن عروة بن الزبير قال: (إذا رأى أحدكم البرق .. فلا يشير إليه). وكان السلف يكرهون ذلك ويقولون عنده: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبوح قدوس. ونقل الإمام الشافعي رضي الله عنه في (الأم) [1/ 254] عن الثقة عن مجاهد: أن الرعد ملك، والبرق أجنحته، يسوق السحاب، ثم قال: وما أشبه ما قاله بظاهر القرآن وهو قوله سبحانه وتعالى: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته}.

وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ: (اللَّهُمَّ؛ صَيِّباً نَافِعًا)، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَبَعْدَهُ: (مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ). وَيُكْرَهُ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بعث الله السحاب فنطقت أحسن النطق، وضحكت أحسن الضحك، فالرعد نطقها، والبرق ضحكها). وأما الصواعق .. فيستعاذ بالله منها؛ لأنها ربما أهلكت. قال: (ويقول عند المطر: (اللهم؛ صيبًا نافعًا))؛ لما روى البخاري [1032] عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال ذلك. و (صيبًا) بفتح الصاد المهملة، وتشديد الياء المكسورة. وفي (سنن ابن ماجه) [3889]: (اللهم؛ سيبًا) بالسين، فيستحب الجمع بينهما. روى الإمام الشافعي رضي الله عنه في (الأم) [1/ 254] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء). قال: (ويدعو بما شاء)؛ لأنه وقت يستجاب فيه الدعاء. روى البيهقي [3/ 360]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة). وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه [أم 1/ 253]: حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة. قال: (وبعده: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، ويكره: مطرنا بنوء كذا)؛ لما روى الشيخان [خ846 - م7] عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف .. أقبل على الناس قال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟) قالوا: الله ورسوله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم، قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته .. فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا .. فذلك كافر بي مؤمن: الكوكب) متفق عليه. وأفاد الحافظ الدمياطي: أن قوله ذلك كان في السنة السادسة من الهجرة، ومحل هذه الكراهة: إن اعتقد أن هذه الأنواء لا فعل لها في المطر، وإنما أجرى الله عادته بإنزاله في هذا الوقت، أما إذا اعتقد أنها فعالة .. فهو كفر. وفي (الموطأ) [1/ 192] قال: بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: (إذا أصبح وقد مطر الناس .. مطرنا بنوء الفتح، ثم يقرأ: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} الآية. و (الأنواء) هي: منازل البروج، وهي ثمانية وعشرون نجمًا يطلع كل ثلاثة عشر يومًا واحد منها، ويغيب مقابلة، ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتقاصر عنه على تقدير مستو ولا يتفاوت، ويسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يستتر ليلتين، أو ليلة إذا نقص الشهر. وهذه المنازل هي مواقع النجوم، وهي: الشرطان، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والحرثان، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانا، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدم، والفرغ المؤخر- بالغين المعجمة- وبطن الحوت

وَسَبُّ الرِّيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما سميت أنواء؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب .. ناء الطالع بالمشرق أي: نهض وطلع. وكانت العرب تنسب إليها المطر وربما أخلفت كما قال الأول [من البسيط]: لا تعجبن لخير زل عن يده .... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانًا قال: (وسب الريح)؛ لأنه خلق من خلق الله تعالى، وجند من أجناده. وفي (سنن أبي داوود) [5056] و (النسائي) [سي 931] و (المستدرك) [4/ 285] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها .. فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا به من شرها). قوله: (من روح الله) - بفتح الراء- معناه: من رحمة الله بعباده. وفي (أبي داوود) [4872] و (شعب البيهقي) [5236]- بإسناد جيد- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا نازعته الريح رداءه فلعنها، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تلعنها فإنها مأمورة، ومن لعن شيئًا ليس له بأهل .. رجعت اللعنة عليه). والرياح أربع: التي من تجاه الكعبة: الصبا، ومن ورائها: الدبور، ومن جهة يمينها: الجنوب، ومن جهة شمالها: الشمال بفتح الشين وفيها خمس لغات. ولكل من هذه الرياح طبع ونفع كفصول السنة، فـ (الصبا): حارة يابسة،

وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ .. فَالسُّنَّةُ: أَنْ يَسْأَلُوا اللهَ تَعَالَى رَفْعَهُ: (اللَّهُمَّ؛ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا)، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الدبور): رطبة باردة، و (الجنوب): حارة رطبة وهي (الأزيب)، وفي الحديث: (اسمها عند الله: الأزيب، وعندكم الجنوب)، وأهل مكة يستعملون هذا الاسم كثيرًا، و (الشمال): باردة يابسة، وهي: ريح الجنة التي تهب عليهم. روى مسلم [2833] عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لسوقًا يؤتى كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالًا). وهذه الريح هي المثيرة؛ لأنها تثير في وجوههم نضرة النعيم. روى الإمام الشافعي رضي الله عنه [أم 1/ 253] أن رجلاً شكا للنبي صلى الله عليه وسلم الفقر، فقال: (لعلك تسب الريح؟). وكأن السبب في ذلك: أنها لما كانت سبب المطر والمطر سبب الرزق، فمن سبها .. منع الرزق بذلك. قال: (ولو تضرروا بكثرة المطر .. فالسنة: أن يسألوا الله تعالى رفعه: (اللهم؛ حوالينا ولا علينا) كما رواه الشيخان [خ933 - م897] عن أنس رضي الله عنه. وقال السهيلي: لم يقل عليه الصلاة والسلام في رفع المطر: اللهم؛ ارفعه عنا، وذلك من حسن الأدب في الدعاء؛ لأنها رحمة الله ونعمته المطلوبة منه، فكيف يطلب رفعها؟ وإنما يسأل كشف البلاء والمزيد من النعماء. و (الكثرة): ضد القلة، وهي بفتح الكاف وكسرها، حكاهما في (التحرير)، وحكى ابن سيده فيها الضم أيضًا.

وَلاَ يُصَلِّى لِذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يصلى لذلك والله أعلم)؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤثر فيه غير الدعاء. وذلك يسمى: الاستصحاء. تتمة: يستحب الاستسقاء بأهل الفضل؛ لما روى البخاري [1010] عن عمر رضي الله عنه أنه استسقى عام الرمادة بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له كعب الأحبار: يا أمير المؤمنين؛ إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا .. استسقوا بعصبة الأنبياء، فصعد عمر رضي الله عنه المنبر ومعه العباس فقال: (اللهم؛ إنا توجهنا إليك بعم نبينا وصفوته، فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين)، ثم قال: (يا أبا الفضل؛ قم فادع)، فقام العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (اللهم؛ إنك لا تنزل بلاء إلا بذنب، ولا تكشفه إلا بتوبة، وقد توجهوا بي إليك، اللهم؛ فاسقنا الغيث، اللهم؛ شفعنا في أنفسنا وأهلينا، اللهم؛ إنا شفعاء عمن لا ينطق من بهائمنا وأنعامنا، اللهم؛ لا نرجو إلا إياك، اللهم؛ إليك نشكوا جوع كل جائع، وعري كل عار، وخوف كل خائف، وضعف كل ضعيف ...) في دعاء كثير فسقوا. وروى الطبراني [24/ 260] وابن سعد [1/ 90]: (أن عبد المطلب استسقى بالنبي صلى الله عليه وسلم حين تتابعت عليهم سنون أهلكتهم، فسمعوا قائلًا يقول: يا معشر قريش؛ إن فيكم نبيًا آن أوان خروجه، به يأتيكم الحيا والخصب، فاخرجوا به إلى جبل أبي قبيس، فتقدم عبد المطلب ومعه النبي صلى الله عليه وسلم قد أيفع، فرفع يديه يدعو ويطلب الغيث بوجه النبي صلى الله عليه وسلم .. فسقوا)، ولذلك يقول فيه عبد المطلب [من الطويل]: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه .... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستسقى معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، وكان أدرك الجاهلية والإسلام وسكن الشام واشتهر بالصلاح، فقال معاوية: (اللهم؛ إنا نستسقي إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم؛ إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناس أياديهم، فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم). وروى البيهقي في (الشعب) [6975] عن أبي زرعة قال: خرج الضحاك بن قيس يستسقى بالناس فلم يمطروا ولم يروا سحابًا، فقال ليزيد بن الأسود: (قم فاستسق لنا إلى الله تعالى، فقام فعطف رأسه على منكبه وحسر عن ذراعيه وقال: اللهم؛ إن عبادك هؤلاء استسقوا بي إليك، فما دعا إلا ثلاثًا حتى مطروا مطرًا شديدًا، فلما رأى ذلك قال: اللهم؛ إنك شهرتني بهذا فأرحني منه، فما لبث بعد ذلك إلا جمعة حتى مات رحمه الله عليه). * * * خاتمة روى البيهقي في (الشعب) [1098] عن محمد بن حاتم قال: قلت لأبي بكر الوراق: علمني شيئاً يقربني إلى الله ويقربني من الناس، فقال: أما الذي يقربك إلى الله .. فمسألته، وأما الذي يقربك من الناس .. فترك مسألتهم. ثم روى [هب 1099 و 1100] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يسأل الله .. يغضب عليه)، ثم أنشد [من الكامل]: الله يغضب إن تركت سؤاله .... وبني آدم حين يسأل يغضب * * *

باب

بَابٌ إِنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ جَاحِدًا وُجُوبَها .. كَفَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب هذا الباب ذكره المزني والجمهور ههنا، وذكره جماعة قبل (باب الأذان)، وأخره الغزالي عن (الجنائز). قال: (إن ترك الصلاة) أي: المعهودة، وهي: إحدى الصلوات الخمس (جاحدًا وجوبها .. كفر)؛ لأنه مجموع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فتضمن جحده وتكذيب الله ورسوله وهو كفر، وهذا مجمع عليه إذا كان غير معذور كقديم الإسلام المخالط للمسلمين، فإن كان قريب عهد بالإسلام ونحوه ممن يجوز أن يخفى عليه ذلك .. فيعرف بالوجوب فإن أصر على الجحد .. كفر. و (الكفر) أصله: التغطية والستر، يقال لليل: كافر؛ لأنه يستر الأيام بظلمته، وكفر فلان النعمة: إذا سترها ولم يشكرها. ولا يختص هذا بالصلاة، بل يجري في جحود كل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فإن جحد مجمعًا عليه ليس معلومًا من الدين بالضرورة كاستحقاق بنت الابن مع البنت السدس .. فليس بكافر بل يعرف الصواب ليعتقده. ثم إن مجرد الجحد كاف في الحكم بالتكفير، لكنه عبر بالترك؛ لأجل التقسيم. وأفهم قوله: (كفر) أنه يقتل بكفره؛ لأنه بدل دينه، وفي (البخاري) [3017]:

أَوْ كَسَلاً .. قُتِلَ حَدّاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ (من بدل دينه .. فاقتلوه)، وكيفية قتله كقتل المرتد. قال: (أو كسلاً .. قتل)؛ لأن الله تعالى أمر بقتل المشركين ثم قال: {فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فخلوا سبيلهم}، فدل على أن القتل لا يرتفع عنهم إلا بالإيمان والصلاة والزكاة. وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة). وكان مستند أبي بكر رضي الله عنه- في قتال مانعي الزكاة- قياسها على الصلاة، ووافقه الصحابة على ذلك، والصلاة أعظم من الزكاة. قال: (حداً) المراد: أنه لا يقتل كفرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافًا بحقهن .. كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن .. فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة) رواه مالك [1/ 123] وأبو داوود [428] وابن حبان [1732]، فلو كفر بذلك .. لاستحال دخول الجنة. وهذا القتل لا يضاهي الحدود التي وضعت عقوبة على معصية سابقة، بل حملًا على ما توجه عليه من الحق، ولهذا لا خلاف أنه يسقط بالفعل الذي هو توبته، ولا يتخرج على سقوط الحد بالتوبة، بل قتله يسقط إثم الترك فقط. وقال بعض الأصحاب: يقتل كفرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم [82]. وقال المزني: لا يقتل بل يحبس حتى يصلي محتجاً بأنه: لا يجوز أن يقتل للفائتة التي وقتها موسع، ولا للحاضرة؛ لأن وقتها لم يفت.

وَالصَّحِيحُ: قَتْلُهُ بِصَلاَةٍ فَقَطْ بِشَرْطِ إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ. وَيُسْتَتَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن أبي داوود) [4890]: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل خضب يديه ورجليه بالحناء فقال: (ما باله تشبه النساء؟!) فأمر بنفيه إلى النقيع، فقالوا: يا رسول الله؛ ألا تقتله؟ قال: (إني نهيت عن قتل المصلين). و (النقيع) في هذا الحديث بالنون، وهي: في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلًا من المدينة. قال: (والصحيح: قتله بصلاة فقط بشرط إخراجها عن وقت الضرورة) وهو: الوقت الذي تجمع تلك الصلاة فيه، فلا يقتل بترك الظهر حتى تغرب الشمس، ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر؛ لأن الوقت مشترك بين أرباب الأعذار فصار شبهة في تأجير القتل إليه، يقابل الصحيح أربعة أوجه: أحدها: يقتل إذا ضاق وقت الثانية؛ لأن الواحدة يحتمل تركها لشبهة الجمع. والثاني: إذا ضاق وقت الرابعة؛ لأن الثلاث أقل الجمع فاغتفرناها لاحتمال عذر بخلاف الأربعة. والثالثة: إذا ترك أربع صلوات؛ لأنه يجوز أن يكون استند إلى تأويل من ترك النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أربع صلوات. والرابع: إذا ترك قدرًا يظهر به اعتياد الترك والتهاون بالذين. قال: (ويستتاب) أي: تطلب منه التوبة قبل القتل؛ لأنه ليس بأسوأ حالاً من المرتد والمرتد يستتاب. وأظهر القولين: أنه يكفي استتابته في الحال، والقولان في استحبابها، وقيل: في وجوبها. ثم إذا ضربنا له المدة فقتله فيها قاتل .. أفتى القفال وصاحب (البيان) بإثمه وعدم تضمينه، كالمرتد. ونقل في (الكفاية) عن صاحب (البيان) عدم تأثيمه ووهم فيه.

ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ- وَقِيلَ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ- وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يُطْمَسُ قَبْرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا جن أو سكر قبل الصلاة .. لم يقتل في حال جنونه وسكره، ومن قتله حينئذ .. لزمه القصاص. قال: (ثم تضرب عنقه) أي: إذا لم يتب لتحقق المفسدة الموجبة للقتل، وإنما قتل كذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم .. فأحسنوا القتلة) [م1955]. قال: (وقيل: ينخس بحديدة حتى يصلي أو يموت)؛ لأن المقصود حمله على الصلاة فيعاقب كما يعاقب الممتنع من الحقوق. وعن ابن سريج: يضرب بالعصا حتى يصلي أو يموت، واختاره الشيخ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنًا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس) رواه الشيخان [خ6878 - م1676]. وأجيب عن الحديث بأن المراد: لا يقتل صبرًا. قال: (ويغسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ولا يطمس قبره) كسائر أصحاب الكبائر. وقيل: لا يفعل به هذه الأشياء؛ إهانة له. وقال ابن أبي الدم: يدفن في مقبرة مفردة، لا في مقابر المسلمين، ولا في مقابر أهل الذمة. تتمة: تارك الوضوء يقتل على الأصح؛ لأنه ممتنع من الصلاة. وتارك الجمعة إذا قال: أصلي ظهرًا ولا عذر له أفتى الغزالي بعدم قتله، وبه جزم في (الحاوي الصغير).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشاشي: يقتل؛ لأنه لا يتصور قضاؤها، ورجحه في (التحقيق)، لكنه ناقض ذلك في (الروضة) في (باب من تلزمه الجمعة) حيث قال: يلزمه قضاؤها ظهرًا، وليس في (المهمات). وإذا نذر صلاة مؤقتة .. لم يقتل بتركها؛ لأنه هو الذي أوجبها على نفسه. وقال الروياني: يحتمل أن يقتل بها إذا جعلناها كالشرعية وهو بعيد. ويستثنى- من إطلاق المصنف وغيره- فاقد الطهورين، فإنه إذا ترك الصلاة عمدًا .. لا يقتل؛ لاختلاف الناس في ذلك. * * * خاتمة ختم الله لكاتبه بالحسنى قال الغزالي في بعض كتبه الأصولية: لو زعم زاعم أن بينه وبين الله تبارك وتعالى حالة أسقطت عنه الصلاة وأحلت له شرب الخمر وأكل مال السلطان كما زعمه بعضه الصوفية .. فلا شك في وجوب قتله، وقتل مثله أفضل من قتل مئة كافر؛ لأن ضرره أكثر. * * *

فهرس الكتاب كتاب الصلاة 7 فصل: في شروط وجوب الصلاة 35 فصل: في الأذان والإقامة 41 فصل: استقبال القبلة شرط في الصلاة 67 باب صفة الصلاة 84 باب في شروط الصلاة وموانعها 188 فصل: في مبطلات الصلاة 216 باب في مقتضى سجود السهو وحكمه ومحله 248 باب في سجود التلاوة والشكر 269 باب في صلاة النفل 285 كتاب صلاة الجماعة 323 فصل: في صفات الأئمة 345 فصل: في شروط الاقتداء 368 فصل: في شروط القدوة 386 فصل: في بقية شروط القدوة 392 فصل: في قطع القدوة 399 باب صلاة المسافر 408 فصل: في شروط القصر 419 فصل: في الجمع بين الصلاتين 431 باب صلاة الجمعة 343 فصل: في الاغتسال المسنونة 484 فصل: في بيان ما تدرك به الجمعة 501

باب صلاة الخوف 510 فصل: فيما يجوز لبسه وما لا يجوز 524 باب صلاة العيدين 536 فصل: في التكبير المرسل والمقيد 550 باب صلاة الكسوفين 558 باب صلاة الاستسقاء 569 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة 589 فهرس الكتاب 595 * * *

كتاب الجنائز

كِتابُ الْجَنَائِزِ لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الجنائز مفردها (جنازة) وهي بفتح الجيم: اسم للميت، وبكسرها: اسم للنعش، وقيل: عكسه، وقيل: هما اسم للسرير. ولا يقال للنعش: جِنازة إلا إذا كان عليه ميت مكفن. قال: (ليكثر ذكر الموت) أي: ندبًا: لأنه أزجر له عن المعاصي، وأدعى إلى فعل الطاعات. وقال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات .. الموت)، حسنه الترمذي [2307]، وصححه ابن حبان [2992] والحاكم [4/ 321]. وفي بعض طرقه: (فإنه ما كان في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره) أي: كثير من الأمل وقليل من العمل. و (الهاذم) بالذال المعجمة: القاطع. وروى البيهقي [هب 10556] والطبراني عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالموت واعظًا). و (الموت): مفارقة الروح الجسد. قال: (ويستعد بالتوبة) أي: حتمًا: فإن الموت قد يأتيه بغتة. وفي الحديث: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، هكذا رواه ابن ماجه [4250] بإسناد ضعيف. قال ابن الصلاح: لم أجد له إسنادًا يثبت بمثله. وروي هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاء جُبَيْبُ بن الحارث إلى

وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَالْمَرِيضُ آكَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إني رجل مقراف للذنوب - أي: كثير المباشرة لها - قال: (فتب إلى الله يا جبيب)، قال: يا رسول الله؛ إني أتوب ثم أعود! قال: (فكلما أذنبت .. فتب) قال: يا رسول الله؛ إذًا تكثر ذنوبي! قال: (عفو الله أكثر من ذنوبك). و (جُبيب) - بالجيم: تصغير جب - فرد في الأسماء، هكذا ذكره الدارقطني. و (الاستعداد) للشيء: التهيؤ له بإحضار ما يعين عليه. قال: (ورد المظالم)؛ لأنه من جملة الاستعداد للموت، ونص عليه وإن كان داخلًا في التوبة كما فعل في (الاستسقاء)، ولو عبر بالخروج .. كان أعم. قال: (والمريض آكد)؛ لأنه إذا ذكر الموت .. رق قلبه، فرجع عن الظلم والمعاصي وأقبل على الطاعات. فروع: يستحب للمريض الصبر والرضا بقضاء الله عز وجل؛ فإنما يثاب عليهما لا على المصائب نفسها. وكره بعض الأصحاب للمريض الأنين والتأوه وكثرة الشكوى؛ لأن ذلك يدل على ضعف اليقين، ويورث شماتة الأعداء. قال، المصنف: وهذا ضعيف أو باطل. ويكره سب الحمى. ويستحب لغيره عيادته إن كان مسلمًا، فإن كان ذميًا .. جاز ولا تستحب إلا لذي قرابة أو جوار ونحوهما. وينبغي للزائر أن يطيب نفس المريض، ولا يطيل المكث عنده، ويواصل الزيارة للقريب والصديق، ويجعلها للأجنبي غِبَا وأن يكون كما قال الشاعر [من المجتث]:

وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الًايْمَنِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مرضت، لله قوم .... ما فيهم من جفاني عادوا وعادوا وعادوا .... على اختلاف المعاني وتستحب العيادة من وجع العين: لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد زيد بن أرقم من رمد، رواه أبو داوود [3094] والحاكم [1/ 342] والبيهقي [3/ 381] بإسناد صحيح. وقال ابن الصلاح في (رحلته): لا تسن عيادة الأرمد. وهذا الحديث حجة عليه. وروى الطبراني في (معجمه الكبير): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة ليس لهم عيادة: العين والدمل، والضرس. قال البيهقي في (الشعب) [9193]: الصحيح وقفه على يحيي بن أبي كثير، قال: وأما ما رواه جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غم إلا غم الدَّين، ولا وجع إلا وجع العين) .. فحديث منكر. وفي (الرحلة) - أيضًا - عن أبي عبد الله الفراوي: أن العيادة تستحب في الشتاء ليلًا، وفي الصيف نهارًا. وفي (الإحياء): إنما يعاد المريض بعد ثلاثة أيام، ويدل له ما رواه ابن ماجه [1437] عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود المريض إلا بعد ثلاثة أيام). قال: (ويضجع المحتضر لجنبه الأيمن إلى القبلة على الصحيح) كما في اللحد، هذا هو المنصوص، وصححه الأكثرون، وبه قال مالك وأبو حنيفة. و (المحتضر): من حضره الموت ولم يمت، وهذه التسمية مأخوذة من قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} و (حضرة الموت): غاية قربه.

فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَانٍ وَنَحْوِهِ .. أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن تعذر لضيق مكان ونحوه .. ألقي على قفاه ووجهة واخمصاه إلى القبلة)؛ لأن الممكن. وينبغي - على هذا- أن يرفع رأسه قليلًا حتى يكون مستقبل القبلة بوجهه. والثاني: يضجع على قفاه مع عدم التعذر، وبه قطع الإمام ووالده، وعلية عمل الناس. ودليل التوجه إلى القبلة في الجملة: ما رواه أبو داوود: أن ألنبي صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة - سأل عن البراء بن معرور، فقالوا: توفي في صفر وأوصى بثلثه لك يا رسول الله، وأوصى بأن يوجه إلى القبلة لما احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده (ثم ذهب فصلى عليه وقال: (اللهم؛ اغفر له وارحمه، وأدخله جنتك وقد فعلت (قال الحاكم [1/ 353]: حديث صحيح لا أعلم في توجيه المحتضر غيره. وقال ابن أبي الصيف: هذا الاستقبال مستحب، وفي اللحد واجب. و (الأخمصان): باطن القدمين المنخفض من أسفلهما. وفي (دلائل النبوة) للبيهقي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطأ بقدمه كلها ليس لقدميه أخمص). وكذا قال عطاء، لكن وصفة ربيبة هند بن أبي هالة بأنه خمصان الأخمصين، يعني: أنهما مرتفعان عن الأرض. قال: (ويلقن الشهادة) وهي: كلمة لا إله إلا الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله) رواه مسلم [916]. زاد ابن أبي الدنيا: (فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته .. إلا كانت زاده إلى الجنة). وروي أبو داوود، [3107] عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله .. دخل الجنة).

بِلاَ إِلْحَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل في (الروضة) عن الجمهور الاقتصار على: لا إله إلا الله. وقال القاضي أبو الطيب وجماعة من الأصحاب: يلقنه الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لأن المقصود ذكر التوحيد، والمراد موته مسلمًا، وهو لا يسمى مسلمًا إلا بهما. والأولى أصح. أما إذا كان المحتضر كافرًا .. فينبغي الجزم بتلقيه الشهادتين: لأنه لا يصير مسلمًا إلا بهما. وينبغي أن يكون الملقن غير وارث، حتى لا يتهمه باستعجال موته، فإن لم يكن عنده إلا الورثة .. لقنه أبرّهم به وأحبّهم إليه. قال: (بلا إلحاح)؛ لئلا يتضجر فيقع فيما لا ينبغي. والأولى أن لا يقول له: قل: لا إله إلا الله، بل يقول بحضرته حتى يسمع ليتفطن فيقول، إلا أن يكون كافرًا فيقول له: (قل) كما قال صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب وللغلام اليهودي. وقال الماوردي: التلقين يكون قبل التوجه للقبلة. وقال في (الإقليد): إذ أمكن الجمع .. فعلا معًا، وإلا .. بدأ بالتلقين: لكونه أهم. فإذا قالها مرة .. لا تكرر عليه ما لم يتكلم. ولا يكلم بعدما لتكون آخر كلامه، فإن تكلم بعدها .. أعيد التلقين لتكون أخر كلامه. وما أحسن ما اتفق لأبي زرعة الرازي لما حضرته الوفاة .. كان عنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم فاستحيا أن يلقناه، فتذاكرا حديث التلقين فأرتج عليهما، فبدأ أبو

وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ (يس)، ـــــــــــــــــــــــــــــ زرعة وهو في النزع فذكر إسناده إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله)، ثم خرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول: (دخل الجنة). قال: (ويقرأ عنده (يس)؛ لما روى أبو داوود [3112] والنسائي [سي 1075] وابن حبان [3002] عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا على موتا كم (يس). قال ابن الرفعة: ويستحب أن يقرأ عند المريض مطلقًا؛ ففي (رباعيات أبي بكر الشافعي): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مريض يقرأ عنده (يس) إلا مات ريانًا، وأدخل قبره ريانًا، وحشر يوم القيامة ريانًا). وروى الآجري في (النصيحة) عن أم الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت يقرأ عنده (يس) إلا هون الله عليه). وروى الحارث بن أبي أسامة [بغية 468]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأها وهو خائف .. أمن، أو جائع .. شبع، أو عطشان .. سقي، أو عار .. كسي، أو مريض .. شفي ... (حتى ذكر خلالًا كثيرة. واستحب أبو الشعثاء التابعي الكبير قراءة (سورة الرعد)، وكأن ذلك - والله أعلم - لقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}. فرعان: أحدهما: قال الجيلي: يستحب تجريع المحتضر ماء؛ فإن العطش يغلب من شدة النزع، فيخاف منه إزلال الشيطان؛ إذ ورد أنه يأتي بماء زلال يقول له: قل: لا إله غيري حتى أسقيك. نسأل الله تعالى الثبات عند الممات بمحمد وآله صلى الله عليه وسلم. الثاني: في (الرونق) و (اللباب): لا يجوز للحائض أن تحضر المحتضر وهو

وَلْيُحْسِنْ ظَنَّه بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ في النزع، وكأن السبب في ذلك ما تقدم في أول (باب الغسل): أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة ولا جنب. قال: (وليحس ظنه بربه سبحانه وتعالى)؛ لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قيل معناه: أحسنوا الظن بالله تعالى. وروي مسلم [2877] عن جابر: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى (ومعناه: يموت وهو ظان أنه يرحمه. وقال الخطابي: معناه: حسنوا أعمالكم ليحسن ظنكم بربكم؛ فمن حسن عمل .. حسن ظنه، من ساء عمله .. ساء ظنه. أما في حال الصحة .. فأصح الوجهين: أن يكون رجاؤه وخوفه سواء؛ لأن الغالب في القرآن ذكر الترغيب والترهيب مقترنين. والثاني: يكون خوفه أرجح. فائدة: حكي الغزالي عن ابن سريج: أنه رأى في مرض موته في النوع كأن القيامة قد قامت والله تعالى يقول: أين العلماء؟ فجاءوا فقال: ما عملتم فيما علمتم؟ قالوا: قصرنا وأسأنا، قال: فأعاد السؤال، فقالوا كذلك، قال:. فقلت: أما أنا فليس في صحيفتي شرك وقد وعدت أن تفغر ما دونه، فقال: اذهبوا فقد غفرت لكم، ثم مات بعد ثلاث ليال رحمة الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: يستحب لمن حضره أن يحسن ظنه، ويقرأ عنده آيات الرجاء، وحكايات الصالحين عند الموت. ويستحب طلب الموت في بلد شريف. ويستحب طلب الدعاء من المريض. وأن لا يجزع من الموت، ولا بأس بالجزع من الذنوب. وأن يكون شاكرًا لله تعالى بقلبه ولسانه، وليحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، ويجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال. فائدة: الظن في الشرع ينقسم إلى: واجب ومندوب وحرام ومباح. فالواجب: حسن الظن بالله سبحانه وتعالى. والحرام: سوء الطن به سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ}، وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين. وعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم والظن؛ فإن الطن أكذب الحديث) أي: الظن بالمسلم من غير سبب. والمندوب: حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين. والجائز: كقول الصديق لعائشة رضي الله عنهما: (إنما هما أخواك وأختاك)، فاستجاز الظن لما وقع في قلبه أن ذا بطن امرأته أنثى. ومن هذا القسم: الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الرِّيَب والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم ظن السوء به؛ لأنه قد دل على نفسه، فمن ستر على نفسه .. لم

وَإِذَا مَاتَ .. غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمَيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفيفٍ، وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يظن به إلا خيرًا، ومن دخل مداخل السوء .. اتهم، ومن هتك نفسه .. ظننا به السوء. ومن الظن الجائز بإجماع المسلمين: ما يحصل بظن الشاهدين في التقويم، وأروش الجنايات، والبينات عند الحكام، وما يحصل بخبر الواحد في الأحكام بالإجماع ويجب العمل به قطعًا. قال: (وإذا مات .. غُمِّض)؛ لأن ألنبي صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة لما مات وقال: (إن الروح إذا قبض .. تبعة البصر (رواه مسلم [920]، ولأنه إذا لم يغمض .. قبح منظره، وقيل: إن العين أول شيء يسرع إليه الفساد. ويحسن أن يقال عنا تغميضه: باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (وشد لحياه بعصابة) المراد: عصابة عريضة تأخذ جميع لحييه، وتربط فوق رأسه، لئلا يبقي فمه منفتحًا فتدخل فيه الهوام. قال: (ولينت مفاصله)؛ تسهيلًا لغسله، فيرد ساعده إلى عضده ثم يمدها، ويرد ساقه إلى فخذه، وفخذية إلى بطنه، ويلين أصابعه أيضًا، فإن البدن بعد مفارقة الروح تبقى فيه بعض حرارة، فإذا لينت المفاصل في تلك الحالة .. لانت، وإلا .. لم يمكن تليينها بعد ذلك. قال: (وستر جميع بدنه بثوب خفيف)؛ لئلا يسرع فساده. وفي (الصحيحين) [خ1242 - م942] عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجي بثوب حبرة حين مات). وينبغي أن يجعل أطراف الثوب تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف، أما المحرم .. فيستر منه ما يجب تكفينه. قال: (ووضع على بطه شيء ثقيل)؛ لئلا ينتفخ. ويصان المصحف وكتب الحديث والعلم عن ذلك؛ ففي (سنن البيهقي) [3/ 385]

وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ، وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحَتَضرٍ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ، وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن مولى لأنس مات فقال أنس: (ضعوا على بطنه حديدة؛ لئلا ينتفخ) ولهذا ينبغي أن يكون حديدًا كمرآة أو سكين، فإن لم يكن .. فقطعة طين رطب. قال: (ووضع على سرير ونحوه)؛ لئلا تصيبه نداوة الأرض فتغيره، ولا يوضع على فراش؛ لأنه أسرع إلى انتفاخه. قال: (ونزعت ثيابه) أي: التي مات فيها؛ فإنها تسرع إليه الفساد. وقيدها في (الوسيط) بالثقيلة المُدْفِئة. قال: (ووجه للقبلة كمحتضر) كما تقدم. قال: (ويتولى ذلك أرفق محارمه) أي: جميع ما تقدم؛ احترامًا للميت، فيتولاها الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة، فإن تولاها محرم أو أجنبي .. جاز. قال: (ويبادر بغسله إذا تيقن موته)؛ لما روى أبو داوود [3151] أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد طلحة بن البراء، فلما انصرف قال: (إني أرى قد حدث فيه الموت، فإذا مات .. فآذنوني حتى أصلي عليه، وعجلوا؛ فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله). فروي أنه توفي ليلًا فقال: (ادفنوني وألحقوني بربي عز وجل، ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا فإني أتخوف عليه اليهود، فلما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد دفنه .. أتى إلى قبره فصف الناس وصلى عليه، ثم رفع يديه وقال: (اللهم؛ ألق طلحة وأنت تضحك إليه وهو يضحك إليك)، ومعناه: ألقه لقاء متحابين مظهرين لما في أنفسهما من رضا ومحبة. وتحقق الموت يكون بالعلامات، وهي: أن تسترخي قدماه، أو يميل أنفه، أو ينخسف صدغاه، أو تميل جلدة وجهه، أو تتقلص أنثياه. فإن شك بأن لا تكون به علة واحتمل طروء سكتة عليه .. فيؤخر إلى حصول اليقين بتغير الرائحة وغيره.

وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ .. فُرُوضُ كِفَايَةٍ. وَأَقَلُّ الْغُسْلِ: تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إِزَالَةِ النَّجَسِ، وَلاَ تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ غريبة: حكي ابن عساكر: أن يعقوب الماجشون جد عبد الملك صاحب مالك مات ووضع على السرير واجتمع الناس للصلاة عليه، فوجد الغاسل عِرقًا تحت وجله يتحرك! فقال: أرى أن يؤخر غسله إلى غد، فلما أصبحوا واجتمع الناس للصلاة عليه .. وجده الغاسل كذلك فصرف عنه الناس، ثم كذلك في اليوم الثالث، ثم إنه استوي جالسًا وقال: اسقوني سويقًا فسقوه، وسألوه عن حاله فقال: عرج بروحي إلى السماء الدنيا ففتح لها الباب، ثم كذلك إلى السماء السابقة فقيل للملك الذي عرج بي: من معك؟ قال: الماجشون، فقال: إنه بقي من عمره كذا كذا شهرا وكزا كذا يومًا وكذا كذا ساعة، قال: ثم هبط بي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعمر بن عبد العزيز بين يديه فقلت للملك الذي معي: إنه لقريب المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: إنه عمل بالحق في زمن الجور، وإنهما عملا بالحق في زمن الحق. قال: (وغسل وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .. فروض كفاية) بالإجماع. قال: (وأقل الغسل: تعميم بدنه) كما في غسل الحي من الجنابة والحيض، سواء كان عليه غسل جنابة أو حيض أم لا. قال: (بعد إزالة النجس) كذا قاله في (الروضة) أيضا. وكان ينبغي للمصنف أن يستدركه؛ فإن الصحيح عنده: أن الغسلة الواحدة تكفي للحدث والخبث كما تقدم في (باب الغسل)، إلا أن يقول المصنف هنا: إن صورة المسألة في نجاسة لا يصل الماء إلى العضو إلا بعد إزالتها، فيستقيم الكلام. قال: (ولا تجب نية الغاسل في الأصح)؛ لأن المقصود منه النظافة وهي حاصلة نوى أو لم ينو، ولأن الميت ليس من أهل النية. والثاني: تجب؛ لأنه غسل واجب فافتقر إلى النية كغسل الجنابة.

فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ غَسْل الْغَرِيقِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأَكْمَلُ: وَضْعُهُ بِمَوْضِعِ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ، وَيُغَسَّلُ فِي قِميصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيفية النية: أن ينوي بقلبه - عند صب الماء القراح - الغسل الواجب أو غسل الميت. وبني المتولي الوجهين على الخلاف في نجاسته بالموت؛ إن قلنا: لا ينجس .. اشترطت، وإلا .. فلا. قال: (فيكفي غرقه أو غسل كافر)؛ بناء على عدم وجوبها. قال: (قلت: الصحيح المنصوص: وجوب غسل الغريق والله أعلم)؛ لأنا مأمورون بغسله ولم يغسل، ولو ماتت كافرة .. جاز لزوجها المسلم غسلها. قال: (والأكمل: وضعة بموضع خال) لا يدخله إلا الغاسل ومعينه أو الولي؛ لأن الحي يحرص على ذلك، ولأنه قد يكون فيه ما لا يحب أن يطلع عليه غيره. والأفضل أن يكون تحت سقف؛ لأنه أستر نص عليه. وقيل: تحت السماء لتنزل عليه الرحمة. قال: (مستور) أي: لا يكشفه أحد من كوَّة ولا جدار لما ذكرناه. قال: (على لوح)، لئلا يصيبه الرشاش، وليكن موضع رأسه أعلى لينحدر الماء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل على سرير، وبقي إلى أن غسل عليه يحيى بن معين وحمل عليه لما مات سنة ثلاث وثلاثين ومئتين. قال: (ويغسل في قميص)؛ لما روى بريدة رضي الله عنه قال: (لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد داخل البيت: لا تنزعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه) رواه ابن ماجه [1466] والحاكم [1/ 354] وأبو داوود بمعناه [3133]. وقال المزني: إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم: لجلالته وعظيم قدره.

بِمَاءٍ بَارِدٍ، وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إِلَى وَرَاءِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إِمْرَارًا بَلِيغًا ليَخْرُجَ مَا فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وليكن القميص باليًا، ويدخل يده فيغسله من داخل القميص، وإلا .. فتق رؤوس التخاريص ثم يدخل يده في موضع الفتق، كذا قاله في (البحر). فإن لم يكن قميص .. ستر منه ما بين سرته وركبته، وسيأتي حكم نظر الغاسل في زيادة المصنف في أخر الباب. قال: (بماء بارد)؛ لأنه يشد البدن والمسخن يرخيه، اللهم إلا أن يحتاج إلى المسخن لوسخ، أو خوف الغاسل من البرد فيغسله بالمسخن تسخينًا لطيفًا. وقال أبو حنيفة: المسخن أولى مطلقًا. ويقال: إن الحافظ أبا الفرج بن الجوزي أوصى أن يسخن ماء غله ببراية أقلامه التي كتب بها العلم. سوروى البخاري في (الأدب) [652] والطبراني [25/ 182] والنسائي [4/ 29] عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله عنها أنها قالت: توفي ابني فجزعت عليه فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد تقتله! فانطلق عكاشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: (طال عمرها)، قال: فلا أعلم امرأة عمرت ما عمرت. قال: (ويجلسه الغاسل على المغتسل مائلًا إلى ورائه)؛ ليسهل خروج ما في بطنه. قال: (ويضع يمينه على كتفه، وإبهامه في نقرة قفاه)؛ لئلا يتمايل رأسه. و (القفا) مقصور، وجوز الفراء مده، وهو: مؤخر العنق. قال: (ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى، ويمر يساره على بطنه إمرارًا بليغًا ليخرج ما فيه). وهذا أول ما يفعله الغاسل إذا وضعة على المغتسل، ويكثر في هذه الحالة من البخور وصب الماء لئلا تفوح الرائحة.

ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْأَتَيْهِ، ثُمَّ يَلُفُّ أُخْرَي وَيُدْخِلُ إِصْبَعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ، وَيُزِيلُ مَا فِي مِنْخَرَيْهِ مِنْ أَذَىً، وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَاسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم يضجعه لقفاه ويغسل بيساره وعليها خرقة سوأتيه)، كما يستنجي الحي بعد التغوط والبول. وفي (النهاية) و (الوسيط): يغسل كل سوءة بخرقة، وهو أبلغ في النظافة. قال: (ثم يلف أخري) أي: بعد إلقاء الأولى وغسل يده بماء وأشنان إن تلوثت. قال: (ويدخل إصبعه فمه ويمرها على أسنانه) كما يستاك الحي، والظاهر: أن ذلك يكون يبده اليسرى وقد صرح به في (الكافي)، وقد تقدم: أن الأصح حذف الميم من الفم. قال: (ويزيل ما في منخريه من أذى) ويكون ذلك بطرف إصبعه الخنصر. قال: (ويوضئه كالحي) - أي: ثلاثًا ثلاثًا - ويراعي المضمضة والاستنشاق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم عطية: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)، والمضمضة والاستنشاق من مواضع الوضوء، فيدخل إصبعه في فيه ويمرها على أسنانه بشيء من الماء، وكذلك يدخل طرف إصبعه في منخريه بشيء؛ ليزيل ما فيهما قبل الوضوء، والظاهر: أن إدخال الإصبع في الفم والأنف غير المضمضة والاستنشاق. قال: (ثم يغسل رأسه ثم لحيته بسدر ونحوه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم عطية: (اغسلنها بماء وسدر) رواه الشيخان [خ 1253 - م939].

وَيُسَرِّحُهُمَا بِمِشْطِ وَاسِعِ الأَسْنَانِ بِرِفْقِ، وَيَرُدُ الْمُنْتَتَفَ إِلَيْهِ. وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأيْمَنَ ثُمَّ الأَيْسَرَ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ إِلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْمَنَ فَيَغْسِلُ الأَيْسَر كَذَلِكَ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والسدر أولى من الخطمي؛ لأنه أمسك للبدن. قال في (الدقائق): وتعبيره ب (ثم) لينبه على استحباب الترتيب، وهو مراد (المحرر) بقوله: (ولحيته). قال: (ويسرحهما بمشط واسع الأسنان برفق)؛ ليقل الانتتاف. وقال أبو حنيفة وسائر الفقهاء: لا يسرح. و (المشط) فيه لغات: ضم الميم مع إسكان الشين، ومع ضمها أيضًا، وكسر الميم مع إسكان الشين. قال: (ويرد المنتتف إليه) المراد: أنه يضعه معه في الكفن. وفي (الكفاية) عن القاضي: أنه لا يرده. قال: (ويغسل شقه الأيمن ثم الأيسر) من صفحة العنق إلى القدم. قال: (ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر إلى القدم، ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك). أما البداءة بالأيمن .. فلحديث أم عطية أنها لما غسلت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (ابدأن بميامنها). وأما الشق الذي يلي الوجه .. فلشرفه. قال: (فهذه غسلة) ليس المراد: أنها الغسلة الواجبة، بل المراد: أنها غسلة واحدة مما يراد للتنظيف والإنقاء؛ وإنما قلنا ذلك؛ لذكره السدر فيها، وسيأتي: أنه يمنع من الاعتداد بها.

وَتُسْتَحَبُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ثُمَّ يُصَبَّ مَاءٌ قَرَاحٌ مِنْ فَرْقِةِ إِلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، وَأَنْ يُجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلُ كَافُورٍ. وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ .. وَجَبَ إِزَالَتُهُ فَقَطْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتستحب ثانية وثالثة) كغسل الجنابة، فإن لم ينق .. زاد. ويستحب الإيتار؛ لحديث أم عطية: (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك). قال الماوردي: والثلاث أدنى الكمال، والخمس أوسط، والسبع أكثره، والزيادة سرف. قال: (وأن يستعان في الأولى يسدر أو خطمي)؛ للحديث. قال: (ثم يصب ماء قَراح) أي: خالص، وهو يفتح القاف. قال: (من فرقة إلى قدمه بعد زوال السدر) فهذه أول الثلاث، ويندب بعدها ثانية وثالثة. قال: (وأن يجعل في كل غسلة قليل كافور)؛ لأن الجسد يتصلب به، وتنفر الهوام من رائحته، وهو في الأخيرة آكد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (واجعلن في الأخيرة كافورًا، أو شيئًا من كافور). ويستثنى من ذلك المحرم كما سيأتي في بابه. واحترز ب (القليل) عن الكثير؛ فإنه إذا تفاحش .. سلب الطهورية، أما الصلب .. فلا يسلب؛ لأن الغالب أنه إنما يغير بالمجاورة لا بالمخالطة. واذا كمل غسلة .. استحب تنشيفه بلا خلاف، بخلاف طهارة الحي، ويستحب أن تلين مفاصله. قال: (ولو خرج بعده نجس .. وجب إزالته فقط)؛ لأن الفرض قد سقط بما وجد، والتنظيف يحصل بإزالة ما حدث سواء كان من المخرج المعتاد أو غيره.

وَقِيلَ: مَعَ الْغُسْلِ إِنْ خَرَجَ مِنَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ: الوُضُوءِ. وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ، وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (بعده) أي: بعد الغسل، هذا إذا لم يدرج في الكفن، فإن كفن .. لم يجب غسل النجاسة أيضًا. قال: (وقيل: مع الغسل إن خرج من الفرج)؟ لأنه ينقض الطهر وطهر الميت غسل جميعه. قال: (وقيل:) مع (الوضوء) كالحي إذا خرج منه شيء بعد الوضوء، وألزم قائله النقض بوقوع كف الميت على ذكره فالتزمه. فلو خرج من غيره .. لم يجب إلا إزالته قطعًا. فرع: يستحب أن يغطى وجه الميت بخرقة من أول ما يوضع على المغتسل، نقله المزني عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، واستحب هو إعادة الوضوء في كل غسلة. ويندب أن يضفر شعر المرأة وأن يجعل ثلاثة قرون كما في الحديث. قال: (ويغسل الرجل الرجل، والمرأة المرأة) هذا هو الأصل، إلحاقًا لكل جنس بجنسه، وقد يغسل الرجل المرأة وعكسه كما سيأتي. قال: (ويغسل أمته) بالقياس على الزوجة خلافًا لأبي حنيفة، والمراد: الأمة التي ليست معتدة ولا مزوجة ولا مستبرأة. واحترز عن المبعضة فلا يغسلها ولا تغسله؛ لأنها ليست أمته. ولا يجوز للأمة تغسيل سيدها، لأن القنة تنتقل للورثة، والمدبرة وأم الولد تعتقان بالموت، بخلاف ملك النكاح فإن حقوقه لا تنقطع بدليل التوارث، ولأجل الإشارة إلى هذا لم يقل الصنف: وهي سيِّدهَا كما فعل في الزوجين. قال: (وزوجته)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعاثشة: (ما ضرك لو مت قبلي،

وَهِيَ زَوْجَهَا، وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلاَمَسَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقمت عليك فغسلتك وكفنتك، وصليت عليك ودفنتك (رواه ابن ماجه [1465] وصححه ابن حبان [6586]. و (غسل علي فاطمة رضي الله عنهما). ولا يمنع ذلك تزويج أختها وأربع سواها على الأصح. لكن يستثنى من ذلك الرجعية، فحكمها في ذلك كالأجنبية؛ لأنها كانت محرمة في الحياة فاستصحب ذلك بعد الموت. ولو كان له أكثر من زوجة وتنازعن في غسله .. أقرع بينهن. قال: (وهي زوجها)؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه) رواه أبو داوود [3133] والحاكم [3/ 59] وقال: على شرط مسلم. وأوصى أبو بكر رضي الله عنه: أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته، وقالت عائشة وفي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رحم الله رجلًا غسلته امرأته وكفن في أخلاقه)، قالت: ففعل ذلك بأبي بكر رضي الله عنه رواهما البيهقي [3/ 397]. وإذا جوزناه للمرأة .. فيجوز أبدًا، وقيل: ما لم تتزوج، وقيل: ما لم تنقض عدتها بأن تضع حملًا عقب موته. ولا يفترق الحال بين المسلمة والكافرة كما سبق. قال: (ويلفان خرقة) أي: السيد وأحد الزوجين؛ حفظًا للطهارة. قال: (ولا مس) عبارة (المحرر): وإذا غسل أحدهما. الآخر .. فينبغي أن يلف خرقة على يده ولا يمسه، وهي أوضح من عبارة المصنف. فإن لم يلف .. قال القاضي ومتابعوه: يصح الغسل بلا خلاف. ولا يخرج على الخلاف في انتقاض طهر الملموس؛ لأن الشرع أذن فيه للحاجة، وأما الغاسل .. فالأصح فيه: الانتقاض.

فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِلاَّ أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ .. يُمِّمَ فِي الأَصَحِّ. وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ: أَوْلاَهُمْ بِالصَّلاَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن لم يحضر إلا أجنبي أو أجنبية .. يمم في الأصح)؟ إلحاقًا لفقد الغاسل بفقد آلة الغسل، ولأنه تعذر غسله شرعًا. والثاني: يغسل في ثيابه، ويلف الغاسل على يده خرقة، ويغض طرفة ما أمكنه، فإن اضطر إلى النظر .. نظر قدر الضرورة، وصححه الإمام والماوردي وآخرون. والثالث: يدفن بلا غسل ولا تيمم. فروع: الأول: إذا يمم الميت لعدم الماء، ثم وجد قبل الدفن .. وجب غسله وإعادة الصلاة عليه، أو بعده .. لم ينبش. الثاني: الصبي والصبية إذا لم يبلغا حدًا يشتهيان .. يجوز للرجال والنساء جميعًا غسلهما، فإن بلغا ذلك .. فكالبالغين، الثالث: الخنثى المشكل مقتضى كلام (الروضة) هنا: أن لا يغسل، وصرحا في (النكاح) فيه بالاحتياط، فيجعل في حق الرجال امرأة وفي حق النساء رجلًا، وصحح في (شرح المهذب): أنه يغسله الرجال والنساء، وهذا هو المذكور في (الحاوي الصغير). وقال في (الشرح الصغير) أيضا: الأظهر أنه يجوز للرجال والنساء غسله؛ استصحابًا لما كان في الصغر، وصححه في (الكبير). وفي وجه ضعيف: يشتري من تركته أمة تغسله، فإن لم تكن له تركة .. فمن بيت المال. قال: (وأولى الرجال به: أولاهم بالصلاة) عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسله عمه العباس ومعه ابنة الفضل وابن أخيه علي رضي الله عنهم، وسيأتي بيان ذلك.

وَبِهَا: قَرَابَاتُهَا، وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الأَصَحِّ، وَأَوْلاَهُنَّ: ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، ثُمَّ الأَجْنَبِيَّةُ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلاَتِهِمْ. قُلْتُ: .. إِلاَّ أَبْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالأَجْنَبِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل تقدم زوجته على رجال العصبات؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها: لا، بل يقدم رجال العصبات، ثم الرجال الأقارب، ثم الرجال الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء المحارم. والثاني: تقدم الزوجة عليهم. والثالث: يقدم الرجال الأقارب، ثم هي، ثم الرجال الأجانب، ثم النساء المحارم. قال: (وبها: قراباتها)؛ لوفور شفقتهن. وكان الصواب أن يقول: ذوو قراباتها: فإن الجوهري قال: تقول ذو قرابتي، ولا تقول هم قرابتي، ولا هم قراباتي، والعامة تقول ذلك، وعبارة (المحرر) سالمة من ذلك؛ فإنه قال: وأما المرأة .. فأولى النساء بغسلها نساء القرابة. قال: (ويقدمن على زوج في الأصح)؛ لأنهن أليق بها. والثاني: أن الزوج يقدم عليهن؛ لأنه يطلع على ما لا يطلعن عليه. قال: (وأولاهن: ذات محرمية) - وهي: كل امرأة لو كانت رجلًا .. لم يحل له نكاحها بسبب القرابة - لأنهن أكثر شفقة. فإن استوت اثنتان في المحرمية .. فالتي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة. واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الأقرب فالأقرب. قال: (ثم الأجنبية)؛ لأنهن أوسع في النظر إليها من الرجال. لكن يرد عليه ذات الولاء؛ فإنها تقدم على الأجانب على النص، إلا أن يقال: إنها من الأجنبيات؛ فإنه جعل الأجنبيات قسيم القرابة. قال: (ثم رجال القرابة كترتيب صلاتهم) أي: من الأبوين أو أحدهما؛ لأنهم أشفق عليها، ويطلعون غالبًا على ما لا يطلع عليه غيرهم. قال: (قلت: إلا ابن العم ونحوه فكالأجنبي والله أعلم) المراد: كل قريب ليس بمحرم .. فلا حق له في الغسل.

وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ الزَّوْجُ فِي الأَصَحِّ. وَلاَ يُقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا، وَلاَ يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفُرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويقدم عليهم الزوج في الأصح) أي: على رجال القرابة؛ لأن الجميع ذكور وهو ينظر إلى ما لا ينظرون إليه. والثاني: أنهم يقدمون عليه؛ لأن النكاح قد انتهى بالموت وسبب المحرمية باق. تنبيه: جميع ما ذكرناه من التقدم مشروط بالإسلام، وأن لا يكون قاتلًا. ويستثنى من إطلاقه الوالي؛ فإنه يقدم على الأجانب كما صرح به الجرجاني وغيره. والمقدم في الغسل لو فوضه إلى غيره .. جاز شرط اتحاد الجنس، فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء وبالعكس. قال: (ولا يقرب المحرم طيبًا، ولا يؤخذ شعره وظفره)؛ لما روى الشيخان [خ 1265 - م1206] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عيه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فانكسرت عنقه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا). قال ابن قتيبة في (المعارف) في ترجمة عمر: الرجل المذكور واقد بن عبد الله. واستفيد من التعليل المذكور في الحديث: أن الحج لا يبطل بالموت، بخلاف الصلاة فإنها تبطل بالاتفاق، وفي الصوم وجهان. واستفيد منه: تحريم ستر وجه المحرمة، ورأس الرجل وإلباسه المخيط وغير ذلك من آثار الإحرام. ولا بأس بالبخور عند غسله - كما يجلس المحرم عد العطار - فإن طيبه إنسان أو ألبسه مخيطًا .. عصى ولا فدية، كما لو قطع عضوا من ميت، وفي وجه غريب: أنها تجب.

وَتُطَيَّبُ الْمُعْتدَّةُ فِي الأَصَحِّ، وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفُرِهِ وَشَعْرِ إِبْطِهِ وَعَانَتِهِ وِشِارِبِهِ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: كَرَاهَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتطيب المعتدة في الأصح) وكذلك تكفن في الحرير، والمراد: المعتدة المُحِدَّة؛ لأن التحريم في الحياة إنما كان للتفجع على الزوج، ولميلها إلى الأزواج أو ميلهم إليها، وقد زال بالموت. والثاني: أنه لا يجوز؛ استصحابًا للتحريم كالمحرمة. قال: (والجديد: أنه لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره وشعر إبطه وعانته وشاربه) كما يتنظف الحي بهما؛ لأن ذلك من كمال الطهارة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (افعلوا بموتاكم ما تفعلون بعروسكم)، وكل هذه تفعل قبل الغسل. والقديم - وهو منصوص (الأم) و (المختصر) -: لا يفعل ذلك؛ لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وقد نهى عن محدثات الأمور، فلذلك اختاره المصنف فقال: (قلت: الأظهر: كراهته والله أعلم)؟ لأن أجزاء الميت محترمة. أما شعر الرأس .. فلا يحلق بحال؛ لأنه إنما يخلق لزينة أو نسك. قلت: إلا أن يكون حاجًا بقي عليه الحلق ومات .. فيظهر: أن يخلق رأسه تكميلًا للنسك، ويحتمل أن لا يفعل ليأتي يوم القيامة محرمًا. وإذا قلنا بالجديد .. تخير الغاسل في شعر الإبطين والعانة بين الحلق والإزالة بالنُّورة، وقيل: تتعين النورة في العانة؛ لئلا ينظر إلى العورة، والمذهب: التخيير، لكن لا يمس ولا ينظر من العورة إلا قدر الضرورة. والذي يؤخذ من هذه الأجزاء يستحب أن يصر في كفنه، وقيل: لا يدفن معه بل يواري في الأرض في غير القبر.

فصل

فَصْلٌ: يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا، وَأَقَلُّهُ: ثَوْبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: من مات غير مختون .. قطع الجمهور بأنه لا يختن، وقيل: قولان كالشعر والظفر، وقيل: يختن البالغ دون الصبي. وأجمعوا على أنه: لا تقطع يده المستحقة القطع في سرقة أو قصاص. قال: (فصل: يكفن بما له لبسه حيًا) فيحرم تكفين الرجل والخنثى في الحرير والمزعفر، وكذا المصغر في الأصح، ويكره ذلك للمرأة كما سيأتي في آخر الباب. وتكفن المرأة في الحرير على الصحيح، لكن يكره؛ لأنه سرف وغير لائق بالحال، ومال ابن الصلاح إلى تحريمه بناء على تحريم افتراشها إياه، وأما الصبي .. فتكفينه فيه مبنيُّ على جواز إلباسه. قال: (وأقله: ثوب) أي: ساتر للعورة؛ لأن هذا القدر يجب ستره في الحياة، فيجب بعد الموت؛ لأن ما دونه لا يسمى كفنًا، وفي (الصحيحين) [خ 1276 - م940]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن مصعب بن عمير يوم أحد بنمرة غطى بها رأسه فبدت رجلاه)، ولو كان الاستيعاب واجبًا .. لوجب تكميله على المسلمين. وحكي الماوردي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: فإن، غطي من الميت قدر عورته فقط .. سقط الفرض، ولكن أخل بحق الميت. وعلى هذا .. يختلف الثوب باختلاف الميت ذكورة وأنوثة؛ لاختلاف عورتهما. وهل يختلف بالنسبة إلى الحرة والأمة؟ قال ابن الرفعة: الظاهر: أنه لا فرق؛ لأن الرق يزول بالموت. وقيل: أقله ثوب يستر جميع البدن؛ لأن ما دونه لا يسمى كفنًا - وعلى هذا .. يستثنى رأس المحرم ووجه المحرمة - وهذا الذي في (الحاوي الصغير)، وأطلق في

وَلاَ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (المناسك) تصحيحه، وعبارة (المحرر) تحتمل الأمرين؛ فإنه قال: أقل الكفن ثوب واحد، ولم يصحح في (الشرح) شيئًا، وصحح المصنف في زوائد (الروضة) الأول. وقال في (الشرح الصغير): إنه أوفق لظاهر النص. وهذا الخلاف ينبني على خلاف غريب حكاه شارح (التعجيز): أن الشخص هل يصير كله عورة بموته أو لا؟ والتعبير ب (الثوب) يشعر بأنه لا يكفي التطيين على خلاف ما صححوه في ستر عورة المصلي وهو متجه؛ لأن فيه إزراء بالميت. ويتجه: وجوب الإذخر ونحوه كالحشيش قبل التطيين. وقيل: الواجب ثلاثة أثواب حكاه في (شرح المهذب). قال: (ولا تنفذ وصيته بإسقاطه) أي: إسقاط الثوب الواحد؛ لأنه حق لله تعالى مستحق بالموت، بخلاف الثاني والثالث فإنهما حقه فله تركهما، كما أوصى أبو بكر رضي الله عنه أن يكفن في قميصه الخلق فنفذت وصيته. ومقتضى هذا التعليل - وهو القياس -: أن الذي لا تنفذ الوصية بإسقاطه إنما هو المقدار الواجب، حتى إذا قلنا بالصحيح - وهو: أن الواجب ساتر العورة فقط - نفذنا الوصية بإسقاط الزائد، وهذا هو المذكور في (الروضة)؛ فإنه عبر بقوله: الثوب الواجب بالجيم والباء. ووقع في (شرح المهذب): أنه إذا أوصى بساتر العورة .. لا تنفذ وصيته، وكأنه اغتر بجواب الإمام والغزالي، وهما إنما أجابا به؛ لأن الواجب عندهما هو هذا المقدار خاصة. غريبة: أوصى أهبان بن صيفي الغفاري رضي الله عنه لما حضرته الوفاة أن يكفن في ثوبين، قالت ابنته: فزدناه ثالثًا قميصًا فدفناه فيه، فأصبح ذلك القميص على

وَالأَفْضَلُ لِلرَجُلِ: ثَلاَثَةٌ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المشجب موضوعًا. قال أبو عمر: روى هذا الحديث جماعة ثقاة من البصريين وغيرهم. قال: (والأفضل للرجل: ثلاثة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، رواه الشيخان [خ 1264 - م 941]. و (سَحُول): بلد باليمن، ويجوز في سينها الفتح والضم. ولا فرق في ذلك بين الصغير والكبير، وسيأتي في آخر الباب في زيادة المصنف. فروع: إذا كفن من بيت المال .. فالأصح: أنه يكفن في ثوب واحد، وإذا كفن من الموقوف على التكفين .. أفتى ابن الصلاح بأنه: لا يزاد على ثوب واحد. ولو لم يوص وقال بعض الورثة: نكفنه بثوب وقال بعضهم: بثلاثة، أو اتفقوا على ثوب، أو كان فيهم من شملة الحجر .. كفن في ثلاثة في المسائل الثلاث. ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء: ثوب .. فثوب على الأصح. والمحرم كغيره في استحباب الثلاث، وقال ابن سراقة: لا يزاد المحرم على ثوبيه اللذين مات فيهما. قال: (ويجوز رابع وخامس)؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كفن ابنًا له في خمسة أثواب: قميص وعمامة، وثلاث لفائف، رواه البيهقي [3/ 402].

وَلَهَا: خَمْسَةٌ. وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا بِثَلاَثَةٍ .. فَهِيَ لَفَائِفُ. وَإِنْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ .. زِيدَ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ. وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ .. فَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ: ثَلاَثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا كراهة في الخمسة، أما ما زاد عليها .. فمكروه للرجال والنساء. قال المصنف: (ولو قيل بتحريمه .. لم يبعد؛ لأنه إضاعة مال إلا أنه لم يقل به أحد) اه وقد جزم بتحريمه ابن يونس في (شرح التنبيه). قال: (ولها: خمسة) أثواب؛ رعاية لزيادة الستر، ولأن أم عطية لما غسلت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسًا على الباب فناولها إزارا ودرعا وخمارًا وملحفة، ثم أدرجت في الثوب الآخر، رواه أبو داوود [3149]. وكذلك حكم الخنثى. قال: (ومن كفن منهما بثلاثة .. فهي لفائف)؛ تأسيًا بكفن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتكون الثلاث سوابغ للمرأة، وفي الرجل وجهان: أصحهما: كذلك. والثاني: أن الأسفل من سرته إلى ركبته، والثاني من عنقه إلى كعبه، والثالث سابغ لجميع بدنه. وقيل: يجعل الثاني من صدره إلى ساقه. قال: (وان كفن في خمسة .. زيد قميص وعمامة تحتهن) كما فعل ابن عمر (وإن كفنت في خمسة .. فإزار، وخمار، وقميص) وهو: الدرع (ولفافتان) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأم كلثوم. قال: (وفي قول: ثلاث لفائف وإزار وخمار)؛ لأن الخمسة فيها كالثلاثة في الرجل.

وَيُسَنُّ الأَبْيَضُ. وَمَحَلُّهُ: أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ .. فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ، وَكَذَا الزَّوْجُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويسن الأبيض)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم (رواه أبو داوود [4058] والترمذي [994] والحاكم [4/ 185] وابن حبان [5423]. قال: (ومحله: أصل التركة) بالإجماع، ولأنه صلى الله عليه وسلم كفن المحرم في ثوبيه، ومصعب بن عمير في نمرته. ولم يسأل عن الدين، فدل على أنه لا فرق، اللهم إلا أن يتعلق بعين التركة حق .. فإنه يقدم كما سيأتي في أول (الفرائض)، وإلا أن تكون امرأة لها زوج كما سيأتي. فلو قال بعض الورثة: أكفنه من مالي، وقال البعض: من التركة .. كفن من التركة دفعًا للمنة. قال: (فإن لم يكن) أي: تركة (.. فعلى من عليه نفقته من قريب) أصلًا كأن أو فرعًا. ومقتضى هذه العبارة: أن الولد الكبير الفقير لا يجب تكفينه كما لا تجب نفقته على الصحيح عند المصنف. والمذهب: وجوبه؛ لأن نفقته تجب إذا كان عاجزًا والميت عاجز. قال: (وسيد)؛ لما ذكرناه. وتدخل أم الولد، والمكاتب لانفساخ كتابته. قال: (وكذا الزوج في الأصح)؛ لأنها في نفقته في الحياة فأشبهت القريب والسيد. والثاني: لا؛ لأنها إنما وجبت في مقابلة التمكين من الاستمتاع وبالموت يزول ذلك فيجب في مالها، وليست كالمريضة المدنفة؛ فإنها محل لاستمتاعه، وإلى هذا ذهب ابن أبي هريرة، وقال الماوردي: إنه ظاهر المذهب، ونسبه الشيخ أبو محمد إلى الأكثرين، وصححه الجرجاني والروياني والفارقي وابن أبي عصرون وابن

وَتُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا، وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ، وَيُذَرُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ حَنُوطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاح، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وأحد قولي مالك وأصحابه. وحكم سائر مؤن التجهيز حكم الكفن. وعبارة الكتاب و (المحرر) توهم: أنه إنما تجب على الزوج إذا لم يكن تركة، وليس مرادهما ذلك. وفهم الشيخ جمال الدين عن المصنف خلاف ذلك فقال: الصواب: أنه يجب على الزوج تكفين الزوجة؛ لأنها في نفقته حال الحياة، فإن لم يكن للزوج مال .. ففي مالها، وما وقع في (المحرر) و (المنهاج) و (الشرح الصغير): (أنه في مالها، فإن لم يكن فعلى الزوج .. فخلاف الصواب) اه وظاهر عبارة الكتاب: أنه لا فرق بين الحرة والأمة، وينبغي أن يكون على السيد إلا أن يكون قد سلمها ليلًا ونهارًا .. فتكون على الوجهين في كفن الحرة. ولو طلقها ثلاثًا وهي حامل .. لزمه تكفينها على الأصح. وإذا أوجبنا تكفين الزوجة .. أوجبنا تكفين خادمها. فلو حذف المصنف لفظة (كذا) .. كان أخصر وأعم. ولو امتنع الموسر أو فان غائبًا، فجهزت من مالها أو غيره،. رجع عليه إن صرف بإذن حاكم يراه، وإلا .. فلا رجوع على الأشبه. قال: (وتبسط أحسن اللفائف وأوسعها، والثانية فوقها، وكذا الثالثة) كما يظهر الحي أحسن ثيابه. قال: (ويذر على كل واحدة حَنوط)؛ لئلا يسرع بلاؤها من بلل يصيبها. قال الماوردي: وهذا من مفردات الإمام الشافعي رضي الله عنه. و (الحَنوط) بفتح الحاء وبضم النون: يشمل الكافور والذريرة والصندل، ولا يقال لغير طيب الميت.

وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ، وَتُشَدُّ أَلْيَاهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ، وَتُلَفُّت عَلَيْهَ اللَّفَائِفُ وَتُشَدُّ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ .. نُزِعَ الشِّدَادُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويوضع الميت فوقها مستلقيًا وعليه حنوط وكافور)؛ لدفع الهوام عنه. وقوله: (وكافور) لا حاجة إليه؛ لأنه يدخل فيه كما نبه عليه في (نكت التنبيه). قال: (وتشد ألياه)؛ إحكامًا لمنع الخارج، ذلك بأن يأخذ قدرًا من القطن ويجعل عليه حنوط ويدس بينهما حتى يصل إلى الحلقة، ولا يدخله في باطنة - وقيل: لا بأس به ثم تشد أليتيه بخرقة تستوعب عانته. قال: (ويجعل على منافذ بدنه قطن) كالعينين والأذنين والفم والفرج والجراحات النافذة خشية أن يخرج منها شيء، ويجعل على مواضع السجود أيضًا؛ إكرامًا لها. قال: (وتلف عليه اللفائف وتشد)؛ لئلا تنتشر بحركته. قال: (فإذا وضع في قبره .. نزع الشداد)؛ لأنه يستر بالقبر. فروع: يستحب أن تبخر الأكفان بالعود إذا لم يكن الميت محرمًا، وقال الإمام والغزالي: إنه أولى من تطييبها بالمسك، وخالفهما ابن الصلاح؛ لأنه أطيب الطيب، وأوصى علي رضي الله عنه: (أن يحنط بمسك كان عنده من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وأفتى أيضا: بعدم جواز كتابة شيء من القرآن على الكفن صيانة له

وَلاَ يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا، وَلاَ يُسْتَرُ رَاسُهُ وَلاَ وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن صديد الموتى، وفيمن عنده قماش يكريه لتجهيز الموتى من ألوان الحرير وغيرها بأنه لا يجوز كراء ما يقصد به الزينة، ولا بأس بما المقصود به ستر الميت .. وصيانته. وكره الغزالي التجارة في أكفان الموتى وحنوطهم وما يتعلق بذلك. قال: (ولا يلبس المحرم الذكر مخيطًا، ولا يستر رأسه ولا وجه المحرمة)؛ إبقاء لأثر الإحرام، وكذلك لا يعقد عليه ثوب إلا الإزار، وما روي في (الصحيحين) [خ1265 - م 1206] من قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تخمروا رأسه ولا وجهة (.. فهو مؤول على أن النهي عن تغطية الوجه ليس لكونه وجهًا إنما هو صيانة للرأس؛ فإن وجهة إذا ستر .. لم يؤمن أن يصل إلى الرأس. فروع: إذا مات الخنثى محرمًا .. قال البغوي: لا يخمر رأسه ولا وجهه. قال المصنف: إن أراد أنه مستحب .. فحسن، أو واجب .. فمشكل، وينبغي أن يكفي كشف أحدهما. ولو مات إنسان ولم يوجد ما يكفن به إلا ثوب مع واحد وهو غير محتاج إليه .. لزمه بذله بقيمته كالطعام للمضطر، وقال البغوي: فإن لم يكن له مال .. لزمه بذله بلا عوض. ولو مات له أقارب دفعة واحدة بهدم أو غيره .. قدم في التكفين وغيره من يخاف عليه الفساد، فإن استووا .. قدم الأب ثم الأم ثم الأقرب فالأقرب، فإن كانا أخوين .. قدم أسنهما، فإن كانا زوجين .. أقرع بينهما. ولو أوصى أن يكنن في ثوب معين .. ففي إلزام الورثة بتكفينه فيه وجهان مبنيان على الوجهين فيما إذا أوصى بقضاء دينه من هذا المال هل يتعين؟

وَحَمْلُ الْجَنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ التَّرْبِيعِ فِي الأَصَحِّ، وَهُوَ: أَنْ يَضَعَ الخشبتين الْمُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقَه ِوَرَاسُهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلاَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحمل الجنازة بين العمودين أفضل من التربيع في الأصح) كما فعل بعثمان وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم. وروى البيهقي في (المعرفة) [7470]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين). والثاني: التربيع أفضل؛ لأنه أصون للميت، بل حكى في (النهاية) عن الشيخ أبي علي وجوبه؛ لأن ما دونه إزراء بالميت. والثالث: هما سواء لحصول المقصود بكل كيفية. كل هذا إذا أريد الاقتصار على إحدى الكيفيتين، والأفضل: الجمع بينهما بأن تحمل تارة كذا وتارة كذا. هذا بالنسبة إلى الجنازة، أما كل واحد في حق نفسه .. فينبغي إذا جمع أن يضع ياسرة السرير المقدمة على عاتقة الأيمن ثم ياسرته المؤخرة، ثم يدور أمامها حتى لا يمشي خلفها فيضع يامنة السرير المقدمة على عاتقة الأيسر ثم يامنته المؤخرة، فيكون قد حملها على التربيع، ثم يدخل رأسه بين العمودين فيكون قد جمع بين الكيفيتين. قال: (وهو) أي: الحمل بين العمودين (أن يضع الخشبتين المقدمتين على عاتقيه ورأسه بينهما، ويحمل المؤخرتين رجلان)؛ لأن المؤخرتين لو حملهما رجل .. لا يكاد يرى ما بين يديه. فيكون مجموع الحاملين ثلاثة. قال ابن الصلاح: أما حملها على رأس اثنين فشيء لا يعرف، وبقيت نحوًا من ثلاثين سنة لم أجد ذلك منقولًا عن أحد من الأئمة إلى أن رأيته في (الإستذكار) للدارمي وهو غريب جدًا. و (العاتق): ما بين المنكب والعنق، وهو مذكر على المشهور.

وَالتَّرْبِيعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلاَنِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ. وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا أَفْضَلُ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والتربيع: أن يتقدم رجلان ويتأخر آخران) فيكون الحاملون أربعة، ولهذا سميت الكيفية بالتربيع. فإذا عجز أربعة عنها .. حملها ستة أو ثمانية، وما زاد على الأربعة .. يحمل من جوانب السرير أو تزاد أعمدة معترضة تحت الجنازة كما فعل بعبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ فإنه كان بدينًا. وأما الصغير .. فإذا حملة واحد جاز؛ إذ لا إزراء فيه. فرع: قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: ليس في حمل الجنازة دناءة ولا إسقاط مروءة، بل ذلك مكرمة وثواب وبر وفعل أهل الخير، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة ثم التابعون. قال: (والمشي أمامها بقربها أفضل)؛ لما روى أبو داوود [3171] وغيره - بإسناد صحيح- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي أمامها وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم). ومن جهة المعنى: أنهم شفعاء وحق الشافع أن يتقدم. وأفضل حملتها المتقدم، وكذلك أفضل المشاة. وقال أبو حنيفة: خلفها أفضل. وعندنا: لا فرق بين الراكب والماشي، ووهم الرافعي في (شرح المسند) حيث قال: الأفضل للراكب أن يكون خلفها بالاتفاق. وهو متابع الخطابي في ذلك؛ فإنه قال: لا أعلمهم اختلفوا في أن الراكب يكون خلفها. والركوب في الذهاب مكروه؛ لما تقدم من: (أنه صلى الله عليه وسلم لم يركب في عيد ولا جنازة)، اللهم إلا أن يكون لعجز أو بعد الموضع .. فلا يكره، وروى الترمذي [1012] أنه صلى الله عليه وسلم رأى ناسا ركبانًا في جنازة فقال: (ألا تستحيون؟! إن الملائكة على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب).

وَيُسْرَعُ بِهَا إِنْ لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والركوب في الرجوع منها يأتي في آخر الباب. وجميع ما سبق مخصوص بالرجال، أما النساء .. فيكره لهن إتباع الجنائز على الأصح، وقيل: يحرم. وحد القرب: أن يكون بحيث لو التفت رآها، فإن بعد عنها وكان بحيث ينسب إليها لكثرة الجماعة .. حصلت له فضيلة الجماعة، وإلا .. فلا. فرع: لا ينقطع طلب المشي في الجنازة بالصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، فكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ منها .. رجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن .. فإنه يرجع بقيراط (رواه الشيخان [خ 47 - م945]. والانصراف عن الميت إن كان عقب الصلاة .. فقيه قيراط، وإن كان بعد وضعه في القبر ونصب اللبن وقدر إهالة التراب .. ففي حصول القيراطين وجهان: اختار الإمام الحصول، والماوردي والمصنف عدمه؛ لظاهر الحديث. وأما بعد الفراغ من الدفن .. فله القيراطان بلا خلاف. فإن وقف بعد ذلك على الميت واستغفر الله ودعا له .. فهو آكمل. قال: (ويسرع بها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة ...) والمراد: أن يكون ذلك فوق المشي المعتاد ودون الخبب بحيث لا يشق على من يتبعها. قال: (إن لم يخف تغيره) بسبب الإسراع بانفجار وغيره، فإن خيف ذلك .. فالتأني أولى، وإن خيف من التأني التغير .. أسرع بها فوق الخبب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مهمة: قال الصيمري وغيره: لا يستحب للإنسان أن يعد لنفسه كفنًا في حياته؛ لئلا يحاسب عليه. قال الروياني: وعندي أن ذلك مستحب؛ لمعرفة خلوه عن الشبهة. قال المصنف: والذي قاله الصيمري صحيح، إلا أن يكون من جهة يقطع بحلها، أو من أثر بعض أهل الخير من العلماء والعباد ونحو ذلك .. فإن ادخاره حسن، وقد صح عن بعض الصحابة فعله. والذي قاله مردود؛ فإن أمواله كلها يحاسب عليها. وأشار بقوله: (وقد صح عن بعض الصحابة) إلى ما رواه البخاري [1277] عن سهل بن سعد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت عليه شملة، فطلبها منه رجل فأعطاه إياها، فأعدها ذلك لنفسه كفنًا). وروي أن سعد بن أبي وقاص لما حضرته الوفاة .. دعا بخَلَقِ جبة من صوف فقال: (كفنوني فيها؛ فإني كنت لقي المشركين فيها يوم بدر وهي علي، وإنما كنت أخبئها لهذا). ولما حضرت معاوية الوفاة .. قال لابنه يزيد: (يا بني؛ إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج يومًا لحاجته فاتبعته بإداوة فكساني أحد ثوبيه الذي كان على جلده، فخبأته لهذا اليوم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أظفاره وشعره فأخذته وخبأته لهذا اليوم، فإذا أنا مت .. فاجعلوا ذلك القميص مما يلي جلدي، واجعلوا الشعر والأظفار في فمي وعل عيني ومواضع السجود مني، فإن نفع شيء .. فذاك، وإلا .. فإن الله غفور رحيم).

فصل

فَصْلٌ: لِصَلاَتِهِ أَرْكِانٌ: أَحَدْهَا: النِّيَّةُ، وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: إذا مر عليه بجنازة .. فالمنصوص وقول الأكثرين: أنه لا يستحب له القيام لها بل قالوا: يكره. قال في زوائد (الروضة): وانفرد المتولي باستحبابه، واختار في (شرح المهذب) مقالة المتولي. قال: (فصل: لصلاته أركان) أي: لصلاة الميت المسلم غير الشهيد. قال الفاكهاني في (شرح الرسالة): من خصائص هذه الأمة الصلاة على الميت والإيصاء بالثلث، ويدل له من السنة ما رواه ابن ماجه [2710] عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ اثنتان لم تكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبًا من مالك حين أخذت بكَظَمِك، لأطهرك به وأزكيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك). (الكظم) بالتحريك: مجامع النفس، والجمع أكظام. قال: (أحدها: النية)؛ للحديث المشهور، وفي كونها من الأركان أو الشروط الخلاف المتقدم في الصلاة. قال: (ووقتها كغيرها) فتكون مقارنة للتكبير كما تقدم، وكيفيتها: أن ينوي مع التكبير الصلاة على هذا الميت، أو هؤلاء الأموات سواء عرف عددهم أم لا. قال: (وتكفي نية الفرض) كما يكفي ذلك في الظهر ونحوها من غير تقييد بفرض العين.

وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ. وَلاَ يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ .. بَطَلَتْ. وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى .. نَوَاهُمْ. الثَّانِي: أَرْبَعُ تُكْبِيرَاتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: تشترط نية فرض كفاية)؛ لتتميز عن فرض العين. وعلم من كلامه: أن نية الفرضية لا بد منها، وهو موافق لما صححوه في الصلوات الخمس. وفي الإضافة إلى الله تعالى الوجهان السابقان. قال: (ولا يجب تعيين الميت) أي: باسمه كزيد أو عمرو؛ لأنه قد لا يعلمه. وأما التعيين الذي يميزه عن غيره بقوله: هذا، أو الحاضر، أو من يصلي عليه الإمام .. فلا بد منه. قال: (فإن عين وأخطأ .. بطلت) صلاته؛ لأن الذي نواه لم يقع. وخصصه المصنف بما إذا لم يشر إليه، قال: فإن أشار إليه .. صح في الأصح. قال: (وإن حضر موتى .. نواهم) بصلاة واحدة عرف عددهم أم لا؛ لأنه قد لا تتأتى له معرفتهم. فلو صلى على البعض ولم يعينه ثم صلى على البعض الآخر من غير تعيين .. لم يصح. قال الروياني: ولو صلى عليهم على أنهم عشرة فبانوا أحد عشر .. أعاد الصلاة على جميعهم. قال: ويحتمل أن يعيدها على الحادي عشر وإن لم يعينه فيقول: نويت الصلاة على من لم أصل عليه أولًا. قال: ولو صلى على ميت وحي دفعة واحدة، فإن علم حياته .. لم تصح صلاته، وإن ظن موته .. صحت في حق الميت دون الحي، كما لو صلى الظهر قبل الزوال. ويجب على المقتدي نية الاقتداء، ولا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم كما سيأتي في آخر الباب. قال: (الثاني: أربع تكبيرات) أي: منها تكبيرة الإحرام؛ لأن آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كبر على سهيل بن بيضاء أربعًا) متفق عليه.

فَإِنْ خَمَّسَ .. لَمْ تَبْطُلْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (المستدرك) [1/ 386] عن ابن عباس رضي الله عنهما: (آخر ما كبر النبي صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعًا، وكبر عمر على أبي بكر رضي الله عنهما أربعًا، وكبر عبد الله بن عمر على عمر أربعًا، وكبر الحسن بن علي على علي رضي الله عنهم أربعًا، وكبر الحسين بن علي على الحسن أربعًا، وكبرت الملائكة على أدم عليه السلام أربعًا) كذا رواه الحافظ أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر أربعًا وخمسًا وستًا وسبعًا وثمانيًا حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعًا، وثبت على ذلك حتى توفي صلى الله عليه وسلم إلى رحمة الله). قال ابن عبد البر: وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع. قال في (شرح المهذب): وهي أركان بلا خلاف. وكأنه لم ير ما في (اللباب) و (الرونق) أن الفرض تكبيرة الإحرام، والثلاث سنة. وفي (طبقات الممصنف): أن البيهقي قال: التكبيرة الأولى وقراءة الفاتحة واجبتان، وأما التكبيرات الثلاث والدعاء للميت: فهل هو واجب؟ يحتمل وجهين. وفي (معتمد البدنيجي) و (الإستذكار) للدارمي وغيرهما عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهم وجابر بن زيد وابن سيرين: أن التكبيرات ثلاث لا غير، وكذلك قال ابن سريج وجهل الرابعة سنة. قال: (فإن خمس .. لم تبطل في الأصح)؛ لثبوت الزيادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في (صحيح مسلم) [956] من رواية زيد بن أرقم، إلا أن الأربع الأولى استقر الأمر عليها. والوجه الثاني: أنها تبطل كما لو زاد ركعة. هذا إذا تعمد، فإن كان ساهيًا .. لم تبطل ولا مدخل للسجود هنا.

وَلَوْ خَمَّسَ إِمَامُهُ .. لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الأَصَحِّ، بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلَّمَ مَعَهُ. الثَّالِثُ: السَّلاَمُ كَغَيْرِهَا. الرَّابِعُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: تستحب الخامسة. قال: (ولو خمس إمامه .. لم يتابعه في الأصح)؛ لأن هذه الزيادة ليست مسنونة للأمام. والثاني: يتابعه لتأكد المتابعة. وكان ينبغي التعبير بالأظهر كما في (الروضة)، أو المذهب كما في (شرح المهذب). قال: (بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه) هذا تفريع على المذهب وهو: أن الخامسة غير مشروعة ولا مبطلة، فإن جعلناها مبطلة أو اعتقده المأموم .. تعينت المفارقة. ثم إذا لم يتابعه فقيل: يسلم في الحال، والأصح: يتنظره. وهذا بخلاف ما إذا قام الإمام إلى خامسة لا يجوز انتظاره؛ لأذ المتابعة في الأفعال واجبة ولا يمكن في الخامسة فتعينت المفارقة، والأذكار التي ليست محسوبة للإمام لا تلزم المتابعة فيها. قال: (الثالث: السلام)؛ لأنها صلاة وفي الحديث: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم). قال: (كغيرها) أي: في عدده وكيفيته ونية الخروج وغير ذلك، وأشار بذلك أيضًا إلى التعليل. وفي قول،: يقتصر من تسليمة وإن قلنا في غيرها تسليمتان. والأصح: أنه يقول: ورحمة الله، والواجب منه: ما يجب في غيرها، وقيل: يكفي السلام عليك. قال: (الرابع: قراءة الفاتحة) خلافًا للأمة الثلاثة.

بَعْدَ الأُولُى، قُلْتُ: تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الأُولَى، َوَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا: ما روى البخاري [1335] أن ابن عباس رضي الله عنهما صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: (فعلته؛ لتعلموا أنها سنة)، وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب (رواه الدارقطني [1/ 321] وقال: إسناده صحيح. قال: (بعد الأولى)؛ لما روى الحاكم [1/ 358] عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر على جنائزنا أربعًا، يقرأ فاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى). قال: (قلت: تجزئ الفاتحة بعد غير الأولى والله أعلم)؛ لأنه لا يظهر بذلك خلل في الصلاة، وهذا يحكى عن النص. والمراد: أنه لو أخر قراءتها إلى الثانية .. جاز. ومقتضى كلام المصنف: أنه لو أخر قراءتها إلى الثالثة أو الرابعة .. جاز أيضًا، وصرح في (شرح المهذب) بجواز أن يجمع في التكبيرة الثانية بين القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثالثة بين القراءة والدعاء للميت، ويجوز إخلاء التكبيرة الأولى عن القراءة. ونقل ابن الرفعة تعيين القراءة في الأولى عن جماعة، وبه جزم المصنف في (التبيان)، وحديث أبي أمامة الآتي يدل له لا جرم. قال الشيخ: المدرك في هذا الباب الاتباع، فينبغي أن تتعين القراءة في الأولى كما تتعين التكبيرات الأربع، إلا أن يأتي دليل بجوازها في غير الأولى. أما قراءة السورة .. فلا تستحب في الأصح، بل نقل الإمام فيه الإجماع. وقيل: تستحب سورة قصيرة؛ لحديث فيه صحيح في (مسند أبي يعلى الموصلي) [2661].

الْخَامِسُ: الصَّلاَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َبْعَد الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى الآلِ لاَ تَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (الخامس: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن الحاكم [1/ 359] روى: أنه من السنة، وقال: على شرط الشيخين، ولأنه أرجى لإجابة الدعاء. وقال محمد بن نصر: إنها سنة فيها وأقلها: اللهم؛ صل على محمد. قال: (بعد الثانية)؛ لما روي عن أبي أمامة (بن) سهل بن حنيف أنه قال: (من السنة في صلاة الجنازة أن يكبر، ثم يقرأ بأم القرآن مخافتة، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخلص الدعاء للميت، ويسلم) رواه عبد الرزاق [6428] والنسائي (بإسناد صحيح، وأبي أمامة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (والصيح: أن الصلاة على الآل لا تجب) كغيرها وأولى؛ لبنائها على التخفيف. والثاني: تجب. وجزمه بالوجهين مخالف لتردده في (الروضة) تبعًا ل (الشرح): فإنه قال: فيه قولان أو وجهان، بل قال في (شرح المهذب): قطع الجمهور بعدم الوجوب. ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقب الصلاة [على النبي صلى الله عليه وسلم) على الأصح: تقريبًا للإجابة. وهل يستحب الحمد قبل الصلاة [على النبي صلى الله عليه وسلم]؟ فيه وجهان: أرجحهما في (الروضة): نعم. والثاني: لا، وهو مقتضى كلام الأكثرين. قال في (الروضة): ولا يشترط ترتيب هذه الثلاثة لكنه الأولى. ومراده: ما يقوله بعد الثانية من حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء

السَّادِسُ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. السَّابِعُ: الْقِيَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ قَدَرَ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التّكْبيرَاتِ وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للمؤمنين وذلك واضح، ولم يرد الأركان الثلاثة: القراءة والصلاة والدعاء للميت كما توهمه بعضهم. قال: (السادس: الدعاء للميت) أي: بما يقع عليه الاسم: لأنه المقصود الأعظم منها وما قبله مقدمات له. وروي أبو داوود [3191] وابن ماجه [1497] وابن حبان [3076] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صليتم على الميت .. فأخلصوا له الدعاء). ولا بد من تخصيص الميت، وقيل: يكفي إرسال الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ويندرج الميت فيهم. قال: (بعد الثالثة)؛ لخبر أبي أمامة. ولا يختلف الأصحاب أنه لا يجزاء في غيرها، قال في (شرح المهذب): وليس لتخصيص ذلك إلا مجرد الإتباع. وهو مشكل بجواز قراءة الفاتحة في غير الأولى. قال: (السابع: القيام على المذهب إن قدر)؛ لأنها صلاة مفروضة فوجب القيام فيها كغيرها من الصلوات المفروضات. وقيل: يجوز القعود مع القدرة كالنوافل؛ لأنها ليست من فرائض الأعيان. والثالث: إن تعينت .. وجب القيام، وإلا .. فلا. قال: (ويسن رفع يديه في التكبيرات) أي: حذو المنكبين، كذا رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنس وابن عمر يفعلانه، كذا رواه البيهقي عنهما [4/ 44] ولأنها تكبيرات تفعل حال الاستقرار فأشبهت تكبيرة الإحرام. وأجمعوا على الرفع في الأولى. ويندب أن يجمع يديه بينهما ويضعهما تحت صدره. قال (وإسرار القراءة)؛ لما تقدم في حديث أبي أمامة. وعبارته قد تفهم الجهر فيما عدا القراءة، وهو في التكبيرات والسلام صحيح،

وَقِيلَ: يَجْهَرُ لَيْلًا. وَالأَصَحُّ: نَدْبُ التَّعَوُّذِ دُونَ الاِفْتِتَاحِ. وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ: (اللَّهُمَّ؛ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ ...) إِلَى آخِرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء .. فيندب الإسرار بهما اتفاقًا. قاله في (شرح المهذب). قال: (وقيل: يجهر ليلًا)؛ لأنها صلاة ليلية، وتفعل في النهار سرًا، فكانت في الليل جهرًا، كصلاة الكسوف، قاله الداركي وصححه القاضي وجماعة، وجوابه إطلاق الحديث المتقدم. قال: (والأصح: ندب التعوذ دون الافتتاح) أما التعوذ .. فللقراءة ولقصره، وأما ترك دعاء الافتتاح .. فلأنها مبنية على الاختصار. وقيل: لا يندبان؛ لطلب التخفيف. وقيل: يندبان كالتأمين. ومقتضى هذا التعليل: أنه إذا صلى على غائب أو على ميت بعدما دفن .. يستحب أن يأتي بدعاء الافتتاح لفقد المعنى الذي لأجله ترك. قال: (ويقول في الثالثة: (اللهم؛ هذا عبدك وابن عبديك ... (إلى آخره) ذكره في (المحرر) بطولة وهو: اللهم؛ هذا عبدك وابن عبديك، خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبها وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم؛ إنه نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيرًا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم؛ إن كان محسنًا .. فزد في إحسانه، وان كان مسيئًا .. فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين. وهذا الدعاء التقطه الإمام الشافعي رضي الله عنه من مجموع أحاديث وذكره في (المختصر). و (رَوح الدنيا) يفتح الراء: الفضاء والسعة. وقوله: (نزل بك ...) أي: وضيف عندك، وضيف الكريم لا يضام، وأنت

وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ: (اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرَنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ؛ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا .. فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا .. فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ خير من نزل الأضياف عنده. فإن كان الميت امرأة .. قال: إن هذه أمتك وبنت عبديك، ويأتي بضمائر المؤنثة إلى أخره. قال المصنف: ولو ذكرها على إرادة الشخص .. لم يضر، قلت: إلا في قوله: (وأنت خير منزول به) فإنه يذكر الضمير ويفرده مطلقًا، سواء كان الميت ذكرًا أو أنثى، مثَّنىً أو مجموعًا؛ لأنه عائد على الله تعالى فيذكره في كل الأحوال، وكثيرًا ما يغلط في ذلك. أما إذا لم يعرف أن الميت ذكر أو أنثى .. فينبغي أن يأتي يلفظ يتناول النوعين، ويأتي بالضمائر مذكرة باعتبار لفظ (من)، أو إرادة الشخص أو الميت، أو يأتي يلفظ الجنازة ويؤنث باعتبارها. قال: (ويقدم عليه) أي: استحبابًا اللهم؛ اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا. اللهم؟ من أحييته امنا .. فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا .. فتوفه على الإيمان رواه أحمد [2/ 368] وأبي داوود [3193] والترمذي [1024] وابن ماجه [1498] وابن حبان [3070] والحاكم [1/ 358] بإسناد صحيح من طريق أبي هريرة رضي الله عنه. وأصح حديث في الباب ما رواه مسلم [963] عن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: (اللهم؛ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار (قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وَيَقُولُ فِي الطِّفْلِ مَعَ هَذَا الثَّانِي: (اللَّهُمَّ؛ أجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ وَسَلَفًا وَذُخْرًا، وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينّهُمَا، وَأَفْرِغِ الصِّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا)، وَفِي الرَّابِعَةِ: (اللَّهُمَّ؛ لاَ َتحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويقول في الطفل مع هذا الثاني: (اللهم؛ اجعله فرطًا لأبويه وسلفًا وذخرًا، وعظة واعتبارًا وشفيعًا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، رويت بعض هذه الألفاظ عن الحسن أنه كان يقولها. و (الطفل والطفلة): الصغيران ما لم يبلغا، وجمعه أطفال، ويطلق على الواحد والجمع تقول: جارية طفل، وجاريتان طفل، وجوار طفل، وغلام طفل، وغلامان طفل، وغلمان طفل. و (الفوط): السابق المهياء في دار القرار، وفي الحديث: (أنا فرطكم على الحوض). قال الجوهري: يقال: احتسب فلان ابنًا له أو أمة له: إذا مات وهو كبير، فإن مات صغيرًا .. قيل: افترطه. هذا في الأبوين الحيين المسلمين، فلو كانا ميتين، أو كان أحدهما مسلما فقط، أو كانا كافرين بأن تبع السابي أو جده أو صححنا إسلامه استقلالًا .. لم يدع لأبويه. قال: (وفي الرابعة) أي: ندبًا ((اللهّم؛ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله كذا روي عن السلف، ويستحب تطويل الدعاء عقبها. وفي وجه: لا يستحب في الرابعة دعاء، فقد كان محمد بن يحيي يترك فيها الدعاء، كما حكاه عنه والد الرافعي. وحكى ابن أبي هريرة أن المتقدمين كانوا يقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، وهذا حسن لكنه ليس عن الإمام الشافعي رضي الله عنه.

ولَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي بِلاَ عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إِمَامُهُ أُخْرَي .. بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ (الْفَاتِحَةَ) وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ كَبَّرَ الإِمَامُ أُخْرَي قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي (الْفَاتِحَةَ) .. كَبِّرْ مَعَهُ وَسَقَطَتِ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَبِّرْ وَهُوَ فِي (الْفَاتِحَةَ) .. تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ .. تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ بَاقِيَ التَّكْبِيرَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (تحرمنا) بفتح التاء وضمها - كما ضبطه المصنف بخطه - أي: لا تحرمنا أجر الصلاة عليه. وقوله: (ولا تفتنا بعده) أي: بالمعاصي. و (الفتنة): الامتحان والاختبار تقول: فتنت الذهب: إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته. قال: (ولو تخلف المقتدي بلا عذر فلم يكبر حتى كبر إمامه أخري .. بطلت صلاته)، لأن القدوة في هذه الصلاة لا تظهر إلا بالتكبيرات، فالتخلف بتكبيرة يشبه التخلف بركعة، ولم يبين الشيخان العذر. والظاهر: أن النسيان عذر، وعدم سماع التكبير عذر، وهل الجهل عذر؟ فيه نظر. قال: (ويكبر المسبوق ويقرأ (الفاتحة (وإن كان الإمام في غيرها)؛ لأن ما أدركه المسبوق أول صلاته، فيراعي ترتيب نفسه في القراءة والدعاء. قال: (فلو كبر الإمام أخرى قبل شروعه في (الفاتحة) .. كبر معه وسقطت القراءة) كما لو ركع الإمام في سائر الصلوات عقب إحرام المسبوق .. فإنه يركع معه وتسقط القراءة عنه. قال: (وإن كبر وهو في (الفاتحة) .. تركها وتابعه في الأصح) الوجهان كالوجهين في سائر الصلوات إذا ركع الإمام في أثناء (الفاتحة)، وقد تقدم بيانه. قال: (وإذا سلم الإمام .. تدارك المسبوق باقي التكبيرات)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم .. فأتموا).

بِأَذْكَارِهَا، وَفِي قَوْلٍ: لاَ تُشْتَرَطُ الأَذْكَارُ. وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلاَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وخالفت تكبيرات العيد حيث لا يأتي بما فاته منها؛ فإن التكبيرات هنا بمنزلة أفعال الصلاة فلا يمكن الإخلال بها، وفي العيد سنة فسقطت بفوات محلها. قال: (بأذكارها) أي: حتمًا في محتومها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صل ما سبقك، واقض ما فاتك)، ولأن الحاجة إلى الأذكار تقتضي الإتيان بها كما جازت الصلاة على الغائب. قال: (وفي قول: لا تشترط الأذكار)؛ لأن الجنازة ترفع بعد سلام الإمام فليس الوقت وقت تطويل. والخلاف قولان لا وجهان، ومحلهما: إذا رفعت الجنازة، فإن تيقن بقاءها أو كانت على غائب .. فيأتي بالأذكار قطعًا صرح به المحب الطبري، ولذلك قال الأصحاب: يستحب إبقاء الجنازة حتى يتم المقتدون. ولا يضر رفعها قبله، لأنه: (يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء). وحكي الروياني عن والده وجهين في جواز الصلاة على الجنازة وهي محمولة قبل أن توضع. قال: (وتشترط شروط الصلاة) من ستر وطهارة واستقبال؛ لأنها صلاة شرعية فعموم الأدلة يشملها. وقال أبو حنيفة: تصح بالتيمم مع وجود الماء إذا خاف فوتها لو اشتغل بالوضوء، وهو قول جماعة من السلف ورواية عن أحمد. وقال محمد بن جرير الطبري - تبعا للشعبي والشيعة -: تصح من غير طهارة مع إمكان الوضوء والتيمم؛ لأنها دعاء. قال الماوردي: وهو قول خارق للإجماع لا يلتفت إليه، ووهم ابن العربي في (شرح الترمذي) فنقل ذلك عن ابن جرير والشافعي؛ فتصحف عليه الشعبي بالشافعي.

لاَ الْجَمَاعَةِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلاَثَةٌ، َوِقيلَ: أَرْبَعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشترط فيها أيضًا ما سيأتي في آخر الباب من تقديم الغسل، وعدم التقدم على الجنازة الحاضرة. قال: (لا الجماعة) فليست شرطًا فيها كسائر الصلوات، وهذا لا خلاف فيه. وقد روى البيهقي [4/ 30] عن أبن عباس رضي الله عنهما قال: (لما صلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أدخل الرجال فصلوا عليه إرسالًا لم يؤمهم أحد). قال الشافعي: وذلك لعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه. قال: (ويسقط فرضها بواحد)؛ لحصول الفرض به، ومن هنا يعلم أنها فرض كفاية وهو إجماع، ويستحب الإكثار من عدد المصلين. قال: (وقيل: يجب اثنان)؛ لحصول الاجتماع بهما، وهو بناء على أن ذلك أقل الجمع. قال: (وقيل: ثلاثة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي مات وعلية دين: (صلوا على صاحبكم)، وهذا خطاب للجمع والثلاثة أقله. والمصنف حكاه هنا وجهًا تبعا ً ل (المحرر)، وحكاه في (الروضة) قولًا وهو منصوص (الأم)، والذي صححه قول أيضا، والثالث والرابع وجهان، ففي المسألة قولان ووجهان. قال: (وقيل: أربعة) كعدد الحامل لها، ورد بأن الحمل بين العمودين يحصل بثلاثة. ولو زاد المصلون على ذلك .. فصلاة الجميع تقع فرضًا؛ لأن بعضهم ليس أولى من بعض.

وَلاَ تَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ فِي الأَصَحِّ. وَيُصَلَّي عَلَى الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ويحتمل أن يقال: هو كمسح المتوضئ جميع رأسه دفعة واحدة، وقد تقدم ما فيه. قال: (ولا تسقط بالنساء وهناك رجال في الأصح)، وكذا لو كان هناك رجل واحد أو صبي على الأصح؛ لأن فيه استهانة بالميت، ولأن دعاء الرجال أقرب إلى الإجابة، وأهليتهم إلى العبادة أكمل. والثاني: تسقط؛ لصحة صلاتهن وجماعتهن. فروع: إذا لم يحضر إلا النساء .. توجه الفرض إليهن ويصلين للضرورة منفردات. قال المصنف: وينبغي أن تسن لهن الجماعة كما في غيرها. وقال في (العدة): يستحب لهن أن يصلين على المرأة جماعة. وصرح المصنف بأن صلاتهن مع الرجال نافلة؛ لأنهن لم يدخلن في الفرض إذا حضر الرجال. والخنثى كالمرأة على الأصح. والأصح: سقوط الفرض بصلاة الصبيان المميزين، بخلاف رد السلام. ووقع في (مناسك) المصنف تصحيح مقابله وهو سبق قلم. وصلاة الزائد على ما يسقط به الفرض في وقوعه فرضًا أو نفلًا وجهان كما لو مسح المتوضئ رأسه دفعة واحدة وقد تقدم. قال: (ويصلى على الغائب عن البلد) خلافا لأبي حنيفة ومالك. لنا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الناس وهو بالمدينة بصوت النجاشي في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اليوم الذي مات فيه، ثم خرج بهم إلى المصلى فصلى عليه وكبر أربعة) رواه الشيخان [خ 1318 – م 951]، وكان ذلك في شهر رجب سنة تسع، وفي حديث ضعيف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على معاوية بن معاوية بتبوك). ولا فرق بين أن يكون البلد بعيدًا أو قريبًا، في جهة القبلة أو غيرها, لكن المصلي يستقبل القبلة، وسواء صلي عليه أم لا. وقال الخطابي: لا يصلي عليه إلا أنا كان في موضع لم يصل عليه فيه كما وقع للنجاشي. واحترز بـ (الغائب عن البلد) عن الحاضر معه فيه؛ فإنه لا يصلي عليه في الأصح كبرت البلد أم صغرت؛ لأن ذهابه إليه متيسر. وهل تشرع للمحبوس بالبلد الصلاة على من مات بها؟ فيه نظر، وإطلاقهم صريح في المنع من ذلك. والظاهر: الجواز، وبه صرح ابن أبي الدم؟ لأنهم قد عللوا المنع كما تقدم بتيسر الذهاب إليه. وفي معناه: إذا قتل إنسان ببلد وأخفي قبره عن الناس. غريبة: قال أبو الحسين بن القطان: إن صلاة الغائب وإن جازت لا تسقط الفرض. ومراده: أنها لا تسقط الفرض عن أهل بلد الميت؛ لأن فرض الكفاية تعلق بهم. فرع: يجوز أن يصلي على الأموات الذين ماتوا في يومه أو سنته وغسلوا في أقطار الأرض ولا يعرف عينهم؛ لأن الصلاة على الغائب جائزة وتعيينهم غير شرط.

وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ, وَتَصِحُّ بَعْدَهُ، وَالأَصَحُّ: تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجب تقديمها على الدفن)؛ لأنه المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده. فلو دفن من غير صلاة .. أثم الدافنون وكل من توجه عليه فرض الصلاة من أهل تلك الناحية بلا خلاف, لكن لا ينبش القبر بل يصلى عليه كما سيأتي. ويسقط الفرض بالصلاة على القبر. وعن الشيخ أبي إسحاق المروزي: لا يسقط وهو غلط. قال: (وتصح بعده)؛ لأن مسكينة يقال لها: أم محجن ماتت ليلًا فدفنوها وكرهوا أن يوقظوا النبي صلى الله عليه وسلم, فصلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبرها من الغد, رواه النسائي [4/ 40] وغيره بإسناد صحيح، وفي (الصحيحين) [خ 458 – م 956]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة أو رجل كان يَقُمُّ المسجد)، و (أنه صلى على قبر منبوذ) [خ 857 – م 954]. قال: (والأصح: تخصيص الصحة بمن كان من أهل فرضها وقت الموت)؛ لأنه يؤدي فرضًا خوطب به, وأما غيره .. فمتطوع وهذه الصلاة لا يتطوع بها. والثاني: أنه يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه يوم موته، وصححه في (الشرح الصغير). فعلى الوجهين: من لم يولد عند الموت أو لم يكن مميزًا .. لم يصل، ومن كان مميزًا صلى على الثاني دون الأول، ومن كان حينئذ كافرا أو حائضًا .. يصلي إذا أسلم أو طهر قاله الإمام والغزالي. قال في (شرح المهذب): وهو مخالف لظاهر كلام الأصحاب, قال: وقد صرح المتولي بأن الكافر لا يصلي.

وَلاَ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أنه يصلى على القبر إلى ثلاثة أيام دون ما بعدها، وبه قال أبو حنيفة. والرابع - وبه قال أحمد -: يجوز إلى شهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على البراء بن معرور بعد شهر، وصلى ابن عمر على أخيه بعد شهر، وصلت عائشة على قبر أخيها عبد الرحمن بعد شهر, ولا يعرف لهما مخالف. والخامس: ما بقي منه شيء في القبر, فإن انمحقت أجزاؤه .. لم يصل عليه. وإن شك في الانمحاق .. فالأصل البقاء. والسادس: يصلى عليه أبدًا, لأن المقصود من الصلاة الدعاء وهو مطلوب في كل وقت. وفي (الصحيحين) [خ 4042 – م 2296]: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين). قال ابن الرفعة: والظاهر: أنها الصلاة الشرعية لا اللغوية؛ لأن أبا داوود [3215] روى: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم صلاته على الميت)، وسيأتي في غسل الشهيد والصلاة عليه بيان هذا الحديث والجواب عنه. قال: (ولا يصلى على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال)، وكذا قبر غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لما روى البخاري [1330] ومسلم [529]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال أبو الوليد النيسابوري وجماعة: تجوز فرادى لا جماعة، وكان يقول: أنا أصلي على قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين، وقطع بهذا الوجه القاضي أبو الطيب والمحاملي ورجحه الشيخ أبو حامد. تتمة: اختلفوا في تعليل النهي عن الصلاة على قبره صلى الله عليه وسلم:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل: خشية الفتنة. فعلى هذا: يمتنع اليوم وفي زمن الصحابة. وقيل: حكمه حكم غيره. فعلى هذا: يمتنع اليوم على الوجه الأول والثاني والثالث والرابع, ولا يمتنع على السادس وهو قول أبي الوليد النيسابوري ومن وافقه، وأما على الخامس .. فـ (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) كما رواه النسائي في (كتاب الجمعة) [3/ 91]، فينبغي أن يجوز إذا قلنا: حكمه حكم غيره، لكن الأصحاب قالوا: لا يجوز، واستدل له الرافعي ومن تبعه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث)، وهو باطل لا أصل له. لكن روى البيهقي عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، لكنهم يصلّون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور. ولما كان صلى الله عليه وسلم لا يصلى على قبره .. تأخر لذلك دفنه إلى أثناء ليلة الأربعاء؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما مات .. صلوا عليه أفنادًا. قال في (الفائق): أي: جماعات بعد جماعات. قيل: حصر المصلون فإذا هم ثلاثون ألفًا، ومن الملائكة ستون ألفًا؛ لأن مع كل واحد ملكين. لكن وقع في (الإحياء) في (الباب الثالث في أعمال الباطن في القراءة): (أن النبي صلى الله عليه وسلم مات عن عشرين ألفًا من الصحابة، لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم)، ولعله أراد: عشرين ألفًا في المدينة، وإلا .. فقد روى أبو زرعة الرازي: (أنه صلى الله عليه وسلم مات عن مئة ألف وأربعة عشر ألفًا، كلهم صحبه وروى عنه وسمع منه.

فَرْعٌ: الْجَدِيدُ: أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَتِهَا مِنَ الْوَالِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فرع: الجديد: أن الولي أولى بإمامتها من الوالي)؛ لأن معظم الغرض هنا الدعاء للميت، ومن اختص بمزيد شفقة .. كان دعاؤه أقرب إلى الإجابة. وفي القديم: الوالي أولى ثم إمام المسجد ثم الولي كسائر الصلوات، وهو قول الأئمة الثلاثة وابن المنذر وأكثر العلماء. واستدل له البيهقي [4/ 29] بأن الحسن لما مات .. قال الحسين لسعيد بن العاصي وهو يطعن في عنقه: (تقدم، فلولا أنها السنة .. ما قدمتك). ومحل الخلاف: إذا لم يخف الفتنة من الوالي، فإن خيف ذلك .. قدم قطعًا. ولو وصى أن يصلي عليه أجنبي .. فطريقان: أظهرهما: القطع بتقديم القريب. والثانية: وجهان -كالوجهين فيمن أوصى أجنبيًا على أولاده والجد حي - ثانيهما: تقديم الموصى له - وبه أفتى محمد بن يحيى في جواب مسائل سأله عنها والد الرافعي - لأنه قدم لنفسه شفيعًا كتفريق الثلث. وروي ذلك عن عائشة وأم سلمة وابن سيرين وأحمد, واحتج له بوصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما، وعمر لصهيب رضي الله عنهما، وعائشة لأبي هريرة رضي الله عنهما. وأجاب الأصحاب بأن أولياءهم أجازوا ذلك. وقال مالك: إن كان الموصى له ممن يرجى دعاؤه أكثر من القريب .. قدمت الوصية. وإذا أوصى أن يدفن في المقبرة الفلانية .. أفتى القفال بأنه كما لو أوصى أن يصلي

فَيُقَدَّمُ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْأَخُ - وَالأَظْهَرُ: تَقْدِيمُ الأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الأَخِ لِأَبٍ - ثُمَّ ابْنُ الأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعُصْبَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الإِرْثِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فلان .. لا يلزم الورثة امتثال ذلك لكن يستحب. قال: (فيقدم الأب، ثم الجد وإن علا) بخلاف الميراث؛ نظرًا إلى الشفقة، والمراد بـ (الجد): أبو الأب. قال: (ثم الابن, ثم ابنه) أي: وإن سفل. قال: (ثم الأخ)؛ تقديمًا للأشفق فالأشفق. قال: (والأظهر: تقديم الأخ لأبوين على الأخ لأب)؛ لزيادة القرب والشفقة كما في الميراث. والثاني: لا، بل يستويان؛ لأن الأمومة لا مدخل لها في إمامة الرجال, فلم يبق إلا قرابة الأب وهما فيها سواء. وأجاب الأول بأنها صالحة للترجيح وإن لم تصلح للاستقلال. وأجيب بأن لها مدخلًا في الصلاة على الميت في الجملة؛ لأنها تصلي مأمومة ومنفردة وإمامة بجنسها. وكان ينبغي التعبير بـ (المذهب) كما في (الروضة) و (شرح المهذب). ويجري الطريقان في ابني عم أحدهما أخ لأم ونحو ذلك. قال: (ثم ابن الأخ لأبوين، ثم لأب، ثم العصبة على ترتيب الإرث)؛ لما تقدم من أن المقصود الدعاء وهؤلاء أرجى للإجابة. واندرج في عبارته الولاء، فبعد انقراض العصبة من النسب يقدم المعتق ثم عصبته على ذوي الأرحام. وقال شارح (التعجيز): يقدمون عليه. وقد سبق في غسل الميت: أن شرط التقدم فيه: أن لا يكون به مانع من الإرث في نفسه، والقياس هنا كذلك.

ثُمَّ ذَوُو الأَرَحَامِ. وَلَوْ اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ .. فَالأَسَنُّ الْعَدْلُ أَوْلَى عَلَى النَصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم ذوو الأرحام)، فيقدمون على الأجانب لما فيهم من الشفقة، فيقدم جد الأم ثم أخ الأم ثم الخال ثم العم للأم. وتحرر من كلام المصنف .. أن الزوج لا مدخل له في الصلاة على المرأة وهو كذلك، بخلاف النسل والتكفين والدفن. وفي (شرح المهذب) وجه: أنه يلي ويكون مقدمًا على المعتق. قال: (ولو اجتمعا في درجة .. فالأسن العدل أولى على النص)؛ لأن دعاء الأسن أقرب إلى الإجابة. واستدل الرافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يرد دعوة ذي الشيبة المسلم). وفي (عمل اليوم والليلة) للنسائي [838] عن طلحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام). وفي (صحيح ابن حبان) [559] و (الحاكم [1/ 62] عن ابن عباس مرفوعًا: (البركة مع أكابركم) قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ويقابل النص قول مخرج: أن الأفقه والأقرأ يقدم كغيرها من الصلوات. والفرق: ما تقدمت الإشارة إليه من أن مقصود صلاة الجنازة الدعاء، وسائر الصلوات محتاجة إلى الفقه لوقوع الحوادث فيها, إلا أن تقديم الأسن مشروط بالعدالة. واحترز بـ (العدل) عن الفاسق والمبتدع؛ فإنهما كالعدم. والمعتبر في (السن): الماضي في الإسلام، فإذا استويا في السن .. قدم الأفقه

وَيٌقَدَّمُ الْحُرُّ الْبّعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ. وَيَقِفُ عِنْدَ رَاسِ الْرَّجُلِ وَعَجُزِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والأقرأ والأورع؛ لأنه أفضل ودعاؤه أكمل, وسيأتي في آخر الباب أنهما إذا استويا .. يقرع بينهما. ولو استناب أفضل المتساويين في الدرجة .. اعتبر رضا الآخر في أقيس الوجهين. ولو غاب الأقرب واستناب .. فنائبه أحق من البعيد الحاضر. قال: (ويقدم الحر البعيد على العبد القريب)؛ لكماله واختصاصه بأهلية الولاية. والثاني: يقدم العبد لقربه. والثالث: يستويان، ويجري الخلاف في عبد فقيه مع حر غير فقيه، والأصح عند المصنف: تقديم الحر. والصبيان أولى من النساء، والعبد البالغ أولى من الصبي الحر؛ لأن المكلف أحرص على تكميل الصلاة، وتصح الصلاة خلفه بالإجماع بخلاف الصبي. ومسألة الكتاب ليست في (المحرر)؛ إنما فيه: أن الحر أولى من العبد. ولعل المصنف ذكر هذه؛ لتؤخذ منها تلك من باب أولى. ولأن عبارة (المحرر) يرد على إطلاقها المكاتب القريب والعبد القريب؛ فإنهما أولى من الحر الأجنبي. قال: (ويقف عند رأس الرجل وعجزها) أي: استحبابًا؛ لأن أنسًا رضي الله عنه صلى على رجل فقام عند رأسه، وعلى امرأة فقام عند عجزها وقال: (هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه أبو داوود [3187]، وحسنه الترمذي [1034]. وفي (الصحيحين) [خ 332 – م 964]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها) والمعنى فيه: محاولة سترها عن الناس.

وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلاَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو علي الطبري: يقف عند صدر الرجل. كل هذا في الإمام والمنفرد، وأما المأموم .. فيقف في الصف حيث كان, ولذلك عبر في (المحرر) بقوله: ويقف الإمام. والخنثى هنا كالمرأة قاله في (شرح المهذب). و (عجيزة المرأة) بفتح العين وكسر الجيم: ألياها. ولا يقال للرجل: عجيزة، بل يقال: له عجز، وقد تقدم في (باب صفة الصلاة) في حديث البراء: أنه رفع عجيزته في السجود، فاستعارها للرجل. قال: (وتجوز على الجنائز صلاة)؛ لأن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ماتت هي وولدها زيد الأكبر ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في يوم واحد فصلى عليهما دفعة واحدة, وجعل الغلام مما يلي الإمام، وهو سعيد بن العاصي, وفي القوم ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة رضي الله عنهم فقالوا: (هذا هو السنة) رواه أبو داوود [3186] والنسائي [4/ 71] بإسناد صحيح، وروى البيهقي [4/ 33] عن ابن عمر أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء, فجعل الرجال مما يلي الإمام, والنساء مما يلي القبلة. والأفضل: إفراد كل جنازة بصلاة إن أمكن؛ لأنه أكثر عملًا وليس هو تأخيرًا كثيرًا. وقال المتولي: الأفضل: أن يصلي عليهم دفعة واحدة؛ لتعجيل الدفن. وإذا صلي عليهم .. فالمذهب: أن الجميع يُجعلون بين يدي الإمام بعضًا خلف بعض، والأفضل فالأفضل مما يلي الإمام، والمفضول مما يلي القبلة، فيقرب الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء. ويقدم عند اتحاد النوع بالورع وسائر الصفات المذكورة في الصلاة, لا بمجرد الحرية؛ لأن الرق يزول بالموت. فإن استويا في جميع الصفات .. قدم برضا الورثة ثم بالقرعة. كل هذا إذا جاءت الجنائز دفعة واحدة، فإن تعاقبت .. قدم الأسبق وإن كان

وَتَحْرُمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ. وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ .. صُلِّيَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مفضولًا إن اتحد النوع، فإن اختلف .. قدم الرجل ثم الصبي وأخرت المرأة، والأصح: أن الصبي لا ينحى لأجل الرجل. وإن كانت الجنائز كلهم خناثى .. جعلوا صفًا واحدًا رأس كل واحد عند رجل الأخر, ويجعلهم الإمام عن يمينه ويقف عند محاذاة آخرهم. وولي السابقة أولى بالإمامة، فإن انتفي السبق .. أقرع بين الأولياء. قال: (وتحرم على الكافر) حربيًا كان أو ذميًا؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}، ولأن الكافر لا يجوز له الدعاء بالمغفرة؛ فإن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به. قال: (ولا يجب غسله)؛ لأنه كرامة وتطهير وليس من أهلهما، لكنه يجوز لما روى البيهقي [3/ 398] عن علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يذهب إلى أبيه فيغسله ويكفنه). وقال مالك وأحمد: ليس للمسلم غسله. قال: (والأصح: وجوب تكفين الذمي ودفنه)؛ وفاء بذمته كما يكسى في حياته, وينبغي أن يقطع بوجوب ثوب واحد. والمعاهد كالذمي. والثاني: لا يفعل به ذلك؛ لبطلان ذمته بموته، ونقله القاضي حسين عن معظم الأصحاب. واحترز بـ (الذمي) عن الحربي ومن في معناه كالمرتد. والزنديق، فلا يجب تكفينهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء قتلى بدر في القليب على هيئتهم. وفي وجوب دفنهم وجهان، الأصح: أنه لا يجب, بل يجوز إغراء الكلاب عليهم، لكن الأولى مواراتهم؛ لئلا يتأذى الناس برائحتهم. قال: (ولو وجد عضو مسلم علم موته .. صلي عليه)؛ لأن الصحابة صلوا على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد لما ألقاها طائر بمكة حين مات في وقعة الجمل عرفوها بخاتمه, وذلك مشهور في السير. رواه الزبير بن بكار والإمام الشافعي رضي الله عنه بلاغًا. واختلف في الموضع الذي ألقاها فيه، فقيل: اليمامة, وقيل: المدينة، وقيل: مكة. واختلفوا في الطائر، فقيل: نسر، وقيل: عقاب. وصلى عمر رضي الله عنه على عظام بالشام, وصلى أبو عبيدة رضي الله عنه على رؤوس القتلى بها. وسواء لطف العضو أو كثف. وقال أبو حنيفة: لا يصلى عليه إلا إذا وجد أكثر من النصف؛ ليكون الأقل تابعا للأكثر. والمراد بـ (الصلاة عليه): الصلاة على المسلم الذي هذا بعضه, فينوي الصلاة على جملة الميت، وقيل: على العضو. واحترز بـ (العضو) عن الشعر والظفر ونحوهما، فلا يصلى عليهما عند الأكثرين كما قاله في (شرح المهذب)؛ لأنه لا حرمة لها. وبهذا جزم في: (البحر). لكن قال في (الروضة) تبعًا لـ (الشرح): أقرب الوجهين: أنها كالعضو فيصلى عليها، إلا الشعرة الواحدة؛ فإن صاحب (العدة) قال: لا يصلى عليها. قال الشيخ: وكلام الأصحاب كالتصريح في أن هذه الصلاة على جهة الوجوب, وهو ظاهر إذا كان الميت لم يصل عليه, أما إذا علم أنه صلي عليه .. فهل نقول: تجب حرمة له كالجملة أو لا؟ فيه احتمال.

وَالسِّقْطُ إِنِ اسْتَهَلَّ أَوْ بَكى .. كَكَبِير، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: والحق أن هذه صلاة على غائب كما صرح به الإمام. ولا يبعد الدعاء للعضو؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم، وليديه فاغفر). وإذا شرعت الصلاة .. فلا بد من غسل الموجود ومواراته بخرقة كذا في (الشرح) و (الروضة)، ومقتضاه: أنه لا فرق في الموجود بين أن يكون من العورة أو من غيرها. وبناه الماوردي على أن الواجب ساتر العورة أو جميع البدن وهو ظاهر. والمذهب: أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن. واحترز بما (علم موته) عما إذا لم تعلم حياته ولا موته، وعما إذا علم أنه من حي كيد السارق؛ فإنه لا يصلى عليه على المشهور. وأما شعر الحي وظفره .. فيندب دفنه فقط، وكذلك يوارى دم الفصد والحجامة والعلقة التي تلقيها المرأة, فرع: لو وجد ميت أو بعضه ولم يعلم أنه مسلم أو كافر .. فهو كاللقيط، إن وجد في دار الإسلام .. عومل معاملة المسلم، أو في دار الشرك ولا مسلم فيها .. فكالكافر، وإن كان فيها مسلم .. فعلى الخلاف. قال: (والسقط إن استهل أو بكى .. ككبير)؛ لأنا تيقنا موته بعد حياته. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا استهل الصبي .. ورث وصلى عليه) صححه ابن حبان [6032] والحاكم [1/ 363]، لكن الصحيح: أنه موقوف على جابر، وفي (الترمذي) [1031] حديث حسن: (الطفل يصلى عليه)؛ ولأنه ثبت له حكم الدنيا في الإسلام والميراث والدية وغيرها.

وَإِلَّا: فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَاخْتِلاجٍ .. صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الأَظْهَرِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن المنذر: وهو إجماع، وفيه نظر؛ فإنه نقل عن سعيد بن جبير: أنه لا يصلى على صبي لم يبلغ. وقال بعضهم: إن صلى الصبي .. صلي عليه بعد موته، وإلا .. فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ولده إبراهيم، وأيضًا الصلاة لطلب المغفرة ولا ذنب للصبي. وأجاب الجمهور بأنه صح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ولده) وقولهم: لا يصلى على من لا ذنب له .. ممنوع؛ لأن الصحابة صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا المجنون يصلى عليه. و (السقط) بكسر السين وضمها وفتحها: الولد النازل قبل تمامه، مأخوذ من السقوط. قال الخليل: يقال: سقط الولد من بطن أمه، ولا يقال: وقع. و) استهلال الصبي) ك رفع صوته بالبكاء، وكل شيء ارتفع صوته فقد استهل، ومنه: الإهلال بالحج: وهو رفع الصوت به. وسيأتي أن (البكاء) المقصود: دمع العين، وإنما جمع المصنف بينهما؛ لأن كلا منهما دليل تيقن الحياة. ويكون تكفينه في هذه الحالة وتحنيطه كما في الكبير. قال: (وإلا: فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج .. صلي عليه في الأظهر). المراد: إذا لم تتيقن حياته باستهلال وغيره، لكن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج .. صلى عليه لظهور احتمال الحياة بسبب الأمارة الدالة عليها. والثاني: لا يصلى عليه؛ لعدم تيقن الحياة. ويغسل قطعًا، وقيل: فيه القولان، ولا خلاف أنه يجب دفنه.

وَإِنَّ لِمَ تُظَهِّر، وَلَم يُبْلَغ أَرْبَعَة أَشْهَر .... لِمَ يَصْلَ عَلِيّهُ، وَكَذا إِن بَلَّغَها ِفي الأَظْهَر. وَلا يُغَسِّل الشَهِيد وَلا يُصَلَّى عَلِيّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن لم تظهر، ولم يبلغ أربعة أشهر ... لم يصل عليه) هذا مجمع عليه، وفي غسله طرق: أصحها: لا يغسل أيضًا كما لا يصلى عليه. والثانية: يغسل؛ تطهيرًا له. والثالية: قولان. قال: (وكذا إن بلغها في الأظهر)؛ لعدم تيقن الحياة، فلا تجب الصلاة عليه، بل ولا تجوز؛ لمفهوم الحديث السابق. والثاني: نعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة) رواه داوود (3172) والترمذي (1031) وقال: حسن صحيح، ولأن الروح تنفخ فيه حينئذ كما ثبت في الحديث الصحيح. أما إذا لم تظهر فيه خلقة .... فتكفي مواراته كيف كانت. ويعد ظهور خلقته حكم التكفين حكم الغسل، فحيث لم يوجب الغسل ... لم يجب هذا في تمام الكفن. أما المواراة بخرقة .... فاتفقوا علي وجوبها بعد بلوغه إمكان نفخ الروح أوجبنا الغسل أم لا، وأما الدفن ... فيجب قولًا واحدًا. قال: (ولا يغسل الشهيد ولا يصلي عليه)؛ لأنه حي بنص القرآن. فيحرم غسله والصلاة عليه، سواء كان رجلًا أو امرأة، صغيرا أو كبيرًا، حرًا أم عبدًا، ولو مجنونًا؛ لما روى البخاري (1343) عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا). قال الإمام الشافعي رضى الله عنه: جاءت الأحاديث من وجوه متوارة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليهم)، ولم يصح حديث يخالف ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما حديث عقبة بن عامر الذي في (الصحيحين) (خ 1344 - م 3296): (أن النبي صلى الله علية وسلم خرج فصلى على قتلى أحد صلاته علي الميت)، وفي رواية للبخاري (4042): (بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات) ... فالمراد: أنه دعا لهم كدعائه للميت. والإجماع يدل علي هذا التأويل؛ لأن عندنا لا يصلى علي الشهيد، وعند الخصم وهو أبو حنيفة: لا يصلى علي القبر بعد ثلاثة أيام كما تقدم. وأما حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى علي قتلى أحد عشرة عشرة، وفي كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة) ... فضعيف. رواه أبو داوود مرسلًا (سيل 438)، وهو خطأ؛ لأن شهداء أحد كانوا اثنين وسبعين، فلا تزيد الصلاة على سبع أو ثمان، ولا تزيد التكبيرات علي اثنتين وثلاثين؛ لأن عندنا وعندهم: التكبيرات أربع. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: ينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيي على نفسه، ولأن الشهيد طهره القتل والله غفر له، ويأتي يوم القيامة وكلمه يدمى: اللون لون الدم , والريح ريح المسك. وقال المزني: يصلى على الشهيد ولا يغسل. واتفقوا على أن الغسل إذا أدى إلى إزالة الدم ... حرم. وسمي شهيدًا؛ وقيل: لأنه يشهد الجنة حال موته وغيره يشهدها يوم القيامة، وقيل: لأنه يشهد على الأمم المتقدمة، وقيل: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه شهد ما أعد الله له من الكرمة بالقتل، وقيل: لأن دمه شاهد له بالإيمان وحسن الخاتمة.

وَهُوَ مَن ماتَ في قُتّال الكُفّار بِسَبَبِهِ، فَإِنَّ ماتَ بَعْدِ انقضائه , أَو ِفي قُتّال البُغاَة ... فَغَيْر شَهِيد ِفي الأَظْهَر , ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو من مات في قتال الكفار بسببه) كما إذا تردى عن فرسه، أو عاد عليه سلاحه، أو وجد قتيلًا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته، سواء كان عليه أثر الدم أم لا. وخالف القفال في (الفتاوي) فقال: إذا لم يعلم هل قتل أو مات حتف أنفه ... فليس بشهيد. وجزم الشيخان بخلافه، بل قال في (شرح المهذب): لا خلاف عليه. أما لو أسر الكفار مسلمًا وقتلوه صبرًا ... ففي ثبوت حكم الشهادة له بترك الغسل والصلاة وجهان، أصحهما: لا. قال: (فإن مات بعد انقضائه , أو في قتال البغاة ... فغير شهيد في الأظهر). أما الأول ... فلأنه عاش بعد انقضاء الحرب، فأشبه ما إذا مات بسبب آخر. والقول الثاني: نعم؛ لأنه مات بجرح وجد في الحرب فأشبه ما لو مات قبل انقضائه. وقيل: إن مات عن قرب ... فشهيد، وإلا ... فلا. وصورة المسألة: أن يقطع بموته من تلك الجراحة ويتصل ألمها بالموت، فإن انقضت الحرب وليس فيه إلا حركة مذبوح ... فشهيد قطعًا , وإن كان يتوقع البقاء ... فلا قطعا ً. وأما المقتول من أهل العدل في قتال البغاة ... فلأنه قتيل مسلم فأشبه المقتول في غير القتال. واحتجوا له بأن أسماء غسلت ابنها عبد الله بن الزبير ولم ينكر عليها أحد. والقول الثاني: نعم كالمقتول في معركة الكفار.

وَكَذا ِفي القَتّال لا بِسَبَبِهِ عَلَى المُذَهَّب ـــــــــــــــــــــــــــــ واحتجوا له بأن عليًا لم يغسل من قتل معه، وأوصي عمار أن لا يغسل، وقد قيل: إن عليًا صلى عليه. وإن كان المقتول من أهل البغي ... فليس بشهيد قطعًا. قال: (وكذا في القتال لا يسببه علي المذهب) كما إذا مات فجأة أو بمرض، وقيل: قولان أصحهما ليس بشهيد. ويغسل الصائل والمرجوم في الزنا والمقتول قصاصًا وولد الزنا، ويصلى عليهم بلا خلاف. فائدة: الشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في حكم الدنيا - في ترك الغسل والصلاة - وفي الآخرة، وهو: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. والثاني: شهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من قاتل رياء وسمعة وقتل، والمقتول مدبرًا أو وقد غل من الغنيمة، فلا يغسل ولا يصلى عليه، وليس له من ثواب الشهيد الكامل في الآخرة وقيل: إن الفار ليس بشهيد؛ لأن الفرار من الكبائر. والثالث: شهيد في الأخرة فقط، وهم: المبطون والمطعون ومن قتله بطنه والغريق والحريق واللديغ وصاحب الهدم، والميت بذات الجنب أو محمومًا، ومن قتله مسلم أو ذمي، أو باغ في غير القتال، فهؤلاء شهداء في الآخرة لا في الدنيا، لأن عمر وعثمان رضى الله عنهما غسلا وهما شهيدان بالاتفاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك الميت غريبًا، وطالب العلم إذا مات على طلبه، والمرأة تموت بسبب الولادة ومن عشق فعف ومات، فكل هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم، وهم شهداء في الدار الآخرة، كذا قاله الرافعي وغيره. وأما حديث: (المبطون شهيد)، (الغريق شهيد) ... فهما في (صحيح مسلم) (1951). وأما حديث: (الغريب شهيد) ... فرواه الدارقطني من رواية ابن عباس وصححه في (علله).

وَلُو اسْتَشْهَدَ جَنَّبَ ... فَالأَصَحّ: أَنَّهُ لا يُغَسِّل، وَأَنَّهُ تُزال نَجاستهُ غَيْر الدَمّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث: (الميت عشقًا شهيد) أعله ابن عدي والبيهقي والحاكم وغيرهم، وهو أحد ما أنكر علي سويد بن سعيد. قال يحى بن معين: لو كان لي سيف وترس أو فرس ورومح .. لكنت أغزوه لذلك. قال: (لو استشهد جنب .. فالأصح: أنه لا يغسل) أي: عن الجنابة، وكذلك منقطعة الحييض قبل الأغتسال؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (زملوهم في كلومهم) ولأنها طهارة عن حدث فقط حكمها بالشهادة كغسل الميت. وعلى هذا: يكون الغسل حرامًا. والثاني - وهو قول أبي إسحاق وابن أبي هريرة -: يجب الغسل؛ لأن الشهادة إنما تؤثر في غسل وجب بالموت، وهذا الغسل كان واجبًا قبله، ولا خلاف أنه لا يغسل بينة غسل الموت، والخلاف إنما هو في غسل الجنابة. واستدل لهذا الوجه بأن حنظلة بن الراهب قتل بأحد جنبًا فغسلته الملائكة. رواه ابن حبان (7026) والحاكم (3/ 204)، وفي (المستدرك) (3/ 195) أيضًا: أن حمزة استشهد جنبًا فغسلته الملائكة، وقال: صحيح الإسناد. وأجاب الأول بأنه لو وجب ... لما سقط إلا بفعلنا. قال الأصحاب: ولا خلاف علي الوجهين أنه يصلى عليه، كذا في (الشرح) و (الروضة)، وفي (شرح المهذب) وجه شاذ: أنه يصلى علي كل شهيد، فيأتي هنا. قال: (وأنه تزال نجاسته غير الدم) أي: وجوبًا، سواء لزم إزالتها إزالة دم الشهادة أم لا. ومراده ب (الدم): دم الشهادة فلا يزال؛ لأنه أثر العبادة فيبقي.

وَيُكَفِّنَ ِفي ثِيابهُ المُلَطَّخَة بِالدَمّ فَإِنَّ لِمَ بِكِن ثَوَّبَهُ سابِغا ... تَمَّمَ : فَضْل أُقِلّ القَبْر: حُفْرَة تَمْنَع الرائِحَة وَالسُبْع ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يحرم إزالتها؛ للنهي عن غسله. والثالث: إن أدت إزالتها إلى إوالة أثر الشهادة ... لا تزال، وإلا ... أزيلت فالقاتل بهذا الوجه يجعل ذلك موكولًا إلى تحرى الغاسل وظنه. قال: (ويكفن في ثيابه الملطخة بالدم)؛ لما روى أبو داوود (3125) - بإسناد حسن - عن جابر رضي الله عنه قال: (رمي رجل بسهم فمات، فأدرج في ثيابه كما هو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). وتكفينه فيها على جهة الاستحباب، فلو أراد الوارث أن يكفنه في غيرها ... جاز؛ لأنه لا يفوت بها تعظيم ولا يزول أثر الشهادة بخلاف الصلاة والغسل. قال: (فإن لم يكن ثوبه سابغًا .. تمم) أي: يجب إتمام الكفن الواجب على ما سبق؛ لقصة مصعب بن عمير المتقدمة. فإن كانت ثيابه سابغة ... اكتفي بها وكانت هي الكفن، وكلام الغزالي يقتضي: أن الكفن زائد عليها. تتمة: ينزع عن الشهيد الحديد والجلود والجبة المحشوة وما ليس من لباس العادة، ويدفن في بقية ثيابه وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك: لا ينزع عنه شئ من ذلك. لنا: ما روى أبو داوود (3126): (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم). قال: (وفصل: أقل القبر: حفرة تمنع الرائحة والسبع) تقدم أن الدفن فرض كفاية، وهو مما أكرم الله به الإنسان؛ لئلا يطرح كسائر السباع فتنهك حرمته ويتأذي الناس برائحته،

وَيَنْدُب: أَن يُوَسِّع وَيُعْمِق قامَة وَبَسْطَة، وَاللَحْد أُفَضِّل مَن الشَقّ إِن صَلَّبَت الأَرْض، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: والغرض من ذكر هذين المعنيين، إن كانا متلازمين، بيان فائدة الدفن، وإن لم يكونا متلازمين بيان أنه تجب رعايتها فلا يكفي أحدهما. واحترز عما إذا وضع علي الأرض وجعل عليه حجارة ونحوها بحيث تكتم رائحته، والأصح على ما دل عليه كلام الرافعي في (باب قطع السرقة) ... أنه لا يكفي إذا لم يتعذر الحفر؛ لأن ذلك مع عدم التعذر لا يسمى دفنًا. وسيأتي حكم الفساقي عند قوله: (ولا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة). و (السبع): واحد السباع. قال: (ويندب: أن يوسع ويعمق)؛ لما روى أبو داوود (3207) والترمذي (1713) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار يوم أحد: (أوسعوا وأعمقوا). ويستحب أن يزاد في السعة من قبل رأسه ورجليه؛ لحديث فيه صحيح في (سنن أبي داوود) (3325) و (مسند أحمد) (5/ 408). و (التوسعة): الزيادة في النزول، وهو بالعين المهملة. قال: (قامة وبسطة)؛ لما روي ابن المنذر عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى بذلك ولم ينكره أحد، ولأنه أبلغ في المقصود. والزيادة عليه غير مأثور. والمراد: قامة رجل معتدل يقوم ويبسط يديه مرفوعة، وقدر ذلك عند المصنف والجمهور: أربعة أذرع ونصف، وجزم المحاملي والرافعي بأنه ثلاثة ونصف، وعن الجويني: ثلاثة أذرع فقط. قال: (واللحد أفضل من الشق إن صلبت الأرض): لما روى مسلم (966) عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي مات فيه: (الحدوا لى لحدا ً، وانصبوا

وَيُوضَع رَاسهُ عَنِدَ رَجَّلَ القَبْر، وَيَسُلّ مَن قَبِلَ رَاسهُ بِرِفَق، وَيَدْخُلهُ القَبْر الرِجال، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ علي اللبن نصبًا، كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم). وذلك أنه عليه الصلاة والسلام لما مات ... كان بالمدينة أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وأبو طلحة يزيد بن سهل يلحد كأهل المدينة، فاختلفوا كيف يصنع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فوجه العباس رجلين: أحدهما لأبي عبيدة، والآخر لأبي طلحة وقال: (اللهم؛ خر لنبيك) فحضر أبو طلحة فلحد له، رواه ابن ماجه (1628) من راوية أنس بإسناد صحيح. وروى أبو داوود (3200) والترمذي (1045): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللحد لنا، والشق لغيرنا) لكنه ضعيف. و (اللحد) بضم اللام وبفتحها والحاء ساكنة فيهما: الحفر من جانب القبر. و (الشق) بفتح الشين المعجمة: أن يحفر في أرض القبر كالنهر ويبني جانباه، ويوضع الميت فيه، ثم يسقف عليه، ويرفع السقف قليلًا بحيث لا يمس الميت، وتسد شقوقه بقطع اللبن - قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: ورأيتهم بمكة يضعون عليها الإذخر ثم يصبون عليها التراب - ويسمى الشق: ضريحًا. فإن كانت الأرض رخوة ... فالشق أفضل؛ لتعذر اللحد من خشية الاهيار. وقال المتولي: اللحد أفضل مطلقًا. قال: (ويوضع رأسه عند رجل القبر، ويسل من قبل رأسه برفق)؛ لعمل المهاجرين والأنصار والذين من بعدهم في سالف الأعصار. قال: (ويدخله القبر الرجال) رجلًا كان الميت أو المرأة؛ لأنهم أقوى ولا يخشي عليهم انكشاف العورة. و (قد أمر النبي صلي الله عليه وسلم أبا طلحة أن ينزل في قبر إحدى بناته) رواه البخارى (1285).

وَأَوْلاهُم: الأَحَقّ بِالصَلاَة عَلِيّهُ. قَلَت: إِلّا أَن تَكُون امْرَأَة مزوجة فَأَوْلاهُم الزَوْج، وَاللّاه أَعْلَمَ. وَيَكُونُونَ وَتْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتولي النساء حل ثيابهم في القبر، وحملها من المغتسل إلى الجنازة، وكذلك تسليمها لمن في القبر. قال: (وأولاهم: الأحق بالصلاة عليه) أي: من حيث الدرجة والقرب، لا من حيث الصفات؛ لأن الأسن مقدم علي الأفقه في الصلاة، والأفقه مقدم علي الأسن في الدفن نص عليه واتفقوا عليه. والمراد هنا ب (الأفقه) الأعلم بإدخال الميت القبر، لا أعلمهم بأحكام الشرع، فيدقم الأقرب فالأقرب. قال: (قلت: إلا أن تكون امرأة مزوجة فأولاهم الزوج والله أعلم)؛ لأنه أحق بمباشرتها في الحياة. وقيل: يقدم الأب. وقيل: هما سواء. وعلي الأول: بعد الزواج المحارم: الأب، ثم الجد، ثم العم، ثم عبيدها فهم أحق من بني العم إن قلنا: إنهم كالمحارم في النظر وهو الأصح، كذا قاله الشيخان وهو مشكل؛ لأنه تقدم أن الأصح: أن الأمة لا تغسل سيدها لانقطاع الملك، فالذي قالاه لا يأتي إلا على وجه ضعيف، وهو: تجويز النظر والغسل والخلوة؛ استصحابًا لما كان. قال: (ويكونون وترًا)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفنه علي والعباس والفضل، صححه ابن حبان (2633)، وقيل: كانوا خمسة بزيادة قثم وشقران، ولأن ذا النجادين وهو عبد الله بن عبد نهم بن عفيف المزني لما توفي بتبوك نزل النبي صلى الله عليه وسلم في القبر، وقال لأبي بكر وعمر: (أدنيا إلي أخاكما)، فلما وضعه على شقه في اللحد قال: (اللهم؛ إني قد أمسيت عنه راضيًا فارض عنه) قال ابن مسعود: ليتني كنت صاحب الحفرة.

وَيُوضَع في اللَحْد عَلَى يَمِينهُ لِلقِبْلَة ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويوضع في اللحد علي يمينه) كما فعل برسول الله عليه وسلم، وهذا مندوب إليه كالأحياء , قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتيت مضجعك .. فتوضأ وضوءك للصلاة , ثم اضطجع على شقك الأيمن) متفق عليه (خ 247 - م 2710). فلو وضع على يساره .... كره ولم ينبش. وقضية كلام الإمام: أن ذلك حرام. ولو حذف لفظة (في اللحد) ... كان أعم؛ لأنه يفعل به في الشق كذلك. قال: (للقبلة) هذا محتم عند الجمهور، فيحرم أن يدفنوه إلى الكعبة كما تقدم أول الباب. وفي وجه ضعيف: أن الاستقبال مستحب. فرع: ماتت كافرة وفي جوفها جنين مسلم ... جعل ظهرها إلى القبلة ليتوجه الجنين إليها. وأين تدفن هذة المرأة؟ فيه أربعة أوجه: أحدها: في مقابر المسلمين؛ لما روى الدارقطني (2/ 75) والبيهقي (4/ 58) عن عمر رضي الله عنه أنه أمر في ذمية ماتت وفي بطنها جنين مسلم بذلك.

وَيَسْنُد وجهه إِلَى جِدارهُ، وَظَهَرَهُ بِلِبْنَة وَنَحْوها، وَيُسَدّ فَتَح اللَحْد بِلُبْن، وَيَحْثُو مَن دِننا ثَلاث حثيات تُراب، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: في مقابر المشركين، فتدفع إلى أهل ملتها ليلوا غسلها ودفنها وحكي عن النص. والثالث: تدفن في طرف مقابر المسلمين. والرابع - وهو الأصح -: أنها تدفن في غيرهما. ولا يخفي أن المسألة مصورة بما إذا نفخ فيه الروح، فإن كان قبله .. دفنت كيف شاء أهلها؛ لأنه حينئذ لا يسمى جنينًا، ولا يجب دفنه فاستقباله أولى. قال: (ويسند وجهه إلى جداره)؛ حتى لا ينكب. قال: (وظهره بلبنة ونحوها)؛ لئلا يستلقي على قفاه. قال: (ويسد فتح اللحد بلبن)؛ لأن ذلك تمام الدفن. وفي (صحيح مسلم) (966) عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: (انصبوا علي اللبن نصبًا). و (قد نقل أن اللبنات التي وضعت في قبر النبي صلى الله عليه وسلم تسع). وتكون اللبنات قائمة، وتسد الفرج بقطع من اللبن، والشقوق بحشيش أو طين ونحوه. قال: (ويحثو من دنا حيثيات تراب) أي: من تراب القبر، ويكون ذلك من قبل رأس الميت؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم حثا من قبل رأس القبر ثلاثًا، رواه ابن ماجه (1565) بإسناد جيد عن أبي هريرة، ورواه أبو داوود مرسلًا (سيل 420). وروي العقيلي (4/ 354) بإسناد ضعيف: (من حثا علي قبر مسلم أو مسلمة ... كتب الله له بكل ترابة حسنة). ويستحب أن يحثو باليدين جميعًا، وأن يقول في الأولى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ}

ثُمَّ يُهال بِالمَساحِي، وَيَرُفّ القَبْر شِبْرا فَقَّطَ، وَالصَحِيح: أَن تَسْطِيحهُ أَوْلَى مَن تُسَمِّينَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الثانية: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ)، وفي الثالثة: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} ول يحدوا الدنو من القبر، وكأنه راجع إلى العرف أو من هو على طرف القبر كما صرح به المتولي، وظاهر كلامه: إنه خاص بمن دنا من القبر. لكن قال ابن الرفعة: إنه مستحب لكل من حضر. يقال: حثا يحثو ثلاث حثيات وحثوات. قال: (ثم يهال بالمساحي) أي: يصب؛ لأنه أسرع إلى الإكمال. يقال: هاله وأهاله. و (المساحي) بفتح الميم: جمع مسحاة - بكسرها -: كالمجرفة إلا أنها لا تكون إلا من حديد، والميم زائدة؛ لأنها من السحو وهو: الكشف والإزالة. قال: (ويرفع القبر شبرًا فقط) أي: ندبًا؛ ليعرف فيزار ويحترم. وروى ابن حبان (6635) عن جابر رضي الله عنه: (أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك). واستثني الشيخان تبعًا للمتولي ما إذا مات مسلم ببلاد الكفار؛ فإن قبره لا يرفع؛ كيلا يتعرض له الكفار. ويدل له قصة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وينبغي أن يلحق به ما إذا كان في موضع يخاف نبشه لسرقة كفنه. ورفعه فوق شبر مكروه أو خلاف الأولى. ويستحب أن يزاد على التراب الذي خرج منه. قال: (والصحيح: أن تسطيحه أولى من تسمينه)؛ لما روى أبو داوود (3212) والحاكم (1/ 369) عن القاسم بن محمد بن أبي بكر: (أنه رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر رضى الله عنهما لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء).

وَلا يَدْفِن اثْنانِ ِفي قَبَرَ إِلّا لَضَرُورَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المشرف): المرتفع ارتفاعًا كثيرًا. و (اللاطئ) بالهمز: اللاصق بالأرض. ولا يعارضه ما رواه البخاري (1390) عن سفيان التمار قال: (رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنما؛ لأنه كان أولًا مسطحًا كما رواه القاسم، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عيد الملك - وقيل: في زمن عمر بن عبد العزيز - وأصلح ... جعل مسنمًا والوجه الثاني - وهو قول ابن أبي هريرة -: الأفضل اليوم التسنيم دون التسطيح؛ لأنه صار شعار الروافض. قال: (ولا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة) كما إذا كثر الموتي أو القتلي بطاعون أو هدم أو غيرهما وعسر إفراد كل ميت بقبر ... فيدفن الاثنان والثلاة في القبر كقتلى أحد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بجمع الأثنين والثلاثة في قبر لكثرة القتلي. وعبارة الكتاب موافقة لـ (المحرر)، وفي بعض نسخ (المنهاج): (ويحرم)، ولفظ (الروضة) و (الشرح): والمستحب في حال الاختبار أن يدفن كل ميت في قبر، ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا لتأكد الضرورة. وعبارة الشرحين: ولا يجوز. وكذلك ظاهر عبارة (المهذب). قال الشيخ: الذي تحرر أنها ثلاث مسائل: إحداها: ابتداء دفن اثنين من نوع - كرجلين - أو امرأتين - فيكره بلا ضرورة. الثانية: ابتداء دفن رجل وامرأة، والذي يظهر فيها التحريم في غير المحارم والسيد والزوج.

فَيُقَدِّم أُفَضِّلهُما. وَلا يُجْلَس عَلَى القَبْر، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالثة: نبش ميت ليدفن معه آخر، فهذا حرام ما لم يبل جميع الأول بقول أهل الخبرة، فإن حفره فوجد فيه عظام ... طمه ولم يتم حفره، فإن رآها بعد إتمام الحفر ... جعلها في جنب القبرة ودفن الميت معاها. قال: وأما الفساقي التي تعمل في هذا الزمان لجمع الموتى ... ففيه إدخال ميت على ميت وهو حرام؛ لما فيه من هتك الأول وظهور رائحته، فيجب إنكار ذلك بل في الاكتفاء به في الدفن الواجب نظر من وجهين: أحدهما: أنها ليست علي هيئة الدفن المعهود شرعًا. والثاني: أنها ليست معدة لكتم الرائحة. قال: (فيقدم أفضلهما) إلى القبلة؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسأل في قتلى أحد عن أكثرهم قرآنا فيقدمه إلى اللحد. ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا لتأكد الضرورة. وقال ابن الصباغ: إذا كان بينهما زوجية أو محرمية ... فلا منع. ويجعل بين الرجال والنساء حاجز من تراب، وكذا بين الرجلين والمرأتين على الصحيح. ويقدم الأب علي الابن وإن كان الابن أفضل، وتقدم الأم علي البنت، ويقدم الابن علي الأم. ويظهر أن الخنثى مع الخنثى كذكر مع أنثى. قال: (ولا يجلس على القبر) أي: محترم لما روى مسلم (971) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر). وفيه أيضا ً (972): (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).

وَلا يُوطَأ، وَيَقْرَب زائِرهُ كَقُرُبهُ مِنهُ حَيّا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن العلماء من فسر الجلوس بالحدث وهو حرام بالإجماع، ومنهم من فسره بملازمة القعود عليه، ونص الشافعي على كراهة الجلوس. ويكره - أيضًا - الاستناد والاتكاء عليه كما نقله في زوائد (الروضة) عن الأصحاب. وجزم في آخر (كتاب الجنائز) من (شرح مسلم) و (رياض الصالحين) بتحريم ذلك. قال: (ولا يوطأ): لنهي رسول الله عليه وسلم عن ذلك، كما صححه الترمذي (1025). أما إذا مضت مدة يتيقن فيها أنه لم يبق من الميت شيء ... فلا بأس أن ينتفع بالأرض؛ لأنه لم يبق له بعد البلى حرمة. لكن يستثني ما إذا دعت الضرورة إلى الوطء، كما إذا كان لا يصل إلى قبر ميته إلا بوطء غيره فيسعه ذلك، وفي (الكافي): أنه يجوز وطوه لضرورة الدفن. قال: (ويقرب زائره كقربه منه حيًا)؛ احترامًا له وفي (رياض الصالحين): ولا يستلم القبر بيده ولا يقبله، ويسلم عليه من جهة وجهه، فإذا دعا ... استقبل القبلة. وقال الخراسانيون: يستحب استقبال وجه الميت حالة الدعاء أيضًا. فرع: إذا مات إنسان في سفينة .... وجب على من فيها غسله وتكفينه والصلاة عليه، ثم إن كان الساحل قريبًا .... حمل إليه ودفن، وإن كان بعيدًا .... شدوه بين لوحين؛ لئلا ينتفخ، وألقوه في البحر؛ ليلقيه البحر إلي الساحل لعله يقع إلى قوم يدفنوه، فإن كان أهل الساحل كفارًا ... ثقل بشيء ليرسب.

وَالتَعْزِيَة سُنَّة قَبِلَ دَفَنَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: العجب من الرافعي - مع جلالة قدره - كيف حكي هذه المسألة على هذا الوجه؟ وكأنه قلد فيها صاحب (المهذب) والمستظهري، وهو خلاف النص، وإنما هو مذهب المزني؛ لأن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال: يلقى بين لوحين ليقذفه البحر. قال المزني: هذا محله إذا كان أهل الساحل مسلمين، فإن كانوا كفارًا .. ثقل بشيء ليرسب إلى القرار. وقال الأصحاب: الذي قاله الإمام الشافعي أولى. وقال أحمد: يثقل ويلقى في البحر مطلقًا حتى يحصل في قعره. قال: (والتعزية سنة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عزى أخاه بمصيبة ... كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة) رواه الترمذي وفيه (1073)، وفي (سنن ابن ماجه) (1602) من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عزى مصابًا ... فله مثل أجره) قال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم، قال: وروي أيضًا موقوفًا، قال: ويقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم بهذا الحديث نقموا عليه. وكذلك قال البيهقي، وفي (سننه) (4/ 59): (أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلًا في ولد له مات). و (التعزية): التصبر، وعزيته: أمرته بالصبر، والعزاء بالمد: الصبر. قال الشاعر (من المتقارب): إذا النائبات (من المتقارب): إذا النائبات بلغن النهي .... وكادت بهن تذوب المهج وجل البلاء وقل العزا .... فعند التناهي يكون الفرج قال: (قبل دفنه)؛ لأنه وقت شدة الجزع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الاولي).

وَبِعَدّهُ ثَلاثَة أَيّام. وَيَعْزِي المُسَلَّم بِالمُسَلَّم: (أَعْظَمَ اللّاه أَجْركِ، وَأَحْسَنَ عَزاءكِ، وَغَفَرَ لَمَيِّتكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وتأخيرها إلى ما بعد الدفن حسن. قال: (وبعده ثلاثة أيام)؛ لأن الغالب أن الحزن بعدها يسكن، فيكره حينئذ لأنه يجدد الحزن. وابتداؤها من الدفن قاله في (شرح المهذب)، وقيل: من الموت قاله الماوردي وصححه في (الكافي)، والثلاث تقريب. هذا إذا كان المعزي والمعزي حاضرين، فإن كانا غائبين .. فإنها تستحب ولو بعد ثلاث. وقال الشيخ محب الدين الصبري: تعزية الغائب عند قدومه. وهل يختص بحالة الحضور أو تشرع الثلاث؟ لم أر فيه نقلا ً , والظاهر: مشروعية الثلاث بعد الحضور؛ لما روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما قدم مكة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشهر جاءه أهل مكة يعزونه. وقيل: لا أمد للتعزية. وقال أبو حنيفة: يعزى قبل الدفن لا بعده. والمستحب أن يعزى أهل البيت الكبير والصغير، الرجال والنساء، لكن لا يعزي الشابة إلا محرم لها. قال: (ويعزى المسلم بالمسلم: (أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك)؛ لأن ذلك لائق بالحال.

وَبِالكافِر: (أَعْظَمَ اللّاه أَجْركِ وَصَبَّرَكَ)، وَالكافِر بِالمُسَلَّم: (غَفْر اللّاه لَمَيِّتكَ وَأَحْسَننَ عَزاءكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، ودركًا من كل فاتت، فبالله فتقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. وري الحاكم (3/ 273) عن معاذ أنه مات له ابن، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلينا من مواهب الله عز وجل الهينة، وهواريه المستردة، متعك الله به في غبطة وسرور، وقبضه منك بأجر كبير، الصلاة والرحمة والهدى إن احتسبته، فاصبر ولا يحبط جزعك أجرك فتندم، واعلم أن الجزع لا يرد شيئًا، ولا يدفع حزنًا، وما هو نازل فكأن قد والسلام) ثم قال: حديث غريب حسن إلا أن فيه مجاشع بن عمرو وليس من شرط هذا الكتاب. ولما دفن معاوية وجلس ابنه في الملك .... دخل عليه عطاء بن أبي صيفي الثقفي فقال: يا أمير المؤمنين؛ أصبحت قد رزنت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله، وقد قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه، وقد أعطيت بعده الرئاسة، ووليت السياسة، فاحتسب عند الله أعظم الرزية، واشكره على أفضل العطية. قال: (وبالكفار) كما يعزي المسلم بالكافر الذمي (أعظم الله أجرك وصبرك)، وفي (مختصر المزني): (وأخلف عليك)؛ لأنه لائق بالحال. ولا يقال له: غفر الله لميتك؛ لأن الاستغفار للكافر حرام. قال: (والكافر بالمسلم: (غفر الله لميتك، وأحسن عزاءك))، وإنما قدم ههنا الدعاء الميت؛ تقديما للمسلم، وهو أحسن مما صنعه صاحب (التنبيه). وينبغي في هذين القسمين أن يقتصر على الجواز، ولا يستحب إلا إذا رجي إسلام الكافر المعزي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقال في تعزية الدمي بالذمي: أخلف الله عليك، ولا نقص عددك. وعلل الأصحاب ذلك بأن فيه نفعا ً للمسلمين في الدنيا بتكثير الجزية، وفي الآخرة بالفداء من النار. وتظهر فائدة العلتين إذا كان الميت حربيًا: فإن قلنا: العلة تكثر الجزية .... لا يعزي بذلك، وإن قلنا: الفداء من النار .... عزي بذلك ..... وليست مسألة الحربي منقولة. واختار في (شرح المهذب): ترك ذلك؛ لأنه دعاء ببقاء الكافر ودوام كفره. فائدة: قال أهل اللغة وغيرهم: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو شئ يستعاض: (أخلف الله عليك) أي: رد عليك مثل ما ذهب، فإن كان قد هلك له والد أو عم أو أخ يقال: (خلف الله عليك) - بغير ألف - أي: كان الله خليفة والدك - أو من فقدته - عليك. غريبة: قال الحسن البصري: من الأدب أن لا يعزى الرجل في زوجته. وروي: أن عبيد بن زياد سأل أبا بكة نفيع بن الحارث عن موت الأهل .... فقال: موت الأب قاصمة الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت الزوجة حزن ساعة. ولما عزي النبي صلى الله عليه وسلم في ابنته رقية .... قال: (الحمد لله دفن البنات المكرمات) رواه العسكري في (الأمثال) عن ابن عباس، وابن عدي (2/ 278) في ترجمة حميد بن حماد بن أبي الخوار التميمي الكوفي قال: وهو ثقة يحدث عن الثقات، عن مسعر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.

وَيُجَوِّز البَكّاء عَلِيّهُ قَبِلَ المَوْت وَبِعَدّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: يكره الجلوس للتعزية، قيل: وأول من جلس لها عبد الله بن المبارك لما ماتت أخته .... دخل عليه بعض جيرانه فقال: حق علي العاقل أن يفعل في أولل يوم ما يفعله الجاهل بعد ثلاث! فأمر عبد الله بطي البساط وترك التعذية. وقال ابن الفركاح: لا كراهة في الجلوس لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه نعي زيد وجعفر وابن رواحه ...... جلس يعرف في وجهه الحزن. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وأكره المأتم - وهي: الجماعة - وإن لم يكن لهم بكاء؛ فإن ذلك يكلف الحزن ويجدد المؤنة. ويكره الأكل من طعام المأتم. قال: (ويجوز البكاء عليه قبل الموت) بالإجماع؛ ففي (الصحيحين) (خ 1303 - م 2315) أن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان إبراهيم يجود بنفسه جعله في حجره وعيناه تذرفان، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله تبكي! أو لم تنه عن البكاء؟ فقال: (يا ابن عوف؛ إنها رحمة) ثم أتبعها بأخري وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون). وعاد صلى الله عليه وسلم سعد بن عباده فبكى وقال: (إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم) وأشار إلى لسانه، رواه مسلم (924). قال: (وبعده)؛ لما روى مسلم (976): (أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله). وفي (الشرح) و (الروضة) و (الشامل) وغيرها: أنه بعد الموت مكروه، وكلام بعضهم قد يفهم التحريم.

وَيَحْرِم النَدْب بِتَعْدِيد شَمائِلهُ، وَالنَوْح، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل في (شرح المهذب) عن الجمهور: أنه بعد الموت خلاف الأولى. قال الشيخ: وينبغي أن يقال: إن كان البكاء لرقة على الميت وما يخشى عليه من عذاب الله وأهوال يوم القيامة .... فلا يكره خلاف الأولى، وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء ... فيكره أو يحرم. وأما إذا غلب البكاء .... فلا يوصف بكراهة، لكن الأولى أن لا يبكي بخضرة المحتضر. و (البكاء): يمد وبقتصر، إذا مددت: أردت الصوت الذي مع البكاء، وإذا قصرت: أردت الدموع وخروجها. قال كعب بن مالك (من الوافر): بكت عيني وحق لها بكاها .... وما يغني البكاء ولا العويل ووهم الجوهري في نسبته لحسان. قال: (ويحرم الندب بتعديد شمائله) يقال الميت؛ أي: بكاء وعدد محاسنه، يندبه ندبًا، والاسم: الندبة وذلك كقولهم: يا قاتل الأقران! يا حامي الديار! يا كفاه! يا جبلاه! و (الشمائل) جمع شمال علي وزن هلال وكتاب وهو: ما اتصف به الشخص من الطباع كالكرم والبخل والشجاعة والجبن وغير ذلك. روى البخاري (4268) عن النعمان بن بشير أنه قال: (أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي: واجبلاه! واكذا واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه). قال: (والنوح) وهو: رفع الصوت بذلك، إنه كلام منظوم يشبه الشعر. وأطلق القاضي أبو الطيب وابن الصباغ عليهما الكراهة.

وَالجُزْع بِضَرْب صَدْرهُ وَنَحْوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح: أنهما محرمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والتي تجاوبها، وفي (الصحيحين) (خ 4892 - م 936) عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (النائحة إذا لم تنب قبل موتها .... تقام يوم القيامة وعليها سريال من قطرات ودرع من جرب) رواه مسلم (934). (السربال): القميص. وكنى به عثمان عن الخلافة في قوله: (لا أخلع سربالًا سربلينه الله). و (درع المرأة): قميصها. و (الجرب) بئر تعلو أبدان الناس. قال: (والجزع بضرب صدره ونحوه) كنشر الشعر وشق الجيب وتسويد الوجه وإلقاء التراب أو الرماد علي الرأس، وكل واحد من هذه الأشياء حرام بمفرده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) متفق عليه (خ 1294 - م 103)، ولأن ذلك يشبه التظلم من الظالم، وهو عدل من الله سبحانه وتعالى. ومتى حصل شئ من هذة الأشياء .. فإثمه على فاعله خاصة؛ لقوله تعالي: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وما أحسن قول شيخنا الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمة الله (من الطويل): ولو جاز فرط الحزن لم يستفد به .... فما بالنا لا نستفيد ونأثم وأما ما ورد في (الصحيح) (خ 1288 - م 928) عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) أو قال: (ببعض بكاء الحي) .... فمحمول عند الجمهور على ما إذا أوصى به كقول طرفه (ديوانه 118 من الطويل): إذا مت فانعيني بما أنا أهله .... وشقي علي الجيب يا ابنة معبد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال لبيد (ديوانه 73 - 74 من الطويل): فقوما وقولا بالذي قد عرفتما .... ولا تخشما وجهًا ولا تحلقا شعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما .... ومن يبك حولًا فقد اعتذر قال الرافعي: ولك أن تقول ذنب الميت يحمل على الحرام والأمر به، فوجب أن لا يختلف عذابه بالامتثال وعدمه. وقيل: المراد ب (العذاب): التألم قال محمد بن جرير والقاضي عياض، وقيل: التوبيخ، وقيل: مخصوص بالميت الكافر قاله الشيخ أبو حماد؛ لقول عائشة رضي الله عنها: رحم الله (ابن) عمر ما كذب ولكن أخطأ ونسي إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على يهودية وهم يبكون عليها فقال: إنهم يبكون وإنها لتعذب ببكاء أهلها)، وقيل: إذا ندبوه بشيء من المحرمات. قال المصنف: وأجمعوا على أن المراد بالبكاء هنا: إذا اقترن به ارتفاع صوت ونياحة، لا مجرد دمع العين. وتكره المرائي. فروع: لا يكره المشي علي المقابر بالنعلين علي المشهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

قَلَت: هاذِهِ مَسائِل مَنْثُورَة: يُبادِر بِقَضاء دَيِّن المَيِّت ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنه ليسمع خفق نعالهم). وما ورد من الأمر بإلقاء النعلين السبتيتين في (أبي داوود) (3222) و (النسائي) (4/ 96) بإسناد حسن يحتمل أن يكون: لأنهما من لباس المترفين، أو أنه كان فيهما نجاسة. و (النعال البيتة) بكسر السين: المدبوغة بالقرظ. ويستحب خفض الصوت في السير بالجنازة ومعها , وأن لا يشتغل المشيع بشيء عن التفكير فيما هو لاقيه وصائر إليه، قال سعد بن معاذ: ثلاثة أشياء قويت عليها: ما مشيت في جنازة قط إلا وكنت مفكرًا فيما يقال لها وما به تجيب، ولا صليت صلاة فحدثت فيها نفسي بشيء من أمور الدنيا، ولا بلغتني سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عملت بها. واتباع النساء الجنائز قيل: حرام، والصحيح في زوائد (الروضة): أنه مكروه. ويستحب لمن مرت به جنازة أن يدعو لها، وأن يثني عليها خيرًا إن كان أهلًا، وأن يقول: سبحان الحي الذي لا يموت أو سبحان الملك القدوس. قال: (قلت: هذه مسائل منثورة: يبادر بقضاء دين الميت)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه الإمام الشافعي رضي الله عنه (أم / 279) والترمذي (1079) وابن ماجه (2413) والحاكم (2/ 26) وابن حبان (2066).وليكن ذلك قبل تجهيزه. فإن لم يكن في التركة جنسه بأن كانت عقارًا ونحوه .... قال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأبو حامد: يسأل وليه غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه، وفيه إشكال لا يخفي. قال المصنف: فيحتمل أنهم رأوا هذه الحواله مبرئة هنا للحاجة والمصلحة. وقال القاضي أبو الطيب: يتوصل إلى أن يحيل غرماء الميت على من للميت عليه دين وهذا أقرب.

وَوَصَّيتُهُ، وَيَكْرَهُ تُمَنِّي المَوْت لَضَرَّ نَزْل بِهِ لا لُفتُنَّهُ دَيِّن ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: إنما تكون الذمة بدينه إذا لم يخلف تركه يتعلق بها الدين. ويدل له ما روى أبو داوود (2335) عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم الذنوب عند الله عز وجل أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله تعالى عنها: أن يموت رجل عليه دين لم يدع له قضاء). قال: (ووصيته)؛ مسارعة إلى وصول الثواب له البر، وذلك مندوب بل واجب عند طلب الموصى له المعين، وكذا عند التمكن في الوصية للفقراء ونحوهم من ذوي الحاجات. قال: (ويكره تمني الموت لضر نزل به)؛ لما روى البخارى (5671) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان ولا بد فاعلًا .... فليقل: (اللهم؛ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لى، وتوفني ما كانت خيرًا لي). قال: (لا الفتنة دين) كما إذا فسد الزمان، فحينذ لا يكره بل قال المصنف في (الفتاوى) التي له غير مشهورة: إنه في هذه الحالة يستحب، وحكي ذلك عن أبي ملسم الخولاني وهمر بن عبد العزيز وغيرهما. قال الشيخ: والأحسن في هذه الحالة الدعاء بما في الحديث فإنه يحصل به المقصود، والله تعالي هو العالم بحقائق الأمور وعواقبها. وأما التمني لغرض أخروي كتمني الشهادة في سبيل الله ... فمحبوب, وقد قال عمر رضي الله عنه: (اللهم؛ إنه رق عظمي - أي: ضعف - وانتشرت رعيتي، فتوفني غير مقصر ولا عاجز). قال أصبغ: سمعت أشهب يحدث أن عمر بن عبد العزيز كان لا يبلغه شيء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أحب أن يعمل به، حتى بلغه أن عمر رضي الله عنه دعا على نفسه بالموت فدعا به، فما لبث جمعة حتى مات. وصح عن معاذ أنه تمناه في طاعون عمواس.

وَيُسِنّ التَداوِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما تمني نبي الموت إلا يوسف عليه الصلاة والسلام). والجواب: أنه إنما تمني الوفاة علي الإسلام لا الموت، ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (وإذا أردت بالناس فتنة ... فاقبضني إليك غير مفتون). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل علي القبر فيقول: يا ليتني مكانه؛ لما يرى من الفتن). هذا في غير من بشر بالجنة، أما المبشر بها ... فيحب الموت ويهواه ويتمناه؛ فقد كان علي رضي الله عنه يقول: (لا أبالي سقط الموت علي أو سقطت عليه)، وكان حذيفة رضي الله عنه يتمني الموت، فلما احتضر قال: (حبيب جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم) يعني: علي التمني، وقال عمار رضي الله عنه بصفين: (اليوم ألقى الأحبة، محمدًا وحزبه)، وكان كل واحد من العشرة يحب الموت ويحن إليه. قال: (ويسن التداوي)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تداووا؛ فإن الله تعالى لم يضع داء إلا له دواء غير الهرم) رواه الأربعة، وقال الترمذي: حسن

وَيَكْرَهُ إِكْراههُ عَلِيّهُ. وَيُجَوِّز لَأَهْل المَيِّت وَنَحْوهُم تقبيل وَجْههُ. وَلا بَأَسَ بِالإِعْلام بِمَوْتهُ لِلصَلاَة وَغَيْرها، ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام في الشونيز: (عليكم بهذه الحبة السوداء؛ فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام) يريد: الموت، وروى ابن حبان (6075) والحاكم (4/ 196) عن ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنزل الله داء ... إلا أنزل له دواء، جهله من جهله وعلمه من علمه، فعليكم بألبان البقر؛ فإنها ترم من كل الشجر) أي: تأكل. فإن ترك التداوي توكلًا ... فهو فضيلة، وفي (فتاوي ابن البرزي): أن من قوي توكله .... فالترك له أولى، ومن ضعفت نفسه وقل صبره .... فالمداواة له أفضل. وفيما ادعاه نظر؛ فإن سيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم تداوي ونقل القاضي عياض الإجماع على عدم وجوب التداوي. قال: (ويكره إكراه عليه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تكرهوا مرضاكم علي الطعام والشراب؛ فإن الله يطعمهم ويسقيهم) رواه أبو داوود وابن ماجه (3444) من حديث عقبة بن عامر. قال: (ويجوز لأهل الميت ونحوهم تقبيل وجهه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، وهو يبكي، رواه الترمذي (989) وغيره، وهو أول من دفن بالبقيع، وفي (البخاري) (4457): (أن أبا بكر رضى الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته). قال الشيخ: ينبغي أن يكون لهم مستحبًا، ولغيرهم جائزا ً، ول يقتصر الجواز عليهم. وفي (الروضة) في (أول النكاح): لا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح، وقيل: يكره، وقيل: يستحب للقريب دون غيره. قال: (ولا بأس بالأعلام بموته للصلاة وغيرها)؛ لما روى البخاري عن ابن عباس رضي عنهما: أن إنسانًا مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فدفنوه

بِخِلاف نَعْي الجاهِلِيَّة. وَلا يَنْظُر الغاسِل مَن بَدَنهُ إِلّا قَدْر الحاجَة مَن غَيْر العَوْرَة. وَمَن تُعْذَر غِسْلهُ ... يَمَّمَ، وَيَغْسِل الجَنْب وَالحائِض المَيِّت بَلًّا كَراهَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ ليلًا، فلما أصبح ... أخبروه به فقال: (ما منعكم أن تعلموني؟) قالوا: كان الليل والظلمة فكرهنا أن نشق عليك، فأتي قبره فصلى عليه). وفي (الصحيحين) (خ 1245 - م 951): (أنه صلى الله عليه وسلم نعى لأصحابه النجاشي في اليوم الذي مات فيه). واختلف الأصحاب في النداء علي الميت فقيل: مكروه، وقيل: مستحب، وقيل: إن كان غريبًا ... استحب، وإلا ... فلا، حكاها الماوردى. قال: (بخلاف نعي الجاهلية)؛ لما روى الترمذي (986) عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه). و (النعي): خبر الموت، يقال: نعاه وأنعاه: إذا أخبر بموته، نعيًا ونعيًا بسكون العين وكسرها مع التشديد. قال: (ولا ينظر الغاسل من بدنه إلا بقدر الحاجة)؛ لأنه قد يكون فيه شيء كان يكره اطلاع الناس عليه، وربما رأي سوادًا ونحوه فظنه عذابًا. فإن نظره ... كان مكروهًا، فإن دعت حاجة .... لم يكن .. وأما المعين للغاسل .. فيكره له أن ينظر إلا لضرورة. وحكم المس بلا شهوة .... حكم النظر. قال: (من غير العورة)؛ فإن النظر إليها يحرم، وقال صلى الله عليه وسلم لعلي: (لا تنظر إلى فخذ حي ولا يمت) رواه أبو داوود (3132). قال: (ومن تعذر غسله .. يمم) قياسًا علي غسل الجنابة، والتعذر إما لفقد ماء، أو حرق ونحوه، فل كانت به قروح وخيف من غسله إسراع البلى بعد الدفن .... وجب غسله؛ لأن الجميع صائر إلى البلى. وإذا يمم لفقد الماء وصلي عليه، ثم وجد الماء .... فقد تقدم حكمه. قال: (ويغسل الجنب والحائض الميت بلا كراهه)؛ لأنهما طاهران كغيرهما.

وَإِذا ماتا .. غَسَلا غَسَلا فَقَّطَ. وَلِيُكِنّ الغاسِل أَمِينًا، فَإِنَّ رَأَى خَيْرًا .. ذَكَرهُ، أَو غَيَّرَهُ ... حَرِمَ ذَكَرهُ إِلّا لِمُصْلِحَة ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا ماتا ... غسلا غسلًا فقط)؛ لأن الغسل الذي كان عليهما انقطع بالموت كما تقدم في الشهيد الجنب. وانفرد الحسن البصري بإيجاب غسلين. قال: (وليكن الغاسل أمينًا) وإلا ... لم يوثق به في تكميل الغسل وغيره، روى ابن ماجة (1461) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليغسل موتاكم المأمونون) لكنه ضعيف. وهكذا الذي يعينه. فإن غسله الفاسق ... وقع الموقع. قال: (فإن رأي خيرًا ... ذكره) على جهة الندب؛ ليكون أدعى إلى كثرة المصلين عليه والدعاء له. قال: (أو غيره ... حرم ذكره)؛ لأنه غيبة لمن لا يأتى الاستحلال منه. وفي (صحيح مسلم) (2699): (ومن ستر مسلمًا .... ستره الله في الدنيا والآخرة)، وفي (سنن أبي داوود) (4864) و (الترمذي) (1019) و (ابن حبان) (3020) و (الحاكم) (1/ 385): (اذكروا محاسن موتاكم , وكفوا عن مساوئهم)، وفي (المستدرك) (1/ 354): (من غسل ميتًا وكتم عليه .... غفر الله له أربعين مرة)، وروى أحمد (6/ 119) وابن عدي (5/ 126) عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل ميتًا وأدى فيه الأمانة، ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك .... خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). ومراد المصنف ب (غيره): أن يرى سوادًا أو تغير رائحة أو انقلاب صورة. قال: (إلا المصلحة كما إذا كان مبتدعًا مظهرًا لبدعته، فيذكر ذلك لينزجر الناس عنها. وينبغي ذلك أيضًا فيما إذا كان فاسقًا أو ظالمًا متجاهرًا بالظلم والفسق. فائدة: غسلت امرأة بالمدينة في زمن مالك رضي الله عنه امرأة فالتصقت يدها على

وَلُو تُنازِع أَخَوانِ أَو زَوْجَتانِ ... أَقْرَع، وَالكافِر أَحَقّ بِقَرِيبهُ الكافِر. وَيَكْرَهُ الكَفَن المُعَصْفَر، وَالمُغالاَة فِيهِ، وَالمَغْسُول أَوْلَى مَن الجَدِيد ـــــــــــــــــــــــــــــ فرجها، فتحير الناس من أمرها، هل تقطع يد الغاسلة أو فرج الميتة؟ فاستفتي مالك فقال: سلوها ما قالت لما وضعت يدعا عليها؟ فسألوا فقالت: قلت طالما عصى هذا الفرج ربه، فقال مالك: هذا قذف، اجلدوها ثمانين جلدة تتخلص يدها، فجلدوها ذلك فتخلصت يدها. فمن ثم قيل: لا يفتى ومالك بالمدينة. قال: (ولو تنازع أخوان أو زوجتان ... أقرع)؛ لاستواء درجتهما في غسله. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في محله. قال: (والكافر أحق بقريبه الكافر)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. فإن تركه أو لم يوجد .. تولاه المسلم. قال: (ويكره الكفن المعصفر) هذا بالنسبة إلى المرأة لما فيه من الزينة التي لا تليق بحالها. وقيل: لا يكه لها كحال الحياة. وأما الرجل فتقدم: أنه لا يجوز له لبس الزعفر ... فيحرم تكفينه فيه، ويكره له المعصفر .. فيكره تكفينه فيه. وعبارة المصنف فيها بعض قصور. قال: (والمغالاة فيه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغالوا في الكفن؛ فإنه يسلب سلبًا سريعًا رواه أبو داوود (3146) عن علي ولم يضعفه. وفهم من التقييد بالمغالاة: أن تحسينه لا يكره وهو كذلك، بل يستحب؛ ففي (صحيح مسلم) (943): (إذا كفن أحدكم أخاه ... فليحن كفنه) أي: يتخذه أبيض نظيفًا سابغًا، وفي (كامل ابن عدي) (3/ 254) عن أبي هريرة رصي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسنوا أكفان موتاكم؛ فإنهم يتزاورون في قبورهم). قال: (والمغسول أولى من الجديد)؛ لأنهما يؤلون إلى البلى.

وَالصَبِيّ كَبالِغ ِفي تَكْفِينَهُ بِأَثْواب. والحنوط مُسْتَحَبّ، وَقَيْل: وَأَجُبّ. وَلا يَحْمِل الجِنازَة إِلّا الرِجال وَإِنَّ كانَت أُنْثَى، وَيَحْرِم حَمَلَها عَلَى هَيْئَة مُزْرِيَة، وَهَيْئَة يُخاف مِنها شقوطها. وَيَنْدُب لِلمَرْأَة ما يُسَتِّرها كَتابُوت ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه أن يكفن في ثوبه الخلق وزيادة ثوبين وقال: (الحي أولي من الميت بالجديد) رواه البخاري (1387)، وقال ابن المبارك: أحب أن يكفن في ثيابه التي كان يتعبد فيها. قال: (والصبي كبالغ في تكفينه بأثواب)؛ لأنه ذكر فأشبه البالغ. هذا بالنسبة إلى العدد، وأما في جنس ما يكفن به .... فقد تقدم: أنه يجوز تكفينه في الحرير؛ لعموم قوله: (يكفن بما له لبسه حيًا). قال: (والحنوط مستحب) كما لا يجب الطيب للمفلس وإن وجبت كسوته. قال: (وقيل: واجب)؛ للأمر به. قال: (ولا يحمل الجنازة إلا الرجال وإن كانت أنثي)؛ لأن النساء يضعفن حملها. قال: (ويحرم حملها علي هيئة مزرية) كحملها في قفه أو عدل أو نحو ذلك. روى أحمد (4/ 406) عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله وسلم مر عليه بجنازة تمخض مخض الزق، فقال صلى الله عليه وسلم: (القصد)، وما روى أيضًا (6/ 100) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كسر عظم الميت مثل كسر عظمه حيًا). قال: (وهيئة يخاف منها سقوطها)، بل تحمل على لوح ونحوه. فإن خيف التغير قبل حصول ما تحمل عليه ... حملت علي الأيدي والرقاب. قال: (ويندب للمرأة ما يسترها كتابوت) المراد: القبة التي تجعل عليها؛ لأنه أصون لها. وكذا فعلته أسماء بنت عميس لزينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها رأته كذلك في الحبشة، فقال عمر رضي الله عنه: (نعم خباء الظعينة).

وَلا يَكْرهُ الرَكُوب فِي الرُجُوع مِنها. وَلا بَأَسَ بِأَتْباع المُسَلَّم جِنازَة قَرِيبهُ الكافِر وَيَكْرَهُ اللَغْط فِي الجِنازَة ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عبد البر: أول من غطي نعشها في الإسلام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنهما. فائدة: التابوت: سرير الميت، لكن ذكره الجوهري في (باب الباء) وكان من حقه أن يذكره في (باب التاء)؛ لأن تاءه أصلية ووزنه فاعول كعاقول وكابوس، ومع ذلك ذكر له تصريفًا لم يذكره أحد ولم يسمع من غيره؛ فإنه قال: أصله تابوة كترقوة. ولم تختلف لغة قريش والأنصار في شيء من القرآن إلا في التابوت؛ فلغة قريش بالتاء، ولغة الأنصار بالهاء وكذلك قرأ زيد بن ثابت الآية. قال: (ولا يكره الركوب في الرجوع منها)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا معرورى لما رجع من جنازة ابن الدحداح، رواه مسلم (965) من حديث جابر بن سمرة. وأما في الذهاب .. فتقدم: أنه يكره الركوب فيه، إلا لعذر كبعد المكان أو ضعف. قال: (ولا بأس بإتباع المسلم جنازة قريبه الكافر)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر عليًا رضي الله عنه أن يواري أبا طالب، رواه أبو داوود (3206) والنسائي (4/ 79). والنص: أنه لا يكره أتباعه، وقال الروياني: يكره. فرع: يجوز للمسلم زيارة قبر قريبه الكافر عند الأكثرين. وقال الماوردي: لا يجوز؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}. قال في (شرح المهذب): وهذا غلط؛ فالأكثرون قطعوا بالجواز. قال: (ويكره اللغط في الجنازة)، وهو: ارتفاع الأصوات؛ لما روى البيهقي (4/ 74): (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون رفع الصوت عند

وَاتِّباعها بِنار. وَلُو أَخْتَلِط مُسْلِمُونَ بِكُفّار ... وَجَّبَ غَسَّلَ الجَمِيع وَالصَلاَة، فَإِنَّ شاءَ صَلَّى عَلَى الجَمِيع بِقَصْد المُسْلِمِيْنَ، وَهُوَ الأَفْضَل وَالمَنْصُوص، أَو عَلِيّ وَأَحَدّ فَواحِد ناوَيا الصَلاَة عَلِيّهُ إِن كانَ مُسْلِمًا، وَيَقُول: (اللَهْم؛ أُغَفِّر لَهُ إِن كانَ مُسْلِمًا). وَيَشْتَرِط لَصِحَّة الصَلاَة عَلِيّهُ: تَقَدَّمَ غِسْلهُ - وَتُكْرَه قَبِلَ تَكْفِينَهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنازة وعند القتال وعند الذكر). وقال المصنف: الصواب المختار ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير بالجنازة بغير رفع صوت بقراءة ولا يذكر، وأنا ما يفعله جهلة القراء من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه .. فحرام يجب إنكاره. قال: (وإتباعها بنار) المراد: أنه يكره البخور في المجمرة بين يديها إلى القبر ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. وقال الشيخ نصر: لا يجوز أن تحمل معها المجامر والنار. فإن أراد التحريم .... فشاذ. وتكره مجمرة البخور عند القبر أيضا. قال: (ولو اختلط مسلمون بكفار .... وجب غسل الجميع والصلاة)؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به وكان مقدورًا عليه ... فهو واجب. ولا فرق بين أن يكون عدد المسلمين أقل أو أكثر، حتي لو اختلط مسلم بمئة كافر .... فعل بهم ذلك، فلو عبر ب (مسلم) ... كان أصوب. وكذا إذا اختلط الشهيد بغيره. قال: (فإن شاء صلى علي الجميع) أى: صلاة واحدة (بقصد المسلمين، وهو الأفضل والمنصوص)؛ لأن ذلك ليس صلاة علي الكافر بل علي المسلم فقط. قال: (أو على واحد فواحد ناويًا الصلاة عليه إن كان مسلمًا، ويقول: (اللهم؛ اغفر له إن كان مسلمًا)، ويعذر في تردد النية للضرورة كمن نسي صلاة من خمس، ويدفن المختلطون بين مقابر المسلمين والكفار. قال: (ويشترط لصحة الصلاة عليه: تقدم غسله) أي: أو تيممه؛ لأنه المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولأن الصلاة علي الميت كصلاة نفسه. قال: (وتكره قبل تكفينه) هكذا في زوائد (الروضة) تبعًا للبغوي.

فَلَو ماتَ بِهَدْم وَنَحْوهُ وَتَعْذِر إِخْراجهُ وَغَسَّلَهُ ..... لِمَ يَصْلَ عَلِيّهُ. وَيَشْتَرِط: أَن لا يَتَقَدَّم عَلَى الجِنازَة الحاضِرَة، وَلا عَلَى القَبْر عَلِيّ المُذَهَّب فَيَهِما. وَتَجُوز الصَلاَة عَلِيّهُ فِي المَسْجِد، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: والقول بأن الغسل شرط والتكفين ليس بشرط يحتاج إلى دليل، والقياس: أنه إذا لم يوجد ماء ولا تراب .... يصلى عليه كما جزم به الدرامي وابن الأستاذ. قال: (فلو مات بهدم ونحوه) كما إذا وقع في بئر أو بحر عميق. قال: (وتعذر إخراجه وغسله ..... لم يصل عليه)؛ لانتفاء شروط الصلاة. قال: (ويشترط: أن لا يتقدم علي الجنازة الحاضرة، ولا علي القبر علي المذهب فيهما) كما لا يتقدم المأموم على إمامه في غيرها من الصلوات. والثاني: يجوز التقدم عليهما؛ لأن الميت ليس بإمام متبوع حتى يتعين تقديمه، بل هو كعبد حضر معه جماعة يشفعون له عند مولاه. والأصح: طريقة القولين، والثانية: القطع بالجواز. واحترز ب (الحاضرة) عن الغائبة التي هي وراء المصلي؛ فإنه يجوز كما تقدم. ويشترط في الحاضرة أيضًا: أن لا يزيد ما بينها وبين الإمام على المسافة المعتبرة بين الصفين كما تقدم. ولو كبر تكبيرة أو تكبيرتين فجاءت جنازة ثانية .... أكمل الأولى واستأنف الصلاة علي الثانية. قال: (وتجوز الصلاة عليه في المسجد)؛ لما روى مسلم (973) وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى علي سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد)، ولا كراهة في ذلك بل صرح كبار الأصحاب فيه بالاستحباب، وبه جزم في (شرح المهذب)، وقال في زوائد (الروضة): إنه أفضل. وكرهها فيه مالك وأبو حنيفة؛ لما روي أبو داوود (3184) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي جنازة في المسجد ... فلا شئ له).

وَيُسِنّ جَعْل صُفُوفهُم ثَلاثَة فَأُكْثِر. وَإِذا صَلَّى عَلِيّهُ فَحَضَرَ مَن لِمَ يَصْلَ ... صَلَّى، وَمَن صَلَّى ... لا يُعِيد عَلَى الصَحِيح ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب: أنه ضعيف صرح بضعفه أحمد وابن المنذر والبيهقي، وقال ابن حبان: إنه باطل على رسول الله عليه وسلم. وأيضًا: ففي النسخ المعتمدة من (سنن أبي داوود): (فلا شيء عليه)، وعلى تقدير صحته ف (له) بمعنى: عليه كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَاتُمْ فَلَهَا}. وقال ابن شاهين: إنه منسوخ بحديث سهيل، وعكس الطحاوي ذلك. قال: (ويسن جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر)؛ لما روى أبو داوود (3158) والترمذي (1028) وابن ماجه (1490) والحاكم (1/ 362) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليه ثلاثة صفوف ... فقد أوجب) ومعناه: غفر له، رواه أحمد (4/ 79) والحاكم (1/ 362) بلفظ: (فقد غفر له)، وكان مالك بن هبيرة - راوي الحديث - إذا حضر جنازة ... صفهم ثلاثة صفوف. وفي (مسلم) (947): (ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له ... إلا شفعوا فيه)، فيه (948) أيضًا: (من صلى عليه أربعون رجلا ً لا يشركون بالله شيئًا .. شفعهم الله فيه). قال: (وإذا صلي عليه فحضر من لم يصل ... صلى)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى علي قبور جماعة بعد ما دفنوا، ومعلوم أنهم: إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم. وإذا صلى ... وقعت صلاته فرضًا كما جزم به الرافعي، فينوي الفرض ويثاب عليه. وفي ظاهرة إشكال؛ لأن الفرض سقط بالأولي. واعتذروا عن هذا بأنه لا يقال: سقط الفرض بالأولي، ولكن سقط الحرج والإثم، ومن قال: سقط الفرض معناه ذلك. قال: (ومن صلى ... لا بعيد علي الصحيح)؛ لأن الجنازة لا يتنقل بها، ولأنها شفاعة والشفاعة لا تعاد، سواء صلى منفرد أم في جماعة.

وَلا تُؤَخَّر لِزِيارَة مُصَلِّيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بقوله: (لا يعيد): لا يستحب له الإعادة. والثاني: تستحب له الإعادة كغيرها. والثالث: إن صلى منفردًا ثم وجد جماعة ... استحب له الإعادة معهم، وإلا فلا والرابع: تكره والخامس: تحرم؛ لأنها صلاة منهي عنها. إلا أنه يستثني من ذلك فاقد الطهورين إذا صلى ثم وجد ما يتطهر به .. فإنه يعيدها كما أفتى به القفال. وإذا قلنا بالصحة .. قال القاضي حسين: تقع صلاته الثانية فرض كفاية كما لو صلت جماعة بعد جماعة، وقال الجمهور: تقع نقلا ً. وتظهر فائدة الخلاف في جواز الخروج منها. قال: (ولا تؤخر لزيادة مصلين)؛ للأمر بالإسراع بها. ولا بأس بإنتظار الولي إذا لم يخف تغيرها. وهنا صورتان: إحداهما: إذا صلي عليه .... فلا ينتظر حضور من يصلي عليه بعد ذلك. والثانية: إذا حضر جمع قليل، فعل ينتظر زيادة المصلين؟ عبارة المصنف تقتضي: أنه لا ينتظر، وقد ورد في الحديث: (حصول المغفرة بصلاة مئة أو أربعين)، فينبغي إذا لم يحضر هذا العدد ورجي حضورهم عن قرب أن يستحب انتظارهم نظرًا للميت. فرع: قال في (البحر): يتأكد استحباب الصلاة علي من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، وحضور دفنه، أو يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو يوم العيد؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من مات ليلة الجمة ودفن في يومها ... وفي فتنة القبر).

وَقاتِل نَفِسَهُ كَغَيْرهُ فِي الغِسْل وَالصَلاَة. وَلُو نَوَى الإِمام صَلاَة غائِب، والمأموم صَلاَة حاضِر، أَو عَكْس ... جازَ. وَالدَفْن بِالمَقْبَرَة أُفَضِّل، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلاة)؛ لما روى مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا علي كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر) رواه الدارقطني (2/ 57)، ومكحول لم يدرك أبا هريرة. وقال أحمد: لا يصلى عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل علي رجل قتل نفسه بمشاقص رواه مسلم (978). والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرًا للناس من مثل فعله، وصلت عليه الصحابة؛ لئلا يرتكب الناس ما ارتكب - و (المشاقص): ما طال من نصل السهام - وروي مكحول عن عائشة رصي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعنده جارية مغنية .. فلا تصلوا عليه)، وروى أحمد في (الزهد) عن منذر بن جندب: أن ولدًا له اعتل من كثرة الأكل فقال: إن مات ... لم أصل عليه؛ لأنه مات عاصيًا. وأما قاطع الطريق فسيأتي حكمه. قال: (ولو نوى الإمام صلاة غائب، والمأموم صلاة حاضر، أو عكس جاز)، وكذا لو نوى هذا غائبًا وهذا غائبًا وهذا غائبًا آخر؛ لأن اختلاف نية الإمام والمأموم لا تضر كما لو افتدى في الظهر بالعصر. قال: (والدفن بالمقبرة أفضل)؛ لما يلحقه من دعاء الزوار، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أهله وأصحابة بالبقيع. ويستثني من ذلك الشهيد فإنه يدفن حيث قتل، وإنما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته؛ لأن الله تعالى لم يقبض نبيًا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه.

وَيَكْرَهُ المُبَيِّت بِها. وَيَنْدُب سُتَر القَبْر بِثَوْب وَإِنَّ كانَ رَجِلا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: يستحب أن يدفن في أفضل مقبرة بالبلد المعرفة بالصالحين. ولو اتفق الورثة على دفنه في بيته ... جاز، وإن تنازعوا ... دفن في المقبرة، بخلاف ما لو أراد بعضهم أن يكفنه في الأكفان المسبلة فإنه لا يلزم الباقين قبوله؛ لأن عليهم منة في ذلك فلو بادر أحدهم فدفنه في ملكه أو كفنه من مال نفسه ... لم ينقل ولم ينزع كفنه. ولو تنازع الورثة في تعيين قبرين بمقبرتين مسبلتين أو مملوكتين ولم يكن الميت أوصى بشئ .. نقل القمولي عن بعض المتأخرين: أنه يرجع إلي القول من يقدم في الصلاة والغسل، فإن استووا ..... أقرع. ولو كانت امرأة، وتنازع الزوج أو الولي واللوارث .... قدم القريب كالغسل. ولو حفر رجل قبرًا في مقبرة ... لا يكون أحق به من ميت يحضر، كذا أفتى به العبادي والفقيه عماد الدين بن يونس لأنه لا يدري بأي أرض يموت، لكن الأولى أن لا يزاحم عليه. ومقبرة أهل الحرب إذا اندرست ... جاز أن تجعل مقبرة للمسلمين ومسجدًا؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك). قال: (ويكره المبيت بها)؛ لما فيه من الوحشة. قال: (ويندب ستر القبر بثوب)؛ لأنه ربما ظهر ما يستحب إخفاؤه. قال: (وإن كان) الميت (رجلًا)؛ لما ذكرناه. وفي (البيهقي) (4/ 54) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ستر قبر سعد بن معاذ بثوبه).

وَإِن يَقُول: (بسم اللّاه وَعَلَى مَلَّة رَسُول اللّاه صَلَّى اللّاه عَلِيّهُ وَسَلَّمَ). وَلا يَفْرِش تَحُتّهُ شَيء وَلا مِخَدَّة ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يختص الستر بالمرأة وهو ظاهر النص، والقياس: إلحاق الخنثي بها. قال: (وأن يقول: (باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر ... قال ذلك، رواه أبو داوود (3205) والترمذي (1046) وفي رواية له: (سنة) بدل: (ملة). ويستحب أن يزيد في العناء ما يناسب الحال. قال: (ولا يفرش تحته شيء ولا مخدة)؛ للنهي عن إضاعة المال، وفي (سنن البيهقي) (3/ 395) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه لما احتضر .... أوصى أن لا يجعلوا في لحده شيئًا يحول بينه وبين التراب. وأوصي عمر رضي الله عنه أنهم إذا أنزلوه القبر ... يفضوا بخده إلى الأرض. وقال البغوي: لا بأس أن يبسط تحت جنبه شيء؛ لأنه جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء. وأجاب الأصحاب بأن ذلك لم يكن صادرًا عن جملة الصحابة ولا برضاهم ولا عملهم، وإنما فعله شقران كراهية أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي (الاستيعاب) (1/ 20): أن تلك القطيفة أخرجت قبل أن يهال التراب. وعلي تقدير أن لا تكون أخرجت: ففي (الدارقطني) و (طبقات ابن سعد) (2/ 299) قال وكيع: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن رض الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افرشوا لي قطيفتي في لحدي؛ فإن الأرض لم تسلط علي أجساد الأنبياء).

وَيَكْرَهُ دَفَنَهُ فِي تابُوت إِلّا فِي أَرُضّ نَدِيَّة أَو رَخْوَة. وَيُجَوِّز الدَفْن لَيْلا، وَوَقَت كَراهَة الصَلاَة ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المخدة) بكسر الميم جمعها: مخاد - بفتحها - سميت بذلك؛ لوضع الخد عليها. ويستحب أن يجعل تحت خده لبنة أو حجرًا ويفضى بخده إليها. قال: (ويكره دفنه في تابوت) بالإجماع، وتقدم الكلام قريبًا في لفظ تابوت. قال: (إلا في أرض ندية أو رخوة) فلا يكره؛ للمصلحة، ويكون من رأس المال، كذا جزم به الشخان، وقال القفال: من الثلث، ولا تنفذ وصيته به إلا في هذة الحاله. وكذلك إذا كان الميت حريقًا أو لديغًا ولا يمكن دفنه إلا كذلك، أو كانت امرأة لا محرم لها، قاله المتولي وغيره؛ لئلا يمسها الأجانب عند الدفن وغيره. و (الرخوة): ضد الشديدة، وكسر رائها أفصح من فتحها وضمها. قال: (ويجوز الدفن ليلًا) كما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وفاطمة وعائشة رضي الله عنهم. ومذهب كافة العلماء: لا كراهة في ذلك خلافًا للحسن؛ فإنه كرهه تمسكًا بما روى مسلم (943): (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدفن ليلًا حتى يصلى عليه). وهذا يبين أن المراد بذلك الهي عن تأخير الصلاة. ولا يخفي أن الكلام في موتي المسلمين، أما أهل الذمة ... فإنهم لا يمكنون من إخراج جنائزهم نهارًا، وعلى الإمام منعهم من ذلك، ومن إظهار جنائزهم، ولا يظهروا على موتاهم لطمًا. قال: (ووقت كراهة الصلاة)؛ لعموم: (أسرعوا بالجنازة)، ونقل ابن المنذر

إذَا لَم يَتَحَرَّهُ, وَغَيرُهُمَا أَفضَلُ. ويُكرَهُ تَجصِيصُ القَبرِ, وَالبِنَاءُ وَالكِتَابَةُ عَلَيهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الإجماع على جوازه بعد الصبح وبعد العصر, وقيس الباقي عليهما. قال: (إذا لم يتحره)؛ لحديث عقبة بن عامر الذي في (صحيح مسلم) [831]: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن, وأن نقبر فيهن موتانا) , فإنه محمول على إذا تحرى هذه أوقات للدفن. والصواب: أن الكرمة مختصة بالأوقات الثلاثة التي في الحديث لا بالوقتين المتعلقين بالفعل, والحديث لذلك, وإطلاق الكتاب يدل على خلافه. وكلام المصنف صريح في عدم الجواز عند التحري وهو موافق للتحيرم في نظير المسألة من الصلاة في الأوقات المكروهة, إلا أنه صرح في (شرح المهذب) بكراهة الدفن في هذه الحالة, وهذا هو المعتمد. قال: (وغيرهما أفضل) أي: غير الدفن ليلًا وغير وقت الكراهة؛ لأن النهار أيسر لاجتماع الناس, ولأن وقت الكراهة منهي عنه, وهذا قد يعترض عليه بالأمر بالإسراع بالجنازة. قال: (ويكره تحصيص القبر, والبناء والكتابة عليه) سواء المكتوب اسم صاحبه أو في لوح أو ثوب وضع عليه؛ لما روى مسلم [970] عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه) , وفي (الترمذي) [1052] و (الحاكم) [1/ 370]: (وأن يكتب عليه). قال أبو زيد رحمه الله تعالى: إلا أن يخشى نبشه فيجوز أن يجصص ويبنى عليه؛ حتى لا يقدر النباش عليه. ويظهر أن يكون مثله إذا خشي عليه نبش الضبع ونحوه. و (التجصيص): التبييض بالجص وهو النورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن جهة المعنى: أن ذلك زينة وهي لا تتناسب حال الميت, بخلاف التطيين؛ فإنه لا بأس به. وقال الإمام والغزالي: إنه كالتجصيص, وفيه بعد. ونقل الترمذي عن الشافعي: أن التطيين لا يكره, وصححه المصنف تبعًا للنص؛ لأنه لا يقصد التزيين. وظاهر كلام عامة الأصحاب: أنه مكروه سواء كان في ملكهأم في المقبرة. وقال الماوردي: إنه ممنوع في ملكه وملك غيره. وأما الكتابة .. فكرهها الجمهور. قال الشيخ: سيأتي أن وضع شيء يعرف القبر به مستحب, فإذا كانت الكتابة طريقًا إلى ذلك .. ينبغي أن لا تكره, وينبغي أن تكون بقدر الحاجة إلى الإعلام فقط. ويكره أن يبنى على القبر مسجدًا سواء كان الميت مشهورًا بالصلاح أم لا, وتكره الصلاة فيه؛ لما روى مسلم عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري وثنًا؛ إنما هلك بنو إسرائيل لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). قال الشافعي رضي الله عنه: وأكره أن يعظم مخلوقًا حتى يجعل قبره مسجدًا؛ مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس. ثم إن المصنف جزم في (شرح المذهب) وفي (الفتاوى) بتحريم البناء, وذكر نحوه في (شرح مسلم) قبيل (الزكاة). وإذا بلي الميت .. لم تجز عمارة قبره ولا تسوية التراب عليه في المقبرة المسبلة؛ لئلا يتصور بالقبر الجديد فيمتنع الناس من الدفن فيه. ويكره أن يجعل على القبر مظلة؛ لأن عمر رأى قبة على قبر فنحاها وقال: (دعوه يظله عمله).

ولَو بُنِيَ فِي مَقبَرَةٍ مُسَبِّلَةٍ .. هُدِمَ. وَيُندَبُ: أَن يُرَشَّ القَبرُ بِمَاءٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وف (البخاري): لما مات الحسن بن علي, ضربت امرأته القبة على قبره سنة, ثم رفعت فسمعوا صائحًا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا, فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا. قال: (ولو بني في مفبرة مسبلة .. هدم)؛ لأنه يضيق على المسلمين. قال الشافعي رضي الله عنه: رأيت من الولاة عندنا بمكة من بهدم ما بني فيها ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك. ولا فرق بين أن يبني قبة أو بيتًا أو مسجدًا أو غير ذلك. فمن المسبل قرافة مصر؛ فإن ابن عبد الحكم ذكر في (تاريخ مصر): أن عمرو بن العاصي أعطاه المقوقس فيها مالًا جزيلًا وذكر أنه وجد في الكتاب الأول: أنها تربة الجنة, فكاتب عمر بن الخطاب في ذلك, فكتب إليه يقول: (إني لا أعرف تربة الجنة إلا لأجساد المؤمنين فاجعلها لموتاهم). وقد أفتى الشيخ بهاء الدين ابن الجميزي وتلميذه الظهير التزمنتي. بهدم ما بني بها. والمراد ب (المسبلة): التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها, وليس المراد المقبرة الموقوفة؛ فإن الموقوفة يحرم بالبناء فيها قطعًا, سواء كان البناء بيتًا أو قبة أو مسجدَا. قال: (ويندب: أن يرش القبر بماء)؛ تفاؤلًا بالرحمة وتبريد المضجع, ولأن فيه حفاظًا للقبر عن التناثر. و (قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر ولده إبراهيم ذلك) رواه أبو داوود [سيل 424] وغيره.

وَيُوضَعَ عَلَيهِ حَصَىً, وَعِندَ رَأسِهِ حَجَرٌ أَو خَشَبَةٌ, وَجَمعُ الأقَارِبِ فِي مَوضِعٍ , وَزِيَارَةُ القُبُورِ لِلرِجَالِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: يكره رش بماء الورد ونحوه, وأن يطلى بالخلوق قال المتولي: لأنه إسراف وإضاعة مال. وهذا التوجيه يقتضي: التحريم. ويكره رشه بالماء النجس, ويكره إيقاد النار عنده, واستلامه, وتقبيله, وأن ينصب عليه مظلة, وتكره مرثية الميت. وروى البيهقي في (الشعب) [5315] وأبة عمر بن عبد البر (عاب 4/ 323] في ترجمة سيرين -بالسين المهملة- أخت ماريه القبطية أنها قالت: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في قبر ولده إبراهيم فرجة فأمر بها فسدت, وقال: (إنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقر عين الحي, وإن العبد إذا عمل شيئًا .. أحب إلى الله تعالى منه أن يتقنه). قال: (ويوضع عيه الحصى)؛ لما روى الإمام الشافعي رضي الله عنه مرسلًا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع على قبر ابنه إبراهيم حصى) [أم 1/ 273]. قال: (وعند رأسه حجر أو خشبة) , وقال الماوردي: وعند رجله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وضع عند رأي عثمان بن مظغون صخرة وقال: (أتعلم قبر أخي؛ لأدفن إليه من مات من أهلي) رواه أبو داوود [3198]. قال: (وجمع الأقارب في موضع)؛ للحديث المذكور, ويقدم أفضلهم إلى القبلة, والمعنى فيه: تسهيل الزيارة على الزائر. ويتجه إلحاق الزوجين والعتقاء والأصدقاء بالأقارب. قال: (وزيارة القبور للرجال) بالإجماع, وكانت زيارته منهيًا عنها ثم نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها:. والمختار: أن النساء لا يدخلن في ضمير الرجال.

وَتُكرَهُ لِلنِّسَاءِ, وَقِيلَ: تَحرُمُ, وَقِيلَ: تُبَاحُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيقول: (السلان=م عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا بكم إنشاء الله لاحقون, اللهم؛ اغفر لأهل بقيع الغرقد (. وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال: (استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي, واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي, فزورو القبور؛ فإنها تذكركم الموت) روى الأحاديث الثلاثة مسلم [976/ 2]. والمراد: زيارة قبور المسلمين, أما غيرهم .. فقال الماوردي: يحرم. والصحيح: الإباحة المجردة. وقال الصيمري وغيره: لا يجوز القيام على قبر كافر. وهو ظاهر القرآن. قال: (وتكره للنساء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة على قبر تبكي على صبي لها فقال لها: (اتقي الله واصبري) متفق عليه [خ 1252_ م 926] فلو كانت الويارة حرامًا لنهى عنها. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ -تعني: إذا زارت القبور- قال عليه الصلاة والسلام: قولي: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, يرحم الله المستقدمبن منا والمستأخرين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم [974]. نعم؛ يستثنى من ذلك قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ فزيارته من أعظم القربات للرجال والنساء. واستثنى بعض المتأخرين قبور الأنبياء والأولياء والصالحين والشهداء رضي الله عنهم. قال: (وقيل: تحرم)؛ لما روى ابن ماجه [1576] والترمذي [1056] عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور). وليس هذا الوجه في (الروضة) , وبه قال صاحب (المهذب) وغيره. قال: (وقيل: تباح) جزم به في (الإحياء) وصححه الروياني إذا أمن من الافتتان.

وَيُسَلِّمَ الزَّائِرُ وَيَقرَأَ وَيَدعُوَ 0 ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن كان لتجديد حزن ونحوه .. حرم, أو للاعتبار .. فلا, إلا أن تكون عجوزًا أولى؛ لظاهر الحديث. قال: (ويسلم الزائر)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في المتقدم. وروى مسلم [249]: أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى المقبرة فقال: (السلام عليكم دلر قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لا حقون) زاد أبو داوود [3231]: (اللهم؛ لا تحرمنا أجرهم, ولا تفتنا بعدهم). وقال القاضي والمتولي: يستحب أن يقول الزائر: وعليكم السلام, ولا يقول: السلام عليكم؛ لأنهم ليسوا من أهل الخطاب. زاد القاضي: اللهم رب الأجساد البالية والعظام النخرة, التي خردت من الدنيا وهي بك مؤمنة؛ أدخل عليها روحًا منك وسلامًا مني, اللهم؛ برد عليهم مضاجعهم واغفر لهم. وقوله: (إن شاء الله) محمول على التبرك, وامتثالًا لقوله تعالى: {ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ}. وقيل: (إن) بمعنى: (إذ) كقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}. وقيل: معناه: اللحوق في تلك البقعة. قال: (ويقرأ ويدعو)؛ لرجاء الإجابة. ويكون الميت كالحاضر ترجى له الرحمة والبركة. وأما ثواب القراءة .. فللقارئ. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: رأيت من أوصى بالقراءة عند القبر, وهو عندنا حسن, والرحمة تنزل عند ختم القرآن. ويختار لمن حضر دفنه: أن يقرأ (سورة يس) , ويدعو له, ويترحم عليه. وروى البيهقي في (شعبه) [9295] عن ابن العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما الميت في قبره إلا كالغريق المتغوث, ينظر دعوة تلحقه من أب

وَيحرُمُ نَقلُ المَيِّتِ إَلَى بَلَدٍ آخَرَ -وَقِيلَ: يُكرَهُ- إِلاَّ أَن يَكُونَ يِقُربِ مَكَّةَ أَوِ المَدِينَةِ أَو بَيتِ المَقدِسِ نَصَّ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو أم أو أخ أو صديق, فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها, وإن الله عز وجل ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثال الجبال, وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم). قال: (ويحرم نقل الميت إلى بلد آخر) أي: قبل دفنه كما صرح به في (الروضة) و (شرح المذهب) , أما بعد دفنه .. فسيذكره المصنف في مسألة النبش. وإنما حرم نقله؛ لأن التعجيل بدفنه مأمور به, وفي نقله تعريضه للتغير وهتك لحرمته. وفي (السنن الأرعة) عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم, فجاء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا بدفن القتلى في مصارعهم فرددناهم) قال الترمذي: حسن صحيح. ولو أوصى بنقله .. لم تنفذ وصيته. قال الشيخ: قي الاستدلال بالحديث نظر؛ فإن قتلى أحد كانوا قريبين من المدينة, فكيف يراد بالنهي التحريم؟! والظاهر: أنه روعي في دفنهم في مصارعهم كونها مواضع الشهادة؛ ليبعثوا منها يوم القيامة على هيئتهم. قال: (وقيل: (وقيل: يكره)؛ لأنه لم يرد في تحريمه دليل. والظاهر: أن هذا الوجه مخصوص بما إذا لم يتغير. قال: (إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص عليه)؛ لفضل هذه الأماكن, ففي (الدارقطني) [2/ 278] من حديث حاطب: (من مات بأحد الحرمين .. بعث من الآمنين يوم القيامة). وقال الشيخ محب الدين الطبري: إذا كان بقرب قرية فيها صالحون .. فلا بأس بنقله إليها قياسًا.

وَنَبشُهُ بَعدَ دَفنِهِ لِلنَّقلِ وَغَيرِهِ حَرامٌ إلاَ لِضَرُورَةٍ, بِأَن دُفِنَ بِلاَ غُسلٍ, أَو فِي أَرضٍ أَو ثَوبٍ مَغصُوبَينِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل عن بعض مجموعات ابن أبي الصيف اليمني: أنه يجوز نقله بعد دفنه إلى الأماكن الثلاثة إذا أوصى بذلك؛ لأن يوسف عليه الصلاة والسلام نقل يعد سنين كثيرة ودفن إلى جوار إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام, وهذه القصة خرجها ابن حبان من حديث أبي موسى. كل هذا إذا لم يوجب نقله تغيرًا, فإن أوجبه .. حرم مطلقًا. قال: (ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام)؛ لأن فيه هتكًا لحرمته. قال: (إلا للضرورة, بأن دفن بلا غسل)؛ فإنه يجب نبشه تداركًا للواجب. وفي قول: لا, بل يكره. فعلى الأول: شرطه: أن لا يتغير بالنتن أو التقطع. وقيل: ينبش إذا بقي منه جزء من عظم أو غيره. وقيل: ما لم يتقطع. ولو عم الماء القبر وغيره .. ففي نبشه وجهان. قال: (أو في أرض أو ثوب مغصوبين)؛ ليصل المستحق إلى حقه. وفي الثوب وجه ثان: أنه كالتلف. والشرط في ذلك: أن يطالب بهما صاحبهما, ويندب له أن يترك طلب ذلك, فإن أبى .. نبش وإن تغير. وأما إذا دفن في مسجد ونحوه, فإن ضيق على المصلين .. نبش ونقله إلى المقبرة. وفي (فتاوى القفال): دفن في البيوت ابتداء مكروه واحتج: (أنه صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة في نقل ميتها إلى مدافن قومها).

أَو وَقَعَ فِيهِ مَالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو لم يجد إلا الثوب المغصوب .. فظاهر كلام الإمام وابن كج: أنه لا ينبش. قال الرافعي: وإذا كفن الرجل في الحرير .. فعلى الأوجه في المغصوب. قال المصنف: ولم أره لغيره وينبغي القطع بعدم النبش بخلاف المغصوب, وما قاله ظاهر. قال: (أو وقع فيه مال)؛ لأن تركه إضاعة له وقد نهي عنها, واستدلوا له بأن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (خاتمي!) ففتح موضع فيه فأخذه, فكان يقول: (أنا ٌربكم عهدًا برسول الله صلى الله عليه وسلم). قال الشيخ: هكذا ذكره الأصحاب, ولا شك أن هذا اللفظ باطل؛ أعني قوله: (ففتح موضع فيه) , ورسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم على المؤمنين من ذلك, فهذه زيادة باطلة قطعًا, وأما بدون هذه الزيادة .. فذكره ابن سعد [2/ 302] والحاكم [3/ 448] وقال: إنه لا يصح, فلا دليل فيه للأصحاب. وقيد صاحب (النهذب) وجوب النبش بما إذا طلب صاحب المال. قال المصنف: ولم يوافقوه على هذا. قال الشيخ: ولفقه عليه ابن عليه ابن أبي عصرون. ولو بلع الميت مالًا لغيره .. فأصح الطريقين: أنه إذا صاحبه .. شق جوفه ورد إليه؛ لأنه متعد بالابتلاع, إلا أنا في الحياة لا نشق بطنه؛ لأن فيه هلاكه, وبعد الموت ليس فيه هذا المعنى. والثاني: وجهان: أصحهما هذا. والثاني: تجب قيمته في تركه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حيًا) رواه أبو داوود [3199] وابن ماجه [1616] والبيهقي [4/ 58] , ولو كان ذلك في حال الحياة .. لم يشق فكذلك بعد الموت. وقيل: إن ضمن الورثة قيمته أو مثله .. لم يشق, وإلا .. شق. ولو بلع جوهرة لنفسه .. لم يشق على الأصح في زوائد (الروضة)؛ لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الورثة.

أَو دُفِنَ لِغَيرِ القِبلَةِ, لاَ لِلتَكفِينِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو دفن لغير القبلة) فيجب نبشه استدركًا للواجب؛ فإن الدفن إلى القبلة واجب خلافًا للقاضي أبي الطيب حيث قال: إنه مستحب, فيستحب نبشه, اللهم إلا أن يتغير .. فإنه لا ينبش. قال: (لا للتكفين في الأصح)؛ لأن الغرض منه الستر وقد حصل بالتراب, وهو أولى من هتك حرمته بالنبش. والثاني: نعم كما لو دفن من غير غسل؛ لأن كل واحد منهما واجب. فرع: لو لحق الأرض نداوة أو سيل قال الزبيري: يجوز نقله منها, ومنعه غيره. قال المصنف: قول الزبيري أصح, واستدل له بما رواه البخاري [1351] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنع: أنه دفن أباه مع رجل آخر في قبر, قال: (ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر, فاستخرجه بعد ستة أشهر فإذا هو كهيئته يوم وضعته! وجعلته في قبر على حده). قال الشيخ: وهذا الحديث يقتضي جواز النبش والنقل لهذا الغرض وهو مشكل, وهذا النبش كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, ولا شك أن جابرًا رضي الله عنه إنما فعل ذلك بعد استئذان النبي صلى الله عليه وسلم, فإما أن يكون للأصحاب جواب عنه, وإما أن يقال: إن النقل لمصلحة الميت جائز مطلقًا. وإذا قال: إن ولدت ذكرًا فأنت طالق طلقة, أو أنثى فطلقتين, فولدت ودفن واختلفا .. فلأصح: جواز نبشه لذلك. وكذا إذا دفن بلا صلاة ونصب عليه اللبن فقط, أما بعد إهالة التراب .. فيصلى على القبر؛ لقلة المشقة فيه بنصب اللبن, لأنه لا يسمى نبشًا. والكافر إذا دفن في الحرم .. نبش. وسيأتي قبيل (العتق) أن الميت ينبش للعرض على القافة, وإذا شهد عليه بشهادة وكان لا يعرف إلا بصورته, وإذا بلي الميت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا انهدم القبر .. فيخبر أولياء الميت بين أن يتركوه بحاله, وبين أن ينبشوه ويصلحوه, وبين أن ينقلوه إلى غيره. فرع: إذا ماتت امرأة وفي جوفها ولد ترجى حياته – بأن يكون له أكثر من يتة أشهر – شق جوفها وأخرج؛ لأن فيه استبقاء حي محترم بإتلاف جزء من ميت, فوجب كأكل المضطر ميتة الآدمي. وفي (فتاوى قاضي خان) الحنفي: يشق من الجانب الأيسر, وقد تقدم عند الصلاة على الغائب: أن قيصر شق عنه جوف أمه بعد موتها وأخرج. وإن لم ترج حياته؛ بأن تموت وهو دون ستة أشهر, أو كان له ثمانية أشهر .. فهذا المسألة لا نص فيها للإمام الشافعي رضي الله عنه, وفيها ثلاثة أوجه: أصحها: لا يشق, بل تترك حتى يموت الجنين فتدفن, وقيل: تمسح القابلة بطنها لعله يخرج. والثاني: يشق بطنها ويخرج. وعلى هذا: قال البندنيجي: ينبغي أن يشق في القبر, وقال الروياني: عندي أنه يشق قبله. والثالث: أنه يوضع عليه شيء ليموت ثم تدفن, وهو غلط وإن حكاه جماعة. ووجهه: أنه لا يمكن دفنها وهو حي بلا خلاف, ولا تأخير دفنها إلى موته؛ لأن فيه تأخير دفنها الواجب على الفور, فتعين أن يفعل به ذلك, لأن حياته وإن تحققت كلا حياة.

وَيُسَنُّ أَن يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعدَ دَفنِهِ عِندَ قَبرِهِ سَاعَةً يَسأَلوُن َلَهُ التَّثبِيتَ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويسن أن يقف جماعة بعد دفنه عند قبره ساعة يسألون له التثبيت)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن ميت .. وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل) رواه البزار [445] وأبو داوود [3213] والحاكم [1/ 370] والبيهقي [4/ 56] من رواية عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال عمرو ابن العاصي رضي الله عنه: (أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور وبقسم لحمها؛ حتى أستأنس بكم, وأعلم بماذا أراجع رسل ربي) رواه مسلم [121]. فرع: استحب القاضي حسين ونصر المقدسي وغيرهما تلقين الميت المكلف بعد الدفن؛ مستدلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لقن ولده إبراهيم, وهو غريب. ولم يزل أهل الشام على العمل به, فيقعد الملقن عند رأس القبر ويقول: (يا عبد الله ابن أمة الله! اذكر العهد الذي فارقتنا عليه: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمد عبده ورسوله, وأن الجنة حق, وأن النار حق, وأن البعث حق, وأن الساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور, وأنك رضيت بالله ربًا, وبالإسلام دينًا, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا, وباقرآن إماما, وبالكعبة قبلة, وبالمؤمنين إخوانًا) رواه أبو عوانة والطبراني في أكبر (معاجمه) [8/ 249] , وله شواهد كثيرة يعضد بعضها بعضًا. وفي زوائد (الروضة): أن الطفل ونحوه لا يلقن. وحكى ابن الصلاح وجهين: في أن التلقين قبل إهالة التراب, أو بعده؟ قال: المختار الأول.

وَلجِيرَانِ أهلِهِ تَهيِئَةُ طَعَامٍ يُشبِعُهُم يَومَهُم وَلَيلَتهُم, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عبد السلام في (فتاويه): التلقين بدعة لم يصح فيه شيء. وروى البخاري [1338] ومسلم [2870] عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه .. إنه ليسمع قرع نعالهم, إذا انصرفوا .. يأتيه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله, فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا في الجنة فيراهما جميعًا, وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدرس كنت أقول ما يقول الناس, فيقال له: لا دريت ولا تليت, ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين). وفي (البخاري) [1369] عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقعد المؤمن في قبره ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .. فذلك لقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ}. قال: (ولجيران أهله تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم) هذا مسنون لهم ولأقربائهم الأباعد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعامًا؛ فقد جاءهم ما يشغلهم) حسنه الترمذي [998] وصححه الحاكم [1/ 372] , ولأنه بر ومعروف. وإنما عبر ب (جيران أهله) لا بجيران الميت - كما عبر به الرافعي والشيخ في (التنبيه) - ليدخل ما إذا كان الميت في بلد وأهله في غيره, فيستحب لجيران الأهل فعل ذلك. وأما إصلاح أهل الميت طعامًا وجمع الناس عليه .. فبدعة مستقبحة, روى أحمد [2/ 204] وابن ماجه [1612]- بإسناد صحيح - عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة).

وَيُلَحُّ عَلَيهِم ِفي الأَكلِ, وَيَحرُمُ تَهيِئَتُهُ لِلنَائِحَاتِ, واللهُ أَعلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويلح عليهم في الأكل)؛ لأن الحزن يمنعهم من ذلك فيضعفون. قال: (ويحرم تهيئته للنائحات والله أعلم)؛ لأنه عون على معصية الله تعالى. تتمة: أطلق المصنف وغيره: أنه إذا بلي الميت وصار ترابًا .. يجوز نبش قبره ودفن غيره فيه, ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة بتلك الناحية. وقال الموفق ابن حمزة الحموي في (مشكل الوسيط): إذا كان المدفون صحابيًا أو ممن اشتهرت ولايته .. لا يجوز نبش قبره عند الانمحاق, وما قاله ظاهر. وإذا بلي الميت .. لم يجز عمارة قبره وتسوية التراب عليه في المقابر المسبلة. ونقل عن المتولي: أنه لو وقف على المقبرة وعمارة القبور .. لا يصح. وقال في (الوصايا): تجوز الزصية لعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة والتبرك بها. اهـ وقضيته تصحيح الوقف عليها لذلك خاصة, قيحمل كلام المتولي على غير هذه الصورة. خاتمة ختن الله لكاتبه بخير صح أن: (موت الفجاة أخذه أسف) وروي: (أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من موت الفجأة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى المصنف عن أبي السكن الهجري: (أن إبراهيم وداوود وسليمان عليهم الصلاة والسلام ماتوا فجأة) , ويقال: إنه موت الصالحين. وحمل الجمهور الأول: على من له تعلقات تحتاج إلى الإيصاء والتوبة, أما المتيقظون المستعدون .. فإنه تخفيف ورفق بهم. وعن ابن مسعود وعائشة: (أن موت الفجأة راحوا للمؤمن, وأخذة غضب للفاجر). وصح أن: (الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها) فقيل: المراد ب (الثياب): العنل, واستعمله أبو سعيد الخدري على ظاهره,, لما حضره الموت .. دعا بثياب جدد فلبسها. ومن قال بهذا .. يحتاج أن يجيب عن كونهم يحشرون عراة: بأن البعث غير الحشر. والله سبحانه أعلم

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الزكاة هي في اللغة: النمو والبركة وزيادة الخير, يقال: زكا الورع: إذا نما, وزكن النفقة: إذا بورك فيها, وفلان زاك أي: كثير الخير, وتطلق على التطهير قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} أي: طهرها من الأدناس. وفي الشرع: اسم لقدر من المال يخرجه المسلم في وقت مخصوص لطائفة مخصوصة بالنية, سميت بذلك؛ لأن المال ينمو ببركة إخراجها, ومؤديها يتزكى عند الله. وأنكر داوود أن لها موضوعًا لغويًا وقال: ما عرف اسمها إلا بالشرع. والأصل في وجوبها قبل الإجماع قوله تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} إلى أن قال: {ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ}. ومن السنة: الحديث المشهور: (بني الإسلام على خمس) , وغير ذلك مما يأتي في الباب. واختلف الأصحاب في آية الزكاة فقيل: مجملة لعدم بيان المأخوذ والمأخوذ منه, وهذا هو المذهب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: عامة, حتى يستدل بها في كل مختلف فيه, إلا ما خرج بدليل. وقيل: مطلقة دالة على ما ينطق عليه الاسم, والزيادة عليه مأخوذ من السنة. وفرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر قاله الحافظ شرف الدين الدمياطي؛ بدليل قول قيس بن يعد بن عبادة: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل نزول آية الزكاة). وقيل: قبل الهجرة, وبينت بعدها. وعن (تاريخ ابن جرير الطبري): أنها في السنة الرابعة. وهي واجبة في ثمانية أصناف من أجناس المال: الذهب والفضة, والإبل والبقر والغنم, والزرع, والنخل والكرم, ولذلك وجبت لثمانية أصناف من طبقات الناس.

باب زكاة الحيوان

باب زكاة الحيوان إنَّمَا تَجِبُ مِنهُ فِي النَّعَمِ - وَهِيَ: الإِبِلُ وَالبَقَرُ وَالغَنَمُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ باب زكاة الحيوان بدأ المصنف به وبالإبل اقتداء بكتاب رضي الله عنه الآتي قريبًا. و (الحيوان): جنس الحي. قال: (إنما تجب منه النعم) بالنص والإجماع. وسمي نعمًا؛ لكثرة نعم الله فيه على خلقه من النمو وعموم الانتفاع مع كونها مأكولة, فلذلك وجبت الزكاة فيها لاحتمالها المواساة. قال: (وهي: الإبل والبقر والغنم) هذا عرف شرعي, ونقل الواحدي الاتفاق عليه, وبه جزم المصنف في (باب إحياء الموات) من (التحرير). وخصه ابن دريد والهروي بالإبل لقول حسان [من الوافر]: وكانت لا يزال بها أنيس .... خلال بيوتها نعم وشاء وقيل: يطلق على كل من الإبل والبقر ولا يطلق على الغنم. و (الأنعام) يشمل الثلاث, وهو جمع: نعم, يذكر ويؤنث, قال الله تعالى: {نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا} , وفي موضع: {مِّمَّا فِي بُطُونِهَ} , وجمع الجمع: أناعم. ولما كان لفظ (النعم) يذكر ويؤنث عند الجمهور .. أتى المصنف بضميره مؤنثًا. وقال الفراء: لا يؤنث, تقول: هذا نعم وارد. فإن قيل: لو حذف المصنف لفظة (النعم) كان أخضر وأسلم .. فالجواب: أفاد بذكرها تسمية الثلاث نعمًا. و (الإبل): اسم جمع لا واحد له من لفظه, ويجوز تسكين بائه للتخفيف, ويجمع على آبال كجمل وأجمال. و (البقر): اسم جنس واحدة: بقرة, سمي بذلك؛ لأنه يبقر الأرض أي:

لاَ الخَيلُ والرَّقِيقُ, والمُتَولِّدُ مِنَ الغَنَمِ والظِبَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يشقها, ومنه قيل [لابن] زين العابدين: الباقر؛ لأنه بقر العلم؛ أي: شقه وتوسع فيه, قال الشاعر [من السريع]: يا بقر العلم لأهل التقى .... وخير من يمشي على الأخيل و (الغنم): اسم جنس لا واحد له من لفظة, يطلق على الذكر والأنثى, والجمع: أغنام وغنوم. قال: (لا الخيل والرقيق)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) [خ 1464 _ م 1982] , وقوله صلى الله عليه وسلم: (عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق) متفق عليهما, ولأنها تقتنى للزينة والاستعمال لا النماء فأشبهت العقار. وأوجبها أبو حنيفة في إناثها المفردة والمجتمعة مع الذكور, إن شاء مالكها أعطى عن كل فرس دينارًا, وإن شاء قومها بالدراهم وأخرج زكاتها. ومحل ذلك إذا لم يكونا للتجارة. و (الخيل): اسم جمع لا واحد له من لفظه, يطلق على الذكر والأنثى. وفي (باب الأطعمة) من (التحرير): أن واحده: خايل كركب وراكب, وهو مؤنث. قال الواحدي: سميت خيلًا؛ لاختيالها في مشيها. و (الرقيق) يطلق على الواحد والجمع. قال: (والمتولد من الغنم والظباء)؛ لأنه لا يسمى غنمًا, وكذا ما تولد من البقر الوحشية والأهلية, كما لا يجزئ في الأضحية, وكما لا يسهم للبغل. وإنما وجب الجزاء على المحرم بإتلافه لتعديه وتغليب التحريم؛ لأن الإحرام مبني على التغليظ والزكاة على التخفيف.

وَلاَ شَيءَ فِي الِإبِلِ حَتَّى تَبلُغَ خَمسًا, فَفِيهَا شَاةٌ, وَفِي عَشرٍ: شَاتَانِ, وَخَمسَ عَشرَةَ: ثَلاَثٌ, وَعِشرِينَ: أَربَعٌ, وَخَمسٍ وَعِشرِينَ: بِنتُ مَخَاضٍ, وسِتِّ وَثَلاِثينَ: بِنتُ لَبُونٍ, وَسِتَّ وَأرَبَعِينَ: حِقَّةٌ, وَإحدَى وَسِتِّينَ: جَذعَةٌ, وَسِتِّ وَسَبعِينَ: بِنتَا لَبُونٍ, وَإحدَى وَتِسعِيَن: حِقَّتَانِ, وِمِئَةٍ وَإحدَى وَعِشرِينَ: ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ, ثُمَّ فِي كُلِّ أَربَعِينَ: بِنتُ لَبُونٍ, وَفِي كُلِّ خَمسِينَ: حِقَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أحمد: تجب الزكاة في المتولد مطلقًا. وأبو حنيفة: إن كانت الإناث غنمًا .. وجبت. و (الظباء) بالمد, جمع, ظبي, وهو: الغزال. قال: (ولا شيء في الإبل حتى تبلغ خمسًا, ففيها: شاة)؛ لما روى الشيخان [خ 1405 _ م 980]: (ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة) , وفي رواية [م 980]: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة). و (الذود) – بإعجام الذال الأولى- الإبل. وإنما بدأ بافبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بها في أكثر كتبه التي كتبها للسعاة؛ بسبب أنها كانت أعم أمواله وضبطها يصعب فبدأ بها ليعتني بحكمها. قال: (وفي عشر: شاتان, وخمس عشرة: ثلاث, وعشرين: أربع, وخمس وعشرين: بنت مخاض, وست وثلاثين: بنت لبون, وست وأربعين: حقة, وإحدى وستين: جذعة, وست وسبعين: بنتا لبون, وإحدى وتسعين: حقتان, ومئة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبون, ثم في كل أربعين: بنت لبون, وفي كل خمسين: حقة)؛ لما روى البخاري عن أنس بن مالك: أن أبا بكر رضي الله عنهما كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم, هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها .. فليعطها, ومن سئل فوقها .. فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شاة, فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين .. ففيها بنت مخاض أنثى, فإن لم تكن بنت مخاض .. فأبن لبون ذكر, فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمس وأربعين .. ففيها بنت لبون أنثى, فإذا بلغت واحدة وستون إلى خمس وسبعين .. ففيها جذعة, فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى تسعين .. ففيها بنتا لبون, فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة .. ففيها حقتان طروقتا الجمل, فإذا زادت على عشرين ومئة .. ففي كل أربعين بنت لبون, وفي كل خمسين حقة) رواه البخارس مقطعًا في عشرة مواضع, وأبو داوود [1561] بكماله. وقدمه الشافعي على غيره؛ لأنه أصح ومتفق على العمل بجميعه. وقوله: (وفي أربع وعشرين فما دونها) وقوله: (إلى خمس وثلاثين .. إلى خمس وأربعين .. إلى ستين) كل ذلك دليل على أن الأوقاص ليست بعفو وأن الفرص يتعلق بالجميع, وهو نص (الإملاء) , واختاره ابن سريج ونص في أكثر كتبه على أنها: عفو. وهو الأظهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (في خمس من الإبل

وَبِنتُ المَخَاضِ: لهَا سَنَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ شاة, ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرًا) وستأتي فائدة الخلاف في ذلك في كلام المصنف في آخر (كتاب الزكاة). وقول المصنف: (ومئة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون) يعني: أنه لا يتغير الفرص قبل ذلك وهو الصحيح المنصوص. وقال الإصطخري: إذا زادت على مئة وعشرين ولو بعض واحدة .. وجبت ثلاث بنات لبون محتجًا بقوله في الحديث: (فإذا زادت) ولم يقيد. واحتج الجمهور بالقياس على سائر النصب؛ فإنها لا تتغير إلا بواحد كامل, وبأنه السابق إلى الفهم من الزيادة, وبقولنا قال الأئمة الثلاثة إلى مئة وعشرين ففيها جقتان بالاتفاق. ثم عند أبي حنيفة يستأنف الحساب؛ ففي كل خمس يزيد شاة مع الحقتين, فإذا بلغت مئة وخمسًا وأربعين .. ففيها بنت تخاض مع الحقتين, فإذا بلغت مئة وخمسين .. ففيها ثلاث حقاق, ثم يستأنف الحساب في كل خمس زادت شاة مع الحقاق الثلاث إلى أن تبلغ مئة وخمسًا وسبعين .. ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق, وقي مئة وست وثمانين بنت لبون وثلاث حقاق, وفي مئتين أربع حقاق. وحكي الإمام الغزالي عن ابن خيران: أنه خير بعد المئة والعشرين بين مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة. والصواب: أنه ابن جرير الطبري لا ابن خيران, وقد اتفق الغزالي نظير ذلك فيما إذا قطعت يده أو رجله أو حلق الشعر الذي مسح عليه في الوضوء كما تقدم التنبيه عليه. قال: (وبنت المخاض: لها سنة) سميت بذلك؛ لأن أمها لحقت بالمخاض وهي الحوامل، ثم لزمها هذا الاسم وإن لم تحمل أمها، ولا تزال كذلك حتى تدخل في الثالثة.

واللَّبُونِ: سَنَتَانِ, وَالحِقَّةُ: ثَلاَث, ٌ وَالجَذعَةُ: أَربَعٌ. وَالشَّاةُ الوَاجِبَةُ: جَذعَةُ ضَأنٍ لهَاَ سَنَةٌ – وَقِيلَ: سِتَّةُ أَشهُرٍ – أَو: ثَنِيةُ مَعزٍ لَها سَنَتَانِ, وَقِيلَ: سَنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (واللبون: سنتان) سميت بذلك؛ لأن أمها لها أن تكون ذات لبن؛ لأنها تمكث بعد ولادتها سنة ثم تحمل ثم تلد في الثالثة. قال: (والحقة: ثلاث)؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها وأن يطرقها الفحل – والذكر: حق – ولا تزال كذلك حتى تدخل في الخامسة. قال: (والجذعة: أربع) هي بالذال المعجمة؛ لأنها تجذع مقدم أسنانها, أي: تسقطها. وقيل: لتكامل أسنانها. والذكر: جذع. وهذا آخر الأسنان المنصوص عليها في الزكاة. وأول ما يولد البعير يسمى: ربعًا ثم هبعا, ثم فصيلًا, ثم ابن مخاض , ثم ابن لبون , ثم حقًا, فإذا دخل في السادسة .. فهو ثني – وهو أول الأسنان المجزئة في الأضحية – وفي السابعة: رباع, والأنثى: رباعية, وفي الثامنة: سدس وسديس, الذكر والأنثى سواء, وفي التاسعة: بازل, وفي العاشرة: مخلف عامين .. إلى خمس سنين. فإذا تجاوزها .. فهو عود, والأنثى: عودة, فإذا هرم .. فهو قخم, والأنثى .. ناب وشارف. قال: (والشاة الواجبة: جذعة ضأن لها سنة – وقيل: ستة أشهر – أو ثنية معز لها سنتان, وقيل: سنة)؛ لإطلاق لفظ الشاة في الأخبار وهي صادقة على الذكر والأنثى

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَلاَ يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى الضأن والمعز، ومختصة في عرف الشرع بالأضحية ودماء الجبرانات بالجذع من الضأن والثني من المعز فنُزّل هنا على ذلك. والذي صححه المصنف هو المشهور من أقوال أهل اللغة والفقه. والقول الثاني ذكره بعض اللغويين، وصححه الجرجاني وصاحب (التنبيه) وابن الفركاح. وقيل: الجذعة ثمانية والثنية ستة حكاه الرافعي، وأسقطه من (الروضة). وقال ابن الأعرابي: المتولِّد بين شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة، وبين هرمين يجذع لثمانية. وقيل) يجذع الربيعي لثمانية والخريفي لعام، حكاه شارح (التعجيز). كل هذا إذا لم يحصل الإجذاع قبل هذا السن، فإن حصل .. أجزأ كاحتلام الغلام قبل خمسة عشر. قال: (والأصح: أنه مخير بينهما) أي بين الضأن والمعز؛ لأن اسم يقع عليهما جميعًا. قال: (ولا يتعين غالب غنم البلد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (في كل خمس شاة)، واسم الشاة صادق على جميع، فله أن يخرج من أدني النوعين الموجودين في البلد. والثاني: يتعين غالب غنم البلد كالكفارة، فإن استويا .. تخير. والثالث: يتعين نوع غنم المزكي إن كان له غنم. والرابع: يجوز من غير غنم البلد لصدق الاسم، وقواه في (شرح المهذب) من جهة الدليل. وعلى المذهب: لا يجوز العدول عن غنم البلد. وتعبيره بـ (الصح) مخالف لتعبير (الروضة) بالصحيح.

وَأَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَكَذَا بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنه يجزئ الذكر) كالأضحية، ولو تمحضت إبله إناثًا لصدق اسم الشاة عليه؛ فإن الهاء فيها ليست للتأنيث. والثاني: لا يجزئ كالشاة المخرجة عن أربعين من الغنم. وقيل: إن كان بعضها إناثًا .. لم يجزئ الذكر. قال: (وكذا بعير الزكاة عن دون خمس وعشرين) أي: عوضًا عن الشاة الواحدة أو عن الشياه المتعددة؛ لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فعما دونه أولى. والثاني: لا، بل لابد في كل خمس من حيوان، فلابد في العشرين مثلًا من أربعة أبعرة، أو أربع شياه، أو بعيران وشاتان، أو ثلاثة أعبرة وشاة أو بالعكس، ولابد في الخمسة عشر من ثلاثة حيوانات، وفي العشر من حيوانين قياسًا على ما سبق. ولا فرق في البعير بين أن تزيد قيمته على قيمة الشاة أو تنقص على الصحيح. والثالث- عن القفال-: لا يجزئه الناقص عن قيمتها في خمس، ولا عن قيمتها في عشر، ولا عن قيمة ثلاث في خمسة عشر، ولا عن أربع في العشرين؛ نظرًا إلى أن الشاة أصل والبعير بدل عنها. وهذه الوجه هي المقابلة للأصح، ولم يقل أحد من الصحاب: إن البعير لا يجزئ مطلقًا، إنما ذلك مذهب مالك وأحمد. وأشار المصنف بقوله: (بعير الزكاة) إلى أنه: لا بد أن يكون مجزئًا عن خمس وعشرين كذا في (الروضة)، وزاد في (شرح المهذب): أنه لابد أن يكون أنثى. وفي (الدقائق): أن سنة إن نقص عن السنة يومًا واحدًا .. لا يجزئ. وإذا أخرج البعير، فإن كانت إبله صحاحًا .. فصحيح، وإن كانت مراضًا .. فمريض. وإن أخرج الشاة .. لا تجزئه إلا صحيحة؛ لأنها وجبت في الذمة. ثم البعير المخرج عن خمس، هل يقع كله فرضًا أو خمسه؟

فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ .. فَابْنُ لَبُونٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه وجهان، أصحهما: الأول، وهما كالوجهين فيما إذا ذبح المتمتع بدنة أو بقرة بدل الشاة هل تقع كلها فرضًا أو سبعها؟ وفيمن مسح جميع الرأس في الوضوء، وإذا أطال الركوع والسجود زيادة على القدر الواجب، واختلف في ذلك الترجيح كما تقدم. و (البعير) يطلق على الذكر والأنثى، ومنه قول بعض العرب: حلبت بعيري، وجمعه: أبعرة وأباعر وبُعْران. قال: (فإن عدم بنت المخاض)، بأن لا تكون في ملكه حالة الإخراج، أو كانت في ملكه ولكنها مغصوبة أو مرهونة. قال: (.. فابن لبون) وإن كان قادرًا على شراء ابنة مخاض، لأنه جاء في رواية أبي داوود [1561]: (فإن لم يكن فيها بنت مخاض .. فابن لبون ذكر)، وروى البخاري معناه [1448]. وقوله: (ذكر) أراد به التأكيد؛ لرفع توهم الغلط، فلو أخرج خنثي من أولاد اللبون .. أجزأه في الأصح؛ لأنه إن كان ذكرًا .. فذاك، وإن كان أنثى .. فقد زاد خيرًا. وقيل: لا؛ لأن الخنوثة تشوه الخلقة فتشبه سائر العيوب. ولو أراد إخراج هذا الخنثى مع وجود بنت مخاض .. لم يجزئه؛ لاحتمال أنه ذكر. فروع: يجزئ ابن اللبون وإن كان أقل قيمة من بنت مخاض، ولا يكلف شراء بنت مخاض وإن قدر عليها. ولو مات قبل إخراج ابن اللبون وعند وارثه بنت مخاض .. أجزأه ابن اللبون. ولو لم يكن في إبله بنت مخاض ولا ابن لبون، فهل يتعين تحصيل بنت مخاض؛ لأنها الأصل، أو له تحصيل ابن لبون وإخراجه؛ لأنه إذا حصّله صار موجودًا؟ فيه وجهان، أصحهما: الثاني.

وَالْمَعِيبَة كَمَعْدُومَةٍ. وَلاَ يُكَلَّفُ كَرِيمَةً لَكِنْ تَمْنَعُ ابْنَ لَبُونٍ فِي الأّصَحِّ. وَيُؤْخَذُ الْحِقُّ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، لاَ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ فِي الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمعيبة كمعدومة)، فيخرج ابن اللبون مع وجودها؛ لأنها غير مجزئة. قال: (ولا يكلف كريمة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (إياك وكرائم أموالهم). وصورة المسألة: أن تكون عنده بنت مخاض كريمة وإبله مهازيل، فإن تطوع بها .. فقد أحسن. وأفهم: أنه لو كانت إبله كلها كرامًا .. وجب لإخراجها؛ إذ لا تكليف. و (كرائم الأموال): نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها؛ لعزتها عليه بسبب ما جمعت من جميل الصفات. قال: (لكن تمنع ابن لبون في الأصح) المراد: أن الكريمة تمنع إخراج ابن اللبون؛ لأنه قادر على بنت مخاض مجزئة. والثاني: يجوز إخراجه؛ لأن إخراج الكريمة لا يجب فكانت كالمعدومة، وهذا هو المنصوص وصححه الشيخ أبو حامد وصاحب (المهذب) و (التهذيب). قال: (ويؤخذ الحَق عن بنت المخاض) أي: عند فقدها؛ لأن إخراج ابن اللبون جائز فالحق أولى. وقيل: لا يجزئ؛ لأنه لا مدخل له في الزكوات. ومقتضى المذهب: لأنه لا يعطى معه جبران، لأن الجبران مخصوص بالإناث؛ لأن الذكور لا يعلم التفاوت بينها. قال: (لا عن بنت لبون في الأصح)؛ لأن تفاوت السن بين بنت المخاض وابن اللبون ليس كتفاوته بين بنت اللبون والحق.

وَلَوِ اتَّفَقَ فَرْضَانِ كَمِئَتَيْ بَعِيرٍ .. فالْمَذْهَبُ: لاَ يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاٍ، بَلْ هُنَّ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِنْ وَجَدَ بِمَالِهِ أَحَدَهُمَا .. أَخَذَ، وَإِلاَّ .. فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: نعم؛ لانجبار فضيلة الأنوثة بزيادة السن، كما يجوز إخراج ابن اللبون بدلًا عن بنت المخاض. وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بـ (الصحيح)؛ لأن الخلاف ضعيف جدًا. قال: (ولو اتفق فرضان كمئتي بعير .. فالمذهب: لا يتعين أربع حقائق، بل هن أو خمس بنات لبون)؛ لأنها أربع خمسينات وخمس أربعينات. وفي (سنن أبي داوود) [1564] عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانت مئتين .. ففيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون) أي السنين وجدت أخذت. والقول الثاني- وهو منصوص القديم-: تتعين الحقائق؛ لأن تغيير الفرض بالسن أكثر من تغييره بالعدد فكان الاعتبار بالسن أولى. والطريق الثاني: القطع بالأول، وتأويل الثاني على ما إذا لم توجد إلا الحقاق. قال: (فإن وجد بماله أحدهما .. أخذ)، ولا يكلف تحصيل الآخر؛ للحديث المتقدم، ولو كان أنفع للمساكين، لكنه لو حصل المفقود ودفعه .. كان له ذلك، لاسيما إن كان المفقود أغبط، ولا يجوز الصعود والنزول بجبران إذ لا ضرورة إليه. والمراد بـ (الوجدان في ماله ...): أن يكون كاملًا مجزءًا، وفقد الأخر بماله كله أو بعضه، أو وجد وهو معيب. قال: (وإلا) أي: وإن لم يوجد بماله بصفة الأجزاء (.. فله تحصيل ما شاء)؛ فإنه إذا اشترى أحد الصنفين .. صار واجدًا له. وله أن يصعد مع الحقائق إلى أربع جذاع بجبران، أو ينزل من بنات اللبون إلى خمس بنات مخاض بجبران، وليس له الصعود من بنات اللبون إلى الجذاع، ولا النزول من الحقاق إلى بنات المخاض بتعدد الجيران في الأصح.

وَقِيلَ: يَجِبُ تَحْصِيلُ الأَغْبَطِ لِلْفُقَرَاءِ- وإِنْ وَجَدَهُمُا .. فَالصَّحِيحُ المْنَصُوصُ: تَعَيُّنُ الأَغْبَطِ وَلاَ يُجْزِئُ غَيرُهُ إِنْ دَلَّسَ أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي، وَإِلاَّ .. فَيُجْزِئُ. وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: يجب تحصيل الأغبط للفقراء)، كما يجب إخراج الأغبط إذا وجده كما سيأتي. قال: (وإن وجدهما) أي: بصفة الأجزاء من غير نفاسة (.. فالصحيح المنصوص: تعين الأغبط)؛ لأن مبنى الزكاة على النظر للفقراء- بخلاف الجبران فإنه شرع تخفيفًا على المالك فكانت الخبرة إليه في الصعود والنزول- إلا أن تكون كرائم .. فينبغي أن يكون كالمعدوم حتى غيره ولا يكلف به. قال: (ولا يجزئ غيره إن دلس) بأن أخفي الأغبط. قال: (أو قصر الساعي) بأخذه غير الأغبط مع وجوده، أو لم يجتهد وظن أنه الأغبط. وحيث قلنا: لا يجزئ .. فعليه إخراجها، وعلى الساعي رد ما أخذ إن كان باقيًا، وقيمته إن كان تالفًا. قال: (وإلا .. فيجزئ) أي: يحسب من الزكاة لانتفاء الأمرين وليس المراد: أنه يكفي، وشرط في (التهذيب): أن لا يكون باقيًا، فإن كان باقيًا .. لم يقع عن الزكاة، وهذه التفرقة ضعيفة. وقيل: يجزئ بكل حال. وقيل: لا يجزئ مطلقًا. وقيل: إن فرقه على المساكين .. أجزأ لعسر الاسترجاع، وإن .. فلا. وقيل: إن دفع المالك مع لعلمه بأنه أدنى .. لم يجزئه، وإن كان الساعي هو الذي أخذه .. جاز. قال: (والأصح: وجوب قدر التفاوت) أي: ‘ذا قلنا: إنه يقع الموقع؛ لأنه لم يدفع الفرض بكماله، فوجب جبر ما نقص باعتبار القيمة، فإذا كانت قيمة الحقاق

وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أربع مئة، وقيمة بنات اللبون خمس مئة وأخذ الحقاق .. فالتفاوت مئة. والثاني: لا يجب شيء، بل يستحب كما إذا أدى اجتهاد الإمام إلى أخذ القيمة فأخذها لا يجب شيء آخر. قال: (ويجوز إخراجه دراهم)؛ لضرر المشاركة، ولأنه قد يعدل إلى غير الجنس الواجب للضرورة كمن عليه شاة في خمس من الإبل فلم يجد شاة يخرج قيمتها. ومن لزمته بنت مخاض، فلم يجدها ولا ابن لبون لا في ماله بالثمن .. يعدل إلى القيمة. فعلى هذا: إن أخرج شقصًا .. جاز. والمراد بـ (الدراهم): نقد البلد، فإن كان نقدها دنانير .. فدنانير. قال: (وقيل: يتعين تحصيل شقص به)؛ لأن الواجب الإبل والعدول إلى غير الجنس الواجب في الزكاة ممتنع. فعلى هذا: الأصح: يجب أن يشتري شقصًا من جنس الغبط. وقيل: من جنس المخرج. وقيل: يتخير بينهما. وقيل: يجب شقص من بعير أو شاة، ولا يجزئ جزء بقرة، لأنها لا مدخل لها في زكاة الإبل. ولو بلغت إبله أربع مئة، فأخرج أربع حقائق وخمس بنات لبون .. جاز خلافًا للإصطخري، لأن المحذور من المئتين إنما هو التشقيص. ولو أخرج في صورة المئتين ثلاث بنات لبون وحقتين، أو أربع بنات لبون وحقة .. لم يجز. وحكم البقر إذا بلغت مئة وعشرين حكم المئتين في أربعة أتبعة وثلاث مسنات.

وَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ .. دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماُ، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا .. دَفَعَ بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماُ، أَوْ حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماُ. وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ والدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا، وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ لِلْمَالِكِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن لزمه بنت مخاض فعدمها وعنده بينت ليون .. دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا، أو بنت لبون فعدمها .. دفع بنت مخاض مع شاتين أو عشرين درهمًا، أو حقة وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا)، كما كتب به أبو بكر رضي الله عنه لأهل اليمن). فإن وجدها .. امتنع النزول عنه وكذا الصعود إلا أن يطلب جبرانًا، لأنه خير. ولو لزمه حقه أو جذعة فأخرج بنتي لبون، أو لزمته جذعة فأخرج حقتين بلا جبران .. فوجهان: أصحهما: تجزئ؛ لأنهما تجزئان عما فوق إبله فعنها أولى. والثاني: لا؛ لأن في الواجب معنىً ليس في المخرج. قال: (والخيار في الشاتين والدراهم) وهو المالك في النزول، والساعي في الصعود؛ للحديث الصحيح. وقيل: الخيار للساعي مطلقًا وهو ضعيف. فإذا كان الدافع رب المال .. ندب له أن يختار الأنفع للفقراء، وإن كان الساعي .. وجب ذلك عليه. قال: (وفي الصعود والنزول للمالك في الأصح)؛ لأنهما ثبتا رفقًا بالملك؛ لئلا يحتاج إلى الشراء فلا يليق به إلا التخيير. والثاني: الخيرة في ذلك إلى الساعي مراعاة لحظ المساكين. ومحل الخلاف: ما إذا عين الساعي الأحظ والمالك خلافه، فلو كان بالعكس ..

إِلاَّ أَنْ تَكُونَ إِبِلُهُ مَعِيبَةً. وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ، وَنُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ ُجبْرَانَيْنِ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجَةٍ في الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجيب المالك قطعًا ولا يلتفت إلى الساعي؛ لأنه خلاف المصلحة، فإن استوى الأمران قال الإمام: الأظهر: إتباع المالك. قال: (إلا أن تكون إبله معيبة) .. فالخيرة حينئذ للساعي، وكذلك إذا كانت مراضًا؛ لأن التفاوت بين السليمتين أكثر منه بين المعيبتين، وما جبر أعلى التفاوتين لا يؤخذ من الفقراء جبرًا لأدناهما. قال الإمام: هذا إذا قلنا: الخيار للملك، فإن قلنا: للساعي فرأى المصلحة للفقراء في ذلك .. جاز. ولو رضي المالك بالنزول ودفع الجبران .. جاز قطعًا؛ لأنه متبرع بالزيادة. قال: (وله صعود درجتين وأخذ جبرانين) كما أعطى عن بنت اللبون جذعة عند فقدها وفقد الحقة. قال: (ونزول درجتين مع جبرانين) كما إذا أعطى عن الحقة بنت مخاض. وكذلك له ثلاث درجات بأن يعطي بدل الجذعة عند فقدها وفقد الحقة وبنت اللبون بنت مخاض مع ثلاث جبرانات. وهذا لا خلاف فيه عندنا، إلا أن ابن المنذر اختار لنفسه عدم جواز الزيادة على جبران واحد كما ثبت في الحديث). والصحيح: الأول؛ لأنه في معنى ما ثبت في الحديث. قال: (بشرط تعذر درجة في الأصح)، فلا يجوز الصعود والنزول بدرجتين مع التمكن من درجة، أو ثلاث مع التمكن من درجتين؛ لأنه ليس في معنى ما ثبت في الحديث، ولأنه متمكن من تقليل الجبران فلا يعدل عنه. والثاني: يجوز مع القدرة على الدرجة القربى كما إذا وجد الحقة في المثال الأول، أو بنت اللبون في المثال الثاني، لأنها ليست واجب ماله فوجودها كعدمها.

وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ جُبْرَانٍ مَعَ ثَنِيَّةٍ بَدَلَ جَذَعَة عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْتُ: واللهُ أَعْلَمُ. وَلاَ تُجْزِئُ وَعَشْرَةُ دَرَاهِمَ، تُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ لِجُبْرَانَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل الوجهين في الصعود من بنت اللبون إلى الجذعة: إذا طلب جبرانين، فإن رضي بجبران واحد .. جاز بالاتفاق. وقوله: (في الأصح) يعود إلى الشرط لا إلى أصل الصعود والنزول بدرجتين. قال: (ولا يجوز أخذ جبران مع ثنية بدل جذعة على أحسن الوجهين)؛ لأنها ليست من الأسنان المنصوص عليها في الزكاة، ولأن الجذعة والثنية تتقاربان في القوة والمنفعة. قال: (قلت: الأصح عند الجمهور: الجواز والله أعلم)؛ لأنها أعلى منها بعام فجاز كالجذعة مع الحقة. ولو أخرجها بلا جبران .. فلا خلاف في الإجزاء كما يقدم. ولو اخرج فصيلًا- وهو: ما له دون السنة- عن بنت المخاض وأعطى الجبران .. لم يجز بلا خلاف. قال: (ولا تجزئ شاة وعشرة دراهم) أي: عن جبران واحد؛ لأن الحديث يقتضي التخيير بين شاتين وعشرين درهمًا، فلا تثبت خيرة ثالثة كما أن الكفارة الواحدة لا يجوز فيها أن يطعم خمسة ويكسو خمسة. ويستثنى من إطلاق المصنف: ما إذا كان المالك هو الآخذ ورضي بالتفريق فإنه يجوز؛ لأنه حقه فله إسقاطه كما لو قنع بشاة وعشرة دراهم. قال: (وتجزئ شاتان وعشرون لجبرانين) كما لو أطعم في كفارة يمين وكسا في أخرى، ولا فرق في ذلك بين الساعي والملك ويجبر الآخر على قبوله، وكذلك في ثلاث جبرانات يعطي شاتين واربعين درهمًا، أو أربع شياه وعشرين درهمًا.

وَلاَ الْبَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاَثِينَ فَفِيهَا: تَبِيعٌ ابْنُ سَنَةٍ، ثُمَّ في كُلِّ ثَلاَثِين: تَبِيعٌ، وَكُلِّ أَرْبَعينَ: مُسِنَّةٌ لَهَا سَنَتانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: لا مدخل للجبران في زكاة البقر والغنم؛ لعدم وروده فيها. والشاة هنا كالشاة المأخوذة في خمس من الإبل في الذكورة والأنوثة والسن إن كان المخرج المالك، وإن كان المخرج الساعي .. فالاعتبار بما يرضى به رب المال إن كان دون ذلك، وإن حصل تنازع .. فالمعتبر فيهما ما تقدم. والدراهم شرطها: أن تكون نقرة قطعًا، قال الإمام: وكذا دراهم الشريعة حيث وردت. قال: (ولا البقر) أي: ولا شيء في البقر (حتى تبلغ ثلاثين ففيها: تبيع ابن سنة، ثم في كل ثلاثين: تبيع، وكل أربعين: مسنة لها سنتان)؛ لما روى مالك [1/ 259] عن طاووس: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، وأربعين مسنة لها سنتان، وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منها شيئًا وقال: (لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى أقدم عليه فأسأله) فتوقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ رضي الله عنه، وطاووس وإن لم يلق معاذًا رضي الله عنه إلا أنه يماني، وسيرة معاذ رضي الله عنه بينهم مشهورة، هكذا قاله الشافعي رضي الله عنه. وصحح الترميذي [633] والحاكم [1/ 398] حديث معاذ رضي الله عنه: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن آخذ من كل ثلاثين تبيعًا، ومن كل أربعين مسنة). وقوله: (ابن سنة) المراد: أنه دخل في الثانية. وسمي تبيعًا؛ لأنه يتبع أمه في المسرح، أو لأن قرنه يتبع أذنه. وقيل: التبيع: ما له ستة أشهر، والمسنة: سنة. ولو أخرج تبيعة .. أجزأت، بل هي أولى للأنوثة. وسميت: مسنة؛ لتكامل سنها.

فصل

وَلاَ الْغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ فَشَاةٌ جَذَعَةُ ضَانٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْز، وَفي مِئَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ: شَاتَانِ، وَمِئَتيْنِ وَوَاحِدَةٍ: ثَلاَثٌ، وَأَرْبَعِ مِئَةٍ: أَرْبعٌ، ثُمَّ في كُلِّ مِئَةٍ: شَاةٌ. فَصْلٌ: إِنِ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمِاشِيَةِ .. أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو أخرج عن أربعين تبيعين .. أجزأ على الصحيح. وقال البغوي: لا؛ لأن العدد لا يقوم مقام السن كما لو أخرج عن ست وثلاثين بنتي مخاض. وهذا ليس بصحيح؛ لأن التبيعين يجزئان عن الستين فعن أربعين أولى، بخلاف بنتي المخاض فإنهما ليسا من فرض نصاب. قال: (ولا الغنم حتى تبلغ أربعين فشاة جذعة ضأن أو ثنية معز، وفي مئة وإحدى وعشرين: شاتان، ومئتين وواحدة: ثلاث) شياه (وأربع مئة: أربع، ثم في كل مئة) شاة (شاة)؛ لما رواه البخاري [1454] عن أنس رضي الله عنه، ونقل الشافعي رضي الله عنه: أن أهل العلم لا يختلفون في ذلك. تتمة: إذا تفرقت ماشية المالك في أماكن .. فهي كالتي في مكان واحد، حتى لو ملك أربعين شاة في بلدين .. لزمته الزكاة. وإن ملك ثمانين في بلدين، في كل بلد أربعون .. لا تلزمه إلا شاة واحدة تباعدت المسافة أو تقاربت. وقال أحمد: إذا تباعدت المسافة .. جعلت كملك رجلين، ففي الثمانين في البلدين شاتان. لنا: الإجماع على أن الدراهم والدنانير إذا كانت ببلدين .. تجب زكاتها فكذلك الماشية. قال: (فصل: إن اتحد نوع الماشية .. أخذ الفرض منه)؛ لأنه المال المشترك فتؤخذ الأرحبية

فَلَوْ أَخَذَ عَنْ ضَانٍ مَعْزاَ أَوْ عَكْسَهُ .. جَازَ في الأَصَحِّ بِشَرْطِ رِعَايَة الْقِيمَةِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ كَضَانٍ وَمَعْزٍ .. فَفِي قَوْلٍ: يُؤْخَذُ مِنَ الأَكْثَر، فَإِنِ اسْتَوَيَا .. فالأَغْبَطُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا شَاءَ مُقَسَّطًا عَلَيْهِمَا بالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ ثَلاَثُونَ عَنْزًا وَعَشْرُ نَعَجَاتٍ .. أَخَذَ عَنْزاَ أَوْ نَعْجَةً بِقِيمَةِ ثلاَثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبُعِ نَعْجَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأرحبية، والمهرية من المهرية، والضأن من الضأن، والمعز من المعز. وسُميت ماشية؛ لرعيها وهي تمشي. قال: (فلو أخذ عن ضأن معزًا أو عكسه .. جاز في الأصح بشرط رعاية القيمة)؛ لاتفاق الجنس، كالأرحبية مع المهرية، ولهذا يكمل نصاب أحدهما بالآخر. والثاني: لا كالإبل عن الغنم. والثالث: لا يجوز المعز عن الضأن ويجوز عكسه؛ لأن الضأن خير من المعز. و (الضأن) جمع ومفرده: ضائن للمذكر، وضائنة للمؤنث. و (المعز) بقتح العين وسكونها ومفرده: ماعز للمذكر، وماعزة للمؤنث. قال: (وإن اختلف كضأن ومعز .. ففي قول: يؤخذ من الأكثر)، وإن كان الأحظ خلافة؛ لأن النظر إلى كل نوع مما يشق، فأتبعنا الأقل الأكثر كما نظرنا إلى الغالب في المركب من الحرير وغيره. قال: (فإن استويا .. فالأغبط) كما في اجتماع الحقاق وبنات اللبون. وقيل: يتخير المالك. قال: (والأظهر: أنه يخرج ما شاء مقسطًا عليهما بالقيمة) رعاية للجانبين. وفي المسألة قول ثالث: إنه يؤخذ من الوسط كما في الثمار. إلا أنه لا يأتي في النوعين فقط. وقيل: يؤخذ الواجب من الأجود. قال: (فإذا كان ثلاثون عنزًا وعشر نعجات .. أخذ عنزًا أو نعجة بقيمة ثلاثة أرباع عنز وربع نعجة) فإذا قيل مثلًا: قيمة عنز مجزئة دينار، وقيمة التعجة المجزئة دينارات .. أخرج عنزًا أو نعجة قيمتها دينار وربع.

وَلاَ تُؤْخَذُ مَرِيَضةٌ، وَلاَ مَعِيبَةٌ إِلاَّ مِنْ مِثْلِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تؤخذ مريضة، ولا معيبة)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، وفي (البخاري) [1455] في كتاب أبي بكر رضي الله عنه: (ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عَوار ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق). و (العَوار) بفتح العين: العيب. و (تيس الغنم): فحلها المعد لضرابها. و (المُصْدِق) بتخفيف الدال: الساعي، أي: إلا أن يرى الساعي أن ذلك أفضل للمساكن، فيعود الاستثناء إلى الجميع. كذا قرره المصنف. وقال الأكثرون: (المصدّق) بتشديد الدال: المالك فيعود الاستثناء إلى الخيرة فقط، فلا تؤخذ الهرمة ولا المعيبة، ويؤخذ تيس الغنم إذا رضي المالك. وصورته: إذا كانت الغنم كلها ذكرًا بأن ماتت الإناث وبقيت الذكور. قال: (إلا من مثلها) أي: في الصورتين؛ لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وأيضًا الفقراء ملكوا منها قدر الزكاة كذلك، ولأنا لو كلفنا المالك غيره لجحفنا به. فإذا كانت كلها مراضًا .. فمرسضة وسط. والعيب هنا: ما أثبت الرد في البيع على الصحيح. هذا إذا كانت ماشيته كلها مراضًا، فإن كانت صحاحًا ومراضًا، وكان الواجب حيوانًا واحدًا كأربعين شاةً .. لم يخرج إلا صحيحة، فإن وجب حيوانان، ونصف ماله صحاح ونصفه مراض- كبنتي لبون في ست وسبعين، وشاتين في مئتين- فطريقان، أصحهما: وجوب صحيحتين بالقسط. وقيل: تجزئ صحيحة ومريضة. وحاصل المذهب: أنه لا تؤخذ مريضة إلا إذا تمحضت مراضًا، وكذلك المعيبة. هذا إذا كان يملك من الصحاح قدر الواجب فإن كان لا يملك في مثالنا إلا

وَلاَ ذَكَرٌ إِلاَّ إِذَا وَجَبَ، وَكَذَا لَوْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا في الأَصَحِّ- وَفي الصِّغَارِ: صَغِيرَةٌ في الْجَدِيدِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيحة واحدة .. فالأصح: أنه يخرج صحيحة ومريضة، وقيل: صحيحتين. قال: (ولا ذكر) بالاتفاق؛ لأن النص ورد بالإناث. قال: (إلات إذا وجب) كابن اللبون والتبيع في مواضع وجوبهما، لكن يرد عليه، الحق عند فقد بنت المخاض .. فإنه يجزئ خلافًا لابن كج، والمسن فإنه يجزئ عن التبيع، والتبيعان يجزئان عن المسنة خلافًا للبغوي كما تقدم. قال: (وكذا لو تحمضت ذكورًا في الصح) فيؤخذ الذكر كما تؤخذ المريضة من المراض، لأن أمر الزكاة مبني على الرفق وفي تكليفه الشراء مشقة. فعلى هذا: يؤخذ في ست وثلاثين ابن لبون أكثر من قيمة ابن لبون، ويؤخذ في خمس وعشرين عند فقد بنت المخاض. والثاني: لا يجزئ الذكر للتنصيص على الإناث وهذا قوي. والثالث: إن أدى أخذ الذكر إلى التسوية بين نصابين كابن لبون عن ست وثلاثين لم يؤخذ عن خمس وعشرين، وإلا .. أخذ كابن مخاض عن خمس وعشرين وحق عن ست وأربعين وجذع عن إحدى وستين. قال: (وفي الصغار: صغيرة في الجديد)؛ لقول أبي بكر رضي الله عنه: (والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لقاتلتهم على منعها)، وفيه دلالتان: إحداهما: روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ: العناق. والثانية: إجماع الصحابة؛ لموافقتهم إياه. والقديم: وجوب الكبيرة؛ لعموم لفظ الأحاديث. والمراد بـ (الصغير) هنا: ما كان دون سن الفرض، فلو كان فيها واحد من سن الفرض .. منعت إخراج الصغيرة.

وَلاَ رُبَّى، وَأَكُولَةٌ، وَحَامِلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصنف صحح في الكتاب طريقة القولين، وفي (الروضة) طريقة الوجهين، وفي (شرح المهذب) طريقة القطع. وإثبات الخلاف بالنسبة إلى الإبل والبقر صحيح، وأما في الغنم .. فالجمهور قطعوا فيها بالأخذ؛ لأنه يؤدي إلى التسوية بين القليل والكثير؛ لأن الاعتبار فيها بالعدد كما تقدم. قال: (ولا رُبَّى) وهي: الحديثة العهد بالنتائج؛ لأنها من كرائم الأموال. وسميت رُبَّى؛ لأنها تربي ولدها. وجمعها: رباب. وهذا الاسم يطلق عليها إلى خمسة عشر يومًا من ولادتها قاله الأزهري، وقال الجوهري: إلى تمام شهرين. ويكون ذلك في الغنم، وربما جاء في الإبل، وقيل: وفي البقر أيضًا. وحكي الإمام وجهًا: أن الرَّبَّى لا تؤخذ؛ لأنها لقرب عهدها بالولادة مهزولة. قال: (وأكولة) وهي: المسمنة للأكل. هذا قول الشافعي وأبي عبيد، وقال غيرهما: هي الخصي. وإنما لم تؤخذ؛ لقوله رضي الله عنه: (لا تؤخذ الكولة ولا الرُّبَّى). قال: (وحامل) سواء كان الحمل مأكولًا أم لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أخذ الشافع- وهي: التي في جوفها ولد- رواه أبو داوود [1575] ولم يضعفه. ولأن في أخذها إجحافًا بالملك؛ لاشتمالها على حيوان آخر لا يجب، ولهذا سميت شافعًا من الشفع الذي هو نقيض الوتر. وأوجبها- أيضًا- الشارع؛ تغليظًا في قتل العمد. والتي طرقها الفحل هنا كالمتحققة الحمل؛ لأن الغالب في البهائم العلوق، بخلاف الأمة الموطوءة إذا دفعها في الغرة فإنها تقبل، ولا نجعلها كالحامل؛ لأن علوقها نادر.

وَخِيارٌ إِلاَّ بِرِضَا الْمَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: الحمل نقص فكيف قيل هنا: (الحامل) .. قلنا: قال القاضي حسين: إنه في البهائم ليس بنقص بخلاف الآدميات. وملخص ما في الآدميات وجهان: صحح الرافعي في الرد بالعيب: أنه ليس بعيب، وفي الصداق: أنه عيب. وفرق المتولي بين إجزاء الحامل هنا وعدم إجزائها في الضحية، بأن المقصود من الضحية: اللحم والغالب أنه ينقص بالحمل، وفي الزكاة منفعة أهل السُّهمان والحامل أنفع لهم، ولهذا أوجب الشارع إفناث في الزكاة. ولو كانت ماشيته كلها حوامل .. لم يطالب بحامل. ويعفي عن هذا الوصف كما يعفي عن الوقض؛ لأن في إيجابها إيجاب حيوانين، بخلاف ما إذا كانت ماشيته كلها سمانًا .. فإنه يطالب بسمينة ويجعل ذلك كشرف النوع. قال: (وخيار)؛ لحديث معاذ رضي الله عنه. وهذا من باب ذكر العام بعد الخاص؛ فإن ما ذكر قبلها خيار أيضًا. قال: (إلا برضا المالك) أي: في جميع ما ذكر؛ لأنه محسن بالزيادة، وقال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}. روى أبو داوود [1578] عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا، فمررت برجب فلما جمع لى ماله لم أجد عليه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أدِّ ابنة مخاض فإنها صدقتك، فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بأخذ مالم أؤمر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي .. فافعل، فإن قبله منك .. قبلته، وإن رده عليك .. رددته، قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا نبي الله! أتاني رسولك زعم أن ما علي إلا ابنة مخاض، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه عظيمة فتية فردها

وَلَوِ اشْتَرَكَ أَهْلُ الرزَّكاةِ في مَاشِيَةٍ .. زَكَّيَا كَرَجُلٍ، وَكَذَا لَوْ خَلَطَا مُجَاوَرَة بِشَرْطِ أَنْ لاَ تَتَمَيَّزَ في الْمَشْرَعِ، وَالمَسْرَحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ علي، وها هي ذه فخذها، فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك الذي، فإن تطوعت بخير .. آجرك الله فيه وقبلناه منك)، فقال: ها هي ذه فخذها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا بالبركة، فدل على جواز أخذ ذلك. وفي وجه: لا تجزئ الكريمة؛ للنهي عن أخذها. قال: (ولو اشترك أهل الزكاة في ماشية .. زكيا كرجل) واحد؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (في كل خمس شاة، وفي كذا كذا .... (. ولم يفرق بين كونها لمالك أو مالكين. واحترز ب، (أهل الزكاة) عما إذا كان أحدهما كافرًا أو مكاتبًا؛ فإنه لا اثر للخلطة كما أن المعلوفة لا يتم بها نصاب السائمة. ويشترط مع ذلك: بلوغ المالين نصابًا، ودوام الخلطة في الحول. وهذه تسمى: خلطة ملك وخلطة أعيان وخلطة اشتراك، وقد تفيد تخفيفًا كما إذا ملكا ثمانين فتلزمهما شاة، أو تثقيلًا كما إذا ملكا أربعين .. فتلزمهما شاة. قال: (وكذا لو خلطا مجاورة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) رواه البخاري [1450] من حديث أنس رضي الله عنه. وقيل: خلطة الجوار لا اثر لها. وهو ضعيف. ويشترط أن يكون المخلوط نصابًا كما تقدم، فلو ملك كل منهما عشرين شاة فخلطا تسع عشرة بمثلها وانفرد كل منهما بشاة .. فلا زكاة، فلو خلطا الشاة بالشاة .. زكيا الربعين. قال: (بشرط أن لا تتميز في المشروع) وهو: الموضوع الذي تشرب منه الماشية من عين أو نهر أو حوض. قال: (والمسرح) وهو: ما تجتمع فيه ثم تساق إلى المرعى وهو المرتع.

وَالمُرَاحِ، وَمَوْضِعِ الْحَلَبِ، وَكَذَا الرَّاعِي والْفَحْلُ في الأَصَحَّ، لاَ نِيِّةُ الْخُلْطَةِ في الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: المرتع: الذي ترتع فيه، وقيل: طريقها إليه، وقيل: الموضع الذي تجمع فيه لتسرح. قال: (والمراح) - بضم الميم- وهم: مأواها ليلًا. قال: (وموضع الحلب)؛ لما سبق. و (الحلب) بفتح اللام وحكي إسكانها. ولا خلاف في اشتراط ذلك، وإنما اشترط اتحاد المالين في هذه الأمور؛ لأنه إذا تميز مال كل واحد منهما بشيء مما ذكرنا لم يصر كمال الواحد في المؤن. قال: (وكذا الراعي والفحل في الصح)؛ لما روى الدارقطني [2/ 104] عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (والخيطان: ما اجتمعا في الفحل والحوض والراعي)، لكن في سنده ابن لهيعة. ويجوز تعدد الرعاة قطعًا، لكن يشترط أن لا تنفرد هذه عن هذه براع. والثاني: لا يشترط الاتحاد في الراعي؛ لأن الافتراق فيه لا يرجع إلى نفس المال، والمراد بـ (الاتحاد): أن يكون الفحل أو الفحول مرسلة فيها تنزوا على كل من الماشيتين بحيث لا تختص ماشية بفحل عن ماشية الآخر، إلا إذا اختلف النوع كضأن ومعز .. فلا يضر قطعًا. وإذا قلنا بالمذهب .. اشترط أن يكون الإنزاء في مكان واحد كالحلب. قال: (لا نية الخلطة في الأصح)؛ لأن خفة المؤنة واتحاد المرافق لا يختلف بالقصد وعدمه. والثاني: تشترط؛ لأن الفرض يتغير بها. وهما كالوجهين في قصد السوم والعلف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهات: أحدها: أفهمت عبارته: أنه لا يشترط اتحاد الحالب والمحلب وهو الأصح، كما لا يشترط اتحاد آلة الجز ولا خلط اللبن على الأصح. الثاني: محل ما تقدم: إذا لم تتقدم للخلطين حالة انفراد، فإن انعقد الحول على الانفراد ثم طرات الخلطة، فإن اتفق حولاهما بأن ملك كل واحد أربعين شاة ثم خلطا في أثناء الحول .. فالجديد: أنه لا تثبت الخلطة في السنة الأولى فتجب على كل واحد عند تمامها شاة، والقديم: تثبت فيجب على كل واحد نصف شاة. وإن اختلف حولاهما بأن ملك هذا غرة المحرم وهذا غرة صفر وخلطا غرة شهر ربيع .. فعلى كل واحد عند انقضاء حوله شاة على الجديد، ونصف شاة على القديم. وإذا طرأ الانفراد على الخلطة، فمن بلغ ماله نصابًا .. زكاه. والانفراد من وقت الملك. الثالث: أهمل المصنف حكم التراجع، فإذا أخذ الساعي الفرض من نصيب أحدهما .. رجع على خليطه بالحصة، فإذا كان لأحدهما ثلاثون من البقر ولآخر أربعون .. فواجبهما تبيع ومسنة، على صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما، وعلى صاحب الأربعين أربعة أسباع، فإن أخذهما الساعي من صاحب الربعين .. رجع على الآخر بثلاثة أسباع قيمتها، وإن أخذهما من الآخر .. رجع بأربعة أسباع. وإن أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنة من الآخر .. رجع صاحب المسنة بأربعة أسباعها، وصاحب التبيع بثلاثة أسباعه. وإن أخذ المسنة من صاحب الربعين، والتبيع من الآخر .. قال الرافعي- تبعًا

وَالأَظْهَر: تَاثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَمَيَّزَ: النَّاطُورُ، وَالْجَرِينُ، وَالدُّكَّانُ، وَالْحَارِسُ، وِمِكِانُ الْحِفْظِ، وَنَحْوُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ للإمام-: يرجع صاحب المسنة بثلاثة أسباعها، وصاحب التبيع بأربعة أسباعه. ومنصوص الشافعي رضي الله عنه: المعتمد أن لا رجوع لواحد منهما على الآخر؛ لأن كلا منهما لم يؤخذ منه إلا ما عليه). قال: (والأظهر: تأثير خلطة الثمر والزرع والنقد وعرض التجارة)؛ لأنهما يرتفقان بالخلط فيها كما يرتفقان في المواشي، واحتج له بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يفرق بين مجتمع ....)، هذا هو الجديد. والثاني: لا تأثير لها في هذه الأمور؛ إذ لا أوقاص فيها بخلاف المواشي. والثالث: تؤثر خلطة الشركة دون خلطة الجوار. قال: (بشرط أن لا يتميز: الناطور، والجرين، والدكان، والحارس، ومكان الحفظ، ونحوها)؛ لأن المالين بذلك يصيران كالمال الواحد. وصفة الخلطة في هذه الأشياء: أن يكون لكل منهما صف نخيل أو زرع في حائط واحد، أو لكل واحد كيس دراهم في صندوق واحد، أو أمتعة تجارة في خزانة واحدة. (والناطور) - بالمهملة والمعجمية-: حافظ النخل والشجر. (والجَرين) - بالفتح: موضع تجفيف الثمرة. (والحارث) معروف. وأراد بقوله: (ونحوها): الميزان والزان والنقاد والمنادي والحراث وجداد النخيل والكيال والحمال والمتعهد. و (الدكان) - بضم الدال المهملة واحد الدكاكين- وهو: الحانوت.

وَلِوُجُوبِ زَكاةِ الْمَاشِيَةِ شَرْطَامِ: مُضِيُّ الْحَوْلِ في مِلْكِهِ، لَكِنْ مَا نُتِجَ مِنْ نَصَابٍ يُزَكَّى بِحَوْلَهَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (الوجيز) في أول (الباب الثالث) من أبواب (الإجازة): استأجر دكانًا أو حانوتًا، وهو مما أنكر عليه؛ لأنهما شيء واحد. قال: (ولوجوب زكاة الماشية شرطان) أي: مع ما سلف: من كونها نعمًا نصابًا، ومع ما سيأتي: من دوام الحول وكمال الملك. قال: (مضى الحول في ملكه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) رواه أبو داود [1567] ولم يضعفه، وبه قال فقهاء المدينة وعلماء الأمصار، ولأنه لا يتكامل نماؤه قبل الحول. وفي قول: لا يجب حتى يتمكن من الأداء، وسيأتي الإشارة إليه قبيل (كتاب الصيام). ولنا قول قديم: إن الوارث يبني على حول الموروث فيزكيه عند تمام حول مورثه. وسمي الحول حولًا، لمضي سنة ومجئ أخرى؛ لأنها تحول ويأتي غيرها، فسبحان من لا يحول ولا يزول. قال: (لكن ما نتج من نصاب يزكى بحوله) [أي]: بحول الأصل؛ لما روى مالك [1/ 265] والبيهي (4/ 100]: أن ساعيًا لعمر رضي الله عنه قال له: إن هؤلاء يزعمون أنا نظلمهم نعد عليهم السخلة ولا نأخذها منهم! فقال: (اعتد ليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يده ولا تأخذها منهم)، وهذا الساعي: سفيان بن عبد الله الثقفي، ووقع في (الكفاية): أنه سعيد بن رسيم- كوسيم- وهو وهم. وكان علي رضي الله عنه يعد الصغار مع الكبار ولا مخالف لهما من الصحابة. ولأن الحول إنما اعتبر للنماء والسخلة نماء في نفسها. وصورة المسألة: أن يكون النتاج لصاحب الأصل بسبب ملك الأصل؛ ليخرج ما إذا أوصى بشياه لشخص وبالحمل لآخر .. فلا يزكى بحول النصاب. وكذا لو أوصى الموصى له بالحمل لمالك الأمات به ومات قبل النتاج ثم حصل

وَلاَ يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ وَغَيْرِهِ في الْحَوْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النتاج؛ لأنه ملك بطريق مقصود فجعل كالمستفاد بالشراء، حتى لو نتجت قبل الحول بلحظة .. يزكى بحول النصاب وإن ماتت الأمات كلها قبل انقضاء حولها في الأصح. وقيل: يشترط بقاء نصاب من الأمات؛ ليستتبع. وقيل: يشترط بقاء شيء منها ولو واحدة. وفائدة الضم إنما تظهر: إذا بلغت بالنتاج نصابًا آخر، فإن ملك مئة شاة فنتجت إحدى وعشرين .. وجبت شاتان، ولو نتجت عشرين فقط .. لم يفد. واحترز بقوله: (نتج) عن الحاصل بالشراء وغيره في أثناء الحول؛ فلا يضم كما سيأتي، وبقوله: (من نصاب) عما دونه. وقوله: (نتج) - بضم النون وكسر التاء المثناة فوق- معناه: ولد، يقال: نتجت الشاة والناقة نتاجًا. مهمة: سيأتي: أن السوم يشترط في النتاج في باقي السنة، فحينئذ لا تضم السخال إلى الأمات ما دامت تقتان بألبانها؛ لأنها تقتات بشيء من أموال المالك- والسائمة: هي الراعية في كلأ مباح- ثم إنها إذا استقلت بعد ذلك بالرعي .. لا تضم أيضًا إلا إذا مضى عليها حول من حين الاستقلال؛ لأن حول السخال عند الضم كحول الأمهات، والكات إذا اعتلفت في أثناء الحول .. انقطع حولها فكذلك السخال. قال: (ولا يضم المملوك بشراء وغيره في الحول)؛ لأنه لم يحدث من نفس النصاب بخلاف النتاج وربع مال التجارة. واحترز بقوله: (في الحول) عن النصاب؛ فإنه يضم إليه خلافًا لابن سريج. فإذا اشترى ثلاثين بقرة ثم اشترى عشرة في أثناء الحول .. ضم إلى الأول في

فَلَوِ ادَّعَى النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ .. صُدِّقَ، فَإِنِ اتُهِمَ .. حُلِّفَ. وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ في الْحَوْلِ فَعَادّ أَوْ بَادَلَ بِمِثْلهِ .. اسْتانَفَ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ النصاب على المذهب؛ فيخرج عند حول الثلاثين تبيع وعند حول العشر ربع مسنة، ثم بعد ذلك عند تمام حول الثلاثين ثلاثة أرباع مسنة وعند حول العشر ربع مسنة أبدًا. قال: (فلو ادعى) أي: الملك (النتاج بعد الحول .. صدق)؛ لأنه أمين. قال: (فإن أنهم .. حلف)؛ استظهارًا لحق الفقراء، فإن نكل .. ترك. وتحليفه مندوب على الأصح، لأن قوله لا يخالف الظاهر، وكذا كل موضع ادعى رب المال ما تسقط به الزكاة وكان الظاهر معه، كما لو ادعى أنه من غير النصاب واتهم. قال: (ولو زال ملكه في الحول فعاد أو بادل بمثله .. استأنف)؛ لأنه ملك جديد فلا بد من حول. وشرط المبادلة: أن تكون صحيحة، فالفاسدة لا اثر لها؛ لأنها لم تنقل الملك. وتعبيره بـ (زوال الملك) يشمل البيع والهبة وغيرهما. وإتيانه بـ (الفاء) الدالة على التعقيب وبقوله: (بمثله) يؤخذ منه الاستئناف عند طول الزمان وعند الاختلاف في النوع من باب أولى. وسواء قصد الفرار من الزكاة أم لا، لكن يكره الفرار كراهة تنزيه على الأصح. وقال في (الوجيز): يحرم، وزاد في (الإحياء): أنه لا يبرئ الذمة الباطن، وأن أبا يوسف كان يفعله. ثم قال: والعلم علمان ضار ونافع، قال: وهذا من الفقه الضار. وقال ابن الصلاح: يكون آثمًا بقصده لا بفعله. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: كان قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني صاحب عشرة آلاف دينار، وكان إذا جاء رأس الحول .. دعا بينه وقال لهم:

وَكَوْنُهَا سَائِمَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ كبرت سني وضعت قوتي وهذا ما لا أحتاجه فهو لكم، ثم يخرجه فتحمله الرجال على أعناقهم إلى دور بنيه، فإذا جاء رأس الحول .. أتى بنوه فقالوا: يا أبانا؛ إنا قد أملنا حياتك ولا رغبة لنا في المال مادمت حيًا أنت ومالك لنا فخذه، وتسير الرجال به حتى يضعوه بين يديه فيرده إلى موضعه، يصنع ذلك لإسقاط الزكاة. فرع: الأصح: أن الصيارفة يستأنفون الحول كلما بادلوا؛ ولذلك قال ابن سريج: بشر الصيارفة بأن لا زكاة عليهم. والثاني: لا يستانفون ولا ينقطع الحول بذلك كمال التجارة. قال: (وكونها سائمة) أي: راعية في كلأ مباح، وهذا هو الشرط الثاني المشار إليه فيما تقدم وهو السرم، قال الله تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}. ودليل ثبوت في الغنم: حديث أنس رضي الله عنه في (البخاري) [1454]، وفي الإبل: حديث بهز بن حكيم في (أبي داوود) [1569] و (النسائي) [5/ 15] والأكثرون على تصحيح نسخته، وألحقت البقر بهما. فلو أسميت في كلًا مملوك .. فوجهان في (البيان) لا ترجيح فيهما. قال الشيخ: وكشفت عن ذلك من عشرين مصنفًا مطولًا فلم أر له ذكرًا، وحكي المصنف الوجهين عن (البيان) ثم قال: أصحهما ولم يذكر بعد ذلك شيئًا وكأنه كان يتطلب التصحيح فلم يجده، ثم قال الشيخ: والسبق إلى الفهم: أنه كالعلف يسقط الزكاة.

فّإِنْ علفت مُعْظَمَ الْحَوْلِ .. فَلاَ زَكَاةَ، وَإِلاَّ .. فَالأَصَحُّ: إِنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِشُ بِدُونِهِ بِلاَ ضَرَرٍ بَيِّنٍ .. وَجَبَتْ، وَإلاَّ .. فَلاَ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أسامها في الأرض الخرجية .. وجبت الزكاة، قاله القاضي أبو الطيب. وفي (فتاوى القفال): لو اسيمت في علف اشتراه .. تكون سائمة، فلو جزَّ المباح وقدمه إليها .. كانت معلوفة. فروع: لو غصبت المعلوفة وأسماها الغاصب حولًا وأوجبنا الزكاة في المغصوب .. فالأصح: عدم الوجوب؛ لأن المالك لم يقصد الإسامة. والوجهان في المسألة ينبنيان على اشتراط النية في السوم أو العلف، ولم يصحح في (الروضة) و (أصلها) واحدًا منهما بل قال: يختلف التصحيح باختلاف الصور. والصواب: التعبير بالإسامة. ولو علفت السائمة بعلف معصوب .. ففي الوجوب وجهان في (أسرار الفقه) للقاضي حسين. والمتولد من السائمة والمعلوفة يلحق بأمه في الحول، فإن كانت هي السائمة .. ضم إليها في الحول، وإلا .. فلا. قال: (فإن علفت معظم الحول .. فلا زكاة)؛ لكثرة المؤنة وخروجها عن اسم السائمة. قال: (وإلا) أي لم تعلف المعظم (.. فالأصح: إن علقت قدرًا تعيش بدونه بلا ضرر بين .. وجبت) زكاتها، (وإلا .. فلا)، وإذا علفت الماشية قدرًا يسيرًا .. لا أثر له قطعًا. وإن أسميت في بعض الحول وعلفت في بعضه- وهي مسألة الكتاب- ففيها خمسة أوجه: أحدهما: أنه يسقط حكم السوم فينقطع الحول، فإن أسميت بعد ذلك .. استؤنف الحول.

وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ اعْتُلِفَتِ السَّائِمَةُ, أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ فِيِ حَرْثٍ وَنَضْجٍ وَنَحْوِهِ .. فَلاَ زَكَاةٌ فِي الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أن ذلك لا أثر له, وإنما ينقطع الحول وتسقط الزكاة بالعلف في أكثر السنة. والثالث الأصح - وبه قال الأكثرون-: إن علفت قدرًا تعيش بدونه .. لم ينقطع الحول, وإن علفت قدرًا لا يبقى الحيوان بدونه .. لم يجب, حتى لو أسامها نهارًا وعلفها ليلًا .. وجبت, قالوا: والماشية تصبر يومين عن العلف ولا تصبر الثلاثة. والرابع-وهو الأفقه في (الشرح الصغير): - إن علفت قدرًا يعد مؤنة بالإضافة إلى رفق الماشية .. فلا زكاة, وإن كان حقيرًا بالإضافة إليه .. وجبت. والخامس: أن قليل العلف يقطع السوم. هذا إذا لم يقصد بعلفه قطعه, فإن قصده .. فالمنصوص: أنه ينقطع لا محالة, لأن النية قارنت الفعل المسقط للزكاة فسقطت. قال: (ولو سامت بنفسها, أو اعتلفت السائمة, أو كانت عوامل في حرث ونضج ونحوه .. فلا زكاة في الأصح) أشار بالأول إلى أن السوم إذا لم يكن مقصودًا, فهل يكون معتبرًا في إيجاب الزكاة؟ وفي ذلك وجهان: أحدهما: نعم, لحصول الرفق. والأصح: عدم الوجوب, لأن المالك لم يلتزمها. وأما العاملة .. فلا زكاة فيها, لأنها معدة لاستعمال مباح فأشبهت ثياب البدن, وفي (سنن الدارقطنى) [2/ 103]- بإسناد صحيح-عن علي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ليس على البقر العوامل شيء) وفي البيهقي) [4/ 99] نحوه. وبذلك قال جمهور الأصحاب. وقال الشيخ أبو محمد وجماعة من الخراسانيين: تجب الزكاة فيها, لتوفر المؤنة وفائدة العمل, سواء عملت للمالك أو بأجرة.

وَإَذَا وَرَدَتْ مَاءً .. أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ, وَإِلاَّ .. فَعنْدَ بُيُوتِ أهْلِهَا. وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ في عَدَدِهَا إِنْ كَانَ ثِقَةُ, وَإِلاَّ .. فَتُعَدُّ عِنْدَ مَضِيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا وردت ماءً .. أخذت زكاتها عنده, وإلا .. فعند بيوت أهلها) , لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا جَلَبَ ولا جَنَبَ) , ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم) رواه أبو داوود [1587] عن عمرو بن شعيب بإسناد حسن. فإذا لم يجدها في هذين الموضعين .. فليس للساعي أن يلزم رب الماشية أن يجلبها له من مرعاها, للمشقة, ولا على الساعي إتباعها. وقال المتولي: إن كان في زمن الصيف .. أخذت زكاتها عند ورودها الماء, وإن كان في غيره .. فعند بيوت أهلها. ولو كان له ماشيتان عند مائين .. أمر بجمعهما عند أحدهما, إلا أن يعسر عليه ذلك. قال: (ويصدّق المالك في عددها إن كان ثقة) , لأنه أمين. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن ثقة أو قال: لم أعرف عددها (.. فتعدّ عند مضيق) , لأنه أسهل لضبطها, فتمر واحدة بعد واحدة وبيد المالك أو الساعي أو نائبهما قضيب يصيب به ظهر الشاة أو يشير به إليها, فإن اختلفا في مقدارها بعد العدد وكان الفرض يختلف .. أعيد العدد. فائدة: روي ابن ماجة [2206] عن علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السوم قبل طلوع الشمس). قال الخطابيّ وابن الأعرابي وغيرهما: أصل هذا أن داء يقع على النبات فلا ينحل حتى تطلع الشمس فيذوب, فإن أكلت منه الماشية قبل ذلك .. هلكت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال عبد اللطيف البغدادي: إنما نهي عنه, لأن العشب قد ينزل عليه في الليل ندىّ يؤذى الماشية ويعلوه وخم, فإذا طلعت الشمس .. قوى وحمي واعتدل وطاب وصح. وأيضًا , لأنها إذا رعت ليلًا .. كان غذاؤها الأول لم يكمل هضمه, ولم يتكامل خروج ثفله, ولم تقو الحرارة الغريزية به, فإذا طلعت الشمس .. كمل الهضم وخرجت الفضول فيكون أقبل للغذاء وأصح للجسد وأنشط. وقال قوم: هو أن يساوم بسلعة في ذلك الوقت, لأنه وقت ذكر الله لا يشتغل فيه بشيء غيره. تتمة: إذا كانت الماشية متوحشة وكان في أخذها وإمساكها مشقة .. كان على رب المال أن يأخذ السن الواجب عليه ويسلمه إلى الساعي, فإن كان لا يمكن إمساكها إل بعقال .. كان على المالك ذلك, وعلى هذا حملوا قول أبي بكر رضي الله عنه: (والله لو منعونى عقالًا ..) , لأن العقال ها هنا من تمام التسليم. خاتمة يستحب للساعي إذا أخذ الزكاة أن يدعو للمالك: ترغيبًا له في الخير وتطمينًا لقلبه فيقول: آجرك الله فيما أعطيت, وجعله لك طهورًا وبارك الله لك فيما أبقيت. ولا يتعين دعاء. وفي وجه: أن الدعاء واجب, وقيل: إن سأله المالك .. وجب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره أن يصلي عليه على الأصح, وقيل: خلاف الأولى, وقيل: يستحب, وقيل: يحرم. قال الشيخ أبو محمد: والسلام في معنى الصلاة فلا يفرد به غير الأنبياء , وهو سنة في المخاطبة للأحياء والأموات. قال المصنف: ويستحب لكل من أعطى زكاة أو صدقة أو كفارة أو نذرًا أو نحوها أن يقول: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

باب زكاة النبات

بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ باب زكاة النبات النبات يكون مصدرًا تقول: نبت الشيء نباتًا, واسمًا بمعنى النابت وهو المراد هنا, ويطلق على الشجر وهو: ما له ساق, وعلى غيره وهو: الزرع والحشيش. والزكاة تجب في النوعين, فلذلك عبر بـ (النبات). والأصل في وجوب زكاتهما قبل الإجماع قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} , وهو الزكاة, لأنه لا حق فيما أخرجته الأرض غيرها, وفي (سنن أبى داوود) [1595] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: (خذ الحب من الحب). قال: (تختص بالقوت) , لأن الاقتيات من الضروريات التي لا حياة بدونه, فلذلك أوجب الشارع فيه حقًا لأرباب الضرورات بخلاف ما يؤكل تنعمًا أو تفكهًا. و (القوت) أشرف النبات وهو: ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام, قيل: سمى بذلك, لبقاء ثفله في المعدة, ومن أسمائه تعالي (المقيت) وهو: الذي يعطى أقوات الخلائق. و (دعا) صلى الله عليه وسلم: أن يجعل الله رزق آله قوتًا) أى: بقدر ما يمسك الرمق من الطعام, وقال عليه الصلاة والسلام: (كفي بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت) أى: من يلزمه قوته من أهله وعياله, وقال عليه الصلاة والسلام: (قوتوا طعامكم يُبارَك لكم فيه) ,سئل الأوزاعي عنه فقال: صِغَر الأرغفة.

وَهُوَ مِنَ الثَّمَارِ: الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ, وَمِنَ الحَبَّ: الحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالأَرُزُّ وَالْعَدَسُ وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيارًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو من الثمار: الرطب والعنب) بالإجماع. قال: (ومن الحب: الحنطة والشعير والأرز والعدس وسائر المقتات اختيارًا) كالحِمّص والدخن والذرة والباقلاء والماش واللوبياء والجلبان ويسمى: الهُرطُمان, لأن النبي صلي الله عليه وسلم أخذ الزكاة في كثير منها, وألحق الباقي به قياسًا, وفي (البخاري): (أن معاذًا رضي الله عنه كان يأخذ الزكاة من أهل اليمين في الذرة). واحتزر عما يقتات في حال الاضطرار كحب الحنظل والغاسول والترمس, فإن الشافعي رضي الله عنه قال: لا أعلم أنه يؤكل إلا تفكهًا أو دواء, وقال ابن الصلاح: يأكله أهل الشام تفكهًا, وأهل العراق تداويًا. وأما ما ليس بقوت .. فمعظمها لا تجب الزكاة فيه بلا خلاف, كالسفرجل والتفاح والرمان والبطيخ والقثاء والسلق والسمسم وبذر القطونا والكمون والكزبرة والجزر والقرنبيط وبذورها وحب الكتان والحلبة والثفاء – وهى: حب الرشاد – والسماق والجوز واللوز والفلفل والثوم والبصل, ومنها ما فيه خلاف في القديم سيأتي. ولا فرق بين أن يزرع قصدًا أو اتفاقًا, ولا بين الأرض الخراجية وغيرها خلافًا لأبي حنيفة كما سيأتي في خاتمة الباب. والمستأجرة تجب فيها الزكاة بالإجماع. ولو استعار أرضًا وزرعها .. فعشر الزرع على المستعير عند الجمهور. و (الشعير) بفتح الشين على المشهور, ويقال: بكسرها. وفي (الأرز) ست لغات أشهرها – كما قال في (الدقائق) – فتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي. و (الحمص) بكسر الحاء, والبصريون يكسرون ميمه والكوفيون يفتحونها. وقال الرافعي: إن اللوبياء تسمى الدَّجِرِ, وهو بكسر الدال المهملة والجيم.

وَفي الْقَدِيمِ: تَجِبُ في الزَّيْتُونِ, وَالزَّعْفَرَانِ, وَالْوَرْسِ, وَالْقُرْطُمِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والراء, وهو كذلك في (المحكم) وغيره, ولا يعرفه أهل الحجاز بغير ذلك. ووهم في (المهمات) فظنها الدخن – بالخاء المعجمة والنون في آخره – والرافعي نفسه عطف اللوبياء على الذرة والذرة على الدخن. قال: (وفي القديم: تجب في الزيتون) , لقول عمر رضي الله عنه: (في الزيتون العشر) وقول الصحابي حجة في القديم, فلذلك أوجبه, لكن الأثر المذكور ضعيف. ووقت الوجوب فيه النضج والأسوداد على الصحيح. قال: (والزعفران والورس) , لاشتراكهما في المنفعة, روي في الورس أثر ضعيف , ولم يرد في الزعفران شيء, وإنما ألحق بالورس-وهو: نبت أصفر تصبغ به الثياب وهو كثير باليمن. والأصح: أنه لا يشترط فيهما النصاب, لقلة الحاصل منهما, بخلاف القِرْطِم والعسل. قال: (والقرطم) , لأن أُبيًا رضي الله عنه كان يأخذ العشر منه. وهو بكسر القاف والطاء وبضمهما: حب العصفر, لا جرم أن بعضهم ألحق العصفر منه.

وَالْعَسَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والعسل) سواء كان نحله مملوكًا أو أخذ من الأمكنة المباحة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه العشر رواه ابن ماجة [1823] عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده بإسناد جيد, وحسنه ابن عبد البر, لكن قال البخاري الترمذى [629] وغيرهما: لا يصح في زكاته شاء. فائدة: (العسل): لعاب النحل, يذكر ويؤنث, الواحدة: عسَّلة. قال الشافعي رضي الله عنه: وهو المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو. أراد بذلك: أنه لا يطلق على غيره إلا مجازًا, لحلاوته. وجمعه: أعسال وعسل وعسول وعسلان إذا أردت أنواعه. ومن أسمائه: الحافظ الأمين, لأنه يحفظ ما يودع فيه. وقال الله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويصطفيه, روي ابن ماجة [3450] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لعق العسل ثلاث غَدَوات في كل شهر .. لم يصبه عظيم من البلاء). وفيه أيضًا: (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن) فجمع في هذا القول بين الطب البشري والطب الإلهي, وبين طب الأجساد وطب الأنفس, وبين السبب الأرضي والسبب السمائي, ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: (العسل شفاء من كل داء, والقرآن شفاء لما في الصدور, فعليكم بالشفاءين: القرآن والعسل). قال عمرو بن العاصي رضي الله عنه لما قتل مالك بن الحارث رضي الله عنه المعروف بالأشتر: (إن لله جنودًا من عسل).

وَنِصَابُهُ: خَمْسَةُ أَوْسَقٍ, وَهِيَ: أَلْفٌ وَسِتُ مِئَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ, وَبِالدَّمَشْقِيَّ: ثَلاثُ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ونصابه: خمسة أوسق) , لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) متفق عليه [خ1447 - م 979]. والأفصح في الوسق: فتح الواو مصدر بمعنى الجمع, قال تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أي: جمع. وهو: ستون صاعًا, روي أبو داوود [1554] وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوسق: ستون صاعًا) قال الشيخ زكي الدين: إنه حسن, وادعي المصنف أنه ضعيف منقطع الإسناد. ولم يعتبر أبو حنيفة النصاب, بل قال: تجب في كل قليل وكثير. قال: (وهي: ألف وست مئة رطل بغدادية) , لأن مجموع الخمسة ثلاث مئة صاع, والصاع: أربعة أمداد , فيكون النصاب ألف مد ومئتي مد, والمد: رطل وثلث, وذلك ألف وست مئة رطل. والمعتبر في الوزن من كل نوع: الوسط, فإنه يشتمل على الخفيف والرزين. قال: (وبالدمشقي: ثلاث مئة وستة وأربعون رطلًا وثلثان) , لأن الرطل الدمشقي: ست مئة درهم, ورطل بغداد عند الرافعي: مئة وثلاثون, فالمد: مئة درهم وثلاثة وسبعون وثلث, والصاع ست مئة درهم وثلاثة وتسعون وثلث, فاضرب ست مئة وثلاثًا وتسعين وثلثًا في ثلاث مئة , واجعل كل ست مئة رطلًا يحصل من مجموع ذلك ما ذكره المصنف.

قُلتُ: الأَصَحُّ: ثَلاثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَسِتةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ, لأَنَّ الأَصَحَّ: أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ: مِئَةٌ وَثَمَانِيةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ, وَقِيلَ: بِلاَ أَسْبَاعٍ: ثَلاَثُونَ, وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: الأصح: ثلاث مئة واثنان وأربعون وستة أسباع رطل , لأن الأصح: أن رطل بغداد: مئة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم) وإذا ضرب ذلك في ألف وست مئة .. بلغ ذلك, والذي صححه المصنف في تحرير الرطل البغدادي هو الصحيح, فإنه تسعون مثقالًا, وممن ذكرٍ ذلك الجوهري في باب (مكك). وقال ابن الرفعة: الذي رجحه الرافعي هو الذي تقوي النفس في صحته بحسب التجربة. قال: (وقيل: بلا أسباع) قال المحب الطبري: وهذا هو الأقيس, لأن الأوقية: عشرة دراهم وأربعة دوانق, أي: أسداس, وهي: ثلثا درهم. قال: (وقيل: ثلاثون والله أعلم) هذا تقدم أنه مختار الرافعي وهو: أحد وتسعون مثقالًا. تنبيهان: أحدهما: تقدير الأوسق بما سبق تحديد على الأصح, فإن نقصت رطلًا أو رطلين .. ضر. ووقع في (شرح مسلم) و (رؤوس المسائل) و (كتاب الطهارة) من (شرح

وَيُعْتَبَرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إِنْ تَتَمَّرَ أَوْ تَزَبَّب، ـــــــــــــــــــــــــــــ المهذب): أنه تقريب كالقلتين، فلا يضر نقص يسير كرطل ورطلين، وقيل: وخمسة. والاعتبار بالكيل لا بالوزن على الأصح. الثاني: ضبط الشيخ نصاب الزكاة - بالإردب - بخمسة أرادب ونصف وثلث؛ لأن الصاع قدحان إلا سبعي قدح، فكل خمسة عشر مدًا سبعة أقداح. وضبطه القمولي بستة أرادب وربع؛ لأنه يجعل القدحين صاعًا كما في زكاة الفطر وكفارة اليمين، فهي عنده ست مئة قدح، وعند الشيخ خمس مئة وثمانون. فائدة: بغداد: بدالين مهملتين، وبمهملة ثم معجمة، وبغدان، تذكر وتؤنث، وكره الفقهاء تسميتها: بغداذ؛ لأن معناه: عطية الصنم، لكن يقال: مدينة السلام؛ لأنهم يسمون نهر الدِّجلة (نهر السلام) أي: نهر الله. وتسمى?: مدينة المنصور؛ لأنه الذي ابتناها فلما فرغ منها في سنة ست وأربعين ومئة أمر نوبخت المنجم أن يأخذ طالعها فقال: يظهر فضلها على? كثير من البلاد، ولا يموت فيها خليفة أبدًا. ونقل في (باب المحبة) من (الإحياء) اتفاق جماعة من العلماء على? ذمها وكراهة سكناها، واستحباب طلب الفرار منها. قال: (ويعتبر تمرًا أو زبيبًا إن تتمر أو تزبب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة) رواه الشيخان [خ 1459 - م 979]. لو أخرج رطبًا يجيء منه تمر إذا تمر إذا جف قدر الواجب .. لم يجزئه؛ لأنه بدل والأبدال لا تجوز في الزكاة من غير ضرورة، ويسترده إن كان باقيًا، فإن تلف ..

وَإِلاَّ .. فَرُطَبًا وَعِنَبًا، وَالْحَبُّ مُصَفي مِنْ تِبْنِهِ، وِمِا ادُّخِرَ في قِشْرِهِ كَالأّرُزِّ وَالْعَلَسِ .. فَعَشَرَةُ أَوْسُقٍ. وَلاَ يُكَمَّلَ جِنْسٌ بِجِنْسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ استرد قيمته في الأصح، وقيل: مثله. فلو لم يسترده حتى جف .. لم يَجُزْ، لفساد القبض خلافًا للعراقيين. قال: (وإلا .. فرطباُ وعنبًا)؛ لأن ذلك أكمل حالهما فلا نظر إلا إليه. وقيل- فيما إذا كان يجيء منه تمر أو زبيب رديء-: يعتبر جافًا. قال: (والحب مصفي من تبنه)؛ لأنه لا يدخر فيه ولا يؤكل معه، ولا يعلم مقدار الواجب قبل التصفية. قال: (وما ادخر في قشره كالأرز والعلس .. فعشرة أوسق) ما ادخر في قشره نوعان: أحدهما: يؤكل منه مع قشره- كالذرة- فنصابه خمسة أوسق؛ فإن ذلك القشر إنما يزال تنعمًا كالعلس وهو- بفتح العين واللام-: صنف من الحنطة يكون منه في الكمام حبتان وثلاث، وهو طعام أهل [صنعاء] اليمن، ووقع في (الوسيط): أنه حنطة توجد بالشام وأنكر عليه؛ فإنه لا يكاد يوجد بها، وكمامه لا تزال إلا بالرحى الخفيفة أو المهراس، وادخاره كذلك أصلح له، وإذا أزيل .. كان الصافي نصف المبلغ، فيعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة أوسق، ليكون الصافي منه خمسة، والمالك مخير إن شاء بقاه كذلك وأرخج منه وشقًا، وإن شاء قشره فإن جاء منه خمسة أوسق .. زكاة، وإلا .. فلا. والأرز بقاؤه في قشره أصلح له، فهو كالعلس، وعن الشيخ أبي حامد: أنه قد يجيء من الأرز الثلثان، فنصابه أن يكون في القشر حب يبلغ خمة أوسق. والمراد بـ (قشر الأرز): الأعلى، أما الأسفل وهو الأحمر .. فلا يؤثر عند الجمهور، وفي دخول قشر الباقلاء الأصفر في الحساب وجهان، والمنصوص دخولها. قال: (ولا يكمل جنس بخنس) أما التمر مع الزبيب .. فبالإجماع كما نقله ابن المنذر، وأما الحنطة مع الشعير ونحو ذلك .. فمقيس عليه.

وَيُضَمُّ النَّوْعُ إِلَى النَّوْع، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عِسُرَ .. أَخْرَجَ الْوَسَطَ، وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إِلَى الْحِنْطَةِ؛ لأّنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، وَالسُّلْتُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الصيمري والعجلي: لو بذر برًا وشعيرًا فخرج مختلطًا خمسة أوسق وأحد النوعين أغلب والآخر يسير .. فالزكاة من الأغلب، وإن تساويا والجملة خمسة أو سق إلى تسعة .. فلا زكاة، وإن كانت عشرة والنوعان متقاربان .. فقيل: يخرج الزكاة من الجملة، وقيل: يؤدي عن كل على حياله. قال: (ويضم النوع إلى النوع) وإن تباينا في الجودة والرداءة، فتضم الحنطة الشامية إلى المصرية، والتمر المعقلي إلى ما سواه من أنواع التمر، سواء كانا في بلد أم بلاد إذا اتحد المالك. قال: (ويخرج من كل بقسطه)؛ إذا لا مشقة في ذلك. وفيه قول: إنه يؤخذ من الغالب. قال: (فإن عسر) بأن كثرت الأنواع وقل مقدار كل منها (.. أخرج الوسط) رعاية للجانبين. وقيل: من الغالب. فإن تكلف المالك وأخرج من كل بقسطه .. لزم الساعي قبوله، فإن أخرج من الأعلى .. جاز دون الأدنى. قال: (ويضم العلس إلى الحنطة؛ لأنه نوع منها)، فإذا كان له ثلاثة أوسق حنطة صافية .. كملت بأربعة أوسق علس. قال: (والسلت جنس مستقل)؛ لأنه يشبه الشعير في الطبع والحنطة في الصورة، هذا هو الوصاب، وعكس الصيدلاني والغزالي هذا التشبيه. وما أحسن قول الجوهري: (السلت) بالضم: ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة.

وَقِيلَ: شَعِيرٌ، وَقِيلَ: حِنْطَةٌ. وَلاَ يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ إلى آخَرَ. وَيُضَوُّ ثَمَرُ الْعَامِ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ وَإِنِ اخْتَلَفَ إِدْرَاكُهُ، وَقِيلَ: إِنْ أَطْلَعَ الثَّاِني بَعْدَ جَدَادَ الأَوَّلِ .. لَمْ يُضَمُّ. وَزَرْعَا الْعَامِ يُضَمَّانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: شعير) لشبه له في الطبع. قال: (وقيل: حنطة)؛ للشبه الصوري. قال: (ولا يضم ثمر عام وزرعه إلى آخر) بالإجماع، سواء أطلعت ثمرة العام الثاني قبل جداد الأول أن بعده. قال: (ويضم ثمر العام بعضه إلى بعض وإن اختلف إدراكه) كنخيل أو كروم يتأخر بعضها عن بعض لاختلاف الأنواع أو البلاد حرارة وبرودة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن إدراك الثمار لا يكون في حال واحدة، فلو اعتبرنا التساوي في الإدراك .. لما وجبت زكاة أصلًا. قال ابن الصباغ: وقد أجمع المسلمون على ضم ما يدرك إلى ما تأخر، فثبت أن الاعتبار بثمرة العام الواحد. ومن إطلاع النخل إلى منتهى إدراكها أربعة أشهر، فذلك هو المعتبر، فلو كانت نخلة تثمر في عام مرتين .. فلا ضم، بل هما كثمرة عامين، قالوا: وهذه لا تكاد تقع، وإنما ذكرها الشافي رضي الله عنه؛ بيانًا للحكم بتقدير التصوير. قال: (وقييل: إن أطلع الثاني بعد جداد الأول .. لم يضم)؛ لحدوثه بعد انصرام الأول فأشبه ثمر العامين، وصححه في (الشرح الصغير)، وقال الماوردي: إن مخالفة جاهل بعادة الثمر مخطئ لنص المذهب. (والجداد) بفتح الجيم وكسرها، وبالدال المعجنة والمهملة. وهل يقام أو أن الجداد مقام الجداد؟ فيه وجهان، أفقههما: نعم؛ فإن الثمار بعد دخول الوقت كالمجدودة. قال: (وزرعا العام يضمان)؛ لأنهما زرع واحد وإن اختلفت الفصول، ويتصور ذلك في الذرة؛ فإنها تزرع في غالب فصول السنة فيضم بعضها إلى بعض.

وَالأَظْهَرُ: اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا في سَنَةٍ وَوَضاجبُ مَا شَرِبَ بالْمَطَرِ أَوْ عُرُوِقهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الْمَاءِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زِرْعٍ: الًعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دُولاَبٍ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ: نِصْفُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأظهر: اعتبار وقوع حصاديهما في سنة) بأن يكون بينهما أقل من اثني عشر شهرًا؛ لأنها حالة استقرار الوجوب. والثاني: الاعتبار بوقوع الزرعين في السنة؛ لأن الزراعة هي الأصل وداخلة تحت القدرة. والثالث: يعتبر وقوع الأمرين في السنة؛ لأنهما زرعا سنة واحدة. والرابع: يكفي وجود الزرعين والحصادين في السنة. والخامس: يكفي أما الزرعان وإما الحصادان وإما زراعة الثاني. والسادس والسابع والثامن: كالأول والثاني والثالث إلا أنه عبر عن السنة بالفصل، وهو: أربعة أشهر. والتاسع: لا يضم المزروع بعد حصاد الأول كحمل الشجرة الواحدة. والعاشر: لا أثر لاختلاف الزرع ولا للحصاد، بل العبرة بسنة الزرع وهو: ستة أشهر إلى ثمانية؛ فإن الزرع لا يبقى زيادة على ذلك. مهمة: الذي صححه المصنف في الكتاب وعزاه في (الروضة) و (شرح المهذب) للأكثرين لا يعرف أحد صححه قبل المصنف في شيء من كتب المذهب. بل الذي رجحه الأكثرون اعتبار وقوع الزرعين في سنة، وبعضهم يقول: في فصل واحد. ولو اختلف الساعي والمالك في كونه زرع عام أو عامين، أو أنه سقي بالنضح أو الدولاب .. صدق المالك، فإن اتهم .. حلف استحبابًا. قال: (ووناجب ما شرب بالمطر أو عروقه لقربه من الماء من ثمر أو زرع: العشر، وما سقي بنضح أو دولاب أو بماء اشتراه: نصفه)؛ لما روى البخاري [1483]

وَالْقَنَوَاتُ كَالْمَطرٍ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريًا .. العشر، وما سقي بالنضح .. نصف العشر)، وانعقد الإجماع على ذلك. والفرق من حيث المعنى: خفة المؤنة. ومسألة الشراء ذكرها ابن مج فقط فتبعه المصنف. و (النضج): السقي من بئر أو نهر بحيوان كبعير أو بقرة، الذكر: ناضح، والأنثى: ناضحة، ويسمى هذا الحيوان أيضًا: سانية. و (الدولاب) بضم الدال وفتحها: ما يديره الحيوان أو الماء، وهو فارسي معرب. و (العثري): الذي يشرب بعروقه من ماء المطر يجمع في حفرة. وفي الحديث: (أبغض الخلق إلى الله تعالى: العثري) فسره العلماء بأنه: الذي لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة. قال: (والقنوات كالمطر على الصحيح)؛ لأنها لإحياء الأرض ولا تتكرر، بخلاف النواضح ونحوها؛ فإن المؤنة فيها لنفس الزرع. والثاني: الواجب فيها نصف العشر؛ لكثرة المؤنة، واختاره أبو سهل الصعلوكي. وقال البغوي: إن كانت القناة كثيرة المؤنة بأن لا يزال ترابها ترابها ينهار ويحتاج إلى

وَمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءً: ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا .. ففي قَوْلٍ: يُعْتَبَرُ هُوَ، وَالأَظْهَرُ: يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ: بِعَدَدِ السَّقَيَاتِ. وَتَجِبُ بِبُدُوِّ صَلًاحِ الثَّمَرِ، واشْتِدَادِ الْحَبِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ استحداث حفر .. فنصف العشر، وإن لم تكثر مؤنتها .. فالعشر. قال: (وما سقي بهما سواءً: ثلاثة أرباعه)؛ عملًا بالتقسيط. وقيل: يجب العشر نظرًا للفقراء. قال: (فإن غلب أحدهما .. ففي قول: يعتبر هو)؛ لمراعاة الشارع له في مواضع. قال: (والأظهر: يقسط) هذا هو القياس. قال: (باعتبار عيس الزرع ونمائه)؛ لأن ذلك هو المقصود، وكذلك الحكم في الثمار. وعبر بعضهم باعتبار النفع؛ فقد تكون سقية أنفع من سقيات. قال: (وقيل: بعدد السقيات) أي: النافعات؛ لاختلاف المؤنة بها، فلو سقي بماء السماء والنضح وجهل المقدار .. وجب ثلاثة أرباع العشر على الصحيح، وقيل: نصف العشر، والأصل براءة الذمة مما زاد. قال: (وتجب ببدو صلاح الثمر، واشتداد الحب)؛ لأنهما قد صارا في هذه الحالة قوتين وقلبها كالخضروات، ولا يجب الإخراج حينئذ بلا خلاف بل لا يجزئ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمراد بـ (الوجوب): أنه انعقد سببًا لوجول الإخراج إذا صار تمرًا أو زبيبًا أو حبًا مصفي، ويجب للفقراء الآن دفعه إليهم آخرًا. وسيأتي في البيع ضابط بدو الصلاح، وأن حصوله في البعض كافٍ، وكذلك الاشتداد. فروع: ليس من شرط من بدا الصلاح أو اشتد الحب في ملكه: أن يكون هو الزارع، حتى لو باع زرعه وهو بقل فاشتد في ملك المشتري وهو من أهل الزكاة .. وجبت عليه، وإن كان المشتري ذميًا .. فلا زكاة على أحد، ويصح البيع في هذه الحالة بلا خلاف. وقيل: إن قصد الفرار .. حرم. وقطعها كبيعها إلا قطع الفحول فلا يكره؛ لأنه لا تأتي منها ثمرة. ولو باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح بشرط القطع فلم يقطع حتى بدا صلاحها .. وجب العشر، فإن رضيا بإبقائها .. جاز والعشر على المشتري. وفي قول: ينفسخ البيع كما لو اتفقا على الإبقاء عند البيع. وإن لم يرضيا بالإبقاء .. ففي قول: ينفسخ البيع، والأظهر: إن لم يرض البائع بالإبقاء .. يفسخ، وإن رضي وأبي المشتري إلا القطع .. فقيل: يفسخ، والأصح: لا يفسخ. ولو رضي البائع ثم رجع .. كان له ذلك. وحيث فسخ البيع .. فالزكاة على المشتري في الأظهر، وعلى البائع في الثاني. ومؤنة تجفيف الثمرة وجدادها وحصاد الحب وحمله ودياسته وتصفيته وحفظه وغير ذلك من خالص مال المالك، لا يحسب شيء منها من مال الزكاة؛ لئلا يتقص مال الفقراء عن العشر أو نصفه.

وَيُسَنُّ خَرْصُ الثَّمَرِ إِذَا بَدَا صَلاَحُهُ عَلَى مَالِكِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويسن خَرص الثمر إذا بدا صلاحه على مالكه)؛ لما روى سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: (أمر رسول صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا) رواه أبوا داوود [1599] والحاكم [3/ 595] وابن حبان [3279] وحسنه الترمذي [644]، إلا أن سعيد بن المسيب لم يسمع من عتاب ولا أدركه. وإنما شبه في الحديث الكرم بالنخل؛ لأنها أكثر عندهم. لأن خبير فتحت سنة سبع، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يخرص النخل- وكان خرص النخل عندهم معروفًا- فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الطائف وبها العنب .. أمر بخرصه كخرص النخل. وقيل: إن الخرص واجب لظاهر الخبر، وبه جزم الماوردي؛ لأن في تركه إضرارًا بالملاك إن منعوا عن التصرف، وبالمساكين إن لم يمنعوا. قال: وأما ثمار البصرة .. فأجمع الصحابة وعلماء الأمصار على أن خرصها غير جائز لكثرتها، ولما يلحق من المشقة ويلزم من المؤنة بسببها. وقال أبو حنيفة: الخرص لا يجوز والسنة قاضية عليه. و (الثمر) - بفتح الثاء المثلثة والميم- المراد به: الرطب والعنب، واحترز المصنف به عن الحب فإنه لا يخرص؛ لأنه لا يمكن الوقوف على ما فيه لاستتاره، ولأنه لا يؤكل غالبًا وهو رطب، والثمار تؤكل بسرًا ورطبًا وعنبًا فاحتجنا إلى خرصها؛ ليتمكن المالك من التصرف وينضبط حق الفقراء. ولا يخرص الزيتون على المذهب وإن قلنا بوجوب الزكاة فيه.

وَالْمَشْهُورُ: إِدْخَالُ جَمِيِعِهِ في الْخِرْصِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والحكمة في الخرص: الرفق بالملك ليتصرف في الثمار، وبالفقراء في ضبط حقهم. و (الخرص) _ بفتح الخاء- مصدر ومعناه: الحزر، قال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}. وصفته: أن يطوف بالشجرة ويرى جميع ثمرها ويقول: خرصها كذا وكذا رطبًا، ويجيء منه يابسًا كذا وكذا، ثم يفعل بباقي الحديقة كذلك. ولا يجوز الاقتصار على رؤية بعضها وقياس الباقي عليها، فإن اختلف نوع التمر .. خرص نخلة نخلة، لأن بعضه قليل اللحم وبعضه كثيره، فلا يمكن خرصه دفعة، وإن اتحد .. جاز أن يخرص واحدة واحدة وهو الأحوط، وجاز أن يطوف بالجميع. قال: (والمشهور: إدخال جميعه في الخرص)؛ لما روى مسلم [1392] عن أبي حميد رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة، فقال صلى عليه وسلم: (اخرصوها)، فخرصناها عشرة أوسق، فلما رجع .. سألها عن حديقتها: (كم بلغ ثمرها؟) فقالت: عشرة أوسق). والثاناي: يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله، ويختلف ذلك باختلاف المالك باعتبار كثرة العيال وقلتهم، وذلك في مقابلة تعبه في تربيتها إلى الجداد، وهذا القول منصوص في القديم و (البويطي)، ويدل له ما روى أبو داوود [1601] والحاكم [1/ 402]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرصتم .. فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث .. فالربع). قال الشافعي رضي الله عنه: معناه: يدع ثلث الزكاة أو ربعها؛ ليفرقها هو بنفسه على أقاربه وجيرانه.

وَأَنَهُ يَكْفِي خَارِصٌ، وَشَرْطُهُ: الْعَدَالَةُ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ في الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: ولعل هذا محمول على ما إذا وثق من المالك بأنه يتصدق من ذلك المتروك بعشره. وقال ابن الرفعة: مقتضى الحديث ترك الجميع له إذا احتاج هو وعياله إليه، قال: وقد حكاه الزكي في (حواشي السنن) وهو منصوص (الأم). وينبغي تخصيص القول الثاني بما إذا كان لا ينقص عن نصاب لو ترك بعضه، فإن نقص عن النصاب .. ففي هذه الحالة يتحكم إدخال الجميع. قال: (وأنه يكفي خارص) كالحاكم؛ لأنه يجتهد ويعمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابن رواحة رضي الله عنه إلى خبير). والثاني: يشترط اثنان كالمقوم والشاهد. والثالث: إن خرص على صبي أو مجنون أو غائب .. فاثنان، وإلا .. كفي واحد وهو غلط، لأن الخارص إما كالحاكم أو كالمقوم وهما لا يختلفان بالصغر والكبر. ويجري الطريقان في القائف والقاسم إذا لم يكن رد، فإن كان .. فلابد من اثنين قطعًا. قال: (وشرطه: العدالة) سواء شرطنا العدد أم لا، لأن الفاسق غير قبول القول. ويشترط- أيضًا- أن يكون عارفًا بالخرص، لأن الجاهل بالشيء من أهل الاجتهاد فيه. قال: (وكذا الحرية والذكورة في الأصح)؛ لأنها ولاية والعبد والمرأة ليسا من أهلها. وقال صاحب (العدة): إن اكتفينا بواحد .. وجبا، وإلا .. فلا. وأطلق الشاشي فيهما وجهين.

فَإِذَا خَرَصَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ، وَيَصِيرُ في ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجَهُمَا بَعْدَ جَفَافِه، وَيُشْتَرَطُ: التَصْرِيحُ بِتَضْمِينِهِ وَقَبُولِ الْمِالِكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْخَرْصِ. وَإِذَا ضَمِنَ .. جَازَ تَصَرُّفُهُ في جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإذا خرص .. فالأظهر: أن حق الفقراء ينقطع من عين الثمر، ويصير في ذمة المالك التمر والزبيب ليخرجهما بعد جفافه)؛ لأن الخرص تسليط على التصرف في الجميع وذلك يدل على انقطاع حقهم عنه. والثاني: لا ينتقل حقهم إلى ذمته، بل يبقى متعلقًا بالعين كما كان؛ لأنه ظن وتخمين فلا يؤثر في نقل حق إلى الذمة. وفائدة الخرص على هذا: جواز التصرف، ومطالبة المالك عند إتلاف الثمار بحساب الخرص. فالقول الأول يعبر عنه بأن الخرص تضمين، والثاني بأنه مجرد اعتبار. قال: (ويشترط: التصريح بتضمينه وقبول المالك على المذهب)، فيقول له: ضمنتك نصيب الفقراء من الرطب لتعطي مكيلته .. فيقبل. هذا تفريع على أن الخرص تضمين، فإن لم يضمنه أو ضمنه فلم يقبله المالك .. بقي حق المساكين على ما كان. قال: (وقيل: ينقطع بنفس الخرص)؛ لأن لفظ التضمين لم يرد في الحديث. وتوسط افمام فقال: يشترط التضمين دون القبول، لكن قبول الولي ونحوه كالمالك، وهو وارد على المصنف. قال: (وإذا ضمن .. جاز تصرفه في جميع المخروص بيعًا وغيره)؛ لأنه ملكه ولا تعلق لأحد فيه. فروع: لا يجوز للمالك أن يأكل شيئًا ولا أن يتصدق بشيء قبل الخرص، فإنه فعله .. عزز.

وَلَوِ ادَّعَى هَلاَكَ الْمَخْرُوص بَسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرٍ عُؤِفَ .. صُدَّقَ بِيَمينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ الظَّاهِرُ .. طُولِبَ بِبيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ يُصُدَّقَ ِيَمينِهِ في الْهَلاَكِ به. وَلَوِ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ .. لَمْ يُقْبَلْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن لم ينصب الحاكم خارصًا .. تحاكم إلى عدلين يخرصان عليه. وإذا أتلفها المالك أو ألها بعد بدو الصلاح .. ضمن، وإن كان بعد الخرص وقلنا: إنه يضمن .. ضمن عشر الثمن. وإذا اختلف الساعي والمالك في جنس الثمر بعد تلفًا مضمنًا .. فالقول قول المالك، فإن أقام الساعي شاهدين أو شاهدًا وامرأتين .. قضي له، وإن أقام شاهدًا فلا؛ لأنه لا يحلف معه. وإذا اختلف خارصان .. فقيل: يؤخذ بالأقل؛ لأنه اليقين. والأصح: يرجع إلى ثالث ويؤخذ بقول من هو أقرب إلى خرصه. قال: (ولو ادعى هلاك المخروص بسبب خفي كسرقة، أو ظاهر عرف .. صدق بيمينه) في دعوى التلف بذلك السبب؛ لأنه مؤتمن شرعًا. واليمين هنا وفيما سيأتي من مسائل الفصل مستحب، وقيل: واجب، وإن عرف عموم أثر ذلك السبب. فلا حاجة إلى اليمين. قال: (فإن لم يعرف الظاهر .. طزولب ببينة على الصحيح)؛ لإمكانها. قال: (ثم يصدق بيمينه في الهلاك به) أي: بذلك السبب. والثاني: لا يطالب به، بل القول قوله بيمينه؛ لأمانته. والثالث: يقبل بلا يمين إذا كان ثقة، فإن اقتصر على دعوى الهلاك من غير تعرض لسبب .. فالمفهوم من كلام الصحاب قبوله مع اليمين. قال: (ولو ادعى حيف الخارص أو غلطه بما يبعد .. لم يقبل) كما لا تقبل

أَوْ بِمُحْتَمَلٍ .. قُبِلَ في الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ دعوى الجور على الحاكم إلا ببينة، ولا في الغلط الفاحش كالثلث والربع. والأصح: أنه يحط القدر المحتمل. قال الجوهري: العرب تقول: غلط في منطه وغلت في الحساب، وبعضهم يجعلهما لغتين. قال: (أو بمحتمل .. قبل في الأصح)، وذلك كخمسة أوسق من مئة؛ لأن الكيل يقين، والخرص تخمين، والمالك أمين فوجب الرجوع إليه من غير يمين. والثاني: لا يقبل، لاحتمال أن النقصان في الكيل ولعله يفي إذا كاله ثانيًا، كمن اشترى حنطة مكايلة وباعها مكايلة فنقصت بقدر ما يقع بين الكيلين، فإنه لا يرجع على الأول، لأنه كما يجوز أن يجوز ذلك لنقصان في الكيل الأول يجوز أن يكون لزيادة في الثاني. والأصح: أنه يقبل، والفرق: ما تقدم من أن الخرص تخمين والكيل يقين. وقوله: (بمحتمل) هنا بفتح الميم، وأما بكسرها .. فهي الواقعة نفسها. تتمة: محل الوجهين: ما إذا لم يكن المخروص باقيًا، فإن كان .. أعيد كليه وعمل به ومحله أيضًا: في التفاوت الواقع بين الكيلين، فإن كان فوق ذلك مما هو محتمل أيضًا .. فيقبل جزمًا، نبه عليه الرافعي. ... خاتمة الخراج المأخوذ طلمًا لا يقوم مقام العشر، فإن أخذه السلطان على أن يكون بدل العشر .. فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد ويسقط به الفرض في الأصح. والنواحي التي يؤخذ التي منها الخراج ولا يعلم حالها .. يستدام الأخذ منها؛ فإنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يجوز أن يكون صنع بها كما صنع عمر رضي الله عنه في خراج السواد)، والظاهر في الأخذ: كونه بحق، وفي الأيدي: الملك، فلا نترك واحدًا من الظاهرين إلا بيقين. وإذا وجب العشر في الزرع والثمار .. لم يجب فيها بعد ذلك شيء وإن بقيت سنين. ***

باب زكاة النقد

بَابُ زَكَاةِ النقْدِ نِصَابُ الْفِضةِ: مِئتَا دِرْهَمٍ،

وَالذ?هَبِ: عِشْرُونَ مِثْقَالًا بِوَزْنِ مَكةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اللغويين على أنه مخصوص بالمضروب، وقال جماعة: يطلق على جنس الفضة وإن لم يكن مضروبًا، وهو المراد هنا. قال: (والذهب: عشرون مثقالًا)؛ لما روى أبو داوود [1567] أن: النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان له عشرون مثقالًا وحال عليه الحول ... ففيها نصف دينار، فما زاد ... فبحساب ذلك)، لكن قوله (فما زاد فبحساب ذلك) شك الراوي: هل هو مرفوع؟ أو موقوف على علي رضي الله عنه والباقي مرفوع؟ فإن نقص عن ذلك ولو حبة .. لم تجب الزكاة عندنا بلا خلاف، وخالف فيه مالك وأحمد .. فلو كان في بعض الموازين ناقصًا وبعضها تامًا .. فالصحيح: لا زكاة؛ للشك في الوجوب. وعن الحسن البصري: لا تجب الزكاة في أقل من أربعين دينارًا، وفيها مثقال. قال: (بوزن مكة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الميزان ميزان أهل مكة) صححه أصحاب السنن. ووزن مكة: كل درهم ستة دوانيق، كل عشرة دراهم: سبعة مثاقيل. والمثقال لم يتغير في الجاهلية والإسلام، والدراهم كانت مختلفة ثم ضربت في زمان عمر رضي الله عنه، وقيل: في زمن عبد الملك بن مروان على هذا الوزن وأجمع المسلمون عليه. قال الشيخ: ويجب اعتقاد أن ذلك هو مراد الشارع حيث أطلق الدراهم، وأنها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت معلومة على هذا الوزن؛ لأنهم لا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.

وَزَكَاتُهُمَا: رُبُعُ الْعُشْرِ. وَلاَ شْيءَ فِي الْمَغْشُوشِ حَتى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وزكاتهما: ربع العشر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وفي الرقة ربع العشر) قال ثعلب: الرقة تشمل الذهب والفضة، وخصها الجمهور بالفضة؛ لأن أصل الورق فحذفت (الواو) وعوض عنها (الهاء)، وجمعها: رقين، وفي المثل: إن الرقين يغطي أفن الأفين، أي: يستر عيب ضعيف الرأي. ومن كلام المصنف يعلم: أنه يجب فيما زاد بحسابه، وأنه لا وَقْص إلا في الماشية. والفرق: أن الثمار والنقود تتجزأ من غير ضرر بخلاف الماشية. ولا تكمل فضة بذهب ولا عكسه، ويكمل جيد كل واحد منهما برديئه، ويخرج من الجيد إذا اختلفت القيمة. قال: (ولا شبء في المغشوش) وهو: المخلوط بما هو أدون منه، كذهب بفضة، وفضة بنحاس. قال: (حتى يبلغ خالصه نصابًا)؛ لأنه دون خمس أواق من الورق. فإذا بلغت فضة الدراهم المغشوشة مثلًا نصابًا .. أخرج قدر الواجب فضة خالصة، أو أخرج من المغشوش ما يعلم أنه يشتمل على قدر الواجب، فلو كان المال لمحجور عليه .. فالمتجه: تعين الأول إن كانت مؤنة السبك تنقص عن قيمة العين، وسيأتي في أوائل (باب من تلزمه الزكاة) فائدة تتعلق بهذا.

وَلَوِ اخْتَلَطَ إِنَاءُ مِنْهُمَا وَجُهِلَ أَكْثَرُهُمَا .. زُكيَ الأَكثَرُ ذَهَبًا وَفِضةً، أَوْ مُيزَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: يكره للرعية ضربها وإن كانت خالصة، وللإمام أن يؤدب على ذلك، ونص الشافعي رضي الله عنه على كراهة المعاملة المغشوشة، وأما الجواز: فإن كان مقدار الغش معلومًا .. صحت المعاملة بها وف الذمة اتفاقًا، وإن كان مجهولًا .. فأربعة أوجه: أصحها: الصحة مطلقًا كبيع الغالية والمعجونات. والثاني: لا تصح مطلقًا كاللبن المخلوط بالماء، وأجازة القفال والإمام. والثالث: إن كان الغش معلومًا .. صح التعامل بها، وإن كان غالبًا .. لم يصح. والرابع: يصح التعامل بها في العين دون الذمة كما في التعامل بالحنطة المختلطة بالشعير. فلو كان الغش قليلا بحيث لا يأخذ حظًا من الوزن .. فوجوده كعدمه. ولو أتلف شخص الدراهم المغشوشة .. فعلى الأصح: يجب مثلها، وقال المارودي: قيمتها. ويكره إمساكها، والأولى أن يسبُكها إلا أن تكون دراهم البلد مغشوشة .. فلا يكره إمساكها. قال: (ولو اختلط إناء منهما وجهل أكثرهما .. زكى الأكثر ذهبًا وفضة) كما إذا كان الإناء زنته ألفًا؛ ست مئة من أحدهما، وأربع مئة من الآخر، ولم يدر: هل الذهب أكثر أو الفضة؟ فيحتاط ويزكي ست مئة من هذا وست مائة من هذا لتبرأ ذمته بيقين، ويكون متطوعًا بالزائد، ولا يكفيه في الاحتياط أن يقدر الأكثر ذهبًا؛ فإنه لا يجزئ عن الفضة. قال: (أو مُيز) أي: ميز بينهما بالنار؛ فإن في كل من الطريقتين يقين البراءة.

وَيُزَكي الْمُحَر?مُ مِنْ حُلي? وَغَيُرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (البسيط): ويحصل المقصود بسبك جزء يسير منه إن استوت أجزاؤه. وبقى أمر ثالث: وهو الامتحان بالماء، فيوضع فيه ست مئة ذهبًا وأربع مئة فضة ويعلم ارتفاعه، ثم يعكس ويعلم ارتفاعه – وهو فوق الأول – ثم يوضع المختلط، فإلى أيهما وصل فهو المقدار. كل هذا إذا كان الإناء موجودًا، فإن فقد ... فيقوى اعتبار ظنه ويعضده التخميين في مسألة المذي والمني. فروع: إذا عسر التمييز بالنار والامتحان بالماء عند من اعتبره .. لزمه الاحتياط، فيزكي ست مئة ذهبًا وست مئة فضة. وعسر التمييز: أن يفقد آلات السبك أو يحتاج فيه إلى زمن صالح؛ فإن الزكاة على الفور. ولو غلب على ظنه الأكثر .. لم يعتمده الساعي، وفي المالك وجهان، وأجرة السبك على المالك على الأصح. وجزم الإمام بأن من عليه دين يشك في قدره .. يلزمه إخراج اليقين بغير زيادة، لكن في (قواعد ابن عبد السلام): لو وجبت عليه زكاة من زكاتين ولا يدري: أهي بقرة أم بعير أم شاة؟ أم دراهم أم دنانير؟ يأتي بالزكاتين كمن فاتته صلاة من خمس لا يعرف عينها يصلي الخمس. قال: وفيه نظر؛ لأنا تيقنا شغل الذمة في الصلاة وشككنا في المسقط، بخلاف ما نحن فيه. وسيأتي لهذا نظير في (باب النذر). قال: (ويزكى المحرم من حلي وغيره) أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في المحرم وهو نوعان.

لاَّ المٌبَاحُ فِي الأَظْهَرِ , ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: لعينه كالأواني والملاعق والمجامر من النقدين. والثاني: حرام بالقصد , كما إذا قصد الرجل بحلي النساء الذي يملكه كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه , أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف والمنطقة أن تلبسه أو تلبسه لجواريها أو غيرهن من النساء لآن إسقاط الزكاة تخفيف مشروط بمنفعة فلتكن مباحة, والمنفعة المحظورة كالعدم. والمكروه- كالضبة الصغيرة للزينة والكبيرة للحاجة- يجب فيه الزكاة. و (الحلي) - بضم الحاء وكسرها- جمع حلي ,مثل: ثدي وثدي. قال: (لا المباح في الأظهر) لأنه معد لاستعمال مباح , فأشبه العوامل من الإبل والبقر. وصح عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة مع ما عرف من مذهبها من إخراج زكاة أموال اليتامى , رواة مالك 1/ 250 وغيره. وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان يحلي جواريه وبناته بالذهب ولا يخرج عنه الزكاة وصح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها تحلي بناتها بالذهب ولا تزكيه نحوا من خمسين ألفا. والثاني: تجب لآن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت لا , فقال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار!؟ فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله. رواه أبو داوود 1558 بإسناد صحيح. وهذه المرأة هي أسماء بنت يزيد بن السكن السائلة عن دم الحيض , قاله الحافظ أبو نعيم. و (المسكتان) بفتح الميم والسين, الواحدة: مسكة وهي: السوار والجواب: أن الحلي كان في أول الإسلام محرما على النساء كما قاله القاضي أبو الطيب والبيهقي وغيرهما , أو أنه كان فى ذلك إسراف وهذا معنى قول الأصوليين: (وقائع الأحوال لا تعم). وأجاب قوم بأن زكاة الحلي عاريته , ولم يرتض الشيخ شيئا من هذه الأجوبة وقال: لا يقبل شيء منها إلا بدليل. فعلى هذا القول: الزكاة منوطة بجوهر النقدين كالربا وعلى الأول: بالانتفاع بها. ويستثنى من إطلاق كثير من الأصحاب ما لو له حلي مباح فمات ولم يعمل به وارثه حتى مضى حول .. فإن زكاته تجب لأنه لم بنو إمساكة للاستعمال المباح. وحكى الروياني عن والده احتمال وجه: أنها لا تجب لأن الوارث قائم مقام مورثه ونيته تكفي. ولو اتخذ حلي الذهب لتحلية الأطفال الذكور. فالأصح: لا زكاة فيه. فرع: إذا أوجبنا الزكاة في الحلي فاختلفت قيمته ووزنه , كخلخال وزنة مئتان وقيمته ثلاث مئة .. اعتبرنا القيمة على الصحيح , فيخير بين أن يخرج ربع عشر الحلي ,

فَمِنَ المُحَرَّمِ: الإِنَاءُ وَالسُوَارُ وَالخِلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ , فَلَوِ أتَّخَذَ سِوَارًا بِلَا قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ إِجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهٌ .. فَلَا زَكَاةَ فِي الأَصَحِّ , ـــــــــــــــــــــــــــــ مشاعًا , وبين أن يخرج خمسة دراهم مصوغة قيمتها سبعة ونصف , ولا يجوز أن يكسره فيخرج خمسة مكسرة قال: (فمن المحرم: الإناء) سواء كان للرجال أو النساء لما تقدم. قال) والسوار والخلخال للبس الرجل) , وكذا الخنثي على المذهب .. فإنه ينافي شهامة الرجال. فلو قصد باتخاذه مباحا ثم غيره أو بالعكس .. تغير الحكم. قال: (فلو اتخذ سوارا بلا قصد أو بقصد إجارته لمن له استعماله قلا زكاة في الأصح) أما الأولى - وهي: ما إذا لم يقصد بالحلي شيئا - فلأن الزكاة إنما تجب في المال النامي والنقد غير نام بنفسه , وإنما يلتحق بالناميات لكونه متهيئا للإخراج, وبالصياغة بطل التهيؤ. والوجه الثاني تجب فيه لعدم القصد. وأما الثانية - وهي: ما إذا قصد بالحلي اتخاذه لمن له استعماله - فلا زكاة فيه في الأصح كما لو اتخذه ليعيره, ولا اعتبار بالأجرة الماشية العوامل. وذهب أبو عبد الله الزبيري إلى أن اتخاذه بقصد الإجارة حرام , والجمهور على جوازه وجواز إجارته بالذهب كيف كان. وقوله (بلا قصد) أراد: أنه لم يقصد استعماله ولا اقتناءه كنزا , أما إذا قصد الكنز أو القنية .. فالمذهب: وجوب الزكاة وبه جزم في (التنبيه) لأن قصد الكنز صارف للصياغة عن الاستعمال بخلاف مسألة الكتاب فإن الصياغة المانعة للزكاة لم يعارضها شيء , ولهذا كانت عبارة المصنف أحسن من قول (المحرر): (ولم يقصد استعمالا مباحا ولا محظورا) فإن هذه تشمل ما إذا قصد الكنز , والصحيح فيها: وجوب الزكاة.

وَكَذَا لَوِ انْكَسَرَ حَلْيٌ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ. وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ لو أتخذ الرجل حلي النساء من غير قصد ,أو المرأة حلي الرجل من غير قصد .. فلا زكاة في الأصح كما سبق. وحكم القصد الطارئ بعد الصياغة في جميع ما ذكرنا حكم المقارن , فلو اتخذوا قاصدا استعمالا محرما ثم غير قصده إلى مباح .. بطل الحول , فول عاد القصد المحرم ابتدأ الحول , وكذا لو قصد الاستعمال ثم قصد كنزه .. ابتدأ الحول. و (السوار) بكسر السين وضمها , وفى لغة ثالثة: (أسوار) بضم الهمزة حكاها في (شرح مسلم) وحكاها الحافظ المنذري بكسرها. قال: (وكذا لو انكسر حلي وقصد إصلاحه) لا تجب فيه الزكاة في الأصح إن تمادت عليه أحوال لدوام صورة الحلي وقصد إصلاح. والثاني: تجب لتعذر الاستعمال. واحترز بقوله: (وقصد إصلاحه) عما إذا قصد جعله تبرا أو دراهم .. فإن الحول ينعقد من حين الانكسار , وإن لم يقصد هذا ولا ذاك .. فأولى الوجهين في (الشرح الصغير): الوجوب , والأظهر في (الكبير): المنع , قال في (المهمات): وهو الصواب المنصوص. وصورة المسألة: إذا انكسر بحيث يمتنع الاستعمال , لكن لا يحوج إلى صوغ جديد بل يصلح بالإلحام , فإن لم يمتنع الاستعمال .. فلا أثر له , وإن أحوج إلى صوغ جديد وجبت فيه الزكاة , وابتداء الحول من يوم الانكسار. قال: (ويحرم على الرجل حلى الذهب) لقوله صلي الله عليه وسلم: (حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي , أحل لإناثهم) قال الترمذي 1720: حديث حسن الصحيح , وفي (صحيح مسلم) 2090 في خاتم الذهب: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده. وإطلاق المصنف يقتضي: أنه ولو كان آله الحري وهو كذالك. وكذالك المموه إذا حصل منه شيء بالنار فإن لم يحصل .. فوجهان اختلف فيهما تصحيح المصنف.

إِلَّا الأَنْفَ والأَنْمَلَةَ والسِّنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إل الأنف) لما روى الترمذي 1770 وابن حبان 5462 والطيالسي 1258 والبيهقي 2/ 425 عن عرفجة بن صفوان التميمي رضي الله عنه قال: (أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية , فاتخذت أنفا من ورق فأنتن علي أمرني فأمرني رسول الله صلى الله علية وسلم: أن اتخذ أنفا من ذهب). و (الكلاب) بضم الكاف ما بين البصرة والكوفة , كانت بة وقعة في الجاهلية في أيام أكثم بن صيفي. قال: (والأنملة والسن) لأنهما فى معنى الأنق , وروى أبو نعيم وأبن عدي 4\ 109 وابن قانع 565 عن هشام بن عورة عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول أن أتخذ ثنية من ذهب ) لكن في إسناده طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف , ولأنملة تعمل عمل الإصبع فيمكن تحريكها بالقبض والبسط. و (الأنملة) واحدة الأنامل وهي: رؤوس الأصابع , وفيها تيع لغات: تثليث الهمزة مع تثليث الميم , والأفصح: فتح همزتها وميمها ولم يحك الجوهري غيرها. فرع: يجوز شد السن بالذهب للضرورة لأن عثمان رضي الله عنة شد أسنانه به ولم ينكره أحد , وروى البيهقي في) الشعب) 6329 عن أنس بن مالك رضي الله عنة: أنة شد أسنانه به , وعن الحسن البصري وموسى بن طلحة وإسماعيل بن زيد بن ثابت كذلك, وعن النخعي: أنه لم ير به بأسا. فإن نشب في العضو وتركب عليه اللحم .. صار كالمستهلك لا زكاة فيه , فإن لم يكن كذلك بل كان يمكن نزعه ورده .. ففيه القولان في الحلي المباح.

لاَ الإِصْبَعَ، وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَحِلُّ لَهُ منَ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا الإصبع)؛ لأنها لا تعمل فتكون لمجرد الزينة بخلاف الأنملة؛ فإنه يمكن تحريكها، واليد كالإصبع، وفيهما وجه، وكما تحرم الإصبع من الذهب تحرم من الفضة. قال: (ويحرم سن الخاتم على الصحيح) وهو: الشعبة التي يستمسك بها الفص لعموم أدلة التحريم. ويقابله احتمال للإمام؛ لأنه يشبه الضبة الصغيرة. قال: (ويحل له من الفضة الخاتم) بالإجماع. مهمة: توحيد المصنف (الخاتم) وجمع ما بعده مشعر بامتناع التعدد اتخاذًا ولبسًا، وهو خلاف ما في) المحرر)؛ فإنه عبر بقوله: (ويجوز التختم بالفضة للرجال)، وعبر في) الشرح) بقوله: (ولو اتخذ الرجل خواتم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد .. جاز)، وظاهره: الجواز في الاتخاذ دون اللبس. والصواب: جواز الأمرين كما صرح به الدارمي والخوارزمي. وقال المحب الطبري: المتجه: إنه لا يجوز للرجل أن يلبس خاتمين من فضة في يديه أو في إحداهما؛ لأن استعمال الفضة حرام إلا ما وردت به الرخصة، ولم ترد إلا بخاتم واحد. وفي (شعب الإيمان)] 6356 [للبيهقي: كان أبو سليمان الخطّابي يكره ذلم وقال: إنه ليس من جميل العادات، ولا من صفات المتقين. فروع: لبس الخاتم سنة سواء كان في اليمين أو اليسار، لاكن اليمين أفضل. وقال المتولي والفوراني والعمراني: اليسار أولى. والمستحب: أن يجعل فَصَّه مما يلي الكف.

وَتَحْلِيَةُ آلاَتِ الْحَرْبِ- كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أن يكون فصه منقوشًا باسم الله من غير كراهة، وله أن ينقش فيه اسم نفسه أو كلمة حكمة. ويكره للرجل التختم في الوسطى والسبابة؛ لما روى مسلم [2078] عن علي رضي الله عنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجعل خاتمي في الوسطى والتي تليها)، وفي رواية في (أبي داوود) [4222] بإسناد صحيح: (نهاني أن أتختم في السبابة والوسطى). ولا يكره للمرأة لبس خاتم الفضة خلافًا للخطّابي. ولا يكره لبس خاتم الرصاص والنحاس والحديد على الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتمًا من حديد). قال ابن الرفعة: وينبغي أن ينقص عن مثقال؛ لما روى أبو داوود [425] وابن حبان [5488] من حديث بريدة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا لبس خاتمًا من حديد فقال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟!) فطرحه، فقال: يا رسول الله؛ مم أتخذه؟ قال: (من فضة ولا تبلغه مثقالا). ويحرم على الرجل لبس الدملج والسوار والطوق خلافًا للغزالي. وليس للخنثى التحلي بحلي الرجال ولا بحلي النساء، ولا يباح له من الفضة إلا الخاتم هاذا نص المتولي، وفي (الروضة) عنه: أنه أشار إلى أن للخنثى لبس حلي الرجال والنساء؛ لأنه كان يلبسهما في الصغر فيبقى. قال: (وتحلية آلات الحرب كالسيف والرمح والمِنطقة) وهي: التي يشد بها الوسط، وميمها مكسورة، والجمع: مناطق، وشرطها: أن تكون معتادة، فلو اتخذ مِنطقة ثقيلة لا يمكنه لبسها من فضة، أو اتخذت المرأة حليًا ثقيلًا لا يمكنها لبسه .. وجبت الزكاة قطعًا؛ لأنه غير معد لاستعمال مباح.

لاَ مَا لاَ يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ عَلَى الأَصَحِّ. وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَحْلِيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتباح التحلية المعتادة في الدرع والجوشن والخوذة والخنجر وسكين الحرب؛ لأن فيه إرهابًا للعدو وغيظًا للكافرين. وقد ثبت: (أن قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعله كانا من فضة، وما بين ذلك حِلَق الفضة) رواه النسائي [8/ 219] وغيره. أما سكين المهنة والدواة والمقراض .. فتحليتها بالفضة حرام على الأصح على الرجال والنساء، كما يحرم عليهما تحلية الدواة والمبخرة والمرآة، وبالذهب حرام عليهما قطعًا. قال: (لا ما يلبسه كالسرج واللجام على الأصح) كالأواني. والثاني: يجوز؛ لما سبق من إغاظة الكفار. والخلاف جار في الرِّكاب وأطراف السيور وثفر الدابة وبرة الناقة من الفضة، والأصح: التحريم. قال الشيخ: ينبغي أن يتوقف في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملًا في أنفه برة من فضة يغيظ بذلك المشركين. والمذهب: تحريم القلادة للدابة. ولا يجوز شيء من ذلك بالذهب بلا خلاف. ومحل الخلاف: في المقاتل، أما غيره .. فلا تحل له تحلية ذلك قطعًا. وتستثنى: البغلة والحمار، فلا يجوز ذلك فيهما بلا خلاف؛ لأنهما لا يصلحان للحرب. قال: (وليس للمرأة تحلية آلة الحرب)؛ لأن فيها تشبيهًا بالرجال وهو حرام كما نقله الرافعي عن الجمهور، واعترض الشاشي بأن التشبيه مكروه لا حرام ولهن المحاربة وجزم بالجواز، قال الرافعي: وهو الحق إن شاء الله.

وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا فِي الأَصَحِّ. وَالأَصَحُّ: تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِئَتا دِينَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وما قالاه ضعيف، والصواب: أن التشبيه حرام. ولا فرق في جواز لبس الحلي للنساء بين المزوجة والخلية. قال: (ولها لبس أنواع حلي الذهب والفضة) بالإجماع، وذلك كالقُرْط والطوق والخاتم والسوار والخَلخال. وكذا نعل الفضة على الصحيح، وما لبسه أحد .. إلا أذله الله، وصوب في (شرح المهذب) جواز لبسه مطلقًا. والتاج إن جرت عادة النساء بلبسه .. جاز، وإلا .. فلا؛ لأن فيه تشبيهًا بالرجال وهم ملوك الفرس كذا في (الروضة)، وقال في (شرح المهذب) (في باب ما يجوز لبسه): الصواب: جوازه مطلقًا. قال: (وكذا ما نسج بهما في الأصح)؛ لعموم الأدلة. والثاني: لا للسرف والخيلاء. مهمة: القلادة من الدراهم والدنانير لا تحرم بلا خلاف، وما وقع في (الشرح) و (الروضة) من التحريم معترض، لاكن نجب زكاتها في الأصح؛ لبقاء صورة النقد. قال: (والأصح: تحريم المبالغة في السرف كخَلخال وزنه مئتا دينار)؛ لأن المباح لهن ما يتزين به ولا زينة في ذلك. والثاني: لا يحرم؛ لعموم الأدلة على إباحة الحلي. وتقييده ب (المبالغة) تبع فيه (المحرر)، وليس في (الشرح) ولا في (الروضة) ذلك، بل أطلق اذكر السرف وهو الذي يظهر، ويؤيده قوله بعده: (وكذا إسرافه في آلة

وَكَذَا إِسْرَافُهُ فِي آلَةِ الْحَرْبِ، وَجَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ، وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ بِذَهَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرب). وأما التمثيل بخلخال وزنه مئتا دينار .. فكذا ذكره غيره. قال: (وكذا إسرافه في آلة الحرب)؛ لما فيه من الخيلاء الزائد. فلو اتخذ آلات كثيرة للحرب محلاة أو المرأة خلاخيل كثيرة تلبس الواحد منها بعد الواحد .. فطريقان، أصحهما: القطع بالجواز. والسرف ضد القصد، وهو: مجاوزة الحد، ويقال له في النفقة: التبذير وهو: الإنفاق في غير حق، فالمسرف: المنفق في المعصية وإن قل إنفاقه، وغيره المنفق في الطاعة وإن أفرط. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس في الحلال سرف؛ إنما السرف في ارتكاب المعاصي). وما أحسن قول الحسن بن سهل: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف. وقال سفيان الثوري: الحلال لا يحتمل السرف. وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته: ما نفقتك؟ قال: الحسنة بين السيئتين ثم تلا: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} الآية. قال: (وجوازُ تحلية المصحف بفضة)؛ إكرامًا له، وذلك جائز للرجال والنساء. والثاني: لا يجوز كالأواني. والخلاف قولان منصوصان، وقيل: وجهان كما حكاه المصنف. أما تحلية سائر الكتب بذهب أو فضة .. فحرام بالاتفاق قاله في (شرح المهذب)، وقال في (الروضة): أشار الغزالي إلى طرد الخلاف في سائر الكتب. وحكى الجاجرمي وجهًا في جواز تحلية الكتب، وأثبته البارزي في (تمييز التعجيز). قال: (وكذا للمرأة بذهب)؛ لعموم: (أُحل الذهب والحرير لإناث أمتي).

وَشَرْطُ زَكَاةِ اّلنَّقدِ: اّلْحوْلُ. وَلاَ زَكَاةَ فِي سَائِرِ اّلْجَوَاهِرٍ كَاّللٌؤلُؤِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يجوز مطلقًا؛ بما تعظيمًا للمصحف وصحح المارودي. والثالث: لا مطلقًا. والرابع: يجوز تحليه نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه. والأصح: أن حكم غلافه المنفصل عنه كحكمه. قال الغزالي: ومن كتب المصحف بذهب .... فقد أحسن ولا زكاة عليه. وفي حلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما وجهان: الأصح: التحريم والثاني _ وبه أفتى الغزالي-: الجواز كما تستر الكعبة بالحرير. وينبني عليهما وجوب زكاتهما إذا كانت باقية على ملك فاعلها، فعلى القول بالتحريم: تجب زكاتها قطعًا، وعلى القول بجوازها: في زكاتها القولان، وإن كانت وقفًا .. فلا زكاة فيها. وقال ابن عبد السلام: لا بأس بتزيين المساجد بالقناديل والشموع التي لا توقد؛ لأنه نوع احترام. قال: (وشرط زكاة النقد: الحول)؛ للخبر المتقدم. قال: (ولا زكاة في سائر الجواهر كاللؤلؤ)؛ لما روى البيهقي [4/ 146] عن علي رضي الله عنه موقوفًا عليه: (ليس في جوهر زكاة)، وفي (الرافعي) عن: أنه فال: (لا زكاة في اللؤلؤ) وهو غريب، وكذلك الزبر جد والياقوت والفيروز والمرجان والصفر والزجاج وإن حسنت صنعته وكثرت قيمته، ولا في المسك والعنبر؛ لأنه لم يرد بالزكاة في ذلك نص , وروى البيهقي [4/ 146] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قال: (لا شيء في العنبر) ورواه البخاري بمعناه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أكرا لباس اللؤلؤ إلا لأنه من زى النساء – قال – ولا أكره لباس ياقوت ولا زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء. تتمة: (الجوهر) معروف، وهو معرب واحدته: جوهرة، وأما الجوهر الفرد الذي يستعمله المتكلمون .. فو ما تحيّز، والجسم يطلقونه على ما تركب من جزأين فصاعدًا، والعرض: ما قام بالجسم أو بالجوهر، واختلفوا في إثبات الجوهر الفرد، قالوا: وهذه الأقسام الثلاثة هي جملة المخلوقات لا يخرج عنها شيء منها. خاتمة سيأتي في (قسم الفيء والغنيمة): أن عمر رضي الله عنه لما قدم عليه مال العراق دعا سراقة بن مالك رضي الله عنه فألبسه سواري كسري. فأبيح له ذلك؛ لأنه علم من أعلام النبوة، وفي (أخبار المدينة): أن أتي بمجمرة من الشام من فضة فيها تماثيل، فدفعها إلى سعد – أحد المؤذنين- وقال: (جمّر بها في الجعبة وفي شهر رمضان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم) فكان سعد يفعل ذلك وكان يضعا بين يدي عمر رضي الله عن فيه، ولم تزل إلى سنة ستين ومئة فضرت وجعلت سلاحًا. فهذا أيضًا مما اختص به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن قناديله لا حق فيها للفقراء ولا لغيرهم، ولا يجوز صرفها في عمارة المسجد ولا غير، سواء وقفها مالكها أو أرسلها هدية، بل تبقي مستحقة لتلك المنفعة لا تجوز إزالتها عن أمكانها وتجب استدامتها، كما قرر الشيخ ففي (تنزل السكينة على قناديل المدينة) على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام.

باب زكاة المعدن والركاز والتجارة

بَابُ زكَاةِ اّلْمَعْدِنِ والرِّكاَزِ وَاّلتَّجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ باب زكاة المعدن والرَّكاز والتجارة الأموال الكائنة في الأرض: إما مخلوقة فيها وهي: المعادن، أو مودوعة فيها وهي: الركاز. فـ (المَعدِن) بفتح الميم وكسر الدال تقدم في (باب التيمم). سمي بذلك لعدوته؛ أي أقامت، يقال: عَدَنَ بالمكان إذا أقام فيه، ومنه: (جَنَّتُ عَدْنٍ)، أي: إقامة. وسمي البلد المشهور عدناّ؛ لأن أصحاب الجرائم كان يحبسهم تبَّع بها وكان رجلًا صالحًا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبه؛ لأنه آمن به قبل أن يبعث بسبع مئة سنة. و (الركاز): ما دفن وأقر. وذكرهما في الزكوات تفريع على المذهب: أن مصرف ما يجب فيهما مصرف الزكوات. و (التجارة): تقلب المال والتصرف في لطلب الربح.

مَنِ اّسْتَخْرَجَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةّ مِنْ مَعْدِنٍ ... لَزِمَهُ رُبُعُ عُشْرِهِ، وَفي قَوْلٍ: اّلْخُمْسُ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل في وجوب زكاة المعدن قبل الإجماع قوله تعالى: {أَنفِقُوا مِن طَيِبتِ ماَ كَسَبّتُم وَمِمَآ أَخْرَجنَا لَكُم مَنَ آلأَرضِ}. وروى مالك [1/ 248] وأبو داوود [3056] والحاكم [1/ 404]: (أن النبي صلى الله علي وسلم أخذ من المعدن القَبَلية الصدقة) وهي بتحريك القاف والباء: نسبة إلى موضع بينه وبين المدينة خمس أيام. قال: (من استخرج ذهبًا أو فضة من معدن .. لزمه ربع عشره)؛ لعموم الأحاديث المتقدمة. وقيل: لا يختص الوجوب بالذهب والفضة، بل يعم كل ما يخرج منه كالحديد والزمرد وغيرهما. وخصه أبو حنيفة بالمنطبع كالذهب والفضة والنحاس والحديد، وأبو يوسف بكل ما يستعمل حلية كالجواهر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (المعدن جُبَار) .. ففسروه بأن المراد: إذا انهار على رجل فقتله؛ لقيام الإجماع على الواجب فيه. قال: (وفي قول: الخمس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس) قيل: ما الركاز؟ قال: (الذهب والفضة والمخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض) أصل الحديث في الصحيحين [خ1499 – 1710]، لكن قيل: إن هذه الزيادة – أعني التفسير بالمعدن – ضعيفة. وعلى هذا: المذهب أيضًا: أنها تصرف مصرف الزكاة بالنية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ زكاة المعادن القَبَلية كما تقدم. وقيل: مصرف خمس الفيء بلا نية. قال الشافعي رضي الله عنه: ومن أوجب فيه الخمس لا يكاد يسميه زكاة.

وَفِي قَوْلٍ: إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ .. فَرُبُعٌ عٌشْرِهِ، وإلًا ... فَخُمْسُهُ. وَيُشْتَرَطُ: ألنصَابٌ لاَ ألْحَوْلُ عَلَي ألمَذهَبِ فِيهِمَا. وَيُضَمُّ إِلَى بَعْضٍ إِنْ تَتَابَع الْعَمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: إن حصل بتعب .. فربع عشره، وإلا ... فخمسه)؛ لأن الواجب يزداد بكثرة المؤنة، وينقص بقلتها كالزروع. والمراد بـ (التعب): الحفر والمعالجة بالنار. قال: (ويشترط: النصاب لا الحول على المذهب فيهما) أما اشتراط النصاب .. فالعموم ما سبق في زكاة النقدين. وقيل: لا يشترط؛ لأنه مال يجب تخميسه فلا يعتبر فيه النصاب كالفيء والغنيمة. وأما عدم اشتراط الحول .. فلأنه نماء في نفسه كالثمار والزروع. ووجه اشتراطه عموم: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)، وإنما عبر بـ (المذهب)؛ لأن الأصح: القطع باشتراط النصاب وبعدم اشتراط الحول. فإن قيل: إذا كان المعدن مخلوقًا في الأرض، فإذا وجده مالك الأرض فلم لا يزكيه للسنين الماضية لأنه ملكه منذ ملك الأرض؟ فالجواب: أن الموجود فيه لعله مما يُخلق شيئًا فشيئًا فلم يتحقق سبق الملك فيه. فرعان: أحدهما لو وجد معدنًا أو ركازا وعليه دين قدر الموجود أو قدرًا ينقصه عن النصاب .. ففي منع الزكاة الأقوال الآتية في الباب الذي بعده. الثاني: لو استخرج اثنان من المعدن نصابًا ... ففي وجوب الزكاة ما تقدم في ثبوت الخلطة في النقدين. قال: (ويضم بعضه إلى بعض إن تتابع العمل) كما يضم المتلاحق من الثمار، لكن الضابط في الثمار: كونها ثمار سنة، وهنا: تتابع العمل، لا يشترط بقاء

وَلاَ يُشْتَرَطُ اتَصَالُ النيْلِ عَلَى الْجَدِيِد، وإذاَ قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ .. ضُمَّ، وَإلاَّ فَلاَ يَضُمُّ آلأَوَّلَ إِلَى الثَّانِي. وَيَضُمُّ الثٌّانِيَ إِلَى الأَوَّلِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول على ملكه، قاله الماوردي وغيره. ونقل في (الكفاية) عن النص: أن شرط الضم: اتحاد المعدن فإن تعدد .. لم يضم تقاربا أم تباعدا، وكذا في الركاز. قال: (ولا يشترط اتصال النيل على الجديد)؛ لأنه لا يحصل غالبًا إلا متفرقًا. وفي القديم: يشترط كما يتشرط تتابع العمل. وعلى هذا: لا يضم عند الانقطاع الكثير، أما اليسير .. فلا خلاف أنه لا يؤثر، وفي حد الطول أربعة أوجه أصحها: العرف، وقيل: يوم، وقيل: ثلاثة. قال: (وإذا قطع العمل بعذر .. ضم)؛ لأنه لا يعد بذلك معرضًا، وذلك كإصلاح الآلة وهرب الأجراء والمرض، والسفر على الأصح , قال: (وإلا ... فلا يضم الأول إلى الثاني) المراد: إذا قطع العمل بغير عذر ... فلا ضم طال الزمان أو قصر؛ لأنه إعراض. مثاله: استخراج من المعدن خمسين، وقطع العمل لغير عذر، ثم استخرج منه مئة وخمسين، فلا يضم الخمسين الأولى إلى المستخرج ثانيًا؛ لأن الحول لا يشترط في هذا المال كما تقدم فالثاني مال جديد بالإعراض عن المعدن، ولا تجب زكاة ما أخذه أولًا إذا كان دون النصاب. قال: (ويضم الثاني إلى الأول) سواء كان الأول من المعدن أم من غيره في إكمال النصاب حتى يخرج حصة الموجود من المعدن الآن وإن كان دون النصاب؛ لأن الذي وجده الآن لا يشترط فيه الحول، والذي عنده يشترط فيه الحول، والمجموع نصاب فيعطى كل بعض حكمه. مثاله: وجد تسعة عشر دينارًا، ثم انقطع العمل طويلًا، ثم عمل فوجد دينارًا .... ضمه إلى ما وجده أولًا، وتجب الآن زكاة الدينار فقط.

كَمَا يَضُمُّهُ إِلَى مَا مَلَكَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ. وَفِي الرِّكَازِ الْخَمُسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (كما يضمه إلى ما ملكه من غير المعدن في إكمال النصاب) المراد: إذا نال من غير معدن كالإرث والهبة دون نصاب، ثم حصل له من المعدن من جنسه تمامه، فإن كان نصابًا ... نظر: إن نال من المعدن بعد حول ما عنده أو معه ... وجب في كل منهما حقه، وإن نال قبله ... فلا شيء فيما عنده. وأصح الوجهين: أنه تجب زكاة المعدن، وهو المجزوم به في الكتاب. والثاني: تجب فيما عنده: ربع العشر عند تمام حوله، وفي النيل: ربع عشره عند تمام حوله. تتمة: لا يمكّن الذمي من حفر معادن دار الإسلام والأخذ منها، كما لا يمكّن من الإحياء فيها، ولكن ما أخذه قبل إزعاجه يملكه –كما لو احتطب- ولا زكاة عليه. وإن كان المستخرج من المعدن مكاتبًا ... لم يمنع ولا زكاة. وإن نال العبد من المعدن شيئا ... فهو لسيده وعليه واجبه. وإذا كان صاحب المعدن فقيرا ... لم يجز أن يصرف الواجب عليه إلى نفسه خلافًا لأبي حنيفة. ولا يخرج حق المعدن إلا بعد الطحن والتصفية، لأن الواجب فيه متحقق فأشبه الجفاف والتصفية في المعشرات، ومؤنة ذلك على رب المال، فلو أخرج قبل تنقيته من الحجر والتراب ... لم يجز وكان مضمونًا على الساعي، ولو ميز الساعي القدر الذي أخذه وخلصه ... أجزأ عن الزكاة إن كان قدر الواجب. قال: (وفي الركاز الخمس) هذا نص الحديث الثابت في (الصحيحين) [خ1499 - 1710م]، وخالف المعدن من حيث إنه لا مؤنة في تحصيله أو مؤنته قليلة فكثر واجبه بخلاف المعدن.

يُصْرَفُ مَصْرِفّ الْزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَشَرْطُهُ: الْنِّصَابُ وَالْنَّقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا الْحَوْلُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (يصرف مصرف الزكاة على المشهور)؛ لأنه واجب فيما استفيد من الأرض فأشبه الثمار والزروع. فعلى هذا: يعتبر أن يكون الواحد من أهل الزكاة، سواء كان رجلًا أم امرأة، أم صبيا أم مجنونًا، رشيدًا أم سفيهًا كما تقدم. والثاني: يصرف لأهل الخمس المذكورين في آية الفيء وهو اختيار المزني، لأنه مال جاهلي حصل الظفر به من غير إيجاف خيل ولا ركاب فكان كالفيء. فعلى هذا: يجب على المكاتب والكافر، ولا يحتاج إلى نية؛ لأنه خرج عن القرية. وعلى المذهب: لا يجب إلا على من تلزمه الزكاة. و (المصرِف) –هنا بكسر الراء- محل الصرف. قال: (وشرطه: النصاب والنقد على المذهب)؛ لأنه مال مستفاد من الأرض فاختص بما تجب فيه الزكاة كالمعدن، فلو كان عنده ما يكمل به النصاب ... فكنظيره من المعدن. والثاني: لا يشترطان وهو مذهب الأئمة الثلاثة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس). وروى أبو داوود [3081] وابن ماجه [2508] والبيهقي [4/ 155] عن ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أنها قالت: (ذهب المقداد لحاجة ببقيع الخبخبة، فإذا جرد يخرج من حجر دينارًا دينارًا حتى أخرج سبعة عشر دينارًا، ثم أخرج خرقة حمراء فيها دينار فكانت ثمانية عشر، فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره بأخذها ولم يأمره بإخراج الزكاة منها).وتعبير المصنف ب (النقد) منتقد؛ لأن الموجود قد يكون من السبائك والأواني، ولهذا عبر الرافعي ب (الذهب والفضة). قال: (لا الحول) بالإجماع.

وَهُوَ الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ، فَإِنْ وُجِدَ إِسْلَامِيُّ عُلِمَ مَالِكُهُ ... فَلَهُ، وَإِلَّا ... فَلُقَطَةٌ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو الموجود الجاهلي) المراد ب (الجاهلية): ما قبل الإسلام من الحالة التي كانت عليها العرب من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين، والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك. وقولهم: الجاهلية الجهلاء ... تأكيد للأول كما يقال: ليلة ليلاء، ويوم أيوم. ويستدل على كون الموجود من دفين الجاهلية بكونه من ضربهم، ويعرف ذلك بأن يكون عليه اسم ملكهم أو غير ذلك من العلامات، وعبر في (الروضة) ب (دفنهم) وهو أحسن؛ فإن الحكم منوط بدفنهم لا بضربهم، ولا يلزم من كونه من ضربهم أن يكون من دفنهم؛ فقد يجده مسلم ويدفنه ثانيًا. ولا يشترط العلم بكونه من دفنهم؛ فإنه لا سبيل إليه؛ إنما يكتفي بعلامة تدل على ذلك. وشملت عبارته: ما لو كشف السيل شيئَا من دفين الجاهلية فأخذه شخص ... فإن حكمه حكم الركاز كما صرح به المارودي والروياني، لكن نقل الرافعي عن الإمام ما يقتضي خلافه. قال: (فإن وجد إسلامي علم مالكه ... فله) ويجب رده عليه؛ لأن مال المسلم لا يملك بالاستيلاء عليه. ويعرف الإسلامي بما كتب عليه من قرآن أو اسم خلفية ونحوه. قال: (وإلا ... فلقطة) كما لو وجده على ظهر الأرض ... فيفعل فيه ما يفعل فيها؛ يعرف سنة ثم يتملكه إن لم يعرف مالكه.

وَكَذَا إِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ. وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ، وَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ إِذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ أَحْيَاهُ. فَإِنْ وُجِدَ فَي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ ... فَلُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ أبو علي: هو مال ضائع يمسكه أبدًا، أو يسلمه إلى الإمام كسائر الأموال الضائعة، وسيأتي في (اللقطة) الفرق بينهما وبين المال الضائع. قال: (وكذا إن لم يعلم من أي الضربين هو) بأن لا تكون عليه علامة كالتِّبر والسبائك والحلي، أو عليه اسم مشترك بين الجاهلية والإسلام ... فأظهر الوجهين: أنه ليس بركاز بل لقطة تغليبًا للإسلام، ونقل عن أبي علي هنا موافقة الجمهور. قال: (وإنما يملكه الواجد، وتلزمه زكاته إذا وجده في مَوات أو مِلك أحياه) أما موات دار الإسلام ... فبالإجماع، وكذلك موات دار الحرب ودار العهد على المشهور. وأما الذي أحياه ... فلأنه ملك الركاز بإحياء الأرض. والمقصود: أن الركاز يشترط فيه أمران: كونه جاهليًا، وكونه في مَوات. وفي معناها: القلاع العادية والقرى القديمة التي عمرت في الجاهلة وباد أهلها، والقبور الجاهلية؛ لما روى البيهقي [4/ 156] وغيره عن عمرو بن العاصي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا من الطائف فمررنا بقبر يقول: (هذا قبر أبي رغال كان من قوم ثمود، فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به ... منعه مكانه من الحرم، فخرج فلما بلغ هذا المكان ... مات ودفن هاهنا ودفن معه قضيب من ذهب –قال- فابتدرناه فأخرجناه. قال: (فإن وجد في مسجد أو شارع ... فلقطة على المذهب)؛ لأن يد المسلمين عليه وقد جهل مالكه فيكون لقطة. والثاني: أنه ركاز؛ لأنه جاهلي في مكان غير مملوك. فلو سبل إنسان ملكه شارعًا ثم وجد فيه ركاز ... فيشبه أن يكون له كما لو وجد في ملكه.

أَوْ فِي مِلْكِ شَخْصٍ ... فَلِلشَّخْصِ إِنْ ادَّعَاهُ، وَإِلَّا ... فَلِمَنْ مُلِكَ مِنْهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إَلَى الْمُحْيِي. وَلَوْ تَنَازَعَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ، أَوْ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ ... صُدِّقَ ذُو الْيَّدِ بَيَمِينِه ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو في ملك شخص ... فللشخص إن ادعاه) كالأمتعة في الدار، لكن لا بد من اليمين إن ادعاه غير الواجد، أما الواجد ... فلا يحتاج إلى يمين، والرافعي والمصنف قيداه بدعواه. والصواب: أن دعواه لا تشترط بل أن لا ينفيه كغيره مما هو في يده. قال: (وإلا) أي: وإن نفاه عنه (... فلمن ملك منه، وهكذا حتى ينتهي إلى المحيي) فيكون له وإن لم يدعه، ويلزمه إخراج خمسه؛ لأنه بالإحساء ملك الأرض بما فيها، وبالبيع لم يزل ملكه عنه؛ لأنه مدفون منقول، سواء كانت الأرض مستطرقة للناس أم لا. فإن كان المحيي أو من تلقي الملك عنه هالكا ... فورثته قائمون مقامه. قال: (ولو تنازعه بائع ومشتر، أو مكر ومكتر، أو معير ومستعير ... صدق ذو اليد) وهو المشتري والمستعير والمستأجر دون غيرهم؛ لأن اليد لهم. وهذا إذا احتمل ما يدعيه ولو على بعد، فإن لم يحتمل بأن يكون مثله لا يمكن دفنه في تلك المدة ... لم يصدق. وقال المزني: القول قول المكري والمعير؛ لأجل الملك. قال: (بيمينه) كسائر الدعاوى. تتمة: إذا حصل التنازع قبل إخراج الكنز من الأرض ... صدق مالك الأرض بيمينه بلا خلاف. ولو وجد إنسان في ملكه ركازا، فلم يدعه وادعاه اثنان فصدق أحدهما ... سلم إليه، قاله ابن القطان. ولو وجد إنسان ركازا وأخرج خمسه، ثم أقام رجل بينة أنه ملكه ... كان له

فصل

فصل: ـــــــــــــــــــــــــــــ استرجاع الركاز من واجده مع خمسة المخرج، وللواجد أن يرجع على أهل السهمان إن كان باقيا في أيديهم. قال: (فصل) عقده لزكاة التجارة وهي واجبة في القديم والجديد. وقيل: للشافعي رضي الله عنه قول قديم: أنها لا تجب، ولم يثبته الأكثرون. والأصل فيها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، قال مجاهد: نزلت في التجارة. وروى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته (. (البز) بالباء والزاي المعجمة: ما يبيعه البزازون، كذا ضبطه الدارقطني والبيهقي. وفي (سنن أبي داوود) [1557] عن سمرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة في الذي يعد للبيع). وروى الشافعي رضي الله عنه [أم 2/ 46] بسنده عن حماس الليثي أنه قال: مررت على عمر بن الخطاب وعلى عنقي أدمة أحملها فقال: (ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟). فقلت: ما لي غير هذه وأهب من قرظ، قال: (ذاك مال فضع)، فوضعتها بين يديه فحسبها فوجد فيها الزكاة فأخذ منها. و (حماس): من الأسماء المفردة، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوبها، وممن قال بها الفقهاء السبعة، لكن لا يكفر جاحدها؛ للاختلاف فيها.

شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ: الْحَوْلُ، والنِّصَابُ مُعْتَبِرًا بِآَخِرِ الْحَوْلَ، وَفِ قَوْلٍ: بِطَرَفَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ: بِجَمِيعِهِ. فَعَلَى الْأَظْهَرِ: لَوْ رُدَّ إِلَى الْنَّقْدِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ، وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ، وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةُ ... فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيَبْتَدِاءُ حَوْلُهَا مِنْ شِرَائِهَا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (شرط زكاة التجارة: الحول)؛ لعموم: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهذا لا خلاف فيه. قال: (والنصاب معتبرا بآخر الحول)؛ لأنه حال الوجوب. وإنما اعتبر ذلك؛ لأنها تتعلق بالقيمة ويشق تقويم العرض في كل زمان بخلاف سائر الزكوات؛ لأن نصابها في عينها فلا يشق اعتباره. والباقي بآخر الحول طرفيه أي: في آخره، وكذا في قوله: (بطرفيه) و (بجميعه). قال: (وفي قول: بطرفيه)؛ لأن الأول: وقت الانعقاد، والثاني: وقت الوجوب. قال: (وفي قول: بجميعه) كالمواشي. فعلى هذا: لو نقصت القيمة في لحظة ... انقطع الحول، فإن كمل بعد ذلك ... ابتدأ الحول من يوم كماله. ويؤخذ من كلام المصنف: أن النصاب لا يشترط في الثمن وهو كذلك على المشهور، والمصنف تبع (المحرر) في حكاية الخلاف أقوالًا، وإنما هي أوجه لكنها مخرجة يعبر عنها تارة بالأقوال وتارة بالأوجه. قال: (فعلى الأظهر: لو رد إلى النقد في خلال الحول، وهو دون النصاب، واشترى به سلعة ... فالأصح: أنه ينقطع الحول، ويبتدئ حولها من شرائها)؛ لتحقق النقصان حسًا بالتنضيض. والثاني: لا ينقطع كما لو بادل بها سلعة ناقصة عن النصاب ... فإن الحول لا ينقطع على الصحيح؛ لأن المبادلة معدودة من التجارة.

وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقِيمَةُ الْعَرْضِ دُونَ النِّصَابَ ... فَالْأَصًحُّ: أَنَّهُ يبتدئ حَوْلٌ، وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ. وَيَصِيرُ عَرْضُ الْتِّجَارَةِ لِلْقِنْيَةِ بِنِيِّتِهَا، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارته توهم اختصاص التفريع بالقول الأظهر، ولا يختص به بل هو كذلك على القول الثالث. ثم إن المصنف أطلق الخلاف في المسألة، وهو مخصوص بما إذا كان النقد الذي باع به هو الذي يقوم به، فلو باع بالدراهم والحال يقتضي التقويم بالدنانير ... فهو كبيع السلعة بالسلعة، والأصح: أن الحول لا ينقطع. ويجاب عن هذا بأن الألف واللام في النقد للمعهود الذي يقوم به، وعن الأول بأنه إنما لم يذكره؛ لأنه يؤخذ مما ذكره من باب أولى. واحترز ب (النقد) عما إذا باع السلعة في أثناء الحول بعرض، فإن نوى به القنية ... انقطع، أو التجارة ... فلا، وإن أطلق ... فكذا في الأصح. قال: (ولو تم الحول وقيمة العرض دون النصاب ... فالأصح: أنه يبتدئ حول، ويبطل الأول) فلا تجب الزكاة حتى يتم حول ثان، سواء كانت الزيادة في زمن قليل أو كثير؛ لأن الحول الأول مضى ولا زكاة فيه. والوجه الثاني: لا ينقطع بل متى بلغت القيمة نصابا تجب الزكاة ثم يبتدئ حول ثان، ويجعل ابتداء الحول الثاني من ذلك الوقت؛ لأنه يصدق أن يقال: إن مال التجارة قد أقام في يده حولا وتم نصابه. وما ذكره المصنف من تصحيح انقطاع الحول محله: إذا لم يكن له ما يكمل به النصاب، فإن كان كما إذا ملك مئة فاشترى بخمسين منها عرضا للتجارة، وبقيت الخمسون في ملكه وبلغت قيمة العرض في آخر الحول مئة وخمسين ... فإن ذلك يضم إلى ما عنده وتجب زكاة الجميع، بخلاف ما لو اشترى بالمائة وملك الخمسين بعد ذلك؛ لأن الخمسين إنما تضم في النصاب لا في الحول بل إذا تم حول الخمسين ... زكى المائتين. قال: (ويصير عرض التجارة للقنية بنيتها) أي: بنية القنية، بخلاف عرض القنية لا يصير للتجارة بالنية، والفرق: أن الأصل في العروض القنية والتجارة عارضة،

وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إِذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ كَشِرَاءٍ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ فِي الأَصَحِّ، لاَ بِالْهِبَةِ وَالاِحْتِطَابِ وَالاِسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فبمجرد النية يعود حكم الأصل، وإذا ثبت .. لا يزول بمجرد النية. وقال الكرابيسي: يصير عرض تجارة بمجرد النية، وهو مردود بما إذا نوى بالمعلوفة السوم. واقتضى إطلاقه: أنه لا فرق بين أن يقصد بقنيتها استعمالاً جائزًا، أو محرمًا كلبسه الديباج وقطع الطريق بالسيف، وفي ذلك في (التتمة) وجهان. ولو نوى القنية ببعض عرض التجارة .. فما عينه كان للقنية دون باقي العرض، وإن أبهمه .. ففي تأثيره وجهان. قال: (وإنما يصير العرض للتجارة إذا اقترنت نيتها بكسبه بمعاوضة كشراء)؛ لانضمام قصد التجارة إلى فعلها، كما لو نوى وسار .. يصير مسافرًا. وإذا ثبت حكم التجارة .. لا يحتاج في كل معاملة إلى نية جديدة. وفي معنى الشراء: ما لو صالح من دين له في ذمة إنسان على عرض بنية التجارة. قال: (وكذا المهر وعوض الخُلع في الأصح)؛ لأنه مال ملك بمعاوضة، ولهذا ثبتت الشفعة فيما ملك بهما. ووجه مقابله: أن ذلك لا يعد تجارة. وهذا تمثيل للمعاوضة غير المحضة، ومثله: الصلح عن الدم، وما آجر به نفسه أو ماله. قال: (لا بالهبة) أي: محضة؛ لأن التملك مجانًا لا يعد تجارة، أما الهبة بشرط الثواب، فإن قصد بها التجارة .. فهي كالشراء. قال: (والاحتطاب)؛ لأن ذلك لا يسمى? تجارة، وكذلك الاصطياد والاحتشاش والإرث والوصية .. فلا أثر لاقتران النية بشيء من ذلك. قال: (والاسترداد بعيب)؛ لأنه عكس التجارة. فلو تبايع التاجران ثم تقايلا .. استمر حكم التجارة في المالين، وحكم رجوع البائع في عين بالإقالة كذلك إذا قلنا: إنها فسخ وهو الصحيح.

وَإِذَا مَلَكَهُ بِنَقْدِ نِصَابٍ .. فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مِلْكِ النَّقْدِ، أَوْ دُونَهُ أَوْ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ .. فَمِنَ الشِّرَاءِ، وَقِيلَ: إِنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ .. بَنَى عَلَى حَوْلِهَا. وَيَضُمُّ الرِّبْحَ إلَى الأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إِنْ لَمْ يَنِضَّ، لاَ إِنْ نَضَّ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا ملكه بنقد نصاب) وهو: الذهب والفضة التي تجب الزكاة فيها مضروبة كانت أو غير مضروبة. قال: (.. فحوله من حين ملك النقد)؛ لأن النقد أصل وعرض التجارة تبع له وفرع عليه؛ لأن التقويم يقع به فبني حوله على حوله. ولو اشترى بحلي مباح وقلنا: لا زكاة فيه .. فحوله من الشراء، هذا إذا اشترى بالعين، فإن اشترى بنصاب في الذمة ونوى نقد ما عنده أو أطلق ثم نقده فيه .. انقطع حوله؛ لأنه لم يتعين صرفه فيه، وكان حول التجارة من وقت الشراء. قال: (أو دونه أو بعَرْض قِنية .. فمن الشراء)؛ لأن ما اشترى بدون النصاب ليس له حوله حتى يبنى حول التجارة عليه، فيكون ابتداء الحول من يوم الشراء، وأما عرض القنية .. فلاختلاف الزكاتين قدرًا ومتعلقًا. قال: (وقيل: إن ملكه بنصاب سائمة .. بنى على حولها)؛ لأن الزكاة تجب في عينها ولها حول فاعتبر. قال: (ويضم الربح إلى الأصل في الحول إن لم يَنِضَّ) سواء حصل بزيادة في العين كسمن الحيوان، أم بارتفاع الأسواق كعرض قيمته مئتان بلغت ثلاث مئة قبل تمام الحول ولو بلحظة .. فيضم إلى الأصل كالنِّتاج، ولأنه يعسر إفراد كل زيادة بحول. قال: (لا إن نضَّ في الأظهر)؛ فإنه لا يضمه إليه، بل يزكي الأصل بحوله ويفرد للربح حولاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)، ولأنه متميز محقق فأفرد بالحكم بخلاف ما قبل التنضيض. مثاله: اشترى عرضًا بمئتي درهم وباعه بعد ستة أشهر بثلاث مئة وأمسكها إلى تمام الحول .. فيخرج الزكاة عن المئتين، فإذا مضت ستة أشهر أخرى .. أخرج عن المئة.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ ولَدَ الْعَرْضِ وَثَمَرَهُ مَالُ تِجَارَةٍ، وَأَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الأَصْلِ. وَوَاجِبُهَا رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني - وهو اختيار المزني -: أنه يضم كما يضم النِّتاج إلى الأمهات. وفرَّق الأول بأن النتاج جزء من الأصل فألحقناه به، بخلاف الربح؛ فإنه ليس جزءًا وحصوله إنما هو بحسن التصرف، ولهذا يرد الغاصب نتاج الحيوان دون الربح. والثالث: إن اشترى بالنقد سلعة قبل تمام الحول .. ضمه إليه؛ لأن الذي في يده في آخر الحول عرض، وإن استمر النقد في يده .. فلا ضم. وصورة المسألة: أن يكون ذلك الناض من جنس رأس المال، فإن كان بنقد آخر .. فيكون كما لو بادل عرضًا بعرض؛ لأنه لا يقوم به. قال: (والأصح: أن ولد العرض وثمره مال التجارة)؛ لأنهما جزءان من الأم والشجر. والثاني: لا؛ لأنهما لم يحصلا بالتجارة. هذا إذا لم تنقص قيمة الأم بالولادة، فإن نقصت .. جبرنا النقص من قيمة الولد. وصوف الحيوان وأغصان الأشجار وأوراقها ونحو ذلك داخل في اسم الثمرة هنا. قال: (وأن حوله حول الأصل) كالنتاج في الزكوات العينية. والثاني: لا، بل يفرد بحول؛ لأن النماء الذي تفيده العين لا يناسب الاستنماء بطريق التجارة، فالولد هنا كأمه على الأصح، وسيأتي في (كتاب أمهات الأولاد) حكم الولد في غالب أبواب الفقه. قال: (وواجبها ربع عشر القيمة) أما ربع العشر .. فلا خلاف فيه، وأما كونه من القيمة .. فلأنها متعلق هذه الزكاة. وعن القديم قول: إنه يجب عليه أن يخرج ربع عشر ما في يده؛ لأنه الذي يملكه والقيمة تقدير. وقيل: يتخير بينهما؛ لتعارض الأمرين. فلو كان عرضه مئة قفيز يساوي مئتين .. فعلى المذهب: واجبه خمسة دراهم،

فَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ .. قُوِّمَ بِهِ إِنْ مُلِكَ بِنِصَابٍ، وَكَذَا دُونَهُ فِي الأَصَحِّ، أَوْ بِعَرْضٍ .. فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلدِ، فإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وبَلَغَ بأَحَدِهِمَا نِصَابًا .. قُوِّمَ بِهِ، فَلَوْ بَلَغَ بِهمَا .. قُوِّمَ بِالأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ المَالِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى الثاني: قفيزان ونصف، وعلى الثالث: يتخير بينهما. قال: (فإن ملك بنقد .. قوم به إن ملك بنصاب) سواء أبطله السلطان أم لا، سواء كان ذلك النقد هو الغالب في البلد أم لا؛ لأن حوله مبني على حوله، وكانت الزكاة متعلقة به، فكان أولى من غيره. وقيل: يقوم بالنقد الغالب؛ لأنه أرفق بالمستحقين. قال: (وكذا دونه في الأصح)؛ لأنه أصل ما في يده وأقرب إليه من نقد البلد. والثاني: بغالب نقد البلد؛ لأنه النقد المتعارف. وموضع الخلاف: إذا لم يملك من حنس النقد تمام النصاب، فإن اشترى بمئة وعنده مئة .. قوم بما اشترى به قطعًا قاله الرافعي، وقال المصنف: يأتي فيه القول القديم. قال: (أو بعرض .. فبغالب نقد البلد)؛ لانحصار الأمر فيه، وجريًا على قاعدة التقويمات، سواء كان مما تجب الزكاة في عينه أم لا. وكذلك الحكم إذا لم يعرف المالك ما اشترى به، أو ملك العرض بسبب نكاح أو خلع أو صلح عن دم. فإن حال الحول بموضع لا نقد فيه كالذي يتعامل فيه بالفلوس ونحوها من العروض .. اعتبر أقرب البلاد إليهم. قال: (فإن غلب نقدان وبلغ أحدهما نصابًا .. قوم به)؛ لبلوغه نصابًا بنقد غالب لا مغلوب. وفي (الكفاية) وجه: أنه لا زكاة؛ لأن الأصل البراءة. قال: (فلو بلغ بهما .. قوم بالأنفع للفقراء) كاجتماع الحِقاق وبنات اللبون. قال: (وقيل: يتخير المالك) كما يتخير معطي الجبران بين شاتين وعشرين درهمًا، وصححه في (الروضة) تبعًا للعراقيين.

فَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ .. قُوِّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ، وَالْبَاقِي بِالْغَالِبِ. وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبِيدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا. وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً، فَإِنْ كَمُلَ نِصَابُ إِحْدَى الزَّكاتَيْنِ فَقَطْ .. وَجَبَتْ، أَو نِصَابُهُمَا .. فزَكَاةُ الْعَيْنِ فِي الْجَدِيدِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ سَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ بِأَنِ اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكلام الرافعي يقتضي: أن الأكثرين عليه، ولم يصحح في (الصغير) شيئًا. والثالث: يتعين الأغبط للمساكين. والرابع: يعتبر بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه. قال: (فإن ملك بنقد وعرض .. قوم ما قابل النقد به، والباقي بالغالب)؛ لأن كلا منهما لو انفرد كان حكمه كذلك. قال: (وتجب فطرة عبيد التجارة مع زكاتها)؛ لأنهما واجبان بسببين مختلفين كالقيمة والكفارة في العبد المقتول. وقال أبو حنيفة: لا يجمع بينهما كما لا يجمع بين الخراج والزكاة. قال: (ولو كان العرض سائمة) المقصود: كونه مما تجب الزكاة في عينه، سواء السائمة والزرع والثمرة. قال: (فإن كمل) وهو بتثليث الميم (نصاب إحدى الزكاتين فقط .. وجبت) أي: زكاة ما يكمل نصابه؛ لانفراد سببها، وذلك كتسعة وثلاثين من الغنم قيمتها نصاب، وأربعين قيمتها دونه. قال: (أو نصابهما .. فزكاة العين في الجديد)؛ للإجماع عليها بخلاف زكاة التجارة. والقديم: تقديم زكاة التجارة؛ لأنها أنفع للمساكين بسبب أنها تقوم مع لبنها وصوفها، ويزيد المخرج بكل حيوان يزيد على النصاب. ولا خلاف أنه لا يجمع بين الزكاتين. قال: (فعلى هذا) يعني: الجديد، وهو تغليب زكاة العين: (لو سبق حول التجارة بأن اشترى بمالها بعد ستة أشهر نصاب سائمة) أي: ولم يقصد القِنية.

فَالأَصَحُّ: وُجُوبُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا، ثُمَّ يَفْتَتِحُ حَوْلاً لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا، وَإِنْ قُلْنَا: عَامِلُ الْقِرَاضِ لاَ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ .. فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ .. حُسِبَتْ مِنَ الرِّبْحِ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ .. لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتُهُ مِنَ الرِّبْحِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (.. فالأصح: وجوب زكاة التجارة لتمام حولها)؛ لئلا يحبط بعض حول التجارة، ولأن الموجب قد وجد ولا معارض له. قال: (ثم يفتتح حولاً لزكاة العين أبدًا)؛ لأن التفريع على تقديم زكاة العين، وإنما تركناه في الحول الأول؛ لعارض. والثاني: إنما نعطل ما سبق من حول التجارة ونوجب زكاة العين عند تمام حولها؛ لما سبق: من أنها أقوى. والثالث: أن حول السائمة يبنى على حول التجارة كعكسه. قال: (وإن قلنا: عامل القِراض لا يملك الربح بالظهور) أي: وهو الأظهر (.. فعلى المالك زكاة الجميع)؛ لأن الجميع ملكه. قال: (فإن أخرجها من مال القراض .. حسبت من الربح في الأصح) كالمؤن وأرش الجناية والفطرة. والثاني: أنها من رأس المال خاصة. والثالث: زكاة الربح من الربح، وزكاة الأصل من الأصل؛ لأنها وجبت فيهما، فإذا ربحت المئتان مئة .. فالثلثان من رأس المال والثلث من الربح. قال: (وإن قلنا: يملك بالظهور .. لزم المالك زكاة رأس المال، وحصته من الربح)؛ لاستقرار ملكه على ذلك. قال: (والمذهب: أنه يلزم العامل زكاة حصته)؛ لأنه يمكنه أن يتوصل إليها متى شاء بطلب المقاسمة. وقيل: لا يجب قطعًا؛ لأن الربح وقاية لرأس المال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: على القولين في المغضوب ونظائره؛ لأنه لا يتمكن من التصرف على حسب مشيئته، وحيث أوجبنا .. فقيل: حول حصته حول رأس المال. والأصح: لا؛ لأن ملك الإنسان لا يضم إلى ملك غيره في الحول، وعلى هذا: الأصح: أن ابتداءه من حين الظهور. وقيل: من يوم التقويم على المالك، وقيل: من يوم القسمة. وإذا أوجبنا الزكاة على العامل .. لا يلزمه إخراجها قبل القسمة، وإذا أراد إخراجها من مال القراض .. فالأصح: أنه يستبد به. وقيل: للمالك منعه. تتمة: قال المتولي: لو اشترى صِبغًا يصبغ به ثياب الناس أو شيئًا ليدبغ به الجلود وبقي عنده حولاً .. لزمته زكاة التجارة؛ لأن عينه تبقى بعد الاستعمال، بخلاف ما لو اشترى به صابونًا يغسل به ثياب الناس أو ملحًا ليعجن به وبقي عنده حولاً .. فإنه لا تلزمه زكاة. وفي (فتاوى القاضي حسين): لو اشترى سمسمًا بمئتي درهم للتجارة فعصره وباع الدهن، أو اشترى حنطة فجعلها خبزًا وباعه، فهل ينقطع الحول؟ يحتمل وجهين، أظهرهما: أنه لا ينقطع. * * * خاتمة بيع مال التجارة بعد تمام الحول ووجوب الزكاة .. الأصح: جوازه؛ لأن متعلق الزكاة: المالية، وهي لا تفوت بالبيع سواء قصد التجارة أم القِنية. ولو أعتق عبد التجارة أو وهبه .. فكبيع الماشية بعد وجوب الزكاة؛ لأن الإعتاق والهبة يبطلان بتعلق زكاة التجارة. ولو باع مال التجارة بمحاباة .. فقدر المحاباة كالموهوب. * * *

بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب زكاة الفطر سميت بذلك؛ لأن وجوبها بدخول الفطر، ويقال لها: صدقة الفطر؛ كأنها من الفطرة التي هي الخلقة، قال الله تعالى: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}. ويقال للمخرَج: فِطرة - بكسر الفاء - لا غير، ووقع في (الكفاية) تبعًا لابن أبي الدم ضمها، وهي لفظة مولدة لا عربية ولا معربة، بل اصطلاحية للفقهاء. والأصل في وجوبها قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}، قال ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز: هي زكاة الفطر، وكل آية في القرآن قدم فيها لفظ الصلاة على الزكاة إلا هذه؛ لأن المقصود صلاة العيد وزكاة الفطر، فقصد التمييز بينهما، وبين الصلاة والزكاة المفروضتين. ورد بأن السور مكية، وفرضها كان في السنة الثانية من الهجرة عام فرض صوم رمضان. وفي (الصحيحين) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين). وقوله: (على كل حر أو عبد) قال القاضي أبو الطيب وغيره: معناه: (عن)؛ لأن العبد لا يطالب بالإخراج، ولئلا يؤدي إلى التكرار؛ لتقدم قوله: (على الناس)، و (على) تستعمل مكان (عن) قال الشاعر (من الوافر): إذا رضيت علي بنو قشير .... لعمر الله أعجبني رضاها ونقل ابن المنذر والبيهقي الإجماع على وجوبها، وبذلك يرد ما قاله ابن اللبان الفرضي من أصحابنا: إنها سنة تبعًا لمن لا يعتد بخلافه. وقال أبو حنيفة: إنها واجبة لا فرض.

تَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الأَظْهَرِ، فَتُخْرَجُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال وكيع بن الجراح المجمع على جلالته ووفور علمه: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة. وأسند الحافظ أبو الفرج عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن شهر رمضان معلق بين السماء والأرض، لا يرفع إلا بزكاة الفطر). قال شيخه الحافظ أبو الفضل بن ناصر: هذا حديث حسن عال غريب من معتمر بن سليمان. قال: (تجب بأول ليلة العيد في الأظهر)؛ لأنها طهرة للصائم عن اللغو والرفث فكانت عند تمام صومه. والثاني - وهو قديم -: أنها تجب بطلوع الفجر يوم العيد، وعلله الرافعي بأنها قربة معلقة بالعيد فلا يتقدم وقتها على العيد كالأضحية، وهو بالغسل مردود فإن؛ وقت العيد من طلوع الشمس، وأما حديث: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) .. فضعيف، وعلى تقدير ثبوته فيكون قوله: (في هذا اليوم) متعلقًا بالطلب لا بإغنائهم. وحكى ابن القاص قولاً ثالثًا: إنها تجب بمجموع الأمرين؛ لتعلقها بالفطر والعيد جميعًا وأنكره الأصحاب. وعلى الأظهر: لا بد من إدراك جزء من رمضان مع الجزء المذكور. قال: (فتخرج عمن مات بعد الغروب دون من ولد) هذا تفريع على الأظهر، وكذلك الحكم فيمن تجدد من زوجة أو عبد، وكذا لو زال ملكه عن العبد والزوجة، أو استغنى القريب. وعلم منه: أنها لا تخرج على القول الثاني؛ لعدم السبب، ولا على الثالث؛ لعدم أحد الجزأين، لكنه لو قال: (دون من وجد) .. كان أعم.

وَيُسَنُّ أَنْ لاَ تُؤَخَّرَ عَنْ صَلاَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من أيضًا: أن فطرة الجنين لا تجب لا في ماله ولا على أبي ولو خرج بعضه قبل الغروب وبعضه بعده. وأغرب ابن المسيب والحسن في قولهما: لا تجب الفطرة إلا على من صلى وصام. وقال علي: (على من أطاق الصوم). وقال ربيعة: لا تجب على أهل البادية. فروع: لو زال الملك بعد الغروب وعاد قبل الفجر .. وجبت في الجديد والقديم، وكذا على الثالث في الأصح. ولو مات المؤدى عنه بعد الوجوب وقبل التمكن من الأداء .. فقيل: تسقط كزكاة المال، والصحيح: لا ككفارة الظهار إذا ماتت المرأة. ولو مات وترك رقيقًا ثم هلّ شوال، فإن لم يكن عليه دين .. أخرج ورثته الفطرة كل بقدر حصته، وإن كان عليه دين يستغرق التركة .. فالأصح: يلزمهم؛ لأن الدين لا يمنع انتقال التركة في الأظهر. وإن مات السيد بعد الاستهلال .. ففطرتهم واجبة عليه مقدمة على الوصايا والميراث، وكذا تقدم على حق الغرماء على المذهب. ولو باعه قبل الغروب بعد أن زكى? عنه .. لزمت المشتري أيضًا. قال: (ويسن أن لا تؤخر عن صلاته) أي: صلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال الشيخ: ولو قيل بالوجوب .. لم يبعد؛ لظاهر الأمر، لكن في (سنن أبي

وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ. وَلاَ فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ إِلاَّ فِي عَبْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ داوود) [1605]- بإسناد حسن - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة .. فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة .. فهي صدقة من الصدقات). قال: (ويحرم تأخيرها عن يومه)؛ لفوات المعنى المقصود وهو: إغناؤهم عن السؤال في يوم السرور، فإن أخرها .. لزمه القضاء. وسموا إخراجها بعد يوم العيد: قضاء، ولم يقولوا في الزكاة إذا أخرجها بعد التمكن ذلك، بل قالوا: يأثم ويلزمه إخراجها، وظاهره: أنها تكون أداء، والفرق: أن الفطرة مؤقتة بوقت محدود، ففعلها خارج الوقت يكون قضاء كالصلاة؛ لأنها فعلت بعد وقتها بخلاف زكاة المال. قال: (ولا فطرة على كافر) أجمعوا على ذلك في الكافر الأصلى، وإليه أشار في الحديث بقوله: (من المسلمين). وقول الترمذي وغيره: إن هذه الزيادة انفرد بها مالك رضي الله عنه دون أصحاب نافع .. ليس كما قالوه؛ فقد وافقه ثقتان: الضحاك بن عثمان وعمر بن نافع، فالأول عند (مسلم) [984/ 16] والثاني عند (البخاري) [1503]. والمراد: أنه لا يطالب بها في الدنيا، أما عقوبته عليها في الآخرة .. فعلى الخلاف في تكليفه بالفروع. وأما المرتد .. فعلى الأقوال في ملكه وزكاة ماله، وطرد الماوردي الأقوال في فطرة الرقيق المرتد. قال: (إلا في عبده) أي: الذي ملكه بإرث ونحوه، وكأن التعبير بـ (الرقيق) أشمل.

وَقَرِيِبهِ اٌلْمُسْلِمِ فِي اٌلأَصحِّ، وَلاَ رَقِيقٍ، وَفِي اٌلْمُكَاتَبِ وَجْهٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقريبه المسلم في الأصح)، فتجب عليه فطرتهما - كالنفقة عليهما - بناء على أن: من وجبت فطرته على غيره. وجبت على المؤدى عنه. والثاني: لا بناء على أنها على المؤدى ابتداء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا زكاة الفطر. وإفراد المصنف لفظ: (المسلم) غير جيد، وكان الأولى التعبير بـ (المسلِمَين) بالتثنية كما في (المحرر)، أو يعطف القريب بـ (أو) ليصح إفراد الضمير. وأورد على حصره زوجته التي أسلمت وغربت الشمس وهو متخلف .. فإن نفقتها واجبة على الأصح سواء أسلم أو تخلف، وكذلك فطرتها. فلو قال: (إلا في قريبه ورقيقه وزوجته المسلمين) خلص من جميع ذلك. تنبيه: قال الإمام: النية لا تصح من الكافر ولم يصر أحد إلى تكليف المؤدى عنه النية، فلا خروج لهذا إلا على استقلال الزكاة بمعنى المواساة، كما تخرج الزكاة من مال المرتد. اهـ وينقدح أنه لو كان المؤدى عنه غير أهل للنية لصغر أو جنون .. أن ينوى الإمام عنه كما ينوى عن الكافر. قال: (ولا رقيق) لا عن نفسه ولا عن غيره، قتًا كان أو مدبًّرا أو أم ولد؛ لعدم ملكه أو لضعفه. وأوجبها داوود عليه، وأوجب على سيده تمكينه من كسبها؛ لظاهر الخبر. قال: (وفي المكاتَب وجه) أنه تجب عليه فطرة نفسه وزوجته ورقيقة كما تلزمه نفقتهم، وقيل تجب على سيده. هذا في ذي الكتابة الصحيحة، أما المكاتب كتابة فاسدة .. فجزم الرافعي في بابها

ومَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ تَلْزَمُهُ بِقِسْطِهِ، وَلا َمُعْسِرٍ. فَمَنْ لَمْ يَفضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ اٌلْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيءٌ .. فَمُعْسِرٌ. وَيُشْتَرَطُ: كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بوجوبها على سيده، ولا تجب عليه نفقته. قال: (ومن بعضه حر تلزمه بقسطه)؛ لأن الفطرة تتبع النفقة وهى مشتركة. وقال أبو حنيفة: لا تجب، وخالفه صاحباه فقالا: تجب على المبعض عن نفسه. هذا إذا لم تكن مهيأة، فإن كانت .. فالأصح: أن جميع الفطرة يلزم من غربت الشمس في نوبته؛ لأن الفطرة من المؤن النادرة على الأصح، والنادر يدخل في المهيأة على الأصح. قال: (ولا معسر) بالإجماع، فلو كان معسرا وقت الوجوب ثم أيسر يوم العيد .. استحب له الإخراج، ولا يجب خلافًا لمالك. وسيأتي: أنه إذا أيسر المُتَحمَّل عنه قبل أداء المُتَحَمَّل .. وجب عليه، والفرق: أن هنا لم يثبت الوجوب على أحد، وهناك يثبت عليهما. قال: (فمن لم يفضل عن قوته وقوت مَنْ في نفقته ليلة العيد ويومه شيء .. فمعسر)؛ لأن القوت لا بد منه. وهذا حد المعسر في هذا الباب، وإنما اعتبرت ليلة العيد .. بناء على أنها تجب بالغروب، فإن أوجبناه بالفجر أو بالوقتين .. فلا. ولا فرق في الذي تلزمه نفقته بين الآدمي والبهائم، فلو عبر المصنف بـ (الذي) عوضًا عن (من) .. لكان أشمل، والاعتبار في اليسار والإعسار بحالة الوجوب وهى: أول ليلة العيد على المذهب. وقوله: (يفضل) يجوز فيه ضم الضاد وفتحها. قال: (ويشترط: كونه فاضلا عن مسكن وخادم يحتاج إليه في الأصح) كما في الكفارة.

ومَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ .. لَزِمَهُ فِطْرةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأن الكفارة لها بدل، بخلاف الفطرة فهي كالدين. والمراد بـ (الحاجة إلى العبد): الحاجة إلى خدمته، وخدمة من يلزمه إخدامة من قريب وزوجة، وخرج بذلك ما إذا كان يحتاج إليه لعمله في أرضه أو ماشيته؛ فإن الفطرة تجب كما صرح به في) شرح المذهب). ويشترط أيضا: كونه فاضلًا عن دست ثواب يليق به ويهم على الأصح. تنبيهان: أحدهما: تبقية المسكن والخادم محلهما في ابتداء ثبوتها، أما في الدوام .. فلا؛ فإذا استقرت الفطرة في الذمة .. صارت دينا فيباعان فيه. الثاني: عبارة الكتاب و (المحرر) ولا في (الروضة) تصريح بترجيح، والأصح في) الشرح الصغير): عدم اشتراطه. ورجح في (الحاوي الصغير) اعتبار كونه فاضلا عنه، وكذلك المصنف في (نكت التنبيه) ونقله عن الأصحاب. قال: (ومن لزمه فطرته .. لزمه فطرة من تلزمه نفقته) بقرابة أو بملك أو زوجية إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدى عنهم. أما العبد .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق) رواه مسلم [982/ 10.9 بنحوه]. وأما الباقي .. فبالقياس عليه، وليس للزوجة مطالبة الزوج بإخراج فطرتها عنها؛ لأنها واجبة عليه دونها. لكن يستثنى من ذلك صورة فيها نظر وهى: عبد المالك في المساقاة والقراض إذا شرط عمله مع العامل ونفقته عليه .. فإن ذلك جائز على الأصح ولا تلزمهما فطرته، بل تلزم السيد. والجواب: أن المراد اللزومُ بأصل الشرع.

لَكِنْ لاَ يَلْزَمُ اٌلْمُسْلِمَ فِطْرَةُ اٌلْعَبْدِ وَاٌلْقَرِيبِ وَاٌلزَّوْجَةِ اٌلْكُفَّارِ، وَلاَ اٌلْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ، وَلاَ الاِبْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ، وَفِي اٌلاِبْنِ وَجْهٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة وابن المنذر: لا تلزم الزوج فطرة زوجته، بل تخرجها عن نفسها. أما الناشر .. فلا فطرة لها على الزوج كالنفقة. قال: (لكن لا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار)؛ لقوله: (من المسلمين) 1، ولأنها طهرة والكافر ليس من أهلها. وفي (الكفاية) وجه: أنها تلزم بناء على أن الوجوب يُلاقى المُخِرج ابتداء. قال: (ولا العبد فطرة زوجته)؛ لأنه ليس أهلا لزكاة نفسه فكيف يتحمل عن غيره؟ واحترز بـ (العبد) عن المبعض؛ فإنه يجب عليه المقدار الذي يجب عليه نفسه كما تقدم. قال: (ولا الابن فطرة زوجه أبيه) وإن أوجبنا نفقتها؛ لأن الفطرة غير لازمة على الأب بسبب الإعسار فلا يتحملها الابن عنه بخلاف النفقة؛ فإنها لازمة مع الإعسار فيتحملها. قال: (وفي الابن وجه) أنه تلزمه فطرتها كنفقتها، وصححه الغزالي وطائفة واختاره الشيخ وهو ظاهر إطلاق (التنبيه) حيث لم يستثنه، ويجرى الوجهان في مستولَدته. ويستثنى أيضا: المكاتب إذا ملك عبدا أو تزوج: فإنه تجب عليه النفقة دون الفطرة. والعبدُ الموصى برقبته لواحد ويمنفعتة لآخر: سيأتي في (الوصية): أن فطرته

وَلَوْ أَعْسَرَ اٌلزَّوْجُ أَوْ كَانَ عَبْدا .. فَاٌلأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوٌجَتَهُ اُلْحُرةَ فِطْرَتُهَا، وَكَذَا سَيِّدُ اٌلأَمَةِ. قُلْتُ: اٌلأَصَحُّ اٌلْمَنصُوصُ: لاَ تَلْزَمُ اٌلْحُرَّةَ، وَاٌللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ اٌنْقَطَعَ خَبَرُ اٌلْعَبْد .. فَاٌلمَذْهَبُ: وُجُوبُ إِخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي اٌلْحَالِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك الرقبة على كل قول كذا ذكره في (الشرح الصغير)، وخالف في (الروضة) فجعلها كالنفقة وهو المذكور في (باب الوصية) في (الرافعي). وأما عبد بيت المال، والعبد الموقوف على جهة عامة كالمسجد والمدرسة والرباط، والموقوف على إنسان معين .. فلا تجب فطرتهم. والولد الصغير الواجد لنفقته يوم العيد لا تجب على الأب فطرته على الصحيح، وسيأتي في كلام المصنف: أنه لو أخرجها عنه .. جاز. قال: (ولو أعسر الزوج) أي: وقت الوجوب (أو كان عبدا .. فالأظهر: أنه يلزم زوجتَه الحرة فطرتُها) أي: إذا كانت موسرة (وكذا سيد الأمة) في الأصح؛ بناء على أن الوجوب يلاقي المُؤدَّى عنه أولًا. قال: (قلت: الأصح المنصوص: لا تلزم الحرة والله أعلم)؛ بناء على أنها تجب على المؤدى ابتداء. وما أشار إليه من إجراء القولين هو أصح الطريقين عند الجمهور. والطريق الثاني: تقرير النصين، وذلك أن الشافعي رضي الله عنه نص على الوجوب في سيد الأمة دون الحرة، والفرق: أن الحرة بعقد النكاح مسلمة إلى الزوج، والأمة بالتزويج غير مسلمة بل في قبضة السيد يستخدمها ويسافر بها، وحينئذ لم تكن الفطرة متحولة عنه، وإنما الزوج كالضامن لها فإذا لم يقدر على الأداء .. بقى الوجوب على السيد كما كان. وإذا أوجبناها على الحرةِ فأخرجتها ثم أيسر الزوج .. لم نرجع عليه على الأصح. قال: (ولو انقطع خبر العبد .. فالمذهب: وجوب إخراج فطرته في الحال)؛ لأنها تابعة للملك وهو باق عليه بالاتفاق. واحترز المصنف عن غائب لم ينقطع خبره، والمشهور فيه: القطع بوجوبها.

وَقِيلَ: إِذَا عَادَ، وَفِي قَوْل: لَا شَيءَ. وَاٌلأَصَحُ: أن مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعِ .. يَلْزَمُهُ، وَأَنَهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصَيعَانِ .. قَدَمَ نَفْسَهُ، ثُمَ زَوْجَتهُ، ثُمَ وَلَدَهُ اٌلصًغِيرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما عبر (المذهب)؛ لأن الشافعي رضي الله عنه نص علي وجوب الفطرة، وعلي أنه لا يجزئ إعتاقه عن الكفارة فقيل بتقرير النصين؛ عملًا بالاحتياط في الأمرين، وصححهما في (الشرح الصغير)، وقيل: قولان بالنقل والتخريج، وجزم بها في (المحرر). كل هذا إذا غلب علي الظن أنه يعيش في تلك المدة، فإن غلب علي الظن موته .. لم تجب فطرته، ولا يجوز عتقه عن الكفارة قطعًا. قال: (وفي قول: لا شيء)؛ لأن الأصل براءة الذمة. وهذا مخرج من عدم أجزائه في الكفارة. قال: (والأصح: أن من أيسر ببعض صاع .. يلزمه)؛ محافظة علي الواجب بقدر الإمكان، وفي (الصحيحين) [خ7288 - 1337] إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). والثاني: لا كبعض الرقبة في الكفارة. والفرق علي الصحيح: أن الكفارة لها بدل بخلاف الفطرة. قال: (وأنه لو وجد بعض الصيعان .. قدم نفسه)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء من أهلك .. فلذي قرابتك) رواه مسلم [997]. والثاني: يقدم زوجته وإن كانت رجيعة. والثالث: يخرجه عمن شاء؛ لاشتراك الجميع في الوجوب. قال: (ثم زوجته)؛ لأن نفقتها آكد فإنها معاوضة لا تسقط بمضي الزمان. قال: (ثم ولده الصغير)؛ لأنه أعجز مما بعده، ونفقته وجبت بالنص والإجماع.

ثُمَ اٌلأَبَ، ثُمَ اُلأُمَ، ثُم اُلْكَبِيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (ثم الأب)؛ لشرفه (ثم الأم)؛ لقوة حرمتها. يستوي في ذلك الأب والجد والأم والجدة، وهذا عكس النفقة؛ فإن المصحح فيها تقديم الأم، والفرق: أن النفقة لسد الخلة والأم أحوج وأقل حيلة، والفطرة للتطهير والشرف والأب أولي بذلك. ومن الأصحاب من صحح تقديم الأب في الموضعين، لكنه مخالف للحديث في البداية للأم. قال: (ثم الكبير) فيقدم على الأرقاء؛ لأن الحر أشرف، وعلاقته لازمة بخلاف الملك فإنه عارض ويقبل الزوال. والذي ذكره في (الكبير) محله: إذا كان لا كسب له وهو زمن أو مجنون، فإن لم يكن كذلك .. فالأصح: عدم وجوب نفقته كما سيأتي في زيادة المصنف في (كتاب النفقات). وإذا اجتمع على الصاع اثنان في درجة واحدة .. قسمة بينهما، وقيل: يتخير. قال الرافعي: وحيث قلنا بالتخيير .. بالأصح: لا يجوز التوزيع. قال الرافعي: ولم يتعرضوا للإقلاع وله مجال في نظائره، قال فى (المهمات): قد جزم به منصور التميمي في (كتاب المسافر). ووراء ما ذكره المصنف تسعة أوجه: أحداهما: يقدم الأم علي الأب. والثاني: يستويان. والثالث: يقدم الابن الكبير علي الأبوين. والرابع: يقدم الأب علي الابن الصغير. والخامس: يقدم الزوجة علي نفسه. والسادس: يقدم الأقارب علي الزوجة.

وَهِيَ: صَاعُ، وَهُوَ: سِتُ مِئَةِ دِرْهَمِ وَثَلاَثَةُ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ. قُلْتُ: اٌلأَصَحُ: سِتُ مِئَةِ وَخَمْسَةٌ وَثمَانُونَ [درهمًا] وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمِ كَمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ اٌلنَبَاتِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ والسابع: يبدأ بنفسه ثم يتخير في الباقي. والثامن: يتخير بين نفسه وغيره. والتاسع: يخرجه عن واحد لا بعينه. قال: (وهي: صاع)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم في أول الباب. وكان الصاع معروفًا في زمن النبي صلي الله عليه وسلم يسع أربعة أمدادـ والمُد: رطل وثلث ـ فلما حج هارون الرشيد ومعه أبو يوسف .. حصل بينه وبين مالك مناظرة في تقديره؛ لأن أبا حنيفة يقول: إنه ثمانية أرطال بالعراقي، فأحضر أهل المدينة صيعانهم كل منهم يقول: هذا صاعي عن أبي عن جدي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وعايره هارون الرشيد فكانت خمسة أرطال وثلث فرجع أبو يوسف إلي ذلك. والذي في (الروضة) و (شرح المهذب) عن الدرامي: أنه تقريب، ومال إليه ابن الصلاح وخالف قي (شرح المهذب) هنا فقال: إنه تحديد. قال: (وهو: ست مئة درهم وثلاثة وتسعون وثلث)؛ بناء على أن رطل بغداد مئة وثلاثون. قال: (قلت: الأصح: ست مئة وخمسة وثمانون [درهمًا] وخمسة أسباع درهم كما سبق في زكاة النبات والله أعلم). هذا تفريغ على ما صححه وهو: أن رطل بغداد تسعون مثقالًا. والأصل فيه الكيل، وإنما قدره العلماء بالوزن؛ استظهارًا. قال ابن الرفعة: كان قاضي القضاة سيد المتورعين عماد الدين السكري رحمه الله يقول حين يخطب بمصر خطبة عيد الفطر: والصاعق حان بكيل بلدكم هذه، سالم

وَجِنْسُهُ: اٌلْقوتُ اٌلْمُعَشَرُ، وَكَذَا اٌلَأقِطُ فِي اُلأظْهَرِ. وَتَجِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الطين والعيب والغلث، ولا يجزئ في بلدكم هذه إلا القمح. قال القفال: والحكمة في إيجاب الصاع: أن الفقير يشتغل عن الكسب يوم العيد وثلاثة أيام بعده؛ إذ لا يجد فيها من يستعمله، والصاع كفاية الرجل أربعة أيام؛ لأن الذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزًا ثمانية أرطال، وهي كفاية الفقير أربعة أيام. قال: (وجنسه: القوت المعشَر) أي: جنس المخرج: القوت الذي يجب فيه العشر أو نصفه كما سبق، فلا يخرج من التين والسمك ولحم الصيد وإن اقتات بذلك بعض أهل النواحي؛ لأن النص ورد في بعض المعشرات وقيس عليها بقيتها بجامع الاقتيات، وثبت السلت في حديث صححه الحاكم. وفي القديم: لايجزئ الدس والحِمَص؛ لأنهما إدمان. وقيل: لا يجزئ الأرز في الكفارة، وهو جائز هنا. قال: (وكذا الأقِط في الأظهر)؛ لأن ذلك ثبت في (الصحيحين) [خ1506ـ م985] في حديث أبي سعيد رضي الله عنه. والقول الثاني: لا يجزئ؛ لأنه لا عيش فيه فأشبه التين والخَرُوب. وشد الماوردي والروياني فجعلا محل القولين في أهل البادية الذين يقتاتونه دون أهل الحاضرة كذا في (شرح المهذب)، وليس بشاذ؛ فقد أشار إليه ابن كج والشيخ أبو محمد في (مختصره) والغزالي في (الخلاصة) وشرط إجزائه: أن لا يكون الملح قد أفسد جوهره؛ لأنه معيب. وإذا أجزأ الأقط .. أجزأ اللبن والجبن لمقتاته علي الأصح. ولا يجزئ المخيض. والمصل والسمن والكشك ومنزوع الزُبْد اتفاقًا. (والأقط) بفتح الهمزة وكسر القاف، ويجوز تسكينها مع تثليث الهمزة حكاه ابن سيده وغيره. قال: (وتجب من قوت بلده) كالكفارة، ولأن النفوس متشوقة إليه. فإن كان في البلد أقوات وغلب بعضها ... فمن الغالب.

وَقِيلَ: قُوتِهِ، وَقيِلَ: يَتَخَيَرُ بَيْنَ اٌلَأقْوَاتِ، وَيُجَزِئُ الَأعْلَى عَنِ اٌلَأَدْنى، وَلَا عَكْسَ، وَاٌلاعْتِبَارُ بِاٌلْقِمَةِ فِي وَجْهٍ، وَبِزِيَادَةِ اٌلِاقْتِيَاتِ فِي اٌلَأصَحَ، فَاٌلْبُرُ خَيْرُ مِنَ اٌلتَمْرِ وَاٌلَأرُزَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والصواب: أن المراد قوت السنة لا قوت وقت الوجوب قاله في (شرح المهذب)، وفي (الوسيط): المعتبر حال وجوب الفطرة، وفي (الوجيز): يوم الفطر. قال: (وقيل: قوته) كما يعتبر ماله في الزكاة، وهو قول الإصطخري وابن خيران، فإن اقتات نوعين ... فمن أغلبهما، فإن استويا ... تخير. فلو كان يليق به الشعير فأكل القمح تنعمًا أو العكس .. وجب ما يليق به. قال: (وقيل: يتخير بين الأقوات)؛ لظاهر حديث أبي سعيد رضي الله عنه. وأجاب الأول بأن (أو) فيه للتنويع. قال: (ويجزئ الأعلى عن الأدنى)؛ لأنه زاد خيرًا فكان كما لو دفع بنت لبون عن بنت مخاض. وقيل: لا يجزئ كالحنطة عن الشعير والذهب عن الفضة، حكاه في (الكفاية). والفرق على الأول: أن زكاة المال متعلقة بعينه فأمر أن يواسي مما آتاه الله، وزكاة الفطر منظور فيها إلي القوت فإذا أخرج أعلاه .. كان محسنًا. قال: (ولا عكس)؛ لأنه يضر المستحقين. قال: (والاعتبار) أي: في الأعلى والأدنى (بالقيمة في وجه)؛ لأنه أرفق بالمساكين. فعلى هذا: يختلف باختلاف الأوقات والبلاد. قال: (وبزيادة الاقتيات في الأصح)؛ لأنه المقصود. قال: (فالُبرُخير من التمر والأرز)؛ لأنه المقتات غالبًا. وحكي الماوردي وجهًا: أن التمر خير من البر؛ لأنه أزيد ثمنًا.

وَاٌلَأَصَحُ: أَنَ اُلشَعِيرَ خَيْرُ مِنَ اٌلتَمْرِ، وَأنَ اٌلتمْرَ خَيْرٌ مِنَ اٌلزَبِيبِ. وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتِ وَعَنْ قَرِيبِهِ أَعْلَى مِنْهُ. وَلَا يُبَعَضُ اٌلصَاعُ. وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا .. تَخَيَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قيل: أفضلها يختلف باختلاف البلاد .. كان متجهًا. قال: (والأصح: أن الشعير خير من التمر)؛ لأنه أبلغ في الاقتيات. قال: (وأن التمر خير من الزبيب)؛ لأنه أكثر اقتياتًا منه. ويعرف من كلام المصنف: أن الشعير خير من الزبيب؛ لأنه خير من التمر الذي هو خير من الزبيب، قال في (شرح المهذب): وهو الصواب. قال: (وله أن يخرج عن نفسه من قوت، وعن قريبه أعلى منه) كما لو كان عليه كفارتان فأطعم عشرة وكسا عشرة؛ لأن المحذور إنما هو تبغيض الصاع الذي يخرج عن شخص. وكان الأحسن أن يقول: (وعن غيره)؛ ليشمل الرقيق ومن يتبرع عنه بإذنه والزوجة. قال: (ولا يبعض الصاع) أي: المخرج عن واحد؛ لأنه واجب واحد فلا يتبعض، كما لا يجوز أن يكسو خمسة ويطعم خمسة في كفارة اليمين. هذا إذا كان من جنسين، فإن كان من نوعي جنس ... فيجوز. قال في (اللباب): ولا يجوز كون الصاع من جنسين إلا في ثلاث مسائل: العبد المشترك، والمبعض، وإذا كان في بلد طعامهم جنسان ليس أحدهما أغلب من الآخر، لكن في الثالث نظر. قال: (ولو كان في بلد أقوات لا غالب فيها .. تخير)؛ لأنه ليس تعيين البعض للوجوب بأولي من بعض. فإن قيل: لم يجب الأصلح كاجتماع الحِقاق وبنات اللبون؟ ... قلنا: لتعلقه بالعين. فلو كان في بادية لا قوت لهم فيها يجز في الفطرة بأن كانوا يقتاتون الأشياء.

وَاٌلَأفْضَلُ أَشْرِفُهَا. وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ ... فَاٌلأَصَحُ: أَنَ اٌلِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ اٌلْعَبْدِ. قُلْتُ: اٌلْوَاجِبُ اٌلْحَبُ اٌلسَلِيمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النادرة ... أخرجوا من قوت أقرب البلاد إليهم، فإن استوي بلدان في القرب واختلف قوتهما ... تخير. قال: (والأفضل أشرفها) أي: في الاقتيات؛ لقوله تعالي: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. قال: (ولو كان عبده ببلد آخر ... فالأصح: أن الاعتبار بقوت بلد العبد)؛ نظرًا إلى أنها وجبت عليه ابتداء ثم تحملها السيد. والثاني: الاعتبار ببلد السيد تفريعًا على أنها وجبت عليه ابتداء. وسيأتي في العبد المشترك ما يخالفه. قال: (قلت: الواجب الحب) فلا تجزئ القيمة خلافًا لأبي حنيفة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز، وجوزها أبو ثور عند الضرورة. ولا يجزئ الدقيق ولا السويق. وقال الأنماطي: يجزئ الدقيق؛ لرواية أبي داوود [1614] من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (أو صاع من دقيق) ، لكن قال أبو داوود: إنها من وهم سفيان بن عيينة وإنهم أنكروها عليه فتركها. وقال ابن عبدان: يجزئ السويق والخبز؛ لأنهما أرفق بالمساكين. قال: (السليم) فلا يجزئ العتيق المتغير الطعم أو اللون، وكذا الرائحة كما في (شرح المهذب)، ولم يصرح به الأكثرون، ولا المسوس والمدودـ وهما بكسر الواوـ لقوله تعالي: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، ولأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبً. وقال القاضي حسين: يجزئ المعيب والمسوس إذا لم يجد غيرهما وهو يقتات منهما. ويجزئ القديم وإن قلت قيمته.

وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطرَةَ وَلَدِهِ اٌلصَغِيرِ اٌلْغَنِيَ .. جَازَ كَأجْنَبِيَّ أَذِنَ، بِخِلَافِ اٌلْكَبِيرِ، وَلَوِ اٌشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي عَبْد .. لَزِمَ اٌلْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعِ، وَلَوْ أَيْسَرَا وَاٌخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا .. أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ فِي اٌلَأصَحَّ، وَاٌللهُ أعْلَمُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أخرج من ماله فطرة الصغير الغني ... جاز)؛ لأنه يستقل بتمليكه فيقدَّر كأنه ملَّكه ذلك ثم تولى الأداء عنه، ويستوي في ذلك الأب والجد، لكن يستثنى من ذلك أولاد البنات، وخرج بذلك الوصي والقيم فلا يجوز لهما الإخراج من ماله إلا بإذن القاضي؛ لأن اتحاد الإيجاب والقبولمختص بالأب والجد. قال: (كأجنبي أذن) أي: كما لو قال لغيره: اقض ديني عني. فإن لم يجزئه قطعًا؛ لأنها عبادة فلا تسقط عن المكلف بغير إذنه. قال: (بخلاف الكبير) فإنها لا تقع عنه إلا بإذنه؛ لأنه لا يستقل بتمليكه، ولذلك قيده في (شرح المهذب) ب (الرشيد) وهو ظاهر، والمجنون كالصغير صرح بهما البغوي. وأما الزوجة .... فلها أن تؤدي فطرتها دون إذن الزوج بناء على أنها وجبت عليها ثم تحملها زوجها. قال: (ولو أشترك موسر ومعسر في عبد) والصورة: أن المعسر محتاج إلي الخدمة بحيث لا نكلفه بيعه. قال: (... لزم الموسر نصف صاع)؛ لأن ذلك يقابل ملكه. هذا إذا استوت الحصتان، وإلا فالمعتبر على قدر الملك. وقال أبو ثور: يجب علي صاحب كل حصة صاع ولو كانوا مئة شريك إذا كانوا موسرين. قال: (ولو أيسرا أختلف واجبهما .. أخرج كل واحد نصف صاع من واجبه في الأصح والله أعلم)؛ لأنهما إذا أخرجا هكذا .... أخرج كل واحد منهما جميع ما لزمه، كثلاثة محرمين قتلوا ظبيًا فأخرج أحدهم ثلث شاه، وأطعم الثاني بقيمة ثلث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شاه وصام الثالث عدل ذلك .... فإنه يجزئهم. والمراد ب ـ (اختلاف الواجب): اختلاف قوت بلادهم. والثاني: يخرجان من أدني القوتين؛ دفعًا للضرر عن المزكين. والثالث: يخرجان من أعلاهما؛ حذرًا من الإضرار بالمساكين. والرابع: من قوت بلد العبد؛ لأنها طهرة له. وهذا هو الأصح؛ لأن الأصح أن المخرج يتحمل كما تقدم. والذي صححه المصنف هنا صححه مثله في (الروضة) و (تصحيح التنبيه)، وهي في (شرح المهذب) على الصواب. ومن نصفه ونصفه حر، والأب إذا كان في نفقة ولدين ... حكمه حكم العبد المشترك. فرع: يجب أن تصرف زكاة الفطر إلى الأصناف الموجودين الذين ذكرهم الله تعالى. وقيل: يجوز أن تصرف إلى ثلاثة من الفقراء أو المساكين، ولا يجوز لأقل من ذلك؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة المساكين) رواه أبو داوود [1605]، فخصم بالذكر فدل على الاكتفاء بهم، وتقرر أنها متى ذكرت المساكين .. جاز الصرف إلي الفقراء أيضا، ولأنها قليلة في الغالب لا تقع من الجميع موقعًا، وبهذا قال الإصطخري ونقل عنه مثل ذلك في (زكاة المال)، ووافقه الشيخ في (زكاة الفطر). وقيل: يجوز صرفها لواحد، وهو مذهب الأئمة الثلاثة وابن المنذر. تتمه: سئل أبو الفارقي عن الصوفية المقيمين في الرباط: هل عليهم فطرة؟ فقال: إن كان الوقف على معين .. وجبت؛ لأنهم ملكوا الغلة قولًا واحدًا، وكذا إذا وقف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على المقيمين بالرباط إذا حدثت غلة ملكوها ومن حدث بعدهم لا يشاركهم. وإن كان وقفة على الصوفية مطلقًا، فمن دخل الرباط قبل غروب الشمس على عزم المقام. لزمته الفطرة في المعلوم الحاصل للرباط. هذا كله إذا وقف عليهم مطلقًا، فإن شرط لكل واحد قوته كل يوم ... فلا زكاة عليهم. قال: وهكذا حكم المتفقهة في المدارس؛ فإن جِرَايَتَهُم مقدرةٌ بالشهر، فإذا أهل شوال وللوقف غلة ... لزمهم الفطرة وإن لم يكونوا قبضوا؛ لأنه ثبت ملكهم على قدر المشاهر من جملة الغلة. قال: ويجوز للفقهاء الإقامة في الرباط ولتناول معلومة، ولا يجوز للمتصوف القعود في المدارس وأخذ جرايتها؛ لأن المعنى الذي يطلق به اسم المتصوف موجود في المتفقة ولا عكس. خاتمة دفع فطرته إلى فقير ممن تلزمه الفطرة، فدفعها الفقير إليه عن فطرته .... جاز للدافع الأول أخذهما خلافًا لمالك. قال الإمام: وجوب الفطرة لا ينافي أخذ الصدقة؛ لأن أخذها لا يقتضي غاية الفقر والمسكنة، وقد تجب زكاة المال على من تحل له الصدقة؛ فإنها تحل من غير الفقر والمسكنة، وقد تجب زكاة المال على من تحل له الصدقة؛ فإنها تحل من غير الفقر والمسكنة.

باب من تلزمه الزكاة, وما تجب فيه

بَابُ مِنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ, وَمَا تَجِبُ فِيهِ شَرْطُ وُجُوبِ زكَاةِ المَالِ: الإِسْلَامُ, والْحُرِيَّة, وَتَلزَمُ المُرْتَدِّ إِنْ أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ باب من تلزمه الزكاة, وما تجب فيه المراد: شروط من تجب عليه, وشروط المال الذي تجب فيه, وبيان ما يؤثر في إسقاطها. وليس المراد: بيان الأنواع من ماشية ونقد وغيرهما؛ فإن ذلك تقدم. ولما كانت (من) لأولى العلم و (ما) لغيرهم أتى هما فيهما. قال: (شرط وجوب زكاة المال: الإسلام) فلا يُطالب بإخراجها الكافر الأصلي لا في حال الكفر ولا بعد الإسلام. واحترز بـ (زكاة المال) عن زكاة الفطر؛ فإنها تلزم الكافر عن غيره كما سبق. وتقدم في (باب التيمم) الكلام على لفظ المال. قال: (والحرية) , فلا تجب على رقيق؛ لأنه لا ملك له. وعلى القديم: يملك بتمليك سيده ملكًا ضعيفًا, ومع ذلك لا زكاة له, ولا على سيده على الأصح. قال: (وتلزم المرتد إن أبقينا على مُلكه)؛ مؤاخذة له بحكم الإسلام, فإن أبقيناه .. وجبت, وإلا .. فلا. والأصح: أن ملكه موقوف فهي كذلك. وصورة المسألة: أن تمضى عليه في الردة سنة بعد ملك النصاب, فعلى المذهب: إذا أخرجنا في حال ردته .. جاز على المذهب, كما لو أطعم عن الكفارة بخلاف الصوم؛ فإنه عمل بدن. وقال صاحب (التقريب): لا تجزئه إذا أخرجنا في حال الردة. أما إذا وجبت الزكاة ثم ارتد .. فإنها تؤخذ من ماله على المشهور, وحكي في (شرح المهذب) الاتفاق عليه.

دُونَ المُكَاتَبِ. وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبيّ وَالْمَجْنُونِ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (دون المكاتب) فلا تجب عليه؛ لأن ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة, وصح عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (لا زكاة في مال المكاتب حتى يعتق) , ورواه الدارقطني مرفوعًا [2/ 108] , وبهذا قال كافة العلماء سوى أبى ثور؛ فإنه جعله كالحر. وأوجب أبو حنيفة العشر في زرعه دون باقي أمواله. ولو حذف المصنف المسألة .. لاستغنى عنها باشتراط الحرية. قال: (وتجب في مال الصبي والمجنون)؛ لعموم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) , ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ابتغوا في أموال اليتامى؛ لا تذهبها للصدقة) رواه الشافعي رضي الله عنه مرسلًا [أم 2/ 28] , واعتضد بقول خمسة من الصحابة كما قاله الإمام أحمد, وبالقياس على زكاة المشعرات وزكاة الفطر, فإن أبا حنيفة- وهو الخصم- وافق عليهما. والمجنون في معنى الصبي, والمخاطب بالإخراج: الولي كنفقة القريب والأرش. وأما المال المنسوب إلى الجنين بوصية أو غيرها .. فالمذهب: أنه لا زكاة فيه؛ لعدم تحقق حياته, وهو الذي احترز المصنف عنه بلفظ (الصبي). وقال الشيخ عز الدين: إذا نهى الإمام الأوصياء عن إخراج زكاة الموصى عليه .. لم يكن عذرًا. وإذا أعتقد الولي أنها غير واجبة .. قال الشيخ: يقهره القاضي على إخراجها ويرفع يده؛ لأن مفسده منعه تتعدى إلى الصغير, قال: ولا فرق بين أن يكون الولي شافعيًا أو حنفيًا؛ لأن القاضي يفعل مقتضى مذهبه, لن الشافعي يزداد الإنكار عليه. قال: وأما القاضي الشافعي .. فلا رُخصة له في ترك إخراجها؛ فإن ترك إخراجها

وَكَذَا مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الحُرّ نِصَابًا فِي الأَصَحِّ, وَفِى الْمَغْصُوبِ والضَّال والْمَجْحُودِ فِي الأَظْهَرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ خطأ , وتصير مضمونة للأصناف على الولي والقاضي الشافعي, بخلاف الحنفي الذي يعتقد عدم وجوبها. فائدة: حكي ابن الرفعة عن شيخه الظهير التزمنتى رحمهما الله: أنه لما كان قاضى الغربية .. كتب إلى مستنيبه قاضى القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز يسأله عن دراهم الأيتام: كيف تخرج الزكاة منها وهى مغشوشة والغش الذي فيها ملك الأيتام؟! فاستصعب الجواب عليه في ذلك. قال الشيخ: إن كان الغش يُماثل أُجرة الضرب والتخليص .. فيتسامح به, وعمل الناس على الإخراج منها. قال: (وكذا من ملك ببعضه الحر نصابًا في الأصح)؛ لأن ملكه تام, ولهذا يُكفّر كفّارة الحرّ الموسر. والثاني: لا؛ لنقصانه بالرق, وبهذا جزم الأكثرون, واعتذروا عن وجوب زكاة الفطر بأنها تتبعض وزكاة المال لا تتبعض. قال: (وفى المغصوب والضال والمجحود في الأظهر)؛ لملك النصاب وتمام الحول وعموم الأدلة الآمرة بالزكاة, ولابد فيه من مراعاة السموم كما تقدم. والثاني- وهو التقديم-: لا؛ لتعطل فائدتها. وقيل: تجب قطعًا. وقيل: إن عاد بفوائده كالسائمة تعود بنمائها .. وجبت, وإلا .. فلا. والسرقة كالضلال وذكره في (المحرر) , لكن أسقطه المصنف؛ لدخوله في المغصوب. وموضع الخلاف في المغصوب والمجحود: إذا لم تكن له بينة, فإن كانت .. وجب الإخراج قطعًا؛ لأنه مقصر, وكذا إذا علم القاضي به إذا قلنا: يقضى بعلمه.

وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ, وَالمُشْتَرى قَبَلَ قَبْضِهِ, وَقِيلَ: فِيهِ القَوْلَانِ وَتَجِبُ فِي الحَالِ عَنِ الغَائِبِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَإلاّ .. فَكَمَغْصُوبٍ. والدَّيْنُ ْإِنْ كَانَ ماَشِيَةً, أَوْ غَيْرَ لَازمِ كَمَالِ كِتَابِةٍ .. فَلَا زكَاةَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يجب دفعها حتى يعود)؛ لعدم التمكين قبله, فيزكيه حينئذ للأحوال الماضية ما لم تنقص عين النصاب إخراج زكاة بعض الأحوال. وإن كانت ماشية .. فشرطها: إن تكون سائمة عند المالك والغاصب كما تقدم. قال: (والمشترى قبل قبضه) أي: بعد انقضاء الخيار؛ لأنه يمكنه تسليم الثمن وتسلمُّه, فتجب فيه الزكاة قطعًا إذا مضى حول من يوم الشراء. قال: (وقيل: فيه القولان) أي: في المغصوب وغيره؛ لأن تصرفه فيه غير نافذ وإن رضي البائع, وعلم من مجئ قوله المغصوب: إن القائل بالوجوب لا يوجب الإخراج قبل القبض. قال: (وتجب في الحال عن الغائب إن قدر عليه)؛ لأنه كالمال الذي في صندوقه. هذا إذا كان المال مستقرا في بلد, فإن كان سائرًا .. لم يخرج زكاته حتى يصل إليه. ويجب إخراجها في بلد المال, فإن أخرج في غيره .. فيأتي فيه خلاف نقل الزكاة. قال: (وإلا .. فكمغصوب) يعنى: إذا لم يقدر عليه لانقطاع الطريق .. فيأتي فيه القولان في المغصوب؛ لعدم القدرة في الموضعين. قال: (والدين إن كان ماشية, أو غير لازم كمال كتابة .. فلا زكاة). أما الماشية .. فإن علة الزكاة فيها النماء ولا نماء فيها في الذمة, بخلاف النقد إذا ثبت في الذمة؛ فإن علّة الزكاة فيه: كونه معدًا للتصرف والربح, وهذا المعنى حاصل فيما إذا كان على ملئ. ومنهم من علل ذلك بأن السوم شرط فيها ولا وجود للسوم في الذمة, واعترضه الرافعي بأنه يجوز أن يثبت في الذمة لحم راعية, وإذا جاز ذلك .. جاز أن يثبت الذمة راعية.

أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا .. فَكَذا فِي القَدِيمِ, وفِي الجَدِيدِ: إِنْ كَانَ حَالًا وَتَعَذّرَ أخذُهُ لإعْسِارٍ وَغَيْرِهِ .. فَكَمَغْصُوبٍ, واِنْ تَيَسَّر .. وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ فِي الحَال. أَوْ مُؤجَّلًا .. فالْمَذْهَبُ: اَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما مال الكتابة .. فالملك فيه غير تام, وللعبد إسقاطه بالكلية, والمالك غير قادر على التصرف التام فيه, فلذلك لم تجب زكاته. وألحق ابن الرفعة الثمن في مدة خيار المجلس بدين الكتابة. واحترز بـ (مال الكتابة) عن الدين الذي على المكاتب لسيده من معاملة , وفى سقوط الزكاة عنه تناقض في (المهمات). وعما إذا أحال المكاتب سيده بالنجوم على شخص .. فإنه يصح وتجب الزكاة فيه؛ لأنه لازم لا يسقط من ذمة المحال عليه بتعجيز المكاتب ولا فسخه. قال: (أو عرضًا أو نقدًا .. فكذا في القديم) أي: لا زكاة فيه سواء كان على ملئ أو على غيره حالًا أو مؤجلًا؛ لأنه لا ملك فيه حقيقة فأشبه دين المكاتب. واستشكل شيخنا التعليل بما لو حلف انه لا مال له .. فإنه يحنث بالحالّ والمؤجل على الأصح. قال: (وفي الجديد: إن كان حالًا وتعذر أخذه لإعسار وغيره .. فكمغصوب) فيأتي فيه الخلاف السابق, فلو كان مقرًا له في الباطن .. وجبت الزكاة دون الإخراج قطعًا, فلو كان يقدر على أخذه من مال الجاحد بالظفر من غير خوف ولا ضرر فهل يكون الحكم كما لو تيسر أخذه بالبينة أو لا؟ المتبادر من كلام الشيخين وغيرهما: لا, وهو محتمل. قال: (وإن تيسر) بأن كان على مُقرّ باذل (.. وجبت تزكيته في الحال) كالمال المودع والذي في خزانته. قال: (أو مؤجلًا .. فالمذهب: انه كمغصوب) فيأتي فيه الخلاف المتقدم.

وقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ. وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا فِي أَظْهَرِ الأَقْوَالِ, ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: يجب دفعها قبل قبضه) كالغائب الذي يسهل إحضاره. ويقابل المذهب طريقة قاطعة بعدم وجوب الزكاة, وأخرى قاطعة بوجوبها. ولو عبر بقوله: (قبل حلوله) كان أولى؛ فإن هذا الوجه محله: إذا كان الدين على ملئ ولا مانع سوى الأجل, وحينئذ متى حلّ .. وجب الإخراج قبض أم لا. فائدة: قال الشيخ: إذا أوجبنا الزكاة في الدين وجعلنا تعلقها بالمال تعلق شركة .. اقتضى أن يملك أرباب الأصناف ربع عشر الدين في ذمة المدين, وذلك يجر إلى أمور لا يتنبه لها كثير من الناس كالدعوى بالصداق والديون؛ لأن المدعى غير مالك للجميع فيكيف يدعى به؟ إلا إن له ولاية القبض لأجل أداء الزكاة, فيحتاج إلى الاحتراز عن ذلك في الدعوى, وإذا حلف على عدم المسقط .. ينبغي أن يحلف إن ذلك باق في ذمته إلى حين حلفه لم يسقط, وانه يستحق قبضه حين حلفه, ولا يقول: انه باق له. قال: (ولا يمنع الدين وجوبها في أظهر الأقوال) وهو آخرها تاريخًا؛ لإطلاق النصوص الآمرة بأداء الزكاة سواء كان الدين حالًا أم مؤجلًا, من جنس المال أم غير جنسه, لآدمي أم لله تعالى كالزكاة والكفارة والنذر, ولأنها إن تعلقت بالذمة .. فهي متسعة, أو بالعين .. فالتعلق بالذمة لا يمنع مما تعلق بالعين؛ لأن عبد المديون إذا جني تعلق حق الجناية برقبته. والثاني: يمنع, وفى علته وجهان: أصحهما: ضعف ملك المديون؛ لإشرافه على التصرف في الدين. أصحهما: إن مستحق الدين تلزمه الزكاة, فلو اوجبناها على المديون أيضًا .. أدى إلى تضعيف الزكاة الواحدة. ويتفرع على ذلك لو كان مستحق الدين ذميًا .. فعلى الأول: لا تجب, وعلى الثاني: تجب.

وَالثَّالِثُ: يَمْنَعُ فِي المَالِ البَاطِنِ, وَهُوَ النَّقْدُ والْعَرْضُ. فَعَلَى الأَوَّلِ: لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ, فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ .. فَكَمَغْصُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو زاد المال على قدر الدين وكان الزائد نصابًا .. وجبت زكاته قطعًا, أو دونه .. فالجميع على الخلاف. قال: (والثالث: يمنع في المال الباطن, وهو النقد والعرض) وكذا زكاة الفطر أيضًا, ولا تمنعها الأموال الظاهرة وهى: المواشي والزروع والثمار والمعادن, والفرق: إن الظاهرة تنمو بنفسها أو هى نماء في نفسها, والباطنة ليس كذلك. لكن التعبير بـ (النقد) يخرج غير المضروب فكان الصواب: التعبير بـ (الذهب والفضة). ومحل الخلاف: إذا لم يكن له من المال الزكوى ما يقضى به الدين, فإن كان .. وجبت قطعًا. قال: (فعلي الأول: لو حجر عليه لدين, فحال الحول في الحجر .. فكمغصوب)؛ لأنه حيل بينه وبين ماله الحجر المانع من التصرف. ولا شك أن للمحجور عليه أحوالًا: احدهما: أن يفرق الحاكم أمواله بين غرمائه, ويقبضونه. الثاني: أن يبيعه منهم, ولا زكاة عليه في الحالين. الثالث: أن يعين لكل غريم قدر دينه ويأذن له في قبضه ويحول الحول قبل قبضه .. فملك المحجوز باق حتى يقبضه الغريم. والمذهب: انه لا زكاة على المفلس في هذه الحالة, لضعف الملك, وهو مشكل, فكيف يمكنهم من أخذه من غير بيع أو تعويض؟ لا جرم صوّرها في (السلسة) بما إذا كان ماله من جنس الدين. فروع: ملك نصابًا, فنذر التصدق به أو بكذا منه, فمضى الحول قبل التصدق .. فالأصح: القطع بمنع الزكاة لتعلق النذر بعينه, وقيل: على الخلاف في الدين.

وَلَوِ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ .. قُدِّمَتْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: جعلت هذا المال صدقة, أو هذا الغنام ضحايا, أو على أن أضحى بهذه الشاه .. فلا زكاة. وإذا دفع دراهم إلى رجل ليصرفها إلى فقير, أو فى جهة من جهات البر, فتم الحول قبل صرفها .. لزمه زكاتها؛ لبقائها في ملكه, بخلاف ما لو دفعها إلى الأمام ليصرفها في ذلك. ولو أوصى بدراهم للفقراء, فحال الحول عليها بعد موته قبل أن تصرف .. فلا زكاة. قال: (ولو اجتمع زكاة ودين آدمي في تركة) أي: وضاقت التركة عنهما (.. قدمت) سواء كانت زكاة مال او زكاة فطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فدين الله أحق أن يقضى) متفق عليه [خ 1953 - م1148]. والحديث ورد في الحج والصوم, ولا شك أن الزكاة أحق بالتقديم منهما. وقوله: (زكاة) على سبيل التمثيل, وإلا .. فكل حق من حقوق الله تعالى كالكفارة تجرى فيها الأقوال عند الاجتماع مع الدين, وكذلك الزكاة مع الحج كما صرح به في (الكفاية) وسيأتي في (الوصية) أيضا. واحترز بقوله: (في تركة) عما إذا اجتمعوا على حي وضاق ماله عنهما .. فإن الأقوال لا تجرى فيه, بل إن لم يكن محجورًا عليه .. قدمت الزكاة جزمًا, وان كان محجورًا عليه .. قدم حق الآدمي جزمًا. ويؤخر حق الله تعالى ما دام حيًا كما صرح به الرافعي في (الباب الثالث) من (الإيمان) , لكن صرح القاضي أبو الطيب فيها بجريان الأقوال, وسيأتي في (كتاب الجزية): انه يسوى بينها وبين دين الآدمي على المذهب مع أنها حق الله تعالى. وصورة مسألة الكتاب: إذا كانت الزكاة في الذمة أن تلف المال بعد الوجوب والتمكن, فأما إذا كان ما وجبت فيه الزكاة موجودًا .. فهي مقدمة قطعًا, قاله جماعة منهم القاضيان: الحسين وابن كج, وهو مقتضى النص, وهذا متعين إذا قلنا: إنها تتعلق بالمال تعلق الشركة. ووقع في (الشرح) و (الروضة) في هذا اضطراب.

وَفِى قَوْلٍ: الدَّيْنُ, وَفِى قَوْلٍ: يَسْتَوِيَانِ. وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِنِ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ حَوْلٌ, وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِىٌ, وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا, أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ .. وَجَبَتْ زَكَاتُهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفى قول: الدين)؛ لأن صاحبه محتاج وحقوق الآدميين مبنية على المضايقة, وكما يقدم القصاص على القطع في السرقة. وجوابه: إن الحدود ومبناها على الرديء. قال: (وفى قول: يستويان)؛ لعدم الترجيح, فيوزع المال عليهما كما إذا كان عليه دينان لرجلين وضاق ماله .. فإنه يقسم بينهما. وفى قول رابع: يقدم الأسبق منهما وجوبًا. قال: (والغنيمة قبل القسمة أن اختار الغانمون تملكها ومضى بعد حول, والجميع صنف زكوى, وبلغ نصيب كل شخص نصابًا, أو بلغه المجموع في موضع ثبوت الخُلطة .. وجبت زكاتها) كسائر الأموال. واحترز بـ (واختار الغانمون تملكها) عما إذا أعرضوا أو سكتوا .. فلا زكاة؛ لأنها لا تملك إلا بالقسمة أو اختيار التملك ولم يوجد واحد منهما. ولو فرعنا على القول بـ (أنها تملك بمجرد الاستيلاء) فهو ملك ضعيف بدليل سقوطه بمجرد الأعراض. وان اختاروا ولم يمض بعده حول .. فلا زكاة. وان وجد الاختيار والحول ولكنها كانت أصنافا كسائمة ونقود .. فلا زكاة أيضا؛ لأن كل واحد من الغانمين لا يدرى الصنف الذي يحصل له ولا مقداره. والمراد بـ (بلغه المجموع): غير الخمس. وموضع ثبوت الخُلطة بالنسبة إلى المالك, وذلك في السائمة جزمًا, وفى غيرها

وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعيّنًا .. لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إِذَا تَمّ حَوْلٌ مِنَ الإِصْدَاقِ. وَلَوْ أَكْرَي دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلاَّ زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ على الأصح بالنسبة إلى من تصح الخلطة معه, لا كأهل الخمس؛ فإن الخلطة لا تثبت معهم. فإذا اجتمعت الشروط .. وجبت الزكاة وان لم يُفرز الخمس. وقيل: لا زكاة قبل إفرازه. وقوله: (زكوى) هو الصواب, ووقع في (المهذب): (زكائى) وهو مُعترض. قال: (وإلا .. فلا) أي: إذا لم يختاروا التملك, ولم يمض حول, أو مضى وهى أصناف أو صنف غير زكوى كقماش, أو لم يبلغ الجميع نِصابًا كمئة درهم, أو بلغه في غير موضع ثبوت الخلطة .. فلا زكاة في جميع ذلك؛ لانتفاء الشروط. قال: (ولو أصدقها نصاب سائمة معينًا .. لزمها زكاته إذا تم حول من الإصداق) سواء استقر بالدخول والقبض أم لا؛ لأنها ملكته بالعقد. واحترز بـ (المعيّن) عما إذا كان في الذمة .. فلا زكاة فيه؛ لأن وصف السوم لا يثبت في الذمة كما تقدم, خلاف أصداق الدراهم والدنانير؛ فإن الزكاة تجب فيها ناء على وجوها في الدين, فلم يذكر السائمة لاختصاص الزكاة بها بل لاختصاصها باشتراط التعيين. والصلح عن دم العمد كالصداق وألحق بهما أن الرفعة بحثًا مال الجُعالة. ولو أصدقها عض نصا سائمة معين .. اعتبرت شروط الخلطة. ولو طالبته المرأة فامتنع .. كان كالمغصوب, قاله المتولي. قال: (ولو اكري دارًا ارع سنين ثمانين دينارًا وقبضها .. فالأظهر: انه لا يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر)؛ لأنها قل الاستقرار معرضة للسقوط الانهدام.

فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامٍ السَّنَةِ الأُولَى زَكَاةَ عِشْرِينَ, وَلِتَمَامِ الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لسَّنَةِ وعِشْرِينَ لسَنَتَيْنِ, وَلِتَمَامِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ لسَّنَةِ وعِشْرِينَ لثَلاَثِ سِنِينَ, وَلِتَمَامِ الرابعة زَكَاةَ سِتِّينَ لِسَنَةِ وَعِشْرِينَ لأَرْبَعٍ, وَالثَّانِي: يُخْرِجُ لِتَمَامِ الأُولَى زَكَاةَ الثَّمَانِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق بينه وبين الصداق: إن الأجرة تجب في مقابلة المنافع فينفسخ العقد فواتها, والصداق ليس في مقابلتها دليل: استقراره بموتها قبل الدخول, والتشطير الطلاق. واحترز بـ (قبضها) عما إذا كانت معينة ولم يقبضها .. فهي كالمبيع قل القبض. و (المحرر) مثّل المسألة مئة دينار فعدل المصنف إلى ثمانين؛ لأن حسابها أسهل. قال: (فيخرج عند تمام السنة الأولى زكاة عشرين) لسنة؛ لأنه الذي استقر ملكه عليه وهذا لا خلاف فيه. قال: (ولتمام الثانية زكاة عشرين لسنة وعشرين لسنتين) وهو: دينار ونصف؛ لأنه ملكه قد استقر على أربعين دينارًا وكانت في ملكه سنتين وواجها ديناران, ولم يخرج إلا واجب عشرين عن سنة واحد وهو نصف دينار, فيبقى عليه دينا ونصف. إما الدينار .. فعن العشرين التي هي أجرة السنة الثانية؛ فإنها أقامت في ملكه سنتين ولم يخرج عنها شيئًا: وإما النصف .. فزكاة السنة الثانية عن العشرين التي هي أجرة السنة الأولى. قال: (ولتمام الثالثة زكاة أربعين لسنة وعشرين لثلاث سنين)؛ لأنه استقر ملكه على ستين دينارًا وكانت في ملكه ثلاث سنين, فعليه زكاتها لثلاث سنين وهى: أربعة دنانير ونصف, أدى دينارين ويخرج الباقي. قال: (ولتمام الرابعة زكاة ستين لسنة وعشرين لأربع)؛ لأنها استقرت الآن وقد مضى عليها في ملكه أربع سنين, وواجب ثمانين في أربع سنين ثمانية دنانير, أدى منها أربعة ونصفًا فيخرج الباقي وهو ثلاثة ونصف. قال: (والثاني: يخرج لتمام الأولى زكاة الثمانين) هذا قسيم لقوله:

فصل

فَصْلٌ: تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ إِذَا تَمَكَّنَ, وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالأَصْنَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فالأظهر) , ودليله: انه ملك الثمانين ملكًا تامًا, ولهذا لو كانت الأجرة أمة .. حل له وطؤها. تتمة: محل الخلاف: في الإخراج فقط, إما الوجوب .. فثابت قطعًا. وصورة المسألة: أن يخرج من غيرها فإن أخرج من عينها .. نقص بحسابه, وهذا يعلم: إن ما في الكتاب و (الروضة) ليس مفرعًا على المذهب- وهو: تعلقها بالعين تعلق شركة- كذا نبه عليه الرافعي, وحذفه من (الروضة) ولابد منه, ولا يخفى أن الصورة فيما إذا كانت السنين متساوية, فإن كانت متفاوتة .. زاد القدر المستقر في بعض السنين ونقص في بعض. قال: (فصل: تجب الزكاة على الفور)؛ لأنه حق يجب صرفه إلى الآدمى إذا طولب به, فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طلبها صاحبها. وقال أبو حنيفة: تجب على التراخي, وأوجب الحج على الفور. والكلام هنا في زكاة المال, إما زكاة الفطر .. فتقدم أنها موسعة إلى أخر نهار العيد. قال: (إذا تمكن)؛ لأن التكليف بدونه تكليف بما لا يطاق, فإن آخر .. إثم وضمن. قال: (وذلك) أي: التمكن (بحضور المال والأصناف) , فلا يجب الإخراج عن الغائب- وان جوزنا نقل الزكاة- لاحتمال تلفه قبل وصوله إليه. لكن يستثنى ما إذا أخر لطلب الأفضل أو انتظار قريب أو جار أو أحوج أو أصلح .. فالأصح: جواز التأخير ويكون ضامنًا على الأصح.

وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّىَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ, وَكَذَا الظَّاهِرِ فِي الْجدِيدِ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة (المحرر): (وجود المصروف إليه) , وهى أحسن؛ لشمولها الأصناف والإمام ونائبه, وأيضا التعبير بـ (الأصناف) يوهم: انه لو وجد بعضهم .. لا يكون متمكنًا, والمنقول: انه متمكن من أداء حصة الموجودين فقط حتى لو تلف المال .. ضمن حصتهم. قال: (وله أن يؤدى بنفسه زكاة المال الباطن)؛ لقوله تعالى: {إن تُبدُوا الصدقات فنعمّا هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} , وادعى المحاملي فيه الإجماع. لكن نقل الرفعة عن أبى الطيب: انه ليس له أن يفرقها بنفسه؛ لأنه مال للإمام فيه حق فأشبه الخراج والجزية. وعلى الأول: ليس للإمام طلبها, فإن بذلها صاحبها طوعًا .. قبلها. وأورد شيخنا على المصنف: إن مقتضى عبارته: أن السفيه له إن يفرق بين الزكاة نفسه, وسيأتي في (الوكالة): انه لا يجوز إلا بإذن وليه. وفى الإيراد نظر لا يخفى. و (المال الباطن) تقدم بيانه قريبًا. قال: (وكذا الظاهر في الجديد) وهى: المواشي والمعشرات والمعادن؛ قياسًا على الباطن. والقديم: يجب صرفها إلى الإمام؛ لقوله تعالى: {خُذ من أموالهم صدقة} , وإذا لزم الإمام الأخذ .. لزم الأرباب الأموال الدفع. وموضع الخلاف: إذا لم يطلب الإمام, فإن طلب .. وجب الدفع بلا خلاف؛ بذلًا للطاعة كذا في (الروضة) , واعترضه في (المهمات) بحكاية خلاف ضعيف فيه. ولا فرق في جريان القولين بين الإمام الجائر والعادل. وفى وجه: يجوز الدفع إلى الجائر ولا يجب, وفى وجه آخر: لا يجوز الدفع إليه.

وَلَهُ التَّوْكِيلُ, وَالصَّرْفُ إِلَى الإِمَامِ, وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الصَّرْفَ إِلَى الإِمَامِ أَفْضَلُ, إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَائِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وله التوكيل)؛ لأنه حق مالي فكان كديون الآدميين. وقيل: إن زكاة الفطر لا تدخلها النية مع القدرة على أدائها بنفسه. ولا فرق بين الجواز بين أن يكون المال من جهة الوكيل أو المُوكّل, ولا بين أن يكون من أهل الزكاة أم لا, فيوكل الفاسق والرقيق والصبي؛ قياسًا على ذبح الأضحية, لكن يشترط في الكافر والصبي تعيين المدفوع إليه كما نص البغوي والرويانى عليه. قال: (والصرف إلى الأمام)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يبعثون السعادة لأخذ الزكوات. قال: (والأظهر: أن الصرف إلى الأمام أفضل)؛ لأنه اعرف بالمستحقين واقدر على التفرقة. والثاني: تفريقه نفسه أفضل لينال اجر الدفع, وليخص الأقارب والجيران والأحق. قال: (إلا أن يكون جائرًا) .. فالأفضل: أن يفرق بنفسه؛ لأنه ليس على يقين من البراءة بالدفع إليه (2). والثاني: الأفضل اصرف إليه مطلقًا؛ لعموم: (خُذ من أموالهم) , وصححه في (شرح المهذب). والثالث: الأفضل: أن يفرق بنفسه مطلقًا. والمراد بالجائر والعادل في (باب الزكاة) فقط.

وتجِبُ النّيّةُ, فَيَنْوِى: هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي, أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا, وَلاَ يَكْفِى: فَرْضُ مَالِي, وَكَذَا الصَّدَقَةُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصنف تبع (المحرر) في تعبيره بـ (الأظهر) , والصواب: التعبير بـ (الأصح)؛ لأن المسألة ذات أوجه لا أقوال. ومحل الخلاف: في الأموال الباطنة, أما الظاهرة .. فدفعها إلى الأمام أفضل قطعًا, وكل من التفرقة نفسه والدفع إلى الأمام اقل من التوكيل جزمًا؛ لأنه (1) قد يجور فلا يسقط الفر عن الموكل. قال: (وتجب النية)؛ لعموم حديث: (الأعمال بالنيات). ومقصوده: إن النية هنا ركن- كالصلاة- ومحلها: القلب على الأصح كما تقدم, وقيل: يكفى هنا الاقتصار على اللسان؛ لأن هذا يشبه المعاوضة. فلو تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة .. لم تسقط عنه الزكاة عندنا. قال: (فينوى: هذا فرض زكاة مالي, أو فرض زكاة مالي ونحوهما) كزكاة مالي المفروضة, أو الصدقة المفروضة؛ لدلالة كل واحد من هذه على المقصود. لكن عبارته تشعر باشتراط التعرض للفرضية مع الزكاة, والصحيح: القطع بعدم اشتراطها؛ لأن الزكاة لا تكون إلا فرضًا, وبهذا خالفت الصلاة, فلو قال: هذا فرضي .. لم يجزئه بلا خلاف. قال: (ولا يكفى: فرض مالي)؛ لأنه قد يكون نذرًا أو كفارة. قال: (وكذا الصدقة في الأصح)؛ لأنها قد تكون نافلة. والثاني: يكفى؛ لأنه ظاهر في الزكاة مستعمل في الكتاب والسنة. وعبارة المصنف كعبارة (الشرحين) و (الروضة) و (الكفاية) , والذي في (شرح المهذب): انه إن نوى الصدقة فقط .. لم يجزئه لا خلاف؛ لأن الصدقة ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ أي: الوكيل. في هامش (ج): (نسخة: يخون).

وَلاَ يَجِبُ تَعيِينُ المَال, وَلَو عَيَّنَ .. لَم يَقَع عَن غَيرِهِ. وَتَلزَمُ الوَليَّ النِّيَةُ إذَا أَخرَجَ زكَاةَ الصَّبِيَّ والمَجنُونِ. وتَكفِي نِيَّةُ المُوكِلِ عِندَ الصَّرفِ إِلَى الوَكِيلِ فِي الأَصَحَّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تطلق على غير المال, قال صلى الله عليه وسلم: (كل تكبيرة صدقة, وكل تحميدة صدقة). وإن نوى صدقة ماله أو صدقة المال .. فوجهان: أصحهما: لا يجزئ, وكلام المصنف محمول على هذه الصورة. قال: (ولا يجب تعيين المال)؛ لأن الفرض لا يختلف به كالكفارات, فإذا ملك أربعين شاة وخمسة أبعرة, فأخرج شاة ناويًا الزكاة ولم يعين بقلبه أحد النوعين .. جاز ويعين ما شاء, فإن تلف أحدهما بعد الأداء أو بان تالفًا .. فله جعله عن الباقي. قال: (ولو عين .. لم يقع عن غيره)؛ لأنه لم ينو ذلك الغير, فإن أراد: إن كان تالفًا فعن الحاضر .. وقع عن الحاضر على المذهب. قال: (وتلزم الولي النية إذا أخرج زكاة الصبي أو المجنون)؛ لأن المؤدى عنه ليس أهلا لها فقام الولي مقامه. ومقتضى عبارته: أنه لا ينوي عن السفيه مع أنه ملحق بهما في النية عنه كما صرح به الجرجاني, وجزم به في (شرح المهذب) وادعى الاتفاق عليه, وتوقف ابن الرفعة في المسألة؛ لعدم وقوفه على نقل فيها, وهذا يدفع اعتراض شيخنا المتقدم في قول المصنف: (وله أن يؤدي بنفسه زكاة المال الباطن). قال: (وتكفي نية الموكل عند الصرف إلى الوكيل في الأصح)؛ لوجودها من المخاطب بها. والثاني: لا بد من نية الوكيل عند التفرقة أيضًا كالحج. وفرق الأول بأن الحج يقع بأفعال النائب فاعتبرت نيته, ولزكاة تقع بمال المستنيب فاعتبرت نيته.

الأَفضَلُ أَن يَنوِيَ الوَكِيلُ عِندَ التَّفرِيقِ أَيضًا. وَلَو دَفَعَ إلَى السُّلطَانِ .. كَفَتِ الِّنيَة عِندَهُ, فَإن لَم يَنوِ .. لَم يُجِزئ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِن نَوَى السُّلطَانُ. وَالأصَحُّ: أَنَّهُ يَلزَمُ السُّلطَانَ النِّيَةُ إِذَا أَخرَجَ زَكَاةَ المُمتَنِعِ, وَأَنَّ نِيَّتَهُ تَكفِي ـــــــــــــــــــــــــــــ والوجهان مبنيان على أن المالك إذا فرق بنفسه .. جاز أن يقدم النية على الدفع وهو الأصح؛ لعسر المقارنة كما في الصوم. فإن نوى قبل العزل .. لم يجز قطعًا؛ لأنه قصد لا نية كذا قاله الماوردي, وكلام القفال ينازع فيه. قال: (والأفضل: أن ينوي الوكيل عند التفريق أيضًا)؛ خروجًا من الخلاف. قال: (ولو دفع إلى السلطان .. كفت النية عنده)؛ لأنه نائب المستحقين. ولا تشترط نية السلطان عند الدفع إلى الأصناف؛ لأن يده كيدهم. وحكم الساعي في ذلك كالإمام. قال: (فإن لم ينو) أي: المالك عند الدفع إلى السلطان (.. لم يجزئ على الصحيح وإن نوى السلطان) كما لو دفع إلى الأصناف بغير نبة؛ فإن السلطان نائبهم. والثاني: يجزئ؛ لأن الإمام لا يدفع إليه إلا الفرض, فاكتفى بهذا الظاهر عن النية. قال: (والأصح: أنه يلزم السلطان النية إذا أخرج زكاة الممتنع, وأن نيته تكفي) أي: نية السلطان تكفي في السقوط باطنًا؛ لأنه في ذلك كولي الطفل. والثاني: لا تلزم السلطان النية ولا تكفي؛ لئلا يتهاون المالك فيما هو متعبد به. أما السقوط ظاهرًا إذا نوى الإمام .. فلا خلاف عليه. وإن لم ينو .. لم تسقط في الباطن, وكذا في الظاهر في الأصح, فإن نوى الممتنع حالة الأخذ منه .. برئت ذمته جزمًا.

فصل

فَصلٌ: لا يَصِحُّ تَعجِيلُ الزَّكَاةِ عَلى مِلكِ النِّصَابِ, وَيَجُوزُ قَبلَ الحَولِ, تتمة: من استقر عليه فرض زكاة, ثم مرض ولا مال له .. قال العبادي: ينبغي أن ينوي أنه يؤدي الزكاة إن قدر, ولا يقترض؛ لأنه دين. وقال شاضان بن إبراهيم: يقترض؛ لأنه دين لله تعالى وهو أحق بالقضاء, قال: فإن اقترض ودفع الزكاة ونوى الوفاء إذا تمكن .. فههو معذور بالاتفاق. قال الشيخ: وما قال شاذان أولى مما قاله العباديح لأنه عصى بتأخير الزكاة, فإذا وجد من يقرضه ورضي بذمته .. نعين ذلك طريقًا للتوبة. قال: (فصل: لا يصح تعجيل الزكاة على ملك النصاب). تعجيل الزكاة جائز في الجملة خلافًا لمالك وابن المنذر وابن خزيمة. لنا: ما روى أبو داوود [1621] والترمذي [678] والحاكم [3/ 332]: (أن العباس رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعجل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك) , ولأنه أجل رفقًا فجاز تقديمه على أجله كالدين, كما إذا ملك مئة درهم فجعل خمسة دراهم, أو خمسة وثلاثين شاة فعجل منها واحدة؛ لأن الزكاة وجبت بسببين: ملك النصاب والحول, فجاز تقديمها على أحدهما كتقديم الكفارة اليمين على الحنث, ولا يجوز تقديمها على اليمين والحنث جميعًا؛ فإن المخالفين قد وافقوا عليها. هذا في الزكوات العينية, أما زكاة التجارة كما إذا اشترى عرضًا قيمته مئة فعجل زكاة مئتين, أو قيمته مئتان فعجل زكاة مئة, وحال الحول وهو يساوي ذلك .. فإنه يجوز على الصحيح؛ لأن النصاب في التجارة معتبر بآخر الحول كما تقدم. قال: (ويجوز قبل الحول) أي: بعد انعقاده تمامه خلافًا لابن المنذر وابن حربوية.

وَلاَ تُعَجَّلُ لِعَامَينِ فِي الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ استدل الأصحاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه على الصدقة, فقيل: منع جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: (ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله, وأما خالد .. فإنكم تظلمون خالدًا ..) الحديث, رواه الشيخان [خ 1468 _ م 983]. وابن جميل يعز الوقوف على اسمه, ففي (تعليق القاضي حسين) و (البحر): أن اسمه عبد الله, وفي (غريب الحديث) لأبي عبيد: كنيته أبو جهم, وفي (تعليق القاضب (: أنه الذي نزل فيه: {ومِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ} , والمعروف: أن تلك القصة لثعلبة بن حاطب. قال: (ولا تعجل لعامين في الأصح)؛ لأن زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها فهو كالتعجيل قبل ملك النصاب. والثاني: يجوز كدية الخطأ, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس رضي الله عنه صدقة عامين, رواه أبو داوود [1621] وابن ماجه [1795] والترمذي [678] في موضعين من كتابه وقال في أخدهما: إنه حسن, وخرج مسلم في (صحيحه) [983] معناه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, لكن أجاب البيهقي [4/ 111] بأنه مرسل, أو محمول على أنه استلف منه صدقة عامين مرتين, أو صدقة مالين لكل واحد حول منفرد. وصحح هذا الوجه البندنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي والشيخ أبو محمد والمتولي والغزالي والجرجاني والشاشي والعبدري والروياني وسليم وابن الصلاح, وقال في (المهمات): إنه المنصوص في (الأم) والمعتمد في الفتوى لا ما صححه الشيخلن. وما عدا العامين حكمه حكم العامين. وموضع الخلاف: إذا كان المال زائدًا على النصاب, فإن كان قدره بلا زيادة .. لم يجز في حق السنة الثانية قطعًا؛ لأنه إذا تم الحول الأول .. زال الملك - على التحقيق - فيما أخرجه فينقص النصاب, فإذا لم يبق نصاب كامل بأن ملك إحدى وأربعين شاة, فعجل منها شاتين .. فالأصح: المنع.

وَلَهُ تَعجِيلُ الفِطرَةِ مِن أَوَّلِ رَمَضَانَ, وَالصَحِيحُ: مَنعُهُ قَبلَهُ, وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِخرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ, ولاَ الحَّبِّ قَبلَ اشتِدَادِهِ, وَيجَوزُ بَعدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وله تعجيل الفطرة من أول رمضان) خلافًا لمالك؛ فإنه منع التعجيل إلا بيوم أو يومين؛ لما روى هو [1/ 285] والشافعي أأم 2/ 69] وابن حين [3299] عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرجها قبل الفطر بيومين, وألحق الجمهور جميع الشهر بذلك قياسًا, ولأنها وجبت بسببين: الصوم والفطر وقد وجد أحدهما, فجاز تقديمه على الآخر كزكاة المال. وفي وجه: لا يجوز في الليلة الأولى من الشهر, ويجوز بعد طلوع فجرها إلى آخر الشهر؛ لأنه قبل الفجر لم يشرع في الصوم. قال: (والصحيح: منعه قبله)؛ أنه تقديم على السببين. والثاني: يجوز في جميع السنة؛ لأن وجود المخرج عنه نفسه سبب. وأجاب القاضي أبو الطيب بأن ما له ثلاثة أسباب لا يجوز تقديمه على سببين منها, ككفارة الظهار والعود, ومع ذلك لا يقدم على الآخرين. قال: (وأنه لا يجوز إخراج زكاة الثمر قبل بدو صلاحه, ولا الحب قبل اشتداده)؛ لأنه لا سبب للوجوب إلا ذلك, وما وجب بسبب واحد يمتنع تقديمه عليه, ولأنه قبل ذلك لا يعرف مقداره تحقيقًا ولا تخمينًا فصار كتقديم الزكاة على النصاب. والثاني: يجوز كزكاة المزاشي والنقود بعد الحول. قال: (ويجوز بعدهما) أي: بعد بدو الصلاح واشتداد الحب؛ لثبوت الوجوب وإن لم يلزم الإخراج. والثاني: لا يجوز بل لا بد من جفاف الثمر وتصفية الحبوب, فلو كان الرطب لا يجيء منه تمر والعنب لا يجيء منه زبيب .. فلا يأتي خلاف كما لو أخرج بعد جفاف الثمرة ولا يسمى ذلك تعجيلًا.

وَشَرطُ إِجزَاءِ المُعَجَّلِ: بَقَاءُ المَالِكِ أَهلًا لِلوُجُوبِ إلَى آخِرِ الحَولِ, وَكَونُ القَابِضِ فِي آخِرِ الحَولِ مُستَحَقًا, وَقِيلَ: إن خَرَجَ عَنِ الِاستِحقَاقِ فِي أَثنَاءِ الحَولِ .. لَم يُجِزئهُ, وَلاَ يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وشرط إجزاء المعجل: بقاء المالك أهلًا للوجوب إلى آخر الحول)؛ لأنه لو لم يبق كذلك .. لا يبقى شرط الوجوب. ويشترط أيضًا: بقاء المال, فلو أتلفه المالك أو تلف أو نقص .. خرج المعجل عم كونه زكاة, وقد يبقى المال وأهلية المالك, وتتغير صفة الواجب, كما لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين من الإبل فبلغت بالتوالد ستًا وثلاثين قبل الحول .. فإن بنت مخاض المعجلة لا تجزئه وإن صارتبنت لبون في يد القابض, بل يستردها ثم يخرجها ثانيًا أو يخرج بنت لبون أخرى. قال: (وقيل: إن خرج عن الاستحقاق في أثناء الحول .. لم يجزئه) كما لو لم يكن عند الأخذ أهلًا ثم صار عند تمام الحول من أهله. والأصح: الإجزاء؛ اكتفاء بالأهلية في طرفي الأداء والوجوب. فرع: غاب الآخذ عند الحول ولم تعلم حياته أو احتياجه .. أفتى الشيخ بالإجزاء وفقًا للحناطي وصاحب (البحر). قال: (ولا يضر غناء بالزكاة)؛ لأن المقصود من صرف الزكاة إليه غناه بها, لكن يرد عليه ما ذكره الفارقي في (فوائد المهذب (: أنه لو استغنى بزكاة أخرى واجبة أو معجلة .. فإنه يكون كما لو استغنى بغير الزكاة, واستشكله الشيخ بماإذا كانتا معجلتين واتفق حولهما؛ إذ ليس استرجاع إحداهما بأولى من الأخرى.

وَإذَا لَم يَقَع المُعَجَّلُ زَكَاةً .. استَرَدَّ إن كَانَ شَرطَ الاستِردَادَ إن عَرَضَ مَانِعٌ. وَالأصَحُّ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ: هذِهِ زَكَّاتِي المُعَجَّلَةُ فَقَط .. استَرَدَّ, وَأنَّهُ إن لَم يَتَعَرَّض لِلتَعجِيلِ ولَم يَعلُمُهُ القَابِض ُ .. لَم يَستَرِدَّ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال: والثانية أولى بالاسترجاع, وكلام الفارقي يشعر بأن الأولى هي التي تسترجع. ولو كانت الثانية واجبة .. فلأولى هي المسترجعة وعكسه بالعكس. قال: (وإذا لم يقع المعجل زكاة .. استرد إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع)؛ لأنه مال دفعه إلى مستحق قبضه في المستقبل, فإذا عرض مانع .. استرد كما لو دفع الأجرة معجلًا ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة. قال: (والأصح: أنه إذا قال: هذه زكات المعجلة فقط .. استرد)؛ لأنه عين الجهة فإذا بطلت .. رجع كما فلنا في تعجيل الأجرو. والثاني: لا يسترد؛ لأن العادة الجارية بأن المدفوع إلى فقير لا يسترد. والوجهان جاريان فيما لم يصرح بالتعجيل ولكن علم به القابض. هذا في العلم المقارن للقبض, فإن وجد بعده .. قال الشيخ: لم أر فيه تصريحًا, قال: والأقرب الأول. هذا إذا علم مع بفاء المقبوض, فإن كان بعد تلفه أو إتلافه .. فلا. وأشار المصنف بقوله: (هذه زكاتي) إلى أن محل الوجهين: إذا دفعها المالك, فإن دفعها الإمام .. لم يحتج إلى اشتراط الاسترداد؛ فكأنه ملكه بالجهة المعينة إن وجد شرطها, وإلا .. فهو صدقة تطوع. قال: (وأنه إن لم يتعرض للتعجيل ولم يعلمه القابض .. لم يسترد)؛ لتفريطه بترك الإعلام عند الأخذ. والثاني: يسترد؛ لأنه لم يقع الموقع. والثالث –وهو المنصوص, وصححه في (الكفاية) , واقتضى كلام الرافعي أن الأكثرين عليه-: إن كان المعطي الإمام .. رجع, وإن كان المالك .. فلا؛ لأن

وَأنَهُمَا لَوِ اختَلَفَا في مُثبِتِ الاستِردَادِ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَمَتَى ثَبَتَ والمُعَجَّلُ تَالِفٌ .. وَجَبَ ضَمَانُهُ, والأَصَحُّ: اعتِبَارُ قِيمَتَهِ يَومَ القَبضِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام يعطي مال الغير فلا يمكن وقوعه تطوعًا, ولا تهمة أيضًا في استرداده, بخلاف المالك. قال: (وأنهما لو اختلفا في مثبت الاسترداد) كما لو اختلف في ذكر التعجيل, أو في التصريح بالرجوع إن شرطناه. قال: (.. صدق القابض بيمينه) وكذلك وارثه؛ لأن الأصل عدم اشتراطه, والغالب كون الأداء في الوقت. والثاني: المصدق الدافع سواء كان هو المالك أو الساعي؛ لأنه أعرف بقصده, ولهذا لو أعطى ثوبًا لغيره وتنازعا في أنه عارية أو هبة .. صدق الدافع. ووقع في (شرح المهذب) تصحيح هذا الوجه وكأنه سبق قلم. وقد سبق: أن علم القابض بالتعجيل يثبت الاسترداد, فإذا تنازعا فيه .. صدق القابض بلا خلاف؛ لأنه لا يعلم إلا من جهته, وإذا حلف القابض .. بحلف على البت. قال: (ومتى ثبت) أي: الاسترداد (والمعجل تالف .. وجب ضمانه)؛ لأنه قبضه لغرض نفسه, فيضمنه بالمثل إن كان مثليًا, وإن كان تقومًا .. فبالقيمة على الأصح. وقيل: يضمن الحيوان بالمثل الصوري؛ لأن المقصود بتعجيل الزكاة: الرفق المواساة, فجرى مجرى فرض الحيوان. قال: (والأصح: اعتبار قيمته يوم القبض)؛ لأن الزيادة حصلت في ملك القابض, فلا يضمنها كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم ارتدت قبل الدخول أو طلقها .. فإن الزوج يرجع بقمة يوم القبض. والثاني: قيمة يوم التلف؛ لأنه وقت انتقال الحق إلى القيمة كالعارية. والثالث: أقصى القيم؛ لأنه بان أن اليد يد ضمان.

وَأنَّهُ لَو وَجَدَهُ نَاقِصًا .. فلاَ أَرشَ, وَأَنَّهُ لاَ يَستَرِدُّ زِيَادَةً مُنفَصِلَةً. وَتَأخِيرُ الزَّكَاةِ بَعدَ التَّمَكُّنِ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَإن تَلِفَ المَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن البندنيجي: اعتبار قيمة يوم الرجوع, وغلطه المصنف. وإذا لم يقع المعجل زكاة .. وجب إخراجها ثانيًا, لكن يستثنى ما لو عجل شا عن أرعين فتلفت عن\ الفقير .. فلا يجب التجديد على المذهب؛ لأن الواجب على القابض القيمة ولا يكمل بها نصاب السائمة. قال: (وأنه لو وجده ناقصًا .. فلا أرش)؛ لأنه حدث في ملكه, فلا يضمنه كالأب إذا رجع في الموهوب ناقصًا. والثاني: له الأرش؛ لأن جملته مضمونة فكذلك جزؤه, ولي كالهبة؛ لأن جملتها غير مضمونة فجزؤها أولى. واحترز بقوله: (وجده) عما إذا عجل شاتين فلم يجد إلا واحدة؛ فإنه يرجع بقيمة الأخرى بلا خلاف. قال: (وأنه لا يسترد زيادة منفصلة) كما لا يرجع فيها الأب إذا رجع في هبته. والثاني: يأخذها مع الأصل؛ لأنا تبينا بما طرأ آخر أنه لم يملك المقبوض. واحترز ب (المنفصلة) عن المتصلة كالسمن ونحوه؛ فإنها تتبع الأصل. قال: (وتأخير الزكاة بعد التمكن يوجب الضمان وإن تلف المال) سواء طولب به أم لا؛ لأنه قصر بحبسه الحق عن مستحقه فيلزمه أن يؤدي ما كان يؤديه قبل التلف. هذا هو المراد ب (الضمان) لا أنه يضمنه ضمان المتلفات, فإذا كان عنده خمس من الإبل فأتلفها .. لزمه شاة ويؤخذ منه الحكم في إتلاف من باب أولى. وهذه المسألة وما بعدها لا تعلق لها بفصل تعجيل الزكاة, فكان ينبغي إفرادها بفصل كما في (المحرر) , وحكمها مبنى على أن التمكن شرط في الوجوب أو في الضمان, وقد تقدم: أن الأصح: الثاني, وتظهر فائدتها في نقص النصاب بعد الحول وقبل التمكن كما سيأتي.

فَإن تَلِفَ قَبلَ التَّمَكُّنِ .. فَلاَ , وَلَو تَلِفَ بَعضُهُ .. فَالأظهَرُ: أَنَّهُ يَغرَمُ قِسطَ مَا بَقِيَ. وإن أتلَفَهُ بَعدَ الحَّولِ وقَبلَ التَّمَكُّنِ .. لَم تَسقُطِ الزَّكَاةُ. وَهِيَ تَتَعَلَّقُ باِلماَل ِتعَلُّقَ الشَّركَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن تلف قبل التمكن .. فلا) كما لو ملك زادًا وراحلة ولم يتمكن من فعل الحج ثم مات. وقال أحمد: يضمن. قال: (ولو تلف بعضه .. فالأظهر: أنه يغرم قسك ما بقي) فيه مسألتان: إحداهما: إذا كان المال نصايًا بغير زيادة - كخمس من الإبل تلف منها واحد قبل التمكن وبعد الحول - سقط ما يقابل التالف ويغرم الباقي, فيغرم في المثال المذكور أربعة أخماس شاة على قولنا: إن التمكن شرط في الضمان دون الوجوب, وإن قلنا: شرط في الوجوب .. لم يجب شيء كما لو نقص النصاب قبل الحول. الثانية: إذا كان أكثر النصاب كتسع من الإبل, فإن قلنا: الوقص عفو وهو الأظهر .. وجب شاة, وإن علقنا الفرض بالجميع .. فالأصح: تجب خمسة أتساعها. ولو عبر المصنف ب (اللزوم) ونحوه تحاشيًا من لفظ (الغرم) .. كان أحسن. قال: (وإن أتلفه بعد الحول وقبل التمكن .. لم تسقط الزكاة)؛ لأنه معتد. وفي) شرح الجيلي) وجه: أنها تسقط. كل هذا في زكاة المال, ويدل له تقسيمه التلف إلى ما بعد الحول وقبله, أما زكاة الفطر .. فتستقر في الذمة بإتلاف الن=مال قبل التمكن وبعده, وكذا بتلفه بعد التمكن, وفيما قبله وجهان, أصحهما في (شرح المهذب): أنها لا تستقر' وجزم في (الكفاية) بأنها تستقر أيضًا. قال: (وهي تتعلق بالمال تعلق الشركة)؛ لقوله تعالى: {وفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} , ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكر رضي الله عنه المتقدم: (في خمس من الإبل شاة, وفي خمس وعشرين كذا, وفي ست وثلاثين كذا ..) ,

وفِي قَولٍ: تَعَلُّقِ الرَّهنِ, وَفِي قَولٍ: بِالذِّمَّةِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة)؛ لأن ماله استقر بعد الحول على ما عدا الواجب, فلم ينقص ماله بذلك كالمال المشترك إذا أخذ شريكه حصته منه. وإنما جاز الإخراج من غيره؛ لأن الزكاة مبنية على المساهلة فاحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها من الأموال المشتركة. قال: (وفي قول: تعلق الرهن) فيكون الواجب في ذمة المالك والنصاب مرهون به, لكن هل المرهون كله أو قدر الزكاة فقط فيه؟ وجهان: أصحهما: الثاني. قال: (وفي قول: بالذمة) ولا تعلق لها بالعين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (أعلمهم: أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم) وكلمة (على) للإلزام في الذمة, وبالقياس على زكاة الفطر, ولأنها لو وجبت في العين .. لامتنع الإخراج من غيرها بغير رضا من هي له كأحد الشريكين. وهذا أضعف الأقوال. وفي المسألة قول رابع: إنها تتعلق بالمال تعلق أرش الجناية برقبة العبد الجاني؛ لأنها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرش بموت العبد وصححه الغزالي. وخامس: إنه موقوف, فإن أدى من عين المال .. تبينا أن أهل السهمان استحقوا عند الوجوب جزءًا من المال, وإن أدى من غيره .. تبينا أنهم لم يستحقوا من عينه شيئًا. ويتفرع على الخلاف: لو ملك نصابًا فقط ولم يزكه أحوالًا, فعلى قول الذمة .. يزكه لجميعها, وعلى قول الشركة .. للحول الأول فقط؛ لأن الأصناف ملكوا قدر الزكاة فنقص النصاب, وعلى قول الأرش والرهن .. هو كقول الذمة في الأصح, وقيل: كقول الشركة.

فَلَو بَاعَهُ قَبلَ إِخرَاجِهَا .. فَالأظهَرُ: بُطلانُهُ فِي قَدرِهَا وصِحَّتُهُ فِي البَاقِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو باعه) أي: باع جميع النصاب الزكوي بعد وجوب الزكاة و (قبل إخراجها .. فالأظهر: بطلانه في قدرها)؛ لأنه باع ملكه وملك غيره. والثاني: يصح في الجميع بناء على التعلق بالذمة. والثالث: يبطل في الجميع؛ للجمع بين ما يملكه وما لا يملكه فغلب جانب البطلان. قال: (وصحته في الباقي)؛ لأنه ملكه. وهذا هو الخلاف في تفريق الصفقة. فرع: رهن نصاب الزكاة بعد وجوبها جائز على الأصح, وكذا قبل وجوبها, فإذا أخذت الزكاة من المرهون, ثم أيسر الراهن .. فقيل: يؤخذ منه قدرها؛ ليكون رهنًا. والأصح: لا؛ لتعلقها بالمال بغير اختياره. تتمة: جميع ما سبق محله: إذا باع الجميع, وإليه أشار بقوله: (فو باعه). فأما إذا باع البعض, فإن لم يبق قدر الزكاة .. فهو كما لو باع الجميع , وإن أبقى قدرها .. فلأصح: البطلان بناء على الأصح: أنها تعلق شركة. كل هذا في الزكوات العينية, أما زكاة التجارة بعد وجوب زكاتها .. فالبيع فيها جائو على الأصح؛ لأنها متعلقة بالقيمة وهي لا تفوت بالبيع. خاتمة إذا علم المشتري أن الزكاة وجبت على البائع ولم يخرجها .. ثبت له الخيار بسبب أن ملكه في بعض ما اشتراه لم يكمل؛ لأن للساعي انتزاعه من يده بغير اختياره, فلو أدى الزكاة من موضع آخر .. سقط خياره؛ لأن الخلل قد زال.

كتاب الصيام

كتاب الصيام يَجِبُ صَومُ رَمضَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصيام هو في اللغة: الإمساك؛ ومنه: {إنيِّ نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا)} أي: صمتًا وإمساكًا عن الكلام, وتقول العرب في وقت الهاجرة: صام النهار؛ لإمساك الشمس فيه عن السير, وفرس صائم, أي: واقف, قال النابغة الذبياني [من البسيط]: خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما وفي الشرع: إمساك جميع النهار القابل للصوم عن المفطرات الآتية من عاقل مسلم طاهر عن الحيض والنفاس. قال: (يجب صوم رمضان)؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)} أي: فرض, و (الأيام المعدودات): أيام شهر رمضان, وجمعها جمع قلة ليهونها, وقوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}. قيل: ما من أمة إلا وقد فرض عليهم رمضان إلا أنهم ضلوا عنه, أو التشبيه في أصل الصوم دون وقته, وفي (الصحيحين) [خ 8_ م 16]: (بني الإسلام على خمس)

بِإكمَالِ شَعبَانَ ثَلاَثِينَ, أَو رُؤيَةِ الهِلاَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر صوم رمضان, وانعقد الإجماع عليه, وهو معلوم من الدين بالضرورة من جحده .. كفر وقتل بكفره. وكان افتراضه في شعبان في السنة الثانية من الهجرة, واختلفوا: هل كان قبل فرضه صوم واجب فنسخ أو لا؟ والأشبه بمذهب الشافعي: الثاني, وعلى الأول قيل: كان عاشوراء, وقيل: الأيام البيض. وسمي رمضان من الرمض وهو: شدة الحر؛ لأن العرب لما أرادت أن تضع أسماء الشهور .. وافق أن الشهر المذكور كان شديد الحر فسموه بذلك, ككما سمي الربيعان اموافقتهما زمن الربيع. وقيل: لأنه يرمض الذنوب – أي: يحرقها – وهو ضعيف؛ لأن التسمية به ثابتة قبل الشرع. وجمعه: رمضانات وأرمضاء. وذكر الطالقاني في (حظائر القدس) له أربعة وستين اسمًا ذكر الشيخ بعضها. وتعبير المصنف ب (رمضان) يؤخذ منه: أنه لا يكره ذكره بدون الشهر, وهو الأصح في شرحي (المهذب) و (مسلم) وغيرهما. وقال أكثر الأصحاب: يكره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا رمضان؛ فإن رمضان من أسماء الله تعالى, ولكن قولوا: شهر رمضان) لكنه ضعيف كما قاله البيهقي [4/ 201] وغيره. وقيل: إن كانت معه قرينة تدل على إرادة الشهر .. لم يكره, وإلا .. كره. واختلف العلماء: هل الصوم أفضل من الصلاة؟ أو هي أفضل منه؟ وهو مذهبنا, أو الصلاة بمكة أفضل منه وهو بالمدينة أفضل منها مراعاة لموضع نزول فرضهما؟ على أقوال. قال: (بإكمال شعبان ثلاثين, أو رؤية الهلال)؛ لقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد ب (الشهود) هنا: العلم؛ إما بالرؤسة أو باستكمال عدد شعبان ثلاثين يومًا, وفي (البخاري) [1909] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته, فإن غم عليكم .. فأكملوا عدة شعبان ثلاثين (, وفيه [1913]: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا محسب, الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بأصابع يده ثلاثًا وعقد الإبهام في الثالثة. وخالف أحمد فأوجب الصيام ليلة الثلاثين إذا حصل الغيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غم عليكم .. فاقدروا له) فإن معناه: ضيقوا له, وقالت عائشة رضي الله عنها: (لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان) , وهو مردود برواية البخاري [1909]: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا). وقال ابن سريج وابن قتيبة: معناه: قدروه بحسب المنازل. ولا عبرة بكبر الهلال في الليلة الثانية؛ ففي الحديث: (من علامات الساعة انتفاخ الأهلة). وإذا عرف المنجم والحاسب ذلك .. فلا خلاف أنه لا يجب عليهما الصوم, وهل يجوز لهما؟ فيه طريقان: أصحهما: أنه يجوز لهما دون غيرهما, ولا يجزئهما عن فرضهما. وقيل: للحاسب دون المنجم. وقيل: لهما ولغيرهما. واستشكل الشيخ تصحيح المصنف الجواز لهما مع عدم الإجزاء, وقال: الصواب: أنه إذا جاز .. أجزأ. وجمع شعبان: شعبانات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: قال شخص: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأخبرني: أن الليلة أول رمضان, لا يصح الصوم بهذا لصاحب المنام ولا لغيره بالاجماع كما قاله القاضي عياض؛ وذلك لاختلال ضبط الرائي لا للشك في لرؤية. قال القرافي: وكذلك لو أخبره بطلاق زوجته التي يعلم أنه لم يطلقها, وأخبره عن حلال أنه حرام, أو بالعكس, أو غير ذلك من الأحكام .. قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما يراه في النوم, كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة صحيحان .. فإنا نقدم الأرجح بالسند أو اللفظ, فقدم خبر اليقظة على المنام. حادثة: شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان فقط, واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته, قال الشيخ: لا تقبل الشهادة به؛ لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية والظن لا يعارض القطع, والبينة شرطها: إمكان ما شهدت به حسًا أو عقلًا أو شرعًا؛ لاستحالة المشهود به, والشرع لم يأت بالمستحيلات, ولم يأت لنا نص من الشرع أن كل شاهدين تقبل شهادتهما. ولأن الشاهد قد يشتبه عليه أو يرى ما يظنه هلالًا وليس بهلال, أو تريه عينه ما لم ير, أو يكون جهله عظيمًا يحمله على أن يعتقد أن في حمله الناس على الصيام أجرًا, أو يكون ممن يقصد إثبات عدالته فيتخذ ذلك وسيلة إلى أن يزكى ويصير مقبولًا عند الحكام. وكل هذه الأنواع قد سنعناها ورأيناها فيجب على الحاكم في مثل ذلك أن لا يقبل هذه الشهادة ولا يحكم بها ويستصحب الأصل في بقاء الشهر؛ فإنه دليل شرعي محقق

وَثُبوتُ رُؤيَتِهِ بِعَدلٍ, وَفِي قَولٍ: عَدلاَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى يتحقق خلافه, ولا يقول: الشرع الغى قول الحساب مطلقًا والفقهاء قالوا: لا يعتمد, فذلك إنما قالوه في عكس هذه الصورة؛ لأن ذلك فيما إذا دل الحسلب على إمكان الرؤية وهذا عكسه. قال: (وثبوت رؤيته بعدل) نص عليه في القديم ومعظم الكتب الجديدة, سواء كانت السماء مصحية أم لا؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما رآه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فصامه وأمر الناس بصيامه, رواه أبو داوود [2335] بإسناد صحيح وصححه ابن حبان [3447] والحاكم [1/ 423] , وروى الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني رأيت هلال رمضان, فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: نعم, قال) (أتشهد أني رسول اللله؟) قال: نعم, قال: (يا بلال أذن في الناس فليصوموا). قال: (وفي قول: عدلان) كسائر الشهادات. وعلى هذا: فلا بد من: الذكورة, والبلوغ, والحرية, والعدالة الباطنة, ولفظ الشهادة في مجلس القضاء, لكنها شهادة حسبة لا ارتباط لها بالدعاوى. وهذا آخر قولي الشافعي في (الأم) , وفي (المهمات): أنه المعتمد في الفتوى. وأفاد في (الإحياء) في (باب الأخوة): أن (الأم) رواها البويطي عن الشافعي ومات قبل ترتيبها, فربها الربيع واستدرك فيها أشياء. وقيل: إن صح الحديث .. فعدل, وإلا .. فعدلان.

وَشَرطُ الوَاحِدِ: صِفَةُ العُدُولِ فِي الأصَحِّ, لاَ عَبدٍ وَامرَأَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: ثبوته بعدل بالنسبة إلى الصوم العام, فأما غيره من الأحكام .. فلا يثبت به, فلا يقع به الطلاق والعتق المعلقان به, ولا يتم به حول الزكاة والدية والجزية, ولا تنقضي به العدة, ولا يحل الدين المؤجل إلبه إلا على شاهده فإنه يؤاخذ به لاعترافه إذا كانت الشهادة عليه لا له. قال الرافعي: لو قال: (هلا ثبت ذلك ضمنًا كما سبق نظيره) .. لأحوج إلى الفرق. وعنى ب (نظيره) ما سيأتي إذا صمنا بواحد وثلاثين يومًا ولم نر الهلال؛ فإنا نفطر في الأصح. وإذا رئي الهلال بالنهار ,, فهو لليلة المستقبلية سواء رئي قبل الزوال أم بعده. ولو نذر صوم شعبان, فشهد به واحد وقلنا: يقبل في رمضان .. فأصح الوجهين في (البحر): لزومه بذلك. قال: (وشرط الواحد: صفة العدول في الأصح, لا عبد وامرأة) والمراد: أنا إذا قبلنا قول الواحد, فهل هو شهادة أو رواية؟ وجهان: أصحهما: شهادة, فلا يقبل فيه العبد والمرأة. والثاني: أنه رواية, فيقبل فيه العبد والمرأة ولا يشترط لفظ الشهادة ولا العدالة الباطنة على الصحيح. واحتجوا لقبول المستور بقصة الأعرابي وليس بجيد؛ لأن الصحابة كلهم عدول. واعترض على المصنف في قوله: (وشرط الواحد: صفة العدول) بعد قوله: (بعدل)؛ فإن العدل من كانت فيه صفة العدول. وبأن ما زعمه من أن العبد والمرأة ليسا عدلين باطل, إذ العدل من لا يرتكب كبيرة ولا يثر على صغيرة, نعم؛ ليسا من أهل قبول الشهادة فالتبس عليه أحدهما بالآخر وعبارة (المحرر) و) الروضة: وشرط الواحد: صفة الشهود.

وَإذَا صُمنَا بِعَدلٍ وَلَم نَرَ الهِلاَلَ بَعدَ ثَلاَثِينَ .. أَفطَرنَا فِي الأصَحِّ وَإن كَانَتِ السَّمَاءُ مُصحِيَةً ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: الأول: في ثبوت هلال رمضان بالشهادة على الشهادة طريقان: أصحهما: القطع بثبوته كالزكاة, وقيل: لا كالحدود. الثاني: إذا أخبره من يثق به .. قال الإمام وابن الصباغ: يلزمه العمل به إن جعلناه رواية, وإلا .. فلا. وقال جماعة: يجب مطلقًا. الثالث: قال ابن أبي الدم: قول الشاهد: أشهد أني رأيت الهلال غير مقبول؛ لأنها شهادة على فعل نفسه, بل طريقه: أن يشهد بطلوع الهلال أو أن الليلة من رمضان ونحو ذلك, وليس كما قال؛ فقد صرح الرافعي في (صلاة العيدين) بقبول ذلك وسبقه إلى ذلك ابن سراقة وشريح والروياني, والحديث الصحيح شاهد لقبول شهادته. قال: (وإذا صمنا بعدل ولم نر الهلال بعد ثلاثين .. أفطرنا في الأصح وإن كانت السماء مصحية)؛ لقوله تعالى: {ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ} ورمضان قد كملت عدته. والثاني: لا؛ لأن الفطر يؤدي إلى إثبات شوال بقول واحد. والجواب: أن الشيء يجوز أن يثبت ضمنًا بما لا يثبت به أصلًا, كما أن شهادة النساء لا تقبل في النسب استقلالًا, ولو شهد أربع بالولادة .. ثبتت وثبت النسب والميراث تبعًا بلا خلاف. واعترض الإمام بأن النسب لا يثبت بقولهن , لكن إذا ثبتت الولادة ثبت النسب بالفراش وهنا بخلافه. قال الرافعي: وللمحتج أن يقول: لا معنى للثبوت الضمني إلا هذا, وقد سبق عن الرافعي طلب الفرق بين هذا وبين كون الطلاق ونحوه لا يثبت تبعًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفرق ابن الرفعة بأن هذا لاوم للمشهود به؛ والطلاق والعتاق ليسا لازمين لاستهلال الهلال. وقيل: إن كانت السماء مغيمة .. أفطرنا, وإن كانت مصحية .. فلا لقوة الريبة, وإلى هذه الطريقة أشار بقوله: (وإن كانت السماء مصحية) أي: لا فرق بين جيران الوجهين بين الصحو والغيم. واحترز بقوله: (بعدل) عما إذا صمنا بعدلين؛ فإنا نفطر حالة الغيم قطعًا, وكذا حالة الصحو عند الجمهور, وقال ابن سريج: لا نفطر؛ لأن قولهما إنما يفيد الظن, وقد تيقنا خلافه, وبهذا قال ابن حداد أيضًا. وفرع بعضهم على قوله فقال: ولو ثبت هلال شوال بعدلين , فمضت ثلاثون يومًا ولم نر الهلال والسماء مصحية, قضينا يوم الفطر؛ لأنه تبين أنه من رمضان, لكن لا كفارة على من جامع فيه لسقوطها بالشبهة. قال الرافعي: وعلى ظاهر المذهب لا قضاء ولا كفارة. فرع: من رأى هلال رمضان وحده ولم يقبل قوله .. وجب عليه الصوم في حق نفسه, وتجب عليه الكفارة بالجماع فيه كما سيأتي في آخر الباب في قول المصنف: (وتلتزم من انفرد برؤية الهلال وجامع في يومه) , فإن رأى هلال شوال وحده .. قال مالك وأحمد والليث: لا بجوز له الإفطار. وقال الشافعي رضي الله عنه وأكثر العلماء: يفطر سرًا؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤسته: , فإن اطلع الإمام عليه .. عزره. فإن شهد بعد الأكل .. لم نقبل شهادته للتهمة, وإن شهد قبل الأكل فردت شهادته ثم أكل .. لم يعزر لعدم التهمة حال الشهادة.

وَإذَا رُئَيَ بِبَلدٍ .. لَزِمَ حُكمُهُ البَلَدَ القَرِيبَ دُونَ البَعِيدِ فِي الأصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: (الصحيحين) [خ 1912_ م 1089]: شهر عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة (, ولا خلاف أنه لو شهد عدلان ليلة الثلاثين من رمضان برؤية الهلال قبل .. فالجواب: أنه ليس المراد أنه لا يتصور نقصهما مشاهدة؛ فقد قال ابن مسعود رضي الله عنهم/ (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر ما صمنا معه ثلاثين) رواه أبو داوود [2316] والترمذي [689] , وقال بعض الحفاظ: (أن النبي صلى الله عليه ويلم صام تسعة رمضانات, منها رمضانان ثلاثون ثلاثون, وسبعة تسع وعشرون تسع وعشرون). ثم قيل: إن المراد: لا ينقصان من سنة, بل إن نقص أحدهما تم الآخر وفيل: أشار بذلك إلى سنة معينة, وقبل: أراد أن العمل في عشر ذي الحجة لا ينقص في الثواب عن رمضان , وقيل: هما وإن نقص عددها فثوابها كامل, قال في شرح مسلم: يجوز أن تتوالى أربعة أشهر نواقص لا خمسة. قال: (وإذا رئي ببلد .. لزم حكمه البلد القريب) بالإجماع. قال: (دون العبد في الأصح)؛ لما روى مسلم [1087] عن كريب أنه قال: (قدمت الشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة, ثم قدمت المدينة فقال عبد الله بن العباس رضي الله عنهما: متى رأيتم الهلال؟ قلت: ليلة الجمعة قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معوية رضي الله عنه, فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة أو نراه, فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية رضي الله عنه وصيامه! قال: لا؛ هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عبيه وسلم) قال الترمذي [693]: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم.

وَالْبَعِيدُ: مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَقِيلَ: بِاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالقياس على أوقات الصلوات؛ فإن لكل بلد حكمها في طلوع الشمس وغروبها. والثاني: يلزم البعيد أيضًا؛ لأن الهلال واحد والخطاب شامل، واحتج له القاضي أبو الطيب بأن الأرض مسطحة، فإذا رئي الهلال ببلد .. رئي في غيره، وأهل الهيئة مُطْبِقُونَ على خلاف ذلك. قال: (والبعيد: مسافة القصر)؛ لأن الشارع علق بها كثيرًا من الأحكام. قال: (وقيل: باختلاف المطالع. قلت: هذا أصح والله أعلم)؛ لأن أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، ولأن الجميع اتفقوا في الصلاة على أن الاعتبار باختلاف المطالع، وذلك دليل على ترجيحه في الصوم. وقد حررها الشيخ تاج الدين التبريزي فقال: رؤية الهلال في بلد توجب ثبوت حكمها إلى أربعة وعشرين فرسخًا؛ لأنها في أقل من ذلك لا تختلف، وأما مسافة القصر .. فهي سنة عشر فرسخًا منها، فاختلاف المطالع قدر مسافة القصر ونصفها. ووقع في (الفتاوى): أخوان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ماتا في يوم واحد وقت الزوال، أيهما يرث الآخر أجاب الجميع فيها بأن المغربي يرث المشرقي بناء على اختلاف المطالع. وفي وجه ثالث: أن الاعتبار باختلاف الإقليم واتحاده فإن اتحد فمتقاربان، وإلا .. فمتباعدان، وهو بعيد. وفي وجه رابع: يلزم أهل الأرض برؤية موضع فيها. وخامس: يختص ببلد الرؤية فقط. وسادس: يلزم أهل كل بلد لا يُتَصَوَرُ خفاؤُه عليهم. قال الشيخ: قد تختلف المطالع وتكون الرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر من غير عكس؛ لأن الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في البلاد الغربية، فمتى اتحد المطلع .. لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، ومتى اختلف .. لزم

وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَى اٌلْبَلَدِ اٌلآخَرِ، فَسَارَ إِلَيْهِ مِنْ بَلَدِ اٌلرُّؤيَةِ .. فَاٌلآصَحُّ: أَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ فِي اٌلصَّوْمِ آخِرا. ومَنْ سَافَرَ مِنَ اٌلْبَلَدِ اٌلآخَرِ إِلَى بَلَد اٌلرُّؤْيَةِ .. عَيَّدَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْما. وَمَنْ أَصْبَحَ مُعَيِّدا فَسَارَتْ سَفِينَتُه إِلَى بَلْدَةٍ أَهْلُهَا صِيَامٌ .. فَاٌلأَصَحُّ: أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ اٌلْيَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ من رؤيته فى الشرقي رؤيته في الغربى من غير عكس، وعلى هذا حديث كريب؛ فإن الشام غربية بالنسبة إلى المدينة، فلا يلزم من رؤيته فى الشام رؤيته فى المدينة. قال: (وإذا لم نوجب على البلد الآخر، فسار (1) إليه من بلد الرؤية .. فالأصح: أنه يوافقهم في الصوم آخرا) زإن كان قد أتم العدد ثلاثين؛ لأنه بالانتقال إلى بلدهم صار منهم فلزمه حكمهم. وقد قيل: إن ابن عباس رضي الله عنهما أمر كريبا بموافقة أهل المدينة. والثانى: يفطر؛ لأنه التزم حكم البلد الأول فيستمر عليه، وصححه في (الكافى). والوجهان إذا قلنا: لكل بلد حكمها، أما إذا قلنا: يعم حكم الرؤية كل البلاد .. فعلى أهل البلد الثانى موافقته إن ثبت بقوله أو بقوله غيره، وعليهم قضاء اليوم، فإن لم يثبت عندهم .. لزمه الفطر سرا كما لو رأى هلال شوال وحده. قال: (ومن سافر من البلد الآخر) أى: الذى لم ير فيه (إلى بلد الرؤية .. عبَّد معهم وقضى يوما) سواء صام ثمانية وعشرين فقط بأن كان رمضان أيضا عندهم ناقصا فوقع عيده معهم فى التاسع والعشرين فى صومه، أو صام تسعة وعشرين بأن كان تاما؛ بناء على أن للمنتقِل حكم المنتقَل إليه، ولأن الشهر لا يكون ثمانية وعشرين، بخلاف ما إذا كان تعييده معهم يوم الثلاثين فإنه لا قضاء؛ لأنه يكون تسعة وعشرين. قال: (ومن أصبح معيدا فسارت سفينته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام .. فالأصح: أنه يمسك) معهم (بقية اليوم) وجوبا بناء على أن لكل بلد حكمها، وأن للمنتقِل حكم البلد المنتقَل إليه.

فصل

فَصْلٌ: النِّيةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتستبعده الإمام من حيث إنه لم يرد فيه أثر، وتجزئة إمساك اليوم الواحد وإيجاب بعضه [دون بعض] بعيد، وتابعه الغزالى، وهذا هو المقابل لأصح فى كلام المصنف. ولو أصبح صائما فسارت سفينته إلى قوم معيّديت، فإن عممنا أو قلنا: له حكم الثانى ... أفطر، وإلا .. فلا، وإذا أفطر .. قضى يوما. تتمة: فى (مسند الدرامى ([1729] وصحيح ابن حبان [888]: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول عند رؤية الهلال: (الله أكبر، اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربُّنا وربك الله)، وفى (أبى داود ([5051]: كان يقول الصلاة والسلام: (هلال رشدٍوخيرٍ) مرتين (آمنت بالذى خلقك) ثلاث مرات. ويستحب أن يقرأبعد ذلك (سورة تبارك الملك) لأثرورد فيه، ولأنها المنجية الواقية (1). قال الشيخ: وكأن ذلك؛ لأنها ثلاثون آية بعدد أيام الشهر، ولأن السكينة تنزل عند قراءتها، وقدم فى (صفة الصلاة): (أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها عند النوم) قال: (فصل: النية شرط للصوم)؛ لعموم: (إنما الأعمال بالنيات ((3) وبالقياس على الصلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والزكاة والحج، ولأن الأمساك يقع عادة وعبادة فلا يد من تية تميز بينهما. وقال عطاء ومجاهد وزُفَر: إذا كان الصوم متعينا بأن كان صحيحا مقيما فى شهر رمضان .. لا يفتقر إلى نية؛ لأنه لايقبل غيره. ومراد المصنف بـ (الشرط): مالا بد منه لا الشرط الاصطلاحي. ومحل النية: القلب، وقال في (الروضة (: لا يشترط التلفظ بها بلا خلاف، لكن حكى الروباني عن الزبيري اشتراط التلفظ بها فى كل عبادة. ولو تسحر ليقوى على الصوم .. قال المتولى وصاحب (العدة (: لايصح، وفى (البحر (: لا يصح بلاخلاف. وقال الرافعي: يجزاء إن خطر بباله الصوم بالشروط المعتبرة. ولو قال: أصوم غدا إن شاء الله .. فقيل: لا، والثالث: الأصح: إن قصد التبرك .. صح، أو التعليق والشك .. فلا. ولو قال: إن شاء زيد أو إن نشطت .. لم يصح، أوما بقيت صحيحا مقيما .. أجزأه. ولو نوى وشك: هل كانت نيته قبل الفجر أوبعده؟ لم يصح صومه على الصحيح. ولو شك فى نهار رمضان: هل كانت نيته قبل الفجر أو بعده؟ لم يصح صومه على الصحيح. ولو شك فى نهار رمضان: هل نوى من الليل، ثم تذكر بعد مضى أكثر النهار أنه نوى .. صح صومه بلاخوف، صرح به القاضي حسين في (الفتاوى) والبغوي وآخرون، وقاسه البغوي على مالو شك المصلي في النية ثم تذكرها قبل إحداث ركن. ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـ قال آهل اللغة والأصول: لفظة (إنما) موضوعة للحصر لتثبت المذكور وتنفى ما سواء. قال الخطابي: وأفاد قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن امراء ما نوى) فائدة لم تحصل بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، وهى: أن تعيين العبادة المنوية شرط لصحتها والله أعلم.

وَيُشَتَرَطٌ لِفَرْضِهِ اٌلتَّبْيِيتُ. وَاٌلصَّحِيحُ: أَنَّهُ لاَيُشْتَرَطُ اٌلنِّصْفُ اٌلآخِرُ مِنَ اٌللُيْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط لفرضه التبييت) وبه قال مالك وأحمد، سواء كان رمضان أو غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر .. فلاصيام له، رواء الأربعة، وصححه الدارقطني {2/ 472} والخطٌابى والبيهقي {4/ 20}. والمراد بـ (التبييت): إقاع النية فى ليلة كل يوم. وقال مالك: إذا نوى فى أول الشهر صوم جميعه .. كفاه؛ لأنه عبادة واحدة كركعات الصلاة. واحتج أصحابنا بأن كل يوم عبادة مستقلة لا يرتبط بعضها ببعض، ولا يفد بعضها بفساد بعض، فإذا نوى الشهر كله .. صحت لليوم الأول على الأصح (وقال أبوحنيفة: يصح صوم رمضان والنذر المعين بنية قبل الزوال. وعبارة المصنف تقضي: أنه لا يصبح بنية مقارنة للفجر، وهو الأصح. لكن يرد عليه: صوم الصبي؛ فإن شرطه التبييت وليس بفرض، ولذلك قال الروبانى: ليس لنا صوم نفل يشترط له التبيت سواء. والجواب: أنه يساوي البالغ فيه، ولهذا ينوي الفرضية كالبالغ. ومما يشترط فيه التبييت: النذر على المذهب. قال: (والصحيح: أنه لايشترط النصف الآخر من الليل)؛ لإطلاق مفهوم الحديث المتقدم ولما فيه من المشقة. والثاني: يشترط؛ لقربه من العبادة كما فى أذان الصبح، وغسل العيد، والدفع من مزدلفة، واستدل له القاضي حسين بأن النصف الأول تابع لليوم الأول والنصف الثاني تابع لليوم الثاني تقول العرب: أمسيت في الثاني.

وَأَنَّهُ لاَيَضُرٌ اٌلأَكْلُ وَاٌلْجِمَاعُ بَعْدَهَا، وَأَنٌهٌ لاَ يَجِبُ اٌلتَّجْدِيدُ إذَا نَامَ ثُمَّ تَنَبَّة وَيَصِحُ اٌلنِّفّلُ بِنِيَّةِ قَبْلَ اٌلزَّوَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنه لا يضر الأكل والجماع بعدها)؛ لأن الله تعالى أحل ذلك إلى طلوع الفجر، ولو كان يبطل النية .. لما جاز. وعن أبي إسحاق المروزي أنه قال: تبطل بالأكل والجماع وغيرهما من المنافيات، فإن لم يجددها .. لم يصح صومه. وقال ابن الصباغ وطائفة: إن هذا النقل لم يصح عنه. وقيل: إن أبا إسحاق رجع عنه عام حجّ وأشهد على نفسه. وحكى عن الأصطخري: أنه لما بلغه قول أبي إسحاق .. قال: عذا خرق للإجماع ويستتاب أبو إسحاق منه. ولو عبر المصنف بـ (المنافي) .. لكان أعم. قال: (وأنه يجب تقريبا للنية من العبادة بقدر الواسع، وقوله هنا أضعف مما تقدم. أما إذا استمر النوم الى الفجر .. فإنه يصح صومه قطعا. فرع: من دخل فى صوم ثم نوى الخروج منه .. فالأصح: لا يبطل صومه، ولو نوى الانتقال من صوم إلى صوم .. لم ينتقل إليه قطعا (1). قال: (ويصح النفل بنية قبل الزوال)؛ لما روى الدارقطني {2/ 176} والبيهقي {2/ 203} بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها

وَكَذا بِعَدّهُ في قَوْل، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذات يوم فقال: (هل عندكم شئ؟) قالت: لا، قال: (فإني إذن أصوم)، قالت: ودخل يومًا آخر فقال: (هل عندكم من غذاء؟) قلت: نعم، قال: (إذا أفطر وإن كنت فرضت الصوم). و (الغذاء) بفتح الغين وهو: اسم لما يؤكل قبل الزوال، والذي يؤكل بعده: عشاء. وبمذهبنا قال جماعة من الصحابة، وقال المزني وأبو يحي البلخي: لا يصح كل صوم إلا بنية من الليل؛ لعموم الحديث. قال الإمام: وقولهما القياس، لكن الحديث يرد عليهما. فرع: قال لله علي إتمام كل صوم أدخل فيه، فنوى صوم نقل بعد الفجر .... صح وصار فرضًا بعد الشروع، قاله الروياني. قال: (وكذا بعده في قول) تسوية بين أجزاء النهار كما سوينا في الليل. وروى الشافعي رضي الله عنه (أم 7/ 190) بإسناده عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه عليه الصلاة والسلام بدا له الصوم بعدما زالت الشمس فصام). وشرط هذا القول أن يبقي بعد المية جزء من النهار وإن قل. ثم إذا نوى قبل الزوال أو بعده وصححناه، فهل هو صائم من وقت النيه فقط ولا يحصل له ثواب ما قبله، أو من طلوع الفجر؟ فيه وجهان: أصحهما له ثواب ما قبله، أو من طلوع الفجر؟ فيه وجهان: أصحهما: الثاني، كمن أدرك الإمام راكعًا يثاب على جميع الركعة بإدراك بعضها بالاتفاق.

وَالصَحِيح: اشْتَرَطَ حُصُول شَرْط الصَوْم مَن أَوَّلَ النَهار. وَيَجُب التَعْيِين ِفي الفَرْض، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنه صائم من وقت النية؛ لأن الأعمال بالنيات والنية لا تنعطف على ما مضى. قال: (والصحيح: اشترط حصول شرط الصوم من أول النهار) أى: من ترك أكل وجماع وكفر وحيض وجنون؛ لأن ذلك لو لم يشترط لبطل مقصود الصوم، ويجوز أن يتقدم شرط الشئ عليه كما يشترط تقديم الخطبة على الجمعة. والثاني: لا يشترط ذلك؛ لأن الصوم إذا كان محسوبًا من وقت النية كان بمثابة جزء من الليل. لكن يرد على المصنف المسألة الفسية المهمة التي في (الروضة) و (شرح المهذب) وهي: ما إذا أصبح ولم ينو صومًا، فتمضمض ولم يبالغ فسبق الماء إلى جوفه، ثم نوى صوم تطوع ... صح في الأصج، سواء قلنا: أفطر بذلك أم لا. قال: (ويجب التعيين في الفرض) وهو أن ينوي أنه صائم من رمضان مثلًا أو عن قضاء أو كفارة؛ لأنه قربة مضافة إلى وقتها فوجب التعيين في نيتها كالصلوات الخمس. وقال الحليمي: يصح الصوم بنية مطلقة. وأحترز ب (الفرض) عن النقل؛ فإنه يصح بنية مطلق الصوم، كذا أطلقه الأصحاب. قال في (شرح المهذب): ينبغي أن يشترطالتعيين في الصوم الراتب كعرفة وعاشوراء وأيام البيض ونحوها كما يشترط ذلك في رواتب الصلاة، وكذا ما له سبب مالاستسقاء إذا لم يأمر به الإمام.

وَكَمالهُ ِفي رَمَضان: أَن يَنْوِي صُوَّم غَد عَن أَداء فَرَضّ رَمَضان هاذِهِ السَنَة لِاللّاه تَعالَى. وَفِيَّ الأَداء وَالفَرْضِيَّة وَالإِضافَة إِلَى اللّاه تَعالَى الخِلاف المَذْكُور في الصَلاَة. وَالصَحِيح: أَنَّهُ لا يَشْتَرِط تَعْيِين السَنَة. وَلُو نَوَى لَيْلَة الثَلاثِيْنَ مَن شَعْبان صُوَّم غَد عَن رَمَضان إِن كانَ مِنهُ، فَكّانِ مِنهُ ... لِمَ يُقْع عَنهُ إِلّا إِذا أَعْتَقِد كَوَّنَهُ مِنهُ بُقُول مَن يَثِق بِهِ: مَن عَبَدَ أَو امْرَأَة أَو صَبِيّانِ رُشَداء ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكماله في رمضان) أي: كمال التعيين (أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى) لتتميز عن أضدادها. فاحترز ب (الأداء) عن القضاء وب (الفرض) عن النفل وب (رمضان) عن النذر والكفارة وب (هذة السنة) عن سنة أخري. و (رمضان) المذكور هنا مكسور؛ لأنه مجرور بالإضافة إلى الإشارة بخلاف المذكور قبله. قال: (وفي الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى الخلاف المذكور في الصلاة) فيكون الأصح: اشتراط الفرضية دون الأداء والإضافة، وقد سبق توجيه ذلك. وما ذكره هنا في الفرضية وقع مثله في كتب الرافعي و (الروضة)، وخالف في (شرح المهذب) فقال: الأكثرون على عدم اشتراطها بخلاف الصلاة، والفرق: أن صوم رمضان من البالغ لا يكون إلا فرضًا، وصلاة الظهر منه قد تكون نقلًا في حق من صلاها ثانيًا. قال: (أنه لا يشترط تعيين السنة)؛ لأن التعرض لليوم المعين يغني عنها. والثاني: يشترط ليمتاز ذلك عما يأتي به في سنة أخرى، وأبعد منه وجه حكاه البغوي في اشتراط تعيين الشهر. قال: (ولو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد عن رمضان إن كان منه، فكان منه ... لم يقع عنه إلا إذا اعتقد كونه منه بقول من يتق به: من عبد أو امرأة أو صبيان رشداء)؛ لأنا مكلفون في الفروع بغلبة الظن.

وَلُو نَوَى لَيْلَة الثَلاثِيْنَ مَن رَمَضان صُوَّم غَد إِن كانَ مَن رَمَضان ... أَجْزاهُ إِن كانَ مِنهُ. وَلُو اشْتَبَهَ .... صامَ شَهَرا بِالاجْتِهاد، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (اعتقد) أي: ظن. وقوله: (بقول كذا وكذا) أحترز به عما إذا لم يستند اعتقاده إلى شئ بالكلية، وعما إذا استند إلى الحساب وطلوع النجم ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام مخبرًا بذلك على ما في الثلاث من الخلاف المتقدم. وقوله: (صبيان) فيه إشعار بأن الواحد لا يعتمد، ونقل في (المهمات) التصريح بالأكتفاء به عن خلائق منهم القضاة: ابن كج والبندنتجي والحسين والجرجاني والمحاملي والدرامي والقزويني وغيرهم، وبه صرح في موضعين من (شرح المهذب). وقوله: (رشداء) قيد في الصبيان، ويحتمل أن يكون قيدًا في الجميع. فإن قيل: سيأتي أن من صور يوم الشك الذي يحرم صومه ولا ينعقد: أن يشهد به صبيان أو عبيد أو فسقة، فكيف يجمع بينهما؟. أجاب الشيخ بأنه يمكن الجمع بأن المراد هنا إذا حصل الظن بقولهم بخلافه هناك. قال: (ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان .... أجزاه إن كان منه)؛ لأن الأصل بقاء رمضان فاستصحب كما لو قال: هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيًا إلا فتطوع سالمًا ... فإنه يجزئه. قال: (ولو اشتبه) أي: شهر رمضان على أسير أو محبوس أو نحوهما (..... صام شهرًا بالأجتهاد) كما يجتهد في القبلة وأوقات الصلاة، فلو صام بغير اجتهاد ووافق

فإن وافق ما بعد رمضان .. أجزأه وهو قضاء في الأصح، فلو نقص رمضان وكان تاماً لزمه يوم آخر، ولو غلط بالتقديم وأدرك رمضان لزمه صومه ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ رمضان .... لم يجزه وتازمه الإعاده وكذا في الصلاة. وإن اجتهد وصام واستمر الإشكال ولم يعلم: أصادف رمضان أو لا؟ أجزاهولا إعادة عليه؛ لأن الظاهر من الاجتهاد الإصابة، وبهذا قال جميع العلماء إلا الحسن بن صالح فقال: عليه الإعادة؛ لأنه صام شاكًا، وقوله مردود بإجماع السلف قبله. قال: (فإن وافق ما بعد رمضان ... أجزاه) بالاتفاق كما لو وافقوا العاشر غلطًا؛ إذ غايته أنه أوقع القضاء بينة الأداء، ولا يأتي فيه الخلاف المذكور في الصلاة؛ لأن هذا موضع ضرورة. قال: (وهو قضاء في الأصح) لوقوعه بعد الوقت. والثاني: أداء؛ لأن الهذر قد يجعل غير الوقت وقتًا كما في الجمع بين الصلاتين. قال: (فلو نقص وكان تامًا ... لزمه يوم آخر)؛ لأنه ثبت في ذمته كاملًا. وهذا تفريغ على الأصح، وعلى مقابله: لا يلزمه شئ؛ لأنه صام شهرًا كاملًا. فلو انعكس الحال فكلن ما صامه تامًا ورمضان ناقصًا، فإن قلنا: قضاء ..... فله إفطار اليوم الأخير إذا عرف الحال، وإن قلنا: أداء .... فلا. وإن كان الذي صامه ورمضان تامين أو ناقصين ... أجزاه بلا خلاف. وإن وافق صومه شوالًا ... فالصحيح منه تسعة وعشرون إن كان كاملًا، وثمانية وعشرون إن كان ناقصًا. وإن وافق ذا الحجة ... فالصحيح منه ستة وعشرون إن كان كاملًا، وخمس وعشرون إن كان ناقصًا. قال: (ولو غلط بالتقديم وأدرك رمضان) أي: يعد أن تبيم له الحال (.... لزمه صومه)؛ لتمكنه من العبادة في وقتها.

وَإِلّا ... فَالجَدِيد: وُجُوب القَضاء. وَلُو نُوت الحائِض صُوَّم غَد قَبِلَ انْقِطاع دَمَّها، ثُمَّ انْقَطَعَ لَيْلا .. صَحَّ إِن تَمَّ ِفي اللَيْل أَكْثَر الحَيْض، وَكَذا قَدْر العادَة ِفي الأَصَحّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا ... فالجديد: وجوب القضاء) يعني: وإن لم يدرك شيئًا منه، بأن لم يظهر له الحال إلا بعد فوات رمضان بجملته، يجب عليه القضاء؛ لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها فوجب قضاؤها كالصلاة المفعولة قبل الوقت. والقديم: أنه لا يقضي الحجيج إذا أخطؤوا ووقفوا الثامن. ومنهم من قاسه على ما إذا وقفوا في العاشر؛ لأنه فعله في غير وقته. وفي المسألة طريقة قاطعة بوجوب القضاء، والصحيح: طريقة القولين. ولو ظهر له الحال في بعض رمضان ... صام ما أدركه منه بلا خلاف، وأما الباقي ... فالأصح: أنه كما لو بان بعد مضي جمعيه. وبقي من أقسام المسألة: ما إذا وافق صومه رمضان وهو واضح، وإذا ظهر له أنه كان يصوم الليل دون النهار ... فعليه القضاء بالأتفاق؛ لأن الليل ليس محلًا للصوم. وما إذا اجتهد فغلب على ظنه فوات رمضان فصام شهرًا ثم تبين له أنه رمضان .... فالظاهر: الإجزاء كما قاله ابن الرفعة بحثًا، والروياني نقلًا عن والده. وما إذا اجتهد ولم يغلب على ظنه شئ ... فالأصح عند ابن الصباغ والمتولي والروياني: لا يلزمه الصوم كمن شك في دخول الوقت. قال: (ولو نوت الحائض صوم غد قبل انقطاع دمها، ثم انقطع ليلًا ... صح أن تم في الليل أكثر الحيض) بلا خلاف؛ لأنها تعلم النقاء نهارًا. قال: (وكذا قدر العادة في الأصح)؛ لأن نيتها مستندة إلى الظن المستفاد من العادة. والثاني: لا؛ لأن العادة قد تختلف. وفيما سوى الصورتين لا يصح بلا خلاف.

: فصل

: فَصَّلَ شَرْط الصَوْم: الإِمْساك: عَن الجِماع، والاستقاءة، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد: العادة المستقرة دون أكثره، فإن لم يكن لها عادة ولم يتم الأكثر من الليل، أو كانت لها عادات مختلفة لم يصح؛ لأنها لم تجزم ولم تبن على أصل ولا أمارة. والنفساء كالحائض. تتمة: قال المتولي: لو نوي في الليل ثم قطعها قبل الفجر ... سقط حكمها؛ لأن ترك النية ضد للنية، بخلاف ما لو أكل بعد النية؛ لأن الأكل ليس ضدها، وبخلاف ما لو قطعها بعد الفجر؛ لأن أول العبادة اقترن بالنية. ومن علم أن عليه صومًا واجبًا لا يدري: هل هو رمضان أو نذر أو كفارة؟ فنوى صومًا واجبًا ... أجزاه كمن نسى صلاة من خمس ولم يعرف عينها. ولو كان عليه قضاء اليوم الأول من رمضان فصام ونوى قضلء اليوم الثاني: فوجهان: أحداها: يجزئه. والثاني: لا؛ لعدم التعيين. قال: (فصل: شرط الصوم: الإمساك: عن الجماع) أما جماع العامد .. فبالإجماع، وأما الناسي ... فسيأتي حكمه. فإن قيل: قدم المصنف أن النية شرط، وذكر هنا أن الإمساك شرط وحينئذ فلا حقيقة للصوم .. فالجواب: أن المراد بالشرط ما لابد منه؛ فإن الإمساك عن المفطرات أحد ركني الصوم كما تقدم. قال: (والا ستقاءة) فإذا تقيأ عامدًا .... أفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القئ وهو صائم ... فليس عليه قضاء، ومن استقاء .... فليقض) رواه أصحاب

وَالصَحِيح: أَنَّهُ لُو تَيْقِننَ أَنَّهُ لِمَ يُرْجَع شَئْ إِلَى جَوْفهُ ... بَطُلَ. وَلُو غَلَبَهُ القئ .. فَلًّا بَأَسَ، وَكَذا لُو اقْتَلَعَ نُخامَة وَلِفَظّها ِفي الأَصَحّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السنن الأربعة، وصححه الحاكم (1/ 427) وابن حبان (3518)، وقال البخاري: لا أراه محفوظًا، وكذلك قال أحمد. وقال المصنف: إنه حسن ولا يضره أن هشام بن حسان تفرد به؛ فإنه ثقة، وأما حديث: (ثلاث لا تفطر الصائم: القئ والحجامة والاحتلام) ... فلم يصح. والصحيح: أن الأستقاءة مفطرة لعينها كالإنزال. وقيل: لرجوع شئإلى الجوف وإن قل. وينبني عليهما: ما لو احتاط حتى لم يرجع شئ، أو تقيأ وهو منكوس. كل هذا في العالم، فإن جهل أن ذلك مفطر ... قال القاضي حسن: يفطر أيضًا إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة. ومال في (البحر) إلى أنه يعذر مطلقًا، وإطلاق (المهذب) و (التنبيه) يقتضيه، ولم يستدركه المصنف عليه. قال: (والصحيح: أنه لو تيقن أنه لم يرجع شئ إلى جوفه ... بطل) هذا الخلاف تقدم مدركه، وعبر عنه في (الروضة) بالصحيح. قال: (ولو غلبه القئ .... فلا بأس) للحديث، وهو معنى (ذرعه) بالذال المعجمة. قال: (وكذا لو اقتلع نخامة ولفظها في الأصح) أي: اقتلعها من الباطن ولفظها إلى الظاهر؛ لأن الحاجة إلى ذلك تكرر فرخص فيه. والثاني: يفطر كالأستقاءة.

فَلَو نَزِلتَ مَن دِماغهُ وَحَصَلتُ ِفي حَدَّ الظاهِر مَن الفَم ... فَلِيُقْطِعها مَن مَجَرّاها وَلِيَمُجها، فَإِنَّ تَرَّكَها مَعَ القُدْرَة فَوَصَلتَ إِلَى الجُوف ... أَفْطُر ِفي الأَصَحّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل الخلاف: إذا قلنا: الاستقاءة مفطرة، وإلا ... لم يفطر جزمًا. واحترز بقوله: (فلفظها) عما إذا بقيت في محلها وسيأتي حكمه. ولو خرجت بغلبة السعال فلفظها ... فلا بأس عليه، فإن ابتلعها عمدًا ... أفطر جزمًا، وكلام الماوردي يفهم أن فيه خلافًا وهو بعيد. وتعبيره ب (الأصح) صريح في إثبات الخلاف وقوته، وهو مخالف لما في (الروضة) و (شرح المهذب) فإنه صحح فيهما طريقة القطع بأنه لا يضر. و (النخامة) هي: الفضلة الغليظة التي يلفظها الشخص من فيه، ويقال لها أيضًا: النخاعة بالعين. ويقال: لفظت الشئ من فمي ألفظه لفظًا: رميته، ولفظ الكلام وتلفظ به أي: رماه من فيه، ولفظت الأرض الميت: إذا لم تقبله، ولفظ الشئ البحر: إذا رمابه إلى الساحل ... قال: (فلو نزلت من دماغه وحصلت في حد الظاهر من الفم ... فليتقطعها من مجراها) وهو الثقبة النافذة من الدماغ إلى أقصى الفم فوق الحلقوم. (وليمجها) حتى لا تصل إلى الباطن، يقال: مج الرجال الريق والشراب من فيه: إذا رمى به، والمجاج: الذي تمجه من فيك، والعسل: مجاج النحل. قال: (فإن تركها مع القدرة فوصلت إلى الجوف) أى: بنفسها وهو عالم بها (أفطر في الأصح)؛ لتقصيره. والثاني: لا؛ لأنه لم يفعل شيئًا وإنما أمسك عن الفعل. و (الدماغ): حشو الرأس، والجمع: أدمغة ودمغ. تنبيهان: أحدهما: فهم من كلام المصنف: أنها لا تضر إذا لم تحصل في حد الظاهر من الفم، أو حصلت فيه ولم يقدر على مجها.

وَعَن وَصُول العَيْن إِلَى ما يُسَمَّى جَوْفا، وَقَيْل: يَشْتَرِط مَعَ هاذا أَن يُكَوِّن فِيهِ قُوَّة تَحَيُّل الغِذاء أَو الدِواء ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: (الباطن): مخرج الهاء والهمزة، و (الظاهر): مخرج الخاء المعجمة فما بعده إلى صوب الشفتين. وأما مخرج المهملة ... فقال الرافعي تبعًا للغزالي: إنه من الباطن، وقال المصنف: إنه من الظاهر. قال الشيخ: والأقرب: أنها من الباطن كما قاله الرافعي. قال: (وعن وصول العين إلى ما يسمى جوفًا) سواء كانت العين مما يؤكل ويشرب أم لا كتراب وحصاة، يسيرًا كانت أو كثيرًا؛ لأن الصوم هو: الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف. وروى البيهقي (4/ 261) - بإسناد حسن أو صحيح - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل، وإنما الفطر مما دخل وليس مما خرج). وخالف بعض السلف فيما لا يؤكل ويشرب عادة. وروي عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه: (أنه كان يستف البرد ويقول: ليس بطعام ولا شراب)، وإليه ذهب الحسن بن صالح فقال: لا يفطر إلا بطعام أو شراب. وخالف أبو حنيفة في حبة السمسم ونحوها. وإحترز المصنف ب (العين) عن الأثر؛ فلا أثر لوصول الريح بالشم إلى دماغه، ولا لوصول الطعم بالذوق إلى حلقه. وب (الجوف) عما لو طعن فخذه أو ساقه أو داوي جرحه، فدخل ذلك إلي داخل المخ أو اللحم ... فإنه لا يفطر؛ لأنه لا يسمى جوفًا، وكذلك إذا اقتصد ووصل المبضع إلى داخل العرق، فكل ذلك لا خلاف فيه. قال: (وقيل: يشترط مع هذا: أن يكون فيه) أي: في الجوف (قوة تحيل الغذاء أو الدواء)؛ لأن ما تحيله لا تغتذي به النفس ولا ينتفع به البدن، فأشبه الواصل إلى غير الجوف.

فَعَلِيّ الوَجْهَيْنِ: باطِن الدِماغ وَالبَطْن وَالأَمْعاء وَالمَثانَة مفطر بالاستعاط أَو الأَكْل أَو الحُقْنَة / أَو الوُصُول مَن جائفة أَو مأمومة وَنَحُّوهُما ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرد عليه: أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم بالوصول إليه وليس في الحلق قوة الإحالة. و (الدواء) ممدود: واحد الأدوية، و (الدواء) بكسر الدال بغة فيه. و (الغذاء) بكسر الغين وبالذال المعجمة: ما يغتذي به من طعام وشراب، يقال: غذوت الصبي باللبن أي: ربيته به، ولا يقال: غذيته بالياء. و (الغداء) بفتح الغين وبالدال المهملة: خلاف العشاء. قال: (فعلى الوجهين: باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة مفطر بالاستعاط أو الأكل أو الحقنة / أو الوصول من جائفة أو مأمومة ونحوهما)؛ لأنه جوف محيل. واستدلوا على الفطر بالوصول إلي باطن الدماغ بما تقدم في (الوضوء) من قوله صلى الله عليه وسلم (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا). وعلى الفطر بالحقنة بأنها تصل إلى الجوف، فهي أولى من السعوط الواصل إلى الدماغ. وفي الحقنة والمثانة وجه، وفي كلام المصنف لف ونشر؛ فالاستعاط للدماغ، والأكل للبطن، والحقنة للأمعاء والمثانة أيضًا، والوصول من الجائفة والمأمومة يعود للجميع. واعترض على المصنف في تعبيره ب (باطن الدماغ)؛ لأنه لو وضع الدواء على المأمومة فوصل إلى خريطة الدماغ ... أفطر وإن لم يصل إلى باطن الخريطة، فباطن الدماغ ليس بشرط، ولا الدماغ نفسه؛ فإن الدمااغ في باطن الخريطة، وكذلك الأمعاء لا يشترط باطنها.

وَالتَقْطِير ِفي باطِن الأُذُن وَالإِحْلِيل مفطر ِفي الأَصَحّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: (الأمعاء): المصارين، واحدها: معى على وزن رضًا، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معى واحد، والكافرفي سبعة أمعاء)، والرجل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك: ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه عند ابن إسحاق، وعند السهيلي: أو بصرة الغفاري، وفي (مصنف ابن أبي شيبة) (5/ 569): جهجاه الغفاري، وفي (دلائل النبوة) نضلة بالام. وقيل: هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها؛ لأن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال ويتوقي الحرام والشبهة، والكافر لا يبالي ما أكل ومن أين أكل وكيف أكل. وقال الأصمعي: العرب تقول للجائع: صاحت عصافير بطنه، يعنون بالعاصفير: الأمعاء. و (المثانة) بفتح الميم وبالثاء: مجمع البول. و (الحقنة): الأدوية التي يحقن بها المريض، و (الأحتقان): االفعل، ولو عبر به ... كان أولى، والجائفة والمأمومة يأتي بياتهما في (الديات). قال: (والتقطير في باطن الأذن والإحليل مفطر في الأصح) وإن لم يصل إلى الدماغ بل جاوز القحف، وإن لم يصل إلى المثانة ولم يجاوز الحشفة بناء على الوجه الأول - وهو اعتبار كل ما يسمى جوفًا - فيفطر بذلك. والثاني: لا؛ بناء على مقبله إذ ليس فيه قوة الإحالة. وفي الإحليل وجه ثالث: إن جاوز الحشفة ... أفطر، وإلا ... فلا. فعلى الصحيح: لو أدخل في إحليله أو أذنه عودًا أو درودا ً وهو ذاكر للصوم بطل صومه.

وَشَرَّطَ الواصل: كَوَّنَهُ مَن مَنْفِذ مَفْتُوح، فَلًّا يُضَرّ وَصُول أَلْذَهُنَّ بِتَشَرُّب المُسِمّ، وَلا الاكتحال وَإِنَّ وَجَدَ طُعْمهُ بَحْلَقَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي الاحتراز حالة الاستنجاء؛ فإنه لو أدخل طرف إصبعه دبره .... بطل صومه، وكذلك حكم فرج المرأة. و (الإحليل والتحليل): مخرج البول من الإنسان، ومخرج اللبن من الثدي والضرع، ووزنه إفعيل. فرع: ابتلع طرف خيط باليل، وطرفه الآخر خارج، وأصبح كذلك، فإن تركه ... لم تصح صلاته لاتصاله بالنجاسة، وإن نزعه أو ابتلعه .. لم يصح صومه، فالطريق: أن يقلعه شخص مكرهًا أو غافلًا، فإن لم يتفق .. فالأصح: أنه يحافظ على الصلاة وينزعه أو يبلعه ويقضي يومًا. وقيل: يصى على حاله وبعيد. قال: (وشرط الواصل: كونه من منفذ مفتوح، فلا يضر وصول الدهن يتشرب المسام، ولا الاكتحال وإن وجد طعمه بحلقه) كما لا يضر الانغماس في الماء وإن وجد أثره بباطنه. والأصل في ذلك: ما في (الصحيحين) (خ 1930 - م 1109): (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا وهو صائم ثم غتسل)، وفي (الموطأ) (1/ 294) - بإسناد على شرط الصحيح - عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث قال: (حدثني من رأي النبي صلى الله عليه وسلم وجهالة الصحابي لا تقدح؛ لأنهم كلهم عدول. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم رواه البيهقي (4/ 262)،

وَكَوَّنهُ بِقَصْد، فَلَو وَصَّلَ جَوْفهُ ذُباب، أَو بَعُوضَة، أَو غُبار الطَرِيق، وَغَرْبَلَة الدَقِيق ... لِمَ يُفْطَر ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن أبي داوود) (2370) عن أنس رضي الله عنه أنه كان يكتحل وهو صائم. ولا يكره الاكتحال للصائم عندنا وعند أبي حنيفة، وكرهه مالك وأحمد وقالا: إن وصل إلى الحلق أفطر؛ لما روى أبو داوود (2369): أن النبي صلالله عليه وسلم أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: (ليتقه الصائم) ثم قال أبو داوود: قال لي يحيي بن معين: هو حديث منكر. و (المنفذ) ضبطه المصنف بخطه بفتح الفاء كالمدخل والمخرج. و (المسام) بفتح الميم والسين: منافذ البدن وثقبه، وكأن مفرده: سم وهو الثقب، قال تعالى: {يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} وفي سينه ثلاث لغات، وأفصحها الفتح، وكذلك قرأها الجمهور بالفتح، وقرئ شاذا بالضم والكسر. قال: (وكونه بقصد، فلو وصل جوفه ذباب، أو بعوضة، أو غبار الطريق، وغربلة الدقيق .... لم يفطر) وإن أمكنه اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره؛ لما فيه من المشقة الشديدة، بل لو فتح فاه حتى وصل الغبار إلى جوفه ... لم يفطر على الصحيح. قلت: وإنما جمع المصنف الذباب وأفرد البعوض مراعاة للفظ القرآن، قال الله تعاالى: {يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} وقال {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}، و (المحرر) أفردهما ففاته ذلك. فائدة: (الغربلة): إدارة الحب في الغربال لينتفي خبثه وينصع طيبه، قالت العرب: من غربل الناس ... نخلوه، أى: من فتش عن أمورهم وأصولهم ... جعلوه نخالة، وفي

وَلا يُفْطَر بِبَلْع رَيِّقهُ مَن مَعْدِنهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث: (كيف بكم وبزمان تغربل الناس فيه غربلة) أي: يذهب خيارهم ويبقي أرذالهم. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون من الغربلة وهي: القتل، والمغربل: الميت المنتفخ، كما قال الشاعر (من الرجز): أحيا أباه هاشم بن حرمله .... ترى الملوك حوله مغربلة يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب لة وقيل: عنى بالغربلة أنه ينتقي السادة فيقتلهم، فهو على هذا من الأول. قال: (ولا يفطر ببلع ريقه من معدنه) بالإجماع؛ ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه، وبه حياة الإنسان. واحترز ب (ريقه) عما لو مص ريق غيره وبلعه؛ فإنه يفطر باتفاق العلماء، وفي حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسنها) رواه أبو داوود (2378) بإسناد فيه ضعيفان، وإن صح ... فإنه محمول على أنه مصه ولم يبتلعه. و (الريق): الرضاب، و (معدنه): الموضع الذى فيه قراره ومنه ينبع، وهو الحنك الأسفل تحت اللسان، أنبعه الله تعالى لتليين المأكول اليابس وتليين اللسان، وعليه حمل بعض المفسرين قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}. وجمع الريق: أرياق، والريقة أخص منه، قال الشاعر (من الرجز): يا عجبًا لهذه الفليقة .... هل تغلبن القوباء الريقة

فَلَو خَرَّجَ عَن الفَم ثُمَّ رَدَّهُ وَأَبْتَلِعهُ، أَو بَلّ خَيْطًا بِرِيقهُ وَرَدّهُ إِلَى فَمهُ وَعَلِيّهُ رُطُوبَة تَنْفَصِل، أَو أَبْتَلِع رَيِّقهُ مَخْلُوطا بِغَيْرهُ أَو متنجسا ... أَفْطُر ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فلو خرج عن الفم ثم رده وابتلعه، أو بل خيطًا بريقه ورده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل، أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره أو متنجسًا ... أفطر). أما في الأولى .... فلأنه خرج من معدنه فصار كالأعيان المنفصلة، فلو أخرجه على لسانه ثم أخله وابتلعه ... فالأصح: لا يفطر؛ لأنه لم يفصل واللسان كيفما تقلب معدود من باطن الفم، لكن الصحيح في (الشرح الصغير): الفطر به، ويوافقه إطلاق (المحرر). وأما الثانية ... فلأنه لا ضرورة إليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن. وفي (فوائد المهذب) للفارقي: أن الخياط إذا بل الخيط بريقه سواء كان عليه صبغ أم لا، يعفى عنه لمشقة الاحتراز عنه. وأما في الثانية ... فلأنه أجنبي عن الريق، وسواء كان ذلك طاهرًا كصبغ الثوب، أو نجسًا كما إذا دميت لثته، فلو بصق حتى صفا ريقه ولم يبق فيه تغير ... ففي فطره بابتلاعه وجهان، أصحهما عند الأكثرين: تعم؛ لأنه متنجس، ولا يطهر الفم إلا بالغسل بالماء كسائر النجاسات. وعلى هذا: لو أكل في الليل شيئًا نجسًا ولم يغسل فمه وأصبح صائمًا فابتلع ريقه .. أفطر.

وَلُو جَمَّعَ رِيقَة وَأَبْتَلِعهُ ... لِمَ يُفْطَر ِفي الأَصَحّ. وَلُو سَبَق ماء المَضْمَضَة أَو الاسْتِنْشاق إِلَى جَوْفهُ ... فَالمُذَهَّب: أَنَّهُ إِن بالِغ ... أَفْطُر، وَإِلّا ... فَلًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو جمع ريقه وابتلعه .... لم يفطر في الأصح) سواء جمعه بمضغ شئ كالعلك أم لا؛ لأنه لم يخرج من معدنه .. وابتلاعه متفرقًا جائز. والثاني: يفطر؛ لأنه يسهل الاحتراز عنه. ولا خلاف أنه لو اجتمع من غير قصد بالغ ... أفطر، وإلا ... فلا)؛ لأن المبالغه فيهما في الصوم مكروهة، وما تولد من سبب منهي عنه ... كان كمباشرته. وقيل: يبطل مطلقًا، وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني؛ لتشبيه القبلة بالمضمضة. ولو قبل فأنزل ... بطل، وقيل: لا يبطل مطلقًا لعدم اختياره، وبه قال أحمد وأبو ثور. وفي المسألة طرق هذا ملخصها، ولا فرق بين صوم الفرض والنقل. وسبق الماء عند غسل الفم لنجاسة كسبقه في المضمضة. ولو سبق من الغسل تبردًا، أو المضمة في الكرة الرابعة ... ضر؛ لأنها منهي عنها فصارت كالمبالغة، وكذلك الأستنشاق. ومحل ما ذكره المصنف: في الذاكر للصوم، أما الناسي والجاهل ... فلا يفطر بلا خلاف. وإذا كان الماء في فيه أو أنفه فعطس فنزل بذلك إلى جوفه أو دماغه .... لم يفطر. وأتفقوا على أنه لا يلزم الصائم أن ينشف فاه من المضمضة؛ لأنه لا يبقي من ذلك إلا رطوبة لا تنفصل عن المحل.

وَلُو بَقَّيْ طَعام بَيَّننَ أَسْنانهُ فَجَرَى بِهِ رَيِّقهُ ... لِمَ يُفْطَر إِن عَجَّزَ عَن تَمْيِيزهُ وَمَجّهُ، وَلُو أَوْجَزَ مَكْرها ... لِمَ يُفْطَر، فَإِنَّ أَكْرَهَ حَتَّى أُكَلّ ... أَفْطُر ِفي الأَظْهَر. قَلَت: الأَظْهَر: لا يُفْطَر، وَالله أَعْلَمَ. وَلُو كانَ ناسيا ... لِمَ يُفْطَر ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه .. لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه)؛ لأنه معذور فيه غير مقصر، فإن لم يعجز ..... أفطر لتقصيره. واحترز بقوله: (جرى) عما إذا ابتلعه قصدًا؛ فإنه يفطر بلا خلاف. قال: (ولو أوجر مكرهًا .... لم يفطر) لعدم الفعل والقصد منه، وفي وجه غريب: يفطر. قال: (فإن أكره حتى أكل) أو شرب (... أفطر في الأظهر)؛ لأنه حصل بفعله مع علمه بالحال لدفع الضرر عن نفسه، فيبطب كما لو فعله لدفع الجوع والمرض، وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله، وصححه الغزالي في (الوجيز) في النسخ المعتمدة. قال: (قلت: الأظهر: لا يفطر والله أعلم)؛ لأن أكله ليس منهيًا عنه فأشبه الناسي. ويجري القولان فيما لو أكرهت على الوطء، أو أكره الرجل وقلنا: يتصور إكراهه، لكن إذا حكمنا بالفطر ... فلا كفارة للشبهة، وإن قلنا: لا يتصور الإكراه .. أفطر ولزمته الكفارة. وفي كتاب (الكافي) لمحمد بن عبد الصمد المصري: أن من جاءه قطاع الطريق فابتلع الذهب خوفًا عليه منهم، حكمه حكم المكره على فعل نفسه فيأتي فيه ما تقدم. قال: (ولو أكل ناسيًا ... لم يفطر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر في شهر رمضان ناسيً ... فلا قضاء عليه ولا كفارة) صححه الحاكم (1/ 430)، وفي (الصحيحين) (خ 1933 - م 1155): (من نسى وهو صائم فأكل أو شرب ... فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه).

إِلّا أَن يُكْثَر ِفي الأَصَحّ. قَلَت: الأَصَحّ: لا يُفْطَر، وَاللّاه أَعْلَمَ. الجِماع كَالأَكْل عَلِيّ المُذَهَّب. وَعَن الأستمناء ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك وربيعة: عليه القضاء في الأكل ناسيًا قياسًا على تارك النية. والفرق: أن الني مأمور بها، والأكل منهي عنه، فاختلفا كما في الصلاة لو تكلم ناسيًا ... لا تبطل، وإن ترك الركوع ناسيًا ... أبطل. قال: (إلا أن يكثر في الأصح)؛ لأن النسيان يندر في الكثير فيضر، ولهذا تبطل الصلاة بالكلام الكثير ناسيًا. وضابط الأكل الكثير: ثلاث لقم. قال: (قلت: الأصح: لا يفطر والله أعلم)؛ لعموم الأحاديث. والفرق بينه وبين الصلاة: أن المصلي مشتغل بأقوال وأفعال تذكره أنه في الصلاة فيندر وقوع ذلك منه بخلاف الصائم. ولم يتعرض المصنف للآكل جاهلًا، والذي في (الروضة) و (شرح المهذب): أنه إن كان قريب عهد بالإسلام بأن من جهل كون الأكل مفطرًا .... جهل حقيقة الصوم فلا تصح نيته. وأجاب الشيخ بفرض ذلك في مفطر خاص من الأشياء النادرة كالحصاة ونحوها؛ فإن العامي يعتقد أن الصوم هو الإمساك عن المعتاد. قال: (والجماع كالأكل على المذهب) فلا يؤثر مع النسيان قياسًا على سائر المفطرات، ورواية الحاكم المتقدمة نص في ذلك، وهو مروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة. والطريقة الثانية: أنه على القولين في جماع ناسيًا. والفرق على المذهب: أن للمحرم هيئة يتذكر بها، فهو مقصر بخلاف الصائم. قال: (وعن الاستمناء) فيشترط عنه أيضًا، وهو إخراج المني بغير جماع.

فَيَفْطُر بِهِ، وَكَذا خُرُوج أَلَّمَنِي بِلَمْس وَقِبْلَة وَمُضاجَعَة، لا الفِكْر وَالنَظَر بِشَهْوَة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فيفطر به)؛ لأن الإنزال هو المقصود الأعظم من الجماع، فإذا حرم الجماع من غير إنزال ... كان الإنزال أولى بالتحريم، إلا أنه لا كفارة فيه. ولو حك ذكره لعارض فأنزل ... فالأصح: لا يفطر؛ لأنه تولد من مباشرة مباحة، ولو احتلم ... لم يفطر بلا خلاف. قال: (وكذا خروج المني بلمس وقبلة ومضاجعة) نقل الماوردي الإجماع فيما إذا كان بقلبة مباشرة فيما دون الفرج وغيره مقيس عليه. وحكى الإمامعن والده وجهين فيمن ضم المرأة إلى نفسه وبينهما حائل فأنزل، قال: وهو عندى كسبق الماء من المضمضة، قال: فإن ضاجعها متجردًا .... فهو كالمبالغة فيها. وجزم المتولي بأنه لو قبلها فوق خمار فأنزل ... لا يفطر لعدم المباشرة، قال: ولو لمس شعرها فأنزل ففي بطلان صومه وجهان بناء ععلى انتقاض الوضء بلمسه. ولو قبلها وفارقها ساعة ثم أنزل ... فالأصح: إن كانت الشهوة مستصحبة والذكر قائمًا حتي أنزل ... أفطر، وإلا ... فلا. كل هذا في الواضح، أما الخنثي إذا باشر بشهوة وأمنى بأحد فرجيه، أو رأي الدم يومًا وليلة ... فإنه لا يفطر، وإن إجتمعا .... أفطر. ولو قبل أو لمس فأمذى ... لم يفطر خلافًا لأحمد. لنا: أنه خارج لا يوجب الغسل فكان كالبول. قال: (لا الفكر والنظر بشهوة)؛ لأنه إنزال بغير مباشرة فأشبه الاحتلام. فائدة: (الفكر): إعمال الخاطر في الشئ، والجمع: فكر أفكار، ونقل ابن سيدة عن سيبويه: أن الفكر لا يجمع، وكذلك العلم والنظر، أشار بذلك إلى قوله في (باب جمع الجمع).

وَتُكْرَه القُبْلَة لِمَن حَرَّكتُ شَهْوتهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم أنه ليس كل جمع يجمع، كما أنه ليس كل مصدر يجمع كالأشغال والعقول والحلوم والألباب، ألا ترى أنك لا تجمع الفكر والعلم والنظر؟ كأنهم لا يجمعون كل اسم يقع على الجميع. قال: (وتكره القبلة لمن حركت شهوته) شيخًا كان أو شابًا، رجلًا كان أو امرأة؛ (من حام حول الحمي يوشك أن يقع فيه)، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا: أنه أرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب، وروي البيهقي (4/ 232) - بإسناد صحيح -عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم، ونهى عنها الشاب وقال: (الشيخ يمك إربه، والشارب يفسد صوم)، ففهمنا من التعليل أنه دائر مع تحريك الشهوة. والمراد بتحريك الشهوة: أن يصير بحيث يخاف معها الجماع أو الإنزال. ويرى عن مالك: أنه فصل بين الشيخ والشاب، وروى ابن وهب عنه: أنه أباحها في النفل ومنعها في الفرض. وأباحها أحمد مطلقًا؛ لما روى مسلم (1108) عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سل هذه) لأم سلمة، فأخبرته: أن النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له).

وَالأُولى لَغَيْرهُ تَرَّكَها. قَلَت: هِيَ كَراهَة تَحْرِيم ِفي الأَصَحّ، وَاللّاه أَعْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفاد البيهقي والمصنف في (شرح المهذب) وغيرهما: أن عمر بن أبي سلمة هذا هو الحميري مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وليس باين أم سلمة رضى الله عنها وهو في (الموطأ) (1/ 291) بمعناه. قال: (والأولى لغيره تركها) أي: لمن لم تحرك شهوته حسمًا للباب؛ إذ قد يظنها غير محركة وهى محركة، ولأن الصائم يستحب له ترك الشهوات مطلقًا، ولكنها لا تكره لضعف احتمال أدائها إلى الإنزال، وفي (الصحيحين) (خ1927 - م 1106) عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه) استدل في (المهذب) بأن جابرًا رضي الله عنهما قال: (قبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قبلت وأنا صائم! فقال (أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم؟) هكذا ذكره. والصواب: عن جابر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ لأنه صاحب القصة، هكذا رواه أحمد (1/ 21) وأبو داوود (2377) والحاكم (1/ 431) وقال: على شرط البخاري، ولا عبرة بقول النسائي: إنه منكر. وفي (البيهقي) (4/ 232) و (ابن عدي) (5/ 19) في ترجمة عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظر إلي، فقلت: يا رسول الله؛ ما شأني؟ فالتفت إلي وقال: (ألست المقبل وأنت صائم؟ فوالذي نفسي بيده لا أقبل أمرأة وأنا صائم ما بقيت. قال: (قلت: هى كراهة تحريم في الأصح والله أعلم)؛ لأنه يعرض الصوم

وَلا يُفْطَر بِالفَصْد وَالحِجامَة ـــــــــــــــــــــــــــــ لإفساده، وصحح هذا جماعة منهم: صاحبا (المهذب) و (التهذيب )، وهي من الصغائر لا من الكبائر. والثاني: أنها كراهة تنزيه. ولو قبل ولم ينزل .... لم يبطل صومه قطعًا. قلت: ينبغي اختصاص الحرمة بصوم الفرض، والكراهة بالتطوع؛ لأن الأصح: جواز الخروج من صوم التطوع، وهو لو جامع كان ما ذكرناه، فكيف يكون الجماع مكروهًا والقبلة محرمة؟! وقال الشيخ: والذي أقوله: إن كان الحاصل مجرد تلذذ ... فلا وجه إلا القطع بالإباحة؛ لحديث (مسلم) و (الموطأ)، وإن كان الحاصل غلبة الظن بالإنزال أو الوقاع بذلك .... اتجه التحريم حفظًا من غير دليل .... فالأولى الاقتصار على الكراهة. فائدة: الصوم يمنع الجماع، وفي دواعيه التفصيل السابق، والحج يمنع الجماع ودواعيه، وكذلك العمرة، والحيض يمنعه دون دواعيه، والاعتكاف يمنعه وفي دواعيه قولان. قال: (ولا يفطر بالفصد والحجامة) أنا الفصد .... فبلا خلاف، وأما الحجامة ... فهو قول أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم؛ لما روي البخاري (1938) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أحمد: بالحجامة يفطر الحاجم والمحجوم، وبه قال جماعة من أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث، كأبن المنذر وابن خزيمة وأبي الوليد النيسابوري والحاكم؛ لما روى ابو داوود (2361) وغيره بأسانيد صحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يحجم آخر في رمضان فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم). وفي (الدارقطني) (2/ 182): أن المحجوم: جعفر بن أبي طالب. وأجب الشافعي رضي الله عنه بأنه منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنه صح عنه بالإسناد الصحيح عن شداد بن أوس أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح، فرأى رجلًا يحتجم لثماني عشرة خلت من رمضان، فقال - وهو آخذ بيدي: (افطر الحاجم والمحجوم)، قال الشافعي رضي الله عنه: وابن عباس رضي الله عنهما إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة، وكان الفتح سنة ثمان. والأولى للصائم: ترك الفصد والحجامة؛ لأنهما يضعفانه، وخروجًا من الخلاف، وجزم الجرجاني بعدم كراهتهما. فائدة: روي ابن السني (166و 167) عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ آية الكرسي عند الحجامة ... كانت منفعة حجامته، وإذا طنت أذن أحدكم .... فليذكرني وليصل علي وليقل: ذكر الله بخير من ذكري). وفي الحديث: (الحجامة علي الريق فيها شفاء وبركة، وتزيد في العقل وفي الحفظ، فمن احتجم .... فيوم الخميس أو الأحد كذباك، أو يوم الأثنين أو الثلاثاء؛ فإنه اليوم الذي كشف الله فيه عن أبواب البلاء وأصابة يوم الأربعاء، ولا يبدأ بأحد جام أو برص إلا في يوم الأربعاء) قوله: (كذباك) أي: عليك بهما.

وَالأحتياط أَن لا يَاكُل آخَر إِلّا بِيَقِين، وَيَحْلَ بِالاجْتِهاد ِفي الأَصَحّ، وَيُجَوِّز إِذا ظَنّ بَقاء اللَيْل. قَلَت: وَكَذا لُو شَكَّ، وَاللّاه أَعْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأحتياط أن لا يأكل آخر النهار إلا بيقين)؛ ليأمن الغلط، والأصل بقاء النهار فيستحبه، وفي الحديث الصحيح: (دع ما يريبك إلى ما لا يبريبك)، واليقين أن يرى غروب الشمس. ويجب إمساك جزء من اليل ليتحقق غروب الشمس، فإن حال بينه وبين رؤية الغروب حائل ... فبظهور الليل من المشرق. ولو أخبره بغروبها عدلان .... كان كرؤيته .... ولو أخبره عدل واحد ... قال الروياني: لا يعتمد، بل لابد من عدلين كالشهادة على هلال شوال. قال الشيخ: سيأتى أنه يحل الفطر بالأجتهاد في الأصح، وإخبار العدل أقوى من الاجتهاد، فكان بالاعتبار أولى، كما في القبلة ووقت الصلاة والأوان وغيرها، ويدل له ما روى ابن حبان (3510) والحاكم (1/ 343) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم)، و (كان صلى الله عليه وسلم إذا كان صائمًا .... أمر رجلًا فأوفي على نشز، فإذا قال: قد غابت الشمس .... أفطر). قال: (ويحل بالإجتهاد في الأصح)، كالقراءة والأوراد ونحوها قياسًا على أوقات الصلاة. والثاني - وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والقاضي أبو الطيب -: لا يجوز لقدرته علي اليقين بالصبر. وعبر في (الروضة) بالصحيح، فاقتضي ضعف الخلاف، ويجب أن يكون موضع الوجهين فيمن أمكنه درك اليقين بذلك. قال: (يوجوز إذا ظن بقاء الليل) أى: بالإجتهاد؛ لأن الأصل استمراره. قال: (قلت: وكذا لو شك والله أعلم)؛ لأن الأصل بقاء الليل، وقال الله

وَلُو أُكَلّ بالأجتهاد أَوَّلا أَو آخِرًا وَبانَ الغَلَط .... بَطُلَ صَوْمهُ، أَو بَلًّا ظَنّ وَلَم يُبَن الحال .... صَحَّ إِن وَقَعَ ِفي أُولَه، وَبَطَلَ ِفي آخِرهُ. وَلُو طَلَعَ الفَجْر وَفِيَّ فَمهُ طعا فَلَفْظهُ ... صَحَّ صَوْمهُ، وَكَذا إِن كانَ مجامعا فَنَزْع في الحال، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. قال: (ولو أكل بالاجتهاد أولا أو آخرا وبان الغلط .... بطل صومه)؛ لأنه تبين له خطأ ظنه، ولا عبرة بالظن البين خطؤه، وروى البيهقي (4/ 217): أن الناس أفطروا في زمن عمر رضى الله عنه، ثم انكشف السحاب فظهرت الشمس فقال: (الخطب يسير) وقضى يومًا مكانه وأمر بذلك، وفي (البخاري) (1959) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس) قيل لهشام بن عروة: فأمروا بالقضاء؟ قال: وبد من القضاء. وقال المزني وابن خزيمة: لا يبطل فيهما؛ لأنه معذور. وقيل: لا يبطل في الأولى؛ لأن الأصل بقاء الليل فهو معذور، ويفطر في الثانية؛ لأن قال: (أو بلا ظن ولم يبن الحال .... صح وإن وقع في أوله، وبطل في آخره) عملًا بالأصل في الموضعين، فإن بان الغلط ... بطل صومه فيهما، وإن بان الصواب ... صح فيهما، والفرق بينه وبين القبلة إذا ترك الاجتهاد فأصابها: أن هنا (ك) شك في شرط انعقاد العبادة وهنا شك في فسادها بعد انعقادها. قال: (ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه .... صح صومه)؛ لأ نه لو وضعه في فيه نهارا ولم يصل إلى جوفه .... لم يفطر، فأولي إذا كان الوضع ليلا. واحترز بقوله: (فلفظه) عما إذا ابتلع منه شيئا باختياره فإنه يفطر، فإن سبقه .... فالأصح في زوائد (الروضة): لا فطر به. وعبارة المصنف توهم أن لفظة شرط وليس كذلك؛ فإنه لو أمسكه في فيه ...... صح أيضا، فكان الصواب التعبير ب (لم يبتلعه). قال: (وكذا إن كان مجامعا فنزع في الحال) أي: حال علمه؛ لأن النزع ترك

فَإِنَّ مَكْث بَطُلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماع، فأشبه ما لو حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه فنزعه. وقال ابن سريج: يشترط أن يقصد بالنزع الترك، فإن لم يقصده .... لم يصح. وقال المزني: يبطل صومه بالنزع؛ لأنه يلتذ بالإخراج كما يلتذ بالإيلاج. وجوابه: أن الالتذاذ لا يتعلق الفساد به بل بالوطء، وهذا ليس بوطء. فإن قيل: كيف يعلم الفجر وطلوعه الحقيقي متقدم على علمنا؟ ..... فالجواب: أنا لم نتعبد بما في نفس الأمر، بل بما نطلع عليه، والعارف بالأوقات إذا رصد ..... عرف أول الطلوع الذي يتعلق به التكليف. قال: (فإن مكث ..... بطل) لتحقق الجماع منه قصدًا، وفي هذه الحالة تلزمه الكفارة على المذهب. تتمة: ظاهر كلام المصنف: أن صومه انعقد ثم فسد، وكذا عبارة (المحرر) حيث قال: (فسد)، وإلى هذا ذهب القاضي حسين وشرذمة من الأصحاب، والصحيح عند الجمهور خلافه. قال الشيخ: ويتلخص في مسألة المكث ثلاثة أوجه: أحدهما: أنه لا انعقاد ولا كفارة، وهو قول المزني. والثاني: لا انعقاد ولكن تجب الكفارة، وهو المشهور. والثالث: ينعقد ثم يفسد وتجب الكفارة، وهو المختار. قال الرافعي: والخلاف جار فيما إذا جامع ناسيًا، ثم ذكر الصوم واستدام. ولو مكث بعد طلوع الفجر ظانا أن صومه قد فسد .... وجب القضاء ولا كفارة؛ لأنه غير قاصد لهتك الحرمة، قال الماوري.

فصل: شرط الصوم

فَصَّلَ: شَرْط الصَوْم: الإِسْلام وَالعُقُل وَالنِقاء عَن الحَيْض وَالنِفاس جَمِيع النَهار. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونظير المسألة: ما إذا أحرم بالحج مجامعًا، وفيه ثلاثة أوجه، أصحهما: لا ينعقد صحيحًا ولا فاسدًا كما سيأتي في موضعه. والفرق بينه وبين الصوم: أن الصوم يخرج منه بالإفساد فلا يصح دخوله فيه مع المفسد بخلاف الحج. قال: (فصل: شرط الصوم: الإسلام) المراد: شرط صحته، فلا يصح صوم الكافر بالإجماع سواء كان كافرًا أصليا أم مرتدًا، وعبارة (المحرر): يشترط في الصائم، وهي أحسن. فلو صام الكافر ثم أسلم ..... لم يحكم بصحة صومه الماضي ولا يثاب عليه، بخلاف ما إذا تصدق ثم أسلم؛ فإنه يثاب على الصدقة الماضية على الأصح. قال: (والعقل) مرادهم ب (العقل) هنا: التمييز، فلا يصح صوم غير المميز كالمجنون والسكران والطفل والمغمى عليه دائمًا، ويصح صوم الصبي المميز بالاتفاق. والذي يعرض للعقل أربع مراتب: أعلاها: الجنون يسلب خاصية الإنسان ويكاد يلحقه البهائم، فهذا يبطل إذا استغرق باتفاق الجمهور، وإذا عرض في أثناء النهار علي الصحيح، وأدناها: الغفلة يصح الصوم معها في جميع النهاربالأتفاق، وبين الرتبتين: النوم والإغماء وسيأتي حكمها. قال: (والنقاء عن الحيض والنفاس) بالإجماع، فلو لدت في أثناء النهار ولم تر دمًا، فإن قلنا: لا غسل ... لم يبطل صوما، وإلا ... بطل على الأشهر، ولم يبطل في الآخر، قال: المصنف: وهو الراجح دليلًا. قال: (جميع النهار) هذا قيد في الأربعة، فلو طرأ في أثناء النهار جنون أو حيض أو نفاس ... بطل كما لو جن في خلال صلاته.

وَلا يُضَرّ النَوْم المُسْتَغْرِق عَلَى الصَحِيح. وَالأَظْهُر: أَن الإِغْماء لا يُضَرّ إِذا أَفّاق لَحْظَة مَن نَهارهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا يبطل طران الجنون، بل قال القاضي حسين: لا يضر المستغرق أيضًا. فرع: قال القاضي أبو الطيب: هل يبطل صوم الإنسان بالموت كما تبطل صلاته، أو لا كما لا يبطل حجه بل يبقي حكمه حتى يبعث يوم القيامة ملبيًا؟ فيه وجهان. قال المصنف: أصحهما: أولهما، ووجه المنع بأنه روى الحاكم (3/ 103): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان رضي الله عنه في المنام: (أنت تفطر عندنا الليلة) وسيأتي في (باب التفليس) عنه ذكر السراويل. قال: (ولا يضر النوم المستغرق علي الصحيح)؛ لبقاء أهلية الخطاب، فهو أقرب إلى رتبة الغفلة. والثاني: يضر كالإغماء إذا استغرق، وبه قال ابن سريج وأبو الطيب بن سلمة والإصطخري. واحترز ب (المستغرق) عما لو استيقظ في لحظة؛ فإنه يصح بالاتفاق. قال: (والأظهر: أن الإغماء لا يضر إذا أفاق لخظة من نهاره)؛ لأن الإغماء في الاستيلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون، فلو قنا: إن المستغرق منه لا يضر كالنوم ... ألحقنا الأقوى بالأضعف، ولو قلنا: إن اللحظة منه تضر كالجنون ... ألحقنا الأضعف بالأقوى، فتوسطنا وقلنا: إن الإفاقه في لحظة كافية. والثاني: يضر مطلقًا كالجنون. والثالث: لا يضر مطلقا كالنوم. والرابع: لا يضر إذا حصلت الإفاقة في أوله؛ لأنا نغتفر في الدوام ما لا نغتفر في الابتداء. والخامس: لا يضر إذا أفاق في طرفيه؛ لأن الوسط يكون تابعًا فلا يضر.

وَلا يَصِح صُوَّم يَوْم العِيد، وَكَذا التَشْرِيق ِفي الجَدِيد. وَلا يَحْل تُطَوِّع يَوْم الشِكّ بَلًّا سَبَّبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المتولي: سكر بعض النهار كإغماء بعضه، كذا نقله عنه الرافعي وأقره. ويعلم منه: الصحة في الدواء، ويتعين حمله علي المستغرق. قال: (ولا يصح صوم يوم العيد) هذا شرط رابع وهو: الوقت القابل للصوم، فلا يصح صود العيدين بالإجماع، وفي (الصحيحين) (خ 1990 - م 1137) عن جماعة من الصحابة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صومها)، وأجمع العلماء على تحريم صومهما. وعندنا وعند أكثر العلماء: لا يصح ولا ينعقد نذره كأيام الحيض. وقال أو حنيفة: ينعقد نذره ويلزمه صوم غيرهما، فإن صامها ... أجزاه مع التحريم. قال: (وكذا التشريق في الجديد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامها، رواه أبو داوود (2410) بإسناد صحيح، وفي (صحيح مسلم) (1141) عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله تعالي). وفي القديم: يجوز صومها للمتمتع إذا عدم الهدي عن الأيام الثلاثة الواجبة في الحج، واختار المصنف؛ لما روى البخاري (1997 - 1998) عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أنهما قالا: (لم يرخص في أيام التشريق أن يضمن إلا لمن لم يجد الهدي)، وصرح باختياره أيضا البيهقي وابن الصلاح. وأيام التشريق: ثلاثة بعد يوم النحر، سميت بذلك؛ لأن الناس يشرقون فيها لحوم الأضاحى والهدايا، أي: ينشرونها، وهي: الأيام المعدودات التي أمر الله عز وجل فيها بذكره. قال: (ولا يحل تطوع يوم الشك بلا سبب) باتفاق الأصحاب خلافًا لأبي حنيفة ومالك.

فَإِنَّ صامَهُ ... لِمَ يَصِح ِفي الأَصَحّ، وَلِهَ صَوْمهُ عَن القَضاء وَالنُذُر، وَكَذا إِن وَأُفُق عادَةً تُطَوِّعهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا: ما روى ابن حبان (3585) والترمذي (686 مسندا ً، والبخاري تعليقا، عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال: (من صام يوم الشك ..... فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم). قال في (المهمات): والمعروف في صومه الكراهة، فهو المنصوص الذي عليه أكثر الأصحاب، والقاتل بالتحريم هم الأقلون. قال: (فإن صامه ...... لم يصح في الأصح) كيوم العيد. والثاني: يصح؛ لأنه قابل للصوم في الجملة. والوجهان كالوجهين في الصلاة في الأوقات المكروهة. قال: (وله صومه عن القضاء والنذر) أى: مستقر عليه؛ مبادرة إلى براءة الذمة، ولأن له سببًا فجاز كنظيره من الصلوات في الأوقات المكروهة. ولا خاتف أنه لا يجوز صومه احتياطيًا لرمضان. وعبارة المصنف تشمل قضاء الواجب والمستحب، كما قالوه في الأوقات المكروهة أنه يقضي فيها الواجب والمستحب، ومن صوره: أن يشرع في صوم نقل ثم يفسده، فإنه يستحب له قضاؤه. وكلامه يشعر بأمرين: أحدهما: عدم الكراهة، وهو الصحيح على ما يشعر به كلام (الشرحين) و (الروضة) وهو مقتضى كلام الجمهور. والثاني: أن صوم القضاء لا يجب، وهو واضح في قضاء المنذور وقضاء رمضان لمن قام به عذر من مرض أو سفر وأراد أن يصوم مع العذر، فأما من لا عذر له .... فلا يجوز له أن يؤخر القضاء إلى رمضان آخر. قال: (وكذا إن وافق عادة تطوعه)؛ بأن كان يسرد الصوم أو يصوم يوما ويفطر

وَهُوَ: يَوْم الثَلاثِيْنَ مَن شَعْبان إِذا تَحَدَّثَ الناس بِرُؤْيتهُ، أَو شَهِدَ بِها صَبِيّانِ، أَو عَبِيد، أَو فَسَقَة. وَلَيِسَ إِطْباق الغَيْم بِشِكّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يومًا، أو يصوم يومًا معينا كالإثنين والخميس فوافق صومه يوم الشك ... فله صيامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه) رواه الشيخان (خ 1914 - م 1082)، ولا كراهة في ذلك بلا خلاف. وأما القضاء والنذر إذا صامهما فيه ... ففي كراهة ذلك وجهان: الأصح: لا يكره. والثاني: نعم؛ ولا ثواب له. قال: (وهو: يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤيته) أي: ووقع في الألسن أنه رئي ولم يقل عدل: أنا رأيته، أو قاله ولم يقبل الواحد فيه. قال: (أو شهد بها صبيان، أو عبيد، أو فسقة) ولو ظن صدقهم. أما إذا لم يكن شئ من ذلك، أو شهد به عبد واحد أو امرأة أو صبي ... فليس بشك، وقد تقدم ما فيه من الإشكال. قال: (وليس إطباق الغيم بشك)؛ لأنا تعبدنا فيه بإكمال العدد، ولا عبرة بظننا الرؤية لولا الغين. فلو يتحدث برؤيته أحد ... فعن الشيخ أبي محمد هو يوم الشك، والأصح خلافه. تتمة: في الصوم بعد نصف شعبان غير يوم الشك أربعة أوجه: أصحهما: لا يجوز؛ لما روى الأربعة وابن حبان (3589) - بإسناد صحيح - عن

وَيُسِنّ تَعْجِيل الفِطْر عَلِيّ تُمَر، وَإِلّا فَماء، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان ..... فلا تصوموا). والثاني: يجوز ولا يكره، وبه قطع المتولي، وأشار في (التنبيه) إلى اختياره. والثالث: يكره كراهة تنزيه، وهو اختيار الروياني. والوجهان ضعيفان وكل من المتولي والروياني لم يثبن عنده الحديث. والوجه الرابع: لا يتقدم الشهر بصوم يوم ولا يومين ويجوز بأكثر، وهو مقتضى كلام البندنيجي وابن الصباغ لمفهوم: (لا تقدموا رمضان يوم أو يومين). وجوابه: أن منطوق النهي عن الصوم بعد النصف تقدم. قال: ويسن تعجيل الفطر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه (خ 1957 - م 1098) وإنما يسن بعد تحقق الغروب. ويكره تأخير الفطر قصدًا، وأن يتمضمض بماء ويمجه، وأن يشرب ماء ويتقيأه إلا لضرورة؛ لأن ذلك يزيل الخلوف. ومن هذا يؤخذ أن كراهة السواك لا تزول بالغروب ما لم يفطر. قال: (على تمر، وإلا فماء)؛ لقوله صلى الله عليه ةسلم: (إذا كان ~أحدكم صائما ... فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر .... فعلى الماء؛ فإن الماء طهور) رواه الأربعة وابن حبان (3515) والحاكم (1/ 432) عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه، قال مسلم: لم يكن في الصحابة ضبي غيره.

وَتَاخِيرُ السُّحُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الترمذي) (696) عن أنس رضى الله عنه: (أن البي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد .. فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء. وظاهر الحديث: أنه لا بد من ثلاث تمرات، بذلك صرح القاضي أبو الطيب ونقله عن النص. وقال الشيخ محب الين الطبري: القصد أن لا يدخل جوفه شيئا قبله، قال: ومن كان بمكة ..... استحب له الفطر على ماء زمزم لبركته، فإن جمع بينه ووبين التمر .... فحسن. والحكمة في التمر: أن الصوم يفرق البصر والتمر يجمعه، ولهذا قال الرياناي إن لم يجد التمر .... فعلي حلاوة أخري، فإن لم يجد ... فعلى الماء. قال القاضى حسين: والأولى في زماننا: أن يفطر على ماء يأخذه بكفنه من النهر؛ فإن الشبهات قد كثرت فيما في ايدي الناس. قال المصنف: وما قاله القاضي والروياني شاذان، والصواب: التمر ثم الماء كما في الحديث. وقال الحليمي: الأولى: أن لا يفطر على شئ مسته النار، وذكر فيه حديثا. قال: (وتأخير السحور)؛ لأنه أرفق وأقوي عن العبادة، وفي (صحيح ابن حبان) (1770) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه من سنن المرسلين)، وفي (مسند أحمد) (5/ 147) عن أي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور) واستحباب السحور متفق عليه، ويحصل بقليل الأكل وكثيره وبالماء؛ لما روي عن ابن حبان (3476) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا ولو بجرعة ماء).

ما لِمَ يُقْع ِفي شَكَّ، وَلِيَصُن لِسانهُ عَن الكِذْب وَالغَيْبَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (السحور) بفتح السين: اسم للمأكول وقت السحر، وبالضم: اسم (لتناول) المأكول. ووقته: من نصف الليل إلى طلوع الفجر، قاله في (شرح المهذب)، وذكره الرافعي كذلك في (كتاب الإيمان). قال الشيخ: وفي هذا نظر؛ لأن السحر في اللغه قبل الفجر كما قاله الجوهري وابن فارس. والزمخشري وابن الصيف اليمني خصاه بالسدس السادس من الليل. وقال الحليمي: إنما يستحب السحور لغير الشبعان، فإن كان شبعانًا .... فلا؛ لأن الأكل الوائد على الشبع حرام أو مكروه، فكيف يكون سنة؟ قال: (ما لم يقع في شك) أي: في التعجيل والتأخير، فحينذ يكون تركه أولى. وقيل: لا يجوز فعله. قال: وليصن لسنه عن الكذب والغيبة) هذا واجب على كل أحد، ويتأكد للصائم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به ... فليس لله حاجة في آن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري (1903) وفي (المستدرك) (1/ 431): (رب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)، وفي (الصحيحين) (خ 1904 - م 1151): (إذا كان يوم صوم أحدكم ..... فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ... فليقل: (إني صائم). و (الرفث): الفحش في القول. ومعني شاتمه: شتمه متعرضا لشتمه. وقوله: (فليقل: إني صائم) قيل: بلسانه، وقيل: بقلبه فيتذكر أنه لا تليق به المشاتمة، والمعنيان حسنان، ولو جمعهما كان أحسن، واستحين الروياني وجها ثالثا: أنه يقول بلسانه في صوم رمضان، وفي نفسه في صوم التطوع. وأما حديث: (خمس يفطرن الصائم: الغيبة والنميمة والكذب والقبلة واليميمن الفاجرة) فرواه الأزدي في (الضعفاء) عن جابان عن أنس رضي الله عنه مرفوعا، ووقع في (الإحياء) عن جابر رضي الله عنه وهو تصحيف، وإن صح ... قال الماوردي: فالمراد: بطلان الثواب لا الصوم. وقال سفيان الثوري ومجاهد والأوزاعي: يبطل الصوم بالغيبة والكذب ويجب قضاؤه.

وَنَفْسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الإحياء) و (الأذكار): أن الغيبة قد تكون بالقلب. وتعبير المصنف ب (اللسان) يخرج ذلك على أن الغيبة قد تجوز لحاجة التظلم ونجوه، وكذلك الغيبة كا لإخبار عن مساوئ الخاطب وعيوب المبيع، لكن المصنف جرى على الغالب، وما أحسن قول المتولي: يجب على الصائم أن يصوم بعينه فلا ينظر إلى ما لا يحل، وبسمعه فلا يسمع ما لا يحل، وبلسانه فلا ينطق بفحش ولا شتم ولا كذب ولا غيبة. وهذة الأشياء وإن حرمت مطلقًا فهى في رمضان أشد تحريما. فائدة: قال المصنف في (الأذكار): بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من عيب؟ فقال: هى أكثر من أن تحصى، والذى أحصيته منها ثمانية آلاف عيب، ووجدت خلصة إذا استعملها ... سترت العيوب كلها، قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان. نقل فيه عن النحاس عن بعض السلف: أنه كره أن يقول الصائم: وحق الخاتم الذي على فمى، واحتج له بأنه يختم على أفواه الكفار. قال المصنف: وفي الاحتجاج نظر، وإنما حجته: أنه حلف بغير الله تعالى فهو مكروه لذلك لا لما قاله. قال: (ونفسه عن الشهوات) المسموعات والمبصرات والمشمومات ولو كانت مباحة؛ لأن ذلك سر الصوم والمقصود الأعظم منه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (الصوم جنة) أي: بقي موارد الهوى والهلكات، ومن هنا تؤخذ كراهة شم الريحان والطيب للصائم، وبه صرح المتولى. وقال: المحاملي والجرجاني: يكره للصائم دخول الحمام، يعني: من غير حاجة، وكأنه لإضعافه عن العبادة

وَيَسْتَحِبُّ: أَن يَغْتَسِل مَنَ الْجَنابَة قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَنْ يَحْتَرِز عَن الحِجامَة ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الدقائق): (ونفسه عن الشهوات) مستحب، ولا يمنع هذا العطف؛ لأن النوعين اشتركا في الأمر بهما، لكن الأول إيجاب والثاني أمر ندب، عكس: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ}. قال: (ويستحب: أن يغتسل من الجنابة قبل الفجر)، وكذلك من الحيض والنفاس؛ ليؤدي العبادة على طهارة. ويجوز تأخيره؛ أما في الاحتلام ... فبالإجماع، وأما عن الجماع ... فلما في (الصحيحين) (خ 1932 - م 1109) عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا من جما غير احتلام، ثم يغتسل ويصوم)، وبهذ قال جمهور العلماء. وقال سالم بن عبد الله بن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم: (لا يصح صومه)، وقيل إن أبا هريرة رضي الله عنه رجع عنه. وقال النخعي: لا يصح صوم منقطعة الحيض حتي تغتسل. واحتج أبو هريرة رضي الله عنه ومن وافقه بحديث: (من أصبح جنبا ... فلا صوم له)، وهو في (صحيح البخاري). قال ابن المنذر: وأحسن ما سمعت فيه: أنه منسوخ؛ لأن الجماع كان في أول الإسلام محرما على الصائم بعد النوم كالطعام والشراب، فلما أباح الله تعالى الجماع إلى طلوع الفجر .... جاز للجنب إذا أصبح قبل الاغتسال أن يصوم. قال: (وأن يحترز عن الحجامة) وكذلك الفصد؛ للاختلاف فيهما كما تقدم.

وَالقِبْلَة وَذَوْق الطَعام وَالعِلْك، وَإِن يَقُول عَنِدَ فِطَرهُ: (اللَهْم؛ لَكّ صَمَتتَ، وَعَلَى رِزْقكَ أَفْطَرتِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والقبلة) أي ندبًا لا تحريمًا؛ خشية الإفساد، وهذه مكررة في الكتاب. وحكم النظر بشهوة حكم القبلة، وصرح الروياني في (الحلية) بأنه يأثم به. قال: (وذوق الطعام) خوفًا من وصوله إلى حلقه، ولو قال: (والذوق) كان أعم. ويكره مضغ الخبز وغيره إلا أن يحتاج إلى ذلك لطفل ونحوه. قال: (والعلك)؛ لأنه يجمع الريق، وقد سبق الخلاف في الإفطار به، وهو مضغه، و (العلك)؛ لأنه يجمع الريق، وقد سبق الخلاف في الإفطار به، وهو بفتح العين مصدر معاناه: المضغ، تقول: علك الشئ يعلكه بالضم علكًا: إذا مضغه، و (العلك) بالكسر: الشئ المعلوك، وكذلك ضبطه المصنف بخطه بالوجهين. كل هذا إذا لم يصل من العلك شئ إلى الجوف، فإن كان يتناثر منه شئ .... فلا يجوز علكه. وقال القاضي حسين: إن كان جديدا .... فلا محالة أنه يصل منه شئ إلى جوفه، فلا يجوز له مضغه، قال: واللبان الأبيض ضرب منه، إذا أصابه الماء ... اشتد. قال المصنف: إن وصل شئ منه عمدا ً ..... أفطر، وإن شك ...... فلا، وإن ابتلع ريقه وفيه طعمه أو ريحه ...... لم يفطر خلافا لابن القطان. قال: (وأن يقول عند فطره: (اللهم؛ لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) كذا رواه داوود أبو داوود (2350) عن معاذ بن زهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ومعاذ بن زهرة تابعي، ورواه الدارقطني (2/ 185) من رواية ابن عباس رضي الله عنهما متصلا ً، وزاد في آخره: (فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) لكن في إسناده: عبد الملك بن هارون وهو دجال كذاب.

وَإِنْ يُكْثِر الصَّدَقَة وَتِلاَوَةَ القُرْآنِ ِفي رَمَضانَ، وَأَنْ يَعْتَكِفَ لاَ سِيَّمَا ِفي العُشْر الأَواخِر مِنهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (ابن ماجه) (1753) عن ابن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للصائم عند فطره دعوة مجابة)، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول عند فطره: (اللهم؛ ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، اللهم؛ يا واسع المغفرة اغفر لي)، وفهم من الدعاء المذكور: أنه يقوله بعد فطره وهو واضح. قال: (وأن يكثر الصدقة وتلاوة القرآن في رمضان) أما الصدقة ...... فلقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة صدقة في رمضان) رواه الترمذي (663)، وسيأتي في (صدقة التطوع) بيان ذلك. وأما تلاوة القرآن ... ففي (الصحيحين) (خ 6 - م 2308): (أن جبريل عليه السلام كان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة في رضمان فيعارضه القرآن)، ولأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن إلى السماء الدنيا. قال: (وأن يعتكف)؛ لأنه أقرب إلى صيانة النفس وتمام الصيام. قال: (لا سيما في العشر الأواخر منه، ففي (الصحيحين) (خ2026 - م 1171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، ثم اعتكف أزواجه من بعده)، وفي (البخاري) (2024): (كان إذا دخل العشر .... أحيي الليل كله، وأيقظ أهله، وشد منزره)، وفي مسلم (1175): (كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره). وقوله: (العشر الأواخر) هو الصواب؛ لأن المقصود: التأخير الوجودي، فهو جمع آخرة، وفاعله تجمع على فواعل قياسا. قال الشيخ: وقوله: (لا سيما) كلمة منبهة على ان ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها لا مستشني بها علي الأصح. وقال الجوهري: يستثني بها. وأصلها (سي) ضم إليه (ما)، وهى بمنزلة (مثل) وزنا الجوهري: يستثني بها. وأصلها (سي) ضم إليه (ما)، وهي بمنزلةة (مثل) وزنًا ومعني، والأشهر فيها: تشديد الياء، ويجوز في الاسم الذى بعدها الجر والرفع والنصب، وقد روى بهن قول امرئ القيس (من الطويل): ولا سيما يوم بدارة جلجل والجر أرجحها وهو على الإضافة، و (ما) زائدة، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقول: جاءني القوم لاسيما أخوك، أي: الذي هو أخوك، والنصب على التمييز. تتمة: يستحب أن يفطر الصائم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائما فله مثل أجره) صححه الترمذي (807).

فصل

فَصْلٌ: شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ: الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَإِطَاقَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المتولي: فإن لم يقدر على عَشائه .. فطَّره على تمرة أو شَربة ماء أو مذقة لبن، وذكر فيه حديثًا أنه يعطى ذلك الثواب. ويكره للصائم وغيره صمت يوم إلى الليل من غير حاجة. قال الشيخ: ينبغي أن تكون كراهة تحريم؛ لما روى البخاري [3834]: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على امرأة من أحمس، فرآها لا تتكلم، فقال: (ما لها لا تتكلم؟!) قالوا: حجت مصمتة! فقال لها: (تكلمي؛ فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية!) فتكلمت. ويستحب أن يوسع على عياله في شهر رمضان، ويحسن إلى أرحامه وجيرانه. قال: (فصل: شرط وجوب صوم رمضان: العقل، والبلوغ) فلا يجب على المجنون والمغمى عليه والصبي بلا خلاف وإن ترددنا في وجوب القضاء كما سيأتي، ويجب على السكران ولا يصح منه. قال: (وإطاقته) فالعاجز بكبر أو مرض لا يلزمه الصوم، بمعنى: أنه لا يتحتم على، وأما أنه هل يخاطب به ثم ينتقل إلى الفدية، أو يخاطب بالفدية ابتداء، أو لا يخاطب بشيء منها؟ فيه خلاف سيأتي. والمريض الذي لا يرجى برؤه كالشيخ الكبير في عدم وجوب الصوم. وأما الحائض .. فهي مخاطبة به، والقضاء بأمر جديد على الصحيح فيمكن إخراجها بقيد الإطاقة، فإنها عاجزة عنه شرعًا. والنفساء كالحائض.

وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ لِسَبْعٍ إِذَا أَطَاقَ. وَيُبَاحُ تَرْكُهُ: لِلْمَرِيضِ إِذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر الشيخ الإسلام؛ لأن الكفار مخاطبون بالفروع على الأصح، لكنه قد ذكره في الصلاة وهما سواء. قال: (ويؤمر به الصبي لسبع إذا أطاق)، ويضرب على تركه لعشر، قياسًا على الصلاة، إلا أنه يشترط هنا الإطاقة كما قاله المصنف لما فيه من المشقة بخلاف الصلاة، وهذا الأمر واجب على الولي نص عليه الشافعي رضي الله عنه هنا صريحًا، وفي (الصلاة) ظاهرًا. والصبية في معنى الصبي. وإذا صام الصبي .. كان صومه شرعيًا خلافًا لأبي حنيفة. قال: (ويباح تركه: للمريض) بالإجماع المستند إلى قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} الآية. ولا فرق بين أن يكون قد تعدى بسبب المرض أم لا. قال: (إذا وجد به ضررًا شديدًا)؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. ولا يشترط أن ينتهي الضرر إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم، بل المعتبر أن يشق احتماله على ما فصل في (التيمم). وضبطه الإمام والغزالي بكل مرض يمنع من التصرف مع الصوم وما ذكره المصنف من الإباحة محله: إذا لم يخش الهلاك من الصوم، فإن خشي .. وجب عليه الفطر. وحكم غلبة الجوع والعطش حكم المرض وإن كان صحيحًا مقيمًا. ومن يأتيه المرض في وقت دون وقت، إن كان وقت الشروع فيه .. فله ترك النية، وإلا .. فعليه أن ينوي من الليل، فإن عاد واحتاج إلى الفطر .. أفطر. ومن شرب شيئًا قصدًا منه إلى المرض قبل الفجر فأصبح مريضًا .. قال والد الروياني: عندي يحل له الفطر؛ لأن المرض فعل الله تعالى وإن كان سببه معصية، والصوم لا يسقط بل يتأخر.

وَلِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا. وَلَو أَصْبَحَ صَائِمًا فَمَرَضَ .. أَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وللمسافر سفرًا طويلًا مباحًا) بالإجماع، فلو كان يديم السفر أبدًا .. ففي تجويز ترك الصوم دائمًا له نظر؛ فإنه يزيل حقيقة الوجوب، بخلاف القصر، وإنما يظهر الجواز لمن يرجو إقامة يقضي فيها، قاله الشيخ وغيره. قال: (ولو أصبح صائمًا فمرض .. أفطر)؛ لأن ضرورته قائمة، لكن لا يجوز له الفطر حتى ينوي الخروج من الصوم؛ لأنه عبادة أبيح الخروج منها قبل كمالها، فوجبت نية الخروج كالمحصر يريد التحلل. وفائدة اقتران النية بالفطر: أن يتميز الفطر المباح من غيره، وسيأتي نظير هذا في الجماع. قال: (وإن سافر .. فلا) كالصلاة إذا شرع فيها في الحضر ثم سافر، ولأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلّب جانب الحضر. وفي وجه: يجوز له الفطر، وبه يقال المزني محتجًا بأنه عليه الصلاة والسلام خرج عام الفتح إلى مكة صائمًا في رمضان، فلما بلغ كراع الغميم .. أفطر، رواه مسلم [1114] من حديث جابر رضي الله عنه. ظن المزني أن ذلك في يوم واحد وغلطه الأصحاب فيه؛ فإن بين المدينة وبين كراع الغميم نحو ثمانية أيام. والمراد بالحديث: أنه صام أيامًا في سفره ثم أفطر. وقيل: إن المزني تبين له ذلك فرجع عن هذا الاحتجاج لا عن مذهبه، ووافقه على هذا أحمد وإسحاق، لكن المزني غير منفرد بذلك فقد قال البويطي ذلك أيضًا. وصورة المسألة: أن يفارق العمران بعد الفجر، فإن فارقها قبله .. أفطر بلا خلاف. ولو نوى الصائم بالليل ثم سافر، ولم يعلم: أسافر قبل الفجر أم بعده؟ فليس له أن يفطر؛ لأن الشك لا يبيح الترخص.

وَلَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ صَائِمَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ الْفِطْرَ .. جَازَ، فَلَوْ أَقَامَ وَشُفِيَ .. حَرُمَ الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ .. قَضَيَا، وَكَذَا الْحَائِضُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أصبح المسافر والمريض صائمين ثم أراد الفطر .. جاز). أما المريض .. فبلا خلاف، وأما المسافر .. فهو المنصوص الذي عليه الأكثر؛ لأن المقتضي للترخص قائم. وفيه احتمال حكاه صاحب (المهذب)، وغيره وجهًا، ونص عليه في (البويطي (: أنه لا يجوز كما لو دخل في الصلاة بنية الإتمام ثم أراد القصر. والفرق: أنه بالقصر تارك الإتمام الذي التزمه لا إلى بدل، والصوم له بدل وهو القضاء، فجاز مع دوام العذر، لا جرم كان الصحيح الجواز. وعلى هذا: في كراهته وجهان، أصحهما في (شرح المهذب (: لا، واختار الشيخ أنه لا يكره إذا كان لحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في كراع الغميم قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام! وإنما ينتظرون ما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب، رواه مسلم [1114]، قال: أما إذا كان بغير حاجة .. فينبغي أن يكره؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}. لو أصبح المسافر صائمًا، فنذر الإتمام .. قال صاحب (البحر) عن والده: لا يلزمه الإتمام؛ لأن الإيجاب شرعًا أقوى من الإيجاب نذرًا، وكما لو نذر المسافر أن يقصر الصلاة أو يتمها لا يتغير الحكم بهذا النذر. قال: (فلو أقام وشفي .. حرم الفطر على الصحيح)؛ لزوال علة الإباحة. والثاني: لا يحرم اعتبارًا بأول اليوم. قال: (وإذا أفطر المسافر والمريض .. قضيا)؛ لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} التقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر. قال: (وكذا الحائض)؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم) وهذه تقدمت في بابها.

وَالْمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ، وَتَارِكُ النِّيَّةِ. وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالإِغْمَاءِ وَالرِّدَّةِ دُونَ الْكُفْرِ الأَصْلِيِّ وَالصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمفطر بلا عذر)؛ لأنه أولى بذلك من المعذور. وهذا لا خلاف فيه في الجماع كما سيأتي، ويكفيه في إفطار يوم قضاء يوم. وقال ربيعة: يقضي عن كل يوم ثلاثين يومًا. وقال ابن المسيب: يصوم عن اليوم اثني عشر يومًا. وقال النخعي: ثلاثة أيام. وقال علي وابن مسعود رضي الله عنهما: (لا يقضيه الدهر كله وإن صامه) وسيأتي في (كتاب الشهادات): أن الإفطار في شهر رمضان من غير عذر من الكبائر. قال: (وتارك النية)؛ لأنه لا عمل إلا بها. وسواء في ذلك العامد والناسي، بخلاف الأكل ناسيًا فإنه لا يبطل صومه؛ لأن النية من باب المأمورات، والأكل من باب المنهيات، والنسيان يؤثر في الثاني دون الأول. قال: (ويجب قضاء ما فات بالإغماء)؛ لأنه مرض يغشى العقل بخلاف الجنون، وإنما لم يجب قضاء الصلاة لتكررها، والإغماء قد يمتد فيشق القضاء سواء استغرق الإغماء الشهر أم لا. وعن ابن سريج: إن استغرق الشهر .. لم يقض، وعنه: إذا استغرق يومًا .. لم يقض، وإذا أغمي عليه الليل كله .. دخل في قسم تارك النية. قال: (والردة)؛ لالتزامه بالإسلام. قال: (دون الكفر الأصلي)؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}. قال: (والصبي والمجنون)؛ لارتفاع القلم عنهما.

وَلَوْ بَلَغَ بِالنَّهَارِ صَائِمًا .. وَجَبَ إِتْمَامُهُ بِلَا قَضَاءٍ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ .. فَلَا قَضَاءَ فِي الأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الأَصَحِّ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المجنون قول: إنه إن أفاق في أثناء الشهر .. لزمه قضاء ما مضى منه. وفي ثالث: يلزمه القضاء مطلقًا كالمغمى عليه، وبه قال مالك، سواء استغرق الشهر أم لا. أما إذا ارتد أو سكر ثم جن .. فالأصح في الردة: يجب قضاء الجميع، وفي السكران: أيام السكر فقط. قال: (ولو بلغ بالنهار صائمًا .. وجب إتمامه بلا قضاء)؛ لأنه صار من أهل الوجوب، وعلى هذا: لو جامع بعد البلوغ .. لزمته الكفارة. وقيل: يستحب إتمامه ويجب القضاء؛ لأنه لم ينو الفرض. وفي (البحر) وجه: أنهما مستحبان، وفي (الكفاية) وجه: أنهما واجبان. قال: (ولو بلغ فيه مفطرًا أو أفاق أو أسلم .. فلا قضاء في الأصح)؛ لأن ما بقي من الوقت لا يمكن تكميله؛ لأن الليل لا يقبل الصوم، فصار كمان أدرك من أول وقت الصلاة قدر ركعة ثم طرأ له مانع من حيض أو جنون أو غيرهما. والثاني: يجب؛ لأنهم أدركوا جزءًا من وقت الفرض، ولا يمكن فعله إلا بيومٍ، فكملناه كما يصوم في جزاء الصيد عن بعض كد يومًا. قال: (ولا يلزمهم) أي: الثلاثة المذكورين (إمساك بقية النهار في الأصح) –وهو مذهب مالك- لأنهم أفطروا بعذر فأشبهوا المسافر والمريض. والثاني: يلزمهم –وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد- لأنهم أدركوا وقت الإمساك. والثالث: يلزم الكافر دون الصبي والمجنون؛ لأنهما معذوران. والرابع: يلزم الكافر والصبي؛ لأنه متمكن مأمور به أمر تدريب بخلاف المجنون. قال: (ويلزم) أي: الإمساك (من تعدى بالفطر) بأي شيء كان حتى بنية الخروج إذا جعلناها مبطلة، والردة عقوبة له ومعارضة لقصده.

أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، لَا مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُما بَعْدَ الْفِطْرِ، وَلَوْ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَاكُلَا وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا .. فَكَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو نسي النية) أي: لم يبيتها ليلًا؛ لأن نسيانه يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة. قال: (ولا مسافرًا أو مريضًا زال عذرهما بعد الفطر)؛ لأن زوال العذر بعد الترخص لا يؤثر، كما لو قَصَر المسافر ثم أقام والوقت باق، لكن يستحب لحرمة الوقت وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة وأحمد: يجب. وإذا أكلا .. فليخفياه؛ لئلا يتعرضا للتهمة والتعزير. ولهما في الجماع في هذه الحالة إذا لم تكن المرأة صائمة، بأن كانت صغيرة، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم، أو ذمية، أو قدمت أيضًا من سفر. قال: (ولو زال قبل أن يأكلا ولم ينويا ليلًا .. فكذا على المذهب)؛ لأن تارك النية مفطر حقيقة. والطريق الثاني: فيه وجهان، أصحهما: هذا. والثاني: يلزمهما كما لو لم يُصَلِّ المسافر حتى أقام؛ فإنه لا يجوز له القصر. وإذا طهرت الحائض والنفساء في أثناء النهار .. فالصحيح: أنه لا يلزمها الإمساك، ونقل الإمام الاتفاق عليه. قال: (والأظهر: أنه يلزم من أكل يوم الشك ثم ثبت كونه من رمضان)؛ لأن صومه كان واجبًا عليه إلا أنه جهله. والثاني: لا؛ لأنه أفطر بعذر فكان كالمسافر إذا قدم بعد الإفطار. وأجاب الأول بأن المسافر يباح له الأكل مع العلم بأنه من رمضان، بخلاف يوم الشك؛ فإنه إنما أبيح للجهل بكونه منه وقد بان ذلك فلزمه إمساكه.

فصل

وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ والْقَضَاءِ. فَصْلٌ: مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإمساك بقية اليوم من خواص رمضان، بخلاف النذر والقضاء)؛ لأن وجوب الصوم في رمضان بطريق الأصالة ولهذا لا يقبل غيره، ووجوب غيره بطريق العرض. وأفاد الشيخ: أن البويطي نص على وجوب الإمساك في الجميع. تتمة: حيث أوجبنا الإمساك ففي حقيقته وأثره أربعة أوجه: أصحهما: أنه ليس بصوم شرعي، لكنه إمساك على سبيل التشبيه ويثاب عليه، ولا يقال: إن الممسك في صوم، بخلاف المحرم إذا أفسد إحرامه، وأثر هذا: أن المحرم إذا ارتكب محظورًا .. لزمته الفدية، والممسك إذا ارتكب شيئًا من محظورات الصوم .. لا يترتب عليه غير الإثم، قال المصنف: بلا خلاف. والثاني: أنه كذلك، إلا أنه لا يثاب عليه. والثالث: يثاب، إلا أن يكون متعديًا بفطره. والرابع: أنه يسمى صومًا شرعيًا، وهذا لعله خلاف لفظي. فإن قيل: الصحيح فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا وصلى: أنه في صلاة .. فالجواب: أن التارك للنية، أو المتعدي بالفطر ترك ركنًا من أركان الصوم، بخلاف فاقد الطهورين فإنه تارك لشرط فقط، ولذلك صححوا أنه إذا فقد السترة .. صلى ولا قضاء عليه، وأيضًا تارك النية مقصر، بخلاف فاقد الطهورين. قال: (فصل: من فاته شيء من رمضان، فمات قبل إمكان القضاء) بأن مات في رمضان، أو استمر المرض أو السفر أو الحيض أو النفاس أو الإغماء من أول شوال إلى موته.

فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إِثْمَ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ .. لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الْجَدِيدِ، بَلْ يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ طَعَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (.. فلا تدرك له ولا إثم) أي: لا يجب تداركه لا بالفدية ولا بالقضاء ولا يأثم أيضًا ولو استمر سنين ومضت عليه رمضانات، كما لو تلف المال بعد الحول وقبل التمكن من الأداء .. فإنه لا يضمن ولا يأثم. وقال طاووس: يطعم عنه لكل يوم مسكين. واستدل الأصحاب بأنه فرض لم يتمكن منه فسقط حكمه كالحج، وفيه نظر؛ لأن الحج لم يجب إذا مات قبل الإمكان إلا أن يقال هنا بمثله: أنا بدوام العذر إلى الموت نتبين عدم الوجوب، وهو بعيد لا سيما في السفر الذي هو إلى اختيار المكلف. كل هذا إذا كان الفوات بعذر، فأما من فاته بغير عذر .. فإنه يأثم ويُتدارك عنه بالفدية كما جزم به الرافعي في (باب النذر) وأسقطه من (الروضة (. قال: (وإن مات بعد التمكن .. لم يصم عنه وليه في الجديد)؛ لأن الصوم عبادة بدنية لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك بعد الموت كالصلاة. ولا فرق في هذا القسم بين فواته بعذر أو غيره. قال: (بل يخرَجُ من تركته لكل يوم مد طعام)؛ لما روى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام شهر .. فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينًا) رواه الترمذي [718] وقال: الصحيح وقفه على ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا قال البيهقي [4/ 254] والدارقطني. وإنما رفعه ابن أبي ليلى، وهو لا يحتج به وإن كان إمامًا في الفقة. ووافقنا على أنه لا يصام عنه أبو حنيفة ومالك والثوري مطلقًا، وأحمد في النذر. و (المد): ربع صاع كما تقدم، وهو نصف قدح بالمصري. والقديم: لا يتعين الإطعام، بل يجوز للولي أن يصوم عنه، بل يستحب له ذلك، ففي (الصحيحين) [خ1952 –م 1147] عن عائشة رضي الله عنها: (من مات وعليه صيام .. صام عنه وليه).

وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ –وَالْوَلِيُّ: كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى الْمُخْتَارِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا النذر والكفارة) فيجري فيهما القولان، وكذا جميع أنواع الصوم الواجب؛ لإطلاق الأدلة. وقيد (الحاوي الصغير) الكفارة بكفارة القتل؛ لأنها لا إطعام فيها، فالفائت فيها إنما هو الصوم خاصة، فيخرج على عدد الأيام أمدادًا. وأما غيرها من الكفارات ككفارة الظهار والجماع في رمضان .. فإن صومها يخلفه عند العجز إطعام فبالموت تنتقل إليه. قال: (قلت: القديم هنا أظهر) وقال في (الروضة): إنه الصواب الذي ينبغي الجزم به لصحة الأحاديث فيه، وليس للجديد حجة. وتعبيره بـ (الأظهر) يقتضي: أنه صحيح من حيث المذهب وليس كذلك، بل هو من حيث الدليل، ولذلك عبر في (التصحيح) بالمختار. أما الصحيح في المذهب .. فالجديد؛ لأن الشافعي رضي الله عنه قال فيه: وحديث المرأة لنا عنه جواب، أشار إلى ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ إن أمي ماتت وعليها صوم نذر! أفأصوم عنها؟ قال: (أرأيتِ لو كان على أمكِ دين فقضيتهِ أكان يؤدي ذلك عنها؟ قال: نعم، قال: (فصومي عن أمك) رواه مسلم [1148]. كل هذا فيمن مات مسلمًا، أما من ارتد ومات .. فلا يصام عنه جزمًا. قال: (والولي: كل قريب على المختار)؛ لأنه مشتق من الوَلْي بإسكان اللام، وهو القرب، فيحمل عليه ما لم يدل دليل على خلافه. والمصنف تابع في هذا الاختيار ابن الصلاح وابن الأستاذ، وسبقهما إليه صاحب (الذخائر). والثاني: الوارث، وبه جزم الماوردي في آخر (كتاب الوصايا)، وفي (التهذيب) نحوه. وعلى هذا: لا فرق بين المستغرق وغيره، قال الرافعي: وهذا هو الأشبه، وفي (شرح المهذب): أنه ليس ببعيد.

وَلَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ .. صَحَّ، لَا مُسْتَقِلًا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: العاصب. والرابع: من له ولاية المال. وهذان القولان يردهما قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة: (صومي عن أمك). قال: (ولو صام أجنبي بإذن الولي .. صح) أي: على القول المختار، سواء كان بأجرة أو دونها كالحج، وتكون الأجرة من رأس المال. قال الشيخ: كذا أطلقوه، وهو محمول على ما إذا كانت الأجرة لا تزيد على الفدية، فإن زادت .. لم تجب إلا برضا الورثة؛ لأنها غير متعينة، بل يتخير بينها وبين الفدية، فالزائد لا يُلزم بقية الورثة بإخراجه. قال: (لا مستقلًا في الأصح)؛ لأنه ليس في معنى ما ورد به النص. والثاني: يصح كما يوفى دينه بغير إذنه. فروع: أوصى إلى أجنبي أن يصوم عنه .. كان كالولي، قاله الرافعي في آخر (الوصية). ولو اتفق الورثة على أن يصوم واحد منهم .. جاز، وإن تنازعوا .. ففي (فوائد المهذب) للفارقي: أنه يقسم بينهم على قدر مواريثهم. ولو صام عنه ثلاثون إنسانًا في يوم واحد عن شهر .. ففي (صحيح البخاري) عن الحسن البصري: أنه يجزئ، قال في (شرح المهذب): وهذا هو الظاهر الذي أعتقده، ولكن لم أر لأصحابنا فيه كلامًا. اهـ وقد أشار إليه ابن الأستاذ والقاضي شرف الدين البارزي تفقهًا، ويشهد له نظيره من الحج كما صرحوا به فيما إذا استؤجر عنه بعد موته من يحج عنه فرض الإسلام، وآخر يحج عن قضائه، وآخر عن نذره في سنة واحدة، فإنه يجوز.

وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوِ اعْتِكَافٌ .. لَمْ يُفْعَلْ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الاِعْتِكَافِ قَوْلٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الْمُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف .. لم يفعل عنه ولا فدية)؛ لعدم ورودهما، بل نقل القاضي عياض الإجماع على أنه لا يصلى عنه. وأشار الرافعي في (الوصية) إلى وجه فيه، اختاره ابن أبي عصرون والشيخ؛ لأنه ليس في الحديث ما يدل على أن ثوابها لا يصل إليه، ولا في القياس ما يمنع منه، وقد روى البخاري في (باب من مات وعليه نذر) أن ابن عمر رضي الله عنهما أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها. قال: (وفي الاعتكاف قول والله أعلم)؛ قياسًا على الصوم؛ لأن كلا منهما كف ومنع، ولم يبين المصنف هل القول في فعله، أو في إخراج الفدية عنه، أو فيهما معًا، وحاصل كلام الرافعي: أنه يعود إليهما. ثم منع الاعتكاف عن الميت ليس على إطلاقه؛ فإن لو نذر أن يعتكف يومًا صائمًا .. ففي (التهذيب): إن قلنا: لا يفرد الصوم عن الاعتكاف وهو الصحيح، وقلنا: يصوم الولي .. فهنا يعتكف عنه صائمًا، وإن كانت النيابة لا تجزئ في الاعتكاف .. فهنا تجوز تبعًا كركعتي الطواف في الحج. قال: (والأظهر: وجوب المُدِّ على من أفطر لكبر) المراد: من تلحقه بالصوم مشقة شديدة رجلًا كان أو امرأة، فلا يجب عليه الصوم بالإجماع، وفي الفدية قولان، أظهرهما: تجب لما روى البيهقي [4/ 271] عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (من أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان .. فعليه لكل يوم مد من قمح)، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم، ويدل له أيضًا قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} فإن كلمة (لا) مقدرة، أي: لا يطيقونه. وقيل: لا تقدير في الآية بل كانوا مخيرين في أول الإسلام بين الصوم والفدية فنسخ ذلك. ووافقنا على وجوب الفدية أبو حنيفة وأحمد، إلا أن أبا حنيفة قال: إنها لكل يوم صاع تمر أو نصف صاع حنطة، وأحمد قال: مد حنطة أو مدان من تمر أو شعير.

وَأَمَّا الحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ: فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِيْهِمَا .. وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ والقول الثاني: لا يجب عليه شيء –وبه قال مالك- لأنه سقط عنه فرض الصوم فأشبه الصبي، واختاره أبو ثور وابن المنذر. وحيث أوجبنا الفدية .. لا يجوز تعجيلها قبل رمضان، ويجوز بعد فجر كل يوم. وقطع الدارمي بالجواز قبل الفجر، وقال المصنف: إنه الصواب. وإطلاق المصنف يقتضي: أنه لا فرق بين الفقير والغني، وفائدته: استقرارها في ذمة الفقير، وهو الأصح في (الشرح) و (الروضة). وقال في (شرح المهذب (: ينبغي تصحيح عكسه؛ لأنه عاجز ولم تجب بجناية. وسواء في ذلك ما وجب في رمضان أو نذر أو كفارة أو قضاء. واتفقوا على أنه لو تكلف الصوم وأتى به .. جاز ولا فدية؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}. وإذا أفطر العبد بعذر الكبر ثم مات رقيقًا .. لا شيء عليه، فليقيد إطلاق المصنف بالحر. ولو نذر الحر في حال العجز صومًا .. ففي انعقاد نذره وجهان، أصحهما في زوائد (الروضة): لا ينعقد بناء على أنه مخاطب بالفدية ابتداء على الراجح. ولو قدر الشيخ على الصوم بعد ما أفطر .. فهل يلزمه قضاء الصوم؟ فيه وجهان، الأكثرون على عدم اللزوم؛ لأنه لم يكن مخاطبًا به، بل بالفدية، بخلاف المعضوب إذا حُجَّ عنه ثم استطاع، يلزمه الحج؛ فإنه كان مخاطبًا بالحج أولًا. قال: (وأما الحامل والمرضع: فإن أفطرتا خوفًا على نفسيهما .. وجب القضاء بلا فدية) كالمريض الذي يرجى برؤه. قال الروياني: ويجوز للحامل تقديم فديتها على الفطر، غير أنها لا تقدم إلا فدية يوم واحد. وسواء تضرر الولد معها أم لا، قاله القاضي حسين.

أَوْ عَلَى الْوَلَدِ .. لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ، وَكَذَا الْفِدْيَةُ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو على الولد .. لزمهما القضاء)؛ لأنه إذا وجب لأجل الفطر خوفًا على نفسه، فعلى غيره أولى. قال: (وكذا الفدية في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنها منسوخة إلا في حق الحامل والمرضع، إذا خافتا .. أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينًا) رواه البيهقي [4/ 230]. والثاني: لا تلزمهما كالمسافر والمريض؛ لأن فطرهما لعذر، واختاره ابن المنذر. والثالث: تجب على المرض؛ لأنها آمنة في نفسها دون الحامل؛ لأن الحمل جزء منها فهي كالمريض. فروع: فالأصح في زوائد (الروضة) في (باب الحيض): أنه لا فدية على المتحيرة إذا أفطرت للإرضاع إذا أوجبناه على غيرها؛ لأنا لم نتيقن إيجاب الصوم عليها وإنما أوجبناه احتياطًا. ولا فرق بين أن ترضع ولدها، أو ولد غيرها، حتى لو كانت مستأجرة .. وجب عليها الفطر لإتمام العقد. وفيمن تجب عليه الفدية تردد كالتردد في أن دم التمتع على المستأجر أو على المؤجر، كذا في زوائد (الروضة). وقال في (شرح المهذب): لعل الأصح: أنها على المرضع بخلاف الحج، ولا تتعدد الفدية بتعدد الرضعاء على الأصح. ولو كانت الحامل أو المرضع مسافرة أو مريضة، فأفطرت بنية الترخص بالسفر أو المرض .. فلا فدية عليها، وإن لم تقصد الترخص .. ففي وجوب الفدية وجهان، أصحهما: لا فدية.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ، لَا الْمُتَعَدِّيْ بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إِمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أنه يُلحق بالمرضع) أي: في إيجاب القضاء والفدية (من أفطر لإنقاذ مشرف على هلاك)؛ لأنه فطر واجب بسبب الغير. والثاني: لا يلحق بها حتى لا تجب الفدية جزمًا؛ لأن إيجاب القضاء مع الفدية بعيد عن القياس، وإنما وجب في الحامل والمرضع بالنص. قال الأصحاب: والفطر في هذه الحالة واجب، وقول الغزالي: (له الفطر) تساهل في العبارة. وقيده أبو الفضل المقدسي بما إذا تعين عليه، قال الشيخ: وفيه نظر؛ لأنه يؤدي إلى التواكل. قال: (لا المتعدي بفطر رمضان بغير جماع) فلا يلحق بالحامل والمرض؛ لأنه لم يرد فيه نص والأصل عدمه. والثاني: أنها تجب عليه؛ لأنها إذا وجبت على المعذور .. فعلى غيره أولى. وقربهما الإمام من الوجهين في أن من تعمد ترك الأبعاض .. هل يسجد للسهو؟ لكن التصحيح مختلف فيحتاج إلى الفرق، وهنا وجهان آخران: أحدهما: وجوب كفارة الجماع. والثاني: دونهما وفوق الفدية. ونص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب على أنه يجب عليه التعزير. قال: (ومن أخر قضاء رمضان مع إمكانه حتى دخل رمضان آخر .. لزمه مع القضاء لكل يوم مد)؛ لأن ستة من الصحابة أفتوا بذلك ولا مخالف لهم، وبه قال الإمام الأعظم مالك بن أنس وأحمد، ومع ذلك يأثم أيضًا بخلاف الصلاة. وقال أبو حنيفة والمزني: لا يجب المد؛ لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

وَالأَصَحُّ: تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إِمْكانِهِ فَمَاتَ .. أُخْرِجَ مِنْ تَركَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ: مُدٌّ لِلْفَوَاتِ وَمُدٌّ لِلتَّاخِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب: أن المد ما وجب بالفطر بل بالتأخير. والمراد بـ (الإمكان) هنا: عدم العذر، فإن كان مريضًا أو مسافرًا .. فلا فدية عليه بهذا التأخير؛ لأن تأخير الأداء بهذا العذر جائز، فتأخير القضاء أولى. وهذه الفدية للتأخير، وفدي الشيخ الهرم لأجل الصوم، وفدية الحامل والمرضع لفضيلة الوقت. وفارق قضاء رمضان حيث تأقت إلى رمضان آخر قضاء سائر العبادات حيث لا يتأقت؛ لأن تأخير الصوم إلى رمضان آخر تأخير له إلى زمن لا يقبل صوم القضاء ولا يصح فيه، فهو كتأخيره إلى الموت فلم يجز بخلاف الصلاة؛ لأنها تصح في جميع الأوقات. وقد يقال: من جملة الأوقات يوم الأضحى وأيام التشريق وهي ليست قابلة للصوم، فكان ينبغي وجوب المُدِّ من يوم العيد؛ لأنه دخل عليه وقت لا يقبل الصوم فصار كالميت، وذلك أغلط الأحوال ولم يقولوه. قال: (والأصح: تكرره بتكرر السنين)؛ لأن الحقوق المالية لا تتداخل. والثاني: لا يتكرر كالحدود، وبه قال ابن سريج، وصححه البندنيجي والماوردي والروياني ونقله عن عامة الأصحاب. وموضع الخلاف: إذا لم يكن قد أخرج الفدية، فإن أخرجها ثم لم يقض حتى دخل رمضان آخر .. وجبت ثانيًا بلا خلاف، وهكذا حكم العام الثالث والرابع فصاعدًا؛ لأن الحدود بعد إقامتها تقتضي التكرر عند فعلها ثانيًا بالاتفاق مع أنها أخف من هذا. ولا يخفى أن محل تكرر المُدِّ بالتأخير إذا كان عامدًا عالمًا، فإن كان جاهلًا أو غير متعمد .. فالظاهر: عدم تكرره. قال: (وأنه لو أخر القضاء مع إمكانه فمات .. أُخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات ومد للتأخير)؛ لأن كلًا منهما موجب عند الانفراد فكذلك عند الاجتماع.

وَمَصْرَفُ الْفِدْيَةِ: الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَجِنْسُهَا: جِنْسُ الْفِطْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يكفي مد واحد؛ لأن الصوم قد فات والفوات يقتضي مدًا واحدًا، كالشيخ الهرم إذا لم يخرج بدل الصوم أعوامًا. ومحل وجهي الكتاب: إذا قلنا بالجديد، أما على القديم –وهو صوم الولي- فإذا صام .. حصل تدارك أصل الصوم، وتجب فدية للتأخير. ولو تعدى بفطر يوم وأوجبنا به الفدية وأخر حتى دخل رمضان آخر ومات قبل القضاء .. فعلى الأصح: عليه لكل يوم فديتان؛ واحدة للإفطار وأخرى للتأخير، فتجب ثلاثة أمداد، فإن تكررت السنون .. زادت الأمداد. قال: (ومصرف الفدية: الفقراء والمساكين) فلا تصرف لغيرهما؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، ولأنهما مصرف الزكاة غالبًا. قال: (وله صرف أمداد إلى شخص واحد) كما يأخذ الإنسان من زكوات متعددة؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، فالأمداد بمنزلة الكفارات، بخلاف صرف مد إلى شخصين فإنه لا يجوز. قال: (وجنسها: جنس الفطرة) فيعتبر على الأصح غالب قوت البلد؛ لأنه طعام واجب شرعًا فحمل على الغالب، وكذلك يعتبر في المد الواجب هنا وفي الكفارات: أن يكون فاضلًا عن قوته كما في الفطرة. تتمة: لو أراد أن يجعل فدية التأخير قبل رمضان الثاني ليؤخِّر القضاء مع الإمكان .. ففي جوازه وجهان كالوجهين في تعجيل الكفارة على الحنث المحظور، وإن أراد أن يصوم بدل المد .. ففيه جوابان: أحدهما: نعم، فيقضي لكل يوم يومين؛ يوم قضاء، ويوم بدل عن التأخير.

فصل

فَصْلٌ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأن هذا الإطعام أصل في نفسه، كالإطعام في كفارة اليمين لا يجوز الصوم بدله من غير عجز عنه. فرع: إذا قلنا بالأصح -وهو التكرر- فكان عليه عشرة أيام فمات قبل أن يقضيها ولم يبق من شعبان إلا خمسة أيام .. أخرج من تركته خمسة عشر مدًا؛ عشرة لأصل الصوم، وخمسة للتأخير؛ لأنه لو عاش .. لم يمكنه إلا قضاء خمسة أيام. وإذا لم يبق بينه وبين رمضان الثاني ما يتأتى فيه قضاء جميع الفائت .. فهل تلزمه الفدية في الحال عما لا يسعه الوقت، أو لا تلزمه إلا بعد دخول رمضان؟ فيه وجهان كالوجهين فيمن حلف ليأكلن هذا الرغيف غدًا فتلف قبل الغد .. هل يحنث في الحال أم بعد مجيء الغد؟ قال المتولي: وتظهر فائدتهما فيما لو مات قبل إدراك رمضان الثاني. قال: (فصل: تجب الكفارة بإفساد صوم يوم من رمضان بجماع أثم به بسبب الصوم)؛ لما روى الشيخان [خ 1936 - م 1111] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله! قال: (وما أهلكك؟) قال: وقعت على امرأتي في رمضان! قال: (فهل تجد ما تعتق رقبة؟) قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا، قال: (فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟) قال: لا، ثم جلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر فقال: (تصدق بهذا) قال: أعلى أفقر مني! فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (اذهب فأطعمه أهلك). وأجمع الناس على هذا إلا الشعبي؛ فإنه قال: لا كفارة عليه كم أفسد الصلاة، وزعم: أن الحديث إنما ورد في حق رجل ظاهر من امرأته في رمضان، فوطئها ليلًا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفارة الظهار.

فَلَا كَفَّارَةَ: عَلَى نَاسٍ، وَلَا مُفْسِدِ غَيْرِ رَمَضَانَ، أَوْ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والرجل المذكور: سلمة بن صخر البياضي. وقال ابن بشكوال: هو المظاهر أيضًا، واستبعده الشيخ. وأجاب الأصحاب عن الصلاة بأن المال لا يتعلق بجبرانها، ويتعلق بجبران الصوم في الشيخ الهرم، ومن أخّر قضاء رمضان، والحامل والمرضع. واحترز المصنف بالقيود المذكورة في الضابط عن الناسي، ومفسد غير رمضان أو بغير جماع، أو بجماع لم يأثم به، أو أثم لا بسبب الصوم وسنبين ذلك. وكذلك يخرج عنه من أصبح في رمضان غير ناو وجامع .. فلا كفارة عليه؛ لأنه لم يفسد صومًا. وأهمل المصنف قيد التمام، والغزالي قال: بجماع تام للاحتراز عن المرأة؛ فإن الكفارة لا تجب عليها وإن فسد صومها بالجماع؛ لأن فساده حصل قبل تمامه؛ فإنها أفطرت بإدخال بعض الحشفة، وبهذا علل عدم وجوب الكفارة عليها. ورُدَّ بأن الجماع شرعًا لا يصدق عليه، فلا يحتاج إلى قيد التمام. وكما تجب الكفارة على المجامع يجب عليه التعزير أيضًا كما سيأتي في بابه. قال: (فلا كفارة: على ناسٍ)، وكذا الجاهل بالتحريم إذا عذرناه؛ لأن جماعهما لا يفسد على الصحيح ولا إثم عليه ولا كفارة؛ لأنها تتبع الإثم. أما لو علم التحريم وجهل وجوب الكفارة .. فقال المصنف: تلزمه بلا خلاف، ونازعه الشيخ في ذلك. وأما المكره على الجماع، فإن قلنا: يفطر به .. وجبت عليه الكفارة، ويخالفه الناسي؛ فإنه يُنْسَبُ إلى تقصيرٍ ما، ولا تقصير من جهة المكره. قال: (ولا مفسد غير رمضان) كالتطوع والنذر والقضاء والكفارة؛ لأن النص ورد في رمضان وهو مخصوص بفضائل لا يشارك فيها، وهذا ما احترز عنه بقوله: (من رمضان). قال: (أو بغير الجماع) كالأكل والشرب والاستمناء والإنزال بالمباشرة فيما دون

وَلَا مُسَافِرٍ جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الأَصَحِّ، وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْلَ فَبَانَ نَهَارًا، وَلَا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الأَصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الفرج؛ لأن النص ورد في الجماع وما عداه ليس في معناه في هتك الحرمة، كما أن الحج يفسد بالجماع دون غيره، وهذا الذي احترز عنه بقوله: (بجماع). وعن أبي خلف الطبري تلميذ القفال: أنه اختار وجوب الكفارة بكل ما يأثم بالإفطار به، قال المصنف: وهو غلط. قال: (ولا مسافر جامع بنية الترخص)؛ لأنه أفطر قصدًا بفعل مباح له. وقال أحمد: لا يجوز له الفطر إلا بالأكل والشرب للحاجة إليه. قال: (وكذا بغيرها في الأصح)؛ لأن الإفطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة. والثاني: تلزمه؛ لأن الرخصة لا تحصل بدون قصدها. والمريض الذي يباح له الفطر كالمسافر. قال: (ولا على من ظن الليل فبان نهارًا)؛ لانتفاء الإثم عنه. ولا فرق بين أول النهار وآخره، لكن إذا قلنا: لا يجوز الإفطار بالاجتهاد .. وجبت الكفارة. قال: (ولا من جامع بعد الأكل ناسيًا وظن أنه أفطر به)؛ لأنه يعتقد أنه غير صائم. قال: (وإن كان الأصح بطلان صومه) بهذا الجماع، كما لو جامع على ظن أن الصبح لم يطلع فبان خلافه. والثاني: لا يبطل كما لو سلم من ركعتين من الظهر ناسيًا وتكلم عامدًا .. لا تبطل صلاته. أما إذا علم أنه لا يفطر به ثم جامع في يومه .. فيفطر وتجب الكفارة قطعًا.

وَلَا مَنْ زَنَى نَاسِيًا، وَلَا مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا. وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ، وَفِي قَوْلٍ: عَنْهُ وَعَنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا) على (من زنى ناسيًا) هذا قيد ذكره الغزالي فتبعه (المحرر)، ولا حاجة إليه؛ لأنه دخل في قوله: (فلا كفارة على ناس). قال: (ولا مسافر أفطر بالزنا مترخصًا)؛ لأن الفطر جائز له، وإثمه بسبب الزنا لا بالصوم. واستشكل بأن الإفطار جائز له من حيث الجملة، وأما بهذا .. فممنوع. وأورد على الضابط المذكور: إذا أفطر المسلم غير ناو للترخص؛ فإنه يأثم ولا كفارة عليه كما سبق. وإذا فسد صوم المرأة بالجماع؛ فلا كفارة عليها. وإذا جامعها وبه عذر يبيح الفطر دونها؛ فلا كفارة عليه بإفساد صومها. وإذا جامع شاكًا في غروب الشمس؛ فلا كفارة كما جزم به البغوي. وإذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام. وصوم الصبي يفسد بالجماع، والأصح: أنه لا كفارة عليه؛ لأن حرمة الصوم في حقه ناقصة لعدم تكليفه به، وخرج في وجوبها وجه من قولنا: إن عمده عمد. قال: (والكفارة على الزوج عنه)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم بأمر بها زوجة الأعرابي مع مشاركتها له في السبب، ولو وجبت عليها .. لبينه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بعث ليبين للناس ما نزل إليهم، ولأن صوم المرأة ناقص معرض للبطلان بالحيض، فلم يكن كامل الحرمة فلم تتعلق به كفارة، وأيضًا فقد أفطرت بدخول أول الحشفة إلى باطنها، فلا يتصور فساد صومها بالجماع، كذا علله الروياني، وزيفوه وقالوا: يتصور فطرها بالجماع بأن يولج وهي نائمة أو ناسية أو مكرهة ثم تستيقظ أو تتذكر أو تطاوع بعد الإيلاج وتستديمه. واستدل قوم بأن الكفارة تشتمل على مال فاختص به الزوج كالمهر. قال: (وفي قول: عنه وعنها)؛ لأن المجامع لمّا ذكر القصة ومشاركتها له في

وَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ السبب .. أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، دل على وجوبها بسبب مجموع ما ذكره. وعلى هذا: قيل: يجب على كل منهما النصف، ثم يتحمل ما وجب عليها. وقيل: يجب على كل منهما كفارة تامة، ثم يتحمل عنها، ثم يتداخلان. (وفي قول: عليها كفارة أخرى)؛ قياسًا على الرجل، وبهذا قال القاضي أبو الطيب، وهو مروي عن الأئمة الثلاثة؛ لأنها عقوبة فاشتركا فيها كحد الزنا. فإذا قلنا بهذا فكان الزوج مفطرًا أو ناسيًا وهي ذاكرة .. وجبت عليها. ومحل هذا القول: إذا وطئت في قبلها، فإن وطئت في دبرها .. فلا كفارة عليها كما نقله في (الكفاية). وحكى الماوردي وغيره: أنه تجب على الزوج في ماله كفارتان؛ كفارة عنه وكفارة عنها، وهو مردود بالحديث؛ لأنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة. ومن فوائد الخلاف: ما لو أفطرت بزنا أو وطء شبهة، فإن قلنا: الوجوب لا يلاقيها .. فلا شيء عليها، وإلا .. فعليها الكفارة؛ لأن التحمل بالزوجية. وقيل: تلزمها قطعًا. ولو كان الزوج مجنونًا .. فعلى الأول: لا شيء عليها، وعلى الثاني: تلزمها في الأصح. ومنها: أنا نعتبر على الأول حاله في اليسار والإعسار، وعلى الثاني حالها، وعلى الثالث حالهما. هذا كله إذا مكنت المرأة طائعة صائمة، فإن كانت مفطرة، أو صائمة ولم يبطل صومها لكونها نائمة مثلًا .. فلا كفارة عليها قولًا واحدًا. وتجب الكفارة بالزنا وجماع أمته واللواط وإتيان البهيمة سواء أنزل أم لا، وفي البهيمة والإتيان في الدبر وجه شاذ.

وَتَلْزَمُ مَنِ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ. وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ .. لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ. وَحُدُوثُ السَّفَرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا الْمَرَضُ عَلَى المَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتلزم من انفرد برؤية الهلال وجامع في يومه)؛ لأنه هتك حرمة يوم من رمضان في حقه بإفساد صومه بالجماع فأشبه سائر الأيام. وقال أبو حنيفة: يلزمه الصوم دون الكفارة. وقال أبو ثور: لا يلزمه الصوم. أما من رأى هلال شوال وحد، فعندنا: يلزمه الفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). وقال مالك وأحمد: لا يجوز له الأكل فيه. قال: (ومن جامع في يومين .. لزمه كفارتان) سواء كفَّر عن الأول قبل الجماع الثاني أم لا؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة فلا تتداخل كفارتاهما كحجتين جامع فيهما، بخلاف الحدود المبينة على الإسقاط، وعنه احترز بقوله: (صوم يوم). فلو جامع في جميع أيام رمضان .. لزمه بعددها. فإن جامع في يوم زوجة واحدة مرارًا .. لزمه كفارة واحدة بلا خلاف؛ لأنه خرج بالأول من الصوم، بخلاف تكراره في الحج فإنه يتكرر؛ لأنه لا يخرج منه بالوطء. ولو جامع أربع زوجات وقلنا: الكفارة عليها ويتحملها .. لزمه أربع كفارات. قال: (وحدوث السفر بعد الإجماع لا يسقط الكفارة)؛ لأن السفر الحادث في أثناء النهار لا يبيح الفطر فيه، سواء كان طويلًا أو قصيرًا. وقيل: هو كما لو طرأ المرض. قال: (وكذا المرض على المذهب)؛ لأنه هتك حرمة الصوم.

وَيَجِبُ مَعَهَا قَضَاءُ يَوْمِ الإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ .. فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يسقطهما؛ لأن حدوث المرض يبيح الفطر، فيتبين به أن الصوم لم يقع واجبًا. أما حدوث الردة .. فلا يسقطهما قطعًا. فإن طرأ جنون أو موت أو حيض بعد الجماع .. فالأظهر السقوط. قال: (ويجب معها) أي: مع الكفارة (قضاء يوم الإفساد على الصحيح)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به الأعرابي، كما رواه أبو داوود [2385] والدارقطني [2/ 190]، فقال له: (وصم يومًا) لكن في إسناده رجل ضعيف، إلا أن مسلمًا روى له. ووقع في: الوسيط (: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابي بالقضاء) وهو مُعْتَرَضٌ. والثاني: لا يجب قضاؤه؛ لأن الخلل الحاصل قد انجبر بالكفارة. والثالث: إن كفر بالصوم .. دخل فيه القضاء. وإلا .. فلا؛ لاختلاف الجنس. ولا خلاف أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم تلزمها الكفارة ولا يتحمله الزوج. قال: (وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد .. فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع .. فإطعام ستين مسكينًا)؛ للحديث المتقدم. وهذه الخصال الثلاثة صفتها مذكورة في (كتاب الظهار). وفي (سنن أبي داوود) [2385]: (أتي بعَرَق فيه خمسة عشر صاعًا) قال البيهقي: وهي أصح من رواية من روى عشرون صاعًا. فلو شرع في الصوم ثم وجد الرقبة .. ندب عتقها ولا يجب في الأصح. ولو فقد الرقبة ثم وجدها قبل الشروع في الصوم .. ففيه الخلاف في أن الاعتبار بوقت الوجوب أو الأداء، والأصح: الثاني.

فَلَوْ عَجَزَ عَنِ الْجَمِيعِ .. اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الأَظْهَرِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ .. فَعَلَهَا. والأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ الْعَدُولَ عَنِ الصَّوْمِ إِلَى الإِطْعَامِ؛ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إِلَى عِيَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو شره في الإطعام فقدر على الصوم .. ندب الصوم ولا يجب في الأصح. وقال مالك: يتخير بين الخصال، وأفضلها عند الإطعام، وجوز ابن أبي ليلى تفريق الصوم. وقال أبو حنيفة: لكل مسكين مدان من حنطة أو صاع من سائر الحبوب. قال: (فلو عجز عن الجميع .. استقرت في ذمته في الأظهر، فإذا قدر على خصلة .. فعلها) كجزاء الصيد. ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر المجامع أن يكفر بما دفع إليه مع احتياجه، فدل على ثبوتها في الذمة مع العجز. والثاني: لا، بل تسقط به؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر ذلك للأعرابي مع جهله بالحكم. وأجاب الأول بأن تأخير البيان لوقت الحاجة جائز. قال: (والأصح: أن له العدول عن الصوم إلى الإطعام؛ لشدة الغلمة) وهي الحاجة إلى النكاح؛ لأن حرارة الصوم مع شدة الغلمة قد يفضيان به إلى الوقاع ولو في يوم واحد في الشهرين وذلك حرج. وفي حديث المظاهر: أنه قال: وهل أُتيت إلا من قبل الصوم. والثاني: لا؛ لأنه قادر فلم يجز له العدول عن كصوم رمضان. قال: (وأنه لا يجوز للفقير صرف كفارته إلى عياله) كالزكوات وغير هذه من الكفارات. والثاني: يجوز؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (أطعمه أهلك). وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطوع بالتكفير عنه وسوغ له صرفه إلى أهله. وهذه مسألة مهمة أسقطها من (الروضة) وهي: أنه يجوز للرجل أن يكفر عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الغير، ويجوز للمتطوع صرفها إلى أهل المتطوع عنه، وقد نص على جوازها أبو علي السنجي، ونقلها القاضي حسين عن الأصحاب. وقول المصنف: (وأنه لا يجوز للفقير) احتراز من هذه المسألة، فإن الصارف فيها إنما هو الأجنبي المكفر، والموجود من الفقير إنما هو الإذن في التكفير خاصة. تتمة: من فاته شيء من رمضان .. فالمستحب: أن يقضيه متتابعًا، ويكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بصوم، قاله الجرجاني. ولو نذر صوم شعبان أبدًا وأسر فتحرى وصام رجبًا على أنه شعبان وصام شعبان على أنه مضان ثم تبين .. لزمه قضاء شهرين، أحدهما عن شعبان والآخر عن رمضان ولا إطعام عليه، قال الماوردي. ... خاتمة يكره الوصال، والأصح: أنها كراهة تحريم. وحقيقته: أن يصوم يومين فصاعدًا ولا يتعاطى في الليل مفطرًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل؛ لأنه يُطعَمُ ويُسقي. والمختار في معناه: أنه يعطى قوة من يأكل ويشرب؛ إذا لو وجد ذلك حقيقة .. لما كان مواصلًا. فلو ترك الأكل والشرب ليلًا لا على قصد الوصال .. قال البغوي والروياني: لا يحرم، وقال المصنف: إنه خلاف إطلاق الجمهور.

بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ يُسَنُّ: صَوْمُ الإِثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صوم التطوع (التطوع): التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات، وتعبير المصنف هنا به وفي الصلاة بالنفل موافق لقوله تعالى?: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهِ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}، {وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ}. ولا شك أن الصوم من أعظم القربات؛ ففي (الصحيحين): (من صام يومًا في سبيل الله .. باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا). و (قال الله تعالى: (كل عمل بني آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). واختلفوا في معناه على أقوال، ذكر الطالقاني منها خمسة وخمسين قولاً، قال الشيخ: من أحسنها قول سفيان بن عيينة: إن يوم القيامة يتعلق خصماؤه بجميع أعماله إلا الصوم فلا سبيل لهم عليه؛ لأنه لله. قلت: وهذا مردود بما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟) ثم ذكر: (أنه رجل يأتي يوم القيامة وقد ظلم هذا، وسفك دم هذا، وانتهك عرض هذا، ويأتي وله صلاة وزكاة وصوم، قال: فيأخذ هذا بكذا - إلى أن قال-: وهذا بصومه) فدل على أنه يؤخذ في المظالم. قال: (يسن: صوم الاثنين، والخميس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) رواه الترمذي وقال: حسن. والمراد: عرضها على الله تعالى، وأما رفع الملائكة لها .. فإنه في الليل مرة، وفي النهار مرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (أبي داوود): [2428] (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما). وروى الحاكم [2/ 602] عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: أن أعرابيًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال: (ذلك اليوم الذي ولدت فيه وأنزل علي فيه) وقال: (صحيح على شرط الشيخين. وقال السهيلي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (لا يَفُتْكَ صيام الإثنين؛ فإني ولدت فيه، وبعثت فيه، وأموت فيه). وذكر أيضًا عن العباس رضي الله عنه قال: مكثت حولاً بعد موت أبي لهب لا أراه في النوم، ثم رأيته في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم إثنين؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وكانت ثويبة قد بشرته بولده فقال لها: اذهبي فأنت حرة. وقال الحليمي: يكره اعتياد صومهما؛ لأن في ذلك تشبيهًا برمضان، وهذا النقل مستغرب، لكن ظاهر السنة يؤيده؛ لأنه عليه السلاة والسلام لم ينقل عنه: أنه كان يواظب عليهما. وسمي الإثنين؛ لأنه ثاني الأسبوع، والخميس؛ لأنه خامسه، كذا في (المحكم) و (التحرير)، وهو يقتضي: أن أول الأسبوع الأحد وهو الذي عليه أكثر الناس كما قاله ابن عطية في تفسير (سورة الحديد)، وسيأتي في (باب النذر) ما يخالفه. ويوم الإثنين لا يثنى ولا يجمع كما سيأتي في (النذر). ويوم الخميس جمعه أخمساء وأخمسة وأخامس، وكانت العرب تسميه مؤنسًا؛ لميلهم فيه إلى الملاذ.

وَعَرَفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعرفة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنه يكفر السنة الماضية والباقية) رواه مسلم [1162] من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. قال الإمام: والمكفر الصغائر دون الكبائر. وقيل: يعصمه الله تعالى فيهما عما يوجب الإثم. وإنما كان عرفة بسنتين وعاشوراء بسنة؛ لأن عرفة خصه الله تعالى بضيافة هذه الأمة، وعاشوراء يشركها فيه غيرها. وأيضًا: عرفة يوم محمدي وعاشوراء يوم موسوي، ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء فكان يومه بسنتين. وسمي عرفة؛ لأن آدم عليه السلام عرف فيه حواء. وقيل: لأن إبراهيم عرف أن رؤياه حق. وقيل: عرّفه جبريل المناسك. وقيل: لأن الناس يعترفون فيه بذنوبهم. وجمعت عرفة على عرفات وإن كانت موضعًا واحدًا؛ لأن كل جزء منها يسمى عرفة، كما تقدم أنهم جمعوا الشمس على شموس كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمسًا. ويوم عرفة أفضل أيام السنة لم ير الشيطان في يوم أدحض ولا أحقر منه في ذلك اليوم؛ لما يرى فيه من كثرة الرحمات الحاصلة لعموم بني آدم. ويستحب صوم يوم التروية مع يوم عرفة احتياطًا، لكن يستثنى الواقف بعرفات نهارًا، فالأصح: أن فطره فيه مستحب؛ ليقوى على العبادة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن أم الفضل رضي الله عنها أرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب، رواه الشيخان [خ1662 - 1123]. وصومه خلاف الأولى لا مكروه على الصحيح. قال ابن عمر رضي الله عنهما: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه،

وَعَاشُورَاءَ، وَتَاسُوعَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، فأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه. وقيل: يكره؛ لما روى أبو داوود [2432] والنسائي [سك 2843]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة). وقال المُتولّي: إن كان في الصيف أو في الشتاء ولكنه ضعيف .. كره، وإن كان قويًا لا يؤثر فيه الصوم .. فالأفضل أن يصوم؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تصومه. وقال أبو حنيفة: يستحب صومه إلا أن يضعفه عن الدعاء. وقال عطاء: أصومه في الشتاء دون الصيف. وقال يحيى بن سعيد: يجب فطره. وقال إسحاق: يستحب مطلقًا. أما الحاج الذي لا يصل عرفة إلا ليلاً فصرح في (نكت التنبيه) باستحباب صومه له، لكن نص في (الإملاء) على استحباب فطره لكل مسافر. قال: (وعاشوراء)؛ لأنه يكفر السنة الماضية، رواه مسلم [1162]، وهو آكد من تاسوعاء، ولذلك قدمه المصنف. قال: (وتاسوعاء)؛ لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عشت إلى قابل .. لأصومن التاسع) فمات صلى الله عليه وسلم قبله، رواه مسلم [1134] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والمراد - والله أعلم -: مع العاشر؛ لمخالفة أهل الكتاب، وقيل: للاحتياط. ويستحب أن يصوم معه الحادي عشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود وصوموا يومًا قبله ويومًا بعده) رواه أحمد [1/ 241] من طريق ابن عباس رضي الله عنهما.

وَأَيَّامِ الْبِيضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهكذا نص عليه في (الأم) فقال: وأحب أن يصام قبله يوم، فإن صام بعده يومًا آخر .. كان أحب إلي. وقال المتولي وغيره: من لم يصم التاسع .. صام الحادي عشر. و (عاشوراء): اليوم العاشر من المحرم، و (تاسوعاء): تاسعه، وهما ممدودان على المشهور، وحكي قَصْرُهُما. ومذهب ابن عباس رضي الله عنهما: أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم. قيل: سمي عاشوراء؛ لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء بعشر كرامات، حكاه المنذري. وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية؛ إذ ليس في كلامهم فاعولاء. وفي (فضائل الأوقات) للبيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وسع على عياله يوم عاشوراء .. وسع الله عليه جميع سنته). قال: (وأيام البيض) المراد: أيام الليالي البيض، سميت بذلك؛ لأن ليلها مبيض بالقمر. وقيل: لأن الله تعالى بيض فيه جسد آدم. روى قنبر عن علي رضي الله عنه: أنه سئل عن ذلك، فقال: لما أهبط آدم إلى الأرض وأشرقت عليه شمس الدنيا .. اسودَّ جميع بدنه، فما تاب الله عليه .. شكا ذلك لجبريل عليه السلام، فأوحى الله إليه أَنْ مُرْهُ بصيام هذه الأيام الثلاثة، فصام يومًا منها فابيضَّ ثلث بدنه، ثم في الثاني الثلث الثاني، ثم الثلث الثالث في اليوم الثالث، وهي الثالث عشر وتالياه. وقيل: الثاني عشر وتالياه. واستدل للصحيح بما روى النسائي [4/ 222] وابن حبان [3655] عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثالث عشره ورابع عشره وخامس عشره).

وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما كانت الحسنة بعشرة أمثالها .. كان صيام ثلاثة أيام من الشهر تعدل صيام الدهر، ولذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه: أوصاني خليلي بصيام ثلاثة أيام من كل شهر. قال في (شرح مسلم): إن الثلاثة أيام المأمور بصومها هي البيض. وفي (شرح السنة) للبغوي: من صام الأيام البيض .. أتى بالسنتين، ومن صام ثلاثة أيام سواها .. أتى بسنة واحدة، وافقه الشيخ على ذلك. وقال ابن عبد السلام: الحكمة في صيام هذه الأيام: أنه تكثر فيها رطوبات البدن، فاستحب تخفيفها بالصيام. أما من شهر الحجة .. فهل يصام يومان فقط أو يصام معهما السادس عشر لم أر فيه نقلاً، والثاني أظهر. فائدة: العرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم، فالثلاث الأول: الغرر، والتي تليها: النفل، والتي تليها: التسع، والتي تليها: العشر، ثم البيض، ثم الدرع، ثم الظلم، ثم الحنادس، ثم الدآدي، ثم المحاق، وقد أشرت إلى ذلك في (المنظومة) بقولي [من الرجز]: ثم ليالي الشهر قدمًا عرَّفوا .... كلَّ ثلاثٍ بصفاتٍ تُعرفُ فغرر ونفل وتسع .... وعشر والبيض ثم الدرع وظلم حنادس دآدي .... ثم المحاق لانمحاق بادي قال: (وستة من شوال)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال .. كان كصيام الدهر) رواه مسلم [1164] من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.

وَتَتَابُعُهَا أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ الْجُمُعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وطعن فيه بعض من لا علم له مغترًا بقول الترمذي فيه: إنه حسن، وبالكلام في رواية سعد بن سعيد الأنصاري أخي يحيى بن سعيد الأنصاري. قال: واعتنى شيخنا أبو محمد الدمياطي بجمع طرقه، فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد، وأكثرهم حفاظ أثبات، منهم شعبة والسفيانان، وتابع سعدًا على روايته أخواه يحيى وعبد ربه وصفوان بن سليم وغيرهم. ورواه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثوبان وأبو هريرة وجابر وابن عباس والبراء بن عازب وعائشة رضي الله عنهم. ولفظ حديث ثوبان: (من صام رمضان .. فشهرٌ بعشرة، ومن صام ستة أيام بعد الفطر .. فذلك صيام السنة) رواه أحمد [5/ 280] والنسائي [سك 2873]، وفيه تنبيه على أن الشهر سواء كان ناقصًا أم تامًا بعشرة أشهر، ولا يكون بحسب الأيام. وكره مالك صيامها خوفًا من أن تلحق برمضان. قال ابن عبد البر: لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيوب رضي الله عنه. فإن قيل: فالحسنة مطلقًا مضاعفة بعشرة، فإذا صام من ذي القعدة كان كذلك .. فالجواب: أن المعنى كان كصيام الدهر فرضًا، وهذا يختص بما ورد الشرع به. وقوله: (ستًا من شوال) بغير هاء التأنيث هي اللغة الفصيحة؛ إذا حذف المعدود .. تحذف الهاء. ويبقى النظر فيمن أفطر جميع رمضان أو بعضه وقضاه .. هل يتأتى له تدارك ذلك؟ قال: (وتتابعها أفضل) أي: متصلة بيوم العيد؛ مبادرةً إلى العبادة. وعن أبي حنيفة: الأفضل تفريقها في الشهر. قال: (ويكره إفراد الجمعة)؛ لما روى الشيخان [خ 1985 - م 1144]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده). وروى الحاكم [1/ 437]: (يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده).

وَإِفْرَادُ السَّبْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهم إلا أن يوافق عادة له كما إذا كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء .. فلا يكره له الإفراد، كمن وافقت عادته يوم الشك، والذي قاله المصنف هو الصحيح. وفي وجه: لا كراهة في إفراده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يفطر يوم الجمعة، قال الترمذي [742]: حسن، وهو محمول على: أنه كان يصله بالخميس. ونقل القاضي أبو الطيب عن أحمد وابن المنذر وبعض أصحابنا: أنه لا يجوز إفراده بالصوم، ومراده بعدم الجواز: الكراهة. ولو أراد الاعتكاف يوم الجمعة .. فهل يكره صومه أو يستحب ليصح اعتكافه بالإجماع؟ فيه احتمالان حكاهما المصنف في (نكته). مهمة: أطلق الشيخان كراهة إفراد الجمعة، والذي نقله البيهقي والماوردي وابن الصباغ وصاحب (البيان) عن مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن ذلك مخصوص بمن يضعف به عن وظائف العبادة، وهذه هي العلة الصحيحة في الكراهة. وقيل: لئلا يبالغ في تعظيمه كاليهود في السبت. وقيل: لئلا يعتقد وجوبه. وقيل: لأنه يوم عيد. وخُصَّ يوم الجمعة بأنه يُصَغر، دون سائر أيام الأسبوع؛ فإنها لا تصغر، كما لا تصغر أسماء الشهور. قال: (وإفراد السبت)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما فرض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أو عود شجرة .. فليمضغه) رواه

وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرَ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد [4/ 189] والأربعة، وصححه ابن حبان [3615] والحاكم [1/ 435]، وقال أبو داوود: إنه منسوخ، وقال مالك: كذب. قال المصنف: ولا يقبل هذا منه؛ فقد صححه الأئمة. وعلل الرافعي كراهة إفراده بأنه يوم اليهود، ويؤخذ منه كراهة إفراد الأحد أيضًا؛ لأنه يوم النصارى، وبه صرح صاحب (التعجيز) في (مختصر التنبيه)، وصاحب (الشامل الصغير). لكن روى النسائي [سك2789] وابن حبان [3646]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر صومه من الأيام يوم السبت والأحد، وكان يقول: (إنهما يوما عيد المشركين فأحب أن أخالفهم) وهذا لا ينافي ما تقدم؛ فإن ذلك في الإفراد وهذا في الجمع. وقال في (البحر): لا يكره إفراد عيد من أعياد أهل الملل بالصوم كالنيروز والمهرجان والشعانين. وقال الجوهري: سمي يوم السبت؛ لانقطاع الأيام دونه، وجمعه سُبُتٌ وسُبوتٌ. قال: (وصوم الدهر غير العيد والتشريق مكروه لمن خاف به ضررًا أو فوت حق)؛ ففي (صحيح مسلم) [1159]: (لا صام من صام الأبد). قال الشيخ: وأطلقوا فوت الحق ولم يبينوا: هل المراد الواجب أو المندوب أو هما؟ قال: والظاهر: العموم.

وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: قال ابن سيده: (الدهر) الأبد الممدود، والجمع أدهر ودهور، فأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر) .. فمعناه: أن ما أصابك من الدهر فالله فاعله ليس الدهر، فإذا سميت به الدهر .. فكأنك أردت الله سبحانه وتعالى. قال: (ومستحب لغيره)؛ للأدلة الواردة في استحباب الصوم. وحمل الجمهور النهي على الحالة الأولى؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه لما قال: إني أسرد الصوم أصوم في السفر، قال: (إن شئت .. فصم، وإن شئت .. فأفطر) فلم ينكر عليه سرده. وسرده جماعة من الصحابة، منهم: عمر وابنه وأبو طلحة وأبو أمامة وامرأته وحمزة بن عمرو وعائشة رضي الله عنهم. وأطلق الغزالي: أن صوم الدهر سنة، وتبعه صاحب (الحاوي الصغير). وأطلق البغوي وغير كراهته، والمعروف ما ذكره المصنف، لكن قوله: (ومستحب لغيره) تبع فيه (المحرر)، والذي في (الشرحين) و (الروضة) و (شرح المهذب): عدم كراهته، لا أنه مستحب. وحيث قلنا: لا يكره، أو هو مستحب .. فصوم يوم وفطر يوم أفضل منه؛ ففي (الصحيحين): (أفضل الصيام صيام داوود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا). فرع: لو نذر صوم الدهر .. انعقد نذره ولزمه الوفاء به. قال الشيخ: كذا أطلقوه وينبغي أن تستثنى الصورة التي يحكم فيها بالكراهة.

وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلاَتِهِ .. فَلَهُ قَطْعُهُمَا وَلاَ قَضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن تلبس بصوم تطوع أو صلاته .. فله قطعهما) أما الصوم .. فلحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات يوم فقال: (أعندك شيء؟) قالت: نعم، قال: (إذن أفطر وإن كنت قد فرضت الصوم) رواه الدارقطني [2/ 175] والبيهقي [4/ 275]. وفي (البخاري) [1968]: أن أبا الدرداء قال لسلمان رضي الله عنهما: كُلْ؛ فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل، فلما كان الليل .. ذهب أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل .. قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان). وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه وسلم (الصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء .. أفطر، وإن شاء .. صام) رواه أبو داوود وغيره بإسناد جيد، وصححه الحاكم [1/ 439]. وأما الحديث الذي فيه الأمر بالقضاء .. فضعيف، ولو صح .. حمل على الاستحباب. وقطعهما لغير عذر مكروه، وقيل: خلاف الأولى، وللعذر غير مكروه. ومن العذر: أن يشق على الضيف أو المضيف صومه، ففي هذه الحالة يستحب. وما عدا الصوم والصلاة من التطوعات، كالاعتكاف والطواف والوضوء وقراءة سورة الكهف) يوم الجمعة والتسبيحات عقب الصلاة ونحو ذلك حكمه حكم الصوم والصلاة فيما ذكره، فلو عبر المصنف بقوله: ومن تلبس بتطوع .. كان أعم وأخصر. قال: ولا قضاء) أي: وجوبًا، أما في الصوم .. فلما تقدم والصلاة مقيسة على

وَمَنْ تَلَبَّسَ بِقَضَاءٍ .. حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ إِنْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ، وَهْوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ، وَكّذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ فِي الأَصَحِّ، بَأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوم، لكن يستحب قضاؤهما خروجًا من خلاف أبي حنيفة ومالك؛ فإنهما أوجباه، لقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}. والجواب: أن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره قالوا: لا تبطلوها بالنفاق. قال: ومن تلبس بقضاء .. حرم عليه قطعه إن كان على الفور، وهو صوم من تعدى بالفطر)؛ لأن التخفيف بجواز التأخير لا يليق بحال المتعدي. قال: وكذا إن لم يكن على الفور في الأصح، بأن لم يكن تعدى بالفطر)؛ لأنه قد تلبس بالفرض ولا عذر له في الخروج فلزمه إتمامه، كما لو شرع في الصلاة في أول الوقت، فإنه لا يجوز له الخروج منها على المعروف. والثاني: لا يحرم؛ لأنه متبرع بالشروع فيه كما أن المسافر يشرع في الصوم ثم يريد الخروج منه. ويَرِد على ضابط الفور بالتعدي بالفطر: قضاء صوم يوم الشك؛ فإنه على الفور مع عدم التعدي، ويستفاد منه وجوب القضاء على من نسي النية على الفور. والمصرح به في شرح المهذب): أنه على التراخي بلا خوف، وكذلك من أكل على ظن الليل، لكن في الصلاة الفائتة بعذر وجهٌ: أن قضاءها على الفور كما صرح به الرافعي، ولم يحكوه هنا فيحتاج إلى الفرق. تتمة: حيث أفطر الصائم المتطوع في أثناء النهار .. قال المتولي: المذهب: أنه لا يثاب على ما مضى؛ لأن العبادة ما تمت. وحكي عن الشافعي رضي الله عنه: أنه يثاب عليه، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل له أيضًا، ويُشْبِهُ بناء ذلك على الخلاف في انعطاف النية. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة يستحب صوم شهر الله المحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان .. صيام شهر الله المحرم) رواه مسلم [1163]. قال الروياني: ويستحب صوم شهر شعبان؛ ففي (الصحيحين) [خ 1970 - 1156م/176] عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله). وفي رواية: (كان يصومه إلا قليلاً). ومعنى?: (يصوم شعبان كله) أي: أكثره؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهرًا كاملاً غير رمضان. وقد تكلم الناس في الحكمة التي لأجلها أكثر الصيام في شعبان. وفي (مسند أحمد) [5/ 201]: أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فقال: إنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم). ولا منافاة بين هذا وبين رفعها في كل إثنين وخميس؛ لجواز أن ترفع أعمال الأسبوع مفصلة، ثم ترفع أعمال العام جملة. ومن المسنون: صوم عشر ذي الحجة. وهذه الأيام وإن كانت داخلة في صوم الحجة فلها مزية على باقيه، وألحق بها الغزالي مقابلها من المحرم. قال المصنف: ومن المسنون الصوم آخر كل شهر، فإن قيل: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل الصوم بعد رمضان صوم شهر الله المحرم)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فكيف أكثر عليه الصلاة والسلام الصوم في شعبان دونه؟ .. قال المصنف: لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر حياته قبل التمكن من صومه، أو لعله كان تعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما. وعن بعضهم: استحباب صوم يوم الفقد، وهو اليوم الذي لا يجد الإنسان فيه ما يأكله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. * * *

كتابُ الاعتِكافِ

كِتَابُ الاعْتِكَافِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الاعتكاف هو في اللغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه خيرًا كان أو شرًا، قال الله تعالى: {فَأَتَوّا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} أي: يقيمون. وفي الشرع: اللبث في المسجد بصفة مخصوصة، يقال: عكف على الشيء يعكُف ويعكِف - بضم الكاف وكسرها - عكفًا وعكوفًا: إذا أقبل عليه لا يَصْرِفُ عنه وجهه، واعتكف وانعكف بمعنىّ. وقيل: عكف على الخير، وانعكف على الشر، وهو من الشرائع القديمة. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {أَن طَهِرَا بَيْتِيَ لِلطائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ}. وقوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِّ}. وفي (الصحيحين) [خ2027 - م 1167]: (أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان)، (ثم اعتكف العشر الأواخر ولازمه حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده). وفي (البخاري) [2033]: (اعتكف عشرًا من شوال). ويسمى الاعتكاف: جوارًا. ومنه حديث عائشة رضي الله عنها في (صحيح البخاري) [296] وغيره: (وهو مجاور في المسجد). قال: (هو مستحب كل وقت) بالإجماع، هذا بالنسبة إلى الرجل.

وَفِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ لَطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى? أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي أَوِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما المرأة .. فحيث يكره لها الخروج للجماعة يكره لها الخروج له، وأطلق جماعة كراهته من غير تفصيل، ومن المشكل اتفاقهم على? صحة نذرها إياه مطلقًا. قال: (وفي العشر الأواخر من رمضان أفضل)؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (لطلب ليلة القدر) فيحييها بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء؛ فإنها أفضل ليالي السنة، وخير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وفي (الصحيح): (من قام ليلة القدر غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه). قيل: سميت بذلك؛ لعِظَمِ قدرها. وقيل: لأن الأرض تضيق بالملائكة فيها. وهي الليلة المباركة التي فيها يُفْرَق كلُّ أمرٍ حَكيم، وهي خصِّيصة لهذه الأمة لم تكن لمن قبلها، وهي باقية إلى? يوم القيامة، وتُرى? ويُحقِّقها من شاء الله من عباده. وقول المهلب بن أبي صفرة: لا تمكن رؤيتها .. غلط. ويستحب لمن رآها أن يكتمها ويدعو بما أحب دينًا ودنيا، وأن يقول فيها: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. ويستحب إحياؤها بالعبادة إلى الفجر، وأن يكون اجتهاده في اليوم الذي يليها كالاجتهاد فيها. وقال في القديم: من صلى العشاء والصبح ليلة القدر في جماعة .. أخذ بحظه منها. وقال في (شرح مسلم): لا ينال فضلها إلا من أطلعه الله عليها، فلو قامها إنسان ولم يشعر بها .. لم ينل فضلها، وكلام (التتمة) ينازعه في ذلك. قال: (وميل الشافعي رحمه الله إلى? أنها ليلة الحادي أو الثالث والعشرين)؛ لأنه يرى? أنها منحصرة في العشر الأواخر في ليلة معينة لا تنتقل عنها وإن كانت مبهمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ علينا، وكل ليالي العشر محتملة لها، لكن ليالي الوتر أرجاها، وأرجاها ليلة الحادي أو الثالث والعشرين؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه سلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال: (إني اعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف .. فليعتكف) فاعتكف الناس معه، قال: (وإني أريتها ليلة وتر، وإني أسجد في صبيحتها في الطين والماء) فأصبح من ليلة إحدى? أو ثلاث وعشرين وإن على? جبهته وأنفه أثر الطين والماء، رواه الشيخان [خ2036 - م 1167]. وفي القديم: أرجاها ليلة إحدى? أو ثلاث أو سبع وعشرين ثم بقية الأوتار ثم أشفاع العشر الآخر. وقال ابن عمر رضي الله عنهما وجماعة: (إنها في جميع الشهر)، ورجحه صاحب (التنبيه) والمَحاملي والشيخ؛ لما روى? أبو داوود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال: (هي في كل رمضان) وهو صحيح، إلا أن شعبة وسفيان روياه موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما. وقال المزني وابن خزيمة وأبو ثور: إنها منتقلة في ليالي العشر الأواخر، تنتقل في بعض السنين إلى? ليلة، وفي بعضها إلى? غيرها، جمعًا بين الأحاديث. قال المصنف: وهذا هو الظاهر المختار. وخصها بعض العلماء بأوتار العشر الأواخر، وبعضهم بأشفاعه. وقال ابن عباس وأُبي رضي الله عنهم: (هي ليلة سبع وعشرين)، وهو مذهب أكثر أهل العلم. وقيل: ليلة ثلاث وعشرين، وقيل: ليلة أربع وعشرين.

وَإِنَّمَا يَصِحُّ الاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْجَامِعُ أَوْلَى? ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال زيد بن أرقم رضي الله عنه: (ليلة سبع عشرة). وعن ابن مسعود رضي الله عنه: (ليلة تسع عشرة). وقال بعضهم: آخر ليلة من الشهر. والمشهور عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أنها في جميع السنة) وهي رواية عن أبي حنيفة. والسبب في إبهامها على الناس: أن يكثر اجتهادهم فيها ويطلبوها في الجميع، ومن علاماتها: أنها طلقة لا حارة ولا باردة، وتطلع الشمس في صبيحتها بيضاء ليس لها كثير شعاع. قال: (وإنما يصح الاعتكاف في المسجد)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يعتكفوا إلا فيه، فيصح في رَحْبَتِهِ؛ لأنها منه، وهي: ما كان مضافًا إلى المسجد مُحَجَرًا عليه. وقال ابن الصلاح: رحبة المسجد صَحْنُهُ، ولا يصح في جزء شائع وُقِفَ مسجدًا وإن حرم على الجنب المكث فيه للاحتياط كما تقدم، ولا في مسجد أرضه مستأجرة ووقف بناؤه مسجدًا على القول بصحة الوقف. والحيلة في الاعتكاف فيه: أن تُبنى? فيه صُفّة أو نحوها وتُوقف مسجدًا، فيصح الاعتكاف فيها كما يصح على? سطحه وجدرانه. وقال أبو حنيفة وأحمد: يصح في كل مسد تصلى? فيه الصلوات كلها وتقام فيه الجمعة. وخصَّه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وسعيد بن المسيب بالمساجد الثلاثة. وعن عطاء: لا يصح إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة. وعن سَعيد بن المُسَيِّب: لا يصح إلا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (والجامع أولى?)؛ لئلا يحتاج إلى الخروج إلى الجمعة، وخروجًا من خلاف الزهري؛ فإنه اشترطه.

وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلاَةِ. وَلَوْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الاِعْتِكَافَ .. تَعَيَّنَ، وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالأَقْصَى? فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل أولويته: إذا كان في تطوع أو منذور لا جمعة فيه؛ لئلا يحتاج فيما فيه جمعة إلى الخروج إليها إن كان من أهلها، فإذا اعتكف دون أسبوع وليست فيه جمعة .. استوى الجامع وغيره، لكن صرح القاضي فيه بالاستحباب. أما إذا نذر أسبوعًا أو دونه متتابعًا وفيه يوم جمعة وقلنا: إن الخروج للجمعة يقطعه .. وجب الجامع، فإن شرع في غيره .. جاز الاعتكاف، ويجب الخروج للجمعة، ويبطل تتابعه. و (الجامع) هو: المسجد الذي تقام فيه الجمعة، سُمِّيَ به؛ لجمعه الناس، يقال له: المسجد الجامع، ومسجد الجامع، وهو عند الكوفيين على? ظاهره، وعند البصريين تقديره: مسجد المكان الجامع. قال: (والجديد: أنه لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو المعتزل المهيأ للصلاة)؛ لأنه ليس بمسجد، ولأنه لو صح فيه .. لاعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في بيوتهن ولم يخرجن إلى المسجد. والقديم: يصح؛ لأنه مكان صلاتها، وإذا قلنا بهذا .. ففي صحة اعتكاف الرجل في مسجد بيته وجهان: أصحهما: المنع. وليس للخنثى الاعتكاف في مسجد بيته وإن جوزناه للمرأة، وفيه احتمالان لأبي الفتوح. قال: (ولو عين المسجد الحرام في نذره الاعتكاف .. تعين)؛ لمزيد فضله، ولتعلق النسك فيه. وقوله: (الاعتكاف) قد يفهم: أن الصلاة لا تتعين في المساجد الثلاثة، وليس كذلك، بل الصلاة أولى? بالتعيين، وقد نص عليها الشافعي رضي الله عنه والأصحاب. قال: (وكذا مسجد المدينة والأقصى? في الأظهر)؛ لأن الترحال تشد إليهما كالمسجد الحرام.

وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا وَلاَ عَكْسَ، وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الأَقْصَى? وَلاَ عَكْسَ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الاِعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى? عُكُوفًا، وَقِيلَ: يَكْفِي الْمُرُورُ بِلاَ لُبْثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأنه لا يتعلق بهما نسك. وألحق البغوي بمسجد المدينة كل مسجد صلى? فيه النبي صلى الله عليه وسلم. ولو عين غير المساجد الثلاثة .. فالأصح: لا يتعين ويقوم بعضها مقام بعض كما لو عينه للصلاة. والثاني: يتعين؛ لأن الاعتكاف يختص بالمسجد بخلاف الصلاة. ووقع في (الكفاية): أن الرافعي صحح هذا، وهو سبق قلم. وينبغي أن ينظر في ذلك إلى الأكثر جماعة فيقوم مقام دونه، بخلاف العكس. وإذا قلنا بعدم التعيين .. فيستحب الاعتكاف فيما عينه، وليس له الخروج بعد الشروع لينتقل إلى? مسجد آخر، اللهم إلا أن يكون ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى? مسجد آخر على? تلك المسافة، فإنه يجوز له على الأصح. قال: (ويقوم المسجد الحرام مَقامهما ولا عكس)؛ لأنه أفضل منهما، لكثرة الصلاة في المسجد الحرام؛ إذ الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، وفي مسجد المدينة بألف، كذا رواه أحمد [4/ 5] والبيهقي [5/ 246] من رواية عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وصححه ابن حبان [1620]. قال: (ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى? ولا عكس)؛ لأنه أفضل منه، إذ الصلاة في الأقصى? بخمس مئة صلاة، رواه أبو عمر، وقال البزار [كشف 428]: إسناده حسن. قال: (والأصح: أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى? عكوفًا)؛ لأن لفظ الاعتكاف يقتضيه، وهو زائد على? طمأنينة الصلاة، ولا يشترط السكون، بل يصح اعتكافه قائمًا وقاعدًا ومترددًا في أقطاره. قال: (وقيل: يكفي المرور بلا لبث)؛ كالوقوف بعرفة.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ. وَيَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ، وَأَظْهَرُ الأَقْوَالِ: أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ - كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ - تُبْطِلُهُ إِنْ أَنْزَلَ، وَإِلاَّ .. فَّلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: يشترط مكث نحو يوم)؛ لأن الزمان القليل معتاد صرفه إلى الحاجات. وفي وجه رابع: يشترط أكثر من نصف النهار أو نصف الليل. وخامس: لا بد من يوم وأبو حنيفة يشترط اليوم لاشتراطه الصوم. فإذا قلنا: لا يجب يوم .. فيستحب الخروج من خلافه. وعلى المذهب: يصح الاعتكاف في أوقات الكراهة ويومي العيدين والتشريق. لو نذر الاعتكاف جميع عمره .. لزمه، فإن فات في بعض الأيام .. فالحكم في قضائه كالحكم فيمن نذر صوم الدهر ثم أفطر. قال: (ويبطل بالجماع)؛ للآية سواء جامع في المسجد أم في طريقه لقضاء الحاجة، سواء قلنا: إنه في خروجه لقضاء الحاجة معتكف أم لا. هذا إذا كان ذاكرًا للاعتكاف عالمًا بالتحريم لمنافاته الاعتكاف، لكن يستثنى? منه ما إذا أولج الخنثى? في قبله أو أولج هو في امرأة أو رجل أو خنثى?؛ فإن في بطلان اعتكافه الخلاف في المباشرة بغير جماع كما ذكره في (شرح المهذب). ثم إذا بطل الاعتكاف، فإن لم يكن متتابعًا .. لم يبطل ما مضى?، وإن كان متتابعًا .. بطل الماضي ووجب قضاؤه، وإن كان نفلاً .. فلا قضاء عليه وصح له ما مضى?. ولا كفارة في إفساد الاعتكاف بالجماع، وقال الحسن والزهري: يجب مثل كفارة رمضان. قال: (وأظهر الأقوال: أن المباشرة بشهوة - كلمس وقبلة - تبطله إن أنزل، وإلا .. فلا) كالصوم، وكذلك إذا استمنى? وأنزل .. بطل اعتكافه. والثاني: يبطل مطلقًا؛ لعموم الآية. والثالث: لا يبطل مطلقًا كالحج، واختاره ابن المنذر.

وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا .. فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ. وَلاَ يَضُرُّ التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُنُ وَالْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى? كل قول فهي حرام بالإجماع. ووقع في (العدة) و (الوسيط) حكاية خلاف في التحريم وهو وهم. أما المباشرة بلا شهوة أو بقصد الكرامة .. فلا تبطله قطعًا. قال: (ولو جامع ناسيًا .. فكجماع الصائم)؛ لأن النسيان تجاوز الله عنه، فإن جامع جاهلاً بالتحريم .. فكنظيره من الصوم. قال: (ولا يضر التطيب والتزين) أي: بالاغتسال وقص الشارب وتسريح الشعر ولبس الثياب الحسنة؛ لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه تركه ولا أمر بتركه. وكره معمر وعطاء الطيب للمعتكف. قال: (والفطر، بل يصح اعتكاف الليل وحده)؛ لأن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله؛ إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: (فأوف بنذرك) متفق عليه [خ 2032 - م 1656]. وأما ما رواه مسلم [1656]: (إني نذرت أن أعتكف يومًا) .. فقال ابن حبان: أراد به يومًا مع ليلته؛ لأن ألفاظ الحديث كلها مصرحة بأنه نذر ليلة. وفي قول قديم: إن الصوم شرط في صحته، ويرده ما رواه الحاكم [1/ 439] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على? نفسه) وقال: صحيح على? شرط مسلم. فروع: للمعتكف أن يرجل شعره ويتعهد صنائعه ويبيع ويشتري ويكتب، ولا يكره له شيء من ذلك إذا لم يكثر، لكن المذهب: كراهة البيع والشراء في المسجد - وإن قل - للمعتكف وغيره إلا لحاجة.

وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ .. لَزِمَهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا .. لَزِمَاهُ، وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ جَمْعِهِمَا. وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الاِعْتِكَافِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن اشتغل المعتكف بقراءة القرآن ودراسة العلم .. فزيادة خير. ويكره له السباب والخصومة. وينبغي أن تكون عليه السكينة والوقار، ويشتغل بالطاعات ما أمكنه، ويكثر النظر في العلم؛ فإنه أفضل من صلاة التطوع. قالك (ولو نذر اعتكاف يوم هو فيه صائم .. لزمه)؛ لأن الاعتكاف بالصوم أفضل وإن لم يكن مشروطًا فيه، فإذا التزمه بالنذر .. لزمه كما التزم التتابع فيه، وليس له حينئذ إفراد أحدهما عن الآخر قطعًا. قال: (ولو نذر أن يعتكف صائمًا أو يصوم معتكفًا .. لزماه)؛ عملاً بالتزامه. فلو عين وقتًا لا يصح صومه كالعيدين والتشريق .. قال الدارمي: اعتكفه ولا يقضي الصوم. قال: (والأصح: وجوب جمعهما)؛ لما تقدم. والثاني: لا؛ لأنهما عبادتان مختلفتان، فاشبه ما إذا نذر أن يصلي صائمًا. والثالث: يجب الجمع في الأولى? ولا يجب في الثانية؛ لأن الاعتكاف لا يصلح وصفًا للصوم ويصلح الصوم وصفًا للاعتكاف؛ لأنه مستحب فيه، كذا فرق به الرافعي، وفيه نظر. ولو نذر أن يعتكف مصليًا أو عكسه .. لزماه، والمذهب: لا يجب الجمع، وقيل بالوجهين. ولو نذر القِران بين الحج والعمرة .. فله تفريقهما وهو أفضل، ووقع هنا في (النهاية) لزوم الجمع، وهو وهم. قال: (ويشترط نية الاعتكاف) كسائر العبادات ومراده بـ (الشرط): ما لا بد منه، فلاعتكاف ركنان: النية واللبث.

وَيَنْوِيْ فِي النَّذْرِ الْفَرْضِيَّةَ. وَإِذَا أَطْلَقَ .. كَفَتْهُ نِيَّتُهُ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ، لَكِنْ لَوْ خَرَجَ وَعَادَ .. احْتَاجَ إِلَى الاِسْتِئْنَافِ. وَلَوْ نَوَىَ مُدَّةً فَخَرَجَ فِيهَا وَعَادَ: فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ .. لَزِمِهُ الاِسْتِئْنَافُ، أَوْ لَها .. فَلَا، وَقِيلَ: إِنْ طَالَتْ مُدَّةُ خُرُوجِهِ .. اسْتَانَفَ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَانِفُ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وينوي في النذر الفرضية)؛ ليتميز عن التطوع، وإن دخل في الاعتكاف ثم نوى الخروج منه .. لم يبطل في الأصح كالصوم. قال: (وإذا أطلق .. كفته نيته وإن طال مكثه، لكن لو خرج وعاد .. احتاج إلى الاستئناف) سواء خرج لقضاء الحاجة أم لغيرها؛ فإن ما مضى عبادة تامة، والثاني اعتكاف جديد. وقال في (التتمة)): لو عزم عند خروجه على أن يقضي حاجته ويعود .. كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية. واعترض الرافعي بأن اقتران النية بأول العبادة شرط، فكيف يحصل الاكتفاء بالعزيمة السابقة؟! قال المصنف: وما قاله المتولي هو الصواب؛ لأنه لما أحدث النية عند إرادة الخروج صار كمن نوى المدتين بنية واحدة. قال: (ولو نوى مدة فخرج فيها وعاد، فإن خرج لغير قضاء الحاجة .. لزمه الاستئناف، أو لها .. فلا)؛ لأنه إذا خرج لغيرها .. فقد قطع الاعتكاف، وإذا خرج لها .. فهو كالمستثني عند النية؛ لأنه لا بد منه ولا فرق على هذا بين أن يطول الزمان أو يقصر. قال: (وقيل: إن طالت مدة خروجه .. استأنف) سواء كان الخروج لقضاء الحاجة أو لغيرها؛ لتعذر البناء. قال: (وقيل: لا يستأنف مطلقًا)؛ لأن النية شملت جميع المدة بالتعيين.

وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً، فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ .. لَمْ يَجِبِ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ، وَقِيلَ: إِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْحَاجَةِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ .. وَجَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو نذر مدة متتابعة، فخرج لعذر لا يقطع التتابع) وذلك كالأكل وقضاء الحاجة والحيض والمرض والخروج ناسيًا ونحو ذلك مما يأتي بيانه. قال: (.. لم يجب استئناف النية)؛ لشمولها جميع المدة ويجب العود عند الفراغ من العذر، فلو أخر .. انقطع التتابع وتعذر البناء. قال: (وقيل: إن خرج لغير الحاجة وغسل الجنابة .. وجب) أي: استئناف النية؛ لخروجه عن العبادة بما له عنه بُدٌّ. والمراد بـ (الحاجة): البول والغائط، أما الخروج للحاجة المذكورة وغسل الجنابة .. فلا بد منها. واحترز عما يقطع التتابع؛ فإنه يجب استئناف النية. وألحق الغزالي بالحاجة وغسل الجنابة الأذان إذا جوزنا الخروج له. فروع: إذا خرج لقضاء الحاجة .. لم يُكلف الإسراع، بل له المشي على عادته. ولو كثر خروجه للحاجة لعارضٍ اقتضاه كإسهال ونحوه .. فالأصح: لا يضر؛ نظرًا إلى جنسه. والثاني: يقطع التتابع لندوره. وإذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى .. فله أن يتوضأ خارج المسجد؛ لأن ذلك يقع تابعًا. أما إذا احتاج للوضوء بغير حاجة لبول ولا غائط ولا استنجاء، فإن لم يمكنه في المسجد .. جاز الخروج، وإلا .. فيمتنع الخروج له على الأصح. هذا في الوضوء الواجب، أما التجديد .. فلا يجوز الخروج له جزمًا ولا لغسل الجمعة والعيد.

وَشَرْطُ الْمُعْتَكِفِ: الإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالنَّقَاءُ عَنِ الْحَيْضِ وَالْجِنَابَةِ. وَلَوِ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ .. بَطَلَ، وَالْذْهَبُ: بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنِ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وشرط المعتكف: الإسلام)؛ لأن النية لا بد منها ونية الكافر لا تصح. قال: (والعقل) فلا يصح من المجنون والمغمى عليه والمبرسم والسكران ومن لا تمييز له؛ لأنهم ليسوا أهلًا للعبادة. قال: (والنقاء عن الحيض والجنابة) فلا يصح اعتكاف حائض ولا نفساء ولا جنب ابتداء؛ لأن مكثهم في المسجد معصية. وأفهمت عبارته صحة اعتكاف الصبي والزوجة والرقيق وهو كذلك كصيامهم، لكن لا يجوز للعبد إلا بإذن سيده، ولا للزوجة إلا بإذن زوجها، فإن اعتكفا بغير إذن .. صح مع التحريم وكان للسيد والزوج إخراجهما منه، وكذا لو اعتكفنا بإذنهما تطوعًا. أما المكاتب .. فله أن يعتكف بغير إذن مولاه على الأصح، وإذا عجز عن نجومه .. كان له منعه حينئذ، وليس له حمله على الكسب للكتابة. والمبعض كالقن إن لم تكن له مهايأة، فإن كانت .. فهو في نوبته كالحر، وفي نوبة السيد كالقن. ولو نذر العبد اعتكافًا في زمان معين بإذن سيده فباعه .. لم يكن للمشتري منعه من الاعتكاف؛ لأنه صار مستحقًا قبل ذلك، ولكن إن جهل .. فله الخيار في فسخ البيع. قال: (ولو ارتد المعتكف أو سكر .. بطل)؛ لعدم أهليتهما فلا يعتد بزمن الردة والسكر، وقيل: لا يبطل زمن السكر، وقيل: يعتد به فيهما. قال: (والمذهب: بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابع)؛ لأن ذلك أشد منافاة من الخروج من المسجد. والثاني: لا يبطل في المرتد، بخلاف السكران، وهو المنصوص فيهما.

وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إِغْمَاءٌ .. لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى إِنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَيُحْسَبُ زَمَنُ الإِغْمَاءِ مِنَ الاِعْتِكَافِ دُونَ الْجُنُونِ. أَوْ حَيْضٌ .. وَجَبَ الخُرُوجُ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ إِنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ أَمْكَنَ .. جَازَ الْخُرُوجُ، وَلَا يَلْزَمُ، وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْحَيْضِ وَلَا الْجَنَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق: أن السكران يمنع من المسجد بكل حال؛ لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، بخلاف المرتد، فيجوز أن يستتاب في المسجد. والثالث: قولان. وكان الصواب أن يقول: في اعتكافه، بإفراد الضمير؛ لأجل العطف بـ (أو)، وقد أتى به على الصواب بعده في قوله ثَم: (يخرج). والمراد بـ (بطلانه): تعذر البناء عليه لا حبوطه. قال: (ولو طرأ جنون أو إغماء .. لم يبطل ما مضى إن لم يخرج)؛ لأنه معذور بما عرض له. هذا إذا عرض له الجنون بسبب يعذر فيه، فإن عرض له بما لا يعذر فيه .. فكالسكران. قال: (ويحسب زمن الإغماء من الاعتكاف) كالصائم إذا أغمى عليه بعض النهار. وفي وجه مخرج: لا يحسب له. قال: (دون الجنون)؛ لمنافاته العبادة البدنية. قال: (أو حيض .. وجب الخروج)؛ لتحريم مكثها في المسجد. قال: (وكذا الجنابة إن تعذر الغسل في المسجد)؛ لما تقدم. قال: (فإن أمكن .. جاز الخروج، ولا يلزم)، لأنه أقرب إلى المروءة وأصون للمسجد، ولا يكلف الغسل فيه على المذهب. والذي ذهب إليه المحققون ورجحه ابن الرفعة تبعًا لـ (البسيط)): تعين الخروج. قال: (ولا يحسب زمن الحيض ولا الجنابة) إذا اتفق المكث معهما لعذر أو غيره؛ لأنه حرام أو مباح للضرورة.

فصل

فَصْلٌ: إِذَا نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً .. لَزِمَهُ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِلَا شَرْطٍ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: المستحاضة إذا أمنت التلويث .. ليس لها الخروج من اعتكافها؛ لأن الاستحاضة لا تمنع من المُقام في المسجد، فإن خرجت .. بطل اعتكافها؛ لما روى البخاري [خ 310 و2037] عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اعتكفتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الصفرة والحمرة، فربما وضعنا الطست تحتها، وهي تصلي). قال ابن الرفعة: وفي هذا دليل على إخراج الدم في طست في المسجد بالفصد والحجامة. قال: (فصل: إذا نذر مدة متتابعة .. لزمه)؛ لأنه وصف مقصود شرعًا، وهذا لا خلاف فيه إذا صرح به لفظًا، فإن نواه بقلبه .. لم يجب في الأصح. والثاني: يجب بذلك، واختاره الشيخ. وقال في (المهمات)): إنه الصواب نقلًا ومعنى. فلو نذر التفريق .. لم يلزم، بل تجوز المتابعة؛ لأنه أولى، وهذا عكس الصوم كما صرح به المصنف في (باب النذر) حيث قال: (فإن قيد بتفريق أو موالاة .. وجب)؛ وذلك أن الصوم وجب فيه التفريق في صورة وهي صوم التمتع، فكان مقصودًا فيه، بخلاف الاعتكاف لم يطلب فيه مثل ذلك. قال: (والصحيح: أنه لا يجب التتابع بلا شرط) كما لو نذر صوم وأطلق .. لا يلزمه التتابع. وخرج ابن سريج قولًا: إنه يلزمه التتابع، وبه قال الأئمة الثلاثة، كما لو حلف لا يكلم فلانًا شهرًا .. يكون متتابعًا، والمذهب: الأول، لكن يستحب التتابع.

وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ يَوْمًا .. لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مُدَّةً كَأُسْبُوعٍ وَتَعَرَّضَ لِلتَّتَابُعِ وَفَاتَتْهُ .. لَزِمَهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى المذهب: لو لم يتعرض له لفظًا ولكن نواه بقلبه .. ففي لزومه وجهان: أصحهما: لا، كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه. وأصحهما عند الروياني: أنه يلزمه، كما لو قال: أنت طالق ونوى ثلاثًا بقلبه، واختاره الشيخ. قال: (وأنه لو نذر يومًا .. لم يجز تفريق ساعاته)؛ لأن المفهوم من لفظ اليوم الاتصال، فيدخل قبل الفجر ويخرج بعد الغروب. والثاني: يجوز؛ تنزيلًا للساعات منزلة الأيام من الشهر. والثالث: إن نوى التتابع .. لم يجزئه، وإلا .. أجزأه. فلو دخل المسجد في أثناء النهار ولم يخرج بالليل واستمر إلى ذلك الوقت .. أجزأه عند الأكثرين، سواء جوَّزنا التفريق أو منعناه؛ لحصول التواصل بالبيتوتة، وهو ظاهر النص. وقال أبو إسحاق: لا يجزئه؛ لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات. وسيأتي لهذا ذكر في (كتاب الطلاق) في تعليقه بالأوقات. ولو نذر اعتكافه ليلة .. فهي في معنى اعتكاف اليوم على ما سبق، فيدخل المسجد قبل غروب الشمس، ويخرج بعد الفجر، فلو أراد تفريقها في ساعات الليل .. ففيه الخلاف السابق. ولو قال: لله علي أن اعتكف يومًا من هذا الوقت .. اتفقوا على أنه يدخل المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من الغد، ولا يجوز الخروج بالليل، واستشكله الرافعي بأن الملتزم يومٌ وليست الليلة منه. قال: (وأنه لو عين مدة كأسبوع وتعرض للتتابع وفاتته .. لزمه التتابع في القضاء)؛ لالتزامه إياه.

وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ .. لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْقَضَاءِ. وَإِذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ وَشَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ .. صَحَّ الشَّرْطُ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأن التتابع يقع ضرورة فلا أثر لتصريحه به. وصورة المسألة: أن يقول: هذا الأسبوع، أو هذا الشهر، أو شهر رمضان، أو هذا العشر، ونحو ذلك، أما لو عبر بالأسبوع فقط وشرط التتابع .. فلا يتصور فيه الفوات؛ فإنه على التراخي. قال: (وإن لم يتعرض له .. لم يلزمه في القضاء) بلا خلاف؛ لأن التتابع فيه لم يقع مقصودًا بل من ضرورة تعين الوقت، وهو نظير ما سبق في قضاء رمضان. قال: (وإذا ذكر التتابع وشرط الخروج لعارض .. صح الشرط في الأظهر)؛ لأن الاعتكاف إنما يلزمه بالالتزام فيجب بحسب ما التزم. والثاني: لا يصح؛ لأنه شرط مخالف لمقتضاه فبطل، كما لو شرط الخروج للجماع. فعلى الأول: إذا عين نوعًا .. خرج له فقط، وإن أطلق وقال: لا أخرج إلا لشغل أو عارض .. جاز الخروج لكل مهمٍّ ديني كالجمعة والعيادة، أو دنيوي مباح كلقاء السلطان واقتضاء الغريم، وليست النزهة من الشغل. واحترز بـ (شرط الخروج) عما لو شرط قطع الاعتكاف لعارض؛ فإنه وإن صح لكن لا يجب عليه العود عند زوال العارض؛ لانقضاء نذره. وقوله: (لعارض) احترز به عما لو قال: إلا أن يبدو لي؛ فإن الشرط باطل على الأصح. قال البغوي: ولا ينعقد النذر. وكان ينبغي أن يقول: لعارض مباح مقصود لا ينافي الاعتكاف؛ فإن المذهب: أنه لو شرط الخروج لجماع أو قتل محرم أو شرب خمر أو سرقة ونحوها .. لم يصح نذره.

وَالزَّمَانُ الْمَصْرُوفُ إِلَيْهِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ إِنْ عَيَّنَ المُدَّةَ كَهَذَا الشَّهْرِ، وَإِلَّا .. فَيَجِبُ. وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ بِلَا عُذْرٍ. وَلَا يَضُرُّ إِخْراجُ بَعْضِ الأَعْضَاءِ، وَلَا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ دَارِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا خرج لما شرط وفرغ منه .. لزمه العود في الحال، فإن أخر بلا عذر .. بطل تتابعه واستأنف. ولو قال: إلا أن يعرض لي، أو أسافر .. صح الشرط، وإذا وجد العارض .. جاز الخروج. قال: (والزمان المصروف إليه) أي: إلى العارض الذي خرج له (لا يجب تداركه إن عين المدة كـ) هذا الأسبوع و (هذا الشهر) وشهر رمضان؛ لأن المنذور من الشهر إنما هو اعتكاف ما عدا العارض. قال: (وإلا) أي: وإن لم يعين كشهر مطلق أو عشرة أيام مطلقة (.. فيجب) اعتكافه؛ لتتم المدة. قال: (وينقطع التتابع بالخروج بلا عذر) وإن قلَّ؛ لمنافاته اللبث. قال: (ولا يضر إخراج بعض الأعضاء) كيده ورأسه ونحو ذلك؛ لأنه لا يسمى خارجًا. وفي (الصحيحين)) [خ 296 - م 297] عن عائشة رضي الله عنها: (كان عليه الصلاة والسلام يدني إلي رأسه فأرجله). فلو أخرج إحدى رجليه .. فالمعتبر ما اعتمد عليها. ولو اضطجع وأخرج بعض بدنه .. فيحتمل اعتبار الأكثر بالمساحة أو بالثقل. قال: (ولا الخروج لقضاء الحاجة) بالإجماع؛ لأنه ضروري، ومثله الخروج لغسل الجنابة وإزالة النجاسة كرعاف ونحوه وإن كثر منه. وقيل: إن كثر ذلك منه لعارض .. ضر، ثم إذا خرج .. لا يكلف الإسراع. وقال ابن كَجَّ: يخرج لشراء الخبز إذا لم يكن له من يقوم به. قال: (ولا يجب فعلها في غير داره) وإن أمكن كسقاية المسجد ودار القريب

وَلَا يَضُرُّ بُعْدُهَا إِلَّا أَنْ يَفْحُشَ فَيَضُرُّ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ .. لَمْ يَضُرُّ مَا لَمْ يُطِلْ أَوْ يَعْدِلْ عَنْ طَرِيِقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والصديق ونحو ذلك؛ لما في ذلك من المشقة والمنة، والمستعارُ والمستأجر كالمملوك. قال: (ولا يضر بعدها)؛ مراعاة لما سبق من المشقة والمنة وسقوط المروءة. قال: (إلا أن يفحش فيضر في الأصح)؛ لأنه قد يأخذه البول في عوده فيبقى طول يومه في الذهاب والإياب، اللهم إلا أن لا يجد في طريقه موضعًا أو كان لا يليق به إلا داره. والثاني: لا يضر هذا الفحش؛ لما سبق من مشقة الدخول إلى دار غيره. فروع: لو كان له داران تعينت القربى في الأصح، ويجوز الخروج للأكل على المنصوص. وقال ابن سريج وابن سلمة: لا يجوز، ورجحه الإمام والبغوي. وقال القاضي: إن كان سخيًا وفي طعامه .. أكل في المسجد، وإلا .. فله الخروج له. وينبغي أن يقيد جواز الخروج بأكل يحتاج إلى زمن. أما اليسير كالتمرة ونحوها .. فيجزم فيه بعدم الجواز. وأما الخروج للشرب .. فالأصح جوازه إذا لم يجد ماء في المسجد، أو لم يجد من يأتيه به. قال: (ولو عاد مريضًا في طريقه .. لم يضر ما لم يطل وقوفه) بل اقتصر على السؤال والسلام، أما إذا طال .. فيضر قطعًا. ولو صلى في طريقه على جنازة ولم ينتظرها ولا ازوَرَّ .. لم يضر على المذهب. قال: (أو يعدل عن طريقه)، فإن عدل عنها وإن قل .. بطل على الأصح؛ لما

وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِمَرَضٍ يُحْوِجُ إِلَى الْخُرُوجِ، وَلَا بِحَيْضٍ إِنْ طَالَتْ مُدَّةُ الاِعْتِكَافِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه من إنشاء سير لغير قضاء الحاجة، فلذلك قيد المصنف الوقوف بالطول وأطلق العدول. والأصل في ذلك: ما روى أبو داوود [2464]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو يسأل عنه ولا يعرِّج). وفي (صحيح مسلم)) [297] عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا مثله. وحكم زيارة القادم حكم عيادة المريض. قال: (ولا ينقطع التتابع بمرض يحوج إلى الخروج) أي: وخرج؛ وذلك بأن كان المرض يشق معه المقام لحاجته إلى الفراش والخادم وتردد الطبيب فيباح له الخروج ولا ينقطع التتابع، ةكذلك إذا خاف من تلويث المسجد بالإسهال وإدرار البول. أما المرض الخفيف الذي لا يشق معه المقام في المسجد كالصداع والحمى الخفيفة .. فلا يجوز الخروج بسببه، فإن خرج .. بطل التتابع. فإن قيل: إذا صام في كفارة الظهار ثم خرج لمرض .. انقطع تتابعه، فلم لا كان هنا كذلك؟ .. فالجواب: أنه هنا إنما خرج لضرورة المسجد فناسب أن لا ينقطع، وفي الظهار خرج لضرورة نفسه فناسب الانقطاع. وفي معنى (المرض) من خرج لخوف لص أو حريق، فإذا زال خوفه .. عاد إلى مكانه وبنى، قاله الماوردي. قال: (ولا بحيض إن طالت مدة الاعتكاف) بحيث لا تنفك عن الحيض غالبًا، بل تبني إذا طهرت كالحيض في صوم الشهرين المتتابعين؛ لأنه عارض بغير اختيارها. وفي (البحر)) وجه: أنه ينقطع. ومثل في (شرح المهذب)) طول المدة بأن تزيد على خمسة عشر يرمًا، وهو مشكل؛ فإن الثلاثة والعشرين تخلو عن الحيض غالبًا، لأن غالب الحيض ست أو سبع والغالب: أن الشهر الواحد لا يكون فيه إلا طهر واحد وحيضة واحدة.

فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُو عَنْهُ .. انْقَطَعَ فِي الأَظْهَرِ، وَلَا بِالْخُرُوجِ نَاسِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا بِخُرُوجِ الْمُؤَذِّنِ الْرَّاتِبِ إِلَى مَنَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الْمَسْجِدِ لِلأَذَانِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن كانت بحيث تخلو عنه .. انقطع في الأظهر)؛ لإمكان التحرز عنه، لأنها بسبيل من أن تشرع كما طهرت. والثاني: لا ينقطع؛ لأن جنس الحيض يتكرر في الجملة فلا يؤثر في التتابع كقضاء الحاجة. والنفاس كالحيض في جميع ذلك. قال: (ولا بالخروج ناسيًا على المذهب) كما لا يبطل الصوم بالأكل ولا بالجماع ناسيًا. والثاني: يبطل؛ لأن اللبث مأمور به والنسيان ليس بعذر في ترك المأمورات، والمكره كالناسي. ولو خرج لعقوبة شرعية من حد أو قصاص، فإن ثبت ذلك بإقراره .. بطل اعتكافه؛ لأنه خرج باختياره، وإن ثبت بالبينة .. لم يبطل تتابعه قطعًا، وقيل: على الأصح. أما الذي أخرجه السلطان ظلمًا لمصادرة أو غيرها، أو خاف من ظالم فخرج واستتر .. فكالمكره، وإن أخرجه لحق عليه وهو يماطل .. بطل لتقصيره، وإن حمل وأخرج .. لم يبطل. ولو أكره على الخروج .. لم ينقطع تتابعه عند الأكثرين. قال: (ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارة منفصلة عن المسجد للأذان في الأصح)؛ لأنها مبنية للمسجد معدودة من توابعه وقد ألف المؤذنون صعودها وألف الناس صوته. والثاني: ينقطع مطلقًا؛ للاستغناء عنها بسطح المسجد فيؤذن عليه. والثالث: لا ينقطع مطلقًا بالراتب وغيره؛ لأنها مبنية للمسجد.

وَيَجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الْخُرُوجِ بِالأَعْذَارِ إِلَّا أَوْقَاتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: إن كان غيره من المؤذنين له صوت مثل صوته .. لم يجز له أن يخرج، وإلا .. جاز، حكاه القاضي. وصورة المسألة: أن تكون قريبة من المسجد مبنية له. ولو كان بينه وبينها طريق .. بطل اعتكافه بالذهاب إليها بلا خلاف وسواء الراتب وغيره، كذا صرح به جميع الأصحاب، كما لو خرج إليها لغير الأذان. ولا يجوز الاعتكاف فيها إلا أن تكون داخل المسجد. وحكمها إذا كانت في رحبة المسجد .. حكم المسجد على المشهور وإن كان الإمام قد قال: إن حريم المسجد لا يثبت له حكم المسجد في الاعتكاف وتحريمِ مكث الجنب. و (المنارة) بفتح الميم: المئذنة، وكذلك منارة السراج، وجمعها منائر ومناور، والثاني أكثر؛ لأنه من النور. قال: (ويجب قضاء أوقات الخروج بالأعذار)؛ لأنه غير معتكف فيها. قال: (إلا أوقات قضاء الحاجة) فلا يجب قضاؤها؛ لأن الاعتكاف مستمر فيها على الصحيح، ولهذا لو جامع في طريقه من غير مكث .. بطل اعتكافه كما تقدم. وفي معنى الخروج لقضاء الحاجة: الخروج للأكل، والمؤذن للأذان، والجنب للاغتسال، والمحدث للوضوء، ولانهدام المسجد، ولأداء شهادة تعين أداؤها عليه وتحملها. وقيل: يكتفي تعين الأداء والخروج لعدة وفاة أو طلاق على المذهب، وقيل: قولان. وفي (الكفاية)) عن أبي الطيب والماوردي: أن الخلاف فيمن لم يفوض طلاقها إليها، فإن فوضه إليها فطلقت نفسها .. انقطع جزمًا، وصرح بذلك القاضي حسين وغيره، وما قالوه متعين يحمل عليه إطلاق الأصحاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: لو أراد الخروج للفصد أو الحجامة، فإن دعت حاجة إليه بحيث لا يمكنه التأخير .. جاز الخروج له، وإلا .. فلا، كالمرض يفرق فيه بين الخفيف وغيره. * * * خاتمة هل الأفضل للمتطوع الخروج لعيادة المريض أو دوام الاعتكاف؟ قال الأصحاب: هما سواء. وقال ابن الصلاح: هذا مخالف للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج لذلك وكان اعتكافه تطوعًا. وقال بعض المتأخرين: ينبغي أن يكون موضع التسوية في عيادة الأجانب، أما الأقارب وذوو الأرحام كالأب والأم ونحوهما والأصدقاء والجيران .. فالظاهر: أن الخروج لعيادتهم أفضل، لا سيما إذا علم أنه يشق عليهم تخلفه، وعبارة القاضي حسين مصرحة بذلك، والله الموفق. * * *

كتاب الحج

كِتَابُ الْحَجَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ــــ كتاب الحج هو في اللغة: القصد، وقيل: كثرة القصد إلى من يعظم، وقرئ بفتح الحاء وكسرها، ورجل محجوج أي: مقصود، قال المخبل [من الطويل]: وأشهد من عوف حلولًا كثيرة ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا وكان الزبرقان سيد قومه. و (السب): العمامة، و (المزعفر): المصبوغ بالزعفران. وفي الشرع: القصد إلى بيت الله الحرام للنسك، سمي بذلك لأن الحجيج يقصدون البيت تعظيمًا، ويتكررون إليه لطواف الإفاضة ثم لطواف الوداع، وهو أحد أركان الإسلام من جحد وجوبه .. كفر. وتقدم عن القاضي حسين أنه أفضل العبادات؛ لاشتماله على المال والبدن، ولأنا دعينا إليه ونحن في أصلاب الآباء كالإيمان الذي هو أفضل العبادات. والأصل في وجوبه من الكتاب قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}. وقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالًا}. ومن السنة: الحديث المشهور: (بني الإسلام على خمس)). وقوله عليه الصلاة والسلام: (حجول قبل أن لا تحجوا))، قالوا: كيف نحجْ قبل أن لا نحج؟ قال: (قبل أن تقعد العرب على بطون الأودية يمنعون الناس السبيل)). وهو من الشرائع القديمة، حج آدم عليه السلام أربعين حجة من الهند ماشيًا، ولم يبعث الله نبيًا إلا حجه.

هُوَ فَرْضٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى ابن حبان [1887] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحاج حين يخرج من بيته لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة، فإذا وقفوا بعرفات .. باهى الله بهم ملائكته يقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثًا غبرًا أشهدكم أني قد غفرا لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج، وإذا رمى الجمار .. لم يدر أحد ما له حتى يتوفَّاه يوم القيامة، وإذا حلق شعره .. فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة، فإذا قضى آخر طوافه بالبيت .. خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)). وفي (الشفاء)) [599]: عن سعدون الخولاني: أن قومًا أتوه بالمنستير، فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلًا وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض البدن، فقال: لعله حج ثلاث حجج؟ قالوا: نعم، قال: حدثت: أن من حج حجة .. أدى فرضه، ومن حج ثانية .. داين ربه، ومن حج ثلاث حجج .. حرم الله شعره وبشره على النار. قال: (هو فرض) أي: مفروض للآية والحديثين المتقدمين، واختلفوا في السنة التي فرض فيها، فقيل: قبل الهجرة ونزل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} تأكيدًا للوجوب. والمشهور: أنه بعد الهجرة. وعلى هذا: فالصحيح: أنه سنة ست، وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع. وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر يحج كل سنة. ولا يجب بأصل الشرع في العمر إلا مرة واحدة؛ لحديث مسلم [1337]: (... أحجنا هذا لعامنا أم للأبد؟ فقال: بل لأبد الأبد)).

وَكَذَا الْعُمْرَةُ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما حديث البيهقي [5/ 262]: الأمر بالحج في كل خمسة أعوام .. فمحمول على الاستحباب غير أنه قد يجب أكثر من مرة لعارض كالنذر والقضاء عند إفساد التطوع، وكذا على داخل مكة- على قول- وجوبًا مخيرًا بينه وبين العمرة. قال: (وكذا العمرة في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}. وروى أحمد [4/ 11] والترمذي [930] والحاكم [1/ 481] وابن حبان [3991] عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه- واسمه لقيط-: أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: (حج عن أبيك واعتمر)). قال أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود منه. وروى ابن ماجه [2901] بإسناد على شرط الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: قلت: هل على النساء جهاد؟ قال: (نعم؛ جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة)). وعلى هذا: حكمها كالحج في شروط الصحة والمباشرة، والوجوب والإجزاء، والقضاء عن الميت، واستنابة المعضوب فيها، والاستطاعة الواحدة كافية لوجوبها. قال الإمام: ومن لطيف العلم أنه لو أبدل العمرة بحجة .. لم تجزئه وإن اشتملت على أعمالها وزادت وإن كنا نقيم الغسل مقام الوضوء. والقول الثاني: إنها سنة، نص عليه في القديم و (أحكام القرآن)) من الجديد، وبه قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وكان يقرأ: (وأتموا الحجَّ والعمرةُ لله) بالرفع لا يعطفها على الحج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقال عطاء: هي واجبة إلا على أهل مكة. واستدل الجمهور بما روى الترمذي [931] عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: (لا وأن تعتمروا .. فهو أفضل)) لكن ضعفه البيهقي [4/ 349] وغيره من جهة الحجاج بن أرطاة رافعه، وقال ابن حزم: إنه باطل. و (العمرة) في اللغة: الزيارة. وقال في (البيان)): سميت بذلك لأنها تفعل في العمر كله. وقيل: لأنها تفعل في مكان عامر. وفي الشرع: عبادة مشتملة على إحرام وطواف وسعي وحلق. فرع: حيث أوجبنا الحج أو العمرة .. فيجبان على التراخي. وقال مالك وأحمد والمزني: على الفور، وليس لأبي حنيفة في المسألة نص، لكن اختلف صاحباه: فقال محمد كقولنا. وقال أبو يوسف: إنه على الفور. وعلى المذهب: لابد في جواز التأخير من العزم كما تقدم في الصلاة.

وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: الإِسْلَامُ. فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَالْمَجْنُونِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وشرط صحته) أي: صحة ما ذكره من الحج والعمرة (الإسلام) فلا يصح حج الكافر ولا عمرته كالصلاة والصوم، ولا يصح الحج له أيضًا سواء كان أصليًا أو مرتدًا؛ لعدم أهليته للعبادة. فلو ارتد في أثناء نسكه .. فأربعة أوجه: أصحها: يبطل. والثاني: يفسد ويمضي في فاسده لكن لا كفارة عليه. والثالث: يبطل حجه وعليه بدنة. والرابع: لا يبطل ولا يفسد كما لو جن، وصححه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب، ولا فرق في جريان الخلاف بين أن يطول زمن الردة أو يقصر. ولو حج أو اعتمر ثم ارتد .. لم يبطل ما مضى عندنا إلا أن يموت على ردته، فإن أسلم .. فلا إعادة عليه خلافًا لأبي حنيفة. قال: (فللولي أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز، والمجنون)؛ لأن شرط الصحة وهو الإسلام موجود فيهما. وروى مسلم [1336] والشافعي [أم 2/ 111] عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء في حجة الوداع فقال: (من القوم؟)) قالوا: المسلمون، فقالوا من أنت؟ قال: (رسول الله)) - صلى الله عليه وسلم- فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم؛ ولك أجر)). وفي (أبي داوود)) [1733]: (فأخذت بعضد صبي ورفعته) وظاهر هذا أنه طفل، والمجنون في معناه. وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: (حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين) رواه البخاري [1858].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأصحاب: ويكتب للصبي ثواب ما عمل من الطاعات، ولا تكتب عليه معصية بالإجماع. ومفهوم كلام المصنف أن المميز لا يحرم عنه وليه، وهو وجه صححه في (شرح مسلم)) سهوًا. والأصح في (أصل الروضة)): الجواز، وفي وجه: لا يحرم الولي عن المجنون؛ لأن النص ورد في الصبي، ولأنه ليس أهلًا للعبادات. وعلى الصحيح: في كيفية إحرامه عنهما وجهان: أحدهما: يقول: اللهم إني أحرمت عن ابني. والثاني: اللهم إني أحرمت بابني. وجزم في (شرح مسلم)) بأن كيفيته أن يقول بقلبه: جعلته محرمًا. والمراد بـ (الولي): ولي المال. وقيل: لا يحرم عنه الوصي وقيم الحاكم. وقيل: يجوز للجد مع وجود الأب. وقيل: يجوز له وللأم أيضًا، وقيل: ولسائر العصبات. فروع: لا فرق في الولي بين أن يكون محرمًا أو حلالًا، حج عن نفسه أم لا على الصحيح. ولا يشترط حضور الصبي ومواجهته بالإحرام في الأصح، ولا يصير الولي بإحرامه عن أحدهما محرمًا. ولو أذن الولي لمن يحرم به .. فالأصح في زوائد (الروضة)): الجواز. والمغمى عليه لا يحرم عنه الولي جزمًا.

وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ. وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ بِالْمُبَاشَرَةِ إِذَا بَاشَرَةُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا صار الصبي محرمًا بإحرامه أو إحرام وليه .. فعل ما قدر عليه بنفسه، وفعل به الولي ما عجز عنه، فإن قدر على الطواف والسعي .. طاف وسعى، وإلا .. طِيفَ به وسُعِيَ، ويُحْضِره الولي المواقف، ويشترط إذا طاف به أن يكونا متطهرين مستوري العورة، ويصلي عنه وليه ركعتي الطواف إن لم يكن مميزًا، فإن كان .. صلاهما بنفسه على الصحيح. ومتى فرط الولي في شيء من أفعال الحج واقتضى الحال وجوب الدم .. وجب في مال الولي بلا خلاف، ويناوله الأحجار فيرميها إن قدر، وإلا .. رمى عنه، ويستحب أن يضعها في يده ثم يأخذها فيرمي بها. والقدر الزائد من النفقة بسبب السفر في مال الولي على الأصح. ويسلم الولي النفقة لمن ينفق عليه، فإن سلمها إلى الصبي، فإن كانت من مال الصبي .. لم يجز ويضمن، وإن كانت من مال الولي .. فلا شيء على أحد. ويجب على الولي منع الصبي المحرم من محظورات الإحرام، فإن تطيب أو لبس عامدًا .. وجبت الفدية، وكذا إذا حلق أو قلم أو قتل صيدًا عمدًا أو سهوًا، والفدية في مال الولي في الأظهر إن أحرم بإذنه، فإن كان بغير إذنه وصححناه .. فهي في مال الصبي بلا خلاف. قال: (وإنما تصح مباشرته من المسلم المميز) قياسًا على الصلاة والصوم وغيرهما؛ فإنها صحيحة من المسلم المميز. وقال أبو حنيفة: لا يصح حج الصبي، واحتج عليه الجمهور بما تقدم. قال: (وإنما يقع عن حجة الإسلام بالمباشرة إذا باشره المكلف الحر) أشار إلى أن وقوعه عن حجة الإسلام له شرطان زائدان: أحدهما: التكليف. والثاني: الحرية.

فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ. وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الإِسْلاَمُ وَالتّكْلِيفُ والْحُرِّيَّةُ وَالاِسْتِطَاعَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدل لاعتبارهما: ما روى الحاكم [1/ 481] والبيهقي [4/ 325] عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما صبي حج ثم بلغ .. فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عَتَقَ .. فعليه حجة أخرى)). والمعنى فيه: أن الحج عبادة عمر لا تتكرر فاعتبر وقوعها في حال الكمال، ولو أبدل المصنف (حجة الإسلام) بـ (فرضه) .. كان أولى؛ ليشمل العمرة. وقوله: (المباشرة) لا فائدة له، وكان الأحسن أن يقول: إذا باشره المكلف الحر لنفسه أو نيابة عن غيره، والمراد التكليف في الجملة لا التكليف بالحج. قال: (فيجزئ حج الفقير) كما لو تكلف المريض المشقة وحضر الجمعة. قال: (دون الصبي والعبد) للحديث المذكور والإجماع، هذا إذا فرغا من النسك وهما ناقصان، فإن كملا قبل الوقوف أو في أثنائه .. أجزأهما خلافًا لأبي ثور وابن المنذر، لكن تجب إعادة السعي في الأصح، فإن كملا بعده والوقت باق فعادا إليه .. أجزأ، فإن لم يعودا .. فلا على الصحيح خلافًا لابن سريج. وإذا وقع حجه عن حجة الإسلام .. فلا دم عليه في الأصح؛ لعدم الإساءة. والثاني: يجب؛ لفوات الإحرام الكامل من الميقات. والطواف في العمرة كالوقوف في الحج. قال: (وشرط وجوبه: الإسلام والتكليف والحرية والاستطاعة) هذه الشروط مجمع عليها، فالكافر الأصلي لا يجب عليه بمعنى أنه لا يؤمر به في زمن كفره وإن توجه الخطاب نحوه به مع الإيمان، ويعاقب عليهما في الآخرة على الصحيح. ويرد على المصنف المرتد؛ فإنه يجب عليه وإن كان كافرًا لالتزامه إياه بإسلامه. ويظهر أثر الوجوب عليه فيما إذا استطاع في ردته ثم أسلم وهو معسر .. فإن الحج يستقر في ذمته بتلك الاستطاعة.

وهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ , وَلَهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا (وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتُهُ، مُؤَنِهِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيما إذا أسلم وهو موسر ثم مات قبل أن يتمكن .. فإنه يقضي عنه. قال: (وهي نوعان: أحدهما: استطاعة مباشرة، ولها شروط: أحدهما: وجود الزاد) أي: الذي يكفيه علي حسب حالة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يوجب الحج؟ قال: (الزاد والراحلة) قال الترمذي (813): حسن. ورد عليه البيهقي وابن الصلاح والمصنف بأنه من رواية إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متفق علي ضعفه، ورواه عن الخوزي من هو أضعف منه، ورواه الحاكم (1/ 442) عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صحيح، ووهموه في ذلك، والصواب: عن قتادة عن الحسن البصري مرسلًا. قال: (وأوعيته)، لأنها من الضروريات التي لابد منها، وعد منها القاضي حسين: السفرة، ويسمي وعاء الزاد: المزود. روي ابن القاص وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأبي هريرة في مزوده، فكان لا يضع يده فيه إلا وجد فيه ما يحتاج إليه). ويتسحب أن يستكثر من الزاد والنفقة ليواسي الفقراء والمحتاجين. وأن يكون طيب النفس بنفقته، ويدع المحاككة فيما يشتريه من آلات سفرة للحج والغزو ولكل قربه. وأن لا يشارك غيره في الزاد والراحلة والنفقة، ليتمكن من التصدق والإنفاق من غير حجر. وأن يجتنب الشبع المفرط، والزينة والترفه والتنعم والتبسط في الأطعمة. قال: (ومؤنة ذهابه وإيابه)؛ لأن الغربة تشق، ولذلك جعلت عقوبة للزاني

وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ تُشْتَرَطْ نَفَقَةُ الْإِيَابِ , فَلَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجَّ وَإِنْ قَصُرَ وَهُوَ يَكْتَسِبُ يوم كفاية أيام .. كلف. الثَّانِي وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: إن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة. لم تشترط نفقه الإياب)، لأن البلاد كلها في حقه واحدة، والصحيح الأول. و (الأهل): كل من تلزمه نفقته من زوجة وقريب. و (العشيرة): الأرقاب من جهة الأب والأم. وليس المراد المجموع، بل وجود أحدهما إما الأهل وإما العشيرة، فان الصواب: التعبير بـ (أو) كما عبر في (الروضة)، ولو عبر بمؤنة الإياب. كان أولي، لأن الأصح أن الراحلة كذلك. قال: (فلو كان يكسب ما يفي بزاده وسفره طويله. لم يكلف الحج)، لأنه قد ينقطع عن الكسب لعارض، وبتقدير أن لا ينقطع فالجمع بين تعب السفر والكسب مشقة عظيمة. قال: (وإن قصر وهو يكسب في يوم كفاية أيام. كلف)، لعدم المشقة، فأما إذا كان يسف كل يوم ما يكفي ذلك اليوم خاصة ... لم يلزمه، لأنه ينقطع عن كسبة في أيام الحج فيتضرر، ولا خلاف أنه لا يجب عليه أن يستقرض للحج، ولا يلزمه الاستقراض وإن بذله المقرض. ويتبادر إلي الفهم: أن الأيام ثلاثة، واستنبط شيخنًا من تعليل الرافعي أنها ستة، وهي أيام الحج من الثامن إلي آخر الثالث عشر، فإنهم عللوه بانه ينقطع عن الكسب في أيام الحج. قال: (الثاني: وجود الراحلة لمن بينه وبين مكة مرحلتان) سواء تيسر ذلك بشراء أو استئجار، للحديث المتقدم، والمراد راحله تصلح لمثله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . نعم، يستحب للقادر علي المشي أن لا يترك الحج، وهو الأفضل الركوب أو المشي؟ فيه أقوال: أصحها عند الرافعي: المشي وعند المصنف: الركوب والثالث: أنهما سواء. وقال ابن سريج: هما سواء قبل الإحرام، فإذا أحرم. فالمشي أفضل. وقال الغزال: إن سهل عليه المشي. فهو أفضل، وإلا .. فالركون أفضل. والمتجه: أن أداء المناسك ماشيًا أفضل كما قاله ابن سريج، لما روي الحاكم (1/ 461) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج من مكانه ماشيًا حتي يرجع إليها. كتب الله له بكل خطوة سبع مئة حسنة من حسنات الحرم، وحسنات الحرم الحسنة بمئة ألف حسنة) ويستحب الحج علي الرحل والقتب دون الهوادج، إلا أن يشق عليه لضعف أو عله به لا لشرفه ومنزلته وجاهه، ففي (سنن ابن ماجه) (2890) و (شمائل الترمذي) (340) رث وقطيفة خلقة تساوي أربعه دراهم وهو يقول: (اللهم اجعله حجًا لا رياء فيه ولا سمعة). وفي (البخاري) (1517): (وكانت زاملته). وإنما اعتبرنا مسافة القصر هنا من مكة وفي حاضري المسجد الحرام من الحرم لأن المسجد الحرام اسم لجميع الحرم فاعتبرت المسافة إليه، والحج مضاف إلي البيت فاعتبرت منه. و (الراحلة) من الإبل: القوي علي الأسفار والاحمال، الذكر والأنثي فيه سواء، والهاء للمبالغة.

فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ ... اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ، وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَر ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ وقال الجوهري: الراحلة: الناقة التي تصلح لأن ترحل. قال: (فإن لحقه بالراحلة مشقة شديدة .. اشترط وجود محمل) دفعًا لمشقة الركوب كما اعتبرت الراحلة دفعًا لمشقة المشي. وضبط الشيخ أبو محمد المشقة بأن يوازي ضررها الضرر الذي بين الركوب والمشي. وضبطها غيره بما يخشي منه المرض. قال الإمام: وهما قريبان لا اختلاف بينهما فيما أظن، فإن لحقه بركوب المحمل مشقة ... اعتبر في حقه محفة ونحوها. وظاهر إطلاق المصنف: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وليس كذلك، بل يشترط المحمل في حق المرأة مطلقًا، لأنه استر لها كما نقله الرافعي عن المحاملي وغيره من العراقيين من غير مخالفة. و (المحمل): الخشبة التي يركب فيها، وهو بفتح الميم الأولى وكسر الثانية، وقيل بالعكس. وأول من أحدث المحمل الحجاج، فقيل فيه (من الرجز): أول عبد أخرج المحاملا .... أخزاه ربي عاجلًا وآجلًا. قال: (واشترط شريك يجلس في الشق الآخر)، لتعذر ركوب شق لا يعادله شيء. فلو وجد مؤنة المحمل بتمامه ولم يجد شريكًا يجلس في الشق الآخر .. فظاهر كلام المصنف: أنه لا يلزمه، اللهم إلا أن تكون العادة قاضية في مثلة بالمعادلة بالأثقال واستطاع ذل .. فلا يبعد الوجوب. والمراد بالقدرة علي ذلك: أن يتمكن من تحصيله بشراء بثمن المثل، أو استئجار بأجرة المثل، فإن وجدهما بما فوقهما ... فهو كما لو لم يجدهما

وَمَنُ بَيْنَهُ وَبَيَنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيٌنِ وَهُوَ قَوِيٌ عَلَي الْمَشُيِ .. يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، فَإِنْ ضَعُفَ فَكَالْبَعِيدِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ، وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشترط أن يكون ما يصرفه إلي الراحلة والمحمل ونحوهما فاضلًا عما يشترط كون الزاد فاضلًا عنه. فرع: يستحب أن يكون لمريد الحج رفيق موافق راغب في الخير كارة للشره، إن نسي .. ذكره، وإن ذكر ... أعانه، ويحتمل كل منهما صاحبه، ويري له عليه فضلًا وحرمه. وفي الحديث: أن النبي صلى اله عليه وسلم قال لخفاف بن ندبه: (يا خفاف، ابتغ الرفيق قبل الطريق، فإن عرض لك أمر ... نصرك، وإن احتجت إليه ... رفدك). كذا رواه ابن عبد البر (عاب 1/ 438) وغيره. قال: (ومن بينه وبينها دون مرحلتين وهو قوي علي المشي ... يلزمه الحج)، لعدم الضرر والمشقة، ولأنه من حاضري المسجد الحرام. قال: (فإن ضعف .. فكالبعيد) فيشترط في حقه ما يشترط في حقه، ولا يؤمر بالزحف والحبو وإن امكناه علي المذهب. قال: (ويشترط كون الزاد والراحلة فاضلين عن دينه) حالًا كان أو مؤجلًا، أما الحال. فلأن وجوبه ناجز والحج علي التراخي، وأما المؤجل ... فلأنه قد يحل بالموت أو بإنقضاء الأجل فلا يجد ما يقضي به الدين لو صرف ما معه إلي الحج. وقيل: إن كان الأجل يحل بعد رجوعه ... لزمه. ومقتضي إطلاق المصنف: أنه لا فرق في الدين بين أن يكون لله تعالي أو لآدمي. ولو قال صاحبه: امهلتك إلي بعد الحج ... لم يلزمه الحج بلا خلاف، لأن المنية قد تخترمه فتبقي ذمته مرهونه به. ومتي فضل عن مقدار الدين الحال والمؤجل ما يكفيه ... وجب عليه الحج اتفاقًا. قال: (ومؤنة من عليه نفقتهم مده ذهابه وإيابه)، لئلا يضيعوا.

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المؤنة): الكلفة مهموزة وغير مهموزه، والتعبير بها أولي من تعبير (المحرر) بالنفقة، لشمولها النفقة والكسوة والسكني وإعفاف الأب، وكذلك أجرة الطبيب وثمن الأدوية حيث احتاج القريب والمملوك ما سيأتي في بابه. وكان الأولي أن يقول: من عليه مؤنته، لأنه قد يقدر علي النفقه فلا تجب علي قريبه دون المؤنة فتجب. قال: (والأصح: اشتراط كونه فاضلًا عن مسكنه وعبد يحتاج إليه لخدمته) سواء كانت الحاجة لزمانته أو منصبه، قياسًا علي الكفارة، وكذلك دست الثوب اللائق بمنصبه، لأن إلزامه بصرف ذلك في الحج يحرجه وقال تعالي: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} إنما يباع الزائد علي ذلك ويصرف في الحج. والثاني: يباعان، قياسًا علي الدين، ونص عليه في (الأم)، وبه قال مالك، وصححه القاضي، والمتولي. كل هذا إذا كان الدار سكني مثله والعبد عبد مثله. فإن أمكن بيع بعض الدار بما يحج به، أو كانا نفيسين عليه ولو أبدلهما وفي التفاوت بالحج. لزمه. قال الرافعي: كذا أطلقوه هنا، وحكوا في نظيره من الكفارة وجهين. ثم فرق في (الشرح الصغير) والمصنف في (الروضة) بأن للكفارة بدلًا، فلو كان معه نقد يريد صرفه إليهما ... مكن. أما الذي يعتاد السكني بالأجرة، أو يسكن مسكنًا مباحًا كمدرسة ونحوها .. فهل نقول: النقد يستحق لجهة المسكن فتمتنع الاستطاعه أو لا؟ لا نقل فيه. قال الشيخ: والأقرب أنه مستطيع. قال: (وأنه يلزمه صرف مال تجارته إليهما) أي: إلي الزاد والراحلة وإن بطلت تجارته كما يكلف صرفه في الدين، ويخالف المسكن والخادم، فإنه يحتاج إليهما في الحال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . والثاني: لا، لئلا يلتحق بالمساكين، وهذا قول ابن سريج، وغلطة فيه الأصحاب حتى قال الشيخ أبو حامد: إنه خلاف الإجماع، ويجريان في الأملاك التي يستغلها وينفق مع ريعها. فروع: الصواب: أنه لا يلزم الفقيه بيع كتبه المحتاج إليها للحج خلافًا للقاضي، إلا أن يكون له من تصنيف نسختان. وأما التي لا يحتاج إليها ... فتباع قولًا واحدًا، وكذلك الجندي لا يباع سلاحه المحتاج إليه. ولو لم يكن له إلا دين، فإن أمكن تحصيله في الحال بأن كان حالًا علي مليء مقر أو عليه بينه ... فهو كالحاصل في يده فيجب عليه الحج إن كفاه، وإلا ... فلا. ولو كان المال الذي في يده حرامًا ... فلا حج عليه، ولا كفارة مالية، كما أنه لا زكاه فيه، وإن كان فيه شبهه ... لزمه الحج والكفارة المالية والزكاة. وحاجته إلي النكاح لا تمنع الوجوب علي الصحيح ولو خاف العنت. وصرحوا بأن صرف المال في هذه الحالة إلي النكاح أفضل. ويستحب لقاصد الحج أن يكون خليًا من التجارة في الطريق، فإن خرج بنية التجارة والحج صح حجة لكن ثوابه دون ثواب الخليَّ عن التجارة، ويجب عليه تصحيح النية فيهما، وهو أن يريد بذلك وجه الله تعالي. روي الخطيب البغدادي (10/ 295) عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي علي الناس زمان يحج أغنياؤهم للنزهة، وأوساطهم للتجارة، وقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة) ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول: (الوفد كثير والحاج قليل).

الَثَّالِثُ: أَمْنُ الطَّرِيِق، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم عرفة. غفر الله للحاج المخلص، فإذا كان ليله المزدلفة ... غفر الله عز وجل للتجار، وإذا كان يوم مني .. غفر الله للجمالين، وإذا كان عند جمرة العقبة ... غفر الله للسؤال). ويستحب أن يحرص علي مال حلال ينفقه في سفره، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا. وفي الخير: (من حج بمال حرام، إذا لبي ... قيل له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك). ومن حج بمال مغصوب أو علي دابة مغصوبة ... أجزأه الحج وإن كان عاصيًا بالغصب. وقال أحمد: لا يجزئه كما قيل (من الطويل). يحجون بالمال الذي يجمعونه .... حرامًا إلي البيت العتيق المحرم. ويزعم كل منهم أن وزره .... يحط ولكن معهم في جهنم. فإن كان الذي خرج به فيه شبهه .. فيجتهد أن يكون قوته في جميع طريقه حلالًا، فإن عجز ... فليكن من حين الإحرام إلي التحلل، ويجتهد في الحلال يوم عرفة. قال: (الثالث: أمن الطريق)، لقوله تعالي: {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة}. وحكي شارح (التعجيز) وجهًا عن البلخي: أن الأمن شرط في الأداء لا الوجوب، وأن أحمد قال به. وفائدة الخلاف تظهر فيمن مات والطريق مخوف ... فعندنا: لا يحج عنه، وعندهما: يحج عنه. وليس المراد الأمن القطعي، ولا الأمن الذي في الحضر، بل آمن كل موضع بحسبه.

فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو خاف علي نفسه أو ماله سبعًا أو عدوًا أو رصديًا ولا طريق سواه .. لم يجب الحج) سواء كان المال قليلًا أم كثيرًا. ويكره بذله لهم، لأنهم يحرصون بذلك علي التعرض للناس، ولهذا جاز التحلل من الإحرام بمثل ذلك كما سيأتي. وسواء كان الرصدي مسلمًا أم كافرًا، لكن إن كانوا كفارًا وأطاق الحاج مقاومتهم استحب الخروج، ويقاتلونهم لينالوا الحج والجهاد، وإن كانوا مسلمين ... فلا. و (الرصدي) بفتح الصاد وسكونها: من يرصد، أي: يرقب من يمر به ليأخذ منه شيئًا، ويستعمل في القاصد بالخير أيضًا قال الله تعالي: {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} أي: حفظه من الملائكة يحفظونه من الشياطين، ويطردونهم عنه، ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم. فرع: إذا كان الطريق آمنًا بحيث لا يخاف الواحد فيه ... لم تشترط الرفقة، وإن كان الأمن لا يحصل إلا برفقه ... اشترط لوجوب الحج وجود رفقة تخرج معهم في الوقت الذي جرت عادة بلده بالخروج فيه، فإن خرجوا قبله .. لم يلزمه الخروج معهم، وإن تأخروا بحيث لا يبلغون مكة إلا بأن يقطعوا في كل يوم أكثر من مرحلة .. لم يلزمة أيضًا. قال: (والأظهر: وجوب ركوب البحر إن غلبت السلامة)، لعموم الادلة علي وجوب المسير إلي الحج، فإن غلب الهلاك أو استوي الأمران .. لم يجب قياسًا علي البر في الحالين. والثاني: لا يجب مطلقًا، لأن عوارض البحر عسرة الدفع، وسمي الله عزوجل الخارج منه ناجيًا فقال تعالي {فلما نجتهم إلي البر}. والثالث: إن كانت عادته ركوبه كالملاحين وأهل الجزائر ... وجب، وإلا. فلا، وقال الماوردي: إنه المذهب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . وقيل: يجب علي غير الجبان. وقيل: علي الرجل دون المرأة، لأن قلبها أضعف. هذا كله إذا لم يكن في البر طريق سواه، فإن كان .. لزمه قطعًا، وهو مخير بين ركوب البحر وبين سلوكه. وإذا قلنا: لا يجب ... استحب ركوبه للرجل دون المرأة علي الأصح إن غلبت السلامة، وإن غلب الهلاك ... حرم، وإن استويا ... فالأصح التحريم كما تقدم، هذا في الرجل، أما المرأة ... ففيها خلاف مرتب، وأولي بعدم الوجوب، لضعفها ولكونها عورة. والأصح: الوجوب في حقها أيضًا. فرع: إذا لم نوجب ركوب البحر فتوسطه واستوي ما خلفه وقدامه .. فهل له الانصراف أو عليه التمادي؟ فيه وجهان، وقيل: قولان، مقتضي كلام (الشرح) و (الروضة): ترجيح الأول. فإن قيل: كيف يصح القول بوجوب الذهاب ومنعه من الإنصراف، والحج علي التراخي .... فالجواب: أن ذلك يتصور فيمن خشي العضب، وفيمن أحرم بالحج وضاق وقته، وفيمن نذر أن يحج تلك السنة. وليست الأنهار العظيمة كجيحون في معني البحر علي الصحيح، لأن الخطر فيها لا يعظم. وحيث حكمنا بتحريم ركوبة للحج ... حرم للتجارة ونحوها من الأسفار المباحة والمندوبة، وفي سفر الغزو وجهان.

وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ ، وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِق بِهِ، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان البحر مغرقًا أو كان قد اغتلم وهاج .. حرم ركوبه لكل سفر. قال: (وأنه تلزمه أجرة البذرقة)، لأنها من أهب الطريق مأخوذة بحق فكانت كالراحلة. والثاني- وهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وأجاب به العراقيون والقاضي حسين-: لا يجب، لأنه خسران لدفع ظالم فأشبه الدفع إلي الحاكم. وعبارة المصنف تقتضي: أن الخلاف قولان، والصواب: أنه وجهان، فكان الصواب التعبير بالأصح. والمراد أجرة المثل، فلو طلب الخفير أكثر منها .. لم يجب كما في نظائره. و (البذرقة) بالذال المعجمة والمهملة: الخفارة، وهي لفظة أعجمية معربة. قال في (الدقائق): البذرقة: الخفير، وكأنه أراد أجره الخفير. قال: (ويشترط: وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل، وهو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان) فلو كان العام جدب وخلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه .. لم يلزمه الحج، لأنه إن لم يحمله معه ... خاف علي نفسه، وإن حمله .. لحقته مؤنة عظيمة، وكذلك إذا وجده بأكثر من ثمن المثل، لما فيه من الخسران، اللهم إلا أن تكون الزيادة يسيرة ... فتغتفر، ولا يجري فيها الخلاف في شراء الماء للطهارة، لأن لها بدلًا والحج لا بدل له.

وَعَلَفِ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ وَفِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعلف الدابة في كل مرحلة) علله الرافعي وغيره بأن المؤنة تعظم في حمله، وفيه نظر. وقال في (شرح المهذب): ينبغي الرجوع فيه إلي العادة كالماء والعلف، وهو مشكل أيضًا، لكنه يسهل إن أريد المرعي، أما إذا أريد الشعير ... فيبعد، فإن العادة حمله. و (العلف) هنا بفتح اللام: ما تعتلفه البهائم، والذي يأتي في محرمات الإحرام بالإسكان المصدر. فائدة: قال الخطابي: كان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم الراكب إذا نزل المنزل حتى يعلف الدابة، قال: وأنشدني بعضهم (من البسيط). حق المطية أن يبدا بحاجتها .... لا أطعم الضيف حتى أطعم الفرسا قال: (وفي المرأة: أن يخرج معها زوج، أو محرم) سواء كان من نسب أو رضاع أو مصاهرة، لأن سفرها وحدها حرام وإن كانت في قافلة لخوف خديعتها واستمالتها إلا مع زوج أو محرم. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم) رواه الشيخان (خ 1197 - م 1338/ 415). وفي رواية لهما (خ1862 - م1341): (لا تسافر المرأة إلا مع محرم). وفي (مسلم) (1339): (مسيرة يوم)، وفي رواية: (ليلة). وفي رواية صحيحة في (سنن أبي داوود) (1722): (مسيرة بريد). فإن قيل: البريد أقل الروايات فلم لا حمل المطلق عليه؟ .... قلنا: ذكر بعض أفراد العموم لا يخصص، وهذا منه، فلذلك منعت من كل ما يسمي سفرًا. واختار الشيخ: أن السفر إذا كان أقل من بريد كحج المكية ... لا يشترط فيه ما ذكر من الزوج أو المحرم ولا النسوة.

أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَات، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ويكون طلاق الأحاديث محمولًا علي الغالب، فإن الغالب علي الحاج السفر، والغالب علي المرأة عدم الأمن سفرًا وحضرًا. قلت: ويقاس بما ذكره الشيخ خروج المرأة من مكة إلي التنعيم للعمرة، فإنه لا يشترط معها ذلك، ولا يرد أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أعمر عائشه رضى الله عنها منه، لأن ذلك أكمل، بل يدل له ما قاله المصنف في (شرح مسلم) (9/ 98) في حديث الخثعمية. قال: (أو نسوة ثقات)، لأنهن إذا كثرن انقطعت الأطماع عنهن بخلاف غير الثقات. وظاهر كلامه اعتبار ثلاث نسوة سواها، والظاهر الاكتفاء باثنتين معها هذا بالنسبة إلي الوجوب. فلو وجدت امرأة واحدة .. لم يلزمها الخروج معها، لكن يجوز أن تخرج معها لأداء حجة الإسلام علي الصحيح، فهما مسألتان: إحداهما: شرط وجوب حجة الإسلام. والثانية: شرط جواز الخروج لأدائها، وقد صرح بذلك في شرحي (المهذب) و (مسلم). وليس لها أن تخرج إلي حج تطوع ولا غيره من الأسفار التي لا تجب مع المرأة الواحدة، ولا مع النسوة الخلص عند الجمهور. نعم، لها الهجرة من بلاد الكفر وحدها. و (النسوة) بالكسر والضم، والنساء والنسوان جمع امرأة من غير لفظها. فرع: يحل لها أن تسافر مع عبدها علي الأصح مع أنه غير محرم بدليل أن وضوءها يتنقض بلسمه، بل له حكم المحرم علي الصحيح في الخلوة والنظر

الْأَصَحِّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . ثم هل يشترط في المحرم أن يكون بالغًا؟ اختلف في ذلك كلام المصنف، ففي (كتاب العدد) من (الروضة): أنه يشترط البلوغ، وجزم في (الفتاوي) بأنه يكفي التمييز. قال الشيخ ابو حامد: نحن لا نشترط في سفر المرأة مع المحرم ملازمته إياها، بل لو مشت قدام القافلة أو بعدها كفي، كذا نقله عنه في (شرح المهذب) وأقره. قال الشيخ: وهو مشكل إذا كانت بعيدة، إذ لا فائدة في ذل، ولأن غالب الأصحاب عبروا بلفظ (المعية) وهي: الصبحة اللائقة. قال: (والأصح: انه لا يشترط وجود محرم لإحداهن) أي: ولا زوج، لما تقدم من انقطاع الأطماع عنهن إذا اجتمعن. والثاني –وهو رأي القفال-: يشترط، لأنهن يستعن به علي دفع المكروهات. قال: (وأنه تلزمها أجرة المحرم إذا لم يخرج إلا بها) كمؤنة المحمل المحتاج إليه. وأجرة الزوج والنسوة كأجرة المحرم فيما يظهر، لأن الواجب لا يتم إلا بذلك، فلو امتنع المحرم من الخروج بالأجرة ... لم يجبره السلطان، ويلحق بذلك الزوج أيضًا وسيأتي في (باب التعزيز). فروع: لو تطوعت بحج ومعها محرم فمات .. فلها إتمامه بغير محرم، قال الروياني. ولو أرادت الحج ماشية ... فللولي منعها فيما لا يلزمها، نص عليه. وإن أراد الرجل الحج ماشيًا وهو يطيقه، فليس لأمه ولا لوليه منعه. ولو خاف الأمرد الحسن علي نفسه .. ينبغي أن يشترط في حقه من يأمن معه من قريب أو ولي أو نحوهما

الرَّابِعُ، أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَعَلَى الْأَعْمَى الْحَجُّ إنْ وَجَدَ قَائِدًا وهو كالمحرم في حق المرأة. والمحجور عليه لسفه كغيره، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشترط في الخنثي وجود محرم من الرجال أو النساء كإخوته وأخواته يخرجون معه، قالوا: ولا أثر للنسوة الثقات، فإنه لا تجوز الخلوة له بهن، كذا قالوه، وفيه نظر، فإنه يجوز للرجل الخلوة بهن كما تقدم. قال: (الرابع: أن يثبت علي الراحلة بلا مشقة شديدة)، لأنه بسوي ذلك غير مستطيع، فلو أمكن مقطوع اليدين والرجلين الثبوت عليها. لزمه الحج، ويشترط في حقة وجود معين ولو بأجرة كقائد الأعمي. والمراد ب (الراحلة) هنا: البعير كيف كان بمحمل أو بغيره، بخلاف الراحلة فيما تقدم فإن المراد بها البعير الخالي عن المحمل. قال: (وعلي الأعمي الحج إن وجد قائدًا)، لأنه بدونه غير مستطيع، وفيه وجه عن ابن خيران: أنه يلزمة ويستنيب. قال: (وهو كالمحرم في حق المرأة) فيشترط كونه زائدًا علي الزاد والراحلة والأمن وقدرته علي الثبوت علي الراحلة، ويأتي فيه الخلاف في وجوب الأجرة. قال ابن الاستاذ: ينبغي أن تجب أجرة القائد قطعًا، لأن أجرة المحرم كالبذرقة، وأجرة القائد لتحقق الاستطاعة فهي كالمحمل، وهذا أحسن. وللنظر مجال في الأعمي المكي والقريب منها الذي يحسن المشي علي العصار هل يأتي فيه ما تقدم في (الجمعة) عن القاضي حسين وغيره؟ وقد يفرق بطول المسافة هنا وكثرة أعمال الحج بخلاف الجمعة. أما الأصم ... فيجب عليه قطعًا، وعلي المقعد علي الصحيح إذا وجد معينًا. وقيل: يستنيب لتعذر الطواف والسعي نحوهما منه. قال: (والمحجور عليه لسفه كغيره)، لأنه مكلف فإذا أحرم ... صح إحرامه، ووجب الإنفاق عليه من ماله.

لَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِ، بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ: النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ .... وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: لكن لا يدفع المال إليه، بل يخرج معه الولي أو ينصب شخصًا له، رعاية لحفظ ماله. وبقي من الشروط سعة الوقت، لتمكنه من السير لأدائه، وقد نص الشافعي رضي الله عنه في مواضع، وأهمله الغزالي، واستدراكه عليه الرافعي ونقله عن الأئمة، لكنه أهمله في (المحرر). واعتراضه ابن الصلاح بأن ذاك شرك لاستقراره لا لوجوبه، فإنه بمجرد الاستطاعة كما وجبت الصلاة بأول الوقت، ويستقر بالإمكان. وصوب المصنف والشيخ مقالة الرافعي، لأن الله تعالى قال: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ,هذا غير مستطيع، وأما الصلاة .. فإنما وجبت في أول الوقت لإمكان تتميمها. وشذ أبو الحسن المحاملي- من كبار أصحابنا- في قوله: إن من وجد الزاد والراحة يوم عرفة وهو بخراسان ومات., يكون عاصيًا. قال: (النوع الثاني: استطاعة تحصيله بغيره، فمن مات وفي ذمته حج .. وجب الإحجاج عنه)، لأن رجلًا من خثعم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أبيه فقال: (أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه، أكان ذلك يجزي عنه؟ قال نعم، قال: فاحجج عنه) رواه أحمد (1/ 212) والنسائي (5/ 118) إسناد جيد. وروى مسلم (1149) عن بريدة رضي الله عنه: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: (حجي عنها). وروى البخاري (7315) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: (نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: اقضوا الله الذي له فإن الله أحق بالوفاء) فسبه الحج بالدين الذي لا يسقط بالموت فوجب أن يتساويا في الحكم.

مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (من تركته) ليس هذا في (المحرر) ولا بد منه، فإنه إذا لم يخلف تركه .. لا يجب شئ على أحد، بخلاف الصوم فإنه يلزم الوارث في رأي، لكن لو حج عنه أجنبي بلا إذن .. كفى، بخلاف الصوم. ولو اجتمع في التركة حج ودين آدمي .. ففي المقدم مهما أقوال اجتماع الزكاة ودين آدمي أصحها: تقديم الحج كما تقدم، وبه أفتى علماء العصر. فلو اجتمعت الزكاة والحج .. ففي المقدم منهما نظر. وقول المصنف: (وفي ذمته) يشمل الإسلام والقضاء والنذر والذي استؤجر عليه إجارة في الذمة، لكنه لا يتناول العمرة. وللشافعي رضي الله عنه قول غريب: إنه لا يحج عن الميت الحجة الواجبة إلا إذا أوصي بها. قال: (والمعضوب العاجز عن الحج بنفسه إن وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل .. لزمه)، لأنه بذلك مستطيع، إذ الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون ببذل المال، ولذلك يقال لمن لا يحسن البناء: فلان يستطيع بناء داره إذا كان قادرًا على ما يبذله في ذلك، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. وفي (الصحيحين) (خ 1513 - م 1335) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة خثعمية في حجة الوداع قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: (نعم).

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا .... ـــــــــــــــــــــــــــــ . وقال مالك: لا يجب عليه إلا إذا استطاع بنفسه. و (المعضوب): هو المأيوس من قدرته، فقوله بعده: (العاجز) تفسير فيعرب خبرًا لا صفة، ويقال بالضاد المعجمة من العضب وهو: القطع، وبالمهملة كأنه قطع عصبه. أما لو كان بمكة أو بينه وبينه دون مسافة القصر .. فليس له أن يستنيب من يحج عنه، لقلة المشقة، وسواء طرأ العضب بعد الوجوب أو بلغ معضوبا، لكنه على التراخي في الأولى، وعلى الفور في الثانية على الصحيح. فإن امتنع عن الاستئجار .. فأشبه الوجهين في (الرافعي): أن الحاكم لا يستأجر عليه. ودخل في قوله: (أجرة من يحج ما إذا لم يجد إلا أجرة ماش وهو أصح الوجهين، إذ لا مشقة في مشي الأجير، بخلاف ما إذا حج بنفسه. وأفهم أيضًا: أن الأجير إذا طلب أكثر من أجرة المثل .. لا يجب عليه. ولو استأجره ليحج .. لم يحتج الأجير إلى معرفة اسم المحجوج عنه، ولو كان عن مست أو معضوب .. لم يحتج إلى معرفته على الأصح، ويكفي أن ينوي الحج عمن استؤجر عنه. ولو استأجر ليحج عمن لا يعرفه الأجير ولا المستأجر .. لم يجز. قال: (ويشترط كونها) أي: الأجرة (فاضلة عن الحاجات المذكورة فيمن حج بنفسه، لكن لا تشترط نفقة العيال ذهابا وإيابا)، لأنه إذا لم يفارقهم .. يمكنه

ولَوْ بَدَلَ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ، ولَوُ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ .. وَجَبَ قَبُولُهُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ تحصيل نفقاهم، لكن لو عبر بالمؤنة كان أولى. قال: ولو بذل ولده أو أجنبي مالًا للأجرة .. لم يجب قبوله في الأصح)، لما في قبول المال من المنة، لحصوله الاستطاعة به. قال: (ولو بذل الولد الطاعة .. ,جب قبوله)، لحصوله الاستطاعة به، وسواء في ذلك الذكر والأنثى والولد وولد الولد. والمراد بـ (القبول): الإذن له في ذلك، فإن امتنع .. لم يأذن الحاكم عنه في الأصح. وفي وجه غريب في زوائد (الروضة): أنه لا يجب القبول. وشرط الباذل الذي يجب قبوله بذله: أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًا موثوقًا به، مؤديًا لفرضه، غير معضوب. وأن لا يكون ماشيًا، فأن مشى .. فالأصح: لا يجب القبول، لأن مشيه يشق عليه، وحكم التعويل على الكسب والسؤال حكم المشي كما أجاب به صاحب (الحاوي الصغير). ويشترط أن ينوي الباذل الحج عن المعضوب، (وكذا الأجنبي على الأصح). فروع: قال الضحاك: الأب أحق بالطاعة، والأم أحق بالبر، فإذا أراد أن يحج عنهما .. بدأ بالأب. وتجوز نيابة الرجل والمرأة عن كل من الرجل والمرأة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم حجة الإسلام والقضاء والنذر في جميع ما ذكرناه واحد. ولو حج حجة الإسلام، ثم نذر الحج في العام الثالث .. فهل له أن يحج في الثاني تطوعًا أو عن غيره بأجرة؟ قيل: نعم. وقيل: له الحج عن نفسه دون غيره. ولو نذر المعضوب ألف حجة .. انعقد نذره، فإن مات وخلف مالًا .. حج عنه ألف حجة. والصحيح: إذا نذر ألف حجة ينعقد أيضًا، وإذا مات، فكل ما تمكن منه ولم يحج .. حج عنه بعد موته، وما لم يتمكن منه في حياته .. يسقط عنه بموته. والفرق: أن المعضوب نذره على معنى أن يحج عنه غيره، والصحيح: نذره عبى اعتقاد أنه يحج بنفسه، وهو لا يمكنه أن يحج في سنة إلا مرة. ولو حج الفرض ولم يعتمر هل يجوز أن يحج عن غيره؟ قال ابن الرفعة: لم أر فيه نقلًا، والذي يظهر الجواز، إذا لو امتنع .. لامتنع أن يتطوع بالعمرة من اعتمر عمرة الإسلام ولم يحج، وذلك غير ممتنع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر تطوعا قبل الحج. وإذا مات الحاج عن نفسه في أثنائه .. فالجديد: أنه لا يجوز البناء على حجه. فعلى هذا: يبطل ما أتى به إلا في الثواب، ويجب الإحجاج عنه من تركه. وإذا مات الأجير في أثناء الحج بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ .. فالأظهر: أنه يستحق بقدر عمله سواء مات قبل الوقوف أم بعده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يحج بعد حجة الإسلام حجة ثانية قبل أن يحج عن غيره، ليكون قدم نفسه في الفرض والتطوع. وقال الشافعي رضي الله عنه: يكره أن يقال لمن لم يحج: صرورة. ولم يقف المصنف على النص، بل حكى ذلك عن الشيخ أبي حامد وجماعة، وخطأهم وقال: إنه خلاف إجماع المسلمين. أما الصرورة في شعر النابغة .. فالذي لم يأت النساء، وهو قوله (من الكامل): لو أنها عرضت لأشمط راهب .... عبد الإله صرورة متعبد لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشدًا وإن لم يرشد كأنه أصر على تركهن وفي الحديث: (لا صرورة في الإسلام). تتمة: يجب على الداخل في كل أمر من سفر وغيره أن يتعلم ما يحتاج إليه فيه، فيتعلم المسافر للحج كيفيته وأركانه وشروطه وغيرها، ولا يعتمد في ذلك على تعليم عوام مكة. والمسافر للغزو يتعلم ما يحتاج إليه من أمور القتال، وتجريم الهزيمة والغلول، وقتل النساء والصبيان ومن أظهر لفظ الإسلام ونحوه. والمسافر للتجارة ما يحتاج إليه في البيوع، وإن كان وكيلًا أو عاملًا .. تعلم ما يباح له من السفر والتصرف، وما يحتاج إلى الإشهاد فيه. والمسافر للصيد يتعلم أحكامه. والمسافر رسولًا إلى سلطان .. يتعلم آداب مخاطبات الكبار، ومعرفة حكم هداياهم وضيافاتهم، وما يجب في نصحهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة يستحب لمريد سفر الحج وغيره أن يشاور من يثق بدينه وخيره وعلمه في سفره في هذا الوقت وإن كان السفر للحج خيرًا في الجملة، ويجب على المستشار النصيحة والتحرز عن الهوى. ويستحب أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي، ويخرج من المظالم، ويوفي ما أمكنه من دين، ويرد الودائع، ويستحل ممن بينه وبينه معاملة، ويوصي، ويوكل من يقضي ما لم يمكنه قضاؤه من دينه. وأن يخرج بكرة الاثنين أو الخميس وأن يصلي ركعتين عند خروجه من منزله، يقرأ في الأولي بعد (الفاتحة) (سورة قريش)، وفي الثانية (الإخلاص). وأن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه، ويدعو كل منهم للآخر. ويجتنب النوم علة ظهر الدابة ما أمكنه. ويستحب مساعدة الرفقاء. وأن يسير كبير الركب في آخره. وينبغي أن يجتنب المخاصمة، ولعن الدواب، وجميع الألفاظ القبيحة. ويستحب أن يسبح إذا هبط واديا، وأن يكبر إذا علا شرفا، وأن يقول إذا خاف قومًا: اللهم، إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم. ويكره النزول في قارعة الطريق، والنص انه يحرم ليلًا. ويسن أن يقول إذا نزل منزلًا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن يقول إذا جن عليه الليل: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، ووالد وما ولد. ويستحب السير في آخر الليل، ويكره في أوله. وأن يكثر الدعاء في سفره، فإن دعوته مجابة.

باب المواقيت

بَابُ المَوَاقِيْتِ وَقْتُ إِحْرَامِ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ لَيَالِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب المواقيت هي جمع: ميقات، كمواعيد وموازين ومواريث، جمع: ميعاد وميزتان وميراث. وهو في اللغة: الحد، وههنا: مكتن العبادة وزمانها، واصله: الزمان، ثم توسع فيه فأطلق على المكان. والأصل في الباب: قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}. في الكلام حذف تقديره: أشهر الحج أشهر، أو وقت الحج أشهر، أو وقت عمل الحج أشهر، لأن الحج ليس هو الأشهر فاحتيج إلى هذه التقديرات، ولما كانت أشهر الحج معلومة عندهم لم يسمها الله تعالى. ولفظ الأشهر يقع على الشهرين وبعض الثالث، كما يقال: رأيتك سنة كذا، وإنما رآه في بعضها. وقال صلى الله عليه وسلم: (أيام منى ثلاثة) وهي يومان وبعض الثالث. قال: (وقت إحرام الحج: شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة) أجمع العلماء على أن أولها شوال، وإنما الخلاف في آخرها. والصحيح: أنه يبقى إلى طلوع الفجر يوم النحر، لحديث عروة بن مضرس ضي الله عنه قال: أتيت الني صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله \، إني جئت من جبل طئ أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله

وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَجْهٌ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ أَنْعَقَدَ عُمْرَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من شهد معنا صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا .. فقد تم حجه وقضى تفثه) رواه الأأربعة. و (الحبل) بالحاء والباء: المستطيل من الرمل، وقيل: الضخم منه، وجمعه حبال. والأفصح فتح القاف من (القعدة)، وجمعه ذوات القعدة، وكسر الحاء من (الحجة)، وجمعه ذوات الحجة، وسمي ذا القعدة، لقعودهم فيه عن القتال، والحجة، لوقوع الحج فيه. والكي كغيره، لكن يستحب له أن يحرم يوم التروية. ويؤخذمن كلام المصنف مسألة حسنة صرح بها في (صلاة الجمعة) من (البحر) وهي: أنه إذا لم يبق من زمن الوقوف بعرفة ما يصح معه إداراكه .. صح إحرامه بالحج، بخلاف ما إذا ضاق وقت الجمعة، وفرق بأن الجمعة لا تقضي جمعة، والحج بفوات الوقوف يقضي حجًا. قال: (وفي ليلة النحر وجه)، لأن الليالي تابعة للأيام، ويوم النحر لا يصح فيه الإحرام بالحج فكذلك في ليلته، وهذا شاذ، ,أشذ منه من يقول: إن ذا الحجة جميعه وقت للإحرام، ونسب إلى القديم، وبه قال مالك. قال: (فلو أحرم به غير أشهره .. انعقد عمرة على الصحيح) سواء كان عالمًا أم جاهلًا، لأنه بطل خصوص الحج فبقى عموم الإحرام فانصرف إلى العمرة، وبهذا قال ابن عباس وجابر والأوزاعي وأحمد، وقاسه الشافعي رضي الله عنه على من أحرم بالصلاة قبل وقتها، فإنها تكون نافلة، واستشكله المصنف، لأنه إن قيس على العمد .. فالصحيح فيه: البطلان، أو على الجهل .. فظاهر كلامهم هنا: أنه لا فرق.

وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَة ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ والوجه الثاني: لا ينعقد عمرة، بل يتحلل بعمل عمرة كمن فاته الحج ولا يحسب له. والثالث: ينعقد إحرامه مبهمًا، فإن صرفه إلى عمرة .. كان عمرة صحيحة، وإلا .. تحلل بعمل عمرة. وقال مالك وأبو حنيفة والثوري: ينعقد بالحج ولكنه مكروه، واحتجوا بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} فجعل جميع السنة للحج. دليلنا: الآية المتقدمة. وعلى الصحيح: تكون مجزئة عن عمرة الإسلام، لكنه لو أحرم بعمرة ثم بحج في غير أشهره .. لم ينعقد إحرامه حجًا؛ لأنه في غير أشهره، ولا عمرة؛ لأن العمرة لا تدخل على العمرة، ذكره القاضي أبو الطيب. وصورة مسألة الكتاب في شخص حلال. وكان الصواب: التعبير بـ (المذهب)؛ لأن المسألة ذات طرق أظهرها: قولان. فرع: قال صاحب (البيان): لو أحرم قبل أشهر الحج، ثم سك هل أحرم بحج أو عمرة .. فهي عمرة قطعًا، وإن أحرم بالحج وشك هل كان إحرامه في أشهر الحج أو قبلها .. قال الصيمري كان حجًا؛ لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن. قال: (وجميع السنة وقت لإحرام العمرة)؛ لوروده في أوقات مختلفة. ففي (الصحيحين) [خ 1780 - م 1253]: (أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث مرات متفرقات في ذي القعدة) إحداهما: عمرة الحديبية سنة ست، لما صد عن البيت الحرام حسبت له عمرة في الثواب، ثم اعتمر عمرة القضية سنة سبع، ثم عمرة الجعرانة سنة ثمان، وهذه الثلاث في ذي القعدة. وفي (الصحيحين) [خ 1776 - م 1255] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شهر رجب، وأنكرت عائشة رضي الله عنها عليه ذلك).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الدارقطني [2/ 188] والبيهقي [3/ 142]: (أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر في شهر رمضان). وروى مسلم [1211/ 131]: (أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن يعمر عائشة رضي الله عنها ليلة رابع عشر ذي الحجة .. ففعل). وفي (الصحيحين) [خ 1782 - م 1256] عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة). وفي رواية للحاكم [1/ 484]: (تعدل حجة معي). لكن يستثنى من ذلك الحاج إذا تحلل التحللين وعكف بمنى للرمي؛ فإن عمرته لا تنعقد، وكذا المحرم بالحج؛ فإن إحرامه بالعمرة لا يصح على الأظهر كما سيأتي، وأخذ من هذا امتناع حجتين في عام. فرع: يستحب الإكثار من العمرة، ولا تكره عندنا في وقت من الأوقات، وسواء فيه أشهر الحج، وأيام العيدين والتشريق، وأوقات كراهة الصلاة وغيرها. ويتأكد استحبابها في أشهر الحج، والأشهر الحرم، وفي رمضان وهي فيه أفضل منها في غيره. ولا تكره عمرتان فأكثر في السنة الواحدة، بل في اليوم الواحد. وقال مالك والمزني: لا يجوز الاعتمار إلا مرة واحدة في السنة، وهو مردود بقول الشافعي رضي الله عنه: ومن قال: لا يعتمر في السنة إلا مرة واحدة .. خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعمر عائشة رضي الله عنها في سنة واحدة مرتين، واعتمر ابن عمر رضي الله عنهما أعوامًا مرتين في كل عام. قال الشافعي رضي الله عنه في (الإملاء): وأستحب للرجل أن لا يأتي عليه شهر

وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ: نَفْسُ مَكَّةَ، وَقِيلَ: كُلُّ الحَرَمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ: الْجُحْفَةُ، وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ، ومِنَ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا اعتمر فيه، وإن قدر أن يعتمر في الشهر المرتين والثلاث .. أحببت له ذلك. وكان قاضي القضاء نجم الدين الطبري يحكي ثلاثة أوجه في الطواف والاعتمار أيهما أفضل؟ ثالثها: إن استغرق زمن الاعتمار الطواف .. فالطواف أفضل. ومختار الشيخ: أن الاعتمار أفضل من الطواف مطلقًا. قال: (والميقات المكاني للحج في حق من بمكة: نفس مكة)، سواء في ذلك المكي والآفاقي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (حتى أهل مكة من مكة) رواه الشيخان [خ 1524 - م 1181]. وقيل: إذا أراد من بمكة القران .. وجب أن يخرج إلى أدنى الحل ويحرم منه. والأفضل للمكي: أن يحرم من باب داره. وقيل: من المسجد قريبًا من البيت. وقيل: من تحت الميزاب. قال: (وقيل: كل الحرم)؛ لاستوائهما في الحرمة، ولأن مكة تطلق على الحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن إبراهيم حرم مكة) والمراد: الحرم جميعه، فإن أحرم من حيث شاء من الحرم .. لم يكن مسيئًا على هذا القول بخلاف الأول. قال: (وأما غيره .. فميقات المتوجه من المدينة: ذو الحليفة، ومن الشام ومصر والمغرب: الجحفة، ومن تهامة اليمن: يلملم، ومن نجد اليمن ونجد الحجاز: قرن، ومن المشرق: ذات عرق)؛ لما روى الشيخان [خ 1524 - م 1181]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك .. فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة). وفي (النسائي) [5/ 124] عن عائشة رضي الله عنها: (أقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق). ويستثنى من إطلاق المصنف الأجير؛ فإنه يحرم من ميقات مستأجره كما حكاه شارح (التعجيز)، ونقله في (الكفاية) عن الفوراني بزيادة: أنه يحرم أيضًا مما بإزائه، وأقره عليه. واختلفوا هل ذات عرق ميقات بالنص أو باجتهاد عمر رضي الله عنه؟ رجح في (الشرح الصغير) و (شرح المهذب) الأول، وفي (شرح المسند)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (شرح مسلم) الثاني، ونصه في (الأم)، والأول رأي الجمهور، والأفضل أن يحرم من العقيق. و (ذو الحليفة) على ستة أميال من المدينة، وقيل: على سبعة، ووقع في (الرافعي) و (الشامل) و (البحر (: أن بينهما ميلًا، وهو خلاف المشاهد. و (الشأم) مهموز، ويجوز ترك الهمز. قال ابن حبان في (صحيحه) [16/ 294]: أول الشام: بالس، وآخره: العريش. و (مصر): هي المدينة المعروفة، تذكر وتؤنث، ويجوز فيها الصرف وعدمه، وهي من إسكندرية إلى أسوان. قال أبو بصرة الغفاري: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، نسبة إلى مصر بن بيصر بن سام بن نوح؛ لأن الذي اختطها. و (المصر): الحاجز بين الشيئين، قال أمية يذكر حكمة الصانع [من البسيط]: وجاعل الشمس مصرًا لا خفاء به .... بين النهار وبين الليل قد فصلا و (الجحفة): مهيعة، سميت بذلك؛ لأن السيل جحفها. و (تهامة) بكسر التاء: اسم لكل ما نزل عن نجد إلى بلاد الحجاز. و (اليمن): إقليم معروف. و (يلملم) –ويقال له: ألملم-: جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة. و (قرن) بإسكان الراء، وقال الفارابي وابن أخته الجوهري: إنها بفتح الراء،

وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ، وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ: فَإِنْ حَاذَى ميقاتًا .. أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإليها بنسب أويس بن عامر القرني، واتفق الناس على تغليطهما. و (ذات عرق) على مرحلتين من مكة. وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر بها كما نطقت به السنة. قال رجل لعمرو بن العاصي رضي الله عنه: صف لي أهل الأمصار، فقال: أهل الشام أطوع الناس لمخلوق وأعصاهم للخالق، وأهل مصر عبيد من غلب، وأهل الحجاز أسرع الناس إلى فتنة وأعجزهم عنها، وأهل العراق أطلب الناس للعلم وأبعدهم عنه. قال: (والأفضل: أن يحرم من أول الميقات) وهو طرفه الأبعد من مكة؛ ليستوعبه كله محرمًا. واستثنى الشيخ من ذلك ذا الحليفة؛ فإن الأفضل أن يحرم من المسجد الذي أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم فيها. قال: (ويجوز من آخر)؛ لصدق الاسم. قال: (ومن سلك طريقًا لا ينتهي إلى ميقات: فإن حاذى ميقاتًا .. أحرم من محاذاته). (المحاذاة) بالذال المعجمة: المسامتة عن اليمين أو اليسار، دون الظهر أو الوجه.

أَوْ مِيقَاتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا , وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . واستدل لذلك بما رواه البخاري [1531] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فتح هذان المصران .. أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردناه .. شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقهم، فحد لهم ذات عرق) ووافقه الصحابة على ذلك. و (المصران): الكوفة والبصرة. فإن اشتبه عليه الأمر .. اجتهد. ويستحب أن يستظهر ليتيقن المحاذاة أو فوقها، وأشار أبو الطيب إلى وجوب الاستظهار. قال: (أو ميقاتين .. فالأصح: أنه يحرم من محاذاة أبعدهما) سواء كانا من جهة واحدة أو كان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. والمراد: أبعدهما من مكة، وهو الأقرب إليه بأن يحاذيه أولًا، كمن يحاذي ذا الحليفة لا يؤخر لمحاذاة الجحفة. ويقابل (الأصح): أنه يتخير بينه وبين الموضع المحاذي للأقرب، ونسبه الماوردي إلى جمهور الأصحاب، وقال: إنه الصحيح. فإن حاذاهما معًا .. أحرم من موضع المحاذاة، قال الرافعي: ويتصور حينئذ أن تكون مكة من أحدهما أبعد؛ لانحراف إحدى الطريقين أو وعورتها. قال: (وإن لم يحاذ .. أحرم على مرحلتين من مكة)؛ فإن ذلك أدنى المواقيت، وعليه اعتمد عمر رضي الله عنه في اجتهاده في ذات عرق. والمراد بعدم المحاذاة: في علمه، لا في نفس الأمر؛ فإن المواقيت تعم جهات مكة فلا بد أن يحاذي أحدها.

وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مَسْكَنُهُ. وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُه ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ ُ. قال: (ومن مسكنه بين مكة والميقات .. فيمقاته مسكنه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن كان دون ذلك .. فمن حيث أنشأ) فلو ترك مسكنه وقصد الميقات فأحرم منه .. جاز ولا دم عليه، كالمكي إذا خرج إلى الميقات فأحرم منه. ولو جاوز مسكنه إلى جهة مكة .. فكمجاوزة الميقات. فرع: أهل الصفراء وبدر بين ميقاتين أحدهما أمامهم والآخر وراءهم، والمشهور: أن ميقاتهم الجحفة، صرح به الروياني في (البحر). قال: (ومن بلغ ميقاتًا غير مريد نسكًا ثم أراده .. فميقاته موضعه) ولا يكلف العود؛ لأنه داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ.) ولما روى مالك [1/ 331] والشافعي [أم 2/ 140] والبيهقي [5/ 29]: أن ابن عمر رضي الله عنهما أحرم من الفرع. قال الشافعي رضي الله عنه: وهذا عندنا محمول على أنه مر بالميقات لا يريد إحرامًا ثم بدا له، أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدل له فأحرم. و (الفرع) بضم الفاء وإسكان الراء: بلاد بين مكة والمدينة. وشملت عبارة المصنف مسألتين: إحداهما: إذا لم يقصد دخول مكة، ولا خلاف أنه لا يأثم بمجاوزة الميقات غير محرم. والثانية: أن يقصد دخول الحرم، وهو كذلك على الأصح، إلا أن يريد النسك ويتجاوز موضع إرادته.

إِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ , فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ , أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا , فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن بلغه مريدًا .. لم تجز مجاوزته بغير إحرام) بالإجماع، قاله المصنف، وهو منازع في ذلك؛ فقد حكى ابن المنذر وابن عبد البر الخلاف فيه. والمراد: لم تجز مجاوزته إلى جهة الحرم، أما إذا جاوزها يمينً أو شمالًا وأحرم من مثل ميقات بلده أو أبعد .. فإنه يجوز، قاله الماوردي. قال: (فإن فعل) أي: جاوزه بغير إحرام (.. لزمه العود ليحرم منه)؛ لأن الإحرام منه كان واجبًا عليه فتركه، وقد أمكنه تداركه فيأتي به، وإذا عاد .. لا دم عليه. وقيل: إن عاد بعد مسافة القصر .. لزمه. وظاهر عبارة المصنف: أن العود إليه محتم، وليس كذلك، بل لو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر .. جاز بالاتفاق. وعبارته أيضًا توهم وجوب تأخير الإحرام إليه، وليس كذلك، بل له أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرمًا؛ لأن المقصود قطع المسافة، كالمكي إذا أراد الاعتمار .. فإنه يجوز له أن يحرم من مكة ثم يخرج إلى الحل. قال: (إلا إذا ضاق الوقت، أو كان الطريق مخوفًا) فإنه يريق دمًا ولا يعود؛ لما في العود من الضرر. واعترض على حصر المصنف بأنه لو خاف على ماله لو تركه .. كان عذرًا، وكذلك لو كان به مرض شاق، أو خاف الانقطاع عن الرفقة. فلو عبر المصنف بقوله: إلا لعذر كضيق الوقت وخوف الطريق .. لاستقام. قال: (فإن لم يعد .. لزمه دم)؛ لما روى مالك [1/ 397] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من نسي من نسكه شيئًا أو تركه .. فليهرق دمًا) قال الرافعي: ويروى مرفوعًا. سواء جاوز عالمًا أو جاهلًا عامدًا أو ناسيًا، على أن مسألة السهو لا تأتي؛

أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ، ,وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ لاستحالة كون الناسي قاصدًا للنسك، إلا أن يتصور بمن أنشأ سفره من بلده قاصدًا له، وقصده مستمر فسها عنه حين المجاوزة. وشرط وجوب الدم إذا لم يعد: أن يحرم إما بالعمرة مطلقًا وإما بالحج في تلك السنة، فإن لم يحرم البتة أو أحرم بالحج بعد انقضاء تلك السنة .. فلا دم؛ لأن إحرام هذه السنة لا يصلح لسنة قابلة، والدم إنما يجب لجبر النسك لا بدلًا عنه، وبهذا يظهر أن المجاوزة وحدها ليست كافية في إيجاب الدم، بل الموجب له النقص الحاصل في النسك بسبب المجاوزة. ولو مر الصبي أو العبد بالميقات غير محرم ثم بلغ أو عتق قبل الوقوف .. فالصحيح: أنه لا دم عليه، وصورة العبد ترد على لفظ الكتاب. أما إذا نوى الولي الإحرام بالصبي فجاوز به الميقات ثم عقد له .. فهل يلزم الولي الفدية في مال نفسه أو لا فدية؟ وجهان. قال: (ولو أحرم ثم عاد .. فالأصح: أنه إن عاد قبل تلبسه بنسك .. سقط الدم) سواء كان ركنًا أو سنة؛ لأنه حصل محرمًا في ميقاته قبل التلبس بشيء من أفعاله فصار كما لو أحرم من دويرة أهله. والثاني: لا يسقط الدم بالعود، وبه قال مالك؛ لأن الإساءة تأكدت بإنشاء الإحرام من غير موضعه. وقيل: إن عاد قبل مسافة القصر من الميقات .. لم يجب، وإلا .. وجب. وقضية كلامه: أن الدم وجب ثم سقط بالعود، وهو وجه في (الحاوي). والصحيح: أنه لا يجب إلا بفوات العود. وفي وجه ثالث في (الكفاية) عن البندنيجي: أنه مراعًى؛ إن لم يعد .. تبين وجوبه عليه، وإلا .. تبين عدمه. وحيث أسقطنا الدم بالعود لا تكون المجاوزة حرامًا كما صرح به المحاملي

وإلا .. فلا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والروياني والعمراني، لكن شرط ذلك أن تكون المجاوزة بنية العود، كذا قيده المحاملي. قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يعد .. لم يسقط الدم سواء كان عامدًا أم ناسيًا أم جاهلًا؛ لنقص إحرامه. ولا فرق بين أن يكون ذلك النسك ركنًا كالوقوف، أو سنة كطواف القدوم. وقيل: لا أثر للتلبس بسنة. فروع: الأول: قال العمراني: سمعت الشريف العثماني من أصحابنا يقول: المدني إذا جاوز ذا الحليفة غير محرم وهو مريد للنسك فبلغ مكة من غير إحرام، ثم خرج إلى ميقات بلد آخر كذات عرق أو الجحفة وأحرم منه .. فلا دم عليه لمجاوزة ذي الحليفة، بل لا حكم لإرادته النسك لما بلغ مكة غير محرم، فصار كمن دخل مكة غير محرم لا دم عليه. قال المصنف: وفيه نظر، وهو محتمل. الثاني: ذمي أتى الميقات يريد النسك فأحرم .. لم ينعقد، فإذا جاوزه ثم أسلم وحج من سنته، فإن عاد إلى الميقات فأحرم منه أو عاد محرمًا .. فلا دم، وإن لم يعد .. لزمه الدم خلافًا للمزني. الثالث: الأجير إذا حج عن غيره ثم اعتمر لنفسه أو اعتمر عن غيره، ثم حج لنفسه من مكة .. يلزمه الدم؛ لأن إحرامه عن غيره، فكأنه دخل مكة مريدًا للنسك بغير إحرام ثم أحرم، قاله القاضي أبو الطيب، وعزاه البغوي إلى القديم، وزاد البندنيجي فقال: وهكذا الحكم وإن كان لم يعن له أن يعتمر إلا بعد فراغه من الحج عن الغير، وقال القاضي حسين: القياس أنه لا يجب الدم.

الْأَفْضَلُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَفِي قَوْلٍ: مِنْ الْمِيقَاتِ قُلْت الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ , وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . قال: (والأفضل: أن يحرم من دويرة أهله) وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنه أكثر عملًا، ولأن عمر وعليًا رضي الله عنهما فسرا الإتمام في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} بذلك، رواه البيهقي [4/ 341] مرفوعًا، وصحح الحاكم [2/ 276] وقفه. قال ابن عبد البر: وأهل ابن عمر رضي الله عنهما من بيت المقدس، وأهل ابن مسعود رضي الله عنه من القادسية، وابن عباس رضي الله عنهما من الشام، وهؤلاء فقهاء الصحابة. وفي (أبي داوود) [1738] و (ابن ماجه) [3002] عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام .. غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة). نعم؛ يستثنى من ذلك الحائض والنفساء؛ فقد نقل صاحب (التقريب) عن النص: أن الأفضل لهما أن يحرما من الميقات. قال: (وفي قول: من الميقات)؛ اتباعًا لفعله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب مالك وأحمد. قال: (قلت: الميقات أظهر، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة والله أعلم)؛ لأن الأمة أجمعت على أنه صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة في حجته وفي عمرة الحديبية مع قرب المدينة من ذلك، بل أطلق جماعة الكراهة في تقديم الإحرام على الميقات، ولو قيل: إنه خلاف الأولى .. لكان أولى. وقيل: إن أمن محظورات الإحرام .. فمن دويرة أهله، وإلا .. فمن الميقات. وأطلق المصنف أن الإحرام من الميقات أفضل، ومراده إذا لم يلتزم بالنذر الإحرام مما قبله، فإن التزمه .. لزمه من موضع التزامه، فإن جاوزه وأحرم .. فكمن جاوز

وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَمَنْ بِالْحَرَمِ، يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَال الْعُمْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ. الميقات ثم أحرم في وجوب العود والدم، قاله المصنف وغيره. قال الشيخ: والقياس أنه كمن نذر الحج ماشيًا .. فحج راكبًا، بل إذا قلنا بالكراهة .. فينبغي أن لا ينعقد نذره. نعم؛ يستثنى من إطلاق عبارة المصنف: ما لو شك في الميقات لخراب مكانه ونحوه .. فالأفضل أنه يستظهر، وقيل: يجب. وأفهمت عبارة المصنف: جواز تقديم الإحرام على الميقات المكاني قطعًا، وخالف الميقات الزماني، فإنه لا ينعقد؛ لأن المكاني مبني على الاختلاف في حق الناس فأبيح فيه التقديم، بخلاف الزماني. ويشكل على الرافعي أنه راعى طول الإحرام هنا، ولم يراعه فيمن أراد الإحرام بالعمرة وهو بمكة كما سيأتي. ويشكل على المصنف: أن من نذر الإحرام من دويرة أهله أنه وافق على أنه يلزمه، وأن من نذر الحج ماشيًا .. لزمه، وصحح أن الميقات والركوب هنا أفضل. قال: (وميقات العمرة لمن هو خارج الحرم: ميقات الحج)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ممن أراد الحج والعمرة). قال: (ومن بالحرم: يلزمه الخروج إلى أدنى الحل ولو بخطوة) أي: أو أقل منها؛ لأن عائشة رضي الله عنها خرج بها عبد الرحمن رضي الله عنه إلى التنعيم، فلو لم يكن الخروج واجبًا .. لأحرمت من موضعها؛ لضيق الوقت. والمرد بـ (الخطوة): القدر اليسير مطلقًا، أما إذا أراد القران .. فالأصح أنه يكفيه الإحرام من مكة تغليبًا للحج. قال: (فإن لم يخرج وأتى بأفعال العمرة) أي: بعد أن أحرم بها من الحرم

أَجْزَأَتْهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.، فَلَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ. .. وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ الْجِعْرَانَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (.. أجزأته في الأظهر)؛ لأن الإساءة بترك الميقات إنما تقتضي لزوم الدم، لا عدم الإجزاء. والثاني: لا تجزئه؛ لأن العمرة أحد النسكين، فيشترط فيها الجمع بين الحل والحرم كالحج. فعلى هذا: يبقى محرمًا حتى يخرج إلى الحل، ثم يعود فيطوف ويسعى ويحلق، وعلى القولين إحرامه منعقد. وفي (الإبانة): طرد القولين فيه. قال: (وعليه دم)؛ لترك الإحرام من الميقات. قال: (فلو خرج إلى الحل بعد إحرامه .. سقط الدم على المذهب)؛ لأن المسيء هو الذي ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ثم يجاوزه؛ وهذا المعنى لم يوجد هنا، بل هو شبيه بمن أحرم قبل الميقات، ويقابله أنه على الخلاف فيما إذا جاوز الميقات مسيئًا ثم عاد إليه محرمًا. والفرق على المذهب: أن ذاك أساء بالمجاوزة، وهذا يشبه من أحرم قبل الميقات من دويرة أهله. وعبارة المصنف تفهم جواز ذلك له وهو كذلك، بل قال المحاملي في (المجموع) والجرجاني في (التحرير): إن ذلك يستحب لطول مسافة الإحرام. قال: (وأفضل بقاع الحل الجعرانة) هذا لا خلاف فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم منها رواه الشيخان [خ 1780 - م 1253]. وكان ذلك في رجوعه من غزوة حنين والطائف سنة ثمان، وهي بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، وهي من الحل بلا خلاف. وفي (فضائل مكة) للجندي: قال يوسف بن ماهك: اعتمر منها ثلاث مئة نبي، وهي على ستة فراسخ.

ثُمَّ التَّنْعِيمِ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم التنعيم)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها أن تعتمر منه، وهو أقرب المواقيت إلى مكة، بينه وبينها ثلاثة أميال. وقول الشيخ في (التنبيه): (الأفضل أن يحرم بها من التنعيم) منكر لا يعد من المذهب، ويتأول على أنه أراد أفضل أدنى الحل التنعيم. قيل: سمي بذلك؛ لأن على يمينه جبلًا يقال له: نعيم، وعلى يساره جبل يقال له: ناعم، والوادي نعمان. قال: (ثم الحديبية)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بأصحابه بها ليدخل إلى مكة بعمرته التي أحرم بها من ذي الحليفة، فتميزت بذلك عن البقاع التي لم يوجد فيها مثل ذلك، فقدم الشافعي رضي الله عنه والأصحاب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما أمر به، ثم ما هي به من سلوك تلك الطريق. وقول الغزالي في (البسيط): وقول غيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بالإحرام منها بالعمرة فصد .. لا يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحرم من ذي الحليفة كما رواه البخاري [1780]. وكانت في ذي القعدة من السنة السادسة، وفيها بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بيعة الرضوان تحت الشجرة –وهم ألف وأربع مئة- فبايعوه خلا الجد بن قيس، فإنه استتر تحت بطن ناقته. فلما تم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة .. أمرهم فنحروا الهدي، وحلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية الخزاعي رضي الله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحلقوا غير عثمان وأبي قتادة رضي الله عنهما، واستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين واحدة، وبعث الله تعالى ريحًا عاصفة فاحتملت شعورهم فألقتها في الحرم. وأقام بها بضعة عشر يومًا، ثم رجع صلى الله عليه وسلم، فلما كان بين مكة والمدينة .. نزلت عليه (سورة الفتح) جميعها، وكانت الشجرة سمرة، وكان الناس بعد ذلك يأتونها يصلون عندها، فأمر عمر رضي الله عنه بقطعها، خشي أن يفضي تعظيمها إلى أن تعبد. وقيل: ذهبت بنفسها. فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الإخلاص وصدق الضمائر. { {فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} الطمأنينة والأمن بسبب الصلح؛ فإنهم كانوا وجلت قلوبهم واضطربت من عدم دخولهم مكة. V{وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} فتح خيبر، وكان في المحرم سنة سبع في قول ابن إسحاق، وفي جمادى في قول غيره، وهي ذات المغانم الكثيرة التي أخذوها وعجلها الله تعالى لهم. {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ} أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان. {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} وهي فارس والروم في قول الجمهور. وقال جماعة: هي مكة قد أحاط الله بها، حفظها الله لكم، ومنعها من غيركم حتى يفتحها لكم فتأخذونها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال الرافعي: الجعرانة على ستة فراسخ من مكة، والحديبية كذلك، وهي بين طريق جدة وطريق المدينة في منعطف بين جبلين، وبها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. والتنعيم على طريق المدينة، وفيه مسجد عائشة رضي الله عنها. و (الجعرانة) بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء. و (الحديبية) بتخفيف الياء، هذا قول الشافعي رضي الله عنه وأهل اللغة والأدب وبعض المحدثين، وهو الصحيح. وقال أكثر المحدثين: هما بالتشديد، وهما لغتان، والتخفيف أفصح، وهي من الحل بلا خلاف. والحديبية اختلف الناس هل هي من الحل أو الحرم، فقال مالك: هي من الحرم، وكان عطاء يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم، وهو قول ابن إسحاق. وقال الأكثرون: من الحل. وقال الشافعي رضي الله عنه في (الأم) في (باب الإحصار بالعدو): والحديبية موضع من الأرض منه ما هو من الحل، ومنه ما هو من الحرم، وإنما نحر النبي صلى الله عليه وسلم عندنا في الحل، وفيه مسجده صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة. قال: ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن نازلًا في الحل، وإنما الخلاف في مكان النحر. والصحيح: أنه في الحل. قال: وبين الحديبية والحرم أزيد من ميل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة قال أثرم: سألت أحمد: في أي سنة أقت النبي صلى الله عليه وسلم مواقيت الإحرام؟ قال: عام حج. وقال البندنيجي: يجوز أن يقيم على إحرامه بالعمرة أبدًا، ويكملها متى شاء، وفيما قاله نظر؛ لأنه لم يؤثر، ولما في مصابرة الإحرام من المشقة. ***

باب الإحرام

بَابُ الْإِحْرَامِ يَنْعَقِدُ مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا، وَمُطْلَقًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الإحرام هو: الدخول في النسك حج أو عمرة، أو مجموعهما، أو مطلقًا، سمي بذلك؛ لمنعه من المحظورات، وإيجابه إتيان الحرم، وإنما يكون الدخول فيه بالنية. وقول من قال: الإحرام نية الدخول معناه: أن بها يحصل الدخول، وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (تحريمها التكبير) أي: به يحصل التحريم. وحقيقة الإحرام مشكلة قل من أوضحها؛ فإن النية اعتقاد وعزم، والقول ليس بنية، وكان الشيخ عز الدين يستشكل ذلك، فإن قيل له: إنه النية .. اعترض بأنها شرط فيه، وشرط الشيء غيره، ويعترض على أنه التلبية بأنها من سننه، ولذلك قال القرافي: أقمت عشر سنين لم أعرف حقيقة الإحرام. قال: (ينعقد معينًا: بأن ينوي حجًا أو عمرة أو كليهما)؛ لما روى مسلم [1211] عن عائشة رضي الله عنها قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة .. فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج .. فليهل، من أراد أن يهل بعمرة .. فليهل) وانعقد الإجماع على ذلك. قال: (ومطلقًا: بأن لا يزيد على نفس الإحرام)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم

التَّعْيِينِ أَفْضَلُ، وَفِي قَوْلٍ ُ: الْإِطْلَاق فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْأَعْمَالِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ عُمْرَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِه ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ وأصحابه أهلوا كذلك، وأحرم علي وأبو موسى رضي الله عنهما كإحرامه صلى الله عليه وسلم، وإذا جاز الإبهام .. جاز الإطلاق. قال: (والتعيين أفضل)؛ ليعرف ما دخل فيه، ولأنه أقرب إلى الإخلاص، ولأن جابرًا رضي الله عنه روى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج) وبهذا قال أبو حنيفة. قال: (وفي قول: الإطلاق)؛ لرواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إحرامه مبهمًا، ولأنه ربما عرض له مرض أو إحصار فيصرفه إلى ما لا يخاف فواته. قال: (فإن أحرم مطلقًا في أشهر الحج .. صرفه بالنية إلى ما شاء من النسكين أو إليهما ثم اشتغل بالأعمال)؛ لأن الاعتبار بالقلب لا باللفظ. ودلت عبارة المصنف على أنه لا يجوز العمل قبل الصرف وهو كذلك، وعلى أن جواز الصرف إلى هذه الأمور مشروط ببقاء وقت الحج واتساعه لهذه الأعمال، فلو ضاق أو فات .. امتنع الصرف إلى ذلك، وإذا فات وقت الحج .. صرفه إلى العمرة. ولو طاف وسعى قبل التعيين .. لم يعتد به؛ لأنه لا في حج ولا في عمرة. قال: (وإن أطلق في غير أشهره .. فالأصح: انعقاده عمرة، فلا يصرفه إلى الحج في أشهره)؛ لأن الوقت لا يقبل إلا العمرة. والثاني: ينعقد مبهمًا فيصرفه في أشهر الحج إلى ما شاء من النسكين، أو

وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إليهما، وهذه مقالة الخضري، وهي بعيدة. وأما قبل ذلك .. فله صرفه إلى العمرة، فإن صرفه إلى الحج .. انعقد عمرة كمن أحرم به قبل أشهره. قال: (وله أن يحرم كإحرام زيد)؛ لما روى الشيخان [خ 1558 - م 1218]، و [خ 1559 - م 1221]: (أن عليًا وأبا موسى رضي الله عنهما لبيا من اليمن وقالا: إهلالًا كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليهما صلى الله عليه وسلم). وصورة المسألة: أن يحرم كإحرامه في الحال، أما إذا علق إحرامه فقال: إذا أحرم زيد فأنا محرم، أو إذا جاء رأس الشهر فأنا محرم .. ففيه وجهان، ميل الرافعي إلى الجواز، ونازعه الشيخ فيه. فروع: قال: أنا محرم غدًا أو رأس الشهر أو إذا دخل فلان .. جاز؛ لأنه لما صح أن يعلق إحرامه بإحرام زيد .. صح تعليقه بالشروط كالطلاق. ولو علقه بمشيئة الله تعالى .. قال المصنف: الصواب: أنه كما لو نوى الصوم وعقبه بها، ولو علق إحرامه بطلوع الشمس .. فوجهان: أحدهما –وبه جزم في (البحر) -: ينعقد كقوله: كإحرام زيد. وفرع عليه أنه لو قال: أحرمت يومًا أو يومين أو بنصف نسك .. انعقد إحرامه مطلقًا كالعتق والطلاق، قال المصنف: وفيه نظر. والثاني –وهو الذي أورده القاضي وأتباعه-: لا ينعقد؛ لأنه علق أصل الإحرام، وهناك علق صفته. ولو قال كإحرام زيد وعمروا .. قال الروياني: إن كانا محرمين بنسك متفق .. كان كأحدهما، وإن كان أحدهما بحج والآخر بعمرة .. كان قارنًا، وكذا إن كان أحدهما قارنًا.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَدَّ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ عَلِمَ عَدَمَ إحْرَامِ زَيْدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ كَإِحْرَامِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: كزيد الكافر وكان قد أتى بصورة الإحرام .. انعقد مطلقًا. ولو أحرم كإحرام زيد فكان إحرام زيد فاسدًا .. فالأصح الانعقاد. ولو أخبره زيد بإحرامه ووقع في نفسه خلافه، فهل يعمل بما أخبره أو بما وقع في قلبه؟ فيه وجهان، صحح المصنف الأول. ولو وقع في قلبه صدقه فمضى عليه فبان كذله، فإن فات الوقت .. تحلل للفوات وأراق دمًا. وهل هو في ماله أو مال زيدٍ للتغرير؟ فيه وجهان، صحح المصنف الأول. قال: (فإن لم يكن زيد محرمًا .. انعقد إحرامه مطلقًا)؛ لأنه عقده بصفة بطل خصوصها فبقي عموم الإحرام. قال: (وقيل: إن علم عدم إحرام زيد .. لم ينعقد) كما لو قال: إن كان زيد محرمًا .. فقد أحرمت، فتبين أنه غير محرم. قال: (وإن كان زيد محرمًا .. انعقد إحرامه كإحرامه) إن حجًا .. فحج، وإن عمرة .. فعمرة، وإن قرانًا .. فقران. وإن أحرم زيد بعمرة بنية التمتع فإحرامه بعمرة، ولا يلزمه التمتع، وإن كان إحرامه مطلقًا .. فمطلق، ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرف إليه زيد على الصحيح، إلا إذا أراد إحرامًا كإحرام زيد بعد تعيينه، هكذا استثناء في (التهذيب). قال الشيخ: وفيه نظر؛ لأنه في معنى تعليق الكيفية على مستقبل، ولعله يقول: إن هذا جزم في الحال، أو يغتفر ذلك في الكيفية دون الأصل. ولو كان إحرام زيد مطلقًا ثم عينه قبل إحرام عمرو .. فالأصح: أن إحرام عمرو يقع مطلقًا، وقيل: معينًا. ويجري الخلاف فيما لو أحرم زيد بعمرة ثم أدخل عليها الحج هل يكون عمرو معتمرًا أو قارنًا؟ الوجهان فيما إذا خطر بباله التشبيه بإحرام زيد لا في الأول ولا في

فصل

فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إِحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ .. جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ. فَصْلٌ: الْمُحْرِمُ يَنْوِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال، فإن خطر له ذلك .. تبعه فيما خطر له بلا خلاف. قال: (فإن تعذر معرفة إحرامه بموته .. جعل نفسه قارنًا وعمل أعمال النسكين)؛ لأنه لا اطلاع له على الغيب، وهو مأمور بالاحتياط. والمراد بـ (جعل نفسه قارنًا): أن ينوي القران. قال الشيخ: وكلام الرافعي والمصنف يشعر بتصوير المسألة بما إذا علم إحرامه وتعذر معرفة عينه، وكلام غيرهما يشعر بجريان ذلك فيما إذا لم يعرف شيئًا من حاله، وهو الصواب. لكن قول المصنف: (بموته) تقييد مضر؛ فإن التعذر لو حصل بغير الموت كالجنون والغيبة ونحوهما .. كان الحكم كذلك. تتمة: هذه المسألة شبهها الرافعي وغيره بما إذا أحرم بنسك معين ثم نسبه وفيها قولان: القديم: أنه يجوز له التحري، فإذا غلب على ظنه شيء .. عمل به، ويجزئه كالأواني والقبلة، وإن لم يغلب على ظنه شيء .. تعين أن ينوي القران. والجديد: لا يتحرى؛ لأنه تلبس بالإحرام يقينًا فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه، كما لو شك في عدد الركعات .. فإنه لا يجتهد. والفرق بين هذا وبين الأواني والقبلة: أن العبادة هناك لا تحصل بيقين إلا بفعل محظور، وهو أن يصلي إلى غير القبلة أو يستعمل نجسًا، فلذلك جاز التحري، وهنا يحصل الأداء بيقين من غير فعل محظور. قال: (فصل: المحرم ينوي) أي: الدخول في النسك؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات،

يُلَبِّي فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ، لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن ينطق بما نواه فيقول: نويت الحج وأحرمت به لله تعالى لبيك اللهم لبيك. قال الروياني: ويستحب أن يقول: اللهم؛ أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظمي لا شريك لك، فقد روي ذلك عن بعض السلف. ولا يجب التعرض لنية الفرضية جزمًا؛ لأنه لو نوى النفل .. وقع فرضًا. قال: (ويلبي) أي: يعقب النية بالتلبية؛ لنقل الخلف عن السلف، وذلك هو الإهلال بالحج. ويستحب له استقبال القبلة عند الإحرام. قال: (فإن لبى بلا نية .. لم ينعقد إحرامه) كما لو غسل المتوضئ أعضاءه من غير قصد. قال: (وإن نوى ولم يلب .. انعقد على الصحيح) وبه قال مالك وأحمد قياسًا على الطهارة والصوم في عدم اشتراط لفظ مع النية. والثاني –وهو قول ابن خيران وابن أبي هريرة والزبيري وابن القاص، وحكي عن القديم-: أن التلبية شرط؛ لما روى جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توجهتم إلى منى .. فأهلوا بالحج) رواه مسلم [1568]. و (الإهلال): رفع الصوت بالتلبية. والثالث –وحكاه الشيخ أبو محمد وغيره قولًا-: إنه يشترط إما التلبية أو سوق الهدي وتقليده والتوجه معه، وبه قال أبو حنيفة. والرابع –وحكام الحناطي قولًا-: إن التلبية واجبة ليست بشرط للانعقاد، فإن نوى ولم يلب .. انعقد وأثم ولزمه دم. وقال داوود: لا بد من التلبية ورفع الصوت بها؛ لما روى الشافعي [أم 2/ 156 ]

يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومالك [1/ 334] والأربعة والحاكم [1/ 450] وابن حبان [3802] عن خلاد بن السائب عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية). قال: (ويسن الغسل للإحرام)؛ لما روى الترمذي [830] عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه) وقال: حسن صحيح. ونص في (الأم) على كراهة تركه. ويستوي في استحبابه الرجل والصبي والمرأة، والطاهر والحائض والنفساء؛ فقد روى مسلم [1218]: أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي). لكن يستحب للحائض والنفساء تأخير الإحرام إلى أن يطهرا. وحكي قول: إنه لا يسن لهما الغسل، فإن اغتسلتا .. نوتا. ويندب التنظيف بإزالة الظفر والشعر والوسخ بسدر وسواك ونحوه؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم .. غسل رأسه بأشنان وخطمي). وروى جابر رضي الله عنه: (أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتأهبوا للإحرام بحلق شعر العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب والأظافر، وغسل الرأس). ويندب أن يلبد شعره قبل الإحرام وهو: أن يقعصه ويضرب عليه الخطمي أو الصمغ أو غيرهما، لدفع القمل وغيره كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله

فَإِنْ عَجَزَ .. تَيَمَّمَ, وَلِدُخُولِ مَكَّة ـــــــــــــــــــــــــــــ َ, صلى الله عليه وسلم, ولا فرق في ذلك بين الحج والعمرة. وغير المميز يغسله وليه .. ويكره أن يحرم وهو جنب .. قال: (فإن عجز .. تيمم)؛ لأن التيمم ينوب عن الواجب فعن المندوب أولى, ولأن الغسل يراد للقربة والنظافة, فإن تعذرت النظافة .. بقيت القربة. قال الرافعي: وقد ذكرنا في غسل الجمعة: أن الإمام أبدى احتمالًا في أنه لا يتيمم إذا لم يجد الماء, وجعله الغزالي وجهًا, واختار أنه لا يتيمم, وذلك الاحتمال عائد هنا بلا شك. قال ابن الرفعة: قد يفرق بينهما بأن الغسل هنا مخالف لغيره بدليل صحته من الحائض والنفساء, فكذلك بدله. ولو وجد ماء لا يكفيه فالمنصوص- وقال به جماعة- أنه يتوضأ به. قال المصنف: إن أرادوا أنه يتوضأ به ثم يتيمم .. فحسن, وإن أريد الاقتصار على الوضوء .. فليس بجيد, لأن المطلوب هو الغسل, والتيمم يقوم مقامه دون الوضوء. قال الشيخ: والإمر كما قال. والمراد ب (العجز): ما يبيح التيمم من فقد الماء وغيره كما تقدم, وهو أحسن من قول (المحرر): فإن لم يجد الماء. قال: (ولدخول مكة)؛ لما روى البخاري [1573] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان لا يقدَمُ مكة إلا بذي طوى حتى يصبح ويغتسل, ثم يدخل مكة نهارًا, ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه فعله. فلو خرج من مكة فأحرم بالعمرة واغتسل لإحرامه ثم أراد دخول مكة, فإن بعد موضع إحرامه كالجعرانة .. اغتسل للدخول, وإن أحرم من أدنى الحل .. فلا, قاله الماوردي.

وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِقَةَ غَدَاَةَ النَّخرِ, وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِقِ لِلرَّمْيِ, وَأَنْ يُطَيَّبَ بَدَنَهُ لِلإحْرَام ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ قال ابن الرفعة: ويظهر أن يقال بمثل ذلك في الحج إذا أحرم من أدنى الحل؛ لأنه لم يخطر له ذلك إلا هناك. قال الشافعي رضي الله عنه: وسواء في ذلك الحلال والمحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عام الفتح لدخولها وهو حلال, فلم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الاغتسال لدخولها. قال: (وللوقوف بعرفة وبمزدلفة غداة النحر, وفي أيام التشريق للرمي)؛ لأنها مواضع اجتماع الناس فأشبه غسل الجمعة. والمراد ب (الوقوف بمزدلفة): الوقوف على المشعر الحرام بعد الفجر. وعلم من كلامه: أنه لا يستحب الغسل للمبيت بمزدلفة وهو كذلك؛ لقربه من غسل عرفة, ولا لرمي جمرة العقبة ولا للحلق والطواف وهو كذلك. وفي القديم: يندب لطوافي الإفاضة والوداع والحلق, وجزم به المصنف في (مناسكه). ومقتضى كلام المصنف وغيره إن جميع أغسال الحج لا تصح إلا بنية. وقال المتولي: الغسل لدخول مكة يصح بدونها, لأن المقصود منه التنظيف لا التعبد, وكلام الإمام يميل إليه. قال: (وأن يطيب بدنه للإحرام)؛ لأن عائشة رضي الله عنها طيبت رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أحرم, متفق عليه [خ1754 - م 1189] , وسواء في ذلك الرجل والمرأة. وفي وجه: لا يندب ذلك للنساء, وفي وجه: لا يجوز لهن التطيب بطيب تبقى عينه. وقيل: لا يجوز للنساء ولا للرجال, والصواب: الأول.

وَكَذَاَ ثَوْبَهُ فِي الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ , والصحيح: أنه يستوي في استجابه الشابة والعجوز والخلية والمتزوجة؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة, فنضمخ جباهنا بالمسك عند الإحرام, فإذا عرقت إحدانا .. سال على وجهها, فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا) رواه أبو داوود [1826]. والفرق بين استحباب الطيب للمرأة هنا وعدم استحبابه إذا ذهبت للجمعة: أن زمان الجمعة ومكانها ضيق لا يمكنها فيه تجنب الرجال, بخلاف الإحرام, ويستثنى من ذلك المرأة المُحِدَّةُ. قال: (وكذا ثوبه في الأصح)؛ لعموم حديث عائشة رضي الله عنها. وملخص ما في تطييب الثوب خمسة أوجه: قيل: يستحبُّ .. وقيل: يباح .. وقيل: يكره .. وقيل: يحرم, لأنه ينزع ثم يلبس, فلُبْسُهُ ثانيًا حرام, فحرم حسمًا للباب. وقيل: إن كان عينا .. حرم, وإلا .. فلا. وصحح المصنف هنا الأول, لأنه عطفه على استحبابه في البدن, وصحح في (شرح المهذب): الثاني .. وعبارة (الروضة): الأصح: الجواز كالبدن, وهذا هو المعتمد .. وكأن الذي في الكتاب سبق قلم تبع فيه (المحرر)؛ فإنه قال في (شرح المهذب): لا يندب جزمًا .. لكن حكى القاضي والمتولي الخلاف في الاستحباب, وعلى الاستحباب اقتصر البندنيجي من العراقيين.

وَلاَ بَاسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ اَلإِحْرَامِ, وَلاَ بِطِيبٍ لَهُ جِزْمٌ, لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ .. لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي للأَصَحَّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ومحلّ الخلاف فيمن طيب ثوبه قصدًا, أما من طيب بدنه فتعطر ثوب إحرامه تبعًا .. فلا خلاف أنه ليس بحرام ولا فدية. فإن قيل: روى مسلم [1180] عن يعلى بن أمية رضي الله عنه: أن أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال: يا رسول الله؛ إني أحرمت بالحج وعلي هذه فما أصنع؟ فلم يرد عليه شيئًا حتى نزل عليه الوحي, فلما سُرِّيَ عنه قال: انزع الجبة واغسل عنك أثر الخلوق) فهذا يدل على منع الطيب في البدن والثوب كما قاله مالك .. فالجواب: أنه منسوخ؛ لأنه كان بالجعرانة سنة ثمان, وحديث عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع سنة عشر, وأيضًا كان في الجبة خلوق وهو الزعفران وهو محرم على الحلال والمحرم. قال: (ولا بأس باستدامته بعد الإحرام) بعني حيث جوزناه في البدن أو في الثوب. ففي) الصحيحين) [خ271 - م 1190] عن عائشة رضي الله عنها: (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق, رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. قال: (ولا بأس باستدامته بعد الإحرام) يعني حيث جوزناه في البدن أو في الثوب. ففي (الصحيحين) [خ271 - م1190] عن عائشة رضي الله عنها: (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.). و (الوبيص) البريق, و (المفرق): وسط الرأس .. ولا فرق في استحباب الطيب بين ما يبقى جرمه بعد الإحرام كالمسك, أو رائحته كالبخور ولذلك قال: > (ولا بطيب له جرم)؛ للحديث المذكور. قال: (لكن لو نزع ثوبه المطيب) أي: وهو معطر (ثم لبسه .. لزمته الفدية في الأصح) كما لو لبس الثوب المطيب ابتداء .. والثاني: لا؛ لأن العادة في الثوب أن ينزع ويعاد فَجُعِلَ عَفْوًا .. أما لو انتقل من موضع إلي موضع بإسالة العرق .. فلا فدية في الأصح. وموضع الخلاف إذا كانت رائحة الطيب في الثوب موجودة, وإليه أشاره بقوله: (ثوبه المطيب).

وَأَنْ تَخْضِبَ المَرْأَةُ للِإحْرَامِ يَدَيْهَا, - وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا لم يكن عطرًا, فإن كان بحيث إذا ألقي عليه ماء ظهرت رائحته .. امتنع, وإلا .. فلا. قال: (وأن تخضب المرأة للإحرام يديها)؛ لما روى الدارقطني [2/ 272] عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: (من السنة أن تدلك المرأة بشي من حناء عشية الإحرام). وسواء في ذلك الخلية والمتزوجة والشابة والعجوز, فتخضب يديها تعميمًا إلى الكوعين ولا تزيد عليه, ولا تطرف الإصابع ولا تنتقش ولا تسود. ويستحب لها أيضًا أن تمسح وجهها بشيء من الحناء؛ لتستر لون ما يظهرمن بشرتها. والرجل والخنثى منهيان عن الخضاب وإن كان الخنثى مأمورًا بالتستر كالمرأة. واحترز بقوله: (للإحرام) عما إذا كانت محرمة, فإن يكره لها الخضاب؛ لأنه زينة للمحرم, والمقصود أن يكون أشعث أغبر, فإن اختضبت في الإحرام .. فلا فدية على المذهب؛ لأنه ليس بطيب على المشهور. قال: (ويتجرد الرجل لإحرامه عن مخيط الثياب) هذا من واجبات الإحرام كما سيأتي في (باب محرماته). وضبط المصنف (يتجرد) بضم الدال إشارة إلى وجوب التجرد؛ لئلا يصير لابسًا بعده, وهو الذي جزم به الرافعي, لكنه صرح بندبه في: المناسك). واستشكل المحب الطبري والشيخ الوجوب؛ إذ لا يجب عليه قبل الدخول في الأحرام شيء من متعلقاته, ويؤيد ذلك أنهم قالوا في الصيد: لا يجب إرساله بلا خلا ف, وكذلك لو علق الطلاق على الوطء .. لا يحرم عليه الوطء على المشهور. و (المخيط) بفتح الميم. والحكم كذلك في كل ما كان في معناه كاللبد والمنسوج ونحوهما مما له استداره المخيط.

وَيَلْبِسِ إِزَارًا وَرِدَاَءً أَيْيَضَيْنِ وَنَعْلَيْينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو حذف لفظة (الثياب) كما في (الروضة) .. كان أولى؛ فإنه يجب نزع الخف والنعل المخيط. قال: (ويلبس إزارًا ورداء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم فيهما وأمر بالإحرام كذلك, رواه البخاري [1545] عن ابن عباس رضي الله عنهما, ورواه مسلم [1179] عن جابر رضي الله عنه. قال: (أبيضين)؛ لقوله صلى الله وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم) رواه أبو داوود [3874] والترمذي [994] وقال: حسن صحيح. وجزم الرافعي بكراهة المصبوغ. ويستحب أن يكونا جديدين؛ لأنه أبعد من الدنس وأنقى من المغسول, وإلا .. فنظيفين. وكلام الماوردي والروياني يقتضي أنه لا يكره ما صبغ غزله ثم نسج. قال: (ونعلين)؛ اقتداء بخير من يمشي بنعل فرد أوهبَهُ لنهدة ونهد صلى الله عليه وسلم. قال زياد بن علاقة: كان بين رجل منا ورجل من الأنصار شيء, فشجه, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال [من الرجز]: يا خير من يمشي بنعل فرد .... أَوهَبَهُ لنهدة ونهد لا تُسبَبَنَّ سلبِي وجِلْدِي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا). أراد ب (الفرد): السمط, وهي التي لم تُخصَف ولم تُطارَق. والعرب تمدح برقة النعال, وإنما ينتعل السبتية الرقاق الأسماط ملوكهم وسادتهم فكأنه قال: يا خير الأكابر ..

وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَينِ, ثُمَّ الأَفضَلُ: أَنْ يُحْرِمَ إِذَا انْبَعَثْت بهِ رَاحلَتُهُ أَوْ تَوَجَّهَ لِطَريِقهِ مَاشِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما لم يقل: فردة؛ لأنه أراد بالنعل الِّسبت, كما تقول: فلان يلبس الحضرمي الملسن .. والتقدير: يا خير ماشٍ فرد في فضله وتقدمه. (أوهبه) إما أن يكون بدلًا من المنادى, أو منادىً, ثانيًا حذف حرفه. ونحوه قول النابغة [(أغاني) 11/ 40من الرجز]: يا أوهب الناس لعين صلبة و (الضمير) و (النهد) في نعت الخيل الجسيم المشرف. قال: (ويصلي ركعتين) أجمع الناس علي استحباب هذه الصلاة. وفي (الصحيحين) [خ155 - م 1184/ 21]: (أنه صلى الله عليه وسلم صلاهما بذي الحليفة ثم أحرم). ويستحب أن يقرأ فيها (سورة الكافرون) و (الإخلاص). وإذا كان بالميقات مسجد .. استحب أن يصليهما فيه. وتكره هذه الصلاة في أوقات الكراهة على الأصح؛ لأن سببها وهو الإحرام متأخر. ولو كان إحرامه في وقت فريضة فصلاها .. أغنته عن ركعتي الإحرام كالتحية. قال في (شرح المهذب): وفيه نظر؛ لأنها مقصوده فلا تندرج كسنة الصبح. قال الشيخ: والذي يترجح ما قاله الأصحاب؛ فإن المقصود الإحرام بعد صلاة, ولم يرد دليل على قصد هذه الصلاة بخصوصها. قال: (ثم الأفضل: أن يحرم إذا انبعثت به راحلته أو توجه لطريقه ماشيًا)؛ لما روى الشيخان [خ166 - م1187] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته).

وَفِي قَوْلِ: يُحرِمُ عَقِيبَ الصَّلاَةِ. وَيُستَحَبُّ إِكثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي دَوَامِ إِحْرَامِه ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ والمراد ب (انبعاثها): استواؤها قائمة, هكذا في لفظ الحديث. ولا فرق في ذلك بين من أحرم من الميقات أو من مكة, لكن يستثنى منه إمام مكة إذا خطب الناس بها يوم السابع؛ فإنه يندب أن يخطب محرمًا, فيتقدم إحرامه مسيره بيوم, قاله الماوردي. قال: (وفي قول: يحرم عقيب الصلاة) أي: وهو جالس, وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لما روى أبو داوود [1767] والترمذي [819] والنسائي [5/ 162] عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل في دُبُرِ الصلاة) لكن ضعفه البيهقي [5/ 37] , واختار هذا القول طائفة من الأصحاب, وحملوا اختلاف الرواية علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد التلبية عند انبعاث الدابة فظن من سمع أنه حينئذ لبى. قال: (ويستجيب إكثار التلبية)؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (التلبية زينة الحج). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر منها, بل قال ابن خيران وابن أبي هريرة وأبو علي الطبري: التلبية في أثناء الحج والعمرة واجبة, وزعموا أن للشافعي رضي الله عنه نصًا يدل عليه. ويندب للحائض والجنب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت). وقائمًا وقاعدًا؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه بسنده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي راكبًا وقائمًا وماشيًا وقاعدًا ومضجعًا). ويكره في الخلاء ومواضع النجاسة؛ تنزيهًا لذكر الله تعالى. قال: (ورفع صوته بها في دوام لإحرامه)؛ لحديث خلاد بن السائب المتقدم في أول الفصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان الصحابة لا يبلغون الروحاء حتي تبح حلوقهم من التلبية .. والمراد ب (رفع الصوت) بحيث لا يجهد نفسه, بل يكره أن يرفع صوته بحيث لو زاد .. انقطع؛ لما روي البخاري [2992] عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكنا إذا علونا .. كبرنا, فقال صلى الله عليه وسلم: (أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا, ولكن تدعون سميعًا بصيرًا) معنى (أربعوا): كفوا. وتستثنى المرأة؛ فإنها تقتصر على إسماع نفسها, ولو رفعت صوتها .. كره ولم يحرم على الصحيح, والخنثى كالمرأة. وأستثنى الجويني التلبية المقترنة بالإحرام فقال: لا يجهر بها الرجل, ونازعه المصنف. ويستثنى من كان في مسجد فلا يرفع صوته بالتلبية, كمسجد مكة ومسجد الخيف ومسجد إبراهيم بنمرة؛ لأنها بنيت للنسك, ونهي عن رفع الأصوات في المساجد .. أما غير هذه المساجد الثلاثة .. ففيه قولان:: الجديد: تستحب التلبية فيها .. والقديم: لا؛ لئلا يهوش علي المصلين .. وجزام ابن حبان [3801] باستحباب وضع الإصبعين في الأذنين عند التلبية, ثم روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل ألى وادي الأزرق .. قال: (كأنما أنظر ألى موسى واضعًا إصبعيه في أذنيه له جؤار بالتلبية). و (وادي الأزرق) في طرف بلاد ساية مما يلي مكة. و (الجؤار): رفع الصوت بالتلبية والاستغاثة.

وَخَاصَّةً عِنْدَ تَغَايُرِ الأَحْوَالِ كَرُكُوبِ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلاَطِ رُفْقَةٍ، وَلاَ تُسْتَحَبُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْقَدِيمِ: تُسْتَحَبُّ فِيهِ بِلاَ جَهْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . قال: (وخاصة عند تغاير الأحوال كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رفقة) ففي هذه الأحوال تتأكد، وكذلك عند الفراغ من الصلاة، وإقبال الليل والنهار ووقت السحر، لأن في هذه المواضع ترتفع الأصوات ويكثر الضجيج، وقد روى الترمذي [827] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الحج العج والثج). فـ (العج): رفع الصوت، و (الثج): إراقة الدماء. و (الصعود) و (الهبوط) بضم أولهما مصدران. و (الرفقة) بضم الراء وكسرها. وروى الحاكم [1/ 451] عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ملب يلبي .. إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر وشجر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا، عن يمينه وعن شماله) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وروى البيهقي [5/ 43] عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أضحى مؤمن يلبي حتى غروب الشمس .. إلا غابت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه). قال: (ولا تستحب في طواف القدوم)، وكذلك السعي بعده؛ لأن فيهما أذكارًا وأدعية تخصهما. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (لا يلبي الطائف حول البيت). وقال سفيان: ما رأيت أحدًا يلبي في الطواف إلا عطاء بن السائب. قال ذلك في معرض الإنكار على مخالفة عطاء الإجماع. قال: (وفي القديم: تستحب فيه بلا جهر)؛ لعموم الأمر به، لكن يخفض صوته قدر ما يسمع نفسه، والخلاف جارٍ في السعي أيضًا إذا أعقبه به.

وَلَفْظُهَا: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ أما طواف الإفاضة وطواف العمرة .. فلا تستحب فيهما بلا خلاف؛ لشروعه في أسباب التحلل، ولا في الوداع من طريق أولى. قال: (ولفظها:) لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) كذا رواه الشيخان [خ1549 - م1184] عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يأتي بالتلبية نسقًا لا يتخللها كلام، فإن سلم عليه رد السلام. ويندب أن يقف وقفة لطيفة عند قوله: (والملك) ثم يقول: (لا شريك لك) وأن لا يزيد على هذه الكلمات ولا ينقص، فإن زاد .. لم يكره على المشهور؛ لما روى النسائي [5/ 161] بإسناد صحيح: (لبيك إله الحق) في تتمة الحديث. وكان عبدالله رضي الله عنه يقول مع هذا: لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. و (الرغباء): الرغبة والمسألة، وفيها لغتان: فتح الراء والمد، وضم الراء والقصر، أي: الطلب والعمل إلى من بيده الخير كله. وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في تلبية: (لبيك حقًا حقًا تعبدًا ورقًا (. وعن سعد أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع ابن اخيه يقول في تلبية: (لبيك يا ذا المعارج، فقال: هو ذو المعارج، لكن ماهكذا كنا نلبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) و (ذوالمعارج): من أسماء الله تعالى، ومعناها: المصاعد والدرج، واحدها مِعْرَج، يريد معارج الملائكة إلى السماء.

وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ .. قَالَ: (لَبَّيْكَ، إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة:: معنى (لبيك): أنا مقيم على طاعتك، وزاد الأزهرى: إقامة بعد إقامة، وإجابة بعد إجابة. و (اللهم) معناه: يا الله، والميم عوض من (يا) النداء، ولا يجمع بينهما إلا في الشعر. وقيل: معناه: يا الله؛ آمنا منك بخير، وإنما قال: (لا شريك لك) مخالفة للمشركين؛ فإنهم كانوا يقولون: لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. وقوله: (إن الحمد) بكسر همزة إن وفتحها، والكسر أشهر وهو على الاستئناف، والفتح على التعليل. قال: (وإذا رأى ما يعجبه,, قال: (لبيك، إن العيش عيش الآخرة)) رواه الشافعي [أم 2/ 156] والبيهقي [5/ 45] بسندهما إلى مجاهد قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهِرُ من التلبية: لبيك اللهم لبيك ... فذكر التلبية حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هم فيه .. فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة) وهذا مرسل. قال ابن جريج: وحسبت أن ذلك يوم عرفة. لكن رواه الحاكم [1/ 465] عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله يوم عرفة، وكذلك رواه سعيد بن منصور في (سننه) عن عكرمة. قال في (الأم): إنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك في أسرِّ حالة- يعني: في هذا المكان- وأشد حالة- يعني: في حفر الخندق- وقد نهكت أبدانهم واصفرت ألوانهم، قال::

وَإِذَا فَرغ مِنْ تَلْبِيِتَهِ .. صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَلَ الله تَعَالَى الْجَنةَ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنَ النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهم إن العيش عيش الآخرة .... فارحم الأنصار والمهاجرة ومعنى (إن العيش عيش الآخرة): أن الحياة المطلوبة الهنية الدائمة هي الدار الآخرة .. قال: (وإذا فرغ من تلبيته .. صلى على النبي صلى الله عليه وسلم)؛ لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أي: لا أذكر إلا وتذكر معي. ويكون صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبالدعاء أخفض من صوته بالتلبية بحيث يتميز عنها. وكذا يستحب لكل من صلى وسلم عليه صلى الله عليه وسلم أن يرفع صوته بهما، لكن لا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة. قال: (وسأل الله تعالى الجنة ورضوانه، واستعاذ به من النار)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته من حج أو عمرة .. سأل الله تعالى رضوانه والجنة، واستعاذه من النار، رواه الشافعي [أم 2/ 157] عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، قال: ولأن هذا أعظم ما يسأل. تتمة: من لا يحسن العربية .. لبى بلسانه، وهل يجوز للقادر على العربية؟ وجهان بناهما المتولي على الخلاف في نظيره من تسبيحات الصلاة وتشهدها وأذكارها المأثورة؛ لأنه ذكر مسنون. ومقتضاه: أنه يترجم العاجز لا القادر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأقوى: جواز التلبية مطلقًا، بخلاف أذكار الصلاة؛ فإن الكلام فيها مفسد من حيث الجملة بخلاف التلبية .. ... خاتمة قال: في (الأم): (أَستَحِبُّ أن يلبي ثلاثًا) واختلف في تأويله على ثلاثة أوجه: أحدهما: يكرر قوله: (لبيك) ثلاث مرات .. والثاني: يكرر: (لبيك اللهم لبيك) ثلاثًا. والثالث: يكرر جميع التلبية ثلاثُا. وذكر بعض الأصحاب أنه إذا لبى في دبر الصلاة .. يلبي ثلاثًا نسقًا، كما يكبر في أيام التشريق بعدها ثلاثًا نسقًا. ***

باب دخول مكة

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ باب دخول مكة لم يبوب عليه في (المحرر) بل جعله فصلًا. و (مكة) بالميم والباء، قيل: هما اسم للبلد. وقيل: بالميم: الحرم كله، وبالباء: المسجد. وقيل: بالميم: البلد، وبالباء: موضع البيت، قاله مالك. قال ابن رشد: أخذ ذلك من قوله عز وجل؛ لأنه قال في بكة: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} وهو إنما وضع بموضعه الذي وضع فيه لا فيما سواه من القرية. وقال تعالى في مكة: {وهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ}، وذلك إنما كان في قرية لا في موضع البيت. ولها أسماء: مكة، وبكة، والبلد، والبلد الأمين، والبيت، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والمأمومة، وأم رُحْمٍ، وأم القرى، وصلاح كقطام، والباسَّة، والناسَّة، وكوثى، والعرش، والقادسة، والمقدسة، والحاطمة، والرأس، والبلدة، والبينة، ومعاد. قال المصنف: ولا نعلم بلدًا أكثر أسماء من مكة والمدينة؛ لكونهما أفضل الأرض، وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولهذا كثرت أسماء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى قيل: إن لله تعالى ألف اسم، ولرسوله صلى الله عليه وسلم كذلك. ومكة أفضل الأرض إلا الموضع الذي ضم أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل من كل البقاع بالإجماع ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــ جزم الجميع بأن خير الأرض ما ... قد حاط ذات المصطفى وحواها ونعم لقد صدقوا بساكنها علت .... كالنفس حين زكت زكى مأواها ويدل لفضل مكة حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة في سوق مكة يقول: (والله إنك لخير الأرض، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك .. ما خرجت) رواه الدارقطني [العلل9/ 254] والنسائي [سك4238] والترمذي [3925] وقال: حسن صحيح .. قال البكري: وهو على شرط الشيخين .. و (الحزورة): موضع بمكة عند باب الحناطين على وزن قسورة. قال الشافعي والدارقطني:: المحدثون يشددون الحزورة والحديبية وهما مخففان .. وأما ما روي من قوله: (اللهم؛ إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي، فأسكني أحب البلاد إليك) .. فقال ابن عبد البر: لا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه، وينسبون وضعه إلى محمد بن الحسن بن زبالة المدني، وتركوه لأجله. وقال ابن دحية في (تنويره): إنه حديث باطل بإجماع أهل العلم. قال ابن مهدي: سألت عنه مالكًا فقال: أيحل لك أن تنسب الباطل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بين علته البزار في كتاب (العلل)، والحافظ رشيد الدين وغيرهما. أما السكنى بالمدينة .. فأفضل؛ لأنه ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما::

الأَفْضَلُ: دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَاَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طَوَىّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد .. إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة). ولم يرد في سكني مكة شيء من ذلك، بل كرها جماعة من العلماء. وثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) من مات بالمدينة .. كنت له شفيعًا يوم القيامة). وفي (الترمذي) [3917] عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: (من استطاع أن يموت بالمدينة .. فليمت بها؛ فإني أشفع لمن يموت بها). وفي (الصحيحين) [خ1889 - م1376] عن عائشة رضي الله عنها: (اللهم؛ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها إلى الجحفة). وجعل ابن حزم التفضيل الحاصل لمكة ثابتًا لجميع الحرم ولعرفة وإن كانت من الحل. والصحيح: تحريمها من يوم خلق الله السماوات والأرض. وقيل: من زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قال: (الأفضل: دخولها قبل الوقوف)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكثرة ما يحصل له من السنن الكثيرة التي ستذكر، وترك حجيج العراق لذلك جهل وبدعة. قال: (وأن يغتسل داخلها من طريق المدينة بذي طوى]؛ لما تقدم من قول ابن عمر رضي الله عنهما: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) وسواء في ذلك الداخل بحج أو عمرة ..

وَيَدْخُلَهَ مِنْ ثَنِيَّيِة كَدَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (داخلها) مرفوع فاعل (يغتسل) وقد تقدم عن المتولي أنه قال: المقصود من هذا الغسل التنظيف لا التعبد، ولذلك تؤمر به الحائض. واحترز المصنف عن الآتي من نحو اليمن؛ فإنه لا يندب له الغسل بها، بل يغتسل من مثل مسافتها. والغسل مستحب لكل داخل وإن كان حلالًا لكن المحرم آكد .. و (ذي طوى) مثلث الطاء والفتح أشهر: بئر مطوية بالحجارة، أي: مبنية، وهي بين الثنيتين إلى السفلى أقرب، ويجوز صرفه على إرادة المكان، وعدمه على إرادة البقعة .. وينبغي إذا دخل الحرم .. أن يستحضر حرمته، ويخضع ويخشع بباطنه وظاهره، ويقول: اللهم؛ هذا حرمك وأمنك فحرمني على النار وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك .. قال: (ويدخلها من ثنية كَداء) بفتح الكاف والمد، وإذا خرج خرج من ثنية كُدى بالضم والقصر؛ لما روى الشيخان [خ1577 - م1258] عن عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما [خ1575 - م1257]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخلها من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى). ولأنه قاصد عبادة فاستحب له الدخول من طريق والرجوع من أخرى؛ لتشهد له الطريقان كما تقدم في (صلاة العيد) , وقال السهيلي: ولأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ} كان في ثنية كداء فلذلك استحب الدخول منها. وسواء في ذلك الحاج والمعتمر، كان على طريقه أم لا، فيعدل إليها قصدًا على الصحيح. وقيل: بل دخل صلى الله عليه وسلم منها اتفاقًا ..

وَيَقُولَ إِذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: (اللهُمَّ؛ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حجه أَوِ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا، اللَّهُمَّ؛ أَنْتَ السَّلاَمُ ومِنْكَ السَّلاَمُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلاَمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الثنية): المكان الضيق بين الجبلين، والأصح: أن دخولها نهارًا وماشيًا أفضل .. والأولى: أن يكون حافيًا إن لم يخف مشقة أو نجاسة رجله؛ فقد روى ابن ماجه [2939] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كانت الأنبياء يدخلون الحرم مشاة حفاة، ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة). قال: (ويقول إذا أبصر البيت) أي: من عند رأس الردم. والظاهر: أن مراده بالإبصار العلم، حتى يستحب الدعاء المذكور للأعمى والداخل في ظلمة. قال: (اللهم؛ زد هذا البيت تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا) وروي ذلك عن الشافعي رضي الله عنه [أم 2/ 169] عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا أبصر البيت رفع يديه وقاله هكذا، ورواه الطبراني [طب3/ 181] عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ذكره المصنف هو الصواب. وقع في) المختصر) ذكر المهابة في الموضعين وحذف البر فيهما، ووقع في) الوجيز) ذكر المهابة والبر جميعًا في الأول وذكر البر وحده ثانيًا، وأنكره الرافعي وغيره عليه، وبسطه المصنف في (تهذيبه). قال: (اللهم؛ أنت السلام ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام)؛ لأن ابن المسيب كان يقوله ويرويه، ويقول إنه سمع عمر رضي الله عنه يقوله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (التشريف): الترفع والإعلاء .. و (التعظيم): التبجيل .. و (التكريم): التفضيل .. و (المهابة): التوقير .. و (البر): الاتساع في الإحسان والزيادة منه؛ وقيل: الطاعة .. و (السلام) الأول: هو الله عز وجل، والثاني معناه: من أكرمته بالسلام فقد سلم .. (فحينا ربنا بالسلام) أي: سلمنا بتحيتك من جميع الآفات. ويستحب رفع اليد عند رؤية البيت؛ لما تقدم قريبًا. ولما روى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: عند رؤية البيت؛ وعلى الصفا والمروة؛ وفي الصلاة؛ وفي الموقف؛ وعند الجمرتين). ويستحب أن يدعو إذا أبصر البيت؛ لما روى أبو أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة) لكنه حديث غريب ..

ثُم? يَدْخُلُ ?لْمَسْجدَ مِنْ بَابِ بِنَي شَيْبَة ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان البيت يرى من رأس الردم، والآن علت الأبنية فمنعت من ذلك. وبنيت الكعبة شرفها الله تعالى خمس مرات: إحداها: بنتها الملائكة وحجوها قبل آدم بألفي عام، وحجها آدم فمن بعده من الأنبياء عليهم السلام. والثانية / بناها إبراهيم عليه السلام. والثالثة: بنتها قريش وحضر معهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وهو ابن خمس وثلاثين سنة. والرابعة: بناها ابن الزبير زمن يزيد بن معاوية على قواعد إبراهيم، وعلاها وأدخل فيها الحجر. فلما قتله الحجاج هدمها وبناها كما كانت في زمن قريش، وهي عليها الآن. وقيل: إنما هدم زيادة ابن الزبير، فكلها بناء ابن الزبير إلا الجدار الذي في الحجر فإنه بناء الحجاج، ثم هم عبد الملك بن مروان بهدمه وإعادته إلى بناء ابن الزبير فقيل له: لا تفعل كيلا تصير ملعبة الملوك. قال الشافعي رضي الله عنه: أوجب أن تترك على حالها؛ لأن هدمها يذهب جرمتها، وكان ارتفاعها في زمن قريش ثمانية عشر ذراعًا، وهي الآن سبع وعشرون ذراعًا. قال: (ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دحل منه في عمرة القضاء، رواه البيهقي [5/ 72] بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه. والمعنى فيه: أن باب الكعبة في جهته، والبيوت تؤتى من أبوابها، وجهة الباب أفضل جهات الكعبة فكان الدخول من الباب الذي يقابله أولى، واتفقوا على استحباب

وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ ?لْقُدُوم ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ الدخول منه لكل قادم، سواء كان في صواب طريقه أم لا، بخلاف الدخول من الثنية العليا؛ فإن فيه الخلاف المتقدم. والفرق أن الدوران حول المسجد لا يشق بخلاف الدوران حول البلد، وسكت المصنف عن الباب الذي يخرج منه عند إرادة الرجوع إلى بلده. ويستحب أن يكون من باب بني سهم، ففي (النوادر) عن ابن حبيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج منه. و (شيبة) اسم رجل مفتاح الكعبة في يده ولده، وهو شيبة بن عثمان بن [أبي] طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، جعل النبي صلى الله عليه وسلم سدانة الكعبة في يدهم خالدة تالدة إلى يوم القيامة، لا ينزعها منهم إلا ظالم. قال: (ويبدأ بطواف القدوم)؛ لما روى البخاري [1615] عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به الطواف). ولأن تحية البيت فبدئ به، ويقدمه على كراء المنزل وتغيير الثياب، ولا يصلي التحية ولا غيرها إلا إذا خاف فوت المكتوبة أو وجد جماعتها قائمة أو خاف فوت سنة مؤكدة أو كان عليه قضاء فريضة ووجد الجماعة المكتوبة، وإن كان وقتها واسعًا .. فإنه يقدم الصلاة على الطواف، فلو دخل فوجدهم ينتظرون الصلاة ولم يتسع الوقت لطواف السبع قبل الصلاة .. أمرناه أن يطوف حتى تقام الصلاة ثم يدخل فيها فإن تفريق الطواف لا يبطله على الصحيح، لا سيما وهذا بعذر. ونستثني المرأة الشريفة أو الجميلة التي لا تبرر للرجال إذا قامت نهارًا؛ فإنه يندب لها تأخيره إلى الليل، وكذلك الخنثى يستحب له الطواف ليلًا، فإن طاف نهارًا .. طاف متباعدًا عن الرجال والنساء.

وَيَخْتَص طَوَافُ الْقُدُومِ بِحَاج دَخَلَ مَكة قَبْلَ الْوًقُوفِ، وَمَنْ قَصَدَ مَكةَ لاَ لِنُسُكٍ .. اسْتُحِب لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَج أَوْ عُمْرَةٍ، وَفِي قَوْلٍ/ يَجِبُ، إِلا أَنْ يَتَكَررَ دُخُولُهُ كَحَطابِ وَصيادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويسمى طواف القدوم: طواف التحية وطواف الورود، وهو سنة على المشهور. قال: (ويختص طواف القدوم بحاج دخل مكة قبل الوقوف) هاذا بالنسبة إلى الحاج، وإلا .. فهو مستحب لكل قادم، والعبارة مقلوبة كما تقدم. أما العمرة .. فليس فيها طواف القدوم، إنما فيها طواف واحد يسمى: طواف الفرض وطواف الركن، وهو يجزئ عن طواف القدوم كما تجزئ الفريضة عن التحية، فلو نوى به طواف القدوم .. وقع عن طواف العمرة. قال: (ومن قصد مكة لا لنسك .. استحب له أن يحرم بحج أو عمرة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (من أراد الحج والعمرة) فلو وجب بمجرد الدخول .. لما علقه على الإرادة، ولذلك بوب على البخاري (باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام)، والصواب: أن قصد الحرم كقصد مكة فكان التعبير به أولى. قال: (وفي قول: يجب)؛ لإطباق الناس عليه، وجعله في (البيان) الأشهر وهو منصوص (الأم)، وصححه المصنف في (نكت التنبيه)، والمصحح في عامة كتبه الأول، فإن قلنا: يستحب .. كره تركه، وإن قلنا: يجب .. فله شروط: أن يأتي من خارج الحرم وإن كان مكيًا. وأن لا يدخلها لقتال مباح أو واجب أو خائفًا من ظالم أو غريم يحبسه وهو معسر. وأن يكون حرامًا فلا يلزم العبد وإن أذن سيده على المذاهب. قال: (إلا أن يتكرر دخوله كحطاب وصياد) فهاذان لا يجب عليهما قطعًا للمشقة الحاصلة بذلك.

فصل:

فَصْلٌ:: للِط?وَافِ بِأَنْوَاعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: على القولين. وفي وجه ضعيف: يلزمهم الإحرام في كل سنة مرة؛ لئلا يستهان بالحرم .. وما ذكره المصنف من الحصر اعترض عليه بأنه يشترط على قول الوجوب أن يكون حرًا، وأن يكون دخوله من الحل، وأن لا يدخل مقاتلًا، ولا خائفًا من قتال أو ظالم لا يمكن معه الظهور لأداء النسك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح غير مُحِرم، كذا استدل به الرافعي، ورُد?؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان من خواصه دخول مكة من غير إحرام .. تتمة:: على القول بالوجوب: لا دم بتركه ولا قضاء .. وقال ابن القاض: كل عبادة واجبة إذا تركها الإنسان .. لزمه القضاء والكفارة إلا هاذا، ونقض بترك رد السلام، ومصابرة الاثنين، وبإمساك يوم الشك إذا ثبت كونه من رمضان؛ فإنه يجب إمساكه على المذاهب. فلو ترك الإمساك .. لم يلزمه من أجله قضاء ولا كفارة، وبما إذا ترك صوم يوم وكان قد نذر صوم للدهر. قال: (فصل: للطواف بأنواعه) وهي: طواف القدوم، والإفاضة، والوداع، والنفل المطلق،

وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ: أما الْوَاجِبُ .. فَيُشْتَرَطُ: سَتْرُ الْعَوْرَة ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ وطواف العمرة، وما يتحلل به من الفوات. قال: (واجبات وسنن) المراد بـ (الواجبات): الوظائف التي لابد منها، وذلك أعم من الشروط والأركان، ووجوبه في التطوع معناه، أنه لا يصح إلا به كوجوب القراءة وغيرها في صلاة النفل .. قال: (أما الواجب .. فيشترط: ستر العورة)؛ لما روى الشيخان [خ 369 – م 1347] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.). وقال ابن عباس رضي الله عنهما/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام، فمن تكلم .. فلا يتكلم إلا بخير) رواه الحاكم [1/ 459] وقال: صحيح الإسناد .. فسماه صلاة، وهو لا يضع الأسماء اللغوية، وإنما يكسبها أحكامًا شرعية، وإذا ثبت أنه صلاة .. لم يجز بغير ستارة، فلو طاف عريانًا أو انكشف جزء من عورته أو شعر من رأس الحرة أو ظفر رجلها .. لم يصح.

وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنجَسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وطهارة الحدث)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها حين حاضت: (اصنعي كل شيء غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي) رواه الشيخان [خ 1650 – م1211 فلو كان النهي لأجل المسجد .. لقال: حتى ينقطع الدم .. وعن أبي يعقوب الأبيوردي: أن طواف الوداع يصح من غير طهارة ويجبر بالدم. وإذا طيف بالطفل .. اشترط وضوءه، وقيل لا يجب وضوء غير المميز، والظاهر: أن المجنون كالطفل فيوضئها الولي وينوي عنهما .. قال: (والنجس) أي: في الثوب والبدن والمطاف؛ لعموم الحديث، وبالقياس على طهارة الحدث، فإذا لاقى نجاسة غير معفو عنها ببدنه أو ثوبه أو مشى عليها عمدًا أو سهوا .. لم يصح طوافه .. وعمت البلوى بغلبة النجاسة في المطاف من جهة الطير وغيره، وقد اختار جماعة من المتأخرين المحققين العفو عنها .. وينبغي أن يقال: يعفى عما يشق الاحتراز منه، كما عفى عن دم البراغيث والبق والقمل، وونيم الذباب، وأثر الاستنجاء، والقليل من طين الشارع المتيقن نجاسته، وعما لا يدركه الطرف في الماء والثوب على الأصح، وقد قال الشافعي رضي الله عنه: الأمر إذا ضاق اتسع. مهمة:: طاف بالتيمم لعدم الماء، ثم وجده .. ففي الإعادة وجهان في (البحر:): أحدهما: نعم كالصلاة .. والثاني: لا كما إذا طافت للوداع بعد انقطاع دمها بالتيمم ثم فارقت مكة .. لا يلزمها دم .. وينبغي الجزم بأنه لا يطوف بالتيمم؛ لوجوب الإعادة، وإنما فعلت الصلاة لحرمة الوقت، وهو مفقود هنا

فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ .. تَوَضأَ وَبَنَى، وَفِي قَوْلٍ: يَسْتَأنفُ. وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، مُبْتَدِئا بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو أحدث فيه .. توضأ وبنى)؛ لأنه يحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة كالفعل الكثير والكلام، وكان الأعم أن يقول: تطهر؛ لشموله الأكبر والأصغر .. قال: (وفي قول: يستأنف) كالصلاة، والقولان في العامد، فإن سبقه .. فخلاف مرتب، وأولى بالبناء .. هاذا إذا قصر الفصل، فإن طال .. فكذلك على الأصح .. وحكم الخارج من الطواف لحاجة حكم المحدث .. والخارج بالإغماء نص في (الأم) على أنه إذا عاد .. استأنف الوضوء والطواف، قريبًا كان أو بعيدًا. قال: (وأن يجعل البيت عن يساره)؛ لأنه المأثور، فلو جعله عن يمينه ومر من الحجر الأسود إلى الركن اليماني .. لم يصح، وكذا لو استقبله بوجهه معترضًا، أو جعله عن يمينه ومشى القهقرى نحو الباب .. فوجهان: أصحهما: لا يصح، وجزم الروياني بالصحة مع الكراهة. قال الرافعي: والقياس: جريان هاذا الخلاف فيما لو مر معترضًا مستدبرًا .. قال الروياني: إنه لا نص فيه، وإن أصحابنا قالوا: يجزئه .. وقال المصنف: الصواب: القطع بأنه لا يصح في هاذه الصورة؛ فإنه منابذ لما ورد الشرع به .. لاكن يستثنى منه ما قاله المصنف في استقبال الحجر الأسود في ابتداء الطواف؛ فإنه يندب أن يمر مستقبله حتى يجاوزه، ثم يجعل البيت عن يساره حينئذ .. وأنكر بعض الناس ذلك على المصنف، وليس بمنكر؛ فقد صرح به القضاة أبو الطيب والبنديجي والروياني. قال: (مبتدئًا بالحجر الأسود)؛ لما روى مسلم [1273] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ به طوافه) وهاذا شرط بلا خلاف، وشبهوه بتكبيرة الإحرام في الصلاة

مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ .. لَمْتُحْسَبْ، فَإذَا انُتهَى إِلَيْهِ .. ابْتَدَأَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المحب الطبري: روى القاسم بن سلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح به عباده) فمن مسحه ... فقد بايع الله، ومن قصد ملكًا وأم بابه .. قَبل يمينه، ولله المثل الأعلى .. وقال الراغب: معناه: أنه يتوصل به إلى السعادة المقربة إليه .. قال: (محاذيًا له في مروره بجميع بدنه) .. صورة المحاذاة بجميع بدنه: أنه يجعل يمينه عن يمين الحجر مستقلا جدار البيت الذي بين الركنين ثم يمشي تلقاء شقه الأيمين مستقبل الحجر، أو يجعل يساره عن يمين الحجر ثم يطوف ويساره إلى الحجر، والأول أفضل .. أما إذا حاذى ببعض بدنه جميع الحجر أو بعضه وباقي بدنه إلى جهة الباب .. فالجديد: لا تحسب تلك الطوفة .. والقديم: تحسب .. وإن حاذى بجميع بدنه بعض الحجر .. صح أيضًا، كما يستقبل في الصلاة بجميع بدنه بعض الكعبة بأن يكون الشخص نحيفًا لا يخرج منه شيء إلى جهة الملتزم، أو يقف بعيدًا بحيث تصدق المحاذاة .. قال: (فلو بدأ بغير الحجر .. لم تحسب) طوافته (فإذا انتهى إليه .. ابتدأ منه) كالمتوضئ إذا قدم غسل غير الوجه ثم الوجه .. فإنه يجعل غسل الوجه ابتداء .. وجميع ما قلناه في المحاذاة يتعلق بالركن الذي فيه الحجر لا بالحجر نفسه، فلو أزيل الحجر - والعياذ بالله تعالى من إدراك زمنه - وجبت محاذاة الركن .. فائدة:: صح: أن الحجر الأسود نزل من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم، رواه الدارقطني والترمذي [877] وقال: حسن صحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَوْ مَشَى عَلَى الشاذَرْوَانِ أَوْ مَس? الْجِدَارَ فِي مُوَازَاتِهِ، أَوْ دَخَلَ مِنْ إِحْدَى فَتْحَتَيِ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنَ الأُخْرَى .. لَمْ تصِحً طَوْفَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقلع باب الكعبة، وطرح القتلى في بئر زمزم، ودفن البقية في المسجد بلا غسل ولا صلاة، وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه، ونهب دور مكة .. >وكان رد الحجر إلى مكة سنة اثنتين وثلاثين، فكان مدة مكثه عندهم اثنين وعشرين سنة. والقرمطي) بكسر القاف .. قال: (ولو مشى على الشاذروان، أو مس الجدار في موازاته، أو دخل من إحدى فتحتي الحجر وخرج من الأخرى .. لم تصح طوفته)؛ لأن الشرط أن يكون جميع بدنه خارجًا عن البيت لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ}. وهو في المسألة الأولى والثالثة داخل كله، وفي الثانية بعضه، ومن طاف كذلك .. طاف فيه لا به، ولهاذا لو طاف في البيت أو على سطحه .. لم يصح .. و (الشاذروان) بفتح الشين والذال المعجمتين وإسكان الراء: هو القدر الذي ترك من عرض الأساس خارجًا عن عرض الجدار مرتفعًا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع، وهو ظاهر من جوانب البيت، لاكن لا يظهر عند الحجر الأسود، كأنهم تركوا رفعه لتهوين الاستلام، وهو من البيت، فلو طاف عليه .. لم يصح طوافه، وكذلك لو طاف خارجه وكان يضع رجله أحيانًا ويثب بالأخرى .. وأما الحجر .. فهو محوط بين الركنين الشاميين على صورة نصف دائرة خارج عن جدار البيت، عليه جدار قصير، فإذا دخل من إحدى الفتحتين وخرج من الأخرى .. كان طائفًا في البيت، وللأصحاب فيه وجهان: (أحدهما: أنه جميعه من البيت، وهو ظاهر لفظ) المختصر وأصحهما: أن بعضه من البيت .. وفي قدره ثلاثة أوجه:: أشهرها وأصحها: ستة أذرع.

وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَس? وَجْهٌ. وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: سبعة أذرع، وبه قطع جماعة. والثالث- وبه قطع آخرون- أنه ست أو سبع. وفي الحديث: أنه خمس. قال ابن الرافعة: ولم أر من قال به، فإذا قلنا: جميع الحجر من البيت .. لم يصح الطواف على جداره، وإن قلنا: بعضه منه فترك منه مقدار ما قيل: إنه منه، واستظهر ثم اقتحم الجار وارء ذلك، ثم طاف فيه على هذا السمت .. فالأصح: صحة طوافه عند الرافعي، وعدمها عند المصنف، ونقله عن النص وجماهير الأصحاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر، والخلفاء والصحابة ومن بعدهم. ولا يلزم كون بعضه ليس من البيت أن لا يحب الطواف بجميعه؛ لأن الحج باب اتباع. قال: (وفي مسألة المس وجه ): أنه لا يبطل الطواف، وإليه ذهب الغزالي؛ لأن معظم بدنه خارج البيت. والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه مس الجدار وقال: (خذوا عني مناسككم). قال المصنف: وينبغي أن يتنبه لدقيقة وهي: أن من قبل الحجر فرأسه في حال التقبيل في جزء من البيت، فيلزمه أن يقر قدميه في موضوعهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما، فلو زالت قدماه عن موضعهما إلى جهة الباب قدرا يسيرا، ثم لما رغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي صارتا إليه ومضى منه في طوافه .. بطلت طوفته. قال: (وان يطوف سبعًا) أي: سبع مرات؛ لأن النبي صلى اله عليه وسلم طاف كذلك وقال: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم [1297]. فلو طاف أو سعى ثم شك في العدد .. أخذ بالأقل كالصلاة.

دَاخِلَ الْمَسْجِدِ. وَأَما السنَنُ: فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة: إذا اقتصر على أكثر الطواف .. أجزأه وأراق عن الباقي دمًا. وعندنا: لو ترك خطوة منه .. لم يعتد بطوفه، سواء كان باقيًا بمكة أو رجع إلى وطنه، ولا يجبر شيء منه بالدم ولا بغيره .. قال: (داخل المسجد) فلا يصح خارجه بالإجماع. والمراد بـ (المسجد): ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وما استجد فيه من بعده، وقد زيد فيه زيادات. وأول من وسعه عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم ابن الزبير رضي الله عنهما، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم المنصور، ثم المهدي، وعليه استقر بناؤه إلى الآن، فيجوز الطواف فيها كلها. ولو وسع المسجد .. جاز الطوا في جميعه داخله. والأفضل أن لا يكون بينه وبين ابيت حائل كسقاية العباس وبناء زمزم، فلو طاف على سطح المسجد وكان أعلى من البيت .. ففي (العدة) وغيرها لا يجوز، واختاره الشيخ، واستبعده الرافعي والمصنف. قال: (وأما السنن: فأن يطوف ماشيًا)؛ صيانة للمسجد والناس عن أذى البهائم، ولأنه صلى الله عليه وسلم طاف في عُمَرهِ كلها ماشيًا، فإن طاف راكبًا لعذر .. جاز؛ لأنه صلى الله عليه وسلم طاف راكبًا في حجة الوداع. وفي (الصحيحين) [خ 1634 - م 1276]: أن أم سلمة رضي الله عنها قدمت مريضة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (طوفي راكبة وراء الناس). وكذلك إذا كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتى كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي (صحيح مسلم) [1273] أنه فعل ذلك ليراه الناس؛ فإنهم غَشُوه. قال الشيخ: وهذا أصح من رواية من روى أنه طاف راكبًا لمرض، وكان طوافه

وَيَسْتَلمَ الْحَجَرَ أَولَ طَوَافِه ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ صلى الله عليه وسلم في طواف الإفاضة يوم النحر، وأما طواف القدوم .. فعلى قدميه، هكذا ذكره الشافعي رضي الله عنه في (الأم)، قال: ولا أعلمه في تلك الحجة اشتكى، ومن هنا حمل الشيخ محب الدين الطبري الركوب على طواف الإفاضة، والمشي على طواف القدوم. ويكره الطواف زحفًا ومحمولًا مع القدرة على المشي، والأفضل أن يكون حافيًا إلا لضرورة. وقال الزعفراني: لو طاف في حذاء طاهر .. أساء؛ لإخلاله التعظيم، إلا أن يشق عليه مباشرة الأرض بباطن القدم لشدة الحر .. فلا يكره. وإن طاف راكبًا من غير عذر .. فوجهان: أشهرهما: لا يكره، لكنه خلاف الأولى. وثانيهما - هو ما أورده القضاء الماوردي والطبري والبندنيجي والعبدري-: نعم، واختاره الإمام إذا لم يمكن استيثاق الدابة. والمعذور بمرض أو زمانة الأولى أن يطوف محمولًا لا راكبًا، وركوبه أيسر من ركوب غير المعذور، وركوب الإبل أيسر من ركوب البغال والحمير. وقال الإمام: في القلب من إدخال البهيمة المسجد شيء إن لم يؤمن التلويث. قال: (ويستلم الحجر أول طوافه)؛ ففي (الصحيحين) [خ 1603 - م 1267] عن جماعة من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. و (الاستلام): المس باليد بلا خلاف. ووقع في (الوسيط) أنه التقبيل، وهو سبق قلم. قال ابن الصلاح: وهو مشتق من السلام - بكسر السين - وهو الحجر، أو هو افتعال من السلام، يقال: استلمه واستلامَهُ، ولم يتعرض المصنف لتقبيل اليد التي استلم بها، والذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وجماعة: أنه يقبلها عند القدرة على تقبيل الحجر وعند العجز

وَيُقَبلَهُ، وَيَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْه، فَإِنْ عَجَزَ .. اسْتَلَمَهُ، فَإِنْ عَجَزَ .. أَشَاَرَ بِيدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويقبله)؛ ففي (الصحيحين) [خ 1611 – م 1261] وغيرهما عن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبله. ويستحب أن يخفف القبلة حتى لا يظهر لها صوت. ولا يشرع للنساء استلام ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف ليلًا أو نهارًا. قال: (ويضع جبهته عليه) روى الحاكم [1/ 455] ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وروى ابن ماجه [2945]: أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر فاستلمه ووضع شفتيه عليه يبكي وقال: (يا عمر؛ ههنا تسكب العبرات). فإن أمكنه أن يجعل جبهته عليه ثلاثًا .. فليفعل. قال: (فإن عجز .. استلمه) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه طاف على بعيره يستلم الركن بمحجن ثم يقبله، رواه مسلم [1275] وغيره. و (المحجن) بكسر الميم: عصًا معوجة الرأس. ويقتصر على ذلك إما بيده أو عصا أو نحو ذلك، ثم الأصح أنه يقبل ما استلم به. وقيل: يقبل يده أولًا ثم يستلم وكأنه ينقل إليه القبلة، وقيل: يتخير. قال: (فإن عجز .. أشار بيده)؛ لما روى البخاري [1613] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى الركن .. أشار إليه بشيء عنده وكبر). والمراد: اليد اليمنى، فإن قام بها مانع كقطع .. فلظاهر أنه لا يشير باليسرى كما تقدم في التشهد. ولا يشير إلى القبلة بالفم؛ لأنه لم ينقل. واستحب جماعة من الأصحاب الزحام عند تقبيل الحجر؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يزاحم عليه، وذلك مكروه عندنا؛ لأنه روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (إنك رجل قوي تؤذي الضعيف، فإذا أردت أن تستلم الحجر، فإن كان

وَيُرَاعِي ذَلِكَ فِي كُل? طَوْفَةٍ، وَلَا يقبلُ الر?كْنَيْنِ اللشامِييْنِ وَلاَ يَسْتَلِمُهُمَا. وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِي? وَلاَ يُقَبلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خاليًا .. فاستلمه، وإلا .. فاستقبله وكبر). قال: (ويراعي ذلك في كل طوفة)؛ لما روى أبو داوود [1871] بإسناد صحيح: أن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة) والتقبيل مقيس عليه، وهو في الأوتار آكد إذا لم يفعله في كل مرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر يحب الوتر). ولأنه يصير مستلمًا في افتتاحه واختتامه وهو أكثر عددًا. قال: (ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما)؛ لنهما ليسا على قواعد إبراهيم عليه السلام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلمهما. قال: (ويستلم اليماني)؛ لما روى الشيخان [خ 1609 – م 1267] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني). ورويا [خ 1608] عن أبي الشعثاء قال: كان معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يُستلَم هذان الركنان، فقال،: ليس شيء من البيت مهجورًا، وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن. وأجاب الشافعي رضي الله عنه بأنا نستلم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه، ونمسك عما أمسك عنه، وأيضًا خالف معاوية وابن الزبير ابن عمر وابن عباس وجمهور الصحابة رضي الله عنهم. قال: (ولا يقبله)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه: أنه قبله.

وَأَنْ يَقُولَ أَولَ طَوَافِهِ: (باسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهم?؛ إِيمَانًا بكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتبَاعًا لِسُنةِ نَبِيكَ مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الحاكم ما رواه الحاكم [1/ 456] والبخاري في (تاريخه) [1/ 289] والدارقطني [2/ 290]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبله ووضع خده عليه .. فضعفه البيهقي [5/ 75]، وإن صح .. فالمراد بـ (اليماني): الذي فيه الحجر الأسود. والأصح: أنه بعد استلامه يقبل يده، بخلاف الأسود؛ فإنه إذا استلمه .. لا يقبل يده إلا إذا عجز عن تقبيل الحجر. والسبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام: أن الركن الأسود فيه فضيلتان: كون الحجر فيه، وكونه على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، واليماني فيه فضيلة واحدة، وهي: كونه على قواعد إبراهيم، وليس للشاميين شيء من الفضيلتين. و (اليماني) نسبة إلى اليمن، وهو بتخفيف الياء، والألف بدل من إحدى ياءي النسب، ويجوز تشديدها في لغة قليلة، وعلى هذا تكون الألف زائدة. فلو قبل الأركان أو غيرها من البيت .. لم يكره، بل هو حسن، نص عليه. فإن عجز عن استلام اليماني .. ففي (مناسك ابن عبد السلام): أنه يشير إليه كالحجر، وقواه الشيخ محب الدين الطبري. وقال ابن أبي الصيف: لا يشير؛ لأن الإشارة بدل عن القبلة، وهي لا تشرع فيه. قال: (وأن يقول أول طوافه: (باسم الله والله أكبر؛ إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم)) قال الرافعي: كذا رواه عبد الله بن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو غريب. ونقل في (المهذب) بعضه عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضه عن الصحابة، وهذا الدعاء مستحب في كل طواف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب مع ذلك افتتاح الطواف بالتكبير .. وفي (الرونق): يستحب رفع اليد معه كالصلاة .. وروى عبد الرزاق عن الحسن أنه كان يقول إذا استلم الركن: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الذل .. والمراد بـ (العهد) هنا: الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم بامتثال أمره حيث قال: (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) فأمر الله تعالى أن يكتب بذلك عهد وأن يدرج في الحجر الأسود كما تقدم. فروع تتعلق بالطواف:: يجوز الكلام فيه، ولا يبطل به ولا يكره، لكن الأولى تركه إلا في خير كأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتعليم جاهل وجواب مستفت .. ويكره أن يبصق فيه، وأن يتنخم، وأن يغتاب، وأن يجعل يديه وراء ظهره كتفًا، وأن يضع يده على فيه إلا في حالة التثاؤب؛ فإن ذلك مستحب، وأن يشبك أصابعه وأن يفرقعها، وأن يكون حاقنًا أو حاقبًا، أو بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، وأن تكون المرأة منتقبة .. ويكره فيه الأكل والشرب، كراهة الشرب أخف. وينبغي أن يكون في طوافه خاضعًا متخشعًا، حاضر القلب، ملازمًا للأدب بظاهره وباطنه، مستحضرًا في قلبه عظمة من يطوف ببيته .. ويلزمه أن يصون نظره عما لا يحل نظره إليه، وقلبه عن احتقار من يراه من الضعفاء والمرضى. ويعلم الجاهل برفق .. وهل الأفضل التطوع في المسجد الحرام بالطواف أو بالصلاة؟ قال المارودي: الطواف أفضل، وظاهر قول غيره: أن الصلاة أفضل ..

وَلْيَقُلْ قُبَالَةَ الْبَابِ: (اللهُم؛ الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَالْحَرَمٌ حَرَمُكَ، وَالأَمْنٌ أَمْنُكَ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النار)، وَبَيْنَ الْيَمَانِييْنِ: (اللهُم؛ آتِنَا فِي الدنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةَ وَقِنَا عَذَابَ النارِ)، وَلْيَدْعُ بِمَا شَاَءَ، وَمَاثُورُ الدعَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَاثُوِرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (والصلاة لأهل مكة والطواف للغرباء). قال: (وليقل قبالة الباب: (اللهم؛ البيت بيتك، الحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار)) قال الشيخ أبو محمد: ويشير بقوله: وهذا مقام العائذ بك) إلى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وخطأه ابن الصلاح، وصوب: أنه يشير به إلى نفسه. و (قُبالة) بضم القاف، معناه: الجهة التي تقابل الباب. قال: (وبين اليمانيين: (اللهم؛ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو داوود [1887] والنسائي [سك 3920] وابن حبان [3826] والحاكم [1/ 455]، لكن بلفظ: (ربنا آتنا) وهو كذلك في كتب الرافعي و (شرح المهذب). و (حسنة الدنيا) قال الحسن: العلم والعبادة، وقيل: العافية، وقيل المال، وقيل: المرأة الحسنة. (وحسنة الآخرة): الجنة بالإجماع. قال: (وليدع بما شاء) من أمر الدين والدنيا؛ لأنه موطن يستجاب فيه الدعاء. وينبغي ألا يجعل حظ دعائه الدنيا، بل ما يتعلق بمهمات الدين ونجاة الآخرة. قال: (ومأثور الدعاء) أي: منقوله (أفضل من القراءة)؛ تأسيًا بمن نزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم. قال: (وهي أفضل من غير مأثوره)؛ لأن القراءة أفضل من الذكر وقال الله تعالى: (من شغله ذكري عن مسألتي .. أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل

وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الأَشْوَاطِ الثلاَثَةِ الأُوَلِ، بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ، وَيَمْشِيَ فِي الْبَاقِي،. ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) رواه الترمذي [2926] وقال: جسن. قال الشافعي رضي الله عنه: وبلغني عن مجاهد أنه كان يقرأ القرآن وهو طائف. وقال عروة ومالك: تكره القراءة فيه. ومن المأثور في (المستدرك) [1/ 445] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلك كان يقول في طوافه: (اللهم؛ قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف لي في كل غائبة لي منك بخير). وفي بعض الأجزاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا حاذى الميزاب: (اللهم؛ إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب). قال: (وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأول، بأن يسرع مشيه مقاربًا خطاه، ويمشي في الباقي)؛ لما روى مسلم [1262] عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشي أربعًا) فإن تركه .. كره، فإن كان راكبًا أو محمولًا .. ففيه قولان، أصحهما: أنه يرمل به الحامل ويحرك هو دابته. والمشهور: أنه يستوعب بيت بالرمل؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقيل: لا يرمل بين اليمانيين؛ لما روى مسلم [1266] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأصحابه فقال المشركون: إنه صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركبتين؛ ليرى المشركون جَلَدهُم).

وَيَخْتَص? الر?مَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ، وَفِي قَوْلٍ: بِطَوَافِ الْقُدُوم، ـــــــــــــــــــــــــــــ ِ والجواب: أن هذا كان في عمرة القضاء سنة سبع، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في حجة الوداع سنة عشر، فكان العمل به أولى. وقوله في الحديث: (فجلسوا مما يلي الحجر) - وهو بكسر الحاء – أراد أنهم جلسوا في قعيقعان، وهو جبل مطل على مكة لا في نفس مكة؛ فإنهم كانوا قد انتقلوا عنها وأخلوها ثلاثة أيام باشتراط وقع بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم. والحكمة في مشروعية الرمل مع زوال سببه الذي شرع له: تذكر نعمة الله تعالى على اعتزاز الإسلام وأهله. واحترز المصنف بـ (تقارب الخطا) عن الوثوب والعد، فلو ترك الرمل في الأول أو الثاني .. أتى به في الذي بعده، وإن تركه في الثلاثة .. لم يفعله في الأربعة الأخيرة؛ لأن هيئته السكون فلا تغير، كمن قطعت مسبحته اليمنى .. لا يشير باليسرى في التشهد، ومن ترك الجهر في الركعتين الأوليين .. لا يجهر في الآخيرتين؛ لتفويته سنة الإسرار. قيل: وكان الأولى أن يعبر بالطوفان دون الأشواط؛ لأن الشافعي رضي الله عنه والأصحاب كرهوا تسميتها أشواطًا، لأن الشوط الهلاك .. لكن قال في (شرح المهذب): إنه لا يكره؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت. قال: (ويختص بالرمل بطواف يعقبه سعي، وفي قول: بطواف القدوم). أصل هذا: أن الطواف الذي رمل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وجد فيه المعنيان: السعي بعده وكونه للقدوم، والقول الأول هو الأظهر عند الأكثرين نظرًا إلى الأول، والثاني إلى الثاني، ورجحه الشيخ محب الدين الطبري والشيخ تبعًا للبغوي. فعلى القولين: لا يرمل في طواف الوداع؛ لانتفاء الأمرين، ويرمل من قدم مكة معتمرًا؛ لوجودهما ..

وَلْيَقُلْ فِيهِ: (اللهُم?؛ اجْعَلْهُ حَجًا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا). وَأَنْ يَضْطَبعَ فِي جَمِيعِ كُل? طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد: سعي مشروع، فلو رمل في طواف القدوم وسعى بعده .. لم يرمل في طواف الإفاضة إن لم يرد السعي بعده، وكذا إن أراده على الأصح؛ لعد مشروعية السعي حينئذ، قاله الشيخ محب الدين الطبري وغيره. قال: (وليقل فيه) أي: في رمله ((اللهم؛ اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيا مشكورًا)). قال الرافعي: إن ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. و (المبرور): الذي لم يخالطه ذنب .. و (السعي المشكور): العمل المتقبل، قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}). ويستحب أن يقول في الأربعة الأخيرة: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، فإن كان في عمرة قال: عمرة متقبلة بدل حجًا مبرورًا .. قال: (وأن يضطبع في جميع كل طواف يرمل فيه)؛ لما روى أبو داوود [1879] بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم حذفوها على عواتقهم اليسرى.). وعلم من كلامه: أن ما لا يسن فيه الرمل لا يسن فيه الاضطباع .. وأشار بقوله: (جميع) إلى أن الرمل والاضطباع وإن كانا متلازمين لكن الرمل ..

وَكَذَا فِي السعْيِ عَلَى الصحِيحِ- وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الأَيْمِنِ، وَطَرَفَيْهْ عَلَى الأَيْسَرْ – وَلاَ تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلاَ تَضْطَبع ُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مختص بالأشواط الثلاثة، والاضطباع مستحب ف السبعة، ولا يفترق الاضطباع والرمل إلا في هذا. والطواف الذي يرملفه تقدم بيانه. وكره الشافعي رضي الله عنه ترك الاضطباع كما يكره ترك الرمل، وأنكره مالك. وقال: (وكذا في السعي على الصحيح)؛ لأنه أحد الطوافين فأشبه الطواف بالبيت بجامع قطع المسافة سبعًا. والثاني: لا يستحب فيه؛ لعدم وروده، والغزالي حكاه قولًا، واستغربه الرافعي. والصحيح: أنه يستحب في جميع السعي. وعن ابن القطان: اختصاصه بموضع السعي الشديد، دون موضع المشي. وفهم من عبارته عدم استحبابه في ركعتي الطواف وهو ظاهر المذهب؛ لأن هيئة الاضطباع في الصلاة مكروهة. قال: (وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على الأيسر) فيبقى منكبه الأيمن مكشوفًا، وهو افتعال من الضبع – بإسكان الباء الموحدة – وهو العضد. و (وسط) في كلام المصنف بفتح السين. قال: (ولا ترمل المرأة ولا تضطبع) بالإجماع؛ لأنها مأمورة بالستر وذلك ينافيه. وعبارة (المحرر): (وليس للنساء رمل ولا اضطباع) وهذا يفهم التحريم؛ للتشبيه بالرجال، وعبارة باقي كتبهما بعيدة من ذلك، وكذلك الخنثى. وأما الصبي .. فيشرعان له في الأصح.

وَأَنْ يَقْرُبَ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَوْ فَاتَ الرمَلُ بِالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ .. فَالرمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى، إِلا? أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النسَاءِ .. فالْقُرْبُ بِلاَ رَمَلٍ أَوْلَى. وَأَنْ يُوَالِيَ طَوَاَفَهُ، وَيُصَليَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، يَقْرَأ فِي الأُولَى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) وَفِي الثانِيَةِ: (الإخْلاَصَ)، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأن يقرب من البيت)؛ لشرفه، وليتيسر له بذلك الاستلام والتقبيل، فإن تأذي بالزحمة أو آذى غيره .. فالأفضل البعد، كذا أطلقوه. وعن نصه استحباب الاستلام في أول الطواف وآخره وإن تأذى بالزحام. أما المرأة .. فيندب لها حاشية المطاف بحيث لا تخالط الرجال، والخنثى كالمرأة. قال: (فلو مات الرمل بالقرب لزحمة .. فالرمل مع بعد أولى)؛ لأن القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة، والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة، والفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى. قال: (إلا أن يخاف صدم النساء .. فالقرب بلا رمل أولى) تحرزًا من لمسهن. قال: (وأن يوالي طوافه) كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجب ذلك، حتى لو طاف كل يوم شوطًا أو بعض شوط .. جاز، لكن الأولى الموالاة خروجًا من الخلاف الآتي. قال: (ويصلي بعده ركعتين خلف المقام، يقرأ في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية (الإخلاص))؛ لما روى مسلم [1218]: (ان النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعًا ثم أتى المقام فقرأ: {واتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ثم صلى خلفه ركعتين قرأ فيهما ذلك، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا). فإن لم يصل خلف المقام .. ففي الحجر، وإلا ... ففي المسجد، وإلا .. فحيث شاء من الحرم وغيره.

وَيَجْهَرُ لَيْلًا، وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ الْمُوَالاَةُ وَالصلاَة ُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو صلى فريضة .. كفت عنهما كتحية المسجد، نص عليه في التقديم. وقال في (البحر): يختار أن يدع عقبهما بما روى جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدهما: (اللهم؛ هذا بلدك الحرام ومسجدك الحرام وبيتك الحرام، وأنا عبدك وابن أمتك، أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة واعمال سيئة، وهذا مقام العائذ بك من النار .. فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم؛ إنك دعوت عبادك إلى بلدك الحرام، وقد جئت طالبًا رحمتك، مبتغيًا مرضاتك، وأنت مننت علي?بذلك، فاغفر لي وارحمني إنك على كل شيء قدير). قال: (ويجهر ليلًا) كالكسوف وغيره، كذا جزم به الشيخان. وصوب في (المهمات): أنه كجميع النوافل الليلية يتوسط فيها بين الجهر والإسرار. لكن قوله: (ليلًا) يرد عليه ما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ فإنه من النهار، ومع ذلك يعطي في الجهر والإسرار حكم الليل. قال: (وفي قول: تجب الموالاة والصلاة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بهما وقال: (خذوا عني مناسككم)، والأصح: الأول. والخلاف في وجوب ركعتي الطواف محله: إذا كان فرضًا، فإن كان سنة كطواف القدوم .. فطريقان. أصحهما عند الخراسانيين: القطع بأنها سنة. والثاني – وهو ظاهر كلام العراقيين وينسب إلى ابن الحداد -: فيه القولان .. وإذا قلنا بوجوبهما .. فليستا بشرط في صحة الطواف على الأصح، ولا بركن أيضًا. وهذه الصلاة لا تفوت ما دام حيًا، ولا يجبر تأخيرها ولا تركها بدم، لكن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المنصوص: استحباب إراقة دم إذا أخر. والأشهر: أن الركعتين تقعان للمستأجر، وقيل: للأجر. فروع: الطواف إن لم يكن في حج أو عمرة .. فلابد من النية فيه بلا خلاف، نفلا كان أو منذورًا، وإن كان في حج أو عمرة .. فالنية مستحبة فيه، وهل تجب؟ فيه وجهان: أصحهما: لا؛ لأن النية الحج تشمله، وهل يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه؟ وجهان: أصحهما: نعم. ويكره قطع الطواف المفروض بصلاة الجنازة والرواتب؛ إذ لا يحسن ترك فرض العين للكفاية والتطوع. ولو نام في الطواف أو بعضه على هيئة لا تنقض الوضوء .. فالأصح: صحة طواقه، وأجمعوا على جوازه في أوقات النهى، واختلفوا في ركعتيه، فمذهبنا: الجواز؛ لما تقدم في أول (الصلاة). وإذا أراد أن يطوف طوافين أو أكثر .. استحب أن يصلي عقب كل إسبوع ركعتين؛ لما روى البخاري تعليقًا عن الزهري أنه قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعًا إلا صلى ركعتين. فإن طاف أسبوعين أو أكثر ثم صلى لكل طواف ركعتيه .. جاز؛ لما روى العقيلي [3/ 66] وابن شاهين وابن أبي حاتم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين ثلاثة أسابيع ثم صلى لكل أسبوع ركعتين) لكن فيه ضعف، فلذلك كان فاعله تاركًا للأفضل، ولا يكره ذلك؛ لوروده عن عائشة والمسوَر بن مَخرمة رضي الله عنهما. وقال الصميري: لو طاف أسابيع متصلة ثم صلى ركعتين .. جاز.

وَلَوْ حَمَلَ الْحَلاَلُ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ .. حُسِبَ لِلْمَحْمُولْ بِشَرْطِهِ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسهِ، وَإِلا? .. فالأَصَح? أَنهُ إِنْ قَصَدَهُ لِلْمَحْمُولِ. فَلَهُ، وَإِنْ قَصَدَهُ لِنفْسِهِ أَوْلَهُمَا .. فَلِلحَامِلِ فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو حمل الحلال محرمًا وطاف به .. حسب للمحمول)؛ لأنه كراكب الدابة، سواء كان المعمول صحيحًا أو مريضًا، أو بالغًا أو صغيرًا، ولا يقع عنهما؛ لاتحاد الفعل، بخلاف ما إذا طافا على بهيمة .. فإنه يحسب لهما. والمراد بـ (الحسبان) هنا: هو الحسبان عن الطواف الذي تضمنه إحرام المحمول، وهو القدوم والفرض، لا مطلق الطواف، حتى لو كان المحمول قد طاف عن نفسه .. كان كما لو حمل حلال حلالا. قال ابن الرفعة: ومحل حسبانه للمحمول إذا نواه الحامل له، أو أطلق، فإن نواه لنفسه أو أطلق .. فيظهر أن يحسب للحامل فقط، أو لهما. وكلام (المنهاج) و (الروضة) وأصليهما يفهم تعميم وقوعه للمحمول فقط في هذه الحالة. قال الشيخ: كل هذا إذا لم يصرفه المحمول عن نفسه، فإن صرفه أو لم ينوه وقلنا: تجب النية ونوى الحامل ... وقع له بلا شك. قال: (بشرطه) هذا يوجد في بعض النسخ وليس في (المحرر)، والمراد: من ستارة وطهارة ودخول وقت، فإن فقد شرط .. وقع للحامل. قال: (وكذا لو حمله محرم قد طاف عن نفسه)؛ فإنه في هذه الحالة كالحلال، وكذلك الذي لم يدخل وقت طوافه. قال: (وإلا) أي: وأن لم يطف عن نفسه (.. فالأصح: أنه إن قصد للمحمول .. فله)؛ لأن الأعمال بالنيات. والثاني: للحوامل فقط؛ لأن الطواف محسوب له فلا ينصرف عنه. الثالث: لهما جميعًا؛ لاشتراكهما في العبادة. قال: (وإن قصده لنفسه أو لهما .. فللحامل فقط)؛ لأن الفعل صدر منه ولم

فصل

فَصْلٌ: يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَصَلاَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يصرفه عن نفسه، وادعى الإمام اتفاق الأصحاب عليه، لكن في (التهذيب) وجه: أن يحصل لهما. ولو لم يقصد شيئًا .. فهو كما لو قصد نفسه أو كليهما، فإن نوى كل الطواف لنفسه .. فالأظهر وقوعه للحامل، وقيل: للمحمول، وقل: لهما. تتمة:: قال الأصحاب: فعل المتحيرة الصلاة الواحدة وصوم اليوم الواحد والطواف الواحد سواء حرفًا بحرف، فإذا أرادت فعل واحد منها .. فعلته ثلاث مرات بشرط الإمهال المقرر في الصلاة والصوم في (باب الحيض). وقال جماعة: تطوف طوافين بينهما خمسة عشر يومًا، والصواب: الأول. قال: (فصل:: يستلم الحجر بعد طوافه وصلاته)؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن جابرًا رضي الله عنه رواه في صفة حجه عليه الصلاة والسلام كما تقدم. وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يخرج من المسجد حتى يستلم الحجر. قال المارودي: ثم يقف في الملتزم ويدعو عنده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، قال: ويدخل الحِجْر ويدعو؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يدعو تحت الميزاب .. إلا استجيب له). قال ابن الصلاح: وطاهر الحديث الصحيح: أنه لا يشتغل بها، بل يبادر بالسعي.

ثُم? يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصفَا لِلسعْي. وَشَرْطُهُ: أَنْ يَبْدَأَ بالصفَا، وَأَنْ يَسْعَى سَبْعًا ذَهَابُهُ مِنَ الصفَا إِلَى المَرْوَةِ مَرةُ، وَعَوْدُهُ مِنْها إِليْهِ أُخُرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الغزالي في (الإحياء): (يأتي الملتزم قبل الصلاة) مردود. وإطلاق المصنف والرافعي الاستلام يقتضي: أنه لا يستحب التقبيل في هذه الحالة، وليس كذلك؛ فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قبله في هذه الحالة، رواه الحاكم [1/ 454] عن جابر رضي الله عنه، وقال: إنه على شرط مسلم، وكذلك رواه أحمد وصرح بأنه بعد الصلاة، وكذلك صرح القاضي أبو طيب باستحبابه في هذه الحالة. قال: (ثم يخرج من باب الصفا للسعى)؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كذلك فعل وأمر به. وروى سعيد بن منصور عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بين الصفا والمروة يعدل عتق سبعين رقبة). و (الصفا) مقصور، وهو في الأصل: الحجارة الصلبة، واحده: صفاة، كحصاة وحصى، وهو: طرف جبل أبي قبيس، قيل: عن ذابة الأرض- وهي ناقة صالح - تخرج منه في آخر الزمان. قال: (وشرطه: أن يبدأ بالصفا)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كذلك فعل، وسألوه عنه فقال: (ابدؤوا بما بدأ الله به) بلفظ الأمر، رواه النسائي [5/ 235] من حديث جابر رضي الله عنه بإسناد على شرط الصحيح، وهذا الشرط لا خلاف فيه عندنا، فلو بدأ بالمروة وأكمل سبعًا .. حسب له منها ست، ثم يأتي بمرة أخرى. قال: (وأن يسعى سبعًا)؛ لما روى الشيخان [خ 396 - م 1261] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة سبعًا). قال: (ذهابه من الصفا إلى المروة مرة، وعوده منها إليه أخرى) هذا مذهب جمهور العلماء، ويدل له حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وَأَنْ يَسْعَى بَعًدَ طَوَافِ رُكنٍ أو قُدُومٍ بِحَيْثُ لاَ يَتَخَللُ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَة َ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو بكر الصيرفي: الذهاب مرة، والعود لا يسحب، حتى لو عاد من غير المسعى .. جاز. وقال ابن بنت الشافعي وابن جرير وابن خيران والإصطخري وابن الوكيل: الذهاب والعود مرة كمسح الرأس، وهذا القول أكثر فسادًا من الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ختم بالمروة. ثم لا بد من استيعاب المسافة في كل مرة بأن يلصق عقبه بأصل ما يذهب منه، ورؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه، والراكب يلصق حافر دابته، والأفضل أن يسعى ماشيًا، والركوب فيه أخف منه في الطواف. و (المروة): الحجارة البيض البراقة، ثم صار علمًا على الموضع المعروف بمكة. وقال ابن عبد السلام: إنها أفضل من الصفا؛ لأنها مُرورُهُ أربعَ مرات والصفا ثلاثًا في السعي، وما أمر الله بمباشرته في القربة أكثر يكون أفضل. قال: (وأن يسعى بعد طواف ركن أو قدوم)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسع إلا كذلك، ونقل الماوردي الإجماع عليه. ووقع في (أساليب إمام الحرمين): أن بعض أئمتنا قال: لو قدم السعي على الطواف .. اعتد به، وهو غلط. قال: (بحيث لا يتخلل بينهما) أي: بين السعي وطواف القدوم (الوقوف بعرفة)؛ لأنه في هذه الحالة يتعين تأخير السعي إلى ما بعد طواف الإضافة. وفهم من عبارته أنه لا يجوز بعد طواف نفل لا تعلق له بالحج، ولا بعد طواف الوداع. وصح في (المهمات) بجوازه بعدهما، وصوره بما إذا أحرم من مكة وطاف

وَمَنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومِ .. لَمْ يُعِدْهُ. وَيُسْتَحَبُ: أَنْ يَرْقَى عَلَى الصفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ للوداع .. فإنه يصح أن يسعى بعده كما قاله البندنيجي في (المعتمد)، ونقله عنه صاحب (البيان) والشيخ نصر وقالا: إنه مذهب الشافعي. فالشرط: أن يقع بعد طواف صحيح كما قاله في (شرح المهذب)، وصرح به الشيخ محب الدين الطبري وجزم بالإجزاء، وروي أن ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم فعلاه. قال: (ومن سعى بعد قدوم .. لم يعده)؛ لما روى مسلم [1215] عن جابر رضي الله عنه قال: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول) وعنى بالطواف: السعي؛ قال تعالى: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فلو أعاده .. جاز. وقال الشيخ أبو محمد وولده: تكره إعادته، وبه جزم في (شرح المهذب). وقيل: إنه خلاف الأولى؛ لأنه لم يرد فيه نهي مخصوص. لكن يستثنى القارن؛ فإنه يستحب له أن يطوف طوافين ويسعى سعيين خروجًا من خلاف أبي حنيفة. ولو سعى وهو صبي أو عبد بعد القدوم ثم بلغ وعتق بعرفة، أو قبل فوات الوقوف ثم عاد إليها في الوقت .. وجب عليه إعادة السعي على الصحيح. قال: (ويستحب: أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة)؛ ففي (صحيح مسلم) [1218] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى على الصفا حتى رأى البيت ثم أتى المروة ففعل كما فعل على الصفا). وقال أبو حفص بن الوكيل: يشترط صعودهما، لكن بعض الدرج مستحدث فيجب أن يصعد فيها حتى يستيقن قطع المسافة، كما يلزم المتوضيء غسل جزء من الرأس مع الوجه، كل هذا في الرجل. أما المرأة .. فلا ترقى كما قال في (التنبيه)، ولم يذكره الرافعي ولا المصنف في (شرح المهذب)، والقياس إلحاق الخنثى بها في ذلك.

فَإِذَا رَقِيَ .. قَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا. قُلْتُ: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَنْ يَمْشِيَ أَوَّلَ الْمَسْعَى وَآخِرَهُ وَيَعْدُوَ فِي الْوَسَط ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإذا رقي .. قال: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير؛ لما روى مسلم [1281] عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة فوحد الله تعالى وكبره وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) وهو في (النسائي) [5/ 235] كما قاله المصنف. و (رقي) بكسر القاف وفتحها في المضارع كعلم يعلم. قال: (ثم يدعو بما شاء دينًا ودنيا)؛ لأنها أمكنة يستجاب فيها الدعاء. وكان ابن عمر رضي الله عنه يطيل الدعاء هنالك، واستحبوا من دعائه أن يقول: (اللهم إنك قلت: ادعوني استجب لكم، وأنت لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم). قال: (قلت: ويعيد الذكر والدعاء ثانيًا وثالثًا والله أعلم)، ثبت ذلك في حديث جابر رضي الله عنه. وقيل: لا يعيد الدعاء ثانيًا، وبه جزم الرافعي في (الشرح). قال: (وأن يمشي أول المسعى وآخره ويعدو في الوسط)؛ اتباعًا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والمرأة تمشي ولا تسعى.

وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ مَعْرُوفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن كانت في خلوة من الليل سعت. وينبغي أن يتحرى بسعيه وقت خلو المسعى عن الزحام. قال: (وموضع النوعين معروف) المراد بـ (النوعين): المشي والسعي، فإنه إذا نزل من الصفا .. مشى حتى يبقى بينه وبين العمود الأخضر المبني في ركن المسجد الحرام نحو ستة أذرع، فحينئذ يسعى سعيًا شديدًا حتى يتوسط بين العمودين اللذين أحدهما في جدار المسجد والآخر في حذاء دار العباس رضي الله عنه، فحينئذ يمشي على هينته حتى يأتي المروة فيفعل مثل ما فعل على الصفا، ثم ينزل ويمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه حتى يأتي الصفا. تتمة: يستحب في السعي الطهارة والستر والمشي، والموالاة بينه وبين الطواف، وكذلك الموالاة بين السبع. ويستحب أن يقول فيه: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم. ويروى: رب اغفر وارحم واهدنا السبيل الأقوم.

فصل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: ولا يستحب أن يصلي عقبة في المروة، بل قال ابن الصلاح: إن ذلك مكروه، واستحسنه الشيخ أبو محمد. ولو التوى في سعيه قليلًا .. جاز، فلو دخل من المسجد أو سوق العطارين .. فلا. ويكره أن يقف في سعيه لحديث وغيره. ولو أقيمت الصلاة .. قطعه وصلى ثم بنى. قال: (فصل) مقصوده: أن الإمام إذا لم يحضر الحج بنفسه يسن له أن ينصب أميرًا على الحجيج، يقيم لهم المناسك، ويحفظهم، ويرجعون إليه فيما ينوبهم، والمنصوب ضربان: أحدهما: على تسيير الحجيج، وهو سياسة وتدبير. وشرط منصوبها: أن يكون ذا رأي وشجاعة وهداية، ويلزمه جمع الناس في مسيرهم ونزولهم وترتيبهم في السير والرفق بهم، وأن يسلك بهم أوضح الطرق، ويرتاد بهم المياه، ويحرسهم إذا نزلوا، ويحفظهم إذا رحلوا، ويكف عنهم من يضرهم بقتال أو بذل مال، ويصلح بين المتنازعين، ولا يحكم إلا أن يفوض إليه ذلك ويكون أهلًا، ويؤدي خائنهم بالتعزير، ولا يقيم حدًا إلا أن يؤذن له فيه، ويراعي اتساع الوقت؛ ليأمن فوات الوقوف والنسك، ويحضرهم المواقف الشرعية، ولا يتعجل بالخروج من مكة، ويزور بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يعود بهم. والولاية الثانية: على إقامة الحجيج، وشرط القائم بها مع الشروط المعتبرة في إقامة الصلوات: العلم بالمناسك ومدتها سبعة أيام، فيعلم الناس بوقت الخروج، ويرتب المناسك على الوجه الشرعي، ويقدر المواقيت بمقامه فيها ورحيله عنها، ويقتدي به في الأذكار والصلوات، ويخطب جميع خطب الحج، وليس له أن ينفر النفر الأول، بل يمكث بمنى إلى اليوم الرابع.

يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ: أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً، يَامُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إِلَى مِنَىً، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (يستحب للإمام أو منصوبه: أن يخطب بمكة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة فردة) كذا رواه الحاكم [1/ 461] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فإن كان يوم جمعة .. فبعد صلاتها، ولا يكفي عنها خطبة الجمعة، فإن كان الإمام محرمًا .. افتتحها بالتلبية، وإن كان حلالًا .. فبالتكبير .. قال الشافعي رضي الله عنه: وأحب إن كان الخطيب فقيهًا أن يقول: هل من سائل، فإن كان الذي يخطب مقيمًا .. استحب له أن يحرم ويرقى المنبر ليخطب محرمًا، وقد تقدم أن هذا يستثنى من قولهم: (يستحب الإحرام عند المسير.). وهذا اليوم يسمى: يوم الزينة؛ لأنهم كانوا يزينون فيه هوادجهم .. واليوم الثامن: يوم التروية؛ لأنهم يتروون فيه الماء .. وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام تروّى فيه في الرؤية .. والتاسع: عرفة .. والعاشر: يوم النحر .. والذي يليه: يوم القر؛ لاستقرارهم فيه بمنى .. والذي يليه: النفر الأول، ثم: النفر الثاني .. قال: (يأمرهم فيه بالغدو إلى منى) المراد: أنه يأمرهم بالخروج إلى منى قبل الزوال كما هو مدلول الغدو، وقد اختلف فذلك كلام (الروضة) و (الشرح). فائدة:: (منى) بكسر الميم، تصرف ولا تصرف، وتذكر وتؤنث والأغلب التذكير، والأشهر تخفيف نونها، سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي: يراق .. وقيل: لأن آدم عليه السلام لما أراد مفارقة جبريل عليه السلام .. قال له: تمن، قال: الجنة ..

وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنَ الْمَنَاسِك، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لأن الله عز وجل منَّ فيها على إبراهيم عليه السلام بأن فدى ولده بذبح عظيم .. وقيل: لأن الله تعالى من على عباده بالمغفرة .. وبينها وبين مكة فرسخ، ووقع في (الرافعي) أن بينهما فرسخين، وهذا مخالف لقول الجمهور ولإدراك الحس .. ومنها إلى مزدلفة فرسخ، ومن مزدلفة إلى عرفات فرسخ أيضًا .. وفي منى أربع آيات.: ما يقبل من أحجارها رفع، وما لم يقبل يترك، ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين .. وأن الحدأة تحوم بمنى حول اللحم فلا تأخذ منه شيئًا .. وأن الذباب لا يرى فيها أيام الترشيق مع كثرته بها في غيرها .. وأنها تتسع بأهلها كاتساع بطن المرأة الحامل، وكل ذلك مشاهد فيها .. قال: (ويعلمهم ما أمامهم من المناسك)؛ لما روى البيهقي [5/ 111] بإسناد جيد عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر ويعلم الناس المناسك). والمراد: يعلمهم ما يفعلونه إلى خطبة نمرة، وكذلك كل خطبة من خطب الحج يندب أن يعلمهم فيها ما بين أيديهم من المناسك إلى الخطبة التي تليها، ويأمر المتمتعين أن يطوفوا للوداع قبل الخروج. فلو توجهوا إلى الموقف قبل دخول مكة .. استحب للإمام أن يفعل كما يفعل بمكة لمن دخلها، قاله المحب الطبري. وخطب الحج أربع: هذه، ويوم عرفة بنمرة، ويوم العيد بمنى، وثاني أيام التشريق بمنى أيضًا، وهذه لم يذكرها المصنف وستأتي قبيل قول المصنف: (ومن عجز عن الرمي استتاب) وكلها فرادى وبعد الصلاة إلا التي بنمرة فإنها خطبتان وقبل الصلاة.

وَيَخْرُجَ بِهِمْ مِنَ غَدٍ إِلَى مِنَىً وَيَبِيتُوا بِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ .. قَصَدُوا عَرَفَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . قال: (ويخرج بهم من غد إلى منى) هكذا رواه مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون خروجهم بعد صلاة الصبح حتى يصلوا الظهر بمنى وهذا هو المشهور. وفي قول: يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون، وبه جزم الرافعي في آخر (باب وجوه الإحرام) وتبعه في (الروضة) على ذلك. فإن كان الثامن يوم جمعة .. خرجوا قبل الفجر إن لزمتهم الجمعة، وإلا .. فلهم الخروج بعده. قال القاضي الطبري: ويستخلف الإمام من يصلي بالناس الجمعة، ويسير هو إلى منى فيصلي بها الظهر. وقال المتولي: لو تركوا الخروج أول النهار وصلوا الجمعة بمكة .. كان أولى، وهو مخالف لقول الجمهور. قال: (ويبيتوا بها) ويصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح كما رواه مسلم [1218] من حديث جابر رضي الله عنه. وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب بالإجماع، وقول المتولي وجماعة: (إنه ليس بنسك) أرادوا: أنه ليس بواجب، لكن من البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الليلة من إيقاد الشموع وغيرها، وهو مشتمل على منكرات. فرع: قال أبو الحسن الزعفراني: يستحب المشي من مكة إلى المناسك كلها إلى انقضاء الحج لمن قدر عليه. ويستحب أن يقصد مسجد الخيف، ويصلي به مكتوبات يومه وصبح غدها. قال: (فإذا طلعت الشمس .. قصدوا عرفات) المراد إذا أشرقت على ثبير، وهو جبل عال كبير بالمزدلفة عن يسار الذاهب إلى عرفات، وكانت العرب تقول: أشرق ثبير كيما نغير، وأول من قاله أبو سيارة.

قُلْتُ: وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ يَخْطُبَ الإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (جامع الترمذي) [3703] في مناقب عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على ثبير: (اثبت ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) وهو وهم اتفاق الحفاظ، إنما قال ذلك لأحد وحراء، ولم يصعد صلى الله عليه وسلم ثبيرًا قط. ويستحب أن يسيروا ملبين ذاكرين، وأن يسلكوا طريق ضب، وهي من مزدلفة في أصل الوادي ويعودوا على طريق المأزمين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكونوا عائدين في غير الطريق التي ذهبوا منها، وتقدم الكلام في لفظ عرفات في (صوم التطوع). قال: (قلت: ولا يدخلونها بل يقيمون بنمرة بقرب عرفات حتى تزول الشمس والله أعلم) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يضرب الإمام قبته بنمرة، وكذلك كل من معه قبة يضربها هناك .. ومنزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى الصخرة الساقطة بأصل الجبل عن يمين الذاهب إلى عرفات، وليست نمرة من عرفات على المشهور، خلافًا لابن الصباغ .. ويستحب الغسل فيها للوقوف، فإن تعذر .. تيمموا .. قال: (ثم يخطب الإمام بعد الزوال خطبتين)؛ لما روى جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام

ثُمَّ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فصلى العصر). ويستحب أن يكون الخطبة قبل الأذان، وأن يأخذ المؤذن في الأذان مع شروع الإمام في الخطبة الثانية. ويستحب أن يخفف هذه الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الأذان، وقيل: مع فراغه من الإقامة. وتكون هذه الخطبة بمسجد إبراهيم الذي ينسب إليه باب إبراهيم بمكة، وهذا المسجد صدره من عرنة وآخره من عرفات، يميز بينهما صخرات كبار فرشت هناك. يعلمهم في الخطبة الأولى مشروعات الوقوف، وواجباته، وكيفية الدفع إلى مزدلفة، ويحرضهم على إكثار الدعاء والتهليل والتلبية بالموقف، وأقل ما عليه فيها أن يعلمهم ما يلزمهم من المناسك إلى الخطبة الثالثة كما تقدم، فإن كان فقيهًا .. قال: هل من سائل، وإلا .. فلا، وذكر معظم المناسك، ويخففها، فإذا فرغ .. جلس للاستراحة يقدر (سورة الإخلاص). ثم يقوم إلى الخطبة الثانية، ويأخذ المؤذن في الأذان مع شروعه فيها، ويخففها جدًا بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الأذان، وقيل: مع فراغه من الإقامة، ويكون قائمًا، والأولى أن يكون على منبر. قال: (ثم يصلي بالناس الظهر والعصر جمعًا)؛ لحديث جابر رضي الله عنه، ويسر فيهما بالقراءة، قال ابن المنذر: بالإجماع. وهذا الجمع للسفر على الصحيح، فلا يجوز للمكي لقصر سفره، وقيل: للنسك، فيجوز له، وصححه المصنف في (مناسكه). وأما القصر .. فلا يجوز إلا للمسافر قطعًا، خلافًا لمالك والأوزاعي وسفيان بن عيينة؛ فإنهم جوزوا لأهل مكة القصر بمنى، وروي عنهم إن قصر الإمام .. قصر معه جميع الناس.

وَيَقِفُوا بِعَرَفَةَ إِلَى الْغُرُوبِ، وَيَذْكُرُوا اللهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ، وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يقول الإمام إذا سلم: يا أهل مكة أتموا؛ فإنا قوم سفر، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلون سنة الظهر والعصر كما تقدم في (صلاة المسافر). قال: (ويقفوا بعرفة إلى الغروب)؛ لحديث جابر رضي الله عنه، ففقه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من صلاة العصر .. ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، ولم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا). وقوله: (ويقفوا) كذا وقع بالنصف عطفًا على قوله: (يستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب)، وفيه نظر؛ لأنه يفهم أن الوقوف مستحب وهو ركن. وجوابه: أن يقيد بالاستمرار إلى الغروب، وذلك مستحب على الصحيح. قال: (ويذكروا الله تعالى ويدعوه، ويكثروا التهليل) وأفضل الذكر ما رواه الترمذي [3585] وحسنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). ويستحب أن يستقبل القبلة في دعائه، وأن يرفع يديه فيه لا يجاوز بهما رأسه، ويكره الإفراط في الجهر به. ويستحب الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار والتضرع والخشوع والابتهال، وقراءة القرآن، ولا يتكلف السجع في الدعاء، ولا بأس بالمسجع إذا كان محفوظًا، أو قاله من غير قصد إليه. وروي: أنه عليه الصلاة والسلام قال في الموقف: (اللهم؛ اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الأدعية المختارة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللهم، إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وليكن متطهرًا متباعدًا عن الحرام والشبهة في مطعمه ومشربه وملبسه، ويدعو لوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه ومن أحسن إليه وسائر المسلمين. وليحذر من التقصير في هذا اليوم؛ فإنه أعظم الأيام. والموقف أعظم المجامع، يجتمع فيه الأولياء والخواص. وقيل: إذا وافق يوم جمعة يوم عرفة .. غفر الله لكل أهل الموقف. وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذا الموقف؛ لما روى الحاكم [1/ 441] وقال: صحيح الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم؛ اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج) ورواه ابن أبي شيبة [4/ 191] عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وروي عن مجاهد [ش 4/ 191] قال: قال عمر: (يغفر الله للحاج ولمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفرًا وعشرًا من ربيع الأول). والأفضل: أن لا يستظل، بل يبرز للشمس إلا لعذر، روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه رأى رجلًا جعل على رجله عودًا له شعبتان، وجعل عليه ثوبًا يستظل به وهو محرم، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: (أضح للذي أحرمت له). وقال الرياشي: رأيت أحمد بن المعذل في الموقف في يوم شديد الحر وقد ضحى للشمس فقلت له: أبا الفضل؛ هذا أمر قد اختلف فيه، فلو أخذت بالتوسعة؟ فأنشأ يقول [من الطويل]: ضحيت له كي أستظل بظل ..... إذا الظل أمسى في القيامة قالصا فوا أسفا إن كان سعيك باطلًا ..... ويا حسرتا إن كان حجم ناقصا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأحمد هذا بصري مالكي المذهب، يعد من زهاد البصرة وعلمائها، وأخوه عبد الصمد بن المعذل الشاعر. و (المعذل) بالذال المعجمة، رجل معذل أي: يعذل لإفراطه في الجود، وشدد للكثر, وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يومئذ فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلى آخره، فقيل له: هذا ثناء وليس بدعاء، فقال: أما سمعت قول الشاعر [من الوافر]: كريم لا يغيره صباح عن الخلق الجميل ولا مساء ... إذا أثنى عليه المر يومًا .... كفاه من تعرضه الثناء وقد روي في الخبر عن الله عز وجل أنه قال: (من شغله عن ذكري مسألتي .. أعطيته أفضل ما أعطي السائلين). ويستحب أن لا يستبطئ الإجابة، وليحذر من المخاصمة والمشاتمة وانتهار السائل والكلام القبيح، بل يحترز عن الكلام المباح ما أمكن. وفي كتاب (الخصال (: يستحب العتق والصدق بعرفة، فقد أعتق حكيم بن حزام رضي الله عنه هناك مئة رقبة مطوقين بأطواق الفضة مكتوب عليها: هؤلاء عتقاء الله من حكيم بن حزام. والسنة: أن يقف الرجال عند الصخرات، والنساء في حاشية الموقفة. وقول ابن جرير والبندنيجي والماوردي: (يستحب صعود جبل الرحمة؛ فإنه موقف الأنبياء) قال في (شرح المهذب): لا أصل له. والأظهر: أن الوقوف راكبًا أفضل. وقيل: إنه والماشي سواء.

فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ .. قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلفَةَ جَمْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: التعريف بغير عرفات –وهو اجتماع بعد العصر يوم عرفة للدعاء- للسلف فيه خلاف: ففي (البخاري): أول من عرف بالبصرة ابن عباس رضي الله عنهما، ومعناه: أنه كان إذا صلى العصر يوم عرفة .. أخذ في الدعاء والذكر والضراعة إلى الله تعالى إلى غروب الشمس كما يفعل أهل عرفة، ولهذا قال أحمد: أرجو أنه لا بأس به، وقد فعله الحسن وجماعة. وكرهه جماعة منهم مالك. قال المصنف: ومن جعله بدعة .. لم يلحقه بفاحشات البدع، بل يخفف أمره. قال: (فإذا غربت الشمس .. قصدوا مزدلفة وأخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمعًا) كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلون قبل حط رحالهم. والسنة: أن يسيروا وعليهم السكينة والوقار، فإذا وجد أحدهم فرجة أسرع. ويكثرون من ذكر الله تعالى والتلبية. ويسن أن يسلك في ذهابه إلى المزدلفة طريق المأزمين كما تقدم. والمصنف أطلق المسألة لتبعًا لأكثر الأصحاب. وقال جماعة: يؤخرها ما لم يخش فوت وقت الاختيار للعشاء، فإن خيف .. لم يؤخر، بل يجمع بالناس في الطريق، ونص عليه في (الأم) و (الإملاء)، واختاره الإمام وابن الرفعة. قال في (شرح المهذب): ولعل إطلاق الأكثرين يحمل على هذا موافقة للنص. وهذا الجمع جائز للآفاقي دون المكي كما تقدم في نمرة. ولو أقام كل صلاة في وقتها .. جاز قطعًا.

وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ: حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسميت مزدلفة من الازدلاف وهو: التقرب؛ لأن الحاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها، ومن انتهى إليها قرب من منى. وقيل: سميت بذلك لاجتماع الناس بها، ولذلك يقال لها: جمع، بفتح الجيم وسكون الميم. وقيل: لاجتماع آدم وحواء. وقيل: لأنه يجمع فيها بين الصلاتين. وحدها: ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة، وليس الحدان منهما، وتدخل فيها تلك الشعاب والجبال الداخلة في حدها. ومزدلفة كلها من الحرم. قال: (وواجب الوقوف: حضور بجزء من أرض عرفات)، وإن كان مارًا في طلب آبق ونحوه). أما وجوب الوقوف .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر .. فقد أدرك الحج) رواه الأربعة بأسانيد صحيحة. وأما الاكتفاء بأي جزء كان منها .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (عرفة كلها موقف) رواه مسلم [1218/ 149] عن جابر رضي الله عنه. وأشار بقوله (مارًا) إلى أنه لا يشترط المكث وهو الصحيح، وبقوله: (في طلب آبق ونحوه) إلى أن صرفه إلى جهة أخرى لا يقدح. وعلم منه أنه لا فرق بين العالم بالمكان وباليوم وبين غيره، وهو كذلك على الصحيح.

بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَا مُغْمَىً عَلَيْهِ، وَلَا بَاسَ بِالنَّوْمِ. وَوَقْتُ الْوُقُوفِ: مِنَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بشرط كونه أهلًا للعبادة) أي: فيمن أحرم بنفسه (لا مغمًى عليه)؛ لعدم أهليته للعبادة، ولهذا لا يجزئه الصوم إذا أغمي عليه جميع النهار. وقد صحح الرافعي في (الشرحين) أيضًا عدم الإجزاء على وفق (المحرر)، وسها المصنف فصحح في (أصل الروضة (: أنه يجزئه، ثم استدرك عليه فصحح عدم الإجزاء، ولهذا نقل الشيخ كمال الدين النشائي عن والده الشيخ عز الدين: أنه كان ينهى طلبته عن عزو النقل للرافعي من (الروضة)، ويقول: إنه لا يحل. والسكران كالمغمى عليه، وقيل: إن تعدى بسكره .. لم يصح، وإلا .. فيصح. ومن الحكم على المغمى عليه بعدم الإجزاء يعلم أن المجنون أولى بذلك. والمراد بعدم الإجزاء: أنه لا يقع فرضًا. قال المتولي: وإذا وقف مجنونًا .. يقع حجه نفلًا، والحكم في المغمى عليه كذلك من باب أولى، لكن كلام الشافعي رضي الله عنه صريح في خلاف ذلك؛ فإنه قال: فاته الحج وكان كمن لم يدخلها، وكذلك عبر صاحب (التنبيه). والفرق بين حجهما وحج الصبي –حيث أثيب الصبي على فعله-: أن الصبي دخل في الحج ليكون تطوعًا، ولا كذلك المغمى عليه والمجنون، بل دخلا ليكون فرضًا فبطل فألغي اعتباره جملة، وفيه نظر لا يخفى. قال: (ولا بأس بالنوم) أي: المستغرق لحضوره، فإذا دخلها قبل الوقوف ونام حتى خرج الوقت يجزئه ذلك كالصائم إذا نام جميع اليوم، وكذلك من حضرها ولم يعلم أنها عرفة، وفي الجميع وجه بناء على أنه يجب إفراد كل ركن بالنية. واتفق الأصحاب على أن الجنون إذا تخلل بين الإحرام والوقوف، أو بينه وبين الطواف، أو بين الطواف والوقوف وكان عاقلًا في حال الأركان .. لا يضر، بل يصح حجه ويقع عن حجة الإسلام. قال: (ووقت الوقوف: من الزوال يوم عرفة)؛ اتباعًا لفعله صلى الله عليه

وَالصَّحِيحُ: بَقَاؤُهُ إِلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ .. أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبابًا، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم وعمل الناس في كل عصر، وبهذا قال كافة العلماء. وقال أحمد: يدخل وقته بطلوع الفجر؛ لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه المتقدم في أول (باب المواقيت)، وحمله الأصحاب على ما بعد الزوال. وفي وجه: يدخل وقته بعد الزوال بمقدار صلاة ركعتين وخطبتين كما تقدم في وقت الأضحية، وهو متجه اعتبارًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والقول بالزوال خارج عن الدليلين القولي والفعلي. قال: (والصحيح: بقاؤه إلى الفجر يوم النحر)؛ لحديث عروة رضي الله عنه السابق. والوجه الثاني: يخرج بغروب الشمس. والثالث: إن أحرم نهارًا .. جاز الوقوف ليلًا، وإلا .. فلا. وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بـ (المذهب)؛ فإنهما طريقان، والعجب أن عبارة (المحرر): والمذهب: أنه يمتد إلى طلوع الفجر يوم النحر. قال: (ولو وقف نهارًا ثم فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد .. أراق دمًا استحبابًا)؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (فقد تم حجه) وما ذكره من الاستحباب هو الصحيح. قال: (وفي قول: يجب)؛ لأنه ترك نسك، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من ترك نسكًا .. فعليه دم) وصححه ابن الصلاح. وأصل الخلاف: أنه هل يجب الجمع بين الليل والنهار أو هو سنة؟

وَإِنْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ .. فَلَا دَمَ، وَكَذَا إِنْ عَادَ لَيْلًا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا .. أَجْزَأَهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك: المعتمد في الوقوف الليل، فإن لم يدرك شيئًا منه .. فقد فاته الحج، وهو رواية عن أحمد. ووقع في (الكفاية): أن المصنف صحح هذا القول، والمصحح في كتبه كلها الاستحباب. ومن الأصحاب من قطع بالاستحباب. ومنهم من قال: إن أفاض وحده .. لزمه، وإلا .. فقولان، فتلخص ثلاث طرق: أصحهما: ما في الكتاب. قال: (وإن عاد فكان بها عند الغروب .. فلا دم)؛ لأنه فعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وكذا إن عاد ليلًا في الأصح)؛ لجمعه بينهما. والثاني: يجب؛ لأن الوارد هو الجمع بين آخر النهار وأول الليل. قال: (ولو وقفوا اليوم العاشر غلطًا .. أجزأهم) باتفاق العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه) رواه أبو داوود [سيل 149] مرسلًا، وغيره مرفوعًا. ولأنه لا يؤمن وقوع مثله في القضاء، سواء بان لهم الحال بعد العاشر أو بعد الزوال. فلو تبين فيه قبل الزوال فوقفوا عالمين .. فقال البغوي: المذهب: أنه لا يحسب. قال الرافعي: وعامة الأصحاب على خلافه، وصحح في (شرح المهذب) مقالة الرافعي. وصور الرافعي مسألة الكتاب بما إذا غم هلال الحجة فأكملوا عدة القعدة ثلاثين، ثم قامت البينة إما بعد وقوفهم أو في أثناء ليلة النحر على زعمهم.

إِلَّا أَنْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُوا قَبْلَ فَوْتَ الْوَقْتِ .. وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي إطلاق الغلط على هذا التصوير نظر؛ لأن هذا جهل لا غلط. قال: (إلا أن يقلوا على خلاف العادة فيقضون في الأصح)؛ لانتفاء المشقة العامة. والثاني: لا؛ لأنهم لا يأمنون مثله في القضاء. قال: (وإن وقفوا في الثامن وعلموا قبل فوت الوقت .. وجب الوقوف في الوقت) تداركًا لما سلف. قال: (وإن علموا بعده .. وجب القضاء في الأصح) أي: في عام آخر وفرق الأكثرون بوجهين: أحدهما: أن تأخير العبادة أقرب إلى الاحتساب من تقديمها. والثاني: أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه؛ فإنه إنما يقع لغلط في الحساب، أو لخلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال. والثاني: لا يلزمهم كالغلط في العاشر. تتمة: علل في (الوسيط) وجوب القضاء في الثامن بأن ذلك نادر لا يتفق إلا بتوارد شهادتين كاذبتين في شهرين، والمراد من سنتين سنة الأداء وسنة القضاء، وقد أطال في تقريره ابن الصلاح في (مشكلة). وأشعر كلام المصنف بأنهم لو غلطوا في المكان أو بيومين تقديمًا أو تأخيرًا .. لم يصح حجهم بحال، وهو الذي قطع به الرافعي والجمهور. ولو شهد واحد أو عدد برؤية هلال الحجة فردت شهادتهم .. لزم الشهود الوقوف في التاسع عندهم وإن كان الناس يقفون بعده.

فصل

فَصْلٌ: وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ .. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي .. أَرَاقَ دَمًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفات .. لا يجزئهم قطعًا. قال: (فصل: ويبيتون بمزدلفة) اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد: يمكثون في بقعة منها على أي حالة كانت. ويستحب الاغتسال بها بعد نصف الليل للعيد وللوقوف بها ولما فيها من الاجتماع، ومن عجز عن الماء .. تيمم. قال: (ومن دفع منها بعد نصف الليل) أي: ولم يعد (أو قبله وعاد قبل الفجر .. فلا شيء عليه) سواء كان بعذر أم بغيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم النساء والضعفة بعد نصف الليل. قال: (ومن لم يكن بها في النصف الثاني .. أراق دمًا) هذا والذي قبله ينبني على معرفة المقدار الذي يحصل به مبيت مزدلفة، وفيه أربعة أقوال: أظهرها: معظم الليل، كما لو حلف لا يبيت في موضع .. فإنه لا يحنث إلا أن يقيم فيه المعظم. والثاني: يحصل بلحظة من النصف الثاني، وصححه المصنف. والثالث: بساعة بين نصف الليل وطلوع الشمس.

وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ. وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى مِنَىً، ـــــــــــــــــــــــــــــ . والرابع: العبرة بالحضور حال طلوع الفجر. ثم اختلفوا في وجوب هذا المبيت على طرق ينبني عليها حكم إراقة الدم، هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب: أحدها: يجب قطعًا. والثاني: يستحب قطعًا. والأظهر: أنه على القولين فيمن دفع من عرفة قبل الغروب، فلذلك قال المصنف: (وفي وجوبه القولان). لكن هذا يقتضي: أن يكون الصحيح عند الرافعي عدم وجوب الدم، وعدم وجوب المبيت بمزدلفة كما تقدم، والمصنف صحح خلافه، وهو المنصوص في (الأم)، فهو الصحيح من جهة المذهب، ولم ينبه المصنف عليه هنا. ومحل القولين: إذا لم يكن عذرًا، أما المعذور بما سيأتي في مبيت منًى .. فلا دم عليه، وكذلك من انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بمزدلفة .. فلا شيء عليه باتفاق الأصحاب. وفي وجه: أن المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به، قاله ابن بنت الشافعي وابن خزيمة، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه؛ لأن الأصل في كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من شأن الحج أن يكون ركنًا، ما لم يقم دليل على أنه يجبر بالدم أو على كونه سنة. وفي (مسند أبي يعلى الموصلي) [946]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن لم يدرك جمعًا .. فلا حج له)، وحمله على نفي الكمال بعيد. والجواب: أنه صرفنا عن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بعض أهله قبل الفجر، فلو كان ركنًا .. لم يختلف في حق المعذور وغيره كسائر الأركان؛ فإن المعذور إنما يفارق غيره في الواجب أو السنة لا في الأركان. قال: (ويسن تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منًى) ليرموا الجمرة قبل زحمة الناس؛ لأن سودة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في

وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ إِلَى مِنَىً وَيَاخُذُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَصَى الرَّمْيِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك –وكانت امرأة ثقيلة- فأذن لها، وكانت عائشة رضي الله عنها لا تفيض إلا مع الإمام وتقول: (وددت لو كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة). وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الضعفة من جمع بليل) كل هذا في (الصحيحين) [خ 1678 - م 1293]. قال الشيخ: وهذا يدل على أن التقديم لهم رخصة لا سنة. قال: (ويبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح مغلسين، ثم يدفعون إلى منًى)؛ لما روى الشيخان [خ 1683 - م 1289] عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) يعني قبل ميقاتها المعتاد في باقي الأيام، والسبب في ذلك اتساع الوقت لما بين أيديهم؛ فإن عليهم في ذلك اليوم أعمالًا كثيرة. ومراد المصنف: أن التغليس بها أشد استحبابًا إذا تحقق طلوع الفجر، فإن استحباب التغليس ثابت في جميع الأيام، ففي (الصحيحين) [خ 872 - م 645]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس). وقال ابن حزم: فرض على الرجال صلاة الصبح مع الإمام بمزدلفة، فمن لم يفعل ذلك .. فلا حج له. قال: (ويأخذون من مزدلفة حصى الرمي)؛ ليكونوا متأهبين للرمي، ولأن به جبلًا في أحجاره لين، هكذا استدل به الأصحاب، ولم يرد في شيء من الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلقط الحصى من مزدلفة، إنما أمر بلقطها من أواخر منًى عن وادي محسر. ففي (سنن النسائي) [5/ 269] والبيهقي [5/ 127] بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم قال للفضل بن العباس رضي الله عنهما غداة النحر: (التقط لي حصيات مثل حصى الخذف) فالتقطها له, فلما وضعت في يده .. قال: (بمصل هذ فارموا). ولأن السنة: إذا أتى منى أن لا يعرج على غير الرمي, فاستحب أن تكون معه حتى لا يشتغل عنه. و (الخذف) في الحديث بالخاء والذال المعجمتين. وقوله: (يأخذون): الجملة معطوفة على قوله أول الفصل: (ويبيتون) لا على قوله: (يدفعون)؛ لأن الثاني يلزم منه قصر الاستحباب على غير الضعفة والنساء وهو يعمهم. ويلزم أن يكون استحباب الأخذ منها في النهار, والجمهور على استحبابه ليلًا, إلا أن البغوي قال: يأخذها بعد صلاة الصبح, وهو منصوص (الأم) و (الإملاء) , وصريح رواية مسلم وابن حبان. والصحيح: أنه يأخذ سبع حصيات فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الفضل رضي الله عنه أن يلتقط له حصيات, وهي جمع قلة. وقيل: يأخذ سبعين حصاة لجميع الرمي, وبه جزم في (التنبيه (, وأقره عليه في (تصحيحه (, وهو ظاهر عبارة المصنف. فائدة: قال الجوهري: الحصاة واحدة الحصى, والجمع: حصيات, مثل: بقرة وبقرات, وحصاة المسك: قطعة صلبة توجد في فأرته, وفلان ذو حصاة, أي ذو عقل ولب, قال كعب بن سعد الغنوي [من الطويل]: وأعلم ليس بالظن أنه .... إذا مولى المرء فهو ذليل وأن لسان المرء ما لم تكن له .... حصاة على عوراته لدليل

فَإِذَا بَلَغُوا المَشعَرَ الحَرَامَ .. وَقَفُوا وَدَعَوا إلَى الإسفَاِر, ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أخذ الحصا من غير مزدلفة, ولكن يكره من المسجد والحش ومن الحل والمرمى. وينبغي تجريم أخذه من المسجد إن كان جزءًا منه, أو للمسجد به نفع. وفي (شرح المهذب (: الجزم بتحريم إخراج الحصى من المسجد؛ لما روى أبو داوود [461] بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحصاة لتناشد مخرجها من المسجد (. وقد صحح المصنف: أنه لا يجوز التيمم بتراب المجد. ويندب غسل الحصى؛ لما روي: أن عائشة رضي لله عنها كانت تغسل جمار رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخالف في ذلك ابن المنذر وعطاء والثوري ومالك؛ لأن الغسل مع الطهارة يحتاج إلى دليل. ويندب التقاطها لا تكسيرها. قال: (فإذا بلغوا المشعر الحرام .. وقفوا ودعوا إلى الاستغفار)؛ لقوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ}. وروى مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام, واستقبل القبلة ودعا الله عز وجل وكبر وهلل ووحد, ولم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا). وهذا الوقوف مستحب. ولو وقف في موضع آخر من المزدلفة .. تأدي أصل السنة, وكذلك لو مر ولم يقف. و (المشعر) بفتح الميم على المشهور, و (الحرام) معناه: المحرم, سمي مشعرًا لما فيه من الشعائر, أي: معالم الدين, وهو عند الفقهاء: جبل صغير آخر المزدلفة يقال له: قزح القاف وبالزاي المعجمة.

ثُمَّ يَسِيُرونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يقول فيه: اللهم؛ كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوقفنا فيه وأريتنا إياه فوقفنا لذكرك كما هديتنا, واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك –وقولك الحق-: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} إلى قوله: {إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} اللهم؛ هذا جمع, أسألك أن ترزقني جوامع الخير كله إنك على كل شيء قدير, وأسألك الخير كله عاجله وآجله, اللهم؛ هذا المشعر الحرام فأعتقني وأوسع علي من رزقك الحلال. قال: (ثم يسيرون) وعليهم السكينة, وشعارهم التلبية والذكر, فإذا وجدوا فرجة .. أسرعوا, وإذا بلغوا وادي محسر .. أسرع الماشي وحرك الراكب دابته, وذلك قدر رمية حجر حتى يقطعوا الوادي اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه حين أتى بطن محسر حرك قليلًا. وقيل: الماشي لا يسرع بخلاف الراكب, فلو ترك هذا الإسراع .. كره, وكان عمر وابنه رضي الله عنهما يسرعان في هذا المكان ويقولان [من الرجز]: إليك تعدوا قلقًا وضينها ... مخالفًا دين النصارى دينها معترضًا في بطنها جنينها ... قد ذهب الشحم الذي يزينها رواه الطبري وغيره. قال القاضي حسين: فيندب أن يقول هذا هناك. وأصله: أن النصارى كانت تقف هناك فنسرع نحن مخالفة لهم. وقيل: كانت الجاهلية تقف فيه وتتفاخر. وقال شيخنا: إنه مكان نزل فيه العذاب على أصحاب الفيل .. فاستحب فيه الإسراع كما أمر المار بديار ثمود ونحوهم بذلك.

فَيَصِلُونَ مِنَى بَعدَ طُلُوعِ الشَّمسِ, فَيَرمِي كُلُّ شَخصٍ حِينَئِذٍ سَبعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمرَةِ العَقَبةِ, . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره تأخير السير حتى تطلع الشمس. و (وادي محسر) بين مزدلفة ومنى, ليس من واحد منهما سمي محسرًا؛ لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه, أي: أعيى. قال: (فيصلون منى بعد طلوع الشمس, فيرمي كل شخص حينئذ) أي: حين وصوله (سبع حصيات إلى جمرة العقبة)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فكذلك فعل, وهذه تحية منى فلا يبدأ فيها بغيرها, ولا ينزل الراكب حتى يرمي, وإلى ذلك أشار بقوله: (فيرمي). والسنة: أن يستبطن الوادي ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل الجمرة. وقيل: يقف مستقبل الكعبة والجمرة عن يمينه, كذا رواه الترمذي [901] والنسائي [5/ 273] من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. والصحيح الذي فعله صلى الله عليه وسلم: الأول, وفعل ابن مسعود رضي الله عنه ذلك وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه (سورة البقرة) , متفق عليه [خ 1749_ م 1296]. وخص (سورة البقرة)؛ لأنها اشتملت على معظم أعمال الحج. وجمرة العقبة ليست من منى, بل هي حد منى من الجانب الغربي, وتسمى الجمرة الكبرى. قال الماوردي: ويستدام وقت الفضيلة إلى الزوال. وسميت جمرة قيل: لاجتماع الناس بها, يقال: جمر بنو فلان إذا اجتمعوا. وقيل: لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما عرض له الشيطان بها .. حصبه فجمر بين يديه, أي: أسرع.

وَيقطَعُ التَّلبِيَةَ عِندَ ابتِدَاءِ الرَّميِ, وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلَّ حَصَاةِ, ثُمَّ بَذبَحُ مَن مَعَهُ هَديٌ, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لأنها تجمر بالحصا, والعرب تسمي الحصا الصغار: جمارًا. وجمرة العقبة مرتفعة قليلًا في حضيض الجبل. قال الشافعي رضي الله عنه: الجمرة مجتمع الحصا لا ما سال منه, فمن رمى في المجتمع .. أجزأه, وإن رمى في السائل .. فلا. وهذا الرمي واجب, بلا خلاف وليس بركن خلافًا لعبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك, وأجمعوا على أنه لا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة. قال: (ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي)؛ لأنه شرع في أسباب التحلل, ولأنه عليه الصلاة والسلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة, رواه مسلم [1281]. وكذلك يستحب للمعتمر قطع التلبية بشروعه في الطواف. ولو خالف الأولى فطاف للإفاضة, أو حلق قبل الرمي .. قطع التلبية بشروعه فيما ابتدأ به, ولو قطع التلبية قبل الرمي وكبر واستدامها إلى بعد الرمي .. كره, ولا شيء عليه. وعن القفال: أنه يمزج التلبية بالتكبير من مزدلفة في ممره, فإذا شرع الرمي .. محض التكبير. قال: (ويكبر مع كل حصاة)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل فيقول: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, ولله الحمد (. ولا يقف عند هذه الجمرة للدعاء. ويندب أن يرفع يده إلى أن يرى بياض إبطه, وأن يرمي بيده اليمنى. قال: (ثم يذبح من معه هدي)؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} يعني: نحر الهدي.

ثٌمَّ يَحلِقُ أَو يُقَصِّرُ, وَالَحلقُ أَفضَلُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الرمي .. نصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بدنة, ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر, ثم أفاض إلى البيت, هكذا رواه مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه. ويستحب أن يأكل من كبدها إن كانت تطوعًا قبل أن يمضي إلى طواف الإفاضة. ثم الهدي ما يهدى إلى الحرم من الحيوان أو غيره, والمراد به هنا: ما يجزئ في الأضحية, وهو سنة غفل الناس عنها. والأفضل أن يكون هدي الحاج والمعتمر معهما من الميقات, مشعرًا مقلدًا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم, وسيأتي في (باب النذر) حكم الهدي وصفته وإشعاره وتقليده, وحكم الأكل منه وغير ذلك. قال: (ثم يحلق أو يقصر)؛ لما روى جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحلقوا أو يقصروأ). قال: (والحق أفضل) بالإجماع, وصح: أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه المقدس, وقسم شعره فأعطى نصفه الناس الشعرة والشعرتين, وأعطى نصفه الباقي كله أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه, وإنما خصه بذلك؛ لأنه ستر النبي صلى الله عليه وسلم بترسه يوم أحد من النبل, وكان يتطاول بصدره ليقيه ويقول: نحري دون نحرك, ونفسي دون نفسك. والذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية خراش بن أمية الخزاعي رضي الله عنه, والذي حلق له في حجة الوداع معمر بن عبد الله العدوي رضي الله عنه, وصح أنه دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة. قال السهيلي: ولم يقصر يومئذ إلا رجلان عثمان وأبو قتاده الأنصاري رضي الله

وَتُقَصِّرُ المَرأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما, وإنما يفضل الحلق في الحج, أما العمرة: فنص الشافعي رضي الله عنه في (الإملاء) على أنه قدم مكة بزمن لو حلق حمم رأسه حتى يأتي عليه يوم النحر وله شعر يحلق .. استحب له الحلق, وإلا .. فلا, ولهذا قال في (شرح مسلم): يستحب للمتع التقصير في العمرة, والحلق في الحج. فروع: يستحب للمحرم أن لا يشارط على حلاق رأسه, وأن يبلغ بالحلق إلى العظمين من الأصداغ, وأن يكبر عنده إلى أن يفرغ منه. ويسن للمحرم وغيره أن يبدأ بالشق الأيمن من أوله إلى آخره, ثم الأيسر, وأن يستقبل المحلوق القبلة. وفي (مثير العزم الساكن) عن بعض الأئمة أنه قال: أخطأت في حلق رأسي في خمسة أحكام علمنيها حجام, وذلك أني أتيت إلى حجام بمنى فقلت له: بكم تحلق رأسي؟ فقال: أعراقي أنت؟ قلت: نعم, قال: النسك لا يشارط عليه, اجلس, قال: كبر كبر, فكبرت, فلما فرغت قمت لأذهب .. فقال لي: صل ركعتين ثم امض, قلت له: من أين لك ما أمرتني به؟ قال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله. ويسن أن يقول بعد الحلق: اللهم آتني بكل شعرة حسنة, وامح بها عني سيئة, وارفع لي بها درجة, واغفر لي وللمحلقين والمقصرين ولجميع المسلمين. وأن يتطيب ويلبس. قال: (وتقصر المرأة) ولا تؤمر بالحلق بالإجماع؛ لأنه في حقها مثلة, فإن حلقت .. أجزأها مع الكراهة.

وَالحَلقُ نُسُكٌ عَلَى المَشهُورِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القضاة أبو الطيب والحسين والعبادي: لا يجوز لها الحلق؛ لأنه تشبه بالرجال, وينبغي الجزم به حيث كانت أمة أو متزوجة لم يؤذن لها فيه, ولا يصح نذرها الحلق قطعًا. ويندب أن يكون قدر أنملة من جميع الرأس, والخنثى فيه كالمرأة. قال: (والحلق نسك على المشهور) وكذلك التقصير, سواء في ذلك الحج والعمرة, فيثاب عليه, وبهذا قال الأئمة الثلاثة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله المحلقين). وسئل عن تقديمه على الرمي والطواف وتأخيره فقال: (افعل ولا حرج). والثاني: أنه استباحة محظور كسائر محرمات الإحرام لا ثواب فيه؛ لأنه محرم في الإحرام فلم يكن نسكًا كلبس المخيط, واختاره القاضي أبو الطيب. وقال الماوردي: إنه الأقيس. وقال أبو يوسف: إنه سنة. فعلى الأول: الأصح: أنه ركن لا يصح الحج ولا العمرة إلا به, ولا يجبر بالدم كبقية الأركان, حتى لو كان برأسه علة لا يتأتى معها .. صبر إلى الإمكان ولا يفدي. وقضية كلام الداركي: أنه واجب يجبر بالدم. وفي (الإقليد) عن (تعليق الشيخ أبي حامد): أنه ركن في العمرة وواجب في الحج, وتبعه تلميذه سليم على ذلك. فتخلص في الحلق خمسة آراء: ركن, وقيل: واجب, وقيل: واجب في العمرة دون الحج, وقيل: سنة, وقيل: مباح.

وَأقَلُهُ: ثَلاَثُ شَعَرَاتٍ, حَلقًا أو تَقصِيرًا أو نَتفًا أو إحرَاقًا أَو قَصًّا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأقله: ثلاث شعرات)؛ لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ ومُقَصِّرِينَ}. المراد: شعر رؤوسكم؛ لأن الرأس لا يحلق. و (الشعر) جمع؛ وأقله: ثلاثة, كذا استدلوا به, وفيه نظر؛ لأن الجمع إذا كان مضافًا .. عم, وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد العموم, فلذلك قال مالك وأحمد: يجب الأكثر, وقال أبو حنيفة: الربع, وقال أبو يوسف: النصف, وأجمعوا على أنه لا يجب استيعابه. وقال في (شرح المهذب) و (المناسك): إنه لا فرق في الشعرات بين أن يأخذها متواليًا أو في دفعات. وخالف في (الروضة) فصحح القطع بعدم تأدي المسك به. قال: (حلقًا أو تقصيرًا أو نتفًا أو إحراقًا أو قصًا)؛ لآن المقصود إزالة الشعر, وكل من هذه طريق إليها, ولا بد أن يكون من شعر الرأس, فلا يقوم مقامه شعر اللحية, ولا غيرها من شعور البدن بلا خلاف وإن استوى الجميع في وجوب الفدية. ويجوز مما يحاذى الرأس قطعًا, وكذا مما استرسل على الأصح, بخلاف المسح؛ فإنه منوط بنفس الرأس وهذا بالشعر. مهمة: قال الشيخان: إنما يقوم غير الحلق مقام الحلق إذا لم ينذر الحلق, فإن نذره .. لم يقم غيره مقامه. والمراد: أنه إذا أزيل بذلك .. بقي الحلق في ذمته حتى يتعلق بالشعر المستخلف كما لو نذر الحج ماشيًا فركب. وفي (الروضة): أن الحلق يلزم بالنذر وإن قلنا: إنه ليس بنسك, وهو

وَمَن لاَ شَعرَ بِرَأسِهِ .. يُستَحَبُّ إِمرَارُ المُوسَى عَلَيهِ. فَإذَا حَلّقَ أَو قَصَّرَ .. دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَواَفَ الرُّكنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مشكل؛ لأن المصنف جازم بأنه على هذا القول لا ثواب فيه, وإذا لم يثب عليه .. كيف يلزم بالنذر مع اتفاقهم على أن النذر لا يصح إلا في قربة؟! فالصواب: إما أن تقول باستحبابه ولزومه بالنذر, أو بإباحته وعدم لزومه, وأما الجمع بين الإباحة واللزوم .. فغير معقول. قال: (ومن لا شعر برأسه .. يستحب إمرار الموسى عليه) سواء كان له شعر وحلقه أم لم يكن له أصلًا؛ لأنه فرض تعلق بجزء من الآدمي فسقط بفوات ذلك الجزء كغسل اليد في الوضوء, وأوجب أبو حنيفة إمراره, وقال داوود لا يستحب, وهو محجوج بالإجماع. و (الموسى) من آلة الحديد, بألف في آخره, يذكر ويؤنث. فروع: إذا كان في بعض رأسه شعر .. الظاهر أنه يستحب إمرار الموسى على الباقي وفاء بالتشبيه بالحالقين. وقال المتولي: يستحب أن يأخذ من الشعور التي يؤمر بإزالتها للفطرة كالشارب والإبط والعانة؛ لئلا يخلي نسكه من حلق. ولو كان على رأسه شعرة أو شعرتان .. لزمه إزالة ذلك قطعًا. قال ابن المنذر: وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه .. قلم أظفاره, وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله. قال: (فإذا حلق أو قصر .. دخل مكة وطاف طواف الركن)؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ}. (التفث) هنا: الرمي, و (النذور): الذبائح.

وَسَعَى إن لَم يَكُن سَعَى, ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنَىً ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمعت الأمة على أن الطواف ركن, وهذا الطواف يقال له: طواف الإفاضة وكواف الركن وطواف الوداع. والأفضل: أن يرمي بعد ارتفاع الشمس قدر رمح, ثم ينحر, ثم يحلق, ثم يطوف ضحوة. وقيل: الأفضل أن يمكث بمنى حتى يصلي بها الظهر مع الإمام ويشهد الخطبة, ثم يفيض إلى مكة فيطوف؛ لظاهر حديث جابر وعائشة رضي الله عنهما. وفي وجه ثالث: إن كان في الصيف .. عجل, وإن كان في الشتاء .. أخر إلى بعد الزوال, وهذه الخطبة تكون يوم النحر والرمي والإفاضة ورمي أيام التشريق وحكم المبيت والرخصة للمعذورين. واتفق الشافعي رضي الله عنه والأصحاب على أنها تكون بعد صلاة الظهر. قال: (وسعى إن لم يكن سعى)؛ لأنه ركن من أركان الحج يشترط أن يفعل بعد طواف, ولم يتفق في الحج طواف يفعل بعد تمام التحلل غيره. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسع قبه؛ لأنه سعى مع طواف القدوم, فلو سعى .. كان مكروهًا عند الشيخ أبي محمد وولده, ولو لم يأت به وأتى بالمناسك التي بمنى .. اعتد بها وبقي عليه السعي. قال: (ثم يعود إلى منى) والمستحب أن يعود قبل صلاة الظهر فيصليها بمنى ويشهد الخطبة؛ لما روى مسلم [1308] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله. وروي أيضًا عن جابر رضي الله عنه: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة).

وَهَذَا الرَّميُ وَالذَّبحُ والحَلقُ يُسَنُّ تَرتيُبهَا كَمَا ذَكَرنَا, وَيَدخُلُ وَقتُهَا بِنِصفِ لَيلَةِ النَّحرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن أبي داوود) [1993] عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: (أنه عليه الصلاة والسلام أخر طواف يوم النحر إلى الليل). قال ابن حزم: وهذا الذي أشكل علينا من صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم. وجمع المصنف والحافظ المنذري بينها بأنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بمكة, ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى إمامًا بأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين, فروى جابر رضي الله عنه صلاته بمكة, وابن عمر رضي الله عنهما صلاته بمنى, وهما صادقان. وأما حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم .. فمحمول على أنه أخر طواف نسائه وذهب معهم. قال: (وهذا الرمي والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها كما ذكرنا)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج). وقيل: يمتنع تقديم الحلق على الرمي والطواف معًا, ومن حلق قبل الرمي والطواف وقلنا: الحلق استباحة محظور .. لزمه الفدية على الصحيح. قال: (ويدخل وقتها) أي: الأعمال المذكورة (بنصف ليلة النحر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة رضي الله عنها يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت, وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها. وقيس الطواف والحلق على الرمي؛ لاشتراكهما في كونهما من أسباب التحلل, وبقولنا قال أحمد.

وَيبقَى وَقتُ الرَّميِ إلَى آخِرِ يَومِ النَّحرِ. وَلاَ يَختَصُّ الذَّبحُ بِزَمَنٍ. قُلتُ: الصَّحِيحُ: اخِتصَاصُهُ بِوَقتِ الأُضحِيَةِ, وَسَيَأتِي فِي آخِرِ بَابٍ مُحَرَّمَاتِ الإحرَامِ عَلَى الصَّوَابِ, واللُه أعلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك وأبو حنيفة: لا يدخل إلا بطلوع الفجر. ولا يخفى أن جواز هذه الأشياء في هذا الوقت مشروط بتقديم الوقوف عليها, فإن فعلها بعد انتصاف الليل ثم وقف .. وجب عليه إعادتها, كل هذا في غير الذبح, أما الذبح .. فسيأتي: أنه لا يدخل إلا بوقت الأضحية. قال: (ويبقى وقت الرمي إلى آخر يوم النحر)؛ لما روى البخاري [1723] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني رميت بعدما أمسيت, قال: (لا حرج). و (المساء): يطلق على ما بعد الزوال. وقيل: يمتد الوقت تلك الليلة إلى الفجر, وصححه المصنف في (المناسك) عند الكلام على رمي التشريق. قال: (ولا يختص الذبح بزمن. قلت: الصحيح: اختصاصه بوقت الأضحية, وسيأتي في آخر باب محرمات الإحرام على الصواب والله أعلم) , كذا قال المصنف في (الروضة) و (شرح المهذب) , ومقصوده بهذا: أن الرافعي ذكر هنا أن ذبح الهدي لا يختص بزمان, لكن يختص بالحرم عكس الضحايا, وصحح في آخر (باب محرمات الإحرام) أنها تختص, وهو عكس ما ذكره هنا. والجواب: أن مراد الرافعي هنا دم الجيران والمحظورات؛ فإنه لا يختص بزمان كوفاء الديون. وأما ما يساق من هدي تقربًا إلى الله تعالى .. فإنه يختص بوقت الأضحية على الصحيح, وسيأتي هذا أيضًا في تتمة (باب محرمات الإحرام). نعم؛ الاعتراض وارد على الرافعي من جهة أنه أطلق ذكر الهدي هنا, ولم بخصه

وَالحَلقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعيُ لاَ آخِرَ لِوَقتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بواجب ولا غيره, ولسم الهدي يقع على الجميع. قال: (والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها)؛ لأن الأصل عدم التأقيت فيجوز تأخير الحلق ما شاء الله, ويجوز تأخير الطواف سنين كثيرة – لكن يكره تأخيره عن يوم النحر, وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة, وخروجه من مكة بلا طواف أشد كراهة. وفي (التتمة): أنه إذا أخره عن أيام التشريق .. فصار قضاء. قال الرافعي: ومقتضى قول الأصحاب: (إنه لا آخر لوقته): أنه لا يصير قضاء – لكنه يبقى محرمًا حتى يأتي به, كذا في (شرح المهذب). واعترض عليه بأن طواف الوداع واجب, ومتى طافه .. وقع عن الفرض, ثم الذي ذكروه من بقائه على إحرامه مشكل بمن فاته الحج فإنه ممنوع من مصابرة الإحرام إلى السنة القابلة؛ لأن استدامة الإحرام كابتدائه, وابتداؤه لا يصح فكذلك الاستدامة. قال ابن الرافعة: والذي يظهر لي: أن قول من قال: (يجوز تأخير الطواف إلى آخر العمر) ليس على إطلاقه, بل هو محمول على ما إذا كان قد تحلل التحلل الأول, وأما غيره .. فلا يجوز له تأخير إلى العام القابل؛ لأنه يصير محرمًا بالحج في غير أشهره. والتحقيق: أنها ثلاث مسائل: فوات الحج يحرم فيه مصابرة الإحرام جزمًا. والمحصر لا يجب عليه أن يتحلل بالكلية. والطواف والحلق والرمي لا آخر لوقتها.

وَإذَا قُلنَا: الحَلقُ نُسُكٌ فَفَعَلَ اثنَينِ مِنَ الرَّميِ والحَلقِ والطَّوافِ .. حَصَلَ التَحَلُّلُ الَأوَّلُ, وحَلَّ بِهِ الِّلبسُ وَالحَلقُ وَالقَلمُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا قلنا: الحلق نسك ففعل اثنين من الرمي والحلق والطواف .. حصل التحلل الأول, وحل به اللبس والحلق والقلم). (التحلل) تفعل من الحل. وأعمال يوم النحر أربعة: الرمي والنحر والحلق والطواف. فالنحر لا أثر له في التحلل, والثلاثة الباقية إذا فعل اثنين منها .. حل له بعض ما حرم عليه بالإحرام, ويسمى هذا التحلل الأول؛ لما روى أبو داوود [1972] والنسائي [5/ 277] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة .. فقد حل له كل شيء إلا النساء) لكنه من رواية الحسن البصري عن ابن عباس رضي الله عنهما, ويقال: إنه لم يسمع منه شيئًا. وروى البيهقي [5/ 135]: (إذا رميتم وحلقتم .. فقد حل لكم الطيب واللباس وكل شيء إلا النساء). والمراد: الطواف مع السعي إن لم يكن سعى؛ فإن الطواف والسعي سبب واحد, هذا إذا قلنا: الحلق نسك, فإن فلنا: استباحة محظور .. سقط اعتباره, وحصل التحلل الأول بواحد من الرمي والطواف, وحصل الثاني بالباقي. وفائدة التحلل الأول في الحج: حل المحرمات التي كانت متوقفة عليه, وأما العمرة .. فليس لها إلا تخلل واحد؛ لقصر زمانها وقلة أعمالها, بخلاف الحج.

وَكَذَا الصَّيدُ وَعقدُ النِكَاحِ فِي الأَظهَرِ. قُلتُ: الأَظهَرُ: لاَ يَحِلُّ عَقدُ النِّكَاحِ, وَاللهُ أَعلَمُ. وَإذَا فَعَل الثَّالِثُ .. حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي, وَحَلَّ بِهِ بَاقِي المحُرَمَاتِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا الصيد وعقد النكاح في الأظهر)؛ أنهما من المحرمات التي لا يترتب على فعلهما إفساد فأشبها الحلق. وكذلك تحل المباشرة فيما دون الفرج بشهوة كالقبلة والملامسة في الأظهر كالنكاح. والثاني: لا تحل المباشرة ولا عقد النكاح؛ لتعلقهما بالنساء, وفي الحديث استثناء ذلك. قال: (قلت: الأظهر: لا يحل عقد النكاح والله أعلم)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا ينكح) وهذا الذي صححه الأكثرون. قال: (وإذا فعل الثالث .. حصل التحلل الثاني, وحل به باقي المحرمات) بالإجماع, ومع ذلك يجب عليه الإتيان بما بقي من الحج وهو الرمي والمبيت, وهو في هذه الحالة غير محرم, كما يسلم التسليمة الثانية وإن كان قد خرج من لصلاة بالأولى. تنبيه: مقتضى كلام (المنهج) و (المحرر): أن الطيب لا يحل إلا بالثاني. والمذهب: أنه يحل بالول, بل يستحب؛ لما روى الشبخان [خ 1754_ م 1189] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت). وذكر في (لمحرر) ستر الرأس مما يحل بالأول, وأهمله المصنف. وذكر المصنف في) المنهاج) الحلق, ولم يذكره في (المحرر).

فصل

فَصلٌ: إذَا عَادَ إلَى مِنَى .. بَاتَ بِهَا لَيلَتِيِ التَّشرِيقِ, وَرَمَى كُلُّ يَزمٍ إلَى الجَمَرَاتِ الثَّلاَثِ كُلِّ جَمرَةٍ سَبعَ حَصَيَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: من فاته الرمي ولزمه بدله .. يتوقف تحلله على الإتيان ببدله على الأصح؛ تنزيلًا للبدل منزلة المبل. وقيل: لا كالمحصر العادم للهدي. والثالث: إن افتدى بالدم .. توقف, وإن افتدى بالصوم .. فلا؛ لطول زمانه. قال: (فصل: إذا عاد إلى منى .. بات بها ليلتي التشريق)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بات بها وقال: (خذوا عني مناسككم) وهذا المبيت واجب على الأظهر يجبر بدم. وقيل: الاعتبار بطلوع الفجر. قال: (ورمى كل يوم إلى الجمرات الثلاث كل جمرة سبع حصيات)؛ لما روى أبو داوود [1967] عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر, ثم رجع إلى منى فبات بها ليالي التشريق يرمي الحمرة إذا زالت الشمس, كل جمرة سبع حصيات يكبر مع كل حصاة) وهذا الرمي واجب بلا خلاف. هذا فيمن لا عذر له, أما المعذور كأهل السقاية والرعاء .. فلهم إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى؛ لما روى الشيخان [خ 1634_ م 1315] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن العباس رضي الله عنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية .. فأذن له في ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أبو داوود [1969]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في ذلك) فللصنفين جميعًا أن يدعوا رمي يوم ويقضوه في اليوم الذي يليه, وليس لهم أن يدعوا رمي يومين على التوالي. وإذا غربت الشمس والرعاء بمنى .. لزمهم المبيت بها ورمي غدها, ولأهل السقاية النفر بعد غروب الشمس على الأصح؛ لتعهدها, ولا رعي بالليل, وحكم المعذورين في خكم ليلة مزدلفة حكم ليالي منى. ولو حدثت سقاية للحاج .. فللقائم بها ترك المبيت, قاله البغوي ومنعه ابن كج. ولو قيل: إن دعت الحاجة إليها كانت كسقاية العباس رضي الله عنه وإلا فلا .. لم يبعد. وفي معنى السقاية من ضاع ماله, أو خاف على نفسه, أو كان به مرض يشق عليه معه المبيت, أو له مريض يحتاج إلى تعهده, أو يطلب آبقًا على الأصح. وترك المبيت ناسيًا كتركه عامدًا إلا في الإثم. ويستحب استقبال القبلة في رمي الجمرات الثلاث, وهي معروفة: الأولى: تلي مسجد الخيف, وهي الكبرى. والثانية: الوسطى. والثالثة: جمرة العقبة, وليست منى, إنما منى تنتهي إليها. ويستحب أن يصلي الخمس مع الجماعة بمسجد الخيف, ويكثر فيه من الصلاة عند الأحجار التي أمام المنارة؛ فذلك مصلى الني صلى الله عليه وسلم. وروي: أنه صلى في ذلك المكان سبعون نبيًا, منهم موسى, وأن فيه قبر سبعين نبيًا عليهم الصلاة والسلام.

وَإذَا رَمَى اليَومَ الثَّانِي وَأرَادَ النَّفرَ قَبلَ غُرُوبِ الشَّمسِ .. جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَومِهَا, فَإن لَم يَنفِر حَتَّى غَرَبَت .. وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمى الغَّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا رمى اليوم الثاني وأراد النفر قبل غروب الشمس .. جاز وسقط مبيت الليلة الثالثة ورمى يومها) ولا دم عليه؛ لقوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ومَن تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}. لكن التأخير أفضل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ويستثنى من إطلاقه: من لا عذر له إذا لم يبت الليلتين الأوليين من التشريق ورمى في اليوم الثاني وأراد النفر الأول .. فليس له ذلك؛ لأنه لا عذر له فلم يجز له النفر. قال: (فإن لم ينفر حتى غربت) الشمس (.. وجب مبيتها ورمى الغد) وهو يوم النفر الثاني وبه قال مالك وأحمد. وعند أبي حنيفة: يجوز النفر ما لم يطلع الفجر. لنا: ما روى مالك [1/ 407] بإسناد صحيح: أن ابن عمر رضي الله عنها قال: (من غربت عليه الشمس وهو بمنى من أوسط أيام التشريق .. فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد) وروي مثله عن أبيه عمر رضي الله عنه, وروي مرفوعًا لكن رفعه ضعيف. ولو غربت وهو في شغل الارتحال, أو نفر قبل الغروب ثم عاد لشغل بعده .. جاز النفر على الصحيح. ولو تبرع في هذه الحالة بالمبيت .. لم يلزمه الرمي في الغد نص عليه. وإذا أوجبنا المبيت .. فتركه نظر, فإن كان مبيت مزدلفة وحدها .. أراق دمًا, وإن كان مبيت الليالي الثلاث .. فكذلك على الأرجح. وفي قول: يجب لكل ليلة دم. وإن ترك ليلة .. ففيه الأقوال الآتية في الشعرة والظفر:

وَيَدخُلُ رَميُ التَّشرِيقِ بِزَوالِ الشَّمسِ, وَيَخرُجُ بِغُرُوبِهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ أظهرها: مد. والثاني: درهم. والثالث: ثلث دم. وإن ترك ليلتين .. فعلى هذا القياس. وفي الليالي الأربع دمان, وقيل: دم للجميع. قال: (ويدخل رمي التشريق بزوال الشمس) المراد: يدخل رمي كل يوم منها بزوال شمسه؛ لما روى جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة ضحى, وأما بعد .. فإذا زالت الشمس) رواه مسلم [1299]. وفي (البخاري) [1746] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا). وروى مالك [1/ 408] عن نافع ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس). قال الشافعي رضي الله عنه في (الإملاء): ويستحب قبل صلاة الظهر, فإن رمى قبل الزوال .. أعاد. وقال عطاء: إن كان جاهلًا .. أجزأه. وعن أبي حنيفة: يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال. قال: (ويخرج بغروبها) أي: رمي اليومين الأولين؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله في الليل, وظاهر كلام المصنف: أنه بغروبها يخرج رمي كل يوم.

وَقِيلَ: يَبقَى إلَى الفَجرِ, وَيَشتَرطُ: رَميُ السَّبعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً, وَتَرتِيبُ الجَمَراتِ, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح: أنه لا يخرج إلا بغروبها من آخر أيام التشريق, وطريق تصحيح كلامه على ذلك: أن يكون أراد وقت الاختبار لا وقت الجواز كما حمله ابن الرفعة. قال: (وقيل: يبقى إلى الفجر) تشبيهًا بالوقوف بعرفة. ومحل هذا الوجه: في اليومين الأولين, أما الثالث .. فلا خلاف في انقضاء زمنه بغروب شمسه لفراغ أيام المناسك. قال: (ويشترط: رمي السبع واحدة واحدة)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رماها كذلك. فلو رماها جملة واحدة ووقعت في المرمى .. حسبت واحدة, بخلاف ما إذا ضربه في الحد بمئة سوط دفعة؛ لأن الغالب على الرمي التعبد, والحدود مبنية على التخفيف. ولو رمى بحصاتين دفعة واحدة إحداهما بيمينه والأخرى بيساره .. لم تحسب إلا واحدة بالاتفاق. وعبارة المصنف تقتضي: أنه لو رمى سبع حصوات سبع مرات .. لا تجزئ؛ لانتفاء صفة الوحدة, وهي تجتزئ جزمًا. قال: (وترتيب الجمرات) فيرمي التي تلي مسجد الخيف, ويقف ويدعوا بقدر (سورة البقرة) , ثم الوسطى وقف ويدعو كذلك, ثم جمرة العقبة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقف عند هذه.

وَكَونُ الَمرمَيِّ حَجَرًا, وأن يُسَّمَى رَميًا, فَلا يَكفِي الوَضعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو عكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى .. حسبت له الأولى فقط. ولو ترك حصاة ولم يدر من أيها تركها .. جعلها من الأولى, فيرمي إليها حصاة ويعيد ما بعدها. وإن ترك ثلاث حصيات ولم يعلم موضعها .. أخذ بالاحتياط, فيجعل واحدة من يوم النحر وواحدة من الجمرة الأولى يوم القر وأخرى من الثانية يوم النفر الأول. قال: (وكون النرمى حجرًا)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حين وضع الجمار في يده قال: (بأمثال هؤلاء فارموا). وروى جابر رضي الله عنه: (أنه صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى) , فيجزئ الكذان والبرام والمرمر والزمرد وحجر النورة قبل أن يطبخ, وكذلك ما تتخذ منه الفصوص كالفيروزج والياقوت والبلور والزبرجد على الأصح؛ لأنها أحجار, وصحح الإمام والغزالي وابن الصلاح عدم الإجزاء به. ولا يجزي الؤلؤ وما ليس بحجر من طبقات الأرض كالزرنيخ والإثمد والمدر والجص والآجر والطين والملح والرخام, ولا بالذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد. ولو غصب حجرًا أو سرقه ورمى به .. أجزأه كالصلاة في الدار المغصوبة. قال: (وأن يسمى رميًا, فلا يكفي الوضع) وكذلك الدفع بالرجل؛ لأن المأمور به الرمي فلا بد من صدق اسمه. وقيل: يكفي الوضع اعتبارًا بالحصول في المرمى كما لو وضع المتوضئ يده المبتلة على رأسه بلا مد. ولا يجوئ الرمي عن القوس. ولا يفتقر الرمي إلى نية على المذهب.

والسُنَّةُ: أَن يَرمِيَ بِقَدرِ حَصَى الخَذفِ. وَلاَ يُشتَرَطُ بَقاَءُ الحَجَرِ فِي المَرمَى , ولاَ كَونُ الرَّامِي خَارِجًا عَنِ الجَمرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ينافي هذا اشتراط قصد الرمي؛ فإنه قد يقصد الرمي ولا يقصد النسك؟ قال: (والسنة: أن يرمي بقدر حصى الخذف)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بحصى الخذف) روله مسلم [1299]. و (الخذف) بالخاء والذال المعجمتين: الرمي بالحصا من بين إصبعين, ومقصود الحديث: أن الحصا تكون صغارًا, فإن رمى بأكبر منه أو بأصغر .. كره وأجزأ. وحصى الخذف قدر الباقلاء, وقال الشافعي رضي الله عنه: إنه أصغر من الأنملة طولًا وعرضًا, وقيل: قدر النواة. والأصح عند الرافعي: أنه يرميه على هيئة الخذف, فيضعه على بطن الإبهام ويرميه برأس السبابة. والأصح في (الروضة) و (شرح المهذب): أنه يرميه على غير هيئة الخذف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: (إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو, وإنه يفقأ العين ويكسر السن) وهذا عام في الحج وغيره. قال: (ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى) فلو تدحرج وخرج منه بعد الوقوع فيه .. لم يضر؛ لأن اسم الرامي قد حصل لكن يشترط أن يقع فيه, فلو شك لم يكف على المذهب. قال: (ولا كون الرامي خارجًا عن الجمرة)؛ لحصول اسم الرمي, فلو وقف في طرف منها ورمى إلى طرف آخر .. أجزأه. ويستحب أن يكون الرامي في اليومين الأولين نازلًا, وفي اليوم الأخير راكبًا؛ لينفر عقبه ليتصل بركوب الصدر, كما أنه يرمي يوم النحر راكبًا ليتصل بركوبه من مزدلفة ثم ينزل.

وَمَن عَجَزَ عَنِ الرَّميِ ..... استَنَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى قياس هذا: يستحب إذا تعجل في اليوم الثاني أن يرمي راكبًا, وأن يرمي بيده اليمنى , ويرفعها عند الرمي حتى يرى بياض إبطه. فرع: يستحب للإمام أن يخطب في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الظهر؛ لما روى أبو داوود [1947] بإسناد صحيح عن رجلين من بني بكر قالا: (رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في أوسط أيام التشريق بمنى ونحن عند راحلته). واستحب الشافعي رضي الله عنه أن تكون هذه الخطبة بعد الرمي وصلاة الظهر, يودع فيها الحاج, ويعلمهم جواز النفرين, وهذه تسمى خطبة الوداع؛ لأنها آخر الخطب الأربع. ويستحب أن يأمرهم فيها بأن يختموا حجهم بتقوى الله عز وجل ويذكر لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (علامة الحج المبرور أن يكون المرء بعد حجه خيرًا منه قبله). قال: (ومن عجز عن الرمي .. استناب) ولو بالأجرة, حلالًا كان النائب أم محرمًا؛ لأن الإنابة في الحج جائزة فكذلك في أبعاضه. والعجز إما لمرض أو حبس ونحوه. وشرط ابن الرفعة: أن يحبس بغير حق, وغيره أطلق ذلك. ويشترط أن لا يرجى زوال العجز إلى خروج وقت الرمي, وأن يكون النائب قد رمى عن نفسه أولًا, فلو لم يفعل .. وقع عن نفسه. ولو رمى النائب ثم وال عذر المستنيب والوقت باق .. لم يجب عليه إعادته, بل يستحب. وقال الفوراني والبغوي وغيرهما: هو على القولين فيما إذا حج عن المعضوب ثم شفي. وأطلق الأصحاب جواز الاستنابه, وهو ظاهر في غير الأجير إجارة عين, ففيه

وَإذَا تَرَكَ رَميَ يَومٍ .. تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الأَيَّامِ فِي الأَظهَرِ وَلاَ دَمَ, وإلَّا .. فَعَليهِ دَمٌ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ أطلقوا أنه لا يستنيب في شيء مما عليه من العمل, فإما أن يستثني هذه الصورة, وإما أن يغتفر ذلك للضرورة, وهو الأقرب. قال: (وإذا ترك رمي يوم .. تداركه في باقي الأيام في الأظهر) سواء ترك ذلك عمدًا أم سهوًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جوز ذلك للرعاء وأهل السقاية, وقيس عليه غيره. والثاني: لا يتدارك؛ قياسًا على ما بعد أيام التشريق, وإذا تدارك ما تركه في أيام التشريق .. فالأظهر: أنه أداء. ووقع في (الكفاية): أن الإمام والغزالي صححا خلافه وهو وهم عليهما. فعلى الأظهر إذا فعله بعد الزوال .. صح ويجب تقديمه على رمي اليوم, وإن فعله قبله .. فوجهان: أصحهما في (الروضة) و (أصلها): الصحة؛ لأن القضاء لا وقت له على التعيين. والأصح في (الشرح الصغير): المنع, وإن فعله في الليل .. فهو كما أخر قضاء رمضان إلى رمضان آخر. قال: (وإلا .. فعليه دم) أي: إذا لم يتداركه؛ لأنه ترك نسكًا فعليه دم, سواء منعناه منه أو جوزناه فلم يفعل؛ لعموم قول ابن العباس رضي الله عنهما: (من ترك نسكًا .. فعليه دم). وعن الزهري: أنه إذا ترك الرمي حتى مضت أيام التشريق .. كان عليه الحج من قابل.

وَالمَذهَبُ: تَكمِيلُ الدَّمِ في ثَلاَثِ حَصَياتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان مراده رمي جمرة العقبة .. فهو الذي تقدم عن ابن الماجشزن أنه ركن, وإن أراد رمي أيام التشريق .. فهو غريب. قال: (والمذهب: تكميل الدم في ثلاث حصيات)؛ ولا تلزمه زيادة عليه لو زاد في الترك على ثلاث, حتى إنه يلزمه دم كامل بترك يوم النحر وأيام منى؛ لاتحاد جنس الرمي فأشبه حلق الرأس. وعلى هذا: ففي الحصاة والحصاتين الأقوال الثلاثة الآتية في حلق الشعرة والشعرتين: أصحهما: مد. والثاني: درهم. والثالث: ثلث دم. والقول الثاني: أنه يلزمه كل يوم دم كامل؛ لأنها عبادة مستقلة. فعلى هذا: يلزمه في الأيام الأربعة أربعة دماء إذا لم يتعجل. والقول الثالث: يلزمه ليوم النحر دم ولأيام التشريق كلها دم آخر؛ لاختلاف الرميين في القدر والوقت والحكم, وما ذكرناه من الخلاف في الحصاة والحصاتين محله في آخر جمرة من أيام التشريق. فلو تركها من الجمرة الأخيرة يوم القر أو النفر الأول ولم ينفر .. فلأصح: يتم المتروك بما أتى به في اليوم الذي بعده, لكنه يكون تاركًا لرمي الجمرة الأولى والثانية في ذلك اليوم فعليه دم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ وإن تركها من إحدى الجمرتين الأوليين في أي يوم كان .. فعليه دم؛ لأن ما بعدها غير صحيح لوجوب الترتيب في المكان، هذا في المتروك في أيام التشريق فأما إذا كان من رمي النحر .. فيلزمه به دم كامل على الأصح عند المتولي والأصحاب؛ لأنها من أسباب التحلل، فهذا ترك منها حصاة واحدة .. لم يتحلل إلا ببدل كامل. وفي (النهاية) وجه غريب ضعيف: أن الدم يكمل في حصاة واحدة مطلقًا، فاجتمع فيما يكمل به الدم ستة أوجه: أصحها: ثلاث حصيات. والثاني: جمرة. والثالث: ثلاثة أيام التشريق. والخامس: حصاة واحدة. والسادس: يكمل في الحصاة الواحدة من يوم النحر دون غيره. تذنيب: قال الشافعي رضي الله عنه في القديم: أحب للإنسان أن ينزل بمنيً في الخيف الأيمن منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستحب إذا نفر من منىً أن ينصرف من جمرة العقبة راكبًا مهللًا مكبرًا. وأن ينزل بالمُحَصَّب، وهو اسم لما بين الجبلين إلى المقبرة، ويقال له الأبطح وخيف بني كنانة، فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به ليلة الرابع عشر. فلو تركه .. لم يؤثر في نسكه؛ لأنه سنة مستقلة ليست من مناسك الحج.

وإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ .. طَافَ لِلْوَدَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القاضي عياض: إنه مستحب عند جميع العلماء، وكذلك صرح به جماعة من الأصحاب. وقال الماوردي: إنه ليس بسنة وإنما هو منزل استراحة. وعلى هذا: يحمل ما ثبت في (الصحيحين) [خ 1765، 1766 - م1311، 1312] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله النبي صلى الله عليه وسلم). قال: (وإذا أراد الخروج من مكة .. طاف للوداع)؛ لما روى الشيخان [خ 1755 - م1328] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيتن إلا أنه خفف عن المرأة الحائض). فلو أراد الخروج إلى دون مسافة القصر .. فالصحيح: أنه مأمور به خلافًا للبغوي. والمحرم من مكة إذا أراد الخروج إلى منىً يستحب له طواف الوداع، ولا يجبر تركه بدم قطعًا، وكذلك الخارج منها للعمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن أن يعمر عائشة رضي الله عنهما من التنعيم، ولم يأمرها عند ذهابها بالوداع. وفهم من كلام المصنف أنه لا يؤمر به من لم يرد الخروج، وهو كذلك بلا خلاف. وأنه لا فرق بين أن يكون حاجًا أم لا، ولا بين أن يكون آفاقيًا أو مكيًا، يسافر لحاجة ثم يعود أم لا، وهو كذلك على الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ وقيل: يختص بمن فرغ من حج أو عمرة، والوجهان ينبنيان على أنه من المناسك أم لا؟ والمنصوص في (الأم) و (الإملاء (: أنه منها، وبه صرح جماعة من الأصحاب، خلافًا للبغوي والمتولي فإنهما قالا: ليس الوداع من المناسك، وإنما هو تحية البقعة. وهل هو واجب أو لا؟ فيه القولان الآتيان، وتأويل كلامهما أنه ليس من الأركان، واتفقوا على جبره بدم عند الترك وهو دليل على أنه من الحج؛ لأن الدم إنما يجب للخلل الحاصل في النسك. قال ابن الرفعة: ويظهر أثر النزاع في المكي إذا خرج من مكة لسفر وفي افتقاره إلى نية؟ إن جعلناه من المناسك .. لا يفتقر، وإلا .. افتقر. وفي أنه هل يلزم الأجير فعله على القول بأنه سنة؟ ويقع عن المستأجر على القولين؛ فإن الشيخ عز الدين قال في (القواعد (: إن الإجارة تشمل الأركان والواجبات والسنن، ويظهر أثره في حط جزء من الأجرة عند تركه. ثم إن قول المصنف: (من مكة) يوهم أن الحاج إذا أراد الانصراف من منىً .. لم يؤمر به، والمجزوم به في (شرح المهذب) أنه مأمور به. فرع: طواف الوداع لا يدخل تحت طواف آخر، حتى لو أخر طواف الإفاضة وفعله بعد أيام منىً وأراد السفر عقبه .. لم يكفهن وهذا فرع مهم أسقطه من (الروضة) لكون الرافعي ذكره في أثناء تعليل.

وَلاَ يَمْكُثُ بَعْدَهُ، وَهُوَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَفِي قَوْلٍ: سُنَّةٌ لاَ يُجْبَرُ. فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ، فَخَرَجَ بِلاَ وَدَاعٍ وَعَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ .. سَقَطَ الدَّمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يمكث بعده)؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق. فإن مكث لغير حاجة أو لحاجة لا تتعلق بالسفر كالزيارة والعيادة وقضاء الدين .. فعليه إعادته. وإن اشتغل بركعتي الطواف أو بأسباب الخروج كشراء الزاد وشد الرحل .. لم يضر، وكذا لو أقيمت الصلاة فصلاها معهم. وحقيقة طواف الوداع: أنه موقوف، إن سار بعده .. تبينا أنه انصرف إلى الواجب، وإلا .. كان نافلة. قال: (وهو واجب يجبر تركه بدم)؛ للأمر به في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، وهذا على القول بأنه نسك ظاهر، وأما على خلافه .. فلا وجه لجبره بالدم. قال: (وفي قول: سنة لا يجبر)؛ لأنه لو كان واجبًا .. لاستوى في جبرانه بالدم المعذور وغيره، وذو العذر لا دم عليه، وبهذا قال مالك رحمه الله. ومراد المصنف بقوله: (لا يجبر) أي: وجوبًا، أما اصل الجبر .. فلا خلاف فيه، وعبارة المصنف توهم خلاف ذلك. قال: (فإن أوجبناه، فخرج بلا وداع) عامدًا أو ناسيًا، عالمًا أو جاهلًا (وعاد قبل مسافة القصر .. سقط الدم)؛ لأنه في حكم المقيم. قال الشيخ: كذا عللوه وفيه نظر إذا قلنا: إنه لا فرق بين السفر الطويل والقصير في وجوب الوداع فإن كان الخروج عامدًا .. عصى به، ويلزمه العود ما لم يبلغ مسافة القصر على الصحيح؛ فقد رد عمر رضي الله عنه رجلًا لم يودع من بطن مرٍّ. وتعبير المصنف وغيره بـ (السقوط) يقتضي وجوب الدم بمجرد الخروج، وينبغي أن يأتي فيه ما سبق في مجاوزة الميقات.

أَوْ بَعْدَهَا .. فَلاَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلِلْحَائِضِ النَّفْرُ بِلاَ وَدَاع ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة المسألة: أن يطوف بعد العود كما صرح به في (المحرر)، فلو عاد ليطوف فمات قبل ذلك .. لم يسقط الدم. وإذا أوجبنا عليه الرجوع فرجع من دون مسافة القصر .. قال الدارمي لا يلزمه الإحرام وإن قلنا: دخول مكة يوجبه. وإذا اعتبرنا مفارقة الخطة فهل الاعتبار بمفارقة الحرم أو مكة؟ فيه وجهان: أصحهما: الثاني. وحاصل المنقول فيما يفوت به ويستقر الدم خمسة أوجه: أصحهما: بمسافة القصر من مكة. والثاني: من الحرم. والثالث: بمجاوزة الحرم. والرابع: بمجاوزة مكة. والخامس: لا يفوت ولا يستقر ما دام حيًا. قال: (أو بعدها .. فلا على الصحيح)؛ لاستقراره بالسفر الطويل وانقطاع حكم الإقامة. والثاني: يسقط كما لو عاد قبل الانتهاء إليها. قال: (وللحائض النفر بلا وداع) وكذلك النفساء؛ لما روى الشيخان [خ 1755 - م1328] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض). ورويا [خ 1757 - م1211]: أن صفية بنت حيي حاضت بعد ما أفاضت، فذكرت عائشة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أحابستنا هي؟) قالوا: إنها كانت قد أفاضت، قال: (فلتنفر) فأمرها أن تنفر ولم يأمرها بالدم، ولو كان واجبًا .. لبينه. ويستحب أن تقف عند باب المسجد وتدعو بالدعوات الآتية، فإن طهرت قبل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ مفارقة بنيان مكة .. لزمها الوداع، وإن جاوزته وانتهت إلى مسافة القصر .. لم يلزمها العود، وإن لم تنته إليها .. فالنص: أنه لا وداع عليها. والنص فيمن ترك الوداع بلا عذر ولم ينته إلى مسافة القصر: أنه يلزمه العود ويسقط عنه الدم بعوده، وقيل: فيهما قولان، والمذهب: تقريرهما. والفرق: أن الحائض حين المفارقة لم تكن من أهل الوداع، بخلاف التارك بلا عذر. فروع: المستحاضة إذا نفرت في يوم حيضها .. لم يلزمها وداع، أو في يوم طهرها .. لزمها. وإذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة .. فالأولى: أن تقيم حتى تطهر فتطوف إلا أن يكون عليها ضرر ظاهر، فإن أرادت النفر مع الناس قبل طواف الإفاضة .. جاز، وتبقى محرمة حتى تعود إلى مكة فتطوف ولو طال ذلك أعوامًا. وفي كلام الشافعي رضي الله عنه والماوردي ما يشعر بأنه لا يجوز لها ان تنفر حتى تطوف، وحاول المصنف تأويله على الكراهة. وإذا أرادت الإقامة حتى تطهر .. لم يلزم الجمَّال انتظارها- خلافًا لمالك- إذا كان الطريق آمنًا، فإن كان مخوفًا .. لم تَنْتَظِرْ بالإجماع. وقال الشيخ محب الدين الطبري: لم يتعرض الأصحاب للمعذور بغير الحيض والنفاس إذ ترك الوداع كالخائف من ظالم أو فوت رفقة ونحو ذلكن قال: وفي ذلك عندي احتمالان: أحدهما: يعذر كالحائض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأن الرخص لا يقاس عليها. قال: والأول أظهر. ويستحب إذا فرغ من طواف الوداع وركعتيه خلف المقام أن يأتي الملتزم، وهو ما بين ركن الحجر وباب الكعبة، وذرعه أربعة أذرعن وهو من المواضع المستجاب فيها الدعاء، فيلصق بطنه وصدره بحائط البيت، ويبسط يديه على الجدار، فيجعل اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر، ويدعو بما أحب من أمر الدنيا والآخرة. ويندب أن يدعو بما روي عن بعض السلف: اللهم؛ البيت بيتك، والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك، وبلغتني بنعمتك حتى اعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني .. فازدد رضا، وإلا .. فَمُنَّ الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، ويبعد عنه مزاري، هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم؛ أصحبني العافية في بدنين والعصمة في دينين وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، وأجمع لي خير الدنيا والآخرة، إنك قادر على ذلك. ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلمن ويتعلق بأستار الكعبة؛ ففي (مسند أحمد (: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتزم البيت ويضع جبهته عليه). قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من دعا في الملتزم من ذي غم أو ذي كربة .. فرج الله عنه). وفي الحديث: أن هناك ملكًا يؤمن على الدعاء. ويستجيب كثرة النظر إلى البيت؛ فغن الله تعالى ينزل عليه في كل يوم عشرين ومئة رحمة، ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين. ويكون آخر عهده النظر إلى البيت إلى أن يغيب عنه مبالغة في تعظيمه، وحرصًا على تحصيل الأجر المرتب على النظر إليه.

وَيُسَنُّ: شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يلتفت إليه كالمتحزن على فراقه، وهذا هو الصحيح، بل الصواب: فيوليه ظهره ولا يمشي القهقري كما يفعله كثير من العوام؛ فذلك مكروه. وقد كره ابن عباس ومجاهد قيام الرجل على باب المسجد ناظرًا إلى الكعبة عند انصرافه. ويستحب أن يزور الأماكن المشهورة بالفضل في مكة وهي ثمانية عشر موضعًا منها: البيت الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وبيت خديجة، ومسجد دار الأرقم عند الصفا، والغار الذي بجبل حراء، والذي يجبل ثور المذكور في القرآن. فائدة: قال الحسن البصري: الدعاء يستجاب في خمسة عشر موطنًا بمكة: في الطواف، والملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، ومزدلفة، ومنىً، وعند الجمرات الثلاث. قال: (ويسن: شرب ماء زمزم)؛ لما روى مسلم [2473]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها مباركة، إنها طعام طعم (. وفي (أبي داوود الطيالسي) [451]: (وشفاء سقم (. وأما حديث: (ماء زمزم لما شرب له (.. فرواه أحمد [3/ 357] وابن أبي شيبة [4/ 358] والبيهقي [5/ 148] وابن ماجه [3062]، وقال الحافظان زكي الدين والدمياطي: إنه حسن، ورواه الحاكم [1/ 473] والدارقطني [2/ 289] وقال: صحيح الإسناد. وروي ابن الجوزي في (الأذكياء (: ان سفيان بن عيينة سئل عنه فقال: صحيح. وليس لاستجاب الشرب منها وقت مخصوص، بل يستحب بعد طواف الإفاضة وفي كل زمان. ويستحب استقبال القبلة عند شربه، وأن يتضلع منه؛ فقد روي البيهقي [5/ 147] من طرق ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من زمزم) وقد شربه جماعة من العلماء لمطالب فنالوها. ويستحب أن يقول: اللهم؛ إنه قد بلغني عن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم انه قال: (ماء زمزم لما شرب له)، وإني أشربه لتغفر لي، ويذكر ما يريد دينًا ودنيا. وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربه .. قال: (اللهم؛ إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاء من كل داء) وقال الحاكم [1/ 473] صحيح الإسناد. ويستحب الدخول إلى البئر والنظر فيها، وأن ينزع منها بالدلو الذي عليها ويشرب. قال الماوردي: ويستحب ان ينضح منه على رأسه ووجهه وصدره، وأن يتزود من مائها، وأن يستصحب منه ما أمكنه؛ ففي (البيهقي) [5/ 202]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استهدى سهيل بن عمرو من ماء زمزم، فبعث إليه بمزادتين، وأن عائشة رضي الله عنها كانت تحمله وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله في القرب، وكان يصبه على المرضى ويسقيهم منه). ويستحب دخول الكعبة إذا لم يتأذ به أحدًا، والصلاة فيها وأقلها ركعتان، وليكن في الموضع الذي صلى فيه صلى الله عليه وسلم. ويستحب لداخلها أن يكون متواضعًا خاشعًا. قال القاضي الطبري: وأن لا يرفع بصره إلى سقفها، ويكون حافيًا.

وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب الإكثار من دخول الحجر، والصلاة فيه والدعاء؛ فإنه أو أكثر من الكعبة كما تقدم. وينبغي للحاج والمعتمر مدة مقامه بمكة أن يغتنم الطواف والصلاة في المسجد، والاعتمار والصدقة وأنواع البر والقربات؛ فإن الحسنة هناك بمئة ألف حسنة. فرع: بيع أستار الكعبة: منعه ابن عبدان وصاحب (التلخيص). وقال ابن الصلاح: الأمر فيها إلى رأي الإمام، يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعًا وإعطاء. وقال الشيخ: لا بأس بتفويض الأمر إلى بني شيبة يتصرفون فيها بما شاؤوا من بيع وغيره، وهو ملخص ما في (المهمات)؛ لأن عمر رضي الله عنه كان يقسمها بين الحاج. قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم: (ولا بأس أن يلبس كسوتها من صارت إليه؛ من حائض وجنب وغيرهما). وأما غير الكسوة من الصفائح ونحوها .. فلا يباع أصلًا، وكذلك كسوتها الداخلة فيها لا تزال، بل تبقي على ما هي عليه؛ لأن الذي تكلم فيه الأصحاب إنما هي الستور التي جرت العادة أن تغير في كل سنة. قال: (وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الحج) فذلك من أفضل الطاعات والقربات. والله ما جئتهم زائرًا ... إلا وجدت الأرض تطوى لي ولا انثنى عزميَ عن طيبة ... إلا تعثرت بأذيالي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا اختصاص لا ستجاب الزيارة بوقت، بل هي مندوبة مطلقًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من زار قبري .. وجبت له شفاعتي) رواه ابن خزيمة في (صحيحه) من حيث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال صلى الله عليه وسلم: (من جاءني زائرًا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي .. كان حقًا على الله أن يكون له شفيعًا يوم القيامة) رواه ابن السَّكَن في سننه (الصحاح المأثورة). وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم علي .. إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) رواه أبو داوود [2034]. وروي ابن النجار عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي عند قبري .. وكل الله به ملكًا يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة). وينبغي أن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فإذا وقع بصره على حرم المدينة وأشجارها .. زاد منها، وسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة وأن يتقبلها منه. وأن يغتسل عند دخوله، ويلبس أنظف ثيابه، ويستحضر شرف المدينة، وأنها أشرف الأرض بعد مكة عند الشافعي رضي الله عنه، وأفضلها مطلقًا عند مالك وآخرين، وأن الذي شرفت به خير الخلق أجمعين. فإذا دخل المسجد قال الذكر الذي يقول بكل مسجد، ثم يصلي تحية المسجد بين المنبر وقبره صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ من الصلاة .. شكر الله على هذه النعمة.

ثم يزور بأدب وخضوع فيقول غير رافع صوته كثيرًا: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا سيد المرسلين، وأشباه ذلك ثم يقول: اللهم؛ آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون. ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر الصديق، ثم قدر ذراع فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين. ثم يرجع إلي موقفه الأول قُبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ويتوسل به ويتشفع إلى الله سبحانه؛ فقد روى الحاكم [2/ 615] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما اقترف آدم الخطيئة ... قال: يا رب؛ أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي، فقال الله تعالى: (يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟) قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك .. رفعت رأسي فرأيت في قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله عزوجل: (صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي؛ إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ومن أحسن ما يقول الزائر بعد ذلك: ما أنشده العتبي في القصة المشهورة (1) [من البسيط]

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم وينبغي المحافظة علي الصلاة في مسجده الذي كان في زمنه؛ فالصلاة فيه بألف صلاة. وليجدر من الطواف بقبره صلى الله عليه وسلم، ومن الصلاة داخل الغرفة الشريفة بقصد تعظيمه. ويكره إلصاق البطن والظهر بجدارة كراهة شديدة. ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد عنه كما لو كان بحضرته صلى الله عليه وسلم في حياته. ويستحب أن يصلي بين المنبر والقبر فذلك روضة من رياض الجنة. وتستحب زيارة البقيع وقباء، وأن يأتي بئر أريس فيشرب منها ويتوضأ، وكذلك الآبار السبعة، وأن يزور المساجد بالمدينة وهي نحو ثلاثين موضعًا، وأن يصوم بالمدينة ما أمكنه، ويتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم المقيمين والغرباء بما أمكنه. وإذا أراد السفر ... استحب أن يودع المسجد بركعتين، ويأتي القبر الشريف ويعيد نحو السلام الأول ويقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من حرم رسولك صلى الله عليه وسلم، ويسر لي العود إلى الحرمين سبيلًا سهلًا، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وردنا إلى أهلنا سالمين غانمين. وينصرف تلقاء وجهه ولا يمشي القهقرى. ولا يجوز لأحد أن يستصحب شيئًا من الأكر (1) المعمولة من تراب الحرم، ولا من الأباريق والكيزان المعمولة من ذلك. ومن البدع تقرب العوام بأكل الصيحاني في الروضة. الأُكَرـ جمع أُكْرةـ: الحفرة في الأرض.

فصل

فَصْلٌ: أَرْكَانُ اٌلْحَّ خَمْسَةٌ: اٌلإِحْرَامُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . تتمة: روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا إذا قضوا حجهم ... تصدقوا بشيء ويقولون: اللهم هذا عما لا نعلم. والأيام المعلومات عند الشافعي رضي الله عنه عند العشر الأوائل من الحجة، والمعدودات أيام التشريق، والمعلومات أفضل من المعدودات. وزيارة الخليل صلى الله عليه وسلم وزيارة بيت المقدس سنتان مستقلتان لا تعلق لهما بالحج. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حج ولم يؤفث ولا يفسق .. خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (1) وهو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله تعالى خاصة دون العباد. ولا تسقط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو صيام أو كغارة أو نحوها من حقوق الله تعالى ... لا تسقط عنه، لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنوب تأخيرها، فنفس التأخير يسقط بالحج لا أنفسها، فلو أخرها بعده .... تجدد إثم آخر، والحج المبرور كالتوبة يسقط إثم المخالفة لا الحقوق. وقال ابن تيمية: من اعتقد أن الحج يسقط ما رجب عليه من الصلاة والزكاة ... فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا ... قتل، ولا يسقط حق الآدمي من دم أو مال أو عرض بالحج إجماعًا. قال: (فصل: أركان الحج خمسة: الإحرام) أجمعوا على أنه لابد منه، وسماه أبو حنيفة: شرطًا، وحكاه في

وَاٌلْوُقُوفُ، وَاٌلطَّوَافُ، وَاٌلسَّعْيُ، وَاٌلْحَلْقُ إِذَا جَعَلْناهُ نُسُكًا، وَلَا تُجْبَرُ، وَمَا سِوى اٌلْوُقوفِ أَرْكَانٌ فِي اٌلْعُمْرَةِ أَيْضًا وَيُؤَدَّى اٌلنُّسُكَانِ عَلَى أَوْجُهٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (التنويه) قولًا، والمراد هنا بـ (الإحرام): النية التي يدخل بها فيه، والكلام فيه كالكلام في النية في الصلاة، لكن لا خلاف عندنا أنه ركن وإن كان في نية الصلاة نزاع مذهبي، ولا يلزم جريانه هنا. قال: (والوقوف، والطواف) بالإجماع والمراد: طواف الإفاضة. قال: (والسعي)؛ لانه صلى الله عليه وسلم سعى وقال: (خذوا عني مناسككم) (1). وقال: (يأيها الناس؛ اسعوا فإن الله تعالى كتب عليكم السعي) رواه الشافعي. [أم2/ 211] وأحمد [6/ 421] والبيهقي [5/ 98] والدارقطني [2/ 255]. وقال الحافظ زكي الدين في الكلام على أحاديث (المهذب)): (إنه حسن، واختلف فيه كلام المصنف في (شرحه)، فقال في أول كلامه: روي بإسناد ضعيف، وفي آخره: بإسناد حسن. والصواب: أنه روي بإسنادين: أحداهما ضعيف والآخر حسن. قال: (والخلق إذا جعلناه نسكًا) وكذلك التقصير، أما إذا جعلناه استباحة محظور ... فا. قال الرافعي: وينبغي عد الترتيب الواجب هنا ركناُ كما عدوه في الوضوء والصلاة. قال: (ولا تجبر) أي: هذه الخمسة لا تجبر بالدم، بل يتوقف الحج عليها؛ لأنها الماهية المركبة تنتفي بإنتفاء جزئها كأركان الصلاة وغيرها. قال: (وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضًا) كما هي أركان في الحج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فعلها كذلك. قال: (ويؤدى النسكان على أوجه) أي: ثلاثة، ولذلك أتى بصيغة جمع القلة. وروى الشيخان [خ1562ـم1211] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع أخرجه مسلم (1297)، وأبو داوود (تحفة)) (2804)، وأحمد (3/ 337).

أَحَدُهَا: اٌلإِفْرَادُ، بأن يَحِجَّ، ثُمَ يُحْرِمَ بِاٌلْعُمْرَةِ كَإِحْرَامِ اٌلْمَكَّيَّ وَياتِيِ بِعَمَلِهَا. اٌلثَّانِي: اٌلْقُرانُ، بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنَ اٌلْمِيقَاتِ، وَيَعْمَلَ عَمَلَ اٌلْحَجَّ فّيَحْصُلَانِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا ومنا من أهل باعمرة والحج) وهذا إجماع. ووجه الحصر: أنه قدم الحج ... فهو الإفراد، أو العمرة .. فالتمتع، أة أتى بهما .. فهو القرآن. واحترز عما إذا أتى بنسك على حدته .. فليس هو شيئًا من الأوجه. قال: (أحداهما: الإفراد، بأن يحج، ثم يحرم بالعمرة كإحرام المكي ويأتي بعملها) فلو عكس لم يكن مفردًا. والمراد بـ (إحرام المكي): أن يخرج إلى أدنى الحل كما تقدم، وصورة الكتاب هي حقيقة الإفراد الذي هو أفضل، وإلا .. فلو حج ولم يعتمر في سنته ... كان إفرادًا أيضًا، ولكن كل من التمتع والقران أفضل منه (1)؛ لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه. ومن صور الإفراد: أن يعتمر قبل أشهر الحج، ثم يحج من الميقات، صرح به القاضي والإمام والغزالي. قال: (الثاني: القران، بأن يحرم بهما من الميقات، ويعمل عمل الحج فيحصلان)؛ لأن أعماله تكثر فيدخل فيه عمل العمرة في عمل الحج. ولم يجترئ بقوله: (من الميقات) عن شيء، بل المراد: أن يحرم بهما معًا فيتخذ ميقاتها، حتى لو أحرم بهما من دون الميقات كان قرانًا صحيحًا مجزئًا بلا خلاف، وعليه دم الإساءة. وأراد بـ (الميقات): ميقات الحج، حتى إن المكي أو الآفاقي إذا كان بمكة وأحرم منها بهما ... كان قرانًا على الأصح؛ إدراجًا للعمرة تحت الحج من الميقات كما أدرجت أفعالها في أفعاله

وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ، ثُمَّ بِحَجَّ قَبْلَ اٌلطَّوَافِ .. كَانَ قَارِنًا، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (فيحصلان) أي: يدخل عمل العمرة في عمل الحج، ويكفيه طواف واحد وسعي واحد، وبه قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لابد من طوافيين وسعيين. لنا: ما ثبت في (الصحيحين) [خ1556ـم1211] عن عائشة رضي الله عنهما: أن الذين جمعوا الحج والعمرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طافوا طوافًا واحدًا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يسعك طوافك لحجك وعمرتك) فأبت، فبعث معها أخاها فأعمرها من التنعيم، فاعتمرت بعد الحج. وروى مسلم [1215] عن جابر رضي الله عنه قال: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا)، [زاد في حديث محمد بن بكر]: (طوافه الأول). وكان طاووس يحلف بالله تعالى: ما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قرن فطاف طوافين. وبالقياس على الحلق؛ فإنه يكفي حلق واحد عنهما بالإتفاق، فإذا علم الاكتفاء بعمل واحد، فهل نقول إنه للحج والعمرة جميعًا أو للحج فقط والعمرة لا حكم لها لانغمازها في الحج؟ لم يصرح الأصحاب بذلك، بل أطلقوا الاندراج. قال الشيخ: والأقرب الثاني؛ فإنهم قالوا: العمرة تبع للحج فواتًا وفسادًا. قال: (ولو أحرم بعمرة في أشهر الحج، ثم بحج قبل الطواف) أي: قبل الشروع فيه (... كان قارنًا)؛ لما روى مسلم [1213]: أن عائشة رضي الله عنها أجرمت بع مرة، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم: فوجدها تبكي فقال: (ما شأنك؟) فقالت: حضت وقد أحل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت، فقال لها صلى الله عليه وسلم : (أهلي بالحج) ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت .. طافت

وَلَا يَجُوز عَكْسُهُ فِي اٌلْجَدِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالبيت وبالصفا والمروة، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (قد حللت من حجك وعمرتك جميعًا). تنبيهان: أحدهما: قوله: (في أشهر الحج) يفهم: أن تقديم الإحرام بالعمرة على أشهره مانع من إدخال الحج عليها وليس كذلك، فالأصح: أنه يجوز، فكان الصواب: تأخير هذا القيد عن ذكر الحج فيقول: ولو أحرم بعمرة ثم بحج في أشهر الحج. الثاني: قوله: (قبل الطواف) احترز به عما إذا طاف ثم أحرم بالحج؛ فإنه لا يصح؛ لشروعه في أسباب التحلل. وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز إدخال الحج على العمرة بعد أن يفتتح الطواف. كل هذا في العمرة الصحيحة، فلو أفسدها ثم أدخل عليها الحج .. فالأصح: أنه ينعقد فاسدًا، وقيل: صحيحًا ثم يفسد، وقيل: صحيحًا ويستمر، وقيل: لا ينعقد أصلًا. قال: (ولا يجوز عكسه في الجديد) أي: إدخال العمرة على الحج، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور؛ لأن أفعال العمرة إستحقت بإحرام الحج فلا يفيد إحرام العمرة شيئًا، بخلاف إدخال الحج على العمرة فإنه يستفيد أشياء أخر كالوقوف والرمي والمبيت. والقديم ـ وبه قال أبو حنيفة وصححه الإمام ـ: يجوز عكسه. فإذا قلنا بالجديد ... كان إحرامه بالعمرة لاغيًا، ولم يتغير إحرام الحج. وإن قلنا بالقديم ... صح وكان قارنًا. وعلى هذا إلى متى يجوز إدخال العمرة؟ فيه أربعة أوجه: أحداها: ما لم يشرع في طواف القدوم.

اٌلثَّالثُ: اٌلَتَّمَتُعُ، بِأَنْ يُحْرِمَ بِاٌلْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرَغَ مِنَهَا، ثُمَّ يُنْشاءَ حَجًّا مِنْ مَكَّة. وَأَفْضَلُها اٌلإِفْرَادُ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: ما لم يشرع في السعي. والثالث: مالم يقف بعرفات. والرابع: ما لم يشرع في شيء من أسباب التحلل وهذا هو الأصح. قال: (الثالث: التمتع، بأن يحرم العمرة من ميقات بلده ويفرغ منها ثم ينشاء حجا من مكة قال ابن المنذر جمع هل العلم على أن اآافاقي إذا فعل ذلك ... كان متمتعًا، سمي بذلك لتمتعه بين النسكين بمحظورات الإحرام، أو لتمتعه بسقوط العود إلى الميقات، لكن تقييد المصنف بقوله: (من بلده) لا حاجة إليه؛ لأن المنقول عن النص أنه لو جازوه مريدًا للنسك وأحرم بعده ثم تمتع .. لزمة الدمان. وقوله: (ثم ينشيء حجًا من مكة) ذكره أيضًا للتصوير لا للاحتراز؛ فإنه لو أحرم بالحج من الميقات ... فالمشهور: أنه متمتع لا دم عليه كما سيأتي. وقيل: مفرد، واختاره الشيخ، فكان الأحسن: أن يحذف لفظة (من مكة). لكن عبارته تشمل: ما إذا اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج، وقد تقدم عن القاضي والإمام والغزالي: أنه إفراد بلا خاف، وقضية كلامه: أنه تمتع لا دم فيه. قال: (وأفضلها الإفراد)؛ لأن الذين رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر وأوفقه، فإنه ثبت في (الصحيحين) عن جابر [خ1564ـ1216] وعائشة [خ1562ـم1211/ 118] وابن عمر [م1231] وابن عباس [1564ـ1240] رضي الله عنهم، وأجمعوا على عدم كراهته، واختلفوا في كراهة التمتع والقران، وفيهما الدم ولا دم في الإفراد بالإجماع، والجبر دليل النقصان. والخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج وواظبوا عليه، رواه الدارقطني [2/ 239] وهو فعل أهل الحرمين وعلمائهم، ولو لم يعلموا أن النبي

وَبَعْدَهُ اٌلتَّمَتُعُ، ثُمَّ اٌلْقِرَانُ، وَفِي قَوْلِ: اٌلتَّمَتُّعُ مِنَ اٌلِإفْرَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم حج مفردًا ... لم يواظبوا عليه، لكن شرط تفضيله أن يعتمر من سنته، فإن أخر العمرة عن عام الحج ... فالتمتع والقران أفضل منه بلا خلاف، ولأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه كما تقدم. وقال القاضي حسين والمتولي: الإفراد أفضل مطلقًا، وهو ظاهر إطلاق المصنف ههنا، لكنه قال في (شرح المهذب): إن هذه المقالة شاذة. نعم؛ التمتع والقران أفضل من حجة واحدة باتفاق العلماء، وممن قال بترجيح القران على قرينه: أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وأبو الطيب بن سلمة، واحتجوا بما روى مسلم [1251] عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعًا: (لبيك عمرة وحجًا لبيك عمرة وحجًا). والقائل بالأول قال: راوية الإفراد أولى؛ لأن روايتها عن جابر رضي الله عنه، وهو أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك من أول الخروج من المدينة إلي التحلل. قال: (وبعده التمتع، ثم القران)؛ لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين، والقارن يأتي بعمل واحد. قال: (وفي قول: التمتع أفضل من الإفراد) والقران؛ لأن فيه مبادرة إلى العمرة، بخلاف الإفراد؛ فإن فيه تأخيرًا لفعلها، وربما مات قبل ذلك. وفي (الصحيحين) [خ1692ـم1227] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ممتعًا). وفيهما [خ1571ـ1226] عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (تمتع النبي صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه). وأجاب الأولون بأن المراد: تمتع بعد التحلل من الحج وقبل الإحرام بالعمرة. وقال قاضي حماة: ينبغي أن يكون القران أفضل إذا اعتمر قبل الحج أو أراد الاعتمار بعده؛ لتحصل عمرتان إنما يكون الإفراد والتمتع أفضل من القران إذا أراد الاقتصار على عمرة القران، قال: وهذه دقيقة فليتفطن لها ليعمل بها.

وَعَلى اٌلْمُتَمَتَّعِ دَمٌ بَشَرْطِ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي اٌلْمَسْجِدِ اٌلْحَرَامِ، وَحَاضِرُوهُ: مَنْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَة. قُلْتُ: اٌلَأصَحٌ: مِنَ اٌلْحَرَمِ، وِاٌللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعلى المتمتع دم)؛ لقوله تعالى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. والمراد بـ (الدم): الشاه التي تجزاء في الأضحية، ويقوم مقامها سبع بدنة أو سبع بقرة، وكذلك جميع الدماء الواجبة في الحج إلا جزاء الصيد. قال: (بشرط: أن يكون من حاضري المسجد الحرام)؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ). فالإشارة عندنا إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي والصيام. وعند أبي حنيفة إلى التمتع، فلا تمتع ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده. وعندنا: المكي لا يكره له التمتع ولا القران، وإذا فعل .. لا دم عليه، وبه قال مالك وأحمد وداوود. والمعنى فيه أن الحاضر بمكة ميقاته للحج نفس مكة فلم يرتج ميقاتًا، بخلاف غيره. وقال أبو حنيفة: يكره له التمتع والقران، فإن فعل ... فعليه دم الإساءة. قال: (وحاضروه: مَنْ دون مرحلتين من مكة)؛ لأن من قرب من شيء ودنا منه يقال: حضره قال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي: قريبة منه. ومن كان بهذه المسافة .. فهو منزَّل منزلة المقيم بمكة؛ لأن المسجد الحرام المذكور في الآية ليس المقصود به نفس المسجد، بل مكة؛ لأنها محل السكنى. قال: (قلت: الأصح: من الحرم والله أعلم)؛ لأن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام، إلا قوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فإن المراد به نفس الكعبة، وهذا هو الراجح في (شرح الرافعي).

وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ اٌلحَجَّ مِنْ سَنَتِهِ. وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإحْرَامِ اٌلْحَجَّ إِى اٌلْمِيقَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فرعان: أحدهما لو قصد غريب مكة فدخلها متمتعًا ناويًا الإقامة بها بعد فراغ النسك، أو نوى الاقامة بها بعدما اعتمر .. فليس بحاضر، ولا يسقط عنه الدم، كذا نص عليه في (الإملاء). الثاني: من له مسكنان أحداهما في حد القرب والآخر بعيد، فإن كان مقامه بإحداهما أكثر ... فالحكم له، فإن استويا في الأهل وكان ماله بأحدهما أو في أحدهما أكثر ... فالحكم له، فإن استويا في ذلك وكان عزمه الرجوع إلى أحدهما ... فالحكم له، وإلا ... فالحكم للذي خرج منه. قال: (وأن تقع عمرته في أشهر الحج)؛ لأن العرب كانوا لا يزاحمون الحج بالعمرة في مظنته ووقت إمكانه، ويستنكرون ذلك ويقولون: هو من أفجر الفجور، فورد التمتع رخصة وتخفيفًا. فلو أحرم بها وفرغ منها قبل أشهره ثم حج .. لم يلزمه دم عند جميع العلماء، إلا طاووس فإنه رأى لزومه مع أن الجميع سموه متمتعًا. ولو أحرم بها في غير أشهره ثم أتى بجميع أفعالها في أشهره ثم حج ... فقولان: أظهرهماـ وهو نص (الأم) ـ: لا دم عليه، وهو مأخوذ من عبارة الكتاب؛ لأن عمرته كلها لم تقع في أشهر الحج. والثاني ـ وهو نص القديم و (الإملاء) ـ: يجب الدم. قال: (من سنته) أي: من سنة الحج؛ لما روى البيهقي [4/ 356] بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج، فإذا لم يحجوا من عامهم .. لم يهدوا. فلو اعتمر ثم حج من السنة الثانية .. لا دم عليه، سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد؛ لعدم المزاحمة. قال: (وأن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات) أي: الذي أحرم منه بالعمرة، بل

وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ: إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَالأَفْضَلُ: ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحرم به من مكة، فإن عاد إليه وأحرم منه بالحج .. لم يلزمه الدم؛ لأن ريح الميقات قد زال بعوده إليه، ولو عاد إلى مثل تلك المسافة .. كفى أيضا؛ لأن المقصود قطع تلك المسافة محرما. وكلام المصنف يفهم: أنه لا يشترط لوجوب الدم نية التمتع، ولا قوع النسكين عن شخص واحد، ولا بقاؤه حيًا إلى فراغ الحج، وهو كذلك وفي الأول وجه، وفي الأخير قول، فإن شرطنا نية التمتع .. ففي وقتها ثلاثة أوجه: أحدها: حالة الإحرام بالعمرة. والثاني: ما لم يفرغ منها، وهو الأصح. والثالث: مالم يشرع في الحج. ومثل هذه الأوجه في الجمع بين الصلاتين. قال: (ووقت وجوب الدم: إحرامه بالحج)؛ لأن الشروط قد تكملت بالإحرام فوجب الدم، وسكت المصنف عن وقت جوازه، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: بعد الإحرام بالعمرة. وأصحها: بعدها. والثالث: بعد الإحرام بالحج، ولا يجوز قبل العمرة بلا خلاف، ويجوز بعد الإحرام بالحج بلا خلاف. وقال أبو حنيفة وغيره: لا يجوز إلا يوم النحر. وقال مالك: حتى يرمي جمرة العقبة. قال: (والأفضل: ذبحه يوم النحر) نص عليه؛ خروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله.

فِإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ .. صَامَ عَشَرَةَ أَيَامٍ، ثَلاَثَةٌ فِي الْحَجِّ تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن عجز عنه في موضعه) سواء قدر عليه في بلده أم لا بخلاف كفارة اليمين؛ لأن الهدي يختص ذبحه بالحرم، والكفارة لا تختص. وعبر المصنف بـ (العجز) ليدخل فيه العجز الجسمي والشرعي كما لو وجده يباع بأكثر من ثمن مثله، أو كان محتاجا إليه أو إلى ثمنه وغير ذلك. قال: (.. صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج)؛ لقوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} الآية. والمراد: بعد الإحرام، فلا يجوز تقديمها على الإحرام، بخلاف الدم، فإنه يجوز تقديمه - كما تقدم – لأن الصوم عبادة بدنية فلم يجز تقديمها على وقتها كالصلاة، بخلاف الدم، فإنه عبادة مالية فيجوز تقديمها كالزكاة. قال: (تستحب قبل يوم عرفة)؛ لأن الحاج يستحب له فطره كما تقدم، فيستحب أن يحرم بالحج في السادس، أما يوم النحر وأيام التشريق .. فلا يجوز صومها فيه على الجديد كما تقدم. ولو أحرم بالحج ولا هدي ثم وجده قبل الشروع في الصوم .. وجب، وإن وجده بعد الشروع فيه .. ندب ولا يجب، ولو أحرم واجدًا له ثم أُعدِم .. فهو على الخلاف. وقوله: (ثلاثة أيام في الحج) المراد: قبل يوم النحر، ويندب قبل يوم عرفة، فلو أخر التحلل عن أيام التشريق ثم صامها .. أثم وصارت قضاء على الصحيح وإن صَدَقَ أنها في الحج لندوره.

وَسَبْعَةٌ إِذًا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فِي الأَظْهَرِ. وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلًاثَةِ، وَكَذَا السَّبْعَةُ. وَلَوْ فَاتَهُ الثَّلاَثَةُ فِي الْحَجُ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَبْعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: أنه لا يجب تقديم الإحرام بالحج على اليوم السابع، لكن يستحب قبل السادس. قال: (وسبعة إذا رجع إلى أهله في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ}. والمراد: الرجوع إلى الأهل والوطن. (ففي الصحيحين) [خ1691 - 1227] عن ابن عمر رضي الله عنهما: {إذَا رَجَعْتُمْ} إلى أمصاركم. ولا يجوز صومها في أثناء الطريق، فلو أراد الإقامة بمكة .. صامها بها. والثاني: أن المراد بـ (الرجوع): الفراغ من الحج؛ أي: إذا رجعتم من منى إلى مكة؛ لأنه بالفراغ رجع عما كان مقبلا عليه، وبهذا قال الأئمة الثلاثة. قال: (ولو فاته الثلاثة في الحج .. فالأظهر: أنه يلزمه أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة) كما في الآداء؛ لأن ترتيب أحدهما على الآخر لا يتعلق بوقت فلم

وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسقط بالفوات كترتيب أفعال الصلاة. والثاني: لا يجب، وصححه الإمام وطائفة قياسا على التفريق في قضاء الصلوات، فإن أوجبنا .. فقيل: يكفي مطلق التفريق. والأصح: أنه يجب أن يفرق بقدر ما كان به الآداء، وذلك أربعة أيام ومدة سيره إلى بلده، وقيل: يكفي يوم واحد. وتعبيره بـ (الأظهر) تبع فيه (المحرر) و (الروضة). والأصح في) الشرح الصغير): كونهما وجهين. فروع: إذا شرع في صوم الثلاثة أو السبعة ثم وجد الهدي .. لم يلزمه، لكن يستحب. وقال المزني: يلزمه. والمتمتع الواجد للهدي إذا مات بعد فراغ الحج ولم يكن أخرجه .. وجب إخراجه من تركته بلا خلاف، وإن مات قبل فراغ الحج ولو عقب الإحرام .. ففيه قولان: أظهرهما: يخرج من تركته أيضا. ومن فرضه الصوم إذا مات، فإن مات قبل تمكنه منه .. فالأصح: يسقط، وإن تمكن .. فالأصح: أنه كصوم رمضان يأتي فيه القديم والجديد، وهل يتعين صرف الأمداد إلى مساكين الحرم؟ فيه قولان: أظهرهما: لا يتعين، بل يستحب. قال: (وعلي القارن دم)؛ لما روى الشيخان [خ1709 - م1211/ 120] عن عائشة رضى الله عنها قالت: (دخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقالوا أهدى

كَدَم التَّمَتُّعِ. قُلْتُ: بِشِرطِ أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر وكن قارنات). قال: (كدم التمتع) أي: في أحكامه السالفة جنسا وسنا، وبدلا عند العجز؛ لأنه فرع عن دم التمتع. وعن القديم: أنه تجب عليه بدنة. قال: (قلت: بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام والله أعلم)؛ لأن دم القران فرع عن دم التمتع، وهو غير واجب على الحاضر فكذلك دم القران. وعن الحناطي حكاية وجه: أن على الحاضر دم القران. قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا الخلاف مبنيا على الوجهين في أن دم القران دم جبر أو دم نسك، والمشهور: الأول. تتمة: الآفاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فاعتمر عقب دخوله مكة ثم حج .. قال الغزالي: لم يكن متمتعًا؛ إذا صار من الحاضرين لأنه لا يشترط قصد الإقامة، وتوقف الرافعي فيها؛ لعدم الاستيطان. وكلام الشيخ أبي حامد والقاضي والمتولي يعتبر الاستيطان كما اقتضاه بحث الرافعي. واختار المصنف: أنه متمتع ليس بحاضر فيلزمه الدم. واختار الشيخ عدم وجوب الدم وأطال فيه. * * * خاتمة سئل الشيخ عن آفاقي أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم قرن من عامه هل عليه دم او دمان بسبب التمتع والقران؟ فأجاب الشيخ بأن عليه دما واحدًا للتمتع، ولا شيء للقران من جهة أن من دخل مكة فقرن أو تمتع .. فحكمه حكم حاضري المسجد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرام، وعلى تقدير أن لا يلحق بهم .. ففي هذه الصورة قد اجتمع التمتع والقران، ودمهما متجانس فيتداخلان، قال: هذا ما ظهر لي. وفي (تجريد المَحاملي (: أن المزني قال في (المنثور (: عليه دمان؛ دم للتمتع ودم للقران. ***

باب محرمات الإحرام

بَابُ مًحَرَّمَاتِ الإحْرَامِ أَحَدُهَا: سَتْرُ بَعْضِ رَاسِ الرَّجُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب محرمات الإحرام الأصل في الباب: ما وري الشيخان [خ1542 - م1177] عن ابن عمر رضي الله عنهما انا لنبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله؛ ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال صبى الله عليه وسلم: (لا يَلبَسُ القمص والعمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس). وللبخاري [1838]: (ولا تنتقبِ المرأة ولا تلبس القفازين). دل الحديث بمفهومه على إباحة ما سوى المنصوص، وفيه دليل على أن المفهوم يدخله العموم، وهذا من بديع الكلام وجزله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم فقال: لا يلبس كذا وكذا .. فحصل في الجواب: انه لا يلبس المذكورات ويلبس ما سواها، فكان التصريح بما لا يلبس أولى لإنحصاره، وأما الملبوس الجائز .. فغير منحصر لكن في) سنن أبي داوود) [1891]: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يترك المحرم من الثياب؟ فقال: (لا يلبس القميص ولا البرنس ولا السراويلات .. إلى آخره). وقال في) اللباب) و (الرونق): إن المحرمات علة المحرم عشرون شيئًا. وبالغ المصنف في اختصار أحكام الحج، ولا سيما هذا الباب، وأتى بصيغة تدل على حصر المحرمات فيما ذكره، (والمحرر) سالم من ذلك فإنه قال: يحرم في الإحرام أمور منها كذا. قال: (أحدها: ستر بعض رأس الرجل)؛ لما تقدم من قوله: (لايلبس العمائم ولا البرنس)، وقوله في المحرم الذي خر عن بعيره: (ولا تخمروا رأسه؛

بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا)، وادعى الماوردي الإجماع على ذلك. وضبط الإمام والغزالي ذلك بستر قدر يقصد ستره لغرض كشد العصابة واللصوق للشجة، وأبطله الرافعي باتفاقهم على أنه لو شد خيطًا على رأسه لا فدية عليه مع أنه يقصد لمنع الشعر من الإنتشار. قال: فالوجه: الضبط بتسميته ساترًا كل الرأس أو بعضه، وفيما قاله نظر؛ لأنه لا يعد ساترًا، ولهذا قال المصنف: الصواب مال قالاه ولا نقض؛ لأن الخيط لا يعد ساترًا كما قال الأصحاب. وتجب الفدية بتغطية البياض الذي وراء الأذن. وأفهمت عبارته: أنه لا يجوز ستر وجهه وهو كذلك، ولا فدية فيه عند جمهور العلماء؛ لأنه قدر ورد فعله عن عثمان رضى الله عنه. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز كرأسه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم: (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه) رواه مسلم [1206/ 98]. قال البيهقي: إن ذكر الوجه وَهَمٌ من بعض الرواة؛ على أن أبا حنيفة ومالكًا لا يقولون بمنع ستر رأس الميت ووجهه، وهذا الحكم لا فرق فيه بين البالغ والصبي، إلا أنا لصبي لا يأثم. وهل الفدية في ماله أو مال الولي؟ فيه خلاف سبق في أول (كتاب الحج)، ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين أن يطول زمان الستر أو يقصر. قال: (بما يعد ساترًا)، سواء اعتيد الستر به أم لا، مخيطًا كان أم غيره، حتى الطين والحناء الثخينين على الصحيح، والخلاف كالخلاف في ستر العورة به. ولو استظل بخيمة أو محمل .. فلا شيء عليه؛ لأنه لا يعد ساترًا، وخص المتولي ذلك بما إذا لم يمس المظلة والمحمل، أما إذا مسهما .. فتلزمه الفدية. قال الرافعي: ولم أر هذا لغيره.

إلاَ لِحَاجَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وما قاله المتولي ضعيف أو باطل. ولو حمل على رأسه زنبيلًا أو عِدلًا من مكان إلى مكان .. فلا فدية على المذهب. وقيل: تجنب به الفدية، وهو نصه في (الإملاء)، واختار الخطابي، وبه قال أبو حنيفة. وقال الماوردي: محل الخلاف إذا لم يقصد الستر، فإن قصده .. لزمته الفدية قطعًا. ولو انغمس في ماء أو غطى رأسه بكفه .. جاز ولا فدية عليه وإن أطال، وإن كان بكف غيره .. فكذلك على الأصح، وفي وجه: يحرم وتلزمه الفدية، والفرق جواز السجود على كف الغير دون كف نفسه، وهم قد جعلوا الماء الكدر في الصلاة ساترًا. ولو غطى رأسه بثوب شفاف تبدو البشرة من ورائه .. وجبت الفدية؛ لأنه ساتر هنا بخلاف الصلاة. وأجمعوا على أنه لو قعد تحت سقف أو خيمة .. جاز. وقال مالك وأحمد: لا يجوز أن يستظل في المحمل إلا إذا كان الزمان يسيرًا، وكذا إذا استظل بيده. لنا: حديث أم الحصين رضي الله عنها قال: (حججنا مع رسول الله صلى الله عليه سلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالًا واحد آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) رواه مسلم [1298]. قال: (إلا لحاجة) فيجوز؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} لكن تلزمه الفدية قياسًا على الحلق بسبب الأذى. والحاجة تشمل المداواة والحر والبرد، ولهذا كانت أولى من قول (المحرر):

وَلُبْسُ الْمَخِيطِ أَوِ الْمَنْسُوجِ أَوِ الْمَعْقُودِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلآ لحاجة مداواة) فلو كانت عليه جراحة فشد عليها خرقة، فإن كانت في غير الرأس .. فلا فدية عليه، وإن كانت في الرأس .. لزمته الفدية لكن لا إثم عليه. وإذا لم يجد نعلين .. قطع الخف أسفل من الكعبين أو لبس المُكَعَّب، وهذا مثل الخف المقطوع، ولا يجوز لبس الخف المقطوع والجمجم مع وجود النعلين على الأصح. والثاني: يجوز وهو مذهب أبي حنيفة. والفرق بين وجوب قطع الخف وعدم وجوب قطع الإزار على الصحيح: ورود الأمر بقطع الخف دون السراويل. قال: (ولبس المخيط أو المنسوج أو المعقود في سائر بدنه)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم. والمراد: لبس المخيط وما في معناه مما هو على قدر عضو من البدن، فيحرم كل مخيط بالبدن أو بعضٌ منه كالقميص والتُّبّان والخف والران والجوشن والجورب واللبد والملتصق بعضه ببعض، فأن لبس شيئًا من ذلك مختارًا .. لزمه الفدية طال الزمان أو قصر، ولا يشترط استيعاب العضو كما قلناه في الرأس. فلو لبس القباء .. لزمه الفدية وإن لم يخرج يديه من كميه على الصحيح. وقال أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور: إذا لم يدخل يديه في كميه .. جاز.

إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ غَيْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (ولا يَلبَسُ القميص ولا السراويل ولا العمامة ولا البرانس ولا القباء) هكذا رواه البيهقي [5/ 49] بإسناد على شرط الصحيح وقال: هذه الزيادة صحيحة محفوظة. ولو ألقى على بدنه وهو مضطجع قباء أو فَرَجِيَّة .. قال الإمام: إن صار على بدنه بحيث لو قام عد لابسه .. لزمته الفدية، وإن كان بحيث لو قام لم يستمسك عليه .. فلا فدية. ولو ارتدى بالقميص أو اتزر بالسراويل .. فلا فدية كما لو اتزر بإزار مرقع. وعبارته تشمل: ما لو شق الإزار نصفين ولف على ساق وعقده، والمنقول فيه: التحريم والفدية، خلافا للإمام والمتولي. ويحرم أيضا خلال الرداء بمسلة ونحوها. ويحرك ربط طرف بآخر بخيط ونحوه على المذهب، لكن يجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطًا، وأن يجعل له فيه الحجزة ويدخل فيها التكة، وأن يشد طرف إزاره في طرف ردائه. واستعمل المصنف (سائر) بمعنة الجميع تبعا للغزالي والجوهري وقد تقدم الكلام على ذلك في آخر خطبة الكتاب. ويجوز أن يلبس المحرم المنطقة، ويشد على وسطه الهيمان احتاج إليه أم لا، ويَحتَزِمَ بعمامته. ويحرم على الرجل لبس فردة خف خلافا للصيمري. قال: (إلا ان لا يجد غيره)؛ فإنه يجوز أن يلبس المخيط من غير فدية، ويلبس السراويل إذا لم يجد الإزار؛ لما روى الشيخان [خ1843 - م1178] عن ابن عباس

وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ كَرَاسِهِ‘ وَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه قال:) السراويل لمن لم يجد الإزار‘ والخف لمن لم يجد النعلين ( هذا إذا لم يتأتّ الاتزار بالسراويل‘ فإن أمكن الاتزار به على هيئته .. امتنع لبسه‘ كما إذا فقد الرداء ووجد القميص .. فإنه يرتدي به ولا يلبسه. ولو أمكن فتق السراويل وخياطته إزاراّ .. فالأصح: أنه لا يكلف ذلك؛ لإطلاق الخبر وإضاعة المال. والفرق بينه وبين وجوب قطع الخف عند فقط النعل مشكل. والمراد بـ (عدم الوجود): فقده من ملكه‘ وتعذر شرائه وإجارته بعوض مثله واستعارته. وحَصْرُ المصنف الجواز بعدم الوجدان يقتضي المَنْعَ لحاجة الحر والبرد والمداودة‘ والمجزومُ به في) الرافعي) وغيره: الجواز مع الفدية‘ وقد تقدم في الرأس على الصواب. قال: (ووجه المرأه كرأسه)؛ لما تقدم في رواية البخارى [1838] من قوله صلى الله عليه وسلم:) ولا تنتقب المرأة) لكن لها أن تستر من وجهها ما لا يتأتى ستر الرأس إلا به. فإن قيل: لم لا عكستم فأوجبتم عليها أن تكشف من الرأس ما لا يتأتى كشف الوجه إلا به؟ قلنا: لأن الستر أحوط من الكشف‘ لكن لها أن تستر منه ما لا يتاتى ستر جميع رأسها إلا به؛ احتياطًا للستر. أما الخنثى .. فقال القاضي أبو الطيب: لا خلاف أنَّا نأمره بالستر ولبس المخيط‘ كما نأمره أن يستتر في الصلاة كاستتار المرأة‘ وهل تلزمه الفدية؟ وجهان: والذى قاله الجمهور: أنه إن ستر وجهه أو رأسه .. لم تجب الفدية للشك‘ وإن سترهما .. وجبت. قال: (ولها لبس المخيط) بالإجماع‘ ولا فرق فيما ذكره بين الحرة والأمة على المذهب.

إِلاَّ الْقُفَّازَينِ فِي الأَظْهَرِ. الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ ‘ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: الأمة كالرجل‘ والمبعضة كالحرة عورة وإحرامًا. قال: (إلا القفازين في الأظهر)؛ لما روى البخارى [1838] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن النقاب والقفازين) وبهذا قال علي وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم‘ وإليه ذهب مالك وأحمد. والقول الثاني: يجوز؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه [أم 2\ 203] عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه كان يأمر بناته بلبسهما في الإحرام‘ وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري وصححه الغزالي‘ ولا وجه له مع الحديث إلا أن يثبت ما قيل: إن قوله: (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين) مدرج من كلام ابن عمر رضي الله عنهما‘ وهو بعيد. ولا خلاف في المذاهب كلها في منع النقاب إلا من شذ. و (القفاز) بضم القاف: شيء يعمل غلافًا لليد يحشى بقطن. قال في) الكفاية): وكذا حكم القفاز الواحد. وخرج بالقفازين: ما لو اختضبت فلفت على يدها خرقة على ذلك ‘ أو لفتها بلا خضاب .. فلا فدية على المذهب. قال: (الثانى: استعمال الطيب في ثوبه أو بدنه) أما في الثوب .. فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:) ولا يلبس من الثياب ما مسه من زعفران أو ورس). وأما البدن .. فبالقياس عليه‘ ولقوله صلى الله عليه وسلم في الذي مات محرمًا: (ولا تقربوه طيبًا). قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه‘ وخالف أبو حنيفة في الثوب بتفصيل عنده‘ ولا فرق عندنا بين الأخشم وغيره‘ ولا في البدن بين ظاهره وباطنه.

وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّاسِ وَاللِّحْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستعمال: أن يلصق الطيب ببدنه أو ثيابه على الوجه المعتاد في ذلك‘ فلو احتوى على مجمرة‘ أو حمل فأرة مشقوقة أو قارورة مفتوحة‘ أو جلس على الفراش مطيب ‘ أو لبست المرأة حليًا محشوًا به .. حرم. ولو حمل مسكًا أو غيره في كيس أو خرقة مشدودة .. لم يحرم على النص. ولو وطاء بنعله طيبًا .. حرم إن علق منه به شيء‘ وإلا .. فلا. وخرج بقوله: (استعمال) ما لو أكره على التطيب ففعل .. فلا فدية جزما ً‘ وكذا لو تطيب ناسيًا أو جاهلًا بتحريمه على الأصح‘ خلافًا للمزني. ولو ألقت الريح ونحوها عليه طيبًا .. فمعذور‘ لكن تلزمه المبادرة إلى إزالته ‘ فإن أخر إزالته مع التمكن .. لزمه الفدية. ولو جلس عند الكعبة وهي تبخر أو حانوت عطار .. فلا فدية عليه على الأصح‘ لكنه إن تعمد الشم كره. و (الطيب): ما ظهر فيه غرض التطيب كالورد والياسمين واللينوفر والبنفسج والريحان الفارسي الكادي‘ غير أنه إذا شمها من بعد كحانوت الفكاه والبستان .. لم يفتد‘ وإن ألصقها ببدنه .. افتدى‘ وإن وضعها بين يديه على هيئة معتادة وشمها .. فإطلاقهم يقتضي الفدية‘ وهي واردة على قول المصنف: (في ثوبه أو بدنه). ولا يكره للمحرم شراء الطيب‘ كما لا يكره له شراء المخيط. وقول المصنف: (أو بدنه) أولى من قول) المحرر (: (وبدنه) بالواو‘ ومن قول) التنبيه (: في ثيابه وبدنه. قال: (ودهن شعر الرأس واللحية) وإن لم يكن الدهن مطيبًا؛ لأنه يرجل الشعر ويزينه‘ والحاج أشعث أغبر. ولا فرق في ذلك بين أن يدهن بزيت أو سمن أو زبد‘ وكذلك الشحم والشمع المذابان‘ ولا في اللحية بين الرجل والمرأة

وَلاَ يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَاسِهِ بِخِطْمِيًّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج بقوله: (شعر الرأس واللحية) الأصلع والأمرد فلا فدية عليهما, لكن يرد عليه محلوق الرأس إذا دهنها .. فالأصح عند الشيخين: تحريمه, والأصح في) الكفاية) خلافه. وعلم منه جواز دهن باقى البدن وهو كذلك؛ لأنه لا يقصد تحسينه, لكن تقييده باللحية يخرج باقى شعور الوجه كالحاجب والشارب والعنفقة والعذارين, وفيه نظر؛ فإن ظاهر إطلاقهم يقتضى تحريم ذلك كما قاله المحب الطبرى. وأباح أحمد وداوود دهن جميع البدن, ومنعه مالك في الأعضاء الظاهرة. ومنعه أبو حنيفة بالزيت والشيرج, وجوزه بالسمن والزبد, وأجمعوا على جواز أكل ذلك. وقوله: (دهن) هو بفتح الدال مصدر بمعنى التدهن, وأما (الدهن) بالضم .. فهو الذى يدهن به. قال: (ولا يكره غسل بدنه ورأسه بخطمي) ولا بسدر ونحوه؛ لأن ذلك لإزالة الأوساخ, بخلاف الدهن فإنه للتنمية, لكن الأولى أن لا يفعل ذلك. وينبغى إذا غسل رأسه أن يرفق في الدلك حتى لا ينتتف شعره. فروع: للمحرم أن يفتصد ويحتجم ما لم يقطع شعرًا, ولا بأس بنظره في المرآة, والسنة أن يلبد رأسه عند الإحرام, وهو أن يعقص شعره ويضرب عليه بالخطمي أو الصمغ أو غيرهما لدفع القمل. ولا يحرم عليه أخذ القمل من ثيابه وبدنه, ولكنه يحرم أخذه من شعر رأسه ولحيته, فإذا فعل .. تصدق بما يراه من تمرة أو لقمة. قال الشافعي رضي الله عنه: ومن قتلة قملة .. تصدق بلقمة, قال: وللصبيان حكم القمل, وهو بيضها.

الثَّالِثُ: إِزَالَةُ الشَّعْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحرم عليه الاكتحال بما فيه طيب, فإن اكتحل بما لا طيب فيه .. فروى المزني أنه لا بأس به, وفي (الإملاء) أنه يكره. وتوسط آخرون فقالوا: إن لم يكن فيه زينة كالتوتياء الأبيض .. لم يكره, وإن كان فيه زينة كالإثمد .. كره, وهذا التفصيل هو الأصح في (شرح المهذب (, وبه جزم في) شرح مسلم) وقال: إنه مذهب الشافعي رضي الله عنه. قال: (الثالث: إزالة الشعر)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} أي: شعر رؤوسكم, وشعر سائر الجسد ملحق به بجامع الترفه. وقال داوود: لا فدية في حلق شعر غير الرأس, وهو رواية عن مالك. وقوله: (إزالة) أحسن من قول (المحرر): حلق الشعر؛ لأن النتف والتقصير والإحراق وبالنورة كذلك, ومراده إزالتها من نفسه, أما إذا حلق لغيره, فإن كان المحلوق حلالًا .. فلا شيء, وإن كان محرمًا فحلقه بإذنه .. حرم عليهما, والفدية على المحلوق؛ لأنه لو حلف أن لا يحلق راسه فأمر غيره فحلق .. حنث, وسيأتى في (الأيمان) ما يخالف هذا. وقد يقال: إن الحالق مباشر فكيف قدم عليه الآمر؟ وأجاب القاضي أبو الطيب بأن الشعر في يد المحرم كالوديعة, ومن أمر بإتلاف وديعة في يده .. ضمنها دون المباشر لذلك. وإن كان المحلوق نائمًا أو مكرهًا .. فالأصح: أنها على الحالق. ومراد المصنف بـ (الشعر) الجنس فيحرم إزالة الشعرة الواحدة, ويفهم ذلك من قوله بعد ذلك: (والأظهر: أن في الشعرة مد طعام). ولو كشط المحرم جلدة رأسه .. فلا فدية, والشعر تابع. قال الشافعي رضي الله عنه: ولو افتدى .. كان أفضل, لكن يستثنى ما لو نبتت شعرة أو شعرات داخل جفنه وتأذى بها .. فإنه لا فدية عليه في قلعها على الراجح. ولو طال شعر حاجبه أو رأسه وغطى عينيه فقطع الزائد .. فلا فدية أيضًا كدفع الصائل.

أَوِ الظُّفْرِ. وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلاَثَةِ أَظْفَارِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو مشط لحيته فنتفت شعرات .. لزمه الفدية, فلو شك هل كان منتتفًا أو انتتف بالمشط .. فالأصح: لا فدية تغليبًا لأصل البراءة. والثانى: نعم؛ إحالة على السبب الظاهر. ويجوز للمحرم حك رأسه لكن يكره بالأظافير. قال: (أو الظفر)؛ قياسًا على إزالة الشعر بجامع الترفه. وقال داوود: يجوز للمحرم قلم أظفاره كلها ولا فدية عليه. ويستثنى: ما لو انكسر بعض طفره وتأذى به .. فله قطع المكسور فقط. قال: (وتكمل الفدية في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار)؛ لأنها جمع, وهذا لا خلاف فيه عندنا إذا حصلت دفعة واحدة أو متواليات وكانت مع ذلك في محل واحد, ولا يزاد عليها بالزيادة, ويكفي الدم في حلق جميع الرأس. وقال أبو حنيفة: تكمل الفدية في حلق ربع الرأس. وقال أبو يوسف: في نصفه. وقال مالك: فيما يزول به الأذى, وكلها تقديرات لا دليل عليها. ويرد على دليلنا: أن شعر الرأس مضاف فينبغى أن يعم, لكن لا قائل به, فلو حلق ثلاث شعرات من ثلاثة أمكنة أو في ثلاثة أزمنة متفرقة .. فطريقان الأصح: إفراد كل شعرة بحكمها, وفيها الأقوال الأربعة الآتية: الأصح: ثلاثة أمداد, وقيل: ثلاثة دراهم, وقيل: دم كامل, وقيل: ثلاثة دماء. وأخذ الأظفار في مجلس واحد أو مجالس كالشعرات. ولو حلق شعر رأسه وبدنه متواصلًا .. ففدية على الصحيح. وقال الأنماطي: فديتان. وكذا إذا قلم أظفار يديه ورجليه.

وَالأَظهَرُ: أَنً فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعَامٍ، وَفِي اٌلشَّعْرتَيْنِ مُدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأظهر: أن في الشعرة مد طعام، وفي الشعرتين مدين)؛ لأن الله تعالى عدل في جزاء الصيد من الحيوان إلى الطعام، وأقل ما يجب للفقير في الكفارات مد، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلة فقوبلت به. والقول الثاني: يجب في الشعرة الواحدة ثلث دم، وفي الشعرتين ثلثاه عملًا بالتقسيط، قال القاضي وغيره: وهو أقرب إلى القياس. والثالث: في الشعرة درهم وفي الشعرتين درهمان؛ لأن تبعيض الدم يعسر، وكانت الشاة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة دراهم. والرابع: يجب فيها دم كامل. والظفر في جميع ذلك كالشعر، وقطع بعض أحدهما كقطع كله. فإن قيل: من حلق أو قلم ثلاثة فصاعدًا مخير بين إراقة دم وإخراج ثلاثة آصع وصيام ثلاثة أيام كما سيأتي، فكيف جاءت هذه الأقوال هنا؟ وهلا خيروه؟ فالجواب: أن محل هذه الأقوال عند اختياره الدم، أما إذا اختار الصوم .. فإنه يصوم يومًا واحدًا جزمًا، أو الإطعام .. فإنه يطعم صاعدًا واحدًا جزمًا، قاله العمراني في (إشكالات المهذب). قال ابن الرفعة: قال بعض من اجتمعت به: هذا الذي قاله إن ظهر على قولنا: إن الواجب ثلث دم أو درهم، فلا يظهر على قولنا: إن الواجب فيها مد؛ إذ يرجع حاصل هذا القول إلى أنه يخير بين المد والصاع، والشخص لا يخير بين الشيء وبعضه. وجوابه المنع؛ فإن المسافر مخير بين القصر والإتمام والجمعة والظهر، فقد خير بين الشيء وبعضه. فرع: إذا فعل محظورين أو أكثر، فإن كان أحدهما استهلاكًا والآخر استمتاعًا كالحلق والقلم مع الطيب واللباس .. فالصحيح: تعدد الدماء.

وَلِلْمَعْذُورِ أَن يَحْلِقَ وَيَفْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كانا استهلاكًا .. فالمشهور: التعدد، إلا إذا لبس ثوبًا مطيبًا .. فالمنصوص: فدية واحدة. وإن كانا استمتاعًا، فإن اتحد النوع؛ بأن تطيب بأنواع من الطيب كمسك وزعفران وكافور، أو نوع واحد مرارًا، أو لبس مرارًا أنواعًا من الثياب كعمامة وسراويل وقميص وخف، أو قبل امرأة ثم أخرى، فإن فعل ذلك متواليًا من غير تخلل تكفير .. ففدية واحدة، سواء طال الزمان في معالجة لبس القميص أو قصر؛ لأنه إذا توالى .. فهو كالفعل الواحد، فإن اتحد الزمان والمكان لكنه تخلل في أثناء اللبس كفارة .. ففدية، فإن فعل ذلك في مجالس أو مجلس وتخلل زمان طويل، فإن كفر عن الأول .. لزمه للثاني كفارة بلا خلاف، وإن فعل الثاني قبل التكفير عن الأول .. فالجديد يتكرر، والقديم لا. فملخص ذلك: أنه إذا لبس ثم لبس تتكرر الفدية، أما إذا ستر رأسه بقبع ثم بعمامة ثم بطيلسان في أزمنة، أو نزع العمامة ثم لبسها .. فكثيرًا ما يسأل عن ذلك، والذي أفتى به الشيخ وغالب فقهاء العصر عدم التكرر ما دام الرأس مستورًا؛ لأن المحرم في الرأس إنما هو الستر، والمستور لا يُستَر، بخلاف البدن؛ فإن الفدية فيه متعلقة باللبس فيقال لِلاَّبِس: لَبِسَ. وفي كلام الشيخ محب الدين الطبري ما يقتضي: أن الرأس كالبدن والمعتمد: الفرق، ولهذا عبر المصنف وغيره في الرأس بـ (الستر) وفي البدن بـ (اللبس). قال: (وللمعذور أن يحلق ويفدي) سواء كان معذورًا بقمل أو مرض أو حر أو وسخ؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. وفي (الصحيحين) [خ 1816 - م 1201/ 85] عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: فِيَّ أُنْزِلَت هذه الآية، حُمِلتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال: (أيؤذيك هوامك؟) قال ابن عون: أطنه قال: نعم، فأمره أن يحلق ويفدي.

الْرَّابِعُ: الْجِمَاعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهكذا كل محظور أبيح للحاجة، فإن الكفارة تجب فيه إلا لبس السراويل والخفين المقطوعين على ما سبق؛ لأن ستر العورة ووقاية الرجل عن النجاسة مأمور به، فخفف فيهما لذلك. قاعدة: ما كان إتلافًا محضًا كالصيد .. ففيه الفدية وإن كان ناسيًا أو جاهلًا، وما كان ترفهًا وتمتعًا .. فلا تجب مع النسيان والجعل كاللبس والطيب، وما أَخذ شبهًا منهما كالجماع والحلق والقلم .. ففيه –مع الجهل والنسيان- خلاف، والأصح في الجماع: عدم الوجوب، وفيهما: الوجوب. قال: (الرابع: الجماع)؛ لقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الرفث: الجماع) فلفظه خبر ومعناه النهي، أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا. وأجمعت الأمة على تحريم الجماع على المحرم، صحيحًا كان الإحرام أم فاسدًا. وتجب به الكفارة والقضاء، ولا فرق في الوطء بين القبل والدبر من الذكر والأنثى، والزوجة والمملوكة، والزنا واللواط وإتيان البهيمة. وقال مالك: لا يفسد بإتيانها.

وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ، وَكَذَا الْحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الرافعي عن رواية ابن كج وجهًا كمذهبه. ولو لف الرجل على ذكره خرقه وأولج .. ففي فساد حجه ثلاثة أوجه –كما في الغسل- أصحها: يفسد ويجب الغسل. قال: (وتفسد به العمرة) أي: المفردة بالإجماع، أما التي في ضمن الحج في القرآن إذا جامع بعد تحلله الأول .. فإنها لا تفسد تبعًا وإن لم يأت بشيء منها. وقال الأودني: تفسد، وكلام المصنف يوهمه. ولو قدم القارن مكة وطاف وسعى ووقف ثم حلق قبل الرمي ثم جامع .. فسد نسكاه وإن كان بعد أفعال العمرة تبعًا. قال: (وكذا الحج قبل التحلل الأول) أجمعوا على أن الجماع قبل الوقوف يفسد الحج، وأما بعده .. فخالف فيه أبو حنيفة. لنا: أنه وطء صادف إحرامًا صحيحًا لم يحصل فيه التحلل الأول فأشبه ما قبل الوقوف. واحتج أبو حنيفة بقوله: (الحج عرفة)، وحمله أصحابنا على أن المراد الأمن من الفوات. وقوله: (قبل التحلل الأول) قيد في الحج؛ لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد. واحترز عما إذا وقع الجماع بعده؛ فإن الحج لا يفسد به كما أفتى به ابن عباس رضي الله عنهما، ولا يعرف له مخالف. وقيل: يفسد كمذهب أبي حنيفة. تنبيهان: أحدهما: شرط كون الوطء مفسدًا: العقل والعمد والعلم بالتحريم، فلو جامع ناسيًا .. فالجديد الأظهر: لا إفساد ولا كفارة، وإن أكره .. لم يفسد على المذهب.

وَتَجِبُ بِهِ: بَدَنَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد هنا بالفساد: وجوب القضاء لا الخروج من العبادة كما سيأتي. والأصح: أن جماع الصبي والعبد مفسد، وأن موجبه القضاء، وأنه يجزئ في حال الصبا والرق. الثاني: شملت عبارته: ما إذا أحرم مجامعًا، وفيه أوجه: أصحها: في زوائد (الروضة (: أنه لا ينعقد. والثاني: ينعقد صحيحًا، ثم إن نزع .. استمر، وإلا .. فلا. والثالث: ينعقد فاسدًا، فيمضي فيه ويقضي ولا يكفر وإن لم يستمر، ولو أحرم به في حال نزعه .. ففيه في (الكفاية) أوجه كذلك. قال: (وتجب به بدنة) أي بالجماع المفسد؛ لأن عمر وابنه وابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهم أفتوا بذلك، ولا مخالف لهم فكان إجماعًا. وقيل: في إفساد العمرة شاة؛ لانخفاض رتبتها عن الحج، وهو بعيد. وقال أبو حنيفة: الواجب بإفساد الحج بالجماع شاة. وخرج بالجماع المفسد مسألتان: إحداهما: إذا جامع في الحج بين التحللين .. ففيه شاة؛ لأنه محظور لم يحصل به إفساد فكان كالاستمتاعات. وقيل: تجب به بدنة؛ لأنه وطء صادف إحرامًا صحيحًا فكان كالواقع قبل التحلل. وقيل: لا يجب به شيء بالكلية. الثانية: إذا تكرر منه الجماع في العمرة أو الحج قبل التحلل الأول، وحاصل ما فيه خمسة أقوال: أصحها: أنه كالوطء بين التحللين تلزمه به شاة. والثاني: بدنة. والثالث: كفارة واحدة كما لو جامع الصائم في يوم مرارًا أو زنى مرارًا.

وَاَلمُضِيُّ في فَاسِدِهِ، وَالقَضَاءُ، وَإنْ كانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: لا شيء عليه. والخامس: إن كان كفر عن الأول .. فدى الثاني، وإلا .. فلا. وعبارة المصنف تقتضي وجوب البدنة على المرأة المطاوعة؛ لأن حجها يفسد بذلك، والمشهور: أنها على الخلاف السابق في الصوم، فيكون الصحيح: عدم الوجوب. والدم الواجب بالجماع الأصح: أنه دم ترتيب بتجب به بدنة، فإن لم يجد .. فبقرة، فإن لم يجد .. فسبع شياه، فإن عجز .. قوم البدنة دراهم بسعر مكة حال الوجوب، ثم الدراهم بطعام، فإن عجز .. صام عن كل مد يومًا. قال: (والمضي في فاسده)؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وعلى هذا أجمع الصحابة. وقال: ربيعة وداوود: يخرج من نسكه. ومعنى (المضي في فاسده): أن يعمل الأعمال التي بقيت عليه، وإذا ارتكب محظورًا بعد الإفساد .. أثم ولزمته الكفارة، وحكمه في ذلك حكم الإجرام الصحيح، إلا في الجماع .. ففيه ما سبق. أما ما سوى الحج والعمرة من العبادات .. فلا حرمة لها بعد الفساد، ويخرج منها بذلك إلا الصوم؛ فإنه يجب إمساك بقية اليوم في رمضان خاصة كما تقدم. قال: (والقضاء، وإن كان نسكه تطوعًا)؛ لما تقدم من فتوى الصحابة بذلك، ويقع القضاء عن الذي أفسده، إن كان فرضًا .. وقع عنه، وإن كان تطوعًا .. وقع عنه، هذا في غير القضاء. أما إذا أحرم بالقضاء فأفسده بالجماع .. فعليه كفارة وقضاء واحد، حتى لو أحرم بالقضاء مئة مرة وأفسد كل مرة منهن .. لزمه قضاء واحد، ويقع عن الأول، وتلزمه لكل مرة بدنة، ولا يتصور القضاء في سنة الإفساد، إلا إذا أحصر بعد أن أفسد وتعذر عليه المضي، فيتحلل، ثم يزول الحصر والوقت باق، فيحرم بالقضاء، ويجزئه في سنته.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ عَلَى اَلْفَوْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما جعلوا المأتي به قضاء مع أنه يفعل في وقته وهو العمر؛ لأنه لما أحرم به تضيق عليه، كالصلاة إذا أحرم بها ثم أفسدها ثم أتى بها .. كانت قضاء كما تقدم. وقال: (والأصح: أنه على الفور)؛ لقول الصحابة: إنه يقضي من قابل. والثاني: أنه على التراخي كما كان الأداء. وقوله: (على الفور) أحسن من قول غيره: من قابل؛ لأن عبارته تشمل العمرة وهي تمكن على الفور، وتشمل الحج أيضًا إذا أمكن في سنة الإفساد كما تقرر. فروع: يحرم على الرجل أيضًا الاستمناء، وتلزمه الفدية على الأصح. وتحرم عليه المباشرة بشهوة كالقبلة ونحوها وإن كان لا يفسد بها النسك، وكما تحرم هذه الأمور على المحرم تحرم أيضًا على المرأة الحلال إن تمكن منها في الأصح؛ لأن فيه إعانة على المعصية، كذا قاله الرافعي في (باب الإيلاء). وتحرم المباشرة على الحلال أيضًا حال إحرام المرأة. وإذا باشر زوجته بشهوة ثم جامع .. دخلت شاة المباشرة في بدنة الجماع على الأصح. ومكان الإحرام في القضاء مكان الأداء إن كان أبعد من الميقات الشرعي، ولا يلزمه في القضاء أن يسلك الطريق الذي سلكه في الأداء بلا خلاف. وإذا خرجت الزوجة معه للقضاء .. لزم الزوج قدر نفقة الحضر بلا خلاف، وكذا ما زاد بسبب السفر على الأصح. وإذا خرجنا للقضاء .. استحب أن يفترقا من حين الإحرام، فإذا وصلا إلى الموضع

الْخَامِسُ: اصْطِيَادُ كُلِّ مَاكوُلٍ بَرِّيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي أصابا فيه الذنب .. ندبت المفارقة، ولا يجتمعا إلا وقت التحلل؛ لأن معاهد الوصال مألوفة، وفي القديم: يجب ذلك. قال: (الخامس: اصطياد كل مأكول بري) طيرًا كان أو وحشًا؛ لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} وإن كان المذكور في الآية يحتمل اسم المفعول كما يحتمل المصدر، فالمصدر هو المقصود هنا، واستغنى المصنف بلفظ الاصطياد عن قيد التوحش. وكما يحرم صيده يحرم تنفيره والإعانة عليه بدلالة أو إعارة آلة، ولا فرق بين المستأنس وغيره خلافًا لمالك، ومن المستأنس دجاج الحبش، وهو شبيه بالدراج وكذلك الإوز البري، كل منهما يحرم على المحرم قتله ويجب به الجزاء، ولا فرق في ذلك بين المملوك وغيره، خلافًا للمزني. واحترز بـ (البري) عن (البحري)، وهو: الذي لا يعيش إلا في البحر، فصيده حلال بالنص والإجماع، فإن عاش في البر والبحر .. فهو كالبري؛ تغليبًا للتحريم؛ وسواء كان البحر في الحل أو الحرم كما نص عليه في (الأم) في موضعين. وفي (البحر) عن الصميري: يحرم صيد بحر الحرم، وهو شاذ. والجراد بري على المشهور، فيه الجزاء، وفي قول غريب: إنه بحري؛ لأنه بحري؛ لأنه يتولد من روث السمك. وطير الماء من البري وإن لازم الماء. فروع: إذا حلب لبن صيد .. ضمنه بقيمته خلافًا للروياني. وبيض الطائر المأكول حرام على المحرم، مضمون بقيمته، وقيمته معتبرة باجتهاد عدلين فقيهين. وقال المزني: لا شيء فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل الأصحاب بقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}، قال مجاهد: هي الفراخ والبيض. وربما روى الدارقطني [2/ 247] والبيهقي [5/ 208] وابن عدي [1/ 224] بإسناد ضعيف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بيض النعام بقيمته). ويتخير بين أن يتصدق بالدراهم، أو بقيمتها طعامًا، أو يصوم لكل مد يومًا. فإن كان البيض مَذِرًا .. لم يضمن، إلا بيض النعام .. ففيه القيمة؛ لأن قشره ينتفع به، وفي معنى كسر البيض نقله من موضع إلى موضع فيفسد، لكن يستثنى من ذلك ما إذا باض في فراشه فنقله فلم يحضنه .. ففيه الخلاف فيما لو افترش الجراد في طريقه. ويجب في شعر الصيد القيمة، بخلاف ورق الشجر. ويحرم على المحرم أن يضع يده على الصيد بملك أو إعارة، ولا يملكه ببيع ولا هبة ولا غيرهما؛ لأن الصعب بن جثامة رضي الله عنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه .. قال: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم (. ويحرم عليه استيداعه. وإذا أحرم وفي ملكه صيد .. زال ملكه عنه، فإذا زال الإحرام لا يعود، بخلاف من أمسك خمرًا غير محترمة حتى تخللت لا تلزمه إراقتها، والفرق بينهما فيه غموض.

قُلْتُ: وَكَذَاَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَاَلله أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَاَلِ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحرم عليه أكل ما صيد لأجله، أو كان له أثر في ذبحه، لكن لا جزاء عليه بمجرد الأكل إذا ذبحه غيره. وإذا ذبح المحرم صيدًا .. حرم عليه بالاتفاق، وكذا على غيره على الأصح، ولو كسر بيض صيد .. حرم عليه وكذا على غيره أكله على المشهور، ولو كسره مجوسي .. حل. ولو مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد .. ملكه على المذهب ملكًا يتصرف فيه كيف شاء إلا بالقتل والإتلاف. قال: (قلت: وكذا المتولد منه ومن غيره والله أعلم)؛ تغليبًا لجانب الحرمة. وإنما لم نوجب الزكاة في المتولد بين الزكوي وغيره؛ لأنها من باب المواساة. وشذ ابن القاص فقال: لا جزاء في المتولد كما لا زكاة فيه. والضمير في قوله: (منه) عائد على الذي اجتمعت فيه الشروط السابقة، وهو المتوحش المأكول البري، قال في (الدقائق (: ويدخل فيه شيئان: أحدهما: المتولد من مأكول وغيره. والثاني: المتولد من شاة وضبع أو ظبي؛ فإنه متولد من صيد وغير صيد وهو حرام بلا خلاف، وقل من نبه عليه. قال: (ويحرم ذلك في الحرم على الحلال)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولا يعضد شوكه ولا ينفر صيده (. وإذا حرم تنفير صيده .. فاصطياده أولى، وأجمعوا على تحريم ذلك إلا داوود فإنه أباح صيده.

فَإِنْ أَتْلَفَ صَيْدًا .. ضَمِنَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد: أن يكون الصائد أو المصيد فيه، فلو وقف في الحل ورمى صيدًا في الحرم أو عكسه .. حرم، بل لو رمى من الحل إلى صيد في الحل فاعترض السهم في الحرم .. حرم في الأصح، بخلاف إرسال الكلب كذلك. ولو رمى من الحل إلى الحرم أو بالعكس إلى صيد قائم، بعضُ قوائمه في الحل وبعضها في الحرم .. وجب الجزاء، والنائم العبرة بمستقره، ولا يتكرر الجزاء باتحاد المنقول إذا قتله محرم، كما لو قتل القارن صيدًا .. لا يلزمه إلا جزاء واحد. فرع: أدخل حلال صيده المملوك إلى الحرم .. جاز له إمساكه وذبحه والتصرف فيه كيف شاء، وجاز لأهل الحرم شراؤه وأكله، ويدل له حديث: (أبا عمير ما فعل النغير؟) بعد تقرير أن صيد المدينة حرام، وخالف في ذلك أبو حنيفة. قال: (فإن أتلف) أي: المحرم أو الحلال في الحرم (صيدًا .. ضمنه)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية. وجهات الضمان ثلاث: إحداها: المباشرة، ولا فرق فيها بين العالم والجاهل والذاكر والناسي والمتعمد والمخطئ إلا في الإثم، وفي المجنون قولان: أظهرهما في زوائد (الروضة (: أنه لا يجب عليه، وهو مشكل؛ لأن الضمان لا فرق فيه بين العاقل وغيره، لا جرم قال في (شرح المهذب (: الأقيس خلافه. وانفرد مجاهد من بين العلماء بقوله: إن غير المتعمد لا جزاء عليه؛ لمفهوم الآية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجهة الجمهور: ما روى مالك [1/ 414] والحاكم [3/ 310] والبيهقى [5/ 181] عن قبيصة بن جابر: (أنه أتى عمر يسأله عن ظبى قتله خطأ قال: فالتفت عمر إلى عبد الرحمن بن عوف ـ وكان إلى جانبه ـ فقال: ترى شاه تكيفه؟ قال: نعم، فأمره عمر بذلك، فلما انصرف .. قال قبيصة: إن أمير المؤمنين لا يحسن أن يفتى حتى يسأل، فسمع عمر بعض كلامه، فدعاه وقال: أما قرأت كتاب الله؟ قال: لا، قال إن الله تعالى يقول: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ثم قال عمر: إن فى الإنسان عشرة أخلاق تسعة حسنة وواحدة سيئة، فيفسد الخلق الساء التسعة الصالحة، فإياك وعثرات اللسان). ويستثنى من ذلك: ما لو صال عليه الصيد فقتله دفعًا، وما إذا عم الجراد الطريق ولم يجد بدًا من وطئه ففعل .. فلا ضمان فى الأظهر. الجهة الثانية: السبب كنصب الشبكة وإرسال الكلب وتنفير الصيد فيموت، أو يأخدة سبع، أو يصدمه حجر او شجرة ونحو ذلك. الجهة الثالثة: اليد، فلو اشتراه أو استعاره أو اودع عنده .. أثم بذلك، ويضمنه ضمان المغصوب. وعبارة المصنف شاملة للجهتين الأولتين لا الثالثة؛ لأن الحاصل فيها لا إتلاف. فروع: الاول: إذا دخل كافر الحرم واتلف صيدًا .. ضمنه. وقيل: لا؛ لأنه لم يلتزم حرمته، وعلى الأول: يكون كالمسلم فى كيفية الضمان إلا فى الصوم. الثانى: فى (فتاوى البغوى): لو رمى المحرم سهمًا إلى صيد ثم حل ثم أصابه السهم .. ضمنه، وكذا لو رمى حلال إلى صيد ثم أحرم ثم أصابة السهم؛ لأنه فى أحد الطرفين محرم.

فَفِي النَعامَة: بَدَنهُ بُدُنهُ بِدنَهُ، وَفِي بَقَر الوَحْش وَحَمّارهُ: بِقُرَّة، وَالغَزال: عَنْز، وَالأَرْنَب: عِناق، وَاليَرْبُوع: جُفْرَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: إذا حفر بئرًا فى ملكه فى الحرم فتلف بها صيد .. ضمنه، وهذا يشكل على ما سياتى فى الجنايات: أنه اذا تلف بها إنسان .. لا يضمنه، وفى الفرق بينها عسر. الرابع: إذا قتل المحرم صيدًا .. وجب عليه الكفارة التعزيز، كمن قتل ابنه او عبده، وسيأتى هذا فى (باب التعزيز). الخامس: إذا استعار صيدًا وهو حلال ثم اتلفه وهو محرم .. لزمه القيمة لمالكه والمثل لله تعالى، وقد اشار إلى ذلك ابن الوردى بقوله [من الرجز]: عندى سؤال حسن مستطرف .... فرع على أصليين قد تفرعأ متلف شاء برضا مالكه ... ويضمن القيمة والمثل معا قال: (ففى النعامة: بدنه، وفى بقر الوحش وحماره: بقرة، والغزال: عنز، والأرنب: عناق، واليربوع: جفرة)؛ لأن جماعة من الصحابة قضوا بذلك كله. وفى) سنن ابى داوود) [3795] بإسناد صحيح: (فى الضبع كبش) وحكم عثمان رضى الله عنه فى أم حبين بحلان، وعطاء ومجاهد فى الوبر بشاة، ابن عباس رضى الله عنهما فى الإبل ببقرة، وتبعهم الشافعى رضى الله عنه والجمهور، لأنهم كالنجوم يقتدى بهم فى سائر الدهور، فما حكم به واحد او جماعة من الصحابة لا يدخله اجتهاد. ولو عدل فى النعامة إلى بقرة أو سبع من الغنم .. لم يجز على الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: المصنف تبع المحرر والتنبيه فى قوله: (وفى الغزال عنز) وكذلك قال فى المناسك والصواب ـ كما زوائد الروضة وشرح المهذب ـ: أن الغزال اسم للصغير من ولد الظبى ذكرًا كان أو انثى إلى أن يطلع قرناه، ثم الذكر ظبى والأنثى ظبية، ففى الغزال ما فى الصغار، فإن كان ذكرًا .. فجدى، وإن كان أنثى .. فعناق، فالاعتراض من وجهين: أحدهما: أن العنز كبيرة والغزال صغير والثانى: أنها أنثى والغزال يشمل الذكر والأنثى. فائدة: (النعامة) بفتح النون معروفة. (البدنة) حيث أطلقت فى كتب الفقه والحديث المراد بها: البعير ذكرًا أو انثى، وشرطها سن يجزاء فى الأضحية. وقال كثير من ائمة اللغة أو أكثرهم: تطلق على البعير والبقرة. وقال الأزهرى: تكون من الإبل والبقر والغنم. والعنز: الإنثى من المعز التى تمت لها سنة. والارنب واحد الارانب، يقع على الذكر والأنثى. والعناق بفتح العين: الأنثى من اولاد المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة، والجمع: عنق. واليربوع: حيوان معروف أكبر من الفأر الكبير.

وَما لا تَقُل فِيهِ: يُحْكِم بِمِثْلهُ عدلان، ـــــــــــــــــــــــــــــ والجعفرة: ما بلغت أربعة أشهر من أولاد المعز وفصلت عن أمها، والذكر جفر؛ لأنه جفر جنباه، أى: عظما. قال (وما لا تقل فيه: يحكم بمثله عدلان)؛ لقوله تعالى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فيتبع ما حكما به، والعبرة فى المماثلة بالخلفة والصورة تقريبًا لا بالقيمة، فيلزم فى الكبير كبير، وفى الصغير صغير، وفى الذكر ذكر، وفى الانثى انثى، وفى الصحيح صحيح، وفى المعيب معيب، وفى السمين سمين، وفى الهزيل هزيل. ويجوز الانتقال من الادنى الى الاعلى، وكذا فداء الذكر بالانثى على الصحيح، وفى عكسه وجهان: اصحها فى زوائد (الروضة): جوازه، وفى (الحاوى الصغير): المنع. قال الرافعى: وليكن فقهين كيسين. فأما الكياسةـ وهى الفطنة كما قاله فى الروضة ـ فلا شك فى وجوبها. وأما الفقه .. فقال الشيخ: الأصح: انه مستحب لا واجب. وينبغى أن يكون المراد: الفقه الذى يصير به أهلا للحكم، أما المعرفة التى لابد منها فى الشبه. فلابد منها. واحتزر المصنف بقوله (وما لا تقل فيه) عن حيوان نص الشارع فيه غلى المماثلة أو التقويم، او حكم فيه بذلك عدلان من الصحابة أو التابعين أو غيرهم؛ فإنه يجب الرجوع إلى ذلك النص والحكم فى كل عصر. وفى (الكفاية) عن الأصحاب: أنه إذا حكم به واحد من الصحابة وسكت الباقون .. كفى أيضًا، وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد احد الحكمين أو يكون قاتلاه الحكمين؟ ينظر إن كان القتل عدوانًا .. لم يجز؛ لأنه يفسق بذلك، كذا جزم به الرافعى، ومقتضاه انه إذا تاب يجوز. وإذا حكم عدلان بمثل من النعم واخران بمثل اخر .. فهل يتخير او يأخذ بأغلظهما أو اعلمهما؟ فيه الخلاف فى المفتيين إذا اختلفا فى الجواب، والاصح فيهما: التخيير.

وَفِيما لا مَثَل لَهُ: القَيِّمَة ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفيما لا مثل له: القيمة)؛ لأن الصحابة حكموا فى الجراد بها ولامثل له. والمعتبر فى هذه القيمة موضع الإتلاف، ويرجع فيها إلى عدلين كما صرح به المأوردى والرويانى وصاحب (التنبيه) وأورد على إطلاق المصنف وجوب القيمة فيما لا مثل له: الحمام، وسيأتى فى (اللقطة): أنه كل ما عب وهدر كالفواخت واليمام وغيرها؛ فإن الواجب فيها شاة، لقضاء الصحابة بذلك، وهى ليست قيمة. فإن قيل: وقع فى الشرح والروضة: أن فى قتل الوطواط القيمة، مع تقريرها أن ما لايحل أكله لا يحرم على المحرم التعرض له، ولا يجب الجزاء بقتله إلا المتولد بين المأكول وغيره تغليبًا للحرمة، والوطواط لا يحل أكله بالانفاق .. فالجواب: أن الشافعى رضى الله عنه قال: إن الوطواط إن كان مأكولًا .. ففيه القيمة. ومن عطاء أنه قال: فيه ثلاثة دراهم. فالشافعى رضى الله عنه علق وجوب الجزاء على القول بالحل، فكلام الشيخين محمول على الفول بحله كما هو المنصوص. فروع: اشترك محرم وحلال فى قتل صيد .. لزم المحرم نصف الجزاء، ولا شاء على الحلال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو اشترك محرم ومحلون أو محل ومحرمون .. وجب على المحرم من الجزاء قسطه على عدد الرؤوس. وقال المتولى: على المحرم جزاء واحد. ولو جرح الحلال صيدًا فى الحل ثم دخل الصيد الحرم فجرحه فيه فمات منهما .. لزمه نصف الجزاء. زلو اشترك محرمون فى قتل صيد حرمى أو محلون .. لزمهم جزاء واحد؛ لان الله تعالى أوجب مثل المقتول، ومثل الواحد واحد وإن قتله عشرة. وقد سئل عمر رضى الله عنه عن جماعة قتلوا ضبعًا فقال: (عليهم جزاء واحد) ولا يعرف له مخالف. وقال مالك وأبو حنيفة: على كل واحد جزاء. فإن قيل: حجة فيها قتل صيد وعمرة ليس فيها قتل صيد أيهما أفضل؟ فالجواب فى ذلك وجهان: اصحهما: الحج، قاله الويانى. قاعدة: الذى لا يؤكل من الدواب والطيور منه ما يستجب قتله كالحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والخنزيز والغراب والحدأة والذنب والاسد والنمر والدب والنسر والبرغوت والزنبور والبق والقراد، ومنه مايكره قتله كالخنافس والجعلان والسرطان والرخمة والدود والذباب وبنات وردان. وعد القاضى أبو الطيب من هذا القسم الوزغة، وينبغى أن تعد مما ندب قتله ففى الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم امر بقتلها)

وَيَحْرِم قَطَّعَ نُبات الحُرَم أَلْذَى لا يَسْتَنْبِت، ـــــــــــــــــــــــــــــ وصح: (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد) فلا يجوز قتلها. والمراد: النمل الكبير السليمانى، أما الصغير فيجوز قتله، بل يستحب. وأما الكلب غير العقور، فإن كانت فيه منفعه مباحة .. فقتله حرام بلا خلاف، وإن لم تكن فيه منفعه مباحة .. فوقع فيه منفعة مباحة .. فقتله حرام بلا خلاف، وإن لم تكن فيه منفعة مباحة .. فوقع فيه اختلاف تصحيح، والمنصوص: جواز قتله كما تقدم فى (باب التيمم). قال: (ويحرم قطع نبات الحرم الذى لا يستنبت) شجرًا كان أو غير شجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح:) لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه) و (العضد): القطع. وإذا حرم القطع .. حرم القلع من باب أولى؛ فلذلك عبر المصنف به. وأفاد حرم القطع .. حرام القلع من باب اولى؛ فلذلك عبر المصنف به وافاد بذكر النبات جواز قطع اليابس؛ لانه ليس نابتًا فى الحرم بل مغروز فيه. وأما قلعه، فإن كان شجرًا .. جاز، إن كان حشيشًا لم يجز؛ لأنه ينبت بنزول الماء عليه. ونبات الحرم: ما ينبت فيه، أو كان أصله فيه، فلو مال غصن شجرة حرمية الى الحل .. لم يجز بخلاف العكس، ولو كان على الغصن طائر .. انعكس الحكم. ويستثنى من ذلك: ما إذا انتشرت الشجرة الحرمية ومنعت الناس الطريق أو اذنهم؛ فإنه يجوز قطع المؤذى منها.

وَالأَظْهُر: تَعَلُّق الضَمان بِهِ وَبِقِطَع أَشْجارهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أخذ أوراق الاشجار: لكن لا يخطبها مخافة ان يصيب قشورها، وكذا يجوز اخذ الغصان الصغار للسواك ونحوه. وقال ابن الصلاح: لا يحل اخذ شاء من ادراك الحرم للاستياك؛ إلحاقًا له بالعضاه. وقوله: (يستنبت) هو بضم أوله، اى: الذى ليس من شأنهان يستنبته الناس كالطرفاء ونحوها من الشجر والشيح ونحوه من الزرع، فأفهم به أن ما يستنبته الناس بل يحرم قطعه ولا قلعه مطلقًا كالحنطة والشعير والقطائى والخضراوات، وهذه لا خلاف فى جواز أخدها. وأما الشجر كالنخل ونحوه .. ففيه قولان: اصحهما: الجواز أيضًا. والثانى: المنع، ونقله الرافعى عن الاكثرين، وصححه المصنف فى زياداته كما سياتى لعموم الحديث. ويجوز تسريح البهائم فى الكلا ترعى؛ لأن ابن عباس رضى الله عنهما ويجوز تسريح البهائم فى الكلا ترعى لان ابن عباس رضى الله عنهما نزل منى وارسل أتاته ترتع فيه. قال: (ةالأظهر: تعلق الضمان به) لانه ممتنع من إتلافه لحرمه الحرم، فكان مضمونا كالصيد. والقديم: لا؛ لان الاحرام لا يوجب ضمان الشجر فكذلك الحرم. ثم انما يتعلق الضمان به لم يخلف، فإن أخلف .. فلا ضمان على الصحيح إن عاد كمان إلا .. ضمن نقصه قطعًا. قال: (وبقطع أشجاره) وهذا لا حاجة إليه بعد ذكر النبات لانه داخل فيه كما تقرر لكنه تبع (المحرر) فى ذلك.

فَفِي الشَجِرَة الكَبِيرَة: بِقُرَّة، وَالصَغِيرَة: شاَة. قَلَت: وَالمُسْتَنْبَت كَغَيْرهُ عَلِيّ المُذَهَّب، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ففى الشجرة الكبيرة: بقرة، و) فى (الصغيرة: شاة)؛ لان ابن الزبير وابن عباس رضى الله عنهم أفتيا بذلك، ولا مخالف لهما. قال الإمام: ولا شك أن البدنه فى معنى البقرة، وبه اجاب الماوردى. قال المتولى: تضمن الكبيرة ببقرة، وما دونها بشأة، والصغيرة بالقيمة. قال الشيخ: فيه نظر؛ لانهم فى جزاء الصيد لم يسمحوا بالبدنه عن البقرة ولا عن الشاه. وقال الامام وأقرب قول فى ضبط المضمونة بالشاه: ان تقع من سبع الكبيرة فإن صغرت جدًا .. فالواجب القيمة. ولم يتعرض الرافعى ولا المصنف ولا الرافعة لسن البقرة هنا ولكن ابن درياس قال فى شرح) المهذب) المسمى ب (الاستقصاء) يكفى ان يكون لها سنة، وسكت المصنف عما يضمن به عن الشجر من النبات، وهو مضمون بالقيمة. فرع: نقل شجرة حرمية إلى الحل .. فعليه ردها، وإن نقلها فيبست .. فعليه الجزاء، سواء نقلها إلى الحل او الحرم، فإن نبتت فى الموضع المنقول إليه .. فلا جزاء عليه، فلو قلعها قالع .. لزمه الجزاء؛ إبقاء لحرمه الحرم كذا حكاء الشيخان، ولم يصرحا بمن يعود عليه الضمير فى الوجوب وصرح الجرجانى بان الضمان على الاول، وفى الكافى نحوه، ولكن صرح فى البحر بانه على القالع دون الناقل، وهو الذى يظهر من فحوى كلام الشيخين وهو الصواب. قال: (قلت: والمستنبت كغيرة على المذهب)؛ لعموم الخبر السابق.

وَيَجِلّ الإذخر، وَكَذا الشَوِك كَالعَوْسَج وَغَيَّرَهُ عَنِدَ الجُمْهُور، وَالأَصَحّ: حَلّ أَخَذَ نَباتهُ لَعَلَف البَهائِم ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى: لا؛ تشبيهًا له بالحيوان الانسى وبالزرع. والطريق الثانى: القطع بالاول. وكان ينبغى للمصنف أن يقول: المستنبت من الشجر؛ لان المستنبت من غير الشجر كالحنطة والشعير والخضروات يجوز قلعه بلا خلاف كما تقدم. قال: (ويحل الإذخر) قلعًا وقطعًا بلا خوف؛ لحديث العباس رضى الله عنه السابق. و (الإدخر) بكسر الهمزة وبالذال المعجمة: حلفاء مكة، الواحدة، إذخرة. قال: (وكذا الشوك كالعوسج وغيره عند الجمهور) قياسا على الفواسق الخمس بجامع الأذى. وقيل: يحرم، وصححه المتولى، والمصنف فى شرح مسلم، واختاره فى التحرير والتصحيح؛ لما فى الصحيحين عباس رضى الله عنهما: ولا يعضد شوكها ولأن غالب شجر الحجاز ذو شوك. قال: والفرق بينه وبين الصيود المؤذيه: أنها تقصد الاذى، بخلاف الشجر، ولأجل اختياره للمنع عبر بقوله: (عند الجمهور) ولم يعبر بالاصح ونحوه؛ لانه يعتقد خلافه ولا بتصحيح المنع لكونه خلاف المشهور والعوسج: ضرب من الشوك الواحدة عوسجة. قال (والاصح: حل اخذ نباته لعلف البهائم) كما يجوز تسريحها فيه. والثانى: المنع؛ لعموم) ولا يختلى خلاها)، وصححه صاحب (البيان) وهو قوى. والثالث: يجوز أخذ اليسير منه، حكاه صاحب الفروع فان جوزنا فاراد ان ياخذة للبيع ممن يعلف .. بم يجز كما قاله فى شرح المهذب.

وَلِلدَواء، وَاللّاه أُعْلَم ـــــــــــــــــــــــــــــ و (العلف) هنا بسكون اللام؛ لان المراد المصدر. وحكاية الوجهين فى جوازها القطع مشكل، والصواب: أنهما فى وجوب الجممزاء، وان القطع للحاجة جائز قطعًا. قال: (وللدواء والله اعلم)؛ لان الاحتياج إليه اعم من الحاجة الى الاذخر. والثانى: المنع؛ إذ ليس فى الخبز إلا قطعة للدواء، إلا استثناء الإذخر، كذا قاله الغزالى، ومقتضاه رجحان الجواز، وتبعه صاحب الحاوى الصغير فجوز القطع للحاجة مطلقا ولم يخصه بالدواء وهل يتوقف الاخذ للدواء ونحوه مما تقدم على وجود السبب أو يجوز قطعه وتحصيله عنده ليستعمله عند وجود سببه؟ فيه نظر. فرع: يحرم إخراج تراب الحرم وأحجاره إلى الحل، ولا فرق فى ذلك بين حرم مكة والمدينة، لكن إذا نقل تراب أحدهما الى الاخر هل يزول التحريم او يفرق بين نقله الى الاشؤف؟ فيه نظر، وتقدم انه لا يكره ولا يكره نقل ماء زمزم؛ لانه يستخلف وكانت عائشة رضى الله عنها تنقله، وبهذا خالف تراب الحرم وحجارته فإن اخرج شيئًا منها .. لزمه رده، فإن اراد التبرك .. فليأت بطيب من عنده فيمسحه بها ثم يأخذه. فائدة: حدود الحرم معروفة، وهى بالاميال كما قال الاول: وللحرم التحديد من أرض طيبة ... ثلاثة اميال إذا رمت إتقانة وسبعة أميال عراق وطائف ... وجدة عشر ثم تسع جعرانه

وَصَيْد المَدِينَة حَرام، ـــــــــــــــــــــــــــــ وزدت فيها (من الطويل): ومن يمن سبع وكرز لها اهتدى ... فلم يعد سيل الحل إذ جاء بنيانة أشرت بذلك إلى أن الذى نصب أعلام الحرم أيام معاوية رضى الله عنه كرز بن علقمة بن هلال الخزاعى رضى الله عنه، كرز بن علقمة بن هلال الخزاعى رضى الله عنه، أسلم يوم الفتح، وهو الذى قص أثر النبى صلى الله عليه وسلم ليله الغار، وقال لما نظر إلى قدمى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا القدم من القدم التى فى مقام ابراهيم. وأشرت بقولى: (ولم يعد سيل الحل) إلى قول ابن الحجب وغيره: وعلامة الحرم أن سيل الحل إذا أتى .. وقف دونه. قال: (وصيد المدينة حرام) لما روى الشيخان عن عبد الله بن زيد بن عاصم ان النبى صلى الله عليه وسلم قال (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإنى حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة) وحد حرمها عرضًا ما بين حرتيها السود، وطولًا ما بين عير وثور، وهو جبل صغير من وراء احد يعرفه أهلها. وفى معجم الطيرانى الكبير من حديث عبد الله بن سلام:) المدينة حرام ما بين عير إلى أحد) وفى قول ضعيف بل باطل: إن صيدها مكروه، وهو منابذ للاحاديث الصحيحة. وكان ينبغى أن يقول: وصيد حرم المدينة حرام؛ لان التحريم لا يختص بها بل يعم حرمها. وسكوته عن شجرة ليس بجيد؛ فهو أيضًا حرام، وكذلك الكلأ على الصواب.

وَلا يَضْمَننَ فِي الجَدِيد ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يضمن فى الجديد) أى: صيده ونباته؛ لنه مكان يجوز دخوله بغير إحرام فلا يضمن كصيد وج الاتى. والقديم: أن القاتل لصيدها والقاطع لشجرها يسلب لما روى مسلم عن سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه: انه راى عبدًا يقطع شجرًا او يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد .. جاءه أهل العبد فكلموه ان يرد عليهم ما اخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله ان اراد شيئًا نقلنبه رسول الله عليه وسلم، وأيى ان يرد عليهم. وروى أبو داوود مثله فى الصيد، فلذلك اختاره المصنف والشيخ؛ لانه ليس عن الحديث جواب صحيح. وعلى هذا فالمراد بالسالب طريقان: أصحهما: أنه كسلب القتيل من الكفار، لكن يترك له إزارًا يستر به عورته. والثانى: يسلبه ثيابه فقط. والأصح: أنه للسالب. وقيل: لمساكين المدينة. والثالث: يوضع فى بيت المال، لكن يستثنى المحتطب بثياب مغصوبة؛ فإنه لا يسلبها بلا خلاف. وظاهر إطلاق الأثمة: أن الاسلاب لا يتوقف على إتلافه، بل بمجرد الاصطياد يسلب، وتوقف الامام فيما ارسل الكلب ولم يتلف، ولافرق فى المذكور بين صيد وصيد ولا شجر وشجر، وكأن فى معنى العقوبة للمتعاطى. فرع: الأصح: القطع بتحريم صيد وج الطائف وقطع شجره وخلافه؛ لما روى البيهقى عن الزبير بن العوام رضى الله عنه: ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن صيد وج وعضاهه ـ يعنى شجره ـ حرام محرم) وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره.

وَيَتَخَيَّر ِفي الصَيْد المِثْلِيّ بَينَ ذبح مَثُلَهُ وَالصُدْفَة بِهِ عَلَى مَساكِين الحُرَم، وَبَيْنَ أَن يَقُوم المَثَل دَرّاهُم وَيَشْتَرِي بِها طَعامًا لَهُم، أَو يَصُوم عَن كُلّ مَدّ يَوْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقيفًا، لكن إسناده ضعيف. و (وج) بواو مفتوحه وجيم مشددة: واد بقرب الطائف، سمى بوج عبد الحي من العمالقة. والأصح: القطع فيه بالإثم، وعدم الضمان؛ لأنه لم يرد فيه ما يقتضيه. والثاني: أنه كصيد المدينة وشجرها وخلاتها. وأما (النقيع) بالنون .... فهو: الحمي الذي حماه النبي صلى الله عليه وسلم، ليس بحرم، ولا يحرم صيده، ولكن لا تملك أشجاره ولا حشيشه. وفي ضمانها على متلفها وجهان: أصحهما: نعم. وعلى هذا: قال الرافعي: فيها القيمة، ومصرفها مصرف نعم الجزية والصدقة. وقال المصنف: ينبغي أن يكون مصرفه مصرف بيت المال. قال: (ويتخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله والصدقة به على مساكين الحرم، وبين أن يقوم المثل دراهم ويشتري بها طعاما لهم، أو يصوم عن كل مد يومًا)؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}. وهذه الكفارة مخيرة معدلة، أما التخير .... فظاهر، وأما التعديل ..... فلقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}. وعن القديم: أنها مرتبه، فيخرج المثل ثم الإطعام ثم الصيام. وعلم من كلام المصنف أنه لا يجوز إخراجه حيًا، ولا أكل شئ منه، ولا تقويم الصيد كما قاله مالك، ولا إخراج الدراهم كما قاله أبو حنيفة. وقوله: (مساكين الحرم) فيه تنبيه على أن الفقراء من باب أولى.

وَغَيْر المِثْلِيّ يَتَصَدَّق بِقَيِّمتهُ طَعامًا أَو يَصُوم. وَيَتَخَيَّر ِفي فِدْيَة الخَلْق بَيَّننَ ذَبَّحَ شاَة، والتصدق بِثَلاثَة آصع لَسِتَّة مَساكِين، وَصَوْم ثَلاثَة أَيّام ـــــــــــــــــــــــــــــ والتقويم لا يختص بالدراهم، بل بالنقد الغالب، والمعتبر: قيمة المثل بمكة يوم الإخراج. وقوله: (ويشتري بها طعامًا) لا يتعين الشراء، بل لو أخرج مما عنده ذلك المقدار .... جاز، والمراد: الطعام المجزئ في الفطرة. وقوله: (لهم) أي: لأجلهم، لا أن الشراء يقع لهم. وقوله: (أو يصوم) إشارة إلى أنه مخير بين شيئين أولًا: الذبح والتقويم، ثم إذا قوم .... تخير بين شراء الطعام للصدقة وبين صوم يوم لكل مد، وإذا صام فانكسر مد ..... صام عنه يوما كاملًا. وفدية القلم كفدية الحلق فيما ذكروه، فلو قال: أهدي عن ثلاثة وأطعم عن ثلاثة وأصوم عن ثلاثة .... لم يجز علي الصحيح. قال: (وغير المثلي يتصدق بقيمته طعامًا أو يصوم)؛ قياسًا على المثلي؛ فإنه مخير فيه بين الخصلتين، والعبرة في هذة القيمة بموضع الإتلاف ووقته على الأصح قياسًا على كل متلف. وأما المثلى ..... فالأصح فيه إذا قوم: اعتبار قيمته بمكة يوم الإخراج؛ لأنها محل الذبح، فإذا عدل عنه إلي القيمة .... اعتبرنا مكانه في ذلك الوقت، وسواء فيما قلناه صيد الحرم وصيد الحل بالنسبة إلى المحرم. قال: (ويتخير في فدية الحلق بين ذبح شاة، والتصدق بثلاثة لستة مساكين، وصوم ثلاثة أيام)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.

وَالأَصَحّ: أَن الدَمّ في تَرَكَ المَامُورات - كَالإِحْرام مَن الميقات - دَمّ تَرْتِيب، فَإِذًا عَجَّزَ أَشْتَرِي بِقَيِّمَة الشاَة طَعامًا وَتَصْدُق بِهِ، فَإِنَّ عَجَّزَ .... صامَ لَكُلّ مَدّ يَوْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ التقدير: فحلق شعر رأسه ففدية، ثم إن الآية مجملة بينها حديث كعب بن عحرة رضي الله عنه المتقدم، ولفظه في (الصحيحين) (خ 4190 - م 1201) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أيؤذيك هوام رأسك) قال: نعم، قال: (انسك شاة، أو صوم ثلاثة أيام،، أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين). و (الفرق) بفاء وراء مهملة مفتوحتين: ثلاثة آصع. والقلم كالحلق في جميع ذلك، وكذلك الدم الواجب في الاستمتاعات كالطيب والدهن واللبس والمباشرة فيما دون الفرج، وفي الجماع بين التحللين على الأصح. والمراد ب (الشاة): ما يجزئ في الأضحية، وكذا حيث وجبت هى أو البدنة إلا في جزاء الصيد، ويجزئ عن الشاة سبع بدنة أو سبع بقرة. وقوله: (آصع) جمع صاع، وهو ثابت في اللغة، خلافًا لابن بري. وقوله: (لستة مساكين) أي: لكل مسكين نصف صاع. وقيل: لا يتقدر ما يدفع لكل واحد. قال: (والأصح: أن الدم في ترك المأمورات - كالإحرام من الميقات - دم ترتيب، فإذا عجز .... اشتري بقيمة الشاة طعامًا وتصدق به، فإن عجز ..... صام لكل مد يومًا) هذا النوع يسمي: دم ترتيب وتقدير، وفي معناه: دم الرمي، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، ويمنى ليالي التشريق، والدفع من عرفة قبل الغروب، وطواف الوداع، وفي هذا الدم أربعة أوجه: أصحها: أنه دم ترتيب وتقدير كدم التمتع، فيكون الواجب الدم، فإن عجز عن

وَدَمّ الفَوات كَدَمَ التَمَتُّع، وَيُذَبِّحهُ في حُجَّة القَضاء في الأَصَحّ. وَالدَمّ الواجِب بِفِعْل حَرام أَو تَرَكَ لا يَخْتَصّ بِزَمان، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدم .... صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، كذا صححه في (الروضة) و (شرح المهذب) و (المناسك) وفاقًا للرافعي في (الشرحين) و (التذنيب)، وهو المعروف. والثاني: أنه دم ترتيب وتعديل، وهو الذي صححه في الكتاب تبعا ل (المحرر)، وسبقهما إلى تصحيحه ابن كج والإمام الغزالي، ومع ذلك هو خلاف المشهور. والثالث: دم تقدير وترتيب. والرابع: دم تخيير وتعديل كجزاء الصيد. قال المصنف: وهذان الوجهان شاذان ضعيفان. قال: (ودم الفوات كدم التمتع) أي: في الترتيب والتقدير وسائر الأحكام السابقة؛ لما روى مالك (1/ 383) بإسناد صحيح أن هبار بن الأسود فاته، فأمره عمر رضي الله عنه بعمل عمرة ثم قال: (إذا كان عام قابل .... فحجوا وأهدوا، فمن لم يجد ..... فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) ولأنهما اشتركا في التفويت. وفي قول: إنه كدم الجماع؛ لاشتراكهما في التفريط المحوج إلى القضاء، إلا أن ذلك بدنة وهذا شاة. قال: (ويذبحه في حجة القضاء في الأصح)؛ لفتوى عمر رضي الله عنه بذلك. والثاني - وهو اختيار صاحب (التنبييه) - أنه يجوز ذبحه في سنة الفوات قياسًا على دم الإفساد، والخلاف قولان لا وجهان. قال: (والدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب لا يختص بزمان) بل يفعل في يوم النحر وفي غيره بالاتفاق، لكن المستحب أن يكون في يوم النحر أو أيام االتشريق هكذا أطلقوه.

وَيَخْتَصّ ذَبْحهُ بِالحَرَم فِي الأَظْهَر، وَيَجُب صَرْف لَحِمهُ إِلَى مَساكِينهُ. وَأَفْضَل بُقْعَة لَذَبْح المعتمر المُرُوَّة، وَلِحاجّ مَنَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغى لمن يقول: إن الكفارات الواجبة بمعصية – ومنهم المصنف – على الفور أن يقول بذلك هنا إذا كان سببه عدوانًا، ويوجب إخراجه على الفور وإن كان لو أخره ثم فعله أجزأ وإن عصر بتأخيره. قال: (ويختص ذبحه بالحرم فى الأظهر)؛ لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}، وروى مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر) وسواء في هذا دم التمتع والقرآن وسائر ما يجب بسبب في الحل أو الحرم، أو بسبب مباح أو محرم. والثانى: يجوز أن يذبح خارج الحرم؛ لأن المقصود اللحم، فإذا فرق على مساكينه .. حصل الغرض ما لم يتغير. ويستحب أن يذبح بنفسه أو يحضره، ويكره أن يذبحه ليلًا، ولا يجوز أن يعطي الجزار منه شيئًا إلا إذا كان فقيرًا .. فيعطيه زائدًا على الأجرة، وأما الأجرة .. فعلى المهدي. قال: (ويجب صرف لحمه إلى مساكينه)؛ لأن الغرض من الذبح إعطاء اللحم، لأ نفس الذبح مجرد تلويث الحرم وهو مكروه، ويؤجذ من كلام المصنف أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئًا. فلو ذبحه فى الحرم فسرق منه .. سقط الذبح وبقى التصدق باللحم، فإما أن يذبح ثانيًا، وإما أن يشترى اللحم، وسواء في المساكين الغرباء والقاطنون. ويجب صرف جلده وسائر أجزائه ليهم أيضًا، فلو قال: ويجب صرفه إليهم .. كان أخصر وأعم، وتجب النية عند التفرقة كسائر العبادات. وقال فى (البحر): أقل ما يجزئ أن يدفع الواجب إلى ثلاثة. وقال ابن الرفعة: ينبغى أن يجب تعميمهم عند الانحصار. قال: (وأفضل بقعة لذبح المعتمر المروة، وللحاج منىَ)؛ لأنهما محل تحللهما، والأفضل أن يكون قبل الحلق.

وَكَذا حَكَم ما ساقا مَن هَذَى مَكانا، وَوُقّتهُ وَقَتّ الأُضْحِيَّة عَلِيّ الصَحِيح ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ والأحسن أن يقرأ (بقعة) بفتح القاف على أن يكون جمعًا مضافًا إلى الحرم، ويجوز إسكانها والتنوين، أى بقعة منه. ومحل ما ذكره في المعتمر الذي ليس متمتعًا، أما المتمتع .. فالأفضل أن يذبح م تمتعه يوم النحر بمنى. قال: (وكذا حكم ما ساقا من هدي مكانًا) اتباعًا لفعله صلى الله ليه وسلم. قال: (ووقته وقت الأضحية على الصحيح) قياسًا عليها. والثاني: لا يختص بوقت كدماء الجبرانات. فعلى الأول: لو أخر الذبح حتى مضى وقت الأضحية، فإن كان واجباُ .. ذبحه قضاء، وإلا .. فقد فات، فإن ذبحه .. كان شاة لحم. تتمة: الهدي كما يطلق على ما يسوقه المحرم يطلق أيضًا على دم الجبرانات كما قاله الرافعي هنا تبعًا للشافعي رضي الله عنه والأصحاب، فذكر في (الشرحين) و (المحرر) في الكلام على أسباب التحلل: أن الهدي لا يختص بوقت، وأراد به ما أراده غيره هناك، وهو دماء الجبرانات، وذكر هنا: أنه يختص بوقت الأضحية، وأراد به ما يسوقه المحرم، وهو كلام صحيح لا اختلاف فيه ما نقله المصنف. * * * خاتمة في كيفية وجوب الدماء وما يقوم مقامها فهنا دم ترتيب لا يجوز العدول إلى غيره إلا عند العجز، ودم تخيير يجوز العدول عنه مع القدرة، فهاتان الصفتان متقابلتان كصفتى التقدير والتعديل. ومعنى التقدير: أن الشرع قدر البدل المعدول إليه بقدر لا يزيد ولا ينقص. ومعنى التعديل: أنه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى يره بحسب القيمة، فالأقسام أربعة:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الترتيب والتقدير وذلك في ثمانية دماء: دم التمتع والقران والفوات وترك الإحرام من الميقات وترك الرمي وترك الوداع وترك المبيت بالمزدلفة والمبيت ليلي منى. الثاني: الترتيب والتعديل، وهو دمان: دم الجماع المفسد للحج، ودم الإحصار على الأصح. الثالث: المخير المقدر، وهو ثمانية: دم الحلق والقلم والدهن واللبس والطيب والوطء بين التحللين والوطء بعد الوطء المفسد والمقدمات المحرمة. الرابع: المخير المعدل، وهو دمان: دم جزاء الصيد والواجب في قطع نبات الحرم. فجملتها عشرون دمًا: ثمانية مرتبة مقدرة، وثمانية مخيرة مقدرة، ودمان فيهما ترتيب وتعديل، ودمان فيهما تخيير وتعديل. وأشرت إلى ذلك في (المنظومة) بقولي [من الرجز]: خاتمة: من الدماء ما التزم ... مرتبًا وما بتخيير لزم والصفتان لا اجتماع لهما ... كالعدل والتقدير حيث فهما فالدم بالترتيب والتقدير في ... تمتعٍ فوتٍ قِرانٍ اقْتُفِي وترك ميقاتٍ ورمي ووداع ... مع لمبيتين بلا عذر يُشَاع ثم مرتَّبٌ بتعديلٍ سقط ... في مفسدِ الجماعِ والحصرِ فقط مخيرٌ مقدرٌ دهنٌ لباس ... والحلق ُ والقلمُ وطيبٍ فيه بأس والوطءُ حيثُ الشاةُ والمقدماتْ ... مخيرٌ معدلٌ صيدٌ نبات

باب الإحصار والفوات

بَابُ الإِحْصَارِ والفَوَاتِ مَن أَحْصِر .. تَحْلُل، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الاحصار والفوات الحصر والإحصار: المنع، يقال: أحصره المرض وحصره العدو، وقيل: عكسه، وقيل: حصر وأحصر فيهما، والأول أشهر. والمراد بـ (الإحصار): المنع من إتمام أركان الحج أو العمرة. وإنما خص بالأركان؛ لأنه لو أحصر بع الوقوف عما سوى الطواف والسعي ومكن منهما .. لم يجز له التحلل كما قاله الروياني وغيره؛ لأنه متمكن من التحلل بالطواف والحلق، وفوات الرمي يجبر بدم، وتقع حجته مجزئة عن حجة الإسلام. زمراد المصنف وغيره بـ (الفوات): فوات الحج؛ لأن العمرة لا تفوت إلا عمرة القران تبعًا للحج، وإذا قضى .. قضى قارنًا ويلزمه ثلاثة دماء: دم للفوات، ودم للقران الفائت، ودم للقران المأتي به. قال: (من أحصر .. تحلل)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، أى: إذا أحصرتم .. فلكم التحلل، وعليكم ما استيسر من الهدي إذا تحللتم، وإنما قدروا ذلك؛ لأن نفس الإحصار لا يوجب الهدي. وفي (الصحيحين) [خ 1812 - م 1230]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحصروهم المشركون عن الحرم عام الحديبية فتحللوا من عمرتهم). ومراد المصنف: أن من أحصره العدو .. جاز له التحلل، حاجًا كان أو معتمرًا أو قارنًا سواء كان المانع كافرًا أو مسلمًا، سلطانًا أو غيره، أخصره عن البيت وحده أو الموقف أو السعي أو الجميع. ومنع مالك التحلل من العمرة؛ لأن وقتها لا يفوت، والحديث حجة عليه، لكن

وَقَيْل: لا تَتَحَلَّل الشِرْذِمَة. وَلا يَتَحَلَّل بِالمَرَض، فَإِنَّ شَرَطهُ .. تَحْلُل بِهِ عَلِيّ المَشْهُور .. ـــــــــــــــــــــــــــــ . لأجل خلافه قال أصحابنا: الأولى للمعتمر الصبر، وكذا الحاج إن اتسع الزمان، فإن ضاق .. فالأولى التعجيل. فإن كان قد صد عن عرفة دون مكة .. فليدخل وليتحلل بعمل عمرة، ولا قضاء وإن لم يفت الوقوف في الأصح. وإن صد عن مكة فقط .. وقف ثم تحلل ولا قضاء. وشرط جواز التحلل: أن لا يتيقن انكشافهم في مدة يمكن إدراك الحج فيها أو في العمرة، فإن تيقن انكشافهم عن قرب - وهو ثلاثة أيام - لم يجز التحلل، وإذا لم يتمكنوا من المضي إلا ببذل مال .. فلهم التحلل. ويكره بذله وإن قل إذا كان المانع كافرًا، فإن كان مسلمًا .. لم يكره. وإن احتاجوا إلى قتال .. لم يجب على المذهب. واستثنى الشيخ منه الإحرام الذي يحصل به إحياء الكعبة إذا لم تقم به طائفة قبلهم فى تلك السنة، فينبغى أن يجب قتالهم كسائر فروض الكفايات. قال: (وقيل: لا تتحلل الشرذمة)؛ لأنه لم يعم الجميع فكان كالمرض وخطأ الطريق. والصحيح: الجواز كما في الحصر العام؛ لأن مشقة كل واحد لا تختلف بين أن يتحمل قيره مثلها أو لا يتحمل. فإن قيل: منع السيد عبده من إتمام الحج حصر خاص كحصر الشرذمة، ولم يجروا فيه هذا الخلاف .. فالجواب: أن التعدي في إحرام العبد منه لا من السيد، وهنا التعدي من المانع دون الشرذمة. قال: (ولا يتحلل بالمرض) بل يصبر غلى أن يبرأ، فإن كان محرماُ بعمرة .. أتمها، أو بحج وفات .. تحلل بعمل عمرة. ولأنه لا يستفيد به زوال مرضه، وعلى ذلك أجمع الصحابة. قال: (فإن شرطه) أى: في ابتداء إحرامه (.. تحلل به على المشهور)؛ لما روى

وَمَن تَحْلُل .. ذَبَّحَ شاَة ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخان [خ 5089 – م 1207] أن ضباعة بنت الزبير الهاشمية رضي الله عنهما – لأن الزبير أباها أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في (الوسيط) الأسلمية – دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: (أردت الحج)، فقالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها: (حجي واشترطي وقولي: محلي حيث حبستني). ومعناه: أن مكان تحللي هو المكان الذي حبسني فيه المرض. والثاني: لا يجوز؛ لأنها عبادة لا يجوز الخروج منها بغير عذر، فلا يجوز بالشرط كالصلاة. وعلى هذا: فالجواب عن الحديث إما بحمل الحبس على الموت، أو أنه خاص بضباعة. وكذلك الحكم لو شرط التحلل لعذر آخر كضلال الطريق ونفاد النفقة والخطأ في العدد خلافًا للجويني. ثم إن شرطه بهدي .. لزمه، أو بيره .. فلا، وكذا إن أطلق في الأصح. ولو شرط أن يقلب حجه عمرة عند المرض .. فهو أولى بالصحة من شرط التحلل على المنصوص. ولو قال: إن مرضت فأنا حلال .. صار حلالًا بنفس المرض على المنصوص أيضًا. وقيل: لابد من التحلل. وحكم التحلل بالمرض ونحوه – إذا جوزناه – فيما يتعلق بالقضاء حكم التحلل بالإحصار. قال: (ومن تحلل .. ذبح شاة) للآية ومعنى (تحلل): أراد التحلل؛ لأن الذبح يكون قبل التحلل كما سيأتي. والمراد بـ (الشاة): الهدي، وهو إما شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة، وإنما قال: (شاة) لأنها أقل الهدي (1)، والمعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية.

حَيْثُ أَحْصِر. قَلَت: إِنَّما يَحْصُل التَحَلُّل بِالذَبْح وَنِيَّة التَحَلُّل، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (حيث أحصر) سواء كان ذلك في الحل أو الحرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أحصر عام الحديبية فذبح بها وهي من الحل. ولو أراد أن يذبح في مكان آخر من الحل لم يجز؛ لأن موضع الإحصار قد صار في حقه كنفس الحرم، وهو نظير منع المتنفل إلى غير القبلة من التحول إلى جهة أخري. وإذا ذبح .... فرق اللحم على مساكين تلك البقعة، وكذا حكم ما لزمه من دماء المحظورات قبل الحصر. وما حمله معه من هدي يذبحه حيث أحصر، فلو كان مصدودا عن البيت دون أطراف الحرم .... فله ذبحه في الحل أيضًا في أصح الوجهين، والأولي ذبحة في الحرم. قال: (قلت: إنما يحصل التحلل بالذبح)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. قال: (ونية التحلل)؛ لأن الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلا بد من نية تبين المراد، وتكون النية مقارنة للذبح، فلو ذبح بغير نية ...... لم يحل. وكيفيتها: أن ينوي الخروج عن الاحرام، وإنما لم تجب هذه النية على غيره لأن غيره أكمل العبادة من رمي وحلق وطواف فتحلل بكمالها، والمحصر يريد الخروج منها قبل كمالها فافتقر إلى قصد، كالصائم إذا أكمل النهار خرج من صومه بلا نية، وإذا مرض واحتاج إلى الإفطار في النهار .... فإنه ينوي الخروج من الصوم، قااله صاحب (البيان) وغيره.

وَكَذا الحَلْق إِذا جَعَلناهُ نُسُكًا، فَإِنَّ فَقُدّ الدَمّ .... فَالأَظْهَر: أَن لَهُ بَدَلا، وَأَنَّهُ طَعام ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا الحلق إذا جعلناه نسكا)؛ لأنه ركن من أركان الحج قدر على الإتيان به فلا يسقط عنه، ولا بد من تقديم الحلق على الذبح؛ لقوله تعالي: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ). وبينت السنة: أن محله في الحصر حيث أحصر، وهو يشترط مقارنة النية له؟ نقل ابن الرفعة عن الأصحاب الوجوب، وجزم به في (الروضة) عند الكلام على تحلل العبد، والأكثرون ساكتون عن اشتراطه، ولا يبعد مجئ وجه فيه. فائدة: ذكر السهيلي: أن الصحابة لما حلقوا بالحديبية وهم بالحل وقد منعوا من دخول الحرم .... جاءت ريح احتملت شعورهم حتى ألقتها في الحرم، فاستبشروا بقول الله تعالى عمرتهم. قال: (فإن فقد الدم) أي: حسا أو شرعًا لاحتياجه إلى ثمنه، أو وجده غالبًا، فلذلك تقرأ بفتح الفاء والقاف. قال: (..... فالأظهر: أن له بدلا) كغيره من الدماء على المحرم. والثاني: لا؛ لأن الله تعالى لم يذكره وذكر بدل دم التمتع. وعلى هذا: يبقي الدم في ذمته، ويبقي على إحرامه على أحد القولين الآتيين حتى يهدي. قال: (وأنه طعام)؛ لأنه أقرب إلى الجبران من الصيام؛ لاشتراكهما في المالية، ويقابله: أنه صوم، وبه جزم في (التنبيه). وفي قول ثالث: يتخير بينهما، فإن قلنا: بدله الصوم فهل هو صوم التمتع أو

بِقَيِّمَة الشاَة، فَإِنَّ عَجَّزَ ... صامَ لَكُلّ مَدّ يَوْمًا، وَلِهَ التَحَلُّل ِفي الحال ِفي الأَظْهَر، وَاللّاه أَعْلَمَ. وَإِذا أَحْرُم العَبْد إِذَن .... فَلِيُسْدهُ تَحْلِيلهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صوم الحلق ثلاثة أيام او صوم التعديل لكل مد يوما؟ فيه أقوال في (التنبيه) بغير تصحيح. قال: (بقيمة الشاة) مراعاة للقرب كما تقدم، وفيه وجه: أنه ثلاثة أصح لسته مساكين. قال: (فإن عجز ..... صام لكل مد يومًا)؛ قياسا على الدم الواجب بترك المأمور، وفي قول: لا بدل للإطعام. قال: (وله التحلل في الحال في الأظهر والله أعلم)؛ لأن التحلل إنما شرع لدفع المشقة، فلو وقفناه على فراغ الصوم .... لتضرر بذلك لطوله. والثاني: لا، بل يتوقف تحلله على فراغه منه؛ لأنه قائم مقام الإطعام. قال: (وإذا أحرم العبد بلا إذن ..... فليسده تحليله) صيانة لحقه، لأن العبد يمنع السيد محصور. وقيل: ليس له تحليله مراعاة لحق الشرع. وقيل: إذا قال له: حللتك .... تحلل، فغن امتنع ... كان له أن يعامله معاملة الحلال، فيطأ الأمة ويستعمله في ذبح االصيد ونحوه. وعلم من هذا: أن إحرام العبد بلا إذن صحيح، وهو كذلك بكنه غير جائز. ولو رجع السيد في الأذن ثم أحرم العبد غير عالم .... فله تحليله في الأصح. تنبيهات: أحداهما: المراد بتحليل السيد العبد، والزوج الزوجة، والوالد الولد: أنهم يأمرون المحرم بالتحلل، لا أنهم يتعاطون الأسباب بأنفسهم، فإن امتنع الرقيق.

وَلِلزَوْج تَحْلِيلها مَن حَجَّ تُطَوِّع لِمَ يَاذَن فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ارتفع المانع بالنسبة إلى السيد، حتى يجوز الوطء والاستخدام في محرمات الإحرام. وفي (البحر): أنه إذا قال: حللتك ..... تحلل. الثاني: حكم المدبر والمعلق العتق بصفة وأم الولد والمبعض حكم القن، واستثني بعض المتأخرين المبعض إذا وسعت نوبته بلا إذن، والمكاتب إذا لم يحل عليه شئ ... فالأظهر: أنه ليس لسيده منعه من السفر؛ لأنه قد يستعين به على الكسب وفي منعه من الحج طريقان، فإذا كان له في سفره للحج كسب ..... يتجه عدم منعه. الثالث: إذا أحرم بلا أذن له السيد في المضي فيه ..... لم يملك تحليله فيما بعد، قاله الماوردي وغيره. الرابع: يتحلل الذبح إن ملكه السيد هديا وقلنا: يملكه مع الحلق والنية، وإلا ...... فطريقان: أصحهما: القطع بالاكتفاء بالنية مع الحلق. وقيل: إنه كالمعسر. وفي (شرح الحاوي) للطاووسي): الجزم بأنه تكفينه نية التحلل، قال: وليس له أن يتصرق في شعره بالحلق والتقصير بغير إذن سيده؛ لأنه ملكه. الخامس: إذا أحرم بإذن سيده .... فمؤنه الطريق في كسبة علي الصحيح. وقيل: علي السيد. قال: (وللزوج تحليلها من حج تطوع لم يأذن فيه) وكذلك العمرة لاستيفاء حقه، كما له أن يخرجها من صوم النفل. والمراد: أن يأمرها به، فإن أبت ...... فله الوطء على المذهب كما تقدم، أما إذا أذن ..... فليس له تحليلها جزما.

وَكَذا مَن الفَرْض ِفي الأَظْهَر ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا من الفرض في الأظهر)؛ لأن الحج على التراخي وحقه على الفور. وروي الدارقطني (2/ 223) والبيهقي (5/ 223): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للمرأة أن تنطلق إلى الحج إلا بإذن زوجها). والثاني: لا؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). قال الماوردي في (كتاب الصلاة): المراد به مساجد النسك، يعني الحج والعمرة. وشمل قوله: (الفرض): حجة الإسلام والنذر والقضاء، لكن يستثني من إطلاقه: ما إذا قال طيبان عدلان: إن لم تحج العام عضبت؛ فيصير حجها على الفور، وليس للزوج منعها حينذ، وكذلك لو نحكحت بعد تحللها من الفائت فلا منع ولاتحلل منه للضيق، وكذلك إذا نذرته في سنة معينة ثم نكحت وجاء الوقت .... فقياس ما قالوه في الاعتكاف وغيره أن لا منع له. فروع: لا فرق بين كون الزوج حالًا أو حرامًا، قاله الماوردي في (النفقات)، والرجعية ليس له تحليلها لكن له حبسها للعدة، وكذلك البائن يضًا. وإذا كان الزوج طفلًا لا يتوقع استمتاعه بها فهل لها أن تحج بلا إذن؟ وهل لوليه منعها؟ فيه نظر، وحيث قلنا بجواز التحلل .... فمعناه الأمر بالتحلل كما تقدم في العبد، تحللها كتحلل المحصر بلا فرق، فلو لم تتحلل ... فللزوج أن يستمتع بها والإثم عليها كما صرح به الصيدلامي والبغوي وغيرهما. وحجة النذر كحجة الإسلام، فإذا أحرمت بها بغير إذنه ... كان له تحليلها في الأظهر، وإذا أمرها بالتحلل ... حيث جوزناه وجب عليها، فإن أبت ... فله وطؤها وعليها الإثم؛ لتقصيرها وكذا سيد الأمة.

وَلا قَضاء عَلِيّ المحصر المُتَطَوِّع، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي والمصنف هنا: يستحب للمرأة أن لا تحرم بغير إذن زوجها، فاقتصي ذلك جوازه بغير إذنه، لكن صرح المحاملي وغيره بعدم جوازه في التطوع وحجة الإسلام، وهو الموافق لما تقدم في (صوم التطوع) بحضرة الزوج و (الأعتكاف): أنهما يحرمان إلا بإذنه. قال الشيخ: والذي يظهر أن ذلك لا يجوز بغير إذنه، وقد أطلق الرافعي والقاضي أبو الطيب أن الأمة المزوجة ليس لها الإحرامة إلا بإذن الزوج والسيد جميعًا. ويستحب أن لا يحرم إلا بإذن أبويه، ولكل منهما منعه من التطوع على الصحيح، فلو أحرم به بلا إذن ... فلكل منهما تحليله علي الأظهر. وقال الماوردي: للأب دون الأم، وصحح الفارقي المنع، وهو الأقوي؛ إذ ليس لهما منعه من صفر التجارة وقد يتجر فيه، ولم يفرق المانعون بين قريب الدار وبعيدها. قال: (ولا قضاء على المحصر المتطوع) أي: إذا تحلل؛ لأنه لو وجب لبين في الكتاب أو السنة، وقد أحصر مع النبي صلى الله عليه وسلك في الحديبية ألف وأربع مئة، ولم يعتمر معه في العام القابل إلا نفر معرفون أكثر ما قيل: أنهم سبع مئة، ولم ينقل: أنه صلى الله عليه وسلم أمر من تخلف بالقضاء، وأيضًا لم تكن العمرة التي اعتمروها من قابل قضاء، وإنما سميت عمرة القضية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضي سهيل بن عمرو في الحديبية علي الرجوع من قابل. وسواء في هذا الحكم الحصر العام والخاص، أتي بنسك سوى الإحرام أم لم يأت، اقترن بالإحصار فوات أم لم يقترن. وفي قول: إنه إذا لم يكن الإحصار عاما .... يجب القضاء كما لو أضل الطريق حتى فاته الحج. والفرق على الصحيح: أنه بإضلاله الطريق منسوب إلى تفريط، بخلاف

فَإِنَّ كانَ فَرْضًا مُسْتَقَرًّا ... بَقَّيْ ِفي ذَمَّتهُ، أَو غَيْر مُسْتَقِرّ ... اعْتُبِرتَ الاسْتِطاعَة بَعْدِ ... وَمَن فاتَهُ الوُقُوف .... تَحْلُل ـــــــــــــــــــــــــــــ الإحصار، ومن هذا حصر الزوج والوالد، لكن استثني ابن الرفعة: ما إذا أفسد النسك ثم أحصر فتحلل؛ فإنه يلزمه القضاء، وهو ظاهر لا يحتاج إلى استثناء. قال: (فإن كان فرضا مستقرا ..... بقي في ذمته) كما لو شرع في صلاة فلم يتمها .... فإنها تبقي في ذمته، فإذا أتي به بعد زواال الإحصار .... وقع أداء. قال: (أو غير مستقر .... اعتبرت الاستطاعة بعد) أي: بعد زوال الإحصار، فإن بقي من الوقت .... سقط الوجوب في هذة السنة واعتبرت بعدها. قال الشيخ: كذا أطلقوه هنا، وينبغي أن يكون مرادهم الإحصار العام، أما الخاص .... فلا يمنع الاسستقرار. تتمة: لو أحصر فصابر الإحرام متوقعا زواله ففاته الحج والإحصار دائم .... تحلل بعمل عمرة ولا قضاء عليه على الأصح، ولو صد عن الطريق وهناك طريق آخر ... نظر: إن تمكن من سلوكه .... لزمه ولو طال وعلم فوات الوقوف، فإن فعل ففاته .... لم يلزمه القضاء في الأظهر. قال: (ومن فاته الوقوف) أي: بعذر وغيره (..... تحلل) أي: وجوبًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أدرك عرفة ليلًا ..... فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفة ليلًا .... فقد فاته الحج، وليهل بعمرة، وعليه الحج من قابل) رواه الترمذي. وتقدم ما رواه مالك (1/ 383) أن هبار بن الأسود فاته الوقوف فأمره عمر رضي الله عنه أن يعمل العمرة، وأن يحج من قابل.

بِطَوّاف وَسَعْي وَحَلْق، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (شرح المهذب): واشتهر ذلك ولم ينكره أحد فكان إجماعًا. نعم؛ شرط وجوب السعي أن لا يكون قد سعى بعد طواف القدوم كما اتفق لهبار بن الأسود. تنبيهان: أحدهما: قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب: لو أراد هذا أن يقيم إلى قابل محرما بالحج .... لم يكن له ذلك؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}، ولئلا يصير محرما بالحج في غير أشهره. الثاني: لا فرق بين أن يكون الفوات بتقصير أو سبب فيه نوع عذر كإضلال الطريق، قال الشافعي رضي الله عنه: فالمتواني إلى أن يفوته الحج يأثم إلا أن يعفو الله عنه. قال: (بطواف) هذا لا بد منه اتفاقًا. قال: (وسعي)؛ لأنه كالطواف في تحتم الإتيان به، لكن شرط إيجابه أن لا يكون سعى بعد طواف القدوم. قال: (وحلق)؛ بناء على أنه من أركان الحج فكان كالطواف والسعي. وفهم من كلام المصنف: أنه لا يجب عليه المبيت بمنى ولا الرمي، وهو كذلك؛ لأن عمر رضي الله عنه لم يامر بهما هبارًا. ومراد المصنف: التحلل الثاني، أما الأول .... ففي (شرح المهذب): أنه يحصل بواحد من الحلق أو الطواف، يعني: مع السعي؛ لأنه لما فاته الوقوف .... سقط عنه حكم الرمي، وصار كمن رمي، فإن جامع ... لم يفسد إحرامه، وإن لبس أو تطيب .... لم يفد. وقال المزني: يلزمه الرمي والمبيت، وقال: إنه قياس الشافعي رضي الله عنه، وإليه مال الإصطخري.

وَفِيهِما قَوْل، وَعَلِيّهُ دَمّ وَالقَضاء ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفيهما قول) أما السعي ... فلأنه ليس من أسباب التحلل، ولهذا يصح تقديمه على الوقوف، وأسباب التحلل لا يجوز تقديمها عليه. وأما الحلق ... فهو مبني على أنه استباحة محظور، ثم ما أتى به لا ينقلب عمرة على المذهب. وقيل: ينقلب عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام. قال: (وعليه دم)؛ لما تقدم من أمر عمر رضي الله عنه به، وقال أبو حنيفة: لا دم عليه، وقد تكلم المصنف على هذا الدم في آخر الباب الذي قبل هذا، وهو كدم التمتع. وفي قول مخرج يلزمه دمان: أحدهما للفوات، ولآخر؛ لأنه في معنى التمتع من حيث إنه تحلل بين النسكين. وفي وقل: دم كدم الجماع لكنه بشاة؛ وبالقياس على الإفساد، وسواء كان الفائت حجة الإسلام أو التطوع، فإن كان الفائت حجة الإسلام ..... وقع القضاء عنها، وفي وجوب في القضاء وجهان كما في الإفساد: أصحهما: وجوبه. وعن مالك وأحمد راوية: أنه لا قضاء كالمحصر. تتمة: لو تركب العذر في عدم أداء النسك من الفوات والإحصار بأن صد عن الطريق التي سلكها ووجد طريقا أطول منها أو أصعب، فسلكها كما أمرناه ففاته الحج تحلل بعمل عمرة فهل يلزمه القضاء؟ فيه قولان: أظهرهما: لا. ***

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة يستحب أن يحمل المسافر إلى أهله هدية؛ لما روى البيهقي في (الشعب) [4204] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قدم أحدكم على أهله من سفر ..... فليهد لأهله، وليطرفهم ولو كان حجارة). ويستحب إذا قرب إلى وطنه أن يرسل إليهم من يعلمهم بقدومه، إلا أن يكون في قافلة اشتهر عند أهل البلد وقت دخولها. ويكره أن يطرقهم ليلًا. والسنة: أن يتلقى المسافر، وأن يقال له إن كان حاجًا: قبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك. وإن كان غازيًا: الحمد لله الذي نصرك وأكرمك وأعزك. والسنة: أن يبدأ عند دخوله بأقرب مسجد، فليصلي فيه ركعتين بنية صلاة القدوم. وتستحب النقيعة، وهي: طعام يعمل لقدوم المسافر. وسيأتي في (الوليمة) بيانها إن شاء الله تعالي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ

فهرس الكتاب كتاب الجنائز 7 فصل: في تكفين الميت وحمله 29 فصل: في الصلاة علي الميت 41 فرع: في بيان الأولى بالصلاة عليه 59 فصل: في دفن الميت 74 كتاب الزكاة 127 باب زكاة الحيوان 129 فصل: في اتحاد نوع الماشية 146 باب زكاة النبات 165 باب زكاة النقد 186 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 203 باب زكاة الفطر 212 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 222 فصل: في أداء زكاة المال 241 فصل: في تعجيل الزكاة 252 كتاب الصيام 258 فصل: في أركان الصوم 271 فصل: في ركن الصوم الثاني 282 فصل: في شروط الصوم 292 فصل: في شروط الصوم 313 فصل: في شروط وجوب صوم رمضان 327 فصل في فدية الصوم الواجب 334

فصل: في موجب كفارة الصوم 344 باب صوم التطوع 353 كتاب الاعتكاف 369 فصل: في حكم الاعتكاف المنذور 382 كتاب الحج 393 باب المواقيت 424 باب الإحرام 444 فصل: فيما يطلب للمحرم 448 باب دخول مكة وما يتعلق به 465 فصل: فيما يطلب في الطواف 474 فصل: فيما يختم به الطواف وبيان السعي 497 فصل: في الوقوف بعرفة 503 فصل: في المبيت بمزدلفة 518 فصل: في المبيت بمني 537 فصل: في بيان أركان الحج والعمرة 560 باب محرمات الإحرام 575 باب الإحصاروالفوات 617 فهرس الكتاب 631

كتاب البيع

كِتَابُ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب البيع لما انتهى من ربع العبادات المقصود بها التحصيل الأخروي، وهي أهم ما خلق لها الإنسان ... أعقبه بربع المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي؛ ليكون سببًا للأخروي؛ وأخر عنهما ربع النكاح؛ لأن شهوته متأخرة عن شهوة البطن، وأخر ربع الجنايات والمخاصمات؛ لأن ذلك غالبًا إنما يكون بعد شهوتي البطن والفرج، وأفرد لفظه؛ اقتداء بالآية الآتية، وطردًا للقاعدة السابقة في (الطهارة) و (الصلاة) و (الزكاة) و (الصوم). و (البيع) في اللغة: بذل شيء في مقابلة شيء. قال الشاعر [من البسيط]: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم .... ولا أسلمها إلا يدًا بيد وفي الشرع: نقل ملك إلى الغير. والشراء: قبوله ويطلق كل منهما على الآخر، وتقول العرب: بعت بمعنى اشتريت، وجاء شرى بمعنى باع، قال الله تعالى: {وشروه بثمن بخس}. وقال عز وجل: {ولبئس ما شروا به أنفسهم}. قيل: وسمي بيعًا، لأن البائع يمد باعه إلى المشتري حالة العقد عادة، وضُعِّفَ بأن البيع من ذوات الياء، تقول: باع يبيع بيعًا، والباع واوي، تقول: بعته أبوعه بوعًا. وفي هذا التضعيف نظر؛ فإن بعض المتأخرين حكى جواز اشتقاق ذوات الواو من وات الياء وبالعكس. والأصل في مشروعيته قبل الإجماع: قوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم}.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله تعالى: {وأحل الله البيع}. ورجح الشافعي رضي الله عنه والأصحاب: أن الآية عامة في كل بيع إلا ما خص بالسنة، ونقل عنه: أنها مجملة والسنة مبينة لها. وتظهر فائدة القول فيما إذا اختلف في مسألة في البيع: أحلال هي أم حرام؟ فإن قلنا: عامة .. جاز أن يستدل بها عليها، وإلا .. فلا. وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟ فقال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) رواه الحاكم [2/ 10] عن رافع بن خديج رضي الله عنه. وصح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتجر لخديجة رضي الله عنها). وكان أبو بكر تاجرًا في البز، وعمر في الطعام، وعثمان في البر والتمر، والعباس في العطر رضي الله عنهم. والبيوع ثلاثة أنواع: بيع أعيان موجودة، وهو المراد هنا. وبيع أعيان في الذمة، وهي المرادة بـ (كتاب السلم). وبيع منافع، وهي الإجارة. وأحكام البيع ثلاثة: الصحة، واللزوم، وانتقال الملك. فأما الصحة .. فتثبت مقارنة لآخر حرف من قول المشتري على الأصح. وقيل: عقبه. واللزوم يتوقف على انقضاء الخيار. والملك إباحة الانتفاع كما سيأتي في أول (باب إحياء الموات).

شَرْطُهُ: الإِيجَابُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (شرطه: الإيجاب) أي: لفظًا على وجه الجزم بأي لغة كان، عرف العربية أم لا؛ لقوله تعالى {لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. وروى ابن حبان [4967] وابن ماجه [2185]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما البيع عن تراض). والرضا أمر خفي لا يطلع عليه، فوجب أن يناط الحكم بسبب ظاهر يدل عليه، وهو الصيغة. والمذهب: اشتراط ذلك في كل شيء. وعن ابن سريج تخريج قول: إنه يكتفى في المحقرات بالمعاطاة. واختار ابن الصباغ والمتولي والبغوي والمصنف والشيخ الاكتفاء بها فيما يعده الناس بيعًا، ومثلوا المحقرات بالباقة من البقل، والرطل من الخبز، ومنهم من مثلها بما دون نصاب السرقة. والأشبه: إتباع العرف. وحيث أبطلنا بيع المعاطاة .. ففي حكم ما أخذ بها وجهان: أحدهما: أنه إباحة. وأصحهما: أنه كالمقبوض بعقد فاسد فيجب رده أو بدله إن تلف، ولكل مطالبة الآخر. وقيل: يسقط من ذمتهما بالتراضي، وهو ضعيف. وقال ابن أبي عصرون: لا مطالبة لهما في الآخرة. ومراد المصنف بـ (الشرط): ما لابد منه؛ لأن الغزالي جعل الصيغة ركنًا. ويستثنى من إطلاقه البيع الضمني، كقوله: أعتق عبدك عني؛ فإنه يكتفى فيه بالالتماس والجواب. وشمل إطلاقه: ما إذا باع الأب أو الجد مال ابنه الصغير من نفسه أو اشترى منه. والأصح: لابد فيه من الصيغة كما سيأتي.

كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى الأصح: لا يكفي التوكيل. والأصح: أن الهازل كغيره اعتبارًا باللفظ لا بالقصد. وكان ينبغي للمصنف أن يقدم الكلام على العاقد والمعقود عليه على الكلام على الصيغة؛ لتقدمهما عليها طبعًا. فرع: جرت عادته أن يأخذ من بياع ثم يحاسبه بعد مدة ويعطيه كما يفعله كثير من الناس .. قال في (شرح المهذب): إنه باطل بالإجماع، وسامح فيه في (الإحياء)، وجوزه ابن الصلاح بشرط أن يقرر ما يأخذه كل يوم ولا يؤخر تقريره إلى يوم الحساب. قال: (كبعتك وملَّكتك) هذان صريحان في البيع لاشتهارهما فيه وتكررهما على لسان حملة الشريعة. وأشار بـ (كاف التشبيه) إلى أن الصريح لا ينحصر في هاتين اللفظين، بل ينعقد بكل ما أشبه ذلك، كشريت منك هذا، وصارفتك –في عقد الصرف- ووليتك هذا العقد، وأشركتك معي فيه نصفين. ولو اتصل بهذه الصيغ كلها لفظة (قد) كقوله: قد بعتك، وقد ملكتك .. لم يضر. وعبارة (المحرر): كبعتك أو ملكتك، وهي أحسن؛ لأنها تدل على الاكتفاء بأحدهما بخلاف تعبير المصنف. وضابط الإيجاب: كل لفظ يدل على التمليك بعوض دلالة ظاهرة.

وَالْقَبُولُ؛ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْتُ وَقَبِلْتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه: أنه لا يصح بلفظ التمليك، وصححه الماوردي؛ لأن التمليك من أحكام البيع فاحتاج إلى تقديم العقد ليتعقبه التمليك، ولأنه يحتمل الهبة بعوض فصار مجملًا، ولذلك صرح الرافعي في (باب الخلع) بأن ملكت صريح، وأشار ابن الرفعة إلى أنه كناية على المذهب. وفهم من عبارة المصنف: أنه لابد من إسناد البيع إلى جملة المخاطب ولو كان نائبًا عن غيره، فلو قال: بعته ليدك أو لنصفك .. لم يصح. قل: (والقبول) وهو: كل لفظ يدل على التمليك دلالة ظاهرة. قال الإمام: هو على الحقيقة ما لا يتأتى الابتداء به. قال: (كاشتريت وتملكت وقبلت) فلو اقتصر على قوله: (قبلت) .. صح في الأصح، بخلاف النكاح؛ فإنه لابد أن يقول: قبلت نكاحها في الأصح. ومن ألفاظ القبول: (رضيت) كما صح به القاضي والروياني في (باب الرهن)، وشملت عبارته: ما لو باع ما له لطفله. والأصح: أنه لابد فيه من الإيجاب والقبول. وقيل: يكفي أحدهما. وقيل: ينعقد بالنية وحدها؛ لأن اللفظ إنما اعتبر لمعرفة ما في القلب لا للتعبد، وهو ظاهر. وسكت المصنف عن صيغة الثمن؛ لوضوح اشتراط أنه لابد من ذكره، وله ألفاظ: منها: أن يقول: بكذا، وهي الأصل. ومنها: على أن تعطيني كذا، كما جزم به الرافعي في (الصداق)، وأسقطه من (الروضة). ومنها: ولك على كذا، أو ولي عليك كذا. ومنها: قوله: على ألف.

وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ لَفْظِ الْمُشْتَري. فَلَوْ قَالَ: بِعْنِي، فَقَالَ: بِعْتُكَ .. انْعَقَدَ فِي الأَظْهَرِ. وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ –كَجَعَلْتُهُ لَكَ بِكَذَا- فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: السمسار –بسينين مهملتين- إذا قال للبائع: بعت، فقال: نعم، وقال للمشتري: اشتريت، فقال: نعم .. صح في الأصح وإن لم يتخاطبا. أما إذا قال له: بعتك، فقال: نعم، أو قال: بعتك أقبلت؟ فقال: نعم .. فقال الرافعي في (كتاب النكاح): يصح، وفي (النهاية) في (كتاب الإقرار): لا يكون قبولًا. قال: (ويجوز تقديم لفظ المشتري) أي: على لفظ البائع؛ لحصول المقصود بذلك، هذا في غير (قبلت) و (نعم) إذا صححنا القبول بهما. قال: (فلو قال: بعني، فقال: بعتك .. انعقد في الأظهر)؛ لأن المقصود وجود لفظ دال على الرضا بموجب العقد وقد حصل، فصح به كالنكاح. وفي (صحيح مسلم) [1755]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه في جارية: (هب لي المرأة) قال: هي لك) وهو يدل على انعقاد الهبة بالاستيجاب والإيجاب فالبيع أولى. والثاني: لا ينعقد إلا أن يقول بعد ذلك: اشتريت، أو قبلت؛ لأنه قد يقول ذلك استبانة للرغبة، والصحيح: أن الخلاف وجهان. وفي نظير المسألة في النكاح قولان: الأصح باتفاقهم: الانعقاد. وقول البائع: اشتر مني، كقوله: بعني على الصحيح. ولو قال: اشتريت منك، فقال: بعتك .. انعقد إجماعًا. قال: (وينعقد بالكناية –كجعلته لك بكذا- في الأصح)؛ لما تقدم من حديث سلمة رضي الله عنه. وفي (صحيح مسلم) [715]: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لجابر رضي الله عنه: (أتبيعني جملك بأوقية) قال: هو لك بها، قال: (قد أخذته).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولابد معها من النية، والصريح لا يحتاج إليها. قال الأصحاب: كل تصرف يستقل به الشخص ينعقد بالكناية، وما لا يستقل به الشخص بل يفتقر إلى الإيجاب والقبول ضربان: أحدهما: ما يشترط فيه الإشهاد كالنكاح. وبيع الوكيل المشروط فيه ذلك لا ينعقد بالكناية؛ لأن الشاهد لا مطلع له عليها. والثاني: ما لا يشترط فيه الإشهاد، وهو نوعان: أحدهما: ما يقبل مقصوده التعليق بالغرر، فيصح بالكناية مع النية، كالكتابة والخلع والصلح عن دم العمد؛ فإن يستقل بمقصوده، وهو العتق والطلاق والعفو. و [الثاني]: إن لم يقبله كالبيع والإجارة ونحوهما .. ففيه الوجهان المذكوران في الكتاب. وفي (الشرح) و (الروضة) و (شرح المهذب) –نقلًا عن الإمام من غير اعتراض عليه-: أن محل الخلاف فيما إذا عدمت القرائن، فإن حصلت وأفادت التفاهم .. وجب القطع بالصحة. فكلام المصنف محمول على غير البيع المشروط فيه الإشهاد والذي لم تحتف به قرائن تفيد إرادة البيع. ومن الكنايات أن يقول: خذه، أو تسلمه، وكذا: سلطتك عليه، على الأصح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: الأول: كتب إلى غائب بالبيع أو غيره من عقود المعاوضات .. انعقد على الأصح، خلافًا لصاحب (المهذب). وشرطه: أن يقبل المكتوب إليه عند وقوفه على الكتاب. وفي وجه بعيد: لا يشترط الفور، ويكفي التواصل اللائق بين الكتابين. وإذا قبل المكتوب إليه .. فله خيار المجلس ما دام فيه، ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه. ولو تبايع حاضران بالمكاتبة وجوزناها في الغيبة .. فههنا وجهان لم يرجح الشيخان منهما شيئًا. وقال الشيخ: ينبغي أن يكون أصحهما: الصحة. وحكم الكتْب في القرطاس والرق واللوح والأرض والنقش على الخشب والحجر .. واحد، ولا أثر لرسم الأحرف في الماء والهواء على الصحيح كما سيأتي في (الطلاق). الثاني: في (فتاوى الغزالي): لو قال: بعني، فقال: باعك الله، أو بارك الله لك فيه، أو قال في الإقالة: أقالك الله، أو قد رده الله عليك .. فهو كناية يصح به البيع والإقالة إن نواهما، وإلا .. فلا. الثالث: قال البائع: بعتك هذا بكذا، فقال المشتري: اشتريته ولم يسمع البائع كلامه .. قال البغوي: إن قاله بحيث يسمعه من بقربه .. صح، وإلا .. فلا، كما لو حلف لا يكلم فلانًا. الرابع: قال: أنا بائع منك هذا بكذا، أو هذا مبيع منك بكذا .. قال القمولي: لم

وَيُشْتَرَطُ: أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا، وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ، فَقَالَ: قَبِلْتُ بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ .. لَمْ يَصِحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أظفر فيه بنقل، ويحتمل أنهم صريحان، وهو أقرب، ويحتمل خلافه. قال: (ويشترط: أن لا يطول الفصل بين لفظيهما)؛ لأنه إذا طال أخرج الثاني عن كونه جوابًا، وضابط الطول ما أشعر بالإعراض. وقيل: يكفي وقوع القبول في مجلس الإيجاب. وكان الأحسن أن يقول: (بين الإيجاب والقبول)؛ لئلا ترد الكتابة وإشارة الأخرس. ويشترط أيضًا: أن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي عن العقد ولو كان يسيرًا، كما صرح به في (شرح المهذب) حيث قال: ولو تخللت كلمة أجنبية .. بطل العقد، لكنهما ذكرا في (كتاب الطلاق) عن الإمام: أنه لا ينقطع الإيجاب والقبول بتخلل كلام يسير على الأصح. ويشترط أيضًا: أن لا يتغير الإيجاب قبل القبول، فلو أوجب بثمن مؤجل، أو على أن للمشتري الخيار، ثم أسقط الأجل أو الخيار قبل القبول، أو جعل الثمن حالًا .. لم يصح. ويشترط في الطلاق: أن يقصد اللفظ للمعنى، ولابد من ذلك هنا كما سيتأتي تقريره في (الطلاق). قال: (وأن يقبل على وفق الإيجاب) في القدر والنقد وصفته والحلول والأجل، أما التوافق في اللفظ .. فلا يشترط، فيجوز أن يقول: بعتك بألف، فيقول: اشتريت، أو تملكت، وما أشبهه. قال: (فلو قال: بعتك بألف مكسرة، فقال: قبلت بألف صحيحة .. لم يصح)؛ لأنه قبل غير ما أوجبه البائع، ونبه بذلك على أنه لا يصح عكسه من باب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى، ونقل الشيخان عن (فتاوى القفال): أنه لو قال: بعتك بألف درهم، فقال: قبلت بألف وخمس مئة .. صح، واستغرباه. لا جرم أن الرافعي في الباب الثاني من (الوكالة) وفي (كتاب الخلع) جزم في المسألة بالبطلان، وهو المعتمد. وقال في (شرح المهذب) هنا: الظاهر فساد العقد، وبه جزم الماوردي والهروي والإمام والقاضي حسين، وإذا صححناه فبـ (الألف) فقط، ويلغو قوله: خمس مئة، كما أشار إليه الإمام وغيره. ولو قال: بعتك كذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمس مئة ونصفه بخمس مئة .. قال المتولي: يصح؛ لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق، واستشكله الرافعي بأن تفصيل الثمن من موجبات تعدد الصفقة، فكأن البائع أوجب بيعة والمشتري قبل بيعتين. قال المصنف: وهو كما قال، لكن الظاهر الصحة. وكذا لو باعه عبدين بألف فقبل أحدهما بخمس مئة. ولو قال: بعتك هذه الدار بألف على أن لي نصفها .. صح، كما لو قال: بعتك نصفها. وقال محمد بن الحسن: لا يصح. قال الهروي: وهذا محتمل ويشترط في الصيغة التنجيز، فلو قال: بعتك هذا بألف إن شئت، فقال: شئت .. لم ينعقد خلافًا للمتولي، ولو قال: اشتريت، أو نحوه .. فالأصح الانعقاد، ولو قال: اشتريت منك هذا بكذا، فقال: بعتك إن شئت .. لم يصح؛ لأن التعليق يستدعي مشيئة جديدة، صرح به الإمام والغزالي في (باب الإقرار).

وَإِشَارَةُ الأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ. وَشَرْطُ الْعَاقِدِ: الرُّشْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشترط بقاء أهليتهما إلى القبول، فلو جن أحدهما، أو أغمي عليه، أو حجر عليه بسفه قبل وجود الشق الآخر .. بطل. وعن الداركي: أنه لو أوجب ثم مات ووارثه حاضر في المجلس فقبل .. صح. وقال الماوردي: إنه خلاف الإجماع. قال: (وإشارة الأخرس) أي: المفهومة (بالعقد كالنطق)؛ للضرورة، وكذا كتابته، لأن ذلك يدل على ما فؤاده كما يدل عليه النطق من الناطق، ولا حاجة إلى قوله: (بالعقد)؛ لأن الفسخ والدعاوى والإقرار وغير ذلك كذلك، والمصنف أعادها في (الطلاق) وضم الحل إلى العقد. واحترز بـ (العقد) عن إشارته في الشهادات والصلاة والحنث في الحلف على الكلام؛ فإنها ليست كنطقه على الأصح. أما إشارة الناطق .. فلا تعتبر، خلافًا للمتولي؛ فإنه قال: إذا قال: أنت طالق إن شاء زيد، فأشار زيد بالرضا .. يقع، وخالفه الجمهور. قال: (وشرط العاقد: الرشد)، فلا ينعقد بيع الصبي والمجنون والسفيه وإن أذن الولي ووافق الغبطة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث ...) الحديث رواه الترمذي [1423]. وفي وجه: يصح من الصبي في حال اختبار رشده. وعبر في (المحرر) بالتكليف، وأورد عليه في (الدقائق) السكران؛ فإنه يصح بيعه على المذهب مع أنه غير مكلف، والسفيه والمكره بغير حق؛ فإنهما مكلفان ولا يصح بيعهما. قال: ولا يرد شيء منهما على (المنهاج)، وقد علم أن السكران عند الفقهاء مكلف كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه، فلا يرد على قيد التكليف.

قُلْتُ: وَعَدَمُ الإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن يرد على طرد (الكتاب) وعكسه صور: منها: الأعمى، فلا تصح معظم عقوده كما سيأتي. ومنها: لو سفه بعد رشده ولم يعد الحجر عليه .. صح بيعه وشراؤه وغيرهما على الأصح إلا أن يعاد الحجر عليه. ومنها: لو عقد الذمة لنفسه والتزم الجزية .. لزم وليس لوليه منعه، قاله في (المعتمد) في (السير). ولو وجب عليه القصاص فصالح منه على شيء من ماله .. صح. ومنها: لو اشترى حال حاجته إلى المطاعم ونحوها، وامتنع الولي، وعسرت مراجعة الحاكم، وانتهى الأمر إلى الضرورة .. قال الإمام: فالوجه: القطع بتجويز تصرفاته على حسب الضرورة. ومنها: لو آجر نفسه بما له التبرع به من منافع بدنه .. صح عند الماوردي والروياني، كما صحح أنه لو أذن له في بيع شيء معين وقدر الثمن .. صح. ومنها: لو أذن لعبده في التجارة .. فقضية إطلاق الجمهور: الجزم بصحة تصرفاته مع السفه. وقيد صاحب (التنبيه) والجرجاني في (التحرير) الجواز بالرشد، ولا يعرف لغيرهما. قال: (قلت: وعدم الإكراه بغير حق)؛ لقوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. ولا أثر لقول المكره بغير حق إلا في الصلاة فتبطل به في الأصح، ولا لفعله إلا في الرضاع، والحدث، والتحول عن القبلة، وترك القيام في الفريضة مع القدرة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك القتل ونحوه في الأصح، وكل هذا يأتي في (الطلاق) إن شاء الله تعالى. ويرد على الأول: ما لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه، أو بيع ماله، أو عتق عبده، وما أشبه ذلك، فإن ينفذ كما سيأتي في (الطلاق) إن شاء الله تعالى. وأما الثاني .. فيرد عليه صور: منها: لو أكرهه على إتلاف مال الغير، أو أكله، أو تسلم الوديعة .. ضمن الجميع. ومنها: لو أكره مجوسي مسلمًا على ذبح شاة، أو محرم حلالًا على ذبح صيد، فذبحا .. حل، وكذا لو أكرهه المجوسي على رمي صيد ففعل .. حل. وذكر الرافعي تفقهًا: أنه لو أكره مسلم مسلمًا على الذبح .. حل. ومنها: لو أكرهه على غسل ميت لم يتوجه عليه غسله فغسله .. صح. ولو أكره على وطء زوجته أو أمته فأحبلها .. صح له وللزوجة الإحصان، واستقر به المهر، وأمية الولد، وأحل الزوجة للمطلق ثلاثًا فيما يظهر في جميع ذلك. ومنها: لو حضر المحرم عرفة مكرهًا .. صح وقوفه. واحترز عن المكره بحق؛ فيصح بيعه؛ إقامة لرضا الشرع مقام رضاه، كمن عليه دين وامتنع عن الوفاء والبيع، فإن شاء القاضي .. باع ماله بغير إذنه لوفاء الدين، وإن شاء .. عزره وحبسه إلى أن يبيعه، وكذلك من أمر عبده بالبيع فامتنع فأكرهه .. فإنه يصح؛ لأنه من الاستخدام الواجب. فرع: يصح بيع المصادر وبيع التلجئة على الأصح فيهما.

وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ وَالْمُسْلِمَ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (التلجئة): أن يخاف من ظالم على ماله، فيقول لصديقه: أبيعك مالي على أن ترده على إذا أمنته. وهم يسمونه: بيع الأمانة، وجزم في (الشامل) بصحته. وقال الشيخ أبو نصر: إن كان له مال غير الذي باعه .. صح البيع، وإلا .. فوجهان. قال الوزير ابن هبيرة: رأيت بخط ابن عقيل الحنبلي: أن بعض عمال كسرى أراد أن يجري نهرًا، فكتب إليه: أنه لا يجري إلا في بيت لعجوز، فأمر أن يشترى منها، فضوعف لها الثمن فلم تقبل، فكتب كسرى أن خذوا بيتها، فإن المصالح الكليات تغتفر فيها المفاسد الجزئيات. قال ابن عقيل: وجدت هذا صحيحًا؛ فإن الله –وهو الحكم العدل- يبعث المطر والشمس، وإن كان الحكيم القادر لم يراع نوادر المضار لعموم المنافع .. فغيره أولى. وفي الاستدلال بهذا نظر لا يخفى. قال: (ولا يصح شراء الكافر المصحف والمسلم في الأظهر)؛ لما في شراء المصحف من الامتهان وفي المسلم من الإذلال. والثاني –وبه قال أبو حنيفة-: يصح، لأن الشراء سبب من أسباب الملك فيملكهما، قياسًا على الإرث، ولكن يؤمر بإزالة الملك عنهما. وعلى هذا: ينصب القاضي من يقبضه، وقيل: يمكنه من قبضه، وقيل: يأمره بالتوكيل. ولو قبضه بغير إذن القاضي .. صح؛ لأن التفريع على صحة البيع، والقولان جاريان في تملكه بالهبة والوصية والسلم. والصحيح: أن كتب الحديث وآثار الصالحين كالمصحف، وجعل صاحب (البيان) كتب الفقه كذلك؛ تعظيمًا للعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشذ الماوردي فجزم بجواز بيع كتب الحديث والفقه من الكافر، والخلاف في الصحة، أما الجواز .. فلا يجوز قطعًا. وحكم البعض منهما حكم الكامل. وفي صحة ارتهان العبد المسلم من الكافر واستئجاره منه على عمل يعمله بنفسه وجهان: أصحهما: الصحة، لكن يكره ويؤمر بإزالة الملك عن منافعه على الأصح في (شرح المهذب). وأما ما اشتراه فأسلم .. فإنه يجبر على إزالته بلا نزاع، إما ببيع، أو هبة ونحوهما، وكذلك الوقف كما صرح به الصيمري، لكن لو وقفه على ذمي يتجه: أنه لا يكفي. وصحح المارودي إجارته على عمل ينفرد به، وأبطلها على ما يعمله عند المستأجر كالخدمة. أما إجارته على الذمة .. فلا خلاف في جوازها، ويجوز إيداعه عنده قطعًا؛ إذ لا ملك ولا منفعة ولا حق لازم، واستشكله الشيخ إذا كان صغيرًا، قال: والذي لا أشك فيه أنه لا يجوز إيداع المصحف عنده، وسيأتي في بابها إن شاء الله تعالى. وأما إعارته منه .. فقطع الرافعي بجوازها وكراهتها، وفي (التنبيه): أنها حرام، وهو وجه ضعيف. وإذا اشترى المسلم عبدًا مسلمًا لكافر بإذنه .. لم يصح إن صرح بالسفارة، وإن نواها .. وقع للوكيل، وإن اشتراه كافر لمسلم بإذنه، فإن صرح بالسفارة .. صح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح في (شرح المهذب): أن المرتد لا يباع لكافر؛ لبقاء علقة الإسلام. تنبيه: أفهمت عبارة المصنف جواز تملك الكافر العبد والأمة الكافرين، وهو الذي أطلقه الأصحاب. وقال ابن الصلاح: التحقيق التفصيل، إن كان المملوك كافرًا كفرًا لا يقر أهله عليه كالتركي .. لم يجز أن يتملكه، وإن كان يقر عليه كالتهود والتنصير .. جاز، قال: ولا ينبغي تمكين الكافر من ابتياع مملوك فارهٍ ترفهًا، كما يمنع من ركوب الخيل وبالسرج. و (الشراء) يمد ويقصر، والأفصح مده، وجمعه أشرية، كرداء وأردية، وسقاء وأسقية، وكساء وأكسية. و (المصحف) مثلث الميم، كما تقدم في (باب الأحداث). فرع: يجوز بيع المصحف من المسلم، وإجارته، ونسخه بالأجرة، وقد قيل: الثمن يتوجه إلى الدفتين لا إلى كلام الله عز وجل.

إِلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إنه بدل أجرة النسخ. لكن يكره بيعه في أصح الوجهين، وهو المنصوص، ولا يكره شراؤه. ويجوز بيع الكتب التي فيها منفعة كالطب والحساب والشعر المباح المنتفع به، ولا يجوز بيع كتب الكفر والتنجيم والشعبذة والفلسفة، بل يجب إتلافها؛ لتحريم الاشتغال بها. وقال صاحب (الوافي): لا يصح بيع التوراة والإنجيل إلا أن ينتفع بورقها أو جلدها. قال: (إلا أن يعتق عليه، فيصحُّ في الأصح)؛ لانتفاء الإذلال، ولأنه يحصل له من العلو بالحرية أكثر ما يحصل له بهوان الرق. والثاني: لا يصح؛ لما فيه من ثبوت الملك له على المسلم. والأصح: أنه لو اشتراه بشرط العتق .. صح. وقيل: يتخرج على الخلاف. وقوله: (فيصح) مرفوع؛ أي: فإنه يصح، وبالنصب يفسد معناه. ولا يكره للمسلم بيع عبده الكافر من كافر كبيرًا كان أو صغيرًا، لكن الأولى أن لا يبيعه الصغير. وقال أحمد: لا يجوز أن يبيعه الصغير؛ لأنه ينشأ على دين مالكه. مهمة: قال المحاملي في (اللباب): لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء إلا في ست مسائل: بالإرث، والاسترجاع بإفلاس المشتري، والرجوع في هبته لولده، وإذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رد عليه بعيب، وإذا قال لمسلم: أعتق عبدك عني، وإذا كاتب عبده ثم عجز عن الوفاء .. فله تعجيزه.

وَلَا الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الروضة): في هذه تساهل؛ فإن المكاتب لم يزل الملك عنه ليتجدد بالتعجيز. قال: وترك سابعة، وهي: إذا اشترى من يعتق عليه، ووافقه ابن الرفعة على ذلك، وأهملا: ما إذا رجع بتلف مقابله قبل القبض. وإذا جعل العبد صداقًا لكافرة فأسلم في يدها ثم رجع إلى الزوج. وإذا أقرض العبد فأسلم في يد المقترض فرجع فيه. وإذا باعه بثوب ثم وجد بالثوب عيبًا فرد الثوب واسترده. وإذا باعه عبدًا مسلمًا ثم تقايلا. وإذا أسلم عبد الكافرين قبل القبض .. فالأصح عدم البطلان ويقبضه الحاكم. وإذا تفاسخا في زمن الخيار وكان قد أسلم. وإذا التقطه فأسلم ثم أقام ذمي بينة بملكه. وإذا اعتق الكافر نصيبه من عبد مسلم .. فإن الباقي يدخل في ملكه ويقوم عليه. وإذا رُد عليه لفوات شرط، ونحو ذلك. قال: (ولا الحربي سلاحًا والله أعلم)؛ لأنه مستعد لقتالنا فيكون تسليمه معصية فيصير معجوزًا عن تسليمه شرعًا فلا يصح. وفي وجه: يصح ويؤمر بإزالة الملك كالعبد المسلم، وأجمعوا على أنه حرام. واحترز بـ (الحربي) عن الذمي، وعن بيعه للبغاة وقطاع الطريق، والأصح فيها: الجواز. وكذلك يجور رهنه عند غير الحربي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند أبي شحيمة اليهودي.

وَلِلْمَبِيعٍ شُرُوطٌ: طَهَارَةُ عَيْنِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُّ بَيْعُ الْكَلْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن أفهمت عبارة المصنف جواز بيعه لمن دخل إلينا بأمان، والمتجه فيه: المنع؛ لأن الظاهر إمساكه عنده إلى حين عوده، ولأن الحرابة فيه متأصلة، والأمان عارض، والسلاح عدة المقاتل. والمراد به هنا: ما يستعان به على المحاربة وإن صرحوا في (باب صلاة الخوف) و (قسم الغنائم) بأن الترس والدرع ليسا منه. ويحرم بيع الخيل أيضًا من الحربي؛ لأنها أعظم عدة للقتال. وفهم من التعبير بـ (السلاح) جواز بيع الحديد، وبه صرح الرافعي، وعلله بأنه لا يتعين جعله سلاحًا، فإن غلب على الظن أنهم يعملونه سلاحًا .. كان كبيع العنب لعاصر الخمر، وقد تعرض المصنف له في آخر (باب المناهي). قال: (وللمبيع شروط) عدها الغزالي خمسة: أن يكون طاهرًا، منتفعًا به، مملوكًا، مقدورًا على تسليمه، في مال معين. واعترض في (المطلب) على حصره بالربويات فإن لها شروطًا أخرى. وقد يستغنى بالملك عن الطهارة؛ فإن النجس لا يثبت فيه ملك بل اختصاص، وأما القدرة على التسليم والعلم به وكون الملك لمن له العقد .. فشروط في العاقد، فرجعت الخمسة إلى اثنين: أن يكون مملوكًا، منتفعًا به. وحده الإمام بكونه مقدورًا على تسليمه شرعًا. قال: (طهارة عينة)؛ لأن النجس محرم الأكل وما حرم أكله حرم بيعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء .. حرم عليهم ثمنه) رواه أحمد [1/ 247] وأبو داوود [3488] بإسناد صحيح. قال: (فلا يصح بيع الكلب)؛ لما روى الشيخان [خ 2086 - 1567]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمنه).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: إنه نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد .. فالجواب: أن هذا الاستثناء لم يثبت، إنما ثبت في الاقتناء. فروع: يجوز اقتناء الكلب للصيد وللزرع- وفي معناه: النخل والكرم وسار الشجر -وللماشية- وفي معناها: الخيل، والبغال، والحمير، وحراسة أهل البوادي وسكان الخيام وأهل الحصون والبيوت المفردة في أطراف الرساتيق والدروب- وللحراسة في السفر على الأصح فيهما. وتجوز تربية الجرو الصغير لما يباح اقتناء الكبير له في الأصح. ولو أراد اتخاذ الكلب ليصطاد به إذا أراد ولا يصطاد في الحال، أو ليحفظ الزرع والماشية إذا صارا له .. لم يجز في الأصح. والكلب الكلِب والعقور يقتلان، وأما غيرهما .. فتقدم أن المنصوص: جواز قتلها. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتنى كلبًا إلا كلب صيد نقص من أجره كل يوم قيراطان). قيل: قيراط من عمل الليل، وقيراط من عمل النهار. وقيل: من الفرض والنفل. فلو تعددت الكلاب .. ففي تعدد القيراط نظر، وأفتى الشيخ بعدم تعدده، كما لو ولغت في إناء، فإنه يغسل سبعًا على الأصح.

وَالْخَمْرِ وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ، وَكَذَا الدُّهْنُ فِي الأَصحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والخمر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) رواه الشيخان [خ 2236 - م1581]. وفي وجه: يجوز بيع الخمر المحترمة، ويكره اقتناء العذرة والميتة، وقال صاحب (المهذب): لا يجوز، وحمل على التنزيه. ويكره اقتناء السرجين، والوقود به، وتربية الزرع والبقول به. قال: (والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالخل واللبن) قال في (شرح المهذب): لا خلاف في ذلك، واحترز عما يمكن تطهيره كالثوب المتنجس وما في معناه؛ فإن يصح بيعه قطعًا، إلا أن تستره النجاسة فيجري فيه قولا بيع الغائب. قال شيخنا: ومقتضى كلام المصنف: أن الآجر واللبن وغيرهما مما يعجن بالزبل ونحوه لا يصح بيعه، ويلزم منه امتناع بيع الدور ونحوها. قال: (وكذا الدهن في الأصح) هذا معطوف على الخل واللبن لا على المتنجس، والخلاف فيه مرتب على الخلاف في تطهيره: إن قلنا: لا يطهر وهو الأصح .. لم يصح بيعه، وإلا .. فوجهان: أصحهما: أنه لا يصح أيضًا؛ للأمر بإراقة السمن الذائب الذي وقعت فيه الفأرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يجوز كالثوب المتنجس، أما الدهن النجس كودك الميتة .. فلا يطهر ولا يجوز بيعه اتفاقًا. فروع: بيع الماء النجس على الوجهين. وتصح الوصية بالزيت النجس والتصدق به على جهة نقل اليد، وعلى جهة التمليك ممتنع. وقال المصنف: ينبغي القطع بصحة الصدقة به للاستصباح ونحوه. والند المعجون بالخمر قال بان الصباغ والروياني: لا يجوز بيعه، وقال الرافعي: ينبغي أن يجوز كالثوب النجس؛ لإمكان تطهيره بنقعه في الماء. وفي تنجيس المتبخر به الوجهان في دخان النجاسة. وفي جواز بيع الزباد وجهان مبنيان على طهارته. ولا يجوز بيع الدرياق الذي فيه لحوم الحيات؛ لنجاسته، ويباح أكله للضرورة. ويجوز بيع القز وفي باطنه الدود الميت للضرورة سواء باعه وزنًا أو جزافًا، صرح به القاضي وغيره، وقال الإمام: إن باعه وزنًا .. لم يجز، وإن باعه جزافًا .. جاز. حادثة: سئل الشيخ عن الوشم النجس الذي لا يمكن زواله من البدن: هل يمنع صحة البيع.

الثَّانِي: النَّفْعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كالأعيان التي لا يمكن تطهيرها أو يكون كالثوب المصبوغ بصبغ نجس فيصح بيعه على رأي الغزالي دون غيره؟ فقال: الذي أراه القطع بصحة البيع وأن الوشم النجس لا يمنع من ذلك؛ لأن اليد المشتملة على الوشم ليست مبيعة ولا جزءًا من المبيع، إنما هي وصف بلا خلاف؛ لأنها لا يقابلها قسط من الثمن، وأحد العبدين جزء بلا خلاف. والسقف: هل هو جزء أو وصف؟ فيه خلاف. والأعيان التي يمكن تطهيرها مبيعة، وكل جزء منها مبيع مقابل بقسط من الثمن، والصبغ النجس في الثوب كالجزء، ألا ترى أن صاحبه يكون شريكًا لصاحب الثوب بجزء من الثمن، فلا ينكر جريان خلاف فيه. وأما يد العبد والجارية .. فلا تشبه الصبغ ولا جزء الأعيان النجسة. والمقصود من بيع الحيوان: صورته ومعناه، وهو المشار إليه بـ (أنا) الذي نتكلم فيه في أصول الدين، فذلك المعنى المشار إليه هو المبيع المعبر عنه بالنفس، ولا غرض للفقيه في تحقيق ذلك. قال: فلذلك أقطع بصحة بيع الجارية المشتملة على الوشم النجس؛ لأنه لم تنقص به عين ولا قيمة. قال: (الثاني: النفع)؛ لأن بذل المال في مقابلة ما لا منفعة فيه سفه، وأكل ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل وقد نهى الله تعالى عن ذلك. وفوات النفع قد يكون حسًا وقد يكون شرعًا كما سيأتي، ولا فرق في ذلك بين النفع الواقع والمتوقع، فيجوز بيع الجحش الصغير والعبد الزمن بالاتفاق، بخلاف الحمار الزمن في الأصح، وقيل: يصح؛ لغرض الجلد. ويصح أيضًا بيع الطاووس ونحوه؛ للاستمتاع بصورته، والعندليب ونحوه؛

فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستمتاع بصوته، كذا جزم به الشيخان، لكنهما حكيا في الاستئجار لهذا الغرض خلافًا لم يذكراه هنا. و (العندليب) جمعه عنادل، وهو: الهزار. ومثل الرافعي بالزرزور أيضًا، واعترض عليه بأنه مأكول. ويجوز بيع ما ينتفع بتعلمه كالقرد، أو بصيده كالصقر والهرة، وما رواه مسلم [1567] من حديث جابر رضي الله عنه: (من النهي عن ثمنها) فمحمول على الكراهة أو على الوحشية التي لا نفع فيها، وشذ ابن القاص فمنع بيعها لظاهر الحديث. فرع: بيع الدار التي لا ممر لها، إن كانت ملاصقة لدار المشتري أو الشارع .. يصح بيعها، وإلا .. فلا. قال: (فلا يصح بيع الحشرات) وهي: صغار دواب الأرض، واحدها حشرة -بفتح الحاء والشين، وحكى ابن الصلاح في (مشكله): إسكانها- وذلك كالعقارب والخنافس والنمل ونحوها، فلا يصح بيعها؛ لعدم النفع بها، ولا نظر إلى منافعها المذكورة في الخواص؛ لأن تلك المنافع لا تلحقها بالأموال. لكن يستثنى العلق فيجوز بيعه على الأصح؛ لمنفعة امتصاص الدم. وقيل: يجوز بيع النمل بعسكر مكرم وهي: مدينة بقرب شيراز؛ لأنه يعالج به السكر، وبنصيبين، لأنه تعالج به العقارب الجرارة. فرع: السموم التي يقتل كثيرها وقليلها ولا تستعمل في الأدوية لا يصح بيعها على الأصح، خلافًا للغزالي وشيخه وشيخ شيخه.

وَكُلِّ سَبُعٍ لَا يَنْفَعُ، وَلَا حَبَّتَيِ الْحِنْطَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الذي يقتل كثيره وينفع قليله في الأدوية كالسقمونيا والأفيون -وهو لبن الخشخاش- فصححه الشيخان جواز بيعه. وقال القاضي أبو الطيب: يجوز بيع قليله دون كثيره، ورده ابن الصباغ. والصواب: تحريم بيع الأفيون والتجارة فيه؛ لأنه مسكر مخذل مفسد للعقول والأبدان والأديان. قال: (وكل سبع لا ينفع) كالتي لا يصاد بها ولا يقاتل عليها؛ لأن بذل المال في مقابلتها سفه، ولا يعتبر باقتناء الملوك لها للهيبة. وقيل: يجوز بيع السباع؛ للانتفاع بجلودها بعد الدبغ. ولا يجوز بيع الطيور التي لا نفع فيها، ولا نظر إلى ما يتخذ من أجنحتها من الفائدة. ومنهم من لم يجر الوجه في الطيور؛ فإن الجلد يمكن تطهيره، بخلاف الأجنحة. أما التي تصلح للاصطياد كالفهد، أو للمقاتلة كالفيل .. فيجوز بيعها وفي الفيل وجه. ومثل الرافعي لما لا ينتفع به بالنمر، وهو قد جزم في (باب الصيد) بأنه يصلح له، ونقله عن الشافعي والأصحاب، وأنكر على الغزالي عده مما لا يصلح لذلك! قال (ولا حبتي الحنطة)؛ لسقوط منفعتها لقلتهما، ولا نظر لظهور النفع بهما إذا ضُمَّتا إلى أمثالهما، ولا إلى وضعهما في الفخ، ولا فرق بين زمان الرخص والغلاء اتفاقًا. وأغرب المتولي فحكى وجهًا بجواز بيعهما.

وَآلَةِ اللَّهْوِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الآلَةِ إِنْ عُدَّ رُضَاضُهَا مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى الوجهين: لا يجوز للغير أخذهما، فإن أخذهما .. لزمه ردهما، فإن تلفتا .. لم يضمنهما؛ إذ لا مالية لهما. قال: (وآلة اللهو) أي: المحرم؛ لسقوط النفع بها شرعًا، ويدل له ما تقدم من النهي عن بيع الأصنام، وسيأتي في (الشهادات) بيان الآلة المحرمة. ومراد المصنف: أن كل ما هيئ لغرض محرم لا يصلح لغيره كآلات الملاهي والمزامير والطنابير .. لا يجوز بيعها. قال: (وقيل: يصح في الآلة إن عد رُضاضها مالًا)؛ لأن فيها نفعًا متوقعًا، فأشبه الجحش الصغير. والخلاف جار في بيع الأصنام والصور إذا كان رضاضها ينتفع به بعد كسرها. وفي وجه ثالث –اختاره الإمام والغزالي-: إن كانت من جواهر نفيسة كالذهب والفضة والنحاس .. صح بيعها على هيئتها، وإن كانت من حجر أو خشب ونحوه .. لم يصح. و (الرضاض) –بضم الراء-: المكسَّر. فروع: يصح بيع إناء الذهب والفضة قطعًا وإن كان محرم الاستعمال؛ لأن المقصود منه عين النقدية. والأصح: أنه لا يصح بيع النرد مطلقًا. وقال المتولي: إن صلح لبيادق الشطرنج .. صح، وإلا .. فلا. ويكره بيع الشطرنج كاللعب به. والجارية المغنية إن اشتراها بقيمتها غير مغنية .. صح، وإن اشتراها بزيادة عليها

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ، وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أجل الغناء ... قال المحمودي: لا يصح؛ لأنه بذل مال في مقابلة معصية. وقال الأودني: يصح بكل حال، وهذا هو الأصح. وقال الرافعي في (الصداق): المسألة مفرعة على أنها لو غصبت فنسيت الألحان في يد الغاصب، هل يرد معها ما نقص من قيمتها أو لا؟ قال الشيخ: والذي يقتضيه الفقه والنظر الصحيح: أن الغناء المحرم لا يضمن بالأرش ولا يقابل بالثمن قطعًا، فإن شرطه في البيع .. لم يصح قطعًا، وإن لم يشرطه .. صح؛ لأن المبيع نفس الجارية. قال ابن الرفعة: ومحل الخلاف في الغناء المحرم، وهو ما كان بآلة محرمة، أما بغير آلة .. فيباح للسيد فلا منع منه، وإن كانت المشترية امرأة .. فأولى بالجواز. ويجرى الخلاف فيما إذا باعه ديكًا هراشًا أو كبشًا نطاحًا بزيادة على قيمتها مجردين عن الوصفين، وقد قال القاضي حسين: إذا أتلفهما .. لزمه قيمتهما بغير وصفيهما ولا اعتبار بزيادة القيمة بذلك. وأفتى ابن الصلاح في الجارية اشترتها مغنية وحملتها على الفساد: أنها تباع عليها، واستند فيه إلى ما نقله القاضي حسين: أن السيد إذا كلف عبده من العمل ما لا يطيق .. بيع عليه، والنقل غريب، والمسألة حسنة. ونازعه برهان الدين بن الفركاح في ذلك وقال: قد روى مسلم [1661/ 38]: (ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، إن كلفتموهم .. فأعينوهم) ولم يقل: فبيعوهم. قال: (ويصح بيع الماء على الشط، والتراب بالصحراء في الأصح)؛ لاجتماع شرائط المبيع فيه، وكثرة ذلك في ذلك المكان لا يخرجه عن كونه مالًا. والثاني: لا يصح؛ لأن بذل المال في مقابلته ضياع.

الثَّالِثُ: إِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجري الوجهان في كل ما يوجد مباحًا بلا مؤنة كبيع الصخرة في الشعاب الكثيرة الصخور. وينبغي تخصيص الخلاف بما إذا لم يكن في المبيع وصف مقصود زائد كالتبريد ونعومة التراب، إن كان .. صح البيع قطعًا والتفريع على صحة بيع الماء وأنه يملك، وهو الصحيح. وفيه وجه يأتي في (إحياء الموات) إن شاء الله تعالى: إنه لا يملك، فلا يجوز بيعه مطلقًا. و (الشط): جانب الوادي والنهر، ونبه في (الدقائق) على أن هذه اللفظة زادها على (المحرر). فرع: بيع لبن الآدميات مبني على الخلاف في طهارته. وفي وجه: يجوز بيع لبن الأمة دون الحرة ومنع الأنماطي بيعه مطلقًا. وأما لبن الرجل .. فلا يجوز بيعه؛ إذ لا يحل شربه بحال. وفي بيع لبن ما لا يؤكل لحمه وبيضه خلاف مبني على طهارته أيضًا. قال: (الثالث: إمكان تسليمه)؛ ليتوثق بالمقصود منه، وفي (صحيح مسلم) [1513]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر). قال الماوردي: الغرر ما تردد بين متضادين أغلبهما أخوفهما. وقيل: ما انطوت عنا عاقبته، وذلك موجود في جميع ما يذكره المصنف. واعترض في (المطلب) بأن التسليم فعل البائع، وسيأتي في (بيع المغصوب): أن قدرة البائع ليست بشرط، فالصواب: التعبير بالتسلُّم –بضم اللام- وكان ينبغي التعبير بالقدرة بدل الإمكان؛ فإنه لا يلزم من ثبوت إمكانه القدرة عليه.

فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ .. صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلا يصح بيع الضال والآبق) وكذلك منقطع الخبر والفرس العائر والبعير الناد؛ لما روى أحمد [3/ 42] وابن ماجه [2196]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص؛ وهي: أن يقول: أغوص لك في البحر غوصة بكذا فما أخرجته .. فهو لك) فنهى عنه؛ لأنه غرر، وسواء عرف موضع الآبق ونحوه أم لا. ولا يشترط اليأس بل يكفي ظهور التعذر. قال الرافعي: وقد أحسن بعضهم فقال: إذا عرف مكانهما وعلم أنه يصل إليهما إذا أراد .. صح البيع. قال في (شرح المهذب): والمذهب الأول. وقال الدارمي: لو قال: الآبق عندي فبعنيه .. صح بيعه منه جزمًا. فإن قيل: عتْق الضال والآبق جائز قطعًا وتقدم: أنه يجوز بيع العبد الزمن لمنفعة الإعتاق فينبغي أن يجوز بيعهما لذلك .. فالجواب: أن شرط المبيع موجود في العبد الزمن دونهما، وقد روى الأربعة بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبع ما ليس عندك)، وهما ليسا عنده. قال: (والمغصوب)؛ لعدم القدرة على تسليمه، أما بيعه للغاصب .. فصحيح قطعًا، وكذلك البيع الضمني كأعتق عبدك عني بكذا فيعتقه وهو مغصوب فيصح. ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة وإعتاقهما، ولا تصح كتابة المغصوب وإجارته ورهنه وهبته كبيعه. قال: (فإن باعه لقادر على انتزاعه .. صح على الصحيح)؛ لأن المقصود وصوله إليه وهو متيسر عليه.

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يصح؛ لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه. ويجريان في بيع الآبق لمن يسهل عليه رده. فلو ادعى المشتري العجز والبائع عدمه .. حلف المشتري وله الفسخ، قاله الماوردي، وهو تفريع على: أنه لا خيار له مع القدرة على الانتزاع، وهو أضعف الوجهين عند الإمام. وبيع النحل في الكوارة صحيح إن شاهد جميعه، وإلا .. فهو بيع غائب، فإن باعها وهي طائرة .. صح في الأصح. وصورة المسألة: أن يكون اليعسوب فيها. والفرق بينها وبين باقي الطير: أنها لا تقصد بالجوارح، وتأكل غالبًا مما ترعاه، فلو توقف صحة بيعها على حبسها .. لربما أضر بها أو تعذر بسببه بيعها بخلاف غيرها. وقال أبو حنيفة: لا يصح بيعها كسائر الحشرات. واحتج أصحابنا بأنها منتفع بها بخلاف الحشرات. ولو باع سفينة في اللجة لا يقدر حين البيع على تسليمها .. لا يجوز سواء كان فيها أم لا، فإن قدر .. جاز. وسيأتي في (الإجارة): أنه لا يجوز أن يستأجر البركة لأخذ السمك منها. قال: (ولا يصح بيع نصف معين من الإناء والسيف ونحوهما) أي: مما تنقص قيمته بكسره أو قطعه كثوب نفيس ونصل ونحو ذلك؛ لأن الشرع نهى عن إضاعة المال. وفي الثوب وجه: أنه يصح؛ لأن البائع رضي به، فأشبه ما إذا باع أحد الخفين، وصححه صاحب (التقريب) وهو القاسم بن القفال الشاشي، ووافقه القاضي أبو الطيب والماوردي واختاره الشيخ. والفرق على المذهب: أن النقص ليس في نفس الخف بل في التفريق.

وَيَصِحُّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: والقياس جريان الوجهين في الإناء والسيف ونحوهما، وقد يفرق بأن الثوب نسج ليقطع بخلاف الإناء والسيف. قال المصنف: وطريق من أراد شراء ذراع من ثوب –حيث قلنا: لا يصح-: أن يواطئ صاحبه على شرائه ثم يقطعه قبل الشراء ثم يشتريه بعد قطعه، فيصح بلا خلاف. قال الشيخ: وفي هذا: تسليم أن فعل ذلك حلال وليس من إضاعة المال التي لا لغرض حتى يحرم، وذلك يقتضي صحة البيع. واحترز بـ (المعين) عن المشاع؛ فإنه يصح، أما لو باع جذعًا من بناء .. فلا يصح؛ لأن الهدم يوجب النقص، وكذا لو باع فصًا من خاتم. قال: (ويصح في الثوب الذي لا ينقص بقطعه في الأصح) كالكرباس؛ لزوال المحذور. والثاني: لا يصح؛ لأن القطع لا يخلو من تغيير عين المبيع. فروع: أفتى ابن الصلاح بأنه لا يصح بيع ثلاثة أذرع من الأرض مثلًا ليحفرها ويأخذ ترابها؛ لأنه لا يمكن أخذ تراب الثلاث إلا بحفر أكثر منها. ولو باع جزءًا معينًا من حيوان .. لم يصح كقطعة معينة من سيف. قال البغوي: فإن باعه بعد الذبح .. صح. وبيع الصوف على ظهر الغنم في حياتها إن أطلق وشرط الجز من أصله .. باطل، وكذا إن أطلق شرط الجز في الأصح، وإن عين موضعه .. صح، وللغزالي فيه احتمال. وبعد موتها يصح قطعًا؛ إذ ليس في استيعابه إيلام. وقال القاضي حسين: لا؛ لأنه يتعيب به الجلد.

وَلَا الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إِذْنِ مُرْتَهِنِهِ، وَلَا الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الأَظْهَرِ وَلَا يَضُرُّ تَعَلُقُهُ بِذِمَّتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا المرهون بغير إذن مرتهنه) أي: بعد القبض وقبل فكاك الرهن سواء عاد إلى يد الراهن أم لا؛ لأنه عاجز عن تسليمه شرعًا، والمصنف أعاد المسألة في (كتاب الرهن)، لكن بيعه من المرتهن صحيح؛ لزوال المانع. وحكى الإمام عن شيخه ترددًا فيما إذا ابتدأ الراهن بشق الإيجاب. ويلتحق بالمرهون كل عين استحق مستحق حبسها إما للعمل فيها، كما لو استأجر صباغًا ليصبغ له الثوب، أو صائغًا ليصوغ له الذهب، أو قصارًا ليقصر له الثوب، أو خياطًا ليخيطه .. فلهم الحبس إلى استيفاء الأجرة، فلا يصح بيعه قبل العمل في الأول، ولا قبل استيفاء الأجرة في الثاني. ومن القسم الأول: بيع الأشجار المساقى عليها قبل انقضاء المدة. قال: (ولا الجاني المتعلق برقبته مال في الأظهر) كالمرهون وأولى؛ لأن الجناية تقدم على الرهن. والثاني: يصح ويصححه الغزالي؛ لأن السيد لم يحجر على نفسه، بخلاف الراهن. والثالث: أنه موقوف، إن فدى .. نفذ، وإلا .. فلا. كل هذا: إذا باعه موسرًا وكان البيع قبل اختيار الفداء، فإن كان معسرًا .. بطل -وقيل: على الخلاف- وإن كان بعد اختيار الفداء .. صح، كذا أطلقه في (التهذيب). ومقتضاه: أن السيد إذا اختار الفداء .. يلزمه، والأصح: المنع كما ذكره المصنف في بابه، ولا يخفى أن محل المنع إذا باعه لغير حق الجناية. قال: (ولا يضر تعلقه بذمته) كما إذا اشترى شيئًا بغير إذن سيده وأتلفه كما سيأتي في (باب معاملات العبيد)، وهذا لا خلاف فيه؛ لأن البيع إنما ورد على العين

وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ في الأَظْهَرِ. الرَّابعُ: الْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا حجر للسادة على ذمم عبيدهم، وكذا لا يضر التعلق بكسبه أيضًا كما إذا زوجه. قال: (وكذا تعلق القصاص في الأظهر)؛ لأنه مرجو السلامة بالعفو. والثاني: لا يصح؛ لأن المستحق يجوز له العفو على مال وقد تقدم أن تعلق المال مانع. وقيل: موقوف، إن فداه .. صح، وإلا .. فلا. وموضع الخلاف: إذا تعلق بجملته، فإن تعلق ببعض أعضائه .. صح قطعًا. وحذف المصنف لفظ (الرقبة)؛ لدلالة ما قبله عليه. ومما يندرج في هذا الشرط: بيع الثوب الذي يحتاج إلى التستر به وقد دخل وقت الصلاة، والماء الذي يحتاج إلى الوضوء به ولم يجد غيره. قال: (الرابع: الملك لمن له العقد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك، ولا بيع إلا فيما يملك) قال الترمذي [1181]: حسن. وإنما عبر بقوله: (لمن له العقد)؛ ليدخل المالك، والوكيل، وولي المحجور عليه، والقاضي في بيع مال الممتنع من وفاء دينه، والملتقط للحيوان ونحوه بشرطه. وينبغي أن يزاد في هذا الشرط قيد التمام –ليخرج بيع المبيع قبل قبضه، فإنه لا يصح كما سيأتي- مع وجود الملك وشملته عبارته. لكن يرد عليها الفضولي؛ فإن العقد عند من يصححه يقع للمالك موقوفًا على إجازته، والمقصود إخراجه، فلو قال: (أن يكون للعاقد عليه ولاية) كما في (الحاوي الصغير) .. لكان جامعًا مانعًا.

فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ، وَفِي الْقَدِيمِ: مَوْقُوفٌ؛ إِنْ أَجَازَ مَالِكُهُ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَلَوْ بَاعَ مَالَ مْوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيْتًا .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فبيع الفضولي باطل)؛ لعموم ما تقدم. قال: (وفي القديم) ونص عليه في الجديد (موقوف؛ إن أجاز مالكه .. نفذ، وإلا .. فلا)؛ لحديث عروة البارقي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا يشتري به شاة، فاشترى به شاتين، فباع إحداهما بدينار ثم أتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب .. لَربح فيه) رواه أبو داوود [3384] وابن ماجه [2402] بإسناد صحيح، ورواه البخاري [3642] مرسلًا في (باب علامات النبوة) لكن بإسناد منقطع، وإنما أخرجه؛ لأجل قطعة منه مسندة. والحق: إنه مرسل؛ لجهالة الحي؛ فلذلك لم يحتج به الشافعي رضي الله عنه هنا، واحتج به في: أن من وكل في شراء شاة بدينار .. له أن يشترى شاتين بدينار، على قاعدته في الاحتجاج بالمرسل إذا وافق القياس دون ما إذا خالفه. وبيع الفضولي مخالف للقياس، والقولان جاريان في كل عقد يقبل النيابة كالإجارة والهبة والعتق والنكاح والطلاق وغيرها، فلو عبر بالعقد بدل البيع .. لشمله. ثم المعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز .. لم ينفذ. قال: (ولو باع مال مورثه ظانًا حياته وكان ميتًا .. صح في الأظهر)؛ لأنه مالك صدر منه العقد. والثاني: يبطل؛ لأنه متلاعب، لاعتقاده أن المبيع لغيره. هذا إذا لم يكن معه وارث آخر، فإن كان .. خرج بيع نصيبه على قولي تفريق الصفقة وبطل في نصيب غيره.

الْخَامِسُ: الْعِلْمُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجري القولان فيما إذا باع العبد ظانًا أنه آبق أو مكاتب فإذا هو قد رجع أو فسخ الكتابة، وفيما إذا زوج أمة أبيه أو أعتق عبده ظانًا حياته فإذا هو ميت. قال الشيخ: كذا جزموا به، وفيه إشكال؛ لأنهم احتاطوا في النكاح وقالوا: لو تزوج خنثى ثم بان رجلًا .. لم يصح قطعًا، وكذا: لو تزوج من يشك في كونها محرمة عليه، فكيف يصح هنا مع الشك؟! ولو قال: إن كان أبي قد مات فقد بعتك ما له .. ففيه القولان، وأولى بالبطلان. قال الشيخ: ويعبر بقولَي وقف العقود عن ثلاث مسائل: إحداها: بيع الفضولي، وهو وقفُ صحته، ومعناه: أن الصحة ناجزة ولا يحصل الملك إلا عند الإجازة كما تقدم. والثانية: بيع مال أبيه على ظن حياته، وهو وقفُ تبيُّنٍ، والملك فيه من حين العقد. والثالثة: تصرفات الغاصب، مقتضى كلام الغزالي والرافعي: أنها كالأولى، ومال ابن الرفعة إلى أنها كالثانية. قال: (الخامس: العلم به)؛ لما روى مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر)، ولا يشترط العلم من كل وجه بل بالعين والقدر والصفة، ويستثنى من ذلك صور: منها: إذا اختلط حمام برج بآخر .. فلأحدهما البيع من الآخر في الأصح كما سيأتي في (الصيد والذبائح). ومنها: ماء الحمام إذا جعلنا المدفوع ثمنه، ومثله الشرب من السقاء، وشرب البهيمة من الحوض مع الجهالة. قال ابن عبد السلام: ومنها: شراء الفقاع، وما المقصود به لبه كالخشكنان.

فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بَاطِلٌ. وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا، وَكَذَا إِنْ جُهِلَتْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: إذا باع صاعًا من صبرة مجهولة الصيعان .. فإن المبيع واحد منها. ومنها: إذا باع المال الزكوي بعد الحول .. فإن الأصح: البطلان في قدر الزكاة، والصحة في غيره وهو مجهول العين. قال: (فبيع أحد الثوبين باطل)، وكذلك أحد العبدين؛ لما فيه من الغرر، وأجازه أبو حنيفة في العبدين أو الثلاثة دون الثوبين أو الثياب. و (المحرر) ذكر المسألتين، فلو ذكرهما المصنف أو اقتصر على مسألة العبدين .. كان أولى، وقد يجاب بأن البطلان في العبدين أولى، لتفاوت الغرض فيهما، فإذا بطل في الثوبين .. ففي العبدين أولى. وكذلك الحكم لو قال: بعتك هؤلاء إلا واحدًا ولم يعينه سواء تساوت القيمة أو تفاوتت، ولا فرق بين عدد وعدد ولا بين أن يقول: على أن تختار أيها شئت أو لا. قال: (ويصح بيع صاع من صبرة تعلم صيعانها)؛ لعدم الغرر، وينزل على الإشاعة على المذهب؛ حذرًا من إفساد العقد، فلو تلف بعضها .. تلف بقدره من مقابله، وقيل: على الإبهام، فيبقى المبيع ما بقي صاع. و (الصبرة): الكوم المجموع من الطعام، سميت بذلك؛ لإفراغ بعضها على بعض. والمراد بالعلم المصحح في هذه المسألة: علم المتعاقدين معًا، فلو علم أحدهما فقط .. كان على الخلاف فيما إذا جهلاه، فكان الصواب التعبير بقوله: علما. قال: (وكذا إن جهلت في الأصح)؛ لتساوي أجزائها. والثاني: لا يصح، وهو اختيار القفال، كذراع من أرض مجهولة الذرعان. وأجيب عن الأول بأن الأرض تتفاوت، وعن الثاني بأن المبيع في مسألة صاع من صبرة معلومٌ، وفي الصبرة إلا صاع مجهول.

وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ، أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ .. لَمْ يَصِحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ولو قال: بعتك صاعًا من باطن هذه الصبرة .. فهو كبيع الغائب. قال: (ولو باع بملء ذا البيت حنطة، أو بزنة هذه الحصاة ذهبًا، أو بما باع به فلان فرسه، أو بألف دراهم ودنانير .. لم يصح)؛ للجهالة والغرر، ويشترط في الثالثة: أن يقول: (بمثل ما باع) أو يقصد المثلية، وإلا .. ففيه الخلاف فيما إذا قال: أوصيت له بنصيب ابني. والأصح فيه: الصحة كما ذكره الرافعي في الكلام على بيع المرابحة. وأشار بقوله: (حنطة) و (ذهبًا) –مُنكِّرًا- إلى أن شرط الامتناع أن يكون الثمن في الذمة، فإن كان معينًا .. صح البيع. و (ملء البيت) مضبوط في (الشرح) و (الروضة) بالنصب بغير حرف جر على أنه مبيع وما بعده ثمن. وفي (المحرر) و (المنهاج) بحرف الجر على أن المسائل الأربعة التي ذكراها في الثمن، والحكم صحيح، لكن الأول أحسن؛ لأن الكلام في أقسام المبيع لم يفرع وإنما يذكر الثمن معه تبعًا. وصورة المسألتين: أن يكون ملء البيت وزنة الحصاة مجهولين، فإن كانا معلومين .. صح، فلو قال: بعتك بملء ذا البيت من هذه الحنطة .. فلا يظهر إلا الصحة؛ لإمكان الاستيفاء قبل التلف، قاله ابن الرفعة. وأورد على الصورة الرابعة: أنه لم لا يصح ويحمل على التشطير إذا صححنا البيع بالكناية كما إذا قال: قارضتك على أن الربح بيننا أو أشركتك معي، وكذا لو استأجر أرضًا ليزرع ويغرس .. صح في وجه، وحمل على التشطير في الجميع. ولو قال: هذا لزيد وعمرو، أو وقفت على زيد وعمرو، أو أوصيت به لزيد وعمرو .. نزل على الشطر.

وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ .. تَعَيَّنَ، أَوْ نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا .. اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الرافعي فيما إذا باع بألف صحاح ومكسرة وجهين، أظهرهما: البطلان، ثم قال: ويشبه أن يجري هذا الوجه فيما ذكرناه. وقال المصنف: لا جريان له؛ لكثرة التفاوت بين الذهب والفضة. قال: (ولو باع بنقد وفي البلد نقد غالب .. تعين)؛ لأن الظاهر إرادتهما له، ويندرج في عبارته: ما لو كان في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن كمكة، والأصح: تنزيل العقد عليها. ولو قال: بوزن عشرة دراهم من فضة، ولم يبيِّن أنها مضروبة أو تبر .. لم يحمل على النقد الغالب بل يبطل لتردده، قال البغوي في (فتاويه)، ولهذا عبر المصنف بقوله: (ولو باع بنقد) ولم يقل: بذهب أو فضة، وهو من محاسن كلامه، فإن كان نقد البلد مغشوشًا .. ففي جواز المعاملة به أوجه تقدمت في (الزكاة)، أصحها: الجواز. فعلى هذا: إذا غلب .. انصرف العقد إليه عند الإطلاق، ولو غلب من جنس العروض نوع .. انصرف عند الإطلاق إليه في الأصح كالنقد. ولو كان الغالب في البلد فلوسًا .. تعينت ولم يحكوا فيها الخلاف الذي في العروض وإن كانت هي عروضًا في الأصح، وحينئذ فلا يحتاج فيها إلى الوزن بل يجوز بالعدد، وإن كانت في الذمة وتقويم المتلفات أيضًا .. يكون بغالب نقد البلد، فإن لم يكن فيها غالب .. عين القاضي واحدًا منها. قال: (أو نقدان ولم يغلب أحدهما .. اشترط التعيين)؛ لأنه ليس بعضها أولى من بعض. وصورة المسألة: إذا اختلفت قيمتها، وإلا .. فلا يجب التعيين كما قاله صاحب (البيان)، والمراد: التعيين لفظًا، فلو عينا بالنية .. لم يكف، ويكفي ذلك في نظيره من الخلع.

وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: لو باع بنقد معين أو أطلق وحمل على نقد البلد فأبطله السلطان .. فله ما عقد به، وقيل: له الخيار، وقيل: ينفسخ البيع. ولو باع بنقد في بلد ثم لقيه في بلد آخر لا يتعاملون به فيه فدفعه إليه .. لزمه قبوله في الأصح. وإذا عين نقدًا لا يوجد أو يوجد في موضع لا يمكن إحضاره وقت وجوب التسليم، فإن جوزنا الاستبدال .. جاز، وإلا .. فلا. وإذا باع بدينار صحيح فأعطى صحيحين وزنهما مثقال .. لزمه القبول. وإن أحضر صحيحًا وزنه مثقال ونصف .. فال المتولي: يلزمه قبوله والزيادة أمانة. والصواب الذي عليه المحققون: لا يلزمه، فإن تراضيا .. جاز، وحينئذ لو أراد أحدهما كسره .. لم يجبر الممتنع، ولو أعطاه نصفين وزنهما دينار .. لم يجب القبول. قال: (ويصح بيع الصبرة المجهولة الصيعان كل صاع بدرهم)؛ لأن الصبرة مشاهدة، ولا يضر الجهل بمبلغ الثمن؛ لأن الجهل ينتفي بالعلم بالتفصيل كما ينتفي بالعلم بالجملة فيما إذا باع بثمن معين جزافًا. وقيل: لا يصح البيع؛ لأنه لم يعلم مبلغ الثمن في حال العقد، فإن كانت الصبرة معلومة .. فلا إشكال في الصحة، ومثله: لو باعه قطيعًا كل شاة بدرهم .. فإنه يصح. أما لو قال: بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم .. فإنه لا يصح في شيء منها؛ لأنه لم يبع جميع الصبرة ولا عين المبيع منها. وقال ابن سريج: يصح في صاع واحد كما قال فيما إذا أجر كل شهر بدرهم قال: والأظهر: كراهة بيع الصبرة المجهولة جزافًا، لأنه يوقع في الندم.

وَلَوْ بَاعَهَا بِمِئَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ .. صَحَّ إِنْ خَرَجَتْ مِئَةً، وَإِلَّا .. فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا .. كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو باعها بمئة درهم كل صاع بدرهم .. صح إن خرجت مئة)؛ لحصول الغرضين، وهما: بيع الجملة بالجملة، ومقابلة كل واحد بواحد. قال: (وإلا .. فلا على الصحيح)؛ لتعذر الجمع بين الأمرين المذكورين. والثاني: يصح؛ لإشارته إلى الصبرة ويلغو الوصف. فعلى هذا: إن خرجت ناقصة .. فللمشتري الخيار، وإن خرجت زائدة .. فالأصح: أن الزيادة للمشتري فلا خيار له قطعًا ولا للبائع في الأصح. وعبارته تقتضي: ضعف الخلاف وأنه وجهين، وعبر في (الروضة) بالأظهر، وهو الصواب فهو مخالف لما في الكتاب من وجهين. ولو قال: بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم .. لم يصح على الصحيح، واختار الإمام وشيخه الصحة. ولو قال: بعتك صاعًا منها بدرهم ومهما زاد بحسابه .. صح، قاله الرافعي في (كتاب الإجارة)، فإن عبر بقوله: على أن ما زاد فبحسابه .. لم يصح؛ لأنه شرط عقد في عقد. ولو قال: بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا .. لم يصح وإن علم عدد الجميع، بخلاف مثلها في الثوب والصبرة والأرض؛ لأن قيمة الشاة تختلف. قال: (ومتى كان العوض معينًا .. كفت معاينته) ثمنًا كان أو مثمنًا اعتمادًا على التخمين، ولا تشترط معرفة قدره بالكيل والوزن. وفي (الذخائر) وجه: أنه لا تكفي المعاينة.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا باع صبرة في موضع فيه انخفاض وارتفاع، أو سمنًا ونحوه في ظرف مختلف الأجزاء رقة وغلظًا .. فكبيع الغائب على الأصح. والثاني: القطع بالصحة. والثالث: بالبطلان. ولو باع الصبرة إلا صاعًا، فإن كانت معلومة الصيعان .. صح، وإلا .. فلا. قال: (والأظهر: أنه لا يصح بيع الغائب)؛ لأنه غرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه. قال الماوردي: ونص عليه الشافعي رضي الله عنه في ستة كتب، وسواء كان ذلك في الثمن أو المثمن، لكن يجوز للعبد أن يشتري نفسه وللحر أن يؤجر نفسه؛ لأن أحدًا لا يجهل نفسه. قال: (والثاني: يصح، ويثبت الخيار)؛ لحديث: (من اشترى ما لم يره .. فهو بالخيار إذا رآه) لكنه ضعيف، وقال الدارقطني: باطل، وإلى هذا القول ذهب جمهور الأصحاب، ونص عليه في ستة كتب أيضًا. ولا يثبت الخيار بزيادة ولا بما لا يكترث به من النقص. وإذا صححنا بيع الغائب .. فلا بد من ذكر جنس المبيع على الصحيح بأن يقول: بعتك عبدي أو داري أو فرسي، ولا يجوز أن يقول: بعتك ما في كمي أو داري أو ما ورثته عن أبي إذا لم يعرفه المشتري. وأما النوع .. فالأصح أيضًا: أنه لا بد من ذكره بأن يقول: عبدي التركي أو الحبشي وفرسي العربي أو الرومي، فإن كان أكثر من واحد من ذلك النوع .. فيذكر ما يحصل به تمييز المبيع من غيره من ذكر اسمه أو نسبة أو غيرهما، وهل يفتقر معهما إلى الصفات؟ الأصح المنصوص: لا.

عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (عند الرؤية)؛ لظاهر الخبر سواء اشترطه أم لم يشترطه على الصحيح، ولا فرق بين أن يشترط ذكر الوصف فيجده كما وصفه أو لا يشترطه على الأصح. أما قبلها .. فالأصح: نفوذ الفسخ دون الإجارة، وقيل: ينفذان، وقيل: لا ينفذان. وظهور زيادة على الصفة المذكورة في حق البائع إذا باع ما لم يره كظهور النقصان في جانب المشتري إذا اشترى ما لم يره. ولو حضر البائع فرأي بعضه دون بعض .. لم يبطل خياره حتى يرى جميعه. واستفيد من لزوم ثبوت الخيار عند الرؤية: أن شراء الأعمى لا يصح وإن جوزنا بيع الغائب؛ لأنه لا يمكن إثبات الخيار له، لعدم إمكان رؤيته، وهذا هو الأصح. وقيل: يصح ويقوم وصف غيره له مقام رؤيته. والقولان في بيع الغائب جاريان في شرائه، وإجارته، والصلح عليه، وجعله رأس مال سَلَم إذا أُسلم في المجلس، وصحة تسميته في الصداق، والخلع، والعفو عن الدم، وفي الرهن، والهبة، وأولى بالصحة. وقيل: يصح اتهاب الغائب ولا تصح هبته، والخلاف أيضًا جار في الوقف، لكن صحح ابن الصلاح والمصنف: الصحة، وجزم القفال في (الفتاوى) بالمنع. فرع: لا يشترط في صحة البيع أن يكون المشتري من أهل المعرفة بالمبيع، فلو رأى جوهرة فاشتراها وهو لا يعرف الجوهر من الزجاج .. صح. وعن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: أنه يشترط؛ لأن مقصود الرؤية معرفة الأوصاف.

وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إِلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يتغير غالبًا إلى وقت العقد) كالأرض والحديد والأواني ونحوها؛ لأن الغالب بقاؤها على ما كانت عليه. وشرط الصحة: أن يكون عند العقد ذاكرًا للأوصاف التي رآها، وإلا .. فهي بيع غائب، قاله ابن الرفعة تبعًا للماوردي، واستغربه في (شرح المهذب) وقال: لم يتعرض له الجمهور. والصواب: اعتباره؛ لأن تغير الأزمان منكر للمعارف. وشرط الأنماطي الرؤية عند العقد وهو منقول عن النص. وقيل: إن الإصطخري ألزمه فيما إذا كان في يده خاتم فأراه غيره فنظره جميعه ثم غطاه بكفه ثم باعه منه، وفيما لو دخل دارًا ونظر إلى جميعها ثم وقف في ناحية منها واشتراها .. أنه لا يصح، فقال: لا يصح فيهما. وهذا لا يصح؛ لأن الإصطخري لم يذكره، وإنما هذه المناظرة وقعت مع من احتج بقول الأنماطي. قال: (دون ما يتغير غالبًا) كالفواكه والأطعمة؛ لأن الرؤية السابقة لم تفد معرفته حال العقد. وقيل: يصح، وصححه الشيخ أبو علي في (شرح التلخيص)، وسكت المصنف عما إذا احتمل التغير وعدمه كالحيوان، وفيه وجهان: أصحهما: الصحة؛ لأن الظاهر بقاؤه بحاله. فرع: اختلفا: فقال المشتري: تغير عما رأيته عليه فلي الخيار، وأنكر البائع .. ففيه رأيان:

وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إِنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما –عن صاحب (التقريب) وصححه الغزالي-: أن القول قول البائع. وأظهرهما –وهو المنصوص وقطع به صاحب (التنبيه) وغيره-: أن القول قول المشتري مع يمينه. فرع: رأى ثوبين فسرق أحدهما فاشترى الثاني ولا يعلم أيهما المسروق .. قال الغزالي: إن تساوت قيمتهما وصفتهما وقدرهما كنصفي كرباس واحد .. صح البيع بلا خلاف، وإن اختلفا في شيء من ذلك .. ففيه القولان في بيع الغائب. واعترض عليه ابن الصلاح في ذلك وقال: الصواب إجراء الخلاف في صورة التساوي أيضًا، وصوب المصنف في (شرح المهذب) كلام الغزالي وأفسد قول ابن الصلاح. قال: (وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه كظاهر الصبرة)؛ لأن الغالب فيها عدم الاختلاف، وكذلك الجوز واللوز. وتكفي رؤية المائعات في ظروفها كالعسل والخل واللبن والدبس والزيت والسمن. أما ما لا يدل على باقيه كصبرة البطيخ والرمان والباذنجان .. فلا بد من رؤية كل واحد منها، بل قال البغوي: إذا رأى أحد جانبي البطيخة .. كان كبيع الغائب. ولا تكفي في سلة العنب والتين والخوخ رؤية أعلاها؛ لكثرة الاختلاف فيها، قاله المتولي والرافعي، وفي كلام الإمام ما يخالفه، فإن قال: لو اشترى قِرْطَلَّة فاكهة فظهر فيها حشوٌ جهله .. يخيَّر. والتمر إن لم تلتصق حباته .. فصبرته كصبرة الجوز واللوز، وإن التصقت حباته كالقوصرة .. كفى رؤية أعلاها على الصحيح، والقطن في العدل كقوصرة التمر. وإن كانت الحنطة في بيت مملوء فرأى بعضها من الكوة أو الباب .. كفى. لكن إن باعها جزافًا .. اشترطت معرفة سعة البيت وعمقه، وإلا .. فلا، وكذا الجمد في المجمدة.

وَأُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ، أَوْ كَانَ صِوَانًا لِلْبَاقِي خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنموذج المتماثل) هو: بفتح الذال المعجمة، والمراد: أنه إذا كان عنده قمح مثلًا فأخذ شيئًا منه وأراه لغيره، كما يفعله السمسمار، ويسمونه: العين، فذلك المقدار هو الأنموذج. فإذا اعتمد في الشراء على رؤيته، فإن قال: بعتك من هذا النوع كذا .. فهو باطل، وإن قال: بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الأنموذج منها، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع .. لم يصح على الأصح؛ لأنه لم ير المبيع ولا شيئًا منه، وإن أدخله فيه .. صح، وهذه الصورة التي أرادها المصنف. ومراده بـ (المتماثل): المتساوي الأجزاء كالحبوب ونحوها، لا المثلي كما توهمه ابن الرفعة، وإلا .. فيرد عليه السفرجل والبطيخ ونحوهما؛ فإن رؤية الأنموذج فيها لا تكفي كما تقدم. قال: (أو كان صوانًا للباقي خلقه كقشر الرمان والبيض)؛ لأن صلاحه في إبقائه فيه، ومن ذلك قصب السكر كما سيأتي في (باب بيع الأصول والثمار) إن شاء الله تعالى. وكان ينبغي أن يزاد: (وما في معناه)؛ فإن الروياني والمصنف وغيرهما جوزوا بيع الكعك المحشو والخشكنان ونحوهما؛ لأنه من مصلحته كقشر الرمان، وفي معنى ذلك: الفقاع؛ فإن الكوز صوان مَصْلحي لا خلقي. وقال العبادي: يفتحه وينظر فيه بحسب الإمكان. أما الدر في الصدف .. فلا يصح بيعه جزمًا. وقد أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة بالقطن ونحوها، ولعل اللحف والفرش في معنى ذلك. ولا تكفي رؤية المبيع من وراء قارورة شفافة، بخلاف السمك والأرض في الماء

وَالْقِشْرَةِ السُفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ. وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصافي؛ لأن استتارهما به من صلاحهما، كذا قيد الرافعي صحة البيع هنا بصفاء الماء مع تصحيحه إجارة الأرض مستورة بماء كدر. فائدة: (الرُّمّان) فُعّال، كالحُمّاض والعُنّاب، وليس بفعلان، كقولهم: أرض مرمنة. روى البيهقي في (الشعب) [5958] عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كلوا الرمان بشحمه؛ فإنه دباغ المعدة). وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان إذا سقطت منه حبة رمان أكلها، فسئل عن ذلك؟ فقال: (بلغني أنه ليس في الأرض رمانة تلقح إلى بحبة من حب الجنة، فلعلها هذه). قال صاحب (الفلاحة): تؤخذ رمانة من شجرة وتعد حباتها فتكون حبات رمان تلك الشجرة كذلك العدد، وكذلك تعد شرفات قمع الرمانة، فإن كانت زوجًا .. فعدد حباتها زوج، وإن كانت فردًا .. فعدد حباتها فرد. و (الصوان) بضم الصاد وكسرها، والصيان بالياء: الوعاء الذي يصان فيه الشيء، تقول: صنت الشيء صونًا. وصيانًا وصيانة فهو مصون، ولا تقل: مصان، وثوب مصون على النقص، ومصوون على التمام. قال: (والقشرة السفلى للجوز واللوز)؛ لأنه بدونها يفسد، أما القشرة العليا .. فلا يصح بيعه فيها كما سيأتي في (بيع الثمار)، ولا يصح بيع اللب وحده على القولين جميعًا. قال: (وتعتبر رؤية كل شيء على ما يليق به)؛ لاختلاف الغرض بذلك، ففي الكتاب بنظره ورقة ورقة، وفي الورق: جميع طاقاته، وفي العبد: الوجه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأطراف، وكذا باقي البدن على الأصح ما خلا العورة، وأصح الأوجه في زوائد (الروضة): أن الأمة كالعبد. وثانيها: تشترط رؤية ما يبدو عند المهنة والحاجة. والثالث: الوجه والكفين، وتشترط رؤية الشعر في الأصح، لا رؤية اللسان والأسنان على الأصح. وفي الدواب: مقدمها ومؤخرها وقوائمها ورفع السرج والإكاف والجل، وهل يشترط أن يجريها بين يديه؟ وجهان: أصحهما: لا. وفي شراء الدار: السقوف والجدران داخلًا وخارجًا والمستحم والبالوعة، وكذا السطوح في الأصح. وفي البستان: الأشجار والجدران ومسايل الماء، ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الأشجار ونحوها. والأصح: اشتراط رؤية طريق الدار، ومجرى الماء الذي تدور به الرحى. وفي الثوب المطوي: نشره، وللإمام احتمال فيما لا ينشر إلا عند القطع، وإذا نشر فما كان صفيقًا كالديباج المنقوش .. اشترط رؤية وجهيه، وكذلك البسط والزلالي والرقيق. والكرباس: تكفي رؤية أحد وجهيه في الأصح. وقيل: يشترط اللمس في الثياب، والشم في المسك ونحوه، والذوق في الخل، والصحيح: خلافه. فرع: عن القفال: إذا اشترى ثوبًا مطويًا وصححنا الشراء فنشره واختار الفسخ وكان لطيِّه مؤنة ولم يحسن طيه .. كانت مؤنة الطي على المشتري، كما لو اشترى شيئًا ونقله إلى بيته فوجد به عيبًا .. كانت مؤنة رده عليه.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ وَصْفَهُ بِصِفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي. وَيَصِحُّ سَلَمُ الأَعْمَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: لو كان الثوب على منسج قد نسج بعضه فباعه على أن ينسج البائع باقيه .. لم يصح البيع قطعًا نص عليه. قال: (والأصح: أن وصفه بصفة السلم لا يكفي) وكذلك سماع وصفه بطريق التواتر؛ لأن الرؤية تفيد أمورًا تقصر عنها العبارة، وفي الحديث: (ليس الخبر كالمعاينة). والثاني: يكفي؛ لأنها تقوم مقام الرؤية. وصورة المسألة: أن يبيعه شيئًا حاضرًا تمكن رؤيته ويجعل الوصف قائمًا مقام الرؤية، كقوله: بعتك الفرس التي في داري، أو الثوب التي في حانوتي وصفتها كذا وكذا .. فلا يقوم الوصف مقام الرؤية. أما التي في (باب السلم) في قول المصنف: (ولو قال: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك .. انعقد بيعًا، وقيل: سلمًا) .. فتلك في شراء موصوف في الذمة، وكلامه هنا في بيع حاضر جعلا فيه الصفة قائمة مقام الرؤية، فافترقا. وإذا اختلفا في رؤية المبيع: فأنكرها المشتري، وادعاها البائع .. فأفتى الغزالي بأن القول قول البائع، وسيأتي في آخر (اختلاف المتبايعين). قال: (ويصح سلم الأعمى) مسلمًا كان أو مسلمًا إليه؛ لأن المعتمد عليه في السلم الوصف، واستدل له العراقيون بصحة سلم البصير فيما لم يشاهده؛ لأن أحدًا لم يقل: أنه لا يجوز لأهل بغداد أن يسلموا في الموز، ولا لأهل خراسان أن يسلموا في الرطب؛ لأنهم لم يشاهدوه. وثبوت المسمى في نكاح الأعمى الذي لم يتقدم له الإبصار، فإن كان الأعمى قد رأى شيئًا مما لا يتغير وهو ذاكر لصفاته .. فإنه يصح بيعه وشراؤه كالبصير.

وَقِيلَ: إِنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: إن عمي قبل تمييزه .. فلا)؛ لعدم معرفته الصفات، وسيأتي في (باب السلم): أنه تشترط معرفة المتعاقدين الصفات، وهذا يقوي هذا الوجه. تتمة: إذا ملك الأعمى شيئًا بالسلم أو الشراء وصححناه .. لم يصح قبضه ذلك بنفسه، بل يوكِّل بصيرًا يقبضه له بتلك الأوصاف، فلو قبضه الأعمى .. لم يعتد به. قال المتولي: ولو اشترى البصير شيئًا ثم عمي قبل قبضه وقلنا: لا يصح شراؤه .. فهل ينفسخ البيع؟ فيه وجهان: صحح المصنف منهما: عدم البطلان. * * * خاتمة قال: بعتك هذا العبد الكبير وكان صغيرًا .. صح تغليبًا للإشارة، قاله الروياني. وبيع الجزر واللفت والبصل ونحوها في الأرض لا يصح قولًا واحدًا، لأنه غرر، وبه قال ابن المنذر وأحمد، وأجازه مالك والأوزاعي وإسحاق. قال المصنف: ومما تعم به البلوى: ما اعتاده الناس من بيع النصيب من الماء الجاري من النهر، قال المحاملي: هو باطل؛ لجهالة قدره، ولأن الماء الجاري غير مملوك. ولو اشترى سمنًا، أو غيره من المائعات، أو غيرها في ظرفه كل رطل بدرهم مثلًا على أن يوزن بظرفه ويسقط أرطالًا معينة بسبب الظرف ولا يوزن الظرف .. فالبيع باطل بلا خلاف، لأنه غرر ظاهر. قال في (شرح المهذب): وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق. * * *

باب الربا

بَابُ الرِّبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الربا لفظه مقصور، ويكتب بالألف والواو والياء، وقد يقال فيه أيضًا: الرماء –بالميم والمد- وأصله: الزيادة إما في أصل الشيء، كقوله تعالى: {اهتزت وربت} أي: نمت وزادت، وإما في مقابله، كدرهم بدرهمين. قال القاضي أبو حامد وداوود الظاهري: إنه حقيقة في الأول مجاز في الثاني. وقيل: حقيقة فيهما. وقال ابن سريج: هو في الثاني حقيقة شرعية. وقيل: الربا كل بيع محرم، ونقل عن عمر وعائشة رضي الله عنهما. وهو في الشرع: الزيادة في بيع النقد والمطعوم بمثلهما، وهو من الكبائر. روى ابن بكير عن مالك بن أنس: أن رجلًا أتى إليه فقال: يا أبا عبد الله، رأيت رجلًا سكرانًا يتقافز يريد أن يأخذ القمر بيده، فقلت: امرأتي طالق إن كان يدخل في جوف ابن آدم شر من الخمر، فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد فقال: امرأتك طالق؛ إني تصفحت الكتاب والسنة فلم أر شيئًا أشد من الربا؛ لأن الله تعالى آذن فيه بالحرب. وهو أنواع: (ربا الفضل) وهو: زيادة أحد العوضين على الآخر في المقدار. و (ربا النساء) وهو: بيع مال بمال نسيئة. و (ربا اليد) وهو: بيع مال بمال يقبض فيه أحد العوضين في المجلس دون الآخر. وذكر المتولي نوعًا رابعًا وهو (ربا القرض) وهو: أن يقرضه مالًا بمثله بشرط جر منفعة، لقول فضالة بن عبيد: كل قرض جر منفعة فهو ربا، ورواه الحارث بن أبي

إِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأصل في تحريمه قبل الإجماع: قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربوا}، وقوله عز وجل: {وذروا ما بقى من الربوا}. و (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده) رواه مسلم [1598] من حديث جابر رضي الله عنه. وروى أحمد [5/ 225] عن أبي هريرة رضي الله عنه، والدارقطني [3/ 16] والبيهقي [هب 5517] عن عبد الله بن حنظلة الغسيل رضي لله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (درهم ربا يأكله ابن آدم أشد عند الله تعالى إثمًا من ست وثلاثين زنية). وفي (المستدرك) [2/ 37] من حديث مسروق عن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا سبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإنَّ أربى الربا عِرض الرجل المسلم) ثم قال: صحيح على شرط الشيخين. وقال عمر رضي الله عنه: (لا يتَّجرْ في سوقنا إلا من فَقُهَ، وإلا .. أَكَلَ الربا). وقال علي رضي الله عنه: (من أتَّجر قبل أن يتفقه .. ارتطم في الربا، ثم ارتطم، ثم ارتطم) أي: وقع فيه وارتبك ونشب. وقيل: إن الربا لم يحل في شريعة قط، قال تعالى: {وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه}. قال: (إذا بيع الطعام بالطعام) إنما قدمه على النقد؛ لأن أحكامه أكثر، وعبر في (المحرر) بالمطعوم، وعبارة المصنف موافقة لرواية مسلم [1592] عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا

إِنْ كَانَ جِنْسًا .. اشْتُرِطَ الْحُلُولُ، وَالْمُمَاثَلَةُ، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مثلًا بمثل) فعلق المنع على الطعام، وهو اسم مشتق، وتعليق الحكم على الاسم المشتق يدل على التعليل بما فيه من الاشتقاق، كقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا} {والسارق والسارقة فاقطعوا}. ولأنه صلى الله عليه وسلم نص على أصناف مختلفة المقاصد مع الاشتراك في أنها مطعومة، فدل على التعليل بالقدر المشترك. وفي القديم: العلة مع الطعم: التقدير في الجنس بالكيل أو الوزن، فلا ربا فيما لا يوزن ولا يكال كسفرجل ورمان وبيض وجوز وأترج ونارنج وغيرها، واختلفوا على الجديد في المسائل: منها: الزعفران والسقمونيا والطين الأرمني والمختوم والأدهان المطيبة، فهذه ربوية على الأصح. ومنها: حب الكتان ودهنه ودهن السمك والطين الخراساني وماء الورد، فهذه غير ربوية على الأصح. والفرق بين الطين الأرمني والخراساني: أن الأرمني دواء. والطين المصري كالخراساني في الحكم وسيأتي. ولا يحرم أكل الطين؛ لأنه لم يصح في حديث إلا أن يضر لكثرته فيحرم، وبهذا قال الروياني ومشايخ طبرستان. وقال والده وجده والزجاجي والحناطي والقفال والقاضي حسين: يحرم. وإذا قلنا بهذا: فليس بربوي وإنما الخلاف إذا قلنا بإباحته، وسيأتي في (الأطعمة) فيه زيادة في ذلك. قال: (إن كان جنسًا .. اشترط الحلول، والمماثلة، والتقابض قبل التفرق)؛ لما روى مسلم [1594]: أن بلالًا رضي الله عنه جاء بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من أين هذا؟) فقال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع؛ ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوَّهْ! عينُ الربا، لا تفعل ولكن مثلًا بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه). وروى أيضًا [1587] عن عبادة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس .. فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد). وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الربا في نسيئة) .. فقال الشافعي رضي الله عنه: إنه جواب سائل سأل عن التفاضل في جنسين، فنقل الراوي الجواب دون السؤال. وقول المصنف: (إن كان جنسًا) أي: مجموع الثمن والمثمن، وفي (المحرر): إن كانا، وهو أحسن. وأشار بقوله: (جنسًا) إلى أن اختلاف النوع لا يضر. كبرنيٍّ بمعقلي، والصفةِ كجيد برديء. ولابد في القبض أن يكون محققًا، فلا تكفي الحوالة إن لم يحصل القبض لها في المجلس، وكذا إن حصل في الأصح، وتكفي الوكالة إن قبض الوكيل قبل مفارقة الموكل المجلس، فإن قبض بعد مفارقة الموكل المجلس .. امتنع. ولو كان العاقد عبدًا مأذونًا فقبض سيده .. لم يكف، قال الجوري، أو وكيلًا فقبض موكله .. لم يكف بلا خلاف. ولو مات العاقد .. قام وارثه مقامه على الأصح. ولو تقابضا بعضَ كل واحد من العوضين ثم تفرقا .. بطل في غير المقبوض، وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة. والمراد بـ (التفريق): ما في خيار المجلس، ولا فرق فيه بين العامد والناسي –نص عليه الشافعي والإمام- ولا بين العالم والجاهل –قاله الماوردي- ولا بين المختار والمكره، قاله الصيمري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يستشكل بأن الصحيح: عدم انقطاع الخيار بالتفرق كرهًا، فإن صح الحكمان .. فلعله لضيق باب الربا، أو لأن القبض شرط فلم يختلف بالنسبة إلى المكره وغيره، أو لأن باب الربا الأغلب عليه التعبد. مهمة: في (الروضة) هنا: أن إجازة العقد قبل التقابض مبطلة خلافًا لابن سريج. وفي (باب الخيار): لو تقابضا ثم أجازا في المجلس .. لزم العقد، فإن أجازا قبل التقابض .. فوجهان: أحدهما: تلغو الإجازة ويبقى الخيار. والثاني: يلزم العقد وعليهما التقابض، فإن تفرقا قبله .. انفسخ العقد، ولم يتعرض للوجه الذي جزم به هنا، وهذا إنما يأتي على قول ابن سريج، وليس للمسألة ذكر في (الشرح الصغير) ولا في (المحرر)، وهي في (شرح المهذب) هنا وهي آخر مسألة فيه. ومتى وقع العقد مع فوات أحد الشروط .. كان باطلًا وأثما به، وكذا إذا تفرقا من غير قبض .. أثما أيضًا وعليهما إذا أرادا التفرق أن يتفاسخا أو يتقايلا ثم يفترقان. ومن هذه المسألة يؤخذ: أن تعاطي العقود الفاسدة حرام. وخرج من كلام المصنف: ما إذا باع طعامًا بغير طعام، فلا يشترط فيه شيء من الثلاثة بالإجماع.

أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ .. جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ. وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو جنسين كحنطة وشعير .. جاز التفاضل، واشترط الحلول والتقابض)؛ لما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا اختلفت هذه الأجناس .. فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد) فشرط التقابض وهو مستلزم الحلول غالبًا، ومثل المصنف بالحنطة والشعير؛ لأن مالكًا نقل عنه: أنهما جنس واحد. قال: (والطعام ما قصد للطعم اقتياتًا أو تفكهًا أو تداويًا)؛ لأن حديث عبادة رضي الله عنه ذكر فيه أربعة: البر، والشعير، والتمر، والملح، وهي مختلفة المقاصد: فمقصود البر والشعير القوت وألحق بهما ما في معناهما كالأرز والذرة، ومقصود التمر التأدم فألحق به ما في معناه كالزبيب والفواكه ونحوها، ومقصود الملح الإصلاح فألحق به ما في معناه من الأدوية. ولا فرق بين ما يؤكل نادرًا كالبلوط والطُّرْثُوث، أو غالبًا كالحبوب. ومن الربويات: الفواكه والحلوى والإهليلج والبقول والتوابل والمصطكي والزنجبيل والصمغ والقُرطُم وبزر البصل والجزر والفجل واللفت؛ لأنها تصير مأكولة بعد نباتها، وكذلك الصعتر و (الثفاء) بالثاء المثلثة وتشديد الفاء والمد، وهي: حب الرشاد. ولا ربا في الرياحين –إلا أن يركب منها شيء بالسكر أو العسل- ولا في الصندل والكافور والمسك والنوى والجلود والعظام وإن كان يجوز أكلها؛ لأنه لا يعتاد. وعود البخور ليس بربوي، قال الشيخ: ولم أر فيه خلافًا. وفي (الرافعي) و (الروضة) ما يقتضي إثبات خلاف فيه، وهو وهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ربا في الحيوان إلا في السمك الصغير إذا جوزنا ابتلاعه حيًا، وهو الأصح. ومنع أبو حنيفة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. لنا: (أن عبد الله بن عمرو بن العاص ابتاع للنبي صلى الله عليه وسلم بأمره البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدق). و (باع علي جملًا بعشرين بعيرًا إلى أجل) ولم يعرف له مخالف. ولأنه يجوز التفاضل بينهما فليجز الأجل، كما لو باع ثوب قطن بثوب إبريسم إلى أجل. واحترز عما يجوز أكله ولا يقصد عادة لشيء منها كأطراف قضبان العنب والجلود كما تقدم. والمراد: طعم الآدميين غالبًا، وهو بضم الطاء، فمطعوم الجن كالعظم وما اختصت به البهائم كالحشيش .. غير ربوي. ويرد على إطلاق المصنف خروج الماء العذب منه، وهو ربوي على الأصح. فإن قيل: لو كان مطعومًا لم يجز الاستنجاء به .. قلنا: ثبتت الأحاديث بجواز ذلك فصار مستثنى للحاجة إليه. فإن قيل: ذكر المصنف في (كتاب الأيمان): أن الطعام يتناول القوت والفاكهة والأدم والحلوى ولم يذكر التداوي هناك .. فالجواب: أن العرف لا يقتضيه؛ لأن مأخذ البابين مختلف، أما الإدام .. فإنه طعام هنا وهناك وإن لم يذكره هنا في (المحرر).

وَأَدِقَّةُ الأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخُلُولُها وَأَدْهَانُهَا .. أَجْنَاسٌ، وَاللُّحُومُ وَالأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الأَظْهَرِ. وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا، والْمَوْزُونِ وَزْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأدقة الأصول المختلفة الجنس وخلولها وأدهانها .. أجناس)؛ لأنها فروع لأصول مختلفة ربوية فأجري عليها حكم أصولها، وكل شيئين جمعهما اسم خاص .. فهما جنس واحد، وما ليس كذلك .. فهما جنسان. فعلى هذا: يباع دقيق الحنطة بدقيق الشعير متفاضلًا. واحترز بـ (المختلفة) عن المتحدة كأدقة أنواع القمح؛ فإنها جنس قطعًا. قال: (واللحوم والألبان كذلك في الأظهر)؛ لأنها أيضًا فروع لأصول مختلفة. والثاني: أنها جنس واحد؛ لاشتراكهما في الاسم. وعلى هذا: ففي لحوم البريات مع البحريات وجهان: الأصح في أصل (الروضة): أنها جنس واحد، ولم يصحح الرافعي شيئًا. والظبي مع الأيل كالضأن والمعز. والأصح: أن الجراد ليس من جنس اللحوم. والثاني: من لحوم البريات. والثالث: من لحوم البحريات. و (اللُّحمان) بضم اللام، جمع لحم. قال: (والمماثلة تعتبر في المكيل كيلًا، والموزون وزنًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنًا بوزن) رواه مسلم [1584]. فلو باع المكيل بالوزن أو الموزون بالكيل .. لم يصح. ولا فرق في الكيل بين أن يكون معتادًا أم لا كالقصعة، ولا في الميزان بين:

وَالْمُعْتَبَرُ: غَالِبُ عَادَةِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا جُهِلَ يُرْعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيار؛ وهو: الذي له لسان، والقرسطون؛ وهو: القبان، وغيرهما. قال: (والمعتبر: غالب عادة الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: في كون الشيء مكيلًا أو موزونًا؛ لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم اطلع عليها وأقرها. فلو أحدث الناس خلاف ذلك .. لم يعتبر؛ لما روى أبو داوود [3340] والنسائي [5/ 54] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان وزن أهل مكة) وليس هذا إخبارًا بانفرادهم بذلك؛ لأن ميزان غير مكة ومكيال غير المدينة معتبران، فدل على أن المراد: مراعاة أهل المدينة فيما يكيلونه وأهل مكة فيما يزنونه، فهو بيان للمرجع فيما أوجبه الشارع من المكيلات كصدقة الفطر وغيرها والموزونات كزكاة النقدين. وأيضًا: فإن الشرع اعتبر المماثلة ولابد لها من حد ولا حد لها في عرف ولا لغة فيرجع إلى العادة، وأولاها: عادة زمنه صلى الله عليه وسلم. والمكيل على عهده صلى الله عليه وسلم الحبوب والأدهان والألبان والتمر والزبيب والملح، فإن كان قطعًا كبارًا .. فالأصح يوزن. قال: (وما جهل) أي: معياره في الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرعى فيه عادة بلد البيع)؛ لأن الشرع اعتبر العادة الغالبة في كثير من الأحكام. قال: (وقيل: الكيل)؛ لأنه أعم. قال: (وقيل: الوزن)؛ لأنه أحصر. قال: (وقيل: يتخير)؛ للتساوي.

وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ .. اعْتُبِرَ. وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: إن كان له أصل .. اعتبر)؛ مراعاة له. ومحل الأوجه: إذا لم يكن أكبر جِرمًا من التمر، فإن كان أكبر .. اعتبر فيه الوزن جزمًا، كذا جزم به في (الشرح الصغير) هنا، وفي (الكبير) في آخر الباب. وقال الجويني: محل الخلاف فيما كاله قوم ووزنه آخرون، أما ما اتفقوا فيه على شيء .. فهو أصله كالسكر؛ فإنه لم يكن بالمدينة واتفق الناس على وزنه. وأغرب ابن أبي الدم فحكى وجهًا: أن السكر مكيل، ولعله أراد سكر الهند فهو كذلك يباع بها. كل هذا فيما يتقدر، أما ما لا يتقدر بكيل ولا وزن كالبطيخ والرمان، وما يجفف من الثمار كالخوخ والمشمش ونحوهما .. فإنه يجوز بيع بعضه ببعض جزافًا، وفيه وجه ضعيف. وأما في حال رطوبته .. فأصح القولين: منع بيع بعضه ببعض كما سيأتي في الكتاب. قال: (والنقد بالنقد كطعام بطعام) في جميع ما سبق من الأحكام. والمراد بالنقد هنا: الذهب والفضة. والمطبوع والتبر والمصوغ والجيد والرديء والصحيح والمكسر في ذلك سواء. ولا أثر لقيمة صنعته حتى لو اشترى بدنانير ذهبًا مصوغًا قيمته أضعاف الدنانير .. اعتبرت المماثلة ولا نظر إلى القيمة. وبيع النقد بالنقد من جنسه ومن غير جنسه يسمى صرفًا. قال ابن يونس: سمي بذلك؛ لصرف حكمه عن أحكام البيع، وعندي: أنه مشتق من (الصريف) وهو: الفضة. قال الشاعر [من البسيط]: بني غدانة ما إنْ أنتمُ ذهبًا .... ولا صريفًا ولكن أنتمُ خزفُ

وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا تَخْمِينًا .. لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلة الربا فيه: جنسية الأثمان غالبًا، وقيل: كونهما قيم الأشياء غالبًا. وعند أبي حنفية: العلة فيهما كونهما موزونين من جنس واحد، فعداها إلى النحاس والرصاص وجميع ما يوزن في العادة. فروع: الأول: الفلوس إذا راجت رواج النقود .. لا يجري فيها الربا على الأصح. الثاني: تصارفا على العين فخرج أحدهما نحاسًا .. فالنص –وعليه المعظم-: أنه باطل؛ تغليبًا للعبارة. وقيل: يصح ويثبت الخيار؛ تغليبًا للإشارة إن كان له قيمة. الثالث: اشترى منه دينارًا بعشرة وليس معه إلا خمسة فدفعها إليه ثم استقرضها منه ثم دفعها إليه عن بقية الثمن .. فوجهان: أحدهما –وهو المنصوص فيه (الصرف)، وصححه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم-: الجواز، وهو الأصح في أكثر نسخ الرافعي وفي (شرحه الصغير). ووقع في بعض نسخ (الكبير): أن الأصح: المنع، ومنها اختصر (الروضة). والصواب: الأول. قال: (ولو باع جزافًا تخمينًا .. لم يصح وإن خرجا سواء) نقدًا كانا أو مطعومين، لأن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة. وروى مسلم [1530]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الصبرة من التمر

وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ -وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا- ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر). و (الجزاف) مثلث الجيم. وقوله: (تخمينًا) أشار به إلى أنه لو باع جزافًا بغير تخمين كان أولى بالبطلان. قال: (وتعتبر المماثلة وقت الجفاف)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع التمر بالرطب فقال: (أينقص الرطب إذا جف؟) قالوا: نعم، قال: (فلا إذًا) رواه مالك [1316] وأصحاب السنن. فأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى: أن المماثلة معتبرة حال الجفاف، هذا إذا كان مما يغلب تجفيفه كالحبوب وأكثر الرطب والعنب. وإن كان أكثر منافعه حال الرطوبة وتجفيفه معتاد كالمشمش .. فأصح الأوجه: يمتنع رطبًا ويجوز يابسًا، وكذلك البطيخ حيث اعتيد تجفيفه. قال: (وقد يعتبر الكمال أولًا) كذا بخط المصنف، وأشار به إلى العنب مثلًا؛ فإن كماله في كونه زبيبًا أو حال كونه خلًا، وكذا عصيرًا في الأصح. فلو اقتصر على ما سبق لاقتضى أن لا كمال إلا حال كونه زبيبًا؛ لأنه حال جفافه، فنبه على أنه لا يعتبر وقت الجفاف مطلقًا بل قد يعتبر الكمال بغيره. وقوله: (أولًا) تنبيه على أنا إذا اعتبرنا الكمال نكتفي بالكمال الأول كالعصير ولا يشترط الأخير كالخل، وكأنه قال: يعتبر الكمال ولو أولًا. ويحتمل: أنه أشار بذلك إلى العرايا؛ فإن اعتبار الجفاف في التماثل وإن وجد، لكنه لم يوجد آخرًا، أي: عند الجفاف، وإنما وجد أولًا، أي: في حال الرطوبة فيباع حال رطوبته بمثله إذا جف. ويحتمل أيضًا: إرادة اللبن؛ فإنه كامل في أول أحواله وهو حليب.

فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ. وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ أَصْلًا، وَفِي قَوْلٍ: تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلا يباع رطب برطب)؛ للجهل بالمماثلة، وجوز المزني والأئمة الثلاثة بيع الرطب بالرطب. قال: (ولا بتمر)؛ لتحقق التفاوت عند الجفاف، ومن هذا استثنى العرايا بالنص. ويؤخذ من كلام المصنف: أنه لا يجوز بيع البسر بالبسر ولا الطلع بالطلع ولا أحدهما بالآخر. وهكذا اللحم لا يباع رطبه برطبه ولا بقديده. ولا يباع القصب بالقصب ولا بالسكر. ومعلوم أنه إذا اختلف الجنس .. فلا منع. قال: (ولا عنب بعنب ولا بزبيب)؛ لما تقدم، وكذا الحصرم بالحصرم لا يباع، ولا بالعنب وما أشبه ذلك. قال: (وما لا جفاف له كالقثاء والعنب الذي لا يتزبب لا يباع أصلًا) أي: بعضه ببعض في حال رطوبته للجهل بالمماثلة. فلو فرض تجفيفه على ندور .. ففي استمرار المنع وجهان. قال: (وفي قول: تكفي مماثلته رطبًا) وهو اختيار ابن سريج؛ لأن معظم منافعه في حال رطوبته. نعم؛ يرد على (المحرر) و (المنهاج) الزيتون؛ فإنه يباع بعضه ببعض وهو لا يتجفف وجعلوه حالة كماله، كما قاله صاحب (التقريب)، ووافقوه عليه. أما المائعات كاللبن والدهن ونحوهما .. فكمالها كذلك في حال رطوبتها، لكنها لا ترد على المصنف؛ لأنه إنما تكلم في الحبوب والثمار. و (القثاء) بكسر القاف وضمها وبالثاء المثلثة والمد.

وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْخُبْزِ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ: حَبًّا، وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ: حَبًّا أَوْ دُهْنًا، وَفِي الْعِنَبِ: زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تكفي مماثلة الدقيق والسويق والخبز)؛ للجهل بتساويها، فلا يباع شيء من ذلك بمثله ولا بالآخر من جنسه ولا بالحب الذي أخذ منه، وكذا حكم جميع ما يتخذ من الحب كالجريش والعجين والنشاء والفتيت ونحوها، فلا يباع شيء من ذلك بمثله ولا بالآخر من جنسه ولا بالحب الذي أخذ منه، ويجوز بيع جميع ذلك بالنخالة؛ لأنها ليست ربوية. وروى المزني: جواز الدقيق بالدقيق، واختاره الروياني إذا استويا في النعومة. قال: (بل تعتبر المماثلة في الحبوب: حبًا) أي: بعد تناهي جفافه. ويشترط: أن لا يكون مبلولًا ولا مقشورًا ولا معروضًا على النار، فإن جفف بعد البلل .. لم يجز أيضًا؛ لتفاوت انكماشه عند الجفاف. والحنطة المسوسة أطلق الأئمة: جواز بيع بعضها ببعض. قال الإمام: ولعله قبل أن تتآكل، فإن تآكلت وخلت أجوافها .. فالقياس القطع بالمنع كالمقلية والمبلولة. قال: (وفي حبوب الدهن كالسمسم: حبًا أو دهنًا)؛ لأنهما غايته. أما الكسب بالكسب، فإن كان مما يأكله الدواب .. جاز متفاضلًا ومتماثلًا مثل كسب القرطم، وإن كان مما يأكله الناس مثل كسب السمسم واللوز، فإن كان فيه خلط يمنع التماثل .. لم يجز، وإلا .. فيجوز على الأصح. والشيرج والكسب جنسان يباع أحدهما بالآخر متفاضلًا خلافًا لابن الصباغ. ولا يجوز بيع السمسم بالشيرج خلافًا لأبي ثور، وكذا كل دهن بأصله. قال: (وفي العنب: زبيبًا أو خل عنب)؛ لأن كلًا منهما على هيئة الادخار.

وَكَذَا الْعَصِيرُ فِي الأَصَحِّ، وَفِي اللَّبَنِ: لَبَنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا، وَلَا يَكْفِي التَّمَاثُلُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالْجُبْنِ وَالأَقِطِ. وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوِ الْقَلْيِ أَوِ الشَّيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا العصير في الأصح)؛ لأنه متهيئ لأكثر الانتفاعات. وقد تقدم: أن المعيار في الخل والدهن واللبن وكل مائع الكيل. قال: (وفي اللبن: لبنًا أو سمنًا أو مخيضًا صافيًا)؛ لأن كلًا منها مقصود، وسواء في اللبن الحليب والرائب والحامض. ويجوز بيع المخيض بالمخيض إذا لم يكن فيهما ماء، وإنما يكال اللبن الحليب بعد سكون رغوته، والرائب يحوي الكيل منه أكثر من الحليب. ولا يباع المغلي بالمغلي، فإن سخن من غير غليان .. جاز، قاله الروياني. والزبد بالزبد لا يجوز بيعه على الأصح. واحترز بـ (الصافي) عما فيه الماء، فلا يباع بمثله ولا بصاف. واحترز أيضًا عما فيه زبد؛ فإنه لا يجوز بيعه بمثله ولا بما فيه زبد لم يزبد؛ لأنه يصير من قاعدة مد عجوة وليس ذلك لعدم كماله كما تُفهِم عبارة الكتاب. قال: (ولا يكفي التماثل في سائر أحواله) أي: باقيها (كالجبن والأقط)، وكذلك المصل، وسواء الجبن اليابس والطري؛ لتأثيره بالنار. و (الجبن) بضم الباء وإسكانها وتشديد النون مع الضم ثلاث لغات. قال: (ولا تكفي مماثلة ما أثرت فيه النار بالطبخ أو القلي أو الشي)؛ لأن تأثير النار لا غاية له، وكذلك المعروض على النار للعقد كالدبس والسكر والفانيد والقند وعسل القصب والقطارة واللبأ .. ففي جواز بيع بعض هذا ببعض وجهان: أصحهما: المنع. وقيل: إن طبخ الدبسان في قدر واحد جاز، ورد بأن النار تأخذ من أسفل القدر أكثر من أعلاه.

وَلَا يَضُرُّ تَاثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعسَلِ وَالسَّمْنِ. وَإِذَا جَمَعَتِ الصَّفْقَةُ رِبَوِيًّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا –كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ، وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ- أَوِ النَّوْعُ؛ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا .. فَبَاطِلَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يضر تأثير تمييز كالعسل والسمن)؛ لأن نار التمييز نار لطيفة غالبًا ومحتاج إليها، ومن ذلك نار الذهب والفضة لتمييز الغش، فإن زيد على ذلك بأن انعقدت أجزاء السمن لم يجز بيع بعضه ببعض، وكذلك إذا قويت نار العسل بحيث نقص من أجزائه شيء .. امتنع بيع بعضه ببعض. وأما الصفى بالشمس .. فحالته حالة كمال فيجوز بيع بعضه ببعض. وقيل: لا يباع ما صفي في البلاد الحارة بها بما صفي في المعتدلة، ولا يجوز بيع الشهد بالشهد؛ لأن الشمع مانع من معرفة التماثل. و (العسل) يذكر ويؤنث، والمراد به: عسل النحل وما يطلق عليه عسل من السكر وغيره مجاز، ويجوز بيعه بعسل النحل متفاضلًا. أما ما لا يتأثر بالنار كالخل المغلي والماء المغلي .. فيباع بعضه ببعض. والتمر إذا نزع نواه .. بطل كماله؛ لأنه يسرع إليه الفساد، فلا يباع منزوع النوى بما لم ينزع، ولا منزوع بمنزوع. وبيع المشمش والخوخ المنزوعين فيه وجهان كالتمر، لكن الأصح هنا: الجواز. قال: (وإذا جمعت الصفقة ربويًا من الجانبين واختلف الجنس منهما) أي: من الجانبين (كمد عجوة ودرهم بمد ودرهم، وكمد ودرهم بمدين أو درهمين، أو النوع؛ كصحاح ومكسرة بهما أو بأحدهما .. فباطلة) سواء كان المدان والدرهمان من ضرب واحد ونخلة واحدة أم لا على الأصح، وكذا إذا كان الاختلاف من أحدهما أيضًا كما صرح به في (المحرر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصل هذه القاعدة ما رواه مسلم [1591] عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا يباع حتى يفصل). فلو تعددت الصفقة بتفصيل الثمن بأن جعل الدرهم في مقابلة الدرهم والمد بالمد .. صح بالاتفاق. وقوله: (واختلف الجنس) أي: جنس المبيع، ولو قال: واختلف المبيع جنسًا .. كان أحسن، وسواء كان الآخر ربويًا أم غيره كدرهم وثوب بدرهم أو بدرهمين وإن كان تمثيل الكتاب قد يُفهِم خلافَه. نعم؛ قد يشترط كون الجنس الآخر مقصودًا؛ لأن الأصح: الصحة فيما إذا باع دارًا فيها بئر ماء عذب بمثلها وقلنا: إن الماء ربوي؛ لأنه تابع، وكذلك لو باع دارًا بذهب فظهر فيها معدن الذهب، بخلاف بيع دار سقفها مموَّه بذهب يحصل منه شيء بالعرض على النار بذهب، فإنه لا يصح؛ لأنه في الأولى تابع لمقصود الدار، كذا في (الشرح) و (الروضة) هنا، وسيأتي في (الأصول والثمار) إشكال على هذا إن شاء الله تعالى. ولو باع حنطة بحنطة وفيهما أو في أحدهما حبات شعير .. لم يجز، وضبطه الإمام

وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوانِ مِنْ جِنْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بما إذا كان الشعير قدرًا لو ميز لظهر في المكيال، وإلا .. لم يضر. ولو كان فيهما أو في أحدهما قليل تراب .. جاز. وقوله: (أو النوع كصحاح ومكسرة) كان الأحسن أن يقول: كالمعقلي والبرني؛ فإن الصحة والتكسير اختلاف صفة لا اختلاف نوع وإن كان اختلاف الصفة أيضًا مضرًا. و (العجوة): نوع من التمر، قال الجوهري: إنه من أجود تمر المدينة، ونخلها يسمى اللينة، وهو أكبر من الصيحاني يضرب إلى سواد. قال ابن الأثير: إنه من غرس النبي صلى الله عليه وسلم. وفي (فروق الشيخ أبي محمد): أحصينا من أنواع تمر المدينة مئة وعشرين نوعًا. وفي (تاريخ البخاري) [5/ 112] بسنده إلى بريدة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير تمركم البرني). غريبة: قال محمد بن عبد الرحمن الحضرمي في كتاب (الإكمال لما في التنبيه من الإشكال): لو باع أمة ذات لبن بلبن .. جاز، بخلاف شاة في ضرعها لبن بلبن. والفرق: أن لبن الشاة في الضرع له حكم العين فلهذا لا يجوز عقد الإجارة عليه، ولبن الآدمية ليس له حكم العين بل هو كالمنفعة ولذلك جاز عقد الإجارة عليه، وهو نقل غريب وتعليل حسن. قال: (ويحرم بيع اللحم بالحيوان من جنسه)؛ لما روى الشافعي [1/ 250] رضي الله عنه عن مالك عن سعيد بن المسيب قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان)، وتابعه البغوي والبيهقي.

وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَاكُولٍ وَغَيْرِهِ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الحاكم [2/ 35] عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الشاة باللحم) وقال: رواته أئمة حفاظ ثقات، وصحح البيهقي إسناده [5/ 296]. وقال المزني: القياس الجواز إن لم يثبت الحديث، ونقله ابن الصلاح في (رحلته) قولًا عن بعض شراح (الوسيط). قال: (وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره في الأظهر)؛ لعموم النهي. والثاني: لا يحرم. أما المأكول .. فبالقياس على بيع اللحم باللحم، وأما غيره .. فلأن سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه ولم يوجد ذلك. فروع: في بيع الشحم والألية والقلب والطحال والكلية والرئة والكبد بالحيوان والسنام بالبقر ولحم السمك بالشاة .. وجهان: أصحهما: البطلان، ويجريان في بيع الحيوان بجلد لم يدبغ، فإن دبغ .. جاز جزمًا، وكذا بيع الحيوان بالعظم، وعلله الروياني بأنه لا ربا في الجلد ولا في العظم. وجوز الماوردي بيع اللبن بالحيوان، وحكى وجهين في اللحم بالسمك الحي، وجه الجواز: أن حيه كميتته. ويجوز بيع البيض بالدجاج ولا يجوز بيع دجاجة فيها بيض ببيض في أشهر الطريقين. تتمة: يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز في قشره، وتقدم: أن معيارهما الكيل. ويجوز بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز على الأصح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجوز بيع العلس بالعلس في قشريه ولا في قشره الأسفل، ولا بيع الأرز بالأرز في قشريه أيضًا، ويجوز في قشرته السفلى. * ... * ... * خاتمة إذا أراد بيع مال ربوي بجنسه بأكثر منه .. فله طرق: أحدها: توسط عقد آخر، كما إذا أراد شراء دراهم صحاحًا بمكسرة أكثر من وزنها فيبيع الدراهم بدنانير والدنانير بدراهم، أو بعرض آخر، ثم إذا تقابضا وافترقا أو تخايرا .. اشترى بتلك الدراهم أو بذلك العرض المكسرة فيصح شراؤه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عامل خيبر وهو سويد بن غزية: (أن يبيع الجمع بالدراهم ثم يبتاع بها جَنِيبًا) متفق عليه [خ7351 - م1593]. و (الجَنِيبُ) و (الجَمْعُ) نوعان من التمر: الأول: جيد، والثاني: رديء. ولا فرق بين أن يتخذ ذلك عادة أو لا يتخذه عادة، خلافًا لمالك حيث قال: يجوز مرة واحدة، ولا يجوز إذا اتخذه عادة. الثاني: أن يقترض كل منهما ماله من صاحبه ثم يبرئ كل منهما ذمة الآخر. الثالث: أن يهب كل منهما من الآخر. الرابع: أن يبيع الصحاح بزنتها من المكسرة ويهبه صاحبها الفاضل، فيجوز ذلك كله إذا لم يشترط في اقتراضه وبيعه وهبته ما يفعله الآخر لكنه يكره. * ... * ... *

باب

بَابٌ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَنْ عَسْبِ الْفَحُلِ، وَهُوَ: ضِرَابُهُ، وَيُقَالُ: مَاؤُهُ، وَيُقَالُ: أُجْرَةُ ضِرَابِهِ، فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ، وَكَذَا أُجْرَتُهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عَسْب الفحل) رواه البخاري [2284] هكذا من رواية ابن عمر رضي الله عنهما في (الإجارة)، وهو: بفتح العين وسكون السين المهملتين وبالباء الموحدة. وجميع الأحاديث التي صدَّر بها الباب كلها في (الصحيحين) أو أحدهما إلا قوله: (وعن بيعتين في بيعة) فرواه الترمذي [1231] وقال: حسن صحيح. وعندنا: النهي في العقود يدل على فسادها، إلا إذا تعلق بأمر خارج عن العقد كالنهي عن البيع إذا نودي لصلاة الجمعة في حق من يجب عليه حضورها .. فالمناهي حينئذ تنقسم إلى مفسد وغيره، وكذلك رتبها المصنف. قال: (وهو: ضرابه) هذا أشهر التفاسير، قال الشاعر [من الوافر]: ولولا عسبه لرددتموه .... وشر منيحة فحل معار و (الضراب): النزوان، ولا يتعلق بها نهي، والتقدير: أجرة عسبه كما سيأتي. قال: (ويقال: ماؤه) فتقديره: ثمن مائه. قال: (ويقال: أجرة ضرابه) وعلى هذا التفسير: لا يحتاج إلى تقدير. قال: (فيحرم ثمن مائه)؛ لأنه غير متقوم ولا معلوم. قال: (وكذا أجرته في الأصح)؛ لأنه غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار الفحل. والثاني: يجوز كالاستئجار لتلقيح النخل، وبه قال ابن أبي هريرة.

وَعَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَهُوَ: نِتَاجُ النِّتَاجِ؛ بِأَنْ يَبِيعَ نِتَاجَ النِّتَاجِ. أَوْ بِثَمَنٍ إِلَى نِتَاجِ النِّتَاجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجيب بأن الأجير للتلقيح قادر على تسليم نفسه، وليس له عليه عين حتى لو شرط عليه الكُشُّ الذي يلقحه فسدت الإجارة، وههنا المقصود الماء وصاحب الفحل غير قادر على تسليمه. وفي (الحاوي): في هذا النهي وجهان: أصحهما: أنه للتحريم، وينبغي أن يكون محلهما إذا فسرناه بالإجارة، أما البيع .. فممتنع قطعًا، وأما الإنزاء من غير بيع ولا إجارة .. فلا منع منه. وتندب الإعارة لذلك ويجوز أن يعطي صاحب الفحل شيئًا على سبيل الهدية. قال: (وعن حبل الحبلة) رواه الشيخان [خ2143 - م1514] عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال: (وهو: نتاج النتاج؛ بأن يبيع نتاج النتاج، أو بثمن إلى نتاج النتاج). الأول: تفسير أبي عبيد وأبي عبيدة وغيرهما، وبه قال أحمد، وعلة البطلان: كونه معدومًا. والثاني: تفسير ابن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث، وإليه ذهب مالك والشافعي، وعلة البطلان فيه: جهالة قدر الأجل. فائدة: (حَبَل الحَبَلة) –بفتح الباء_ جمع حابل، كظالم وظلمة، وفاجر وفجرة، وكاتب وكتبة. (والنتاج) بفتح النون، والمصنف ضبطها بخطه بالكسر في المواضع الثلاثة، يقال: نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله تنتج نتاجًا وقد نتجها أهلها. وقال ابن سيده: النتاج: الحمل، فهو موافق لما ضبطه المصنف.

وَعَنِ الْمَلَاقِيحِ، وَهِيَ: مَا فِي الْبُطُونِ. وَالْمَضَامِينِ، وَهِيَ: مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ. وَالْمُلَامَسَةِ؛ بِأَنْ يَلْمسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إِذَا رَآهُ، أَوْ يَقُولَ: إِذَا لَمَسْتَهُ .. فَقَدْ بِعْتُكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي لفظ الحديث مجاز من وجهين: أحدهما: إطلاقه الحبل على البهائم وهو مختص بالآدميات حتى قيل: إنه لا يقال لغيرهن إلا في الحديث. والثاني: أنه مصدر أريد به اسم المفعول والهاء في (حبلة) للمبالغة. قال: (وعن الملاقيح، وهي: ما في البطون) أي: من الأجنة، وهي جمع ملقوح، وهو: جنين الناقة، والناقة ملقوحة، ولا يكون إلا في الإبل، قاله أبو عبيد، وفي (الصحاح) نحوه. قال: (والمضامين، وهي: ما في أصلاب الفحول) والنهي عنهما رواه مالك [2/ 654] مرسلًا، وأسنده البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واعتضد المرسل بالإجماع على حكمه. و (المضامين) جمع مضمون، يقال: ضمن الشيء، بمعنى: تضمنه، ومنه قولهم: مضمون الكتاب كذا وكذا، والذي فسر به المصنف المضامين والملاقيح هو المعروف، وفسرهما مالك وابن شهاب وابن المسيب بالعكس، وإنما نهي عنهما للغرر. قال: (والملامسة) روى النهي عنها الشيخان [خ2144 - م1511] من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما. قال: (بأن يلمس ثوبًا مطويًا) و (اللمس): الجس باليد، يقال: لمس يلمس بكسر الميم وضمها لغتان مشهورتان حكاهما الجوهري وخاله الفارابي في (ديوان الأدب). قال: (ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، أو يقول: إذا لمسته .. فقد بعتكه)؛ لأنه بيع غائب وتعليق.

وَالْمُنَابَذَةِ؛ بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا. وَبَيْعِ الْحَصَاةِ؛ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ، أَوْ يَجْعَلَا الرَّمْيَ بَيْعًا، أَوْ بِعْتُكَ وَلَكَ الْخِيَارُ إِلَى رَمْيهَا. وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ إِلَى سَنَةٍ، أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا. وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمنابذة) وهي بذال معجمة مفاعلة من النبذ، والنهي عنها في (الصحيحين) أيضًا. قال: (بأن يجعلا النبذ بيعًا) هذا تفسير الشافعي رضي الله عنه، ووجه البطلان: فقدان الصيغة. قال: (وبيع الحصاة) رواه مسلم [1513]. قال: (بأن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه، أو يجعلا الرمي بيعًا، أو بعتك ولك الخيار إلى رميها) والجميع فاسد؛ لأنه من بيوع الجاهلية وفيها غرر وجهالة. قال: (وعن بيعتين في بيعة) رواه النسائي [7/ 295] والترمذي [1231] عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: (بأن يقول: بعتك بألف نقدًا أو بألفين إلى سنة)؛ لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد. قال: (أو بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا)، ووجه البطلان: وجود الشرط. قال: (وعن بيع وشرط) كذا رواه عبد الحق من رواية عمرو بن شعيب. وروى أبو داوود [3498]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرط في بيع) رواه أحمد [2/ 179] والترمذي [1234] بلفظ: (ولا شرطان في بيع). وعن القديم: أن الشرط الفاسد لا يبطل البيع.

كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: روى الخطابي وغيره عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعًا وشرطًا؟ فقال: البيع باطل والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته؟ فقال: البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فسألته؟ فقال: البيع جائز والشرط جائز. فقلت: يا سبحان الله! ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا! حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط) البيع باطل والشرط باطل، فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا! حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة وأعتقها وأشترط لهم الولاء) البيع جائز والشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا! حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (بعت النبي صلى الله عليه وسلم جملًا وشرط لي حملاني إلى المدينة) فالبيع جائز والشرط جائز. قال: (كبيع بشرط بيع أو قرض)، وكذا إجارة ونكاح، فيبطل البيع الأول, فإذا أتيا بالثاني، فإن كانا يعلمان بطلان الأول .. صح، وإلا .. قال البغوي: يبطل، وقال الإمام وشيخه: يصح، وهو القياس.

وَلَوِ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ، أَوْ ثَوْبًا وَيَخِطَهُ .. فَالأَصَحُّ: بُطْلَانُهُ، وَتُسْتَثْنَى صُوَرٌ كالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ، أَوْ بِشَرْطِ: قَطْعِ الثَّمَرِ وَالأَجَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو اشترى زرعًا بشرط أن يحصده البائع) هو بكسر الصاد وضمها. قال: (أو ثوبًا ويخيطه .. فالأصح: بطلانه)؛ لمنافاة الشرط مقتضى العقد. والثاني: يبطل الشرط، وفي البيع قولا تفريق الصفقة. والثالث: يتخرج على قولي الجمع بين عقدين مختلفي الحكم، وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بالمذهب؛ فإن المسألة ذات طرق. فرع: اشترى حطبًا على ظهر بهيمة مطلقًا، فهل يصح العقد ويسلمه إليه في موضعه أو لا يصح حتى يشترط تسليمه في موضعه؟ وجهان: صحح المصنف منهما: الصحة. قال: (وتستثنى صور) أي: من النهي عن بيع وشرط (كالبيع بشرط الخيار، أو البراءة من العيب، أو بشرط: قطع الثمر) كما سيأتي. قال: (والأجل)؛ لقوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى}، ولابد من احتمال البقاء إليه، فلو أجله بألف سنة .. بطل العقد؛ للعلم بأنه لا يبقى إلى هذه المدة، قاله الروياني، واعترضه المصنف بأنه لا يشترط احتمال بقائه إليه؛ لأنه ينتقل إلى وارثه، لكن التأجيل بألف سنة مما يبعد بقاء الدنيا إليه فالفساد من هذه الجهة. واعترضه في (المهمات) بأن الكلام ليس هو في مستحق الدين بل فيمن هو عليه، ولهذا قال الرافعي: فيسقط الأجل بموته، والأجل يسقط بموت من هو عليه لا بموت من له، ثم نقل عن صاحب (رفع التمويه): أن أكثر ما تؤجل إليه الأرض خمس مئة سنة.

وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيَّنَاتِ لِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَالإِشْهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والرهن والكفيل)؛ للحاجة إلى ذلك، ولأنه قد لا يرضى بالمعاملة بدونها، ويغني اشتراط الرهن عن اشتراط القبض، حتى إذا رهن ولم يقبض .. كان له الفسخ؛ نظرًا إلى المعنى. ويشترط في الرهن: أن يكون غير المبيع، فإن كان نفس المبيع .. أبطل. قال: (المعينات) أي: بشرط تعين الأجل والرهن والكفيل، وكان ينبغي أن يقول: المعينين؛ تغليبًا للعاقل –وهو الكفيل- على غيره. وتكفي في الرهن الرؤية أو الوصف بصفات السلم، وفي الكفيل المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب، ولا يكفي الوصف. وقيل: لا يشترط تعيين الكفيل، فإذا أطلق .. أقام من شاء. قال: (لثمن في الذمة)؛ لأن الأعيان لا تؤجل ولا يرهن بها، وفي ضمانها تفصيل يذكر في موضعه، فلو قال: اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها وقت كذا .. فهو فاسد؛ لأن الأجل شرع رفقًا للتحصيل والمعين حاصل. ولو قال المصنف: لعوض .. كان أحسن؛ ليشمل المبيع في الذمة، مثل: اشتريت منك صاع بر في ذمتك صفته كذا، فيصح اشتراط الثلاثة فيه. قال: (والإشهاد)؛ للحاجة إليه، ولا فرق فيه بين الشهادة على الثمن أو المثمن، ولا بين ما في الذمة والمعين؛ لأن لكل منهما غرضًا صحيحًا في الإشهاد على صاحبه مخافة الإنكار. قال: (ولا يشترط تعيين الشهود في الأصح)؛ لأن المقصود ثبوت الحق وهو ثابت بكل شاهد.

فَإِنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلِ الْمُعَيَّنُ .. فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إِعْتَاقِهِ .. فَالْمَشْهُورُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يشترط كما في الرهن والكفيل، ولا يجب في الرهن التعرض لمن يكون تحت يده في الأصح. ومتى فسد شرط من هذه الشروط المستثناة لفوات أمر مما ذكرناه، فإن كان الأجل والخيار .. فسد البيع بفساده، وإن كان الإشهاد .. فلا، وإن كان الرهن والضمين .. فوجهان: أصحهما: الفساد. قال: (فإن لم يرهن أو لم يتكفل المعين .. فللبائع الخيار)؛ لفوات شرطه، وكذلك لو رهن ولم يقبض، أو هلك الرهن قبل القبض، أو تعيب، أو وجد به بعد قبضه عيبًا قديمًا .. فله الخيار في البيع. ولو ادعى الراهن: أن عيبه حدث بعض القبض .. فالقول قوله؛ استدامة للبيع. ولو هلك بعض القبض، أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم .. فالأصح: لا فسخ، ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام العين. ولو عين شاهدين فامتنعا، فإن قلنا: لابد من تعيين الشاهدين .. فللبائع الخيار. فرع: باع عينًا واستثنى منفعتها مدة معلومة .. فالمذهب: بطلان البيع، وبالصحة قال أبو ثور ومحمد بن نصر المروزي وابن المنذر وابن خزيمة وأهل الحديث؛ لحديث جابر رضي الله عنه، والجواب عنه صعب. قال: (ولو باع عبدًا بشرط إعتاقه .. فالمشهور: صحة البيع والشرط)؛ لما روى الشيخان عن بريرة: (أن عائشة رضي الله عنها اشترتها بشرط العتق والولاء لو ينكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا شرط الولاء)، ولأن استعقاب البيع العتق عهد في شراء القريب فاحتمل شرطه. والقول الثاني: يصح البيع ويبطل الشرط كسائر الشروط المفسدة.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالإِعْتَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: يبطلان؛ لعموم النهي عن بيع وشرط. وإذا صححنا الشرط .. فذلك إذا أطلق، أو قال: بشرط أن تعتقه عن نفسك، فإن قال: بشرط أن تعتقه عني .. فهو لاغ. وصورة المسألة: أن يكون العبد ممن لا يعتق بالشراء، فإن اشترى أباه أو ابنه بشرط إعتاقه .. بطل البيع قطعًا؛ لتعذر الوفاء به. قال: (والأصح: أن للبائع مطالبة المشتري بالإعتاق)؛ لأنه يثاب على اشتراطه وله غرض في زوال الرق. والثاني: لا؛ لأنه لا ولاية له على حق الله تعالى، وإذا أعتقه المشتري .. فولاؤه له بكل حال، فإن امتنع من العتق وقلنا: إنه حق لله تعالى .. أجبر عليه بالحبس وغيره. وقال القاضي والمتولي: إنه كالمولى، فيعتقه القاضي، وهذا هو المشهور، وعلى هذا: لا يسقط بإسقاطه. وإن قلنا: للبائع .. لم يجبر، بل يخير البائع بين فسخ البيع وإمضائه، وإذا أسقطه .. سقط. وفي سقوط شرط الرهن والكفيل والأجل بالإسقاط ثلاثة أوجه: أصحها: يسقط الرهن والكفيل دون الأجل. فروع: باع عبدًا بشرط أن يبيعه بشرط إعتاقه .. بطل على الأصح. ولو اشترى عبدًا بشرط أن يعلق عتقه بصفة .. لم يصح البيع في الأصح. ولو اشترى بعض عبد بشرط إعتاقه .. فظاهر عبارة (الحاوي الصغير) الصحة

وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ، أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إِعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ .. لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث قال: وعتق المبيع، أي: فإنه لا يبطل بشرط عتقه، وصرح صاحب (المعين) اليمني فيه بالبطلان. وإذا أعتق المشتري هذا العبد عن الكفارة، فإن قلنا: الحق لله تعالى أو للبائع ولم يأذن .. لم يجز، وإن أذن .. أجزأه على الصحيح، ويجوز استخدامه، والوطء والأكساب للمشتري، والقيمة له إذا قتل، ولا يكلف صرفها إلى آخر ليعتقه، ولو باعه لغيره وشرط عليه عتقه .. لم يصح على الأصح، وإذا جنى قبل إعتاقه .. وجب فداؤه كأم الولد، وإذا أولدها .. لم يجزئه عن الإعتاق على الأصح، بل عليه أن يعتقها. قال: (وأنه لو شرط مع العتق الولاء له، أو شرط تدبيره أو كتابته أو إعتاقه بعد شهر .. لم يصح البيع) وكذا إذا اشترى دارًا بشرط أن يقفها أو ثوبًا بشرط أن يتصدق به. أما الولاء .. فلأن شرطه يتضمن نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد. والثاني: يصح البيع ويفسد الشرط؛ لحديث بريرة رضي الله عنها. والثالث: يصح البيع والشرط؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (واشترطي لهم الولاء). وأجاب الشافعي رضي الله عنه بأن (لهم) هنا بمعنى (عليهم) كما في قوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} أي: فعليها. وقول المصنف: (مع العتق) احترز به عما إذا أفرد شرط الولاء بأن قال: إذا أعتقته يومًا .. فولاؤه لي، فإنه لا يصح بلا خلاف. وأما التدبير .. فليست مصلحته ناجزة حتى يلحق بالعتق، وكذلك عتقه بعد شهر، والمكاتبة معاوضة، والوقف وإن كان لله تعالى ففيه حجر. والوجه الثاني في الأربعة: صحة الشرط؛ إلحاقًا بالعتق.

وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَقَبْضٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَاكُلَ إِلَّا كَذَا .. صَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو شرط مقتضى العقد كقبض وردٍّ بعيب، أو ما لا غرض فيه كشرط أن لا يأكل إلا كذا .. صح) أما شرط ما يقتضيه العقد .. فلأن اشتراطه تأكيد وتنبيه على ما أوجبه الشارع عليه، وأما ما لا غرض فيه .. فلأن ذكره لا يورث تنازعًا في الغالب. وقوله: (صح) أي: العقد، أما الشرط .. فلا يجب القيام به، بل ذكره لاغ كما إذا باعه عبدًا بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة –مثلًا- أو لا يلبس إلا الحرير. وأفاد في (المهمات): أن الشافعي رضي الله عنه نص على البطلان في هذه الصورة، لا جرم اختار ابن الأستاذ وابن الصلاح وابن الرفعة أن يقرأ: (لا تأكل إلا كذا) بالتاء ثالثة الحروف خطابًا للمشتري؛ فإنه حينئذ لا غرض فيه البتة، وأما إذا قرئ بالياء آخر الحروف .. فقد ينازع في عدم الغرض ويتخيل فيه الإفساد، لأنه نفع للعبد فأشبه شرط إعتاقه، وهذا ظاهر إذا كان المشروط ينفع العبد، فإن كان لا ينفعه كشرط أكل الخبز البحت أو الشعير .. فلا يظهر، والمسألة أعمُّ من ذلك. فرع: شرط أن لا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن، فإن كان مؤجلًا .. بطل البيع، وإن كان حالًّا .. بُني على أن البداءة في التسليم بمن؟ إن قلنا: بالمشتري .. صح البيع، وإلا .. فسد؛ للمنافاة. فرع: باع إناء بشرط أن لا يجعل فيه شيئًا محرمًا، أو سيفًا بشرط أن لا يقطع به الطريق، أو عبدًا بشرط أن لا يعاقبه بما لا يجوز .. صح البيع، قاله البغوي، ويقاس به ما يشابهه.

وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ؛ كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا، أَوِ الدَّابَّةِ حَامِلًا أَوْ لَبُونًا .. صَحَّ، وَلَهُ الْخِيَارُ إِنْ أَخْلَفَ، وَفِي قَوْلٍ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا .. بَطَلَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو شرط وصفًا يقصد، ككون العبد كاتبًا، أو الدابة حاملًا أو لبونًا .. صح)؛ لأنه شرط تعلق بمصلحة العقد، ولا يقتضي إنشاء أمر مستقبل، فلم يدخل في النهي عن بيع وشرط، وإنما هو التزام أمر موجود عند العقد سميناه شرطًا. وكذلك إذا اشترط أن الأمة حاملًا فيها القولان كالدابة، وهما مبنيان على أن الحمل يعلم، إن قلنا: نعم .. صح، وإلا .. فلا. واحترز بـ (الوصف المقصود) عما لا يقصد كالزنا والسرقة ونحوهما؛ فإنه لا خيار بفواتهما. ولو شرط ثيوبتها فخرجت بكرًا .. فالأصح: لا خيار خلافًا لصاحب (الحاوي الصغير). ولو اشتراه على أنه خصي فبان فحلًا .. كان له الرد. قال الأصحاب: يكفي أن يوجد في الصفة ما ينطلق عليه الاسم لا النهاية فيها. نعم؛ لو شرط حسن الخط وكان خطه غير حسن في العرف .. فله الخيار. و (اللبون): ذات اللبن، فإذا شرط ذلك وكان لها لبن وإن قل .. صح ولا خيار، وهذا الخيار على الفور وكيفيته كما ذكر في (الرد بالعيب). قال: (وله الخيار إن أخلف)؛ لفوات شرطه. قال: (وفي قول: يبطل العقد في الدابة)؛ لأنه شرط معها شيئًا مجهولًا فأشبه ما إذا قال: بعتكها وحملها. وأجاب الأولون: بأن المقصود الوصف به لا إدخاله في العقد، وإلى هذا الجواب أشار المصنف بقوله: (ولو شرط وصفًا يقصد). قال: (ولو قال: بعتكها وحملها .. بطل في الأصح)؛ لأن ما لا يجوز بيعه

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ، وَلَا الْحَامِلِ دُونَهُ، وَلَا الْحَامِلِ بِحُرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحده لا يجوز بيعه مقصودًا مع غيره. والثاني: يصح، ونقله في (البيان) عن الأكثرين؛ لأنه يدخل عند الإطلاق، فلا يضر التنصيص عليه كما لو قال: بعتك الجدار وأساسه. ولو قال: بعتك الجبة وحشوها .. فقيل: على الخلاف، وقيل: يصح قطعًا، وصحح المصنف هذه الطريقة في (شرح المهذب)؛ لأن الحشو داخل في مسمى الجبة فذكره تأكيدًا. قال الشيخ: واستقر رأيي على الفرق بين (الواو) و (الباء) فمع (الواو) يبطل مثل: وحملها وحشوها وأساسها، ومع (الباء) يصح مثل: بحملها وبحشوها وبأساسها، واللغة تقتضيه، وكلام الشافعي والأصحاب لا يخالفه إلا في الأساس، فلعل قائله لم يحرر العبارة. وقال في (المهمات): الصحة في (مع) و (الباء) أظهر منها في (الواو)، ولأنهما للحال، أي: كائنة بحملها، أو مع حملها، فهو وصف محض، بخلاف (الواو)؛ فإنها ظاهرة في التغاير. قال: (ولا يصح بيع الحمل وحده)؛ للجهالة، سواء بيع من مالك الأم أم من غيره، وهذه المسألة تقدمت في أول الباب، لكنه ذكرها هنا توطئة لما بعدها. قال: (ولا الحامل دونه)؛ لأن الحمل لا يجوز إفراده بالعقد فلا يستثنى كأعضاء الحيوان. وفي (النهاية) وجه: أنه يصح كما لو باع شجرة واستثنى الثمرة قبل بدو الصلاح. وجوابه: أن الثمرة يجوز إفرادها بالعقد. قال: (ولا الحامل بحر)؛ إلحاقًا للاستثناء الشرعي بالاستثناء الحسي، ولو

فصل

وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا مُطْلَقًا .. دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ. فَصْلٌ: وَمِنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يُبْطَلُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكل صاحب الحمل صاحب الأم فباعهما دفعة .. لم يصح. قال: (ولو باع حاملًا مطلقًا .. دخل الحمل في البيع)؛ تبعًا لها، وفي كلام الشافعي رضي الله عنه: أن هذا مجمع عليه. ومحل الجزم بدخوله؛ إذا كان مملوكًا لمالك الأم، فإن لم يكن كذلك .. بطل البيع. كل هذا إذا بيعت باختيار المالك، فلو وهبها، أو رجعت بفسخ، أو بيعت في حق المرتهن بغير اختياره .. ففي دخوله قولان: الجديد في الهبة: عدم الدخول. تتمة: كلام المصنف على إطلاقه، ونقل الإمام في أواخر (النهاية) عن النص: أنه لو باعها وقد وضعت أحد توأمين عنده ثم وضعت الآخر عند المشتري .. أنه يكون للبائع؛ لأنه حمل واحد. قال الإمام: والقياس: أنه للمشتري؛ لانفصاله في ملكه، وبهذا جزم الرافعي والمصنف في (باب الكتابة). وقال المتولي في (باب بيع الأصول والثمار): إنه ظاهر المذهب، فمن استثنى هذه الصورة من إطلاق الكتاب .. فقد وهم. قال: (فصل: ومن المنهي عنه ما لا يُبطَل) أشار إلى أن البيع المنهي عنه منه ما يكون النهي مبطلًا له وهو ما سبق، ومنه ما لا يبطله، وذلك حيث اقترن بالبيع شيء علمنا أن النهي يعود

لِرُجُوعِهِ إِلَى مَعْنَىً يَقْتَرِنُ بِهِ، كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ؛ بِأَنْ يَقْدَمَ غَرِيبٌ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ بَلَدِيٌّ: اتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه، كالأمثلة التي ذكرها المصنف. قال الشيخ: وقوله: (يُبطَل) ضبط بضم الياء، وعلى هذا تكون الطاء مفتوحة والضمير في رجوعه يعود إلى النهي، ولو قرئ بفتح الياء وضم الطاء .. صح، والضمير بحاله. وأما ضم الياء وكسر الطاء .. فإنما يصح لو قال: ومن المناهي، لكنه أحسن؛ ليندرج فيه ما لا يوصف بالبطلان ولا بعدمه، كتلقي الركبان وشبهه مما هو مذكور في الفصل. قال: (لرجوعه إلى معنىً يقترن به) هذا هو القسم الثاني من المناهي، وسبب عدم الإبطال فيه: كون النهي ليس للمبيع بخصوصه بل لأمر آخر، كالبيع حال النداء يوم الجمعة. قال: (كبيع حاضر لباد)؛ ففي (الصحيحين) [خ2140 - م1522]: (لا يبع حاضر لباد)، زاد مسلم: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). واتفقوا على تحريمه عند وجود الشروط الستة الآتية، والمعنى فيه: ما يتضمنه من التضييق على الناس. و (البادي): الخارج إلى البادية والنازل فيها، قال تعالى: {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} أي: نازلون. وروى البيهقي [10/ 101]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدا .. جفا، ومن اتبع الصيد .. غفل، ومن اقترب من أبواب الملوك .. افتتن، وما ازداد رجل من سلطان قربًا .. إلا ازداد من الله بعدًا). قال: (بأن يقدم غريب بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول بلدي: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى) التعبير بالغريب جرى على الغالب، كالبادي في لفظ الحديث، وإنما المراد: إنسان كائنًا من كان، وكان الأحسن أن يقول: بأن يقدم شخص؛ لئلا يتوهم أن الغربة قيد.

وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ؛ بِأَنْ يَتَلقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا إِلَى الْبَلَدِ، فَيَشْتَرِيَهُ قَبْلَ قُدُومِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فأحد الشروط: حاجة الناس إليه، ولم يتعرض لعمومها إلا القاضي والبغوي والرافعي، وهو يحتاج إلى دليل، والذي ذكره غيرهم احتياج الناس إليه. والشرط الثاني: قصد البيع بسعر يومه، فلو قصد صاحبه الإقامة ليبيعه فسأله القروي تفويض ذلك إليه .. فلا بأس. والثالث: سؤال البلدي له، فلو ابتدأه البدوي .. لم يحرم، ولو استرشده .. فهل يرشده إلى الادخار؟ فيه وجهان: قال أبو إسحاق وغيره: يجب الإرشاد إليه نصحًا. وقال ابن الوكيل: لا يرشده إليه توسعًا على الناس. والرابع: أن يتربص بها، فلو سأله بيعها بسعر يومها .. لم يحرم، قاله الروياني، وهذه الشروط في كلام المصنف. والخامس: أن تظهر ببيع ذلك المتاع سعة في البلد، فإن لم تظهر لقلته أو لكبر البلد أو لعموم وجوده ورخص السعر .. فوجهان: أوفقهما للحديث: التحريم. والسادس: أن يكون عالمًا بالنهي، وكذا سائر المناهي كما سيأتي في (النجش)، ثم الإثم على البلدي دون البدوي. قال: (وتلقي الركبان؛ بأن يتلقى طائفة يحملون متاعًا إلى البلد، فيشتريه قبل قدومهم ومعرفتهم بالسعر) روى الشيخان [خ2150 - م1515/ 11] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلقوا الركبان للبيع). وفي رواية للبخاري [2165]: (لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق) ولا خلاف في تحريمه إذا علم النهي وقصد التلقي، فلو خرج لشغل فرآهم فاشترى منهم .. فوجهان: الأصح: يعصي؛ لشمول المعنى، وكذلك لو قصد التلقي لغرض آخر فاشترى.

وَلَهُمُ الْخِيَارُ إِذَا عَرَفُوا الْغَبْنَ. وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بقوله: (فيشتريه) عما إذا باعهم ما يريدون شراءه من البلد، والأصح: جواز ذلك. ولو اشترى بعد قدومهم .. لم يحرم وإن جهلوا السعر؛ لتقصيرهم. ولو اشترى منهم قبل قدومهم بأكثر من سعره .. حرم أيضًا سواء أخبرهم بالسعر كاذبًا أم لا، فلا حاجة حينئذ لقوله: (ومعرفتهم بالسعر). و (الطائفة من الشيء): القطعة منه، ولفظها يذكر ويؤنث، ويطلق على الواحد، ولذلك لو تلقى واحدًا .. كان الحكم كذلك. و (الركبان) –جمع راكب- والمراد هنا: القادمون من السفر وإن كانوا مشاة، ولو تلقى الجالبين إلى الحلة والبادية .. كان الحكم كذلك. وقوله: (متاعًا) كذا عبر به الرافعي في كتبه، وعبر في (الروضة): بطعام، وليس بجيد؛ لأنه يوهم خلاف الصواب. قال: (ولهم الخيار إذا عرفوا الغبن)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فمن تلقاها فاشترى منهم .. فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق). فلو اشترى منهم بسعر البلد .. فلا خيار في الأصح. ولو غبنهم ولكن لم يقدموا حتى رخص السعر وصار كما لو باعوه .. ففي ثبوت الخيار لهم وجهان: والأصح: أن الخيار على الفور، وقيل: يمتد ثلاثة أيام من حين العلم. و (الغبن) بإسكان الباء: في البيع والشراء، وبفتحها: ضعف الرأي. قال: (والسوم على سوم غيره)؛ لما في (الصحيحين) [خ2727 - م1408/ 38] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يسوم الرجل على سوم أخيه) والمعنى فيه: أنه يؤدي إلى القطيعة والأذى، ولهذا شرط ابن خيران:

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ. وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ؛ بِأَنْ يَامُرَ الْمُشْتَرِيَ بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون الأول مسلمًا، وحمل الجمهور الحديث على أنه خرج مخرج الغالب، وصور الأصحاب المسألة بصورتين: إحداهما: أن يجئ رجل إلى آخر قد أنعم لغيره ببيع سلعة بثمن فيزيده ليبيع منه. الثانية: أن يأتي إلى المشتري فيعرض عليه مثلها أو أجود منها بأنقص من ذلك الثمن. قال: (وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن) فلو كان يطاف به على من يزيد .. فلا منع من الزيادة؛ لأنه في هذه الحالةلم يقصد رجلًا بعينه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم باع قدحًا وحلسًا فيمن يزيد، رواه الأربعة من حديث أنس رضي الله عنه. وشرط الاستقرار: أن يكون بصريح اللفظ فلا يكفي التعريض على الأصح، فلو قال: أشاور عليك .. قال ابن الرفعة: كان كالتعريض. والسكوت لا إشعار له بالرضا فلا يكفي قطعًا، وإن كان في الخطبة .. فيه خلاف عن المراوزة. والفرق: أن النكاح مما يستحيى من سرعة الإجابة إليه فأقيم السكوت فيه مقام التصريح على قول بخلاف البيع. قال: (والبيع على بيع غيره)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) متفق عليه. والمعنى فيه ما تقدم من الأذى والقطيعة. قال: (قبل لزومه) بأن يكون في حالة خيار المجلس أو الشرط؛ لأنه متمكن في هذه الحالة من الفسخ، أما بعد اللزوم .. فلا فائدة فيه. قال: (بأن يأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله)؛ لحصول الضرر بذلك، واشتراط

وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ؛ بِأَنْ يَامُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ. وَالنَّجَشِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر بالفسخ في هذه الصورة والتي بعدها ذكره الرافعي والمصنف، ولعله على سبيل المثال، فقد ذكر الماوردي: أنه يحرم طلب السلعة من المشتري بزيادة ربح والبائع حاضر؛ لأنه يؤدي إلى الفسخ أو الندم. ونص الشافعي رضي الله عنه في (اختلاف الحديث) على قريب من ذلك، لكن يشترط للتحريم: أن لا يأذن البائع في البيع، فإن أذن .. ارتفع على الصحيح. وشرط ابن كج أيضًا: أن لا يكون المشتري مغبونًا غبنًا مفرطًا، فإن كان .. فله أن يعرفه ويبيع على بيعه؛ لأنه ضرب من النصيحة، كذا نقله عن الرافعي وأقره. وقال المصنف: إنه انفراد به وأن المختار عدم اشتراطه؛ لأن ظاهر الحديث يخالفه. قال: (والشراء على الشراء؛ بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه)؛ لأنه في معنى البيع على البيع، وفي (صحيح مسلم) [1414]: (لا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه)، والبيع يطلق على الشراء، ولابد أيضًا من كونه قبل اللزوم. قال: (والنجش)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تناجشوا) رواه الشيخان [خ2140 - م1413/ 52] عن ابن عمر رضي الله عنهما. والناجش قد يكون البائع وقد يكون أجنبيًا يقصد ضرر المشتري أو نفع البائع. قال الشافعي رضي الله عنه: فمن نجش .. فهو عاص إن كان عالمًا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يشترط الشافعي رضي الله عنه العلم بالنهي الخاص إلا فيه وفي البيع على البيع. والتحقيق: أن ما اشتهر تحريمه لا يحتاج فيه إلى معرفة النهي الخاص، والخفي لابد فيه من العلم بالنهي. و (النجش) مشتق من نجش الشيء .. إذا أثاره، سمي الناجش بذلك؛ لأنه يثير الرغبات فيه.

بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا خِيَارَ. وَبَيْعِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بأن يزيد في الثمن لا لرغبة بل ليخدع غيره) سواء كان في النداء أم لا، سواء زاد عن ثمن المثل أم لا. وقال صاحب (الأحوذي): إذا لم تبلغ السلعة قيمتها .. لا يكون نجشًا، وينبغي إذا كانت السلعة ليتيم ولم تبلغ قيمتها وهناك عارف لا غرض له في شرائها .. لا تحرم عليه الزيادة إلى أن تبلغ قيمتها. قال: (والأصح: أنه لا خيار)؛ لأن المشتري فرط بترك التأمل وعدم مراجعة أهل الخبرة. والثاني: له الخيار للتدليس كالتصرية، هذا إذا كان بمواطأة البائع، فإن لم يكن للبائع فيه صنع .. فلا خيار جزمًا؛ إذ لا خداع منه. وقول البائع: أعطيت فيه كذا، وهو كاذب، فاشتراه منه المقول له على ذلك، ثم تبين كذبه .. على الوجهين. ولو أخبره عارف: أن الفص عقيق أو فيروزج فاشتراه ثم بان أنه زجاج، فإن كان بمواطأة البائع .. فعلى الوجهين، وإلا .. فلا جزمًا. قال: (وبيع الرطب والعنب لعاصر الخمر) هو بالكسر معطوف على قوله في أول الفصل: (كبيع حاضر لباد)، ودليل هذا النهي: ما روى ابن حبان في (ضعفائه) [1/ 236] عن بريدة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حبس العنب زمن القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يعلم أنه يتخذه خمرًا فقد أقدم على النار على بصيرة). وروى أبو داوود [3666] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن بائع الخمرة ومبتاعها).

وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأُمِّ وَالْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ دل على: أن السبب في المعصية حرام، ولا خلاف عندنا في صحة البيع؛ لأن النهي لأمر خارج عن المعقود عليه. ويشكل عليه: بيع السلاح للحربي. وإن لم يتحقق .. لم يحرم، بل يكره، وإن ظنه ظنًا غالبًا .. حرم على الأصح. والثاني: لا يحرم، وعليه الأكثرون، ونص عليه في (الأم)، وألحق في (الرونق) بذلك: بيع التمر والزبيب ممن يتخذها خمرًا، وبيع الحبوب ممن يتخذها مزرًا، وألحق بها الغزالي: بيع الغلمان ممن عرف بالفاحشة، وكذلك بيع الخشب ممن يتخذها آلة محرمة، وما في معنى ذلك. قال: (ويحرم التفريق بين الأم والولد)؛ لما روى الترمذي [1283] والحاكم [2/ 55] عن أبي أيوب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فرق بين والدة وولدها .. فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة). ولا فرق بين أن يفرق ببيع أو هبة أو قسمة، ولا بين أن يقرضه أو يجعله أجرة ونحو ذلك، وأفتى الغزالي بأنه يمتنع التفريق بالمسافرة أيضًا؛ لعموم الحديث، وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها وإن كانت حرة، بخلاف المطلقة؛ لإمكان صحبة الزوجة. ولو كان له ولد من أمته فأراد انتزاعه منها وإعطاءه لمرضعة غيرها .. فالأصح المنع، وعلله الرافعي قبيل (الجنايات) بتحريم التفريق، لكن يجوز التفريق بالعتق والوصية على الأصح فيهما. وأما التفريق بالفسخ، فإن كان بالرد بالعيب أو بالرجوع في الفلس أو بالفراق قبل

حَتَّى يُمَيِّزَ، وَفِي قَوْلٍ: حَتَّى يَبْلُغَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدخول .. لم يجز على الأصح، وإن كان برجوع المقرض أو الواهب أو صاحب اللقطة .. ففيه نظر. وأم الأم عند عدم الأم كالأم، وقيده الماوردي بما إذا كان لها حق الحضانة، ولو بيع مع الجدة مع وجود الأم .. حرم على الصحيح، ولا خلاف أنه يباع مع الأم دون الجدة، ولا يتعدى الحكم إلى غير الأصول من الأقارب. وإذا كانت الأم رقيقة والولد حرًا أو عكسه .. فلا منع من بيع المملوك قطعًا، ولو كانت الأم لواحد والولد لآخر .. جاز لكل منهما بيع ما في ملكه، والأب كالأم على الأظهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من فرق بين والد وولده) رواه أبو داوود [2689]. فلو رضيت الأم بالتفريق .. فالأصح: الامتناع أيضًا. قال: (حتى يميز) فيستغنى عن الحضانة؛ لأنه حينئذ يفهم الخطاب ويرد الجواب، سواء حصل قبل سبع سنين أو بعدها. وحكم الولد المجنون في ذلك حكم غير المميز، فيمتنع التفريق فيه إلى أن يُفيق. قال: (وفي قول: حتى يبلغ)؛ لما روى الحاكم [2/ 55] عن حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه –وقال: صحيح الإسناد- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفرق بين الأم وولدها)، قيل: إلى متى؟ قال: (حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية)، ولأنه قبل البلوغ ناقص التمييز، ولهذا جاز التقاطه مالم يبلغ. وأجاب الأولون عن الحديث بأن الدارقطني ضعفه. وأما بعد البلوغ .. فلا يحرم جزمًا، خلافًا لأحمد، لكن عندنا يكره.

وَإِذَا فَرَّقَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ .. بَطَلَا فِي الأَظْهَرِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَرَبُونِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ، وَإِلَّا .. فَهِبَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا فرق ببيع أو هبة .. بطلا في الأظهر)؛ لعدم القدرة على التسليم شرعًا. وروى أبو داوود [2689] والحاكم [2/ 55] والبيهقي [9/ 126] من حديث ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه: (أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع). والثاني –وهو القديم-: يصح؛ لأن التحريم للإضرار لا لخلل في العقد. وقوله: (بطلا) بعد العطف بـ (أو) معترض كما تقدم غير مرة. وإذا قلنا: بالصحة لا يقرهما على التفريق، بل إن رضي المتبايعان بضم أحدهما إلى الآخر .. استمر العقد، وإلا .. فسخ. فرع: يجوز التفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن، لكن يكره لا لغرض صحيح، وفيه وجه: أنه لا يجوز، وهو مخصوص بالتفرقة بغير الذبح، أما به .. فيجوز قطعًا، قاله المصنف. قال الشيخ: المراد: ذبح الولد، أما ذبح الأم مع بقاء الولد .. فيظهر أنه كغير الذبح. قال: (ولا يصح بيع العربون؛ بأن يشتري ويعطيه دراهم لتكون من الثمن إن رضي السلعة، وإلا .. فهبة)؛ لما روى مالك [2/ 609] وأبو داوود [3496] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان)، ولأنه اشتمل على شرطين فاسدين: أحدهما: شرط الهبة. والثاني: شرط الرد على تقدير أن لا يرضى. وصورة المسألة: أن يقع الشرط في صلب العقد، فإن اتفقا عليه قبل ذلك ولم يتلفظا به .. فالبيع صحيح.

فصل

فَصْلٌ: بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا، أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا، أَوْ وعَبْدَ غَيْرهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ .. صَحَّ فِي مِلْكِهِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (العربون) أعجمي معرب، وفيه ست لغات: أفصحهن: فتح العين والراء، وضم العين وإسكان الراء، وعُرْبان بالضم والإسكان أيضًا، وإبدال العين همزة مع الثلاثة. ومن لحن العوام (عَرْبون) بفتح العين وإسكان الراء. تتمة: يحرم الاحتكار والتسعير على الأصح فيهما. فـ (الاحتكار): أن يشتري القوت وقت الغلاء ليبيعه فيه بأزيد مما اشتراه به، ولا بأس أن يشتري به وقت رخصه ليبيعه وقت الغلاء، ولا أن يمسك غلة ضيعته ليبيعها وقت الغلاء، لكن الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته، فإن كان بالناس ضرورة وعنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله سنة .. وجب عليه بيع الفضل، فإن لم يفعل .. أجبر عليه. و (التسعير): بأن يأمر الإمام أو نائبه أهل السوق أن لا يبيعوا بضائعهم إلا بكذا. وقيل: يكره ذلك. وقيل: يجوز بزمن الغلاء دون الرخص، ويلحق بالأقوات علف الدواب في الأظهر وإذا سعر فخالف وباع .. عزر، وفي صحة البيع وجهان، حكاهما المتولي. قال المصنف: قلت: الأصح: صحة البيع. وإنما لم يذكر المصنف تحريم الاحتكار والتسعير؛ لأن كلامه في العقد المنهي عنه، والنهي فيهما ليس راجعًا إلى العقد. قال: (فصل: باع خلًا وخمرًا، أو عبده وحرًا، أو وعبد غيره، أو مشتركًا بغير إذن الآخر .. صح في ملكه في الأظهر) ضمن المصنف هذا الفصل حكم تفريق الصفقة، وهي اسم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للعقد، وتفريقها على ثلاثة أقسام: الأول: في الابتداء، ومنه الأمثلة التي ذكرها المصنف. والثاني: في الدوام، كما إذا تلف أحد العبدين قبل القبض. والثالث: في اختلاف الأحكام، كالجمع بين البيع والإجارة. فابتدأ بالتفريق في الابتداء، فإذا باع ما يملكه وما لا يملكه .. صح في ملكه في الأظهر؛ قصرًا للفساد على الفاسد، وهذا هو العدل، كمن باع شقصًا وسيفًا تثبت الشفعة في الشقص إفرادًا لكل واحد بحكمه، وإلى هذا ذهب المزني. والثاني: يبطل فيهما، والأصح في تعليله: أن اللفظة الواحدة جمعت حرامًا وحلالًا فغلب الحرام، وهذا القول صححه الربيع وقال: إنه آخر قولي الشافعي. وقال في (المهمات): إنه المعتمد المفتى به، وإن الذي صححه الشيخان من الصحة خلاف مذهب الشافعي. وصورة المسألة: أن يقول: بعتك هذين الخلين أو العبدين أو هذين، فلو قال: بعتك هذا الخل والخمر أو العبد والحر .. بطل جزمًا، واختار الشيخ أنه لا فرق. تنبيهات: أحدها: أقرب صور الكتاب إلى الصحة الأخيرة، إذا قيل: يصح فيها قطعًا، ثم التي قبلها، ثم التي قبلها، وأبعدها الأولى: لأن الخمر لا تقوم إلا بتقدير تغيير في خلقها. وقيل: لا يصح في الأوليين قطعًا، ولهذا رتبها المصنف كذلك. الثاني: خلاف تفريق الصفقة يجري في كثير من أبواب البياعات والإجارات والأنكحة والشهادات، وغيرها مما ليس مبنيًا على السراية والتعليق، فأما ما كان مبنيًا

فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إِنْ جَهِلَ، فَإِنْ أَجَازَ .. فَبِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ على ذلك كالطلاق والعتق .. فيصح بلا خلاف، فلو طلق امرأته أربعًا أو أعتقها هي وأجنبية .. نفذ في الذي يملكه بالإجماع. الثالث: يستثنى ما إذا أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين. وإذا استعار شيئًا ليرهنه بدين فزاد عليه .. فالأصح فيهما: البطلان في الجميع. وإذا فاضل في الربويات، أو زاد في خيار الشرط على ثلاثة أيام، أو في العريا على القدر الجائز .. بطل في الجميع جزمًا. وإذا أوصى من لا وارث له بأكثر من الثلث .. صحت في الثلث من غير تخريج على الخلاف. قال: (فيتخير المشتري إن جهل)؛ لتبعيض الصفقة عليه، وهذا الخيار على الفور؛ لأنه خيار نقص، قاله ابن الرفعة. واحترز عما إذا كان عالمًا؛ فإنه لا خيار له، وفيما يلزمه القولان الآتيان، وقيل: يجب الجمع قطعًا. قال: (فإن أجاز .. فبحصته من المسمى باعتبار قيمتهما)؛ لأنه جعل الثمن في مقابلتهما فيقدر الحر عبدًا قطعًا، والخنزير شاة على الأصح، والخمر خلًّا كما صححه في زوائد (الروضة)، وقيل: عصيرًا، وهو الأشهر في (شرح المهذب). فإن كان المملوك يساوي مئة والآخر يساوي مئتين .. فالمجموع ثلاث مئة، حصة المملوك منها الثلث، فيؤخذ ثلث المسمى في العقد، فإن كان اشتراهما بمئة وخمسين .. أوجبنا خمسين، وإن اشتراهما بست مئة .. أوجبنا مئتين. وأشار بقوله: (باعتبار قيمتهما) إلى أن المسألة مفروضة فيما إذا كان الذي لا يصح فيه العقد له قيمة عند بعض الناس؛ بأن يكون مقصودًا كالخمر، فإن لم يكن مقصودًا كالدم والحشرات .. كانت الإجازة بالجميع.

وَفِي قَوْلٍ: بِجَمِيِعِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ .. لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الآخَرِ عَلَى الْمذْهَبِ، بَلْ يَتَخَيَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: بجميعه)؛ لأنه لغا ذكر المضموم فيقع في مقابلة الصحيح. وفي قول ثالث: إن كان المبيع مما يتقسط الثمن على أجزائه كالمشترك .. وجب القسط، وإن تقسط على قيمته كالعبدين .. وجب المسمى. وفي رابع: إن كان الآخر له قيمة كعبد الغير .. وجب القسط، وإن لم يكن كالخمر .. وجب المسمى؛ لعدم إمكان التوزيع. تنبيه: أطلق المصنف الخلاف، ومحله في غير الربوي، أما الربوي، فإذا خرج بعض أحد العوضين فيه مستحقًا وصححنا العقد في الباقي .. فالواجب حصته بلا خلاف؛ لأن الفضل بينهما حرام. قال: (ولا خيار للبائع)؛ لتفريطه حيث باع ما لا يملك وطمع في استحقاق ما لا يستحق، وقيل: يثبت له الخيار إذا أوجبنا القسط. قال: (ولو باع عبديه فتلف أحدهما قبل قبضه .. لم ينفسخ في الآخر على المذهب) هذا هو القسم الثاني من تفريق الصفقة وهو تفريقها في الدوام، وإنما لم ينفسخ العقد في الثاني؛ لأنه لم يجمع بين حلال وحرام. والطريق الثاني: يتخرج على القولين فيما إذا باع ما يملكه وما لا يملكه؛ تنزيلًا للطارئ قبل القبض منزلة المقارن للعقد كما سوينا بينهما في الرد بالعيب. قال: (بل يتخير) كما في الابتداء؛ لفوات مقصوده، وهذا راجع إلى الصور الثلاث. هذا إذا كان الآخر في يد البائع أو يد المشتري باقيًا، فإن كان في يده تالفًا ..

فَإِنْ أَجازَ .. فَبِالْحِصَّةِ قَطْعًا. وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مْخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ .. صَحَّا فِي الأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأصح في (تعليق القاضي): أنه لا خيار له. فعلى هذا: عليه حصته من الثمن. والثاني: له الفسخ ويرد قيمته. قال: (فإن أجاز .. فبالحصة قطعًا)؛ لأن الثمن قد يوزع عليهما في الابتداء. وقوله: (قطعًا) تبع فيه (المحرر)، وكان الصواب: أن يعبر بالمذهب؛ لأن الشيخ أبا إسحاق المروزي طرد فيها القولين في عبده وعبد غيره. قال: (ولو جمع في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع أو سلم .. صحا في الأظهر، ويوزع المسمى على قيمتهما) هذا تفريق الصفقة في اختلاف الأحكام. مثال الإجارة والبيع: أجرتك داري شهرًا وبعتك عبدي هذا بكذا. ومثال الإجارة والسلم: أجرتك داري شهرًا وبعتك صاع قمح في ذمتي سلمًا بكذا. فهذه العقود مختلفة الحكم؛ لأن التأقيت في الإجارة شرط وهو في البيع مبطل، والسلم يشترط فيه قبض رأس المال في المجلس دون البيع. ونظير ذلك: البيع والصرف؛ لأن التفرق قبل التقابض يبطل الصرف دون البيع. وكذلك البيع والنكاح؛ لأن النكاح لا يفسد بفساد العوض بخلاف البيع. إذا تقرر هذا: فوجه الصحة القياس على ما إذا باع ثوبًا وشقصًا من دار؛ فإنه يجوز وإن اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التقويم بسببها. ووجه البطلان: أن اختلاف الأحكام قد يعرض بسببه ما يوجب الفسخ فيحوج إلى التوزيع وتلزم منه الجهالة. وأشار المصنف بـ (الإجارة والسلم) إلى أن شرط العقدين أن يكونا لازمين، فلو

أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ .. صَحَّ النِّكَاحُ، وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ. وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَن كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا، وَذَا بِكَذَا، وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع بين بيع وجعالة .. لم يصح قطعًا. ولم يعبر المصنف بعقدين مختلفي الحكم كما في (المحرر) و (الشرح) و (الروضة) و (التنبيه)؛ لئلا يرد عليه البيع والصرف، وما إذا باع عبدين وشرط الخيار في أحدهما دون الآخر، أو شرط في أحدهما يومًا وفي الآخر يومين؛ فإن ذلك كله عقد واحد، ومع ذلك فيه القولان لاختلاف الحكم. قال: (أو بيع ونكاح .. صح النكاح)؛ لأنه لا يفسد بفساد الصداق، وهذه مكررة في (الصداق). وصورتها: أن يتحد المستحق؛ بأن يقول: زوجتك بنتي وبعتك عبدها بكذا، إذا كانت تحت حجره أو وكلته في البيع، أو زوجتك أمتي وبعتك عبدي بكذا، إذا كان ممن تحل له الأمة. قال: (وفي البيع والصداق القولان) أصحهما: الصحة، فيوزع على قيمة المبيع ومهر المثل كما سيأتي في (الصداق). وإن قلنا: لا يصحان .. سقط جميع المسمى ووجب في النكاح مهر المثل. وإن جمع بين بيع وخلع .. صح الخلع، وفي المسمى والبيع القولان. قال: (وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن، كبعتك ذا بكذا، وذا بكذا) سواء فصل المشتري القبول كذلك أم لا على المذهب، فإن فصل الثمن كتفصيل البائع .. صح قطعًا؛ لانتفاء الجهالة، وإن قال: قبلتهما .. فهي متحدة. قال: (وبتعدد البائع) كما إذا قالا: بعناك ذا بكذا، فإن قبل نصيبهما جملة .. صح قطعًا، وإن قبل نصيب أحدهما واقتصر عليه .. لم يصح في الأصح عند

وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا .. فَالأَصَحُّ: اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرافعي؛ لاقتضائه جوابهما، وصحح الشيخ الصحة تبعًا للمتولي، ولم يترددوا في التعدد بتعدد البائع، وحكوا وجهين في أنه: هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شيء من ثمنه؟ أصحهما: نعم. ولو اشترى شقصين من اثنين .. فللشفيع أخذ نصيب أحدهما في الأصح. ولو اشترى في العريا تسعة أوسق من اثنين .. صح في الأصح. قال: (وكذا بتعدد المشتري في الأظهر) كقوله: بعتكما هذا بكذا، فتتعدد الصفقة قياسًا على تعدد البائع. والثاني: لا تتعدد، كما ليس لأحدهما إفراد حصته بالرد، فأما إذا قلنا بالتعدد فقبل أحدهما دون الآخر .. لم يصح على الأصح عند الشيخين والبغوي؛ لعدم المطابقة. والذي جزم به الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي والبندنيجي والجرجاني، ورجحه المتولي والإمام والغزالي والروياني وابن الرفعة والشيخ: الصحة؛ لأنه لو توقفت صحة قبول أحدهما على الآخر .. لما صح العقد. ولو اشترى اثنان من اثنين .. فهو في حكم أربعة عقود. ولا يخفى: أن الصفقة في العرايا والشفعة تتعدد بتعدد المشتري قطعًا وبتعدد البائع على الأصح، عكس المقرر هنا. قال: (ولو وكلاه أو وكلهما .. فالأصح: اعتبار الوكيل)؛ لأن أحكام العقد من اشتراط الرؤية وثبوت خيار المجلس وغيرهما تتعلق به لا بالموكل. والثاني: الاعتبار بالمعقود له؛ لأن مرجع أمر العقد إليه، وهذا هو الأصح في (الوجيز) وبعض نسخ (المحرر). وقد اعتذر المصنف عنه في (الدقائق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أن النظر في جانب الشراء إلى الوكيل، وفي جانب البيع إلى الموكل. والرابع: عكسه. كل هذا في غير الشفعة والرهن؛ ففيهما الاعتبار بالموكل لا بالوكيل. تتمة: من المناهي الداخلة في هذا القسم: مبايعة من في يده الحلال والحرام كالظلمة والمكاسين والمنجمين والذي يضرب بالشعير والحصى والرمل والمشعبذ، فكل ما يأخذه هؤلاء بهذا الفعل حرام. وتكره مبايعتهم سواء كان الحرام أكثر أم الحلال، فإن استويا .. صح، وإن تحقق أن ما يأخذه حرام .. لم تصح المبايعة، وإن تحقق حله .. لم يكره. وخصص الشيخ عز الدين الكراهة بما إذا كان ذلك من جنس الحرام الذي يكتسبه، فإن كان من غيره .. فلا بأس به وإن تردد في أنه اشتراه به. وحرم مالك رضي الله عنه معاملة من أكثر ماله حرام؛ لما في (البيهقي) وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبال من أين مطعمه ولا من أين مشربه .. لم يبال الله به من أي أبواب جهنم أدخله). وقال: (ملاك دينكم الورع). وقال في (الإحياء): يحرم أخذ المال من السلطان إذا كان أكثر ما في بيت المال حرامًا كما هو الغالب. قال المصنف: وهذا شاذ ليس مذهبنا، بل المذهب الكراهة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة إذا نهب متاع مخصوص فصادف الشخص من ذلك النوع شيئًا يباع، واحتمل أن يكون من المنهوب .. فتركه ورع. والورع لمن اشترى شيئًا للأكل أو غيره: أن يشتريه بثمن في ذمته، فإنه يملكه قطعًا، بخلاف ما إذا اشتراه بالعين؛ فإنه لا يقطع بأنه ملكه. * * *

باب الخيار

بَابُ الْخِيَارِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الخيار هو طلب خير الأمرين، والأصل في البيع اللزوم، إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار رفقًا بالمتعاقدين، وهو نوعان: خيار تشه، وخيار نقيصة. فخيار التشهي: ما يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فوات أمر في المبيع، وسببه: المجلس، أو الشرط. وخيار النقيصة سببه: خلف لفظي، أو تغرير فعلي، أو قضاء عرفي، فمنه خيار العيب، والتصرية، والخلف، والفلس، والمرابحة، والتحالف، واختلاط الثمار، وتلقي الركبان. قال: (يثبت خيار المجلس في أنواع البيع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر) متفق عليه [خ2107 - م1531] من رواية ابن عمر رضي الله عنهما. وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشترى شيئًا يعجبه .. فارق المجلس، وتفسير الراوي مقدم على تفسير غيره. ورواه مالك ثم قال: وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به. وقال بعض أصحابه: أشار إلى أن إجماع أهل المدينة على نفيه. ورد بأن ابن المسيب وابن شهاب من أجل فقهاء المدينة ونصا على العمل به، ولم يرد عن أحد من أهلها قبل مالك تركه إلا عن ربيعة على خلاف عنه. وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب في عصر مالك ينكر عليه ذلك، وكان محمد المذكور عظيم الشأن يشبه سعيد بن المسيب. وأنكره أبو حنيفة أيضًا.

كَالصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ. وَلَوِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ .. فَلَهُمَا الْخِيَارُ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْمُشْتَرِي .. تَخَييَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعلق المالكية والحنفية بأمور قال ابن عبد البر: أكثرها تشعب لا حاصل له. والمعنى فيه: أن البيع من عقود المغابنات فشرع فيه الخيار لدفع الغبن. ودخل في كلام المصنف الإقالة إذا جعلناها بيعًا، وكذلك بيع الأب ما له من طفله وعكسه. لكن يرد عليه الحوالة والقسمة؛ فالأصح: لا خيار فيهما وإن جعلناهما بيعًا. وكذلك بيع العبد من نفسه لا خيار فيه على الأصح في (الشرح الصغير) و (شرح المهذب)؛ لأن الإنسان لا يجهل حال نفسه. وأما الحوالة فيأتي حكمها في أول بابها إن شاء الله تعالى. قال: (كالصرف وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة) احترز بـ (المعاوضة) عن صلح الحطيطة فلا خيار فيه؛ لأنه إبراء أو هبة ولا خيار فيهما. لكن يرد عليه الصلح على المنفعة ولا خيار فيه على الأصح؛ لأنه إجارة، وكذلك الصلح عن دم العمد لا خيار فيه أيضًا، قاله القاضي حسين. قال: (ولو اشترى من يعتق عليه، فإن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف .. فلهما الخيار)؛ لوجود المقتضي له بلا مانع، وهذه طريقة الأكثرين، ولو اشترى من شهد بحريته .. فثلاثة أوجه: أصحها: يثبت للبائع دون المشتري. قال: (وإن قلنا: للمشتري .. تخير البائع دونه)؛ تنزيلًا للسراية منزلة إعتاق المشتري الأجنبي في زمن الخيار، وعلى قولنا: (الملك له) يسقط خياره في الأصح ولا يسقط خيار البائع على الأصح.

وَلَا خِيَارَ فِي الإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ، وَكَذَا ذَاتُ الثَّوَابِ وَالشُّفْعَةُ وَالإِجَارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: أطلق الشيخان وابن الرفعة: أن الخيار إذا انقضى في شراء القريب .. عتق. قال الجوري في (باب القراض): إذا لم يوف الثمن لا يعتق وإن انقضى الخيار؛ لبقاء حق الحبس، كما لو ورثه وهو مرهون، وأشار الدارمي هناك إلى خلاف فيه. قال: (ولا خيار في الإبراء والنكاح والهبة بلا ثواب) وهي المقيدة بنفيه والمطلقة إذا قلنا: لا تقتضيه؛ لأن اسم البيع لا يصدق على شيء من الثلاثة. ولا خيار أيضًا: في الرهن، والوقف، والعتق، والطلاق، والعقود الجائزة. قال: (وكذا ذات الثواب)؛ لأنها لا تسمى بيعًا، والخبر ورد في البيع، لكن في بابي (الهبة) و (الشفعة) من (الشرحين) و (الروضة) ما حاصله تصحيح الثبوت. قال: (والشفعة) هذا في حق الشفيع، أما المشتري .. فلا خيار له قطعًا، واستدل لما صححه المصنف بأن المأخوذ منه لا خيار له ويبعد ثبوت خيار المجلس من أحد الجانبين، والذي صححه المصنف هنا وافق فيه (المحرر). وصحح في (الشرح الكبير) في (الشفعة) ثبوت الخيار فيها للشفيع؛ لأن الأخذ فيها ملحق بالمعاوضات بدليل الرد بالعيب والرجوع بالعهدة، لا جرم استدرك عليه في (الروضة) هناك وصحح عدمه ونقله عن الأكثرين، فإن أثبتناه .. فمعناه: أنه بعد الأخذ يتخير في رد الملك وإمساكه، وهذا هو الأصح. وقيل: معناه: أنه يتخير في المجلس قبل الأخذ بين الأخذ والترك. ورجوع المالك في عين ماله بالفلس كالشفعة لا خيار فيه على الأصح. قال: (والإجارة)؛ لأنها عقد غرر والخيار غرر فلا يضم غرر إلى غرر.

وَالْمُسَاقَاةُ وَالصَّدَاقُ فِي الأَصَحِّ. ويَنْقَطِعُ بِالتَّخَايُرِ؛ بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ، فَلَوِ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا. سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ لِلاخَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يثبت فيها الخيار؛ لأنها معاوضة لازمة فأشبهت البيع. وقيل: يثبت في الواردة على الذمة دون الواردة على العين. وصحح المصنف في (تصحيحه) ثبوت الخيار في الإجارة المتعلقة بالزمان، ويلزم منه الثبوت فيما عدا ذلك بطريق أولى، لكن الصحيح المعتمد في أكثر كتبه وكتب الرافعي: عدم ثبوته فيها. قال: (والمساقاة)؛ لأنها كالإجارة على العين، وقيل: أولى بالثبوت، وقيل: أولى بالعدم. والمسابقة، إن قلنا: لازمة .. فكالإجارة. قال: (والصداق)؛ لأن المال فيه تبع للنكاح ولا خيار فيه. فعلى هذا: لو شرطه .. بطل ووجب مهر المثل، ويجري الوجهان في بدل الخلع. قال: (في الأصح) أي: في المسائل الخمس؛ لأنها لا تسمى بيعًا. والوجه الثاني: أن الخيار ثابت في الجميع؛ لأنها في معنى البيع لثبوت العوض. قال: (وينقطع بالتخاير، بأن يختارا لزومه) كقولهما: ألزمناه، أو أجزناه، أو رفعنا الخيار، أو أبطلناه، أو أفسدناه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) أي: إلا بيعًا شرط فيه الخيار. وقيل: هو استثناء من المفهوم، أي: إلا ما شرط فيه خيار الثلاث فلا يلزم بالتفرق. ومحل الاتفاق على اللزوم: إذا كان قول الآخر على الفور. قال: (فلو اختار أحدهما) أي: اللزوم ولم يختر الآخر على الفور (.. سقط حقه وبقي للآخر) كخيار الشرط.

وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا، فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ .. دَامَ خِيَارُهُمَا، وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُزْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه وجه: يسقط خيار الآخر، لأن خيار المجلس لا يتبعض. والثالث: يبقى لهما، وصححه الماوردي لما قلناه. وجوابهما: أنه لا يتبعض ابتداء، أما دوامًا: فممنوع. ولو التزم أحدهما وفسخ الآخر .. قدم الفسخ، ولو قال أحدهما: اختر، أو خيرتك، فقال: اخترت .. انقطع خيارهما، وإن سكت .. انقطع خيار القائل في الأصح ولا ينقطع خيار الساكت. وإذا باع مال ولده من نفسه أو عكسه، فإن ألزم البيع لهما .. لزم، أو له .. بقي الولد، كذا قاله الشيخان وغيرهما، ولم يذكروا ما إذا ألزم البيع لولده .. فظن شيخنا أنه يلزمه ويسقط خيار الولي أيضًا، لما في إلزامه الولد دونه من عدم النظر له، وليس كذلك؛ فقد صرح في (البسيط) بأنه إذا بطل خيار أحدهما بقي الآخر، وهو الصواب. قال: (وبالتفرق ببدنهما)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولابد في ذلك من وصف الاختيار، فلو حمل أحدهما مكرهًا .. لم يبطل خياره في الأصح، ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر .. بطل خيارهما، الهارب لفعله، والماكث لتمكنه من الفسخ بالقول. واحترز (بالتفرق بالبدن) عن التفرق بالروح، يعني: عن التفرق بالموت؛ فإنه لا يبطل كما سيأتي. قال: (فلو طال مكثهما أو قاما وتماشيا منازل .. دام خيارهما)؛ لعدم التفرق، وقيل: لا يزيد على ثلاثة أيام، وقيل: إذا أعرضا عما كانا فيه وطال الفصل .. انقطع، وقيل: ينقطع بانتقالهما إلى مجلس آخر. قال: (ويعتبر في التفرق العرف) فما عده الناس تفرقًا .. لزم به العقد وما لا ..

وَلَوْ مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ .. فَالأَصَحُّ: انْتِقَالُهُ إِلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا، فلو كانا في سفينة أو دار أو مسجد صغار .. فبأن يخرج أحدهما من المكان أو يصعد السطح، وإن كانت الدار كبيرة .. فبأن ينتقل من صحنها إلى صفتها أو بيت من بيوتها، وإن كانا في سوق أو صحراء أو صحن دار .. فبأن يولي أحدهما ظهره الآخر ويمشي قليلًا على الأصح. والثاني: يبعد بحيث لو كلمه على العادة لم يسمع. والثالث: لابد أن يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع. والرابع: يكفي تولية الظهر. والخامس: بمشي خطوة. والسادس: خطوتين. والسابع: خطوات. ولو بني بينهما جدار أو أرخي ستر أو جرى نهر .. لم يكف على الأصح. فرع: تبايعا بالمكاتبة وقبل المكتوب إليه إما لفظًا أو بالكتابة .. فله خيار المجلس ما دام في مجلس القبول، ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه. قال: (ولو مات في المجلس أو جن .. فالأصح: انتقاله إلى الوارث والولي) كخيار الشرط والرد بالعيب، كذا نص عليه الشافعي رضي الله عنه هنا، ونص في المكاتب على أنه إذا باع ومات في المجلس يلزم البيع ولا ينتقل الخيار إلى سيده، فقيل بتقريرهما، والأظهر: أنهما على قولين: أصحهما: أن الخيار ينتقل للوارث والسيد، والإغماء كالجنون. ويقابل الأصح: أنه يسقط، أما في الموت .. فلأن الخيار يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى، وأما في الجنون .. فلأنه في معنى الموت بدليل إسقاط التكليف

وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ أَوِ الْفَسْخِ قَبْلَهُ .. صُدِّقَ النَّافِي ـــــــــــــــــــــــــــــ به، وهذا الخلاف يجري أيضًا في انتقاله إلى الموكل بموت الوكيل، وإلى السيد بموت المأذون. فروع: حيث قلنا بالانتقال فكان المنتقل إليه غائبًا فبلغه .. هل يكون على الفور أو يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر؟ فيه وجهان: أصحهما: الامتداد. وإذا ورث الخيار جماعة، فإن كانوا حاضرين في المجلس .. فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الآخر، فإن فارق بعضهم دون بعض .. لم ينقطع خيارهم في الأصح، وإذا فسخ بعضهم وأجاز بعض .. انفسخ في الجميع على الأصح. وإذا تصرف الولي ثم أفاق المجنون .. لم يكن له نقض ما فعله من فسخ أو إجازة، فإن ادعى: أنه خلاف الحظ .. نظر القاضي، فإن وجده كما ادعى .. نقضه. وإذا كان الوارث طفلًا أو مجنونًا .. نصب الحاكم من يفعل الأصلح له في فسخ أو إجازة. وإذا خرس أحدهما في المجلس، فإن كانت له إشارة مفهمة أو كتابة .. فهو على خياره، وإلا .. أقام الحاكم عنه نائبًا. قال: (ولو تنازعا في التفرق أو الفسخ قبله .. صدق النافي) أي: بيمينه في الأولى قطعًا، وفي الثانية على الأصح؛ لأن الأصل دوام الاجتماع. والثاني: القول قول مدعي الفسخ؛ لأنه أعلم بتصرفه. قال الرافعي وابن الأستاذ: إطلاق الأصحاب تصديق النافي ظاهر إن قصرت المدة، أما إذا طالت .. فدوام الاجتماع خلاف الظاهر، فلا يبعد تخريجه على الخلاف في تعارض الأصل والظاهر، وهو حسن.

فصل

فَصْلٌ: لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: اتفقا على التفرق والفسخ واختلفا في السابق .. فههنا تقابل أصلان، قال الشيخ: (ينبغي أن يقال: من سبق بدعوى الفسخ .. قبل قوله، فإن تساويا أو سبق أحدهما بدعوى التفرق .. صدق النافي للفسخ كما في الرجعة) اهـ والذي قاله وجه محكي في (فروع ابن القطان) رحمه الله. قال: (فصل: لهما ولأحدهما شرط الخيار) بالإجماع كذا قاله الرافعي، وفي كلام الدارمي ما ينازع فيه. فأما جوازه للمشتري .. فاستدل له بالحديث الآتي، وأما للبائع ولهما .. فبالقياس عليه. ويجوز أن يشترط لأحدهما خيار يوم وللآخر خيار يومين أو ثلاثة وأن يشترط لأجنبي على الأصح؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى اشتراطه له؛ لكونه أعرف بالمعقود عليه، لكن لا يجوز للوكيل اشتراطه إلا لنفسه أو موكله. قال: (في أنواع البيع) كبيع الحيوان والعقار وغيرهما وكالصلح حيث جعلناه بيعًا. واحترز بتقييده بـ (البيع) عن الفسوخ والطلاق والعتاق والإبراء والنكاح والإجارة. قال: (إلا أن يشترط القبض في المجلس كربوي وسلم)؛ فإنه لا يجوز اشتراطه لهما ولا لأحدهما، لأن الخيار أعظم غررًا من الأجل، فإذا امتنع الأجل .. امتنع الخيار من باب أولى.

وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشمل قوله: (كربوي): الصرف وبيع الطعام بالطعام. وأشار المصنف بالمثالين إلى: أنه لا فرق بين ما يشترط فيه القبض من الجانبين أو من أحدهما، لكن يرد على حصره: المصراة؛ فإنه يمتنع فيها اشتراط الخيار ثلاثًا للبائع، وإذا اشترى من يعتق عليه .. فإنه يمتنع شرط الخيار فيه للمشتري وحده؛ لأنه يلزم من ثبوته عدم ثبوته، والحوالة إذا جعلناها بيعًا .. فإنه لا خيار فيها، والشفعة لا يثبت فيها خيار الشرط وإن ثبت فيها خيار المجلس دون خيار الشرط في وجه، ولا يثبت في الهبة بثواب، وما عدا هذه المواضع يتلازم الخياران في الوفاق والخلاف. قال: (وإنما يجوز في مدة معلومة)؛ نفيًا للغرر، فلو شرطه مطلقًا أو قدره بمدة مجهولة كمجيء زيد .. بطل العقد، خلافًا لمالك حيث قال: يصح، ويحمل على ما تقتضيه العادة فيه. ولو تبايعا نهارًا بشرط الخيار إلى الليل .. لم تدخل الغاية. قال: (لا تزيد على ثلاثة أيام)؛ لأن الأصل امتناعه لكونه مخالفًا لوضع البيع، لكن وردت السنة بالثلاث في المصراة فاقتصر عليه. واستدل لأن الثلاث مدة قريبة مغتفرة بقوله تعالى: {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب، فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلثة أيام}. ولخصوص الخيار بما روى البيهقي [5/ 273] وابن ماجه [2355] بإسناد حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رجلًا من الأنصار يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يغبن في البيع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بايعت .. فقل: لا خلابة، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال)، ورواه البخاري في (تاريخه) [8/ 17] كذلك مرسلًا. والحديث إلى قوله: (لا خلابة) رواه الشيخان [خ2117 - م1533]، وما زاد على ذلك مرسل، لكن يحتج به لإجماع الأمة على جواز شرط الخيار ثلاثة أيام فما دونها،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو زاد عليها .. بطل العقد جزمًا، ولم يخرجوه على تفريق الصفقة؛ لأن القاعدة في تفريق الصفقة: أن يجمع بين ما يجوز وما لا يجوز فيعقد عليهما، وهنا جمع بينهما في الشرط والشروط الفاسدة مبطلة للعقد كما تقدم. وقال مالك رضي الله عنه: تجوز الزيادة على الثلاث بحسب الحاجة، حتى لو اشترى ضيعة يحتاج النظر فيها إلى شهر فصاعدًا .. جاز اشتراطه. وعن أحمد: تجوز الزيادة بغير تحديد. والرجل الذي كان يخدع في البيع .. قال المصنف في (مبهماته) والبخاري في (تاريخه): إنه منقذ –بالذال المعجمة- والد حبان- بفتح الحاء- وكان قد بلغ مئة وعشرين سنة. وقال الخطيب البغدادي والبيهقي والمصنف في (شرح مسلم): إنه حبان بن منقذ، وجزم ابن الأثير بهما، وحبان ومنقذ صحابيان أنصاريان. وقوله: (لا خلابة) هو بكسر الخاء المعجمة، ومعناه: لا غبن ولا خديعة، وهذه اللفظة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثًا، فإذا أطلقاها وكانا عالمين بمعناها .. ثبت، وإن كان جاهلين .. فلا، وكذا إن علمها البائع دون المشتري على الأصح. ويدخل في الثلاث ما اشتملت عليه من الليالي للضرورة، بخلاف مدة مسح الخف فهي ثلاثة أيام وثلاث ليال. ويشترط اتصال المدة بالعقد فلو شرط ثلاثًا في آخر الشهر، أو خيار الغد دون اليوم، أو متى شاء .. بطل البيع، ولو شرطا ثلاثًا ثم أسقطا اليوم الأول .. سقط الجميع. ويشترط أن لا يكون المبيع مما يتسارع إليه الفساد قبل الثلاث، فإن كان كذلك وشرطا فيه المدة .. فوجهان:

وَيُحْسَبُ مِنَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ: مِنَ التَّفَرُّقِ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ .. فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي .. فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا .. فَمَوْقوُفٌ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ .. بَانَ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا .. فَلِلْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: يبطل أيضًا. والثاني: يصح ويباع عند الإشراف على الفساد ويقام ثمنه مُقامه. وحيث حكما بفساد العقد بشرط فاسد فحذفاه في المجلس .. لم ينقلب صحيحًا. قال: (ويحسب من العقد) أي عند الإطلاق؛ لأن سببه العقد فاستعقبه، فلو شرطاه من التفرق .. بطل في الأصح. قال: (وقيل: من التفرق)؛ لأنه لا فائدة له من خيار المجلس. قال: (والأظهر: أنه إن كان الخيار للبائع .. فملك المبيع له، وإن كان للمشتري .. فله، وإن كان لهما .. فموقوف، فإن تم البيع .. بانَ أنه للمشتري من حين العقد، وإلا .. فللبائع) مجموع ما في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: الملك للبائع. والثاني: للمشتري. والثالث: موقوف. والمذكور في الكتاب توسط ذكره جماعة وعليه الفتوى، وهي جارية في خيار المجلس وخيار الشرط، وينبني عليها الملك في الأكساب وما في معناها، كاللبن والبيض والثمرة ومهر الجارية الموطوءة بشبهة وغير ذلك. وأما النفقة .. فقال الجيلي: إن قلنا: الملك لأحدهما .. فهي عليه، وإن قلنا: موقوف .. فعليهما. وقال ابن الرفعة: يتجه أن يكون كالكسب ويعضده ما قاله الرافعي في نفقة الموصى به، قال: وحيث حكمنا بالملك في البيع لأحدهما .. حكمنا بملك الثمن للآخر، وحيث قلنا: أنه موقوف .. فالملك في الثمن كذلك.

وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالإِجَازَةُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ، وَرَفَعْتُهُ، وَاسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ، وَفِي الإِجَازَةِ: أَجَزْتُهُ، وَأَمْضَيْتُهُ. وَوَطْءُ الْبَائِعِ وَإِعْتَاقُهُ فَسْخٌ، وَكَذَا بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَزْوِيجُهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا شرطا الخيار لأجنبي .. فلم أر من تعرض لمن يكون فيه الملك والذي يظهر: أنه موقوف. قال: (ويحصل الفسخ والإجازة بلفظ يدل عليهما كفسخت البيع، ورفعته، واسترجعت المبيع، وفي الإجازة: أجزته، وأمضيته)؛ لأنها صريحة في المقصود. قال: (ووطء البائع وإعتاقه فسخ)؛ لأن الوطء يشعر باختيار الإمساك، والإعتاق يتضمنه، ووطؤه في هذه الحالة حلال وإعتاقه نافذ، وخالف الرجعة حيث لا تحصل بالوطء؛ لأن الملك يحصل بالفعل كالاحتطاب فكذلك تداركه، بخلاف النكاح، ومحل هذا في غير الإيلاج في فرج المشكل؛ فإنه إذا حصل من البائع أو المشتري لا يكون فسخًا ولا إجازة. وأما مقدمات الوطء كالقبلة ونحوها .. فالأصح: أنها ليست فسخًا عند المصنف، والأشبه في (المطلب): أنها فسخ؛ لأنها لا تباح إلا بالملك. والركوب والاستخدام ليس فسخًا في الأصل خلافًا للبغوي. ثم إذا قلنا: وطء البائع فسخ .. فهل هو على إطلاقه، أو محله فيمن يبيح الملك وطأها في حال حتى لو كانت أخته لا يكون فسخًا؟ لا نقل فيه، والذي يظهر: أنه ليس بفسخ كما لو تلوط بالغلام. قال: (وكذا بيعه وإجارته وتزويجه في الأصح)؛ لدلالتها على ظهور الندم. والثاني: لا؛ لأن الأصل بقاء العقد فيستصحبه إلى أن يوجد الفسخ صريحًا. وقال الرافعي: يجري هذا الخلاف في الوقف والهبة والرهن إذا اتصلا بالقبض، فإن جعلنا هذه التصرفات فسخًا. كانت صحيحة في الأصح؛ قياسًا على العتق.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنَ الْمُشْتَرِي إِجَازَةٌ، وَأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلَ فِيهِ لَيْسَ فَسْخًا مِنَ الْبَائِعِ، وَلَا إِجَازَةً منَ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أن هذه التصرفات) وهي الوطء وما بعده (من المشتري إجازة)؛ لأن وطء البائع اختيار للمبيع فكذا وطء المشتري. والثاني: لا؛ لأن الفسخ بالعيب لا يمنعه الوطء فكذا هنا. ومحل الوجهين في الوطء والعتق: إذا لم يأذن البائع فيهما، فإن أذن .. كان إجازة منهما جزمًا. وأما البيع وما بعده، فإن لم يأذن فيه البائع .. لم ينفذ، لكنه إجازة من المشتري في الأصح، وإن أذن فيه .. فالأصح: صحته، وهو إجازة قطعًا. واحترز المصنف بـ (التصرفات) عن الإذن فيها، فمجرد ذلك لا يكون إجازة من البائع، حتى لو رجع قبل التصرف .. كان على خياره، قاله الصيدلاني وغيره. قال في (شرح المهذب): وفيه نظر؛ لأن الاعتبار بالدلالة على الرضا، وهو حاصل بمجرد الإذن. قال: (وأن العرض على البيع والتوكيل فيه ليس فسخًا من البائع، ولا إجازة من المشتري)؛ لأنهما لا يقتضيان إزالة ملك. والثاني: نعم؛ قياسًا على الرجوع عن الوصية. ويجريان في الرهن والهبة إذا لم يقبضا. تتمة: الوجهان في التوكيل حكاهما المتولي تفريعًا على قولنا: البيع فسخ. وفي (الرافعي): أن في العرض على البيع والإذن والتوكيل وجهين في كونهما فسخًا من البائع أو إجازة من المشتري، فإن أراد بالإذن التوكيل .. فهو عطف الشيء

فصل

فَصْلٌ: لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ كَخِصَاءِ رَقِيقٍ وَزِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على نفسه، وإن أراد إذن البائع للمشتري في ذلك .. فهي مسألة الصيدلاني المتقدمة التي قطع فيها بأنه لا يكون بمجرده إجازة. قال: (فصل: للمشتري الخيار بظهور عيب قديم) بالإجماع وبالقياس على المصراة. وروى أحمد [6/ 80] وأبو داوود [3504] والترمذي [1285] وابن ماجه [2243] والحاكم [2/ 15] عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلًا ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبًا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه). والمراد بـ (القديم) ما كان قبل القبض ولو حدث بعد العقد، بدليل قوله بعد ذلك: (سواء قارن العقد أو حدث قبل القبض). قال: (كخصاء رقيق)؛ لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي. و (الخصاء) بالمد: سل الأنثيين سواء أقطع الوعاء أم الذكر معهما أم لا. ولو قال: كالخصاء .. كان أجود؛ لأن ذلك في البهائم أيضًا عيب، ولا نظر في ذلك إلى زيادة القيمة؛ لأن الخلقة التامة قد نقصت. قال: (وزناه وسرقته وإباقه) ذكرًا كان أو أنثى، أقيم عليه الحد أم لا، ولا يشترط تكرر ذلك، بل لو فعل خصلة من الثلاث مرة واحدة .. كان عيبًا، وقيده الغزالي بالاعتياد، وسواء تاب الزاني وحسنت توبته أم لا، وسواء كان صغيرًا أم كبيرًا وإن كان لا حد على الصغير، لكنه يتعود. وإذا وقعت المخاصمة حالة الإباق لا رد قطعًا ولا أرش على الأصح خلافًا لمالك. والخيانة كالسرقة واللواط، وكونه يمكن من نفسه كالزنا. ولو أبق في يد البائع مرة ثم أبق في يد المشتري أخرى .. فالأصح أن له الرد مميزًا كان أو غيره؛ لأن الإباق الثاني أثر الإباق الأول.

وَبَوْلِهِ فِي الْفِرَاشِ وَبَخَرِهِ وَصِنَانِهِ، وَجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَعَضِّهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبوله في الفراش) ذكرًا كان أو أنثى إلا أن يكون صغيرًا لا يعد ذلك عيبًا فيه، فهذا له شرطان: الاعتياد في الأصح والكبر. وقيد البغوي الصغير بما دون سبع سنين، والقاضي أبو الطيب وغيره بأن لا يكون مثله يحترز منه. قال: (وبخره) أي: الناشئ من المعدة، بخلاف الحاصل من القلح؛ فإنه يزول بتنظيف الفم. قال: (وصنانه) أي: المستحكم الذي يحتاج في دفعه إلى علاج زائد على المعتاد. ومن عيوب الرقيق: كونه نمّامًا، أو ساحرًا، أو قاذفًا للمحصنات، أو مقامرًا، أو تاركًا للصلاة، أو شاربًا للمسكر، وكونه أعمى، أو أعور، أو أعرج، أو أصم، أو أخرس، أو مجذومًا، أو أبرص، أو أقرع، أو مجنونًا، أو أبله، أو يأكل الطين، أو أخفش، أو أعشى، أو أخشم، أو أفقم، أو له إصبع زائدة، أو سن شاغية، أو مقلوع بعض الأسنان، أو أبيض الشعر في غير أوانهما، أو به نفخة طحال، وجعل الروياني منها كونه أعسر. وفصل ابن الصلاح فقال: إن كان (أضبط) وهو: الذي يعمل بيمينه ويساره معًا .. فلا رد؛ لأن ذلك زيادة في القوة، وإن كان يعمل بيساره بدلًا عن يمينه .. فهو عيب. ومن العيوب: كون الأمة لا تحيض في سن الحيض المعتاد. قال: (وجماح الدابة وعضها)؛ لأن ذلك يعده الناس عيبًا، وكذلك إذا كانت

وَكُلِّ مَا يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوِ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إِذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (رموحًا) وهي: التي ترفس من دنا منها، أو خشنة المشي بحيث يخاف منها السقوط. و (الجماح) بكسر الجيم: امتناع الدابة على راكبها. وشرط المتولي والروياني فيها: أن لا تنقاد إلا باجتماع الناس عليها. ومن عيوبها: كونها تشرب لبن نفسها، وقلة أكلها، وكونها ترهب كل شيء تراه، ونحو ذلك. قال: (وكل ما ينقص العين أو القيمة نقصًا يفوت به غرض صحيح إذا غلب في جنس المبيع عدمه) هذا ضابط يُكتفى به عن تفصيل العيوب، فدخل في نقصان العين الخصاء وقد تقدم. و (فوات الغرض) قيد في نقصان العين خاصة، واحترز به عما لو قطع قطعة يسيرة من ساقه أو فخذه واندملت بلا شين، وعن الختان إذا اندمل. ولو اشترى عبدًا فختنه ثم وجد به عيبًا .. كان له الرد؛ لأن الختان زيادة فضيلة ليس بعيب. وقوله: (ينقص) هو على وزن يخرج، هذا هو الفصيح، قال تعالى: {ثم لم ينقصوكم شيئا}، ويجوز فيه التشديد على قلة. والتقييد بـ (الغلبة) راجع إلى القيمة والعين، فأما في القيمة .. فاحترز به عن الثيابة في الأمة الكبيرة فلا رد بها؛ لأنه ليس الغالب فيهن عدمها، وأما في العين .. فاحترز به عن قلع الأسنان في الكبير؛ فلا رد به كما تقدم. فروع: من العيوب: كون المكان ثقيل الخراج، أو منزل الجند، أو بقربه قصارون يؤذون بصوت دقهم، وظهور مكتوب قديم يقتضي وقفيته ولم يثبت، وكذلك شيوع الوقفية بين الناس؛ لأنها تقتضي نقص القيمة.

سَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَمْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشق أذن الشاة إن منع الإجزاء في الأضحية .. كان عيبًا، وإلا .. فلا، وينبغي أن يفرق بين ما يقصد بها الأضحية وغيرها. والحمل: جزم الشيخان هنا بأنه عيب في الجارية دون سائر الحيوان، وجزمًا في آخر الباب بأنه ليس بعيب فيهما، وقالا في (الصداق): إنه عيب فيهما، وفصلا في (الزكاة)، وفي (كفارة الإحرام) بينهما. وإذا اختلفا في صفة هل هي عيب .. فالقول قول البائع، فإن قال واحد من أهل الخبرة: إنه عيب .. رد به، قال البغوي والقاضي والفوراني واعتبر المتولي شهادة اثنين، وبه أجاب القفال، وهو القياس، وإذا ادعى البائع علم المشتري بالعيب .. فالقول قول المشتري. قال: (سواء قارن العقد أم حدث قبل القبض) أما المقارن .. فبالإجماع كما تقدم، وأما الحادث قبل القبض .. فلأن المبيع في تلك الحالة من ضمان البائع فكذا جزؤه وصفته. هذا إذا كان التعيب بآفة سماوية أو من البائع أو أجنبي، فإن كان من المشتري .. فلا على الأصح كما سيأتي. فلو حدث قبل القبض بسبب متقدم رضي به المشتري كما لو اشترى بكرًا مزوجة عالمًا فأزال الزوج بكارتها قبل القبض .. قال الشيخ: لم أر فيها نقلًا، والأقرب: القطع بأنه لا يوجب الرد لرضاه به. قاعدة: العيب سبعة أقسام: في البيع ما تقرر.

وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ .. فَلَا خِيَارَ إِلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ، كَقَطْعِهِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ فيَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الكفارة ما أضر بالعمل إضرارًا بينًا. وفي الأضحية والهدي والعقيقة ما نقص اللحم. وفي النكاح ما نفر عن الوطء، وهو سبعة أشياء: الجنون، والجذام، والبرص، والجب، والعنة، والقرن، والرتق. وفي الصداق إذا طلق قبل الدخول ما فات به غرض صحيح سواء كان الغالب في أمثاله عدمه أم لا. وفي الإجارة ما يؤثر في المنفعة تأثيرًا يظهر به تفاوت في الأجرة. وعيب الغرة كالمبيع. وعيب الزكاة قيل: كالأضحية، والأصح: كالبيع والموهوب بعوض. وينبغي أن يزاد قسم ثامن وهو المرهون، فالظاهر: أن عيبه ما نقص القيمة فقط. قال: (ولو حدث بعده) أي: بعد القبض (.. فلا خيار)؛ لأنه بالقبض صار من ضمانه، وما رواه الحسن عن عقبة وسمرة رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عهدة الرقيق ثلاث ليال) وفي رواية: (أربع)، فجوابه: أن الحسن لم يسمع من عقبة رضي الله عنه شيئًا ولا من سمرة رضي الله عنه إلا حديث العقيقة، لا جرم قال أحمد: لم يثبت في العهدة حديث، فإن حدث بعض القبض وقبل انقضاء الخيار .. كان الحكم كذلك. قال: (إلا أن يستند إلى سبب متقدم، كقطعة بجناية سابقة فيثبت الرد في الأصح) نظرًا إلى سببه الذي استند إليه. والثاني –وهو رأي ابن أبي هريرة-: لا يثبت فيه؛ لأنه قد تسلط على التصرف فيه

بِخِلَافِ مَوْتِهِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قُتِلَ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ .. ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقبض فيدخل المبيع في ضمانه أيضًا، فعلى هذا: يرجع بالأرش. وصورة المسألة: أن يكون المشتري جاهلًا بالسبب، فإن كان عالمًا .. فلا رد ولا أرش؛ لدخوله في العقد على بصيرة. وقوله المصنف: (متقدم) أي: على القبض، سواء كان متقدمًا على العقد أم لا. وقوله: (بجناية) تدخل فيها السرقة وقطع يد الغير عدوانًا؛ فإن الحدود من أنواع الجنايات. قال: (بخلاف موته بمرض سابق في الأصح)؛ لأن المرض يتزايد فلا تتحقق إضافته إلى السابق فيكون من ضمان المشتري، والخلاف في هذه المسألة طريقان: أشهرهما: القطع بما ذكره وأنه من ضمان المشتري، فلو عبر بالمذهب .. كان أولى. والطريقة الثانية: أنه على الوجهين الآتيين فيما إذا قتل بردة. والخلاف في المرض المخوف، أما غيره .. فلا ينسب الموت إليه. والجراحة السارية كالمرض فيها الطريقان، وكذا الحامل إذا ماتت من الطلق: وعلى الأصح: يتعين الأرش إن جَهِل السبب، فإن كان عالمًا به .. فلا شيء. وعلى الثاني: ينفسخ البيع ويرجع بالثمن كله كما في القتل بردة سابقة. قال: (ولو قتل بردة سابقة .. ضمنه البائع في الأصح)؛ لأن التلف حصل بسبب كان في يده فأشبه ما إذا باع عبدًا مغصوبًا فأخذه المستحق منه، فعلى هذا: يرجع المشتري عليه بجميع الثمن. والثاني: يضمنه المشتري؛ لأن القبض سلطه على التصرف ولا يخفى أن الكلام بعد القبض، فإن كان قبله .. انفسخ البيع. ومؤنة تجهيز هذا العبد تخرج على الخلاف:

وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنَ الْعُيُوبِ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى الأول: هي على البائع. وعلى الثاني: على المشتري. هذا إذا لم يعلم بالردة، فإن علم بها .. فالأصح: لا يرجع بشيء ولا ينفسخ البيع. كل هذا تفريع على صحة بيع المرتد وهو المذهب، والوجهان في هذه المسألة هما الوجهان المتقدمان في القطع بجناية أو سرقة، لكن الحكم بكونه من ضمان البائع موجب هناك للرد وهنا لانفساخ البيع، والرجوع بالثمن في الموضعين والحكم بكونه من ضمان المشتري موجب الرجوع بالأرش في الموضعين. قال: (ولو باع بشرط براءته من العيوب .. فالأظهر: أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه دون غيره) استدل الشافعي رضي الله عنه لهذا الحكم بأمرين: أحدهما: ما رواه مالك [2/ 613]: (أن ابن عمر رضي الله عنهما باع غلامًا له بثمان مئة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالعبد داء لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال: الرجل باعني عبدًا وبه داء لم يسمه لي، فقال عبد الله بن عمر: بعته بالبراءة، فقضى عثمان على عبد الله أن يحلف: لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد، فباعه عبد الله بألف وخمس مئة درهم). الأمر الثاني: أن الحيوان يغتذي بالصحة والسقم وتتحول طباعه، وقل ما يخلو عن عيب ظاهر أو باطن، فلو لم يقل بذلك .. أدى إلى أن لا يلزم بيع فيه أصلًا، بخلاف غير الحيوان، والشافعي رضي الله عنه قال هنا: قلته تقليدًا لعثمان، والمراد: أن قوله لما انتشر .. وافق بعض الأقيسة وصار حجة. والفرق بين المعلوم وغيره: أن كتمان المعلوم تلبيس فلا يبرأ منه، والفرق بين الظاهر والباطن: أن الظاهر يسهل الاطلاع عليه ويعلم غالبًا فأعطيناه حكم المعلوم وإن خفي على ندور، فقول المصنف: (دون غيره) راجع إلى الثلاثة المذكورة فلا

وَلَهُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يبرأ عن غير الباطن وهو الظاهر، ولا عن غير الحيوان كالعقار والثياب، ولا عن غير الذي لم يعلمه وهو المعلوم. والقول الثاني: يبرأ مطلقًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون عند شروطهم). فعلى هذا: إذا حدث عيب قبل القبض فله الرد به. والثالث: لا يبرأ مطلقًا؛ لأنه خيار ثابت بالشرع فلا ينتفي بالشرط كسائر مقتضيات العقد، فلو ادعى أحدهما شرط البراءة وأنكره الآخر .. تحالفا. تنبيهان: أحدهما: حيث أبطلنا الشرط لا يبطل العقد في الأصح وإن كان على خلاف سائر الشروط المفسدة؛ لاشتهار القضية بين الصحابة، ومثله في عدم الإبطال بالشرط الفاسد ما سيأتي في (العمرى والرقبى). الثاني: لا يكفي في ذكر العيب أن يقول: هو معيب، أو به جميع العيوب، أو لا ضمان سوى درك الحل كما يفعله كثير من الناس، فلابد من بيان العيب المعلوم. قال الشيخ: وبعض الوراقين في زماننا يجعل بدل شرط البراءة: وأعلم البائع المشتري بأن بالمبيع جميع العيوب ورضي به، وهذا جهل؛ لأنه كذب ولا يفيد، لأن الصحيح: أن التسمية لا تكفي فيما يمكن معاينته، فذكره مجملًا بهذه العبارة كذكر ما يمكن معاينته بالتسمية من غير رؤية، فالقياس: أنه لا يفيد، ومتى وقع ذلك .. كان حكمه حكم شرط البراءة. قال: (وله مع هذا الشرط الرد بعيب حدث قبل القبض)؛ لأن الأصل والظاهر: أنهما لم يريداه، وهذا لا خلاف فيه.

وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ .. لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ .. رَجَعَ بِالأَرْشِ، وَهُوَ: جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنَ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو شرط البراءة عما يحدث .. لم يصح في الأصح)؛ لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته. والثاني: يصح بطريق التبع. والثالث: إن أفرد ما لم يحدث .. لم يصح، أو ضم إليه القديم .. صح تبعًا. قال: (ولو هلك المبيع عند المشتري أو أعتقه ثم علم العيب .. رجع بالأرش)؛ لامتناع الرد، إذ لا مردود، ولا يمكن إسقاط حق المشتري فرجعنا إلى الأرش، وكذلك الوقف والاستيلاد؛ لأنهما إتلاف حكمي، اللهم إلا أن يكون العتق مشروطًا في البيع فأعتقه أو أعتق بالقرابة .. فوجهان في (الرافعي) من غير ترجيح، ورجح الشيخ الرجوع بالأرش فيهما. ومحل ما قاله المصنف في حق عتق العبد المسلم، أما الكافر .. فلا؛ لأنه لم ييأس من رده، فإنه قد يلتحق بدار الحرب فيسترق فيعود إلى الملك. هذا إذا كان معتقه كافرًا، فإن كان مسلمًا .. فالأصح: أنه لا يجوز استرقاقه. قال: (وهو: جزء من ثمنه نسبته إليه نسبة ما نقص العيب من القيمة لو كان سليمًا) عبارة (المحرر) و (الشرح) و (الروضة) إلى تمامها: ولابد منه؛ لأن النسبة لابد لها من منسوب إليه وهي مذكورة هنا مرتين: فالأولى: كاملة، والثانية: ذكر فيها المنسوب فقط. فقوله: (وهو) أي: الأرش (جزء من ثمنه) أي: من ثمن المبيع (نسبته إليه) أي: نسبة ذلك الجزء إلى الثمن (نسبة ما نقص العيب) أي: مثل نسبة ما نقصه

وَالأَصَحُّ: اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إِلَى الْقَبْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العيب (لو كان سليمًا) أي: لو كان المبيع سليمًا. مثاله: القيمة دون العيب مئة وبالعيب تسعون، فالناقص بالعيب العُشر، فينسب ذلك إلى الثمن ونوجب عشرة وهو الأرش، فإن كان الثمن مئتين .. كان الأرش عشرين، وإن كان خمسين .. كان خمسة. وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن، لأنه لو بقي كل المبيع عند البائع .. كان مضمونًا عليه بالثمن، فإن احتبس جزءًا منه .. كان مضمونًا عليه بجزء من الثمن، فالقيمة معيار لمعرفة نسبة الأرش من الثمن لا لانجبار عين ما نقص؛ فإنه قد يستغرق الثمن في بعض الصور. قال: (والأصح: اعتبار أقل قيَمه من يوم البيع إلى القبض)؛ لأنه لو كان يوم البيع أكثر .. فما نقص مضمون على البائع، وإن كان أقل .. فما زاد على ملك المشتري فلا يدخل في التقويم. والطريق الثاني في المسألة ثلاثة أقوال: أصحها: هذا. والثاني: أن الاعتبار بيوم العقد؛ لأن الثمن قد قابل المبيع يومئذ. والثالث: بقيمة يوم القبض؛ لأنه وقت دخول المبيع في ضمانه فكان الصواب التعبير بالمذهب. وقوله: (قيمه) يجوز أن يقرأ بالتنوين على أنه مفرد، وأن يقرأ بفتح الياء وترك التنوين على أنه جمع. ولو أبرأ البائع المشتري من بعض الثمن .. فهل يكون الأرش منسوبًا إلى كل الثمن أو إلى الباقي؟ فيه وجهان.

وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ دُونَ الْمَبِيعِ .. رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتَهُ. وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ إِلَى غَيْرِهِ .. فَلَا أَرْشَ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تلف الثمن دون المبيع .. رده) أي: رد المبيع لوجوده خاليًا من الموانع. ولو كان الثمن باقيًا لكن امتنع نقله من شخص إلى شخص بإعتاق أو كتابة أو استيلاد، أو انتقل إلى آخر ببيع أو غيره، أو تعلق به حق لآخر كرهن وشفعة .. كان حكمه حكم التالف، ولو زال وعاد .. فكالباقي على الأصح. قال: (وأخذ مثل الثمن أو قيمته) المراد: مثله إن كان مثليًا أو قيمته إن كان متقومًا؛ لأنه لو كان باقيًا .. استحقه، فإذا تلف .. ضمنه بذلك قياسًا على غيره، والمعتبر في القيمة: أقل ما كانت من يوم البيع إلى القبض. هذا في الثمن المعين، أما المنقود عما في الذمة .. ففي تعينه بقبض المشتري وجهان: قال الشيخ: ينبغي أن يكون أصحهما: التعيين، ولم يفرقوا هنا بين أن ينقده في المجلس أو بعده، والأول أولى بالتعيين. ولو اعتاض عن الثمن الذي في الذمة ثوبًا ثم رد المبيع .. فالأصح: أنه لا يرجع بالثوب بل بالثمن، وكذا لو تلف المبيع قبل قبضه .. رجع في الثمن دون الثوب على الأصح. ولو أبرأه من جميعه .. جزم القاضي بجواز الرد؛ للتخلص من عهدة المبيع. ولو وهب البائع المشتري الثمن .. فقيل: يمتنع الرد، وقيل: يرد ويطالب ببدل الثمن. ولو تبرع أجنبي بالثمن فردت السلعة بعيب .. رد الثمن على المشتري في الأصح. قال: (ولو علم العيب بعد زوال مكله إلى غيره .. فلا أرش في الأصح)؛ لعدم اليأس من الرد، وهذه العلة عليها الأكثرون، وعلله أبو إسحاق وابن الحداد

فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ .. فَلَهُ الرَّدُّ، وَقِيلَ: إِنْ عَادَ بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ .. فَلَا رَدَّ. وَالرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باستدراك الظُّلامة؛ فإنه بالبيع غَبَنَ كما غُبِنَ. وخرجوا على العلتين إذا زال بلا عوض: فعلى الأصح: لا أرش. وعلى الثاني: يجب كما لو مات. وقال بعض الأصحاب: إن وهبه من ولده .. فلا أرش قطعًا؛ لقدرته على ارتجاعه، والأصح: أنها كالهبة من غيره. قال: (فإن عاد الملك .. فله الرد)؛ لزوال المانع. قال: (وقيل: إن عاد بغير الرد بعيب .. فلا رد) قائل هذا هو المعلل باستدراك الظلامة بالبيع، فيقول هنا: ذلك الاستدراك قد زال فيما إذا عاد بالرد ولم يزل إذا عاد بغيره. قال: (والرد على الفور)؛ لأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المالك فكان على الفور كالشفعة، فإذا أخره بلا عذر .. سقط. واشتراط الفور محله في العقد على الأعيان، أما الواجب في الذمة ببيع أو سلم إذا قبضه فوجده معيبًا .. الأوجه: أنه لا يعتبر فيه الفور؛ لأنه ليس معقودًا عليه، وإنما يجب الفور فيما يؤدي رفعه إلى رفع العقد، فإن قال: لم أعلم أن لي الرد، فإن قرب إسلامه أو نشأ ببادية بعيدة .. قبل منه، وإلا .. فلا. ولو قال: لم أعلم أنه على الفور .. قال الرافعي: يقبل، وقال الغزالي والمصنف: إنما يقبل هنا وفي الشفعة ممن يخفى عليه مثله.

فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ. فَلَوْ عَلِمَ وَهُوَ يُصَلِّي أَوْ يَاكُلُ .. فَلَهُ تَاخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ، أَوْ لَيْلًا .. فَحَتَّى يُصْبِحَ. فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْبَلَدِ .. رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ: ينبغي أن يقبل ممن يخفى عليه ومن مجهول الحال، لكن يستثنى من ذلك العبد إذا أبق فإنما يرد بعد عوده كما تقدم، ولا أرش في الحال في الأصح، ولا يسقط رده بالتأخير قبل عوده. قال: (فليبادر على العادة) فلا يكلف سرعة السير والركض والعدو، ولا في وقت لم تجر العادة فيه بمثل ذلك، فلو لقي البائع فسلم عليه .. لم يبطل رده على الصحيح، فإن أخذ في محادثته .. بطل. قال: (فلو علم وهو يصلي أو يأكل .. فله تأخيره حتى يفرغ)؛ لأنه لا يعد بذلك مقصرًا، ولا فرق بين صلاة الفرض والنفل، ولا بين الشرب والأكل، وكذلك لو كان يقضي حاجة، أو يشتغل بأسباب المسير إلى الخروج ولبس الثياب، أو كان في الحمام كما سيأتي في (الشفعة) إن شاء الله تعالى. قال: (أو ليلًا .. فحتى يصبح)؛ لعدم التقصير. قال ابن الرفعة وغيره: هذا إذا لم يتمكن في الليل من الحاكم ولا الشهود، فإن تمكن .. فكالنهار، وينبغي الجزم به إذا جمعهما بيت أو مسجد أو نحو ذلك، ولم يتعرضوا هنا لكون المطر أو الوحل الشديدين ونحوهما من الأعذار، وقد تعرض المصنف في (باب الشفعة) للكلام على المبادرة أيضًا. قال: (فإن كان البائع بالبلد .. رده عليه)؛ لأنه الأصل، سواء كان بائعًا عن نفسه أو عن غيره بوصاية أو ولاية، وكذا بوكالة، وله أن يرد على الموكل أيضًا إذا قلنا: إنه يطالب بالعهدة. قال: (بنفسه أو وكيله)؛ لأنه قائم مقامه هذا إذا لم يحصل بالتوكيل تأخير.

أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ .. فَهُوَ آكَدُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا .. رَفَعَ إِلَى الْحَاكِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو على وكيله) إن كان له وكيل؛ لما قلناه. قال: (ولو تركه ورفع الأمر إلى الحاكم .. فهو آكد)؛ لأن المالك ربما أحوجه إلى المرافعة كما قيل [من المتقارب]: رأى الأمر يفضي إلى آخر .... فصير آخره أولا ومعنى الرفع إلى الحاكم تقريبه منه، قال الجوهري وغيره. وقال الغزالي: يبدأ بالبائع، فإن عجز .. أشهد، فإن عجز .. فالحاكم. ومقتضى إطلاق المصنف والرافعي: أنه لا فرق في التخيير بين أن يكون الاطلاع بحضرة أحدهم أو في غيبة الجميع. وقال ابن الرفعة: إذا علم بحضور أحدهم .. فالتأخير لغيره تقصير وهو ظاهر، ثم إذا أتى الحاكم .. لا يدعي: أن غريمه غائب عن المجلس وهو في البلد، وإنما يفسخ بحضرته ثم يطلب غريمه. قال الشيخ: وإذا قلنا: إن القاضي لا يقضي بعلمه .. فأي فائدة لفسخه بحضرته مع غيبة غريمه؟ فلعل ما ذكروه مفرع على القضاء بالعلم. قال: (وإن كان غائبًا .. رفع إلى الحاكم) هذا لا خلاف فيه، وإطلاق الرافعي وغيره الغيبة يشمل قليل المسافة وكثيرها، وتوقف فيه ابن الرفعة. وكيفية الرفع إلى الحاكم: أن يدعي شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمن معلوم وأنه أقبضه الثمن ثم ظهر العيب وفسخ البيع، ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي [ويحلفه القاضي] مع البينة؛ لأنه قضاء على غائب، ثم يأخذ

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إِنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إِلَى الْبَائِعِ أَوِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِشْهَادِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الاِسْتِعْمَالِ، فَلَوِ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إِكَافَهَا .. بَطَلَ حَقُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المبيع ويضعه عند عدل ويبقى الثمن دينًا على الغائب، فيقضيه القاضي من ماله، فإن لم يجد له سوى المبيع .. باعه فيه. قال: (والأصح: أنه يلزمه الإشهاد على الفسخ إن أمكنه حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم)؛ لأنه المقدور عليه. والثاني: لا يلزمه لأنه إذا كان طالبًا للبائع أو الحاكم لا يعد مقصرًا. والمراد بـ (الإشهاد): الإشهاد على طلب الفسخ كما اقتضاه كلام الرافعي في (الشفعة). ومقتضى كلام الغزالي هنا: أنه على نفس الفسخ، قال: ويشهد اثنين، قال ابن الرفعة: وهذا على سبيل الاحتياط؛ لأن الواحد مع اليمين كاف، ثم إذا أشهد على الفسخ حتمًا أو ندبًا .. لم يحتج بعده إلى إتيان حاكم ولا بائع إلا للمطالبة، واختاره الشيخ، لكن قول المصنف: (حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم) يأبى ذلك، ويقتضي: أن وجوب الذهاب بحاله. قال: (فإن عجز عن الإشهاد .. لم يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح)؛ لأن الكلام الذي يقصد به إعلام الغير يبعد إيجابه من غير سامع. والثاني: يلزمه كما أن البيع لا يكون إلا بلفظ كذلك الفسخ، ونقله المتولي عن عامة الأصحاب، ويجريان في نظيره من الشفعة. قال: (ويشترط ترك الاستعمال، فلو استخدم العبد أو ترك على الدابة سرجها أو إكافها .. بطل حقه)؛ لدلالة ذلك على الرضا.

وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ يَعْسُرُ سَوْقُها وَقَوْدُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن كان يسيرًا كاسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب .. فلا أثر له. ولو خدمه العبد من غير أن يطلب ذلك منه لكنه سكت .. فيظهر: أن لا يبطل حقه، كما لا يحنث إذا حلف: لا يستخدمه. وقيل: لا يضر كل انتفاع حتى وطء الثيب. وقيل: كل انتفاع ما لم يدل على الرضا كلبس الثوب والوطء، واختاره الشيخ. و (الإكاف): البرذعة. وأما اللجام والعذار .. فيعذر في تركهما، وكذا السرج إذا كان يضرها قلعه، ومحل ذلك: ما إذا لم يشترهما معًا، فإن اشتراهما .. ردهما معًا، وللمشتري علفها وسقيها، فلو وقفها ليحلبها .. بطل حقه. قال: (ويعذر في ركوب جموح يعسر سوقها وقودها)؛ للحاجة. و (الجموح): التي ترَكب رأسَها فلا يردها اللجام. وقيل: يعذر وإن لم يعسر. هذا إذا ركبها للرد أو السقي، فإن ركبها استعمالًا .. بطل حقه على النص. ولو علم العيب وهو راكب فاستدام .. فكابتداء الركوب. ولو علم عيب الثوب وهو لابسه في الطريق .. لم يلزمه نزعه. فروع: مؤنة الرد على المشتري سواء تلفظ بالفسخ أم لا؛ لأن يده يد ضمان قبل الفسخ وبعده كما إذا فسخ بخيار الشرط والتحالف والفلس .. فمؤنة الرد في الجميع عليه،

وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ .. فَلَا أَرْشَ. وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ .. سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا هو المعروف المجزوم به. وفي (شرح المهذب) للعراقي: أنها بعد الفسخ على البائع؛ لأنه عاد إلى ملكه، وهو غريب. وينبغي أن يقال: إن كان البائع عالمًا بالعيب وأخفاه .. فمؤنة الرد عليه، وإلا .. فعلى المشتري. ومؤنة رد المرهون على الراهن، ومؤنة تسليم الموصى به إلى الموصى له، على الموصى له ومؤنة رد العين المستأجرة بعد المدة فيه خلاف يأتي. والصداق بعد التشطير أو الفسخ على الزوج؛ لأنه أمانة في يدها، هكذا قاله القاضي، والأصح: أنه مضمون عليها، ثم المراد بالرد: الرد إلى موضع التسليم. ولو تراضيا على الرد بعوض .. لم يصح في الأصح، ولا يسقط به حق الرد على الأصح. ولو اختلفا في الثمن بعد الرد .. فالصحيح: أن القول قول البائع بيمينه. ولو أبق قبل القبض فأجاز المشتري البيع ثم أراد الفسخ .. فله ذلك ما لم يعد إليه، ذكره الرافعي في آخر (الإجارة). قال: (وإذا سقط رده بتقصير .. فلا أرش)؛ لأنه إنما يعدل إليه للضرورة وهذا مقصر. قال: (ولو حدث عنده عيب .. سقط الرد قهرًا) أي: القهري؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر. نعم؛ إذا كان العيب هو التزويج فقال الزوج: إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق وكان ذلك قبل الدخول .. فله الرد لزوال المانع، ولو كان التزويج من البائع .. فكان كتعليق الطلاق على الرد، ولو لم يعلم بالعيب القديم حتى زال الحادث .. فله الرد في

ثُمَّ إِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ .. رَدَّهُ الْمُشْتَرِي أَوْ قَنِعَ بِهِ، وَإِلَّا .. فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَري أَرْشَ الْحَادِثِ إِلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ، أَو يَغْرَمَ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَلَا يَرُدَّ. فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا .. فَذَاكَ، وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: إِجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الإِمْسَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصح وكأنه لم يكن، ولو زال الحادث بعد أخذ أرش القديم .. فلا فسخ على المذهب، ولو زال القديم قبل أخذ الأرش .. لم يأخذه في الأصح، وبه جزم الشيخان، ولو زال بعد أخذه .. رده على المذهب. واحترز بقوله: (عنده) عما لو حدث قبل القبض؛ فإنه لا يمنع الرد القهري. قال: (ثم إن رضي به البائع .. رده المشتري أو قنع به) أي: بلا أرش؛ لأن المانع من الرد وهو ضرر البائع قد زال برضاه فصار كما لو لم يحدث فيه عيب. قال: (وإلا) أي: وإن لم يرض به البائع معيبًا (.. فليضم المشتري أرش الحادث إلى المبيع ويرد، أو يغرم البائع أرش القديم ولا يرد)؛ لأن كلًا من الأمرين فيه رعاية الجانبين وجمع بين المصلحتين. قال: (فإن اتفقا على أحدهما .. فذاك)؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما. قال: (وإلا .. فالأصح: إجابة من طلب الإمساك) سواء كان بائعًا أو مشتريًا؛ لما فيه من تقرير العقد وهو في هذه الحالة من طلب الرجوع بأرش العيب القديم. والثاني: يجاب البائع مطلقًا. والثالث: يجاب المشتري مطلقًا. فروع: الأول: اشترى حليًا بجنسه ثم اطلع على عيب قديم .. فالأصح: يفسخ البيع ويرد الحلي مع أرش النقص الحادث ولا يلزم الربا؛ لأن المقابلة بين الحلي والثمن وهما متماثلان. الثاني: أنعل الدابة ثم علم بها عيبًا قديمًا، فإن لم يعيبها نزعُ النعل .. فله نزعه والرد، فإن لم ينزع .. لم يجب على البائع قبول النعل، وإن كان النزع يعيب الحافر

وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ لِيَخْتَارَ. فَإِنْ أَخَّرَ إِعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ .. فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ. وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إِلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فنزع .. بطل حقه من الرد والأرش، وإن ردها مع النعل .. أجبر البائع على القبول وليس للمشتري طلب قيمة النعل، والأصح: أن ترك النعل إعراض، فإذا سقط .. أخذه المشتري. الثالث: كان الحادث صبغ الثوب وزادت به القيمة، فأراد البائع إعطاء الأرش، وأراد المشتري رد الثوب وأخذ قيمة الصبغ أو عكسه .. فالمجاب البائع على الأصح، وكذلك حكم القصارة إن جعلناها عينًا، وإلا .. فيرد الثوب ولا شيء له كالزيادة المتصلة. قال: (ويجب أن يعلم المشتري البائع على الفور بالحادث ليختار) أي: هل يقبله بلا أرش أو لا؟ قال: (فإن أخر إعلامه بلا عذر .. فلا رد ولا أرش)؛ لتقصيره بترك الواجب، اللهم إلا أن يكون الحادث قريب الزوال غالبًا كالرمد والحمى .. فلا يعتبر الفور على أحد القولين، بل له انتظار زواله، ليرده سليمًا عن العيب الحادث، ولم يفرقوا هنا بين مدعي الجهل بفورية الإعلام بالعيب الحادث أم لا، وينبغي أن لا يصدق في ذلك، إلا أن يكون ممن يخفي عليه مثله، ولو علم العيب بعد رهنه .. فلا رد في الحال. وأما الأرش، فإن عللنا باليأس .. لم يرجع به، وإلا .. رجع. والإجارة كالرهن إن لم نجوز بيع المستأجر، فإن جوزناه .. فكعيب يرجى زواله. قال: (ولو حدث عيب لا يعرف القديم إلا به ككسر بيض) أي: بيض النعام؛ لأن غيره لا قيمة له بعد الكسر فلا يتأتى فيه الأرش.

وَرَانِجٍ، وَتَقْويرِ بِطِّيخٍ مُدَوِّدٍ .. رَدَّ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الأَظْهَرِ. فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ .. فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ورانج) هو: الجوز الهندي، وهو بكسر النون، وهو الشجرة الطيبة في القرآن، وقيل: هي النخلة. قال: (وتقوير بطيخ مدود .. رد ولا أرش عليه في الأظهر)؛ لأن البائع سلطه على كسره وهو معذور في تعاطي ذلك لاستكشاف العيب. والثاني: يرده ويرد معه الأرش رعاية للجانبين. والثالث: لا يرد أصلًا كسائر العيوب الحادثة. والبطيخ الأجود فيه كسر الباء، وحكي فتحها، وطبيخ بتقديم الطاء على الباء، وهو: ما عدا الأخضر. ومدوِّد ومسوِّس حيث ورد بكسر الواو. قال: (فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه .. فكسائر العيوب الحادثة)؛ لعدم احتياجه إلى ذلك، ومثله في (المحرر) بما إذا قور البطيخ الحامض وكان يمكنه الوقوف على حاله بغرز شيء فيه، وفيه وجه؛ لعسر التمييز، وكذلك لو اشترط في الرمان الحلاوة فبان حامضًا بالغرز .. رد لا بالشق. تتمة: اشترى ثوبًا على أنه عشرة أذرع فخرج دونها أو فوقها .. ففي الصحة قولان: أظهرهما: يصح وللمشتري عند النقص الخيار، فإن أجاز .. فبالقسط أو بالكل؟ فيه قولان: أظهرهما: الثاني، وللبائع الخيار على قول الصحة في حال الزيادة على الأصح، فإن أجاز .. فالجميع للمشتري.

فَرْعٌ: اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً .. رَدَّهُمَا، وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا .. رَدَّهُمَا لَا الْمَعِيبَ وَحْدَهُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدَ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا .. فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوِ اشْتَرَيَاهُ .. فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فرع: اشترى عبدين معيبين صفقة .. ردهما) بالاتفاق كالعين الواحدة، فلو أراد إفراد أحدهما بالرد .. ففيه القولان الآتيان فيما إذا كان العيب بأحدهما. قال: (ولو ظهر عيب أحدهما .. ردهما)؛ لأنهما صفقة واحدة. قال: (لا المعيب وحده في الأظهر)؛ لما فيه من تفريق الصفقة على البائع من غير ضرورة. والثاني: له ذلك؛ لاختصاصه بالعيب. وعلى هذا: يسترجع قسطه من الثمن قطعًا؛ لأنه إن استرجع الجميع .. بقي الباقي في يده بلا مقابل، وإن لم يسترجع شيئًا .. فلا فائدة في الرد. وقال ابن الرفعة: قد تكون فائدته التخلص من عهدته. وأفاد المصنف بتصوير المسألة بالعبدين: أن المبيع لو كان شيئًا واحدًا كدار أو عبد وأراد رد بعضه .. لم يكن له ذلك، اللهم إلا أن يكون باع البعض من البائع .. فله رده عليه كما صرح به القاضي حسين. قال: (ولو اشترى عبد رجلين معيبًا .. فله رد نصيب أحدهما)؛ لأن الصفقة تتعدد بتعدد البائع. هذا إذا اشتراه منهما، فإن اشتراه من وكيلهما .. جاء الخلاف في أن العبرة بالوكيل أو الموكل. قال: (ولو اشترياه .. فلأحدهما الرد في الأظهر) وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد، ومنه أخذ: أن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري وهو الأصح، وكان

وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ .. صُدِّقَ الْبَائِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحسن أن يقول: في الجديد؛ لأن الثاني وجه قديم مرجوع عنه، وبه قال أبو حنيفة: إنه ليس له الانفراد بالرد، ومنه أخذ وجه: أن الصفقة متحدة. والمراد: إذا اشترى اثنان عبدًا من رجل، وهي مسألة (المحرر). لكن عبارته تقتضي شراء اثنين عبدًا من اثنين حتى يكون في معنى أربعة عقود، فيكون كل منهما مشتريًا ربعًا من هذا وربعًا من هذا حتى يرد على من شاء منهما الربع أو النصف؛ لأن ضمير (اشترياه) يعود على عبد رجلين، وهي مسألة صحيحة لم يردها. وبالجملة: للواحد الرد؛ لأنه يرد جميع ما يملك. والثاني ليس له الرد؛ بناء على أنها لا تتعدد بتعدد المشتري. قال: (ولو اختلفا في قدم العيب .. صدق البائع)؛ لأن الأصل لزوم العقد وعدم المقتضي للرد، أما إذا قطعنا بما ادعاه أحدهما .. فهو المصدق، ولا يخفى أن هذا في عيب يمكن حدوثه كالعمى، فإن كان مما لا يمكن، كإصبع زائدة، وشين الشجة المندملة، وقد جرى البيع أمس .. فإن القول قول المشتري، وإن لم يحتمل تقدمه كجراحة طرية وقد جرى البيع والقبض من سنة .. فالقول قول البائع من غير يمين. وصورة مسألة الكتاب: أن يدعي البائع حدوث هذا العيب فلا رد ويدعي المشتري قِدَمه ليرد. فلو عكسا، وذلك يظهر في صورة البيع بشرط البراءة فيدعي المشتري الحدوث قبل القبض ليرد به؛ فإنه لا يبرأ منه، ويدعي البائع قِدَمه .. فالظاهر: تصديق البائع أيضًا، وقيل: المشتري. فرع: ادعى المشتري وجود عيبين في يد البائع فاعترف بأحدهما وادعة حدوث الآخر في يد المشتري .. فالقول قول المشتري؛ لأن الرد يثبت بإقرار البائع بأحدهما فلا يبطل

بِيَمِينِهِ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ. وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ تَتْبَعُ الأَصْلَ، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالْوَلَدِ وَالأُجْرَةِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشك، قاله ابن القطان في (المطارحات)، وهو كذلك في (شرح الوسيط) لابن الأستاذ أيضًا، وحكى أن الشافعي رضي الله عنه أجاب فيها كذلك، ثم قال: وهو ظاهر متجه. قال: (بيمينه)؛ لاحتمال صدق المشتري. قال: (على حسب جوابه) فإن أجاب بـ (لا رد لك بهذا) أو (لا يلزمني) .. حلف كذلك، وإن أجاب بـ (ما بعته إلا سليمًا) أو (ما أقبضته إلا سليمًا) .. حلف كذلك، وتكون يمينه على البت إذا اعتبر العبد وعلم خفايا أمره، أو اعتمد على أن الظاهر السلامة. و (حَسَب) معناه: المثل، وهو بفتح السين، وتسكن في الشِّعر. قال: (والزيادة المتصلة كالسمن تتبع الأصل)؛ لعدم إمكان إفرادها سواء كان ذلك في الثمن أو المثمن، وتعلم الحرفة كالسمن. والكلام هنا في الزيادة المحضة، فلو كان غزلًا فنسجه ثم رأى به عيبًا قديمًا .. فله الأرش، فإن رضي البائع بعيبه .. فقولان: أحدهما: يخير المشتري بين رده منسوجًا ولا أجرة له وبين إمساكه معيبًا؛ لأن النسج أثر لا عين. والثاني –وصححه الروياني-: يخير البائع بين بذل أجرة النسج وأخذه أو غرامة الأرش؛ لأن النسج عمل يقابل بعوض. قال: (والمنفصلة كالولد والأجرة لا تمنع الرد) عملًا بمقتضى العيب، وخالف أبو حنيفة في الولد ونحوه كالثمرة ووافقنا في الأجرة، فذكرهما المصنف ليقاس أحدهما على الآخر، ولينص على: أنه لا فرق بين ما هو من نفس المبيع وغيره.

وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إِنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَهَا حَامِلًا فَانْفَصَلَ .. رَدَّهُ مَعَهَا فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهي للمشتري إن رد بعد القبض)؛ لما روى أبو داوود والترمذي والحاكم وابن حبان بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلًا ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله، ثم وجد به عيبًا، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله؛ قد استعمل غلامي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان) قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم. فمعنى الحديث: أن ما يخرج من المبيع من فائدة وغلة تكون للمشتري في مقابلة أنه لو تلف .. لكان من ضمانه. وخالف في ذلك مالك فقال: يرد الزيادة التي من جنس الأصل مع الأصل كالولد، بخلاف الكسب. ولا خلاف عندنا: أن الزوائد لا ترد في هذه الحالة. قال: (وكذا قبله في الأصح) تفريع على أن الفسخ يرفع العقد من حينه وهو الصحيح؛ لأنه لو أعتق الجارية التي اشتراها بعبد ثم رد العبد .. لم يبطل العتق. والثاني: أنها للبائع بناء على أنه رفع له من أصله؛ لأن الملك قبل القبض ضعيف، أما الإقالة .. فترفع العقد من حينه بلا خلاف. قال: (ولو باعها حاملًا فانفصل .. رده معها في الأظهر) بناء على أن الحمل يعلم ويقابله قسط من الثمن. والثاني: لا بناء على مقابله. ومحل ما ذكره المصنف: إذا لم ينقصها الوضع، فإن نقصها .. فأطلق الرافعي امتناع ردها. ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلًا فحملت عنده ثم اطلع على عيب، فإن نقصت بالحمل .. فلا رد، وإن لم تنقص .. فله الرد.

وَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ الاِسْتِخْدَامُ وَوَطْءُ الثَّيِّبِ. وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ، وَقَبْلَهُ جِنَابَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الولد .. فصحح الشيخان هنا أنه يبقى للمشتري يأخذه إذا انفصل، وصححا في (باب الفلس): أنه تابع للأم، وصوبه في (المهمات). أما إذا ولدت الأمة عنده ثم علم العيب قبل سن التفريق وتمكن من الرد .. فالأصح: أنه لا يرد الأم دون الولد؛ لما فيه من التفريق، كذا جزم به الجرجاني، ويشهد له ما سيأتي في (الرهن) من: أنهما يباعان معًا ولا يفرق. قال: (ولا يمنع الرد الاستخدام) بالإجماع. قال: (ووطء الثيب) قياسًا عليه، وخالف فيه أبو حنيفة، ومراد المصنف: وطء المشتري أو الزوج إذا كانت مزوجة، أما وطء غيره إذا كانت زانية .. فإنه عيب حادث. وشملت عبارته: ما إذا عرف عيب الجارية التي اشتراها من أبيه أو ابنه بعد وطئها وهي ثيب .. فإن ذلك لا يمنعه من الرد وإن حرمت على البائع، وكذلك لو كانت الجارية رضيعة فأرضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ثم عرف بها عيبًا .. فله ردها عليه. قال: (وافتضاض البكر بعد القبض نقص حدث) فيكون مانعًا للرد كسائر العيوب الحادثة، ولا فرق بين أن يكون بوطء البائع أو المشتري أو أجنبي بآلة الافتضاض أو غيرها. قال: (وقبله جناية على المبيع قبل القبض) فيفرق بين الأجنبي والبائع والمشتري والآفة السماوية. تتمة: من علم بالسلعة عيبًا .. لم يحل له أن يبيعها حتى يبينه، وإن علم غير البائع بالعيب .. لزمه أيضًا أن يبينه لمن يشتريه، وشذ المحاملي والجرجاني فقالا: إن ذلك مستحب.

فصل

فَصْلٌ: التَّصْرِيَةُ حَرَامٌ تُثْبِتُ الْخِيَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وهذا لا أعلم أحدًا ممن له علم قال به، والأحاديث الصحيحة الصريحة ترده، وكلام جميع الأصحاب مصرح بخلافه سواء كان المشتري مسلمًا أو ذميًا. وظابط ما يحرم كتمانه: ما يثبت به الخيار، وما لا .. فلا كذكر القيمة، قاله الإمام، فإن باع ولم يبينها .. صح البيع. قال: (فصل: التصرية حرام) (التصرية): الجمع، قال: صرى الماء في الحوض تصرية: إذا جمعه. و (المصراة): البهيمة التي تربط أخلافها ليجتمع لبن كثير فيتوهم أن عادتها كذلك، وهذا الفعل حرام؛ للتدليس، وكذلك البيع. قال صلى الله عليه وسلم: (بيع المحفلات خلابة ولا تحل خلابة مسلم) ذكره عبد الحق. وإطلاق المصنف يقتضي: أنه لا فرق بين أن يقصد البيع أم لا، وهو كذلك، كما صرح به المتولي، وعلله بإضراره بالحيوان. قال: (تُثبت الخيار)؛ لما روى الشيخان [خ2148 - م1515/ 11] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك .. فهو بخير النظرين: إن رضيها .. أمسكها، وإن سخطها .. ردها وصاعًا من تمر). ووافقنا على ثبوت الخيار بذلك مالك وأحمد، وخالف أبو حنيفة فقال: لا خيار بها، وتأوَّل الحديث.

عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ: يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَإِنْ رَدَّ بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ .. رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (على الفور) كالرد بالعيب، فلو ترك الحلب ناسيًا أو لشغل أو تحفلت بنفسها .. ففي ثبوت الخيار وجهان في (الشرح) و (الروضة): المذكور منهما في (الحاوي الصغير): أنه لا يثبت. قال: (وقيل: يمتد ثلاثة أيام)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وهو بالخيار ثلاثة أيام) رواه مسلم، وهذا الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه صريحًا، وقال به أكثر الأصحاب، واختاره الشيخ، وهو الحق. وقال الشيخ تقي الدين القشيري: إنه الصواب. ثم هل ابتداؤها من العقد أو التفرق؟ فيه الوجهان في خيار الشرط. ومقتضى هذا: أنها من العقد على الأصح. وقال ابن المنذر: ابتداؤها من الحلب. ثم في علة هذا الخيار وجهان: أحدهما: تدليس البائع. والثاني: ضرر المشتري لإخلاف ما ظنه. ويظهر أثرهما فيما لو تحفلت بنفسها. وشملت عبارة المصنف: ما إذا اشترى مصراة ثم در اللبن على ما أشعرت التصرية به عليه واستمر، وفي الرد بذلك وجهان: أصحهما: نعم، وجزم به البغوي، وهما مأخوذان من القولين في الأمة إذا عتقت تحت عبد ولم تعلم حتى عتق، وشبيهان بالوجهين فيما إذا اشترى معيبًا ولم يعلم بالعيب حتى زال. قال: (فإن رد بعد تلف اللبن .. رد معها صاع تمر)؛ للحديث، لكن يستثنى من هذا: ما إذا تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره، أو على رد اللبن المحلوب عند

وَقِيلَ: يَكْفِي صَاعُ قُوتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بقائه؛ فإنه يجوز بلا خلاف كما قاله البغوي وغيره، خلافًا لابن المنذر؛ فإنه منع إبدال التمر باللبن؛ لأنه بيع ذلك الطعام قبل قبضه، وذكر ابن كَج وجهين في جواز إبدال التمر باللبن إذا تراضيا. والواجب في التمر: أن يكون من التمر الوسط، فإن فقد .. فقيمته، قيل: بالمدينة، وقيل: بأقرب بلد إليه. وشملت عبارته: ما إذا اشتراها بصاع من التمر؛ فإنه يردها ويرد معها صاعًا من تمر، وليس ذلك ربًا، لأن هذا فسخ، لكن سوء تدبير، ولذلك قال الشيخ: إنه لا يمتنع. تنبيه: تبع المصنف في التقييد بـ (تلف اللبن) (المحرر)، وفي ذلك نظر؛ فإنه وإن كان موجودًا فله إمساكه ورد الصاع، وليس للبائع إجباره على رده؛ لأن ما حدث منه بعد البيع ملكه ولا يتميز، وليس للمشتري رده على البائع قهرًا في الأصح؛ لذهاب طراوته، أما إذا حمض .. فكالتالف. فرع: إذا تعددت الشياه المصراة .. لا نقل فيها عند أصحابنا، لكن نقل ابن قدامة الحنبلي عن نص الشافعي تعدد الصاع بعددها، وهو منقاس، وفيه عند المالكية خلاف، وإلى عدم التعدد ذهب ابن حزم، وزعم ابن الرفعة: أنه ظاهر الحديث، وإليه مال أبو عمر بن عبد البر. قال: (وقيل: يكفي صاع قوت) ولو وجد التمر؛ لأنه ورد صاع تمر أو صاع قوت أو صاع من طعام.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَأَنَّ خِيَارَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَاكُولٍ وَالْجَارِيَةَ وَالأَتَانَ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا، وَفِي الْجَارِيَةِ وَجُهٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى هذا: يعتبر غالب قوت البلد كالفطرة، فيتخير الراد بينها. قال الإمام: لا يتعدى إلى الأقط، بخلاف صدقة الفطر. قال: (والأصح: أن الصاع لا يختلف بكثرة اللبن)؛ لإطلاق الخبر وقطعًا للنزاع. والثاني: يتقيد بقدره؛ لما روى أبو داوود [3439]: (ومثل أو مثلي لبنها قمحًا). وعلى هذا: فقد يزيد الواجب على الصاع وقد ينقص؛ لأنه سوى بين الإبل والبقر والغنم في ذلك مع اختلاف ألبانها. قال: (وأن خيارها لا يختص بالنعم بل يعم كل مأكول والجارية والأتان)؛ لأن في رواية أبي داوود: (من اشترى محفلة). والثاني: يختص بالنعم؛ لأن ما عداها لا يقصد لبنه إلا نادرًا. و (الأتان) بالتاء المثناة: الأنثى من الحمر الأهلية، ولا يقال: أتانة، والجمع: أُتُنٌ وأُتْنٌ. قال: (ولا يرد معهما شيئًا)؛ لأن لبنها لا يقابل بالأعواض غالبًا، ولأن لبن الأتان نجس. قال: (وفي الجارية وجه): أنه يرد معها صاع تمر لطهارته والانتفاع به، ومفهوم كلامه: أن الوجه لا يجري في الأتان، وطرده الإصطخري فيها، وهو تفريع منه على رأيه في أن لبن الأتان طاهر يحل أكله وشربه، وأما غير المصراة إذا حلبها ثم ردها بعيب .. فلا يرد معها شيئًا، قال الشافعي رضي الله عنه في مناظرة محمد بن الحسن.

وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ وَالرَّحَى الْمُرْسَلِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ، وَتَسْوِيدُ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدُهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، لَا لَطْخُ ثَوْبِهِ تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحبس ماء القناة والرحى المرسل عند البيع، وتحمير الوجه، وتسويد الشعر وتجعيده يثبت الخيار)؛ قياسًا على التصرية؛ لأن في ذلك غشًا وخديعة، ولابد أن يكون ذلك بحيث لا يظهر لغالب الناس أنه مصبوغ حتى لا ينسب المشتري إلى تقصير، وأن يكون بفعل البائع أو غيره بإذنه، فإن حصل بلا صنع .. فكما لو تحفلت بنفسها. والمراد: التجعيد المحبوب لا المفلفل كشعر السودان؛ لأن الجعودة تدل على قوة البدن والسبوطة على ضعفه. قال: (لا لطخ ثوبه تخييلًا لكتابته في الأصح)؛ لتقصير المشتري بعدم الامتحان أو السؤال عنه. والثاني: نعم؛ للتلبيس. تتمة: الخلاف جار فيما إذا ألبسه ثوب الكتبة أو ثياب الخبازين وغيرهم من الصنائع، وفي علف الدابة حتى ينتفخ بطنها فتظن حاملًا، وفي إرسال الزنبور على ضرعها فتظن لبونًا، فلو كان على ثوبه لطخة مداد .. لم يثبت الخيار بذلك قطعًا. * * * خاتمة اشترى شاة وشرط أنها تحلب كل يوم خمسة أرطال مثلًا .. فوجهان في (المهذب) و (العدة) و (البحر): أصحهما –وبه جزم الرافعي في (باب المناهي) _: البطلان. والثاني: يصح، فإذا أخلف .. ثبت الخيار. * * *

باب

بابٌ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ. فَإِنْ تَلِفَ .. انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب قال: (المبيع قبل قبضه من ضمان البائع)؛ لبقاء سلطنته عليه، فينفسخ بتلفه ويثبت الخيار بتعيبه، ولا يكون من ضمان المشتري؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن، رواه الحاكم [2/ 17] والأربعة وابن حبان [4321]. وقال مالك وأحمد وأبو ثور وابن المنذر: إنه من ضمان المشتري؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان) وقد تقدم قريبًا: أنه حسن. وجوابه: أن (الألف واللام) في الخراج للعهد، وهو خراج المردود بعيب. لكن يستثنى: ما إذا اشترى أمة فوطئها أبو المشتري قبل القبض وأحبلها ثم ماتت .. فإنها تتلف من ضمان المشتري؛ لأنها بالعلوق يقدر انتقالها إلى ملك الأب. وإذا اشترى السيد من مكاتبه شيئًا ثم عجَّز نفسه قبل قبض السيد العين المبيعة. وإذا اشترى الوارث من مورثه عينًا ثم مات المورث قبل القبض. ثم إطلاق المصنف: أن الضمان على البائع يشمل: ما إذا عرضه عليه فامتنع من قبوله، وهو الذي قاله الرافعي في أوائل (الصداق)، لكن لو وضعه بين يديه عند امتناعه .. برئ من ضمانه على الصحيح كما سيأتي. قال: (فإن تلف) أي: بآفة سماوية (.. انفسخ البيع وسقط الثمن)؛ لأنه قبض مستحق بالبيع، فإذا تعذر .. انفسخ البيع كما إذا تفرقا في عقد الصرف قبل التقابض. ولو كان الثمن دينًا على البائع .. ففي عوده عليه وجهان: أصحهما: العود، كذا قاله الرافعي في (كتاب الأضحية).

وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي عَنِ الضَّمَانِ .. لَمْ يَبْرَا فِي الأَظْهَرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْحُكْمُ. وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ إِنْ عَلِمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (الانفساخ): عود ملكه إلى البائع قبيله، وقيل: يرتفع من أصله وينبني عليهما الزوائد الحادثة من المبيع في يد البائع كالولد والبيض واللبن والكسب، والأصح: أنها للمشتري وتكون أمانة في يد البائع. وفي معنى الزوائد: ما وهب من العبد فقبله وقبضه، وما صار إليه بوصية، وكذلك الحكم في مؤنة تجهيز العبد إذا مات. ويقوم مقام التلف وقوع الجوهرة في البحر، وانفلات الطير والصيد المتوحش. ولو غصب المبيع أو ضاع أو أبق أو جحده البائع .. ثبت الخيار. وانقلاب العصير خمرًا كالتلف على الصحيح. ولو أدعى البائع تلف المبيع عنده .. قبل قوله على الصحيح. قال: (ولو أبرأه المشتري عن الضمان .. لم يبرأ في الأظهر ولم يتغير الحكم)؛ لأنه إبراء عما لم يجب. والثاني: يبرأ لوجود السبب، فصار كما لو أبرأ الغاصب عن ضمان الغصب وسيأتي في (الرهن). قال الشيخ: والذي أقطع به: أنه لو جرى مثل ذلك في الصرف .. لم يسقط اشتراط التقابض؛ فإنه لحق الله تعالى، ولتحقق عدم الربا، فلا يتمكن العاقدان من إسقاطه. فقوله: (ولم يتغير الحكم) لا فائدة له مع قوله: (لم يبرأ)، لكن أتى به على جهة التأكيد. قال: (وإتلاف المشتري قبض إن علم) أي: إن علم أنه المبيع، كما لو أتلف المالك المغصوب في يد الغاصب، وقيل: ينفسخ البيع. هذا في الإتلاف بغير العتق، أما بالإعتاق .. فسيأتي. لكن يستثنى منه: ما لو قتله لصياله عليه، فالأصح: أنه ليس قبضًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما إذا ارتد وكان المشتري الإمام فقتله بردته، فلو كان المشتري غيره .. كان قتله قبضًا. والقياس في تارك الصلاة وقاطع الطريق والزاني المحصن: أن يكون كالمرتد، ويتصور في الكافر إذا زنا ثم لحق بدار الحرب فاسترق. فروع: أتلف المشتري بعض المبيع في يد البائع .. جعل كالقابض له إن كان مما يتقسط الثمن عليه كأحد العبدين. ولو قطع يد العبد ثم مات عند البائع بآفة سماوية .. فالأصح: أنه يلزم المشتري جزء من الثمن بنسبة ما نقص من قيمته. ولو أتلف المشتري والبائع المبيع .. لزم البيع في نصفه المقابل لجناية المشتري، وأما النصف الآخر .. فيعلم حكمه من جناية البائع. وإتلاف بهيمة المشتري إن كان معها كإتلافه، وإن لم يكن معها؛ فإن كان بالنهار .. انفسخ البيع؛ لتفريط البائع، وإن كان بالليل .. ثبت الخيار؛ لتفريط المشتري، فإن فسخ .. طالبه بالقيمة. وإتلاف بهيمة البائع كالآفة، هكذا قاله القفال، قيل له: هلا فرق فيها بين الليل والنهار؟ قال: هذا موضع التروي؛ يعني: تروي الفقيه في طلب الفرق.

وَإِلَّا .. فَقَوْلَانِ كَأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ الْمَغْصُوبَ ضَيْفًا. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ إِتْلَافَ الْبَائِعِ كَتَلَفِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإتلاف الأعجمي والصبي الذي لا يميز بأمر المشتري أو البائع كإتلافهما، وإتلاف المميز بأمرهما كإتلاف الأجنبي. قال: (وإلا) أي: وإن لم يعلم (.. فقولان كأكل المالك طعامه المغصوب ضيفًا) هما في المغصوب قولان: أصحهما: يبرأ لمباشرة المالك الإتلاف، وهنا وجهان: ومقتضى البناء: مصيره قابضًا في الأصح. وعلى الثاني: يكون كما لو أتلفه البائع إن كان البائع هو المقدم له، وإن كان أجنبيًا بغير إذن البائع .. فينبغي أن يكون كإتلاف الأجنبي، وإن لم يكن بتقديم أحد .. فينبغي أن يكون كالآفة. فرع: لو وطئها المشتري لم يصر قابضًا لها، بدليل: أنه لو زنى بجارية إنسان .. لم يصر غاصبًا لها، فهو بمنزلة الاستخدام، ثم إن تم العقد .. فذاك، وإن انفسخ بأن ماتت قبل القبض .. فلا مهر على المشتري. قال: (والمذهب: أن إتلاف البائع كتلفه) أي: بآفة سماوية حتى ينفسخ البيع؛ لأنه لا يمكن الرجوع عليه بالقيمة؛ لأن المبيع مضمون عليه بالثمن، بخلاف الأجنبي؛ فإنه إذا أتلفه .. سقط الثمن، وصحح الرافعي في كتبه كلها ما صححه المصنف، إلا في (الشرح الصغير)؛ فإنه صحح عدم الانفساخ. والطريق الثاني: القطع بالانفساخ. والثالثة: القطع بعدمه.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّ إِتْلَافَ الأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيُغَرِّمَ الأَجْنَبِيَّ، أَوْ يَفْسَخَ فَيُغَرِّمَ الْبَائِعُ الأَجْنَبِيَّ. وَلَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَرَضِيَهُ .. أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ. وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي .. فَلَا خِيَارَ، أَوِ الأَجْنَبِيُّ .. فَالْخِيَارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قلنا: لا ينفسخ .. تخير المشتري؛ لفوات العين. قال: (والأظهر: أن إتلاف الأجنبي لا يفسخ)؛ لقيام القيمة مقام البيع. والثاني: ينفسخ البيع؛ لتعذر التسليم، لأن المعقود عليه قد فات، وصححه القاضي أبو الطيب، وقال المتولي: إنه ظاهر المذهب. وكان الأحسن حذف (الأظهر) وعطفه على (المذهب)؛ فإن فيه طريقة قاطعة بأنه فسخ فيكون أخصر وأفيد. قال: (بل يتخير المشتري بين أن يجيز ويغرم الأجنبي، أو يفسخ فيغرم البائع الأجنبي)؛ لفوات غرضه في العين. هذا إذا أتلفه الأجنبي عدوانًا، فإن أتلفه بحق بأن قتل عبده فاقتص منه .. فإتلافه كالآفة السماوية قطعًا. قال: (ولو تعيب قبل القبض) أي: بآفة سماوية (فرضيه .. أخذه بكل الثمن) كما لو كان مقارنًا للعقد؛ لأن الأوصاف لا تقابل ولا أرش لها مع القدرة على الفسخ. قال: (ولو عيبه المشتري .. فلا خيار)؛ لحصوله بفعله، ولأنه يمتنع بسببه الرد بالعيوب القديمة ويكون قابضًا لما أتلفه، فإذا قطع يده ومات بالسراية .. استقر عليه الثمن كله، أو بعد الاندمال .. ضمن اليد بجزء من الثمن بالطريق المتقدم في الكتاب لا بنصف القيمة ولا بما نقص منها. قال: (أو الأجنبي .. فالخيار)؛ لكونه مضمونًا على البائع، وهذا لا خلاف فيه.

فَإِنْ أَجَازَ .. غَرِمَ الأَجْنَبِيُّ الأَرْشَ. وَلَوْ عَيَّبَهُ الْبَائِعُ .. فَالْمَذْهَبُ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَا التَّغْرِيمِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أجاز .. غرم الأجنبي الأرش) بالاتفاق أيضًا، والمراد: القدر المذكور في (الديات)، ففي يد العبد .. نصف القيمة، وفي يديه .. كلها. قال: (ولو عيبه البائع .. فالمذهب: ثبوت الخيار لا التغريم) أما ثبوت الخيار .. فبلا خلاف؛ لأن فعل البائع إما كالآفة وإما كفعل الأجنبي وكلاهما مثبت للخيار. وأما التغريم .. فالمذهب: أنه لا يثبت؛ بناء على أنه كالآفة السماوية. والثاني: يثبت؛ بناء على جعله كالأجنبي، فكان الصواب أن يقول: يثبت الخيار لا التغريم على المذهب. قال: (ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه) سواء كان عقارًا أو غيره، أذن فيه البائع أم لا، أعطى المشتري الثمن أم لا؛ لما روى الشيخان [خ2126 - م1525/ 29] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس رضي الله عنهما: (وأحسب كل شيء مثله). وروى البيهقي [5/ 313] عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله؛ إني أبتاع هذه البيوع فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال: (يا أبن أخي؛ لا تبيعن شيئًا حتى تقبضه). وروى مسلم [1528/ 39] عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشترى الطعام ثم يباع حتى يستوفى). وفي (الصحيحين) [خ2131 - م1527] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام جزافًا أن يبيعوه حتى يبلغه الرجل إلى رحله). وأجمعوا على منعه في الطعام، وجوزه مالك في غيره، وأبو حنيفة في العقار، وأحمد فيما ليس بمكيل ولا موزون ولا معدود ولا مذروع.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ بَيْعَهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ، وَأَنَّ الإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ وَالْهِبَةَ كَالْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الأصحاب للمنع معنيين: أحدهما: ضعف الملك؛ فإنه معرض للسقوط بالتلف، وإلى هذا ذهب الأكثرون. والثاني: توالي ضمانين؛ لأن المبيع إذا تلف قبل القبض تبينا انتقاله إلى ملك البائع قبيل تلفه، فلو جوز بيعه .. لكان له بائعان فيكون مضمونًا للمشتري الأول على البائع ومضمونًا عليه للمشتري الثاني. واستبعد الرافعي العلتين وجعل الاعتماد على الإخبار، وهو قريب من كلام الإمام؛ فإنه جعل الغالب عليه التعبد. قال: (والأصح: أن بيعه للبائع كغيره)؛ لعموم الأدلة المتقدمة. وموضع الوجهين: إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة، وإلا .. فهو إقالة بلفظ البيع، قاله المتولي، وخرجه شيخه القاضي حسين على أن العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها. والأصح –كما قاله الرافعي في أوائل (السلم) -: أن العبرة باللفظ، وحينئذ فلا يصح على الصحيح. واستثنى المتولي من منع بيع المبيع قبل قبضه قسمته قسمة إجبار وإن قلنا: إنها بيع؛ فإن الرضا فيها غير معتبر، فكذلك القبض. قال: (وأن الإجارة والرهن والهبة كالبيع) هذا تفريع على ضعف الملك. والثاني: يصح بناء على: أن العلة توالي الضمان، وصححه الغزالي، ومحل عدم جواز رهنه: إذا رهنه من غير البائع، فإن رهنه من البائع، فإن كان بالثمن حيث له حق الحبس .. لم يجز على الصحيح، وإلا .. فالمشهور جوازه.

وَأَنَّ الإِعْتَاقَ بِخَلافِهِ. وَالثَّمَنَ المُعَيَّنُ كالْمَبِيعِ، فَلَا يَبِيعُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةً كَوَدِيعةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ، وَمَرْهُونٍ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأن الإعتاق بخلافه) فيصح وإن كان للبائع حق الحبس؛ لقوة العتق، ولذلك نقل ابن المنذر فيه الإجماع. والثاني: لا يصح؛ لأنه إزالة ملك كالبيع. والثالث: إن لم يكن له حق الحبس بأن كان الثمن مؤجلًا أو حالًّا ووفَّاه .. صح، وإلا .. فلا. والاستيلاء والتزويج كالعتق، والكتابة كالبيع على الصحيح؛ إذ ليس لها قوة العتق، والوقف كالعتق على الصحيح في (شرح المهذب)، وفي (الشرح) و (الروضة): أنا إن شرطنا القبول .. فكالبيع، وإلا .. فكالعتق، وصحح الرافعي في وقف الراهن: أنه يبطل مطلقًا ولا يلتحق بالعتق، والقياس: التسوية بين البابين، أما إذا رجع فيما وهب لولده .. فله بيعه قبل قبضه على الصحيح. والشفيع إذا تملك الشقص .. قال في (التهذيب): له بيعه قبل قبضه، وقال المتولي: ليس له ذلك؛ لأن الأخذ بها معاوضة، وقواه المصنف. وللموقوف عليه بيع الثمرة الحاصلة من الشجرة الموقوفة قبل أن يأخذها. وإذا اشترى طعامًا جزافًا وأباحه للفقراء قبل قبضه فأكلوه .. كان قبضًا، قاله الماوردي والروياني. قال: (والثمن المعين كالمبيع، فلا يبيعه البائع قبل قبضه)؛ لعموم النهي ولتوقع الانفساخ، لكن لا حاجة إلى قوله: (فلا يبيعه البائع قبل قبضه) بل يضر؛ لأنه يوهم جواز غير البيع، ولهذا عبر في (المحرر) بالتصرف ليعم. قال: (وله بيع ماله في يد غيره أمانة كوديعة ومشترك وقراض، ومرهون بعد

انْفِكَاكِهِ، وَمَوْرُوثٍ، وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيَّهِ بَعْدَ رُشْدِهِ، وَكَذَا عَارِيَةٌ وَمَاخُوذٌ بِسَوْمٍ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَا الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ. وَالْجَدِيدُ: جَوَازُ الاِسْتِبْدَالِ عَنِ الثَّمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ انفكاكه، وموروث، وباق في يد وليه بعد رشده)؛ لتمام الملك والقدرة على التسليم، وكذلك المال الذي في يد الوكيل بالبيع، وفي يد المستأجر بعد انقضاء المدة، وما احتطبه العبد أو اكتسبه قبل أن يأخذه السيد. لكن يستثنى من الأمانة: ما إذا استأجر صابغًا لصبغ ثوب أو قصره وتسلمه فليس للمالك بيعه قبل صبغه؛ لأن له حبسه لعمل ما تُستحق به الأجرة، فإذا صبغه أو قصره .. كان له بيعه قبل استرداده إن وفى الأجرة، كذا قاله البغوي والرافعي، ونوزعا فيه. ويستثنى من الموروث: ما إذا كان المورث لا يملك بيعه؛ بأن اشتراه ومات قبل قبضه. وضبط المصنف (مالَه) بفتح اللام وكسرها و (أمانةً) بنصبه على الحال. قال: (وكذا عارية ومأخوذ بسوم)؛ لما تقدم، وكذا ما رجع إليه بفسخ عقد كالمردود بعيب، ورأس مال السلم المفسوخ بانقطاع المسلم فيه، والمبيع الذي رجع إليه بإفلاس المشتري. قال: (ولا يصح بيع المسلم فيه، ولا الاعتياض عنه)؛ لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض، وكذلك لا تجوز الحوالة به ولا عليه، وقيل: تجوز، وقيل: تجوز به ولا تجوز عليه. قال: (والجديد: جواز الاستبدال عن الثمن) أي: الذي في الذمة، هذا بيع الدين ممن هو عليه، وهو جائز؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: يا رسول الله؛ إني أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ

فَإِنِ اسْتَبْدَلَ مُوَافِقًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ .. اشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعَقْدِ، وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ إِنِ اسْتَبْدَلَ مَا لَا يُوَافِقُ فِي الْعِلَّةِ كَثَوْبٍ عَنْ دَرَاهِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنانير؟ فقال: (لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء) رواه الأربعة والحاكم [2/ 44]، وقال: على شرط مسلم. و (البقيع) بالباء: بقيع الغرقد مدفن أموات أهل المدينة كانوا يبيعون فيه الإبل؛ لقلة الموتى فيه. وقال ابن باطيش وابن معن: إنه بالنون، ورد عليهما المصنف ذلك. والقديم: منع الاستبدال؛ لأنه بيع ما لم يقبض. وفي قول ثالث: يجوز استبدال أحد النقدين عن الآخر ولا يجوز استبدال غيرهما، وفي حقيقة الثمن: ثلاثة أوجه: أحدها: ما اتصلت به باء الثمنية نقدًا كان أو غيره. والثاني: النقد، حتى لو باع عرضًا بعرض .. فلا ثمن فيه، ولو باع أحد النقدين بالآخر .. فلا مثمن فيه. والثالث: الأصح: أنه النقد، فإن لم يكن أو كانا نقدين .. فالثمن ما اتصلت به الباء. قال: (فإن استبدل موافقًا في علة الربا كدراهم عن دنانير .. اشترط قبض البدل في المجلس)؛ فرارًا من الربا. قال: (والأصح: أنه لا يشترط التعيين في العقد) كما لو تصارفا في الذمة ثم عيَّنَا وتقابضا. والثاني: يشترط؛ لئلا يكون بيع دين بدين. قال: (وكذا القبض في المجلس إن استبدل ما لا يوافق في العلة كثوب عن دراهم) كما لو باع ثوبًا بدراهم في الذمة، فلا يشترط قبض الثوب.

وَلَوِ اسْتَبْدَلَ عَنِ الْقَرْضِ وَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ .. جَازَ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ مَا سَبَقَ. وَبَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بَاطِلٌ فِي الأَظْهَرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يشترط؛ لأن أحد العوضين دين فيشترط قبض الآخر كرأس مال السلم، فإن قلنا: لا يشترط القبض .. فلابد من التعيين في المجلس، فتقرر: أن هذا القسم –وهو غير الموافق- لا يشترط تعيينه في العقد ولا قبضه في المجلس على الأصح، بل تعيينه فيه. وعلى هذا: يكون قولهم: إن ما في الذمة لا يتعين إلا بالقبض محمول على ما بعد اللزوم، أما قبله .. فيتعين برضاهما وينزل ذلك منزلة الزيادة والحط، هكذا قاله في (المطلب) في (كتاب الصلح) وهو حسن. وحيث استبدل لا يستبدل المؤجل عن الحال، ويجوز عكسه ويصير كأن مَن عليه المؤجل عجَّله. قال: (ولو استبدل عن القرض وقيمة المتلف .. جاز)؛ لأنه ليس بثمن ولا مثمن، فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف، بخلاف دين السلم. وقوله: (عن القرض) أي: دين القرض، ولابد في الاستبدال من لفظ (عقد)، فلو أعطاه بغير معاوضة .. لم يملكه وكان مضمونًا عليه. قال: (وفي اشتراط قبضه في المجلس ما سبق) فيفصل بين الموافق في علة الربا والمخالف. قال: (وبيع الدين لغير من عليه باطل في الأظهر)؛ لأنه لا يقدر على تسليمه. والثاني: يصح؛ لاستقراره وكبيعه ممن هو عليه وهو الاستبدال كما تقدم، وصححه في زوائد (الروضة) هنا، وفي (أصلها) في (كتاب الخلع)، واختاره الشيخ. وإذا قلنا: يصح اشتراط قبض أحد العوضين في المجلس، فإن تفرقا قبله .. بطل على المشهور.

بِأَنِ يَشْتَرِيَ عَبْدَ زَيْدٍ بِمِئَةٍ لَهُ عَلَى عَمْرٍو. وَلَو كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ، فَبَاعَ زَيْدٌ عَمْرًا دَيْنَهُ بِدَيْنِهِ .. بَطَلَ قَطْعًا. وَقَبْضُ الْعَقَارِ: تَخْلِيَتُهُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمْكِينُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ، بِشَرْطِ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الصباغ: لا يحتاج إلى قبضه. واحترز بـ (بيع الدين لغير من عليه) عن بيعه ممن هو عليه، ويسمى استبدالًا؛ فإن ذلك جائز عند الجمهور كما تقدم. قال: (بأن يشتري عبد زيد بمئة له على عمرو) وهذا تصوير المسألة، لكن يشترط أن يكون الدين حالًا، فإن كان مؤجلًا .. لم يجز قطعًا؛ لعدم القدرة على تسليمه ومقتضى هذا: أن لا يصح بيع الدين على معسر وجاحد لا بينة عليه به. قال: (ولو كان لزيد وعمرو دينان على شخص، فباع زيد عمرًا دينه بدينه .. بطل قطعًا)؛ لأنه بيع دين بدين، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ، رواه الحاكم [2/ 57] وصححه، وبهذا فسره الفقهاء، لكن أهل اللغة قالوا: إنه النسيئة بالنسيئة، ولا فرق بين أن يتفق الجنس أو يختلف. قال: (وقبض العقار: تخليته للمشتري وتمكينه من التصرف)؛ لأن الشرع أطلق القبض وأناط به أحكامًا ولا حد له في اللغة فرجع فيه إلى العرف كالحرز في السرقة وغيره، والعرف قاض بما ذكره المصنف. والمراد: أن يرفع البائع يده عنه ويمكن المشتري منه؛ بأن يعطيه المفتاح بلا مانع شرعي ولا حسي سواء دخله أم لا. قال: (بشرط فراغه من أمتعة البائع)؛ لأنه مع الشغل بالأمتعة لا يتأتى تسليمه، هذا هو الأصح الذي جزم به الرافعي هنا، وحكى في (باب الألفاظ المطلقة) في (البيع) وجهًا في صحة قبض الدار المشحونة بالأمتعة: أنه يصح وأن الإمام ادعى: أنه ظاهر المذهب، ونبه المصنف على ذلك هنا غير أنه سبق قلمه من صحة القبض إلى صحة البيع.

فَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْعَاقِدَانِ الْمَبِيعَ .. اعْتُبِرَ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْمضِيُّ إِلَيْهِ في الأَصَحِّ. وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ: تَحْوِيلُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والدار المشحونة بالأمتعة بيعها صحيح بلا خلاف، فلو جعل البائع الأمتعة في بيت وخلى بين المشتري وبين بقية الدار .. حصل القبض فيما عدا ذلك البيت، وتقييد المصنف بـ (أمتعة البائع) يخرج أمتعة المشتري والمستأجر والمستعير. قال: (فإن لم يحضر العاقدان المبيع .. اعتبر مضي زمن يمكن فيه المضي إليه في الأصح) أشار إلى مسألتين: إحداهما: أن حضور العاقدين ليس بشرط في صحة قبض العقار، وهو الأصح؛ لما في تكلف ذلك من المشقة. وقيل: يشترط حضورهما؛ لأنه أقرب إلى حقيقة الإقباض والقبض. وقيل: يشترط حضور المشتري؛ ليتأتى إثبات اليد عليه. الثانية: إذا لم يشترط الحضور .. فيشترط مضي زمن يمكن فيه الوصول إليه؛ لأنه بذلك يسمى قابضًا عرفًا. والثاني: لا يشترط؛ لأنه لا معنى لاعتباره مع عدم الحضور. قال: (وقبض المنقول: تحويله)؛ لما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافًا بأعلى السوق فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يحولوه)، ولأن العادة في المنقول ذلك. وقيل: إذا اشترى الأب مال طفله من نفسه أو باع منه .. لم يشترط تحويله. وقيل: إذا اشترى أمتعة مع دار صفقة .. كفى في الأمتعة التخلية تبعًا للدار. والأصح: ما أطلقه المصنف، لكن يستثنى: إتلاف المشتري المبيع؛ فإنه قبض. فعلى المذهب: يأمر العبد بالانتقال من موضعه ويسوق الدابة.

فَإِنْ جَرَى الْبَيْعُ بِمَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ .. كَفَى نَقْلُهُ إِلَى حَيِّزٍ، وَإِنْ جَرَى فِي دَارِ الْبَائِعِ .. لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ مُعِيرًا لِلْبُقْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا في غير الخفيف الذي لا يتناول باليد كالثوب ونحوه؛ فإنه يقبض بالتناول جزمًا. قال: (فإن جرى البيع بموضع لا يختص بالبائع) كمسجد أو شارع أو دار المشتري (.. كفى نقله إلى حيز) أي: منه؛ لأن ذلك يعد قبضًا عرفًا وإن كان وضع المتاع في المسجد حرامًا إن ضيق على المصلين، ومكروه إن لم يضيق. وقوله: (فإن جرى البيع) تبع فيه (المحرر) وهو غير مستقيم؛ فإن جريان البيع لا مدخل له في ذلك بل العبرة بوجود المبيع في المكان المنقول إليه، ولهذا عبر الرافعي بقوله: وإن كان المبيع بـ (الميم)، وكذلك هو في (الروضة). وقوله: (لا يختص بالبائع) يشمل ما اختص بالمشتري بملك أو إجارة أو إعارة، وما لا يختص به أحد كالمسجد والشارع والموات، ويشمل المغصوب من أجنبي، وفي الاكتفاء به نظر. قال: (وإن جرى في دار البائع .. لم يكف ذلك) أي: نقله إلى حيز منها دون إذن البائع؛ لأن يد البائع عليها وعلى ما فيها. واستشكل ابن الصلاح كون ذلك ليس بقبض؛ لأنه إذا أخذه ورفعه لينقله .. صار بمجرد ذلك مقبوضًا من غير توقف على وضعه. وأجاب في (شرح المهذب) بأن أهل العرف لا يعدون مجرد رفعه قبضًا. نعم؛ يستثنى ما قبضه بالتناول كالثياب إذا قبضها ووضعها شيئًا فشيئًا فيكفي ذلك. والمراد بعدم الاكتفاء بما ذكره المصنف: أن ضمان العقد لا ينتقل ولا يجوز التصرف فيه، لكن يدخل في ضمانه حتى يطالب به إذا خرج مستحقًا لوضع يده عليه. قال: (إلا بإذن البائع) أي: في القبض والنقل (فيكون معيرًا للبقعة) التي أذن

فَرْعٌ: لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ سَلَّمَهُ، وَإِلَّا .. فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في النقل إليها، فإن لم يأذن إلا في النقل .. فأطلق الإمام: أنه لا يحصل القبض؛ لأن الإذن في النقل لا يقتضي العارية. تتمة: إذا ملك المشتري الموضع الذي فيه المبيع ببيع أو هبة مع قبض .. فالتخلية تقوم مقام نقله، ولو استعاره .. لم يكن قبضًا، ولو استأجره .. فوجهان: أصحهما عند الروياني: أنه قبض، وصحح المصنف: أنه لا يكون قبضًا. قال: (فرع: للمشتري قبض المبيع إن كان الثمن مؤجلًا) سواء أذن البائع أو لم يأذن، سواء كان حالًا بطريق الأصالة أو حل قبل التسليم، كما أن للمرأة قبض الصداق بغير إذن الزوج إذا سلمت نفسها. قال: (أو سلمه) أي: جميعه، أما إذا سلم بعضه .. فلا أثر له في الأصح، كما صرح به الرافعي في تفريق الصفقة. وقيل: يستحق تسليم قسطه من المبيع إن كان يقبل القسمة. قال: (وإلا .. فلا يستقل به) بل لا بد من إذن البائع؛ لأن له حق حبسه بالثمن، ولو أخذه .. فعليه رده ولا ينفذ تصرفه فيه كالمرهون، لكن يدخل في ضمانه؛ ليستقر الثمن عليه، ولو خرج مستحقًا .. طولب به كما تقدم.

وَلَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا كَثَوْبٍ وَأَرْضٍ ذَرْعًا، وَحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا .. اشْتُرِطَ مَعَ النَّقْلِ ذَرْعُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ، مِثَالُهُ: بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ. وَلَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ مُقَدَّرٌ عَلَى زَيْدٍ، وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ .. فَلْيَكْتَلْ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يُكِيلُ لِعَمْرٍو ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو بيع الشيء تقديرًا كثوب وأرض ذرعًا، وحنطة كيلًا أو وزنًا .. اشترط مع النقل ذرعه) أي: إن بيع ذرعًا (أو كيله) أي: إن بيع كيلًا (أو وزنه) أي: إن بيع وزنًا، وكذا عده في المعدود؛ لأن المكيل ورد فيه النص، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من ابتع طعامًا .. فلا يبعه حتى يكتاله) رواه مسلم [1525/ 29]، وقيس الباقي عليه. فلو خالف وقبض جزافًا .. لم يملك التصرف في شيء منه، ولكن يدخل المقبوض في ضمانه كما تقرر. قال: (مثاله: بعتكها كل صاع بدرهم، أو على أنها عشرة آصع) وكذلك بعتك عشرة آصع منها. ومثال الذرع: بعتك هذا الثوب كل ذراع بدرهم. ومثال الوزن: بعتك هذا العسل كل رطل بدرهم. ومثال العد: بعتك هذه الأغنام كل شاة بعشرة، ثم إن اتفقا على كيال .. فذاك، وإلا .. نصب الحاكم أمينًا يتولاه، قاله الماوردي. وإذا تولى ما ذكرناه أحد المتبايعين .. وجب عليه العدل، وحرم عليه التطفيف. قال في (الإحياء): وكل من خلط بالطعام ترابًا، أو وزن مع اللحم عظامًا لم تجر العادة به .. فهو من المطففين، وكذا إذ جر البزاز الثوب مع الذرع عند بيعه لغيره. قال: (ولو كان له طعام مقدر على زيد، ولعمرو عليه مثله .. فليكتل لنفسه ثم يكيل لعمرو)؛ ليكون قبضه قبل إقباضه. وروى ابن ماجه [2228] والدارقطني [3/ 8] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري).

فَلَوْ قَالَ: اقْبِضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِيَ عَلَيْهِ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ .. فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ. فَرْعٌ: قَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو اشترى طعامًا مكايلة أو أسلم فيه فاكتاله وتركه في المكيال ونقله ثم باعه مكايلة .. لم يكف تسليمه للمشتري كذلك بل لابد من صبه واستئناف كيله على الأصح عند البغوي؛ لعدم جريان الصاعين فيه. والأصح: أنه يكفي ذلك؛ لأن استدامة الكيل كابتدائه. قال: (فلو قال: اقبض من زيد ما لي عليه لنفسك ففعل .. فالقبض فاسد)؛ لاتحاد القابض والمقبض، أما قبضه الأول من زيد لبكر .. فصحيح في الأصح، وكذا لو قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك .. فإنه يصح القبض الأول لبكر في الأصح، ولا يصح لنفسه في الأصح. تتمة: أجرة الكيال على البائع، ووزن الثمن على المشتري، وفي أجرة النقاد وجهان: قال في (الروضة): ينبغي أن يكون الأصح: أنها على البائع، قال في (المطلب): وهو الأشبه. وأجرة النقل المحتاج إليه في تسليم المنقول على المشتري على ما دل عليه كلام الشافعي رضي الله عنه وصرح به المتولي. قال: (فرع: قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري في الثمن مثله ..

أُجْبِرَ الْبَائِعُ، وَفِي قَوْلٍ: الْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ: لَا إِجْبَارَ، فَمَنْ سَلَّمَ .. أُجْبِرَ صَاحِبُهُ، وَفِي قَوْلٍ: يُجْبَرَانِ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا .. سَقَطَ الْقَوْلَانِ الأَوَّلَانِ وَأُجْبرَا فِي الأَظْهَرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجبر البائع)؛ لأن حق المشتري في العين وحق البائع في الذمة، فقدم ما يتعلق بالعين كأرش الجناية مع غيره من الديون. وأورد على هذه العلة: ما إذا أوصى لرجل بعبد معين ولآخر بعبد مطلق وضاق الثلث .. فإنه لا يقدم أحدهما على الآخر، ومنهم من علله بأن البائع يجبر على تسليم ملك غيره والمشتري على تسليم ملك نفسه. ومحل إجبار البائع: إذا باع مال نفسه، أما إذا باع مال غيره بوكالة أو ولاية .. فلا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن، كما سيأتي في المفلس والوكيل وعامل القراض. قال: (وفي قول: المشتري)؛ لأن حقه متعين في العين وحق البائع غير متعين في الثمن، ومحل هذا: إذا كان الثمن حالًا. قال: (وفي قول: لا إجبار، فمن سلم .. أجبر صاحبه)؛ لأن كلًا منهما ثبت له الاستيفاء وعليه الإيفاء فاستويا. وعلى هذا: يمنعهما الحاكم من التخاصم. قال: (وفي قول: يجبران)؛ لأن التسليم واجب عليهما. ومعنى (الإجبار): أن يؤمر بالتسليم لعدل وهو يسلم إليهما، ولا يضره بأيهما بدأ. قال: (قلت: فإن كان الثمن معينًا .. سقط القولان الأولان وأجبرا في الأظهر والله أعلم)؛ لاستواء الجانبين وسواء كان الثمن نقدًا أو عرضًا. فلو كان الثمن مؤجلًا .. أجبر البائع قطعًا، وليس له المطالبة برهن ولا كفيل؛ لأنه المفرط، ولو لم يتفق التسليم حتى حل الأجل .. فلا حبس أيضًا على الأصح كما تقدم. ولو تنازع وكيلان .. قال الإمام: أجبرا.

وَإِذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ .. أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي إِنْ حَضَرَ الثَّمَنُ، وَإِلَّا: فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا .. فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ، أَوْ مُوسِرًا وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ أَوْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ .. حُجِرَ عَلَيْهِ فِي أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم تنازع المكتري والمكري في البداءة بالتسليم حكم البائع والمشتري بلا فرق. قال: (وإذا سلم البائع .. أجبر المشتري إن حضر الثمن) أي: حضر في المجلس؛ لأنه واجب عليه، ولا مانع منه سواء قلنا: يجبر البائع أو لا، ولكنه تبرع وسلم. وفهم من كلام المصنف: أنه لا يثبت للبائع في هذه الحالة الفسخ بإصرار المشتري على الامتناع، وهو كذلك على الأصح، وقد صرح به المصنف في (كتاب التفليس). والمراد بـ (الثمن): النوع الذي يعطى منه؛ لأن الكلام فيما إذا كان الثمن في الذمة. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن حاضرًا (فإن كان معسرًا .. فللبائع الفسخ بالفلس) هذا هو المنصوص. وقيل: تباع السلعة ويقضى دينه من ثمنها. والمراد بـ (المعسر) هنا: من ليس له مال غير السلعة، سواء كانت السلعة قدر الثمن أو أكثر، وهذا الفسخ هو الفسخ بالفلس بعينه فيشترط فيه حجر الحاكم. وصورة المسألة: إذا سلم بإجبار الحاكم، فلو فرض التسليم متبرعًا .. لم يجز الفسخ إذا وفت السلعة بالثمن في الأصح. قال: (أو موسرًا وماله بالبلد أو مسافة قريبة .. حجر عليه في أمواله حتى يسلم)؛ لئلا يتصرف فيها بما يفوت به حق البائع، سواء كانت أمواله وافية بالثمن أم لا، ولهذا سماه الأصحاب: الحجر الغريب.

فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ .. لَمْ يُكَلَّفِ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إِلَى إِحْضَارِهِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، فَإِنْ صَبَرَ .. فَالْحَجْرُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ إِنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلَا خِلَافِ، وَإِنَّمَا الأَقْوَالُ إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الِابْتِدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (المسافة القريبة): ما دون مسافة القصر. وهذا الحجر يخالف الحجر على المفلس من وجهين: أحدهما: أنه لا يتسلط على الرجوع إلى عين المال. والثاني: أنه لا يتوقف على ضيق المال عن الوفاء. واتفقوا على: أنه إذا كان محجورًا عليه بالفلس .. لم يحجر عليه هذا الحجر أيضًا؛ لعدم الحاجة إليه، ومقتضى إطلاق الأكثرين: أن هذا الحجر لا ينفك بمجرد التسليم بل لابد من فك القاضي. قال: (فإن كان بمسافة القصر .. لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره)؛ لما فيه من الضرر عليه بتأخير حقه. وقال ابن سريج: يكلف ذلك بشرط رد المبيع إليه والحجر على المشتري. قال: (والأصح: أن له الفسخ)؛ لتعذر تحصيل الثمن، كما لو أفلس المشتري بالثمن. والثاني: يباع ويؤدى حقه من ثمنه كسائر الديون. قال: (فإن صبر .. فالحجر كما ذكرنا)؛ لاحتمال تفويته المال. وقيل: إنما يحجر حيث لا يثبت الفسخ. قال: (وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه إن خاف فوته بلا خاف، وإنما الأقوال إذا لم يخف فوته وتنازعا في مجرد الابتداء)؛ لأن الإجبار عند خوف الفوات بالهرب أو تمليك المال ونحو ذلك فيه ضرر ظاهر، وهكذا الحكم في المشتري

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضًا، فلو عبر المصنف بقوله: ولكل حبس ما بذله حتى يقبض عوضه .. كان أولى. وقوله: (بلا خلاف) تبع فيه (المحرر)، وهي طريقة الأكثرين. تتمة: قال الأصحاب: إذا تبرع البائع بالتسليم .. لم يكن له حق الحبس، وكذا لو أعاره البائع للمشتري على الأصح. وصورة إعارة البائع للمشتري: أن يؤجر عينًا ثم يبيعها لغيره ثم يستأجرها من المستأجر أو يهبها له المستأجر أو يوصي له بها ثم يعيرها للمشتري قبل القبض، وكذلك إذا باعه نصف عين ثم أعار النصف الذي على ملكه قبل قبض المشتري ما اشتراه. هذا إذا أرادوا مطلق الإعارة، فإن أرادوا إعارة المبيع .. لم تأت هذه الصورة. * * * خاتمة أهمل المصنف من هذا الموضع حكم (الإقالة) وهي: تراد أحد العوضين، وهي جائزة، بل تستحب إذا ندم أحدهما .. أن يقيله الآخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أقال مسلمًا .. أقال الله عثرته) رواه أبو داوود [3454]. وصيغتها: تقايلنا، أو تفاسخنا، أو يقول أحدهما: أقلتك، فيقول: قبلت، وما أشبهه. وهي فسخ في أظهر القولين، وهو الجديد، وبيع في الآخر. فعلى الجديد: هل الفسخ من الآن أو من أصله؟ فيه وجهان: ظاهر تصحيح الرافعي: الأول، وتظهر فائدتهما في الزوائد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتجوز في السلم وفي المبيع قبل القبض إذا قلنا: فسخ، وإن قلنا: بيع .. فلا، ولا تجوز بعد التلف إن قلنا: بيع، وإلا .. فالأصح: الجواز. ولو أقاله على أن ينظره بالثمن أو يأخذ الصحاح عن المكسرة .. لم يصح. وللورثة الإقالة بعد موت المتعاقدين. وتجوز في بعض المبيع معينًا، فإن تقايلا أحد العبدين مع بقاء الثاني .. لم تجز على قولنا: بيع للجهل بحصة كل واحد. وتجوز في بعض المسلم فيه، لكن لو أقاله من بعضه ليعجل الباقي أو عجل بعضه ليقيله من الباقي .. فهي فاسدة. وإذا اختلفا في الثمن بعد الإقالة .. فالأصح: أن القول قول البائع، وقيل: قول المشتري، وقيل: يتحالفان وتبطل الإقالة، وإن اختلفا في وجود الإقالة .. صدق منكرها. * * *

باب التولية والإشراك والمرابحة

بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ: وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ، فَقَبِلَ .. لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب التولية والإشراك والمرابحة يقال: ولي الرجل البيع ولاية وتولية: إذا قام فيه مقام المشتري. و (الإشراك) مصدر أشركه أي: جعله شريكًا. و (المرابحة) من الربح، وهو .. الزيادة، واستغنى المصنف بذكرها في الترجمة عن ذكر المحاطة مع عطفها عليها في الباب؛ لأن أحدهما يدل على الآخر، كقوله تعالى: {سربيل تقيكم الحر}. والأصل في التولية والإشراك: ما رواه أبو داوود مرسلًا [مراسيل 198] عن سعيد بن المسيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا بأس بالتولية في الطعام قبل أن يستوفى، ولا بأس بالشركة في الطعام قبل أن يستوفى). والجواب: أنه مرسل عارضه عموم النهي عن بيع ما يقبض، وهو متصل صحيح. قال: (اشترى شيئًا ثم قال لعالم بالثمن: وليتك هذا العقد) سواء قال: بما اشتريت، أو سكت (فقبل) أي: بلفظ: قبلت، أو توليت (.. لزمه مثل الثمن) قدرًا وصفة، وهو تنبيه على أنه يشترط: أن يكون مثليًا؛ ليأخذ المولي مثل ما بذل، فلو اشتراه بعرض .. لم تجز فيه التولية إلا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاه العقد. ويشترط مع علمه بالثمن: أن يكون المولى أيضًا عالمًا، فإن جهله أحدهما .. ففيه الخلاف الآتي في (المرابحة) في قوله: (بطل عل الصحيح)، وجزم المصنف هنا وحكايته للخلاف هناك يفهم خلافه، وليس كذلك.

وَهُوَ بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ. وَلَوْ حُطَّ عَنِ المُوَلِّي بَعْضُ الثَّمَنِ .. انْحَطَّ عَنِ المُوَلَّى. وَالإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو) أي: هذا العقد (بيع في شرطه)؛ لأن حد البيع صادق عليه، فتشترط فيه رؤية المبيع، والقبول على الفور، والقدرة على التسليم، ووجوب التقابض في المجلس إذا كان العوضان نقدين أو مطعومين وعلمهما بالثمن. قال: (وترتب أحكامه) كتجدد الشفعة، وبقاء الزوائد على ملك المشتري، وغير ذلك. وقيل: لا يكون بيعًا جديدًا، بل يكون المولى نائبًا عن المولي، فتنتقل الزوائد إليه ولا تتجدد الشفعة. قال: (لكن لا يحتاج إلى ذكر الثمن)؛ لأن لفظ التولية يشعر به، فلو ذكره .. لم يضر. قال: (ولو حُط عن المولي بعض الثمن .. انحط عن المولى) وإن كان ذلك بعد التولية؛ لأنه وإن كان بيعًا جديدًا فخاصته التنزيل على الثمن الأول. وسكت المصنف عن حط الجميع، وحكمه: أنه إن كان بعد التولية .. انحط عن المولى أيضًا، وإن كان قبلها .. لم يصح، كما لو قال: بعتك بلا ثمن. وقوله: (حُط) هو بضم الحاء؛ ليشمل حط البائع، والوارث، والحط الواقع في زمن الخيار وبعده. حادثة: وقع في (الفتاوى): أن رجلًا باع ولده دارًا بثمن معلوم ثم أسقط عنه جميع الثمن قبل التفرق من المجلس، فأجيب فيها بأنه يصير كمن باع بلا ثمن، وهو غير صحيح، فتستمر الدار على ملك الوالد. قال: (والإشراك في بعضه كالتولية في كله) أي: في جميع الشرائط والأحكام؛

إِنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ، فَإِنْ أَطْلَقَ .. صَحَّ وَكَانَ مُنَاصَفَةً، وَقِيلَ: لَا. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ؛ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِمِئَةٍ ثُمَّ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِمَا اشْتَرَيْتُ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لَكُلِّ عَشَرَةٍ، أَوْ رِبْحِ (دَهْ يَازْدَهْ) ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه تولية في بعض المبيع ببعض الثمن الأول. قال: (إن بين البعض)؛ لأن المبيع شرطه: أن يكون معلومًا، فإن أبهمه .. لم يصح للجهالة، ولو قال: مناصفة، أو بالنصف .. استويا فيه، وإن قال: في النصف .. كان له الربع، والمصنف أدخل (الألف واللام) على بعض، وهو ممتنع استعمالًا. قال: (فإن أطلق .. صح وكان مناصفة) كما لو أقر بشيء لزيد وعمرو. قال: (وقيل: لا) كما لو باع بألف ذهبًا وفضة، وبهذا جزم البغوي، ولم يصحح الرافعي في (الشرحين) ولا في (الروضة) شيئًا، وعبر في (المحرر) بالأشبه. فرع: للشريك الرد على الذي أشركه، فإذا رد عليه .. رد هو على الأول. قال: (ويصح بيع المرابحة؛ بأن يشتري بمئة ثم يقول: بعتك بما اشتريت) أي: بمثله (وربح درهم لكل عشرة، أو ربح (ده يازده))؛ لأنه ثمن معلوم فجاز البيع فيه، كما لو قال: بعتك بمئة وعشرة. و (ده) بالفارسية: عشرة، و (يازده): أحد عشر، و (دوازده): اثنا عشر، فإذا قال: (ده يازده) .. فمعناه: كل عشرة ربحُها درهم، و (ده دوازده) .. معناه: كل عشرة ربحها درهمان. روى ابن أبي شيبة [5/ 184] عن سعيد بن المسيب وابن سيرين أنهما قالا: لا بأس ببيع ده يازده. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (هو بيع الأعاجم).

وَالْمُحَاطَّةِ كَبِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ وَحَطِّ (دَهْ يَازْدَهْ)، وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: مِنْ كُلِّ عَشْرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال عكرمة: (بيع ده يازده حرام)، وبه قال إسحاق، وأبطل البيع به؛ لعدم العلم بجملة الثمن. لنا: القياس على بيع القطيع كل شاة بدرهم، وتأول البيهقي جميع النهي الوارد على حالة الجهل بالثمن، ويجوز أن يكون الربح من غير جنس الثمن. قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ما سبب كثرة مالك؟ قال: ما كتمت عيبًا ولا رددت ربحًا. فرع: له أن يبيع مرابحة بعض ما اشتراه، ويذكر قسطه. وقال المتولي: يشترط في جوازه: الإخبار بلفظ القيام أو رأس المال، ولا يجوز بلفظ: الشراء، وكلام الماوردي مشعر بخلافه، وأجرى المتولي ذلك في الثوبين والقفيزين وبعض العين، ووافقه الشيخ. والأشبه: أنه لا يكتفى بتقويمه لنفسه بل يرجع إلى مقومين عدلين. وقال ابن الرفعة: ينبغي أن يعتمد على ما يقع في نفسه، فإن جرى نزاع بينه وبين المشتري في ذلك .. فلابد من عدلين. قال: (والمحاطة) وتسمى: المواضعة (كبعت بما اشتريت وحط (ده يازده))؛ لكون الثمن معلومًا بعد الحط. قال: (ويحط من كل أحد عشر واحد)؛ لأن الربح في المرابحة جزء من أحد عشر، فليكن كذلك الحط من المحاطة. قال: (وقيل: من كل عشرة) كما زيد في المرابحة لكل عشرة درهم، فإذا كان

وَإِذَا قَالَ: بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ .. لَمْ يَدْخُلْ فِيْهِ سِوَى الثَّمَنِ، وَلَو قَالَ: بِمَا قَامَ عَلَىَّ .. دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ والْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةُ الصَّبْغِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قد اشترى بمئة كان الثمن تسعين على هذا، وعلى الأول: تسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءًا من درهم. ولو اشتراه بمئة وعشرة .. فالثمن على الأول: مئة، وعلى الثاني: تسعة وتسعون. ولو قال: بحط درهم من كل عشرة .. حط من كل عشرة، ولو أتى بـ (اللام) فقال: لكل عشرة .. فالمحطوط درهم من كل أحد عشر. قال: (وإذا قال: بعت بما اشتريت .. لم يدخل فيه سوى الثمن)؛ لأن الشراء هو العقد والعقد لم يقع إلا بذلك. والمراد بـ (الثمن): ما استقر عليه العقد، حتى لو ألحقا في خيار المجلس أو الشرط زيادة أو نقصًا .. اعتبرنا ذلك. قال: (ولو قال: بما قام علي .. دخل مع ثمنه أجرة الكيال والدلال والحارس والقصار والرفاء والصباغ وقيمة الصبغ وسائر المؤن المرادة للاسترباح) كتطيين الدار، وأجرة المكان، ومؤنة ختان الرقيق، والمكس الذي يأخذه السلطان، وأجرة الطبيب إذا اشتراه مريضًا، والعلف الزائد على العادة لقصد التسمين، فيحسب الجميع ويدخلها مع الثمن، ولا يضر الجهل بقدرها للضرورة، أما المؤن المقصودة للبقاء كالنفقة المعتادة وأجرة الطبيب إذا حدث المرض .. فإنها لا تحسب؛ لأنها غير مقصودة للاسترباح. ولو جنى العبد ففداه أو غصب فبذل شيئًا في مؤنة استرداده .. لم يحسب عند الأكثرين كل هذا إذا لم ينص عليه، فأما إذا قال: بعتك بما قام علي وهو كذا وبما فديته أو أنفقته وهو كذا .. فإنه لا يمتنع بلا خلاف.

وَلوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ .. لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ. وَلْيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ، فَلَوْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا .. بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلْيُصَدَّقِ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَالأَجَلِ، وَالشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استشكل ابن الرفعة تصوير الكيال والدلال؛ لأنهما على البائع، ثم صورهما بما إذا كان الثمن مكيلًا فأجرة كيله على المشتري، وإذا تردد في صحة ما كاله البائع فاستأجر من كاله ثانيًا ليرجع عليه إن ظهر نقص، وأما الدلال، فإذا استأجر من يعرض سلعته على البيع فاشترى بها عينًا .. فإن الأجرة تضم إلى قيمة العين. و (الرفاء) مهموز ممدود، رفأت الثوب أرفؤه رفأً: إذا أصلحت ما وَهَى منه، وربما لم يهمز، يقال: من اغتاب .. خرق، ومن استغفر .. رفا. قال: (ولو قصر بنفسه أو كال أو حمل أو تطوع به شخص .. لم تدخل أجرته)؛ لأن عمله لنفسه لا أجرة له فلا يقوَّم عليه. ولو صبغ بنفسه .. دخل ثمن الصبغ لا الأجرة. قال: (وليعلما ثمنه أو ما قام به، فلو جهل أحدهما .. بطل البيع على الصحيح)؛ لجهالة الثمن. والثاني: يصح؛ لأن الثمن مبني على ثمن العقد الأول والرجوع إليه سهل فصار كطلب الشفيع الشفعة قبل العلم. والثالث: يصح إذا عرفاه قبل التفرق، فإن تفرقا من غير علم .. بطل. قال: (وليصدق البائع في قدر الثمن والأجل) فيجب بيان ذلك؛ لأن بيع المرابحة مبني على الأمانة، لاعتماد المشتري على نظر البائع واستقصائه ورضاه لنفسه بما رضيه البائع مع زيادة يبذلها، فعلى البائع الصدق في الإخبار عما اشترى به وما قام به عليه إن كان يبيع بلفظ القيام، ولأن الأغراض تختلف بذلك اختلافًا ظاهرًا، وكذلك صفة الثمن كالصحاح والمكسرة، فلو اشتراه بمئة وخرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين .. فرأس ماله خمسون. قال: (والشراء بالعرض) فيلزمه إذا اشترى شيئًا بعرض وأراد بيعه مرابحة أن

وَبَيَانِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، فَلَوْ قَالَ: بِمِئَةٍ، فَبَانَ بِتِسْعِينَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: اشتريته بعرض قيمته كذا، ولا يقتصر على ذكر القيمة؛ لأن البائع بالعرض يشدد فوق ما يشدد ببيعه بالنقد. قال: (وبيان العيب الحادث عنده) أي: فيبين حدوثه، وإلا .. فجميع العيوب القديمة والحادثة يجب بيانها، وسواء حدث بجناية أم بآفة، سواء كان منقصًا للعين أو القيمة. ولو اشتراه معيبًا .. وجب الإخبار به، وكذا إذا اشتراه بغبن عند الأكثرين خلافًا للغزالي، وإذا اشتراه من ابنه الطفل .. وجب الإخبار به؛ دفعًا للتهمة، أو من ولده الكبير أو مكاتبه .. فلا في الأصح. فرع: اشترى عامل القراض الذي شرط له نصف الربح ثوبًا بمئة وباعه من رب المال بمئة وخمسين .. لم يجز لرب المال أن يخبر إلا بمئة وخمسة وعشرين؛ لأن نصف الربح له، قاله الماوردي، وغلطه الروياني فيه؛ لأن العامل لا يبيع مال القراض من رب المال، وهو صحيح. فرع: اشترى بعشرة ثم واطأ غلامه الحر أو صديقًا له فباعه منه ثم اشتراه بعشرين ليخبر بالعشرين .. كره، وقال الروياني وغيره: يحرم، واختاره الشيخ؛ لأنه غش. وإذا علم المشتري بالحال .. ثبت له الخيار. قال: (فلو قال: بمئة، فبان بتسعين .. فالأظهر: أنه يحط الزيادة وربحها)؛ لأنه تمليك باعتبار الثمن الأول فتنحط الزيادة عنه كما في الشفعة.

وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مِئَةٌ وَعَشَرَةٌ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي .. لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا: يكون الثمن تسعة وتسعين، والمحطوط أحد عشر. والثاني: لا يحط شيء، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنه سمى ثمنًا معلومًا وعقد به. وعلى هذا: الثمن مئة وعشرة، وإنما تبين كونه بتسعين بإقراره أو ببينة. قال: (وأنه لا خيار للمشتري) أي: إذا قلنا بالأظهر، وهو: حط الزيادة وربحها؛ لأنه رضي بالأكثر فرضاه بالأقل أولى. والثاني –وبه قال أبو حنيفة-: يثبت الخيار؛ لأنه قد يكون له غرض في الشراء بذلك القدر لإبرار قسم أو إنفاذ وصية، هذه الطريقة الصحيحة، وهي طريقة القولين في الحالين. وقيل: إن ثبت ذلك ببينة .. ثبت، أو بالإقرار .. فلا، أما إذا قلنا بعدم الحط .. فللمشتري الخيار جزمًا إلا أن يكون عالمًا بكذب البائع. قال الشيخ: وإذا أثبتنا الخيار .. فهو على الفور، وأبدى ابن الرفعة احتمالًا آخر: أنه يدوم بدوام مجلس الاطلاع عليه، والخلاف في الحط جار في حالة بقاء المبيع وتلفه على الصحيح؛ لأن المقصود لا يختلف. وقطع الماوردي بسقوط الزيادة وربحها في حالة التلف، ونقله صاحب (المهذب) والشاشي عن الأصحاب. قال: (ولو زعم: أنه مئة وعشرة وصدقه المشتري .. لم يصح البيع في الأصح)؛ لتعذر إمضائه، فإن العقد لا يحتمل الزيادة، وأما النقصان .. فإنه معهود بدليل الأرش. قال: (قلت: الأصح: صحته والله أعلم) كما لو غلط بالزيادة، هكذا صححه في زوائد (الروضة)، ونقله عن جماعة. وعلى هذا: الأصح: أن الزيادة لا تثبت لكن للبائع الخيار.

وَإِنْ كَذَّبَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا .. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ بَيَّنَ .. فَلَهُ الْتَّحْلِيفُ، وَالأَصَحُّ: سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: تثبت مع ربحها وللمشتري الخيار. قال: (وإن كذبه ولم يبين لغلطه وجهًا محتملًا .. لم يقبل قوله)؛ لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حق آدمي. وقال أحمد: يقبل قوله مع يمينه؛ لأنه لما دخل معه في المرابحة جعل أمينًا. وقوله: (محتمَلًا) هو بفتح الميم. قال: (ولا بينته)؛ لأنه مكذب لها بإقراره السابق. قال: (وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك في الأصح) أي: لا يعرف كونه مئة وعشرة؛ لأنه ربما يقر عند عرض اليمين عليه. والثاني: لا، كما لا تسمع بينته، فإن قلنا: له تحليفه فنكل .. فالأصح: أنها ترد على المدعي فيحلف على القطع، بخلاف المشتري إذا حلفناه .. فهو على نفي العلم، فإذا حلف المدعي اليمين المردودة .. فللمشتري الخيار. قال: (وإن بين) أي: لغلطه وجهًا محتملًا (.. فله التحليف)؛ لأن العذر يقوي ظن صدقه، كما إذا قال: ما راجعت جريدتي. قال: (والأصح: سماع بينته)؛ قياسًا على التحليف، والجامع بينهما العذر. والثاني: لا تسمع لتكذيبه لها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: إذا سمعت البينة .. فهو كما لو صدقه، قاله المتولي وغيره، فعلى رأي الرافعي: يفسد العقد، وعلى رأي المصنف: يصح. * * * خاتمة قال ابن الرفعة والشيخ: عدم سماع البينة هنا هو المشهور المنصوص. وقد ذكر الرافعي في آخر (الدعاوى): أنه لو باع دارًا وادعى: أنها وقف .. لم تسمع بينته، وهذا على إطلاقه يخالف قول الرافعي في المرابحة. قالا: وهذه مسألة كثيرة الوقوع للحكام، وسماع البينة فيها مشكل على المذهب، كما يقتضيه إطلاق الشافعي رضي الله عنه وقدماء الأصحاب. * * *

باب الأصول والثمار

بَابُ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الأَرْضَ أَوِ السَّاحَةَ أَوِ الْبُقْعَةَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الأصول والثمار أخذ المصنف هذه الترجمة من (التنبيه)، ولا تكاد تعرف لغيرهما، والمراد بـ (الأصول): الشجر وكل ما يثمر مرة بعد أخرى. قال: (قال: بعتك هذه الأرض أو الساحة أو البقعة، وفيها بناء وشجر .. فالمذهب: أنه يدخل في البيع دون الرهن)؛ لأن البيع أقوى، بدليل: أنه ينقل الملك فاستتبع بخلاف الرهن، وادعى ابن حزم الإجماع على الاستتباع في البيع، لا جرم كان القطع بالدخول أظهر الطرق. والثانية: القطع بعدم الدخول فيهما؛ لخروجهما عن مسمى الأرض. قال الشيخ: وهو القياس، وصححه الإمام والغزالي. وقال الرافعي: إنه أوضح في المعنى. والثالثة: قولان بالنقل والتخريج. والرابعة: يدخلان في البيع وفي الرهن قولان كالحمل. ومحل الطرق: إذا أطلق، فإن نص على الدخول .. دخلا، أو الخروج .. فلا. ولو قال: بحقوقها .. دخلا عند الأكثرين. وقيل: لا؛ لأن الحقوق إنما تقع على الطرق ومجاري الماء ونحوها. والهبة كالبيع؛ لأنها تزيل الملك، ففيها وفي الوقف الخلاف، والإقرار كالرهن. والمصنف أطلق الشجر، ومحله: في الشجر الرطب، أما اليابس .. فلا يدخل؛

وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقى سَنَتَيْنِ –كَالْقَتِّ وَالْهِنْدِبَاءِ- كَالشَّجَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الغصن اليابس لا يدخل في بيع الشجرة كما سيأتي. و (الساحة): الناحية والفضاء بين الأبنية، والجمع: ساح وساحات وسوح، والتصغير: سويحة. و (البقعة) بضم الباء وفتحها: أعلى قطعة في الأرض، والجمع: بقع. قال: (وأصول البقل التي تبقى سنتين –كالقت والهندباء- كالشجر)؛ لبقائها، فتجري فيها الطرق، وعن الجويني: القطع بدخولها؛ لأنها كامنة في الأرض نازلة منزلة أجزائها. وقول المصنف: (سنتين) هو مثنى لا مجموع، فيفهم: أن ما يبقى سنة فقط ويثمر مرارًا كالبطيخ والخيار ليس كالشجر، وفيه وجهان في (الحاوي)، والنص: أنه كالشجر. و (القت) بفتح القاف وتشديد التاء المثناة من فوق: علف الدواب ويقال له: القرط والرطبة. و (الهندباء) بفتح الدال وكسرها يمد ويقصر معروف. روى القزويني عن علي رضي الله عنه أنه قال: (على كل ورقة من الهندباء وزن حبة من ماء الجنة) رواه الحافظ أبو نعيم في (الطب النبوي) عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ: (عليكم بالهندباء؛ فإنه ما من يوم إلا وهو يقطر عليه قطرة من قطر الجنة). و (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب من البقول الهندباء). وكذلك الحكم في الكرفس والنعناع والكراث والطرخون، ولا خلاف أن الجزة الظاهرة عند البيع للبائع فيجب شرط القطع؛ لئلا يطول فيختلط. وما ثمره يجنى مرة بعد أخرى كالبنفسج والنرجس والبطيخ والقثاء والباذنجان

وَلَا يَدْخُلُ مَا يُؤْخَذُ دَفْعَةً كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِنْ جَهِلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جميعه كالشجر تجري فيه الطرق المتقدمة. وأما الموز .. فالصحيح: أنه كالشجر، وإذا قلنا: إن أصول البقل لا تدخل في بيع الأرض .. فهي باقية على ملك البائع وتبقى كالأشجار، وإن قلنا: تدخل .. فقد تقدم: أن الجزة الظاهرة للبائع بلا خلاف، والداخل إنما هو الكامن في الأرض. قال: (ولا يدخل ما يؤخذ دفعة كالحنطة والشعير وسائر الزروع) سواء كان يحصد كالزرع أو يقلع كالجزر والفجل والثوم والبصل، سواء أطلق أو قال: بحقوقها؛ لأنه نماء ظاهر لا يراد للبقاء فلم يدخل في بيع الأرض كالطلع المؤبر. قال: (ويصح بيع الأرض المزروعة على المذهب) كالدار المشحونة بالأمتعة، والمراد: المزروعة بزرع يؤخذ دفعة، كذا قيد الشيخ محل الطرق، أما إذا كان يحصد مرة بعد أخرى .. فيصح قطعًا، كذا قاله المتولي. والرافعي أطلق الوجهين. والطريق الثاني: تخريجها على القولين في بيع الدار المستأجرة، وفرق الأصحاب بأن يد المستأجر حائلة. والثالثة: القطع بالبطلان؛ لجهالة مدة بقاء الزرع. قال: (وللمشتري الخيار إن جهله)؛ لتأخير الانتفاع، فإن تركه له .. سقط خياره. وصورة المسألة: أن يكون قد رآها بلا زرع ثم اشترى بعد أن زرعت ولم يرها عند العقد، فلو رضي البائع بتسليم الزرع للمشتري أو قلعه إن لم يضر قلعه بالأرض .. فلا خيار.

وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعَ دُخُولُ الأَرْضِ في يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانِهِ إِذَا حَصَلَتِ التَّخْلِيَةُ فِي الأَصَحِّ. وَالْبَذْرُ كَالزَّرْعِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يمنع الزرع دخول الأرض في يد المشتري وضمانه إذا حصلت التخلية في الأصح)؛ لوجود التسليم في عين المبيع. والثاني: لا؛ لأنه لا يقدر على الانتفاع في الحال. وقول المصنف: (وضمانه) لا حاجة إليه، ولهذا لم يذكره في (المحرر). قال: (والبذر كالزرع) ومعناه: أن لكل بذر حكم زرعه، فإن كان زرعه يدوم كنوى النخل والجوز واللوز وبزر الكراث ونحوه من البقول .. فحكمه في الدخول تحت بيع الأرض كالأشجار، وإن كانت تؤخذ دفعة واحدة .. فلا ويبقى إلى أوان الحصاد. ويتخير المشتري عند جهله، فإن تركه البائع له .. سقط خياره وعليه القبول، ولو قال: أفرغ الأرض منه، وأمكن في زمن يسير .. سقط أيضًا. قال: (والأصح: أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع) لا قبل القبض ولا بعده؛ لأنه رضي بتلف هذه المنفعة، فأشبه ما لو باع دارًا مشحونة بالأمتعة لا يستحق المشتري الأجرة لمدة التفريغ. والثاني: يجب، وصححه الغزالي والجرجاني. ومحل الوجهين: إذا كان المشتري جاهلًا، فإن علم .. فلا أجرة له قطعًا. فلو قلع الزرع قبل المدة بجائحة أو جزه البائع .. وجب عليه تسليم الأرض؛ لأنه إنما استحق من الأرض ما كان صلاحًا لذلك الزرع.

وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ .. بَطَلَ فِي الجَمِيعٍ، وَقِيلَ: فِي الأَرْضِ قَوْلَانِ. ويَدْخُلُ فِي بَيْعِ الأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقةُ فِيهَا، دُونَ الْمَدْفُونَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِنْ عَلِمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو باع أرضًا مع بذر أو زرع لا يفرد بالبيع .. بطل في الجميع، وقيل: في الأرض قولان) كل من البذر والزرع قد يفرد بالبيع وقد لا يفرد، فالذي يفرد كالبذر الذي رآه المشتري قبل بذره ولم يتغير وقدر على أخذه .. يجوز بيعه جزمًا، وكذلك الزرع المرئي المنتفع به، فإن كان البذر غير معلوم أو تعفن والزرع مستور بالأرض كالفُجل أو بما ليس من صلاحه كالحنطة في سنبلها .. فهذا لا يفرد بالبيع، فإذا باعه مع الأرض .. ففيه الطريقان المذكوران، ومدركهما ما تقدم في تفريق الصفقة. فإن جعلنا الإجارة فيما يصح بالقسط .. بطل هنا في الجميع؛ لتعذر التقسيط، وإن جعلنا الإجارة بالجميع .. جاء في الأرض القولان: فالصحيح هنا: موافق للصحيح هناك. وقوله: (لا يفرد) راجع إلى البذر والزرع، وإنما أفرد الضمير؛ لأنه بعد العطف بـ (أو) يجب أن يكون كذلك. قال: (ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة فيها)؛ لأنها من جملة أجزائها، وكذلك الثابتة فيها، فإن كانت تضر بالزرع والغرس .. فهذا عيب إذا كانت الأرض مما يقصد لذلك. وفي وجه: أنه ليس بعيب وإنما هو فوات فضيلة. ومن الذي يدخل في بيعها: السواقي التي تشرب منها الأرض، وأنهارها، وعين ماء فيها. وفي دخول الماء الذي فيها الخلاف الآتي. قال: (دون المدفونة) كالأقمشة والكنوز، ولأن عادة أهل الحجاز يحفرون الأرض ويدفنون فيها الحجارة إلى وقت الحاجة. قال: (ولا خيار للمشتري إن علم) وإن تضرر بقلع البائع.

وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا، وَإِنْ ضَرَّ .. فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ .. لَزِمَ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الأَرْضِ، وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ مِثْلِ مُدَّةِ النَّقْلِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: تَجِبُ إِنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ. وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ: الأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويلزم البائع النقل)؛ تفريغًا لملك المشتري، بخلاف الزرع؛ فإن له أمدًا ينتظر. قال: (وكذا إن جهل ولم يضر قلعها)؛ لزوال العيب من غير ضرر، وللبائع النقل، ويلزمه تسوية الأرض. قال: (وإن ضر .. فله الخيار)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). قال: (فإن أجاز .. لزم البائع النقل وتسوية الأرض) سواء كان النقل قبل القبض أو بعده؛ وذلك بأن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة مكانه. ويبعد أن يقال: يسويها بتراب آخر من خارج أو مما فيها؛ لأن في الأول: إيجاب عين لم تدخل في البيع، وفي الثاني: تغيير المبيع. قال: (وفي وجوب أجرة مثل مدة النقل أوجه أصحها: تجب إن نقل بعد القبض لا قبله) أما عدم وجوبها قبل القبض .. فلأن ذلك كتعييب البائع، وهو كالآفة السماوية على الأصح. وأما وجوبها بعد القبض .. فلتفويته على المشتري منفعة تلك المدة. والوجه الثاني: تجب قبل القبض وبعده، ومأخذه جعل جناية البائع كالأجنبي. والثالث: لا تجب قبل القبض ولا بعده؛ لأن قبض الأرض وفيها الحجارة ليس قبضًا تامًا. قال الرافعي: ويجري هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية عيب، واستبعده الشيخ. قال: (ويدخل في بيع البستان: الأرض والشجر والحيطان)؛ لدخولها في

وَكَذَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ: الأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّورُ، لَا الْمَزَارِعُ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مسماه، وكذلك (الباغ) وهو: البستان بالعجمية، و (الكرم) أيضًا يطلق في الشام والعراق والعجم على البستان سواء كان فيه عنب أم لا. فإذا قال: بعتك الباغ أو الكرم أو البستان .. دخل في البيع: الأرض والأشجار والحيطان بلا خلاف، وكذا قضبان الشجر، إلا ما لا يدخل في بيع الشجرة من اليابس، وأوراق الفرصاد، وأغصان الخلاف، ويدخل في بيع الكرم: العريش على الأصح. و (البستان) معرب، وجمعه: بساتين. قال: (وكذا البناء على المذهب)؛ لدخوله في مسماه أيضًا، بل لا يسمى بستانًا إلا بذلك، ورجح الغزالي مقابله. ونسبة الأبنية إلى البستان كنسبة الشجر إلى الدار، فإذا باع دارًا وفيها شجر .. ففي دخولها فيها الطرق التي في بيع الأرض. وفي وجه ثالث: إن كثرت بحيث لا تسمى بستانًا .. لم تدخل، وإلا .. دخلت. قال: (وفي بيع القرية: الأبنية وساحات يحيط بها السور)؛ لدخولها في الاسم، ودخل عين السور، ولابد منه؛ لأن كل ذلك داخل تحت اسمها، وينبغي أن يدخل حريمها في بيعها كما في حريم الدار. قال: (لا المزارع على الصحيح)؛ لأنه لو حلف: لا يدخل قرية .. لم يحنث بدخول مزارعها. والثاني –وهو قول الإمام والغزالي-: أنها تدخل، وعن ابن كج: إن قال: بحقوقها .. دخلت، وإن اقتصر عليها .. لم تدخل قطعًا.

وَفِي بَيْعِ الدَّارِ: الأَرْضُ، وَكُلُّ بِنَاءٍ حَتَّى حَمَّامُهَا، لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكَرَةِ وَالسَّرِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي بيع الدار: الأرض، وكل بناء)؛ لأن الدار اسم للأرض والبناء فيدخل الكانون والتنور المبنيان. وفي البناء قول غريب بعيد: إنه لا يدخل. ولا فرق في البناء بين العلو والسفل، وتدخل: الأجنحة، والرواشن، والدرج، والمراقي المعقودة، والآجر، والبلاط المفروش، وتدخل المظلة التي على بابها مبنية على جدارها، خلافًا لأبي حنيفة. لنا: أنها كالميزاب، وهو متفق على دخوله. قال: (حتى حمامها)؛ لأنه من جملة مرافقها. وحكى عن نصه: أن الحمام لا يدخل، وحمله الربيع على (حمامات الحجاز) وهي: بيوت من خشب تنقل. قال: (لا المنقول كالدلو والبكرة والسرير)؛ لخروجها عن مسماها. و (الدلو) بفتح الدال، الغالب عليه التأنيث. و (البكرة) بفتح الكاف وإسكانها لغتان، والمراد: بكرة البئر التي يستقى عليها، وجمعها: بَكَر بالتحريك. قال الجوهري: وهو من شواذ الجمع؛ لأن فعلة لا تجمع على فعل إلا أحرفًا يسيرة، وتجمع على: بكرات. قال الراجز: شرُّ الدِّلاءِ الوَلْغةُ الملازمهْ .... والبَكَراتُ شَرُّهنَّ الصائمهْ يعني: التي لا تدور.

وَتَدْخُلُ الأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا وَالإِجَّانَاتُ وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ الْمُسَمَّرَانِ، وَكَذَا الأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيِ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَالأَعْلَى، وَمِفْتَاحُ غَلَقٍ مُثْبَتٌ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتدخل الأبواب المنصوبة وحلقها والإجانات والرف والسلم المسمران)؛ لأن الجميع معدود من أجزاء الدار؛ لاتصالها بها، أما المقلوعة .. فلا تدخل. وتدخل: الأغاليق المثبتة والضبات قطعًا، وما أثبت من الخوابي والدنان، وخشب القصار، ومعجن الخباز، والدرابزين، وصندوق الطحان الذي يجعل فيه القمح فوق الحجر على الأصح في الجميع. و (الإجانات) جمع: إجانة، وهي: الإناء الذي تغسل فيه الثياب، وفيها ثلاث لغات: كسر الهمزة وتشديد الجيم، وفتح الهمزة، وكسرها مع التخفيف. و (السلم): المرقاة، تذكر وتؤنث، ولفظه مأخوذ من السلامة. قال: (وكذا الأسفل من حجري الرحى على الصحيح) إذا كان مثبتًا؛ لأنها تعد في العرف جزءًا لاتصالها. والثاني –وهو الأقيس عند الإمام-: لا يدخل؛ لأنه منقول، ووقع في (الكفاية): انه لا خلاف في اندراج الأسفل، والخلاف فيه في غالب الكتب. و (الرحى) معروفة مؤنثة، والألف منقلبة من الياء، تقول: هما رحيان، والجمع: أرحاء. قال: (والأعلى، ومفتاح غلق مثبت في الأصح)؛ لأنهما تابعان لشيء مثبت. والثاني: لا، كسائر المنقولات، والوجهان في الأعلى إذا أدخلنا الأسفل، وإلا .. فلا يدخل قطعًا، والوجهان يجريان في ألواح الدكاكين، ولا خلاف في اندراج الحجرين في اسم الطاحون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غريبة: جرت العادة بأن مشتري العقار يأخذ كتب أصوله من البائع، فتدخل في البيع تبعًا –كمفتاح الغلق المثبت- وتصير المكاتيب منتقلة إلى المشتري تبعًا للعقار، وينزل الأمر في ذلك على العادة، فإن كان للبائع بقية حق في المكتوب .. يخصم مكتوبه ويسلم إليه؛ لبقاء الحق الذي فيه، وإذا لم يبق له فيه حق .. أمر بتسليمه للمشتري، كذا أفتى به مشايخ العصر. والمنقول في المسألة: أن من باع شيئًا لا يلزمه تسليم كتب الأصل إلى المشتري؛ لأنها ملكه، وحجته عند الدرك كما جزم في (الكفاية)، وسيأتي في (كتاب القضاء) عند قول المصنف: (أو أن يكتب له محضرًا بما جرى من غير حكم أو سجلًا بما حكم به استحب). فروع: الأول: لابد في بيع الدار من ذكر الحدود الأربعة، فلو اقتصر على حدين .. لم يكف، وإن ذكر ثلاثة، فإن كانت لا تتميز بذكرها .. لم يصح، وإن تميزت بذلك .. فالصحيح: الصحة. وقيل: لابد من ذكر الرابع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الرفعة: الذي يظهر من كلام الأصحاب الصحة إذا تميزت بغير ذكر الحدود. ونقل الرافعي في (القضاء على الغائب) عن ابن أبي عصرون: أنه يكتب إلى قاضي بلد المال في العقار الحدود الأربعة، ولا يجوز الاقتصار على حدين أو ثلاثة. قال الشيخ: ولا يخفى الفرق بين البيع وكتابة القاضي، فالأولى في البيع عند التمييز: الصحة، وسيأتي الفرع في (الإجارة) و (الوقف) و (القضاء على الغائب) و (الدعاوى) إن شاء الله تعالى. الثاني: باع دارًا فيها تراب .. قال البغوي: إن كان مفروشًا فيها أو مجموعًا جعل دكة للتأبيد .. دخل، وإن جمع للنقل أو الاستعمال عند الحاجة .. لم يدخل. الثالث: يدخل البئر والصهريج قطعًا، أما الماء الذي في البئر، فإن قلنا: لا يملك .. لم يدخل في البيع وكل من حازه ملكه، وإن قلنا: يملك، وهو الأصح .. فالموجود منه عند البيع كالثمرة المؤبرة، إن شرط .. دخل، وإن لم يشرط .. لم يدخل، ويفسد البيع؛ لاختلاطه بما سيحدث على ملك المشتري كالثمرة المتلاحقة.

وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ: نَعْلُهَا، وَكَذَا ثِيَابُ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه غريب: أن الماء يتبع في البيع كالثمرة غير المؤبرة، وصححه ابن أبي عصرون، وعمل الناس عليه في شراء الدور والبساتين، وهو خلاف المشهور. ولو باع ماء البئر وحده .. لم يصح؛ لعدم إمكان تسليمه. وأما ماء الصهريج .. فلا يدخل في البيع كسائر المائعات. الرابع: يدخل في بيع السفينة آلاتها المتصلة، وفي دخول المنفصلة التي لا يستغنى عنها كالقلع والمجاذيف وجهان، كالوجهين في المفتاح. قال: (وفي بيع الدابة: نعلها) أي: المسمر فيها؛ لأن العرف يقضي باستتباعه، وهذا لا خلاف فيه، وكذا برة البعير إلا أن تكون من ذهب أو فضة فلا تدخل، ولا يدخل الحبل والسرج واللجام. قال: (وكذا ثياب العبد في بيعه في الأصح)؛ للعرف، وبهذا قال أبو حنيفة. وعلى هذا: في اشتراط رؤيتها نظر، والمراد به: ثيابه التي عليه حال البيع، ولو عبر المصنف بالرقيق .. كان أشمل. وأصل هذه المسألة: ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما [خ2379 - م1543/ 80]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من باع عبدًا وله مال .. فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع) وفيه دليل لمالك. والقول القديم: أن العبد يملك بتمليك السيد. وقال الشافعي في الجديد وأبو حنيفة: لا يملك، وتأولا الحديث على أن

قُلْتُ: الأَصَحُّ: لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَرْعٌ: بَاعَ شَجَرَةً .. دَخَلَ عُرُوقُهَا وَوَرَقُهَا -وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَجْهٌ- ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد: أن يكون في يد العبد شيء من مال السيد فأضيف إليه للاختصاص، كما يقال: رحل الدابة، وسرج الفرس، فإذا باع السيد العبد .. فذلك المال للبائع؛ لأنه ملكه إلا أن يشترطه المبتاع فيصح، ويكون قد باع العبد والمال بثمن واحد، وذلك جائز بشرط الاحتراز عن الربا. ومحل هذا: إذا قال: بعتك هذا العبد بما له، فإن قال: وما له .. فلا تبعية وكل منهما مقصود تشترط فيه جميع شروط البيع، ولو رده بعيب .. رد مع ما له. قال: (قلت: الأصح: لا تدخل ثياب العبد والله أعلم)؛ اقتصارًا على اللفظ، كما أن سرج الدابة لا يدخل في بيعها، ونسب الماوردي هذا القول إلى جميع الفقهاء. والثالث: يدخل ساتر العورة فقط للضرورة، ومحل هذه الأوجه: في الثياب إذا كان لابسها. تتمة: لا يدخل القرط الذي في أذن الرقيق ولا الخاتم الذي في يده بلا خلاف، وجعلوا المداس كذلك، والقياس: أن يكون كالثياب. قال: (فرع: باع شجرة) إما مفردة أو مع الأرض بالتصريح أو تبعًا على قول التبعية لها. قال: (.. دخل عروقها، وورقها) كثمار سائر الأشجار. قال: (وفي ورق التوت وجه)؛ لأنه يقصد لتربية الدود فكان كالثمرة، لكن شرطه: أن يكون في زمن الربيع، وأن يكون توته أبيض، ولهذا عدل المصنف عن تعبير (المحرر) بورق الفرصاد وأن يكون ورق الأنثى؛ لأن ورق الذكر لا يصلح

وَأَغْصَانُهَا إِلَّا الْيَابِسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لذلك كما قاله في (المطلب) , وأجرى بعضهم هذا الوجه في ورق النبق. وفي (البيان): شجر الحناء يجوز أن يكون كالفرصاد، ويجوز أن يقطع بأنه للبائع؛ لأنه لا ثمرة له إلا الورق، وألحق القمولي بذلك ورق النيلة. و (التوت) بالمثناة في آخره على الأشهر. قال: (وأغصانها)؛ لاشتمالها عليها، وعبارته تشمل: أغصان الخلاف، وفيها اختلاف في كلام الإمام: جزم هنا بالدخول، وفي (باب الوقف) بعدمه، وحكى في (باب الرهن) وجهين مطلقين. وقال القاضي حسين: لا تدخل أغصان الخلاف؛ لأنها كالثمرة. ومن محاسن كلام ابن يونس: وفي أغصان الخلاف خلاف، وفي (الصحاح) و (المحكم) و (كفاية المتحفظ) و (عجائب المخلوقات): أن (الخلاف): الصفصاف، والصواب: أنه شجر البان وأغصانه ثمرته التي تشم، لكن في الصفصاف نوع بأرض الشام يقال له: الحلاف بالحاء المهملة وتخفيف اللام. قال: (إلا اليابس) فلا يدخل في بيع الشجرة الرطبة؛ لأن العادة فيه القطع كالثمرة. قال البغوي: ويحتمل أن يدخل كالصوف على الظهر، وفيه نظر.

وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أوِ الْقَلْعِ، وَبِشَرْطِ الإِبْقَاءِ، وَالإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الإِبْقَاءَ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَغْرِسُ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ مَا بَقِيَتِ الشَّجَرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويصح بيعها بشرط القطع أو القلع) سواء كانت رطبة أو يابسة، وتدخل العروق عند شرط القلع لا القطع بل تبقى للبائع. قال: (وبشرط الإبقاء) إذا كانت رطبة، فإن كانت يابسة .. لزم المشتري تفريغ الأرض منها كما سيأتي. فلو شرط إبقاءها لم يصح البيع كبيع ثمرة مؤبرة بشرط عدم القطع أوان الجذاذ. قال: (والإطلاق يقتضي الإبقاء) تحكيمًا للعادة. فول استخلف شيء من الشجرة حولها .. هل يستحق إبقاؤه كالأصل أو يؤمر المشتري بقطعه؟ قال القمولي: فيه احتمالان: والأول: أظهر. وقال ابن الرفعة: إن علم استخلافه كشجر الموز .. فلا شك في وجوب إبقائه. قال: (والأصح: أنه لا يدخل المغرس) حيث استحق الإبقاء سواء كان بالشرط أم بالإطلاق؛ لأن اسم الشجرة لا يتناوله. والثاني: دخل؛ لأنه يستحق الانتفاع به لا إلى غاية. و (المغرس) بكسر الراء: موضع الغرس. قال الشيخ: والقول بملكه .. فيه إشكال من جهة: أن الشجرة تكبر وتمتد عروقها فيؤدي إلى أن يتجدد له ملك في كل وقت لما لم يملكه عند البيع، ولا خلاف: أن مغرس اليابسة لا يدخل. ثم إذا قلنا بدخول المغرس فانقلعت الشجرة أو قلعها المالك .. كان له أن يغرس بدلها، وله أن يبيع المغرس، وعلى الأصح: ليس له ذلك. قال: (لكن يستحق منفعته ما بقيت الشجرة) بحكم الاستتباع. قال ابن الرفعة: مما تعم به البلوى ولم أقف فيه على نقل: أن يبيع البناء والأرض مستأجرة معه ولم تنقض مدة الإجارة وعلم المشتري ذلك هل نقول: يستحق الإبقاء

وَلَوْ كَانَتْ يَابِسَةً .. لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْقَلْعُ. وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إِنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي .. عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا: فإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ .. فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا .. فَلِلْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بقية المدة بغير عوض -كما لو كانت مملوكة له- أو بالأجرة؟ قال: والأشبه: الثاني، والعمل عليه. ولو كانت الأرض موصى له بمنفعتها .. فيشبه إلحاقها بالمملوكة حتى لا يستحق عليه أجرة في حياته ولا بعد مماته. قال: (ولو كانت يابسة .. لزم المشتري القلع)؛ لاقتضاء العرف ذلك. قال: (وثمرة النخل المبيع إن شرطت للبائع أو للمشتري .. عمل به) سواء كانت قبل التأبير أو بعده وفاء بالشرط. قال المتولي: وكذلك إذا شرط غير المؤبر للمشتري .. فهو تأكيد. قال الشيخ: وينبغي أن يكون كشرط الحمل. قال: (وإلا: فإن لم يتأبر منها شيء .. فهي للمشتري، وإلا .. فللبائع). روى الشيخان [خ2204 - م1543/ 77] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من باع نخلًا قد أبرت .. فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع). دل بمنطوقه على: أن المؤبر للبائع. وبمفهوم الشرط على: أن ما لم يؤبر المشتري. ودل الاستثناء على: أنها تكون للمشتري عند اشتراطها له. وخالف أبو حنيفة فقال: تبقى الثمار للبائع أبرت أم لم تؤبر. واقتضت عبارة المصنف: أنه لا فرق بين طلع الإناث والذكور وهو الأصح.

وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ –كَتِينٍ وَعِنَبٍ- إِنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ .. فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا .. فَلِلْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن طلع الذكر .. للبائع مطلقًا تشقق أم لم يتشقق؛ لأنه ثمرة، وحيث حكمنا بأن الثمرة للبائع .. فالكمام للمشتري. و (التأبير) في اللغة: وضع طلع الذكور في الإناث بعد تشققها، وفي إطلاق كثيرين: أنه التشقق؛ وهو المراد هنا سواء كان بنفسه أم بغيره، ولهذا عدل المصنف عن (تؤبر) إلى (يتأبر)؛ لأن المقصود الظهور، لا يعرف في ذلك خلاف بين العلماء إلا أن ابن حزم جَمَدَ جمودًا عجيبًا فقال: إن ظهرت بغير تأبير .. لم يحل اشتراطها. تنبيه: الثمرة غير المؤبرة تتبع في البيع والصلح والإجارة والصداق والخلع قطعًا، ولا تتبع في الرجوع بالطلاق قطعًا، وهل تتبع في الرجوع بالفلس، أو تتبع المرهون بغير رضا الراهن، وفي الهبة والوصية، ورجوع الوالد في هبة ولده؟ وجهان. قال: (وما يخرج ثمره بلا نور كتين وعنب) وكذلك الجوز والفستق (إن برز ثمره .. فللبائع، وإلا .. فللمشتري)؛ لأن الظهور هنا كالتشقق في النخل، فإن ظهر بعضه دون بعض، فما ظهر .. فللبائع، وما لم يظهر .. للمشتري، قاله البغوي وغيره. قال الرافعي: وهو محل التوقف. وقد صرح المتولي والروياني بذلك في التين، وقالا: لا خلاف فيه، وفرقا بينه وبين النخل؛ بأن ثمرة النخل ثمرة عام واحد وهي لا تحمل في السنة إلا مرة، والتين

وَمَا يَخْرُجُ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ يَسْقطُ كَمِشْمِشٍ وَتُفَّاحٍ .. فَلِلْمُشْتَرِي إِنْ لَمْ تَنْعَقِدِ الثَّمَرَةُ، وَكَذَا إِنِ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَناثَرِ النَّوْرُ فِي الأًصَحِّ، وبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتانٍ مُطْلِعَةً وَبَعْضُهَا مُؤَبَّرٌ .. فَلِلْبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يحمل حملين مرة بعد أخرى، فكانت الأولى للبائع، والثانية للمشتري، والتوت الشامي كالتين. و (النور): الزهر على أي لون كان. وقيل: النور: ما كان أبيض، والزهر: ما كان أصفر. قال: (وما يخرج في نوره ثم يسقط) أي: النور (كمشمش وتفاح .. فللمشتري إن لم تنعقد الثمرة)؛ لأنها كالمعدومة، وكذا الكمثرى والإجاص والسفرجل والخوخ وشبهه، والله أعلم. و (المشمش) بكسر الميمين على المشهور، وعن أبي عبيدة فتحهما أيضًا. قال: (وكذا إن انعقدت ولم يتناثر النور في الأصح)؛ قياسًا على ثمرة النخل إذا لم يتشقق عنها الكمام. والثاني: أنها للبائع؛ لأنها كالثمرة المؤبرة التي عليها القشر الرقيق. قال: (وبعد التناثر للبائع)؛ لظهورها، ومن هذا القسم: الرمان واللوز، ومن الرياحين: الورد والياسمين. قال: (ولو باع نخلات بستان مطلعة وبعضها مؤبر .. فللبائع)؛ لأن الباطن صائر إلى الظهور، وإنما لم يفرد كل واحد بحكم؛ لأجل المشقة وسوء المشاركة واختلاف الأيدي، فأتبعنا الباطن للظاهر؛ لأنه أولى من العكس، كما جعلنا أساس الدار تابعًا لها. وذكر المصنف (النخلات) على سبيل المثال، فلو باع البستان كله .. كان كذلك.

فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ .. فَلِلْمُشْتَرِي فِي الأَصَحِّ، وَلوْ كَانَتْ فِي بُسْتَانَيْنِ .. فَالأَصَحُّ: إِفْرَادُ كُلِّ بُسْتانٍ بِحُكْمِهِ. وَإِذَا بَقِيَتِ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ .. لَزِمَهُ، وَإِلَّا .. فَلَهُ تَرْكُهَا إِلَى الْجَذَاذِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل الاتفاق على هذا: إذا كانت من نوع واحد، فإن اختلف النوع .. فكذلك في الأصح. وقال ابن خيران: المؤبر للبائع، وغيره للمشتري. قال: (فإن أفرد ما لم يؤبر .. فللمشتري في الأصح)؛ لأن التبعية قد انقطعت بإفراده بالبيع. والثاني: للبائع؛ اكتفاء بدخول وقت التأبير. قال: (ولو كانت في بستانين .. فالأصح: إفراد كل بستان بحكمه)؛ لأن اختلاف البقاع له أثر بيِّن في وقت التأبير. والثاني: أن غير المؤبر يتبع المؤبر؛ لأنهما اجتمعا في صفقة واحدة فأشبها نخيل البستان الواحد، ولا فرق بين أن يكونا متلاصقين أو متباعدين، إلا أن ابن الرفعة اشترط أن يكونا في إقليم واحد. قال الشيخ: وظاهر إطلاقه: أنه لا فرق بين أن يتحد النوع أو يختلف، وهو فيما إذا اتحد مصرح به، وفيما إذا اختلف غريب. أما إذا قلنا بعدم التبعية في البستان الواحد .. ففي البستانين أولى، وشرط التبعية: اتحاد المالك، فلو باع نخيله أو بستانه المؤبر مع شيء لغيره لم يتأبر .. لم يتبعه في الأصح. قال: (وإذا بقيت الثمرة للبائع) إما بالشرط، وإما بالحكم عند التأبير. قال (فإن شرط القطع .. لزمه)؛ وفاء به. قال: (وإلا .. فله تركها إلى) أوان (الجذاذ)؛ تحكيمًا للعادة، كما يجب تبقية الزرع إلى أوان الحصاد وإبقاء المتاع في السفينة في اللجة إلى الوصول إلى الشط، ثم إذا جاء أوان الجذاذ .. ليس له الصبر حتى يأخذها على التدريج ولا تأخيرها إلى تناهي نضجها، بل المعتبر في ذلك العادة.

وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ إِنِ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ والثَّمَرُ، وَلَا مَنْعَ لِلآخَرِ، وَإِنْ ضَرَّهُمَا .. لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا وَتَنَازَعَا .. فُسِخَ الْعَقْدُ إِلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ، وَقِيلَ: لِطَالِبِ السَّقْيِ أَنْ يَسْقِيَ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ .. لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ أَوْ يَسْقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا لم تكن الثمرة مما يعتاد قطعه قبل النضج، فإن كان كذلك كاللوز الأخضر في بلاد لا ينتهي فيها .. كلف البائع قطعها قبل ذلك؛ لأن هذا أوان جذاذها. وكذلك إذا تعذر السقي لانقطاع الماء وعظم ضرر النخل ببقاء الثمرة .. فالأصح: أنه ليس له الإبقاء. و (الجذاذ) بذالين معجمتين: القطع، و {عطاء غير مجذوذ} أي: غير مقطوع، بل هو ممتد إلى غير نهاية. قال: (ولكل منهما السقي إن انتفع به الشجر والثمر، ولا منع للآخر)؛ لأن المنع من ذلك إضرار وقد نهي عنه. قال: (وإن ضرهما .. لم يجز إلا برضاهما)؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما، فإن رضيا .. جاز. قال: (وإن ضر أحدهما وتنازعا .. فسخ العقد)؛ لعدم أولوية أحدهما على الآخر، وهل يفسخ البائع أو الحاكم؟ فيه في (المطلب) وجهان. قال: (إلا أن يسامح المتضرر) فلا فسخ؛ لزوال النزاع. قال: (وقيل: لطالب السقي أن يسقي)؛ لدخول الآخر في العقد على ذلك، وحيث احتاج البائع إلى سقي ثمرته .. كانت المؤنة عليه. قال: (ولو كان الثمر) أي: الباقي على ملك البائع (يمتص رطوبة الشجر .. لزم البائع أن يقطع أو يسقي)؛ دفعًا لضرر المشتري، فإن تعذر السقي لانقطاع الماء .. ففيه القولان السابقان.

فصل

فَصْلٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إِبْقَائِهِ. وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إِنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنِ الشَّجَرِ .. لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: لو أصاب الثمار آفة ولم يبق في تركها فائدة .. فهل له الإبقاء؟ فيه قولان ذكرهما صاحب (التقريب). قال ابن الرفعة: الذي يقع في النفس صحته قول الإجبار، لكن ظاهر نص (الأم) خلافه. قال: (فصل: يجوز بيع الثمر بعد بدو صلاحه مطلقًا) أي: بغير شرط قطع ولا تبقية؛ لمفهوم نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وتذهب عنها الآفة، رواه مسلم [1555/ 15]. وفي هذه الحالة للمشتري تركها إلى أوان الجذاذ. و (بدا) بلا همز معناه: ظهر، قال تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}. قال: (وبشرط قطعه) بالإجماع. قال: (وبشرط إبقائه)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال أبو حنيفة: لا يصح؛ لأن ذلك ينافي وجوب التسليم. وأجاب الأصحاب بأن التسليم فيه بالتخلية. قال: (وقبل الصلاح إن بيع منفردًا عن الشجر .. لا يجوز إلا بشرط القطع) سواء جرت العادة بقطعه أم لا؛ لما روى الشيخان [خ2197 - م1555/ 15] عن ابن عمر وأنس رضي الله عنهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها).

وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ، لَا كَكُمَّثْرَى. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي .. جَازَ بِلَا شَرْطٍ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنا الْقَطْعَ .. لَمْ يَجِبِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث أنس رضي الله عنه: (حتى تزهي) قيل لأنس: ما زهوها؟ قال: (تحمر وتصفر –قال-: أرأيت إن منع الله الثمرة .. بم يستحل أحدكم مال أخيه؟). وقوله: (أرأيت .. إلخ) روى مالك عنه: أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه سفيان الثوري، وإتقان مالك وحفظ سفيان يوجبان الحكم بأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أنسًا رضي الله عنه مرة رفعه، ومرة قاله من كلامه مستندًا إلى ما سمعه. ثم إذا صح البيع بشرط القطع فقبضه بالتخلية فتكون مؤنة القطع على المشتري؛ لأنه التزم له تفريغ أشجاره، وللبائع التبقية إلى بدو الصلاح، وله إجباره على قطعها قبل بدو الصلاح. وصورة مسألة الكتاب: أن تكون الأشجار قائمة ثابتة، فلو قطعت شجرة عليها ثمرة ثم باع الثمرة وهي عليها .. فإنه يجوز من غير شرط القطع؛ لعدم تبقية الثمرة عليها. قال: (وأن يكون المقطوع منتفعًا به، لا ككمثرى)؛ لأن شرط المبيع ذلك. و (الكمثرى) بفتح الميم وبالثاء المثلثة واحدة كمثرات. قال: (وقيل: إن كان الشجر للمشتري .. جاز بلا شرط)؛ لأنهما يجتمعان في ملك شخص واحد، فأشبه ما إذا اشتراهما معًا، وبهذا جزم صاحب (التنبيه)، ورجحه جماعة، وصححه في (الروضة) في (المساقاة)، ولم يصحح الرافعي هناك شيئًا، ونقلاه هنا عن الجمهور. قال: (قلت: فإن كان الشجر للمشتري وشرطنا القطع .. لم يجب الوفاء به والله أعلم)؛ لأنه لا يجب أن يقطع ثمار نفسه عن أشجاره.

وَإِنْ بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ .. جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ. وَيَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الأَخْضَرِ فِي الأَرْضِ إِلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ، فَإِنْ بِيعَ مَعَهَا أَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ .. جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ: ظُهُورُ الْمَقْصُودِ؛ كتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة ذلك: أن يبيع الشجرة لشخص ويبقي الثمرة ثم يبيعه الثمرة، أو يوصي لإنسان بثمرة فيبيعها لصاحب الشجرة، أو يبيع الثمرة بشرط القطع ثم يشتريها قبله. قال: (وإن بيع مع الشجر .. جاز بلا شرط) بالإجماع. هذا إذا لم يفصل الثمن، فإن فصله بأن قال: بعتك الشجرة بدينار والثمرة بعشرة .. فلا يصح؛ لانتفاء التبعية كما قاله الرافعي في (المساقاة). قال: (ولا يجوز بشرط قطعه)؛ لأن فيه حجرًا على المشتري في ملكه، بخلاف البيع من صاحب الأصل؛ فإن العقد هنا شملهما فصارت الثمرة تابعة. قال: (ويحرم بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط قطعه)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، رواه مسلم [1535/ 50] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ومراد المصنف بـ (الزرع): ما ليس بشجر، فدخل فيه البقول، فلو باعه من مالك الأرض .. فهو كبيع الثمرة من مالك الشجرة. ولا فرق في الثمار بين ما يجذ كالتمر، أو يقطف كالحصرم، أو يجمع كالبطيخ والقثاء والخيار والباذنجان والتفاح والكمثرى والخوخ والجوز واللوز، كلها تجري فيها الأقسام المتقدمة في بيعها قبل بدو الصلاح وبعده مفردة وتابعة. قال: (فإن بيع معها) أي: مع الأرض (أو بعد اشتداد الحب .. جاز بلا شرط) أما الأول .. فكبيع الثمرة مع الشجرة، وأما الثاني .. فكبيع الثمرة بعد بدو الصلاح. قال: (ويشترط لبيعه وبيع الثمر بعد بدو الصلاح: ظهور المقصود) حتى لا يكون بيع غائب (كتين وعنب وشعير)؛ لأن حباته ظاهرة، وكذلك السلت والأرز على المذهب، وقيل: إنهما كالحنطة.

وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ .. لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ، وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ. وَلَا بَاسَ بِكِمَامٍ لَا يُزَالُ إِلَّا عِنْدَ الأَكْلِ. وَمَا لَهُ كِمَامَانِ –كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَاءِ- يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الأًسْفَلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وما لا يرى حبه كالحنطة والعدس في السنبل .. لا يصح بيعه دون سنبله) قطعًا؛ لاستتاره، وهذا لا خلاف فيه، إلا أن القاضي أشار إلى وجه فيه وليس ببعيد بناء على بيع الغائب. قال: (ولا معه في الجديد)؛ لأن المقصود مستتر بما ليس من صلاحه، فأشبه الحنطة في تبنها بعد الدياس. والقديم: الجواز؛ لمفهوم نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد -قال الترمذي [1228]: حسن غريب- وهذا قد اشتد. قال (ولا بأس بكمام لا يُزال إلا عند الأكل) ففي الثمار كالرمان والموز، وفي الزرع كالعلس؛ لأن بقاءه فيها من مصلحته، وكذلك قصب السكر في قشره الأعلى إذا بدت فيه الحلاوة، ونقل الماوردي جوازه وإن كان مزروعًا ويبقى إلى أوان قطعه، والكتان إذا بدا صلاحه. قال ابن الرفعة في (المطلب): يظهر جواز بيعه؛ لأن ما يغزل منه ظاهر، والساس في باطنه كالنوى في التمر، قال: لكن هذا لا يتميز في رأي العين، بخلاف التمر؛ فإنه إذا قطع .. تميز النوى فيه عن اللحم. و (الكِمام) بكسر الكاف: أوعية الطلع، واحدها: كم، بكسر الكاف. قال: (وما له كمامان –كالجوز واللوز والباقلاء- يباع في قشره الأسفل)؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته.

وَلَا يَصِحُّ فِي الأَعْلَى، وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ إِنْ كَانَ رَطْبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الباقلاء): الفول، يشدد ويخفف، فإن شددت .. قصرت، وإذا خففت .. مددت، واحدته: باقلاة. قال القزويني: النظر إلى زهره يورث الهم والحزن. وقال الجاحظ: الإكثار من أكله يفسد العقل ويورث الأحلام الرديئة، وسيأتي في (كتاب الأيمان) في الكلام على الفاكهة شيء من هذا إن شاء الله تعالى. ويأتي في عدة امرأة المفقود: أن عمر رضي الله عنه سأله عن طعام الجن، فقال: الفول، قال ابن الأثير وغيره: هو الباقلاء. قال في (المهمات): وتعبيره بـ (كمامين) غير مستقيم، والصواب: كمامتان بالتاء، أو كمان. قال: (ولا يصح في الأعلى) لا على أصوله، ولا على وجه الأرض؛ لاستتاره. قال: (وفي قول: يصح إن كان رطبًا)؛ لأنه يصون القشر الأسفل ويحفظ رطوبة اللب فيتعلق الصلاح به، وقيل: إن الشافعي أمر الربيع أن يشتري له باقلاء أخضر، واختاره ابن القاص والاصطخري، وصححه الأكثرون. واحترز بـ (الرطب) عما إذا كان يابسًا؛ فإنه لا يصح فيه جزمًا إذا منعنا بيع الغائب. قال في (المطلب): واللوبياء فيما نظنه كالباقلاء، وأما اللوز الأخضر .. فيجوز بيعه في الأعلى قبل انعقاد الأسفل؛ فإنه مأكول كله. ويصح بيع طلع النخل مع قشره في الأصح إذا لم يتصلب.

وَبُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ: ظُهُورُ مَبَادِئِ النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ، وَفِي غَيْرِهِ: بِأَنْ يَاخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوِ السَّوَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبدو صلاح الثمر: ظهور مبادئ النضج والحلاوة فيما لا يتلون، وفي غيره: بأن يأخذ في الحمرة أو السواد)؛ لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم. وفي (أبي داوود) [3364]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد) وهذه الأوصاف وإن عرف بها بدو الصلاح فليست شرطًا فيه؛ لأن القثاء لا يتصور فيه شيء منها، بل يستطاب أكله صغيرًا وكبيرًا، وكذلك الزرع صلاحه باشتداده. فالعبارة الشاملة أن يقال: بدو الصلاح صيرورته إلى الصفة التي يطلب غالبًا كونه عليها، كصفرة المشمش، وحمرة العناب، وسواد الإجاص، وبياض التفاح، وحلاوة قصب السكر، وحموضة الرمان، ولين التين والبطيخ، واشتداد القمح، وانشقاق كمام القطن، وانفتاح الورد وورق التوت. و (النضج) بضم النون وفتحها، يقال: هو ناضج ونضيج، وفلان ناضج الرأي، أي: محكمه. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (بدو الصلاح ظهور الثريا، ويقال لها: النجم). وفي الحديث: (إذا طلع النجم .. لم يبق من العاهة شيء) أراد: عاهات الثمار؛ لأنها تطلع بالحجاز إذا بدا صلاح البسر، وحينئذ يهيج البحر وتختلف الرياح، قال صلى الله عليه وسلم: (من ركب البحر بعد طلوع الثريا .. فقد برئت منه الذمة).

وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَ بُسْتَانٍ أَوْ بُسْتَانَيْنِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ .. فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّابِيرِ. وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ .. لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا، وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيهِ بَعْدَهَا. وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا كَبَرْدٍ .. فَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويكفي بدو صلاح بعضه وإن قل) حتى في الحبة الواحدة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة: أن لا تطيب الثمار دفعة واحدة؛ إطالة لزمن التفكه، وليس صلاح جنس صلاحًا لجنس آخر، فلو باع بسرًا بدا صلاحه وعنبًا لم يبد صلاحه صفقة واحدة .. اشترط القطع في العنب دون البسر، وأشار المصنف إلى هذا بقوله: (بدو صلاح بعضه). قال: (ولو باع ثمر بستان أو بستانين بدا صلاح بعضه .. فعلى ما سبق في التأبير) فلا تحصل التبعية عند اختلاف البستان، ولا عند اتحاده إذا أفرد ما لم يبد صلاحه، أو كان مالكه خلاف مالك الذي بدا فيه، وتحصل التبعية وإن اختلف النوع. قال: (ومن باع ما بدا صلاحه) سواء كان زرعًا أو ثمرًا (.. لزمه سقيه قبل التخلية وبعدها)؛ لأن ذلك من تمام التسليم الواجب عليه، وهو مقدار ما تنمو به الثمار وتسلم من الفساد، فلو شرط ذلك على المشتري .. بطل العقد؛ لمخالفته مقتضى العقد، أما عند اشتراط القطع .. فلا يجب السقي على البائع، إنما يجب إذا استحق المشتري الإبقاء بالشرط أو الإطلاق. قال: (ويتصرف مشتريه بعدها) أي: بعد التخلية؛ لحصول القبض، وقال الإمام: إن هذا لا خلاف فيه، وحكى في (الشامل) عن القديم: أنه لا يقبض إلا بالقطع والنقل. قال: (ولو عرض مهلك بعدها كبرد .. فالجديد: أنه من ضمان المشتري)؛ لما روى مسلم [1556] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها وكثر دينه، فقال صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك)؛ فلو كانت من ضمان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البائع .. لأسقط صلى الله عليه وسلم الديون التي لحقته من ثمن الثمار التالفة. وسيأتي في (باب التفليس): أن الرجل المذكور معاذ بن جبل رضي الله عنه. وبهذا قال أبو حنيفة وداوود وجمهور السلف. والقديم –وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة من أهل الحديث-: أنه من ضمان البائع، وأوجبوا وضع الجوائح، لما روى مسلم [1554/ 14] عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بعت من أخيك تمرًا فأصابته جائحة .. فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا ثم تأخذ مال أخيك بغير حق). وفيه أيضًا [1554/ 17]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح). وقال مالك: يوضع الثلث فصاعدًا ولا يوضع أقل منه. والجديد: حمل الحديث على الندب جمعًا بين الحديثين. ومنهم من حمل حديث جابر رضي الله عنه على ما قبل بدو الصلاح، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه على ما بعده. قال الشيخ: وهو جمع حسن، وفي ألفاظ الحديث ما يشهد له إذا كان بآفة سماوية كمطر أو جراد أو ريح أو حريق أو طير أو سموم أو زنابير أو انقطاع ماء القنوات أو السيل، فإن كان بغصب أو سرقة .. فهو من ضمان المشتري على القولين معًا، وللقديم شرطان: أحدهما: أن لا يبيعه من مالك الأشجار، فإن باعه منه .. فهو من ضمان المشتري بلا خلاف؛ لانقطاع العلائق. والثاني: أن يحصل التلف قبل إمكان الجذاذ، فإن حصل بعده وبعد إمكان النقل .. فالأشبه: أنه من ضمان المشتري أيضًا؛ لتقصيره. وقوله: (كبرد) ضبطه المصنف بإسكان الراء وفتحها؛ ليشمل النوعين، وهو حسن. واحترز بقوله: (بعدها) عما إذا حصل قبلها؛ فإنه من ضمان البائع.

فَلَوْ تَعَيَّبَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ .. فَلَهُ الْخِيَارُ. وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ .. فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَلَوْ بِيعَ ثَمَرٌ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ .. لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي قَطْعَ ثَمَرِهِ. وَلَوْ حَصَلَ الاِخْتِلَاطُ فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَنْفَسخُ الْبَيْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو تعيب بترك البائع السقي .. فله الخيار) أي: للمشتري؛ لأن السقي لما كان لازمًا للبائع .. كان التعييب الحاصل بتركه كالسبب المتقدم على القبض، حتى لو تلف بذلك .. انفسخ العقد أيضًا، و (المحرر) لم يذكر هذه المسألة إنما ذكر التعييب بالجائحة، فغيره المصنف واعتذر عنه في (الدقائق). قال: (ولو بيع قبل صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك .. فأولى بكونه من ضمان المشتري)؛ لتفريطه. وفهم من تعبيره بـ (الأولوية): أن الخلاف هنا مرتب على ما لم يشترط فيه القطع، فإن جعلناه هناك من ضمان المشتري .. فكذلك هنا، وإن جعلناه من ضمان البائع .. فههنا خلاف. ولا يختص قولا الجوائح بالثمار بل يجريان في الزرع إذا بيع بعد الاشتداد فأصابته جائحة. قال: (ولو بيع ثمر يغلب تلاحقه واختلاط حادثه بالموجود كتين وقثاء .. لم يصح)؛ لانتفاء القدرة على التسليم، وفي وجه أو قول: أنه موقوف، فإن سمح البائع بما حدث .. تبين الانعقاد، وإلا .. فلا. قال: (إلا أن يشترط المشتري قطع ثمره) فيصح لزوال المحذور. هذا إذا بيع بعد الصلاح، فإن بيع قبله .. فشرط القطع لابد منه لتصحيح العقد، ولو شرط القطع فلم يقطع حتى اختلط .. فهو كالتلاحق فيما يندر. قال: (ولو حصل الاختلاط فيما يندر فيه .. فالأظهر: أنه لا ينفسخ البيع)؛ لبقاء عين المبيع، وتسليمه ممكن بالطريق الآتي. والثاني: ينفسخ؛ لتعذر التسليم المستحق، وهذا هو الصحيح المفتى به، فقد

بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ .. سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ، وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صححه في (البسيط)، والقاضي أبو الطيب والشاشي وصاحب (المهذب) وابن أبي عصرون والمصنف في (نكت الوسيط) والشيخ. وسواء في طرد القولين وقع الاختلاط قبل التخلية أو بعدها. وقيل: لا ينفسخ قطعًا إذا اختلط بعدها. ولو اختلط الطعام بعد قبضه .. لم ينفسخ قطعًا، فإن اختلفا في قدره .. قال الماوردي: صدق من انثال الطعام على صبرته، فإن كان المبيع شاة أو ثوبًا فاختلط بمثله ولم يتميز .. انفسخ في الأصح، بخلاف الحنطة؛ فإن غايتها الإشاعة وهي غير مانعة. قال (بل يتخير المشتري)؛ دفعًا للضرر. قال: (فإن سمح له البائع بما حدث .. سقط خياره في الأصح)؛ لزوال المحذور. والثاني: لايسقط؛ لما في ذلك من المنة. و (سمح) بفتح الميم. والمصنف تبع الإمام والغزالي في أن الخيار يثبت أولًا للمشتري حتى تجوز له المبادرة بالفسخ، فإن بادر البائع فسمح .. سقط خياره. قال في (المطلب): وهو مخالف لنص الشافعي والأصحاب؛ فإنهم خيروا البائع أولًا. قال: (ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافية؛ وهو المحاقلة)؛ لما روى مسلم [1536] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة

وَلَا الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ؛ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ. وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الأَرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمزابنة والمخابرة والمعاومة والثنيا) ثم فسر المحاقلة بما فسرها به المصنف، فإن كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. فذاك، وإن كان من الراوي .. فهو أعرف من غيره. ولفظها مأخوذ من الحقلة، وهي الساحة التي تزرع، سميت محاقلة؛ لتعلقها بزرع في حقله. و (المعاومة): بيع الشجر سنتين وثلاثًا. و (الثنيا): أن بيع الشيء ويستثنى بعضه. ووجه البطلان في المحاقلة: أن المبيع مستتر بما ليس من صلاحه. قال: (ولا الرطب على النخل بتمر؛ وهو المزابنة)؛ للحديث المذكور، ولفظها مأخوذ من الزبن، وهو المخاصمة والمدافعة، وإنما بطلت؛ لأنها بيع مال ربوي بجنسه من غير تحقق مساواة في الكيل. قال: (ويرخص في العرايا، وهو: بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض؛ لما روى الشيخان [خ2191 - م1540] عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا) فلو باع رطبًا برطب .. فالأصح: المنع. وحكم البسر حكم الرطب في الجواز، قاله الماوردي. وعلى هذا: ينبغي إلحاق الحصرم بالعنب. و (العرايا) جمع: عرية، كمطية ومطايا، وضحية وضحايا، وهي: التي يفردها صاحبها للأكل؛ لأنها عريت عن حكم جميع البستان. قال: (أو العنب في الشجر بزبيب)؛ لأنه زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه فكان

فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كالرطب، والشافعي رضي الله عنه يجوز القياس في الرخص لا يختلف قوله في ذلك وإن كان ابن الرفعة توهم فيه خلافًا. ومحل تجويز العرايا: إذا لم يتعلق بها حق الزكاة؛ بأن يكون الذي في ملك البائع أقل من خمسة أوسق، أو يكون خرص عليه وقلنا: الخرص تضمين، أو باع ما عدا قدر الزكاة، أو قلنا بالقديم: إن المالك يترك له بعض نخلات فيبيع منها. قال (فيما دون خمسة أوسق)؛ لما روى الشيخان [خ2190 - م1541] عن داوود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق) الشك وقع من داوود. قال الشافعي رضي الله عنه: فلذلك جوزنا دون الخمسة؛ لأنه متفق عليه، ومنعنا الخمسة؛ للشك فيها، والأصل: التحريم؛ للنهي عن المزابنة، وفي قول: يجوز في الخمسة، لإطلاق الحديث المتقدم. والمراد بـ (الخمسة وبما دونها): إذا كان جافًا، فيبيع من الرطب مقدارًا لو جف لجاء منه دون خمسة أوسق بمثله من التمر وإن كان الرطب أكثر، ويعرف ذلك بالخرص، وإليه أشار في الحديث المتقدم بقوله: (بخرصها تمرًا يأكلونه رطبًا). ونظير المسألة: المهادنة يجوز عقدها أربعة أشهر قطعًا، ولا يجوز أكثر من سنة قطعًا، وفيما بينهما قولان. فروع: إذا أوجبنا النقص عن الخمسة .. فالنص: أنه يكفي أيُّ قدر كان، وهل الخمسة تقريب أو تحديد؟ كلام الماوردي يشعر بالتحديد، وبه جزم المصنف في (رؤوس المسائل) وغيرها. وقال ابن الرفعة: لا يبعد تخريجه على الزكاة، ويكفي هنا خارص واحد بخلاف الزكاة على رأي، ويجوز أن يخرصا بأنفسهما، وتوقف ابن الرفعة في جواز خرص

وَلَوْ زَادَ فِي صَفْقَتَيْنِ .. جَازَ، وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ كَيْلًا، وَالتَّخْلِيَةِ فِي النَّخْلِ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما؛ لأجل اتحاد القابض والمقبض. قال الشيخ: والمختار جوازه، ولابد من تعيين الثمن، فلا يجوز جزافًا ولا خرصًا؛ لئلا يعظم الغرر. و (الوسق) تقدم في (الزكاة): أنه ستون صاعًا. قال: (ولو زاد في صفقتين .. جاز)؛ قياسًا على الصفقة الأولى، خلافًا لأحمد، وكذلك سائر الصفقات إذا تعددت بحيث لا تزيد حصة كل صفقة على ما ذكرنا، فلو باع واحد لاثنين في صفقة بحيث يخص كل واحد القدر الجائز .. جاز، ولو باع اثنان لواحد .. فالأصح: الجواز كعكسه. والثاني: المنع، وهذا عكس القاعدة المتقدمة قبيل (باب الخيار)؛ فإن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعًا، وبتعدد المشتري في الأظهر، وهنا بالعكس جرى الخلاف في تعدد البائع دون المشتري، وقد تقدمت الإشارة هناك إلى هذا. واحترز المصنف بـ (الصفقتين) عما إذا زاد في صفقة واحدة؛ فإن البيع يبطل في الجميع، ولم يخرجوه على الخلاف في تفريق الصفقة كما تقدم؛ لأنه بالزيادة صار عقد ربا فبطل جميعه. قال: (ويشترط التقابض بتسليم التمر كيلًا، والتخلية في النخل)؛ لأنه مطعوم بمطعوم، واستشكل ابن الرفعة الاكتفاء بالتخلية إذا قلنا: إنها من ضمان البائع بعد التخلية كما تقدم. وقال: (والأظهر: أنه لا يجوز في سائر الثمار)؛ لما روى مسلم [1539/ 59] عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا بالتمر والرطب، ولم يرخص في غير ذلك) لكن العنب لما كان إلحاقه جليًا .. اقتصرنا عليه، وسائر الثمار ليست في معناهما.

وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يجوز، وبه قال مالك وبعض الحنابلة؛ لأن النفس تدعو إلى أكلها في حال رطوبتها. ومحل القولين فيما يدخر يابسه كالجوز واللوز والتين والمشمش. قال: (وأنه لا يختص بالفقراء)؛ لإطلاق الرخصة، وقياسًا على سائر البيوع. والثاني: يختص بهم، وبه قال المزني؛ لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أنه سمى رجالًا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به وعندهم فضول قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر) رواه الشافعي رضي الله عنه لكن بسند لا يحتج به. تتمة: قال الجرجاني والمتولي: ضابط الغني في هذا الباب: مَن عنده نقد، فمن لا نقد عنده .. فقير وإن ملك أموالًا كثيرة. وفي (البحر) عن المزني: الفقير هنا: المعسر المضطر، ومحل الخلاف: في اعتبار حاجة المشتري، أما البائع .. فلا يعتبر قطعًا. وقال المالك: تشترط حاجة البائع. * * * خاتمة إذا اشترى العرية من يجوز له شراؤها ثم تركها حتى صارت تمرًا .. جاز. وقال أحمد: يبطل العقد، فشرط صحة العقد عنده: أن يأخذها أهلها رطبًا، وعند الجمهور لا يشترط ذلك. * * *

باب اختلاف المتبايعين

بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ صِفَتِهِ، أَو الأَجَلِ، أَوْ قَدْرِهِ، أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيِّنَةَ .. تَحَالَفَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب اختلاف المتبايعين هذا الباب مؤخر في (الشرح) و (الروضة) وغيرهما عن معاملات العبيد، والأصل فيه: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة .. فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان) رواه أبو داوود [3505] والحاكم [2/ 45]، وقال صحيح، والبيهقي [5/ 332]، وقال: حسن. قال: (إذا اتفقا على صحة البيع، ثم اختلفا في كيفيته كقدر الثمن، أو صفته، أو الأجل، أو قدره، أو قدر المبيع ولا بينة .. تحالفا)؛ لأن كلًا منهما مدعى عليه. وفي (البخاري) [2668]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه). وضابط التحالف كما قال المصنف: أن يتفقا على صحة عقد ويختلفا في كيفيته،

فَيَحْلِفُ كُلٌ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ، وَيُبْدَأُ بِالْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو لم يتفقا على الصحة أو اتفقا عليها في عقد ولكن اختلفا في ذلك هل هو بيع أو هبة .. فلا تحالف كما سيأتي في آخر الباب. لكن خصوص البيع ليس بشرط؛ لأن التحالف يجري في عقود المعاوضات كالسلم والكتابة وغيرهما. وأورد على ضابط المصنف: ما إذا اختلفا في عين المبيع وعين الثمن معًا .. فإنه لا تحالف جزمًا مع أن الحد صادق عليه. وقوله: (كقدر ثمن) صورته: أن يكون الذي يدعيه البائع هو الأكثر. وقوله: (أو صفته) كالصحاح والمكسرة، وكذا الجنس أيضًا كالذهب والفضة. واحترز بقوله: (ولا بينة) عما إذا أقامها أحدهما؛ فإنه يقضى له بها، فإن أقاما بينتين .. قضي بأسبقهما تاريخًا، وإلا .. تحالفا تفريعًا على قول التساقط، وعلى قول الاستعمال لا يأتي هنا قول القسمة بل يتوقف إلى ظهور الحال، وبقولنا في التحالف قال أبو حنيفة. وقال أبو ثور وزفر: القول قول المشتري مع يمينه مطلقاً، وهي رواية عن مالك، وعنه رواية أخرى: أن القول قول من الشيء في يده، ولم يقل أحد: أن القول قول البائع مطلقًا. قال: (فيحلف كل على نفي قول صاحبه وإثبات قوله)؛ لأنه يدعي عقدًا وينكر عقدًا فينفي ما ينكره ويثبت ما يدعيه، وإنما يحلف الثاني بعد أن يعرض عليه ما حلف عليه الأول فينكره. قال: (ويبدأ بالبائع)، لما روى النسائي [7/ 303] عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر البائع أن يحلف ثم يختار المتباع فإن شاء .. أخذ، وإن شاء .. ترك)، ولأن جانبه بعد التحالف أقوى؛ إذ المبيع يرجع إلى ملكه، والأصل في اليمين: أن تكون في جهة من قويَ جانبه، هذا نص الشافعي رضي الله عنه هنا، ونص أيضًا في السلم والكتابة على البداءة بالمسلم إليه والسيد، ونص في النكاح على البداءة بالزوج، وهو في رتبة المشتري، ونص في الدعاوى على

-وَفِي قَوْلٍ: بِالْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ: يَتَسَاوَيَانِ– فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَيُقَدَّمُ النَّفْيُ فَيَقُولُ: مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التخيير، فلذلك اختلف الأصحاب على ثلاث طرق. قال: (وفي قول: بالمشتري)؛ لأن البائع يدعي عليه زيادة ثمن والأصل براءة ذمته عنها. قال: (وفي قول: يتساويان)؛ لأن كل واحد منهما مدع ومدعي عليه. قال: (فيتخير الحاكم) أي: إذا قلنا بالتساوي .. فوجهان: أصحهما: يتخير الحاكم كما لو تداعيا عينًا في يديهما. قال: (وقيل: يقرع) كما يقرع بينهما في الدعوى إذا جاءا معًا إلى مجلسه، ويجري التحالف في الحوالة أيضًا. قال: (والصحيح: أنه يكفي كل واحد يمين تجمع نفيًا وإثباتًا)؛ لأنه أقرب إلى فصل الخصومة، وهذا هو المنصوص. والثاني: يفرد النفي بيمين والإثبات بأخرى؛ لأنه مدع ومدعيً عليه وهو مخرج، واختاره ابن سريج، وهو القياس، فكان ينبغي أن يعبر بالمذهب. قال: (ويقدم النفي)؛ لأنه الأصل في اليمين، وإنما ينتقل إلى الإثبات بنكول أو شاهد أو لوث. وقال الإصطخري: يقدم الإثبات كاللعان. وعن ابن القطان: لا ترتيب، بل إن بدأ أحدهما بالنفي .. حلف الآخر على الإثبات ليكون بضده، وإن بدأ بالإثبات .. حلف الثاني على النفي، والخلاف في الاستحباب على الأصح عند الرافعي وعند الشيخ أبي حامد، وطائفة في الوجوب. قال: (فيقول: ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا) وكذلك المشتري يقول: ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا، وفي قول مخرج: يكفي يمين النفي كسائر الخصومات.

وَإِذَا تَحَالَفَا .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ، بَلْ إِنْ تَرَاضَيَا، وَإِلَّا .. فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوِ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقتضى ما يقوله الشافعي رضي الله عنه والأصحاب من أن الاستثناء من النفي إثبات: جواز الاقتصار على قول البائع: إنما بعت بكذا، وعلى قول المشتري: إنما اشتريت بكذا، وكذلك ما بعت إلا بكذا، وما اشتريت إلا بكذا، وهو المنصوص، لكن المذهب الأول. قال: (وإذا تحالفا .. فالصحيح: أن العقد لا ينفسخ)؛ لأن كلًا منهما قصد بيمينه إثبات الملك فلم يجز أن يكون موجبه الفسخ، ولأن البينة أقوى من اليمين، ولو أقام كل منهما بينة على ما يقوله .. لم ينفسخ العقد فباليمين أولى، ولأن العقد وقع صحيحًا باتفاقهما فلا ينفسخ إلا بالفسخ كسائر العقود. والثاني –ونسب إلى اختيار المزني-: أنه ينفسخ بنفس التحالف كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين. قال: (بل إن تراضيا، وإلا .. فيفسخانه أو أحدهما أو الحاكم) أما الجواز لهما .. فلأنه فسخ لاستدراك الظلامة في البيع، فأشبه الرد بالعيب، وأما الجواز للحاكم .. فلقطع المنازعة. قال: (وقيل: إنما يفسخه الحاكم)؛ لأنه مجتهد فيه، فأشبه العُنة، والإعسار على تناقض وقع للرافعي في ذلك سيأتي، وهذا الوجه قال في (المهمات): عليه الأكثرون، واختاره الشيخ، قال: وعبارة المصنف توهم أن كلًا من الثلاثة له الابتداء بالفسخ، ولم أره لأحد قبل الرافعي، ويجب تأويله على أن الفسخ لهما أو للحاكم عند امتناعهما، ويرشد إليه قول الرافعي: إن الحاكم إنما يفسخ إذا استمرا على النزاع، أما أن الحاكم بعد فراغهما من التحالف يقول: فسخت .. فلا. قال القاضي حسين: وإذا رضي أحدهما بما قاله صاحبه .. لم يكن له الرجوع عن قوله كما لو رضي بالعيب. قال: (ثم على المشتري رد المبيع)؛ ليصل إلى مالكه سواء قلنا بالفسخ أو الانفساخ.

فَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ مَاتَ .. لَزِمَهُ قِيمَتُهُ، وَهِيَ قِيْمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ فِي أَظْهَرِ الأَقْوَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: الأصح: حل وطء الجارية المبيعة بعد التنازع وقبل التحالف. والثاني: لا، لإشرافها على الزوال، وفي الوطء بعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتبان، وأولى بعدم الحل. قال: (فإن كان وقفه أو أعتقه أو باعه أو مات .. لزمه قيمته)؛ لقيامها مقام العين سواء كانت القيمة أكثر من الثمن الذي يدعيه أم لم تكن. وفي وجه ضعيف: لا يستحق البائع زيادة على ما ادعاه. ثم إن المصنف أطلق القول بلزوم القيمة سواء كان المبيع مثليًا أو متقومًا. ومحل الوفاق فيه: إذا كان متقومًا، وإلا .. فالأصح: وجوب القيمة أيضًا. والمشهور –كما قاله في (المطلب) -: وجوب المثل، وهو كالخلاف في البيع الفاسد، والصحيح فيه: وجوب المثل أيضًا. قال: (وهي قيمة يوم التلف في أظهر الأقوال)؛ لأن الفسخ رفع العقد من حينه، وقبل التلف لم يتعلق للبائع حق، وإذا كنا نقول في المستام والعارية: القيمة يوم التلف .. فههنا أولى. والثاني: بقيمته يوم القبض؛ لأنه يوم دخوله في ضمانه. والثالث: أقصى قيمة من القبض إلى التلف كالبيع الفاسد، وصححه الروياني وصاحب (المهذب). والرابع: أقل قيمة من العقد إلى القبض، والمصنف تبع (المحرر) في حكايتها أقوالًا، والراجح في (شرح المهذب) و (الروضة): أنها أوجه.

فَإِنْ تَعَيَّبَ .. رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ، واخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا كَهُمَا. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا، فَقَالَ: بَلْ وَهَبْتَنِيهِ .. فَلَا تَحَالُفَ، بَلْ يَحْلِفُ كُلٌ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن تعيب رده مع أرشه) وهو ما نقص من القيمة؛ لأن ما ضمن كله بالقيمة ضمن بعضه ببعضها إلا في الزكاة المعجلة كما تقدم. ولو كان المبيع جارية فوطئها المشتري ثم تحالفا وردها إن كانت ثيبًا .. فلا شيء عليه، وإن كانت بكرًا .. رد معها أرش البكارة. قال: (واختلاف ورثهما كهما)؛ لأنها يمين في المال فقام الوارث فيها مقام الموروث كاليمين في دعوى المال، وكذا اختلاف أحدهما ووارث الآخر كما صرح به في الكتاب في آخر (الصداق)، وستأتي كيفية حلف الوارث هناك. ويجوز للوارث الحلف إذا غلب على ظنه صدق مورثه. ولو كان الوارث أكثر من واحد فصدق بعضهم وأنكر البعض .. قال الشيخ: الذي يظهر جواز التحالف بين العاقد والمنكر الواحد. ولو كان الوارث محجورًا عليه .. ففي حلف وليه خلاف حكاه الإمام في (كتاب الصداق). والأصح: جواز التحالف بين الوليين في مال المحجور عليه، وبين ولي الصغيرة والمجنونة والزوج، وبين ولي الطفل والمشتري، وبين الوكيلين في العقد لا في الخصومة فقط. وقول المصنف: (كهما) فيه إدخال (الكاف) على ضمير الغائب وهو قليل، ولذلك قال في (المحرر): كاختلافهما. قال: (ولو قال: بعتكه بكذا، فقال: بل وهبتنيه .. فلا تحالف، بل يحلف كل على نفي دعوى الآخر)؛ لعدم اتفاقهما على عقد. وقال المتولي والفوراني: يتحالفان.

فَإِذَا حَلَفَا .. رَدَّهُ مُدَّعِي الْهِبَةِ بِزَوَائِدِهِ. وَلَوِ ادَّعَى صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالآخَرُ فَسَادَهُ .. فَالأَصَحُّ: تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن صاحب (التقريب) رواية قول: أن القول قول مدعي الهبة؛ لأنه مالك باتفاقهما. قال: (فإذا حلفا .. رده مدعي الهبة بزوائده)؛ لأنه لا ملك له في الظاهر. قال: (ولو ادعى صحة البيع والآخر فساده .. فالأصح: تصديق مدعي الصحة بيمينه)؛ لأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة، وكما لو فرغ من الصلاة ثم شك هل ترك ركنًا .. لا يجب الإتيان به. والثاني –وبه قال البغوي-: أن القول قول مدعي الفساد، وفي (التنبيه) حكاهما قولين، وفي (المهذب) وجهين. ولو أبدل المصنف لفظة البيع بالعقد .. كان أعم؛ فإن الخلاف جار في عقود المعاوضات كالإجارة والنكاح وغيرهما. لكن يستثنى منه: ما إذا باع ذراعًا من أرض وهما يعلمان ذرعانها فادعى البائع: أنه أراد ذراعًا معينًا حتى لا يصح العقد لاختلاف الغرض في تعيينه، وادعى المشتري: الشيوع حتى يصح العقد .. ففي المصدق منهما احتمالان: أصحهما في زوائد (الروضة): تصديق البائع؛ لأنه أعرف بإرادته. وإذا اختلفا: هل وقع الصلح على إنكار أو اعتراف؟ فالصواب تصديق مدعي الإنكار؛ لأنه الغالب. وإذا قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي وعرف ذلك من السيد .. فهو المصدق. ولو قال المشتري: ما رأيت المبيع وكذبه البائع .. ففي (فتاوى الغزالي) القول قول البائع. قال في (الروضة): هذه مسألة اختلافهما في مفسد العقد، والأصح: قول مدعي الصحة، ووافقهما الشيخ على ذلك؛ لأنه الظاهر في العقود، ورد عليهما في (المهمات).

وَلَو اشْتَرَى عَبْدًا فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعَ .. صُدِّقَ الْبَائِعُ، وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المنقول: في المسألة تصديق المشتري؛ لأن الأصل عدم رؤيته، وفي عكسه أفتى صاحب (البيان) بأن القول قول البائع؛ لأن الأصل عدم رؤيته، وخالفه بعض أهل اليمن عملًا بالظاهر. أما إذا اختلفا في القبض .. فالقول قول المشتري. ولو باع الثمرة قبل بدو الصلاح ثم اختلفا في شرط القطع .. فينبغي أن يكون كاختلافهما في الرؤية. قال: (ولو اشترى عبدًا فجاء بعبد معيب ليرده، فقال البائع: ليس هذا المبيع .. صدق البائع) بلا خلاف؛ لأن الأصل السلامة وبقاء العقد. قال: (وفي مثله في السلم يصدق المسلم في الأصح)؛ لأنه لم يعترف بقبض ما ورد العقد عليه، وفي البيع اتفقا على قبض ما اشتراه وتنازعا في سبب الفسخ والأصل عدمه. والثاني: يصدق المسلم إليه كالبيع، والوجهان جاريان في الثمن في الذمة. تتمة: باع شيئًا ومات، فظهر: أن المبيع كان لابن الميت، فقال المشتري: باعه عليك أبوك في صغرك لحاجة، وصدقه الابن على البيع في صغره، ولكن قال: لم يبع علي بل باعه لنفسه متعديًا .. قال الغزالي في (الفتاوى): القول قول المشتري؛ لأن الأب نائب الشرع فلا يتهم إلا بحجة، كذا في زوائد (الروضة) هنا، وفي (الشرح) و (الروضة) في آخر (باب الحجر). * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة اختلفا في الثمن بعد الإقالة .. فيه في زوائد (الروضة) ثلاثة أوجه: أصحها: أن القول قول البائع. والثاني: قول المشتري. والثالث: يتحالفان وتبطل الإقالة. وتصوير هذه المسألة مشكل؛ لأنه إن كان قبل قبض الثمن .. فلا فائدة في الاختلاف؛ لأنه ساقط عن المشتري كيف كان، وإن كان بعد قبضه .. فالمصدق البائع؛ لأنه غارم، ومجيء الخلاف بعيد لاسيما التحالف؛ إذ لا فائدة فيه. * * *

باب

بَابٌ الْعَبْدُ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الأَصَحِّ، وَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ترجمه الشافعي رضي الله عنه بـ (باب مداينة العبيد)، ولا شك أن العبد محجور عليه لحق السيد فلا يصح تصرفه إلا بإذنه كما سيأتي. قال الإمام: تصرفات الرقيق ثلاثة أقسام: الأول: ما لا ينفذ وإن أذن السيد فيه كالولايات والشهادات. والثاني: ما ينفذ بغير إذن السيد كالعبادات والطلاق ونحوهما. والثالث: ما يتوقف على الإذن كالبيع والإجارة. قال: (العبد إن لم يؤذن له في التجارة .. لا يصح شراؤه بغير إذن سيده في الأصح)؛ لأنه محجور عليه لنقص فأشبه السفه، ولأنه لو صح .. فإما أن يثبت الملك له وليس أهلًا لذلك، أو للسيد بعوض في ذمته ولم يرض به، أو في ذمة العبد وهو ممتنع؛ لما فيه من حصول أحد العوضين لغير من يلزمه الآخر. والثاني: يصح، وبه قال أبو حنيفة وابن أبي هريرة وابن أبي عصرون، ونسبه الماوردي إلى الجمهور؛ لأنه يعتمد الذمة ولاحجر على ذمته، وإذا قلنا بهذا .. فهل الملك له أو للسيد؟ فيه وجهان: قطع المتولي بالثاني، والإمام بالأول. والخلاف كالخلاف فيما إذا اشترى المفلس شيئًا بثمن في ذمته، لكن الأصح هناك: الصحة كما سيأتي، والخلاف جار في عقود المعاوضات كلها خلا النكاح. ولو كان لرجلين عبد فأذن له أحدهما في التجارة .. لم يصح حتى يأذن الآخر. قال: (ويسترده البائع سواء كان في يد العبد أو سيده)؛ لأنه باق على ملكه، ولو أدى الثمن من مال السيد .. فله استرداده أيضًا.

فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ .. تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ، أَوْ فِي يَدِ السَّيِّدِ .. فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ. واقْتِرَاضُهُ كَشِرَائِهِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الإِذْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة الكتاب فيها خلل؛ لحذف الهمزة من (أكان) والإتيان بـ (أو) موضع (أم). قال: (فإن تلف في يده .. تعلق الضمان بذمته)؛ لأنه ثبت برضا مستحقه ولم يأذن السيد فيه، فأتبع به إذا عتق، فإن صححنا شراءه .. فالثمن في ذمته بلا خلاف؛ لرضا صاحبه وعدم إذن السيد. قال: (أو في يد السيد .. فللبائع تضمينه)؛ لأنه وضع يده عليه. قال: (وله) أي: للبائع (مطالبة العبد بعد العتق)؛ لتعلقه بذمته، لا قبل العتق؛ لأنه معسر، ولو أدى الثمن من مال السيد .. فله استرداده. قال: (واقتراضه كشرائه) في الخلاف وجميع ما سبق؛ لأنه عقد معاوضة مالية فكان كالشراء، وكذلك ضمانه، وسيأتي: أن الأصح في الثلاثة: المنع. والأصح: صحة قبوله الهبة والوصية بغير إذن السيد، فلو اشترى أو باع لغيره وكالة بغير إذن .. لم يصح في الأصح؛ لأن منافعه مستحقة للسيد، ولو أعطاه أجنبي متاعًا ليحمله بغير إذن مولاه أو استعمله في شغل بغير إذنه فهرب أو مات في الطريق .. ضمنه. وله بإذنٍ إجارة نفسه، وكذا بيعها ورهنها في الأصح. قال: (وإن أذن له في التجارة .. تصرف بحسب الإذن)؛ لأن المنع كان لأجل السيد وقد ارتفع بإذنه، وأما كونه بحسب الإذن .. فكالمضارب. ويستفيد بالإذن في التجارة كل ما دخل تحت اسمها وما هو من لوازمها، كالنشر، والطي، وحمل المتاع إلى الحانوت، والرد بالعيب، وتسليم المبيع، وقبض

فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ .. لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، وَلَيْسَ لَهُ النِّكَاحُ، وَلَا يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَاذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يَتَصَدَّقَ، وَلَا يُعَامِلَ سَيِّدَهُ. وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثمن، والمخاصمة في العهدة، كذا ذكروه. ويشبه أن يأتي فيه ما في عامل القراض من الخلاف. ولا يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل بقدر لا يتغابن به. هذا إذا دفع إليه السيد مالًا، أما إذا قال: اتجر ولم يعطه مالًا .. فإنه يجوز كالوكيل، وله في هذه الحالة البيع والشراء بالنسيئة، فإن فضل في يده شيء .. كان كما لو دفع إليه المال. قال: (فإن أذن له في نوع .. لم يتجاوزه) كعامل القراض، وكذا لو أذن له في التجارة شهرًا أو سنة .. لم يصر مأذونًا بعد تلك المدة، خلافًا لأبي حنيفة فيهما. قال: (وليس له النكاح) كما أن المأذون له في النكاح ليس له أن يتجر؛ لأن اسم كل منهما غير متناول للآخر. قال: (ولا يؤجر نفسه)؛ لأن مطلق الإذن في التجارة لا يتناول ذلك، أما عبيد التجارة .. فالأصح: أن له إيجارهم؛ لأن التجار يعتادون ذلك. وأعرب الشيخ (يؤجرَ) بفتح الراء عطفًا على المصدر، وتقديره: أن ينكح ويؤجر. قال: (ولا يأذن لعبده في التجارة) المراد: إذا اشترى المأذون عبدًا للتجارة وأراد أن يأذن له في التجارة .. لم يجز؛ لأن السيد لم يأذن فيه، وجوزه أبو حنيفة. قال: (ولا يتصدق)؛ لأنه غير مالك ولا متبرع، وكذلك لا يتخذ دعوة للمجهزين كما يفعله التجار؛ لأنه نوع هبة، وخالف فيه أبو حنيفة أيضًا. قال: (ولا يعامل سيده)؛ لأن تصرفه للسيد بخلاف المكاتب. قال: (ولا ينعزل بإباقه) بل له أن يتصرف على الأصح في البلد الذي انتقل إليه؛ لأن الأصل استمرار الإذن والإباق معصية لا توجب الحجر، اللهم إلا أن يخص السيد

وَلَا يَصِيرُ مَاذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ، وَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ .. لَمْ يُعَامِلْهُ حتَّى يَعْلَمَ الإِذْنَ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التصرف بالبلد الأول؛ فإنه لا يتصرف بغيره. وقال أبو حنيفة: ينعزل بالإباق والخروج عن الطاعة، ووافقنا على: أنه لو أذن له في النكاح فأبق .. لا يبطل الإذن. ولو أذن لأمته في التجارة ثم استولدها .. لم تنعزل قطعًا، خلافًا لأبي حنيفة، ووقع في (الروضة) و (الجواهر): لم تنعزل على الصحيح، فأشعر بوجه لا وجود له في شيء من كتب المذهب. قال: (ولا يصير مأذونًا له بسكوت سيده على تصرفه) وكذا لو رآه يتزوج فسكت .. لا يكون إذنًا؛ لما اشتهر عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: لا ينسب إلى ساكت قول. قال: (ويقبل إقراره بديون المعاملة)؛ لأنه قادر على الإنشاء سواء أقر لأبيه أو ابنه أو أجنبي. وقال أبو حنيفة: لا يقبل إقراره لأصله وفروعه، والمصنف أعاد المسألة في (الإقرار). قال: (ومن عرف رق عبد .. لم يعامله حتى يعلم الإذن بسماع سيده أو بينة أو شيوع بين الناس)؛ لأن الأصل عدم الإذن، فإن عامله ثم ظهر أنه مأذون .. فكما لو باع مال أبيه على ظن حياته فإذا هو ميت. وكان ينبغي للمصنف أن يقول: ومن عرف رق شخص؛ لأن العبد معلوم الرق. واحترز بقوله: (ومن عرف) عمن جهل رق شخص وحريته. وفي جواز معاملته قولان: أظهرهما: الجواز؛ لأن الأصل والغالب الحرية. ومحل هذا الخلاف في غير الغريب، فإن كان غريبًا .. جازت معاملته جزمًا؛ للحاجة.

وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطلق المصنف (العلم) ومراده: الظن الغالب، لكن عبارته تقتضي: أنه لا يجوز بخبر عدل واحد. قال الشيخ: وينبغي أن يجوز؛ لأنه يحصل الظن وإن كان لا يكفي عند الحاكم، كما أنه يكتفى بسماعه من سيده والشيوع ولا يثبت بذلك عند الحاكم. ولو عرف كونه مأذونًا فعامله ثم امتنع من التسليم إليه حتى يشهد على الإذن .. فله ذلك؛ خوفًا من إنكار السيد، كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم إليه حتى يشهد الوكيل على الوكالة. قال: (وفي الشيوع وجه)؛ لأن الحجر محقق وزواله مشكوك فيه. قال: (ولا يكفي قول العبد) أي: إنه مأذون؛ لأن الأصل عدمه، فأشبه ما إذا قال الراهن: أذن المرتهن في بيع المرهون. ولو علمه مأذونًا، فقال العبد: حجر عليَّ سيدي .. لم تجز معاملته ولو كذبه السيد في الأصح؛ لأنه العاقد وهو يقول: العقد باطل. ولو عزل المأذون نفسه .. لم ينعزل؛ لأن التصرف حق للسيد فلا يقدر على إبطاله، بخلاف الطلاق، فإنه يملكه؛ لأن النفع في النكاح له، وبخلاف الوكيل؛ لأنه ليس عليه طاعة الموكل وعلى العبد طاعة السيد. ولو باع السيد العبد المأذون أو أعتقه .. فالأصح: انعزاله، وفيما إذا كاتبه وجهان.

فَإِنْ بَاعَ مَاذُونٌ لَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، فَتَلِفَ فِي يَدِهِ، فَخَرَجَتِ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً .. رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ .. فَلَا. وَلَوِ اشْتَرى سِلْعَةً .. فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ. وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا ذِمَّةِ سِيِّدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو دبره أو رهنه .. لم يبطل الإذن جزمًا. قال: (فإن باع مأذون له وقبض الثمن، فتلف في يده، فخرجت السلعة مستحقة .. رجع المشتري ببدله) أي: ببدل الثمن (على العبد)؛ لأنه المباشر للعقد فالعهدة تتلعق به. وقيل: لا رجوع عليه؛ لأن يده يد السيد. وفي نسخة المصنف: ببدلها، أي: ببدل العين، وهو سهو، والذي في (المحرر) و (الروضة): ببدله، وهو الصواب. قال: (وله مطالبة السيد أيضًا)؛ لأن العقد له، فكأنه البائع والقابض. قال: (وقيل: لا)؛ لأن السيد جعله بالإذن مستقلًا. قال: (وقيل: إن كان في يد العبد وفاء .. فلا)؛ لحصول غرض المشتري، وإلا .. فيطالب. قال: (ولو اشترى سلعة .. ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف)؛ للمعاني المذكورة. قال: (ولا يتعلق دين التجارة برقبته)؛ لأن ما يثبت برضا المستحق لا يتعلق بالرقبة. قال: (ولا ذمة سيده)؛ لأنه وجب بمعاوضة مقصودة أذن فيها السيد فوجب أن يكون متعلقًا بالكسب كالنفقة في النكاح. ووقع في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) كما في الكتاب: أنه لا يتعلق بذمة السيد، وهو مخالف لقوله قبل هذا: إنه يطالب السيد ببدل الثمن التالف في يد

بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا مِنْ كَسْبهِ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العبد وبثمن السلعة التي اشتراها أيضًا. قال في (المطلب): ولا يجمع بينهما بحمل الأول على مجرد المطالبة والثاني على بيان محل الدفع؛ فإن الوجه الثالث –القائل بأنه إن كان في يد العبد وفاء .. لم يطالب، وإلا .. طولب- يأبى ذلك. قال في (المهمات): وسبب هذا التناقض: أن المذكور أولًا طريقة الإمام وهي ضعيفة، وثانيًا طريقة الأكثرين، فجمع الرافعي بينهما فلزم ما لزم. قال: (بل يؤدى من مال التجارة) سواء فيه الربح ورأس المال؛ لاقتضاء العرف والإذن ذلك. قال: (وكذا من كسبه باصطياد ونحوه في الأصح) كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح، ثم ما فضل يكون في ذمته يتبع به إذا عتق. والثاني: لا، كسائر أموال السيد. وحيث بقي عليه شيء .. تعلق بذمته، والأصح: أنه لا يتعلق بكسبه بعد الحجر. قال: (ولا يملك العبد بتمليك سيده في الأظهر) كما لا يملك بالإرث وتمليك غير السيد، ولأنه مملوك فأشبه البهيمة، وهذا هو الجديد، وبه قال أبو حنيفة. والقديم: يملك، وبه قال مالك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من باع عبدًا وله مال) فأضاف المال إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أحمد روايتان كالقولين. فلو عبر المصنف بالجديد .. كان أولى؛ لأن مقابله قديم. تتمة: إذا قلنا بالقديم .. فهو ملك ضعيف لا بتجب فيه الزكاة على العبد ولا على السيد، فإن ملكه جارية وقلنا بالقديم .. فللعبد أن يطأها بإذن السيد في الأصح، وهل يحتاج إلى قبول من العبد على القول القديم؟ وجهان مبنيان على إجباره على النكاح، قاله المتولي. * * * خاتمة لو قال السيد له: ملكتك ما تحتطب وتصطاد وتتهبه .. لم يملك عند وجود هذه الأسباب وإن قلنا: يملك بتمليك سيده. وإذا مات المأذون وعليه ديون مؤجلة وفي يده مال .. حلت كما تحل بموت الحر، أفتى به القاضي حسين. وإذا استودع بغير إذن وأتلفها .. تعلق الغرم برقبته في الأصح، ووقع في (الحاوي الصغير): أنه في كسبه كالمهر والنفقة، والله أعلم. * * *

كتاب السلم

كِتَابُ السَّلَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب السلم قال الأزهري: السلم والسلف بمعنى واحد، سمي: سلمًا؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا؛ لتقديمه. وقال الماوردي: السلم لغةُ حجازيةٌ، والسلف عراقية، واللفظان رواهما مسلم في (صحيحه) [1603/ 126 - 1604/ 127] كما ستأتي الإشارة إليه. وجمع المصنف في الباب بين السلم والقرض؛ لاشتراكهما في المعنى وإن امتاز كل منهما بأمور تختص به. وروى البيهقي والخطابي والرافعي في (شرح المسند) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كره لفظ السلم؛ كأنه ضن بالاسم الذي هو موضوع للطاعة والانقياد لله عن أن يسمى به غيره، وأن يستعمله في غير طاعة الله ويذهب به إلى معنى السلف، وهذا من الإخلاص باب لطيف المسلك. والأصل في الباب: قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} قال ابن عباس رضي الله عنهما: (نزلت في السلم). وروى الشيخان [خ2239 - م1604] عنه أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال: (من أسلف .. فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم). قال الشافعي رضي الله عنه: وأجمعت الأمة على جواز السلم فيما علمت.

هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكي عن سعيد بن المسيب: أنه أبطله، وهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع والقياس؛ فإن الحاجة قد تدعو إلى ذلك فجوز للضرورة. قال: (هو بيع موصوف في الذمة) هذه أحسن العبارات، ومع ذلك يرد عليها: ما إذا عقده بلفظ البيع ولم يتعرض للفظ السلم .. فالأصح: انعقاده بيعًا لا سلمًا كما سيأتي، فينبغي أن يزاد فيه: بلفظ السلم. وزاد في (الروضة): ببدل يعطى عاجلًا، ورده الشيخ بأن التعجيل شرط من شروطه، لا أنه داخل في حقيقته. وقال في (التنبيه): إنه صنف من البيع، وقال: الصلح بيع، والإجارة بيع؛ لأن السلم بيع الدين فقط، والصلح يجري على العين والذمة، وكذلك الإجارة. قال: (يشترط له مع شروط البيع) أي: مع ما لابد منه في البيع (أمور)؛ لما تقدم: أنه صنف من البيع .. لزم أن تعتبر فيه شروط البيع، والمراد: ما لابد في البيع منه من شروط وأركان؛ لأنه قد تقدم: أنه أطلق الشرط على ما لابد منه، وذكرها الإمام سبعة: تسليم رأس المال في المجلس، وكون المسلم فيه دينًا، مقدورًا عليه تسليمه، معلوم المقدار، معروف الأوصاف، والعلم بقدر رأس المال، وبيان موضع التسليم. واقتصر الرافعي على الخمسة الأول؛ لأنها متفق عليها، والأخيران مختلف فيهما. لكن يستثنى منه: أن سلم الأعمى يصح وإن كان أكمه على الصحيح، وبيعه وشراؤه لا يصحان في الجديد. والكافر لا يصح شراؤه العبد المسلم على الصحيح كما تقدم، وفي صحة إسلامه فيه طريقان:

أَحَدُهَا: تَسْلِيمُ رَاسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِس. فَلَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ .. جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أنه على القولين، والمذهب: الصحة. وعلى هذا: هل يؤمر بفسخه أو لا اعتراض عليه حتى يقبضه؟ فيه وجهان. قال: (أحدها: تسليم رأس المال في المجلس)؛ للحديث المتقدم: (من أسلف .. فليسلف في كيل معلوم) والسلف هو التقديم، فاقتضى التعجيل، ولأن السلم مشتق من إسلام المال، أي: تعجيله، وأسماء العقود المشتقة من المعاني لابد من تحقيق تلك المعاني فيها، فلو تفرقا من غير قبض .. لم يصح؛ لأنه من بيع الدين بالدين وقد نهى الشارع عنه، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. وقال مالك: يجوز تأخيره مدة يسيرة كاليوم واليومين. ولو تفرقا قبل تسليم بعضه .. فأوجه: أصحها: أنه يصح فيما قبض مقابله، ويبطل فيما لم يقبض مقابله. والثاني: ينفسخ في الجميع. والثالث: يبطل في مقابل ما لم يقبض، وفي الباقي قولا التفريق. قال القاضي: وهو من تفريق الصفقة في الابتداء، وجعله الرافعي من تفريقها في الدوام، وقال الإمام: هو رتبة ثالثة بين التفريق في الابتداء والدوام، وكذا الخلاف في الصرف. قال: (فلو أطلق ثم عين وسلم في المجلس .. جاز)؛ لأن المقصود: أن لا يتفرقا من غير قبض رأس المال، ولأن المجلس حريم العقد، فجعل القبض فيه كالتعيين في صلب العقد. وأجمعوا على: منع أن يجعل الرجل دينًا له على رجل سلمًا في طعام إلى أجل؛ لأنه بيع دين بدين.

وَلَوْ أَحَالَ بِهِ وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ فِي الْمَجْلِسِ .. فَلَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أحال به) أي: برأس المال (وقبضه المحال في المجلس .. فلا) أشار بهذا إلى أن المراد بالتسليم: حقيقته، فلو أحال به .. لم يصح وإن قلنا: إنها استيفاء؛ لأن الحوالة ليست بقبض حقيقي، والمحال عليه يؤدي عن نفسه، لا عن المسلم. وطريقة صحة العقد: أن يقبضه المسلم، ثم يسلمه إلى المسلم إليه. وسكت المصنف عما إذا أحال المسلم إليه أجنبيًا برأس المال على المسلم، وهو باطل أيضًا لما تقدم. وإن أحضر المسلم رأس المال، فقال المسلم إليه: سلمه إليه .. صح ويكون المحتال وكيلًا عن المسلم إليه في القبض. فرع: وجد رأس المال في يد المسلم إليه، وقال: قبضت قبل التفرق، وقال المسلم إليه: بعده، وأقام كل منهما بينة .. قال ابن سريج: التسليم إليه أولى؛ لأن معها

وَلَوْ قَبَضَهُ وَأَوْدَعَهُ الْمُسْلِمَ .. جَازَ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً، وَيُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَاسُ الْمَالِ بَاقٍ .. اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إِنْ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة علم وهو القبض قبل التفرق، فلو لم تكن بينة .. فالقول قول مدعي الصحة. قال: (ولو قبضه وأودعه المسلم .. جاز)؛ قياسًا على سائر أمواله. ولو قبضه، ثم رده إليه عن دين .. ففي (الرافعي) عن أبي العباس الروياني: أنه لا يصح، وأقره عليه. والصواب: صحته؛ لأن التصرف في الثمن مع البائع في مدة الخيار صحيح على الأصح، ويكون إجازة منهما، وكذلك تصرف المشتري في المبيع. قال: (ويجوز كونه منفعة، ويقبض بقبض العين) المراد: إذا جعل منفعة الدار أو العبد أو غيرهما مدة معلومة رأس مال الثمن .. جاز، كما يجوز جعل المنفعة ثمنًا وأجرة وصداقًا، ويكون تسليمها بتسليم العين؛ لأنه لما تعذر القبض الحقيقي .. اكتفينا بهذا لأنه الممكن. وشمل إطلاق المصنف: ما لو كانت المنفعة متعلقة ببدنه كتعليم سورة أو خدمة شهر، ويكون تسليمها بتسليم نفسه، وفي جواز ذلك كله نظر، ولأجل ذلك أسقط المصنف هذه المسألة من (الروضة). قال: (وإذا فسخ السلم ورأس المال باق .. استرده بعينه) فيمتنع إبداله إن كان معينًا في العقد؛ لأن الثمن المعين في العقد كالمبيع، وكذا إن كان مطلقًا وعين في المجلس في الأصح؛ لأنه بالتعيين في المجلس صار كالمعين في صلب العقد. واحترز بقوله: (باق) عما إذا تلف؛ فإنه يرد مثله في المثلي، وقيمته في المتقوم. قال: (وقيل: للمسلم إليه رَدُّ بدله إن عين في المجلس دون العقد)؛ لأن العقد لم يتناوله.

وَرُؤْيَةُ رَاسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الأَظْهَرِ. الثَّانِي: كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا، فَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذَا الْثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ .. فَلَيْسَ بِسَلَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: والذي يظهر: أن محل هذا الوجه إذا جرى الفسخ بعد التفرق، أما قبله .. فيسترد لا محالة. وخص المتولي الوجهين: بما إذا كان رأس المال مثليًا، وقطع بتعيين رده إذا كان متقومًا. قال: (ورؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره في الأظهر) كالمهر وثمن المبيع. والثاني: لا تكفي بل يجب ذكر قدره، وكذا صفته؛ لأنه لا يؤمن أن يفسخ السلم بانقطاع المسلم فيه، فإذا لم يعرف قدره وصفته .. لم يعرف ما يرده، وبهذا قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: إن كان مكيلًا أو موزونًا .. وجب ضبط صفاته، وإن كان مذروعًا أو معدودًا .. فلا. وأجيب عن الثاني بأن احتمال الفسخ ثابت في البيع. ولا فرق على القولين بين السلم الحال والمؤجل، ومنهم من خصهما بالمؤجل وقطع في الحال بأن المعاينة كافية. وكلام المصنف محمول على ما إذا كان رأس المال مثليًا، أما المتقوم المشاهد .. فلا تشترط معرفة قيمته على المذهب. كل هذا إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة على القول بها، فإن علما ذلك ثم تفرقا .. فلا خلاف في الصحة، وحيث صح ثم اتفق فسخ وتنازعا في قدره .. صدق المسلم إليه؛ لأنه غارم. قال: (الثاني: كون المسلم فيه دينًا)؛ لأن بذلك تتحقق حقيقة السلم، وفي تسمية هذا شرطًا –وهو لابد منه- نظر، لكن الفقهاء يطلقونه عليه. قال: (فلو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد .. فليس بسلم)؛ لعدم الدينية.

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الأَظْهَرِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَقَالَ: بعْتُكَ .. انْعَقَدَ بَيْعًا، وَقِيلَ: سَلَمًا. الثَّالِثُ: الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ. اشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ، وَإِلَّا .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا ينعقد بيعًا في الأظهر)؛ لاختلاف اللفظ واختلاف الأحكام، فإن أسم السلم يقتضي الدينية فإضافته إلى المعين تناقض. والثاني: ينعقد بيعًا، نظرًا إلى المعنى وهو بعيد. ولو قال: بعتك بلا ثمن .. ففي انعقاده هبة هذا الخلاف. قال: (ولو قال: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك .. انعقد بيعًا)؛ اعتبارًا باللفظ. هذا إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، فإن قال: بعتك كذا سلمًا أو اشتريته سلمًا .. فإنه يكون سلمًا كما جزم به الرافعي في تفريق الصفقة. قال: (وقيل: سلمًا)؛ اعتبارًا بالمعنى، وصححه العراقيون، وجزم به في (التنبيه)، والروياني والجرجاني، ونقل عن النص، واختاره الشيخ ورجحه في (المهمات). فعلى هذا: لا يثبت فيه خيار الشرط، ولا يجوز الاعتياض عن الثوب، ويجب قبض رأس المال في المجلس. وعلى الأول: يثبت الخيار، ولا يجب التسليم، وفي الاعتياض القولان: أصحهما: الجواز. قال: (الثالث: المذهب: أنه إذا أسلم بموضع لا يصلح للتسليم أو يصلح ولحمله مؤنة .. اشترط بيان محل التسليم، وإلا .. فلا)؛ لأن الموضع إذا كان صالحًا للتسليم وليس للحمل مؤنة .. اقتضى العرف وجوب التسليم فيه فحمل عليه، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك؛ لأن الأغراض تختلف باختلاف الأمكنة، وجملة ما في المسألة سبع طرق:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إحداها: قولان. والثانية: إن عقدا في موضع يصلح للتسليم .. لم يشترط، وإلا .. اشترط. والثالثة: إن كان لحمله مؤنة .. اشترط، وإلا .. فلا. والرابعة: إن لم يصلح .. اشترط، وإلا .. فقولان. والخامسة: إن لم يكن لحمله مؤنة .. لم يشترط، وإلا .. فقولان. والسادسة: إن كان له مؤنة .. اشترط، وإلا .. فقولان. والسابعة: ما في الكتاب. والمراد بمحل العقد: تلك المحلة، لا خصوص الموضع الذي عقد فيه. والمصنف أطلق المسألة، ومحلها في السلم المؤجل، أم الحال .. فلا يشترط فيه بيان التسليم، بل يتعين موضع العقد كالبيع، لكن لو عينا غيره .. جاز بخلاف البيع. فروع: الثمن في الذمة والأجرة والصداق وعوض الخلع والكتابة ومال الصلح عن دم العمد وكلُّ عوض ملتزم في الذمة .. حكمه حكم السلم الحال، إن عين للتسليم موضعًا .. جاز، وإلا .. تعين موضع العقد. ومتى شرطنا التعيين فلم يعين .. فسد العقد، وإن لم يشرطه فعيَّن .. تعيَّن، وعند الإطلاق يحمل على مكان العقد على الصحيح، فلو عيَّن موضعًا فخرب وصار لا يصلح .. فالأقيس: تعين أقرب موضع صالح. ولو شرط تسليم المسلم فيه ببلد .. لزمه في أولها، ولا يكلف نقله إلى منزله، ولو قال: في أي موضع شئت من البلدان .. فسد السلم، ولو قال: في أي موضع

وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، فَإِنْ أَطْلَقَ .. انْعَقَدَ حَالًّا، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ شئت من البلد الفلاني، فإن كان واسعًا كالبصرة وبغداد .. لم يجز، وإن كان صغيرًا .. جاز. قال: (ويصح حالًا ومؤجلًا) أما المؤجل .. فبالنص والإجماع، وأما الحال .. فلأنه إذا جاز مؤجلًا .. فلأن يجوز حالًا أولى؛ لبعده عن الغرر. ونقض هذا بالكتابة. وأجيب بأن الأجل في الكتابة واجب؛ لعدم قدرة العبد، والحلول ينافي ذلك. ومنع الأئمة الثلاثة السلم الحال؛ لقوله في الحديث: (إلى أجل معلوم). جوابه: أن المراد: في كيل معلوم إن كان مكيلًا، وأجل معلوم إن كان مؤجلًا، ووزن معلوم إن كان موزونًا، وهم جوزوه في المذروع والمعدود، مع أن الحديث إنما نص على المكيل والموزون. وشرط جواز السلم حالًا: أن يكون المسلم فيه موجودًا، فأما ما لم يوجد إلا بعد ذلك كالرطب في غير أوانه .. فلا يجوز إلا مؤجلًا. تتمة: قال المتولي: وفائدة العدول عن البيع إلى السلم الحال: أن المال ربما لا يكون حاضرًا، فلو باعه منه .. كان بيع غائب، فيعدل إلى السلم ويصف المال بصفاته، ويحضره ليكون العقد صحيحًا لازمًا. قال: (فإن أطلق .. انعقد حالًا) كالثمن في البيع المطلق. قال: (وقيل: لا ينعقد)؛ لأن العرف في السلم التأجيل فحمل عليه، وهو مجهول فيفسد. ثم هذا التأجيل فيه أصل والحلول رخصة، أو بالعكس، أو كل منهما أصل، فيه ثلاثة أوجه في (الحاوي)، تظهر ثمرتها فيما إذا أطلق هل ينعقد أو لا؟ وإذا شرط المطالبة متى شاء .. فهو حال في أول أوقات الإمكان، وإذا أطلقا العقد ثم ألحقا أجلًا في المجلس .. فالمذهب: لحوقه، ولو صرحا بالأجل في العقد ثم

وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالأَجَلِ. فَإِنْ عَيَّنَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوِ الْفُرْسِ أَوِ الرُّومِ .. جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أسقطاه في المجلس .. سقط وصار حالًا. قال: (ويشترط العلم بالأجل) أي: إذا عقداه مؤجلًا، فلا يصح تأقيته بالحصاد والدياس ولا بقدوم الحاج والميسرة، خلافًا لمالك. لنا: قوله تعالى: {إلى أجل مسمى}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلى أجل معلوم). وقال ابن خزيمة: يجوز التأقيت بالميسرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي شيئًا إلى الميسرة، والحديث صححه الحاكم [2/ 23]، ورواه النسائي [7/ 294] عن عائشة رضي الله عنها، ولفظه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي أن ابعث لي بثوبين إلى الميسرة). والجواب: ضعف الحديث، أو لعل الوقت كان معلومًا، أو أن هذا لم يكن عقدًا بل استدعاء ولهذا لم يصف الثوبين. وفي جواز تأجيل الضمان بالميسرة والحصاد والدياس قولان. قال: (فإن عين شهور العرب أو الفرس أو الروم .. جاز)؛ لأنها معلومة مضبوطة. أما شهور العرب. فبالإجماع وهي الهلالية، وأما شهور الفرس .. فعلى الصحيح. فشهور العرب شهر منها ثلاثون يومًا وشهر تسعة وعشرون، إلا ذا الحجة؛ فإنه تسعة وعشرون وخمس وسدس، فالسنة العربية ثلاث مئة وأربعة وخمسون يومًا وخمس وسدس يوم، كذا ذكره صاحب (المهذب) في (كتاب الطلاق). وتوقف مجلي فيه وقال: لم يبن لي وجه زيادة الخمس والسدس ولا رأيته لغيره من الأصحاب. وصحح الجيلي: أن الهلالية ثلاث مئة وخمسة وخمسون يومًا. وأما السنة الشمسية .. فثلاث مئة وخمسة وستون يومًا وربع يوم، أولها الحمل، وربما يجعل أولها النيروز.

فَإِنْ أَطْلَقَ .. حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ، فَإِنِ انْكَسَرَ شَهْرٌ .. حُسِبَ الْبَاقِي بِالأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الأَوَّلُ ثَلَاثِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والهلالية أولها المحرم، وقد استقر التأريخ الإسلامي من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكانت في شهر ربيع الأول، ثم قدم عنه بشهرين. وأما شهور الفرس –وهم فارس- فعدة كل شهر منها ثلاثون يومًا، إلا الأخير فخمسة وثلاثون، فتكون سنتهم ثلاث مئة وخمسة وستين يومًا. وأما شهور الروم .. فالثاني والسابع والتاسع والثاني عشر كل منها ثلاثون يومًا، والخامس ثمانية وعشرون يومًا وربع يوم، والسبعة الباقية أحد وثلاثون، فتكون سنتهم ثلاث مئة وخمسة وستين يومًا وربع يوم. قال: (فإن أطلق .. حمل على الهلالي)؛ لأنه عرف الشرع سواء في ذلك السنة والشهر. قال: (فإن انكسر شهر .. حسب الباقي بالأهلة وتمم الأول ثلاثين)؛ لأنه لما تعذر اعتبار الهلالي في المنكسر .. رجعنا إلى العدد، وقيل: إذا انكسر الأول .. انكسر الجميع، فيعتبر الجميع بالعدد ثلاثين ثلاثين، وبهذا قال ابن بنت الشافعي. تنبيه: كلامه يفهم: أنه إذا أجله بثلاثة أشهر والعقد في آخر يوم من شهر –كصفر مثلًا- فمضى الربيعان وجمادى ناقصًا .. أنه لا يحل إلى بمضي جزء من جمادى قدر الباقي من صفر، وبه جزم الإمام، وقال غيره: يحل بمضي الثلاثة؛ فإنها عربية كوامل، وهذا هو الصواب، وأبداه الإمام احتمالًا، وهذه ترد على إطلاق الكتاب.

وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ تَاجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى، وَيُحْمَلُ عَلَى الأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: صحة تأجيله بالعيد وجمادى، ويحمل على الأول)؛ لتحقق الاسم به. والثاني: يفسد، لتردده بينهما، ويجريان في التوقيت بربيع وبنفر الحجيج. قال ابن الرفعة: الظاهر: أن محل الخلاف في العيدين: إذا كان العقد قبلهما، فإن كان بينهما .. انصرف بحسب الواقع إلى الآخر منهما؛ لأنه الذي يلي العقد. ولو قال: إلى أول شهر كذا أو آخره .. بطل؛ لأنه يقع في جميع النصف الأول أو الآخر، كذا نقله الشيخان عن عامة الأصحاب، ثم نقلا عن الإمام والبغوي: أنه يصح، ويحمل على الجزء الأول. قال الشيخ: والمنصوص في (البويطي): الصحة، وصرح به الشيخ أبو حامد والماوردي. قال الشيخ: وهو الأقوى دليلًا والأصح نقلًا، وفي (المهمات): أنه المعتمد في الفتوى. تتمة: التأجيل بالنيروز والمهرجان جائز على الصحيح. فـ (النيروز): عند نزول الشمس برج الميزان.

فصل

فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ: مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ. فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ .. صَحَّ إِنِ اعْتِيدَ نَقْلُهُ لِلْبَيْعٍ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ .. لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الأَظْهَرِ، فَيَتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ، وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المهرجان) بكسر الميم: عند نزولها الحمل. ولو أجلا بفصح النصارى –بكسر الفاء، وهو: يوم الأحد الذي يلي سبت الظلام الذي بعده خميس العدس، وهو عيدهم الذي بعد صيامهم- أو فطر اليهود -وهو: عيد لهم- فقد نص الشافعي رضي الله عنه على: أنه لا يصح، والمذهب: الصحة إذا عرفه المسلمون. قال: (فصل: يشترط كون المسلم فيه: مقدورًا على تسليمه عند وجوب التسليم) فإن كان حالًا .. اشترطت القدرة عليه حال العقد وإن كان مؤجلًا عند الحلول، لأن المعجوز عن تسليمه لا يصح بيعه فامتناع السلم فيه أولى، وهذا الشرط ليس من خواص السلم بل يعم كل بيع، وإنما ذكره؛ لما ينبني عليه من الفروع الآتية، وكذا لا يصح على أقرب الوجهين إذا غلب على الظن وجوده لكن بمشقة عظيمة كالقدر الكثير من باكورة التمر. قال: (فإن كان يوجد ببلد آخر .. صح إن اعتيد نقله للبيع، وإلا .. فلا)؛ لأن الأول مقدور على تسليمه دون الثاني، وهذا التفصيل ذكره الإمام، ونقله عنه الرافعي هنا، ثم خالفه في آخر الباب. قال: (ولو أسلم فيما يعم فانقطع في محله .. لم ينفسخ في الأظهر) كما إذا أفلس المشتري بالثمن. قال: (فيتخير المسلم بين فسخه، والصبر حتى يوجد).

وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ .. فَلَا خَيَارَ قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: ينفسخ كما لو اشترى قفيزًا من صبرة فتلفت، وكما لو تلف المبيع قبل القبض. ولو قصر المسلم إليه في الدفع حتى انقطع .. جرى القولان، وقيل: لا ينفسخ قطعًا. ويجريان أيضًا فيما إذا حل الأجل بموت المسلم إليه قبل وجود المسلم فيه، أو تأخيره التسليم لغيبة أحد العاقدين، أو تسويف المسلم إليه ومدافعته إلى أن انقطع. والمراد بانقطاعه: أن ينقطع البتة، أو وجد ببلد آخر ويفسد بالنقل، أو امتنع من هو عنده من بيعه، أما لو كان يوجد بثمن غال .. فيجب تحصيله، وكذا إن أمكن نقله من غير فساد .. وجب إن قربت المسافة. قال: (ولو علم قبل المحل انقطاعه عنده .. فلا خيار قبله في الأصح)؛ لأنه لم يدخل وقت وجوب التسليم. والثاني: نعم؛ لتحقق العجز في الحال. والوجهان مخرجان بما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدًا فتلف قبل الغد هل يحنث في الحال أو يتأخر إلى الغد؟ فرع: في هذا الخيار ثلاثة أوجه: أحدها: أنه على الفور. والثاني: إلى ثلاثة أيام. والثالث –وهو الصحيح-: أنه على التراخي لا يبطل بالتأخير ولا بالتصريح بالإسقاط على الصحيح، وله الفسخ بعد ذلك –كزوجة المولي إذا رضيت ثم أرادت

وَكَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أوْ ذَرْعًا. ويَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِئَةِ صَاعٍ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا .. لَمْ يَصِحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المطالبة .. كان لها ذلك– ولو صرح بإسقاط الفسخ .. لم يسقط في الأصح. قال: (وكونه ملعوم القدر كيلًا أو وزنًا أو عدًا أو ذرعًا)؛ للحديث المتقدم، أما ما لا يأتي وزنه بالقبان لكبره .. فإنه يوزن بالعرض على الماء؛ بأن يوضع في ظرف ويلقى في الماء وينظر قدر غوصه، وقد عولوا عليه هنا وفي (الزكاة) في الإناء بعضه ذهبًا وبعضه فضة، والظاهر في (الربا): انه لا يعول عليه. قال: (ويصح في المكيل وزنًا وعكسه)؛ لأن المقصود معرفة المقدار، بخلاف الربويات؛ فإن الغالب عليها التعبد، كذا أطلق هذا الحكم جماعة، وحمله الإمام على ما يعد الكيل في مثله ضابطًا، فلو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلًا .. لم يصح، وصحح هذا المصنف في (التصحيح)، لكن جزم الرافعي بعد هذا بالجواز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلًا ووزنًا، وهو مخالف لما تقدم عن الإمام فيما لا يعد الكيل فيه ضبطًا، فكأنه اختار هنا إطلاق الأصحاب. قال: (ولو أسلم في مئة صاع حنطة على أن وزنها كذا .. لم يصح)؛ لأنه يورث عزة الوجود، وكذا في الثياب بالذرع والوزن، أما في الخشب .. فيصح؛ لأنه إن زاد .. أمكن نحته.

وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذَنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ. وَيَصِحُّ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ، وَكَذَا كَيْلًا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط الوزن في البطيخ والباذنجان والقثاء والسفرجل والرمان)؛ لأنها إذا كيلت .. تجافت في المكيال، وإذا عدت .. تفاوتت، ولو جمع في ذلك بين العد والوزن .. كان مفسدًا. قال الرافعي: ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة ولا في عدد منها؛ لأنه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود. قال الشيخ: والذي قاله سبقه إليه الفوراني والمتولي والبغوي، وهو مخالف لنص الشافعي رضي الله عنه في (البويطي)؛ فإنه صرح فيه بأن السلم في عدد منه ومن البيض مع التعرض لوزن كل واحدة .. جائز، ويجوز السلم في البيض والبقول وزنًا، وجوز أبو حنيفة في البيض عدًا. ونقل ابن المنذر عن الشافعي رضي الله عنه: أنه لا يجوز في البيض ولا في البقول، ومعناه: أن ذلك لا يجوز عددًا، أما وزنًا .. فجائز قطعًا. قال: (ويصح في الجوز واللوز بالوزن في نوع يقل اختلافه)؛ لأن العادة جارية بذلك، فإن اختلفت قشوره .. لم يجز السلم فيه، وهذا الشرط استدركه الإمام على الأصحاب فإنهم أطلقوا الصحة، فتبعه الرافعي والمصنف في كتبهما، لكن المصنف في (نكته على الوسيط) بعد أن حكى قول الإمام، قال: المشهور في المذهب ما أطلقه الأصحاب ونص عليه الشافعي رضي الله عنه. ويجوز السلم في المشمش كيلًا ووزنًا وإن اختلفت نواه كبرًا وصغرًا. قال: (وكذا كيلًا في الأصح)؛ قايسًا على الحبوب، وقيل: لا، لتجافيهما في المكيال، فالأول نقله المزني، والثاني البويطي، فالخلاف قولان لا وجهان، والفستق والبندق كالجوز واللوز.

وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ. ولَوْ عَيَّنَ كَيْلًا .. فَسَدَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا، وَإِلَّا .. فَلَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجمع في اللبن بين العد والوزن) فيقول: كذا كذا لبنة كل لبنة زنتها كذا؛ لأنه يضرب باختيار فلا يورث عزة الوجود، ثم الأمر فيها على التقريب. وأفاد في (المهمات): أن الشافعي رضي الله عنه نص على: أن الوزن في اللبن مستحب لا بأس بتركه، لكن يشترط أن يذكر طوله وعرضه وثخانته وأنه من طين معروف، فالراجح: عدم اشتراط ما ذكره المصنف في الجمع بين الوزن والعد. ويصح السلم في الطوب الآجر على الصحيح المنصوص، فيذكر صفة الطبخ واللون، ولا يجوز السلم في (الآجر المهلوج) وهو: الذي لم يتكامل نضجه. وسئل الشيخ عن جواز السلم في الفحم، فأجاب بأن الشافعي رضي الله عنه نص على جوازه في الآجر، والفحم يشبهه؛ لأن الحطب يجعل كقمين الطوب وتوقد عليه النار حتى يستوي، فهذا مأخذه، قال: ولم أجد فيه نقلًا، ولا بأس بالإفتاء بالجواز؛ لما قلناه. قال: (ولو عين كيلًا .. فسد إن لم يكن معتادًا) أي: ولم يعرف مقداره كالقصعة والكوز؛ لجهالته وللغرر؛ لأنه قد يتلف قبل المحل، أما لو قال: بعتك من هذا ملء هذا القصعة .. فإنه يصح؛ لانتفاء العلتين. قال: (وإلا .. فلا في الأصح) يعني: إذا كان معتادًا .. لم يفسد، بل يلغو الشرط؛ لانتفاء الغرض في تعيينه. والثاني: يفسد؛ لتعرضه للتلف. والمراد بـ (المعتاد): أن يكون يعرف ما يسع، وبـ (غير المعتاد): أن لا يعرف ما يسع، وهكذا لو شرط الوزن بصنجة بعينها أو الذرع بذراع بعينه، إن كان مجهولًا .. بطل العقد، وإن كان معلومًا .. صح في الأصح ويلغو التعيين.

وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ .. لَمْ يَصِحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا في السلم المؤجل، أما الحال .. فالمنصوص: أنه كالبيع. ولو شرط الذرع بذراع يده .. فقيل: يصح، والأصح: المنع؛ لأنه قد يموت، ذكره الماوردي. ولو قال: أسلمت إليك في ثوب كهذا الثوب، أو في مئة صاع من الحنطة كهذه الحنطة .. لم يصح على الأصح المنصوص. ولو أسلم في ثوب ووصفه ثم أسلم في ثوب آخر بتلك الصفة .. جاز إن كانا ذاكرين لتلك الصفات. والفرق: أن الإشارة إلى المعين لم تعتمد الوصف. قال: (ولو أسلم في ثمر قرية صغيرة .. لم يصح)؛ لأنه قد يتعذر ذلك، وذلك غرر من غير حاجة، واستدل له بما روى البيهقي [6/ 24] والدارقطني في (المؤتلف) عن عبد الله بن سلام: أن زيد بن سعنة رضي الله عنهما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد؛ هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا إلى أجل معلوم من حائط لبني فلان، فقال: (لا يا يهودي، لا أبيعك من حائط مسمى إلى أجل مسمىً، ولكن أبيعك أوسقًا إلى أجل مسمى) قال الحافظ المزي: إنه حسن. وزيد بن سعنه رضي الله عنه كان يهوديًا ثم أسلم، وشهد مشاهد كثيرة، وكان يقول: ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنتين لم أَخبُرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده كثرة الجهل عليه إلا حلمًا، ثم قال: لما جئته أتقاضاه دين هذا السلم .. وجدته قد خرج في جنازة هو وأصحابه نحو البقيع، فنظرت إليه بوجه غليظ، وأخذت بمجامع قميصه وردائه وقلت: اقضني يا محمد حقي، فنظر إلي عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: يا يهودي؛ أتفعل هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فوالذي بعثه

أَوْ عَظِيمَةٍ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ. وَمَعْرِفَةُ الأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحق، لولا ما أحاذر فوته .. لضربت بسيفي رأسك، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم، ثم قال: (يا عمر؛ أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعًا مكان ما رُعْتَه) فأسلم عند ذلك زيد بن سعنة رضي الله عنه. قال: (أو عظيمة .. صح في الأصح)؛ لأنه لا ينقطع غالبًا. والثاني: انه كتعيين المكيال، وعلى هذا: يفسد العقد في وجه، والأصح: أنه يصح ويلغو الشرط. وموضع الخلاف: ما إذا لم يفد تنويعًا، فإن أفاده كمعقلي البصرة .. جاز جزمًا؛ لأنه مع معقلي بغداد صنف، لكن يختلفان في الأوصاف، ومثله القمح الصعيدي مع البحري. وأفهمت عبارته: أنه لو أسلم في جميع ثمرة القرية العظيمة .. صح، والأصح خلافه. قال: (ومعرفة الأوصاف التي يختلف بها الغرض اختلافًا ظاهرًا)؛ لأن القيمة تختلف بسببها، واحترز بذلك عما يتسامح الناس بإهمال ذكره. وجملة كلام المصنف معطوفة على قوله في أول الفصل: (كونه مقدورًا) أي: يشترط ذلك ويشترط معرفة الأوصاف. وأورد الرافعي على هذا الشرط: أن كون العبد قويًا على العمل أو كاتبًا مثلًا أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة ولا يجب التعرض لها. قال الشيخ: وطريق الاحتراز عن ذلك: أن يزاد فيه من الأوصاف التي لا يدل الأصل على عدمها؛ فإن الكتابة والقوة فضيلةٌ الأصل عدمها، ولهذا لا يثبت للمشتري الرد بفواتها، والضعف عيب يدل الأصل على عدمه.

وَذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إِلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، فَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الأَرْكَانِ كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ وَتِرْيَاقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وذكرها في العقد) فلا يكفي ذكرها بعده وإن كان في مجلس العقد، ولا الاتفاق عليها قبله، إلا أن يتفقا على أنهما أرادا في حالة العقد ما اتفقا عليه فتتجه صحته، كما سيأتي في (النكاح) إذا نويا معينة من البنتين. قال: (على وجه لا يؤدي إلى عزة الوجود)؛ لأن السلم غرر فلا يجوز إلا فيما يوثق بتسليمه. قال: (فلا يصح فيما لا ينضبط مقصوده كالمختلط المقصود الأركان كهريسة ومعجون وغالية وخف وترياق)؛ لأن أقدار الأجزاء المختلطة وأوصافها لا تنضبط، هذا الذي اتفق عليه أئمة المذهب. وعن ابن سريج: جوازه في الخفاف والنعال مع قوله: لا يعلم ما في الخف إلا الله. وهذا محمول على خف يجمع أجناسًا، أما المتخذ من شيء واحد كالخف المعروف في هذه البلاد، فإن كان من جلد .. امتنع على الصحيح، وإن كان من غير جلد .. فكالثياب المخيطة، وسيأتي أنه يصح في الجديد المنضبط منها، ومن هذا النوع: القسي، لا يجوز السلم فيها؛ لاشتمالها على عقب وعصب، وكذلك النبل المريش. وأما الغالية .. فإنها مركبة من مسك وعنبر وكافور. قال الجوهري: أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك. قلت: في هذا نظر؛ فقد قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [من الكامل]: ماذا على من شم تربة أحمد .... أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت على مصائب لو أنها .... صبت على الأيام عدن لياليا واحترز بـ (الترياق المختلط) عما إذا كان نباتًا أو حجرًا فيجوز السلم فيه.

وَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ فِي الْمُخْتَلِطِ الْمُنْضَبِطِ كَعَتَّابِيٍّ وَخَزٍّ، وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ وَشَهْدٍ، وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الجرجاني: الترياق نجس؛ فإنه تطرح فيه لحوم الحيات أو لبن الأتان، فلا يجوز السلم فيه لنجاسته، فينبغي أن يحمل كلام المصنف ومن وافقه على ترياق طاهر. و (الترياق) بالتاء والدال والطاء مكسورات ومضمومات، فهي ست لغات. ويقال: دراق وطراق، وهو عجمي معرب. أما استصناع النعال .. فلا يجوز إلا كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه في (الأم)، وهو: أن يشتري النعلين والشراك وجميع ما يعمل نعلًا ثم يستأجر على الحذو، وكذلك حكم استصناع الأواني، وجوز الاستصناع في ذلك أبو حنيفة وقال: إن الصانع والمستصنع بالخيار، قال أصحابنا: لو صح .. لزم. قال: (والأصح: صحته في المختلط المنضبط كعتابي وخز) وإن تركبا من قطن وحرير؛ لسهولة ضبط كل من الأجزاء. والثاني: المنع كالمعجونات. وتعبيره بـ (الأصح) يخالف تعبيره في (الروضة) بالصحيح. قال: (وجبن وأقط وشهد، وخل تمر أو زبيب)؛ لأن الملح والأنفحة في الجبن والأقط والماء في خل التمر والزبيب من مصالحه. والثاني: لا كاللبن المخلوط بالماء. وأما الشهد .. فكالتمر. و (الشهد) بفتح الشين وضمها، والشهدة أخص منه. قال الشيخ: والشهد ليس من هذا النوع بل هو من المختلط خلقة، والأصح فيه عند الرافعي: الجواز كالتمر مع النوى. والثاني: المنع؛ لأن الشمع قد يقل ويكثر فأشبه سائر المختلطات، وهذا هو

لَا خُبْزٍ فِي الأَصَحِّ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ. وَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ، وَلَا فِيمَا لَوِ اسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ .. عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ، وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المختار، ونص عليه الشافعي والماوردي وغيره. قال الماوردي: ولا بأس بالسلم في قصب السكر وزنًا، ويقطع أعلاه الذي لا حلاوة فيه ولا منفعة، ويطرح ما عليه من القشر، وتقطع مجامع عروقه من أسفله، ولا يجوز في السلجم والجزر إلا بعد قطع الورق؛ لأن ورقهما غير مقصود، وفي جواز السلم في الباذنجان بأقماعه وجهان. قال: (لا خبز في الأصح عند الأكثرين)؛ لتأثره بالنار تأثرًا ظاهرًا. والثاني: الصحة؛ لأنه مضبوط وصححه الإمام والغزالي والفارقي ومشايخ خراسان، فإذا قلنا بهذا .. اشترط فيه ذكر البلد والنوع كالعلامة والخشكار وأنه رطب أو يابس. قال: (ولا يصح فيما يندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة)؛ لما تقدم. قال: (ولا فيما لو استقصي وصفه) أي: الوصف المعهود وهو الواجب (.. عز وجوده)؛ لأنه لو استقصي .. امتنع للعزة، وإن لم يستقص .. امتنع لفقدان شرطه. قال: (كاللؤلؤ الكبار واليواقيت) وكذلك سائر الجواهر؛ لأن ثمنها على قدر صفائها واستدارتها وذلك لا ينضبط. أما صغار اللؤلؤ .. فيجوز السلم فيها وزنًا وكيلًا، وهو ما يقصد للدواء لا للزينة، وضبطه الجويني بسدس دينار تقريبًا وإن قصدها للزينة. أما البلور .. فقال الماوردي: لا بأس بالسلم فيه. قال: (وجارية وأختها أو ولدها)؛ لأن اجتماع وصف كل منهما مع البنوة أو الأخوة يؤدي إلى عزة الوجود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو إسحاق: يجوز أن يسلم في جارية معها ولدها في بلد تكثر فيه الجواري؛ إذا لا يتعذر وجود ذلك. وقال الإمام والغزالي: لا يمتنع ذلك في الزنجية التي لا تكثر صفاتها، ويمتنع في السرية التي تكثر صفاتها، والصحيح المشهور .. الأول. وأورد الرافعي على هذا الحكم: أنهم حكوا عن نصه: أنه لو شرط كون العبد كاتبًا أو الجارية ماشطة .. جاز. قال: ولمدَّعٍ أن يدعي ندرة اجتماع الكتابة والمشط مع الصفات التي يجب التعرض لها، بل قضية ما أطلقوه: تجويز السلم في عبد وجارية بشرط كون هذا كاتبًا وتيك ماشطة. وكما يندر كون أحد الرقيقين ولد الآخر مع اجتماع تلك الصفات .. فليسو بين الصورتين في المنع والتجويز. وفرق الشيخ بأن اشتراط الكتابة في العبد والمشط في الجارية يسهل تحصيله بالاكتساب، وليس فيه إلا زيادة وصف على الأوصاف المطلوبة، وأما البنوة والأخوة .. فوصف غير مكتسب، فيعز اجتماعه مع باقي الأوصاف، وكونها ذات لبن وصف فيها. تتمة: أسلم في عبد شاعر .. لم يصح؛ لأن الشعر طبع لا يمكن تعلمه، فيبعد اجتماع الأوصاف المذكورة، وقول الشعر بخلاف اجتماع الصنائع. ولو أسلم في جارية حامل .. المذهب: القطع بأنه لا يصح، وقيل: قولان؛ بناء على أن الحمل هل يعلم ويقابله قسط من الثمن أو لا؟

فَرْعٌ: يَصِحُّ فِي الْحَيَوَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فرع: يصح في الحيوان) فكل ما جاز بيعه من الحيوان يجوز السلم فيه؛ لما روى أبو داوود [3350] والحاكم [2/ 56] على شرط مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه: أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بعيرًا ببعيرين إلى أجل). وروى البيهقي [5/ 288] عن علي رضي الله عنه: أنه باع جملًا له يدعى: عصيفيرًا بعشرين بعيرًا إلى أجل. واشترى ابن عمر رضي الله عنهما راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة، رواه مالك في (الموطأ) [2/ 652]، وهو في (البخاري) بغير إسناد. و (الربذة): موضع على ثلاث مراحل من المدينة. ولأن الحيوان يثبت في الذمة ثمنًا وصداقًا. وفي إبل الدية، وصح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرًا). ومنع أبو حنيفة السلم في الحيوان؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه كرهه، ولأنه لا يضبط بالصفة. وروى الحاكم [2/ 57]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف الحيوان)، لكن قال ابن السمعاني في (الإصطلام): إنه غير ثابت. وأما ضبطه بالصفة .. فيدل له ما في (الصحيحين) [خ5240]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها).

فَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ: ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ، وَلَوْنِهِ كَأَبْيَضَ –وَيَصِفُ بَيَاضَهُ بِسُمْرةٍ أَوْ شُقْرَةٍ- وَذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ، وَسِنِّهِ، وَقَدِّهِ طُولًا وَقِصَرًا، وَكُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ. وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ وَالسِّمَنِ وَنَحْوِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فيشترط في الرقيق: ذكر نوعه كتركي)؛ لاختلاف الغرض بذلك، وكذا صنف النوع إن اختلف في أظهر القولين. قال: (ولونه كأبيض، ويصف بياضه بسمرة أو شقرة) وكذلك سواده بصفاء أو كدرة. هذا إذا اختلف لون الجنس، فإن اتحد كالزنج .. فلا. قال: (وذكورته وأنوثته، وسِنِّه)؛ لاختلاف الأغراض بذلك، فيقول: ابن سبع أو عشر أو محتلم، والرجوع في الاحتلام إلى قول الرقيق، ويرجع في السن إلى ظنون النخاسين وأهل الخبرة إن كان صغيرًا، وإليه إن كان بالغًا، وإلى سيده إن ولد في الإسلام، فلو شرط كونه ابن سبع بلا زيادة ولا نقصان .. فسد؛ لندرته. قال: (وقده طولًا وقصرًا) كستة أشبار مثلًا أو خمسة. قال الشافعي رضي الله عنه: يقول: خماسي أو سداسي. فقيل: أراد بذلك خمسة أشبار وستة، وقيل: أراد التعرض للسن أو خمس سنين. قال الجوهري: يقال: غلام رباعي وخماسي، ولا يقال: سباعي؛ لأنه إذا بلغ سبعة أشبار .. صار رجلًا؛ لأنهم يقولون هو سباعي البدن، أي: تام البدن. قال: (وكله على التقريب)، فلو شرط كونه ابن خمس كذا بلا زيادة ولا نقصان .. بطل، وظاهر عبارة المصنف: العود إلى الجميع، ولم يذكر الرافعي التقريب إلا في السن خاصة، وكذلك في (الروضة) وغيرها، والمصنف ههنا عمم الحكم، ولا يظهر ذلك إلا في السن والقد إذا ضبط بالأشبار. قال: (ولا يشترط ذكر الكحل والسمن ونحوهما) كتكلثم الوجه.

فِي الأَصَحِّ. وَفِي الإِبِل وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ: الذُّكُورَةُ وَالأُنُوثَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الدعج) وهو: شدة سواد العين (في الأصح)؛ للتسامح به، وكذا الملاحة. والصحيح: اشتراط ذكر الثيوبة أو البكارة في الجارية، ويقابل الأصح: أن ذلك يشترط، وهو قوي؛ لأنه مقصود لا يؤدي ذكره إلى عزة الوجود. و (الكَحَل) بفتح الكاف والحاء كما ضبطه المصنف: أن يعلو جفون العين سواد كالكحل. قال الشاعر [من البسيط]: ليس التكحل في العينين كالكَحَل ويستحب ذكر تفلج الأسنان أو غيره وجعودة الشعر وسبوطته، ولو اشترط كون العبد أو الجارية يهوديًا أو نصرانيًا أو خبزًا أو حاسبًا أو صائغًا أو نجارًا أو شيخًا أو كهلًا أو مزوجًا .. جاز. ونقل الرافعي عن الصيمري: أنه لو شرط كونه زانيًا أو قاذفًا أو سارقًا .. جاز، بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية أو عوادة .. لا يصح –قال-: وفرق بينهما بأنها صناعة محظورة وتلك أمور تحدث كالعمى، وهذا فرق لا يقبله ذهنك. أهـ فأما الزنا والسرقة .. فقد قال غير الصيمري: لا يصح اشتراطه، وفرق الماوردي في المغنية بين الغناء المحرم كذات العود .. فيمتنع، وإلا .. فلا. ووقع في (الروضة): القوادة بالقاف، والصواب: أنه بالعين، ولا يشترط التعرض لخفة الروح وعذوبة الكلام وحسن الخلق، فلو شرط .. أبطل؛ للجهالة. قال: (وفي الإبل والخيل والبغال والحمير: الذكورة والأنوثة)؛ لاختلاف الغرض بهما.

وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والسن) كبنت مخاض وبنت لبون أو جذعة ونحو ذلك. قال: (واللون)؛ لأن الغرض يختلف بذلك، ولأن الأسود من الإبل أطيبها لحمًا. قال: (والنوع)، فيقول في الإبل: بخاتي أو عراب، وكذا الصنف، فيقول: أرحبية أو مهرية أو مجيدية أو من نعم بني فلان، فإن اختلفت نعمهم .. فالأظهر: اشتراط ذكر الصنف. والثاني: لا، ويعطي من أيها شاء. ويقول في الخيل: عربي أو تركي أو من خيل بني فلان، فإن اختلفت .. ففي وجوب بيان الصنف القولان، وكذلك الحكم في البقر والغنم. واشترط الماوردي في الإبل والخيل: ذكر القد، فيقول: مربوع أو مشرف، ولو اشترط في الإبل كونها عوامل أو تدور في الطحن .. جاز، لكن يبين طحن الدقيق أو غيره؛ فإن منها ما يدور عن يمينه ومنها ما يدور عن يساره ويصعب نقله. ويستحب في الخيل ذكر الشيات كالأغر والمحجل واللطيم، فإن تركه .. جاز.

وَفِي الطَّيْرِ: النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الْجُثَّةِ. وَفِي اللَّحْمِ: لَحْمُ بَقَرٍ، أَوْ ضَانٍ، أَوْ مَعْزٍ، ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ، أَوْ ضِدِّهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (اللطيم): الذي سالت غرته في أحد شقي وجهه. ولا يجوز السلم في فرس أبلق؛ لعدم انضباطه. قال: (وفي الطير: النوع والصغر وكبر الجثة) ولا يكاد يعرف سنها، فإن عرف .. وصفه به. وفي (البحر): أن الشافعي رضي الله عنه قال: يقول: فرخ أو ناهض. وأهمل الرافعي والمصنف اشتراط لونه، ولابد منه، اللهم إلا أن يكون المراد بها الأكل فلا يعتبر ذلك، وكذا الذكورة والأنوثة، ثم إذا جوزنا .. فبالعدد، فإن كان مذبوحًا .. فبالوزن قطعًا. فإن قيل: نص في (البويطي) على: أنه لا يجوز السلم في الطيور؛ لأنها لا تنضبط بسن ولا تعرف بالتقدير .. فالجواب: أنه نص في غيره على الصحة؛ ولذلك لم يقل أحد من الأصحاب به إلا صاحب (المهذب)، وبقية الأصحاب أنكروه. ويجوز السلم في السمك والجراد حيًا وميتًا عند عموم الوجود، ويوصف كل جنس بما يليق به. قال: (وفي اللحم: لحم البقر، أو ضأن، أو معز، ذكر خصي رضيع معلوف، أو ضدها) ضد الخصي: الفحل، وضد الرضيع: الفطيم أو الجذع أو الثني أو نحوها، وضد المعلوفة: الراعية، فلحم الراعية أطيب، ولحم المعلوفة أدسم، والغرض يختلف بكل ذلك. قال الإمام: ولا يكتفى في العلف بالمرة والمرات حتى ينتهي إلى مبلغ يؤثر في اللحم. وأطلق المصنف البقر ولابد من ذكر نوعه كعراب أو جواميس.

مِنْ فَخِذٍ أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ، وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا في غير لحم الصيد. ويصح في الطري والسمين، فلو كان في بلد لا يختلف الراعية فيها والمعلوفة .. قال الماوردي: لم يلزم ذكره، فكلام المصنف محمول على الغالب، لكنه أهمل ذكر السمن والهزال وقد اشترطه العراقيون. ولا يجوز شرط العجف؛ لأنه هزال من غير علة فهو عيب وشرط هذا العيب مفسد. ومنع أبو حنيفة السلم في اللحم كما منعه في الحيوان. قال: (من فخذ أو كتف أو جنب)؛ لاختلاف الأغراض بذلك؛ لأن ما قرب من المراعى والشرب كان أطيب. قال: (ويقبل عظمه على العادة)؛ لأنه بمنزلة النوى في التمر، وهذا عند الإطلاق، فإن اشترط النزع .. جاز، ويلزم قبول الجلد إن كان لحم طائر أو سمك، بخلاف لحم الغنم إلا في الجدي الصغار، ولا يلزم قبول الرأس والرجل والذنب في الطير والسمك، لكن نص في (الأم) على: أن الذنب إذا كان عليه لحم .. لزم قبوله. وقال البغوي: توزن الرؤوس مع العصافير. فروع: يجوز السلم في اللحم المملح والقديد إذا لم يكن عليه عين الملح، ويجوز في الألية والكبد والطحال والرئة والسنام، ولا يجوز في الكرش مع ما يتعلق بها؛ لاختلافها، ويبين في اللبن ما يبين في اللحم إلا الذكورة، ويبين نوع العلف ويقول: حليب، أو لبن يومه.

وَفِي الثِّيَابِ: الْجِنْسُ، وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ، وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ، وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ، وَالنُّعُومَةُ والْخُشُونَةُ، وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ. وَيَجُوزُ فِي الْمَقْصُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجوز شرط الحموضة؛ لأنها عيب، ويجوز السلم في المخيض إذا خلا عن الماء، ولا يضر وصفه بالحموضة؛ لأنها مقصودة فيه، والسمن يذكر فيه ما يذكر في اللبن، وكونه أصفر أو أبيض، والعتق عيب لا يجوز شرطه. ويذكر في اللبأ ما يذكر في اللبن، وأنه قبل الولادة أو بعدها، وأول بطن أو ثانيها، ولبأ يومه أو أمسه إذا لم يتغير. والجبن إذا جوزنا السلم فيه .. يزاد فيه ذكر البلد وجوبًا، وأنه رطب أو يابس، ويستحب ذكر مدة اليابس. قال: (وفي الثياب: الجنس) فيبين أنها من صوف أو قطن أو كتان أو حرير، وكذلك النوع كقطن عراقي أو يماني، ويذكر بلد النسج إن اختلف به الغرض. قال: (والطول والعرض، والغلظ والدقة، والصفاقة والرقة، والنعومة والخشونة)؛ لاختلاف الأغراض بذلك، فـ (الغلظ والدقة) راجعان إلى كيفية الغزل، و (الصفاقة والرقة) راجعان إلى كيفية النسج، فإن (الصفاقة): انضمام بعض الخيوط إلى بعض و (الرقة): بُعدها. و (الواو) في (الدقة) و (الرقة) بمعنى (أو). قال: (ومطلقه يحمل على الخام)؛ لأن القصارة صفة زائدة. قال: (ويجوز في المقصور)؛ لأن القصارة وصف مقصود، لكن لا يجوز في الملبوس؛ لأنه غير منضبط، اللهم إلا أن يكون ملبوسًا لم يغسل؛ فالنص: أنه يجوز السلم فيه. ولا يجوز في الجباب والقلانس المحشوة ولا في الزلالي والثياب المنقوشة، ويجوز في الأكسية واللبود إذا وصفت.

وَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ، وَالأَقْيَسُ: صِحَّتُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: مَنْعُهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مهمة: نقل الرافعي والمصنف عن الصيمري هنا: أنه يجوز السلم في القمص والسراويلات إذا ضبطت طولًا وعرضًا، وضيقًا وسَعة، وصرحا في آخر (الخلع) بعدم جواز السلم فيها، والفتوى على خلاف ما قالاه هنا. قال: (وما صبغ غزله قبل النسج كالبرود) وهذا لا خلاف فيه. قال: (والأقيس: صحته في المصبوغ بعده) هذا الذي صححه الإمام والغزالي والشاشي، وجزم به الماوردي. قال: (قلت: الأصح: منعه، وبه قطع الجمهور والله أعلم) هذا هو المنصوص في (البويطي)، وفرقوا بفرقين: أحدهما: أن الصبغ بعد النسج يسد الفُرَج فلا تظهر الصفاقة. والثاني: أنه إذا صبغ بعد النسج .. فكأنه أسلم في ثوب وصبغ معًا. ولا يجوز أن يسلم في نسج رجل بعينه إلا أن يكون ينسب إليه نسبة تعريف. فروع: لا يجوز السلم في الكتان الخشب، ويجوز بعد الدق، فيذكر بلده ولونه، وطوله أو قصره، ونعومته أو خشونته، ودقته أو غلظه، وحداثته أو عتقه إن اختلف بذلك. ويجوز في المغزول منه ومن غيره، فيذكر جنسه ونعومته ودقته وغلظه، ويذكر وقت غزله؛ فغزل الشتاء ألين، وغزل الصيف قوي نقي، وما غزل به من مردن أو مغزل.

وَفِي التَّمْرِ: لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ وَبَلَدُهُ، وَصِغَرُ الْحَبَّاتِ وَكِبَرُهَا، وَعِتْقُهُ وَحَدَاثَتُهُ. وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز في القطن، فييبين بلده ولونه، وكثرة لحمه وقلته، وخشونته ونعومته، وحداثته وعتقه إن اختلف به الغرض. ويجوز السلم في الحليج والحب، ولا يجوز في القطن في الجوز قبل التشقق، وأما بعده .. ففي (التهذيب): أنه يجوز، وظاهر المذهب: المنع، وهو المنصوص. والإبريسم يذكر بلده ولونه، ودقته وغلظه، ولا حاجة إلى ذكر النعومة والخشونة، ولا يجوز في القز وفيه الدود. قال: (وفي التمر: لونه ونوعه وبلده، وصغر الحبات وكبرها، وعتقه وحداثته)؛ لأن الغرض يختلف بذلك، ويحتاج أن يبين عتيق عام أو عامين، فإن أطلق .. فالأصح: الجواز ويحمل على مسمى العتق. ولا يجوز السلم في التمر المكنوز في القواصر؛ لأنه لا يكون على صفة واحدة غالبًا، ويبين أيضًا هل جفافه على النخل أو بعد جذاذه؟ فإن الأول أبقى، والثاني أصفى، والرطب كالتمر إلا في ذكر الحداثة والقدم. وفي (الوسيط): أوجب ذكر ذلك فيه دون الحنطة والحبوب، وهو خلاف ما عليه الأصحاب. والسلم في الزبيب كالسلم في التمر، فلو أسلم في تمر منزوع النوى .. ففي صحته وجهان في (الحاوي)، فإن صححنا .. فالمعتبر فيه: الوزن. قال: (والحنطة وسائر الحبوب كالتمر) في جميع ما تقدم من الشروط، فيبين نوعها كالشامي والمصري والصعيدي والبحري، ولونه فيقول: أبيض أو أحمر أو أسمر، وقدره فيقول: صغير الحبات أو كبيرها أو متوسطها.

وَفِي الْعَسَلِ: جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وعادة الناس اليوم لا يذكرون اللون ولا صغر الحبات وكبرها، وهي عادة فاسدة مخالفة لنص الشافعي والأصحاب، فينبغي أن ينبه عليها. وعن بعض المتأخرين: لابد من شرط كونها سقوية أو غير سقوية. فروع: يجوز السلم في الدقيق على المنصوص خلافًا للداركي، وعلى المنصوص: يذكر ما يذكر في الحنطة ويزيد ثلاثة أشياء. أن يطحن بالرحى أو الدولاب أو الماء. وخشونة الطحن أو نعومته. وقرب زمانه أو بعده، قاله الماوردي. والنخالة: أفتى ابن الصلاح بأنها مثلية فيجوز السلم فيها، وأفتى بأن المعيب من الحبوب وغيرها غير مثلي فلا يجوز السلم فيه. ولا يجوز السلم في الأرز والعلس؛ لاستتارهما بالكمام، كذا في (الشرح) و (الروضة). ووقع في (فتاوى) المصنف: جوازه في الأرز، وفي (الشرح) و (الروضة): الجزم بجواز بيع العلس في كمامه، بل قال في (شرح المهذب): أنه لا خلاف فيه، فالمعتمد فيهما: جواز السلم فيهما في كمامهما. قال: (وفي العسل: جبلي أو بلدي)؛ لأن الجبلي أطيب، ويبين أن البلدي حجازي أو مصري أو مغربي أو نحو ذلك.

صَيْفِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ، أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالْحَدَاثَةُ. وَلَا يَصِحُّ فِي مَطْبُوخٍ وَمَشْوِيٍّ، وَلَا يَضُرُّ تَاثِيرُ الشَّمْسِ. وَالأَظْهَرُ: مَنْعُهُ فِي رُؤُوسِ الْحَيَوَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (صيفي أو خريفي)؛ لأن الخريفي أجود. قال: (أبيض أو أصفر)؛ لتفاوت الغرض بذلك. قال: (ولا يشترط العتق والحداثة)؛ لأن الغرض بذلك لا يختلف. قال الماوردي: ويبين مرعاه ورقته. ومطلقه يحمل على المصفى، ولا يقال: عسل إلا لعسل النحل، ويلزمه قبول المصفى بالشمس أو النار الخفيفة. قال: (ولا يصح في مطبوخ ومشوي)؛ لأن النار يختلف تأثيرها في ذلك. أما الدبس والعسل المصفى بالنار والسكر والفانيد واللبأ .. ففيها في (الروضة) وجهان، وإطلاقه الوجهين من تصرفه، وفي (المهمات): أن الأصح: المنع، والذي صححه المصنف في (تصحيحه) من جواز الجميع .. معترض، والمعتمد: المنع فيها. قال: (ولا يضر تأثير الشمس) أي: في اللبأ والعسل وغيرهما؛ لعدم اختلافه. قال: (والأظهر: منعه في رؤوس الحيوان)؛ لأنها تجمع أجناسًا مقصودة ولا تنضبط بالوصف، ومعظمها العظم وهو غير مقصود. والثاني: يصح كاللحم. وعلى الأصح: يشترط أن تكون نِيئة موزونة منقاة من الشعر، فإن كانت غير منقاة .. لم يجز جزمًا، وإن كانت مشوية أو مطبوخة .. لا يجوز السلم فيها أيضًا، والأكارع كذلك، ويزيد ذكر كونها من الأيدي أو الأرجل.

وَلَا يَصِحُّ فِي مُخْتَلِفٍ كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ وَجِلْدٍ وَكُوزٍ وطَسٍّ وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ وَطِنْجِيرٍ وَنَحْوِهَا. وَيَصِحُّ فِي الأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ وَفِيمَا يُصَبُّ مِنْهَا فِي قَالَبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يصح في مختلف كبرمة معمولة وجلد وكوز وطس وقمقم ومنارة وطنجير ونحوها) كالأباريق؛ لتعذر الضبط. واحترز بـ (المعمولة) عن المصبوبة في قالب كما سيأتي، لكن قوله: (وجلد) ليس على إطلاقه، بل يجوز السلم في القطع منها وزنًا. و (البُرمة): القدر، وجمعها: بُرْم وبِرام وبُرَم. و (الكوز) جمعه: كيزان وأكواز وكوزة، مثل: عود وأعواد وعودة وعيدان. و (الطَّس): الطَّسْت، والجمع: طِساس وطُسُوس. و (القُمقُم) بضم القاف: ضرب من الآنية، وهو بالرومية، ويقال: قمقمة، والجمع: قماقم. و (الطِّنجير) بكسر الطاء كما ضبطه المصنف بخطه، أعجمي معرب، وهو: الدست، وفتح طائه عده الحريري من لحن الخواص. و (المنارة) بفتح الميم، جمعها: مناور بالواو؛ لأنه من النور. قال: (ويصح في الأسطال المربعة)؛ لعدم اختلافها، بخلاف الضيقة الرؤوس، وجمع السطل: سطول وأسطال. قال: (وفيما يصب منها في قالب)؛ لانضباطه. و (القَالب) بفتح اللام كما ضبطه أيضًا بخطه. فرع: يجوز السلم في الرصاص، فيذكر نوعه ولونه وخشونته، وفي الحديد يذكر النوع، وأنه ذكر أو أنثى، ويذكر لونه وخشونته. قال القاضي حسين: الذكر: الفولاذ، والأنثى: اللَّين. وفي الحطب: يذكر نوعه وغلظه ورقته، وأنه من نفس الشجرة أو من أغصانها،

وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الأَصَحِّ، وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ. وَيُشْتَرَطُ مَعْرفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووزنه، ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف، والمطلق محمول على الجفاف، ويجب قبول المعوج والمستقيم. قال: (ولا يشترط ذكر الجودة والرداءة في الأصح) وادعى الإمام الاتفاق عليه. قال: (ويحمل مطلقه على الجيد). والثاني: يشترط؛ لاختلاف الغرض والقيمة بهما، وبهذا جزم العراقيون والقاضي حسين، وهو المنصوص في مواضع من (الأم)، فإذا شرطا الجودة .. نزل على أقل الدرجات فيها، فذكر الجودة لا يضر قطعًا، والخلاف في اشتراطه. وإن أسلم في الرديء، فإن كان المشروط رداءة النوع .. جاز، قال في (الوسيط): كالجُعرور –بضم الجيم- وهو: نوع رديء من التمر، يقال له: الدَّقَل. قال الراجز: قد أطعمتني دَقَلًا حوليّا .... مسوِّسًا مُدوِّدًا حَجْريا وإن نص على رداءة العيب .. فهو مفسد، وإذا شرط الأجود .. بطل؛ لأن أقصاه غير معلوم فكأنه شرط شيئًا مجهولًا، وقيل: قولان، وإن شرط الأردأ .. فالأصح: الصحة؛ لأنه إن أتى برديء هو أردأ الأشياء .. فهو المسلم فيه، وإن أتى بما هو فوق ذلك .. فالمطالبة بما هو دون ذلك عناد. قلت: وهذا يشكل على ما تقدم من تصحيح سَلَم الأعمى مطلقًا، وهو يقوي الوجه الصائر إلى أنه إن عمي قبل التمييز .. لا يصح سلمه. قال: (ويشترط معرفة العاقدين الصفات) فلو جهلاها أو أحدهما .. لم يصح كالبيع. قال: (وكذا غيرهما في الأصح)؛ ليرجع إليه عند التنازع. وعلى هذا: هل تعتبر الاستفاضة أو تكفي معرفة عدلين سواهما؟ فيه وجهان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: الثاني، ويجري الوجهان فيما لو لم يعرف المكيال إلا عدلان، وهذا يخالف ما تقدم فيما إذا أقت بفصح النصارى وكان يعرفه المتعاقدان دون غيرهما؛ فإنه يصح على الصحيح. قال الرافعي: ولعل الفرق: أن الجهالة في فصح النصارى عائدة إلى الأجل وهنا إلى المعقود عليه، فجاز أن يحتمل في الأجل ما لا يحتمل في المعقود عليه. تتمة: يجوز السلم في المنافع كتعليم القرآن وغيره، نص عليه المتولي والروياني، ومنعه القاضي في (الفتاوى). ويجوز في الطين وفي البقول كالكراث والبصل والنعنع والهندباء وزنًا. ويجوز في أنواع العطر العامة الوجود كالمسك والعنبر والكافور والعود والزعفران، فيذكر نوعها ووزنها، ولا يجوز في الند المعمول من ذلك؛ لأنه مختلط في أجناس لا يدرى قدرها. ويجوز السلم في الكاغد عددًا، وفي الزئبق والكبريت وحجارة الكحل، وكذا في ماء الورد على الصحيح كما نقله الروياني عن عامة الأصحاب، ولم يصحح في (الروضة) فيه شيئًا. ولا يجوز في الكشك، ولا في العود الرطب، ولا في التوتياء الهندي؛ لندرة وجودها، ولا في السفن والمراكب عند الأكثرين؛ لأنها لا تتم إلا بآلات لا يمكن استيفاء وصفها.

فصل

فَصْلٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَبْدِلَ عَنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ غَيْرَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي نَوْعِهِ وَلَا يَجِبُ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجوز في الدور والأراضي والأشجار، ولا في الخس والفجل؛ لاختلافهما. وأما الباذنجان .. فالأرجح فيه: الجواز. ويجوز السلم في الأبواب المنحوتة من الخشب، فيذكر نوعها ولونها، وطولها وعرضها، وسمكها وسعتها، وفيما يراد للعمارة كالجذوع والعمد، ويشترط فيه بيان الجنس والنوع –إن تنوع- والطول، وغلظه ورقته أو توسطه. قال: (فصل: لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه غير جنسه ونوعه)؛ لأنه بيع للمبيع قبل قبضه وهو ممنوع. وفي (سنن أبي داوود) [3462]: (من أسلم في شيء .. فلا يصرفه إلى غيره). وفي (الدارقطني) [3/ 45]: (من أسلم في شيء .. فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله) وهما ضعيفان. وعلم من منع الاستبدال: أنه لا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا التولية فيه ولا الشركة ولا المصالحة وهو كذلك، ولو جعله صداقًا لبنت المسلم إليه .. لم يجز، وكذا إن كان المسلم إليه امرأة فتزوجها عليه أو خالعها. قال: (وقيل: يجوز في نوعه ولا يجب)؛ لأن النوعين من الجنس الواحد كالنوع الواحد، وكذلك كالزبيب الأسود والأبيض، ولهذا يحرم التفاضل بينهما ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة، وهذا قول ابن أبي هريرة وصححه البندنيجي والماوردي والروياني والشيخ؛ لأنهم أجمعوا على أن اختلاف الصنف لا يمنع

وَيَجُوزُ أَرْدَأُ مِنَ الْمَشْرُوطِ وَلَا يَجِبُ، وَيَجُوزُ أَجْوَدُ وَيَجِبُ قَبُولُهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَامْتنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؛ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ .. لَمْ يُجْبَرْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ القبول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى من استسلف منه بكرًا بازلًا، فدل على: أن مطلق المغايرة لا يضر، ولا فرق في ذلك بين الوصف والنوع. والعبد التركي مع الهندي نوعان، وقيل: جنسان، والتمر مع الرطب والمسقي بالمطر مع غيره نوعان في الأصح. وصورة قبول الرطب عن التمر حيث يجوز: أن يكون أسلم في التمر وزنًا؛ لأن الرطب موزون، ولو أسلم في قمح فأعطاه دقيقًا .. لم يجز بالاتفاق. قال: (ويجوز أردأ من المشروط)؛ لأنه جنس حقه، وفي (الإبانة) وجه: أنه لا يجوز؛ لأنه استبدال قبل القبض. قال: (ولا يجب)؛ لأنه دون حقه و (الأردأ) مهموز، ولو أعطاه عن الصفة الفائتة بدلًا .. لم يجز؛ لأنه بيع صفة وهي لا تفرد بالبيع. قال: (ويجوز أجود ويجب قبوله في الأصح)؛ لأنها زيادة صفة لا تتميز، ولأن له غرضًا في براءة الذمة. والثاني: لا يجب؛ للمنة، وجوابه: منع المنة؛ لأن غرضه براءة ذمته ولا خلاف في الجواز. وصورة المسألة في الأجود من كل وجه، فإن كان زائدًا من وجه ناقصًا من وجه .. لم يجب قطعًا. قال: (ولو أحضره قبل محله فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح؛ بأن كان حيوانًا) أي: يحتاج إلى علف (أو وقت غارة) سواء عقد في وقتها أم لا (.. لم يجبر)؛ لمؤنة العلف في الحيوان وخوف النهب في الغارة، وكان صواب العبارة أن

وَإِلَّا .. فَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كَفَكِّ رَهْنٍ .. أُجْبِرَ، وَكَذَا لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ الأَدَاءُ إِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: (كأن) بالكاف؛ ليكون أحد أمثلة المسألة لا تفسيرًا لها، وأن يقول: (إغارة) بالألف. و (المحل) بكسر الحاء: وقت الحلول، وأما مكان التسليم .. فبفتحها. قال: (وإلا .. فإن كان للمؤدي غرض صحيح كفك رهن .. أجبر)؛ لتعنته، وسيأتي في (كتاب الكتابة). وفي (سنن البيهقي) [10/ 334]: أن أنسًا رضي الله عنه كاتب عبدًا، فجاء العبد بالمال قبل الأجل فلم يقبله منه، فأخذه منه عمر ووضعه في بيت المال وقال: اذهب؛ فقد عتقت. وكفك الرهن براءة ذمة الضامن، وكذلك خوف انقطاع الجنس عند المحل على الأصح. ولو اجتمع غرض المؤدي والمستحق .. فالأصح: تقديم غرض المستحق. قال: (وكذا لمجرد غرض البراءة في الأظهر)؛ للأثر المذكور، ولأن امتناعه حيئذ تعنُّت. والثاني: لا يجبر؛ لما فيه عليه من المنة، وستأتي المسألة في (كتاب الكتابة) أيضًا. قال: (ولو وجد المسلم المسلم إليه بعد المَحِل) أي: بكسر الحاء (في غير مَحَل التسليم) أي: بفتحها، وهو مكانه. قال: (.. لم يلزمه الأداء إن كان لنقله مؤنة)؛ لعدم التزامه لها. قال: (ولا يطالبه بقيمته للحيلولة على الصحيح)؛ لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه. والثاني: نعم؛ لأن الأخذ للحيلولة ليس بتعويض حقيقي.

فصل

وَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ هُنَاكَ .. لَمْ يُجْبَرْ إِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا، وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: إِجْبَارُهُ. فَصْلٌ: الإِقْرَاضُ مَنْدُوبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى الصحيح: للمسلم الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه، أما ما لا مؤنة له كالدراهم والدنانير .. فله المطالبة به. ولو ظفر بالغاصب في غير مكان الغصب أو الإتلاف .. فالأصح: أنه يطالبه بالقيمة لا بالمثل. قال: (وإن امتنع من قبوله هناك) أي: في غير محل التسليم (.. لم يجبر إن كان لنقله مؤنة، أو كان الموضع مخوفًا)؛ لما فيه من الضرر، فإن رضي بأخذه .. لم توجب له مؤنة النقل. قال: (وإلا .. فالأصح: إجباره) الخلاف ينبني على القولين في التعجيل قبل المحل وقد تقدما. تتمة: هذا كله إذا أتى بالدين من هو عليه أو ضامنه، أما المتبرع، فإن كان عن حي .. لم يجب القبول، وإن كان عن ميت، فإن كان وارثه .. وجب، وإن تبرع عن الوارث .. ففيه تردد للقاضي حسين. قال: (فصل: الإقراض مندوب)؛ لأنه فعل خير ومعاونة على البر والتقوى. وفي (صحيح مسلم) [2699]: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا .. نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه). وفي (سنن ابن ماجه) [2431] عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم قال: (رأيت مكتوبًا على باب الجنة ليلة أسري به: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل؛ ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل قد يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة). وفي (مسند أبي يعلى) [5030] و (صحيح ابن حبان) [5040] عن ابن مسعود رضي الله عنه: (من أقرض مسلمًا درهمًا مرتين .. كان له كأجر صدقتهما مرة). واستقرض النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم، ومن عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألفًا، ومن حويطب بن عبد العزى أربعين ألفًا، فكانت مئة وثلاثين ألفًا قسمها صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من أهل الضعف، فكان نصيب الرجل الخمسين الدرهم إلى أقل من ذلك، ثم قضاها داعيًا لهم وقال: (جزاء المقرض الحمد والوفاء). و (القرض) مصدرًا: القطع، واسمًا: المقرض، قال الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} فنصب (قرضًا) على أنه مفعول به، فلذلك كان تعبير المصنف بـ (الإقراض) أحسن من تعبير (الروضة) وغيرها بـ (القرض). وسمي القرض الشرعي قرضًا؛ لأن المقرض يقطع للمقترض قطعة من ماله، وأهل الحجاز يسمونه سلفًا، وأهل العراق يمسونه قرضًا. وقوله: (مندوب) أي: له، فحذف حرف الجر توسعًا، وعبر في (الشرح) و (المحرر) و (الروضة) بـ (مندوب إليه)، وكذا قاله في (المحكم)، والمعروف جره باللام، تقول: ندبته لكذا فانتدب له، أي: دعوته له فأجاب، وأما

وَصِيغَتُهُ: أَقْرَضْتُكَ، أَوْ أَسْلَفْتُكَ، أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ، أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المندوب .. فهو الشخص نفسه. والإقراض رخصة ليس على قياس المعاوضات، قال الغزالي: وكأنه عند الشافعي إذن في الإتلاف بشرط الضمان، أو هو قريب منه، أي: فيه شوب منه، وفيه نظر. قال: (وصيغته: أقرضتك، أو أسلفتك) وهما صريحان قطعًا. قال: (أو خذه بمثله)؛ لدلالتها على المقصود، لأنه يضمن بالمثل، فإن اقتصر على (خذه) .. لم يملك التصرف، وجعلوا (خذه بكذا) في (البيع) كناية في الأصح، وهنا جزموا بصحة القرض بـ (خذه بمثله). قال الشيخ: وينبغي أن يجري فيه الخلاف الذي في البيع. ومقتضى كلام (المطلب): أنه هنا أيضًا كناية كالبيع. قال: (أو ملكتكه على أن ترد بدله)؛ لأن ذلك حقيقة القرض، ولا يحتمل البيع؛ لجهالة الثمن، وكذا لو قال: خذه واصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن اقتصر على (ملكتكه) ولم يذكر البدل ولا نواه .. فهو هبة لا يحتمل غيرها، وإن نواه .. فهو كناية، فإن اختلفا في ذكر البدل .. فالقول قول الآخذ؛ لأن الأصل عدمه.

وَيُشْتَرَطُ: قَبُولُهُ فِي الأَصَحِّ، وَفِي الْمُقْرِضِ: أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ. وَيَجُوزُ إِقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ إِلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط: قبوله في الأصح) كالبيع والهبة وسائر التمليكات. والثاني: لا يشترط؛ لأن القرض إتلاف بعوض فلا يستدعي قبولًا وهو مكرمة سبيله سبيل القربات والتبرعات لا سبيل المعاوضات، ولهذا لا يجب التقابض فيه وإن كان ربويًا، ولا يجوز شرط الأجل فيه. قال: (وفي المقرض: أهلية التبرع)؛ لأن القرض تبرع، أو فيه شائبة التبرع، كما جزم به الرافعي في أبواب وهو المعتبر، فلا يصح من محجور عليه ولا من مكاتب ولا من ولي إلا لضرورة. لكن يستثنى منه القاضي؛ فإنه ليس أهلًا للتبرع في مال المحجور، وله إقراضه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله، وله أن يقرض مال المفلس إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة إلى أن يجتمع المال كله، نص عليه، فيحمل اشتراط أهلية التبرع على من يقرض مال نفسه. أما المقترض .. فلم يتعرض في الكتاب ولا في (الروضة) لشرطه، ولا تشترط فيه إلا أهلية المعاملة. ويفهم من كلام المصنف: أن الأعمى يصح إقراضه واقتراضه إلا أن قبضه لا يكفي. قال: (ويجوز إقراض ما يسلم فيه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرًا، وقِيسَ غيره عليه. والمراد: ما يسلم في نوعه، وإلا .. فالمعين لا يسلم فيه، والقرض يكون في المعين والموصوف. قال: (إلا الجارية التي تحل للمقترض في الأظهر)؛ لأن المقترض قد يردها بعد الوطء فيكون في معنى إعارة الجواري للوطء.

وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إِقْرَاضُهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مالك في (الموطأ): ولم يزل أهل العلم ببلدنا ينهون عن ذلك ولا يرخصون فيه لأحد، وهذا على قاعدته في سد الذرائع. أما على قاعدة الشافعي رضي الله عنه .. فيحتاج إلى دليل. وليس هذا كالأب إذا وهب لولده جارية؛ فإنه يحل له وطؤها مع جواز استرجاع الأب، لأن الملك من جهة الابن لازم، بخلاف ملك المقرض. وقيل: يجوز كإقراض العبد، وهذا هو القياس عند الإمام والغزالي، ونقلاه عن النص، وبه قال المزني وأهل الظاهر؛ لعموم الأدلة. وقيل: يجوز إقراضها ولا يحل وطؤها، حكاه العمراني. أما المحرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة .. فيجوز إقراضها بالاتفاق، كذا قاله الرافعي تبعًا للغزالي والإمام، وليس كذلك؛ ففي (الحاوي) أيضًا وجه: أنه لا يجوز في هذه الحالة أيضًا، ومن لا تحل له في الحال كأخت الزوجة .. الظاهر: أنها لا تحل. والخنثى كالمرأة في استقراض الأمة، قاله في (شرح مسلم)، وفيه نظر. قال: (وما لا يسلم فيه لا يجوز إقراضه في الأصح)؛ لأن القرض يقتضي رد المثل، وما لا ينضبط بالصفة لا مثل له، فلا يجوز قرض الجواهر الكبار، ولا الشاة ونتاجها، ولا المختلطات كالقمح المختلط بالشعير. والثاني: يجوز كالبيع. وأفهمت عبارة المصنف: أنه لا يجوز إقراض المنافع؛ لأنه لا يجوز السلم فيها، ولا إقراض ماء القناة؛ لأنه مجهول، وهو كذلك في زوائد (الروضة) نقلًا عن (فتاوى القاضي حسين)، وأقره. وصرح المتولي بجواز إقراض المنافع، فإذا قال: أقرضتك منفعة عبدي أو داري

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شهرًا وسلم العين .. صار مستحقًا للمنافع يتصرف فيها على حسب اختياره، وبالجواز صرح الرافعي في (الإجارة)، وصوبه في (المهمات). فروع: الأصح: جواز قرض الخبز كما صرح به ابن الصباغ والمتولي والشاشي والرافعي في (الشرح الصغير)؛ لإجماع أهل الأمصار في سائر الأعصار، وصحح البغوي: أنه لا يجوز، والمعتمد: الأول، وهو مذهب أبي قلابة ومالك وأحمد وأبي يوسف ومحمد. وإذا جوزنا .. وجب رد مثله وزنًا، كما نقله الرافعي عن صاحب (البيان)، وفي (الكافي): يجوز إقراضه عددًا، وفي قرض الخميرة وجهان. وقال المتولي: يجوز قرض شقص من دار، وأقره عليه الشيخان في (كتاب الشفعة). وجزم الماوردي بأنه لا يجوز قرض العقار وهو مقتضى كلام المصنف. والدارهم والدنانير المغشوشة يصح إقراضها، كما أفهمه كلام المصنف واقتضاه إطلاق المتولي، لكن جزم في (البحر) فيها بعدم الجواز. ويجوز أن يكون المقرض شيئًا في الذمة، كما لو قال: أقرضتك عشرة دراهم صفتها كذا وقبل، ثم إن عينها في المجلس .. صح، وإن عينها بعد مفارقته .. ففي (المهذب) و (البيان): أنه إن لم يطل الفصل .. جاز، وإن طال .. لم يجز حتى يعيد لفظ القرض، قال الشيخ: ولم أره لغيرهما.

وَيُرَدُّ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً، وَقِيلَ: الْقِيمَةُ. وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنَةٌ .. طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الإِقْرَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويرد المثل في المثلي)؛ لأنه أقرب إلى حقه. قال: (وفي المتقوم المثل صورة)؛ لما روى مسلم [1600] عن أبي رافع رضي الله عنه قال: استلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بكرًا، فلما جاءت إبل الصدقة .. أمرني أن أقضي الرجل بكرًا، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملًا خيارًا رباعيًا، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعطه؛ فإن خيركم أحسنكم قضاء). و (البكر): الصغير من الإبل، كالغلام من الآدميين. و (رباعيًا) مخفف الياء: الذي دخل في السنة السابعة. ولم يقضه من إبل الصدقة إنما اشتراه منها ممن استحقه، فملكه النبي صلى الله عليه وسلم منه، واعتبار المثل الصوري يفهم: أنه لا أثر لما فيه من المعاني كحرفة العبد وفراهة الدابة، والذي يظهر: اعتبار ذلك، فإن تأتى ذلك، وإلا .. اعتبرت الصورة مع مراعاة القيمة. قال: (وقيل: القيمة) كما لو أتلف متقومًا، وهو الأقيس في (الشرحين) و (الروضة). وقال المتولي في الشفعة: إنه المذهب، والمعتبر: قيمة يوم القبض إن قلنا: يملك بالقبض، وإلا .. فالأكثر منه إلى التصرف، فإن اختلفا في القيمة أو في صفة الملك .. فالقول قول المستقرض، وإذا قلنا بجواز قرض ما لا مثل له ولا قيمة .. ضبط بالصفة ويضمن بالقيمة قولًا واحدًا، لكن لنا قرض لا يرد في شيء، وهو إذا اقترض بعض الجيش من بعض شيئًا مما يجوز التبسط به وهم في دار الحرب كما سيأتي في بابه؛ لأنه لو بقى في يده .. لرده إلى المغنم وله المطالبة به في دار الحرب. قال: (ولو ظفر به في غير محل الإقراض وللنقل مؤنة .. طالبه بقيمة بلد الإقراض)؛ لما في التكليف بالمثل من الكلفة، ويخالف السلم، فإنه لا يأخذ القيمة

وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ، فَلَوْ رَدَّ هَكَذَا بِلَا شَرْطٍ .. فَحَسَنٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في هذه الحالة بل يفسخ لامتناع الاعتياض، والمعتبر قيمة يوم المطالبة؛ لأنه وقت استحقاقها. ثم إذا أخذت القيمة .. هل هي بطريق المعاوضة أو الحيلولة؟ وجهان: أصحهما: أولهما، فتبرأ ذمة المقرض وليس له ردها وإعطاء الطعام، على الثاني: لا تثبت هذه الأحكام. واحترز المصنف عما لا مؤنة لنقله كما إذا أقرضه دراهم في بلد ثم لقيه في آخر فطالبه، فإنه يلزمه دفعها؛ لأن القيمة في ذلك لا تختلف فانتفى الضرر. قال الإمام: هذا إذا كان ذلك من النقود التي لا عسر في نقلها ولا تتفاوت قيمتها بتفاوت البقاع، فإن كانت مما يعسر نقلها وتختلف قيمتها .. فلا يطالبه بغير بلد الإقراض. قال: (ولا يجوز بشرط رد صحيح عن مكسر أو زيادة) ويفسد به العقد؛ لقول فضالة بن عبيد رضي الله عنه: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) رواه البيهقي [5/ 350]، ورواه عبد الحق مرفوعًا لكن بسند ضعيف. وقال إمام الحرمين: إنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي (البيان) وجه: أنه يصح القرض ويفسد الشرط. قال: (فلو رد هكذا بلا شرط .. فحسن)؛ لأن خير الناس أحسنهم قضاء، بل يستحب ذلك للمقترض ولا يكره للمقرض أخذه. وقيل: يمتنع أخذ الزيادة في الربويات. وقيل: يمتنع إقراض المشهور برد الزيادة، ويجوز للمقرض قبول الهدية من المقترض وغيره من المديونين من غير كراهة، هذا مذهبنا ومذهب ابن عباس رضي الله عنهما، لكن الأولى أن يتنزه عنها، وكرهها ابن مسعود رضي الله عنه.

وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ .. لَغَا الشَّرْطُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا .. فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ، وَإِنْ كَانَ كَزَمَنِ نَهْبٍ .. فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (رسالة القشيري) في (باب التقوى) عن أبي حنيفة: أنه كان لا يجلس في ظل شجرة غريمه ويقول: كل قرض جر منفعة فهو ربا. قال: (ولو شرط مكسرًا عن صحيح أو أن يقرضه غيره .. لغا الشرط)؛ لأنه مجرد وعد. قال: (والأصح: أنه لا يفسد) به (العقد)؛ لأن المنهي عنه جر المقرض النفع إلى نفسه، وهنا النفع للمستقرض، فكأنه زاد في المسامحة ووعد وعدًا حسنًا. والثاني: يفسد به؛ لأنه ينافي مقتضاه، ولو وقع مثل هذا في الرهن .. بطل الشرط جزمًا، وكذا الرهن في الأظهر كما سيأتي، وفي الفرق عسر. قال: (ولو شرط أجلًا .. فهو كشرط مكسر عن صحيح إن لم يكن للمقرض غرض)؛ لأنه رفق فيصح العقد ولا يلزم الأجل على الصحيح. قال: (وإن كان كزمن نهب .. فكشرط صحيح عن مكسر في الأصح)؛ لما فيه من جر المنفعة. ومن صور المسألة: أن يقرضه شيئًا ليكتب له به كتابًا إلى وكيله ليعطيه في غير تلك البلد ليأمن خطر الطريق وتتوفر عليه مؤنة الحمل، فذلك منفعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنه كالتأجيل بغير عوض فيلغو الشرط ويصح العقد. وتتلخص في فساد القرض بشرط الأجل ثلاثة أوجه: ثالثها: إن كان للمقرض غرض .. فسد، وإلا .. فلا، ولا يلزم الأجل عندنا بحال. وقد قال مالك: يثبت الأجل ابتداء بأن يقرضه مؤجلًا، وانتهاء بأن يقرضه حالًا ثم يؤجله. فائدة: قال الشيخ: قول الأصحاب: لا يجب الوفاء بالوعد .. مشكل؛ لأن ظواهر الآيات والسنة تقتضي وجوبه، وإخلاف الوعد كذب، والخلف والكذب من أخلاق المنافقين، قال: ولا أقول: يبقى دينًا في ذمته حتى يقضى من تركته، وإنما أقول: يجب الوفاء به؛ تحقيقًا للصدق وعدم الإخلاف، وتصير الواجبات ثلاثة: منها: ما هو ثابت في الذمة ويطالب بأدائه، وهو الدين على موسر وكل عبادة وجبت وتمكن منها. ومنها: ما ثبت في الذمة ولا يجب أداؤه، كالزكاة بعد الحول وقبل التمكن. ومنها: ما لم يثبت في الذمة ويجب أداؤه، كهذا. قال: وقد استنبطت من قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا} الآية: أن الكذب لا يختص بالماضي، وأن الجملة المقسم عليها خبرية؛ لأنه كذبهم في قولهم: {لئن أخرجتم لنخرجن معكم}. مهمة: قال الأصحاب: يصير الحال مؤجلًا بالوصية، ومقتضى كلام المتولي: أنه يتأجل

وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنذر على الصحيح، والرافعي ذكر هذا في (باب البيوع المنهي عنها). قال ابن الرفعة: إذا كان من عليه الدين ميتًا .. فلا أثر لنذر تأخير المطالبة؛ لأن المبادرة إلى براءة ذمة الميت واجبة، وحينئذ فلا يؤثر النذر، حتى لو رضي الوارث ورب الدين بذلك .. لم يجز. ولك أن تقول: الوصية والنذر ليس فيهما تأجيل حال بل تأخير الطلب مع حلول الدين، كما أن المديون المعسر يجب إنظاره مع حلول الدين، ويظهر أثر ذلك في الزكاة. نعم؛ لو أن الناذر في هذه الحالة مات .. فهل لورثته المطالبة؛ لأن الدين حال والناذر قد مات وهم لم ينذروا، أو عليهم الإمهال؛ لأن الحق انتقل إليهم كذلك؟ فيه نظر، والظاهر: أن لهم الطلب، وهو يؤيد البحث السابق. قال: (وله شرط رهن وكفيل)؛ لأن توثقة في العقد لا زيادة، وكذا شرط الإشهاد عليه والإقرار به عند الحاكم. ولو اشترط رهنًا بدين آخر .. فهو كزيادة الصفة، وما أحسن قول عمر بن محمد النسفي –بفتح النون-[من الوافر]: أنلني بالذي استقرضت خطًا .... وأشهد معشرًا قد شاهدوه فإن الله خلّاق البرايا .... عنت لجلال هيبته الوجوه يقول: إذا تداينتم بدينٍ .... إلى أجلٍ مسمىً فاكتبوه فإن قيل: ما فائدة هذه الشروط حتى يحكم بصحتها؛ لأنه لا يجب على المقترض الوفاء بما شرط عليه من الرهن وغيره، ولا على المشروط كفالته أن يتكفل، وإنما صححنا هذه الشروط في البيع، لأن فيه فائدة وهو الفسخ على تقدير:

وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ بِالْقَبْضِ، وَفِي قَوْلٍ: بِالتَّصَرُّفِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي الأَصَحِّ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ أن لا يقوم بها، وهو ههنا متمكن منه .. فالجواب: أنه ليس المراد بذلك صحة الشرط بل عدم الإفساد للقرض. قال: (ويملك القرض بالقبض)؛ لأنه لو لم يملك به .. لا متنع عليه التصرف فيه والقبض للمنافع بقبض الأعيان. قال (وفي قول: بالتصرف)؛ لأنه ليس تبرعًا محضًا؛ إذا يجب فيه البدل، وليس معاوضة محضة؛ إذ له الرجوع فيه ما دام باقيًا بحاله، فوجب أن يملكه بعد استقرار بدله للمقرض. والمراد: التصرف المزيل للملك، فإذا تصرف .. تبين ثبوت الملك قبيله. ومن فروع القولين: ما لو كان المقرض حيوانًا، فإن قلنا: يملك بالقبض .. فنفقته عليه، وإن قلنا: بالتصرف .. فهي على المقرض إلى أن يتصرف المستقرض. ولو اقترض من يعتق عليه، فإن قلنا: يملك بالقبض .. عتق عليه، وإن قلنا: بالتصرف .. فلا. قال: (وله الرجوع في عينه ما دام باقيًا بحاله في الأصح) كالوالد في الهبة، ولأن له تغريم بدله عند الفوات، فالمطالبة بعنيه أولى؛ لأنه أقرب. والثاني: ليس له الرجوع في عينه؛ صيانة لملك المستقرض، وله أن يؤدي من موضع آخر كسائر الديون. والمراد بـ (الدوام): بقاؤه في ملكه، وهذا يفهم: أنه إذا زال ثم عاد .. لا يرجع فيه، وقياس نظائره من الفلس وغيره: الجواز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا زاد زيادة منفصلة كالولد .. أخذه بدونها، وإن كانت متصلة كالسمن .. أخذه معها، وإن نقص، فإن شاء .. أخذه مع الأرش، وإن شاء .. أخذ بدله. تتمة: لو أجره المستقرض .. كان للمقرض الرجوع فيه ولا تبطل الإجارة، وله الرجوع إلى بدله لنقصان منفعته. ولو اقترض نقدًا فأبطل السلطان المعاملة به .. فليس له غيره، وقيل: لو قيمته يوم، منع حكاه العمراني. * * * خاتمة روى ابن ماجه [2408]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استقرض في حاجة غير مكروهة .. فالله معه). وكان راويه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه يقول كل ليلة لوكيله: (اقترض لي شيئًا لأبيت والله معي). وكان عبد الله من أجواد العرب، أبوه ذو الجناحين، وأمه أسماء بنت عميس، مات عام الجحاف سنة ثمانين، ودفن بالبقيع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القرطبي: لا يمتنع القرض للأعراض؛ لقصة أبي ضمضم رضي الله عنه. وفي الحديث: (أقرض من عرضك ليوم عرضك) رواه أبو عمر. وأما حديث أبي ضمضم رضي الله عنه .. فرواه ابن عدي في (الكامل) [6/ 219]، والبزار والبيهقي [هب8083] وأبو داوود في (المراسيل)، وإرساله أصح. وروي: أن علبة بن زيد الحارثي أحد البكّائين رضي الله عنه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة وحث عليها .. قال: اللهم؛ إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا فنادى أين المتصدق بعرضه؟ فقام علبة بن زيد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قبل صدقتك).

كتاب الرهن

كِتَابُ الرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الرهن هو في اللغة: الثبوت والدوام، ومنه: الحالة الراهنة، أي: الثابتة. وقال الماوردي: هو الاحتباس، ومنه: {كل نفس بما كسبت رهينة}. وتقول: رهنت الشيء وأرهنته بمعنىً. قال عبد الله بن همام السلولي [من المتقارب]. فلما خشيت أظافيرهم .... نجوت وأرهنتهم مالكا وهو في الشرع: جعل المال وثيقة بدين. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهن مقبوضة}، وقرئ: {فرهن}، وهي جمع: رهن، وقيل: الرُّهُن جمع الجمع. ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي بالمدينة يقال له: أبو الشحم على ثلاثين صاعًا من شعير لأهله، رواه البخاري [2069]، ومسلم [1603] بمعناه، وهو حجة على مجاهد وداوود في منعهما الرهن في الحضر. ثم قيل: إنه صلى الله عليه وسلم افتكه قبل موته؛ لما روى ابن حبان [3061]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك. والأصح: أنه لم يفتكه؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي)، وحديث ابن حبان محمول على من لم يخلف وفاء، وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على معاملة اليهودي؛

لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهَنِ بِهِ، أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالإِشْهَادِ، أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ .. صَحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ .. بَطَلَ الرَّهْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيانًا لجواز معاملة أهل الكتاب. وقيل: لأنه لم يكن عند أحد من مياسير أهل المدينة طعام فاضل عن حاجته غيره. قال: (لا يصح إلا بإيجاب وقبول)؛ لأنه عقد بين اثنين على مال فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع، والخلاف في انعقاد البيع بالإيجاب والاستيجاب وبالمعاطاة، فيجيء في الرهن مثلهما، ويقوم مقام الصيغة إشارة الأخرس كما تقدم. وقيل: إن كان الرهن مشروطًا في بيع .. أغنى شرطه عن الصيغة بعد البيع، وهو ظاهر النص، ونقله في (المطلب) عن الجمهور. قال: (فإن شرط فيه مقتضاه كتقدم المرتهن به، أو مصلحة للعقد كالإشهاد، أو ما لا غرض فيه .. صح العقد) كالبيع في الأقسام الثلاثة، وجميع ما تقدم هناك يأتي هنا. قال: (وإن شرط ما يضر المرتهن .. بطل الرهن) كشرط أن لا يبيعه عند المحل، أو لا يبيعه إلا بعد شهر، أو بأكثر من ثمن المثل، أو لا يقدم به، أو يكون مضمونًا؛ لأنه يخالف مقتضاه، وقيل: في جميع هذه الصور الست القولان الآتيان فيما يضر الراهن: أحدهما: يبطل الرهن. والثاني: يصح ويبطل الشرط.

وَإِنْ نَفَعَ الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ .. بَطَلَ الشَّرْطُ، وَكَذَا الرَّهْنُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً .. فَالأَظْهَرُ: فَسَادُ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ .. فَسَدَ الْعَقْدُ. وَشَرْطُ الْعَاقِدِ: كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ الصَّبيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن نفع المرتهن وضر الراهن كشرط منفعته للمرتهن .. بطل الشرط)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) متفق عليه [خ2735 - م1504/ 6]. قال (وكذا الرهن في الأظهر)؛ لأنه ليس من مقتضاه ولا من مصلحته. والثاني: لا يبطل؛ لأنه تبرع، فلم يؤثر ذلك فيه، كما لو أقرضه الصحاح بشرط أداء المكسر .. يلغو الشرط ويصح العقد، ثم البطلان فيما إذا أطلق المنفعة، فلو قيدها بسنة مثلًا .. فهذا جمع بين بيع وإجارة في صفقة، والأظهر فيه: الصحة. قال: (ولو شرط أن تحدث زوائده مرهونة .. فالأظهر: فساد الشرط)؛ لأنها معدومة ومجهولة. والثاني: يصح الشرط ويكون رهنًا؛ لأن الرهن عند الإطلاق إنما لا يسري إلى الزوائد لضعفه، فإنه قوي بالشرط .. سرى. واحترز بـ (الزوائد) عن الكسب؛ فإن اشتراطها مبطل على القولين. قال: (وأنه متى فسد .. فسد العقد)؛ لأنه جمع بين معلوم ومجهول، وفي صحة المعلوم قولا تفريق الصفقة. قال: (وشرط العاقد) راهنًا كان أو مرتهنًا (كونه مطلق التصرف) كعاقد البيع. قال: (فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون، ولا يرتهن لهما)؛ لأن الولي في حال الاختيار لا يبيع إلا بحال مقبوض قبل التسليم بلا رهن ولا ارتهان. والمراد بـ (الولي) هنا: الأب أو الجد أو الوصي أو الحاكم أو أمينه، ولو عبر

إِلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ. وَشَرْطُ الرَّهْنِ: كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بمال المحجور .. لعم السفيه وكان أولى، وحكم الرهن والارتهان سواء، ونصوص الشافعي رضي الله عنه تقتضي: أن الارتهان يجوز بالمصلحة، والرهن لا يجوز إلا بالضرورة. قال: (إلا لضرورة) فيجوز الرهن والارتهان، كأن يحتاج إلى النفقة أو الكسوة، أو باع ماله مؤجلًا لضرورة نهب ونحوه، أو كان مؤجلًا بسبب إرث وغيره؛ لأن في الارتهان مفسدة، لأنه قد يتلف المرهون ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين فيه. قال: (أو غبطة ظاهرة) كما إذا اشترى ما يساوي ألفين بألف نسيئة ورهن به ما يساوي ألفًا من ماله؛ لأنه إن تلف .. كان في المشتري ما يجبره، وكذا إذا باع الولي ماله مؤجلًا بغبطة وارتهن على الثمن، وسيأتي حكم قرض مال الطفل في آخر (باب الحجر). قال: (وشرط الرهن) أي: المرهون (كونه عينًا في الأصح) فلا يجوز رهن المنفعة جزمًا؛ لأنها تتلف شيئًا فشيئًا، ولا رهن الدين؛ لأن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، ومتى قبضه المالك .. خرج عن أن يكون دينًا. والثاني: يصح رهن الدين إذا كان على مقر مليء كبيعه تنزيلًا؛ لما في الذمم منزلة الأعيان. هذا في الابتداء، أما إذا جنى على المرهون .. فإنا نحكم على الأرش وهو في الذمة بأنه مرهون على الأصح. ولو مات وعليه دين وخلف منفعة أو دينًا .. فإن الدين يتعلق بجميع التركة تعلق رهن على الصحيح. ويلغز بهذه الصورة فيقال: عين مرهونة من غير صدور عقد عليها، وكذا التي قبلها.

وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَالأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ، وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ، وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ تُقَوَّمُ الأُمُّ وَحْدَهَا ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك إذا رهن عصيرًا فانقلب في يد المرتهن خمرًا .. فإن التخمر يخرجه عن المالية، فإن عاد خلًا .. عاد الرهن على المشهور كما يعود الملك. قال: (ويصح رهن المشاع) سواء رهنه من شريكه أو غيره وقبضه بقبض الجميع؛ قياسًا على البيع، وبهذا قال مالك وأحمد. قال: (والأم دون ولدها وعكسه)؛ لأن ذلك ليس بتفريق، إذ الملك فيهما باق. قال: (وعند الحاجة يباعان، ويوزع الثمن)؛ لأن بيعهما معًا ممكن والتفريق منهي عنه، فلما التزم بالرهن بيع الأم .. جعل ملتزمًا لما هو من أحكامه وهو بيع الولد معها، هذا هو الأصح المنصوص. والثاني: يجوز بيع الأم وحدها؛ لأنه موضع ضرورة فيحتمل التفريق لذلك. قال: (والأصح: أنه تقوَّم الأم وحدها ثم مع الولد فالزائد قيمته) فتقوَّم الأم وحدها موصوفة بكونها ذات ولد حاضة له، فيقال: قيمتها –مثلًا- مئة، ثم تقوَّم هي والولد جميعًا، فيقال: قيمتهما –مثلًا- مئة وخمسون، فالخمسون الزائدة لا حق للمرتهن فيها. والثاني: أن الأم تقوَّم وحدها، ثم يقوَّم الولد وحده محضونًا مكفولًا، ثم يقسَّط الثمن عليهما. هذا إذا كانت الأم مرهونة، فإن كان الولد .. انعكس الحكم في التقويم، فكان ينبغي أن يقول: يقوَّم المرهون وحده، ثم يقوم مع الآخر، فالزائد قيمة الآخر. وحكم الولد مع الأب وغيره ممن يمتنع التفريق بينهما كحكمه مع الأم، وهذه المسألة مستثناة من قولنا: ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه.

وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا. وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ، وَمُعَلَّقِ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ورهن الجاني والمرتد كبيعهما) فيصح في الأصح فيهما إذا كانت الجناية عمدًا، ولا يصح في الجاني خطأ في الأصح. وقد تقدمت مسألة بيع الجاني في (البيع)، ومسألة المرتد في (الرد بالعيب) حيث قال: (ولو قتل بردة سابقة .. ضمنه البائع في الأصح) فجزم بصحة بيعه، وهو الأصح، فيكون الراجح: صحة رهنه. فرع: رهنُ الأرض المستغلة بالزراعة .. باطل، وكذا رهن سواد العراق؛ لأن عمر رضي الله عنه وقفه على المسلمين كما سيأتي في (السير). وأما الأبنية التي كانت به كالدور .. فالصحيح: أنه ليست وقفًا فيجوز رهنها وبيعها. قال: (ورهن المدبر، ومعلق العتق بصفة يمكن سبقها حلول الدين باطل على المذهب)؛ لتعلق حق العتق بهما، أما معلق العتق .. فالمنصوص فيه: البطلان، والقول بالصحة فيه مخرج، وأم المدبر .. ففيه ثلاث طرق: الصحة قطعًا. والبطلان قطعًا. وإجراء قولين: أصحهما: البطلان. وأصل القولين: أنه تعليق عتق بصفة أو وصية، إن قلنا: تعليق .. لم يصح رهنه، وإن قلنا: وصية صح، لكن قال في (الروضة): القوي في الدليل صحة رهن المدبر. واحترز المصنف عن الصفة التي يقطع بتأخيرها فيصح، أو بسبقها فيبطل، فإن احتمل الأمران .. فالأظهر: بطلانه؛ للغرر.

وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ: فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ .. فُعِلَ، وَإِلَّا: فَإِنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا .. صَحَّ، وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ .. لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. فَسَدَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجه الصحة: أن الأصل استمرار الرق. أما رهنه بدين حالٍّ .. فيصح على ما جزم به الأصحاب، وفيه إشكال من جهة: أن رهن المدبر باطل مطلقًا. ومحل الخلاف: إذا لم يشرط بيعه قبل وجود الصفة، فإن شرطه .. صح، قاله في (المرشد)، وهو ظاهر. قال: (ولو رهن ما يسرع فساده: فإن أمكن تجفيفه كرطب .. فعل)؛ حفظًا للرهن، وكذلك العنب الذي يتزبب، واللحم الذي يمكن تقديده. قال ابن الرفعة: والمجفف هو المالك ومؤنته عليه، أما إذا رهنه بحالٍّ أو مؤجل يحل قبل فساده .. فإنه يباع على حاله. قال: (وإلا) أي: وإن لم يمكن تجفيفه كالبقول وما لا يجفف من الثمار (فإن رهنه بدين حال، أو مؤجل يحل قبل فساده، أو شرط بيعه وجعل الثمن رهنًا .. صح)؛ لانتفاء المحذور. قال: (ويباع عند خوف فساده ويكون ثمنه رهنًا) أي: من غير إنشاء عقد. قال: (وإن شرط منع بيعه .. لم يصح)؛ لأنه ينافي مقتضاه، وهذا اتفق الأصحاب عليه. قال: (وإن أطلق .. فسد في الأظهر)؛ لأنه لا يمكن بيعه في الدين عند محله فلم يجز رهنه كأم الولد. والثاني –وبه قال أبو حنيفة وأحمد-: يصح ويباع كما لو شرط بيعه، لأن الظاهر: أنه لا يقصد إتلاف ماله، ونقل في (الشرح الصغير) تصحيحه عن

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الأَجَلِ .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ .. لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ بِحَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأكثرين، وهو موافق لنص (المختصر)، ولأن مطلق العقد يحمل على المتعارف ويصير كالمشروط، والمتعارف فيما يفسد: أن يباع قبل فساده، ولم يصحح في (الشرح الكبير) شيئًا من القولين وفاقًا للقاضي أبي الطيب. قال الشيخ: ولي به أسوةٌ؛ فإن النظر بينهما متجاذب. وإذا قلنا بالصحة، فإذا أشرف على الفساد .. بيع ويكون ثمنه رهنًا كما لو شرطه، ويجبر الراهن على ذلك عند الجمهور. قال: (وإن لم يعلم هل يفسد قبل الأجل .. صح في الأظهر)؛ لأن الأصل البقاء. والثاني: يفسد؛ للجهل بإمكان البيع عند المحل، ويشكل على هذا: ما تقدم في المعلق العتق بصفة لا يعلم هل تتقدم أو تتأخر: أنه لا يصح، وهما في المعنى مستويان. قال: (ولو رهن ما لا يسرع فساده فطرأ ماعرضه للفساد كحنطة ابتلت .. لم ينفسخ الرهن بحال)؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، بل يباع عند الإشراف على الفساد ويجعل ثمنه رهنًا مكانه. هذا إذا عرض بعد القبض، فإن عرض قبله ولم يمكن تجفيفه .. ففي الانفساخ وجهان: أصحهما: أنه لا ينفسخ أيضًا.

وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِبَرْهَنَهُ، وَهُوَ فِي قَوْلٍ: عَارِيَّةٌ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيُشْتَرَطُ: ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجوز أن يستعير شيئًا ليرهنه) أشار بهذا إلى أنه لا يشترط أن يكون المرهون ملكًا للراهن، فإذا استعار شيئًا ليرهنه .. جاز على النص؛ لأن المقصود التوثقة وهي حاصلة بذلك، وبهذا قال الجمهور خلافًا لابن سريج. ومقتضى إطلاق المصنف: أنه لو كان المستعار دراهم أو دنانير .. فالمتجه: الصحة وإن منعنا إعارتها لغير ذلك. ويجوز أن يرهن ماله على دين غيره، وأن يوكل المديون في أن يرهن على دين نفسه مال الموكل. قال: (وهو في قول: عارية)؛ لأنه قبضه بإذن مالكه لمنفعة نفسه، فأشبه ما لو استعاره للخدمة. قال: (والأظهر: أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء)؛ لأن العارية ينتفع المستعير بها مع بقاء عينها، والانتفاع بها هنا ببيعها في الدين فيبطل كونها عارية، فلم يبق إلا الضمان، كما لو أذن لعبده في ضمان دين غيره؛ فإنه يصح وتكون ذمته فارغة. قال الإمام: وليس القولان في أنه يتمحض عارية أو ضمانًا، وإنما هما في المغلب منهما. قال: (فيشترط: ذكر جنس الدين وقدره وصفته) أي: في الحلول والأجل والصحة والتكسير وغير ذلك كما في الضمان؛ لاختلاف الأغراض بذلك، وإذا عين قدرًا .. جاز أن يرهنه بما دونه جزمًا، فإن زاد .. بطل في الجميع على الأصح المنصوص؛ للمخالفة، كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش. وقيل: يبطل في الزائد فقط، واختار الشيخ تخريجه على تفريق الصفقة. ولو قال: ارهنه بمئة دينار فرهنه بمئة درهم .. لم يصح، وكذا إذا قال: بمئة درهم فرهنه بمئة دينار.

وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الأَصَحِّ. فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ .. فَلَا ضَمَانَ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهَنِ. وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا .. رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ، وَيُبَاعُ إِنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِمَا بِيعَ بِهِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: ارهنه بما شئت .. جاز أن يرهنه بأكثر من قيمته؛ لاقتضاء العرف ذلك، ولو أراد المالك إجباره على فكه .. فله ذلك بكل حال، إلا إذا كان الدين مؤجلًا وقلنا: إنه ضمان، فإن أعتقه المالك وقلنا: إنه ضمان .. ففي (التهذيب): أنه كإعتاق المرهون، وإن قلنا: عارية .. صح وكان رجوعًا. قال: (وكذا المرهون عنده في الأصح)؛ لاختلاف الناس طلبًا واستيفاء. والثاني: لا يجب؛ لضعف الغرض في ذلك. وهما مأخوذان من القولين في اشتراط تعيين المضمون له، فإن قلنا: عارية .. لم يشترط ذلك، وعلى القولين: إذا عين شيئًا من ذلك .. لم تجز مخالفته. قال: (فلو تلف في يد المرتهن .. فلا ضمان) أي: عليه؛ لأن يده يد أمانة، وهل يضمنه الراهن؟ ينبني على أنه عارية أو ضمان، إن قلنا: عارية .. غرمنا الراهن، وإن قلنا: ضمان .. فلا، أما إذا تلف في يد الراهن .. فالمذهب: الضمان؛ لأنه مستعير. قال: (ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن)؛ إذ لو رجع .. لما حصلت فائدة الرهن، ولم يكن به توثق، وهذا على قول الضمان قطعًا، وكذا على قول العارية على الأصح. قال: (وإذا حل الدين أو كان حالًا .. روجع المالك للبيع) كما لو رهنه المالك. قال: (ويباع إن لم يقض الدين) أي: إن لم يوفه واحد منهما .. بيع على القولين موسرًا كان الراهن أو معسرًا، كما يطالب الضامن في الذمة مع وجود الأصيل. قال: (ثم يرجع المالك بما بيع به) أي: على قول الضمان سواء بيع بالقيمة أم بأكثر أم بأقل بقدر يتغابن به، أما على قول العارية، فإن بيع بالقيمة أو بأقل .. رجع بالقيمة، أو بأكثر .. رجع بالقيمة عند الجمهور.

فصل

فَصْلٌ: شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ: كَوْنُهُ دَيْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: بما بيع به، واستحسنه الرافعي، وصوبه المصنف، فيستثنى من قوله: (بما بيع به) إذا بيع بأقل على قول العارية. تتمة: لو قضى المالك الدين من مال نفسه .. انفك الرهن، ورجوعه بما أداه يتعلق بكونه أداه بإذن الراهن أو بدونه، وسيأتي في (الضمان). فإن اختلفا في الإذن .. فالمصدق الراهن. ولو رهن عبده بدين غيره دون إذن .. جاز، فإن بيع به .. فلا رجوع. وقال ابن الصلاح: لو كان مؤجلًا فمات الراهن .. لا يحل الدين، بخلاف ما إذا ضمن الدين في ذمته. قال (فصل: شرط المرهون به: كونه دينًا) فلا يصح الرهن بالأعيان سواء كانت مضمونة أم لا؛ لأنه يستحيل استيفاء العين من المرهون، ولا فرق في الدين بين الأموال والمنافع المستحقة بالإجارة الواردة على الذمة، فإن وردت على العين .. لم يصح الرهن بها؛ لفوات الدين، ومن هذا يؤخذ البطلان فيما جرت العادة به من أخذ رهن على عارية الكتب الموقوفة وغيرها، كما صرح به الماوردي وغيره. لكن أفتى القفال بلزوم اشتراط ذلك وجعله شرطًا معتبرًا، وقياسه: أن يجوز ضمانه، وفائدة ذلك في حالة التعدي أو التفريط، أما إذا تلف من غير تقصير .. فلا ضمان عليه.

ثَابِتًا لَازِمًا، فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثابتًا) فلا يصح الرهن بما لم يثبت سواء جرى سبب وجوبه، كنفقة الغد، أو لا، كما إذا رهنه على ما سيقرضه غدًا؛ لأن الرهن وثيقة بحق فلا يقدم على الحق كالشهادة. قال: (لازمًا) فلا يصح بغير اللازم كمال الكتابة؛ لأنه لا فائدة في الوثيقة مع تمكن المديون من إسقاط الدين. فإن قيل: كان يستغني باللازم عن الثابت؛ لأن كل لازم ثابت ولا ينعكس .. فالجواب: أنه لا يستغنى بذلك؛ لأن اللزوم وعدمه صفة للدين نفسه، كما تقول: دين الكتابة غير لازم وثمن البيع بعد انقضاء الخيار لازم، والثبوت يستدعي الوجود في الحال، فلا يصدق قبل حصول سببه. وبهذا يتبين: أن الثبوت واللزوم ينفك كل منهما عن الآخر، وقد يجتمعان، فلهذا لابد من ذكرهما. وبقي عليه قيد رابع: أن يكون معلومًا لكل منهما؛ لأن العلم بقدر الدين وصفته شرط في الرهن كما هو شرط في الضمان ونص (الأم) يشهد له، وبه جزم ابن عبدان وصاحب (الإستقصاء). وخامس: أن يمكن استيفاؤه من عين الرهن، واحترز به عن العمل في الإجارة إذا اشترط أن يعمل بنفسه؛ فإنه كالعين لا يجوز الرهن به، أما على العمل الذي في الذمة .. فيجوز على المذهب. قال: (فلا يصح بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح)؛ لأنه إن رهن بقيمتها إذا تلفت .. كانت رهنًا قبل ثبوت الدين، وإن رهن على عينها .. لم يمكن استيفاء العين من الرهن. ولو قال: بالعين المضمونة .. كان أشمل؛ ليدخل المستام، والمأخوذ ببيع فاسد، والمبيع، والصداق قبل القبض، وسائر الأعيان المضمونة في ذلك سواء. والوجه الثاني –وهو مذهب أبي حنيفة-: يصح الرهن بكل عين مضمونة كما يصح

وَلَا بِمَا سَيُقْرِضُهُ. وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ، فَقَالَ: اقْتَرَضْتُ وَرَهَنْتُ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَارْتَهَنْتُ الثَّوْبَ بِهِ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمانها، وكان الصواب: التعبير بـ (الصحيح)؛ فإن الخلاف ضعيف جدًا. قال: (ولا بما سيقرضه) وكذلك بما سيبيعه؛ لعدم الثبوت، لأن الرهن يتبع الدين فلا يصح قبله. وملخص ما في المسألة أربعة أوجه: أصحها: البطلان. والثاني: صحته بعد ثبوت الدين. والثالث: صحته الآن. والرابع: إن لم يتفرقا حتى يتبايعا أو حتى أقرضه .. صح الرهن؛ إلحاقًا للحاصل في المجلس بالمقارن للإيجاب والقبول، ولا خلاف أنه لو قال: إن أقرضتني ألفًا فهذا رهن .. لم يصح. قال: (ولو قال: أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك، فقال: اقترضت ورهنت، أو قال: بعتكه بكذا وارتهنت الثوب به، فقال: اشتريت ورهنت .. صح في الأصح)؛ للحاجة إلى عقده مع العقد على الدين؛ لأنه قد يشترطه فلا يفي به. قال القاضي: فيقدر وجود الثمن وانعقاد الرهن عقبه، كما لو قال: أعتق عبدك عني على كذا؛ فإنه يقدر الملك له ثم يعتق عليه، لاقتضاء العتق تقدم الملك. والثاني –وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك-: لا يصح، وهو القياس؛ لتقدم أحد شقي الرهن قبل ثبوت الدين. وهذا الترتيب الذي أشار إليه –وهو تقدم الخطاب بالبيع أو القرض على الخطاب بالرهن- شرط فيه، فلو قال: ارتهنت وبعت، وقال المشتري: رهنت واشتريت .. لم يصح. قال: (ولا يصح بنجوم الكتابة)؛ لأنها غير لازمة، ولا تؤول إلى اللزوم؛ لأن

وَلَا بِجُعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ. وَيَجُوزُ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَبِالدَّيْنِ رَهْنٌ بَعْدَ رَهْنٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمَرْهُونَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ فِي الْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المكاتب قد يعجز نفسه فتبطل الوثيقة، وحكى الروياني وجهًا: أنه يجوز أخذ الرهن عن دين المكاتب، وهو غريب. قال: (ولا بجعل الجعالة قبل الفراغ)؛ لأن العمل غير لازم. قال: (وقيل: يجوز بعد الشروع)؛ لأنه جرى سبب وجوبه فتجتمع ثلاثة أوجه: ثالثها: يصح بعد الشروع لا قبله. وصورة المسألة: أن يقول: من رد عبدي .. فله دينار، فقال رجل: ائتني برهن وأنا أرده، ومثله: إن رددته .. فلك دينار وهذا رهن به. قال: (ويجوز بالثمن في مدة الخيار)؛ لقربه من اللزوم. قال: (وبالدين رهن بعد رهن) أي: ويجوز إنشاء رهن بعد رهن بالدين الواحد؛ لأنه زيادة في الوثيقة، فهو كما لو رهنهما معًا به؛ فهي زيادة في قدر المرهون. قال: (ولا يجوز أن يرهنه المرهون عنده بدين آخر في الجديد) ولو وفى بالدينين، كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن. والقديم –ونقل عن الجديد أيضًا، واختاره المزني وأبو ثور وابن أبي عصرون-: يجوز كما يجوز على الرهن بدين واحد. والفرق على الأول: أن الرهن مشغول بالدين بخلاف الدين، فالزيادة في الرهن شغل فارغ؛ فصح، والزيادة في الدين شغل مشغول، فلا يصح. وإذا قلنا بالقديم فكان أحد الدينين دراهم والآخر دنانير .. فوجهان في (الإستقصاء): أقيسهما: الجواز. واحترز المصنف عن رهنه عند غيره؛ فإنه لا يجوز قطعًا. ويستثنى من ذلك: ما لو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن ليكون

وَلَا يَلْزَمُ إِلَّا بِقَبْضِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ. وَتَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ الرَّاهِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مرهونًا بالدين والفداء، فأصح الطريقين: القطع بالجواز؛ لأنه تعلق بالرقبة ما كان متعلقًا بها وفيه مصلحة الوثيقة، ولأنه بالجناية صار الرهن جائزًا، ويجري الطريقان: فيما لو أنفق المرتهن بإذن الراهن ليكون مرهونًا بهما. وقوله: (المرهون عنده) منصوب على أنه أحد مفعولي (يرهن). قال: (ولا يلزم إلا بقبضه)؛ لأنه عقد إرفاق يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض كالبيع والقرض، ولقوله تعالى: {فرهن مقبوضة}. وجه الدلالة: أنه وصف الرهن بالقبض، فوجب أن يكون شرطًا في صحته كوصف الرقبة بالإيمان، وبقولنا قال أبو حنيفة. وقال مالك: يلزم الرهن بنفس العقد، وبه قال أحمد إلا في المكيلات والموزونات. وكون الرهن يلزم بالقبض هذا من جهة الراهن، أما المرتهن .. فلا يلزم في حقه بحال، فهو لازم من طرف، جائز من طرف كالكتابة. والمراد بـ (قبضه): القبض المعهود في البيع، لكن لنا صورة يلزم فيها الرهن بقبض المرتهن، ومع ذلك له التوصل إلى نقض لزومه، وهو إذا كان مشروطًا في بيع شرط فيه الخيار للراهن؛ فإنه متى اختار الفسخ .. انفسخ لزوم الرهن. قال: (ممن يصح عقده) أي: يشترط في القابض للرهن أن يكون ممن يصح عقده عليه، فلا يصح ممن لا يصح منه الرهن كالمجنون والصبي، ولا يصح القبض إلا بإذن الراهن، فلو أذن له فجن أو أغمي عليه .. لم يجز أن يقبضه وإن كان الرهن باقيًا بحاله على المذهب. قال: (وتجري فيه النيابة) أي: من الطرفين؛ قياسًا على عقد الرهن. قال: (لكن لا يستنيب الراهن)؛ لئلا يؤدي إلى اتحاد القابض والمقبض، فلو

وَلَا عَبْدَهُ، وَفِي الْمَاذُونِ لَهُ وَجْهٌ، وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ. وَلَوْ رَهَنَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُودَعٍ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ غَاصِبٍ .. لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إِمْكَانِ قَبْضِهِ، وَالأَظْهَرُ: اشْتِرَاطُ إِذْنِهِ فِي قَبْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كان الراهن وكيلًا في الرهن فقط فوكله المرتهن في القبض من المالك .. فعبارة المصنف تقتضي المنع، والمعروف: الجواز؛ لانتفاء ما سلف، وهي واردة على إطلاقه. قال: (ولا عبده) أي: عبد الراهن، قنًا كان أو مدبرًا أو مأذونًا له أو أم ولد؛ لأن يدهم كيده. قال: (وفي المأذون له وجه)؛ لانفراده باليد والتصرف. وفي وجه ثالث: إن كان قد ركبته الديون .. صحت استنابته، وإلا .. فلا. قال: (ويستنيب مكاتبه)؛ لأنه معه كالأجنبي، والظاهر: أن المبعض كالمكاتب، وينبغي اعتبار زمن الاستنابة، فإن وافق نوبته .. صح، أو نوبة سيده .. فلا. قال: (ولو رهن وديعة عند مودع أو مغصوبًا عند غاصب .. لم يلزم ما لم يمض زمن إمكان قبضه)؛ لأن القبض لا يحصل إلا بالاستفتاء أو التمكن منه كالإجارة، ولا يشترط ذهابه إليه على ما صححه البغوي والرافعي. وقيل: يشترط، وصححه الأكثرون. وقيل: إن أخبره ثقة ببقائه .. لم يجب، وإلا .. وجب. وعن حرملة: أنه لا يحتاج إلى مضي زمان، ورد الأصحاب هذا النقل عليه. قال: (والأظهر: اشتراط إذنه في قبضه)؛ لأن اليد كانت عن غير جهة الرهن، ولم يقع تعرض للقبض بحكم الرهن.

وَلَا يُبْرِئُهُ ارْتِهَانُهُ عَنِ الْغَصْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لايشترط؛ لأن العقد مع صاحب اليد يتضمن الإذن. قال: (ولا يبرئه ارتهانه عن الغصب)؛ لأن الدوام أقوى من الابتداء، ودوام الرهن لا يمنع الضمان بالتعدي في المرهون ويبقى الرهن بحاله فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان أولى، بخلاف البيع؛ فإنه يزيل الملك. وقال الأئمة الثلاثة والمزني: يبرأ بالارتهان، وإذا أراد المرتهن البراءة .. فطريقه أن يرده إلى الراهن ثم يسترده بحكم الرهن، فلو امتنع الراهن من أخذه .. ففي إجباره وجهان. وعلى المذهب: لا تبرئه إجارة وتوكيل وقراض وتزويج. ورهن العارية والمستام والمقبوض بالشراء الفاسد عند صاحب اليد كرهن المغصوب، فلا يختص الحكم بالارتهان ولا بالغصب. ولو صرح بإبراء الغاصب عن ضمان الغصب والمال باق في يده .. ففي براءته ومصير يده أمانة وجهان: أصحهما عند الرافعي: لا يبرأ، وصحح المصنف: أنه يبرأ. فرع: يجوز اجتماع الرهن والإجارة عندنا، فلو عقد على عين رهنًا وإجارة وأذن له في القبض .. صارت مقبوضة عنهما، وكذا إن أذن في القبض عن الرهن فقط؛ لأن قبض الإجارة مستحق لا يفتقر إلى إذن، وإن أذن في القبض عن الإجارة فقط .. لم يصر مقبوضًا عن الرهن.

وَيُبْرِئُهُ الإِيدَاعُ فِي الأَصَحِّ. وَيَحْصُلُ الرُّجُوعٌ عَنِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَكِتَابَةٍ وَكَذَا تَدْبِيرُهُ فِي الأَظْهَرِ، وَبِإِحْبَالِهَا، لَا وَطْءٍ وَتَزْوِيجٍ. وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ جُنَّ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ .. لَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويبرئه الإيداع في الأصح)؛ لأن مقصود الإيداع: الائتمان، والضمان والأمانة لا يجتمعان. قال: (ويحصل الرجوع عن الرهن قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة)؛ لزوال محل الرهن. قال: (وبرهن مقبوض)؛ لتعلق حق الغير، وإنما أتى بحرف الجر، ليخرجه عن أن يكون من أمثلة ما يزيل الملك. وتقييد الكتاب و (الروضة) و (أصليهما) الرهن والهبة بالقبض يقتضي: أنهما قبل القبض ليسا رجوعًا، والنص: أنه رجوع، وعلى تخريج الربيع: لا يكون رجوعًا. قال: (وكتابة)؛ لتعلق حق الغير. قال: (وكذا تدبيره في الأظهر)؛ لأن مقصود التدبير العتق وهو ينافي الرهن. والثاني –وهو مخرج-: لا؛ لأن الرجوع عن التدبير ممكن، وتعليق العتق كالتدبير. ولو أجره إلى مدة تنقضي قبل الحلول .. لم يكن رجوعًا، أو بعده، فإن جوزنا بيع المستأجر .. فليس برجوع، وإلا .. فرجوع في الأصح. قال: (وبإحبالها)؛ لامتناع بيعها. قال: (لا وطء وتزويج)؛ لعدم منافاتها للرهن، سواء كان المزوج عبدًا أو أمة. قال: (ولو مات العاقد قبل القبض أو جن أو تخمر العصير أو أبق العبد .. لم يبطل الرهن في الأصح) أما في الموت .. فلأنه عقد مصيره إلى اللزوم فلا يتأثر بالموت.

وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ– لَكِنْ فِي إِعْتَاقِهِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا: يَنْفُذُ مِنَ الْمُوسِرِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: ينفسخ؛ لأنه عقد جائز كالوكالة. وأما إذ جن أحد المتعاقدين أو أغمي عليه .. فذلك مرتب على موته، فإن قلنا: لا ينفسخ بالموت .. فهنا أولى أن لا ينفسخ، وإن قلنا: ينفسخ به .. فههنا وجهان. ولو طرأ على أحدهما حجر سفه أو فلس .. فكالجنون. والعصير إذا تخمر قبل القبض .. الصحيح: لا يبطل كما بعد القبض. والثاني: يبطل؛ لضعف الرهن وعدم لزومه، فإن تخمر بعد قبضه .. فالصحيح: بطلان الرهن؛ لخروجه عن المالية. وقيل: إن عاد .. بان أن الرهن لم يبطل. وإباق العبد المرهون قبل القبض كذلك؛ لأنه باق على ملك المالك فلم يبطل الرهن. وقيل: يبطل؛ لأنه عاد إلى حالة تمنع ابتداء الرهن. ولو ماتت الشاة المرهونة فدبغ جلدها .. لم يعد رهنًا على الأصح؛ لأن ماليته بالمعالجة بخلاف الخل. قال: (وليس للراهن المقبض تصرف يزيل الملك)؛ لأنه لو جاز .. لبطل معنى التوثق. هذا إذا لم يكن التصرف معه أو بإذنه، فإن كان كذلك .. فسيأتي. ملغزة: لنا مرهون: يباع بغير إذن المرهون عنده جزمًا، وهو المستعار ليرهن إذا بيع من الراهن الذي استعاره؛ فإنه يصح بغير إذن المرهون عنده جزمًا؛ لعدم تفويت الوثيقة في ذلك. قال: (لكن في إعتاقه أقوال، أظهرها: ينفذ من الموسر)؛ لأنه عتق في ملكه

وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ عِتْقِهِ رَهْنًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ يبطل به حق غيره فاختلف فيه الموسر والمعسر، كالعتق في العبد المشترك، وبه قال مالك. والثاني: ينفذ مطلقًا؛ لأنه مالكه، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. والثالث: لا ينفذ مطلقًا؛ لأجل الحجر، وبه قال عطاء. ومحل الأقوال: ما إذا لم يعتقه عن كفارة غيره، فإذا أعتقه عنها .. لم يصح، كذا قاله في (الروضة)، ولا يرد؛ لأنه بيع ضمني. واحترز بقوله: (في إعتاقه) عن الحكم بإعتاقه لا بإعتاق الراهن له بل بالسراية، كما إذا رهن نصف عبد ثم أعتق الآخر أو أطلق .. فالأصح: أنه يعتق ويسري إلى النصف المرهون، لكن يشترط اليسار على الأصح. وقوله: (ينفذ) بضم الفاء وبالذال المعجمة. أما إذا أضاف العتق إلى النصف المرهون .. ففيه الأقوال الثلاثة في عتق الراهن، ومسألة عتق الراهن هي التي بحث فيها الشافعي مع فتيان فكانت سبب موته شهيدًا رضي الله عنه. ووقف المرهون باطل على المذهب، وقيل: على الأقوال. قال: (ويغرم قيمته) أي: إذا نفذ من الموسر .. غرم القيمة؛ جبرًا لحق المرتهن. قال: (يوم عتقه)؛ لأنه وقت الإتلاف والأكثرون قطعوا بأنه يعتق بنفس اللفظ. وقيل: بدفع القيمة. وقيل: موقوف، إن دفع .. حكمنا بأنه عتق من حين الإعتاق، وإن لم يدفع .. حكمنا بأنه لم يعتق حالة الإعتاق. قال: (رهنًا) أي: من غير إنشاء عقد لذلك؛ لقيامها مقام الرهن، وعبارة الكتاب أحسن من قول (المحرر) و (الشرح) و (الروضة) و (التنبيه): ويجعل رهنًا مكانه، وهل يوصف بالرهن قبل الغرم وهي في ذمة المعتق؟ يظهر: أن يكون كالأرش في ذمة الجاني، والأرجح فيه: أنه مرهون.

فَإِنْ لَمْ نُنْفِذْهُ فَانْفَكَّ .. لَمْ يَنْفُذْ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بَصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ رَهْنٌ .. فَكَالإِعْتَاقِ، أَوْ بَعْدَهُ .. نَفَذَ عَلَى الصَّحِيحِ- وَلَا رهْنُهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا التَّزْوِيجُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن لم ننفذه فانفك .. لم ينفذ في الأصح)؛ لأنه أعتق في حال لا ينفذ فيها إعتاقه، فأشبه ما لو أعتق المحجور عليه بسفه ثم زال حجره. والثاني: ينفذ؛ لزوال المانع، وكان الصواب: التعبير بالأظهر؛ لأنهما قولان منصوصان. قال: (ولو علقه بصفة) أي: علق الراهن العتق بصفة (فوجدت وهو رهن .. فكالإعتاق) فتأتي فيه الأقوال؛ لأن التعليق مع الصفة كالتنجيز، والمراد: أنه علقه بعد الرهن، أما لو علق قبله .. فقد سبق في الكتاب تصحيح بطلان الرهن. قال: (أو بعده .. نفذ على الصحيح)؛ لأنه لا يبطل حق المرتهن. والثاني: لا ينفذ؛ إبطالًا للتعليق مطلقًا. والوجهان كالوجهين فيما إذا قال العبد: إن فعلت كذا فأنت طالق ثلاثًا، ثم عتق، ثم فعله .. تقع الطلقة الثالثة في الأصح. هذا إذا لم توجد الصفة إلا بعد الفكاك، فلو وجدت أيضًا وهو رهن ولم يحكم بالعتق بالإعسار .. فإن اليمين تنحل فلا يعتق بوجودها بعده. فرع: المبعض إذا كان له على سيده دين فرهن عنده نصفه .. صح، ولا يجوز إعتاقه إلا بإذنه كالمرتهن الأجنبي. قال: (ولا رهنه لغيره)؛ لمزاحمة حق الأول فيفوت مقصود الرهن، أما رهنه منه .. فقد تقدم. قال: (ولا التزويج) عبدًا كان أو أمة؛ لما فيه من تنقيص القيمة خلية كانت عند الرهن أو مزوجة، وسواء زوجها لزوجها الأول أم لغيره.

وَلَا الإِجَارَةُ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَحِلُّ قَبْلَهَا، وَلَا الْوَطْءُ، فَإِنْ وَطِئَ .. فَالْوَلَدُ حُرٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتجوز الرجعة؛ لقدم حق الزوج وتقديمه على حق السيد. ولو قلنا: إن الرجعة ابتداء نكاح، فإن خالف فزوج العبد أو الأمة المرهونين .. فالنكاح باطل؛ لأنه ممنوع منه قياسًا على البيع. وقال أبو حنيفة: يجوز التزويج. قال: (ولا الإجارة إن كان الدين حالًّا أو يحل قبلها)؛ لأن الرغبة فيها تقل وتنقص قيمتها بذلك. هذا إذا أجرها لغيره بغير إذنه، فإن أجرها له أو بإذنه .. صح واستمر الرهن. واحترز بذلك عما إذا حل بعدها أو معها، والأصح: الصحة، وقيل: تصح مطلقًا، وقيل: تبطل في الزائد، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة، وبهذا جزم الماوردي، واختاره الشيخ. ووقع في (الشرحين) و (الروضة) التعبير عن هذا الوجه بالعكس، وهو خلاف الصواب، وشرط جواز الإجارة: أن يكون المستأجر عدلًا، وكذلك الإعارة أيضًا. قال: (ولا الوطء) صغيرة كانت أم كبيرة، بكرًا أم ثيبًا، عزل أم لا، لأن البكر تنقص قيمتها بالافتضاض، والثيب قد تموت من الطلق، وإذا عزل .. فقد يسبق الماء. وفي وجه ضعيف: يجوز الوطء إن أمن الحبل كالصغيرة والآيسة والحامل من الزنا. وقال ابن أبي عصرون: إذا كانت دون تسع سنين .. فلا منع مطلقًا. قال: (فإن وطئ .. فالولد حر) بلا خلاف؛ لأنها علقت به في ملكه، ولا قيمة عليه؛ لأن المرتهن لا حق له في ولد المرهونة بحال ولا حد عليه، لكن يعزر لوطئه وإن لم تحبل، ولا يجب عليه حد ولا مهر، لكن عليه أرش البكارة إذا كان بكرًا وتكون رهنًا، فإن أفضاها .. وجب عليه قيمتها، ثم يتخير الراهن في ذلك، فإن شاء .. جعله له رهنًا، وإن شاء .. صرفه إلى قضاء الدين.

وَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيَلَادِ أَقْوَالُ الإِعْتَاقِ، فَإِنْ لَمْ نُنْفِذُهُ فَانْفَكَّ .. نَفَذَ فِي الأَصَحِّ. فَلَوْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ .. غَرِمَ قِيمَتَهَا رَهْنًا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي نفوذ الاستيلاد أقوال الإعتاق) بل هو أولى بالنفوذ عند الأكثرين؛ لأن إحبال المجنون والسفيه نافذ وإعتاقهما لا ينفذ، وكذا إحبال الأب جارية ابنه نافذ. قال: (فإن لم ننفذه فانفك .. نفذ في الأصح) وهذا بخلاف العتق؛ لما تقدم من قوة الإحبال. وقيل: هو كما لو بيعت ثم ملكها، وقد قال فيما لو بيعت ثم عادت إلى ملكه .. نفذ الاستيلاد في الأظهر، لكن كان ينبغي له أن يقول: نفذ على المذهب، كما قاله في (الروضة). قال: (فلو ماتت بالولادة .. غرم قيمتها رهنا في الأصح)؛ لأنها هلكت بسبب تعديه. والثاني: لا تجب عليه القيمة؛ لأن إضافة الهلاك إلى الوطء بعيدة، وإضافته إلى شدة الطلق أقرب. وقوله: (رهنًا) أي: من غير إنشاء رهن، ولا يبعد إجراء وجه فيه، والخلاف جار: فيما لو أولد أمة غيره بشبهة وماتت بالولادة، والأصح: الوجوب. ولو كانت حرة .. لم تجب الدية على الأصح؛ لأن الوطء سبب ضعيف والحر لا يدخل تحت اليد، وحيث أوجبنا القيمة .. فالأصح: قيمة يوم الإحبال؛ لأنه سبب التلف. والثاني: قيمة يوم الموت. والثالث: أقصى القيم من الإحبال إلى الموت. ومع قولنا: لا يثبت الاستيلاد .. لا تباع وهي حامل؛ لأنها حامل بحر، ولا بعد الولادة حتى تسقي ولدها اللبأ، وإذا سقته ولم يوجد من ترضعه .. لم تبع حتى توجد غيرها؛ خوفًا من أن يهلك الولد.

وَلَهُ كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُهُ كَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنى، لَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ، فَإِنْ فَعَلَ .. لَمْ يَقْلَعْ قَبْلَ الأَجَلِ، وَبَعْدَهُ يَقْلَعُ إِنْ لَمْ تَفِ الأَرْضُ بالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِهِ، ثُمَّ إِنْ أَمْكَنَ الاِنْتِفَاعُ بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ .. لَمْ يَسْتَرِدَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وله) أي: للراهن (كل انتفاع لا ينقصه كالركوب والسكنى)؛ لما روى الدارقطني [3/ 34] والحاكم [2/ 58] والبيهقي [6/ 38] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرهن مركوب ومحلوب). وفي (البخاري) [2512]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة). وقوله: (ينقصه) الأفصح فيه التخفيف على وزن: أكله يأكله، قال تعالى: {ثم لم ينقصوكم شيئًا}، وكذا ضبطه المصنف بخطه. قال: (لا البناء والغراس)؛ لنقص قيمة الأرض بهما. وفي وجه في (النهاية): يجوز إذا كان الدين مؤجلًا. قال: (فإن فعل .. لم يقلع قبل الأجل)؛ لأنه قد يقضي الدين من غير الأرض. وقيل: يقلع؛ لأنه وضع غير مستحق، وبه جزم الغزالي. قال: (وبعده) أي: بعد حلول الأجل (يقلع إن لم تف الأرض بالدين وزادت به) أي: بالقلع، ولم يأذن الراهن، أي: في بيع الغراس مع الأرض؛ لتعلق حق المرتهن بأرض فارغة، فإن أذن في بيع الغراس .. لم يقلع، ويباعان ويوزع الثمن عليهما، ويحسب النقصان على الغراس. وكذا لو حجر على الراهن بالفلس .. لم يقلع بحال؛ لتعلق حق الغرماء بل يباعان ويوزع الثمن عليهما، فما قابل الأرض .. اختص به المرتهن، وما قابل الأشجار .. قسم بين الغرماء، فإن نقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار .. حسب النقص على الشجر؛ لأن حق المرتهن في الأرض فارغة. قال: (ثم إن أمكن الانتفاع بغير استرداد .. لم يسترد) أي: من المرتهن، كما

وَإِلَّا .. فَيَسْتَرِدُّ، وَيُشْهِدُ إِنِ اتَّهَمَهُ، وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا رهن عبدًا له صنعة يمكن أن يعملها عند المرتهن فأراد السيد أن يعملها عنده، فإنه لا يمكن؛ لأن اليد للمرتهن كما سيأتي. قال: (وإلا .. فيسترد)؛ للحاجة إلى ذلك، كما إذا رهن دارًا أو عبدًا لا يحسن إلا الخدمة، أو كان يحسن الصنعة ولم يرد السيد إلا الاستخدام .. استخدمه نهارًا ويرده إلى المرتهن ليلًا، ويكون ذلك في الوقت الذي جرت العادة بالراحة فيه كالأمة المزوجة. وشرط جواز الاسترداد في الأمة: أن يؤمن غشيانها كمحرم، أو كان ثقة وله أهل. قال: (ويشهد إن اتهمه) فيشهد شاهدين: أنه أخذه للانتفاع، فإن وثق به .. لم يكلف الإشهاد في الأصح؛ لما فيه من المشقة. فروع: يجوز ختان العبد الصغير إن كان في وقت يندمل الجرح قبل حلول الدين، وأما ختان الكبير .. فقال المتولي ونصر المقدسي وشيخه سليم وابن داوود: يجوز أيضًا، وفي (التهذيب): أنه لا يجوز، وقال المصنف: إنه ظاهر النص، وفيه نظر، والمختار: الجواز. وليس للراهن المسافرة بالعين المرهونة بحال وإن قصر سفره؛ لما فيه من الخطر، ويمنع من زرع الأرض إن ضر، وإلا؛ فإن كان يحصد قبل محل الدين .. جاز، وإن لم يحصد إلا بعده .. فقولان: أصحهما: المنع؛ لقلة الرغبة في الأرض المزروعة. قال: (وله بإذن المرتهن ما منعناه) فيحل الوطء، ويصح التزويج والإعتاق وغيرها من الانتفاعات إذا أذن فيها؛ لأن المنع كان لحقه وقد زال بإذنه.

وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ .. فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ. وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ لِيُعَجِّلَ الْمُؤَجَّلَ مِنْ ثَمَنِهِ .. لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقتضى إطلاقه: جواز الرهن بالإذن، ويجعل فسخًا للرهن السابق، فإن كان كذلك .. فيشكل عليه ما سبق من منع رهنه عند المرتهن بدين آخر؛ فإن ارتهانه يتضمن الرضا به، فينبغي أن يصح ويكون فسخًا، وقد صرح الإمام وغيره بأن البيع وغيره من التصرفات مع المرتهن جائز؛ لأنه في معنى الإذن، لكن إذا ابتدأ الراهن بالإيجاب .. ففي الصحة تردد حكاه الإمام عن شيخه؛ لأنه لم يكن إذ ذاك مأذونًا له فيه، وحكى فيه في (البسيط) وجهين. قال: (وله الرجوع قبل التصرف الراهن) كما للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل، وإذا رجع .. فالتصرف بعده تصرف بغير إذن. نعم؛ يستثنى منه: ما إذا وهب ولم يقبض، أو وطئ ولو تحبل .. فله الرجوع؛ ليمتنع الوطء بعده. وأفهمت عبارة المصنف: أنه إذا باع بشرط الخيار فرجع المرتهن .. لم يصح رجوعه ولم يبطل البيع، وهو كذلك على الأصح. قال: (فإن تصرف جاهلًا برجوعه .. فكتصرف وكيل جهل عزله) وفيه وجهان: الأصح: عدم النفوذ كما سيأتي في بابه. قال: (ولو أذن في بيعه ليعجل المؤجل من ثمنه .. لم يصح البيع) المراد: إذا شرط ذلك لفظًا .. يفسد العقد؛ لأنه شرط في الإذن شرطًا فاسدًا فأبطله، أما إذا قصده ولم ينطق به .. فلا يلتفت إليه، فلو نطق به لا على صورة الشرط، بل أتى بما اقتضته عبارة المصنف فقال: أذنت لك في بيعه لتعجل المؤجل .. قال الشيخ: فالذي

فصل

وَكَذَا لَوْ شَرَطَ رَهْنَ الثَّمَنِ فِي الأَظْهَرِ. فَصْلٌ: إِذَا لَزِمَ الرَّهْنُ .. فَالْيَدُ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يظهر: أن هذا ليس بشرط ولا يلتفت إليه أيضًا، ويكون الإذن صحيحًا والبيع صحيحًا؛ لأنه ليس فيه إلا التصريح بقصده، وأنه الحامل له على الإذن وذلك لا يقتضي اشتراطًا. قال: (وكذا لو شرط رهن الثمن في الأظهر) أي: أذن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهنًا مكانه .. لم يصح؛ لأن الثمن مجهول عند الإذن، كذا علله الرافعي وغيره، ومقتضى هذه العلة: أن الثمن لو كان معلومًا .. صح. والثاني: يصح؛ لأن الرهن قد ينتقل من العين إلى البدل. قال الشيخ: ومحل القولين: إذا كان الدين مؤجلًا سواء شرط كون الثمن رهنًا أم جعله رهنًا، فلو كان حالًا وشرط كون ثمنه رهنًا .. فيصح قطعًا؛ لأنه زاد تأكيدًا، لأن ذلك حكمه إذا أطلق الإذن، وفي المؤجل إذا أطلق الإذن .. بطل الرهن بالبيع. تتمة: يجرى القولان: فيما إذا أذن له في الإعتاق بشرط جعل القيمة رهنًا، أو في الوطء بهذا الشرط إن أحبل، وإذا اختلفا في الإذن بعد البيع فقال المرتهن: أذنت في البيع بشرط أن يرهن الثمن، وقال الراهن: بل مطلقًا .. فالقول قول المرتهن بيمينه، كما لو اختلفا في أصل الإذن. قال: (فصل: إذا لزم الرهن .. فاليد فيه للمرتهن)؛ لأن الثقة بالتوثق إنما تحصل بجعله في يده، لكن يستثنى: ما لو رهن عبدًا مسلمًا، أو مصحفًا من كافر، أو سلاحًا من حربي .. فإنه يوضع عند عدل.

وَلَا تُزَالُ إِلَّا لِلِانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ .. جَازَ، أَوْ عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوِ الِانْفِرَادِ بِهِ .. فَذَاكَ، وَإِنْ أَطْلَقَا .. فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ أَوْ فُسِّقَ .. جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ، وَإِنْ تَشَاحَّا .. وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو رهن جارية، فإن كانت محرمًا له أو طفلة، أو كان المرتهن امرأة، أو أجنبيًا ثقة وعنده زوجة أو امرأة أو نسوة ثقات .. وضعت عنده، وإلا .. فعند محرم لها أو امرأة ثقة أو عدل بالصفة المذكورة، والخنثى كالجارية لكن لا يوضع عند امرأة. قال: (ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق)؛ جمعًا بين الحقين. قال: (ولو شرطا وضعه عند عدل .. جاز)؛ لأن كلًا منهما قد لا يثق بالآخر ويثق بثالث، وكما يتولى العدل الحفظ يتولى القبض أيضًا. وعبارة (الشرحين)، و (الروضة): في يد ثالث، وهو الصواب؛ فإن الفاسق كالعدل في ذلك، ولا يجوز له أن يسلمه لأحدهما إلا بإذن الآخر، ولا إلى ثالث بغير إذنهما، فإن فعل .. ضمن، ولو كانا غائبين وأراد السفر ولا وكيل لهما .. فحكم تسليمه إلى حاكم حكم الوديعة. قال: (أو عند اثنين ونصا على اجتماعهما على حفظه أو الانفراد به .. فذاك) أي: فيتبع الشرط. قال: (وإن أطلقا .. فليس لأحدهما الانفراد في الأصح)؛ لعدم الرضا بيد واحد. والثاني: يجوز؛ لما في الاجتماع على الحفظ من المشقة. قال: (ولو مات العدل أو فسق .. جعلاه حيث يتفقان، وإن تشاحا .. وضعه الحاكم عند عدل)؛ قطعًا للمنازعة. وكذا إن كان فاسقًا فزاد فسقه، أو كان غير فاسق ولكن تبين عجزه؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما. وكذا لو اتفقا على إبقائه عنده وقد طرأ فسقه، أو اتفقا على نقله عنه من غير تغير حال .. جاز.

وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة التشاح قد تستشكل؛ لأنه إن كان قبل القبض .. فالتسليم غير واجب وإجبار الحاكم إنما يكون في واجب، وإن كان بعده .. فلا يجوز نزعه ممن هو في يده. والجواب: أنها مصورة بما إذا وضعاه عنده ففسق أو مات، كما هو ظاهر كلام المصنف. فرع: لو مات المرتهن أو تغير حاله والرهن عنده .. كان للراهن نقله إلى آخر، وليس عليه الرضا بيد وارثه وإن ساوى مورثه في العدالة، فيضعه الحاكم عند عدل. وقيل: لا تزال يدهم، بل يضم إليهم غيرهم إن طلبه الراهن. قال: (ويستحق بيع المرهون عند الحاجة)؛ لأن ذلك فائدة الرهن. واستنبط ابن الرفعة من استحقاق البيع: أنه لا يجب على الراهن الوفاء من غير الرهن كما صرح به الإمام، واستشكله الشيخ عز الدين في (مختصره)؛ لما فيه من تأخير الحق الواجب على الفور بسبب الرهن، ورده الشيخ عليه، وأختار: أنه يجب الوفاء إما من الرهن، وإما من غيره إذا كان أسرع وطالب المرتهن به .. فإنه يجب؛ تعجيلًا للوفاء، وكذلك يستحق بيع المرهون عند الإشراف على التلف قبل الحلول. ووقع في (الفتاوى): أن رجلًا رهن دارًا بدين عليه، ثم غاب وله دار أخرى غير مرهونة، فادعى المرتهن على الغائب عند الحاكم وأثبت الدين والرهن، وكانت كل من الدارين يمكن وفاء الدين من ثمنها، فترك القاضي الدار المرهونة وباع التي ليست بمرهونة؟. فاختبط الفقهاء في ذلك:

وَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ، وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَاذَنْ .. قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: تَاذَنُ أَوْ تُبْرِئُ. وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ .. أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ .. بَاعَهُ الْحَاكِمُ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ فمن قائل بالجواز؛ لأن الواجب الوفاء من مال المديون ولا فرق في ذلك بين المرهون وغيره، كما لو لم يكن بالدين رهن. ومن قائل بعدم الجواز؛ لأن بيع الرهن مستحق وبيع غيره غير مستحق ولا وجه لبيع غير المستحق مع إمكان بيع المستحق. وأفتى الشيخ بأن للحاكم بيع ما يرى بيعه من المرهون وغيره؛ لأن له ولاية على الغائب فيفعل ما يراه مصلحة. وإن كان للغائب نقد حاضر من جنس الدين وطلب المرتهن .. فإنه يوفى منه ويأخذ الرهن، وكذلك إذا كان بيع الرهن أروج .. فإنه يباع دون غيره إذا لم يكن نقد حاضر وطلبه المشتري. قال: (ويقدم المرتهن بثمنه)؛ لأن حقه كان معلقًا به وبالذمة. قال: (ويبيعه الراهن)؛ لأنه المالك. قال: (أو وكيله)؛ لأنه قائم مقامه. قال: (بإذن المرتهن)؛ لاشتراكهما في الحق، ووكيل المرتهن كالمرتهن. قال: (فإن لم يأذن) وأراد الراهن بيعه (.. قال له الحاكم: تأذن أو تبرئ)؛ دفعًا لضرر الراهن. قال: (ولو طلب المرتهن بيعه فأبى الراهن .. ألزمه القاضي قضاء الدين أو بيعه) وذلك بالحبس ثم بالتعزير. وقال أبو حنيفة: لا يبيعه بل يحبسه إلى أن يبيع. قال: (فإن أصر .. باعه الحاكم)؛ دفعًا للضرر، فإن كان الراهن غائبًا .. أثبت

وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ بَاعَ بِحَضْرَتِهِ .. صَحَّ، وَإِلَّا .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك عند الحاكم ليبيعه، فإن لم تكن بينة أو لم يكن حاكم .. فله بيعه بنفسه كمن ظفر بمال من له عليه دين وهو جاحد. حادثة: رجل رهن عينًا بدين مؤجل وغاب من له الدين، فأحضر الراهن المبلغ إلى الحاكم وطلب منه قبضه ليفك الرهن .. هل له ذلك؟ أجاب الشيخ بأن له ذلك ويجب عليه؛ لما روى الشافعي [أم 3/ 137] عن أنس رضي الله عنه: أنه كاتب غلامًا، فأتى الغلام بالنجوم وأراد إقباضها ليعجل له العتق، فامتنع أنس رضي الله عنه، فأتى المكاتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر له ذلك، فأمره عمر رضي الله عنه بأخذها منه. وسيأتي نظير هذا في (باب الكتابة) عن أبي سعيد المقبري. قال: (ولو باعه المرتهن بإذن الراهن .. فالأصح: أنه إن باع بحضرته .. صح، وإلا .. فلا)؛ لأنه يبيعه لغرض نفسه فيتهم في الاستعجال وعدم الاحتياط. والثاني: يصح مطلقًا، وبه قال الأئمة الثلاثة، واختاره الشيخ، كما لو أذن له في بيع غيره من أمواله. والثالث: لا يصح مطلقًا؛ لأنه توكيل فيما يتعلق بحق نفسه. كل هذا إذا لم يقدر الثمن، فإن قدره، فمن علل بالاستحقاق .. فالمنع مستمر، ومن علل بالتهمة .. صح وهو الأصح، ولو كان الدين مؤجلًا .. انتفى الأمران فيصح في حضرته وغيبته. وحيث صححنا إذنه، فإن قال: بعه لي .. صح، وإن قال: بعه لنفسك .. لم

وَلَوْ شُرِطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ .. جَازَ، وَلَا تُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ فِي الأَصَحِّ. فَإِذَا بَاعَ .. فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ. وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ يصح في الأصح، وإن أطلق .. فالأصح: الصحة. وإذن السيد للمجني عليه في بيع العبد الجاني، وإذن الوارث للغرماء في بيع التركة كإذن الراهن للمرتهن. قال: (ولو شرط أن يبيعه العدل .. جاز) أي: صح الشرط سواء كان الدين حالًا أو مؤجلًا. فلو عزله الراهن .. انعزل، أو المرتهن .. فلا في الأصح؛ لأنه وكيل الراهن وإذن المرتهن شرط فيه. قال: (ولا تشترط مراجعة الراهن في الأصح)؛ استصحابًا لحكم الإذن الأول. والثاني: يشترط؛ لأنه قد يكون له غرض في استبقائه وقضاء الحق من غيره. واحترز بـ (الراهن) عن المرتهن؛ فإنه لابد من مراجعته، لأنه ربما أمهل أو أبرأ، كذا جزم به العراقيون. وقال الإمام: لا خلاف أن المرتهن لا يراجع؛ لأن غرضه توفية الحق، بخلاف الراهن؛ لما تقدم، وبيَّن في (المهمات) تبعًا للشيخ: أنه لا تنافي بين الطريقين. قال: (فإذا باع .. فالثمن عنده من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن)؛ لأنه ملكه. وقال أبو حنيفة ومالك: هو من ضمان المرتهن، ولو ادعى العدل تلفه .. قُبل قوله كالمودع. قال: (ولو تلف ثمنه في يد العدل ثم استحق المرهون، فإن شاء المشتري ..

رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، وَإِنْ شَاءَ .. عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ إِلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ رجع على العدل)؛ لوضع يده (وإن شاء .. على الراهن، والقرار عليه)؛ لأنه ألجأ المشتري شرعًا إلى التسليم للعدل بحكم توكيله. والمراد بـ (التلف في يد العدل): أن يكون ذلك بغير تفريط، فإن فرط .. اقتصر الضمان على العدل. هذا إذا لم يكن العدل مأذونًا له من جهة الحاكم لموت الراهن أو غيبته، فإن كان .. فالأصح: أن المشتري يرجع على الراهن فقط إن كان حيًا، وإلا .. ففي تركته، ولا يكون العدل طريقًا في الضمان؛ لأنه نائب عن الحاكم، فإن كان البائع الحاكم .. لم يطالب به قطعًا ابتداء ولا قرارًا. فرع: انتهى الثمن إلى يد الراهن وتلف في يده وخرج المبيع مستحقًا .. طالب المشتري الراهن قطعًا، وأما الوكيل، فإن لم يمر الثمن بيده .. لا مطالبة عليه، وإن مر بيده .. فوجهان: أصحهما: يطالب والقرار على الراهن، وهذا الفرع كثيرًا ما يلتبس على الحكام، وسيأتي في (الوكالة). قال: (ولا يبيع العدل إلى بثمن مثله حالًّا من نقد بلده) كالوكيل، هذا عند إطلاق الإذن، فلو باع بأقل من ثمن المثل بقدر يسير في العرف .. صح، وإلا .. فلا. وعبارته توهم: أن الراهن والمرتهن ليسا كذلك، والمتجه: إلحاقهما به، فلو قال: ولا يباع .. لكان أعم، وقد يقال: إنهما إذا اتفقا على بيعه بشيء .. لا اعتراض عليهما؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما.

فَإِنْ زَادَ رَاغِبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ .. فَلْيَفْسَخْ وَلْيَبِعْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن زاد راغب قبل انقضاء الخيار .. فليفسخ وليبعه) سواء كان خيار مجلس أو شرط، وهو أحسن من قول (المحرر) و (الشرح): قبل التفرق. والمراد: أنه لا ينفسخ بمجرد الزيادة وهو كذلك في الأصح، لكن لا يبادر إليه إلا بعد ظهور استقرار الزيادة، فإن ظهر له استقرارها فلم يفسخ .. انفسخ في الأصح. ولو باع العدل من الراغب ولم يفسخ .. صح على الأصح، بل قد يقال: البيع بدون الفسخ أولى؛ لأنه قد يفسخ فيرجع الراغب، فلو قال له: تخير بين الفسخ وبين البيع بلا فسخ .. كان أولى. وإذا قلنا بالأصح فلم يعلم الوكيل حتى انقضى الخيار والزيادة مستقرة .. قال الشيخ: فالأقرب: أنه يبين الفسخ، لكن لم أر من صرح به. حادثة: رجل عليه دين رهن به كرمًا، وحل الدين وهو غائب، وأثبت صاحب الدين الإقرار والرهن والقبض وغيبة الراهن، وثبت عند الحاكم: أن قيمته قدر الدين، فأذن في تعويضه للمرتهن عن دينه، ثم بعد مدة قامت بينة: أن قيمته يوم التعويض أكثر، وكان يوم التعويض يوم التقويم الأول. أجاب الشيخ: يستمر التعويض ولا يبطل بقيام البينة الثانية مهما كان التقويم الأول محتملًا؛ لأنه بيع في دين واجب على صاحبه فلا يبطل بالبينة المعارضة، ولأن فعل هذا المأذون كفعل الحاكم، وقد اختلف فيه هل هو حكم أو لا؟ وعلى كل تقدير لا يجوز نقضه إلا بمستند، والبينة المعارضة لا تصح مستندًا.

وَمُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومؤنة المرهون على الراهن) بالإجماع، ولا يقدح في ذلك قول الحسن بن صالح: إنها على المرتهن. وشملت عبارته: النفقة والكسوة والعلف والسقي وتجفيف الثمار وأجرة الإصطبل والبيت الذي يحفظ فيه المتاع. قال: (ويجبر عليها لحق المرتهن على الصحيح)؛ استبقاءً للوثيقة. والمراد: أنه يجبر عليها من ماله لا من الرهن. والثاني: لا يجبر، لكن يبيع الحاكم عند امتناعه جزءًا من المرهون بحسب الحاجة، فلو كانت المؤنة تستغرقه قبل الأجل .. بيع ورهن ثمنه. وقوله: (لحق المرتهن) أشار بذلك إلى أن له المطالبة بها، وكان الأحسن حذف (الواو) أو حذفها وما عطفته؛ لأنه حشو، وجزم الأكثرون بأن الراهن لا يجبر على المداواة، وأجرى المتلوي فيها الوجهين. والظاهر: أنه لا فرق بين المداواة عن جراحة أو مرض. قال: (ولا يمنع الراهن من مصلحة المرهون كفصد وحجامة) أي: عند الحاجة إليهما؛ لأنه يحفظ به ملكه، وكذلك له المعالجة بالأدوية المظنونة النفع. وفي معنى (الفصد) توديج الدابة، وهو: فتح الودجين، وهما: عرقان عريضان في صفحتي العنق. وكذلك تبزيغها، وهو: فتح الرهصة، وهو: الماء في الحافر. وكذلك له المعالجة بالمراهم ونحوها. وله أن يفعل ما فيه مصلحة كدهن الماشية الجرباء.

وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وله رعيها في وقت الأمن وتأوي ليلًا إلى من له عليه اليد. وله تأبير النخل. وما يحصل من السعف والليف الذي يقلع كل سنة والعراجين للراهن كالثمرة، وما كان موجودًا عند الرهن مرهون. قال: (وهو أمانة في يد المرتهن)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الرهن من راهنه، له غنمه وعليه غرمه). وفي رواية: (لا يغلق الرهن على راهنه، له غنمه وعليه غرمه) رواه الدارقطني [3/ 32] وابن حبان [5934] والحاكم [2/ 51]، وقال: على شرط الشيخين. ومعنى قوله: (من راهنه) أي: من ضمان راهنه. قال الشافعي رضي الله عنه: هذا من أفصح ما قالت العرب: الشيء من فلان، أي: من ضمانه. وقوله: (لا يغلق) معناه: لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفكه صاحبه، وكان هذا من فعل الجاهلية فأبطله الإسلام. وممن قال بأن الرهن أمانة من الصحابة: أبو هريرة رضي الله عنه، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، ومن أتباعهم: ابن أبي ذئب وأحمد وأبو ثور. وقال أبو حنيفة: إنه مضمون بأقل الأمرين من قيمته أو الحق المرهون به. وقال مالك: إن كان تلفه ظاهرًا .. فغير مضمون، وإن كان باطنًا .. ضمن بقيمته. قال: (ولا يسقط بتلفه شيء من دينه)؛ لأنه وثيقة في دين ليس بعوض فيه فلا يسقط الدين بتلفه كالضامن والشاهد. قال الشيخ: وقول المصنف: (ولا يسقط) بـ (الواو) أحسن من حذفها في (المحرر) و (الشرحين) و (الروضة)؛ لأنها تدل على ثبوت حكم الأمانة مطلقًا حتى يصدق في التلف، ولا يلزمه ضمانه لا بقيمة ولا بمثل خلافًا لمن خالف فيه،

وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكنه لو عطف بـ (الفاء) كصاحب (التنبيه) .. كان أحسن؛ فإنه يفيد ثبوت الأمانة مطلقًا، ويسبب عدم السقوط عنها. فروع: ليس للراهن أن يقول: أحضر المرهون وأنا أقضي دينك من مالي، بل لا يلزمه الإحضار بعد قضائه، وإنما عليه التمكين كالمودع، والإحضار وما يحتاج إليه من مؤنة على رب المال. ولو قال: خذ هذا الكيس واستوف حقك منه .. فهو أمانة في يده إلى أن يستوفي، فإذا استوفاه .. صار مضمونًا عليه. ولو قال: خذه بدراهمك وكانت الدراهم التي فيه مجهولة القدر أو كانت أكثر من دراهمه .. لم يملكه ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد، وإن كانت معلومة بقدر حقه .. ملكها إذا لم تكن للكيس قيمة، فإن كانت .. فهو من مسألة مد عجوة. قال: (وحكم فاسد العقود حكم صحيحها في الضمان) أي: في أصل الضمان لا في مقداره، فالذي يقتضي صحيحُه الضمان بعد التسليم كالبيع والقرض والعمل في القراض والإجارة يقتضيه فاسده أيضًا، وما لا يقتضيه كالرهن والعين المستأجرة والهبة لا يقتضيه فاسده. أما الأول .. فلأن الصحيح إذا وجب الضمان فالفاسد أولى، وأما الثاني .. فلأن إثبات اليد عليه بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانه، وهذه القاعدة ذكرت هنا؛ لأنه يترتب عليها فروع كرهن المغصوب وما سيأتي. ويستثنى من طردها: إذا قال: قارضتك على أن الربح كله لي، أو ساقيتك على أن الثمرة كلها لي .. فلا أجرة لهما كما سيأتي في موضعه. وإذا عقد الجزية غير الإمام .. فإنها لا تصح على الصحيح، ولا جزية فيها على الذمي على الأصح. وإذا استأجر الأب الأم لإرضاع الولد وقلنا بالفساد .. لا أجرة على الأصح.

وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ .. فَسَدَا. وَهُوَ قَبْلَ الْمَحِلِّ أَمَانَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قال الإمام لمسلم: إن دللتني على القلعة الفلانية فلك منها جارية ولم يعينها .. فالأصح: صحة العقد كما لو جرى مع كافر. فإن قلنا: لا تصح هذه العجالة فدل .. لا يستحق أجرة، ومن عكسها: عمل الشريك في نصيب صاحبه غير مضمون إذا كانت الشركة صحيحة، ومضمون إذا كانت فاسدة، وهذه ذكرها المصنف في بابها. وكذلك الهبة إذا صحت .. تكون العين غير مضمونة، وكذا إذا فسدت على الأصح، كما صححه المصنف في زياداته في آخر (باب الهبة)، واعترض به على الرافعي في (باب محرمات الإحرام)، لكه جزم في (الشرح الصغير) بمقابله. وما لا يقتضي صحيحه الضمان إذا صدر من سفيه أو صبي .. يكون مضمونًا أيضًا على قابضه منه مع فساده. قال البغوي في (الفتاوى): إذا استأجر الولي رجلًا لأمر من أمور الصبي إجارة فاسدة ككثير من الإجارات الواقعة في هذا الزمان .. فأجرة المثل على الولي؛ لأن العقد لم ينعقد في حق الصبي. قال: (ولو شرط كون المرهون مبيعًا له عند الحلول .. فسدا) أي: الرهن والبيع، أما الرهن .. فلتأقيته بالحلول، والبيع .. لتعليقه. وخرج بقوله: (ولو شرط) ما إذا قال: رهنتك وإذا لم أقضك عند الحلول فهو مبيع منك .. فسد البيع. قال الشيخ: ويظهر أن الرهن لا يفسد؛ لأنه لم يشترط فيه شيئًا، وكلام الروياني يقتضيه، ولم يتعرض الرافعي لها. قال: (وهو قبل المحل أمانة)؛ لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد، وهذا من ثمرة القاعدة المتقدمة.

وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ. وَلَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ بِلَا شُبْهَةٍ .. فَزَانٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ إِلَّا أَنْ يَقْرُبَ إِسْلَامُهُ، أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما بعد المحل .. فهو مضمون؛ لأنه مقبوض بحكم الشراء الفاسد. وفي وجه: إنما يضمنه إذا أمسكه بعد المحل على جهة البيع، أما إذا أمسكه على جهة الدين .. فلا. قال: (ويصدق المرتهن في دعوى التلف بيمينه)؛ لأنه أمين، ولا يلزمه شيء، وما أوهمه كلام (الوسيط) من خلاف في تصديقه لا يغتر به؛ إذ لا خلاف فيه. هذا إذ لم يذكر سببًا، أو ذكر سببًا خفيًا، فإن ذكر ظاهرًا .. ففيه التفصيل المذكور في (الوديعة). قال: (ولا يصدَّق في الرد عند الأكثرين)؛ لأنه قبضه لغرض نفسه فكان كالمستعير، وأيضًا إقامة البينة على الرد ممكنة، وكذا الحكم في دعوى المستأجر ردَّ العين، وقيل: يصدَّق كالمودع. ولو ادعى وارث المرتهن الرد .. لم يقبل قطعًا، ولو ادعى المرتهن الرد على رسول الراهن .. لم يصدَّق في الأصح. قال: (ولو وطئ المرتهن المرهونة بلا شبهة .. فزانٍ) يجب عليه الحد إجماعًا، فإن كانت شبهة كأن ظنها زوجته أو أمته .. فلا حد، وعليه المهر، والولد حر نسيب، وعليه قيمته للراهن، وأسقط أبو حنيفة الحد؛ لشبهة كونها مرهونة، ولم يقل أحد من المسلمين بحل الوطء. واعترض الشيخ على المصنف في قوله: (فزانٍ)؛ لأنه (لو) لا تجاب بـ (الفاء)، وكان الصواب أن يقول: كان زانيًا. قال: ويقع في كلام الفقهاء هذا، كأنهم أجروها مجرى (إن). قال: (ولا يقبل قوله: جهلت تحريمه، إلا أن يقرب إسلامه، أو ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء)؛ لأنه يخفى عليه ذلك.

وَلَوْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ .. قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ فِي الأَصَحِّ فَلَا حَدَّ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إِنْ أَكْرَهَهَا، وَالْوَلَدُ حُرٌ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو وطئ بإذن الراهن .. قبل دعواه جهلَ التحريم في الأصح فلا حد)؛ لأن التحريم مع الإذن قد يخفى على كثير من الناس. والثاني: لا تقبل دعواه؛ لبعدها، ويحدُّ. وذكر الإمام في (النهاية) عن عطاء: أنه كان يجيز إعارة الجواري للوطء، وكان يبعث بالجواري إلى ضيفانه، وهذا تبعد صحته عنه، وبتقدير صحته ليس بشبهة؛ لضعفه، والحدُّ لا يُدرأ بالمذاهب إنما يدرأ بما يتمسَّك به أهل المذاهب من الأدلة، وليس لعطاء في هذا متمسك. قال: (ويجب المهر إن أكرهها)؛ لأن وجوبه حيث لا يجب الحد حق للشرع فلا يؤثر فيه الإذن كالمفوضة. وفي قول: لا يجب، للإذن، وهذا حكاه في (المحرر) وجهًا، وأسقطه المصنف. وأفهم كلامه: أنها إذا طاوعته .. لم يجب المهر، وهو كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا مهر لبغي). قال: (والولد حر نسيب) كسائر الشبهات. قال: (وعليه قيمته للراهن)؛ لأن المالك رضي بإتلاف المنفعة لا بالإحبال، ولا تصير الأمة أم ولد في الحال، وكذا لو ملكها بعد ذلك. ويلغز بهذه فيقال: رجل وطئ أمة لغيره لم نوجب عليها مهرها ويجب عليه قيمة أولادها؟

وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ .. صَارَ رَهْنًا، وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الرَّاهِنُ، فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ .. لَمْ يُخَاصِمِ الْمُرْتَهِنُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أتلف المرهون وقبض بدله .. صار رهنًا)؛ لقيامه مقامه، ويجعل في يد من كان الأصل في يده، وكذلك لو جني عليه فأخذ أرش الجناية .. تعلق به حق المرتهن؛ لأن الأرش بدل عن الفائت فقام مقامه، وكذلك لو ظهر المرهون وقفًا وأخذت قيمته من البائع، وسيأتي في (كتاب الوقف) ذكر المسألة ونظائرها إن شاء الله تعالى. وقوله: (وقبض) يقتضي: أنه لا يكون رهنًا قبل قبضه، والأصح: خلافه. وظاهر عبارته: أنه يصير رهنًا بغير إنشاء صيغة رهن، وهو كذلك في (الروضة) هنا. وحكى الرافعي في نظيره من الوقف وجهين، وقال: إنهما جاريان في بدل المرهون، وصحح المصنف: أنه لابد من إنشاء وقف فيه، وقد يتوهم من هذا: أنه لابد من إنشاء الرهن هنا على الأصح، واستبعده الشيخ، وفرق بأن هنا جميع أحكام الرهن ثابتة له فلا فائدة في إنشاء الرهن، وهناك قبل الوقف لم يصر وقفًا وإنما استحق أن يوقف، وقد يرى الناظر المصلحة في رده، ووقف غيره بخلاف هذا. قال: (والخصم في البدل الراهن)؛ لأنه المالك، وإذا خاصم .. فللمرتهن أن يحضر خصومته؛ لتعلق حقه بما يأخذه. وإن نكل الراهن .. فهل يحلف المرتهن؟ فيه قولان، كغرماء المفلس. وقال أبو حنيفة: الخصم في البدل المرتهن؛ لتعلق حقه به. قال: (فإن لم يخاصم .. لم يخاصم المرتهن في الأصح)؛ لأنه غير مالك. والثاني: يخاصم؛ لتعلق حقه بما في ذمته، وبهذا جزم القاضي، ونسبه الإمام إلى المحققين، وجزم هو والغزالي به، فلذلك اختاره الشيخ.

فَلَوْ وَجَبَ قِصَاَصٌ .. اقْتَصَّ الرَّاهِنُ وَفَاتَ الرَّهْنُ. فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَفْوِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ .. لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ وَلَا إِبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ الْجَانِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلاف في (الشرح) و (الروضة) وغيرهما قولان، فكان الصواب: التعبير بالأظهر. قال: (فلو وجب قصاص .. اقتص الراهن)؛ لأنه ولي الدم. قال: (وفات الرهن)؛ لفوات العين وبدلها، ولا يجب على السيد أن يعفو على مال، بل له أن يقتص من العبد الذي قتله. هذا إذا كانت الجناية على النفس، فإن كانت على الطرف فاقتص .. بقى الرهن بحاله. قال: (فإن وجب المال بعفوه أو بجناية خطأ .. لم يصح عفوه عنه)؛ لأنه يبطل به حق المرتهن، وفي قوله: ينفذ إذا انفك الرهن. وقوله: (بجناية خطأ) زيادة مضرة؛ فإنه لو وجب المال بجناية العمد ابتداء؛ لكون الجاني حرًا أو والدًا أو غير ذلك مما يمنع القصاص .. كان كذلك. قال: (ولا إبراء المرتهن الجاني)؛ لأنه غير مالك، ولا يبطل بهذا الإبراء حقه من الوثيقة على الأصح. فروع: لو صالح الراهن عن الأرش على جنس آخر .. لم يصح إلا بإذن المرتهن، فإن أذن .. صح وكان المأخوذ رهنًا، وللرافعي فيه إشكال، ولغيره جواب عنه، وإذا لم تنقص القيمة بالجناية كما إذا قطع ذكر العبد .. فالأرش للراهن لا حق للمرتهن فيه، قاله الماوردي وغيره. ولو أقر إنسان: أنه جنى على المرهون، فصدقه المرتهن، وكذبه الراهن .. أخذ منه الأرش وكان رهنًا، فإذا برئ من الدين بغيره .. فالأصح: أن الأرش يرد إلى

وَلَا يَسْرِي الرَّهْنُ إِلَى زِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ كَثَمَرٍ وَوَلَدٍ، وَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَحَلَّ الأَجَلُ وَهِيَ حَامِلٌ .. بِيعَتْ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ .. بِيعَ مَعَهَا فِي الأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ .. فَالْوَلَدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المقر، وقيل: يجعل في بيت المال. وإذا أخذت قيمة المرهون للحيلولة .. فمقتضى ما ذكره القاضي في (الفتاوى): أنه لا يتعلق بها حق المرتهن. قال: (ولا يسري الرهن إلى زيادة منفصلة كثمر وولد) أي: حدث الحمل بهما بعد الرهن وانفصلا قبل البيع؛ لأنه عقد لا يزيل الملك فلم يسر إلى النماء كالإجارة، وبالقياس على ولد الجناية؛ فإن الأرش لا يتعلق به بالاتفافق بيننا وبين أبي حنيفة، وقد خالف هنا، وخالف مالك في الولد في الموضعين ووافق على الثمر، وكلهم اتفقوا في الكسب على أنه ليس برهن، أما المتصلة .. فتتبع الأصل. قال: (ولو رهن حاملًا وحل الأجل وهي حامل .. بيعت)؛ لأنا إن قلنا: الحمل يعلم .. فكأنه رهنهما، وإلا .. فقد رهنها والحمل محض صفة. قال: (وإن ولدته .. بيع معها في الأظهر)؛ بناء على أن الحمل يعلم ومقابله مبني على مقابله. قال: (وإن كانت حاملًا عن البيع دون الرهن .. فالولد ليس برهن في الأظهر)؛ بناء على أنه يعلم. والثاني: أنه كزيادة متصلة فلا يمنع من بيعها. وعبارة المصنف تقتضي: أنه على هذا القول يوصف بأنه مرهون، وليس كذ لك؛ لأنه إذا لم يعلم .. فلا حكم له، وإنما أراد التبعية في البيع. وإذا قلنا بالأظهر .. تعذر بيعها حتى تضع؛ لأن استثناء الحمل لا يمكن، وبيعها حاملًا يقتضي التوزيع، والحمل لا تعرف قيمته.

فصل

فَصْلٌ: جَنَى الْمَرْهُونُ .. قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَإِنِ اقْتَصَّ أَوْ بِيعَ لَهُ .. بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ .. بَطَلَ، وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ .. لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو سأل الراهن: أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن .. قال في (الأم): فذلك له. تتمة: ضرب شخص الجارية المرهونة فألقت جنينًا ميتًا .. فعليه عشر قيمة الأم ولا يكون مرهونًا، فإن نقصت الجارية بالإجهاض .. فلا شيء على الضارب، ولكن قدر أرش النقص في العشر يكون رهنًا، وإن نقصت بالضرب .. وجب أرشه ويكون رهنًا، وأما أرش البكارة .. فمرهون؛ لأنه ليس جزءًا من الزوائد بل بدل جزء. قال: (فصل: جنى المرهون .. قُدِّم المجني عليه)؛ لأنه حق متعلق بالرقبة، وحق المرتهن ثابت في الذمة أيضًا فلا يفوت بفوات العين. هذا إذا لم يأمره السيد بالجناية، فإن أمره وكان العبد لا يميز أو أعجميًا يعتقد وجوب طاعته .. فالجاني السيد، ولا يتعلق برقبة العبد شيء. قال: (فإن اقتص أو بيع له .. بطل الرهن)؛ لفوات محله، فإذا سقط حق المجني عليه بعفو أو فداء أو اقتص في الطرف .. بقي الرهن، فلو عاد إلى ملكه .. لم يعد رهنًا إلا بعقد جديد. قال: (وإن جنى على سيده فاقتص) أي: المستحق، سيدًا كان أو وارثه، أو السلطان عند عدمهما، وأشار بذلك إلى أن للسيد أن يقتص للزجر والانتقام، وهو أحوج إلى ذلك من الأجانب. قال: (.. بطل) أي: الرهن في المقتص منه، نفسًا كان أو طرفًا؛ لما تقدم. قال: (وإن عُفي على مال .. لم يثبت على الصحيح) وكذلك لو كانت الجناية خطأ؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده مال.

فَيَبْقَى رَهْنًا، وَإِنْ قَتَلَ مَرْهُونًا لِسَيِّدِهِ عِنْدَ آخَرَ فَاقْتَصَّ .. بَطَلَ الرَّهْنَانِ. وَإِنْ وَجَبَ مَالٌ .. تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ فَيُبَاعُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ، وَقِيلَ: يَصِيرُ رَهْنًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني –وبه قال ابن سريج-: يثبت ويتوصل به الراهن إلى فك الرهن. وينبغي أن يقرأ (عُفي) بضم العين؛ ليشمل ما إذا كانت الجناية على نفس السيد وعفا الوارث، وما إذا كانت على طرف أو نفس من يستحق القصاص عليه فعفا. والصحيح في الجميع واحد، لكن الخلاف مختلف، فإن كان مراد المصنف عفو الوارث عن الجناية على نفس السيد .. فالخلاف قولان، وإن أراد عفو السيد عن الجناية على طرف .. كان موافقًا لما في (الروضة)؛ فإنه عبر فيها بالصحيح، لكن يكون أسقط مسألة عفو الوارث، وهي في (المحرر)، فلو عبر بالأظهر .. لنص على مسألة الوارث، وفهمت مسألة السيد من باب أولى، بخلاف العكس، ولو جنى على السيد خطأ .. كان كالعفو. قال: (فيبقى رهنًا) أي: لازمًا لا يباع في الجناية، وعلى مقابله هو رهن أيضًا، لكن يباع فيها كما لو كانت على أجنبي. قال: (وإن قتل مرهونًا لسيده عند آخر فاقتص .. بطل الرهنان)؛ لفواتهما. قال: (وإن وجب مال .. تعلق به حق مرتهن القتيل) سواء وجب بعفو أو بجناية الخطأ؛ لأنه بدله، ولأن السيد لو أتلف المرهون .. غرم قيمته لحق المرتهن، فإذا أتلفه عبده .. كان تعلق الغرم به أولى، وإنما وجب المال وإن كان السيد لا يثبت له على عبده ذلك؛ لأجل تعلق حق الغير. قال: (فيباع وثمنه رهن)؛ لأن حق مرتهن القتيل في مالية العبد القاتل لا في عينه، وأشار إلى أنه يصير رهنًا من غير إنشاء رهن، وهو كذلك كما تقدم. قال: (وقيل: يصير رهنًا)، إذ لا فائدة في البيع، بل ينتقل إلى مرتهن القتيل ليتوثق به. وإنما يظهر أثر الخلاف: إذا طلب الراهن النقل ومرتهن القتيل البيع، أما إذا عكس .. فيجاب الراهن، فلو اتفق الراهن والمرتهنان على شيء .. اتبع.

فَإِنْ كَانَا مَرْهُونَيْنِ عِنْدَ شَخْصٍ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ .. نَقَصَتِ الْوَثِيقَةُ، أَوْ بِدَيْنَيْنِ وَفِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ غَرَضٌ .. نُقِلَتْ. وَلَوْ تَلِفَ مَرْهُونٌ بِآفَةٍ .. بَطَلَ. وَيَنْفَكُّ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَرَاءَةِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ .. لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن كانا مرهونين عند شخص بدين واحد .. نَقَصَت الوثيقة) كما لو مات أحدهما، و (نَقَصَت) بفتح النون والصاد المهملة من النقصان. قال: (أو بدينين وفي نقل الوثيقة غرض .. نقلت) كما إذا اختلف الدينان حلولًا وتأجيلًا، وكذا قدرًا والقتيل مرهون بأكثرهما، وحيث كان القاتل أكثر قيمة .. نقل منه بقدر قيمة القتيل فقط، وهل تنقل عينه أو ثمنه؟ وجهان، أما إذا لم يكن غرض .. فلا نقل، كرهن القتيل بأقلهما. قال: (ولو تلف مرهون بآفة .. بطل) أي: انفك الرهن؛ لفوات محله، وليس المراد: أنه يرتفع العقد كالفسخ. قال: (وينفك بفسخ المرتهن)؛ لأن الحق له، وهو جائز من جهته، فله فسخه متى شاء. قال: (وبالبراءة من الدين) سواء كان بإبراء، أو قضاء، أو اعتياض، أو إقالة عن سبب الدين المرهون به، أو انتقال الدين إلى من عليه بإرث أو حوالة؛ لزوال المانع. قال: (فإن بقي شيء .. لم ينفك شيء من الرهن) بالإجماع؛ لأن الرهن وثيقة بالدين وبكل جزء منه فكان كرقبة المكاتب. ولو شرط: أنه كلما قضى من الحق شيئًا انفك من الرهن بقدره .. فسد الرهن؛ لاشتراط ما ينافيه. حادثة: سئل شيخ الإسلام عن رهن اتحد عقدًا وراهنًا ومرتهنًا، ثم إن المرتهن فك الرهن

وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا .. انْفَكَّ قِسْطُهُ، وَلَوْ رَهَنَاهُ فَبِرَئَ أَحَدُهُمَا .. انْفَكَّ نَصِيبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في بعض المرهون، هل ينفك ذلك البعض ويصير الباقي رهنًا بجميع الدين المرهون به أو لا؟ أجاب: نعم ينفك ذلك البعض ويصير الباقي رهنًا بالدين المرهون به. قال: وقد وقعت هذه المسألة قديمًا بالبهنسا، ووقع فيها تنازع، وكتبت فيها بهذا، وهو المعتمد، وما ذكر من قول من يقول: لا ينفك البعض .. فذلك في صور ليس هذه منها، إنما مرادهم ما يكون الانفكاك بأداء، أو إبراء، أو حوالة، ونحو ذلك مما يقتضي فراغ الذمة عن ذلك القدر المتعلق بذلك البعض من جهة التعدد، ولهذا لم يتعرض لصورة تلف بعض المرهون ونحوه مما لا يقتضي فراغ الذمة عن ذلك القدر المتعلق بذلك البعض. قال: (ولو رهن نصف عبد بدين ونصفه بآخر فبرئ من أحدهما .. انفك قسطه)؛ لتعدد الصفقة بتعدد الراهن. قال: (ولو رهناه فبرئ أحدهما .. انفك نصيبه)؛ لأن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعًا والراهن كالبائع، وعن أبي حنيفة خلافه. تتمة: إذا انفك الرهن في نصيب أحدهما وطلب القسمة، فإن كان المرهون مما يقسم بالأجزاء وهو المثليات كالمكيلات والموزونات والمذروعات المتساوية الأجزاء .. فله أن يقاسم المرتهن بإذن شريكه، نص عليه.

فصل

فَصْلٌ: اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ .. صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ، وَإِنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ .. تَحَالَفَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان مما لا ينقسم بالأجزاء كالثياب والعبيد .. قال العراقيون: لا يجاب إليه، وإن كان أرضًا مختلفة الأجزاء كالدار .. لزم الشريك أن يوافقه، وفي المرتهن وجهان: أصحهما: له الامتناع؛ لما في القسمة من التبعيض وقلة الرغبة. قال: (فصل: اختلفا في الرهن) إما في أصله؛ بأن قال رب الدين: رهنتني كذا، وأنكر المالك، أو قال: رهنتني عبدك، فقال: بل ثوبي. قال: (أو قدره) كما إذا قال: رهنتني هذين العبدين، فقال: بل أحدهما (.. صُدِّق الراهن بيمينه إن كان رهن تبرع)؛ لأن الأصل يعضده، وهو عدم الرهن، سواء كانت العين في يد الراهن أو المرتهن. وفي وجه: يصدق المرتهن بيمينه إذا كانت في يده. ولو عبر المصنف بدل (الراهن) بالمالك .. كان أولى؛ لأن منكر الرهن ليس براهن. قال: (وإن شُرط في بيع .. تحالفا) كسائر كيفيات البيع إذا اختلف فيها. والمراد: أنهما اختلفا كيف صدر البيع مع اتفاقهما على اشتراط الرهن واختلافهما في شيء مما تقدم كأصل الرهن وقدره؟ فهذا في الحقيقة اختلاف في كيفية عقد البيع، فيقضى بالتحالف، وهذه يعلم حكمها من (باب التحالف) فهي مستغنىً عنها. لكن يرد عليه ما لو اتفقا على البيع بشرط الرهن واختلفا في الوفاء به -أي: هل رهن أو لا؟ - فادعاه المرتهن، وأنكره الراهن ليأخذ الرهن ويتوصل به إلى أن يفسخ المرتهن البيع .. فلا تحالف، بل يصدَّق الراهن؛ فإنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو مناط التحالف.

وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِئَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا .. فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ، وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ. وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْتَهُ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أدعى أنهما رهناه عبدهما بمئة وصدقه أحدهما .. فنصيب المصدق رهن بخمسين)؛ مؤاخذة بإقراره (والقول في نصيب الثاني قوله بيمينه)؛ لما تقدم. قال: (وتقبل شهادة المصدق عليه) أي: على النافي؛ لخلوها عن جلب نفع ودفع ضرر، فإن شهد معه آخر أو حلف المدعي .. ثبت رهن الجميع، ولو زعم كل منهما: أنه لم يرهن وأن شريكه رهن وشهد .. قبلت شهادتهما في الأصح؛ لأنهما ربما نسيا، وإن تعمدا .. فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق، ولهذا لو تخاصم رجلان في شيء ثم شهدا في حادثة .. قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبًا في ذلك التخاصم. ولك أن تقول: إنما لا توجب الكذبة الفسق إذا لم يكن جحد حق. وعن ابن القطان وجه ثالث: أن الذي شهد أولًا تقبل شهادته دون من شهد آخرًا؛ لأنه انتهض خصمًا. قال: (ولو اختلفا في قبضه، فإن كان في يد الراهن، أو في يد المرتهن وقال الراهن: غصبتَه .. صُدِّق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم اللزوم وعدم الإذن في القبض. قال: (وكذا إن قال: أقبضته عن جهة أخرى في الأصح) كإيداع أو إعارة أو كراء ونحوها؛ لأن الأصل عدم إذنه في القبض عن جهة الرهن.

وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ إِقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ .. فَلَهُ تَحْلِيفُهُ، وَقِيلَ: لَا يُحَلِّفُهُ إِلَّا أَنْ يَذْكُرَ لإِقْرَارِهِ تَاوِيلًا كَقَوْلِهِ: أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: القول قول المرتهن؛ لأنهما اتفقا على قبض مأذون فيه وأراد الراهن أن يصرفه إلى جهة أخرى، والظاهر خلافه؛ لتقدم العقد المحوج إلى القبض. قال: (ولو أقر بقبضه ثم قال: لم يكن إقراري عن حقيقة .. فله تحليفه) أي: للراهن تحليف المرتهن: أنه أقبضه؛ لأنا نعلم غالبًا: أن الوثائق يشهد عليها قبل تحقق ما فيها. قال: (وقيل: لا يحلفه إلا أن يذكر لإقراره تأويلًا كقوله: أشهدت على رسم القبالة)؛ لأنه ذكر أمرًا محتملًا. وقيل: لا يحلفه مطلقًا. وقال القفال: إذا أقر في مجلس القاضي .. لا يحلفه وإن ذكر تأويلًا. وقال غيره: لا فرق. وقال الإمام: إن اتحد المجلس .. كان كإكذابه نفسه، وإن اعتذر في مجلس آخر .. قُبِل. ومن التأويل: أن يقول: إنما أقبضته بالقول ظانًا أنه يكفي، أو جاءني كتاب عن وكيلي: أنه أقبض، فبان مزورًا. والخلاف جار: فيما إذا أقر لزيد بألف وشهدت عليه بينة بذلك، فقال: إنما أقررت بذلك؛ لأنه وعدني أن يقرضني فحلِّفوه. وأفتى ابن الصلاح بأنه إذا ادعى: أن المال الذي أقر به كان في يده مضاربة .. أن له أن يحلفه؛ لأن ذلك قد يفعل. ولو كان رب الدين قد أقبضه عوضه .. لم يكن له أن يحلفه: أنه أقبضه إياه.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: جَنَى الْمَرْهُونُ، وَأَنْكَرَ الآخَرُ .. صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ .. وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: جَنَى قَيْلَ الْقَبْضِ .. فَالأَظْهَرُ: تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إِنْكَارِهِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ .. غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الرسم): الكتابة. و (القَبالة) بفتح القاف: الورقة التي يكتب فيها الإقرار بدين أو غيره. قال: (ولو قال أحدهما: جنى المرهون، وأنكر الآخر .. صدق المنكر بيمينه)؛ لأنه الأصل، والمراد: أنه قال: جنى بعد القبض، وذلك يفهم من قوله بعده: (قبل القبض). قال: (ولو قال الراهن: جنى قبل القبض .. فالأظهر: تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره)؛ صيانة لحقه، لأن الراهن قد يواطئ المجني عليه والعبد على إبطال حق المرتهن. والثاني: يصدق الراهن؛ لأنه أقر في ملكه بما لا يجر لنفسه نفعًا. وفي قول ثالث –انفرد به الإمام والغزالي-: إن كان موسرًا .. قبل، وإلا .. فلا، كالإعتاق. ومحل القولين في المسألة: إذا عين الراهن المجني عليه فصدقه، وإلا .. فالرهن بحاله جزمًا، ودعوى الراهن زوال الملك كدعوى الجناية. قال: (والأصح: أنه إذا حلف .. غرم الراهن للمجني عليه) كما لو قتله؛ لأنه حال بينه وبين حقه. والثاني: لا يغرم، وهما مبنيان على قولي الحيلولة، بل الخلاف في المسألة هو ذلك، وهو قولان لا وجهان، فكان الصواب: التعبير بالأظهر. قال: (وأنه يغرم الأقلَّ من قيمة العبد وأرشِ الجناية) كما في جناية أم الولد؛ لامتناع البيع. والثاني: أرشَ الجناية بالغًا ما بلغ، وهما في كل عبد جان.

وَأَنِّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ .. رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَا عَلَى الرَّاهِنِ. فَإِذَا حَلَفَ .. بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ وَرَجَعَ عَنِ الإِذْنِ وَقَالَ: رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَعْدَهُ .. فَالأَصَحُّ: تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ. وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وقَالَ: أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنه لو نكل المرتهن .. ردت اليمين على المجني عليه، لا على الراهن)؛ لأن الحق المقر به إنما هو للمجني عليه لا للراهن. والثاني: على الراهن؛ لأن الخصومة بينهما، وعبارته تقتضي: أنهما وجهان أيضًا، والأصح: قولان. يقال: نَكل عن اليمين –بفتح الكاف- ينكُل –بضمها- أي: جَبُنَ، والناكل: الجبان الضعيف. وقال أبو عبيدة: نكِل بالكسر لغة فيه، وأنكره الأصمعي. قال (فإذا حلف .. بيع في الجناية)؛ لثبوتها باليمين المردودة. وعلى هذا: لا خيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه؛ لأنه الذي فوته بنكوله هذا إذا استغرقت الجناية قيمته، فإن لم تستغرق .. بيع منه بقدرها، ولا يكون الباقي رهنًا على الأصح. قال: (ولو أذن) أي: المرتهن (في بيع المرهون فبيع ورجع عن الإذن وقال: رجعت قبل البيع، وقال الراهن: بعده .. فالأصح: تصديق المرتهن)؛ لأن الأصل استمرار الرهن. والثاني: الراهن؛ لقوة جانبه بالإذن. والثالث: القول قول السابق منهما بالدعوى. قال القمولي: وينبغي أن يكون هذا هو الأصح كنظيره من الرجعة وفي عزل الوكيل، أما إذا أنكر أصل الرجوع .. فهو المصدق. قال: (ومن عليه ألفان بأحدهما رهن فأدى ألفًا وقال: أديته عن ألف الرهن ..

صُدِّقَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا .. جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ، وَقِيلَ: يُقَسَّطُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدق) سواء اختلفا في النية أو في اللفظ؛ لأنه أخبر بنيته وكيفية أدائه. وفي القديم: القول قول القابض. وكذلك الحكم لو كان بأحد الدينين ضامن أو كان حالًا والآخر مؤجلًا. وسكت المصنف عن تحليف الدافع، وحكمه: أنهما إن اختلفا في اللفظ .. حُلِّف بلا نزاع، وإن اختلفا في النية .. فوجهان: أصحهما: التحليف أيضًا، ويستثنى المكاتب إذا اختلف مع السيد فيما أداه .. فالمجاب السيد كما سيأتي في بابه. ولو لم يتعرضا للجهة، ثم قال المكاتب: قصدت النجوم، وأنكر السيد، أو قال: صدقت ولكن قصدت أنا الدين .. فوجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): تصديق المكاتب، وهو مشكل، بل القياس: تصديق السيد؛ لأن التعيين في الابتداء إليه، فالقياس: أنا نراعي ذلك. قال: (وإن لم ينو شيئًا .. جعله عما شاء)؛ لأن التعيين إليه. قال: (وقيل: يقسط)؛ لعدم الأولوية، لكن هل يقسط على قدر الدينين أو على المستحقين بالسوية؟ فيه تردد للصيدلاني. تتمة: اختلف وارث الدافع ورب الدين في المدفوع، فقال الوارث: عن المرهون، وقال المرهون عنده: عن غيره؟ أفتى الشيخ بأن الوارث ههنا يقوم مقام الموروث؛ لأنه حق مالي فيورث، وليس كتعيين الطلاق في إحدى الزوجتين.

فصل

فَصْلٌ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ .. تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ، وَفِي قَوْلٍ: كَتَعَلُّقِ الأَرْشِ بِالْجَانِي. فَعَلَى الأَظْهَرِ: يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل): هذا الفصل ليس له كبير تعلق بـ (باب الرهن)، لكن الإمام ذكره فرعًا هنا، والغزالي في أثناء الباب، فتبعهما معظم الأصحاب. قال: (من مات وعليه دين .. تعلق بتركته)؛ مراعاة لمصلحة الميت، فإن وفت التركة بدينه .. لم تكن نفسه مرتهنة به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي. قال: (تعلُّقَه بالمرهون) وإن كان الأصح انتقالها إلى الوارث مع وجود الدين؛ لأن ذلك أحوط للميت وأقرب لبراءة ذمته، فلا يصح تصرف الوراث فيه جزمًا، وهذا هو المفتى به، بخلاف ما لو تملك اللقطة ومات ولم يظهر رب الدين .. فلا تعلق لذلك بتركته؛ إذ لو تعلق للزم الحجر لا إلى غاية، وكذا إذا كان عليه دين وانقطع خبر صاحبه. قال: (وفي قول: كتعلق الأرش بالجاني)؛ لأن كلًا منهما ثبت بغير رضا المالك. فعلى هذا: يأتي في التصرف فيه الخلاف في بيع العبد الجاني وقال الفوراني: كحجر الفلس، واختاره ابن الرفعة. قال: (فعلى الأظهر: يستوي الدين المستغرق وغيره في الأصح)؛ نظرًا للميت وتوفيةً بقاعدة الرهن. والثاني: إن كان الدين أقل .. نفذ تصرف الوارث إلى أن يبقى قدر الدين؛ لأن الحجر في مال كثير بشيء حقير بعيد، وسواء فيما ذكرناه علم الوارث بالدين أم لا. وعبارة المصنف والرافعي تفهم: أن هذا التفريع مختص بالقول الأول، وتعليل

وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ ظَاهِرٌ، فَظَهَرَ دَيْنٌ بِرَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يُقْضَ الدَّيْنُ .. فُسِخَ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إِمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرافعي يقتضيه أيضًا حيث قال: كما هو قياس الدين والمرهون. ونقل في (المطلب) جريان الخلاف فيه أيضًا إذا قلنا: كتعلق الأرش، فكان الأولى أن يقول: فعلى القولين. فلو أدى بعض الورثة بقسط ما ورث .. انفك نصيبه في الأصح، بخلاف ما إذا رهن عبدًا ومات؛ فإنه لا ينفك إلا بوفاء جميع الورثة في الأظهر. قال: (ولو تصرف الوارث ولا دين ظاهر، فظهر دين بِرَدِّ مبيع بعيب .. فالأصح: أنه لا يتبين فساد تصرفه)؛ لأنه كان يجوز له التصرف ظاهرًا. والثاني: يتبين فساده؛ إلحاقًا للدين الظاهر بالمقارن، لتقدم سببه. والخلاف جار فيما لو حفر بئرًا فتردى فيها عبد أو بهيمة بعد موته. وكان الأحسن أن يقول: (ثم طرأ دين). قال: (لكن إن لم يُقض الدين .. فسخ)؛ ليصل المستحق إلى حقه. وقيل: لا ينفسخ بل يطالب الوارث بالدين ويجعل كالضامن. قال في (الدقائق): وقوله: (يُقض) هو بضم الياء؛ ليعم قضاء الوارث والأجنبي، ولو عبر بالسقوط .. لعم الإبراء أيضًا. قال: (ولا خلاف أن للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين من ماله)؛ لأنه خليفة المورث، والمورث كان له ذلك، ولأنه قد يكون له غرض صحيح فيه ولا ضرر على الغرماء فيه. فلو أوصى ببيعها في وفاء دينه .. علم بوصيته، ولو كانت أقل من الدين وأراد الوارث أخذها بقيمتها وأراد رب الدين بيعها رجاء زيادة من راغب .. فوجهان: أصحهما: المجاب الوارث؛ لأن الظاهر: أنها لا تشترى بأكثر من القيمة، وللناس غرض في إخفاء تركة مورثهم، وفيه نظر.

وَالصَّحِيحُ: أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الإِرْثَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والصحيح: أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث) نص عليه الشافعي وأحمد، كما لو خلف الميت عينًا مرهونة، ولأن له أداء الدين من غير التركة، ولأنه لو كان باقيًا على ملك الميت .. لوجب أن يرثه من أسلم أو عتق من أقاربه قبل قضاء الدين، وأن لا يرثه من مات قبل القضاء من التركة. والثاني –ونقل عن القديم وهو مذهب مالك-: أنه يمنع؛ لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}. وأجاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام بأن المعنى: المقادير لا المقدر؛ لأنه لما بين للزوجة الثمن .. كأنه قال: لا تعتقدوا أن الثمن من أصل المال بل هو من الذي يفضل بعد وفاء الدين. وقال أبو حنيفة: إن كان الدين مستغرقًا .. منع مطلقًا، وإن كان غير مستغرق .. لم يمنع مطلقًا. وكان الصواب: التعبير بالأظهر أو الجديد؛ لما علم من كون المسألة ذات قولين. قال: (فلا يتعلق بزوائد التركة ككسب ونتاج)؛ لما تقدم من: أن زوائد المرهون لا تكون مرهونة، فإن قلنا: الدين يمنع انتقالها .. تعلق بزوائدها؛ لبقائها على ملك الميت. تتمة: استعار عبدًا ليرهنه من واحد فرهنه من اثنين، أو ليرهنه من اثنين فرهنه من واحد .. قال المتولي وغيره: يصح، وقال البغوي: لا يصح، وصححه الرافعي. والظاهر: أن الجواز في الأول مفرع على أنه لا يجب تعيين المرهون عنده، أما إذا قلنا بتعيينه .. فيتعين ما عينه. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة قال الشيخ: غلط جماعة من المفتين والقضاة في زمننا في فرع، ووقع البحث فيه مع من وقع البحث معه حتى رجع، وهو: إذا كان الدين على الميت للوارث .. ظنوا أنه يسقط منه بقدر إرثه، حتى إذا كان حائزًا .. يسقط الجميع. والصواب: أن يقال: يسقط من دين الوارث ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين لو كان لأجنبي، وهو نسبة إرثه من الدين إن كان مساويًا للتركة أو أقل، ومما يلزم الورثة أداءه إن كان أكثر، ويستقر له نظيره من الميراث، ويقدر أنه أخذ منه ثم أعيد إليه عن الدين، وهذا سبب سقوطه وبراءة ذمة الميت منه، ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه على قدر حصصهم، وقد يفضي الأمر إلى التقاص إذا كان الدين لوارثين.

كتاب التفليس

كِتَابُ التَّفْلِيسِ منْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب التفليس هو في اللغة: النداء على المفلس وشهرته بصفة الإفلاس. وفي الشرع: جعل القاضي من عليه الدين مفلسًا بمنعه من التصرف في ماله. وأفلس الرجل: صار ماله فلوسًا، كأجنب أي: صار جنبًا، وقيل: صار إلى حالة يقال فيها: ليس معه فلس، إذا ذهب ذهبه وفضت فضته. وافتتح الباب في (المحرر) بما روى الدارقطني [4/ 230] وصحح الحاكم [3/ 274] عن كعب بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ، وباع ما له في دين كان عليه، وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لكم إلا ذلك) ثم بعثه إلى اليمن وقال: (لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك) فلم يزل باليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم). وبما روى مسلم [1559/ 24] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها .. فهو أحق بها من الغرماء) وهو أصرح من الرواية المشهورة: (أيما رجل مات أو أفلس .. فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه)؛ فإن الحنفي يحمله على المغصوب والعواري. قال: (من عليه ديون حالة زائدة على ماله يحجر عليه)؛ للحديث المتقدم. والمراد بـ (الديون): الجنس؛ لأن الدين الواحد يحجر به، فلو لم يكن عليه إلا

بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ديون مؤجلة وطلب أصحابها الحجر، وقلنا بالإفلاس بحل الديون .. لم يحجر عليه بها على الأصح؛ لأن طلب الحجر فرع طلب الدين والمؤجل لا يطلب. وعبارة المصنف تقتضي: أنه لا يحجر عليه إذا لم يكن له مال، وتوقف فيه الرافعي. قال: وجاز أن يقال: يجوز؛ منعًا له من التصرف فيما عساه يحدث له باصطياد أو اتهاب. وقوله: (يحجر عليه) أي: يجب على الحاكم ذلك، كما صرح به في زوائد (الروضة) عن الأصحاب، وعبر في (المحرر) –تبعًا للإمام وغيره- بجوازه، فعدل عنها المصنف لذلك. قال: ولعل مرادهم: أن القاضي يفعل المصلحة من الحجر والبدار إلى البيع. قال: (بسؤال الغرماء)؛ لأن ذلك لمصلحتهم، فإنه قد يخص بعضهم بالوفاء فيضر بالباقين، وقد يتصرف فيه فيضيع حق الجميع. قال في (الكفاية): ومن هذه العلة يستنبط: أن المال لو كان مرهونًا .. امتنع الحجر، ولم أقف عليه منقولًا. ولفظ (المال) يطلق على الأعيان وعلى الديون كما صرحوا به في (الأيمان)، وعلى المنافع كما صرح به الرافعي في (الوصية).

وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ. وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ .. لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما اعتبار العين .. فواضح، لكن ما لا يصل إلى الأداء منه كالمغصوب والغائب ينبغي عدم اعتباره، والدين إن كان حالًّا على مليء مقر .. اعتبر، وإلا .. فلا. وأما المنفعة .. فلا اعتبار بها كما سيأتي في الكلام على إيجار أم الولد الموقوفة. والمراد: الغرماء المطلقون التصرف، أما المحجور عليهم .. فسيأتي حكمهم. قال شيخنا: وفي الحجر بدين الله تعالى إذا طلبه من له طلبه نظر، وكذا الحجر بالدين على الصبي ونحوه، وعبارة المصنف تشمله، فإن رأينا الحجر به .. حجر على الولي في مال المحجور عليه، أم المكاتب .. فلا يحجر عليه بالتماس السيد النجوم؛ لأنه متمكن من إسقاطها. و (الغرماء): جمع غريم، وقد تقدم ذكره في (صلاة الجماعة). قال: (ولا حجر بالمؤجل)؛ لأنه لا يطالب به الآن. ولو كان بعضه حالًّا وبعضه مؤجلًا، فإن كان الحال قدرًا يحجر به .. حجر، وإلا .. فلا. قال: (وإذا حجر بحالٍّ .. لم يحل المؤجل في الأظهر)؛ لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت عليه، وهذا نص (المختصر). والثاني: يحل كالموت، وبه جزم في (البويطي)، لكن تعبيره بـ (الأظهر) مخالف لتعبير (الروضة) بـ (المشهور). وأجاب الشيخ عن الأول بأن ذمة الميت خربت. وإذا قلنا: يحل المؤجل بالإفلاس، فإذا أزيل عنه الحجر وبقي بعض الأجل .. قال القفال: يعود الحق مؤجلًا، وهذا فرع غريب في تأجيل الحال، وهو مبني على مسألة الزائل العائد.

وَلَوْ كَانَتِ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ .. فَلَا حَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِه .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحلول بالجنون ثلاث طرق: أحدها: يحل به؛ لأنه لا استقلال له كالميت وقيمه كالوارث. والثاني: لا يحل به؛ لأن قيم المجنون له أن يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة، فإذا لم يمنع الأجل ابتداء .. فأولى أن لا يقطعه دوامًا. والثالث: قولان، والأصح: أنه لا يحل مطلقًا. قال الشيخ: ولم يصرح الرافعي بتصحيح في ذلك، لكنه الذي يفهم من كلام الأصحاب. ووقع في (الروضة): ولو جن وعليه مؤجل .. حل على المشهور وهو مكتوب على كشط ومضروب عليه، ثم كشط الضرب. قال الشيخ: ولا ريبة في أن الصحيح: عدم الحلول. وفي الحلول باسترقاق الحربي خلاف مرتب على المفلس، وأولى بالحلول. وبحل الدين أيضًا بالردة المتصلة بالموت، كما اتفقوا على أنه يحل بالموت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ذمة الميت معلقة بدينه حتى يقضى عنه). قال: (ولو كانت الديون بقدر المال، فإن كان كسوبًا ينفق من كسبه .. فلا حجر)؛ لأنه لا حاجة إليه، بل يأمره بقضاء الدين. قال: (وإن لم يكن كسوبًا وكانت نفقته من ماله .. فكذا في الأصح)؛ لتمكنهم من المطالبة في الحال.

وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ. وَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ. حُجِرَ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يحجر؛ لئلا يذهب ماله، واختاره الإمام. قال: (ولا يحجر بغير طلب)؛ لأن الحق لهم وهم أعرف بمصالحهم، فلو كانت الديون لمجانين أو صبيان أو محجور عليهم بسفه .. حجر لمصلحتهم بلا التماس، ولا يحجر لدين الغائبين؛ لأنه لا يستوفى ما لهم في الذمم، إنما تحفظ أعيان أموالهم، على أن في المسألة تناقضًا بيَّنه في (المهمات). قال: (ولو طلب بعضهم ودينه قدر يحجر به .. حجر)؛ لئلا يضيع حقه بتكاسل غيره، ولأنه كجميع الغرماء إذا طلبوا، ثم لا يختص الحجر به بل يعم أثره الجميع. والمراد بكونه (يحجر به): أن يكون زائدًا على ماله، أو مساويًا له على الوجه المتقدم. قال: (وإلا .. فلا) أي: إذا لم يكن دين الطالب زائدًا على الأصح، ولا مساويًا له على ذلك الوجه .. فلا حجر؛ لأن دين الطالب ممكن وفاؤه بكماله ولا ضرر إلى طلب الحجر، هذا هو المشهور. واختار الجويني والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والمتولي: أنه يحجر به، وقواه المصنف. قال: (ويحجر بطلب المفلس في الأصح)؛ لأن له فيه غرضًا ظاهرًا. وفي (الرافعي): أنه الحجر على معاذ رضي الله عنه كان بسؤاله، وهذا لم يثبت، بل في (النهاية): أنه كان بسؤال الغرماء. والثاني: لا يحجر؛ لأن الحرية والرشد ينافيان الحجر، وإنما جوز بسؤال الغرماء للضرورة، واختاره الشيخ، قال: وصورة المسألة: أن يثبت الدين بدعوى

وَإِذَا حُجِرَ .. تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحْذَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغرماء وإقامتهم البينة على إقراره ولم يطلبوا الحجر، ويطلب هو، أو كان القاضي عالمًا بثبوت الدين وقلنا: يعتمد العلم، أما بدون ذلك .. فلا يكفي طلب المفلس. قال: (وإذا حجر .. تعلق حق الغرماء بماله) كالرهن؛ لأن ذلك فائدة الحجر سواء كان ماله عينًا أو دينًا أو منفعة. قال شيخنا: وفي تعلقه بالدين المؤجل حتى لا يصح الإبراء منه نظر ظاهر، والظاهر: خلافه. فعلى هذا: إذا حل .. هل يتعلق به جزمًا، أو يتخرج على الخلاف في الأموال الحادثة؟ فيه نظر. ومعنى (التعلق بماله): أنه لا ينفذ تصرفه فيه بما يضر الغرماء، ولا تزاحمه الديون الحادثة. واحترز بـ (حق الغرماء) عن ديون الله تعالى كالزكاة والكفارات والنذور؛ فإنها لا تتعلق بماله كما جزم به الشيخان في الباب الثاني من (كتاب الأيمان) بعد ذكرهما الأقوال في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي، وقالا: إن الأقوال لا تجري في المفلس، بل يقدم حق الآدمي ما دام حيًا. قال الشيخ: ولم يحتج المصنف إلى ذكر المنع من التصرف كما ذكره غيره؛ لأن ذلك حقيقة الحجر. قال: فإن قلت: الصحيح عند الرافعي والمصنف: أنه يحجر بسؤال المفلس، وذلك يدل على أن الحجر لنفسه .. فالجواب أنه لأجل الغرماء وإن جاز بسؤاله؛ لأن من مصلحته وفاء ديونه. قال: (وأشهد على حجره ليحذر) وهذا الإشهاد مندوب على الأصح.

وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ .. فَفِي قَوْلٍ: يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنِ الدَّيْنِ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. لَغَا، وَالأَظْهَرُ: بُطْلَانُهُ. وَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهمْ .. بَطَلَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: واجب. وقيل: شرط لا يصح الحجر إلا به. والحاكم مخير في صيغة الحجر بين أن يقول: وقفت عليك مالك ومنعتك من التصرف، وأن يقول: حجرت عليك ومنعتك من التصرف. ويستحب مع الإشهاد النداء عليه، ولم يقل أحد بوجوبه. قال: (ولو باع أو وهب أو أعتق .. ففي قول: يوقف تصرفه)؛ لأنه محجور عليه لحق الغرماء، فيكون تصرفه موقوفًا كالمريض، وكذلك الحكم في وقفه وإجارته وغيرهما، ويصح تدبيره ووصيته؛ لنفوذهما بعد الموت. قال: (فإن فضل ذلك عن الدين .. نفذ) كما إذا حصل إبراء أو بيع بزيادة ثمن. قال: (وإلا .. لغا) أي: الجميع إن لم يفضل شيء؛ إلحاقًا له بالمريض، فإن فضل شيء لبعضها فقط .. لغا الأضعف فالأضعف، فيلغو الرهن ثم الهبة ثم البيع ثم الكتابة ثم الوقف ثم العتق، كذا في (الروضة). وفي (المهذب): يحتمل عندي نقض الآخر فالآخر كالمريض، وصرح في (المطلب) بأن هذا القول غير القول بوقف العقود المنسوب إلى القديم، فإن ذاك إنما تحصل فيه الصحة أو الملك من حين الإجارة، وهنا يتبين أنه صح وملك من حين العقد، ومع هذا القول لا يسوغ للمفلس الإقدام على التصرف، بل يمنعه قولًا واحدًا. قال: (والأظهر: بطلانه)؛ قياسًا على الرهن، وبه قال مالك والمزني، ولأنه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه. قال: (ولو باع ماله لغرمائه بدينهم .. بطل في الأصح)؛ لاحتمال أن يكون له غريم آخر فلا يصح من غير مراجعة القاضي.

فَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ .. فَالصَّحِيحُ: صِحَّتُهُ، وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يصح كبيع الرهن للمرتهن، ,الوجهان مفرعان على الأظهر: أن بيعه للأجنبي باطل، فإن قلنا: يصح للأجنبي موقوفًا .. فههنا يصح جزمًا. وظاهر عبارته: أن الخلاف في بيع جميع ماله فقط وليس كذلك، بل البعض كالجميع، فكان الصواب حذف لفظة (ماله). وقوله (بدينهم): احترز به عما إذا باعه ببعضه أو بعين .. فإنه كالبيع من الأجنبي. وصورة المسألة: أن يكون دينهم من نوع واحد، وباعهم بلفظ واحد، فإن باعهم مرتبًا .. بطل جزمًا، وإن باعهم معًا ودينهم مختلف .. بطل على الأصح. ولو باع الأجنبي بإذن الغرماء .. لم يصح أيضًا على الأصح. قال: (فلو باع سلمًا أو اشترى في الذمة .. فالصحيح: صحته، ويثبت في ذمته)؛ لأنه لا ضرر على الغرماء فيه. والثاني: لا يصح كالسفيه، وكذلك الحكم في البيع الوارد على الذمة والقرض والإجارة، فلو قال: (فلو تصرف في ذمته) كما عبر الرافعي .. كان أولى. وقوله: (فالصحيح صحته) صوابه: فالمشهور؛ لأن الثاني قول شاذ. قال: (ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه)؛ إذا لا تعلق لذلك بالمال، والمراد: خلع الزوج، أما خلع الزوجة أو الأجنبي .. فلا ينفذهما في العين، وفي الدين الخلاف في السلم ونحوه. وقال الغزالي في (الخلاصة): لا يتناول الحجر الطلاق ولا الإقرار بالنسب، ولا القصاص، ولا الاستيلاد، وبمثل ذلك عبر الشيخ أبو محمد في (مختصر

وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ .. فَالأَظْهَرُ: قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ المختصر)، ومسألة الاستيلاد غريبة لا تعرف إلا في هذين الكتابين. قال: (واقتصاصه)؛ لما تقدم مع التشفي، والمراد: أنه إذا طلبه أجيب. قال: (وإسقاطه) أي: ولو مجانًا في الأصح؛ لأنه مندوب إليه، وقد ذكره المصنف قبيل (الديات). والثاني: لا؛ لأن فيه تضييعًا لحق الغرماء. قال: (ولو أقر بعين أو دين وجب قبل الحجر .. فالأظهر: قبوله في حق الغرماء). أما قبوله بالنسبة إليه .. فلا خلاف فيه؛ لأن المكلف يؤاخذ بإقراره، والقولان في قبوله في حق الغرماء أظهرهما –كما قال-: يقبل كإقرار المريض بدين يزاحم به الغرماء، ولأن ضرره في حقه أكثر فلا يتهم فيه. وعلى هذا: لو أراد الغرماء تحليفه عليه .. لم يحلف؛ لأنه لو امتنع .. لم يفد؛ إذ لا يقبل رجوعه، وفي (فتاوى البغوي) وجه: أنه يحلف ويصح رجوعه. والقول الثاني: لا يقبل إقراره في حقهم؛ لأن فيه إضرارًا بهم، ولأنه ربما واطأ المقر له، ولا فرق في الدين بين أن يطلقه أو يسنده لمعاملة أو إتلاف. وقول المصنف: (وجب قبل الحجر) صفة للدين، ولا فرق في العين بين أن تكون مغصوبة أو عارية أو مستامة أو وديعة. وفائدة القبول في الدين: مزاحمة الغرماء، وفي العين: تسليمها إليه. وتعبيره بـ (الوجوب) أولى من تعبير (المحرر) و (الروضة) بـ (اللزوم)؛ ليدخل فيه ما وجب، ولكن تأخر لزومه إلى ما بعد الحجر كالثمن في المبيع المشروط فيه الخيار.

وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ مُطْلَقًا .. لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهمْ، وَإِنْ قَالَ: عَن جِنَايَةٍ .. قُبِلَ فِي الأَصَحِّ. وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أقر بسرقة توجب القطع .. قطع، وفي رد المسروق القولان، والقبول أولى؛ لعدم التهمة. مهمة: ادعى عليه بمال لزمه قبل الحجر فأنكر ونكل، فحلف المدعي، إن قلنا: النكول ورد اليمين كالبينة .. زاحم، وإن قلنا: كالإقرار وهو الأظهر .. فعلى القولين، كذا قاله الشيخان هنا، وهو وهم؛ فإن الصحيح في الدعاوى: أن الحكم لا يتعدى إلى ثالث إن جعلناه كالبينة، بل يكون قاصرًا عليهما، والذي قالاه هنا هو الوجه المرجوح في موضعه، حتى قال الرافعي في آخر (الشركة): إن الأئمة اتفقوا على ضعفه. قال: (وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر بمعاملة أو مطلقًا .. لم يقبل في حقهم) أما الأولى .. فلتقصير من عامله، وأما الثانية .. فلأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن، وهو ما بعد الحجر؛ لأنه المتحقق. واحترز بـ (المعاملة) عما إذا أسنده لجناية وسيأتي. قال: (وإن قال: عن جناية .. قبل في الأصح) كما لو أسند لزومه لما قبل الحجر. والثاني: لا كما لو قال: عن معاملة، وكان الأحسن التعبير بـ (المذهب). ولو أضاف الجناية إلى ما قبل الحجر .. فكما لو أضاف المعاملة إليه، وإن أطلق الجناية .. فكما لو أطلق الدين. قال: (وله أن يرد بالعيب ما كان اشتراه)؛ لأنه من أحكام البيع الأول

إِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ. وَالأَصَحُّ: تَعَدِّي الْحَجْرِ إِلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إِنْ صَحَّحْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تصرف مبتدأ، قال القاضي حسين: ولا يجبر عليه، ويؤخذ ذلك من قول المصنف: (وله الرد)؛ لأنه لم يفوت حاصلًا، وإنما هو امتناع من الاكتساب. ولم يصرح الرافعي بهذه المسألة لكنه نقل عن النص: أن المريض إذا اطلع على عيب فيما كان قد اشتراه في حال صحته فكان الأحوط الرد فتركه .. حسب من الثلث، فدل على أنه تفويت، فينبغي وجوب الرد في مسألة الكتاب. قال: (إن كانت الغبطة في الرد)؛ عملًا بالمصلحة، فإن كانت في الإمساك .. لم يرد، بخلاف الفسخ والإجازة في زمن الخيار؛ فإنهما جائزان ولو بخلاف الغبطة على الأصح؛ لأن العقد حينئذ مزلزل فضعف تعلقهم به. قال في (الشرح الصغير): ويجيء عليه: أن الرد بالعيب لا يقيد بالغبطة أيضًا، قال الشيخ: وليس كما قال. وعبارة المصنف تقتضي: أنه لا يرد إذا لم تكن غبطة أصلًا، لا في الردة ولا في الإمساك، وفيه نظر، وليس في (الشرحين) ولا في (الروضة) تصريح به. ولو تعذر الرد بحدوث عيب عنده .. استحق الأرش إن لم يرض البائع بالعيب الحادث، ولا ينفذ إبراؤه منه؛ لما فيه من إبطال حق الغرماء. قال: (والأصح: تعدي الحجر إلى ما حدث بعده بالاصطياد والوصية والشراء إن صححناه)؛ لأن المقصود بالحجر وصول الحق إلى مستحقه، وهذا المعنى

وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إِنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِنْ جَهِلَ .. فَلَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ التَّعلُّقُ بِهَا .. لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضي شمول الحجر للمال الحادث أيضًا. والثاني: لا يتعدى؛ لأنه لم يكن موجودًا حالة الحجر. وقيل: الوجهان فيما ملكه بالشراء، وما عداه يتعدى إليه الحجر جزمًا. قال: (وأنه ليس لبائعه أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال، وإن جهل .. فله ذلك)؛ لأن الإفلاس كالعيب فيفرق فيه بين العلم والجهل. والثاني: له ذلك مطلقًا؛ لتعذر الوصول إلى الثمن، كما لو تزوجت فقيرًا عالمة بحاله .. فإن لها الفسخ بإعساره بالنفقة. والثالث: لا مطلقًا؛ لتقصيره بترك البحث والسؤال. قال: (وأنه إذا لم يكن التعلق بها) أي: إذا قلنا: ليس له التعلق بعين ماله، فـ (كان) في عبارته تامة بمعنى يثبت، وعبارة (المحرر): (إذا لم يكن له) فحذف المصنف (له) اختصارًا فالتبس على بعض النساخ فكتب (إذا لم يمكن) وفي كل منهما نقص وإيهام. قال: (.. لا يزاحم الغرماء بالثمن)؛ لأنه دين حدث بعد الحجر برضا مستحقه، فلا يزاحم الغرماء به؛ قياسًا على دين الصداق والضمان، والديون التي هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماء الأولين، فإن فضل شيء عن ديونهم .. أخذه. والثاني: يزاحم؛ لأن الغرماء ملكوا المبيع في مقابلة مزاحمته، بخلاف الصداق ونحوه. وقيل: لا يزاحم إلا بثمن المبيع خاصة.

فصل

فَصْلٌ: يُبَادِرُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحَجْرِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: لو حدث دين تقدم سببه قبل الحجر كانهدام ما أجره المفلس وقبض أجرته وأتلفها .. صارت به مستحقة، سواء حدث قبل القسمة أو بعدها. وأما الديون المتجددة بسبب مؤنات المال التي من مصلحة الحجر كأجرة الدلال والكيال والحمال والمنزل الذي يوضع المتاع فيه .. فتقدم على الغرماء إذا لم يوجد متبرع بها، ولم يتيسر صرفها من بيت المال. قال: (فصل: يبادر القاضي بعد الحجر ببيع ماله)؛ لأن المفلس يتضرر بطول الحجر والغريم بتأخر الحق، لكن لا يفرط في الاستعجال؛ كيلا يطمع فيه بثمن بخس. روى مالك [1460] عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة، رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج فادان معرضًا -أي: عن الوفاء، وقيل: اعترض الناس فادَّان منهم فأصبح وقد دين به أي: وقع فيما لا يقدر على الخروج منه- فمن كان له عنده شيء .. فليحضر غدًا؛ فإنا بائعوا ماله وقاسموه بين غرمائه) ولم يخالفه أحد فكان إجماعًا. وجزم الرافعي بأن هذه المبادة مستحبة، وبه صرح في (البسيط)، وعبارة (الوسيط) و (الوجيز) تفهم الوجوب، قال الشيخ: وهو الأولى لحق الغرماء، ولا يختص ذلك بالمفلس، بل كل مديون ممتنع ببيع القاضي عليه. وإذا رأى القاضي أن لا يبيع ماله ويجبره على بيعه بنفسه بالحبس والتعزير .. فله ذلك على الصحيح. قال: (وقسمه بين الغرماء)؛ لأن ذلك مقصود الحجر، ويجب على القاضي إذا قسم أن يقسم بنسبة ديونهم، لكن المكاتب إذا حجر عليه وعليه نجوم وأرش جناية

وَيُقَدِّمُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ، ثُمَّ الْمَنْقُولَ، ثُمَّ الْعَقَارَ. وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ودين معاملة .. الأصح: تقديم دين المعاملة ثم الأرش ثم النجوم، بخلاف المديون إذا كان غير محجور عليه فيقسم كيف شاء، كذا أطلقوه. قال الشيخ: وهو ظاهر بالنسبة إلى صحة التصرف، ولكن ينبغي إذا استووا وطالبوا وحقهم على الفور .. أن تجب التسوية. وهل يكتفي القاضي في البيع باليد أو لابد من ثبوت الملك؟ قال الشيخ: فيه وجهان: أصحهما: الأول. قال: (ويقدم ما يخاف فساده، ثم الحيوان، ثم المنقول، ثم العقار)؛ لما في الترتيب من الاحتياط الواضح، ويقدم الملبوس على الأواني، والبناء على الأراضي، ولا يخفى أن ما تعلق بعينه حق كالمرهون والجاني ومال القراض يقدم بيعه على ما لم يخف فساده. قال: (وليبع بحضرة المفلس وغرمائه) أي: ندبًا؛ لأنه أنفى للتهمة، ولأن الغرماء قد يزيدون في السلعة، والمفلس يبين ما في ماله من العيب فلا يرد، وهذا الأمر للاستحباب. و (الحضرة) مثلثة الحاء. قال: (كل شيء في سوقه)؛ لأن طالبه فيه أكثر، وهذا مستحب أيضًا ومحله –كما قال الإمام-: إذا لم يكن لنقله مؤنة، وإلا .. استدعى أهل السوق إليه إن رآه مصلحة. ويستحب للحاكم أن يقيم دلالًا يرضاه المفلس والغرماء. و (السوق) مؤنثة على المشهور، مشتقة من سوق الناس بضائعهم إليها، وهي مأوى الشيطان وبها باض وفرخ.

بِثَمَنِ مِثْلِهِ، حَالًّا، مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إِلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ .. اشْتَرَى، وَإِنْ رَضِيَ .. جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إِلَيْهِ إِلَّا فِي السَّلَمِ. وَلَا يُسَلِّمُ مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بثمن مثله، حالًّا، من نقد البلد) هذا واجب؛ لأنه أسرع إلى قضاء حقوقهم. فإن رضي المفلس والغرماء بالبيع نسيئة .. قال المتولي: جاز، وقال الشيخ: فيه نظر؛ لاحتمال غريم آخر. وكونه من نقد البلد واجب إلا في صورتين: إحداهما: إذا رضي المفلس والغرماء بغيره .. فيجوز. والثانية: إذا رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوق الغرماء .. جاز، وقد سبق مثله في (الرهن)، وفيما سوى هاتين الصورتين لا يبيع إلا بنقد البلد، سواء كانت الديون من جنسه أم لا. قال: (ثم إن كان الدين من غير جنس النقد ولم يرض الغريم إلا بجنس حقه .. اشترى) له؛ لأنه واجبه. قال: (وإن رضي .. جاز صرف النقد إليه إلا في السلم)؛ فإن الاعتياض فيه غير جائز، لكن ترد عليه النجوم فليس للسيد الاعتياض عنها في الأصح، وكذا المنفعة الواجبة في إجارة الذمة في الأصح؛ لأن الأصح فيها تغليب المعنى وهو السلم. قال: (ولا يسلم مبيعًا قبل قبض ثمنه)؛ لأنه يتصرف لغيره فيحتاط، فإن سلم .. ضمن، كذا أطلقه في (الروضة) هنا. قال الشيخ: هذا في الوكيل والولي والوصي والعدل، أما الحاكم .. فلم أر تصريحًا به، وينبغي إن اعتقده باجتهاد أو تقليد صحيح .. لم يضمن، وإن فعله جهلًا أو معتقدًا تحريمه .. ضمن وانعزل. وقيل: من سلم بإذن الحاكم .. لا يضمن، وحيث وجب الضمان يضمن القيمة، وقيل: الثمن، وقيل: أقلهما.

وَمَا قَبَضَ .. قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخِّرَ لِيَجْتَمِعَ. وَلَا يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو نصب الحاكم أمينًا حتى باعه فخرج مستحقًا .. فالأصح: أنه لا يكون طريقًا في الضمان. ووقع في (الفتاوى): أن القاضي إذا باع شيئًا من مال المفلس أو غيره ثم نسي المشتري هل يضمن؟ وأجيب بأنه لا يضمن بخلاف الوكيل؛ لأن القاضي نائب الشرع ولم يجعل طريقًا للضمان، وعبارة المصنف تقتضي: أنه يضمن؛ لتقصيره بالتسليم قبل قبض الثمن. قال: (وما قبض .. قسمه بين الغرماء)؛ لتبرأ بذلك ذمته، ويصل الحق إلى أهله، وهذا مندوب. قال: (إلا أن يعسر لقلته فيؤخر ليجتمع) فذلك أولى، فيودعه أمينًا إن لم يجد أمينًا موسرًا يقرضه، فإن لم يرض الغرماء بالتأخير .. ففي (النهاية) أنه يجيبهم واختاره الشيخ. قال الرافعي: الظاهر خلافه، فإن كان الغريم واحدًا .. سلم إليه ما يتحصل؛ لأن ذلك أولى من إقراضه. قال: (ولا يكلفون بينة بأن لا غريم غيرهم) لأن الحجر استفاض فلو كان غريم .. لظهر. وقال الإمام: يكلفون كالورثة. وفرق الرافعي بأن الورثة أضبط، وفرق المصنف بأن الغريم الموجود تيقنا استحقاقه وشككنا في مزاحم، ولو قدر مزاحم .. لم يخرجه عن استحقاقه هذا القدر في الذمة، ولو أبرأ أو أعرض .. سلمنا الجميع للآخر، والوارث بخلافه في جميع ذلك.

فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ .. شَارَكَ بِالْحِصَّةِ، وَقِيلَ: تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ. وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ تَالِفٌ .. فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو قسم فظهر غريم .. شارك بالحصة)؛ لأن المقصود يحصل بذلك، وكذلك الحكم في التركة إذا قسمها الورثة ثم ظهر دين. و (الظهور): انكشاف الأمر عما كان ثابتًا. واحترز بـ (ظهور الغريم) عن حدوث الدين بعد القسمة؛ فإنه لا أثر له إلا إذا كان سببه متقدمًا كما تقدم. ومعنى مشاركته بالحصة: أنه يرجع بها على الآخذين، فلو قسم ماله وهو خمسة عشر على غريمين لأحدهما عشرون وللآخر عشرة، فأخذ أحدهما عشرة والآخر خمسة، وظهر غريم له ثلاثون .. استرد من كل واحد نصف ما أخذ. ولو كان دينهما عشرة وعشرة فقسم المال بينهما نصفين، ثم ظهر غريم بعشرة .. رجع على كل واحد بثلث ما أخذ، فإن أتلف أحدهما ما أخذه وكان معسرًا لا يحصل منه شيء .. فوجهان: أصحهما: يأخذ الغريم الثالث من الآخر نصف ما أخذ، وكأنه كل المال، ثم إذا أيسر المتلف .. أخذا منه ثلث ما أخذ وقسماه بينهما. والثاني: لا يأخذ منه إلا ثلث ما أخذه، ويبقى له في ذمة المتلف الثلث. قال: (وقيل: تنقض القسمة)؛ لأنها وقعت على غير الوجه الشرعي، ولو حصل مثل ذلك في الغنيمة .. لم تنقض القسمة بل يعوض من أخذ منه. قال: (ولو خرج شيء باعه قبل الحجر مستحقًا والثمن تالف .. فكدين ظهر) وقد علم حكمه. واحترز عما إذا وقع ذلك في حال الحجر .. فإنه لا أثر له؛ لأنه دين حادث لم يتقدم سببه، وبقوله: (والثمن تالف) عما إذا كان باقيًا .. فإنه يرده. و (الكاف) في قوله: (فكدين) زائدة؛ فإنه دين حادث.

وَإِنِ اسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ .. قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ، وَفِي قَوْلٍ: يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ. وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يُقَسِّمَ مَالَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن استحق شيء باعه الحاكم .. قدم المشتري بثمنه)؛ لئلا يرغب الناس عن شراء مال المفلس. قال: (وفي قول: يحاص الغرماء) كسائر الديون. ويؤخذ من كلامه أنه لا يطالب الحاكم، ولا يكون طريقًا في الضمان، وهو كذلك بلا خلاف، وكذا أمينه النائب عنه على الصحيح، فلو كان من جهة المفلس .. طولب، وكذا الوصي والوكيل. قال: (وينفق على من عليه نفقته حتى يقسم ماله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) ولا يعطى ذلك إلا يومًا بيوم، وآخرها اليوم الذي يقسم فيه ماله، فيعطى نفقته بليلته؛ لأنه بعد ذلك يفك عنه الحجر ويتفرغ للاكتساب، وفي زمن الحجر مشغول عن الكسب. وشملت عبارته: نفسه وأقاربه ورقيقه وأمهات أولاده وزوجاته، لكن لا ينفق على من تجدد من الزوجات في حال الحجر، والفرق بينها وبين الولد المتجدد تقدم سببه دونها. والمراد بـ (النفقة): قوت مثله الذي لا يستغنى عنه، لا الشهوات. والواجب للزوجة: نفقة المعسرين عند الإمام، ومال إليه المصنف وابن الرفعة والشيخ، والنص يدل له. وقال الروياني: نفقة الموسرين، ومال إليه الرافعي مستدلًا بأنه لو كان ينفق نفقة المعسرين .. لما أنفق على الأقارب.

إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ. وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الأَصَحِّ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى خَادِمٍ لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أن يستغني بكسب) فحينئذ يكون ذلك من كسبه، فإن فضل شيء من كسبه .. رد إلى المال، وإن نقص .. كمل منه، ويستوي على هذا الزوجة الجديدة والقديمة في الإنفاق. والمراد بـ (الكسب): اللائق، وأن يجد من يستعمله ويعمل، فإن قصر ولم يعمل .. فإطلاق المتولي يقتضي: أنه لا ينفق من ماله، واختاره الشيخ، ومقتضى ما في (المطلب): أنه ينفق من ماله، ولا فرق بين أن يتكرر ذلك منه أو يوجد مرة أو مرتين. قال: (ويباع مسكنه وخادمه في الأصح وإن احتاج إلى خادم لزمانته ومنصبه)؛ لأنه يسهل تحصيلهما بالأجرة، فإن تعذر .. فعلى المسلمين. والثاني: يبقيان إن لاقا بحاله. والثالث: يبقى المسكن دون الخادم، وكل ما يترك له لو كان موجودًا .. يشترى له إذا لم يكن. وقال البغوي: يباع مركوبه وإن كان ذا مروءة. وقال العبادي: تبقى للعالم كتبه؛ لأنها علم يحتاج الناس إليه. و (الزمانة) بفتح الزاي والميم: يأتي بيانها في (قسم الصدقات) إن شاء الله تعالى. فائدة: قال الشيخ: اضطرب حكم المسكن والخادم، فهنا يباعان على الأصح، وفي الكفارة: إن كانا لائقين به لزمانة أو منصب .. بقيا، وإلا .. فلا في الأصح.

وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ، وَهُوَ: قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ وَمُكَعَّبٌ، وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ ويباع النفيسان إن لم يؤلفا، وفي الفطرة ونكاح الأمة يبقيان في الأصح، وفي زكاة المال لا يسلبان اسم الفقر، وفي الحج يبقيان لزمانة أو منصب، ويبدل النفيسان ونفقة القريب والزوجة وسراية العتق كالدين، وفي العاقلة يبقيان، وفي ستر العورة يبقيان وفاقًا لابن كج وخلافًا لابن القطان. اهـ والصواب: عزو المنع لابن كج ومقابله لابن القطان. قال: (ويترك له دست ثوب يليق به)؛ لأن الحاجة إلى الكسوة كالحاجة إلى النفقة، ولأن الميت يقدم كفنه على سائر الغرماء، والحي آكد حرمة من الميت، وكما تترك الكسوة له تترك لكل من تلزمه نفقته، وإنما تفترق الكسوة والنفقة في شيئين: أحدهما: الكسوة يترك منها ما يدوم بعد يوم القسمة، بخلاف النفقة. والثاني: النفقة يقتصر فيها على الأقل، والكسوة يعتبر فيها ما يليق به حال الحجر دون حال يسرته، إلا أن يكون يلبس دون ما يليق به .. فلا يزاد عليه، وكذلك تترك له دُرَّاعة يلبسها فوق القميص إن كان يليق به ذلك، ومنديل وخف وطيلسان إن كان تركها يخرم بمروءته، وللإمام فيها احتمال. قال: (وهو: قميص وسراويل وعمامة ومكعب، ويزاد في الشتاء جبة)؛ لأنه يحتاج إليه، ولا يؤجر غالبًا. والمراد: أنه يخلى له إن كان في ماله، ويشترى له إن لم يكن. هذا في الرجل، أما المرأة إذا أفلست أو وجبت كسوتها في مال المفلس .. فالواجب لها الإزار والمقنعة وغيرهما مما يليق بها. وسكوتهم عما يلبس على الرأس تحت العمامة يقتضي عدم اعتباره، والظاهر: إيجابه.

وَيُتْرَكُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تترك الفرش والبسط لكن يسامح باللبد والحصر القليلة القيمة، ولا يترك له رأس مال يتجر فيه على المذهب، وقال ابن سريج: يترك له ذلك إن لم يحسن الاكتساب إلا به وهو ضعيف. كل هذا إذا كان بعض ماله خاليًا عن تعلق حق، فإن تعلق بجميع ماله حق لمعين بأن كان مرهونًا، أو مبيعًا لم يقبض ثمنه، أو تعلق برقبته أرش جناية .. فلا ينفق عليه ولا على عياله منه كما صرح به الإمام وغيره. و (السراويل) معرب عند الجمهور، وقيل: عربي يذكر ويؤنث والجمهور على تأنيثه قال الشاعر [من المتقارب]: عليه من اللؤم سروالة .... فليس يرق لمستعطف وأول من لبسه إبراهيم الخليل عليه السلام. ووجد في تركة النبي صلى الله عليه وسلم لباس اشتراه بأربعة دراهم. ولم يلبسه عثمان رضي الله عنه أبدًا إلا يوم قتل .. فإنه لبسه وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم البارحة في النوم هو وأبو بكر وعمر وقالوا لي: (اصبر؛ فإنك تفطر عندنا القابلة) فأصبح عثمان صائمًا، فقتل في يومه. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. و (المكعب): المداس، ووقع في (الروضة): مكعب ونعل. قال: (ويترك قوت يوم القسمة لمن عليه نفقته)؛ لأنه موسر في أوله ولذلك تبقى له سكنى يوم. قال: (وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين)؛ لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}. وفي (صحيح مسلم) [1556]: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب

وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ إِجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجل في ثمار ابتاعها .. فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه: (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك). والرجل المذكور: معاذ بن جبل رضي الله عنه، قاله في (شرح مسلم). وقال عمر بن عبد العزيز وأحمد: يلزمه أن يكتسب ويؤاجر نفسه لتبرأ ذمته. ونقل ابن الصلاح عن أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي –وكان من أصحاب إمام الحرمين- أنه قال: إن وجب الدين بسبب هو عاص به كالإتلاف عمدًا .. وجب عليه الاكتساب؛ لأن التوبة منه واجبة وأداؤه من جملة شروطها لكونه حق آدمي، وإن لم يكن عاصيًا .. لم يجب. وقوة الكلام المصنف تعطي: أن الحجر عليه ينفك بالقسمة، فلا يحتاج إلى فك القاضي وهو وجه، والأصح: خلافه؛ لأنه حجر لا يثبت إلا بإثبات القاضي، فلا يرتفع إلا برفعه. ولو كانت مفلسة وهي تخطب بمال كثير .. لم يجب عليها أن تتزوج لحق الغرماء بلا خلاف. قال: (والأصح: وجوب إجارة أم ولده والأرض الموقوفة عليه)؛ لأن المنافع كالأعيان، ولهذا تضمن بالفوات في يد الغاصب، بخلاف منافع الحر، وعبارة (الحاوي الصغير): (ويؤجر موقوفه) وهي أعم. والثاني: لا تجب؛ لأن المنافع لا تعد أموالًا حاضرة، ومال إليه الإمام والقاضي حسين. فعلى الأول يؤجر مرة بعد مرة إلى فناء الدين. قال الرافعي: وقضية دوام الحجر إلى فنائه وهو كالمستبعد. ونبه شيخنا على أن تصريحهم بالإيجار إلى فناء الدين صريح في أن ملك المنفعة لا يمنع الحجر وإن كان ماله معها زائدًا على الدين.

وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا، فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ .. فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِلَّا .. فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الأَصَحِّ. وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الإِعْسَارِ فِي الْحَالِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا ادعى أنه معسر أو قسم ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا، فإن لزمه الدين في معاملة مال كشراء أو قرض .. فعليه البينة)؛ لأن الأصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة. وفي (النهاية) وجه: أن يقبل أيضًا، لأن المال غاد ورائح، ونقله العبادي في (طبقاته) عن القديم. قال: (وإلا) أي: وإن لزمه بغير معاملة كالصداق والضمان والإتلافات (.. فيصدق بيمينه في الأصح)؛ لأن الأصل العدم. والثاني: عليه البينة؛ لأن الظاهر من حال الحر أن يملك شيئًا. والثالث: إن لزمه باختياره كالصداق والضمان .. فلابد من البينة، وإلا .. فيقبل قوله؛ لأن الظاهر أنه لا يشغل ذمتَه إلا بما يقدر عليه. قال: (وتقبل بينة الإعسار) وإن تعلقت بالنفي؛ لمكان الحاجة كالبينة على أن لا وارث سوى هذا. قال: (في الحال)؛ قياسًا على غيرها. وقال أبو حنيفة: لا تسمع إلا بعد مدة، وعن مالك: لا تسمع؛ لأنها شهادة على النفي. قال الشيخ: ولابد من ثبوت العدالة، ووهم ابن الرفعة حيث نقل عن الإمام أنه يخرج من الحبس بعد قيام البينة وقبل الاستزكاء. والصحيح في هذه البينة: أنها رجلان، وفي وجه: أنها رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين.

وَشَرْطُ شَاهِدِهِ: خِبْرَةُ بَاطِنِهِ، وَلْيَقُلْ: هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الفوراني والمتولي: لابد من ثلاثة؛ لما روى مسلم [1044] عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه أنه قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)، ثم قال: (يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة .. فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله .. فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش –أو قال: سدادًا من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقيم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة .. فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش –أو قال: سدادًا من عيش- فما سواهن يا قبيصة يأكلها صاحبها سحتًا). قال: (وشرط شاهده: خبرة باطنه)؛ لأن الإعسار أمر خفي بخلاف الشهادة على تلف المال فإنه أمر ظاهر، وسيأتي في (الشهادات) بيان أسبابها التي يعتمدها الشاهد كطول المخالطة والمجاورة إن شاء لله تعالى. ولا تجوز لهم الشهادة اعتمادًا على ظاهر الحال، والقاضي إن عرف أنهم من أهل الخبرة الباطنة .. اكتفى بشهادتهم، وإلا .. توقف حتى يعرف ذلك، فإن قالوا: اختبرنا باطن حاله .. اكتفى. وقوله: (شاهده) مراده: الجنس، ولو قال: شاهديه .. كان أحسن. قال: (وليقل: هو معسر، ولا يمحض النفي كقوله: لا يملك شيئًا) بل يجمع بين الإثبات والنفي، ويقدم الإثبات فيقول: أشهد أنه معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه وسكنى يومه. ولا حاجة إلى قوله: إنه تحل له الصدقة. فروع: قال: غريمي يعلم أني معسر، فحلفوه .. حلف، فإن نكل .. حلف المديون ولم يحبس، وإذا طلب الغريم يمينه بعد إقامة البينة .. حلف، وإن سكت .. لم يحلفه القاضي في الأصح.

وَإِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُهُ .. لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ، بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يحلف مطلقًا؛ لأن في تحليفه جمعًا بين حجتين: البينة واليمين، وفيه إيذاء الشهود وطعن عليهم. ولو علم القاضي إعسار الغريم .. ففي (النهاية): أنه لا يحكم به؛ لأنه مظنون لا مقطوع به، لكن في (الرافعي) في (القضاء): أن المراد بالعلم: الظن المؤكد لا مدلوله الحقيقي .. فعلى هذا يحكم به هنا. وإذا فرعنا على ما قاله الإمام .. فليس للقاضي حبسه؛ لأنه قضاء بما علم خلافه وهو ممتنع، بل يطلقه من غير حكم بإعساره، حتى يجوز للغريم أن يطالبه عند قاض آخر ويحبسه. وإذا شهدت بينة على المفلس بالغنى .. فلابد من بيان سببه، قاله القفال في (الفتاوى). وإذا حبس .. فله أن يحضر صاحب الدين كل يوم ويحلفه أنه لا يعلمه معسرًا، إلا أن يظهر للقاضي تعنته. وإذا قبلنا قوله في الإعسار وحلفناه .. فلصاحب الدين أن يطلبه كل يوم ويدعي أنه استفاد مالًا ويحلفه. حادثة: في بينتي: إعسار وملاءة، كلما شهدت إحداهما .. جاءت الأخرى فشهدت أنه في الحال على ما شهدت به هل يقبل ذلك أبدًا أو يعمل بالمتأخرة؟ أجاب ابن الصلاح بأنه يعمل بالمتأخرة منهما وإن تكررت إذا لم ينشأ من تكرارها ريبة، ولا تكاد بينة الإعسار تخلو عن الريبة إذا تكررت. قال: (وإذا ثبت الإعسار .. لم يجز حبسه ولا ملازمته، بل يمهل حتى يوسر)؛

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}. وأفهم كلامه: أنه إذا لم يثبت إعساره .. جاز حبسه حتى يظهر؛ لما روى أحمد [4/ 222] وأبو داوود [3628] والنسائي [7/ 316] وابن ماجه [2427] والحاكم [4/ 102] وابن حبان [5089] عن عمرو بن الشريد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته). قال المفسرون: أراد بـ (العقوبة): الحبس والملازمة. وفي (البيهقي) [6/ 48]: أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلًا أعتق شقصًا له من عبد في قيمة الباقي). فإن ادعى أن ماله تلف وصار معسرًا .. فعليه البينة. ومعنى (لي الواجد) أي: مطله. قال الشاعر [من الرجز]: قد كنت داينت بها حسانًا .... مخافة الإفلاس واللَّيانا وقال ذو الرمة [من الطويل]: تريدين ليَّاني وأنت مليئة .... وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا ومعنى قوله: (وعرضه) أن لصاحب الدين أن يذمه ويصفه بسوء القضاء. تنبيهان: أحدهما: أفهم كلامه جواز حبس الأبوين والأجداد بدين الولد وهو الأصح عند الغزالي وصاحب (الحاوي الصغير)، والأصح عند الجمهور: المنع، ولا فرق بين دين النفقة وغيرها كما صححه الشيخان في (الشهادات). وفي وجه ثالث: أنه يحبس في دين النفقة دون غيره من الديون. الثاني: علم من مجموع ذلك: أن الحر لا يباع في دينه، وقد ورد: أن ذلك وقع في صدر الإسلام، قال ابن حزم: إن زرارة بن أوفى قاضي البصرة من التابعين باع حرًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في دينه. قال: وقد روينا عن الشافعي رضي الله عنه مثل ذلك، وهي قولة عنه غريبة لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الحديث والآثار. اهـ وذكر أبو بكر الكندي في كتاب (أعيان الموالي في جند أهل مصر): أن فتيان المالكي ناظر الشافعي رضي الله عنه في بيع الحر في الدين فكان الشافعي رضي الله عنه يقول: يباع، وفتيان يقول: لا يباع، وكأن هذه القولة هي التي عزاها إليه ابن حزم، لكن لم يصح عن الشافعي رضي الله عنه ذلك. وروى البيهقي [6/ 50] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم باع حرًا أفلس في دينه). وفيه: عن زيد بن أسلم أنه قال: رأيت شيخًا بالإسكندرية يقال له: سُرَّق، فقلت له: ما هذا الاسم؟ فقال: اسم سمانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن أدعه. قلت: ولم سماك؟ قال: قدمت المدينة فأخبرتهم أن مالي يقدم فبايعوني فاستهلكت أموالهم، فأتوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنت سُرَّق) فباعوني بأربعة أبعرة، فقال الغرماء للذي اشتراني: ما تصنع به؟ قال: أعتقه. فقالوا: لسنا بأزهد في الخير منك، فأعتقوني بينهم وبقي اسمي كذلك. قال البيهقي [6/ 50]: وفي إجماع العلماء على خلافه –وهم لا يجمعون على ترك رواية ثابتة- دليل على ضعفه أو نسخه. وفي (مراسيل أبو داوود) [170]: عن معمر عن الزهدي قال: كان يكون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ديون على رجال، ما علمنا حرًا بيع في دين. وإذا حبس المعسر .. جاز للغريم ملازمته إلا أن يقول للقاضي: تشق علي الطهارة والصلاة بسبب ملازمته فاحبسني .. فإنه يجاب. وإذا خاف القاضي فراره من حبسه .. فله نقله إلى حبس الجرائم.

وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الإعْسَارِ .. يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِعْسَارُهُ .. شَهِدَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والغريب العاجز عن بينة الإعسار .. يوكل القاضي به من يبحث عن حاله، فإذا غلب على ظنه إعساره .. شهد به)؛ لئلا يؤدي إلى تخليد حبسه. قال في (الكفاية): وهذا أبداه الإمام تفقهًا لنفسه. فروع: الأول: إنظار المعسر واجب، ورب الدين مخير بينه وبين الإبراء، فإن قيل: التخيير بين شيئين يقتضي استواءهما في الحكم، فكيف خير بين واجب ومندوب والواجب أفضل؟ .. فالواجب: أن المندوب قد يفضل الواجب كالصدقة بألف دينار تطوعًا، فإنها أفضل من درهم زكاة، وأيضًا ابتداء السلام أفضل من الرد، والابتداء سنة والرد قد يكون واجبًا. الثاني: من عليه دين حال .. وجب عليه أداؤه إن قدر عليه، وهل يتوقف ذلك على مطالبة رب الدين؟ فيه وجهان في (شرح العمدة) لابن دقيق العيد في الكلام على مطل الغني، وجزم شيخه الشيخ عز الدين بن عبد السلام في (القواعد) بعدم الوجوب، وكذلك الشيخ أبو المظفر السمعاني في كتاب (القواطع) في أصول الفقه، وكلام المصنف في (الروضة) في آخر (الحجر) حاصله: الوجوب أيضًا. وقال في (الغصب) من (البحر) يحتمل أن يقال: إن كان وجوبه برضا المالك .. فهو على التراخي، ويتعين أداؤه بالمطالبة، وإن كان وجوبه بغير رضا المالك .. فالقضاء على الفور. وقال الإمام في (كتاب الزكاة) وفي آخر (كتاب القاضي إلى القاضي): لا يتعين أداؤه إلا بالمطالبة. قال القمولي: وهذا هو الظاهر، فإذا طالبه ربه به .. وجب أداؤه على الفور بحسب الإمكان، فإن امتنع وله مال ظاهر: فإن كان من جنس الدين .. وفى منه، وإن كان من غيره .. أمر ببيعه والإيفاء منه، فإن لم يفعل .. فثلاثة أوجه:

فصل

فَصْلٌ: مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضِ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ .. فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها –وهو ما أورده القاضي الطبري وابن الصباغ والبندنيجي وعليه عمل القضاة-: يحبس، فإن لم ينجع فيه الحبس .. باع ماله وقضى دينه. والثاني عن الشيخ أبي حامد: أن القاضي إن رأى حبسه .. فعل، وإن رأى بيع ماله .. باعه. والثالث: لا يحبسه بل يبيع المال عليه في الحال وهو المنصوص. الثالث: من وقعت الإجارة على عينه .. لا يحبس في الديون، بل يقدم حق المستأجر كما يقدم حق المرتهن، أفتى به الغزالي، وقياسه: أن لا يحضر أيضًا مجلس القاضي إذا طلبه. تتمة: أفتى ابن الصلاح وغيره في رجل ثبت إعساره، ثم كتب عليه مسطورًا بدين وأشهد عليه أنه مليء به: أنه يثبت بذلك يساره؛ لتمكنه من صرف ما استدانه، وإقراره بالملاءة به يسري إلى كل دين، وفيما قالوه نظر؛ لأنه قد يوسر بذلك القدر دون غيره. قال: (فصل: من باع ولم يقبض الثمن حتى حجر على المشتري بالفلس .. فله فسخ البيع واسترداد المبيع)؛ لما تقدم في أول الباب من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أفلس

وَالأَصَحُّ: أَنَّ خِيَارَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ وَالإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل فوجد البائع سلعته بعينها .. فهو أحق بها من الغرماء) وهذا الرجوع ثابت إذا مات المشتري مفلسًا. وقال أبو حنيفة: لا يثبت في الحالين. وقال مالك: يثبت في الفلس دون الموت. وقال الإصطخري: يثبت بموت المشتري وإن كان موسرًا. وقال ابن حربويه: إنما يكون أحق به؛ ليستوفي حقه من ثمنه، ولا يشاركه فيه الغرماء كالرهن، والمذهب الأول. أما إذا قبض بعض الثمن .. فله الفسخ على الجديد، لكن في البعض فقط. وأفهم كلامه: أن له الفسخ وإن لم يأذن الحاكم، وهو كذلك في الأصح. وصيغته أن يقول: فسخت البيع أو نقضته أو رفعته أو رجعت في عين مالي، فإن اقتصر على قوله: فسخت أو رددت الثمن .. فالصحيح: أنه فسخ. واستنبط الشافعي رضي الله عنه من الحديث: أن البيع موقوف إن أخذ ثمنه، وإلا .. رجع بائعه فأخذه، ويكون كالمرهون بثمنه بل أقوى؛ لأنه يأخذه كله لا يباع عليه فيستوفي حقه ويرد الفضل. ولو قضى قاض بمنع الفسخ .. نقض حكمه عند الإصطخري، والأصح عند المصنف وغيره: أنه لا نقض له. قال: (والأصح: أن خياره على الفور)؛ لأنه لدفع الضرر فكان كخيار العيب. والثاني: على التراخي كخيار الرجوع في هبة الولد، وعن القاضي حسين: لا يمتنع تأقيته بثلاثة أيام كخيار المعتقة تحت العبد. قال: (وأنه لا يحصل الفسخ بالوطء والإعتاق والبيع) وتلغو هذه التصرفات قياسًا على الواهب.

وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يحصل قياسًا على البائع في زمن الخيار. ومحل الخلاف: إذا نوى بالوطء الفسخ، فإن لم ينوه .. فلا، قاله صاحب (المعين) اليمني. قال: (وله الرجوع في سائر المعاوضات كالبيع) أشار بذلك: إلى أن المأخذ فيه القياس لا النص، وهو من محاسن كلامه. ويشهد له من السنة عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ماله بعينه عند رجل مات أو أفلس ...) الحديث. لكن إطلاقه مقيد بشرط أن تكون المعاوضة سابقة على الحجر، فإن كانت متأخرة .. فقد تقدم أن الأصح أنه ليس له الفسخ إن علم، وله إن جهل. وأفهم بقوله: (كالبيع) أنه يشترط أن تكون المعاوضة محضة، فإن الفسخ لا يثبت في النكاح والخلع والصلح عن دم العمد، لكن للمرأة الفسخ بالإعسار بالمهر قبل الدخول، وكذا بعده في قول. فلو أجر دارًا أو أرضًا أو دابة، ثم أفلس المستأجر، ثم انهدمت الدار .. انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة. فروع: الأول: في (فتاوى ابن الصلاح): أن الإجارة التي تسقط أجرة كل شهر فيها على انقضائه لا يثبت فيها الفسخ بإفلاس المستأجر بالأجرة، لا قبل انسلاخ الشهر

وَلَهُ شُرُوطٌ، مِنْهَا: كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا بعده، أما قبله .. فلأن الأجرة لم تحل بعد، وشرط الفسخ الحلول، وأما بعده .. فلفوات المنفعة، وشرط الفسخ: وجود المعقود عليه. الثاني: اقترض مالًا، ثم أفلس وهو باق في يده .. فللمقرض الرجوع سواء قلنا: يملك بالقبض أم بالتصرف، وهذا يشكل على اشتراط أن يكون بمعاوضة؛ فإن الغزالي صرح بأن القرض ليس عقد معاوضة. الثالث: كان المبيع شقصًا مشفوعًا، ولم يعلم الشفيع بالبيع حتى حجر على المشتري فهل البائع أحق به أو الشفيع؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها: الشفيع، والثمن بين الغرماء. وثانيها: البائع. وثالثها: الشفيع أولى بالشقص، والبائع أولى بالثمن بكماله. قال: (وله شروط؛ منها: كون الثمن حالًّا)؛ لأن المؤجل لا يطالب به، فتباع السلعة وتصرف إلى الغرماء على الأصح. هذا إذا وقع الشراء بالحال، فإن اشترى بمؤجل وحل قبل الحجر .. رجع أيضًا على الأصح، وإن حل بعده .. فوجهان: أصحهما في (الشرح) و (الحاوي) الصغيرين: أنه يرجع، وليس في (الكبير) ولا في (الروضة) تصحيح فيهما. وعبارة المصنف تشمل الصورة المذكورة. ولو حل الأجل قبل تسليم المبيع .. ففي (الرافعي) الجزم بأنه لا حبس للبائع، ولو وقع مثل ذلك في الصداق .. فالأصح في (الشرح الصغير): أن للمرأة الحبس، وفي (الكبير): لا حبس لها.

وَأَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِالإِفْلَاسِ، فَلَوِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ .. فَلَا فَسْخَ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: لَا تَفْسَخْ وَنقَدِّمُكَ بِالثَّمَنِ .. فَلَهُ الْفَسْخُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأن يتعذر حصوله بالإفلاس، فلو امتنع من دفع الثمن مع يساره أو هرب .. فلا فسخ في الأصح)؛ لأن التوصل إلى أخذه بالسلطان ممكن، فإن فرض عجز على ندور .. فلا عبرة به. والثاني: له الفسخ؛ لتعذر الوصول إليه حالًا مع توقعه مالًا، فأشبه المفلس. واحرتز بـ (الإفلاس) عن تعذره بانقطاع جنسه، فلا فسخ إن جوزنا الاستبدال عن الثمن، وإلا .. ففيه الخلاف في انقطاع المسلم فيه، كذا قاله الرافعي تبعًا لـ (الوسيط)، واستشكله في (المهمات) وقال: ينبغي تجويز الفسخ وإن جوزنا الاستبدال؛ لفوات مقصوده، قال: وما قاله الرافعي مخالف للقواعد ولقول الأصحاب. قال: (ولو قال الغرماء: لا تفسخ ونقدمك بالثمن .. فله الفسخ)؛ لدفع المنة، ولأنه ربما يظهر غريم آخر فيشاركه فيما أخذ. ونظير المسألة: ما إذا قال الغرماء للقصار: خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء في الثوب، والأصح في (الروضة) في هذه: الإجبارُ، وكذلك لو مات المشتري وقال وارثه: لا ترجع وأقدمك من التركة .. لم يلزم القبول، وإن قال: من مالي .. فوجهان. ولو تبرع أجنبي عن المفلس .. لم يجب على البائع القبول. ولو تبرع أجنبي بدين الميت .. اختلف فيه كلام القاضي حسين قال أولًا: لا يجب، ثم قال: يجب، واختاره الشيخ.

وَكَوْنُ الْمَبِيعِ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ فَاتَ أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ .. فَلَا رُجُوعَ، وَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكون المبيع باقيًا في ملك المشتري)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا وجده). فلو زال ثم عاد قبل الحجر .. فوجهان: صحح المصنف عدم الرجوع كالمصحح في الهبة للولد. وصحح الرافعي في (الشرح الصغير) في مسألتنا تبعًا لـ (الوجيز): الرجوع، وسيأتي في الكتاب في نظيرها جواز الرجوع. قال: (فلو مات أو كاتب العبد .. فلا رجوع) سواء كان الفوات بموت أو جناية أو أكل أو بيع أو هبة أو إعتاق أو صدقة أو وقف أو غيرها، لأنه كالخارج عن ملكه، وليس له نقض هذه التصرفات؛ لأنها صدرت من أهلها في محلها. والاستيلاد كالكتابة، كذا في (الروضة) و (الشرح)، ووقع في (فتاوى المصنف): أنه لا يمنع، وهو سبق قلم، فلو باعه ثم حجر عليه في زمن الخيار .. فله الرجوع وإن قلنا: يزول ملكه، كما يجوز للمفلس، قاله الماوردي. قال: (ولا يمنع التزويج) عبدًا كان أو أمة، لأنه لا يمنع البيعَ، وهذه المسألة لا حاجة إليها؛ لأنه عيب في العبد والأمة وقد ذكره عقبه، والتدبير وتعليق العتق لا يمنعان قطعًا. وأما الإيجار .. فلا يمنع على الأصح، فإن شاء .. أخذه مسلوب المنفعة، وإن شاء .. ضارب والأجرة للمفلس. قال ابن الرفعة: وسكتوا عن رجوع البائع عليه بأجرة المثل، قال: والذي يظهر أنه لا يرجع؛ لأن له مندوحة عن ذلك بالمضاربة، وبقي للرجوع شرطان: أحدهما: أن لا يتعلق به حق ثالث كالجناية والرهن والشفعة، فإن زال التعلق .. جاز الرجوع.

وَلَوْ تَعيَّبَ بِآفَةٍ .. أَخَذَهُ نَاقِصًا، أَوْ ضَارَبَ بِالثَّمَنِ. أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ أَوِ الْبَائِعِ .. فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ. وَجِنَايَةُ الْمُشْتَرِي كَآفَةٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أن لا يقوم بالبائع مانع من التملك، كما لو أحرم والمبيع صيد .. فلا رجوع في الأصح. وجوزوا رجوع الكافر في العبد المسلم بالفلس، وفي الفرق عسر، ولذلك منع مجلي الرجوع فيهما. قال: (ولو تعيب بآفة .. أخذه ناقصًا، أو ضارب بالثمن) كما في تعييب المبيع في يد البائع، فإن المشتري يتخير بين أن يأخذه ناقصًا أو يتركه، وسواء كان النقصان: حسيًا كسقوط بعض الأعضاء والعمى، أو غير حسي كنسيان الحرفة والإباق والتزويج، وقد تقدم استشكاله. قال: (أو بجناية أجنبي أو البائع .. فله أخذه، ويضارب من ثمنه بنسبة نقص القيمة)؛ لأن المشتري أخذ بدلًا للنقصان، وكان ذلك مستحقًا للبائع، فلو بقي .. فلا يحسب نقصه عليه، فإذا ساوى سليمًا مئتين ومقطوع اليد مئة .. أخذه وضارب بنصف الثمن، فإذا كان اشتراه بمئة .. ضارب بخمسين، أو بألف .. ضارب بخمس مئة. قال: (وجناية المشتري كآفة في الأصح)؛ لأن فعله وقع في ملكه قبل تعلق حق البائع.

وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَفْلَسَ .. أَخَذَ الْبَاقِيَ وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ، فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ .. رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ، فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ .. أَخَذَ الْبَاقِي بِبَاقِي الثَّمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنها كجناية الأجنبي وصححها الإمام، وقد تقدم تعليل ذلك في موضعه، فكان ينبغي للمصنف أن يعبر بـ (المذهب) أو (الأظهر). قال: (ولو تلف أحد العبدين ثم أفلس .. أخذ الباقي وضارب بحصة التالف)؛ لأنه ثبت له الرجوع في كل منهما، فكان كما لو رجع الأب في بعض ما وهب. ورجوع الأب في بعض ما وهب مسألة حسنة ذكرها الرافعي هنا، ولم يصرح بها في (باب الهبة)، وسيأتي ذكرها هناك إن شاء الله تعالى. قال: (فلو كان قبض بعض الثمن .. رجع في الجديد)؛ لأن الإفلاس سبب تعود به كل العين فجاز أن يعود به بعضها، كالفرقة في النكاح قبل الدخول يعود بها جميع الصداق إلى الزوج تارة، وبعضه أخرى، والقديم: لا يرجع، بل يضارب ببقية الثمن؛ لأنه ورد في الحديث. وإن كان قد قبض من ثمنه شيئًا .. فهو أسوة الغرماء، لكن قال الدارقطني: إنه مرسل. قال: (فإن تساوت قيمتهما وقبض نصف الثمن .. أخذ الباقي بباقي الثمن) ويكون ما قبض في مقابلة التلف، كما لو رهن عبدين بمئة وتلف أحدهما وقد قبض خمسين .. فالباقي مرهون بالباقي. وما ذكره المصنف هو المنصوص في (الأم) وغيرها، وله فيما إذا أصدق أربعين شاة وحال الحول فأخرجت شاة ثم طلق قبل الدخول قولان: أحدهما: يرجع بعشرين كنصه هنا. والثاني: يأخذ نصف الموجود. والفرق: أن الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق. .يأخذ القيمة بتمامها، والبائع يحتاج إلى المضاربة.

وَفِي قَوْلٍ: يَاخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ. وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَصَنْعَةٍ .. فَازَ الْبَائِعُ بِهَا، وَالْمُنْفَصِلَةُ –كَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ- لِلْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الأَصْلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ .. أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ، وَإِلَّا .. فَيُبَاعَانِ وَتُصْرَفُ إِلَيْهِ حِصَّةُ الأُمِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: يأخذ نصفه بنصف باقي الثمن، ويضارب بنصفه) أي: بنصف الباقي وهو الربع؛ لأن الثمن موزع على المبيع، فيوزع كل واحد من المقبوض والباقي على العبدين. قال: (ولو زاد المبيع زيادة متصلة كسمن وصنعة .. فاز البائع بها)؛ جريًا على القاعدة إلا في الصداق كما سيأتي. والذي ذكره في (الصنعة) وقع مثله في (الشرحين) و (الروضة) و (المحرر)، والأصح: خلافه كما سيأتي في الكلام على القصارة. أما تعلم العبد القرآن والحرف والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة .. فالأصح: أنها من صور القولين. ولو باعه بذرًا فزرعه فصار حبًا، أو بيضًا فصار فرخًا، أو عصيرًا فصار خمرًا ثم خلًّا .. فالأصح عند العراقيين والبغوي: أنه يرجع. قال: (والمنفصلة –كالثمرة والولد- للمشتري، ويرجع البائع في الأصل)؛ لأن الشارع أثبت له الرجوع في المبيع فلا يتعداه. قال: (فإن كان الولد صغيرًا وبذل البائع قيمته .. أخذه مع أمه) أي: جزمًا؛ لانتفاء المحذور وهو التفريق. قال: (وإلا .. فيباعان وتصرف إليه حصة الأم) ويكون ما قابل الولد للغرماء كما تقدم في الأمة المرهونة. وقيل: يجوز التفريق للضرورة. والعجب من الرافعي في قوله: إنهم لم يحكوه هنا، وقد حكاه الماوردي

وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ. وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسَهُ .. فَالأَصَحُّ: تَعَدِّي الرُّجُوعِ إِلَى الْوَلَدِ. وَاسْتِتَارُ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ وَظُهُورُهُ بِالتَّابِيرِ قَرِيبٌ مِنَ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ، وَأَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ والمتولي والشاشي، وكذا الإمام في (كتاب السير). قال: (وقيل: لا رجوع) بل يضارب، ومحل هذا إذا لم يبذل قيمة الولد، فإن بذلها .. رجع جزمًا. قال: (ولو كانت حاملًا عند الرجوع دون البيع أو عسكه .. فالأصح: تعدي الرجوع إلى الولد). مدرك الخلاف في الأبواب كلها: أن الحمل هل يعلم أو لا؟ وحينئذ يكون التصحيح في المسألة الثانية -وهي قوله: أو (عكسه) - واضحًا؛ فإن الأصح أنه يعلم. وأما في الأولى .. فمخالف للمبني عليه، وقياسه عدم الرجوع فيه، كما صححوه في نظائره من الرد بالعيب والرهن ورجوع الوالد في الهبة من أن الحمل لا يتبع، أما إذا كانت حاملًا عند البيع والرجوع .. فإنه يرجع فيها جزمًا. وقوله: (الأصح) صوابه: الأظهر كما في (الروضة). قال: (واستتار الثمر بكمامه وظهوره بالتأبير قريب من استتار الجنين وانفصاله) فإن كانت مؤبرة في الحالين. .فللمشتري، أو غير مؤبرة فيهما .. فللبائع، وإن كانت في حالة دون حالة .. فالقولان. قال: (وأولى بتعدي الرجوع) تبع في هذه العبارة (المحرر) وفيه إطلاق، فإنها إذا كانت غير مؤبرة عند الرجوع .. فأولى بعدم تعدي الرجوع، فالذي ذكره هو فيما إذا كانت مؤبرة عند الرجوع فقط.

وَلَوْ غَرَسَ الأَرْضَ أَوْ بَنَى: فَإِنِ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا .. فَعَلُوا وَأَخَذَهَا، وَإِنِ امْتَنَعُوا .. لَمْ يُجْبَرُوا، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَضْمَنَ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو غرس الأرض أو بنى: فإن اتفق الغرماء والمفلس على تفريغها .. فعلوا)؛ لأن الحق لهم لا يعدوهم، وفي هذه الحالة لا يكلفهم أن يعطوه البناء والغراس بقيمته؛ لأن المبيع قد سلم له. نعم؛ تجب تسوية الحفر، وغرامة أرش النقص من مال المفلس يقدم بها على الغرماء. قال: (وأخذها) أي: البائع إذا اختار الرجوع في الأرض؛ لأنها عين ماله لم يتعلق بها حق. قال: (وإن امتنعوا .. لم يجبروا)؛ لأنه حين بنى وغرس لم يكن متعديًا، فإن اختلفوا فطلب بعضهم البيع وبعضهم الإبقاء .. أجيب من في قوله مصلحة. قال: (بل له أن يرجع ويتملك الغراس والبناء بقيمته، وله أن يقلعه ويضمن أرش نقصه)؛ لأن مال المفلس مبيع كله، والضرر يندفع بكل واحد من الأمرين، فأجبنا البائع لما طلبه منهما، بخلاف الزرع فإنه يبقى إلى إدراكه؛ لأن له أمدًا ينتظر. قال: (والأظهر: أنه ليس له أن يرجع فيها، ويبقى الغراس والبناء للمفلس)؛ لأن الغراس بلا أرض والبناء بلا مقر ولا ممر ناقص القيمة، فلا يزال ضرر البائع بضرر المفلس. والثاني: له ذلك، كما لو صبغ الثوب .. فإنه يرجع فيه، ويكون شريكًا بالصبغ.

وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا .. فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنَ الْمَخْلُوطِ، أَوْ بِأَجْوَدَ .. فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الأَظْهَرِ، وَلَوْ طَحَنَهَا أَوْ قَصَرَ الثَّوْبَ، فَإِنْ لَمْ تَزِدِ الْقِيمَةُ .. رَجَعَ وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ زَادَتْ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُبَاعُ، وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: اشترى أرضًا من رجل، وغراسًا من آخر وغرسه فيها، ثم أفلس .. رجع كل منهما في عين ماله، فإن أراد صاحب الغراس القلع .. مكن وعليه التسوية والأرش، وإن أراد صاحب الأرض .. فكذلك إن ضمن الأرش، وإلا .. فوجهان. قال: (ولو كان المبيع حنطة فخلطها بمثلها أو دونها .. فله أخذ قدر المبيع من المخلوط) أي: بعد الفسخ؛ لأنه في المثل واجد حكمًا، وفي الخلط بالدون مسامح بعيب حدث بالخلط، وفي قول مخرج من الخلط بالأجود: إنه فاقد فيهما، فلو طلب البيع وقسمة الثمن .. لم يجب إليه في الأصح. قال: (أو بأجود .. فلا رجوع في المخلوط في الأظهر)؛ لأن الرجوع إلى عين المبيع متعذر حقيقة للاختلاط؛ وحكمًا لتعذر القسمة. والثاني: يرجع كالخلط بالمثل، لكن هنا يباع الجميع ويوزع الثمن على قدر القيمتين. وفي قول: يقسم على نسبة القيمتين مراعاة للجانبين. فلو كان المخلوط من غير جنس المبيع كالزيت بالشيرج. فلا فسخ، بل هو كالتالف. قال: (ولو طحنها أو قصر الثوب، فإن لم تزد القيمة .. رجع ولا شيء للمفلس)؛ لأن المبيع موجود من غير زيادة. قال: (وإن زادت .. فالأظهر: أنه يباع، وللمفلس من ثمنه بنسبة ما زاد)؛ لأنه زيادة حصلت بفعل محترم متقوم فوجب أن لا يضيع عليه، بخلاف الغاصب. مثاله: قيمة الثوب خمسة، وبلغ بالقصارة ستة، فللمفلس السدس من ثمنه، فلو

وَلَوْ صَبَغَهُ بِصَبْغِهِ: فَإِنْ زَادَتِ الْقِيمَةُ قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ .. رَجَعَ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالْصِّبْغِ، أَوْ أَقَلَّ .. فَالنَّقْصُ عَلَى الصِّبْغِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ارتفعت القيمة أو انخفضت بالسوق .. فالزيادة والنقص بينهما على هذه النسبة، ولا يسلم هذا الثوب قبل البيع للبائع، ولا للمفلس ولا للغرماء، بل يوضع عند عدل حتى يباع كالجارية الحامل. ويجوز للبائع أن يمسك المبيع لنفسه ويعطي المفلس حصة الزيادة كما نقله الرافعي بعد هذا بنحو ورقة، وزاده في (الروضة) هنا، فعلى هذا: قول المصنف: (يباع) زيادة مضرة. والقول الثاني: إن البائع يفوز بالزيادة؛ لأنها صفات تابعة حصلت بفعل المشتري، فأشبه سمن الدابة بالعلف وكبر الأشجار بالسقي، والخلاف جار فيما إذا اشترى دقيقًا فخبزه، أو لحمًا فشواه ونحو ذلك، ثم لا يتعين البيع كما قاله المصنف، بل لو أراد البائع أخذه ودفع حصة الزيادة للمفلس .. كان له ذلك على الأصح. قال: (ولو صبغه بصبغه) أي: بصبغ المشتري (فإن زادت القيمة قدر قيمة الصبغ .. رجع، والمفلس شريك بالصبغ)؛ لأن المبيع هو الثوب خاصة. مثاله: قيمة الثوب أربعة والصبغ درهمان، فصار بعد الرجوع يساوي ستة، فيكون المفلس شريكًا بدرهمين. والمراد بـ (زيادة القيمة): أنها زادت بسبب الصبغ. قال: (أو أقل) أي: وسعر الثوب باق بحاله (.. فالنقص على الصبغ)؛ لأن أجزاءه تتفرق وتنقص، والثوب باق بحاله.

أَوْ أَكْثَرَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ. وَلَوِ اشْتَرَى مِنْهُ الصِّبْغَ وَالثَّوْبَ .. رَجَعَ فِيهِمَا، إِلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَيَكُونُ فَاقِدًا لِلصِّبْغِ. وَلَوِ اشْتَرَاهُمَا مِنِ اثْنَيْنِ: فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ .. فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ، فَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ .. اشْتَرَكَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِمَا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالزِّيَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مثاله: أن يساوي الثوب بعد الصبغ خمسة، فيكون المفلس شريكًا بخمس الثوب، فلو لم يزد شيء .. كان الثوب للبائع، ولم يذكره المصنف. قال: (أو أكثر .. فالأصح: أن الزيادة للمفلس)؛ بناء على أنها عين كما تقدم في القصارة. والثاني: أنها أثر والزيادة بينهما بالقسط، فيكون للبائع ثلثا الثمن وللمفلس ثلثه؛ لأن الصبغة اتصلت بهما فوزعت عليهما. قال: (ولو اشترى منه الصبغ والثوب .. رجع فيهما، إلا أن لا تزيد قيمتهما على قيمة الثوب فيكون فاقدًا للصبغ)؛ لاستهلاكه فيضارب بثمنه. قال: (ولو اشتراهما من اثنين: فإن لم تزد قيمته مصبوغًا على قيمة الثوب .. فصاحب الصبغ فاقد، فإن زادت بقدر قيمة الصبغ .. اشتركا) فيه، وكيفية الاشتراك كما سبق. قال: (وإن زادت على قيمتهما .. فالأصح: أن المفلس شريك لهما بالزيادة)؛ بناء على أنها عين كما سبق، ووجه مقابله ينبني على أنها أثر. تتمة: إذا أخفى المديون بعض أمواله، ونقص الظاهر عن قدر ديونه، فحجر عليه، وباع الحاكم أمواله وصرفها في ديونه، ورجع أرباب الأمتعة في أمتعتهم، ثم ظهر حاله وأنه لم يكن مستحقًا الحجر .. قال المتولي: لا ينقص شيء من ذلك؛ لأن له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك في حق الممتنع، والرجوع إلى الأعيان بامتناع المشتري مختلف فيه، فإذا اتصل به حكم حاكم .. نفذ. قال الرافعي: وفيه توقف؛ لأن القاضي ربما لا يعتقد جواز ذلك. * * * خاتمة كان المبيع دارًا فانهدمت ولم يتلف من نقضها شيء .. فهو نقصان صفة كالعمى، وإن تلف نقضها .. فهو نقصان جزء. قال الرافعي: وينبغي طرد الخلاف السابق في تلف الشقص. * * *

باب الحجر

بَابُ الْحَجْرِ مِنْهُ: حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ، وَالْعَبْدِ لِسَيَّدِهِ، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَهَا أَبْوَابٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الحجر هو في اللغة: المنع. وفي الاصطلاح: المنع من التصرف في المال. وإنما قيد بالمال؛ لأن السفيه يصح طلاقه، بخلاف الصبي والمجنون؛ لسلب عبارتهما. والأصل في الباب: قوله تعالى: {وابتلوا اليتمى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أمولهم} فأخبر تعالى: أن هؤلاء ينوب عنهم أولياؤهم، فدل على ثبوت الحجر عليهم وهو نوعان: حجر شرع لمصلحة الغير. وحجر شرع لمصلحة المحجور عليه. قال: (منه: حجر المفلس لحق الغرماء، والراهن للمرتهن، والمريض للورثة، والعبد لسيده، والمرتد للمسلمين. ولها أبواب) أي: تذكر فيها، بعضها تقدم وبعضها يأتي، فهذه الخمسة من النوع الأول الذي لحق الغير. قال الإمام: وأنكر بعضهم عد الرقيق من المحجور عليهم؛ لأنه لا يملك شيئًا يتصرف فيه، قال: وهذا لا أصل له، فالمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، والحجر عليه لحق سيده ولحق الله في قول.

وَمَقْصُودُ الْبَابِ: حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن هذا النوع: الحجر على السيد في المكاتب كما ذكره المصنف في الكتاب، والحجر عليه في العبد الجاني كما تقدم في (البيع)، وعلى الورثة في التركة كما تقدم في آخر (الرهن)، والحجر الغريب وقد تقدم قبيل (التولية)، وعلى الأب إذا أعفه ابنه بجارية حتى لا يبيعها، قال القاضي والمتولي، وعلى الممتنع من وفاء دينه وماله زائد إذا التمسه الغرماء في الأصح كما تقدم. وإذا فسخ المشتري بعيب .. كان له حبس المبيع إلى قبض الثمن، ويحجر على البائع في بيعه لذلك. وعلى من غنم مال حربي مديون وقد استرق حتى يوفي، وعلى المشتري في المبيع قبل القبض، قاله الجرجاني، وعلى العبد المأذون للغرماء، وعلى السيد في نفقة الأمة المزوجة حتى يعطيها بدلها؛ لأن للسيد فيها حق الملك ولها حق التوثق. وكذلك على مالك دار قد استحقت العدة فيها، وعلى من اشترى عبدًا بشرط العتق، وفي المستولدة، وفيما إذا استؤجر على العمل فيه حتى يفرغ ويعطى أجرته، وأما النوع الثاني فهو ثلاثة أضرب: حجر صبًا، وجنون، وسفه وسماه الغزالي تبذيرًا. قال: (ومقصود الباب: حجر المجنون والصبي والمبذر) وهو بالذال المعجمة من (التبذير) وهو: صرف المال في غير مصارفه. والأصل فيه: قوله تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل}. وفسر الشافعي رحمه الله تعالى (السفيه) بالمبذر، و (الضعيف) بالصبي، و (الذي لا يستطيع) بالمغلوب على عقله، وفسره ابن عباس رضي الله عنهما بالأخرس. وألحق القاضي حسين بالمجنون النائم؛ لأن تصرفه حال نومه غير نافذ، وفيه نظر.

-فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ وَاعْتِبَارُ الأَقْوَالِ، وَيَرْتَفِعُ بِالإِفَاقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المتولي: المغمى عليه بالمرض كالمجنون في الحكم، والمختار خلافه، وصرح الغزالي بأنه ليس ممن يولى عليه، وهذا هو الحق. وذكر الإمام وجهين في الرشيد إذا كان يخدع في بعض التصرفات، هل للقاضي أن يحجر عليه في ذلك النوع؟ ولم يصحح الرافعي شيئًا منهما. والأخرس الذي لا تفهم إشارته لابد له ممن يتصرف عليه، لكن هل يتصرف الحاكم أو وليه في الصغر؟ فيه نظر، ولم يتعرض الرافعي لذلك، والظاهر: أن وليه في الصغر أولى من الحاكم. قال: (فبالجنون تنسلب الولايات) أي: الثابتة بالشرع –كولاية النكاح وتفرقة الزكاة والنظر على الأطفال- والثابتة بالتفويض، كالإيصاء والقضاء؛ لأنه إذا لم يل أمر نفسه .. فأمر غيره أولى. قال: (واعتبار الأقوال) فلا يترتب على شيء منها مقتضاه سواء كانت له أو عليه، سواء تعلقت بالدين كالإسلام أو بالدنيا كالمعاملات، وقد ذكر المصنف سلب الولايات في أبوابها. وإنما عبر بـ (الانسلاب) دون الامتناع؛ لأن الامتناع لا يفيد السلب بدليل أن الإحرام مانع من ولاية النكاح لا سالب، ولهذا يزوج الحاكم دون الأبعد. وسكت المصنف عن الأفعال؛ لأنها معتبرة منه في الإتلافات كالإحبال دون غيرها كالهدية والصدقة، فمن عامل المجنون أو أقرضه فتلف المال عنده أو أتلفه .. فمالكه هو المضيع، وما دام باقيًا .. يسترد، وقد تقدم في (باب الفلس) حكم حلول الدين بالجنون. قال: (ويرتفع) أي: الحجر (بالإفاقة) أي: بمجردها من غير فك، وهذا لا خلاف فيه، واعتبار صاحب (التنبيه) (أن يفيق رشيدًا) محمول على من لم يبلغ رشيدًا فجن، أما من جن بعد رشده .. فلا.

-وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلوغِهِ رَشِيدًا. وَ (الْبُلوغُ): بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة الكتاب توهم: أن ولاية القضاء ونحوها تعود بالإفاقة وليس كذلك، بل لا تعود إليه بتولية جديدة، فالمراد: عود الأهلية. قال: (وحجر الصبي يرتفع ببلوغه رشيدًا) لقوله تعالى: {وابتلوا اليتمى} الآية. والمراد بـ (الابتلاء): الاختبار، وبـ (اليتيم): الذي مات أبوه ما لم يبلغ، وبـ (النكاح): الوطء لا العقد، والقصد: أنه بمجرد البلوغ يرتفع الحجر من غير فك في الأصح. وفي (سنن أبي داوود) [2873] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يتم بعد احتلام). وفي (صحيح مسلم) [1812]: أن ابن عباس رضي الله عنهما كتب إلى نجدة الحروري: لا ينقطع اسم اليتم حتى يبلغ أو يؤنس منه الرشد. ولو ادعى الابن على أبيه أنه بلغ رشيدًا وطلب فك الحجر عنه، فأنكره الأب .. لم يحلفه، وقال الهروي: يحتمل أن يلحف به. قال: (و (البلوغ): باستكمال خمسة عشرة سنة) أي: قمرية وذلك تحديد لا تقريب، فلو نقصت يومًا واحدًا .. لم يحكم ببلوغه؛ لما روى ابن حبان [4728] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) وأصله في (الصحيحين). وفي (الطبراني): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة .. كتب ما له وما عليه، وأقيمت عليه الحدود). وفي وجه: يحصل البلوغ بالطعن في الخامسة عشر. وثالث: بمضي نصفها.

أَوْ خُرُوجِ مَنِيٍّ. وَوَقْتُ إِمْكَانِهِ: اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أبي حنيفة: أن بلوغ الغلام بثمانية عشر، والجارية سبعة عشر. وعن مالك: أن ذلك لا يحصل بالسن بل بالاحتلام. و (البلوغ) في اللغة: الوصول، يقال: بلغ الغلام إذا أدرك. قال: (أو خروج مني)؛ لقوله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا}. وقال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم ...) رواه الحاكم [2/ 59] وقال: صحيح الإسناد. و (الاحتلام) في اللغة: إنزال المني في النوم لرؤية جماع أو غيره. وفي الشرع: خروج المني على أي وجه كان، في نوم أو يقظة، بجماع أو غيره، من رجل أو امرأة. وقال في (الدقائق): إن تعبيره بـ (خروج المني) أعم من تعبير (المحرر) و (التنبيه) بـ (الاحتلام) وفيه نظر. وهذا الحكم متفق عليه في الغلام، أما الجارية .. فقيل: لا يكون ذلك فيها بلوغًا؛ لندوره فيهن. قال: (ووقت إمكانه: استكمال تسع سنين) في الذكور والإناث؛ للاستقراء، ولا عبرة بما يخرج قبل ذلك، وقيل: في الصبي نصف العاشرة، وقيل: بتمامها، وقيل: في الصبية أول التاسعة، وقيل: نصفها. وعبارة الكتاب و (الوجيز) توهم: أن الخلاف الأول جار فيهما، وبه صرح في (الدقائق)، والصواب الذي تقرر. والوجوه الأربعة كالوجوه في أقل سن الحيض، لكن العاشرة هنا كالتاسعة هناك.

وَنَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ونبات العانة يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر) لا خلاف فيه عندنا؛ لقول عطية القرظي رضي الله عنه –ولا يعرف نسبه وليس له غير هذا الحديث-: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت .. قتل، ومن لم ينبت .. خلي سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي) رواه الأربعة، وحسنه الترمذي، وقال الحاكم [2/ 123]: على شرط الشيخين. والأصح: أنه ليس ببلوغ في حقه حقيقة، بل علامة عليه كما أشار إليه بقوله: (يقتضي)، وصرح به الرافعي في (الشرح الصغير) هنا، وفي (الكبير) في (كتاب السير) وفي الباب الثالث من (الدعاوى). ووقت إمكانه وقت إمكان الاحتلام. ومعنى كونه علامة على البلوغ: أنا نستدل به على أن بلغ بالاحتلام أو بالسن، ولهذا لو تحققنا أن عمره دون خمس عشرة سنة أو قامت بذلك بينة .. فلا أثر للإنبات، نص عليه. فلو ادعى المأسور عدم البلوغ وقال: تعجلت الإنبات .. لم يقبل في دفع الجزية، وتقبل دعوى الصبي المأسور بيمينه في دفع القتل عنه؛ لسهولة الجزية وخطر الدم، واليمين واجبة على الصحيح، وفيه إشكالان: أحدهما: أن اليمين تعمل في النفي، وهذه لإثبات الاستعجال؟ وأجيب بأنا فعلناه لحقن الدم، وقد يخالف القياس لذلك، ولهذا قبلنا جزية المجوس دون نكاحهم. الثاني: كيف يحلف من يدعي الصبا؟ فالجواب: لابد منها؛ لأن الدليل الظاهر موجود فلا يترك بمجرد قوله، وعلى القول بأنه علامة في حق الكفار فقال الجويني: إنه علامة في الرجال دون النساء؛ لأنهن لا يقتلن إذا سبين، قال: وكان ابن خيران

لَا الْمُسْلِمِ فِي الأَصَحِّ، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ حَيْضًا وَحَبَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: إنه علامة في الرجال والنساء، وبهذا صرح إمام الحرمين والعراقيون. ولابد من تقييد الشعر بكونه خشنًا. وعلم من تقييد المصنف: أن شعر الإبط والشارب واللحية لا يلحق بها، وهو الأصح في (الشرح الصغير)، ولا اعتبار بتغير الصوت ونهود الثدي ونتوء طرف الحلق وافتراق الأرنبة. والأصح في زوائد (الروضة): جواز النظر إلى العانة؛ ليعرف الإنبات، وقيل يمس من فوق حائل، وقيل: يلصق بها شمع ونحوه؛ ليعرف، وهما ضعيفان. قال: (لا المسلم في الأصح)؛ لأن مراجعة الآباء في حق المسلمين والاعتماد على اخبارهم عن تواريخ المواليد سهل، بخلاف الكفار؛ فإنه لا اعتماد على قولهم، ولأن المسلمين ربما استعجلوا بالمعالجة لدفع الحجر واستفادة الولايات، والكفار لا يتهمون بمثله؛ لأنهم حينئذ يقتلون أو تضرب عليهم الجزية. والثاني –وبه قال مالك وأحمد-: أنه يجعل أمارة في حقهم أيضًا، لأن الإشكال قد يقع في حق المسلمين أيضًا، واستدل له الرافعي بما روى البيهقي: أن غلامًا من الأنصار شبب بامرأة في شِعره، فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال: (لو أنبتّ .. لحددتك). والخلاف مفرع على أنه علامة في حق الكافر، فإن قلنا: إنه بلوغ .. كان هنا أيضًا كذلك. قال: (وتزيد المرأة حيضًا وحبلًا) أما الحيض .. فبالإجماع، واحتج له بما روى أبو داوود [4104] عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر: (إن المرأة إذا بلغت المحيض .. لا يصلح أن يرى منها إلى هذا وهذا) وأشار إلى الوجه والكفين؛ فعلق وجوب الستر بالمحيض، وذلك نوع تكليف.

وَ (الرُّشْدُ): صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبما روى أبو داوود [641] والترمذي [377] وابن ماجه [655] وابن خزيمة [775] وابن حبان [1711] والحاكم [1/ 251] عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) أشعر بأنها بالحيض تكلف بالصلاة. وأما الحبل .. فلأنه مسبوق بالإنزال، لكن الولد لا يستيقن ما لم تضع، فإذا وضعت .. حكمنا بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشيء؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فإذا أتت زوجة صبي بولد يمكن إلحاقه به بأن كان ابن تسع سنين ونصف ولحظة .. لحقه، وفي الحكم ببلوغه قولان: أظهرهما: لا يحكم به؛ لأن البلوغ لا يثبت بالإمكان. والثاني: نعم؛ لحكمنا بلحوق الولد. قال بعضهم: وهما جاريان في استقرار المهر بذلك، بل هما هما. فرع: الخنثى المشكل إذا خرج من ذكره مني ومن فرجه حيض .. حكم ببلوغه على الأصح. وقيل: لا؛ لتعارض الخارجين، وإسقاط كل منهما حكم الآخر، وإن خرج من أحدهما .. لم يحكم ببلوغه عند الجمهور؛ لجواز أن يظهر من الآخر ما يعارضه. قال الرافعي: والحق ما قاله الإمام: أنه ينبغي أن يحكم ببلوغه بأحدهما كما يحكم بذكورته أو أنوثته بذلك، فإن طرأ ما يعارضه .. غيرنا الحكم، واستحسنه المصنف. قال: (و (الرشد): صلاح الدين والمال) كذا فسر ابن عباس والحسن ومجاهد الآية السالفة، وحقيقته مركبة من شيئين فلا يصدق مسماه بدونهما. وقال بعض الأصحاب: (الرشد) صلاح المال فقط، وبه قال مالك وأبو حنيفة، ومال إليه الشيخ عز الدين.

فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ إِنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واستشكل الأول بأن الرشد الواقع في الآية نكرة في سياق الإثبات وهي لا تعم. وجوابه: أنها في سياق الشرط .. فعمت، كما صرح به إمام الحرمين وغيره. وقال ابن الرفعة: كان قاضي القضاة تقي الدين بن رزين لا يأخذ على القضاء معلومًا، ويقضي بأن الرشد صلاح المال فقط، ويستدل له بإجماع المسلمين على جواز معاملة من يلقاه الغريب من أهل البلاد، مع أن العلم محيط بأن الغالب على الناس عدم الرشد في الدين والمال، ولو كان ذلك مانعًا من نفوذ التصرف .. لم يجز الإقدام عليه. قال: (فلا يفعل محرمًا يبطل العدالة) هذا تفسير (صلاح الدين). والذي يبطل العدالة: الكبيرة والإصرارا على الصغيرة، فلا أثر لغير المحرمات وإن أبطلت الشهادة كالأكل في السوق ونحوه، ولا للمحرم الذي لا يبطل العدالة كالصغيرة من غير إصرار، وكذلك ما لا تعلق له بمال. وعن بعضهم: أن المعاصي التي لا تتعلق بإضاعة المال، ولا يخاف معها في الغالب إتلافه كالغيبة، أي: أذا كثرت .. لا يحجر عليه بسببها، والمشهور الأول، هذا كله بناء على المشهور: أن ما يخل بالمروءة ليس بحرام. وعن القاضي تقي الدين بن رزين: أنه حكى في تحريمها ثلاثة أوجه: ثالثها: أنه إن كان قد تحمل شهادة .. حرم، وإلا .. فلا. قال: (ولا يبذر بأن يضيع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة، أو رميه في بحر، أو إنفاقه في محرم) قليلًا كان أو كثيرًا؛ لما في الأول والثاني من قلة العقل والثالث من قلة الدين، ولا يؤمن على ماله إلا ذو عقل ودين. وفسر القاضي والفوراني والصيدلاني والإمام (التبذير): بأنه الذي لا يُكسب أجرًا في الآجل، ولا حمدًا في العاجل. وقال في (أدب الدين والدنيا): (التبذير): الجهل بمواقع الحقوق، و (السرف): الجهل بمقادير الحقوق.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ صَرْفَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر كلام الغزالي: أنهما سواء. وكا ينبغي للمصنف التعبير بـ (الخسران) أو (السرف)؛ لأن النفقة مخصوصة بالطاعات، والخسران والضياع بضدها. وإطلاق الشافعي رضي الله عنه والأصحاب يقتضي: أن الإنفاق في الحرام إسراف وإن قل، فقول المصنف: (إنفاقه) يعني: إنفاق جنس المال لا جميعه. قال: (والأصح: أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس التي لا تليق بحاله ليس بتبذير). أما الصدقة ووجوه الخير كبناء المساجد والمدارس وفك الرقاب. ففيه غرض الثواب. وانفرد الشيخ أبو محمد بقوله: إن بلغ وهو مفرط بالإنفاق في ذلك .. فهو مبذر، وإن عرض له ذلك بعد ما بلغ مقتصدًا .. لم يحكم بصيرورته مبذرًا. وأما الصرف في المطاعم والملابس والضيافة والهدايا التي لا تليق بحاله، وكذلك شراء الجواري الكثيرة النفيسة للاستمتاع وهن غير لائقات به .. فقال الإمام والغزالي: إنه تبذير، واختاره الشيخ؛ لقضاء العرف بذلك، وهذا مقتضى كلام الصيدلاني والفوراني، بل قال القاضي في (قسم الصدقات): إنه حرام، وبه جزم الرافعي هناك؛ لظاهر قوله تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يجب المسرفين}. وقوله: {والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}. وقوله تعالى: {ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}. وقال الأكثرون: لا يكون ذلك تبذيرًا؛ لأن المال يتخذ لينفتع ويلتذ به، وسواء في المسألتين القليل والكثير.

وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعكس المسألة: لو قتر الموسر على نفسه .. فالأصح: أنه لا يحجر عليه. وقوله: (في الصدقة) كالتكرار؛ لأنه داخل في وجوه الخير، لا جرم عبر في (الروضة) بوجوه الخير كالصدقات وفك الرقاب. قال: (ويختبر رشد الصبي)؛ لقوله تعالى: {وابتلوا اليتمى} وسواء في ذلك الذكر والأنثى، والمسلم والكافر، ويكون في الدين والمال، ففي الدين بالمحافظة على أداء الواجبات، واجتناب المحرمات، وتوقي الشبهات، ومخالطة أهل الخير والديانات. وصلاح الكافر في دينه بما هو صلاح عندهم. والمخاطب بالاختبار: كل من يلي أمره من عصبة أو حاكم أو وصي على الأصح. ولما كان أمر المحجور عليه في دينه يظهر كغير المحجور عليه .. استغنى المصنف عن التصريح به، ولما كان تصرفه في المال مجهولًا؛ لكون المال ليس في يده .. احتاج إلى ذكره فلذلك قال:

وَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ: فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ: بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا. وَوَلَدُ الزَّرَّاعِ: بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقُوَّامِ بِهَا. وَالْمُحْتَرِفُ: بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ. وَالْمَرْأَةُ: بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ، وَصَوْنِ الأَطْعِمَةِ عَنِ الْهِرَّة وَنَحْوِهَا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويختلف بالمراتب: فيختبر ولد التاجر: بالبيع والشراء والمماكسة فيهما) أي: النقصان عما طلبه البائع والمشاحة فيه، يقال: تماكس البيعان إذا تشاحا في إنقاص الثمن، وعبارته تقتضي صحة البيع والشراء منه، والأصح خلافه. قال: (وولد الزَّرَّاع: بالزراعة والنفقة على القُوَّام بها) أي: بالزراعة، أي: الأجراء، والمراد: إعطاؤهم الأجرة لا الإطعام؛ فإن الاستئجار به لا يصح، والتبرع به من مال المحجور ممتنع، فإن أريد إدخال العبيد والدواب .. فتحمل النفقة على العموم. وفي (الدقائق): أنه عدل عن المزارع إلى الزراع؛ لأنه أعم. قال: (والمحترف: بما يتعلق بحرفته) فيختبر الخياط بتقرير الأجرة وصون الثوب المسلم إليه ونحو ذلك. و (الحرفة): الصنعة. قال: (والمرأة: بما يتعلق بالغزل والقطن) وتهيئتهما إن كانت مخدرة، فإن كانت برزة .. فتختبر بما يختبر به الرجل المتعيش بالسوق ببيع الغزل والقطن ونحوهما من آلات النساء. وقال القاضي: يؤمر من يخادعها، فإن انخدعت .. فليست برشيدة، وإلا .. فرشيدة. قال: (وصون الأطعمة عن الهرة ونحوها)؛ لأن بذلك يتبين الضبط وحفظ المال. وقال القاضي: تختبر بمعاملة محارمها والنسوان بما يليق بها. أما تصرف المرأة بعد الرشد .. فصحيح من غير احتياج إلى إذن الزوج.

وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. وَوَقْتُهُ: قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ: بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما رواية أبي داوود [3565 بنحوه]: (لا تتصرف المرأة إلا بإذن زوجها) .. فأشار الشافعي رضي الله عنه إلى ضعفها، وعلى تقدير صحتها تحمل على الأولى. وولد الأمير والرئيس يختبران بالإنفاق على الخدم والعيال، فيسلم إليه المال ويؤمر بالإنفاق؛ ليعلم إسرافه في ذلك واقتصاده. قال الماوردي: يعطى نفقة يوم ثم أسبوع ثم شهر، وينظر تصرفه في ذلك. والخنثى .. قال ابن المسلم: يختبر بما يختبر به الذكر والأنثى جميعًا؛ ليحصل العلم بالرشد، لأنه إذا اختبر بما يختبر به أحدهما .. جاز أن يكون من النوع الآخر. و (الهرة) جمعها هرر كقربة وقرب، وإذا جمعت المذكر ألحقته الهاء كقرد وقردة. قال: (ويشترط تكرر الاختبار مرتين أو أكثر)؛ لأن المرة الواحدة قد يصيب فيها اتفاقًا .. فلابد من زيادة تفيد غلبة الظن برشده. واعتبر الماوردي أن يكون ذلك ثلاث مرات، كما في الكلب المعلم. قال: (ووقته: قبل البلوغ)؛ لقوله تعالى {وابتلوا اليتمى} ولا يتم بعد احتلام. قال: (وقيل: بعده)؛ لأن تصرفه حالة الصبا غير نافذ.

فَعَلَى الأَوَّلِ: الأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ، بَلْ يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ .. عَقَدَ الْوَلِيُّ. فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ .. دَامَ الْحَجْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فعلى الأول: الأصح: أنه لا يصح عقده، بل يمتحن في المماكسة، فإذا أراد العقد .. عقد الولي) ولو تلف المال المدفوع إليه للاختبار .. فلا ضمان على الولي. والثاني: يعقد الصبي، ويصح منه هذا العقد للحاجة. وقيل: يشتري الولي السلعة ويواطئ بائعها ليبيعها من الصبي في الصورة، ومنهم من قال: يعطى بعض المال ويشتري هو بنفسه على معنى الرسالة كما يرسل الرجل الصبي فيشتري .. فيجوز، حكاها الجوري. فإن أراد بذلك صحة عقده بنفسه .. فهذه فائدة عظيمة؛ لعموم البلوى بإرسال الصبيان في شراء الحوائج. قال الشيخ: والذي قاله غير بعيد، سواء جوزنا المعاطاة أم لا. قال: (فلو بلغ غير رشيد .. دام الحجر) عليه؛ لمفهوم الآية، والمراد: دام جنس الحجر، وإلا .. فحجر الصبي زال بالبلوغ، وخلفه حجر السفه، ولكن لما اتصل السفه بالصبي .. كان بمثابة تمادي الصبا، ولهذا كان ناظرًا في أمره من كان ناظرًا في أمر الصبي من أب، أو جد، أو وصي، أو حاكم وإن كان النظر في أمر السفيه مختصًا بالحاكم. وقال أبو حنيفة: إن بلغ مفسدًا للمال .. منع منه حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة؛ لأنه حينُ كمال لُبِّه، روي عن عمر رضي الله عنه: أنه قال: ينتهي لب الرجل إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة. وقال أهل الطبائع: من بلغ خمسًا وعشرين سنة .. فقد بلغ رشده، ألا ترى أنه يصير جدًا في هذا السن. ولأن منع المال عنه على سبيل التأديب له، فإذا بلغ خمسًا وعشرين سنة .. فقد انقطع رجاء التأديب، فلا معنى لمنع المال عنه بعده، وينفذ تصرفه وإن كان فاسقًا، وبه قال مالك فيمن بلغ فاسقًا، ونقل المتولي مثل مذهبهما عن بعض أصحابنا.

وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا .. انْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالَهُ –وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم الجنون إذا اتصل بالصبا حكم الصفه إذا اتصل بالصبا، وقيل: يكفي بلوغه مصلحًا لماله. قال: (وإن بلغ رشيدًا .. انفك بنفس البلوغ وأعطي ماله)؛ لأنه حجر ثبت بغير حاكم فلم يتوقف زواله على إزالة الحاكم، كحجر الجنون بالإفاقة. قال: (وقيل: يشترط فك القاضي)؛ لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد فأشبه حجر السفه الطارئ، ورجحه البغوي وابن أبي هريرة. وعلى هذا: لابد من قول الحاكم: رفعت الحجر، ويقوم مقامه إذنه لمن في يده المال في دفعه إليه.

فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ .. حُجِرَ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الصيمري والماوردي: إن كان الولي أبًا أو جدًا .. ارتفع بالبلوغ والرشد، وإن كان أمين الحاكم .. لم يرتفع إلا بالحاكم، وإن كان وصي أبيه .. فوجهان. تنبيه: أشار بقوله: (أعطي ماله) إلى أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، ولا بين المزوجة وغيرها، خلافًا لمالك فإنه قال: لا يسلم المال إلى المرأة حتى تتزوج، فإذا تزوجت .. يدفع إليها بإذن الزوج، ولا ينفذ تبرعها بما زاد على الثلث ما لم تصر عجوزًا، فقال له الشافعي رضي الله عنه: أرأيت لو تصدقت بثلث مالها، ثم بثلث الثلثين، ثم بثلث الباقي هل يجوز التصرف الثاني والثالث؟ إن جوزت .. سلطتها على جميع المال بالتبرع، وإن منعت .. منعت الحر البالغ العاقل عن ماله، ولا وجه له. قال: (فلو بذر بعد ذلك .. حجر عليه) خلافًا لأبي حنيفة. لنا: قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} والمراد: أموالهم لقوله: {وارزقوهم فيها}. وروى الطبراني من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه بسند صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا على أيدي سفهائكم). وروى الشافعي [1/ 384] والبيهقي [6/ 61] بإسناد حسن: أن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه اشترى سبخة بثلاثين ألفًا -وفي رواية: بست مئة ألف- فبلغ ذلك عليًا رضي الله عنه فقال: ما يسرني أنها لي بنعلي، فقال علي: لآتين أمير المؤمنين عثمان وأسأله أن يحجر عليه، فذكر عبد الله بن جعفر ذلك للزبير فقال: إني شريكك فيها، ثم بلغ ذلك عثمان فقال: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟ وإنما قال عثمان ذلك؛ لأن الزبير كان معروفًا بالضبط في التجارة ووجوه الربح والخسران.

وَقِيلَ: يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إِعَادَةٍ- وَلَوْ فَسَقَ .. لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (حجر) المراد: أعيد عليه الحجر، فلا يعود بدون إعادة. وعلى هذا: من يعيده؟ قال الرافعي: لا خلاف أن للقاضي أن يعيده. وكان أبو يحيى البلخي يقول: يعيده الأب والجد أيضًا، ونقل عنه: أن الوصي يعيده أيضًا، والمشهور: تخصيصه بالحاكم؛ لأنه محل نظر واجتهاد، فإن عاد رشيدًا .. لم ينفك إلا بالحاكم على المذهب. قال: (وقيل: يعود الحجر بلا إعادة) كما لو جن، وهذا قول أبي ثور، وإذا تصرف قبل أن يحجر عليه .. نفذ تصرفه في الأصح. وعلى الثاني: قال ابن الرفعة: يظهر أنه كالمهمل. قال الشيخ: وفيما قاله نظر، والظاهر: أنه على الثاني لا ينفذ. قال: (ولو فسق .. لم يحجر عليه في الأصح)؛ لأن الأولين لم يحجروا على الفسقة. والثاني –وبه قال ابن سريج-: أنه يحجر عليه، كما يستدام الحجر به عليه، وكما لو عاد التبذير. وقيد في (الوسيط) هذا الوجه بما إذا رأى فيه المصلحة. وعبر في (الروضة) بالمذهب بدل الأصح. ولا يخفى أن محل الوجهين: إذا قلنا: إن اقتران الفسق أولًا مانع، كما تقدم الجزم به في قوله: (وإن بلغ غير رشيد)، أما إذا قلنا: يكفي صلاح المال .. فلا يحجر قطعًا، ويؤخذ من هذا: أنه يفرق الزكاة بنفسه وهو فاسق. قال في (المحكم): (الفسق) العصيان والترك لأمر الله والخروج عن طريق الحق.

وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ طَرَأَ .. فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: وَليُّهُ فِي الصِّغَرِ. وَلَوْ طَرِأَ جُنُونٌ .. فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَقِيلَ: الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن حُجر عليه لسفه طرأ .. فوليه القاضي)؛ لأن ولاية الأب وغيره قد زالت فلا تعود، وينظر من له النظر العام. و (السفه): ضعف العقل وسوء التصرف، وأصله الخفة والحركة، شبه بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج، قال ذو الرُّمَّة [من الطويل]: مشين كما اهتزت رماحٌ تسفَّهت .... أعاليَها مرُّ الرياح النواسم قال: (وقيل: وليه في الصغر) كمن بلغ مجنونًا. قال الرافعي: وموضع الوجهين: إذا قلنا: يعود الحجر بنفسه، أما إذا قلنا: القاضي هو الذي يعيده .. فهو الذي يلي أمره بلا خلاف، وطريقة الوجهين التي في الكتاب و (المحرر) مبنية على الوجه الضعيف. ونقل الروياني عن الشافعي رضي الله عنه: أنه إذا حجر عليه الحاكم .. يستحب له أن يرد أمره إلى الأب والجد، فإن لم يكن .. فسائر العصبات؛ لأنهم أشفق. قال: (ولو طرأ جنون .. فوليه وليه في الصغر، وقيل: القاضي) تعليلهما كما سبق، والفرق على الأصح بينه وبين السفيه: أن السفه وزواله مجتهد فيه فاحتاج إلى حاكم، بخلاف الجنون، فلو كان يغبن في بعض التصرفات دون بعض .. فهل يحجر عليه حجر خاص في ذلك النوع؟ فيه أوجه: أحدها: لا؛ لبعد اجتماع الحجر بالسفه وعدمه في شخص واحد. والثاني: يحجر عليه فيه؛ لنقصه عن رتبة الكاملين. والثالث: يحجر عليه مطلقًا؛ لأنه لا يصدق عليه الرشد المطلق. ويظهر جريانها فيما إذا بلغ بهذه الصفة. ويستحب أن ينادى على المحجور عليه؛ ليجتنب سواء أشهد على الحجر أم لا، فإن عامله أحد بعد ذلك .. فهو المتلف لماله، نص عليه.

وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا إِعْتَاقٌ وَهِبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن داوود: هذا عندي إذا لم يطالب برده، فإن طالبه به فلم يفعل حتى تلف .. لزمه ضمانه، كما لو غصبها أو أتلفها. قال: (ولا يصح من المحجور عليه لسفه بيع ولا شراء)؛ لأن ذلك مظنة الضرر سواء كان على العين أم في الذمة، سواء كان فيه غبطة أم لا، وفي شرائه في الذمة وجه ضعيف. أما إذا توكل في ذلك لغيره .. فوجهان: مقتضى تصحيح الرافعي في مسألة شراء السفيه بإذن الولي مع تقدير العوض: المنع، لكنه صحح في (الوكالة) جواز توكيله في قبول النكاح. هذا كله إذا لم يأذن له الولي في ذلك، فإن أذن له .. فسيأتي. قال: (ولا إعتاق) بالإجماع، لا بإذن ولا بغيره، سواء كان العتق مجانًا أو بعوض، فإن وكله غيره في ذلك حيث لا يكون لعمله أجرة ولا عهدة فيه .. فالأصح أيضًا: أنه لا يصح، ولو لزمه كفارة يمين أو ظهار .. صام كالمعسر؛ حفظًا لماله، بخلاف كفارة القتل؛ فإن الولي يعتق عنه كما سيأتي في بابه. كل هذا في حال الحياة، أما عتقه بعد الموت كالتدبير والوصية .. فيصح كما سيأتي في بابه. قال: (وهبة) فلا يهب شيئًا من ماله بالاتفاق، أما قبوله الهبة والوصية .. فكلام الرافعي يقتضي: أنه لا يصح، والأصح في زوائد (الروضة): الصحة، ونقله الإمام عن الأكثرين، وجزم به الماوردي، واختاره الشيخ. وعلى هذا: لا يجوز تسليمها له، فإن سلمه فاستهلكه .. غرم من سلمه في الوصية دون الهبة؛ لأنه ملك الوصية بقبوله، ولم يملك الهبة بقبوله. وقال في (المطلب): الذي يظهر: أنه يصح قبضه الموهوب ويملك به.

وَنِكَاحٌ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَوِ اشْتَرَى أَوِ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَاخُوذُ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ .. فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، سَوَاءٌ عَلِمَ حَالَهُ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما ضمان السفيه: فعند الإمام والغزالي باطل؛ لأنه تبرع، واعترضهما الرافعي بأن كونه تبرعًا إنما يظهر حيث لا رجوع، أما حيث يرجع .. فهو إقراض لا محض تبرع. وأجاب المصنف بأنه لو سلم أنه قرض .. فهو قرض تبرع، وأيضًا ففي الضمان غرر بلا مصلحة. قال: (ونكاح بغير إذن وليه) هذ عائد على النكاح خاصة؛ فإنه الذي يصح بالإذن، وسيأتي في (كتاب النكاح) الولي الذي يزوجه، أما الهبة والإعتاق .. فباطلان مطلقًا، وكذا البيع في الأصح. قال: (فلو اشترى أو اقترض وقبض وتلف المأخوذ في يده أو أتلفه .. فلا ضمان في الحال، سواء علم حاله من عامله أو جهله)؛ لأن الذي عامله كان من حقه أن لا يعامله إلا عن بصيرة، فالذي أقبض هو المضيع. وقيل: إن جهل حاله .. وجب الضمان. هذا إذا أقبضه البائع الرشيد، فإن أقبضه السفيه بغير إذن البائع، أو أقبضه البائع وهو محجور عليه .. فإنه يضمنه بالقبض قطعًا، فإطلاقه محمول على ما إذا أقبضه البائع الرشيد. ولا خلاف أنه إذا كانت العين في يده .. يجب ردها، ويجب على وليه استرداد الثمن إن كان أقبضه. وقوله: (سواء علم أو جهل) وصواب العبارة: سواء أعلم أم جهل، قال تعالى: {وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم}.

وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ. وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ، لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا بعد فك الحجر)؛ لتقصيره أيضًا، ومقتضى كلام الرافعي والمصنف: أن الضمان كما ينتفي في الحكم ينتفي أيضًا فيما بينه وبين الله تعالى، وقد صرح به الإمام والغزالي في (الوسيط)، وحكيا وجهًا: أنه يطالب فيما بينه وبين الله تعالى، وضعفاه بأنه لو وجب باطنًا .. لم تمتنع المطالبة به ظاهرًا. وقيل: إن علم البائع بالحجر .. لم يجب الضمان، وإلا .. وجب، واختاره الروياني. قال: (ويصح بإذن الولي نكاحه) هذا الذي قطع به العراقيون، وله شروط ذكرها المصنف وغيره ستأتي هناك مبسوطة إن شاء الله تعالى. قال: (لا التصرف المالي في الأصح) كما لو أذن الصبي. والثاني: يصح كالنكاح، ورجحه الأمام ومال إليه الغزالي، وهذه غير مسألة بيع الاختبار. والوجهان محلهما: إذا عين له الولي قدر الثمن، فإن لم يعنيه .. قال القاضي حسين: بطل جزمًا. وألحق في (المطلب) تعيين المبيع بتعيين الثمن، ويتقدر بثمن المثل، وهذا بخلاف ما لو أذن له في النكاح ولم يقدر مهرًا .. فإنه يصح ويتقدر بمهر المثل، والفرق: أن المهر في الصداق ليس بركن، والثمن في المبيع ركن.

وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ –وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ فِي الأَظْهَرِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ وشملت عبارة المصنف: البيع والشراء وإجارة أملاكه، ومقتضاها: طرد الخلاف في كل تصرف مالي، ومنه الهبة والعتبق والكتابة، ولا خلاف في بطلانها مع الإذن. والجواب: أنه إذا وكل فيها .. يجري الخلاف، وهذا كاف في تصحيح كلامه؛ لأنه لم يقل: تصرفه في ماله، وأيضًا المفهوم لا عموم له، بل يقتضي: أن منها من يصح على وجه. ولو أذن له الحاكم في تصرف .. هل يصير مطلق التصرف في كل تصرف؟ وجهان. ولو ثبت للسفيه دين فقبضه بإذن وليه .. ففيه وجهان: رجح الحناطي الاعتداد بقبضه، كذا نقله الرافعي عنه في أوائل الباب الثاني من أبواب (الخلع). ويستثنى من عموم التصرف المالي: لو وجب عليه قصاص فصالح بغير إذن الولي على الدية أو أكثر .. صح، وإن وجب له قصاص .. فله العفو على مال، وكذا مجانًا على المذهب كما سيأتي في مكانه، وكذلك يصح عقده الذمة بدينار بلا خلاف، وبأزيد من الدينار على رأي القاضي حسين والغزالي. قال الإمام: وإذا انتهى إلى الضرورة في المطاعم .. فالوجه عندي: القطع بجواز تصرفاته. قال: (ولا يصح إقراره بدين قبل الحجر أو بعده) كالصبي إذا أقر، وفيما أسنده إلى ما قبل الحجر وجه، فلو فك عنه الحجر .. لا يلزمه ما أقر به. قال: (وكذا بإتلاف المال في الأظهر) كدين المعاملة. والثاني: يقبل؛ لأنه لو باشر الإتلاف ضمن، فإذا أقر به .. قبل، وذلك في الدنيا كما تقدم. وينبني على القولين سماع الدعوى.

وَيَصِحُّ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ. وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعرض اليمين: إن قبلناه .. سمعت وعرضت اليمين، فإن حلف .. انقطعت الخصومة، وإن نكل .. عرضت على المدعي، فإن حلف .. استحق، وإن لم نقبله .. لم تسمع الدعوى حيث لا بينة. وحكم الغصب والجناية في جميع ما ذكرناه حكم الإتلاف، وكذا السرقة التي لا توجب القطع، ثم إن المصنف حكى الخلاف كـ (المحرر) قولين، وحكياه في (دعوى الدم والقسامة) وجهين وقالا: إنهما سبقا في (الحجر). قال: (ويصح بالحد والقصاص)؛ لعدم تعلقهما بالمال، ولبعد التهَمة فيهما، فإن كان الحد سرقة .. قطع لها، وفي ثبوت المال قولان كما في العبد، قاله الرافعي، والصحيح في العبد: عدم ثبوته. قال: (وطلاقه وخلعه وظهاره ونفيه النسب بلعان) هذه معطوفات على الضمير في قوله: (ويصح) أي: ويصح إقراره، ولا فرق في صحة خلعه بين أن يكون بمهر المثل أو أقل؛ لأن له أن يطلق مجانًا فبعوض أولى. وقوله: (بلعان) لا حاجة إليه؛ لأن له نفيه من أمته بالحلف لا باللعان، وكذلك تصح رجعته، فإن كان مطلاقًا .. سُرِّيَ جاريةً، فإن تضجر منها .. أبدلت. ولو احتطب أو احتش أو اصطاد .. ملك بلا خلاف. ولو أقر باستيلاد أمة .. لم يقبل وتباع إذا اختار الولي، إلا أن يثبت أنها فراش وتلد لمدة الإمكان. ولو أقر بنسب .. ثبت وأنفق على المستلحق من بيت المال، وأكثر هذه المسائل مذكورة في أبوابها. قال: (وحكمه في العبادة كالرشيد)؛ لاجتماع الشرائط فيه، ومراده: العبادة الواجبة مالية كانت أو بدنية، أما غير الواجبة .. فالمالية كصدقة التطوع وغيرها ليس هو فيها كالرشيد.

لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجِّ فَرْضٍ .. أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ عَلَى نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ .. فَلِلْوَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لكن لا يفرق الزكاة بنفسه)؛ لأنه تصرف مالي، ولا فرق بين زكاة المال وزكاة الفطر، بل ينوي الولي ويفرقها كزكاة الصبي، فلو أذن له الولي في التفرقة .. جاز؛ لأنه يجوز أن يوكله الأجنبي فيها كما صرح به القاضي والبغوي والروياني، فإذا جاز ذلك في مال الأجنبي .. ففي ماله أولى إذا أذن الولي، لكن شرط فيه الروياني تعيين المدفوع إليه، فينبغي اشتراطه هنا. قال: (وإذا أحرم بحج فرض .. أعطى الولي كفايته لثقة ينفق عليه في طريقه)؛ خوفًا من تفريطه فيه، اللهم إلا أن يسافر معه، وإذا رأى أن يدفع إليه نفقة أسبوع .. فعل، وإن كان اللائق به دفعها يومًا بيوم .. فعل. هذا كله بعد الإحرام، أما قبله .. فلا؛ لأنه على التراخي، اللهم إلا أن يسافر لذلك وأخر الإحرام إلى الميقات .. فإنه يعطى. وحكم العمرة كالحج، فلو عبر بـ (النسك) كان أشمل. ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين فرض الإسلام والمنذورة قبل الحجر. وقوله: (لثقة) الصواب حذف اللام؛ لأن (أعطى) يتعدى لاثنين بنفسه. ولو أحرم بحج تطوع ثم حجر عليه قبل إتمامه .. فحكمه حكم الفرض، قاله الرافعي في أوائل (الحج). قال: (وإن أحرم بحج تطوع وزادت مؤنة سفره على نفقته المعهودة .. فللولي

مَنْعُهُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ. قُلْتُ: وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إِنْ قُلْنَا: لِدَمِ الإِحْصَارِ بَدَلٌ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ .. لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منعه)؛ صيانة لماله، وههنا اتفقوا على صحة إحرامه بحج التطوع كالعبد، بخلاف الصبي المميز حيث لا يصح في الأصح، والفرق: استقلال السفيه. ثم إن لم تزد مؤنة سفره على نفقة الحضر .. فالإحرام لازم، وإن زادت ولا كسب له في الطريق يفي بالزائد .. لم يعطه الولي الزائد، والتعبير بالمنع وقع هنا وفي كتب الرافعي والمصنف، وهو يقتضي: أن الولي يمنعه من نفس السفر، وعبارتهما وعبارة غيرهما في (كتاب الحج): أن للولي تحليله. وعبر الإمام والغزالي بأن له منعه من زوائد المؤنة لا نفس المضي، ومال إليه في (المطلب)، وحمل كلام الشيخين عليه. قال: (والمذهب: أنه كمحصر فيتحلل)؛ لأنه ممنوع. والطريقة الثانية: وجهان: أحدهما: هذا. والثاني: أنه كمن فقد الزاد والراحلة لا يتحلل إلا بلقاء البيت؛ لاشتراكهما في امتناع الذهاب للعجز. قال: (قلت: ويتحلل بالصوم إن قلنا: لدم الإحصار بدل؛ لأنه ممنوع من المال) وتقدم في (الحج): أن هذا هو الأصح، وإن قلنا: لا بدل له .. فإنه يبقى في ذمة السفيه كما صرح به في (المطلب). قال: (ولو كان له في طريقه كسب قدر زيادة المؤنة .. لم يجز منعه والله أعلم)؛ لأن الإتمام من دون التعرض للمال ممكن، واستشكله في (المطلب) إذا كان عمله مقصودًا بالأجرة حتى لا يجوز التبرع به. وجوابه: أن المسألة مفروضة فيما إذا كان كسبه من السفر لا يتأتى منه في الحضر، ومثل ذلك لا يعد الولي به مفوتًا للمال؛ لأنه لو أقام .. لما حصل ذلك الكسب، أما عمل الحضر الذي يفوت بالسفر .. فليس مقصودًا هنا.

فصل

فَصْلٌ: وَلِيُّ الصَّبِيِّ: أَبُوهُ، ثُمَّ جَدُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا أفسد حجة بجماع .. لزمه المضي فيه، وينفق الولي عليه فيه، وهل يعطيه نفقة القضاء؟ فيه وجهان في (البحر). وجميع ما ذكرناه في الحج جار في العمرة، إن قلنا: إنها فرض .. فكحج الفرض، وإن قلنا: تطوع .. فكحج التطوع. تتمة: سئل الشيخ عن يتيم تحت حجر الشرع، له مال يعامل فيه ناظر الأيتام بإذن الحاكم، ثم إن اليتيم سكن قرية من بلاد القدس، ومضت عليه مدة تحقق فيها بلوغه –ولم يعلم هل بلغ رشيدًا أم لا- هل تجوز المعاملة في ماله بعد مدة البلوغ المذكورة وإخراج الزكاة أو لا؟ فقال: لا تجوز المعاملة في ماله، ولا إخراجُ الزكاة منه في هذه الحالة، ويعضد ذلك قول الأصحاب: إن الولي إذا أجر الصبي مدة يبلغ فيها بالسن .. لم يصح فيما زاد على البلوغ. قال: (فصل: ولي الصبي: أبوه) بالإجماع، هذا إذا كان أمينًا وليس للحاكم منعه من ذلك، لكن يستثنى من ذلك من ألحقنا به النسب ولم يحكم ببلوغه. قال: (ثم جده) المراد به: أبو الأب وإن علا كولاية النكاح. وعن مالك: لا ولاية للجد. والشرط فيهما الحرية، فلا ولاية لرقيق على مال ولده، ويشترط أيضًا الإسلام في

ثُمَّ وَصِيُّهُمَا، ثُمَّ الْقَاضِي. وَلَا تَلِي الأُمُّ فِي الأَصَحِّ. وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الولد المسلم، وفي اشتراطه في الولد الكافر وجهان: أصحهما: لا، كما قاله في (المطلب) في (الشهادات). ولا يحتاج الحاكم إلى ثبوت عدالتهما الباطنة، بل يكتفي بالعدالة الظاهرة، لكن إذا فسقا .. نزع القاضي المال منهما كما قاله الرافعي في (الوصية)، فإذا عادا إلى الصلاح .. عادت ولايتهما وأمانتهما على الأصح. قال: (ثم وصيهما) أي: وصي آخرهما موتًا؛ فإن الجد إذا مات أولًا والأب حي بصفة الولاية .. فالولاية له، وبالعكس تكون الولاية للجد بالشرع، وفي هذه الصورة وجه: أن وصي الأب مقدم على الجد، والصحيح: خلافه. قال: (ثم القاضي)؛ لأنه ولي من لا ولي له، وكذلك أمين الحكم .. فحكمه في ذلك حكم القاضي. ولو كان اليتيم في بلد وماله في غيره، فهل الولاية لقاضي بلد المال أو بلد اليتيم؟ وجهان: أولاهما: الأول. واستفيد بتعبير المصنف بـ (ثم) ترتيب المذكورين، وهو كذلك. قال: (ولا تلي الأم في الأصح) قياسًا على النكاح. والثاني: تلي بعد الأب والجد، وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها. وحكم المجنون ومن بلغ سفيهًا حكم الصبي في ترتيب الأولياء. وفهم من جميع ما تقدم: أنه لا ولاية للفرع عند جنون الأصل أو سفهه كولاية النكاح، وأيضًا فالأصول أشفق من الفروع، ولو قيل بإثباتها لهم كما تثبت لبنت المجنون عليه الحضانة .. لم يبعد، إلإ أن يجاب بأن باب الحضانة أوسع. قال: (ويتصرف الولي بالمصلحة)؛ لقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هي أحسن} فيكسوهما كسوة تليق بهما من يسارهما وإعسارهما، ويشتري له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العبد والأمة إن احتاج إلى ذلك، ويصرف أجرة معلمهما القرآن الذي يؤدي به فرائض الصلاة، ولو علمه جميع القرآن أو حرفة .. ففي الأجرة وجهان: أصحهما: في مال الصبي؛ لما فيه من مصلحته كأجرة الحلاق والحجام والطبيب. وإذا كان يخرق الكسوة .. هدده، فإن لم يفعل .. اقتصر في البيت على إزار، وإذا خرج .. كساه وجعل عليه رقيبًا. وقال الإمام والغزالي: يجوز أن يشتري له المعيب، وصرح المتولي بعدم الصحة. ويستحب أن يشتري له العقار، وهو أولى من التجارة، فإن كان لا يحصل من ريعه قدر الكفاية .. فالتجارة أولى عند إمكانها، وشرط الأصحاب فيمن يشتري منه العقار: أن يكون ثقة؛ ليؤمَنَ منه بيع ما لا يملكه. قال الشيخ: وكذا ينبغي في غير العقار مما يخشى عاقبته. قال الإمام: ولا يشتري عقارًا نفيسًا لا يحتفل بمغله بالنسبة إلى ثمنه، كدار عظيمة لا يحتاج إليها الصبي، ولا يوجد لها مكتر. ويخرج من ماله أروش الجنايات وبدل الإتلافات وإن لم تطلب، ونفقة القريب الثابت النسب بالبينة بعد الطلب، ويسقي نخله ويتعهدها، فإن ترك .. ضمن الدواب دون النخل. وقال القفال: إذا ترك ورق الفرصاد حتى فات وقته .. ضمن، وإن ترك عمارة عقاره حتى خرب وعنده ما يعمر به .. أثم، وفي ضمانه وجهان جاريان فيما إذا ترك إجارة عقاره مع التمكن، وفيما إذا ترك بدل الخلع الذي قبضه بغير إذنه في يده بعد العلم حتى تلف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا ترك مطالبة غريمه الموسر حتى أفلس .. فيشبه أن يأتي فيه الوجهان، ولم أر من صرح به. وفي (فتاوى المصنف): يجوز للأب استخدام ولده وضربه على ذلك، مما فيه تدريبٌ للصبي وتأديب وحسن تربية ونحو ذلك. وسئل عن يتيم أخذه جده لأمه فاستخدمه حتى بلغ هل تجب عليه أجرة؟ فقال: عليه أجرة المثل للمدة التي لم يكن فيها رشيدًا، سواء ما قبل البلوغ وما بعده، وإلى ذلك كله سبقه ابن الصلاح. وله المسافرة بمال المحجور عليه إذا دعت ضرورة إليه كنهب أو حريق، وإلا، فإن كان الطريق مخوفًا .. لم يسافر به، وإن كان آمنًا .. فالأصح: الجواز. أما سفر البحر .. ففي حالة غلبة السلامة الأكثرون منعوا ذلك. وقيل: يجوز إن أوجبنا ركوبه للحج، وحيث منعنا فسافر به .. قال القاضي: لا ينعزل بذلك. ويجوز أن يزرع له، قاله في (الشامل) في (التفليس). وقال ابن الرفعة: الظاهر: أنه لا يجوز أن يشتري له الرقيق للتجارة؛ لغرر الهلاك، بخلاف عامل القراض. وإذا تضجر الأب بحفظ مال الطفل .. جاز أن يستأجر من مال الطفل من يتولى ذلك، وله أن يرفع الأمر إلى القاضي ليقيم قيمًا بأجرة، فإن طلب هو من القاضي أن يقرر له أجرة على ذلك .. لم يجبه إليه غنيًا كان أوفقيرًا، لكن إن كان فقيرًا ينقطع به عن كسبه .. فله أن يأكل بالمعروف، والمعتبر أقل الأمرين من أجرة مثله وقدر كفايته، وهل يرد البدل إذا أيسر؟ قولان: أصحهما في زوائد (الروضة): لا؛

وَيَبْنِي دُورَهُ بِالطِّينِ وَالآجُرِّ لَا اللَّبِنِ وَالْجِصِّ، وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ إِلَّا لِحَاجِةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لظاهر القرآن، وكذا حكم الوصي، وستأتي الإشارة إلى ذلك في آخر (الوصايا) إن شاء الله تعالى. قال: (ويبني دوره بالطين والآجر)؛ لأن الآجر يبقى، والطين قليل المؤنة وينتفع به بعد النقض، واختار الماوردي والروياني وطائفة أنه ينبني بما جرت العادة به في عرف البلد. وقال في (البيان): الحجر أولى من الآجر. و (الآجر): الطوب المشوي، فارسي معرَّب، حكى في (التحرير) وغيره في ست لغات أشهرها: تشديد الراء، الواحدة آجرة، وأول من صنعه هامان. قال: (لا اللبن والجص)؛ لأن اللبن يصير إذا انهدم ترابًا، والجص كثير المؤنة، ويلتصق بالطوب فلا ينتفع به إذا انهدم ويكسر كثيرًا من الطوب. وعبارة المصنف وافق فيها (المحرر) و (الروضة)، والذي في (الشرح الكبير) عطف الجص بـ (أو) وهي أولى؛ لأنها تدل على الامتناع في اللبن، سواء كان مع الطين أو الجص، وعلى الامتناع في الجص سواء كان مع اللبن أو الآجر، فيفيد ذلك منعهما مجتمعين، ومنع اللبن والطين، ومنع الآجر مع الجص، والتعبير بـ (الواو) لا يفيد إلا منع الاجتماع. و (الجص) بكسر الجيم وفتحها، فارسي معرب أيضًا. واشترط ابن الصباغ في بناء العقار: أن يساوي بعد بنائه قدر ما صرف عليه، وهذا في زماننا في غاية الندور، فهو في الحقيقة منع للبناء. قال: (ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة)؛ لأن العقار أحسن ما يقتنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم الأواني من صُفر ونحوه مما يعد للقنية حكم العقار، قاله البندنيجي، وما عدا ذلك من أمواله لا يجوز أيضًا بيعه إلا لحاجة أو غبطة، لكن يجوز لحاجة يسيرة وربح قليل بخلاف العقار. وأما أموال التجارة .. فينبغي جواز بيعها من غير تقييد بشيء مما ذكر. والمراد بـ (الحاجة): خوف خراب العقار، أو إعواز نفقة ولم يجد مقرضًا. وأما الغبطة .. فكثقل خراجه مع قلة ريعه، أو راغب بزيادة على ثمن مثله وهو يجد مثله ببعضه، وهذا على سبيل المثال لا على سبيل الاشتراط، وكذلك الحكم لو وجد مثله ببعض ذلك الثمن. وقوله: (ظاهرة) ليست في (المحرر) ولا في (الشرح) ولا في (الروضة)، لكن فيها تفسير الغبطة بما ذكرناه. وضبط الإمام الزيادة بأن لا يستهين بها العقلاء بالنسبة إلى شرف العقار. وقال الجوهري: الغبطة حسن الحال، ويظهر جواز بيعه بثمن مثله دفعًا لرجوع الواهب، وفي دخوله في الغبطة نظر. فروع: أمسك الولي عن البيع؛ لتوقع زيادة فرخص قال القفال: لا يضمن، وقال الجيلي: يضمن. وسئل القفال عن ضيعة خراب ليتيم تستأصل في خراجها فقال: يجوز بيعها ولو بدرهم؛ لأنه المصلحة. وأفتى ابن الصلاح بأن من في يده مال ليتيم وليس بوصي، ولو سلمه إلى ولي

وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةً لِلْمَصْلَحَةِ، وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً .. أَشْهَدَ وَارْتَهَنَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر .. خاف ضياعه: أنه يجوز له النظر في أمره، والتصرف في ماله بالتجارة والإنفاق للضرورة، ومخالطته في الأكل. وإذا باع الأب أو الجد عقارًا للطفل ورفع إلى القاضي .. سجل على بيعه ولم يكلفه إثبات الحاجة أو الغبطة بالبينة؛ لأنه غير متهم، وفي بيع الوصي والأمين لا يسجل إلا إذا قامت البينة بذلك. ومقتضى التعليل في الأب والجد: استثناء الأم من الأوصياء. وأطلق الشيخان هنا: أنه لا يهب أمواله بشرط الثواب ولا دونه؛ إذ لا يقصد بالهبة العوض، لكنهما صححا: أنه إذا ذكر فيها ثوابًا معلومًا جرى عليها جميع أحكام البيع، وحينئذ ينبغي أن يجوز ذلك حيث يجوز البيع. قال: (وله بيع ماله بعرض) هذا لا خلاف فيه إذا كانت فيه مصلحة. قال: (ونسيئة للمصلحة) هذا قيد في العرض والنسيئة، ولابد أن يزيد على ثمنه نقدًا؛ لأن الأجل يقابل بقسط من الثمن. ويشترط كون المشتري موسرًا ثقة والأجل قصيرًا، واختلفوا فيه فقيل: لا يزيد على سنة، والأصح: اتباع العرف، فإن بطل شرط من هذه .. بطل البيع. قال: (وإذا باع نسيئة .. أشهد وارتهن به) أي: أشهد بالبيع وارتهن بالثمن رهنًا وافيًا احتياطًا للمحجور عليه. ومقتضى عبارة المصنف: أنه إذا ترك واحدًا من الرهن والإشهاد .. بطل البيع،

وَيَاخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي يجتمع من كلام الرافعي وابن الرفعة: أن الإشهاد لا يجب؛ لأن ابن الرفعة جعله كإقراض ماله، والرافعي جزم في الإقراض بعدم وجوبه، بل يفعل ما يراه مصلحة. نعم؛ لو باع مال ولده من نفسه نسيئة .. لم يحتج إليه كما صرح به البغوي وغيره. قال: (ويأخذ له بالشفعة أو يترك بحسب المصلحة)؛ لأنه مأمور بطلب الحظ، فإن ترك والأخذ أحظ .. فللمحجور الأخذ عند زوال الحجر، وإن كان الترك أحظ .. فلا في الأصح، فإن استوى الأمران .. ففيه أوجه: أحدها: يحرم الأخذ. والثاني: يجب.

وَيُزَكِّي مَالَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِنِ ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا بِلَا مَصْلَحَةٍ .. صُدِّقَا بِالْيَمِينِ. وَإِنِ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالأَمِينِ .. صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: يتخير، والأول مقتضى كلام الرافعي في (الشفعة) والنص يفهمه والآية تشهد له. ولو قال المحجور: كان الأخذ بالشفعة أحظ، ونازع الولي .. فكما لو اختلفا في بيع العقار كما سيأتي. قال: (ويزكي ماله، وينفق عليه بالمعروف) هذان واجبان على الولي؛ لأنه قائم مقامه، ولا يسرف في الإنفاق عليه ولا يقتر، فإن أسرف .. ضمن، وكذلك يخرج عنه كل واجب عليه. قال: (فإن ادعى بعد بلوغه على الاب والجد بيعًا بلا مصلحة .. صدقا باليمين)؛ لأنهما لا يتهمان؛ لوفور شفقتهما، كذا علله الرافعي وغيره، ومقتضاه: قبول قول الأم إذا كانت وصية، وكذلك من في معناها كأصولها. قال: (وإن ادعاه على الوصي والأمين .. صدق هو بيمينه) وعليهما البينة؛ للتهمة، ولا فرق في ذلك بين العقار وغيره على الأصح. وقيل: يقبل قول الولي مطلقًا أبًا كان أو وصيًا، وهو اختيار الغزالي. وقيل: لا يقبل مطلقًا. وقيل: يقبل قول الأب والجد في كل شيء، ولا يقبل قول غيرهما في العقار ويقبل في غيره، واختاره الشيخ؛ لأن الوصي أمين وتكليفه البينة في كل قليل وكثير يعسر. وأما العقار .. فيحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره، ودعواه على المشتري من الولي كهي على الولي، ودعواه على القاضي إن كان على ولايته .. فالمصدق القاضي، وإن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عزل .. فإطلاق (التنبيه) يقتضي: أنه كالوصي، وكلام الجرجاني فيه إشارة إليه، واختاره في (الإقليد). وإذا قبلنا قول الولي، فأقام المحجور بينة على البيع من غير غبطة ولا حاجة .. حكم بها، وكذا إذا صدقنا المحجور فأقام الولي بينة على ما يدعيه، وقد صرح بهما في (المحرر). فرعان: أحدهما: إذا كان للصبي كسب .. أجبره الولي على الاكتساب؛ ليرتفق به في النفقة وغيرها، وألحق في زوائد (الروضة) السفيه بالصبي في ذلك، وتوقف في (المطلب) في وجوب العمل عليه. الثاني: إذا وكل الأب في حق الطفل .. يشترط في وكيله العدالة. تتمة إذا دعت ضرورة إلى إقراض مال المحجور أو إيداعه .. جاز كل من الأمرين. وقال الرافعي: يجوز للقاضي أن يقرض مال الصبي لغير ضرورة؛ لكثرة أشغاله دون غيره، وسبقه إلى ذلك البغوي. قال الشيخ: وهذا شيء لم أره لغيرهما، قال: والصحيح: أنه لا يجوز لأحد من الأولياء أن يقرض إلا لضرورة، وهذا الذي يقتضيه إطلاق الشافعي والشيخ أبي حامد وابن الصباغ والشيخ أبي إسحاق والمحاملي والجراجاني والقاضي والإمام والمتولي والفوراني والغزالي والروياني وصاحب (العدة) والعمراني. وقال الهروي: إنه المذهب، قال: ولا أشك فيه؛ فإن القرض فيه خطر وإن كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من موسر ثقة، فقد يفلس أو يموت وتعرض آفات، وليس هذا من الأحسن والله تعالى قال: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هى أحسن}، وما سمعت قط في هذا الزمان أن أحدًا أقرض مال اليتيم لمصلحة اليتيم، ومن العجب أن الرافعي يقول هذا، ويطلق أنه يشترط في المقرض أهلية التبرع، أما غير الأب والجد والقاضي .. فلم يقل أحد: إنه يجوز أن يقرض لغير ضرورة. * * * خاتمة سئل الشيخ عن امرأة سفيهة تحت الحجر أقامت بينة برشدها، ثم حضر وليها فأقام بينة بسفهها، أيهما يقدم؟ فأجاب: تقدم بينة السفيه، لأن معها زيادة علم. وصورة المسألة: أن تشهد بينة الرشد في الوقت الفلاني، فتشهد تلك بأنها في ذلك الوقت كانت تشرب الخمر أو نحو ذلك مما يوجب السفه، وأما إذا أطلقت .. فالوجه: تقديم بينة الرشد، ثم استدل لذلك بما تقدم في أول (كتاب التفليس) عن (فتاوى ابن الصلاح). * * *

باب الصلح

بَابُ الصُّلْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الصلح هو في اللغة: قطع المنازعة، وفي الشرع: عقد يحصل به ذلك. ويطلق على الصلح بين المسلمين والمشركين، وعلى الصلح بين الإمام والفئة الباغية، وعلى الصلح بين الزوجين عند الشقاق، وعلى الصلح في المعاملات والديون وهو المراد هنا ولا يقع غالبًا إلا على حطيطة لبلوغ بعض الغرض. وأصل الباب قبل الإجماع: قوله تعالى: {والصلح خير}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين) رواه الحاكم [4/ 101] وقال على شرط الشيخين، زاد ابن حبان [5091] والترمذي [1352]: (إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، والمسلمون عند شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا). فالصلح الذي يحرم الحلال: أن يصالح زوجته على أن لا يطلقها ونحو ذلك، والذي يحلل الحرام: أن يصالح على خمر أو خنزير، ومن حال على مؤجل، أو من دراهم على أكثر منها. وانعقد الإجماع على جوازه، وأكثر أحكام عمر رضي الله عنه كانت صلحًا. ولفظه يتعدى إلى المتروك بـ (من) و (عن) وإلى المأخوذ بـ (على) و (الباء) وهو أقسام: بيع وإجارة، ويجمعهما صلح المعاوضة. وهبة وإبراء، ويجمعهما صلح الحطيطة وهذه الأربعة في الكتاب. وأهمل أقسامًا: منها: أن يكون عارية يرجع فيها متى شاء، كالصلح من الدار على سكناها، وهي

هُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: صُلْحٌ عَلَى إِقْرَارٍ، فَإِنْ جَرَى: عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ .. فَهُوَ بَيْعٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ؛ كَالشُّفْعَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إِنِ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ في (الرافعي) قبيل الكلام على صلح الإنكار. ومنها: أن يكون فسخًا، كما إذا صالح المسلم المسلم إليه على رأس ماله، وهي في (الكفاية) في (باب السلم) عن ابن سريج. ومنها: أن يكون جعالة كقوله: صالحتك على كذا على رد عبدي. ومنها: أن يكون خلعًا كقول المرأة: صالحتك عن كذا على أن تطلقني طلقة. ومنها: أن يكون معاوضة عن دم العمد، وأن يكون فداء للحربي كقوله: صالحتك عن كذا على إطلاق الأسير. واختلف الأصحاب: هل الصلح رخصة أو أصل بنفسه مندوب إليه؟ فقال أبو إسحاق وابن أبي هريرة والشيخ أبو حامد وآخرون: هو رخصة مستثنىً من المحظورات. وقال ابن أبي سلمة والقاضي أبو حامد: إنه أصل بنفسه مندوب إليه. فمن قال بالأول .. قال: الحديث المذكور مجمل، ومن قال بالثاني .. قال: إنه عام. وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا ترددنا في جواز نوع من الصلح، فإن جعلناه مجملًا .. لم يصح الاستدلال بالخبر على جوازه، وعلى الثاني يجوز إلا أن يقوم دليل على تخصيصه. قال: (وهو قسمان: أحدهما يجري بين المتداعيين، وهو نوعان: أحدهما: صلح على إقرار، فإن جرى: على عين غير المدَّعاة .. فهو بيع بلفظ الصلح تثبت فيه أحكامه؛ كالشفعة، والرد بالعيب، ومنع تصرفه قبل قبضه، واشتراط التقابض إن اتفقا في علة الربا) وغير ذلك من أحكامه؛ لأن حد البيع صادق

أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ .. فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، لكن المصنف تبع (الشرح) و (المحرر) في قوله: (على عين غير المدعاة) وصوابه: على غير العين المدعاة؛ ليشمل ما إذا صالح منها على عين وعلى دين فإن الحكم سواء، وعلى عبارة الكتاب يكون الصلح من العين على دين غير مذكور. قال: (أو على منفعة) أي: كسكنى دار وخدمة عبد (.. فإجارة تثبت أحكامها)؛ لصدق حد الإجارة عليه. وصورة المسألة: أن يصالح عن العين المدعاة المقر بها على منفعة عين أخرى مدة معلومة بما يجوز عقد الإجارة عليه، فيملك المقر العين التي أقر بها، ويملك المقر له منفعة العين المصالح عليها، وكأنه استأجر العين التي أخذها بالعين التي ادعاها وأقر له بها. وهكذا لو صالح من منافعها سنة على عين أو دين أو منفعة معلومة .. صح، وكأنه أجرها للمقر بما أخذ من العين أو الدين أو المنفعة، وهذان المثالان اللذان ذكرهما المصنف تشملهما المعاوضة، وهي أحد ضربي الصلح على الإقرار. ولو صالح من العين على منافعها .. لم يجز؛ لأن العين ومنافعها ملك المقر له، فكيف يتعوض ملكه بملكه؟! ولو صالح في هذه الصورة من منافعها عليها .. لم تكن إجارة لذلك،

أَوْ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ .. فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا. وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ لكنها عارية مؤقتة إن أقت المدة، ومطلقة إن أطلق، وله الرجوع فيها متى شاء مؤقتة كانت أو مطلقة. قال: (أو على بعض العين المدعاة .. فهبة لبعضها لصاحب اليد فتثبت أحكامها) أي: التي تقررت في بابها من اشتراط القبول ومدة إمكان القبض وغيرها، وهذا يسمى صلح الحطيطة. وقوله: (المدعاة) احتراز عما إذا ادعى بعض عين وصالح منها على بعض عين أخرى ملكه، فإنه بيع .. دخل في قوله (عين غير المدعاة) وكذا لو صالح على منافع البعض الآخر كان إجارة. وقوله: (فهبة) إلى آخره محل الاتفاق عليه إذا جرى بلفظ الهبة وما في معناها من التمليك ونحوه، فإن كان بلفظ الصلح .. فسيأتي. كل هذا إذا جرى عقد الهبة من غير شرط، كما إذا أقر له بالدار فقال: وهبتك نصفها ولم يشترط شيئًا، فلو قال: وهبتك نصفها على أن تسلمني النصف الآخر .. لم يصح، كما سيأتي في نظيره من الإبراء. قال: (ولا يصح بلفظ البيع)؛ لأن العين كلها ملك المقر له فإذا باعها ببعضها .. فقد باع الشيء ببعضه وهو باطل، وهذه إحدى المسائل التي فارق فيها الصلح البيع، حيث قطع الأصحاب بأنه لا يصح صلح الحطيطة بلفظ البيع، ويصح بلفظ الصلح في الأصح كما ذكره المصنف حيث قال:

وَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ. وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِكَ بِكَذَا .. فَالأَصَحُّ: بُطْلَانُهُ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ .. صَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (والأصح: صحته بلفظ الصلح) وعلى هذا: يكون هبة في القبول، وسائر أحكامها كما سبق. والثاني: لا يصح؛ لأن الصلح يتضمن المعاوضة وهي مستحيلة هنا. قال: (ولو قال من غير سبق خصومة) سواء كانت عند الحاكم أم غيره (: صالحني عن دارك بكذا .. فالأصح: بطلانه) نظرًا إلى اللفظ؛ لأن لفظ الصلح يقتضي سبق الخصومة. والثاني: يصح نظرًا إلى المعنى؛ لأنه معاوضة فلم يشترط فيه ذلك قياسًا على البيع. قال الرافعي والمصنف: وكأن هذا الخلاف مفروض فيما إذا استعمل لفظ الصلح ولم ينويا أو أحدهما، أما إذا استعملا ونويا أو أحدهما البيع .. فإنه يكون كناية بلا شك، ويجري فيه الخلاف في انعقاد البيع بها، وقواه الشيخ، وضعفه في (المطلب) وقطع بعدم التخريج؛ لكون اللفظ منافيًا للمعنى، فأشبه ما إذا قال: بعتك بلا ثمن .. فإنه لا يصح إذا نظرنا إلى اللفظ. قال: (ولو صالح من دين على عين .. صح)؛ لعموم الأدلة على جواز الصلح، سواء عقد بلفظ الصلح أو البيع. وشرط الدين: أن يجوز الاعتياض عنه كدين القرض والإتلاف، وكذلك ثمن المبيع ونحوه على الجديد كما تقدم، ولا يجوز عن دين السلم، وكذلك في إبل الدية على الأصح. وقوله: (على عين) صوابه: على غيره بالغين المعجمة وبالهاء في آخره؛ فإنه قسمه بعد ذلك إلى عين ودين.

فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا .. اشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِلاَّ: فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا .. لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الأَصَحِّ، أَوْ دَيْنًا .. اشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ .. فَهُوَ إِبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ. وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن توافقا) أي: الدين المصالح منه والعوض المصالح عليه (في علة الربا .. اشترط قبض العوض في المجلس) فمتى تفرقا قبل قبضه .. بطل الصلح، أما تعيينه في العقد .. فلا يشترط في الأصح. قال: (وإلا) أي: وإن لم يتوافقا في علة الربا كالفضة بالحنطة. قال: (فإن كان العوض عينًا .. لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح، أو دينًا .. اشترط تعيينه في المجلس، وفي قبضه الوجهان) جميع هذا تقدم تعليله في الكلام على الاستبدال عن الثمن، ولو كان العوض منفعة .. فيقبض بقبض محلها. قال: (ولو صالح من دين على بعضه .. فهو إبراء عن باقيه)؛ لأنه معناه، هذا صلح الحطيطة في الدين وما بعده وما قبله صلح معاوضة. قال: (ويصح بلفظ الإبراء والحط ونحوهما) كالإسقاط والوضع فيقول لمن عليه مئة: أبرأتك من خمسين، أو وضعت عنك خمسين وأعطني الباقي، فيبرأ المديون من غير قبول كما سيأتي. وفي (الصحيحين) [خ457 - م1558]: أن كعب بن مالك رضي الله عنه طلب من عبد الله بن أبي حدرد رضي الله عنه دينًا له عليه، فارتفعت أصواتهما في المسجد حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهما ونادى: (يا كعب) قال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر، قال: فقال: قد فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قم فاقضه). (وحدرد): قال الجوهري: وزنه فعلع لا فعلل. وإذا جرى ذلك بصيغة الإبراء ونحوها مما تقدم .. لا يشترط القبول على المذهب، سواء قلنا: الإبراء إسقاط أم تمليك، ولا يشترط قبض الباقي في المجلس.

وَبِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ أَوْ عَكَسَ .. لَغَا، فَإِنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ .. صَحَّ الأَدَاءُ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ .. بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّهٌ، وَلَوْ عَكَسَ .. لَغَا .. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبلفظ الصلح في الأصح). صورتها: أن تقول: صالحتك عن المئة التي لي في ذمتك بخمسين وفيها وجهان: أحدهما: لا يصح؛ لأن الصلح بيع. والثاني –وهو الأصح-: الصحة؛ لأن معناه أعطني خمسين وأبرأتك من خمسين، ولو صرح بذلك .. صح كما تقدم، وعلى الأصح هل يشترط القبول في هذه الحالة؟ خلاف مدركه مراعاة اللفظ أو المعنى، والأصح اشتراطه. قال: (ولو صالح من حال على مؤجل مثله) أي: جنسًا وقدرًا وصفة. قال: (أو عكس .. لغا)؛ لأن الأول وعد من رب المال، والثاني وعد من المديون فلا يؤثران. قال: (فإن عجل المؤجل .. صح الأداء)؛ لصدور الإيفاء والاستيفاء من أهلهما. ومحل هذا: إذا لم تظن صحة الصلح ووجوب التعجيل، فإن ظن ذلك .. فإنه يسترد قطعًا، كمن ظن أن عليه دينًا فأداه فبان خلافه، وهذا فيه اضطراب حرره في (المهمات). قال: (ولو صالح من عشرة حالّة على خمسة مؤجلة .. برئ من خمسة وبقيت خمسة حالّة)؛ لأن الصلح على بعض الدين إبراء، والتأجيل لا يلحق، وهذا تفريع على صحة المصالحة من الدين على بعضه بلفظ الصلح، فإن أبطلنا ذلك .. بقيت العشرة بحالها. قال: (ولو عكس .. لغا) أي: صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة فذلك لاغ؛ لأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها، والخمسة الأخرى إنما تركها في مقابلته،

النَّوْعُ الثَّانِي: الصُّلْحُ عَلَى الإِنْكَارِ، فَيَبْطُلُ إِنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا لم يحصل الحلول .. لا يحصل الترك. وحكم الصحيح والمكسر حكم المؤجل والحالّ. قال: (النوع الثاني: الصلح على الإنكار، فيبطل إن جرى على نفس المدعى) خلافًا للأئمة الثلاثة. لنا: أنه لا أثر فيه يجب اتباعه، وهو صلح محرم للحلال إن كان المدعي صادقًا؛ لتحريمه المدعى به عليه بعد ذلك، أو محلل للحرام إن كان كاذبًا بأخذه ما لا يستحق، ولم يقل أحد من الأصحاب بجواز ذلك وإن كان كلام (المطلب) يفهم أن فيه وجهًا، وهو وهم. وصورة الصلح على الإنكار: أن يقول: صالحني، أو يقول: صالحني عن دعواك، أو عن دعواك الكاذبة. واستدل الأئمة الثلاثة لجوازه بما روى أحمد [6/ 320] وأبو داوود [3583]: أن رجلين اختصما في مواريث بينهما قد درست وليس بينهما بينة، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا .. فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من نار يأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة) فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إذ قلتما .. فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه). و (الإسطام): الحديدة التي تحرك بها النار وتسعر، أي: أقطع له ما تسعر به النار على نفسه وتشعلها، أو أقطع له نارًا مسعرة. والجواب: أنه عليه الصلاة والسلام قسمه بينهما؛ لأن المال في يديهما ولا مرجح لأحدهما على الآخر. وأما التحليل مع الجهالة .. فمن باب الورع؛ لأنه أقصى ما يمكن في هذه الحالة، بخلاف الجهل الذي يمكن استكشافه لا يصح معه التحلل ولا الصلح، ولا فرق في مسألة الكتاب بين أن يكون المدعى به عينًا أو دينًا.

وَكَذَا إِنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ فِي الأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: صَالِحْنِي عَنِ الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إِقْرَارًا فِي الأَصَحِّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا سكت المدعى عليه .. كان كالإنكار، قاله سليم وغيره، حكاه في (المطلب). وإن أقيمت عليه بينة بعد إنكاره .. قال الماوردي: جاز الصلح؛ للزوم الحق بالبينة كلزومه بالإقرار، وإذا أقر ثم أنكر .. جاز الصلح، وإذا تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على إقرار أو إنكار .. فالذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه: أن القول قول مدعي الإنكار؛ لأنه الغالب كما تقدم في (اختلاف المتبايعين). ولو أنكر فصولح ثم أقر .. قال في (الحاوي): يستمر البطلان، واستشكله الشيخ. والمراد بـ (البطلان) ههنا: إنما هو في الظاهر، أما فيما بينه وبين الله تعالى .. فيحل له الأخذ إن كان محقًا. قوله: (إن جرى على نفس المدعى) لا يستقيم؛ فإن (على) و (الباء) يدخلان على المأخوذ، و (من) و (عن) على المتروك كما تقرر، فصوابه: (إن جرى على غير المدعى) بالغين المعجمة والراء، وكذا هو في (المحرر)، كان الراء تصحفت على المصنف بالنون فعبر عنها بالنفس. قال: (وكذا إن جرى على بعضه في الأصح) كما لو كان على غير المدعى، ولأن الاعتبار بقول الدافع، وهو يزعم أنه إنما بذله لكف الأذى، وأخذ المال لكف الأذى لا يجوز. والثاني: يصح ويجعل المدعي واهبًا للنصف إن كان صادقًا، وموهوبًا له إن كان كاذبًا، ولا يبالى باختلافهما في ذلك. قال: (وقوله: صالحني عن الدار التي تدعيها ليس إقرارًا في الأصح)؛ لأنه قد يريد قطع الخصومة.

الْقِسْمُ الثَّانِي: يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَأَجْنَبِيٍّ؛ فَإِنْ قَالَ: وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ وَهُوَ مُقِرٌ لَكَ .. صَحَّ، وَلَوْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ .. صَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: نعم كما لو قال: هبنيها .. فالمشهور: أنه إقرار. ولو قال: ملكني الدار التي تدعيها .. جزموا بأنه إقرار، فلو قال: أجرني أو أعرني .. لم يكن إقرارًا. ولو كان النزاع في دين فقال: أبرئني .. فهو إقرار على المشهور وقال بعض الأصحاب: لا يكون إقرارًا؛ لقوله تعالى: {فبرأه الله مما قالوا} وموسى عليه السلام لم يكن آدر، وتبرئته مما قالوا لا تقتضي إثباته. قال: (القسم الثاني: يجري بين المدعي وأجنبي؛ فإن قال: وكلني المدعى عليه في الصلح وهو مقر لك .. صح)؛ لأن قبول الإنسان في دعوى الوكالة مقبول في جميع المعاملات، ثم إن كان صادقًا في دعوى الوكالة .. فيفعل ما وكل فيه من المصالحة على بعض المدعى، أو على شيء آخر عينًا كان أو دينًا، وإن لم يكن صادقًا .. فهو شراء فضولي وقد تقدم حكمه في (البيع). وشمل قوله: (وهو مقر) ما إذا وقع الإقرار في الظاهر، وما إذا أقر عند الأجنبي الذي وكله فقط ولم يظهر خوفًا من أخذ المالك له، وقد صرح بالقسمين في (المحرر). فلو قال: وكلني في مصالحتك وأن أعلم أنك محق .. فالصلح صحيح، جزم به القاضي أبو الطيب، وصاحب (التنبيه) وأقره عليه المصنف، وصححه الماوردي، وحكى وجهًا آخر: أنه لابد مع ذلك من الاعتراف بالإقرار. وعلم من عبارة المصنف: أنه لا يكفي مجرد التوكيل بالمصالحة، وهو كذلك. قال: (ولو صالح لنفسه والحالة هذه .. صح) أي: ظاهرًا، وكذا باطنًا، أما إذا كان دينًا .. فيأتي فيه الخلاف السابق في بيع الدين لغير من عليه. واحترز بقوله: (والحالة هذه) عما إذا صالح لنفسه مع الإنكار وسيأتي.

وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ. وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا وَقَالَ الأَجْنَبِيُّ: هُوَ مُبْطِلٌ فِي إِنْكارِهِ .. فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهَا وَعَدَمِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: هُوَ مُبْطِلٌ .. لَغَا الصُّلْحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكأنه اشتراه)؛ لأن الصلح قد وقع بعد دعوى وجواب. وتعبيره بكاف التشبيه أحسن من قول (الروضة): (كما لو اشتراه)؛ فإنه شراء حقيقة فلا معنى للتشبيه. قال: (وإن كان منكرًا وقال الأجنبي: هو مبطل في إنكاره .. فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته على انتزاعها وعدمها) وأشار المصنف بتأنيث الضمير في قوله: (انتزاعها) إلى أن صورة المسألة في العين، أما الدين .. فطريقة الكتاب بطلانه. كل هذا إذا صالح الأجنبي لنفسه، فإن صالح للمدعى عليه والصورة كما في الكتاب .. فوجهان: أصحهما في الدين الصحة وفي العين المنع؛ لأنه لا يمكن أن يملكه العين قهرًا، بخلاف قضاء الدين. قال: (وإن لم يقل: هو مبطل .. لغا الصلح)؛ لأنه اشترى منه ما لم يثبت له ملكه)، وهذه العبارة تشمل ثلاث صور: إحداها: أن يقول: وهو محق. والثانية: لا أعلم حاله. والثالثة: أن يقول: صالحني ولا يذكر شيئًا، وهذه الثالثة ليست في (الشرح) ولا في (الروضة)، وإطلاق الكتاب و (المحرر) يقتضي البطلان فيها وهو كذلك. تتمة: قال أبو إسحاق: لا يحل للمنكر فيما بينه وبين الله تعالى أن يوكل في المصالحة؛ لأنه مع الإنكار إلجاء إلى بيعه منه، ولا يحل لأحد أن يلجئ غيره إلى بيع ماله.

فصل

فَصْلٌ: الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ، وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو العباس: يجوز؛ لأن إنكاره حرام للكذب والإضرار، فإذا أراد إزالة الضرر .. جاز كمن أذنب ذنبين وأراد التوبة من أحدهما، والأشبه: أن الخلاف في الحل والقطع بالصحة. ولو صالح الأجنبي من الدين على عين، ثم جحد الأجنبي وحلف هل يعود إلى من كان عليه الدين؟ فيه وجهان، صحح في زوائد (الروضة) في (باب الحوالة) العود وينفسخ الصلح. قال: (فصل: الطريق النافذ لا يتصرف فيه بما يضر المارة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وهو حديث حسن رواه ابن ماجه [2340 عن عبادة] والدارقطني [3/ 77] وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ورواه مالك في (الموطأ) [2/ 745] مرسلًا كما قاله المصنف في (الأربعين). ورورى حرملة عن الشافعي رضي الله عنه: أنه صحح حديث: (لا ضرر ولا ضرار). ولأن الحق فيه ليس له خاصة بل لجميع المسلمين. و (الطريق) يذكر ويؤنث. و (النافذ) بالذال المعجمة، وبين الطريق والشارع اجتماع وافتراق فالطريق يكون في الصحارى والبنيان، والشوارع مختصة بالبنيان، والشارع لا يكون إلا نافذًا، والطريق يكون نافذًا وغير نافذ. وقوله: (لا يتصرف) بضم الياء والتعبير بـ (يضر المارة) أولى من تعبير (الشرحين) و (الروضة) بما يبطل المرور؛ لأن كل ما يبطل يضر من غير عكس. قال: (ولا يشرع فيه جناح ولا ساباط يضرهم) هذا تخصيص بعد تعميم؛ فإن عبارته الأولى شاملة لهذا وغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة: لا اعتبار بالضرر وعدمه في إخراج الجناح، ولكن إن خاصمه إنسان فيه .. نزع وإن لم يضر، وإلا .. ترك. وقال أحمد: لا يجوز إشراعه بحال إلا بإذن الإمام. لنا: اتفاق الناس عليه في سائر الأعصار من غير إنكار، و (أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزابًا في دار العباس رضي الله عنه) وقيس الجناح عليه، كذا استدل به الرافعي وغيره. فأما نصب الميزاب .. فرواه أحمد [1/ 210] والحاكم [3/ 331] والبيهقي [6/ 66]، وليس فيه دليل على أبي حنيفة ولا على أحمد، أما أبو حنيفة .. فلأنه لا يقول بمنع النصب كما تقدم. وقوله: (يشرع) معناه يخرج. وأما أحمد .. فإنما منعه عند عدم إذن الإمام، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم آكد وأبلغ من الإذن. فائدة: (الجناح): مأخوذ من جناح الطائر، قال الجوهري: وهو يده، وقيل: من جنح إذا مال، و (الجوانح): الأضلاع التي تلي الصدر، والضلوع مما يلي الظهر. و (الساباط): سقيفة بين حائطين تحتها طريق، والجمع سوابيط وساباطات. وقولهم في المثل: أفرغ من حجام ساباط، قال الأصمعي: كان يمضي الأسبوع فلا يدنو منه أحد، فعندها يخرج أمه فيحجمها؛ ليرى الناس أنه غير فارغ، فما زال ذلك دأبه حتى أنزف دمها فماتت فجأة فسار مثلًا. قال الشاعر [من السريع]: مطبخه قفر وطباخه .... أفرغ من حجام ساباط وقيل: إنه حجم كسرى إبرويز مرة .. فأغناه، فلم يحجم بعده أحدًا.

بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة أخرى: قدر الطريق في أرض مملوكة سبلها مالكها ما اختاره، والأفضل توسيعها، وإن كانت بين أرض يريد أصحابها إحياءها: فإن اتفقوا .. فذاك، وإن اختلفوا .. فقدر سبعة أذرع؛ لما في (الصحيحين) [خ2341 - م1613] عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى عند الاختلاف في الطريق أن يجعل عرضه سبعة أذرع) كذا قال المصنف في زيادات (الروضة)، وهذا تابع فيه ابن الصلاح، والمنقول ما ذكره الماوردي في (باب القسمة) أن المرجع فيه إلى الحاجة، والحديث محمول على عرف المدينة. ومعنى الحديث: إذا أريد ابتداؤها. قال: (بل يشترط ارتفاعه بحيث يمر تحته منتصبًا) أي: الماشي، واعتبر الماوردي مع هذا أن تكون على رأسه الحمولة العالية، ولابد من ذلك. ويشترط أيضًا أن لا يؤثر في إظلام الموضع، وقيل: لا أثر لذلك، وقيل: إن منع الضوء بالكلية .. أثر، وإلا .. فلا، فاجتمع ثلاثة أوجه. تنبيهات: أحدها: ما ذكره مخصوص بالمسلم، أما الكافر .. فلا يخرج جناحًا في شارع المسلمين على الأصح؛ لأنه كإعلام البناء على المسلمين، نبه عليه المصنف وابن الصلاح. قال في (المطلب): وسلوكهم طرقات المسلمين ليس عن استحقاق ملك، بل إما بطريق التبع للمسلمين، أو بما بذلوه من الجزية. وقال في (البحر) في (كتاب الجزية): ويجري الخلاف في آبار حشوشهم إذا أرادوا حفرها في أفنية دورهم.

وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ والْقَوَافِلِ .. فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا اشترى الذمي دارًا كانت لمسلم وبها روشن فهل يقر عليه أو يهدم؟ يشبه أن يكون كالدار العالية إذا اشتراها الذمي من المسلم، وسيأتي في (باب الجزية) إن شاء الله تعالى. الثاني: مقتضى كلام المصنف: أنه يجوز أن يخرج الجناح فوق جناح جاره أو تحته، وكذلك في موضعه أيضًا إذا انهدم أو هدمه وإن كان على عزم إعادته، وهو كذلك. واستشكل الرافعي وضعه موضع جناح الجار إذا لم يعرض عن ذلك، وقاسه على مقاعد الأسواق، ورده المصنف وجعله مقيسًا على الواقف في الطريق إذا فارق مكانه، والذي قاله الرافعي أولى. الثالث: من وضع جناحًا على وجه لا يجوز .. قلعه الحاكم لا كل أحد على أشبه الوجهين في (المطلب)؛ لما فيه من توقع الفتنة. وقال البندنيجي: لكل أحد قلعه كما لو بنى دكة على باب داره. وقال سليم: لكل أحد مطالبته بقلعه؛ لأنه من إزالة المنكر، وينبغي حمل كلام البندنيجي عليه. قال: (وإن كان ممر الفرسان والقوافل .. فليرفعه بحيث يمر تحته المحمل على البعير مع أخشاب المظلة)؛ لأنه قد يتفق ذلك نادرًا. و (القوافل) جمع قافلة، وهي: الرفقة الراجعة من السفر. و (المحمل) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية. و (المظلة) بكسر الميم –وحكى ابن الأعرابي فتحها-: البيت الكبير من الشعر.

وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إِشْرَاعِ الْجَنَاحِ، وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً، أَوْ يغْرِسَ شَجَرَةً، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَضُّرَّ .. جَازَ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحرم الصلح على إشراع الجناح) سواء كان المصالح الإمام أو غيره؛ لأن الهواء تابع لا يفرد بالعقد كالحمل مع الأم، ولأنه إن ضر .. لم يجز أخذ العوض عنه، وإلا .. فهو مستحقه، وما يستحقه الإنسان لا يؤخذ منه عوض عنه كالمرور. قال: (وأن يبني في الطريق دكة، أو يغرس شجرة) قال الرافعي: لأن المارة قد تزدحم فيه، ولأن مكانهما يشتبه بالأملاك عند طول المدة، والتعليل الأول منقوض بغرس الشجرة في المسجد؛ فإنه جائز مع الكراهة كما قاله في زيادات (الروضة) في آخر (شروط الصلاة). والثاني: ينتقض بجواز فتح الباب إلى درب غير نافذ إذا سمره كما سيأتي. و (الدكة) بفتح الدال: المسطبة، قال الشيخ: وينبغي أنها إذا كانت بفناء داره وكانت لا تضر .. لاتمنع؛ لأن الناس ما زالوا يتخذون ذلك من غير إنكار. قال (وقيل: إن لم يضر جاز)؛ قياسًا على إشراع الجناح. وأفهم كلامه جواز اتخاذ الطين في الطريق، وهو كذلك إن بقي مقدار المرور للناس، وإذا جوزنا نصب الدكة وغرس الشجرة فتلف بذلك شيء .. ضمنه. وحكى الماوردي قولين فيما لو حفر بئرًا في طريق واسع بفناء داره فتلف به إنسان هل يضمنه؟ والشجرة والدكة في ذلك كالبئر. وإذا كان الطريق واسعًا .. لم يجز لأحد أن يستولي على شيء منه بلا خلاف.

وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الإِشْرَاعُ إِلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وقد عظمت البلية في هذا الزمان فصار وكلاء بيت المال يبيعون من الطرق ما يقولون: إنه لا يضر ولا يضيق، وهذا حرام ينبغي التحرز منه؛ لأنا لا نعلم مبتدأ الطريق هل هو بوقف أو غيره، فإن كان وقفًا .. لم يجز بيع شيء منه، وإن كان بطريق الإحياء .. فيحرم؛ لثبوت حق الاستطراق فصار كالوقف. فإن قيل: إنه ملك المسلمين فيباع منه ما فضل عن حاجاتهم .. فالجواب أن ذلك مع الشك لا يجوز الإقدام عليه، فليحذر من هذا غاية الحذر. قال: (وغير النافذ يحرم الإشراع إليه لغير أهله) بلا خلاف سواء ضر أم لا؛ لأنه ملك لهم فأشبه الإشراع إلى الدور، وإنما جاز لغيرهم الدخول فيه بغير إذنهم؛ لأن ذلك من قبيل الإباحات المستفادة من قرائن الأحوال، وليس لأجنبي أن يجلس فيها بغير إذنهم ولو كان فيهم صبي أو مجنون، بل قال الشيخ عز الدين: في جواز الدخول نظر؛ لأن الإباحة ممتنعة منه ومن وليه. ولو اجتمع أهلها فسدوا رأسها .. لم يمنعوا عند الجمهور. وقال العبادي: يحتمل أن يمنعوا؛ لأن أهل الشارع يفزعون إليه إذا عرضت زحمة. وليس لبعضهم السد قطعًا، ولو سدوا باتفاقهم .. لم يستقل بعضهم بالفتح، ولو اتفقوا على قسمة صحن السكة .. جاز، ولو أراد أهل رأس السكة قسمة رأسها بينهم .. منعوا لحق من يليهم. وما تقرر من جواز سد رأسها وقسمة الصحن مفروض فيما إذا لم يكن في السكة مسجد أو بئر مسبلة، فإن كان .. منعوا من السد والقسمة؛ لأن المسلمين كلهم يستحقون الاستطراق إليه. وأما الإشراع إليها عند عدم الضرورة، فإن كان برضا أهلها .. فلا شك في

وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الأَصَحِّ إِلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ، وَأَهْلُهُ: مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إِلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجواز، وإن كان بغير رضاهم، فإن كان المسجد هناك قبل إحياء الزقاق .. جاز وصار كالشارع في جميع وجوهه من رأس الزقاق إلى باب المسجد، وإن كان المسجد وقف بعد صيرورة الزقاق واستحقاق أهله بأن وقف أحدهم مكانه مسجدًا .. فقد تردد في (المطلب) في جواز الإخراج إليه وقال: الأشبه المنع. قال الشيخ: وعندي ينبغي القطع به؛ لأنه ليس للواقف إبطال حقوق بقية أهلها. وإن لم يكن في السكة إلا دار واحدة فوقفها صاحبها مسجدًا .. فههنا يحتمل احتمالًا ظاهرًا أن يقال بجواز إشراع الجناح إليها؛ لأن وقف المسجد تحرير ولا حق لغيره، ويحتمل أن يقال: وهو الأشبه بالمنع؛ لأنها تابعة للمسجد. وكما لا يجوز الإشراع في هواء المسجد لا يجوز فيما هو من حقوقه. قال: (وكذا لبعض أهله في الأصح) كسائر الأملاك المشتركة. والثاني: يجوز إذا لم يضر؛ لأن كل واحد منهم يجوز له الارتفاق بقراره، فيجوز بهوائه كالشارع. قال: (إلا برضا الباقين) فيجوز؛ لأنه ملكهم. هذا إذا رضوا مجانًا، فإن رضوا بعوض .. لم يجز ويبطل العقد؛ لأن الهواء لا يفرد بعقد، وإنما يتبع القرار كالحمل مع الأم. ويشترط مع إذن أهل الدرب إذن المستأجر إن تضرر، وإلا .. فلا. وفي (طبقات العبادي) نقلًا عن الاصحاب: أنه يجوز المرور في ملك الغير إذا لم يصر بذلك طريقًا للناس، فلو أراد الشركاء الرجوع بعد الإذن في الإخراج .. قال في (المطلب): يشبه أن لا يجوز؛ لأنه موضوع بحق فلا سبيل إلى قلعه. قال: (وأهله) أي: أهل غير النافذ (من نفذ باب داره إليه)؛ لأنهم الذين يسمون سكانه.

لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ، وَهَلِ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ، أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَاسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إِلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ. وَلَهُ فَتْحُهُ إِذَا سَمَّرَهُ فِي الأَصَحِّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا من لاصقة جداره)؛ لأن صاحب الباب له به انتفاع بخلاف الملاصق. قال: (وهل الاستحقاق في كلها لكلهم، أم تختص شركة كل واحد بما بين رأس الدرب وباب داره؟ وجهان، أصحهما: الثاني)؛ لأن ذلك القدر هو محل تردده، وما عداه حكمه فيه حكم غير أهل السكة. ووجه الأول: أنهم ربما احتاجوا إلى التردد في جميعه والارتفاق به لوضع الأثقال ونحوها، وكان ينبغي أن يقول: (في كله) كما في غيره؛ فإنه عائد على غير النافذ وهو مذكر. وقوله: (لكلهم) كان ينبغي أن يقول: (لكل منهم). قال: (وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق)؛ لتضررهم به، فإن أذنوا .. جاز ولهم الرجوع، فإن رجعوا بعد الفتح .. قال الإمام: لا يلزمهم بالرجوع شيء، بخلاف ما لو أعار الأرض للبناء والغراس ثم رجع .. فإنه لا يقلع مجانًا. قال الرافعي: ولم أره لغيره، والقياس: أنه لا فرق. قال ابن الرفعة: والفرق واضح؛ لأنه هنا بنى في ملكه وليس لأحد نقضه، بخلاف إعارة الأرض، لكن هذا يشكل بما إذا أعار أرضًا للدفن ثم رجع بعد الحفر كما سيأتي إن شاء الله تعالى. قال: (وله فتحه إذا سمره في الأصح)؛ لأن له رفع جميع الجدار فبعضه أولى، وهذا الوجه صححه الكرخي والعمراني. والثاني: لا؛ لأنه قد يطول الزمان فيستطرقه، وصححه الجرجاني والشاشي وابن أبي عصرون. قال المصنف: وهو أفقه.

وَمَنْ لَهُ فِيهَا بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَاسِ الدَّرْبِ .. فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ. وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى رَاسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ .. فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَدَّهُ .. فَلَا مَنْعَ. وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تُفْتَحَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجزم الماوردي والبندنيجي بالجواز إذا ركب عليه شباكًا، وخصا الخلاف بما إذا قال: افتحه واسمره، والخلاف جار في الفتح للاستضاءة أيضًا دون الاستطراق، وحيث منعنا فتح الباب المذكور ففتح .. قال في (المطلب): يظهر أن يؤمر بإزالة هيئة الباب. قال: (ومن له فيها باب ففتح آخر أبعد من رأس الدرب .. فلشركائه منعه) أي: لكل من الشركاء منعه؛ لتضررهم بذلك، سواء سد الاول أو أبقاه؛ لأن الحق لغيره. والمراد: من بابه أبعد من الباب الأول الذي للفاتح، ولا يثبت لمن بابه أقرب إلى باب الدرب في الأصح؛ بناء على كيفية الشركة، ولو كان باب شريكه مقابلًا لبابه .. فهو كمن هو أقرب إلى رأس السكة. قال: (وإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد الباب القديم .. فكذلك)؛ لأن انضمام الثاني إلى الأول يورث زيادة زحمة الناس ووقوف الدواب في السكة فيتضررون به، وتحويل الميزاب من موضع إلى موضع كفتح باب وسد باب. قال: (وإن سده .. فلا منع)؛ لأنه ترك بعض حقه، وقيل: يمتنع، حكاه صاحب (التعجيز) في شرحه له. ولو كان بابه في آخر الدرب، فأراد أن يقدمه ويجعل الباقي دهليزًا .. انبنى ذلك على كيفية الشركة كما قاله في زوائد (الروضة)، ومقتضاه: تصحيح الجواز، وهو مقتضى إطلاق الكتاب. قال: (ومن له داران تفتحان) هو بالتاء من فوق.

إِلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ، أَوْ مَسْدُودٍ وَشَارِعٍ، فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا .. لَمْ يُمْنَعْ فِي الأَصَحِّ. وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحَ الْبَابِ فَصَالَحَ أَهْلَ الدَّرْبِ بِمَالٍ .. صَحَّ. وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلى دربين مسدودين أو مسدود وشارع ففتح بابًا بينهما) أي: للاستطراق (.. لم يمنع في الأصح)؛ لأن المرور مستحق له، ورفع الحائل بين الدارين تصرف في ملكه فلا يمنع منه، وهذا تبع فيه الرافعي والبغوي فقط. والثاني واختاره الجمهور: يمنع؛ لأنه يثبت لكل من الدارين استطراقًا إلى الدرب الآخر. وموضع الوجهين إذا قصد الاستطراق، فإن قصد اتساع ملكه .. فلا منع قطعًا، ولو عبر بـ (المملوك) بدل (المسدود) .. كان أولى؛ لأنه لا يلزم من السد الملك، بدليل ما لو كان في أقصاه مسجد أو نحوه. قال: (وحيث منع فتح الباب فصالح أهل الدرب بمال .. صح)؛ لأنه انتفاع بالأرض، بخلاف إشراع الجناح كما تقدم، فإن قدروا مدة .. كان إجارة، وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد .. كان بيعًا لجزء شائع من الدرب، ويجعل الفاتح كأحدهم، كما لو صالح رجلًا على مال ليجري في أرضه نهرًا .. كان ذلك تمليكًا للنهر. ولو صالحه بمال على فتح باب من داره إلى داره .. صح، ويكون كالصلح على إجراء الماء على سطحه، ولا يملك شيئًا من الدار والسطح، لان السكة لا تراد إلا للاستطراق، فإثبات الاستطراق فيها يكون نقلًا للملك، وأما الدار والسطح .. فلا يقصد بهما الاستطراق وإجراء الماء. وقوله: (فصالح أهل الدرب) أشار به إلى أنهم الذين يستحقون المنع أما أهل الشارع .. فليس لهم منع، ولا تصح منهم المصالحة. قال: (ويجوز فتح الكوات) أي: في غير الدرب النافذ؛ لأنه تصرف في ملك نفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الكوة) بفتح الكاف: الطاقة، وفي لغة غريبة ضمها، والواو مشددة فيهما، وجمعها المصنف جمع تصحيح، وفي كافة اللغتان، ويجمع تكسيرًا على كوىً بضم الكاف وكسرها، وغالب ما تفتح للاستضاءة. وله نصب شباك عليها بحيث لا يخرج منه شيء، فإن خرج هو أو غطاؤه .. كان كالجناح، قال الشيخ: فلينتبه لهذا، فإن العادة أن يعمل في الطاقات أبواب تخرج فتمنع من هواء الدرب. هذا كله في حق من ليس له الفتح فيه اللاستطراق، فإن كان له ذلك .. فلا منع من أبواب الطاقات. وقيد صاحب (الشافعي) جواز فتح الكوى بما إذا كانت عالية لا يمكن النظر منها إلى دار جاره. تتمة: قال المتولي وسليم: لو كان لداره باب إلى الشارع وباب إلى درب غير نافذ فأراد أن يدخل غيره من الباب الذي بالشارع ويخرجه من الباب الآخر الذي بالدرب .. لم يجز، والظاهر: أنه شيء انفرادا به. وإذا كان بين داريه طريق نافذ فحفر تحته سردابًا من إحداهما إلى الأخرى .. جاز باتفاق الأصحاب؛ لأن القرار كالهواء فهو كالساباط الذي لا يضر، ولو لم يكن الطريق نافذًا .. لم يجز. وقول الروياني: إنه يجوز ضعيف، ونقله عن الأصحاب شاذ لعله اعتمد فيه على قول بعضهم. ولو أذن صاحب الدرب لإنسان في حفر سرداب تحت داره ثم باعها .. فللمشتري أن يرجع كما كان للبائع، قاله العبادي.

وَالْجِدَارُ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ: فَالْمُخْتَصُّ: لَيْسَ لِلآخَرِ وَضْعُ الجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ في الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والجدار بن المالكين قد يختص به أحدهما، وقد يشتركان فيه: فالمختص: ليس للآخر وضع الجذوع عليه بغير إذن في الجديد) ونقله البغوي في (شرح السنة) عن أكثر العلماء. قال: (ولا يجبر المالك)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وتقدم في أول الفصل أنه صحيح. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه) رواه الدارقطني [3/ 26] والحاكم [1/ 93] بإسناد صحيح. ولأنه انتفاع بملك الغير، فأشبه البناء في أرضه، والحمل على بهيمته. والقديم وراوه البويطي عن الشافعي رضي الله عنه في الجديد وبه قال مالك وأحمد: يجوز ذلك، ويجبر المالك عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنع جار جاره أن يضع خشبة في جداره) ثم يقول أبو هريرة: (ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم) متفق عليه [خ2463 - م1609]. وقوله: (خشبة) يروى بالإفراد والجمع، قال الحافظ عبد الغني: الناس كلهم يروونه بالجمع إلا الطحاوي. وقوله: (عنها) و (بها) المراد به السنة. و (أكتافكم) بالمثناة من فوق، أي: بينكم، ونقل القاضي عياض عن بعضهم: أنه رواه بالنون ومعناه أيضًا بينكم. وفي (تعليقة القاضي حسين): أن أبا هريرة رضي الله عنه قال ذلك حين كان متوليًا مكة والمدينة. وقال البيهقي في (إحياء الموات): لم نجد في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعارض هذا الحديث، ولا تصح معارضته بالعمومات، وقد نص الشافعي رضي الله عنه في القديم والجديد على القول به، فلا عذر لأحد في مخالفته.

فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ .. فَهُوَ إِعَارَةٌ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاب الأصحاب بأن الضمير في (جدار) لصاحب الخشب، أي: لا يمنعه الجار أن يضع خشبه في جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء والهواء. ويشترط للإجبار –على القديم-: أن لا يكون على المالك ضرر فيه بأن كانت الأخشاب ثقيلة لا يحتملها الجدار، أو أراد هو أن يبني عليها لم يكن له وضعها. وأن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار، ولا يبني عليه أزجًا، ولا يضع عليه ما يضر الجدار. وأن لا يكون له جدار أصلًا، أو لا يكون له إلا جدار واحد، فلو كان له جداران أمكن التسقيف عليهما .. فلا حاجة إلى جدار غيره، هذا هو المشهور عن القديم. وعكس الإمام فقال: إن كانت الجدر كلها لغيره .. فلا يضع عليها، وإن كانت الثلاثة له والرابع لجاره .. فله الوضع عليه. ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذوع إلى نقب الجدار أو لا؛ لأن رأس الجذع يسد الفتح ويقوي الجدار، بخلاف فتح الكوة ونحوها؛ فإنه لا يجوز. والفرق بين وضع الخشب على القديم وبين وضع رأس الرف ونحوه فإنه لا يجوز؛ لان المنع من وضع الجذوع قد يؤدي إلى تعذر الانتفاع بملكه بسبب امتناع التسقيف، بخلاف هذه الأمور. ولو أراد أن يبني ساباطًا على شارع أو درب غير نافذ ويضعه على جدار جاره المقابل .. لم يجز قولًا واحدًا. قال: (فلو رضي بلا عوض .. فهو إعارة) وهذا وما بعده تفريع على عدم الإجبار، وإنما كان هذا إعارة؛ لأن حدها منطبق عليه، ويستفيد بها المستعير الوضع مرة واحدة، حتى لو رفع جذوعه أو سقطت بنفسها، أو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة .. لم يكن له الوضع ثانيًا على الأصح. قال: (له الرجوع قبل البناء عليه، وكذا بعده في الأصح) قياسًا على سائر العواري.

وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ: تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ: طَلَبُ الأُجْرَةِ فَقَطْ. وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ: فَإِنْ أَجَّرَ رَاسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ .. فَهُوَ إِجَارَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يرجع بعده؛ لأن مثل هذه الإعارة المقصودة بها التأبيد، كما إذا أعار لدفن ميت، وهذا عليه أكثر العراقيين، وإذا قلنا لا رجوع .. فلا أجرة، لكن إذا رفع الجذوع صاحبها أو سقطت بنفسها فهل له إعادتها بمقتضى الإذن الأول؟ وجهان: أصحهما: لا؛ لأن الإذن إنما يتناول مرة، فلابد من إذن جديد. تنبيه: محل المنع من إعادة الجذوع إذا وضعت بإذن، فلو ملكا علوًا وجذوعًا موضوعة عليه، ولم يعلم كيف وضعت: فإذا سقط الجدار .. فليس له المنع من إعادة الجذوع بلا خلاف، ولو أراد صاحب الجدار نقضه، فإن كان مستهدمًا .. جاز، وحكم إعادة الجذوع ما سبق، وإن لم يكن مستهدمًا .. فلا. قال: (وفائدة الرجوع: تخييره بين أن يبقيه بأجرة أو يقلع ويغرم أرش نقصه) كما إذا أعار أرضًا للبناء والغراس. قال: (وقيل: فائدته: طلب الأجرة فقط)؛ لأن ضرر القلع يتعدى إلى خالص ملك المستعير، لأن الجذوع إذا قلعت أطرافها لم تستمسك على الجدار الباقي، وسيأتي في (العارية) ما في ذلك من التناقض إن شاء الله تعالى. قال: (ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض: فإن أجر رأس الجدار للبناء .. فهو إجارة) ويجوز ذلك بلا خلاف كسائر الأعيان التي تؤجر للمنافع، ويصح بلفظ الإجارة والصلح، وكذا بلفظ بيع المنفعة إذا صححنا الإجارة. ويشترط فيها شروطها، لكن لا يشترط فيها بيان المدة في الأصح؛ لأن الحاجة تدعو إلى دوامه وهذا أيضًا مفرع على عدم الإجبار، أما على الإجبار .. فلا يجوز أخذ العوض عليه.

وَإِنْ قَالَ: بِعْتُهُ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ بِعْتُ حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، فَإِذَا بَنَى .. فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ. وَلَوِ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ .. فَلِلْمُشْتَرِي إِعَادَةُ الْبِنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن قال: بعته) أي: رأس الجدار (للبناء عليه، أو بعت حق البناء عليه .. فالأصح: أن هذا العقد فيه شوب بيع وإجارة) أما شوب البيع .. فللتأبيد، وأما شوب الإجارة .. فلأن المستحق به منفعة، وجوز الشافعي رضي الله عنه ذلك في حقوق الأملاك كحق المرور ومجرى الماء ومسيله؛ لمسيس الحاجة في ذلك إلى إثبات الارتفاق على التأبيد، ولو كان إجارة محضة .. لاشترط تأقيتها، ولو كان بيعًا محضًا .. لكان رأس الجدار لصاحب الجذوع. والثاني: أنه إجارة، واغتفر فيها التأبيد؛ للحاجة كخراج السواد. والثالث: أنه بيع يملك المشتري به رأس الجدار، واستشكله الرافعي. ولو باعه وشرط أن لا يبني عليه .. جاز وانتفع به فيما عدا البناء، وإن باع ولم يتعرض للبناء .. فكذلك في أصح الوجهين، وقيل: يبني. و (الشوب): الخلط، وعبر في (المحرر) وغيره بـ (شائبة) هنا وفي (الخلع) وغيرهما وهو غير مستقيم؛ فإن الشائبة مؤنث شائب، وقد نبه في (الدقائق) على ذلك إلا أنه قال: التعبير بشائبة تصحيف، وصوابه: تحريف. قال: (فإذا بنى .. فليس لمالك الجدار نقضه بحال) أي: نقض بناء المشتري؛ لأنه استحق دوامه بعقد لازم، وليس للمالك أيضًا منعه من البناء، ولا هدم جدار نفسه، لكن طريق مالك الجدار أن يشتري منه حق البناء بثمن معلوم، فإن ذلك جائز كما صرح به المحاملي، وحينئذ يتمكن من الخصال التي يتخير المعير بينها؛ لزوال استحقاق صاحب الجذوع، ولا يتمكن من القلع مجانًا. قال: (ولو انهدم الجدار فأعاده مالكه .. فللمشتري إعادة البناء)؛ لأنه حق ثبت له.

وَسَوَاءٌ كَانَ الإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ، وَكَيْفِيَّتِهَا، وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا بناه بتلك الآلة .. وبمثلها، فإن بناه بغير تلك الآلة .. ففي (الشرح) و (الروضة) لا خلاف أنه لا يعيد إلا بإذن جديد؛ لأنه جدار آخر، واعترضا بأن الخلاف مذكور في (البحر) في (باب العارية). قال في (المطلب): ولعل قائله يقول: الأس أصل، فما دام .. فالاعتبار به، فلو حذف المصنف لفظة (الإعادة) وقال: فللمشتري البناء .. لشمل هذه، وأما مالك الجدار .. فلا يجبر على إعادته في الجديد. ولو أراد صاحب الجذوع إعادة الجدار من ماله ليتمكن من وضع الجذوع عليه .. لم يكن لصاحب الجدار منعه؛ لأنه ثبت له حق لازم في الجدار وما تحته. وعبر المصنف بـ (الانهدام)؛ ليحترز عما لو هدمه صاحب السفل أو غيره، فإن هدم قبل بناء المشتري .. فعلى الهادم قيمة حق البناء؛ لأنه حال بين المشتري وبين حقه بالهدم، فإذا أعاد البائع حائطه .. استرد الهادم القيمة؛ لأن الحيلولة قد ارتفعت وإن كان الهدم بعد بنائه. والقياس أن يقال: إن قلنا: إن من هدم جدار الغير يلزمه إعادته .. فعليه إعادة السفل والعلو، وإن قلنا: يلزمه أرش النقص فعليه .. أرش نقص الآلات وقيمة حق البناء؛ للحيلولة، كذا قاله الرافعي. قال: (وسواء كان الإذن بعوض أو بغيره يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه طولًا وعرضًا، وسمك الجدران، وكيفيتها، وكيفية السقف المحمول عليها)؛ لأن الأغراض تختلف بذلك، والغرر مجتنب في البيع والإجارة والعارية التي لا ينفصل الحال فيها بمجرد الرجوع، وقيل: يكفي إطلاق البناء، ويحمل على ما يحتمله المبني عليه، والصحيح: أنه لا يشترط التعرض لوزن ما يبنيه؛ لأن تعريف كل شيء بحسبه، وإذا كانت الآلات مشاهدة .. أغنت مشاهدتها.

وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ .. كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ. وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا أَوْ يَفْتَحَ كَوَّةً بِلَا إِذْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (السمك) بفتح السين: الارتفاع إذا أخذت من أسفل صاعدًا، فإن عكست .. سمي عمقًا بضم العين المهملة. والمراد بكيفية الجدران: أهي مجوفة أم لا؟ بالحجر أم بالطوب؟ وكيفية السقف: أهو عقد أم غيره؟ بالقصب أم بالجريد أم بخشب؟ قال: (ولو أذن في البناء على أرضه .. كفى بيان قدر محل البناء)؛ لأن الأرض تحتمل كل شيء فلا يختلف الغرض إلا بقدر محل البناء. وقيل: يجب بيان السمك والكيفية أيضًا؛ لأنه قد تطول بسببه مدة التفريغ عند انتهاء المدة، وهذا التعليل يقتضي: أنه لا يأتي إذا باع حق البناء عليها؛ لأنه لا رجوع له. نعم؛ ينبغي اشتراط قدر ما يحفر؛ لأن الغرض به يختلف. قال: (وأما الجدار المشترك: فليس لأحدهما وضع جذوعه عليه بغير إذن في الجديد) هما القولان السابقان في جدار الأجنبي. قال: (وليس له أن يتد فيه وتدًا أو يفتح كوة بلا إذن) هذا لا خلاف فيه قياسًا على منع الانتفاع بسائر الأملاك المشتركة بغير إذن، وكذا يمتنع أن يترب الكتاب من ترابه إلا بإذن، أما بالإذن .. فيجوز، لكن يشترط عدم العوض؛ لئلا يكون صلحًا على الضوء والهواء المجرد. و (الوتد) بكسر التاء على المشهور: واحد الأوتاد، وبالفتح لغة.

وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَيْهِ وَيَسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الأَجْنَبِيِّ. وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا فتح بابًا بالإذن .. فليس له السد أيضًا إلا بالإذن؛ لأنه تصرف في ملك الغير. قال: (وله أن يستند إليه ويسند متاعًا لا يضر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). قال: (وله ذلك في جدار الأجنبي) أيضًا؛ لفعل السلف والخلف، كما له أن يستضيء بسراجه ويستظل بظل جداره. فرع: لو منع أحدهما الآخر من الاستناد .. فالأصح في زوائد (الروضة): أنه لا يمتنع؛ لأنه عناد محض كما لو قال: لا تنظر إلى حسن داري ونضارة أشجاري ورونق ثيابي، وادعى الإمام فخر الدين في (المحصول) الإجماع عليه، وقيده غيره بما إذا لم يحصل ثقله عليه. قال المتولي: ولو أراد أن يملأ البيت بشيء يظهر ثقله على الحائط بحيث يخشى أن يدفعه .. لم يجز. قال: (وليس له إجبار شريكه على العمارة في الجديد) كما لا يجبر على زراعة الأرض المشتركة؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، لكنه يجبر في الأرض على إجارتها على الصحيح، وبه يندفع الضرر. والقديم: يجبر على العمارة؛ صيانة للأملاك المشتركة عن التعطيل، وصححه في (الشامل) و (الذخائر) و (المرشد)، وأفتى به الشاشي وابن الصلاح، وكذلك الغزالي إن ظهر للقاضي أنه معاند.

فَلَوْ أَرَادَ إِعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ .. لَمْ يُمْنَعْ، وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ، يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إِذَا شَاءَ. وَلَوْ قَالَ الآخَرُ: لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَكَ حِصَّتِي .. لَمْ تَلْزَمْهُ إِجَابَتُهُ. وَإِنْ أَرَادَ إِعَادَتَهُ بِنقْضِهِ الْمُشْتَرَكِ .. فَلِلآخَرِ مَنْعُهُ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطلق الرافعي القولين، وقيدهما الإمام والغزالي بعمارة يختل الملك بتركها، فلا إجبار في الزيادة على ذلك قولًا واحدًا، وقيدهما ابن داوود بما إذا لم تمكن القسمة، فإن أمكنت .. فلا إجبار قطعًا. قال الرافعي: والقولان يجريان في تنقية البئر والقناة والنهر، وفي السترة بين السطحين إذا تشعثت واحتاجت إلى الإصلاح، وفيما لو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر فانهدمت وطلب صاحب العلو من صاحب السفل أن يعيد سفله ليبني عليه. قال: (فلو أراد) أي: الشريك (إعادة منهدم بآلة لنفسه .. لم يمنع)؛ لأن له غرضًا في الوصول إلى حقه، كما لو سقطت جذوعه الموضوعة على الجدار المشترك .. ينفرد بإعادتها. قال: (ويكون المعاد ملكه؛ يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء)؛ لأنه بآلته، لكن إذا كان للممتنع عليه حمل فهو على حاله. واستبعد الشيخ وغيره جواز إعادة المنهدم وقال: إنه بعيد عن القواعد؛ لأن العرصة مشتركة، ولا حق لأحدهما على الآخر في الاستبداد بها، لاسيما وهو يمكنه المقاسمة فإن الأصح: جواز القسمة في ذلك بالتراضي عرضًا في كمال الطول وبها يندفع الضرر. قال: (ولو قال الآخر: لا تنقضه وأغرم لك حصتي .. لم تلزمه إجابته)؛ لأنه ملكه وهذا تفريع على الجديد، أما على القديم وهو لزوم العمارة .. فعليه إجابته. قال: (وإن أراد إعادته بنقضه المشترك .. فللآخر منعه)؛ لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه فمنع كسائر الأعيان المشتركة، وفي وجه ليس له منعه. قال في (الوسيط): واتفق عليه الأصحاب. وقال في (المطلب): إنه الأشبه، وبه جزم في (التنبيه).

وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إِعَادَتِهِ بِنُقْضِهِ .. عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ. وَلَوِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الآخَرُ زِيَادَةً .. جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الإمام: مفهوم كلامهم: جواز الإقدام عليه عند عدم المنع، وهذا الوجه ذكره الرافعي وحذفه من (الروضة)، واختار الشيخ: أن صاحب الأسفل ليس له منع صاحب العلو، ولصاحب العلو منع صاحب السفل. و (النقض): البناء المنقوض، وهو بضم النون عند ابن سيده والأزهري، وعند الجوهري وابن فارس بكسرها، وجمعه أنقاض، قال سيبويه: ولم يكسر على غير ذلك. قال: (ولو تعاونا على إعادته بنقضه .. عاد مشتركًا كما كان) سواء تعاونا بعمل يد أو أجرة، فلو شرط التفاوت في الملك .. فسد الشرط في الأصح. قال: (ولو أنفرد أحدهما وشرط له الآخر زيادة .. جاز وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر) وللمسألة صورتان: إحداهما –وهي أقرب إلى لفظ المصنف-: أن يعاد بنقضها وهو الظاهر، فيشترط أن تجعل له الزيادة من النقض في الحال، فإن شرط له بعد البناء .. لم يصح؛ لأن الأعيان لا تؤجل. الثانية: أن تصور بالإعادة بآلة أحدهما، فهي مخرجة على قولي الجمع بين بيع وإجارة؛ لأنه قابل آلته وعمله ببعض العرصة. فرع: إذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه لاستهدام وغيره، أو الجدار الخالص لغيره .. فالنص إجبار الهادم على إعادته؛ لحديث جريج الثابت في (الصحيحين) [خ2482 - م2550] فإنه قال: (أعيدوها كما كانت).

وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: فيه القولان في الإجبار على العمارة، والقياس: غرامة النقصان؛ لأن الجدار ليس بمثلي. والصواب: أن المراد الإجبار على أن يبني مع شريكه، وأما وجوب إعادتها على الهادم .. فلا يمكن بل تجب قيمته عليه؛ لأنا لو أجبرناه على إعادته مستهدمًا .. فهو غير منضبط، أو غير مستهدم .. كان زائدًا على ما هدمه، وذلك حيف. وأما الجدار المختص بالغير .. فلا يضمنه إلا بالأرش بلا نزاع سواء كان الهادم عاصيًا أم لا. قال: (ويجوز أن يصالح على إجراء الماء وإلقاء الثلج في ملكه على مال) كحق البناء، فإن قدر المدة .. فإجارة، وإلا .. فعلى الأوجه الثلاثة المتقدمة في بيع حق البناء. وعن القديم: أن الجار إذا احتاج إلى ذلك .. وجب ولا يجوز الاعتياض عنه. وقوله: (في ملكه) يشمل السطح والأرض، وهو كذلك بالنسبة إلى الماء، أما إلقاء الثلج .. فلا تجوز المصالحة عليه على السطح. والمراد من إجراء الماء: ماء المطر ونحوه، أما الغسالة .. فلا تجوز المصالحة على إجرائها؛ لأنها مجهولة لا تدعو الحاجة إليها، وفي وجه تصح؛ للحاجة إلى ذلك. وإن كان على الماء المتحصل في السطح من الأمطار .. فشرط صحة الصلح عليه أن يعرفا قدر السطح الذي يجري منه الماء. وإن كان على الماء المجلوب في نهر أو عين .. فيصح أيضًا بشرط بيان موضع

وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا: فَإِنِ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا مَعًا .. فَلَهُ الْيَدُ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ الإجراء وطوله وعرضه وعمقه وتقدير المدة. قال في (الشامل): ولابد أن يكون الموضع محفورًا أيضًا. فروع: تجوز المصالحة على قضاء الحاجة في حش غيره بمال، وعلى جمع الزبل والقمامة في ملكه، وهي إجارة تراعى فيها شرائطها، وكذا المصالحة على البيتوتة على سطح داره. ولو حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره .. لزمه إزالة الأغصان إلا أن يرضى صاحب الملك بتركها، فإن طالبه بذلك فلم يفعل .. فله تحويل الأغصان عن ملكه باللّي ونحوه، فإن لم يمكن .. فله قطعها، ولا يحتاج فيه إلى إذن القاضي على الصحيح. وإن صالحه على إبقائها بعوض، فإن لم يستند الغصن إلى شيء .. لم يصح، وإن استند، فإن كان بعد الجفاف .. جاز، وإن كان رطبًا .. لم يجز؛ لأنه يزيد، وانتشار العروق كانتشار الأغصان، وكذلك ميل الجدار. قال: (ولو تنازعا جدارًا بين ملكيهما: فإن اتصل ببناء أحدهما بحيث يعلم أنهما بنيا معًا .. فله اليد)؛ لأن اتصاله به أمارة ظاهرة على يده وتصرفه، ونقل الإمام الاتفاق عليه، ويعرف ذلك بأن يدخل أنصاف لبنات الجدار المتنازع فيه في جداره الخاص، ونصف لبنات جداره الخاص في لبنات المتنازع فيه، ويظهر ذلك في الزوايا. ومن صور الاتصال: أن يكون لأحدهما عليه أزج لا يمكن إحداثه بعد بناء الجدار بتمامه، فعلى هذا: يحلف ويحكم له به إلا أن تقوم بينة بخلافه.

وَإِلَّا .. فَلَهُمَا. فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً .. قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا .. حَلَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا .. جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا .. قُضِيَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو كان الجدار المتنازع فيه على خشبة طرفها في ملك أحدهما، وليس منها شيء في ملك الآخر .. فالخشبة لمن طرفها في ملكه والجدار المبني عليها تحت يده ظاهرًا، وفيه احتمال للإمام. قال: (وإلا .. فلهما) أي: إذا لم يحصل الاتصال المذكور بأن كان منفصلًا عنهما أو متصلًا بهما اتصالًا لا يمكن إحداثه .. فتكون اليد لهما؛ لعدم المرجح. قال الشافعي رضي الله عنه: ولا نظر إلى الدواخل والخوارج وأنصاف اللبن ومعاقد القمط –وهو بكسر القاف وإسكان الميم- وأغلب ما يكون ذلك في السترة بين السطحين فتشد بحبال أو خيوط. قال: (فإن أقام أحدهما بينة .. قضي له)؛ لأنها مقدمة على اليد. قال: (وإلا .. حلفا) أي: إذا لم يقم أحدهما بينة أو أقاماها .. حلف كل منهما لصاحبه؛ لأن كلًّا مدعيً عليه ويده على النصف، فالقول قوله فيه كالعين الكاملة، وهل يتخير القاضي فيمن يبدأ بتحليفه منهما أو يقرع؟ وجهان في (الحاوي). قال الرافعي: ويجوز أن يقال: من سبق دعواه بدأ بتحليف صاحبه. قي قدر ما يحلفه عليه وجهان: الأصح: على نصفه، وقيل: على جميعه. قال: (فإن حلفا أو نكلا .. جعل بينهما)؛ لظاهر اليد. قال: (وإن حلف أحدهما .. قضي له) أي: بالجميع. وصورة المسألة: أن يحلف على نفي استحقاق صاحب النصف الذي في يده بعد طلبه، ثم يحلف أنه يستحق النصف الذي في يد صاحبه بعد أن يرد اليمين عليه، فلو كان القاضي قد بدأ بصاحبه أولًا فنكل وطلب يمين غريمه، فعرض على هذا فحلف أن جميعها له .. قال الشيخ: فالظاهر: أن ذلك يكفي؛ لأنه متضمن للنفي

وَلَوْ كَانَ لأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ .. لمْ يُرَجَّحْ. وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ، فَيُنْظَرُ: أَيُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ؟ .. فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا .. فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والإثبات، فلو بدأ بأحدهما فحلف ثم عرض على الآخر فنكل .. فلابد من يمين الحالف أولًا اليمينَ المردودة. قال: (ولو كان لأحدهما عليه جذوع .. لم يرجح)، لأنه قد تكون وضعت بإجارة أو إعارة أو بيع فلا يترك المحقق بمحتمل، فإذا حلفا بقيت الجذوع بحالها؛ لاحتمال أنها وضعت بحق، وهذا بخلاف ما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر سائقها أو آخذ بزمامها .. فإن القول قول الراكب على الأصح بيمينه؛ لانفراده باليد، بخلاف الجذوع فإنه لا يرجح بها؛ لأن كلًّا منهما منتفع بالجدار. وإن امتاز صاحب الجذوع بزيادة كما لو كان في دار ولأحدهما فيها متاع .. فإنها بينهما، والوجهان فيما لو تنازعا ثوبًا وأحدهما لابسه والآخر متعلق به يجاذبه. واتفقوا على أنهما لو تنازعا سفينة وأحدهما راكبها والآخر ممسكها .. أنها للراكب؛ لأنه متصرف. وإنما عبر بـ (الجذوع) تبعًا لـ (المحرر) دون الجذع؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله يقول: إن الجمع منها يحصل به الترجيح دون الواحد، وفي الاثنين اختلاف رواية عنه. قال: (والسقف بين علوه وسفل غيره كجدار بين ملكين، فينظر: أيمكن إحداثه بعد العلو؟ .. فيكون في يدهما)؛ لأنهما يشتركان في الانتفاع به، فإنه أرض لصاحب العلو وساتر لصاحب السفل، وصورة ذلك في السقف الخشب؛ فإن إحداثه ممكن بأن ينقب الحائط وتجعل الجذوع وتوضع عليه الألواح وغيرها. و (العلو) مثلث العين و (السفل) بضم السين وكسرها. قال: (أو لا .. فلصاحب السفل) أي: إذا لم يمكن إحداثه كالأزج .. فإنه يكون في يد صاحب السفل؛ لاتصاله ببنائه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: حيث جعل بينهما .. فللأعلى الانتفاع به بالجلوس ووضع المتاع المعتاد، وينتفع الأسفل بالاستظلال به وله أن يعلق فيه ما لا يتأثر به كالثوب ونحوه، وأما تعليق ما يتأثر به ففيه أوجه: أصحها: الجواز مطلقًا؛ ليساوي الأعلى لأن ثقله عليه. والثاني: المنع. والثالث: إن أمكن من غير إثبات وتد في جرم السقف .. جاز من غير سرف، وإلا .. فلا، وعلى هذا ليس للأعلى غرز وتد فيه أيضًا. * * * خاتمة لإنسان دار وعرصة متجاورتان، وللدار ميزاب يرمي في العرصة فباع العرصة .. فهل لمشتريها منعه من إرسال ماء الميزاب فيها؟ قال ابن الصلاح: إن كان ذلك مستندًا إلى اجتماعهما في ملك واحد .. فله ذلك، وإن كان مستندًا إلى سبب سابق على اجتماعهما في ملكه جعل هذا حقًا من حقوق الدار .. لم يكن له ذلك. ولو تنازعا في حيطان السفل التي عليها الغرفة .. فالمصدق صاحب السفل؛ فإنها في يده، أو في حيطان الغرفة .. فالمصدق صاحب العلو؛ لأنها في يده. * * *

باب الحوالة

بَابُ الْحَوَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الحوالة هي بفتح الحاء وحكى الجيلي كسرها: مشتقة من التحويل والانتقال، يقال: حال فلان عن العهد، أي: انتقل عنه. وهي في الشرع: نقل الحق من ذمة إلى ذمة، فكأن الحق حول من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ويطلع على العقد الذي يحصل به الانتقال، وهو الذي يستعمله الفقهاء غالبًا. والأصل فيها: ما روى الشيخان [خ2287 - م1564] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء .. فليتبع) وفي رواية لأحمد [2/ 463] والبيهقي [6/ 70]: (وإذا أحيل أحدكم على مليء .. فليحتل) وهو الذي في (المحرر). وألف (أتبع) مضمومة، وتاء (فليتبع) مشددة. و (المليء) بالهمز: من الامتلاء. وهذا الأمر عندنا وعند جمهور العلماء للندب، فمن أحيل على مليء .. استحب له القبول. وقال الماوردي: للإباحة، لوروده بعد الحظر وهو: (نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين) كقوله: {وإذا حللتم فاصطادوا}. وقال أبو ثور وداوود: واجب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وللعلماء اختلاف في أن المماطل يفسق بمطله مرة واحدة، أو لابد من التكرر؛ لأن المطل إطالة المدافعة. قال المصنف: ومقتضى مذهبنا: اشتراط التكرر. قال الشيخ: بل مقتضاه: عدم اشتراط التكرر؛ لأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه يشبه الغصب، والغصب كبيرة، وأيضًا تسمية النبي صلى الله عليه وسلم له ظلمًا تشعر بكونه كبيرة، والكبيرة لا يشترط فيها التكرر، لكن لا يحكم عليه بذلك حتى يظهر عدم عذره؛ لأنه قد يكون معذورًا في الباطن. وأجمع المسلمون على جواز الحوالة في الجملة، ومن جهة المعنى ما فيها من الارتفاق؛ فإن الإنسان قد يستحق دينًا وعليه مثله فيشق عليه الاستيفاء والإيفاء .. فجوزت لدفع هذه الكلفة، وإلا .. فالقياس: أنها لا تجوز؛ لأنها بيع دين بدين وقد نهي عنه. وفي حقيقتها أوجه، وقيل: قول ووجهان. الأظهر المنصوص: أنه بيع دين بدين جوز للضرورة. فعلى هذا: تجوز الإقالة منها كما صرح به الخوارزمي في (الكافي). والثاني –واختاره الشيخ وجماعة-: أنها استيفاء حق، كأن المحتال استوفى ما كان له من الحق في ذمة المحيل وأقرضه من المحال عليه. والثالث –وهو اختيار القاضي والإمام ووالده-: أنها مركبة من المعاوضة والاستيفاء. قال القاضي الطبري: وليس لهذا الخلاف فائدة إلا ثبوت خيار المجلس إن قلنا:

يُشْتَرَطُ لَهَا: رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بيع .. ثبت، وإلا .. فلا وهو الأصح، وليس كذلك، بل له فوائد كثيرة تأتي في الباب، منها: اشتراط الضمان والرهن وظهور المحال عليه مفلسًا عند الحوالة، والترجيح فيها مختلف. قال: (يشترط لها: رضا المحيل)؛ لأن له قضاء الحق من حيث يشاء، ولا يتعين قضاؤه من محل معين، كما لو طلب منه الوفاء من كيس بعينه. وقيل: يصح من غير رضاه حكاه في (الكفاية) عن بعض الشارحين قال: وصوره بما إذا قال: أحلتك على نفسي بالدين الذي لك على فلان فيقول المحتال: قبلت. وأجاب الشيخ عنه بأن هذا ضمان لا حوالة. قال: (والمحتال)؛ لأن حقه في ذمة المحيل، فلا ينتقل إلا برضاه؛ لأن الذمم متفاوتة. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لصاحب الحق يدًا ومقالًا). ويعتبر في المحيل والمحتال من أهلية التصرف ما يعتبر في سائر المعاملات. وعلم من اشتراط الرضا –وهو لا علم إلا بالإيجاب والقبول_ أنه لابد منهما كما في البيع، وإنما اقتصر الأصحاب هنا على لفظ (الرضا)؛ ليتكلموا على أن المحال عليه لا يشترط رضاه، ولينبهوا على أن الرضا للمحتال غير واجب عليه، بل موكول إلى خيرته، وحملوا الأمر الوارد في الحديث المتقدم على الاستحباب. وتنعقد بلفظ الحوالة وما في معناها كقوله: أحلتك على فلان، أو حولت ما في ذمتي إلى ذمته، أو نقلت أو أتبعتك عليه بما لك علي كما اقتضاه الخبر، وما أشبه ذلك فيقول: قبلت أو احتلت أو اتبعت وما أشبهه. ولو قال المحتال: أحلني، فقال: أحلتك .. فعلى الخلاف في الاستحباب والإيجاب في البيع.

لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ. وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ بِرِضَاهُ. وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ وَعَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: ينعقد مطلقًا؛ لأن الحوالة تسومح فيها، وفي انعقادها بلفظ البيع خلاف مبني على مراعاة اللفظ أو المعنى كالبيع بلفظ السلم. قال: (لا المحال عليه في الأصح)؛ للحديث، ولأن الحق عليه فلا يعتبر رضاه، كما لا يعتبر رضا العبد المبيع، وهذا نص عليه في (المختصر)، وبه قال مالك وأحمد. والثاني: يشترط؛ لأنه أحد أركان الحوالة، فأشبه المحيل، وهذا منصوص (الأم)، وبه قال أبو حنيفة والإصطخري، وبُني الخلاف على أنها معاوضة فلا يشترط، أو استيفاء فيشترط، والخلاف قولان، فكان ينبغي التعبير بالأظهر. ولو كان لأحد الطفلين على أخيه مال فأحاله الأب بماله على أخيه على نفسه، أو على ابن له آخر صغير .. جاز. قال: (ولا تصح على من لا دين عليه) وهو قول ابن سريج؛ بناء على أنها معاوضة، وليس على المحال عليه شيء حتى يجعل عوضًا. قال: (وقيل: تصح برضاه) كصلحه عليه؛ بناء على أنها استيفاء، فكأنه استوفاه من المحيل وأقرضه المحال عليه، وهذا قول المزني وابن الحداد وصححه القاضي أبو الطيب، وإذا قلنا بهذا .. فلا يبرأ المحيل، بل حقيقة هذه الحوالة إنما هو الضمان. ونبه بقوله: (برضاه) على أنه في هذه الحالة يشترط رضا المحال عليه بلا خلاف، ونقل الإمام عن العراقيين وجهًا: أن هذه الحوالة جائزة لا لازمة، حتى يجوز للمحال عليه أن يرجع قبل الأداء، وكأن صاحب هذا الوجه يراعي أنها توكيل مجرد. قال: (وتصح بالدين اللازم وعليه) سواء اتفق سبب الوجوب فيهما أو اختلف؛ بأن كان أحدهما ثمنًا والآخر أجرة أو قرضًا أو بدل متلف.

الْمِثْلِيِّ، وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ فِي الأَصَحِّ، وَبِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَعلَيْهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: ولا يكفي اللزوم بل لابد أن يكون مستقرًا، واستدركه عليه في (الروضة)؛ لأن دين السلم لازم، وأصح الأوجه: لا تجوز الحوالة به ولا عليه، وما أطلقاه من اشتراط الاستقرار غير مستقيم؛ لأن الأجرة قبل مضي المدة غير مستقرة، وكذلك الصداق قبل الدخول والموت، والثمن قبل قبض المبيع، ونحو ذلك تصح الحوالة بها وعليها كما صرحوا به، فلو عبرا بقولهما: يصح الاستبدال عنه .. لخرجت صورة السلم؛ لأن المنع فيها لتعذر الاعتياض، لا لعدم الاستقرار. قال: (المثلي) هذا بدل من الأول، وذلك كالحبوب والأثمان، وقد تقدم حق المثلي. قال: (وكذا المتقوم في الأصح) كالثياب والعبيد؛ لثبوته في الذمة ولزومه. والثاني: لا؛ لأن المقصود من الحوالة إيصال المستحق إلى الحق من غير تفاوات، وهذا لا يتحقق في المتقوم، وقيل: لا يصح إلا بالأثمان خاصة. و (المتقوم) بكسر الواو حيث ورد؛ لأنه اسم فاعل، فلا يصح الفتح على أن يكون اسم مفعول؛ لأنه مأخوذ من تقوم كتعلم وهو قاصر، واسم المفعول لا يبنى إلا من متعد. قال: (وبالثمن في مدة الخيار، وعليه في الأصح)؛ لأنه صائر إلى اللزوم، والجواز عارض فيه، كذا علله الرافعي، ولا تأتي هذه العلة في خيار المجلس؛ لأنه لازم للبيع لا عارض، مع أن إطلاقه وإطلاق غيره يقتضي: أنه لا فرق بينه وبين خيار الشرط.

وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بَالنُّجُومِ، دُونَ حَوَالَةِ السِّيِّدِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صورته: أن يحيل المشتري البائع على إنسان، أو يحيل البائع إنسانًا على المشتري. والثاني: لا يصح لا به ولا عليه؛ لعدم اللزوم، وبهذا قال القاضي أبو الطيب، وكلام الماوردي والمتولي يقتضي تصحيحه. واحترز بقوله: (في مدة الخيار) عما إذا أحال به بعد انقضائها وقبل قبض المبيع؛ فإنها جائزة قطعًا. قال: (والأصح: صحة حوالة المكاتب سيده بالنجوم، دون حوالة السيد عليه)؛ لاستقرار ما أحال به السيد بخلاف العكس. والثاني: يصحان أما الحوالة من المكاتب .. فلاستقرار الدين عليه، وأما الحوالة عليه .. فنظرًا إلى أنها استيفاء. والثالث: لا يصحان؛ نظرًا لما تقدم، ولأن الاعتياض عن نجوم الكتابة لا يصح، وإذا قلنا بصحة حوالة المكاتب سيده بالنجوم، فإذا أحاله .. برئ وعتق، ويلزم الدين في ذمة المحال عليه. وقال الإمام: إذا أحال العبد بالنجوم دفعة واحدة، أو بالنجم الأخير .. جاز؛ لأنه يعتق ويبقى الدين على المحال عليه، ولو أحال السيد بالنجم الأخير .. لم يصح؛ إذا لو صح .. لعتق، ولو عتق .. لبرئ وسقط الدين. واحترز بـ (النجوم) عما لو كان للسيد على المكاتب دين معاملة فأحال به عليه .. فالأصح الصحة. فرع: الجعل في الجعالة جزم الماوردي والمتولي بعدم صحة الحوالة به قبل العمل وبالصحة بعده، قال الرافعي: والقياس: أن يأتي في الحوالة به، وعليه الخلاف في الرهن به وفي ضمانه.

وَيُشْتَرَطُ: الْعِلْمُ بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً، وَفِي قَوْلٍ: تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا. وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَقَدْرًا، وَكَذَا حُلُولًا وأَجَلًا وَصِحَّةً وَكَسْرًا فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط: العلم بما يحال به وعليه)؛ لأن المجهول لا يصح بيعه ولا استيفاؤه. قال: (قدرًا وصفة) المراد: صفات السلم، سواء كان مثليًا أم متقومًا كما تقدم، ولم يذكر المصنف الجنس؛ لأنه استغنى عنه بالصفة. قال: (وفي قول: تصح بإبل الدية وعليها)؛ لأنها معلومة العدد والصفات. والأظهر: المنع، لأن صفاتها لا تنضبط، والخلاف فيها مبني على جواز المصالحة عليها والاعتياض عنها. والأصح فيهما: المنع، فكذلك الحوالة. قال: (ويشترط تساويهما جنسًا وقدرًا)؛ لأنا إن جعلناها استيفاء .. استحال مع المخالفة، أو معاوضة .. فهي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة كالقرض، فلا تصح مع اختلاف الجنس، كما لو أحال بالدراهم على الدنانير وعكسه. والمراد بعدم الصحة: أن الحق لا يتحول، فإن جرت .. فهي حوالة على من لا دين عليه. وأغرب الزبيلي فجوزها مع اختلاف الجنس، ولا تصح مع اختلاف القدر، وقيل: تصح بالقليل على الكثير والمحيل متبرع بالزيادة، واتفقوا على أنها تصح بالقليل على من له عليه أكثر. قال: (وكذا حلولًا وأجلًا وصحة وكسرًا في الأصح)؛ إلحاقًا لتفاوت الوصف بتفاوت القدر، والجودة والرداءة كالصحة والكسر. والثاني: إن كان النفع فيه للمحتال .. جاز، وإلا .. فلا. فعلى هذا: يجوز أن يحيل بالمؤجل على الحال، ولا يجوز أن يحيل بالحال

وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ، وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ بِفَلَسٍ أَوْ جَحْدٍ وَحَلِفٍ وَنَحْوِهِمَا .. لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على المؤجل، فإن كانا مؤجلين بأجلين مختلفين .. جاز أن يحيل بالأبعد على الأقرب دون عكسه، وإن كان أحدهما صحيحًا والآخر مكسرًا .. جاز أن يحيل بالمكسر على الصحيح، ويكون المحيل متبرعًا بصفة الصحة، ولا يحال بالصحيح على المكسر، ووقع فيه سبق قلم في (الروضة). وفي وجه ثالث: يجوز أن يحيل بالمكسر على الصحيح وعكسه؛ لأنه يجوز أن يأخذه بالتراضي، لكن تعبيره بـ (الأصح) يقتضي أن الخلاف قوي وهو ضعيف، فكان ينبغي أن يعبر بـ (الصحيح) كما فعل في (الروضة). وتجري الأوجه الثلاثة في الجيد والرديء. فرع: كان بالمحال به أو عليه ضامن أو رهن برئ الضامن وانفك الرهن، ولا ينتقل بصفة الضمان كما صرح به الرافعي في آخر الباب، وفي أول الباب الثاني من أبواب (الضمان)، وظاهر كلام (المطلب): أنه لا خلاف فيهما. والفرق بين المحال وبين الوارث: أن الوارث خليفة الموروث فيما ثبت له من الحقوق، وأجاب البارزي بانتقال الرهن والضمان قياسًا على الوارث. قال: (ويبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحتال، والمحال عليه عن دين المحيل، ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه)؛ لأن ذلك فائدة الحوالة، وقال الماوردي: أجمعوا عليه. قال: (فإن تعذر بفلس أو جحد وحلف ونحوهما .. لم يرجع على المحيل)؛ لأن حقه تحول، وبرئت بعقد الحوالة الذمة، فوجب أن لا يعود إليه كما لو أبرأه.

فَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ .. فَلَا رُجُوعَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال محمد بن الحسن: يرجع إذا أفلس. وقال أبو حنيفة: يرجع إذا مات مفلسًا، أو جحد وحلف؛ لورود ذلك عن عثمان رضي الله عنه. لنا: أنه منقطع ومشكوك في متنه، ومعارض بقول علي رضي الله عنه: لا يرجع. وقوله: (ونحوهما) من زيادة الكتاب على (الشرح) و (الروضة)، وأراد به امتناعه أو موت البينة بعد موته موسرًا. ولا فرق في الجحد بين أن يكون للدين أو للحوالة؛ فلذلك أطلقه المصنف، وكان الأولى أن يعبر بالإنكار؛ لأنه أعم من الجحد. فروع: أحال بشرط الرجوع على المحيل بتقدير الإفلاس أو الجحد فثلاثة أوجه في (الشرح) و (الروضة) من غير تصحيح ثالثها: تصح الحوالة دون الشرط، وهو مقتضى إطلاق المصنف. ولو أحال بمؤجل على مؤجل .. حلت الحوالة بموت المحال عليه، ولا تحل بموت المحيل لبراءته بالحوالة. وإذا قبل المحتال الحوالة من غير اعتراف بالدين .. قال في (المطلب): كان قبوله متضمنًا لاستجماع شرائط الصحة، فيؤاخذ بذلك لو أنكر المحال عليه، وهل له تحليف المحيل أنه لم يعلم براءته؟ فيه وجهان. قال: (فلو كان مفلسًا عند الحوالة وجهله المحتال .. فلا رجوع له) كما لو طرأ الإفلاس، ولأنه مقصر؛ إذا كان من حقه أن يفحص عن حاله قبل الحوالة.

وَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ إِنْ شُرِطَ يَسَارُهُ. وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ .. بَطَلَتْ فِي الأَظْهَرِ، أَوِ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ فَوُجِدَ الرَّدُّ. لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: له الرجوع إن شرط يساره) كما لو اشترى عبدًا بشرط أنه كاتب فأخلف، وإلى هذا ذهب ابن سريج وسليم، وهو خلاف ما عليه الجمهور، وأجابوا بأنه لو ثبت الرجوع عند الشرط .. لثبت عند عدمه؛ لأنه نقص كالعيب. وفي وجه آخر: أنه يرجع وإن لم يشرط، واختاره الغزالي. ولو خرج المحال عليه عبدًا .. فهو كما لو علم رقه. قال: (ولو أحال المشتري بالثمن فرد المبيع بعيب) وكذا بإقالة أو تحالف أو غيرهما (.. بطلت في الأظهر) هذا المسألة: وما بعدها إلى آخر الباب من تخريجات المزني على قواعد الشافعي. ووجه البطلان في هذه المسألة: أنه أحال بالثمن، فإذا انفسخ العقد خرج المحال به عن كونه ثمنًا، فبطلت الحوالة. والثاني: لا تبطل، كما لو استبدل عن الثمن ثوبًا ثم رد المبيع بعيب فإن الاستبدال لا يبطل على المعروف، وقيل: تبطل الحوالة قطعًا، وقيل: لا قطعًا. ولو أحال الزوج زوجته بصداقها على شخص، ثم انفسخ النكاح قبل الدخول واقتضى الحال الرجوع .. لم تنفسخ الحوالة على الأصح؛ لأن الصداق أثبت من غيره، ولهذا لو زاد زيادة متصلة .. لم يرجع في نصفه إلا برضاها، بخلاف المبيع ونحوه. قال: (أو البائع بالثمن) أي: أحال البائع بالثمن رجلًا (فوجد الرد .. لم تبطل على المذهب) سواء قبض المحتال مال الحوالة من المشتري أم لا؛ لتعلق الحق بثالث. والطريق الثاني: طرد القولين في المسألة قبلها.

وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ .. بَطَلَتِ الْحَوَالَةُ، فَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ وَلَا بَيِّنَةَ .. حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، ثُمَّ يَاخُذُ الْمَالَ مِنَ الْمُشْتَرِي. وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ: وَكَّلْتُكَ لِتَقْبِضَ لِي، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: أَحَلْتَنِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو باع عبدًا وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته، أو ثبتت ببينة .. بطلت الحوالة) وكذا لو اتفقوا على أنه مستحق أو قامت البينة به؛ لأنه بان أن لا ثمن، فيرد المحتال ما أخذه على المشتري، ويبقى حقه في ذمة البائع. والمراد بالبطلان ههنا: عدم الصحة؛ لأن الحوالة لم تتقدم لها صحة، وهذه البينة يقيمها العبد أو تشهد حسبة، ولا يتصور أن يقيمها واحد من المتبايعين؛ لأنه كذبها بالدخول في البيع، قال البغوي والروياني. قال: (فإن كذبهما المحتال ولا بينة .. حلفاه على نفي العلم) طردًا للقاعدة فيقول: والله لا أعلم حريته. قال: (ثم يأخذ المال من المشتري)؛ لأن الحوالة باقية بحلفه، وهل يرجع المشتري على البائع المحيل؟ قال البندنيجي وسليم والبغوي: لا؛ لأنه يقول: المحتال ظلمني بما أخذه، والمظلوم لا يطالب غير ظالمه. وقال الأكثرون: نعم؛ لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة، قال ابن الرفعة: وهو الحق. وإذا قلنا بالرجوع .. فهل يرجع قبل دفع المال إلى المحتال؟ فيه الوجهان السابقان، أصحهما: المنع. فإن نكل المحتال عن اليمين .. حلف المشتري، وبطلت الحوالة إن جعلنا اليمين المردودة كالإقرار، وإلا .. فلا؛ إذ ليس له إقامة البينة. قال: (ولو قال المستحق عليه: وكلتك لتقبض لي، وقال المستحق: أحلتني،

أَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي: أَحَلْتُكَ الْوَكَالَةَ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: بَلْ أَرَدْتَ الْحَوَالَةَ .. صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ. وإِنْ قَالَ: أَحَلْتُكَ، فَقَالَ: وَكَّلْتَنِي .. صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو قال: أردت بقولي: أحلتك الوكالة، وقال المستحق: بل أردت الحوالة .. صدق المستحق عليه بيمينه)؛ لأن الأصل بقاء الحقين، ولأنه أعرف بقصده. قال في (المطلب): ويتخرج عليهما ما إذا لم تكن له بينة، قال: ولم أر فيه نقلًا. قال: (وفي الصورة الثانية وجه)؛ لأن ظاهر اللفظ يوافق دعواه. فعلى الأول: إن لم يكن المستحق قبض .. فليس له القبض؛ لأن الحوالة لم تثبت والوكالة ارتفعت بالإنكار، وإن قبض .. برئت ذمة المقبوض منه؛ لتسليمه إلى وكيل أو محال، وعليه تسليمه للمستحق عليه، وله مطالبة المستحق عليه بحقه في الحالين. قال: (وإن قال: أحلتك، فقال: وكلتني .. صدق الثاني بيمينه)؛ لأن الأصل بقاء حقه، وفي وجه: أن القول قول المحيل اعتبارًا بالظاهر. وموضع الوجهين في المسألة والتي قبلها: إذا كان اللفظ الجاري بينهما أحلتك بمئة على عمرو مثلًا، فأما إذا قال: أحلتك بالمئة التي لك علي بالمئة التي لي على عمرو .. فهذا لا يحتمل إلا حقيقة الحوالة، فالقول قول زيد بلا خلاف، كذا قاله الشيخان، ونوزعا في نفي الخلاف؛ فإن كلام (النهاية) يشير إلى إثباته. فرع: لك على رجل دين فلما طالبته به .. قال: قد أحلتك به على زيد، وزيد غائب، فأنكرت .. صدقت بيمينك، فلو أقام بينة .. سمعت وسقطت مطالبتك عنه. وفي ثبوت الحوالة في حق الغائب حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إذا قدم وجهان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: أحال من عليه الزكاة الساعي .. جاز إن قلنا: الحوالة استيفاء، وإن قلنا: اعتياض .. فلا؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة، كذا نقله الرافعي عن المتولي وأقره، وكأن صورة المسألة فيما إذا تلف النصاب بعد التمكن، فإن كان باقيًا .. فلا دين حتى يحال به؛ لأن الزكاة تجب في العين. * * * خاتمة جندي أجر إقطاعه وأحال ببعض الأجرة على المستأجر ثم مات؟ أجاب الشيخ بتبين بطلان الإجارة فيما بعد موته من المدة، وبطلان الحوالة فيما يقابله. وتصح الإجارة في المدة التي قبل موت المؤجر، وتصح الحوالة بقدرها، ولا يرجع المحال عليه بما قبضه المحتال منه من ذلك، ويبرأ المحيل منه. * * *

باب الضمان

بَابُ الضَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الضمان لفظه مأخوذ من التضمن، ومعناه تضمين الدين في ذمة من لا دين عليه مع بقائه في ذمة من هو عليه. وادعى ابن الصباغ أنه مأخوذ من الضم، وأراد تفسير معناه دون اشتقاقه. والضامن يسمى: الضمين والحميل والزعيم والكفيل والصبير. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {سلهم أيهم بذلك زعيم}. وقوله: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} وكان حمل البعير معلومًا. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) رواه أحمد [5/ 267] وأبو داوود [3565] والترمذي [1265] وقال: حسن صحيح. وفي (الصحيحين) [خ2291 - م1619]: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فقال: (هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا، قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم) قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه). قال جابر رضي الله عنه: كان ذلك في ابتداء الإسلام وفي المال قلة، فلما فتح الله الفتوح .. قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من خلف .. مالًا .. فلورثته، ومن خلف كلًّا أو دينًا .. فكَلُّه إليَّ ودينه علي، فقيل: يا رسول الله؛

شَرْطُ الضَّامِنِ: الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى كل إمام بعدك؟ قال: وعلى كل إمام بعدي) رواه الطبراني في (الكبير) [20/ 265]. قال: (شرط الضامن: الرشد) فلا يصح ضمان الصبي والمجنون والسفيه؛ لعدم رشدهم. ومراده بـ (الرشد): إطلاق التصرف، سواء كان المضمون عنه حيًا أو ميتًا، أما الميت .. فلما تقدم، وأما الحي .. فلما روى ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تحمل عن رجل عشرة دنانير) رواه الحاكم [2/ 10] وقال: على شرط الشيخين. وذكر في (المحرر) مع هذا الشرط صحة العبارة، والمصنف رأى دخوله في الرشد .. فلهذا حذفه. نعم؛ يرد عليه المكره والمكاتب؛ فإن ضمانهما لا يصح وهما رشيدان، وكذا المبذر بعد بلوغه رشيدًا ولم يحجر الحاكم عليه يصح ضمانه وغيره من التصرفات وليس برشيد. وصرح المصنف والرافعي في (كتاب الصيام) بأن الرشد يطلق على الصبيان، فاقتضى ذلك دخولهم في عبارته ههنا وليس مرادًا، فلو ضمن وقال: كنت يوم الضمان صبيًا أو مجنونًا .. قبل ذلك بيمينه إن أمكن الصبا وعرف الجنون. والفرق بينه وبين ما إذا زوج أمته ثم ادعى ذلك أن المصدق الزوج على الأصح: أن الأنكحة يحتاط فيها غالبًا، والظاهر: أنها تقع بشروطها. وشملت عبارته المرأة فيصح ضمانها مزوجة كانت أو غيرها، ولا حاجة إلى إذن الزوج خلافًا لمالك. قال: (وضمان محجور عليه بفلس كشرائه) فيكون صحيحًا كما تقدم في بابه، ويطالب به إذا أيسر بعد فك الحجر، وهذا يصح ضمانه وليس من أهل التبرع.

وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الأَصَحِّ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ .. قَضَى مِنْهُ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز عن المحجور عليه لسفه، فلا يصح ضمانه مطلقًا؛ لأنه تبرع. قال: (وضمان عبد بغير إذن سيده باطل في الأصح) كنكاحه. والثاني: يصح؛ لأنه لا ضرر فيه على السيد فكان كما لو أقر بإتلاف مال، وكما لو خالعت الأمة بمال في ذمتها بغير إذنه. واختلف تصحيح الإمام في هذين الوجهين، فصحح في آخر (النهاية): أنه لا يصح، وفي (باب مداينة العبيد): الصحة. وعلى الأصح: الفرق بين الضمان وخلع الأمة: أن الضمان لا ضرورة إليه والخلع قد تحتاج إليه الأمة لسوء معاشرة الزوج. قال: (ويصح بإذنه)؛ لأن المنع كان لأجله وقد زال بإذنه، وهذا الإذن تمكين لا أمر، فلو أمره سيده بالضمان .. لم يلزمه الامتثال، بخلاف البيع وغيره من التصرفات فإنه يجب عليه امتثال أمر السيد فيها. لكن يرد على المصنف: ما إذا ضمن العبد بالإذن مالًا على أجنبي لسيده .. فإنه لا يصح؛ لأن كسبه الذي يؤدي منه ملك للسيد، بخلاف ما إذا ضمن ما عليه بإذنه .. فإنه يصح. قال: (فإن عين للأداء كسبه أو غيره .. قضى منه)؛ امتثالًا لأمره، لكن قوله: (أو غيره) يشمل مال التجارة والذي في يد المأذون، وإنما يصح تعيين السيد لذلك إذا لم يتعلق به حق غيره، فلو كان على المأذون ديون وعين ما في يده .. فأوجه: أصحها: يتعلق بما فضل عن ديونهم. والثاني: لا يتعلق الضمان بما في يده؛ لأنه كالمرهون. والثالث: يشارك المضمون له الغرماء كسائر الديون. ومحل الأوجه: إذا لم يحجر عليه بطلب الغرماء، فإن حجر عليه .. لم يتعلق الضمان بما في يده جزمًا.

وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَاذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الإِذْنِ، وَإِلَّا .. فَبِمَا يَكْسِبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن اقتصر على الإذن في الضمان للعبد ولم يعين له طريقًا (.. فالأصح: أنه إن كان مأذونًا له في التجارة .. تعلق بما في يده وما يكسبه بعد الإذن) سواء كان الكسب نادرًا أو معتادًا؛ لأنه عقد يقتضي الغرم صدر بإذن السيد فيتعلق غرمه بما ذكرناه قياسًا على النكاح. والثاني: لا يتعلق برأس المال، بل بالربح الحاصل والمستقبل. والثالث: بالمستقبل خاصة. والرابع –وهو المصحح في (التنبيه) -: يكون في ذمته إلى أن يعتق؛ لأنه إنما أذن في الالتزام دون الأداء. وعلى الأوجه كلها: لا يتعلق بذمة السيد، ولم يصرح الأصحاب باشتراط علم السيد بمقدار الدين الذي أذن لعبده في ضمانه، وهو محتمل في المأذون وغيره فالأشبه: اشتراط ذلك. قال: (وإلا .. فبما يكسبه)؛ قياسًا على النكاح. والثاني: يتعلق بالذمة؛ لأن الإذن في الالتزام يفيد الاستقلال دون الأداء كما تقدم، وقيل: يتعلق برقبته، وفي قول قديم: بذمة السيد كما قيل به في النكاح. وقوله: (بما يكسبه) المراد: بعد الإذن كما صرح به الرافعي وغيره هنا، وهذا بخلاف الإذن في النكاح؛ فإن المؤن وغيرها تتعلق بالأكساب المتجددة بعد عقدة النكاح؛ لأن مؤن النكاح إنما تجب بالعقد، والدين ثابت قبل الضمان، وأيضًا الضمان غرامة محضة بخلاف النكاح فهو قريب من المعاملات. فروع: أم الولد والمدبر كالقن في الضمان، وكذلك المبعض إذا لم تكن مهايأة، أو كانت وضمن في نوبة السيد، فإن ضمن في نوبته .. صح قطعًا، وجوز الرافعي أن يخرج

وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على الخلاف في دخوله في الأكساب النادرة. والعبد الموقوف قال في (المطلب): ينبغي أن يجزم بعدم صحة ضمانه إذا قلنا بالمشهور: إنه لا يصح عتقه؛ لعدم فائدته. والموصى بمنفعته دون رقبته أو عكسه يظهر: أنه كالقن، لكن هل المعتبر إذن مالك الرقبة أو المنفعة؟ فيه نظر. وإذا أدى العبد في الرق .. فالرجوع لسيده، وإن أدى بعد عتقه .. فالرجوع للعبد في الأصح. قال: (والأصح: اشتراط معرفة المضمون له)؛ لتفاوت الناس في الاستيفاء، والأغراض تختلف بذلك، فأشبه معرفة قدر الدين. والثاني: لا يشترط؛ لظاهر الآية وحديث أبي قتادة رضي الله عنه، فإنه لم ينقل فيه العلم بمعرفة الغريم، والله أعلم. حادثة: وقع في فتاوى المتأخرين: أن زيدًا عامل عمرًا بدين ضمنه خالد، ثم أقر زيد أن المال الذي عامل فيه كان لبكر، وتصرف فيه بطريق الوكالة فأفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام وجماعة ببطلان الضمان؛ لأنه بان أن الضامن لم يعرف المضمون له وقد ضمنه لزيد، وليس لزيد على عمرو شيء. وأفتى ابن الصلاح ووافقه ابن الرفعة وعلماء عصره بالصحة، وقالوا: معرفة وكيل المضمون له كمعرفته، وقد عرف الوكيل فضمانه الدين لزيد أعم من أن يكون زيد مالكًا أو وكيلًا، والتعليل المذكور في معرفة المضمون له يأبى أن تكون معرفة الوكيل كمعرفة الموكل.

وَأَنَّهُ لَا يُشْترَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنه لا يشترط قبوله ورضاه)؛ لما تقدم من عدم التعرض له في الحديث. والثاني –وهو قول ابن سريج وصاحب (الإفصاح) وابن كج-: يشترط القبول؛ لأنه عقد وثيقة فاشترط ذلك فيه كالرهن. والثالث: لا يشترط القبول بل الرضا؛ لأن الضمان تجدد له سلطنة، وتمليك الشخص شيئًا بغير رضاه بعيد. وعلى هذا: فيكفي رضا الوكيل كما صرح به الماوردي. ويجوز تقديم الرضا على الضمان، فإن تأخر عنه .. فهو إجارة إن جوزنا وقف العقود، وكذا نقله الرافعي عن الإمام وأقره. وقال الماوردي: يجوز وقوعه بعده قبل مفارقة المجلس، وجوز رجوع الضامن قبل رضا المضمون له. وعبر في (المحرر) بقوله: (ولا رضاه) بزيادة: (لا) ولابد منها؛ لأن المقصود نفي كل منهما، لا نفي الهيئة الاجتماعية. قال: (ولا يشترط رضا المضمون عنه قطعًا)؛ للحديث السابق، ولأنه يجوز أداء دين الغير بغير إذنه فالتزامه أجوز، وما ادعاه من القطع تبع فيه (الشرح) و (الروضة) و (النهاية)، وليس كذلك، ففي (تعليق القاضي حسين) وجه: أنه يشترط رضاه، وإليه ذهب الجوري في (شرح المختصر) لكنه بعيد يرده الحديث الصحيح. وعلم من عبارته أنه لا تشترط حياته ولا يساره أيضًا. وقال أبو حنيفة: لا يصح ضمان الميت إلا إذا خلف وفاء، أو كان به ضامن، ووافقنا على أنه إذا ضمن عنه في حياته ثم مات معسرًا .. أن الضمان لا يبطل.

وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ: كَوْنُهُ ثَابِتًا وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا معرفته في الأصح) كما لا يشترط رضاه. والثاني: يشترط؛ ليعرف هل يستحق اصطناع المعروف أو لا، وصحح هذا الغزالي في (الخلاصة) تبعًا للشيخ أبي محمد. قال: (ويشترط في المضمون: كونه ثابتًا) أي: حال الضمان، فلا يصح ضمان ما سيجب ببيع أو قرض، سواء جرى سبب وجوبه كنفقة الغد للمرأة أما لا؛ لأن الضمان توثقة بالحق فلا يسبق وجوب الحق كالشهادة. وقوله: (ثابتًا) صفة لموصوف محذوف، أي: حقًا ثابتًا، فتدخل فيه الأعيان المضمونة والديون، سواء كانت مالًا أو عملًا ثابتًا في الذمة بعقد الإجارة، بخلاف الرهن؛ فإنه لا يصح على الأعيان كما تقدمت الإشارة إليه بقوله: (شرط المرهون به كونه دينًا ثابتًا لازمًا). فجملة الشروط التي اعتبرها المصنف تبعًا للرافعي ثلاثة: أن يكون ثابتًا لازمًا معلومًا، واعتبر الغزالي رابعًا وهو: أن يكون قابلًا لأن يتبرع الإنسان به على غيره ليخرج به حد القصاص وحد القذف والأخذ بالشفعة. والمراد: أن يكون ثابتًا باعتراف الضامن لا المضمون عنه، فلو قال شخص: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنه فأنكر عمرو .. فلزيد المطالبة في الأصح، قاله الرافعي في آخر (الإقرار بالنسب)، وسيأتي ذكره في (كتاب الصداق) في تتمة (فصل: نكحها بخمر). قال: (وصحح القديم ضمان ما سيجب)؛ لأن الحاجة قد تمس إليه، وفي قول: إن جرى سبب وجوبه .. صح، وإلا .. فلا، وإذا جوزنا ضمان النفقة المستقبلة .. فلابد من تقديرها بمدة وأن تكون نفقة المعسرين.

وَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يجوز ضمان [نفقة] الموسر والمتوسط لمن حاله كذلك، وصححه في (المطلب). ويصح ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة، سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين، وكذا ضمان الكسوة والإدام ونفقة الخادم ونفقة اليوم، وفي نفقة اليوم وجه: أنه لا يصح كالثمن في زمن الخيار، وهذا يظهر على القول بأن النشوز في أثناء اليوم يسقط نفقة جميعه. ولا يجوز ضمان نفقة القريب مدة مستقبلة، وفي نفقة يومه وجهان: أرجحهما عند الشيخ: عدم الصحة؛ لأن سبيلها سبيل البر والصلة. قال: (والمذهب: صحة ضمان الدرك)؛ لأن الحاجة تدعو إلى معاملة من لا يعرف، ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق فاحتيج إلى التوثق، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وخرج ابن سريج قولًا: إنه لا يصح؛ لأنه ضمان ما لم يجب. وجوابه: أنا نشترط في صحته قبض الثمن كما سيأتي، وقطع بعضهم بالمنصوص؛ فلذلك عبر المصنف عنه بـ (المذهب). و (الدرك) بفتح الدال وبفتح الراء وإسكانها: التبعة، سميت بذلك؛ لالتزام الغرامة عند إدراك المستحق عين ماله، ويسمى أيضًا: ضمان العهدة، وهي الصك الذي يكتب فيه الثمن، والفقهاء يعبرون به عن الثمن. قال: (بعد قبض الثمن)؛ لأن الضامن إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع، والثمن لا يدخل في ضمانه إلا بالقبض. وقيل: يصح قبل القبض؛ لأن المشتري قد لا يثق بتسليم الثمن إلا بعد التوثق. ومحله بالاتفاق إذا علم الضامن قدر الثمن، فلو جهله .. قال المتولي: يتخرج على بيع السلعة برقمها.

وَهُوَ: أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: ظاهر إطلاق المصنف وغيره: أن المراد القبض الحقيقي، فلو أحال بالثمن أو صالح عنه .. لم يكف وإن جعلنا الحوالة استيفاء؛ لأن ذلك ليس بقبض حقيقي، ولو قبضه في المجلس .. لم يكف أيضًا كما تقدم في (السلم)، وكذلك لو أبرأه منه، فقد صرح الماوردي في (باب الربا) بأن أحد العوضين لو كان دينًا وأبرأه منه .. لم يكف، وعلله بعدم الاستقرار. وفي (فتاوى البغوي): إذا أثبت دينًا على غائب، وللغائب دار فأمر القاضي ببيعها من المدعي بالدين، فباع وضمن البائع أو غيره للمدعي الدين، إن خرجت مستحقة .. لا يصح؛ لعدم القبض، وعلى قياسه لو باعها صاحبها بالدين المذكور وضمن دركه .. لا يصح. قال: (وهو: أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقًا) فيقول: ضمنت لك عهدته أو دركه أو خلاصك منه، فلو قال: خلاص المبيع .. لم يصح؛ لأنه لا يستقل بخلاصه بعد ظهور الاستحقاق، ولو ضمن عهدته إن أخذ المبيع بالشفعة لأجل بيع سابق .. صح. قال في (المطلب): والمضمون في هذا الفصل ليس هو رد العين، وإلا .. كان يلزم أن لا تجب قيمته عند التلف بل المضمون إنما هو ماليته عند تعذر رده، حتى لو بان الاستحقاق والثمن في يد البائع .. لا يطالب الضامن بقيمته. قال: (أو معيبًا) فيضمن رد الثمن إن خرج المبيع معيبًا، ورده للحاجة إليه. قال: (أو ناقصًا لنقص الصنجة)؛ للاحتياج إلى ذلك أيضًا. وصورة المسألة: أن يبيع شيئًا بشرط أن وزنه كذا، فإذا خرج دونه .. بطل البيع على قول، ويثبت للمشتري الخيار في قول آخر كما تقدم في بابه، على أن ضمان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العهدة قد يكون للبائع أيضًا، بأن يخرج الثمن المعين مستحقًا أو ناقصًا ونحو ذلك. وقوله: (لنقص الصنجة) كتبه المصنف بخطه بـ (اللام) أي: بأن جاء المشتري بصنجة وزن بها، فاتهمه البائع فيها، فضمن شخص نقصها إن نقصت؛ فإنه يصح، ويقع في بعض النسخ بـ (الكاف)، وهي أعم من اللام. و (الصنجة) بفتح الصاد: فارسية معربة، والجمع: صنج، ويقال: سنجة –بالسين- خلافًا لابن السكيت. تنبيه: قال الشيخ: قال الأصحاب في (كتاب البيع): إن ما وجب بكيل أو وزن لا يصح قبضه جزافًا، ومتى قبضه بكيل أو وزن وادعى بعد ذلك أنه أنقص من حقه نقصًا كثيرًا .. لم يقبل قوله في الأصح، وههنا قالوا: يقبل، وما قالوه في البيع محمول على ما إذا قبض بكيل أو وزن معروف لهما، وههنا قبض بصنجة المشتري، والبائع جاهل بها ولكن اعتمد عليه فهل نقول: إن القبض صحيح اعتمادًا على تصديقه ظاهرًا؟ أو نقول: فاسد حتى لا يجوز له التصرف فيما قبضه في الأصح كما إذا قبضه جزافًا؟ لم أر فيه نقلًا، والاقرب: أنه صحيح؛ اعتمادًا على ظن الصدق، ولكن يقبل قوله؛ لعدم حصول الموافقة على الصنجة. فروع: الأول: إذا عين الضامن في ضمانه جهة كخروجه مستحقًا .. لم يطالب بجهة أخرى كالرد بالعيب، وإن أطلق ضمان العهدة أو الدرك .. طولب عند خروجه مغصوبًا أو مستحقًا بشفعة، فلو بان الفساد بشرط أو غيره أو خرج المبيع معيبًا فرده .. فوجهان لم يصحح الرافعي في (الكبير) منهما شيئًا، وأقربهما في (الشرح الصغير)

وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وزوائد (الروضة): عدم المطالبة، وأجاب في (الحاوي الصغير) بالمطالبة. الثاني: في صحة ضمان الدرك للمستأجر وجهان حكاهما الرافعي في آخر بابها، وجزم الشيخ بأن ضمان الدرك في الإجارة كهو في البيع. الثالث: قال ابن القطان: إذا عقد البيع وكتب في شرطه، وأن على البائع إن استحق المبيع غرم ما يحدثه المشتري من بناء وغراس .. فالشرط فاسد؛ لأنه ضمان مجهول، والحيلة لمن أراد ذلك أن يكتب في الصك: ثم بعد تمام العقد وتفرقهما عن تراض ضمن فلان بن فلان لفلان بن فلان –إن خرج المبيع مستحقًا- أرشَ ما يحدثه من بناء أو غراس. قال: (وكونه لازمًا) أي: حالًا ومآلًا؛ لأنه وثيقة يستوفى منها الحق فصحت في كل دين لازم وإن لم يكن مستقرًا كالرهن. والمراد بـ (اللازم): ما يلزم من هو عليه أداؤه عند طلب مستحقه. قال: (لا كنجوم كتابة) كما لا يصح الرهن بها، وقيل: يصح، وهو مخرج من الخلاف في ضمان ما لم يجب وجرى سبب وجوبه، أما ضمان ما على المكاتب من دين لغير سيده .. فإنه يصح. قال: (ويصح ضمان الثمن في مدة الخيار في الأصح)؛ لأنه آيل إلى اللزوم فألحق به. والثاني: لا؛ لعدم اللزوم في الحال. وقال المتولي: الخلاف مفروض فيما إذا كان الخيار للمشتري، أو لهما، فإن كان للبائع وحده .. صح ضمانه بلا خلاف؛ للزومه في حق من عليه.

وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ. وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ. وَالإِبْرَاءُ مِنَ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وضمان الجعل) في الجديد (كالرهن به)؛ لأن كلًّا منهما للتوثق، وتقدم أنه يصح بعد الفراغ لا قبله، وعبر بـ (الجديد)؛ لأن القديم يصحح ضمان ما لم يجب ولا جرى سبب وجوبه فهذا أولى. وضمان مال المسابقة إن جعلناها إجارة .. صح، وإلا .. فكالجعل. قال: (وكونه معلومًا في الجديد)؛ لأنه إثبات مال في الذمة بعقد فأشبه البيع والإجارة، فيشترط العلم بالجنس والقدر والصفة. والقديم: لا يشترط؛ لأن معرفته متيسرة. ومحل الخلاف في مجهول تمكن الإحاطة به مثل: أنا ضامن لثمن ما بعت من زيد، كما مثل به في (المحرر) فإن قال: لشيء منه .. بطل جزمًا، ولو قال: لثمن ما ستبيعه .. بطل على الجديد؛ للجهالة وعدم الاستقرار. وإذا شرطنا العلم فوكل .. ففي اشتراط علم الوكيل أيضًا وجهان: أشبههما في (الرافعي): لا يشترط، وقال في (الكفاية): الجمهور على اشتراطه، والأصح في (الشرح) و (الروضة): أنه لا يشترط القبول، وفي (باب الهبة) من (المطلب): المنصوص اشتراطه. قال: (والإبراء من المجهول باطل في الجديد) سواء في ذلك مجهول العين والقدر والصفة؛ لأن البراءة متوقفة على الرضا، والرضا بالمجهول غير معقول؛ لأنه تمليك. والقديم: يصح؛ لأنه إسقاط، فأشبه ما إذا قطع عبد عضوًا من عبد فعفا السيد عن القصاص وهو لا يعلم عين المقطوع .. فإنه يصح، والمصحح في (الشرح) و (الروضة): أن الإبراء تمليك، وفي (الصغير): أنه إسقاط.

إِلَّا مِنْ إِبِلِ الدِّيَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في زوائد (الروضة) في (الرجعة): المختار: أنه لا يطلق ترجيح واحد من القولين، وإنما يختلف الراجح بحسب المسائل؛ لظهور دليل أحد الطرفين. فروع: لفظ الترك صريح في الإبراء كما صرح به الروياني، ولو قال: أبرأتك من الدين شهرًا، إن قلنا: إسقاط .. صح، وإن قلنا: تمليك .. فوجهان. ولو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أبرأتك .. لم يصح جزمًا. ولو قال: أبرأتك من درهم إلى ألف .. فوجهان، وقيل: قولان: المنصوص منهما في (البويطي): الصحة، وسيأتي قريبًا نظير ذلك من الضمان. وإذا قال المغتاب لمن اغتابه: اجعلني في حل وهو لا يدري ما اغتابه به فوجهان: أحدهما: يصح؛ لأنه محض إسقاط. والأصح في (الأذكار): لا يكفي؛ لأن المقصود رضاه ولا يمكن الرضا بالمجهول، لكن أفتى الحناطي بأن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب .. يكفي فيها الندم والاستغفار، وأنه لو قال: أبرأتك في الدنيا دون الآخرة .. برئ في الدنيا والآخرة، لأن من برئ في الدنيا برئ في الآخرة. وقوله له: أنت في حل من كذا هل هو صريح في البراءة أو كناية؟ فيه وجهان. قال: (إلا من إبل الدية) فتصح البراءة منها وإن كانت مجهولة اللون والصفة؛ لأنها تثبت في ذمة الجاني مع اغتفار هذه الجهالة فكذا هنا.

وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الأًصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ مِمَّا لَكَ عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ .. فَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: لِتِسْعَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويصح ضمانها في الأصح) قياسًا على الإبراء، ولأنها معلومة السن والعدد، والمرجع في صفتها ولونها إلى غالب إبل البلد. والثاني: لا، لأن الإبراء مطلوب مأمور به فسومح فيه، بخلاف الضمان. ولا يجوز ضمان الدية على العاقلة قبل تمام السنة؛ لعدم ثبوتها. قال: (ولو قال: ضمن مما لك على زيد من درهم إلى عشرة .. فالأصح: صحته)؛ لانتفاء الضرر بذكر الغاية. والثاني: لا يصح؛ لجهالة المقدار، فإنه متردد بين الدرهم والعشرة، وهذا الوجه أقيس عند الغزالي، وأصح عند البغوي والروياني. قال: (وأنه يكون ضامنًا لعشرة) أي: إذا كانت عليه أو أكثر منها؛ إدخالًا للطرفين. قال: (قلت: الأصح: لتسعة والله أعلم)؛ إدخالًا للطرف الأول، وهذا الذي صححه المصنف في نظيره من الإقرار كما سيأتي. وقيل: يكون ضامنًا لثمانية؛ إخراجًا للطرفين، كما لو قال: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار .. فإنهما لا يدخلان في البيع، واختار الشيخ موافقة صاحب (التهذيب) في لزوم عشرة في الضمان والإقرار، وكأنه قال: له علي دراهم من درهم إلى عشرة. والغاية إذا كانت بيانًا لما قبلها دخل طرفاها كما تقول: قرأت القرآن من فاتحته إلى خاتمته، وغسلت يدي من رؤوس الأصابع إلى الإبط، وهذا معنى قولهم: إذا كان من جنس المغيا .. دخلت.

فصل

فَصْلٌ: الْمَذْهَبُ: صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال رجلان: ضمنا ما لك على زيد، فهل يطالب كل منهما بجميع الدين أو بنصفه؟ فيه وجهان: أصحهما عند المتولي: بالجميع، كما لو قالا: رهنا عبدنا على ألف يكون نصف كل منهما رهنًا بجميع الألف، وبهذا أفتى الشيخ رحمه الله وفقهاء عصره؛ لأن الضمان وثيقة كالرهن، ولأنه لو كفل رجلان رجلًا في وقت واحد، أو في وقتين فسلمه أحدهما قال المزني: يبرأ صاحبه، وقال ابن سريج والأكثرون: لا يبرأ وهو الأصح؛ لأن كلًّا منهما التزم بإحضار وحده فعليهما إحضاران. وقال الماوردي والبندنيجي والروياني: إن كلًّا منهما يطالب بنصف الألف، كما لو قالا: اشترينا هذا بألف، ولعل هذا أحد الوجهين اللذين حكاهما المتولي. فإن قيل: إذا قال: ألق متاعك في البحر وأنا وركبان السفينة ضامنون وأطلق .. حمل على التقسيط ولزمه ما يخصه فقط .. فلم لا كان هنا كذلك؟ فالجواب: أن هذا ليس بضمان حقيقة، وإنما هو استدعاء إتلاف مال لمصلحة، كما سيأتي في موجبات الدية والعاقلة والكفارة. قال: (فصل: المذهب: صحة كفالة البدن) وهي نوع من الضمان؛ إذ المضمون ينقسم إلى حق في الذمة وإلى عين، وتساهل الغزالي في جعله هذا ركنًا في الضمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى صحتها ذهب الأئمة الثلاثة وكافة العملاء مستدلين بقوله تعالى: {فخذ أحدنا مكانه} أي: كفيلًا عنه ببدنه. وبما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، قال: ائتني بالشهود أشهدهم عليك، قال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأتني بكفيل، قال: كفى بالله كفيلًا ...) الحديث. وروى البيهقي [8/ 206]: أن ابن مسعود رضي الله عنه لما ضرب عنق ابن النواحة حيث أذن في مسجده فقال: أشهد أن مسيلمة رسول الله .. شاور الصحابة في بقية من كان في المسجد حين الأذان، فقال عدي بن حاتم: ثؤلول كفر قد أطلع رأسه فاحسمه، وقال غيره: استتبهم، فإن تابوا .. كفلهم عشائرهم، وإلا .. قتلوا، فتابوا فكفلهم عشائرهم. ورواه البخاري في الترجمة بلا إسناد، وهذا يدل على إجماعهم على صحتها. ولأن بالناس حاجة إليها كما في كفالة المال، وتسمى أيضًا: كفالة الوجه، وملخص ما فيها في المذهب طريقان: أصحهما: قولان: الأصح: الصحة. والثاني: عدمها كالكفالة ببدن الشاهد والزوجة، ولأن المكفول به لا يجب عليه تسليم نفسه، وإنما يلزمه الخروج مما عليه من الحق، وهذا هو القياس. وعلى هذا حمل قول الشافعي رضي الله عنه: كفالة البدن ضعيفة، أراد من جهة القياس؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد، ولأنها ضمان ما لا يقدر على تسليمه والجواب عن أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أنه وقع بعد التوبة، ثم هو ضمان من عليه حد لله تعالى والخصم يسلِّم عدمَ صحة ضمانه، وإلى هذا ذهب القفال والجرجاني

فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ .. لَمْ يُشْتَرَطِ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ. وَالْمَذْهَبُ: صَحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللهِ تَعَالَى. وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ مستدلين بقوله تعالى: {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متعنا عنده}. قال: (فإن كفل بدن من عليه مال .. لم يشترط العلم بقدره)؛ لأن تكفل بالبدن لا بالمال. وقيل: يشترط؛ بناء على أنه لو مات .. غرم الكفيل ما عليه. قال: (ويشترط كونه مما يصح ضمانه) فلا يصح ببدن المكاتب للنجوم التي عليه؛ لأنه لو ضمن النجوم .. لم يصح. قال: (والمذهب: صحتها ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف)؛ لأنه حق لازم فأشبه المال، وفي قول: لا؛ لأن العقوبات مبنية على الدرء، هذه الطريقة الصحيحة. والثانية: القطع بالصحة. والثالثة: القطع بعدمها. قال: (ومنعها في حدود الله تعالى) كحد السرقة والخمر والزنا؛ للأمر بسترها والسعي في إسقاطها ما أمكن. وقيل: تصح؛ قياسًا على حقوق الآدميين، والأشهر هنا: طريقة القطع بالمنع، وادعى القاضي أبو الطيب الإجماع عليها. والثانية: طرد القولين, والخلاف كالخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي. وتعبيره أولًا بـ (الحقوق) وثانيًا بـ (الحدود) موافق لتعبير (الروضة) و (أصلها)، والأول يشمل التعزير بخلاف الثاني. قال: (وتصح ببدن صبي ومجنون) أي: بإذن وليهما؛ لأنه قد يستحق

وَمَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيُشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إحضارهما لإقامة البينة على صورتهما في الإتلافات وغيرها إذا لم يعرف الشهود اسمهما ولا نسبهما. وقال الماوردي: لا يصح التكفل ببدنهما وإن أذن الولي، ثم إذا صححناها بإذن الولي فزال الحجر .. بطلت مطالبته. والظاهر: أن المعتبر في كفالة بدن السفيه إذن وليه لا إذنه، ويحتمل غيره. قال: (ومحبوس وغائب)؛ لأن حصول المقصود متوقع فكان كضمان المعسر بالمال، ومنعه أبو حنيفة؛ لتعذر الحصول في الحال. وعلى المذهب: لابد في الغائب من اشتراط الإذن، ولا فرق فيه بين أن يكون في موضع يلزم الحضور منه إلى مجلس الحكم أو لا، حتى لو أذن ثم انتقل بعد ذلك إلى بلد بها حاكم، أو إلى ما فوق مسافة العدوى فوقعت الكفالة بعد ذلك .. صحت ووجب عليه الحضور معه؛ لأجل إذنه له في ذلك. قال: (وميت ليحضره فيشهد على صورته)؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك إذا شهد عليه من لا يعرف نسبه، ومحل ذلك قبل الدفن، فإن دفن .. لم تصح الكفالة جزمًا وإليه أشار بقوله: (ليحضره). وإذا شرطنا في كفالة الحي الإذن .. فههنا يشترط إذن الوارث، ويشترط تعيين المكفول ببدنه، فلو قال: تكفلت ببدن أحد هذين .. لم يصح. وضابط من تصح الكفالة ببدنه: كل من وجب عليه حضور مجلس الحكم عند

ثُمَّ إِنْ عَيَّنَ مَكَانَ التَّسْلِيمِ .. تَعَيَّنَ، وَإِلَّا .. فَمَكَانُهَا. وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطلب لحق الآدمي، أو وجب على غيره إحضاره، فتصح ببدن الكفيل والأجير المعين، وببدن من ادعى عليه فأنكر وانصرف قبل الحلف، وكذلك ببدن العبد الآبق لمولاه ويلزم الكفيل السعي في إحضاره، وببدن المرأة لزوجها، أو لمن يدعي زوجيتها، والمودع ونحوه؛ لأنه يجب عليهما الحضور إذا طلبا لتمكن المرأة من نفسها والمودع من الوديعة ومن عليه حق مالي لله تعالى. قال: (ثم إن عين مكان التسليم) أي: وكان صالحًا (.. تعين، وإلا .. فمكانها) أي: مكان الكفالة؛ لأن العرف قاض بذلك. فإن قيل: تقدم في (باب السلم) أن السلم الحال لا يشترط فيه بيان الموضع بلا خلاف، والأصح في المؤجل: أنه لابد من بيان الموضع إذا كان لا يصلح للتسليم، أو يصلح ولكن لنقله مؤنة فما الفرق؟ فالجواب: أن وضع السلم التأجيل، ووضع الضمان الحلول، وسيأتي أنه لا يصح تأقيت الكفالة، وذاك عقد معاوضة وهذا باب غرامة فافترقا. قال: (ويبرأ الكفيل بتسليمه في مكان التسليم)؛ لقيامه بما وجب عليه، سواء طالبه به المكفول له أم لا، فلو أحضره في غير مكان التسليم .. لم يجب قبوله، لكن يجوز ويبرأ به إذا رضي المكفول له. قال: (بلا حائل كمتغلب) وكذلك الحبس بغير حق لعدم التمكن، بخلاف حبس الحاكم بالحق؛ فإنه لا يمنع صحة التسليم لإمكان إحضاره ومطالبته، فلو أتى به في غير ذلك المكان .. فللمكفول له أن يمتنع إن كان له فيه غرض بأن كان في غير مجلس الحكم، أو في مكان لا يجد فيه من يعينه على خصمه، فإن لم يختلف الغرض .. لزمه قبوله، فإن امتنع .. رفعه إلى الحاكم ليتسلمه عنه، فإن لم يكن حاكم .. أشهد شاهدين أنه سلم إليه.

وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ وَيَقُولَ: سَلَّمْتُ نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ. فَإِنْ غَابَ .. لَمْ يَلْزَمِ الْكَفِيلَ إِحْضَارُهُ إِنْ جَهِلَ مَكَانَهُ، وَإِلَّا .. فَيَلْزَمُهُ، وَيُمْهَلُ مُدَّهَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبأن يحضر المكفول ويقول: سلمت نفسي عن جهة الكفيل) كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل، وتسليم الأجنبي بإذن الكفيل كتسليمه وبدون إذنه لا يلزمه قبوله، فإن قبل .. برئ، وتسليم الولي كتسليم الكفيل. وإطلاق المصنف يقتضي: أن الصبي والمجنون إذا سلما أنفسهما عن جهة الكفالة .. كفى، وفيه نظر؛ إذ لا حكم لقولهما، والظاهر أنه إن قبل .. حصل التسليم، وإلا .. فلا. قال: (ولا يكفي مجرد حضوره) بل لابد أن يقول: سلمت نفسي عن جهة الكفيل؛ إذ لا تسليم من الكفيل ولا ممن ينوب عنه، حتى لو ظفر به خصمه في مجلس حاكم فادعى عليه بتلك الخصومة .. لم يبرأ الكفيل، قاله القاضي حسين. ولو تكفل برجل لرجلين فسلمه إلى أحدهما .. لم يبرأ عن حق الآخر. قال: (فإن غاب .. لم يلزم الكفيل إحضاره إن جهل مكانه)؛ لعدم إمكانه فكان كالمعسر بالدين، وقال الجوري: يحبس، وهو شاذ. قال: (وإلا) أي: وإن عرف مكانه والطريق آمن ولم يذهب إلى قوم يمنعونه (.. فيلزمه)؛ لإمكانه، ومؤنة الإحضار عليه. قال: (ويمهل مدة ذهاب وإياب) أي: على العادة وإن بعدت المسافة؛ لأنه الممكن، وقال القاضي حسين: لا يمهل. فإن كان قد ارتد والتحق بدار الحرب ولم يمكن إحضاره .. لم يجب، وإن أمكن .. وجب إحضاره منها. وإن حبس في بلد آخر .. لزمه أن يخرج إليه ويقضي ما عليه، وإن حبس في البلد

فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ .. حُبِسَ، وَقِيلَ: إِنْ غَابَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ إِحْضَارُهُ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ وَدُفِنَ .. لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي يجب تسليمه فيها في حبس القاضي .. لم يلزمه إلا أن يحضر مجلس الحكم مع الكفيل، والحاكم مخير إن شاء أحضره إلى مجلس الحكم وسلمه ثم أعاده إلى الحبس، وإن شاء وجهه إلى الحبس ليسلمه فيه. قال: (فإن مضت) أي: مدة ذهابه وإيابه (ولم يحضره .. حبس)؛ لتقصيره فيما وجب عليه. وفي (سنن البيهقي): أن رجلًا خاصم ابنًا لشريح إلى شريح كفل له رجلًا عليه دين، فحبسه شريح، فلما كان الليل .. أرسل إليه بفراش وطعام. وإذا حبس .. سعى في تحصيله بالوكيل، ويدام حبسه إلى أن يتعذر إحضاره بموت ونحوه. وإذا أدى الدين ثم حضر المكفول .. فالظاهر: أن له استرداده. قال: (وقيل: إن غاب إلى مسافة القصر .. لم يلزمه إحضاره) كما لو غاب الولي أو شاهد الأصل إلى هذه المسافة .. فإنها كالغيبة المنقطعة، ولا فرق بين أن تطرأ الغيبة أو يكون وقت الكفالة غائبًا. قال: (والأصح: أنه إذا مات ودفن .. لا يطالب الكفيل بالمال)؛ لأنه لم يلتزمه. والثاني –وبه قال مالك- يطالب؛ لأنه وثيقة كالرهن. وعلى هذا: هل يطالب بالدين أو بالأقل منه ومن دية المكفول؟ فيه وجهان: المختار منهما في (الروضة): المطالبة بالدين، والوجهان يجريان في هربه وتواريه. وإطلاق المصنف يقتضي: أنه لا فرق على الوجهين بين أن يخلف المكفول وفاء

وَأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ مَعَ الْكَفَالَةِ أَنْ يَغْرَمَ الْمَالَ إِنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ .. بَطَلَتْ، وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ أم لا، قال الشيخ: وظاهر كلامهم: اختصاصه بما إذا لم يخلف. واحترز بقوله: (دفن) عما إذا لم يدفن واحتيج إلى إحضاره لإقامة البينة على عينه .. فالأصح: أن عليه إحضاره لإقامتها. واحترز بقوله: (بالمال) عما إذا تكفل ببدن من عليه عقوبة ومات .. فإنه لا يطالب بها، وكذلك إذا تكفل ببدن عبد ومات .. لا شيء عليه، وكذلك لو كان المكفول زوجة الكافل. قال: (وأنه لو شرط مع الكفالة أن يغرم المال إن فات التسليم .. بطلت)؛ لأنه خلاف مقتضاها. وقيل: يصح؛ بناء على أنه يغرم عند الإطلاق. والثالث: تصح الكفالة ويبطل شرط المال، كما سبق في (القرض) أنه إذا شرط أن يرد مكسرًا عن صحيح، أو أن يقرضه غيره .. بطل الشرط، ولا يبطل القرض على الأظهر؛ لأنه زاد خيرًا فلم يفسد العقد. قال: (وأنها) أي: كفالة البدن (لا تصح بغير رضا المكفول)؛ لأنه لا ولاية للكفيل عليه حتى تلزمه إجابته. والثاني: تصح، قاله ابن سريج؛ بناء على قوله: إنه يغرم عند العجز. وأما المكفول له .. فلا يشترط رضاه على الصحيح، كما في ضمان المال. تتمة: تكفل ببدن الكفيل كفيل ثم كفيل وكذلك من غير حصر .. جاز؛ قياسًا على ضمان المال، ثم إذا برئ الأصيل .. برئ الجميع، وإذا برئ الكفيل الأول .. برئ من بعده، وإن برئ الأخير .. لا يبرأ من قبله. ولو مات المكفول له .. بقي الحق لوارثه في الأصح، وقيل: تبطل.

فصل

فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ والْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالالْتِزَامِ كَضَمِنْتُ دَيْنَكَ عَلَيْهِ، أَوْ تَحَمَّلْتُهُ، أَوْ تقَلَّدْتُهُ، أَوْ تَكَفَّلْتُ بِبَدَنِهِ، أَوْ أَنَا بِالْمَالِ، أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ، أَوْ كَفِيلٌ، أَوْ زَعِيمٌ، أَوْ حَمِيلٌ. وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ .. فَهُوَ وَعْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر بالالتزام)؛ لأن الرضا القلبي لا يعرف إلا بذلك، لكن تعبيره بـ (اللفظ) يخرج الخط والإشارة من الأخرس، مع أن الضمان ينعقد بهما. قال: (كضمنت دينك عليه، أو تحملته)؛ لاشتهارهما على ألسنة حملة الشرع، وكذلك ضمنت لك كذا. قال: (أو تقلدته)؛ لأنها في معنى ذلك. قال: (أو تكفلت ببدنه)؛ لدلالتها على المقصود، وحكم الجزء الشائع كالثلث ونحوه والجزء الذي لا يعيش الشخص بدونه كالوجه والكبد .. حكم جميع البدن كما قاله صاحب (التنبيه) وأقره المصنف عليه، ولا ترجيح في ذلك في (الشرح) و (الروضة)، ولو تكفل بشعره .. لم يصح. قال: (أو أنا بالمال أو بإحضاره الشخص ضامن، أو كفيل)؛ لما تقدم. قال: (أو زعيم)؛ لثبوتها في الكتاب والسنة. قال: (أو حميل) من الحمالة وكذا قبيل على الأصح، وكذلك: أنه به صبير. وفي قوله: دين فلان علي وجهان: أقواهما: أنه ليس بصريح. قال: (ولو قال: أؤدي المال أو أحضر الشخص .. فهو وعد)؛ لأن صيغته لا تشعر بالالتزام.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا بِشَرْطٍ، وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ، وَلَوْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ تَاخِيرَ الإِحْضَارِ شَهْرًا .. جَازَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: في (المطلب) هذا إذا خلا عن القرينة، فإن اقترن بما يشعر بالالتزام .. فينبغي أن يصح. قال: (والأصح: أنه لا يصح تعليقهما بشرط) أي: كفالة المال والبدن؛ لأنهما عقدان فلا يقبلان التعليق كالبيع، وجوز ابن سريج ذلك؛ لأن القبول لا يشترط فيهما فجاز تعليقهما كالطلاق والعتاق. والخلاف في كفالة البدن مرتب على الخلاف في كفالة المال. قال: (ولا توقيت الكفالة) قياسًا على الضمان. والثاني: يصح؛ لأنه قد يكون له غرض في تسليمه في مدة معينة، بخلاف المال؛ فإن المقصود أداؤه. قال: (ولو نجزها وشرط تأخير الإحضار شهرًا .. جاز)؛ لأنه التزم لعمل في الذمة فجاز مؤجلًا قياسًا على العمل في الإجارة، وفيه وقفة للإمام جعلها في (الوسيط) وجهًا، وكذا في (الشرح الصغير). وصورة المسألة أن يقول: ضمنت إحضاره بعد شهر، وهو كنظيره من الوكالة، فلو أحضره قبله فامتنع .. فهو كإحضاره في غير مكانه. قال: (وأنه يصح ضمان الحالِّ مؤجلًا أجلًا معلومًا)؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك. والثاني: يفسد الضمان؛ لمخالفة الملتزم ما على الأصيل. والثالث: يصح الضمان ويبطل التأجيل، والزيادة في الأجل بمثابة أصل التأجيل فتأتي فيه الأوجه، والذي صححه المصنف هو الأصح، ووقع في (المحرر) تصحيح أنه لا يصح، ولك أن تقول: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا رهن على دين حال وشرط

وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ. وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالأَصِيلِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ في الرهن أجلًا؛ فإنه لا يصح ولا عكسه كما صرح به الماوردي، والضمان والرهن كلاهما وثيقة؟ قال: (وأنه يصح ضمان المؤجل حالًّا)؛ لأنه تبرع بالتزام التعجيل فصح كأصل الضمان. والثاني: لا؛ للمخالفة وصححه الروياني. وعلى الأصح: لو أطلق الضمان .. ثبت مؤجلًا على الصحيح. قال: (وأنه لا يلزمه التعجيل) كما لو كان عليه دين مؤجل فالتزم تعجيله. والثاني: يلزمه ما التزم؛ لأنه صفة لتبرع لازم فكان كما لو نذر عتق عبد مؤمن أو سليم من العيوب ونحو ذلك، ولا خلاف أن الدين على الأصيل لا يتغير. قال: (وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل) أما الضامن .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) وأما الأصيل .. فلأنه لم يبرأ. وقال مالك وأبو ثور: لا تجوز مطالبة الضامن إلا بعد عجز المضمون عنه، واختاره ابن أبي هريرة. وقال ابن جرير: يطالب من شاء منهما، فإذا طالب أحدهما .. لم يكن له مطالبة الآخر، والمذهبان شاذان. وعلى المذهب: له مطالبة أحدهما بالبعض والآخر بالباقي. وعدل المصنف عن قول (المحرر): (وللمضمون له) إلى قوله: (المستحق)؛ ليدخل فيه الوارث، لكنه يشمل المحتال مع أنه لا يطالب الضامن؛ لأن ذمته قد برئت كما تقدم. وشملت عبارة المصنف: ما إذا كان عليه ألف بها رهن وضامن والأصح: أنه إن

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الأَصِيلِ. وَلَوْ أَبْرَأَ الأَصِيلَ .. بَرِئَ الضَّامِنُ، وَلَا عَكْسَ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا .. حَلَّ عَلَيْهِ دُونَ الآَخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء طالب الضامن، وإن شاء باع الرهن، وقيل: ليس له بيع الرهن إلا بعد العجز عن مطالبة الضامن، وقيل: عكسه. قال: (والأصح: أنه لا يصح) أي: الضمان (بشرط براءة الأصيل)؛ لمنافاته مقتضى العقد. والثاني: يصح الضمان والشرط؛ لما رواه جابر رضي الله عنه في قصة ضمان أبي قتادة رضي الله عنه قال: (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (هما عليك وفي مالك والميت منهما برئ) فقال: نعم، فصلى عليه) قال الحاكم [2/ 58]: صحيح الإسناد. والثالث: يصح الضمان ويبطل الشرط، كما لو أعتق عبدًا بشرط أن يعطيه شيئًا. قال: (ولو أبرأ الأصيل .. برئ الضامن)؛ لسقوط الحق. قال: (ولا عكس)؛ لأنه إسقاط للوثيقة فلا يسقط بها الدين كفك الرهن، وفي معنى الإبراء: أداء الدين والاعتياض عنه والحوالة به، فلو عبر بقوله: (برئ) .. كان أشمل. قال: (ولو مات أحدهما .. حل عليه) الدين (دون الآخر)؛ لأن ذمة الميت خربت، والحي يرتفق بالأجل، وقيل: لا يحل على الضامن بموت نفسه، وقيل: يحل عليه بموت الأصيل. والجنون والاسترقاق كالموت في الحلول كما تقدم في (الفلس). وعلى الصحيح: لو أخر المستحق المطالبة .. كان للضامن –على الأصح- أن

وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ .. فَلَهُ مُطَالَبَةُ الأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالأَدَاءِ إِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يطالبه بأخذ حقه من تركة الأصيل، أو إبرائه من الضمان؛ لأنه قد تهلك التركة ولا يجد مرجعًا. واستثنى شارح (التعجيز) ما لو ضمن المؤجل حالًا –وقلنا بالأصح أنه يكون مؤجلًا- فإنه يحل على الضامن بموت الأصيل على الأصح، وهو حسن. تحقيق: الدين الذي على الأصيل هو الذي على الضامن باعتبار ذاته كفرض الكفاية، وإنما عرض له التعدد باعتبارهما؛ فلذلك حل على أحدهما دون الآخر، ويثبت على أحدهما حالًّا وعلى الآخر مؤجلًا. قال: (وإذا طالب المستحق الضامن .. فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء إن ضمن بإذنه) قياسًا على تغريمه إذا غرم، ومعنى التخليص: أن يؤدي دين المضمون له ليبرأ الضامن، وقيل: ليست له هذه المطالبة، قال الإمام: وهو متجه في القياس. وإذا كان المضمون عنه صغيرًا، وطولب الضامن بإذن الولي .. فله مطالبة الولي بالتخليص ما لم يبلغ، فإذا بلغ .. كان هو المطالب به.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ. وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الأَصِيلِ إِنْ وُجِدَ إِذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالأَدَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا حبس المضمون له الضامن هل له حبس الأصيل؟ فيه وجهان: أصحهما: كما قال الرافعي: لا، وتابعه عليه في (المطلب) وزاد أنه لا يلازمه بترسيم ولا غيره. وصحح الشيخ أن له حبسه قال: وإلا .. فلا فائدة في طلبه، بل ينبغي أن يكون له حبسه إذا طولب وإن لم يحبس؛ ليرهقه إلى تخليصه، لأن المطلوب إذا علم أنه لا يحبس .. لم يبال بالامتناع. قال: (والأصح: أنه لا يطالبه قبل أن يطالب)؛ لأنه لم يتوجه إليه خطاب ولم يغرم شيئًا. والثاني: له المطالبة بالتخليص، كما لو استعار شيئًا فرهنه .. فإن للمالك مطالبته بفكه. وفرق الأولون بأن الرهن محبوس بالدين وفيه ضرر، والضامن ليس محبوسًا به. ومحل الخلاف إذا كان الدين حالًّا، فإن كان مؤجلًا .. لم يكن له مطالبته قطعًا. قال: (وللضامن الرجوع على الأصيل إن وجد إذنه في الضمان والأداء)؛ لأنه صرف ماله إلى منفعة غيره بإذنه فكان كما لو قال: اعلف دابتي .. ففعل، واستدل له البيهقي [6/ 74] بأن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكًا شديدًا قد عصب رأسه فقال: (خذ بيدي يا فضل، قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال: من كنت أخذت منه شيئًا .. فهذا

وَإِنِ انْتَفَى فِيهِمَا .. فَلَا. وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فقَطْ .. رَجَعَ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مالي فليأخذ منه، فقام رجل فقال: يا رسول الله؛ إن لي عندك ثلاثة دراهم، فقال: أما أنا فلا أكذب قائلًا ولا أستحلف على يمين، فيم كانت لك عندي؟ فقال: أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم؟ فقال: أعطه يا فضل). وعبارة (المحرر): (إذا ضمن وأدى بإذنه) وهي أحسن؛ لأنه لا يلزم من الإذن في الأداء حصول الأداء، والرجوع متوقف على نفس الأداء وفي المسألة وجه رمز له صاحب (التقريب). أما إذا شرط مع ذلك الرجوع .. فلا خلاف أنه يرجع. ثم الرجوع في المثلي بالمثلي وفي المتقوم بالمثل الصوري كالقرض على الأصح، وقيل: بالقيمة. قال: (وإن انتفى فيهما .. فلا)؛ لأنه متبرع، وخالف في ذلك مالك وأحمد. لنا: حديث أبي قتادة رضي الله عنه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على الميت، ولو كان لأبي قتادة رضي الله عنه الرجوع .. لما صلى لبقاء الدين. قال: (وإن أذن في الضمان فقط .. رجع في الأصح)؛ لأنه أذن في سبب الرجوع والأداء مرتب عليه. والثاني: لا رجوع .. لأنه غرم بغير إذن. والثالث: إن طولب ولم تمكنه مراجعة الأصيل لغيبة أو حبس ونحوهما .. رجع؛ لأنه مضطر إلى الأداء، وإلا .. فلا. وقوله: (فقط) يحتمل أمرين: أحدهما: أن يسكت عن الأداء وهذا واضح. والثاني: أن ينهاه عنه. قال شيخنا: ويتجه أن يقال: إن كان النهي بعد الضمان .. لم يؤثر، وإن كان قبله، فإن انفصل عن الإذن .. كان رجوعًا عنه، وإن اتصل به .. أفسده.

وَلَا عَكْسَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِئَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا بِمَا غَرِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا عكس في الأصح) أي: إذا ضمن غير إذن وأدى به .. فالأصح: لا يرجع؛ لأن وجوب الأداء سببه الضمان ولم يأذن فيه. والثاني: يرجع؛ لأنه أسقط الدين عن الأصيل بإذنه، فلو كان الإذن في هذه الصورة بشرط الرجوع .. فالأصح في (الروضة): أنه يرجع وبه جزم الماوردي. تنبيهان: أحدهما: إنما يرجع الضامن حيث يكون قد أدى من ماله، فإن أدى من يتهم الغارمين .. لم يرجع على الأصح، كذا قاله الشيخان وغيرهما في (قسم الصداقات). الثاني: إحالة الضامن المضمون له وقبوله الحوالة عليه، ومصالحتهما عن الدين على عوض، وصيرورة الدين ميراثًا للضامن كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه، كذا وقع في (الشرح) و (الروضة)، وغلطهما في (المهمات) فيما ذكراه في الميراث؛ لأن ذمته برئت من الضمان بالإرث، وأما الحق فباق في ذمة المضمون، ولا يلزم من براءة ذمة الكفيل براءة ذمة الأصيل، وحينئذ فله مطالبته وإن ضمن بغير إذن. قال: (ولو أدى مكسرًا عن صحاح أو صالح عن مئة بثوب قيمته خمسون .. فالأصح: أنه لا يرجع إلا بما غرم)؛ لأنه الذي بذله. والثاني: يرجع بالصحاح والمئة؛ لحصول براءة الذمة به، والنقصان جرى من رب الدين مسامحة للضامن. والثالث: يرجع في المئة لا في الصحاح؛ لأن غير الجنس يقع عوضًا، والمكسر

وَمنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إِذْنٍ .. فَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ .. رَجَعَ، وَكَذَا إِنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يقع عوضًا عن الصحيح، بل هو مجرد مسامحة، فلو كانت قيمة الثوب أكثر من مئة .. لم يرجع إلا بمئة. فلو قال: بعتك هذا الثوب بما ضمنته لك .. فالمختار في (الروضة): صحة البيع والرجوع بما ضمنه. ولو ضمن ذمي لذمي دينًا على مسلم، ثم تصالحا على خمر .. فالأصح: أنه لا يرجع ولا يبرأ؛ لتعلقهما بالمسلم ولا قيمة للخمر. قال: (ومن أدى دين غيره بلا ضمان ولا إذن .. فلا رجوع)؛ لأنه متبرع، وخالف ما لو وضع طعامه في فم مضطر حيث يرجع عليه وإن لم يأذن؛ لأنه واجب عليه استنقاذًا لمهجته. قال: (وإن أذن بشرط الرجوع .. رجع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم) صححه ابن حبان من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. وفي حكم الإذن بشرط الرجوع التوكيل بالشراء على الأصح؛ لأن في ضمن أمره بالشراء أمره بدفع الثمن وستأتي المسألة. قال: (وكذا إن أذن مطلقًا في الأصح)؛ لاقتضاء العرف الرجوع. والثاني: لا يرجع واختاره الشيخ أبو حامد؛ لأنه لم يوجد منه إلا الإذن في الأداء كما هو الأصح فيما إذا قال: اغسل ثوبي ولم يسم له أجرًا، لكن الفرق أن المسامحة في المنافع أكثر منها في الأعيان. والثالث: إن كان حالهما يقتضي الرجوع .. رجع، وإلا .. فلا، فلو قال: أدِّ دين فلان .. لم يرجع على الآمر، وإن قال: أدّ دين ضامني .. فهو كما لو قال: أدّ ديني.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ مُصَاَلَحَتَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. ثُمَّ إِنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي إِذَا أَشْهَدَ بِالأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أن مصالحته على غير جنس الدين لا تمنع الرجوع)؛ لأن الإذن إنما يقصد به البراءة وقد حصلت. والثاني: تمنع؛ لأنه إنما أُذن في الأداء دون المصالحة. والثالث: إن قال: أدِّ ما علي من الدراهم مثلًا .. لا يرجع، وإن قال: أدِّ ديني أو ما علي .. رجع. فإن قيل: جزموا في الضمان بأن المصالحة لا تمنع الرجوع، ولم يخرجوه على الخلاف هنا .. فالجواب: أن مصالحة الضامن وقعت عن حق وجب عليه، بخلاف المأذون له بلا ضمان. هذا في المأذون له إذا صالح على غير الجنس، أما الضامن .. فإنه إذا صالح على غير جنس الدين .. فإنه يرجع اتفاقًا، والفرق بينه وبين المأذون: أن مصالحة الضامن وقعت عن حق وجب عليه؛ لأن الدين ثبت في ذمته ثبوته في ذمة الأصيل، والمأذون له من غير ضمان ليس كذلك. قال: (ثم إنما يرجع الضامن والمؤدي إذا أشهد بالأداء رجلين أو رجلًا وامرأتين)؛ لثبوت الحق بكل منهما. قال: (وكذا رجل ليحلف معه في الأصح)؛ لأنه كاف في إثبات الأموال. والثاني: لا؛ لأنهما قد يترافعان إلى من لا يقضي بالشاهد واليمين فنسب في ذلك إلى تقصير. وصورة هذه المسألة: أن يموت الشاهد أو يغيب ويرفع الواقعة إلى حنفي لا يقضي بشاهد ويمين، أما لو حضر وشهد وحلف معه الضامن عند من يحكم به .. فإنه يرجع قطعًا، كذا نقله في (المطلب) عن جماعة.

فَإِنْ لَمْ يُشهِدْ .. فَلَا رُجُوعَ إِنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ، وَكَذَا إِنْ صَدَّقَهُ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرةِ الأَصِيلِ .. رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يكفي إشهاد من يعلم سفره عن قريب أو موته؛ لأنه لا يفضي إلى مقصود. ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين .. رجح الرافعي والمصنف الاكتفاء بذلك؛ لأنه لا اطلاع له على الباطن. قال الشيخ: وعندي أنه لابد أن يكونا معدلين على حاكم؛ ليكون معذورًا في خفاء باطن أمرهما، أما المستور الذي لم يعدله حاكم .. فلا يكفي، ولو كان هو يعرف عدالتهما وأنهما ممن يزكيان عند الحاجة .. أغنى ذلك عن كونهما معدلين عند الحاكم. وإن أشهد مستورين فعدلا .. رجع، وكذا إن أشهد من لا تقبل شهادته ثم صار مقبولًا. قال: (فإن لم يشهد .. فلا رجوع إن أدى في غيبة الأصيل وكذبه)؛ لأن الأصل عدم الأداء؛ وهو بترك الإشهاد مقصر. قال: (وكذا إن صدقه في الأصح)؛ لأنه لم يؤد ما ينتفع به الأصيل، لأن طلب الحق مستمر. والثاني: يرجع؛ لاعترافه ببراءة ذمته. ومحل الوجهين: إذا لم يأمره الأصيل بالإشهاد، فإن أمره به فلم يفعل .. لم يرجع جزمًا، وإن أذن له في تركه .. رجع، قالهما في (البحر). قال: (فإن صدقه المضمون له أو أدى بحضرة الأصيل .. رجع على المذهب). فيما إذا صدقه المضمون له وجهان: أصحهما: الرجوع؛ لسقوط طلب المستحق بإقراره الذي هو أقوى من البينة. والثاني: لا؛ لأن قول رب المال ليس حجة على الأصيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيما إذا أدى بحضرة الأصيل .. المنصوص: أنه يرجع؛ لأن التقصير في تلك الحالة منسوب إلى الأصيل حيث لم يحتط لنفسه بخلاف الغيبة. وقيل: لا يرجع، كما لو ترك الإشهاد مع الغيبة، والمسألتان ليس فيهما طرق إنما عبر في (الروضة) في الأولى بالأصح وفي الثانية بالصحيح. تتمة: قال: أشهدت فلانًا وفلانًا فكذباه .. فهو كما لو لم يشهد، بخلاف ما لو أقرت المرأة بالنكاح بحضرة شاهدين فكذباها، فإنه لا يقدح في إقرارها على وجه؛ لأنها قد أقرت بحق عليها فلم يلغ بإنكارهما، وهذا يريد أن يثبت له حقًا. * * * خاتمة ضمن عشرة فأدى خمسة وأبرئ عن الباقي لم يرجع إلا بما أدى، ويبرأ الضامن والأصيل عن الباقي، وهذه تقدمت في (الصلح). وإذا باع من رجلين وشرط أن يكون كل منهما ضامنًا عن صاحبه .. بطل البيع؛ لأنه شرط على المشتري التزام غير الثمن. وعن القديم: لو كاتب عبدين وشرط أن كلًّا منهما ضامن لصاحبه .. جاز، فيحتمل أن يطرد في البيع، والمشهور: القطع بالبطلان. قال الشيخ: وقد رأيت ابن الرفعة في حسبته يمنع أهل الأسواق من البيع مسلمًا، ومعناه: التزام المشتري بما يلزم البائع من الدلالة وغيرها، ولعله أخذه من هذه المسألة. * * *

فهرس الكتاب كتاب البيع ... 7 باب الربا ... 57 باب في البيوع المنهيّ عنها ... 77 فصل: فيما نهي عنه من البيوع ... 90 فصل: في تفريق الصفقة وتعددها 100 باب الخيار 109 فصل: في خيار الشرط 116 فصل: في خيار النقيصة 122 فرع: اشترى عبدين معيبين صفقة ردهما 142 فصل: في التغرير الفعلي ... 147 باب في حكم المبيع قبل قبضه وبعده ... 152 فرع: للمشتري قبض المبيع استقبالًا ... 166 فرع: قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري في الثمن مثله ... 168 باب التولية وَالإشراك وَالمرابحة ... 174 باب في بيان بيع الأصول وَالثمار وغيرهما ... 184 فرع: باع شجرة رطبة دخل عروقها وورقها ... 196 فصل: في بيان بيع الثمر والزرع ... 204 باب اختلاف المتبايعين ... 218 باب في معاملة الرقيق ... 227 كتاب السلم ... 237 فصل: في بقية الشروط ... 249 فرع: يصح السلم في الحيوان 260 فصل: في أداء غير المسلم فيه عنه 274 فصل: في القرض 277 كتاب الرهن 293 فصل: في شروط المرهون به 303 فصل: فيما يترتب على لزوم الرهن 319 فصل: في الجناية من المرهون 336 فصل: في الاختلاف في الرهن 340

فصل: في تعلق الدين بالتركة 346 كتاب التفليس 353 فصل: فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس 365 فصل: في رجوع المعامل للمفلس 381 باب الحجر 396 فصل: فيمن يلي الصبي وكيفية تصرفه في ماله 421 باب الصلح 432 فصل: في التزاحم على الحقوق المشتركة 443 باب الحوالة 468 باب الضمان 481 فصل: في كفالة البدن 495 فصل: في بيان الصيغة 503 فهرس الكتاب 515 * * *

كتاب الشركة

كِتَابُ الشِّرْكَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الشركة أفصح لغاتها: كسر الشين وإسكان الراء. والثانية: فتح الشين وكسر الراء. والثالثة: فتح الشين وسكون الراء. وهي في اللغة: الاختلاط والامتزاج. وفي الشرع: ثبوت الحق في الشيء الواحد لاثنين فصاعدًا على جهة الشيوع. ومقصود الباب الشركة التي تحدث بالاختيار لقصد التصرف وتحصيل الأرباح، وليست عقدًا مستقلًا، بل هي في الحقيقة وكالة وتوكيل. والأصل فيها: قوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} وبالضرورة كانوا مشتركين إما في عينها ملكًا، أو في منفعتها إجارة أو إعارة. وقوله تعالى: {وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تبارك وتعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه .. خرجت من بينهما) أي: تنزع البركة من مالهما. رواه أبو داوود [3376] والحاكم [2/ 52] وقال: صحيح الإسناد. وروى البخاري [2498] وأحمد [3/ 425]: أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما كانا شريكين، وكان السائب بن أبي السائب رضي الله عنه- فيما قيل- شريكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وافتخر بعد البعثة بشركته فقال: (كان عليه الصلاة والسلام شريكي، نعم شريك لا يداري ولا يماري ولا يشاري).

هِيَ أَنْوَاعٌ: شِرْكَةُ الأَبْدَانِ كَشِرْكَةِ الْحَمَّالِينَ وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ؛ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوِ اخْتِلاَفِهَا. وَشِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المشاراة): الملاحاة واللجاج في الأمر، وأجمعت الأمة على جوازها. قال: (هي أنواع) أي: أربعة، وهذا التقسيم لمطلق الشركة لا للشركة الصحيحة. قال: (شركة الأبدان كشركة الحمالين وسائر المحترفين؛ ليكون بينهما كسبهما متساويًا أو متفاوتًا، مع اتفاق الصنعة أو اختلافها) كخياط ونجار وهي باطلة؛ لأنها نوع من القمار، ولأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده، كما لو اشتركا في الاصطياد والاحتطاب .. فإن الأئمة اتفقوا على امتناع ذلك، وجوزها أبو حنيفة مطلقًا، وحكاه صاحب (التقريب) وجهًا شاذًا. وقال مالك: تجوز بشرط اتحاد الصنعة. وعن أحمد روايتان كالمذهبين. واحتج المجوزون بما روى أبو داوود [3381] عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، فجاء سعيد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء). وجوابه: أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، وفي معناه إشكال؛ لأن الغنيمة للغانمين وهم في بدر كلهم سواء، وإن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم .. فهو يعطيها لمن شاء، فلا دليل على صحتها، وإذا فعلا ذلك واكتسبا، فإن انفردا .. فلكل كسبه، وإلا .. فيقسم الحاصل على قدر أجرة المثل. قال: (وشركة المفاوضة؛ ليكون بينهما كسبهما) أي: بالبدن (وعليهما ما يعرض من غرم) فهي باطلة أيضًا خلافًا لأبي حنيفة. لنا: أنها مشتملة على أنواع من الغرر، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعرف شيئًا في الدنيا يكون باطلًا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلًا ولا أعلم القمار إلا هذا.

وَشِرْكَةُ الْوُجُوهِ؛ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلٌ مِنْهُمَا بِمُؤَجِّلٍ لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا .. كَانَ الْفَاضِلُ عَنِ الأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وقوله: (باطلًا) بغير هاء صحيح؛ لأن الباطل مصدر وما رأيت الشافعي رضي الله عنه يستعمله إلا هكذا. وسميت مفاوضة من قولهم: تفاوضا في الحديث إذا شرعا فيه جميعًا. وقيل: من قولهم: قوم فوضى، أي: مستوون. وإذا فعلا ذلك .. أخذ كل منهما ربح ماله وأجرة عمله وضمن ما يختص به، وإذا استعملا لفظ المفاوضة وأرادا شركة العنان .. فالمنصوص الجواز، وهو يقوي صحة العقود بالكنايات. قال: (وشركة الوجوه؛ بأن يشترك الوجيهان ليبتاع كل منهما بمؤجل لهما، فإذا باعا .. كان الفاضل عن الأثمان بينهما) وعبر في (الروضة) بـ (يشتري) بدل (يشترك) وهو سبق قلم. و (الوجيه): الذي له وجاهة، وكذلك الحكم لو كان لأحدهما وجاهة فيقول لمن لا وجاهة له: أنا آخذ المال بجاهي وأنت تتصرف فيه والربح بيننا .. فهي باطلة؛

وَهَذِهِ الأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ .. وَشِرْكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا: لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى: اشْتَرَكْنَا .. لَمْ يَكْفِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها شركة في غير مال، فبطلت كالشركة في الاحتطاب والاصطياد، ولأن ما اشتراه كل منهما ملك له وخسرانه عليه. قال: (وهذه الأنواع باطلة)؛ لما تقدم. قال: (وشركة العنان صحيحة) بالإجماع، وهي بالكسر العين مأخوذة من عنان فرسي الرهان؛ لأن الفارسين إذا استبقا تساوى عنان فرسيهما، فاستواؤهما كاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المالين. وقيل: من عن الأمر إذا ظهر؛ لأن جوازها ظاهر. قال: (ويشترط فيها: لفظ يدل على الإذن في التصرف)؛ لأن المال مشترك، وكل يتصرف في ماله ومال الآخر فاشترط الإذن منهما. وفي (الشرح) و (الروضة): لابد من لفظ يدل على الإذن في التجارة، وعبارة الكتاب قاصرة عن ذلك. وعن ابن سريج: إذا خلطا المالين بقصد الشركة أو ابتاعا شيئًا على قصدها .. كان كافيًا في التصرف، وبه أجاب صاحب (الإفصاح)، وهو مخرج على انعقاد البيع بالمعاطاة. قال: (فلو اقتصر على: اشتركا .. لم يكف في الأصح)؛ لأنه يحتمل أن يكون إخبارًا عن حصول الشركة، ولا يلزم من حصولها جواز التصرف، كما في الشركة بالإرث وغيره. والثاني: يكفي؛ لأنه يفهم منه الإذن عرفًا، ولو اقتصرا على الإذن ولم يقولا: اشتركنا .. كفى في الأصح كالقراض.

وَفِيهِمَا: أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتحقيق: أنهما إذا قالا: اشتركنا ونويا الإذن في التصرف .. صح، وإنما الوجهان عند تجرد اللفظ عن الإرادة. وإشارة الأخرس قائمة مقام لفظه كما تقدم، فهي وما قبلها واردان على المصنف. ثم على الصحيح: إذا أذن كل منهما للآخر .. فذاك، وإن أذن أحدهما فقط .. تصرف المأذون له في الجميع، ولم يتصرف الآخر إلا في نصيبه. وإذا عين جنسًا .. لم يتصرف المأذون له في غيره، سواء كان مما يعم وجوده أم لا، بخلاف القراض. قال: (وفيهما: أهلية التوكيل والتوكل)؛ لأن كلاً منهما وكيل عن صاحبه وموكل له، هذا إذا أذن كل منهما للآخر في التصرف، فإن كان التصرف من أحدهما فقط .. اشترط فيه أهلية التوكل، وفي الإذن أهلية التوكيل، حتى يصح أن يكون الثاني أعمى دون الأول. ودخل في إطلاق المصنف مسألتان لم يصرح بهما الرافعي. إحداهما: المكاتب، قال في (المطلب): وينبغي أن لا يصح ذلك منه إن كان هو المأذون له؛ لما فيه من التبرع بعمله، ويصح إن كان هو الآذن. الثانية: عقد الشركة على مال المحجور عليه. قال: وقد يقال بمنعها؛ لاستلزامها خلط ماله قبل العقد بلا مصلحة، بل قد يؤثر نقصًا. اهـ وإذا جوزناها .. فلابد أن يكون شريكه عدلًا يجوز إيداع المال عنده.

وَتَصحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ الْمُتَقَوِّمِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ. وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لاَ يَتَمَيَّزَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: تكره مشاركة الذمي، سواء كان هو المتصرف أو المسلم، كما يكره أكل طعامهم. وقال الحسن البصري: إن كان المسلم متصرفًا .. لم يكره، وإلا .. كره، وكذلك تكره مشاركة من لا يحترز من الربا والمعاملات الفاسدة. قال: (وتصح في كل مثلي) أما في النقدين الخالصين .. فبالإجماع، وفي المغشوش وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): الجواز. وأما غير النقدين كالقمح والحديد ونحوهما .. فلأنه إذا اختلط بجنسه .. ارتفع عنه التمييز فأشبه النقدين. وعلى هذا: لا يشترط التساوي في القيمة على الصحيح، فإن اختلفت كما إذا كان إردب هذا يساوي عشرة وإردب هذا يساوي خمسة .. فهما شريكان مثالثة، كذا قاله العراقيون والبغوي. كل هذا إذا أنشأ العقد على عروض متميزة لكل واحد منهما، فلو عقداها على عروض مشتركة بإرث أو ابتياع أو غيرهما .. فتصح، سواء كانت مثلية أو متقومة. قال: (دون المتقوم)؛ لأنه لا يتحقق الخلط فيه، وجوزها أبو الحسن الجوري في جميع العروض إذا استوت قيمتها، سواء كانت من جنس أو أجناس، وهو مذهب مالك. قال: (وقيل: يختص بالنقد المضروب) أي: الخالص؛ لأنه موضوع للتصرف في ملك الغير طلبًا للربح فاختص بالنقد قياسًا على القراض. وخرج بقوله: (المضروب) التبر والسبائك والحلي فلا تصح الشركة فيها. قال: (ويشترط خلط المالين بحيث لا يتميزان)؛ ليتحقق معنى الشركة، وهذا

وَلاَ يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ اخْتِلاَفِ جِنْسٍ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ، هَذَا إِذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ أو شِرَاءٍ أوَ غَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ .. تَمَّتِ الشِّرْكَةُ. وَالْحِيلَةُ فِي الشِّرْكَةِ فِي الْعُرُوضِ: أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الآخَرِ وَيَاذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ شرط في صحة العقد فيعتبر تقدمه على قولهما: اشتركنا وعلى الإذن، فإن وقع في المجلس .. فالأصح أنه لا يكفي، وإن تأخر على المجلس .. لم يجز على الوجهين، ومال الإمام إلى تجويزه؛ لأن الشركة توكيل وتوكل. قال: (ولا يكفي الخلط مع اختلاف جنس) كدراهم ودنانير (أو صفة كصحاح ومكسرة)؛ لأن التمييز حاصل، وكذا الدراهم المثقوبة أو الجديدة أو السود بغيرها، وكذلك الحنطة الحمراء بالبيضاء وما أشبه ذلك. قال: (هذا إذا أخرجا مالين وعقدا، فإن ملكا مشتركًا بإرث أو شراء أو غيرهما وأذن كل للآخر في التجارة فيه .. تمت الشركة)؛ لحصول الغرض بذلك على وجه أكمل. قال: (والحيلة في الشركة في العروض) أي: باقيها؛ لأن المثليات عروض. قال: (أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر ويأذن له في التصرف) هذه الحيلة ذكرها المزني واتفق عليها الأصحاب، والمراد حصول الإذن بعد التقابض وغيره مما شرط في البيع، فكان الصواب أن يقول: (ثم يأذن) كما في (التنبيه)؛ لأن شرطه أن يتأخر عن الملك. لكن قول المصنف وغيره: (بعض عرضه) أحسن من قول (المحرر) و (الروضة): نصف عرضه بنصف عرض الآخر؛ فإنه يجوز أن يبيع ربع عرضه بثلاثة أرباع عرض الآخر فيصير مشتركًا بينهما كذلك، غير أن لفظة (كل) في كلام المصنف لا حاجة إليها. ثم إذا باع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر .. لا يشترط علمهما بقيمة

وَلاَ يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْعِلمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ العرضين على الأصح في زوائد (الروضة). وكان الأحسن أن يقول: (ومن الحيلة كذا)؛ فإن منهما أن يبيع بعض عرضه لصاحبه بثمن في ذمته ثم يتقاصا، أو يأذنا في التقاص على الأظهر. ومنها أن يشتريا السلعة بثمن واحد، ثم يدفع كل عرضه مما يخصه من الثمن، ولو كان المالان عرضًا ودراهم .. باع نصف العرض بنصف الدراهم. قال: (ولا يشترط تساوي قدر المالين)؛ لأنه لا محذور فيه، إذ الربح والخسران على قدرهما، وخالف فيه الأنماطي فشرط التساوي محتجًا بأن الربح يحصل بالمال والعمل، فكما لا يجوز الاختلاف في الربح مع التساوي في المال لا يجوز الاختلاف في المال مع التساوي في العمل، ورد الأصحاب عليه بأن المال في الشركة أصل والعمل تبع؛ ولهذا يجوز مجهولاً. قال: (والأصح: أنه لا يشترط العلم بقدرهما عند العقد) أي: العلم بمقدار النسبتين في المال المختلط بينهما من كونه مثلاً مناصفة أو مثالثة إذا أمكن معرفتهما بعد ذلك بمراجعة حساب أو وكيل؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما. مثاله: أن يضع أحدهما دراهم في كفة الميزان، ويضع آخر مثلها بإزائها، ويشتركا ويتجرا من غير أن يعلما وزنها، فإنه يصح؛ لأنه لا محذور فيه كما صرح به الماوردي وغيره؛ لتراضيهما بذلك. والوجه الثاني- ورأى ابن الرفعة القطع به-: أن ذلك يشترط، وإلا .. أدى إلى جهل كل منهما بما أذن فيه وبما أذن له فيه. وأشار بقوله: (عند العقد) إلى أن شرط المسألة أن تمكن معرفتها بعد العقد وهو كذلك، فإن لم يكن كذلك .. بطل. فلو كان لهما ثوبان فاشتبها .. لم يكف ذلك لعقد الشركة، فإن المالين متميزان لكن عرض لهما الاشتباه.

وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلاَ ضَرَرٍ، فَلاَ يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلاَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلاَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلاَ يُسَافِرُ بِهِ وَلاَ يُبْضِعُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْعَزِلاَنِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويتسلط كل منهما على التصرف بلا ضرر؛ فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا بغبن فاحش)؛ لأن الشركة في الحقيقة توكيل وتوكل، فإن خالف .. لم يصح تصرفه في نصيب شريكه، وفي نصيب نفسه قول تفريق الصفقة. وأغرب الشيخ كمال الدين بن يونس فجوز البيع بغير نقد البلد كما في (القراض). فرع: قال أحدهما لصاحبه: بع بما ترى .. وجب مراعاة النظر، ولو قال: بما شئت .. كان له أن يبيع بالمحاباة قاله الروياني، وفرق بأن قوله: بما ترى تفويض إلى الرأي، والرأي: الاجتهاد، بخلاف قوله: بما شئت، وهذا يأتي في الوكيل أيضًا. قال: (ولا يسافر به ولا يبضعه بغير إذن) الإبضاع: أن يدفعه إلى من يعمل فيه متبرعًا؛ لما في السفر والإبضاع من الخطر، ولأنه لم يرض بغير يده، وكذلك لا يشارك فيه، هذا فيما إذا اشتركا في الحضر، فإن عقدا وهما مسافران .. فالظاهر أن له السفر إلى مقصده من غير إذن، وكذا لو كانا من أهل النجعة. وأما ركوب البحر الملح .. فلا يستفيده بمجرد الإذن في السفر بل لابد من التنصيص عليه. قال: (ولكل فسخه متى شاء)؛ لأنه من العقود الجائزة، لأنه توكيل وتوكل كما تقدم. قال: (وينعزلان عن التصرف بفسخهما)؛ لأن العقد قد زال، ومراد المصنف

فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَزَلْتُكَ، أَوْ لاَ تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي .. لَمْ يَنْعَزِلِ الْعَازِلُ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونهِ وَإِغْمَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أحدهما إذا قال: فسخت الشركة .. انعزلا وارتفع عقدهما، ولا خلاف أن لكل منهما بعد الانعزال أن يتصرف في نصيب نفسه. وقال ابن الرفعة: لا يجوز، وزعم أن نص الشافعي رضي الله عنه شاهد له، وأن كلام الأصحاب مشكل، ورد الشيخ عليه ذلك وصوب كلام الأصحاب. قال: (فلو قال أحدهما: عزلتك، أو لا تتصرف في نصيبي .. لم ينعزل العازل) بل يختص العزل بالمخاطب فقط؛ لأن المتكلم لم يمنعه أحد بخلاف المخاطب. قال: (وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وإغمائه) كالوكالة، وكذا بطروء الحجر بالسفه كما قاله في (الكفاية). ومحل الفسخ بالإغماء: إذا طال زمنه بحيث أسقط عنه فرض صلاة واحدة بمرور وقتها، فلو أغمي عليه أقل من ذلك .. لم يضره، قاله في (البحر)، ثم إن شاء الوارث .. قاسم الشريك أو أبقاه على الشركة بأن يجدد له إذنًا في التصرف كما تقدم، ولا فرق بين أن يكون المال عرضًا أو نقدًا. وصورة المسألة: أن لا يكون على الميت دين ولا هناك وصية، فإن كان عليه دين .. لم يكن له إبقاء الشركة إلا إا قضى الدين من موضع آخر. وإن كان هناك وصية، فإن كانت لمعين كما إذا أوصى لزيد بالثلث .. تخير بين الأمرين كالوارث إن كان رشيدًا، وإن كان محجوراً عليه .. تخير وليه، وإن كانت لغير معين كالفقراء .. لم تجز إنشاء عقد الشركة إلا بعد إخراج الوصية، فإذا أخرجها .. صار المال ناقصًا، وفي الشركة في المال المتفاضل وجه الأنماطي. فرع: انفسخت الشركة وفي مال الشركة ديون، فاتفقا على أن يكون لكل منهما على

وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا، فَإِنْ شَرَطَا خِلاَفَهُ .. فَسَدَ الْعَقْدُ، فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَالْخُسْرَان وَالتَّلَفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الغرماء حصة .. لم تصح؛ لأنه بيع دين بدين، قاله في (الإستقصاء). قال: (والربح والخسران على قدر المالين، تساويا في العمل أو تفاوتا)؛ عملًا بقضية الشركة. قال: (فإن شرطا خلافه .. فسد العقد)؛ لأنه مخالف لموضوع الشركة وقيل: يبطل الشرط دون العقد، وقيل: إن اختص أحدهما بمزيد عمل وشرط له مزيد ربح .. صح العقد. قال: (فيرجع كل على الآخر بأجرة عمله في ماله) أي: في مال الآخر، كما في القراض إذا فسد. وقيل: إن الشركة إذا فسدت لا يرجع أحدهما على الآخر؛ لأن الفاسد كالصحيح في وجوب الضمان وعدمه، والشركة الصحيحة لا يرجع فيها بأجرة العمل، فكذا إن كانت فاسدة، وبهذا أفتى القفال. قال: (وتنفذ التصرفات)؛ لأن الإذن موجود، وادعى الإمام وغيره اتفاق الأصحاب عليه، لكن حكى الماوردي وجهًا: أنها لا تنفذ، وحكى الروياني وجهًا: أن الشرط يبطل دون عقد الشركة، ولأجل نفاذ التصرف منع بعض الأصحاب إطلاق لفظ الفساد عليها. قال: (والربح على قدر المالين)؛ لأنه ثمرتهما، كما لو كان بينهما نخل فأثمرت. قال: (ويد الشريك يد أمانة، فيقبل قوله في الرد والخسران والتلف)؛ قياسًا على المودع والوكيل إذا أطلق أو أسنده إلى سبب خفي.

فَإِنِ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ يُصّدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ: هُوَ لِي، وَقَالَ الآخَرُ: مُشْتَرَكٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ .. صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَوْ قَالَ: اقْتَسَمْنَا وَصَارَ لِي .. صُدِّقَ الْمُنْكِرُ، وَلَوِ اشْتَرَى وقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِلشِّرْكَةِ أَوْ لِنَفْسِي، وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. صُدِّقَ الْمُشْتَرِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن ادعاه) أي: التلف (بسبب ظاهر .. طولب ببينة بالسبب، ثم يصدق في التلف به) كالمودع، والمصنف ذكر المسألة هناك. قال: (ولو قال من في يده المال: هو لي، وقال الآخر: مشترك، أو بالعكس .. صدق صاحب اليد)؛ لدلالتها على الملك. قال: (ولو قال: اقتسمنا وصار لي .. صدق المنكر) عملًا بالأصل. قال: (ولو اشترى وقال: اشتريته للشركة أو لنفسي، وكذبه الآخر .. صدق المشتري)؛ لأنه أعرف بقصده وسواء ادعى أنه صرح بالشراء للشركة أو نواه، والأول يقع عند الخسران، والثاني عند الربح غالباً. تتمة: قال في (البويطي): لواحد بغل ولآخر رواية، فتشاركا مع ثالث ليستقي والحاصل بينهم .. فهو فاسد، ثم إن كان الماء مملوكًا للمستقي أو مباحًا وقصد به نفسه .. فهو له وعليه أجرة مثل البغل والرواية، وإن قصد الشركة .. فعلى الخلاف في النيابة في تملك المباحات، فإن جوزناه وهو الأصح .. فقيل: يقسم بينهم على نسبة أجور أمثالهم، والصحيح: أنه يقسم بينهم بالسوية. فعلى هذا للمستقي أن يطالب كلًا من صاحبيه بثلث أجرته، ويرجع كل من صاحبيه بثلثي أجرة ماله على صاحب وعلى المستقي، فإن استوت .. جرى التقاص، وإلا .. رجع بالتفاوت. ولو كان لواحد بيت رحى ولآخر حجر ولآخر بغل والرابع يعمل على أن الحاصل من أجرة الطحن بنيهم .. فهو فاسد أيضًا، فإن اتفق طحن .. قسم الحاصل على أجرة أمثال ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان لواحد بذر ولآخر أرض فاشتركا مع ثالث ليزرع .. فالزرع لصاحب البذر، وعليه لصاحبيه أجرة المثل. قال المتولي: فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل من الغلة شيء .. فلا شيء لهم، قال الرافعي ولا يخفى عدول كلامه عن القياس، وصوب المصنف وابن الرفعة والشيخ كالم المتولي؛ لأن منافعهم تلفت تحت أيديهم، وإنما ضمناه إذا حصل له نفع بالزرع؛ لدخول منفعتهم بواسطة ما في يده. * * * خاتمة قال: سمن هذه الشاة ولك نصفها، أو هاتين على أن لك إحداهما .. لم يصح، واستحق أجرة المثل للنصف الذي سمنه للمالك، كذا أفتى به القاضي حسين، وأنهما لو اشتركا في دود القز على أن من أحدهما الورق ومن الآخر التعهد .. فالفيلج لصاحب البزر وعليه قيمة الورق وأجرة عمله. * * *

كتاب الوكالة

كِتَابُ الْوَكَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الوكالة هي بفتح الواو وكسرها .. التفويض، يقال: وكل أمره إلى فلان، أي: فوضه إليه واكتفى به، ومنه: {توكلت على الله} ويقع على الحفظ أيضًا، ومنه: {ونعم الوكيل} أي: الحافظ. وهي في الشرع: إقامة الوكيل مقام الموكل في العمل المأذون فيه. والأصل فيها: قوله تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} وقوله: {اذهبوا بقميصي هذا}. ومن السنة: ما ثبت في (الصحيحين) [خ2303 - م1593] من إرسال السعاة لقبض الصدقات، وحديث عروة رضي الله عنه المتقدم في (بيع الفضولي). وفي (أبي داوود) [3632]: عن جابر رضي الله عنه أنه قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه وأخبرته بذلك فقال: (إذا أتيت وكيلي .. فخذ منه خمسة عشر وسقًا، فإن ابتغى منك آية .. فضع يدك على ترقوته). وذكر الفقهاء أن النبي صلى الله عليه وسلم: (وكل عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه في نكاح أم حبيبة رضي الله عنها) والذي ذكره أهل السير: (أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى النجاشي فزوجه أم حبيبة رضي الله عنها وأصدقها أربع مئة دينار، والذي أنكحها خالد بن سعيد بن العاصي رضي الله عنه وهو عم أبيها، وكان أبوها كافرًا ولا ولاية له مع غيبته) وهذا الكلام يحتمل أن يكون الوكيل فيه عمرًا وأن يكون النجاشي.

شَرْطُ الْمُوَكِّلِ: صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ فِيهِ بِمِلْكٍ أَوْ وِلاَيَةٍ، فَلاَ يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلاَ مَجْنُونٍ، وَلاَ الْمَرْأَةِ وَالْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وانعقد الإجماع على جوازها، والقياس يقتضيه أيضًا؛ فإن الشخص قد يعجز عن القيام بمصالحه كلها، بل قال القاضي حسين وغيره: إنها مندوب إليها؛ لقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}. قال: (شرط الموكل: صحة مباشرته ما وكل فيه) هو بفتح الواو؛ لأن التصرف الخاص بالإنسان أقوى من تصرفه عن غيره، فإذا لم يقدر على الأقوى .. فعلى الأضعف أولى. قال: (بملك أو ولاية، فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون)؛ لما تقدم، وينبغي أن يأتي في توكيل الصبي في التدبير والوصية الخلاف في صحتهما منه، والمغمى عليه كالمجنون، وكذا الفاسق في تزويج ابنته إذا قلنا: لا يلي. قال: (ولا المرأة والمحرم في النكاح)؛ لأنهما لا مدخل لهما في ذلك. والمراد: أن المرأة لا توكل أجنبيًا في تزويجها، فأما إذا أذنت للولي بلفظ التوكيل .. فإنه يصح كما سيأتي في موضعه، كذا قاله شيخنا وهو عجيب؛ لأن إذنها لوليها بلفظ التوكيل ليس مما نحن فيه أصلًا. وإطلاق المصنف المحرم محمول على ما إذا وكل ليعقد عنه في حال الإحرام، أما إذا قال: ليزوج بعد التحلل. فقال الرافعي في (كتاب النكاح) يصح؛ لأن الإحرام يمنع الانعقاد دون الإذن، واختار الشيخ أن المحرم لا يصح توكيله في النكاح، سواء قيد بما بعد التحلل أم لا فعلى هذا يبقى كلام المصنف على إطلاقه. ولو وكل حلال محرمًا ليوكل حلالًا في التزويج .. فالأصح عند الرافعي: الجواز، وعند الشيخ: المنع. و (المحرم) بضم الميم من تلبس بالإحرام بنسك، أما المحرم بفتح الميم فيجوز توكيله كما سيأتي في (كتاب النكاح).

وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوِليِّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ، وَيُسْتَثْنَى تَوْكِيلُ الأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .. فَيَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويصح توكيل الولي في حق الطفل) في النكاح وغيره؛ لولايته عليه. والمراد بـ (الولي) الأب والجد وكذا الوصي في الأصح. وتقييده بـ (الطفل) تبع فيه (المحرر)، وفي (الشرح) لم يقيده بذلك وهو الصواب؛ لأن كل محجور عليه كذلك من سفيه أو مجنون أو صبي، ثم الولي بالخيار إن شاء وكل عن نفسه وإن شاء وكل عن موليه. ويصح توكيل السفيه والمفلس والعبد فيما يستقلون به من التصرفات، ولا يصح فيما لا يستقلون به إلا بعد إذن الولي والغريم والسيد. قال: (ويستثنى توكيل الأعمى في البيع والشراء .. فيصح) وإن لم يقدر على مباشرته؛ للضرورة، وكذلك في القبض وفيه سر لطيف وهو: أن الأعمى مالك رشيد فالمقتضي لصحة تصرفه موجود، وقارنه مانع لا لخلل فيه ولكن يرجع إلى المبيع لعدم رؤيته، فإذا وكل قام وكيله مقامه في الرؤية. والتقييد بـ (البيع والشراء) مضر، فسائر العقود التي تفتقر إلى الرؤية كالإجارة والمساقاة والأخذ بالشفعة ونحوها يصح توكيله فيها أيضًا. ولم يستثن المصنف سوى هذه المسألة مع أنه يستثنى مسائل طردًا وعكسًا، فمن طرده: الولي غير المجبر إذا نهته عن التوكيل .. لا يوكل كما سيأتي، والظافر بحقه لا يوكل في كسر الباب وأخذ حقه كما صرح به جماعة، ومن العكس الأعمى كما تقرر. والمحرم ليس له أن يزوج وله أن يوكل فيه، وكذا إذا وكل الولي امرأة أن توكل رجلًا عن الولي، خلافًا للمزني. وإذا وكل المشتري البائع أو المسلم المسلم إليه أن يوكل من يقبض منه .. صح مع أنه لا يباشر القبض من نفسه، وكذلك إذا علق الطلاق بسبق الثلاث وقلنا

وَشَرْطُ الْوَكِيلِ: صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بانسداده .. فإنه يوكل فيه؛ لأن الطلاق مملوك له، وإنما امتنع وقوعه منه لأمر خارج فهو كالأعمى في البيع. قال الرافعي: سمعت بعضهم في المباحثة يقول: ينبغي أن لا يقع طلاق الوكيل. ويستثنى استيفاء القصاص في الأطراف؛ فإنه لا يباشره المستحق على الأصح بل يوكل فيه، وكذلك استيفاء حد القذف على الأصح، وإذا قال: كلما عزلتك فأنت وكيلي .. فإنه لا يقدر على عزله، ويصح منه التوكيل فيه. قال: (وشرط الوكيل: صحة مباشرته التصرف لنفسه)؛ لأن تصرف الشخص لنفسه أقوى من تصرفه لغيره، فإذا لم يقدر على الأقوى .. لا يقدر على الأضعف، فكأنه قال: من صحت مباشرته .. صحت وكالته، ومن لا .. فلا. ويرده على طرده: ما لو وكل الولي فاسقًا في بيع مال الطفل؛ فإنه لا يجوز، وعلى عكسه مسائل تأتي عقب مسألة العبد الآتية. ويصح توكيل المرتد وإن لم يصح تصرفه في ماله. ولا يجوز للمسلم أن يوكل كافرًا في استيفاء قود أو حد من مسلم، ولا للإمام نصبه لإقامة الحدود على المسلمين. وقال الماوردي والروياني: لا يجوز للزوجة أن تتوكل عن غير زوجها إلا بإذنه، وكأنهما أرادا الحرة أما الأمة إذا أذن لها سيدها .. فلا اعتراض للزوج. فرع: يشترط في الوكيل أن يكون معينًا، فلو قال: أذنت لكل من أراد بيع داري أن يبيعها .. لم يصح، أو قال لرجلين: أيكما أراد بيع داري فجائز. . لم يجز لأحدهما

لاَ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يبيعها، ولو قال: وكلت زيدًا وهو لا يدري من زيد .. لم يصح. فلو أذنت من لا ولي لها لكل عاقد في البلد في تزويجها .. أفتى الشيخ بصحة إذنها؛ إذ لا غرض لها في أعيان العقاد والقضاة. وقال ابن الصلاح: إن قام بإذنها قرينة تقتضي التعيين مثل أن تكون أذنت عن قرب له في تزويجها، أو كانت تعتقد أن لا عاقد في البلد سواه .. فإذنها يختص به ولا يعم، وإن لم يكن كذلك .. جاز لكل عاقد تزويجها. قال: (لا صبي ومجنون)؛ لسلب عبارتهما، ومثله المعتوه والمبرسم والنائم والمغمى عليه ومن شرب ما أزال عقله لحاجة. قال: وكذا المرأة والمحرم في النكاح) أي: إيجابًا وقبولًا؛ لما سبق، وكذا المرأة في الرجعة لا ترجع نفسها ولا غيرها؛ لأن الفرج لا يستباح بقولها، ولا يصح توكيلها في اختيار الزوجات إذا أسلم على أكثر من أربع أو طلق إحدى امرأتيه، وفي توكيلها باختيار المفارقات وجهان: أصحهما: المنع؛ لأنه يتضمن اختيار الباقيات للنكاح. وصورة المسألة: أن يعين لها من تختار منهن أو يفارقها، فإن أطلق .. لم يصح لا من الرجل ولا من المرأة. والخنثى إذا وكل في قبول النكاح أو الطلاق قال في (شرح المهذب): ينبغي أن يكون كالمرأة للشك في أهليته. وقال الماوردي والروياني: يمتنع على المرأة أن لا تتوكل إلا بإذن الزوج، ولعل هذا في أمر يحوج إلى الخروج.

لَكِنِ الصَّحِيحُ: اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ فِي الإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لكن الصحيح: اعتماد قول صبي) أي: المميز (في الإذن في دخول دار وإيصال هدية)؛ لأن السلف كانوا يعتمدونه في ذلك، فإن انضمت إليه قرائن يحصل العلم بصدقه في ذلك .. جاز الدخول والقبول قطعًا، وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بقوله: وإن لم ينضم، فإن كان غير مأمون القول .. لم يعتمد، وإلا .. فطريقان. أصحهما: القطع بالاعتماد. والثاني: على الوجهين في قبول روايته، فكلام المصنف محمول على ما إذا لم تكن قرينة ولا تهمة. قال الشيخ: والعبد الذي يقبل قوله في الهدية لو قال لشخص: سيدي أرسلني إليك .. مقتضى إطلاقهم قبول ذلك منه بالقرائن واستشكله وقال: ينبغي أن لا يقبل قوله في ذلك، ويجوز توكيل الصبي في دفع الزكاة في الأصح. وقال القفال في (الفتاوى): إذا اشترى طعامًا وبعث صبيًا ليستوفيه وكان الصبي يعقل ذلك .. حل، وكذلك في بابي (الهبة) و (السلم) إذا بعث صبيًا لقبضهما. ويقبل خبر الصبي أيضًا في كل ما طريقه المشاهدة دون الإخبار، فيقبل في رؤية النجاسة، ودلالة الأعمى على القبلة، وخلو الموضع عن الماء كما تقدم في (باب التيمم)، والإخبار بطلوع الفجر والشمس وغروبها، بخلاف ما طريقة الاجتهاد كالإفتاء والإخبار عما يتعلق بالطب ورواية الأخبار كما نقله في (شرح المهذب) عن الجمهور، وكذلك يقبل خبره بطلب صاحب وليمة الإنسان، قال الماوردي والروياني.

وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ وَمنْعُهُ فِي الإِيجَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: صحة توكيل عبد في قبول نكاح)؛ لأنه لا ضرر على السيد فيه. والثاني: يمتنع بغير إذن السيد، كما لا يقبله لنفسه بغير إذنه. والثالث: يمتنع مطلقًا؛ لأنه إنما جاز في حق نفسه للحاجة. فعلى الصحيح: تستثنى هذه الصورة من شرط صحة المباشرة لنفسه. وحيث جوزنا توكيل العبد استثنى منه الماوردي توكيله على الطفل أو مال اليتيم، فإنه لا يجوز؛ لأنه في معنى الولاية. ومما استثنوه أيضًا: السفيه لا يصح قبوله النكاح بغير إذن وليه، ويقبله لغيره بغير إذن وليه في الأصح. ومنها: الكافر لا يتزوج مسلمة ولا يكون وليًا في تزويجها، ويجوز أن يتوكل في تزويجها على الأصح. ومنها: الكافر لا يشتري المسلم، ويكون وكيلًا في شرائه لمسلم إن صرح بالسفارة، وكذا إن لم يصرح على الأصح. ومنها: المرأة لا تقدر على الطلاق وتكون وكيلة في تطليق غيرها على الأصح. وتوكيل شخص في قبول نكاح محرمة كتوكيل الأخ في قبول نكاح أخته، والموسر في قبول نكاح أمه لمعسر، وفي قبول نكاح أخت زوجته ومن تحته أربع نسوة. قال: (ومنعه في الإيجاب)؛ لأنه إذ لم يزوج بنت نفسه .. فأولى أن لا يزوج بنت غيره. والثاني- وهو الأصح عند الغزالي-: يصح لصحة عبارته في الجملة، وإنما لم يزوج ابنته؛ لأنه لا يتفرغ للنظر في أمرها، والمبعض أولى بالصحة فيما يصح توكيله، والسفيه كالعبد، قاله الرافعي.

وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ: أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ، فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ، وَطَلاَقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا .. بَطَلَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمكاتب يوكل غيره فيما يملكه، ويكون وكيلاً بجعل، وأما بغير جعل .. فكتبرعه. والمحجور عليه بفلس يتوكل فيما لا يلزم ذمته عهدة قطعًا، وفيما يلزمها أيضًا على الأصح، كما يصح شراؤه على الصحيح. قال: (وشرط الموكل فيه: أن يملكه الموكل، فلو وكل ببيع عبد سيملكه، وطلاق من سينكحها .. بطل في الأصح)؛ لأنه لا يملك مباشرته عند التوكيل. والثاني: يصح، ويكفي حصول الملك عند التصرف، وبه قال القفال والبغوي، والخلاف عائد إلى أن الاعتبار بحال التوكيل أو بحال التصرف، ويجريان في التوكيل بإعتاق من سيملكه، وقضاء دين سيلزمه، وبتزويج ابنته إذا انقضت عدتها، أو طلقها زوجها وما أشبه ذلك. فلو قال: وكلتك في مخاصمة كل خصم يتجدد لي .. فوجهان: ذهب البصريون إلى بطلانها والبغداديون إلى صحتها، ونقل ابن الصلاح عن الأصحاب الصحة فيما إذا وكل في بيع ثمرة قبل ظهورها. تنبيهان: أحدهما: موضع الخلاف إذا عين العبد أو المرأة بوصف أو أتى بلفظ عموم مثل: كل عبد أو امرأة، فلو أتى بنكرة صرفة .. لم يصح جزمًا كما أفتى به البغوي. الثاني: لو جعل المجهول تبعًا لمعلوم أو الغائب تبعًا لحاضر كبيع مملوك وما سيملكه .. ففيه احتمالان للرافعي، والمنقول عن أبي حامد وغيره الصحة، ولو وكله في حقوقه كلها ما وجب منها وما سيجب بعد ذلك .. جاز.

وَأَنْ يَكُونَ قَابِلاً لِلنِّيَابَةِ، فَلاَ يَصِحُّ فِي عِبَادَة إِلاَّ الْحَجَّ، وَتَفْرِقَةَ الزَّكَاةِ، وَذَبْحَ الْهَدَايَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستثنى القراض، فإنه يصح إذن المالك للعامل في بيع ما سيملكه من العروض؛ إذ لا تتم مصالح العقد إلا بذلك. وأفتى ابن الصلاح بأنه إذ وكله في المطالبة بحقوقه .. دخل فيها ما يتجدد. ومنها: إذا قال: وكلتك في بيع كذا وأن تشتري بثمنه كذا .. فالمشهور: صحة التوكيل. قال: (وأن يكون قابلًا للنيابة)؛ لأن التوكيل إنابة، فما لا يقبلها لا يقبل التوكيل. قال: (فلا يصح في عبادة)؛ لأن المقصود منها ابتلاء الشخص وامتحانه. قال: (إلا الحج) أي: عند العجز، وكذلك العمرة (وتفرقة الزكاة) والكفارات وصدقة التطوع (وذبح الهدايا) والعقيقة وشاة الوليمة، وصب الماء على أعضاء المتطهر، والتيمم عند العجز. ويستثنى: صوم الولي عن الميت كما تقدم، وركعتا الطواف إذا فعلهما الأجير؛ فإنهما تقعان عن المحجوج عنه، والوقف؛ فإنه قربة ويصح التوكيل فيه. واحترز بـ (العبادة) عن التوكيل في إزالة النجاسة، فإنه جائز؛ لأنها من باب التروك، ولذلك لا تشترط فيها النية على الأصح. وقال في (البحر): لا يجوز التوكيل في غسل الميت؛ لأنه من فروض الكفايات، فيقع عمن باشره.

وَلاَ فِي شَهَادَةٍ، وَإِيلاَءٍ، ولِعَانٍ، وَسَائِرِ الأَيْمَانِ، وَلاَ فِي ظِهَارٍ فِي الأَصَحِّ، وَيَصِحُّ فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَسَلَمٍ، وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلاَقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا في شهادة، وإيلاء، ولعان، وسائر الأيمان)؛ إلحاقًا لها بالعبادات؛ لما فيها من تعظيم الرب سبحانه وتعالى. ومراده بـ (سائر الأيمان) باقيها؛ لأن الإيلاء واللعان من الأيمان. وتعليق الطلاق والعتق: قالوا: لا يجوز التوكيل فيه؛ لأنه يمين يقصد به حث أو منع. قال الشيخ: وهذا التعليل يقتضي جواز التوكيل في التعليق الذي ليس كذلك كقوله: إن طلعت الشمس أو جاء الحاج ونحوه، قال: وهذا يعني أن يكون هو الصحيح، وهو وجه حكاه المتولي في (كتاب الطلاق). قال الرافعي: والتدبير وتعليق الطلاق والعتق في معنى الأيمان. قال: (ولا في ظهار في الأصح)؛ لأنه منكر من القول وزور، وفي الوكالة إعانة عليه. والثاني: يجوز تغليبًا لشائبة الطلاق، قال المتولي: وهو ظاهر المذهب، والأول مذهب المزني. وحقيقة الخلاف ترجع إلى أن المغلب في الظهار اليمين أو الطلاق، فإن صححناه .. فالأصح أنه يقول: موكلي يقول: أنت عليه كظهر أمه. قال: (ويصح في طرفي بيع، وهبة، وسلم، ورهن، ونكاح) أما النكاح .. فبالنص، والباقي مقيس عليه. قال: (وطلاق)؛ لأنه إذا جاز في العقد .. ففي قطعة أولى، هذا في الطلاق المنجز أما المعلق .. ففيه الأوجه الثلاثة المتقدمة.

وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَقَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وسائر العقود) أي: باقيها كالصرف والتولية والصلح والإبراء والحوالة والضمان والكفالة والشركة والمضاربة والإجارة والجعالة والمساقاة والإعارة والإيداع والأخذ بالشفعة والوصية وقبولها، وأبعد من قال: لا يجوز التوكيل في الوصية؛ لأنها قربة. وصيغة الضمان والوصية والحوالة: جعلت موكلي ضامنًا لك كذا، أو موصيًا لك بكذا، أو أحلتك بما لك على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان، ويجوز في الخلع والإعتاق والكتابة وعقد الذمة من الطرفين، وكذا في الرجعة في الأصح. قال: (والفسوخ)؛ لأنه إذا جاز في العقود .. ففي حلها أولى، وذلك كالإقالة والرد بالعيب والفسخ بخيار المجلس والشرط، لكن ما هو على الفور قد يكون في التوكيل فيه تأخير فيبطله، إلا أنه يستثنى من ذلك: التوكيل في فسخ نكاح الزائدات على العد الشرعي كما تقدم إذا قلنا: الفرع تحصيل بالاختيار. قال: (وقبض الديون وإقباضها)؛ لعموم الحاجة إلى ذلك، ومن جملة الديون: الجزية، وسيأتي حكم التوكيل فيها في بابها. واحترز بـ (الديون) عن الأعيان كالمغضوب والمسروق، فإنها وإن صح التوكيل في قبضها .. فلا يصح في إقباضها؛ إذ ليس له دفعها لغير مالكها، قاله الشيخ عز الدين. وأغرب من استثنى قبض عوض الصرف في غيبة الموكل؛ إذ لا دين بعد التفرق لبطلان العقد. فروع: يجوز توكيل أصناف الزكاة في قبضها لهم.

وَالدَّعْوَى وَالْجَوَابِ، وَكَذَا فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ كَالإِحْيَاءِ وَالاِصْطِيَادِ وَالاِحْتِطَابِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أن يوكل الضامن في إبراء المضمون، فإذا أبرأه .. برئا جميعًا، وأن يوكل المضمون، في إبراء الضامن ولا يبرأ به المضمون. وإذا وكل في صلح الحطيطة .. فهو كالتوكيل في الإبراء عن بعض الدين. قال: (والدعوى والجواب) سواء كان ذلك لعذر أو غيره، رضي بذلك خصمه أم لم يرض، وليس للخصم الامتناع من مخاصمة الوكيل، وسواء كان المطلوب مالًا أو عقوبة لآدمي. أما حدود الله تعالى .. فلا يجوز التوكيل في إثباها، وكذلك المعاصي كالقتل والسرقة لا مدخل للتوكيل فيها بل أحكامها تثبت في حق مرتكبها؛ لأن كل أحد بعينه مقصود من الامتناع منها قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة}. قال: (وكذا في تملك المباحات كالإحياء والاصطياد والاحتطاب في الأظهر) كسائر أسباب الملك، ولأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه، فجاز أن يوكل فيه كالابتياع والاتهاب. والثاني: لا؛ لأن وضع اليد وجد منه وهو سبب الملك فلا ينصرف بالنية إلى غيره، وإذا قلنا بالأظهر فاستأجر لذلك .. صح وله الأجرة، والذي حصله للمستأجر. أما التوكيل في الالتقاط والاغتنام .. فلا يجوز، فإن التقط أو غنم .. كان له دون الموكل على اضطراب فيه في (المهمات).

لاَ فِي إِقْرَارٍ فِي الأَصَحِّ، وَيَصِحُّ فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا في إقرار في الأصح)؛ لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة. والثاني: يصح كسائر أسباب الالتزام. فعلى هذا: لا يلزمه شيء قبل إقرار الوكيل، وإن قلنا بالأول .. ففي كونه مقرًا بنفس التوكيل وجهان في (الشرح الكبير) من غير تصحيح، المذكور منهما في (الحاوي الصغير): أنه لا يكون مقرًا، كما أن التوكيل بالإبراء لا يكون إبراء، وحيث جعلناه مقرًا بنفس التوكيل .. فللوكيل أن يشهد عليه إذا سمعه. وصورة التوكيل بالإقرار أن يقول: وكلتك لتقر عني بكذا، ويعين جنس المقر به وقدره، فإن قال: أقر عني لفلان بشيء، فأقر .. أخذ الموكل بتفسيره، ولو قال أقر عني لفلان بألف له علي .. كان إقرارًا بلا خلاف. وصورة إقرار الوكيل أن يقول: أقررت عن فلان بكذا، أو جعلت موكلي مقرًا، واختار الشيخ أن يقول: موكلي مقر بكذا. قال: (ويصح في استيفاء عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف)؛ قياسًا على سائر الحقوق، ولأنه قد لا يحسن الاستيفاء، بل يتعين ذلك في حد القذف وقطع الطرف، كما ذكره المصنف في (باب كيفية القصاص). وكلام المصنف يفهم المنع في حقوق الله تعالى، وهو جائز من الإمام والسيد في حد مملوكه في الحضور والغيبة لقوله صلى الله عليه وسلم: (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا ..) كذا استدل به الرافعي، وفيه نظر. أما التوكيل في إثباتها .. فقد تقدم أنه ممتنع إلا في صورة واحدة وهي دعوى القاذف على المقذوف أنه زنى؛ فإنها مسموعة ويصح التوكيل في إثباتها، قال في (الروضة): ولا يستثنى إلا هذه المسألة.

وَقِيلَ: لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ. وَلْيَكُنِ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ كُلَّ شَيْءٍ .. لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ: فِي بَيْعِ أَمْوَالِي وَعِتْقِ أَرِقَّائِي .. صَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: لا يجوز إلا بحضرة الموكل)؛ لاحتمال العفو في الغيبة وبه أفتى البغوي، وهو قول لا وجه، وكان ينبغي أن يقول: (وفي قول) والأظهر: الجواز مطلقاً، واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت ببينة؛ فإنه لا يمتنع الاستيفاء في غيبتهم، وسواء جوزنا أم لا، إذا استوفاه الوكيل وقع الموقع، كما لو وكله في البيع توكيلاً فاسدًا فباع .. صح البيع، وإن استوفاه بعد العفو جاهلاً بالعفو .. وجبت الدية في الأصح. قال: (وليكن الموكل فيه معلومًا من بعض الوجوه)؛ لئلا يعظم الغرر. قال: (ولا يشترط علمه من كل وجه)؛ لأنها جوزت الحاجة فسومح فيها. قال: (فلو قال: وكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، أو فوضت إليك كل شيء .. لم يصح)؛ لأنه غرر عظيم، وقال الشيخ نصر المقدسي: لو وكله في شراء ما شاء .. لم يصح؛ لأنه قد يعجز عنه لكثرته. ويجمع (قليل) على قليل كسرير وسرر وقليب وقلب. قال: (وإن قال: في بيع أموالي وعتق أرقائي .. صح)؛ لأن الغرر فيه أقل وهكذا استيفاء ديوني واسترداد ودائعي وقضاء ديوني، ولا يشترط أن تكون أمواله معلومة، ولا ديونه، ولا من هي عليه خلافًا للقاضي والبغوي ومجلي. ولو قال: بع بعض مالي أو طائفة منه أو سهمًا .. لم يصح؛ لجهالته، بخلاف ما لو قال: أبرئ فلانًا عن شيء من مالي فإنه يصح، ويبرئه عن قليل منه كما صرح به المتولي وغيره، فإن قال له: زوجتي امرأة ولم يعينها .. ففيه خلاف واختلاف تصحيح.

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ .. وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ، أَوْ دَارٍ .. وَجَبَ بَيَانُ الْمَحِلَّةِ وَالسَّكَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القاضي حسين إذا قال: طلق من نسائي من شئت .. لا يطلق الجميع في اصح الوجهين، ولو قال: طلق من نسائي من شاءت .. فله أن يطلق كل من اختارت الطلاق. وفرق بما ليس ببين وشبهه بقوله: أي عبيدي ضربك أو ضربته، وهي مسألة مشهورة عند الحنفية، ومذهبنا أنه لا فرق في ذلك. فرع: في (الروضة) قال أصحابنا: إذا قال: بع هذا العبد أو هذا .. لم يصح. قال الشيخ: هذا ظاهر إذا حمل على التردد في التوكيل كأنه قال: وكلتك إما في هذا وإما في هذا، أما إذا أراد بيع أحدهما .. فينبغي أن يصح على الصحيح، كما لو قال: بع من شئت منهما، ولا يبيع المجموع. قال: (وإن وكله في شراء عبد .. وجب بيان نوعه) كتركي أو هندي تقليلاً للغرر؛ فإن الأغراض تختلف بذلك، ولا يشترط استقصاء الأوصاف التي في السلم ولا ما يقرب منها بالاتفاق، وقيل: لا يجب. هذا إذا لم يقصد الشراء للتجارة، فإن قصدها .. لم يشترط بيان النوع ولا الجنس، فلو وكله في شراء عبد فاشترى من يعتق على الموكل .. صح ووقع عن الموكل على المذهب، وبه قطع الجمهور؛ لأن اللفظ شامل، بخلاف القراض؛ فإن مقصوده الربح فقط، ونقل الإمام وجهًا: أنه لا يقع للموكل، بل يبطل الشراء إن اشترى بعين المال، ويقع عن الوكيل إن كان في الذمة. قال: (أو دار .. وجب بيان المحلة والسكة)؛ لاختلاف الغرض بذلك. و (المحلة): الحارة، و (السكة) بكسر السين: الزقاق.

لاَ قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ مِنَ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ يَقْتَضِي رِضَاهُ؛ كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا، أَوْ فَوَّضْتُهُ إِلَيْكَ، أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْ أَوْ أَعْتِقْ .. حَصَلَ الإِذْنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفهم من (المحلة) البلد بالضرورة، ويعين في الحانوت السوق. قال: (لا قدر الثمن في الأصح) أي: في هذه المسألة والتي قبلها؛ لأن غرضه قد يتعلق بواحد ما من ذلك النوع نفسيًا كان أو خسيسًا. والثاني: يشترط بيان قدره أو غايته بأن يقول: من مئة إلى ألف. كل هذا إذا قصد القنية، فإن قصد التجارة .. لم يشترط بيان شيء من ذلك كما تقدم، بل يكفي أن يقول: اشتر بهذا ما شئت من العروض، أو ما رأيته مصلحة. فرع: قال: اشتر لي عبدًا تركيًا صفته كذا بما شئت، قال الشيخ: ينبغي تقييده بثمن المثل؛ لأن تجويز الزيادة على ذلك غرر كالوكالة العامة، وكذا لو قال: بما شئت من ثمن المثل وأكثر .. لا يسمع منه. قال: وينبغي التنبه لذلك؛ فإنه يقع كثيرًا في الوكالة ويثبتها القضاة ولا ينتبهون لذلك، أما لو قال: بع هذا العبد بما شئت من الأثمان قليلها وكثيرها .. فإنه يصح، وكأنه وطن نفسه على أقل شيء فلا غرر فيه، أما فساد الوكالة بالكلية .. فلا يظهر. قال: (ويشترط من الموكل لفظ يقتضي رضاه؛ كوكلتك في كذا، أو فوضته إليك، أو أنت وكيلي فيه) كما يشترط الإيجاب في سائر العقود، ولأن الشخص ممنوع من التصرف في ملك غيره حتى يأذن له. قال: (فلو قال: بع أو أعتق .. حصل الإذن) قال الرافعي: ولا يكاد هذا يسمى إيجابًا، بل قائم مقام الإيجاب، ولا يكفي قوله: عولت عليك أو اعتمدت. ولو أكرهة على بيع ماله ففعل .. صح؛ لحصول الإذن كما تقدم في (البيع).

وَلاَ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ، دُونَ صِيغِ الأَمْرِ كَبعْ وَأَعْتِقْ. وَلاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قلنا بالأصح- وهو عدم اشتراط القبول- فوكله والوكيل لا يعلم .. ثبتت وكالته في الأصح. فعلى هذا: إذا تصرف .. كان كبيع مال أبيه على ظن حياته، وفي انعقاد الوكالة بالإيجاب والاستيجاب خلاف البيع، ولو قيل: إنها أولى بالانعقاد .. لم يبعد؛ لنه يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع. قال: (ولا يشترط القبول لفظًا)؛ لأنها إباحة كإباحة الطعام لا تفتقر إلى قبول لفظي. واحترز بقوله: (لفظًا) عن الرضا فلابد منه، صرح به الرافعي، حتى لو رد .. بطلت، وهو ينافي ما تقدم من عدم اشتراط العلم، فإن الرضا يستلزم العلم، فالمشروط إذن في دوام الوكالة عدم الرد لا الرضا. قال: (وقيل: يشترط)؛ لأنها إثبات سلطنة للوكيل. قال: (وقيل: يشترط في صيغ العقود كوكلتك، دون صيغ الأمر كبع وأعتق) نظرًا إلى الصيغة. وقال الغزالي: إنه أعدل الوجوه، فإن قلنا باشتراط اللفظ .. لم يجب الفور، وقيل: يجب، وقيل: يكفي المجلس، وسيأتي في (كتاب الطلاق): إذا قلنا التفويض إليها توكيل .. لا يشترط الفور في الأصح، فمسألة الفور تؤخذ من هناك. وقال الروياني: تستثنى ثلاث صور يكون القبول فيها على الفور: أحدها: أن يعين الموكل زمان العمل ويخاف فوته. الثانية: أن يعرضها الحاكم عليه بعد ثبوتها عنده. الثانية: أن يوكله في إبراء نفسه. قال: (ولا يصح تعليقها بشرط في الأصح) كالقراض وسائر العقود. والثاني: يصح كالوصية والإمارة فإنه يصح تعليقهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم

فَإِنْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا .. جَازَ، وَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ وَمَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي .. صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في أمراء: مؤتة (.. إن قتل زيد .. فجعفر، فإن قتل جعفر .. فعبد الله بن رواحة). ووقع في (الرافعي) هنا: إن قتل جعفر .. فزيد، وذكرها في (الوصية) على الصواب، أجاب الأصحاب بأن الوصية جوزت بالمجهول والإمارة اغتفر فيها ذلك؛ للحاجة كما جعل عمر رضي الله عنه الأمر شورى بين ستة، فإذا أفسدناها .. لم ينفذ تصرفه قبل الشرط قطعًا، وينفذ بعد وجوده للإذن فيه. فرع: تصح الوكالة المؤقتة في الأصح كقوله: وكلتك في كذا إلى شهر كذا، وإذا قال الناظر: إذا مات فلان .. ففلان مكانه في وظيفته قال الشيخ: مقتضى المذهب أن ذلك في الوجهان، والأصح المنع، وكذلك إذا قال: يكون نائبًا عن في حياته مستقلًا بعد وفاته .. فإنه أولى بعدم الجواز، فإن الثاني جعل تبعًا للأول، اللهم إلا أن يصدر مثل ذلك عن الإمام الأعظم، فيمتثل إذا لم يخالف الشرع إتباعًا للأمر لا لصحة الولاية. قال: (فإن نجزها وشرط للتصرف شرطًا .. جاز) قال الرافعي: بالاتفاق؛ لأنه إنما علق التصرف فقط، وفيه وجه حكاه في (التعجيز). وصورته أن يقول: وكلتك الآن ببيع هذا ولا تبعه إلا بعد شهر، فالآن ظرف للتوكيل، وبعد شهر ظرف للتصرف، فإذا قال: إن شئت زينب فقد وكلتك في طلاقها .. لم يجز، ولو قال: وقد وكلتك في طلاق هند إن شاءت .. جاز. قال الماوردي: لأن الأول تعليق وكالة، والثاني تنجيزها وتعليق التصرف. قال: (ولو قال: وكلتك ومتى عزلتك فأنت وكيلي .. صحت في الحال في الصح)، لأن الإذن قد وجد منجزًا.

وَفِي عَوْدِهِ وَكِيلاً بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا، وَيَجْرِيانِ فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يصح؛ لاشتمالها على شرط التأبيد وهو: إلزام العقد الجائز، وللخلاف شروط: أحدها: أن يأتي بصيغة الشرط مثل: على أني كلما، أو بشرط أني كلما. الثاني: أن يصل التعليق بالتولية، فلو فصله .. صحت الوكالة قطعًا. الثالث: أن يعلق بما يقتضي التكرار كـ (كلما) بخلاف (متى) التي عبر بها المصنف و (مهما) التي عبر بها في (المحرر) و (الشرحين)، وسيأتي في (كتاب الخلع) كلام حسن يتعلق بلفظة (مهما). الرابع: أن يقول: وكلما عزلتك بنفسي أو بغيري؛ لإمكان العزل بتكرر الصيغة أو التوكيل. قال: (وفي عوده وكيلًا بعد العزل الوجهان في تعليها) والأصح: أنه لا يعود؛ لأن الأصح فساد التعليق. والثاني: يعود إذا قلنا بصحة تعليقها. ومحل الخلاف: إذا عزله وعلم بعزله، أو قلنا: إنه ينعزل قبل أن يعلم، وإلا .. فهو باق على وكالته الأولى. قال: (ويجريان في تعليق العزل) وأولى بالقبول؛ لأنه لا يشترط فيه قبول قطعًا، ومراده الوجهان في صحة تعليق الوكالة في قوله: (ولا يصح تعيلقها بشرط في الأصح). تتمة: إذا علق الوكالة على العزل فعزله وقلنا بعود الوكالة .. فالطريق في عزله أن يوكل من يعزله، فإن كان تعليقه شاملًا للتوكيل أيضًا، فإن كان بصيغة لا تقتضي التكرار .. فلعزله طريقان:

فصل

فَصْلٌ: الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن يكرر العزل فيقول: عزلتك عزلتك، فإنه ينعزل بالأولى ويعود وينعزل بالثانية ولا يعود. والثاني: أن يعلق العزل على عود الوكالة فيقول: كلما عدت وكيلي فأنت معزول، فإذا صدر هذا التعليق .. انعزل؛ لأن تعليق العزل صار معارضًا لتعليق الوكالة، والعزل معتضد بالأصل وهو الحجر في حق الغير فقدمناه. وإن كان بصيغة تقتضي التكرار نحو (كلما) .. فله طريق واحد وهو: أن يعلق العزل، فلا يفيد التكرار؛ لأنه كلما عزله عاد وكيلًا. واستشكل الشيخ هذا بأنه تعليق قبل لملك؛ إذ لا يملك العزل قبل الوكالة التي لم تصدر منه فهو كقوله: إن ملكت عبدًا فهو حر. وأيضًا ما تقدم من الحيلة في عزله قد خصه الرافعي بالوجه الضعيف، وهو تصحيح الوكالة المعلقة، وصاحب (الحاوي الصغير) فرع على هذا الوجه الضعيف أيضًا، فإنه قال: وإن أدارها .. أدار العزل، أو كرر .. لا، في (كلما) يعني: أن له في الصيغ التي لا تقتضي التكرار طريقين: التكرار للعزل وإدارته في (كلما) فهو تفريع على الضعيف. قال: (فصل: الوكيل بالبيع مطلقًا ليس له البيع بغير نقد البلد)، لدلالة القرينة العرفية عليه، وهل المراد بلد البيع أو التوكيل؟ الظاهر: أن المراد الأول.

وَلاَ بِنَسِيئَةٍ، وَلاَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ: مَا لاَ يُحْتَمَلُ غَالِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو لم ينص له على بلد .. وجب بيعه في بلد التوكيل، إلا أن تقتضي قرينة غير ذلك. ولو كان بالبلد نقدان .. لزم البيع بأغلبهما، فإن استويا في المعاملة .. باع بأنفعهما للموكل، فإن استويا .. تخير. وقيل: يشترط البيان، أما إذا كان غرض الموكل الاسترباح لا غير كما يعتاده التجار في بضائعهم، إذا جرت العادة بالمبادلة بالسلع دون البيع بالنقد .. فالأشبه جوازه، لاسيما إذا كان نقد تلك البلد لا يروج بغير، ولا شك في جوازه في ناحية لا أثمان فيه كبعض بلاد الخطا والترك. والفلوس وإن راجت رواج النقود لها حكم العروض لا يجوز البيع بها. قال: (ولا بنسيئة) وإن كان قدر ثمن المثل؛ لأن الإطلاق يقتضي الحلول. قال: (ولا بغبن فاحش، وهو: ما لا يحتمل غالبًا) كالوصي والوكيل بالشراء أيضًا ليس له أن يشتري بالغبن الفاحش، أما اليسير .. فيغتفر كالدرهم من العشرة، والصواب: الرجوع في ذلك إلى العرف. واحترز بقوله: (مطلقًا) عما إذا نص عليه الموكل فإنه يجوز؛ لأن المنع كان لأجله فزال بإذنه. وقوله: (ليس له) صريح في المنع، فلو فعل .. بطل على المذهب، وفي قول: يصح موقوفًا على إجازة الموكل. وجوز أبو حنيفة جميع ذلك إقامة للوكيل مقام الموكل. لنا: القياس على ما سلمه وهو الوصي والوكيل بالشراء. فرع: لو باع بثمن المثل وثم راغب بزيادة .. لم يصح، ولو وجد الراغب في زمن

فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الأَنْوَاعِ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ .. ضَمِنَ، فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ لَهُ الأَجَلَ .. فَذَاكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخيار .. فالأصح: أنه يلزمه الفسخ، فإن لم يفعل .. انفسخ. قال: (فلو باع على أحد هذه الأنواع وسلم المبيع .. ضمن)؛ لأنه متعد بالتسليم، وكيفية ضمانه على ما سبق في عدل الرهن، وإن لم يسلم .. لم يضمن؛ لعدم تعديه، ثم إذا سلم وكان باقيًا .. استرده، وله بيعه بالإذن السابق، وإن تلف .. كان للمالك أن يغرم من شاء منهما، والقرار على المشتري. قال: (فإن وكله للبيع مؤجلًا وقدر له الأجل .. فذاك) أي: فيجوز أن يبيعه إلى ذلك الأجل، ولا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان إن نص على المشتري؛ لظهور قصد المحاباة. قال: (وإن أطلق .. صح في الأصح)؛ لصحة اللفظ. والثاني: يبطل التوكيل؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الآجال. قال: (وحمل على المتعارف في مثله) حملًا للمطلق على المعهود، وسكوت المصنف عما إذا لم يكن عرف يوهم البطلان حيث لا عرف، وليس كذلك، بل يراعي الأنفع للموكل. وقيل: يؤجل بما شاء. وقيل: لا يزيد على سنة؛ لأنه الأجل الشرعي في الزكاة والدية والجزية وغيرها. ويلزمه إذا باع بمؤجل بيان الغريم حتى لا يكون مضيعًا لحق الموكل، فإن امتنع .. كان متعديًا، وإن نسيه أو اشتبه عليه .. ففيه كلام يأتي في (الوديعة) إن شاء الله تعالى. والظاهر: أنه يجب عليه الإشهاد؛ صيانة لحق موكله، خصوصًا إذا طال الأجل، وسيأتي في تتمة الفصل ماله تعلق بهذا.

وَلاَ يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ الْبَالِغِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا باع بمؤجل حيث يجوز السلم .. صح على المذهب، وإذا حل الأجل .. لم يكن له قبض الثمن إلا بإذن جديد. قال: (ولا يبيع لنفسه وولده الصغير)؛ لأنه حريص بطبعه على الاسترخاص لهما، وغرض الموكل الاجتهاد في الزيادة، فيتنافى الغرضان. وقيل: إن نص له الموكل على ذلك .. جاز، وإلا .. فلا. وقيل: يبيع لنفسه مطلقًا. وعلى الصحيح: لو صرح بالإذن بالبيع من نفسه .. قال ابن سريج: يصح، وقال الأكثرون: لا يصح. وكذلك لو صرح بالإذن في البيع لولده الصغير، فلو نص له على البيع من نفسه وقدر الثمن ونهاه عن الزيادة .. فقال ابن الرفعة: ينبغي أن يجوز؛ لعدم التهمة، وحكم الشراء في جميع ذلك كالبيع. قال: (والأصح: أن له أن يبيع لأبيه وابنه البالغ) وكذا سائر أصوله وفروعه ومكاتبه، كما يجوز أن يبيع من صديقه، وكما يجوز للعم أن يزوج موليته من ابنه البالغ إذا أطلقت الإذن وقلنا: لا يشترط تعيين الزوج. والثاني: لا؛ لأنه متهم، فأشبه ما إذا فوض إليه الإمام أن يولي القضاء من شاء، فإنه لا يجوز له أن يفوضه إلى أصله ولا إلى فرعه كما قاله الرافعي في (كتاب القضاء)، ولعل الفرق أن لنا هنا مردًا ظاهرًا.

وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعٍ، وَلاَ يُسَلِّمُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ خَالَفَ .. ضَمِنَ. وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءٍ .. لاَ يَشْتَرِي مَعِيبًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو ثمن المثل، أما إذا صرح له بالبيع منهما .. فيجوز بلا خلاف. والمراد بأبيه وابنه: المستقلان؛ لئلا يرد السفيه والبالغ المجنون، فإنهما كالصغير. قال: (وأن الوكيل بالبيع) أي: الناجز (له قبض الثمن وتسليم المبيع) فإنهما من توابع البيع، فالإذن في اليبع إذن فيهما. والثاني: لا؛ لعدم الإذن فيهما، وقيل: له تسليم المبيع دون قبض الثمن. أما الوكيل بالشراء .. فسيأتي في كلام المصنف القطع بأن له تسليم الثمن. ويستثنى من موضع الخلاف: ما إذا كان الثمن مؤجلًا .. فإنه لا يقبضه قطعًا. وما إذا كان قبضه شرطًا في صحة العقد .. فله قبضه قطعًا، وذلك في الصرف والسلم. وما إذا منعه من قبضه .. فليس له قبضه قطعًا، وإن نهاه عن التسليم .. امتنع على الأصح. قال: (ولا يسلمه حتى يقبض الثمن)؛ للخطر الظاهر في التسليم قبله. قال: (فإن خالف .. ضمن)؛ لتقصيره، هذا إذا سلمه مختارًا، فلو ألزمه الحاكم بتسليم المبيع قبل قبض الثمن، وكان الحاكم يرى ذلك مذهبًا بدليل أو تقليد .. فلا ضمان، وإن ألزمه جهلًا أو عدوانًا، أو أكرهه المشتري أو غيره على تسليمه .. فيظهر أنه كتسليم الوديعة كرهًا فيضمن على الأصح. قال: (وإذا وكله في شراء .. لا يشتري معيبًا) أي: أنه لا يجوز له شراؤه إذا علم

فإِنِ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ .. وقَعَ عَنِ الْمُوَكِّلِ إِنْ جَهِلَ الْعَيْبَ، وَإِنْ عَلِمَهُ .. فَلاَ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يُسَاوِهِ .. لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إِنْ عَلِمَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعيبه؛ لأن عليه نصح موكله، اللهم إلا أن يكون غرض الموكل التجارة، فإنه يصح كعامل القراض وشريك التجارة والعبد المأذون له فيها؛ لأن الغرض الربح، وقد يكون الربح في المعيب أكثر منه في غيره، لاسيما العيب الخفيف. قال: (فإن اشتراه في الذمة وهو يساوي مع العيب ما اشتراه به .. وقع عن الموكل إن جهل العيب)؛ لأنه يمكن استدراكه بالرد فلا ضرر عليه فيه، ولا ينسب الوكيل إلى مخالفة لجهله؛ لأن الواجب عليه أن يشتري ما ظن سلامته، لا ما هو سليم في نفس الأمر، أما إذا قال: اشتر لي عبدًا سليمًا. فالوجه أن لا يقع للموكل إذا اشترى معيبًا علم عيبه أو جهله؛ لأنه غير المأذون فيه. وقوله: (في الذمة) قد يوهم أنه إذا اشترى بعين مال الموكل لا يقع له وليس كذلك، بل يقع له أيضًا إذا أوقعناه له هناك، لكن ليس للوكيل الرد في الأصح، وإنما أتى بهذا القيد؛ ليحترز به عما يقتضيه كلامه بعد من الرد. قال: (وإن علمه .. فلا في الأصح) أي: وإن ساوى ما اشتراه به؛ لأن الإطلاق يقتضي سليمًا. والثاني: يقع عنه؛ لعدم النقصان في المالية. والثالث: إن كان للتجارة .. وقع له، وإن كان للقنية .. فلا، واستحسنه الإمام. والرابع: إن كان العيب يمنع الإجزاء في الكفارة والمبيع رقيق .. لم يقع، وإلا .. وقع. قال الإمام: وصاحب هذا الوجه يستثنى الكفر، فإنه يمنع الإجزاء في الكفارة ويجوز للوكيل شراؤه. قال: (فإن لم يساوه .. لم يقع عنه) أي: عن الموكل (إن علمه)؛ لأنه يورطه في الغرم مع العلم، فهو مخالف.

وَإِنْ جَهِلَهُ .. وقَعَ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا وقَعَ عَنِ الْمُوَكِّلِ .. فَلِكُلٍّ مِنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرِّدُّ. وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ أَنْ يُوَكِّلَ بِلاَ إِذْنٍ إِنْ تَأَتَّى مِنْهُ مَا وُكِّلَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن جهله .. وقع في الأصح) أي: للموكل، كما لو اشتراه بنفسه جاهلًا. والثاني- وصححه الإمام-: لا يقع؛ لأن مجرد الغبن الفاحش يمنع الوقوع عن الموكل مع السلامة فمع العيب أولى، وأجاب الأصحاب بأن الغبن الفاحش لا يثبت الخيار، وهنا يثبت الخيار بالعيب فلا ضرر. قال: (وإذا وقع عن الموكل .. فلكل من الوكيل والموكل الرد) أما الموكل في حالة الجهل .. فلا خلاف فيه؛ لأنه المالك، والضرر لاحق به، وأما الوكيل .. فلأنا لو لم نجوز له ذلك .. لكان المالك ربما لا يرضى به، وحينئذ يتعذر الرد؛ لأنه على الفور، وعن ابن سريج أنه لا يملك الرد إلا بإذن موكله. والعيب الطارئ قبل القبض حكمه حكم العيب المقارن. ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين التوكيل في شراء معين أو موصوف؛ لأن الظاهر أنه إنما يريده بشرط السلامة. ولو رضي الموكل بالعيب سقط خيار الوكيل إجماعًا، ولا يسقط خيار الموكل بتأخير الوكيل ورضاه وتقصيره. وإذا أراد الوكيل الرد بالعيب فقال البائع: أخر حتى يحضر الموكل .. لم تلزمه إجابته، وإذا رد فحضر الموكل ورضي .. احتاج إلى استئناف شراء، وإن لم يرد حتى حضر الموكل .. فللموكل الرد إن كان قد سماه، أو صدقه البائع على نيته. قال: (وليس لوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتى منه ما وكل فيه)؛ لأنه إنما رضى به وهو كالوصي ليس له أن يوصي لكن قال الجوري: لو وكله في قبض دين فقبضه وأرسله مع بعض غلمانه إلى موكله .. لم يضمن، أو مع غيرهم ضمن.

وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِكَوْنِهِ لاَ يُحْسِنُهُ أَوْ لاَ يَلِيقُ بِهِ .. فَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَلَوْ كَثُرَ وَعَجَزَ عَنِ الإِتْيَانِ بكُلِّهِ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّوْكِيلِ وَقَالَ: وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ، فَفَعَلَ .. فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: قال الشيخ: قولهم: (ليس لوكيل أن يوكل بلا إذن) هذا إذا قال: وكلتك أن تبيع، أما إذا قال: في بيعه .. فيشمل بيعه توكيله، ففرق بين صريح الفعل و (أن) والفعل؛ لأن (أن) والفعل تدل على الحدوث وهو معنى تصديقي، بخلاف المصدر الصرح؛ فدلالته على المعنى التصوري فقط، ويؤيده تفرقة الفقهاء في بابي (العارية) و (الإجارة) بين مالك المنفعة وأن ينتفع. قال: (وإن لم يتأت لكونه لا يحسنه أو لا يليق به .. فله التوكيل) أي: على الأصح عملًا بالعرف؛ إذ المقصود الاستنابة. وقيل: لا؛ لقصور اللفظ. قال: (ولو كثر وعجز عن الإتيان بكله .. فالمذهب: أنه يوكل فيما زاد على الممكن)؛ لأن الضرورة تدعو إلى ذلك. والثاني: لا يوكل في الممكن، وفي الزائد وجهان. والثالث: إطلاق الوجهين، أما الممكن .. ففيه وجهان: أصحهما: لا؛ لأنه لا ضرورة إليه، وحيث وكل في صورة سكوت الموكل ينبغي أن يوكل عن موكله، فلو وكل عن نفسه .. ففيه وجهان، قال المصنف: الأصح: أنه لا يجوز. ولو وكله في تصرف يطيقه فعجز عنه لمرض أو سفر .. لم يكن له التوكيل فيه، وقال الجوري: ينبغي أن يأتي فيه الخلاف السابق فيما إذا كان التصرف لا يطيقه. قال: (ولو أذن في التوكيل وقال: وكل عن نفسك، ففعل .. فالثاني وكيل الوكيل)؛ لأنه مقتضى الإذن. فعلى هذا: ينعزل بعزل الوكيل الأول إياه، وبموت الأول وجنونه.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ، وَإِنْ قَالَ: عَنِّي .. فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، وَكذَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لاَ يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَلاَ يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ .. يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إنه وكيل الموكل، وكأنه قال: أقم غيرك مقامك، فلا ينعزل بعزل الأول له وانعزاله. قال: (والأصح: أنه ينعزل بعزله وانعزاله) هذا من ثمرة كونه وكيل الوكيل. وقيل: لا ينعزل إلا بعزل موكله وهو الوكيل. قال: (وإن قال: عني .. فالثاني وكيل الموكل)؛ لأن الموكل أذن بهذا الشرط. قال: (وكذا لو أطلق في الأصح)؛ لأنه تصرف تعاطاه بإذن الموكل فوجب أن يقع عنه. والثاني: أنه وكيل الوكيل؛ لأن المقصود من الوكيل المعاونة وتسهيل الأمر، ولو وكله في تصرف وقال: افعل ما شئت .. لم يكن ذلك إذنًا في التوكيل في الأصح المنصوص، وكذا الحكم فيما لو قال: كل ما تصنعه جائز، وهل يتضمن ذلك الإذن بالبيع نسيئة أو بغير نقد البلد؟ لم أره مصرحًا به، والأقرب المنع. قال: (قلت: وفي هاتين الصورتين) وهما إذا قال: عني أو أطلق (لا يعزل أحدهما الآخر، ولا ينعزل بانعزاله) أما الأولى .. فقطعًا، وأما الثانية .. فعلى الأصح؛ لأنه ليس وكيلًا عنه، ولو سكت المصنف عن هذا .. لعلم من التفريغ الذي قرره، ولكنه أراد زيادة إيضاح. قال: (وحيث جوزنا للوكيل التوكيل .. يشترط أن يوكل أمينًا) رعاية لمصلحة الموكل. وفي (البحر) في (كتاب الوصية) وجه: أنه يجوز أن يوكل فاسقًا، ولو وكل

إِلاَّ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفُسِّقَ .. لَمْ يَمْلِكِ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ خائنًا .. لم ينعزل؛ لأنه قول لا أثر له إلا أن يسلم المال إليه ففيه الخلاف الآتي في انعزاله بالتعدي، وظاهر كلامه: عدم جواز توكيل الخائن وإن كان الموكل عين الثمن والمبيع منه؛ لأنها استنابه عن الغير وهو أحد احتمالي صاحب (المطلب). قال: (إلا أن يعين الموكل غيره) فيتبع تعيينه. والمراد: إلا أن يعين الموكل عن نفسه غير الأمين، أما إذا عين الولي ونحوه لوكيله غير الأمين .. فإنه لا يجوز للوكيل توكيله قطعًا، ولا توكيل غيره؛ لأنه لم يأذن فيه. وظاهر كلامه: أنه لو قال: وكل من شئت لا يوكل غير الأمين؛ لأنه إنما استثنى المعين والتعميم. ليس بتعيين، لكن قالوا في النكاح: إنها لو قالت: زوجني ممن شئت .. جاز تزويجها من الأكفاء وغيرهم على الصحيح، فقياسه ههنا: الجواز من الأمين وغيره، ويمكن الفرق بأن المقصود الأعظم من الأموال الحفظ وحسن التصرف، فإذا لم يكن الوكيل أهلًا .. كان تضييعًا محضًا، فتبعد إرادته، أو حمل الإطلاق عليه، بخلاف الكفاءة؛ فإنها صفة كمال، فقد يتسامح بتركها، وقد يكون غير الكفء أصلح لها من وجوه، وحينئذ فلا يصح الإلحاق. قال: (ولو وكل أمينًا ففسق .. لم يملك الوكيل عزله في الأصح والله أعلم)؛ لأنه أذن له في التوكيل دون العزل. والثاني: نعم؛ لأن الإذن في التوكيل يقتضي توكيل الأمناء، فإذا فسق .. لم يجز استعماله فيملك عزله ولم يصح الرافعي في المسألة شيئًا. وقال في زوائد (الروضة): أقيسهما المنع، ثم يتعين أن يتصور ذلك بما إذا قال: وكل عني وبه صور في (الوسيط)، وفي معناه الإطلاق، وحينئذ فمنع العزل واضح؛ لأنه ليس وكيلًا له.

فصل

فَصْلٌ: قَالَ: بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، أوْ فِي زَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ مُعَيَّن .. تَعَيَّنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال: بعه بكم شئت .. كان له البيع بالغبن الفاحش، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد. ولو قال: بما شئت .. فله البيع بغير نقد البلد، ولا يجوز بالغبن ولا بالنسيئة؛ لأن (ما) للجنس. ولو قال: كيف شئت .. فله البيع بالنسيئة، ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد. ولو قال: بعه بما عز وهان .. قال المتولي: هو كقوله: بكم شئت، وقال العبادي: له البيع بالعرض والغبن ولا يجوز بالنسيئة، قال الرافعي: وهو أولى. قال: (فصل: قال: بع لشخص معين، أو في زمن أو مكان معين .. تعين) هذا الفصل في الوكالة المقيدة، وما مضى في المطلقة، فإذا نص له على شخص أو زمان معين .. تعين قطعًا، وكذا في المكان إن ظهر غرض بأن كان الراغبون فهي أكثر أو النقد فيه أجود رعاية لغرض الموكل، حتى لو قال: أنفق هذه الدراهم على أهلي في رمضان فأنفقها عليهم في شوال .. ضمن. وإذا نص له على شخص معين فباع من وكيله .. لم يصح، بخلاف قوله: زوجها من زيد، فزوجها من وكيله؛ لأنه لا يقبل النقل بخلاف البيع، هذا هو المنقول. وقال في (المطلب): إن تقدم قبول الوكيل وصرح بالسفارة كاشتريت هذا منك لزيد فقال: بعتك .. صح، وإن تقدم الإيجاب ثم قبل الوكيل .. لم يصح صرح بالسفارة أم لا؛ لأن الإيجاب فاسد .. اهـ

وَفِي الْمَكَانِ وَجْهٌ إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم أر من فرق بين أن يكون المعين ممن جرت عادته أن يبتاع ذلك الشيء بنفسه أم بوكيله، ولو قيل بذلك لم يبعد. ومعى تعيين الزمان: أنه لا يجوز قبله ولا بعده، وذلك متفق عليه في البيع والعتق، وأما الطلاق .. فعن الداركي أنه يقع بعده لا قبله، قال المصنف: ولم أره لغيره، وفيه نظر. قال الشيخ: والقياس طرده في العتق، فلو قال: بعه يوم الجمعة مثلًا فهل ينحصر في أول جمعة يستقبلها أو له بيعه في جمعة أخرى؟ فيه نظر. قال شيخنا: والمتجه الأول، ومحل المنع ما إذا لم يقدر الثمن، فإن قدره بأن قال: بع في سوق كذا بمئة فباع بها في غيرها .. صح. قال الشيخ: وهو ظاهر إذا جوزنا البيع بها مع راغب بأزيد، أما إذا منعنا وهو الأصح كما سيأتي .. فينبغي التعيين؛ للنص عليه، ولاحتمال زيادة فيه، فإن الشيء يقصد في سوقه وتثور فيه الرغبات كثيرًا، فلو باع الوكيل في المكان المعين ليلًا .. قال القاضي حسين: إن كان الراغبون فيه مثل النهار .. صح، وإلا .. فلا. قال: (وفي المكان وجه): أنه لا يتعين، فيجوز في غيره (إذا لم يتعلق به غرض)؛ لأن المقصود إنما هو البيع، وهذا الوجه جزم به صاحب (التنبيه) وهو المنصوص واختاره الشيخ، وممن جزم به الغزالي والمتولي والروياني، ولم يصحح

وَإِنْ قَالَ: بِعْ بِمِئَةٍ .. لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرافعي في (الشرحين) شيئًا، ومحل هذا الوجه إذا لم ينهه عن غيره، فإن نهاه .. لم يصح جزمًا. فإن قيل: لو قال للمودع: احفظه في هذا المكان، فنقله إلى مثله .. جاز ولم يضمن إن تلف فما الفرق؟ فالجواب: أن المقصود في الوديعة الحفظ، وهو حاصل فيهما، بخلاف البيع فإن المقصود منه كثرة الرغبات، وهي مختلفة باعتبار الأمكنة. فرع: قال: اشتر لي عبد فلان، وكان فلان قد باعه، فللوكيل شراؤه من المشتري، قاله القاضي حسين. قال: (وإن قال: بع بمئة .. لم يبع بأقل) ولو بدانق؛ لأنه مخالف للإذن، بخلاف النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به عرفًا فيما إذا أطلق فإنه يسمى ثمن مثل، ودون المئة لا يسمى مئة، وهل له البيع بمئة وهناك راغب بزيادة؟ وجهان في زوائد (الروضة) و (الشرح الصغير) أصحهما: المنع؛ لأنه مأمور بالاحتياط. والشراء كالبيع في جميع ما ذكرناه، فإذا وكله في شراء عبد بمئة فاشتراه بأكثر .. لم يجز، سواء ساواها أم لا. وعن ابن سريج: يصح للموكل بالقدر المأذون فيه، والوكيل ضامن للزيادة. قال: (وله أن يزيد)؛ لأنه زيادة خير، ولأن المفهوم من ذلك عرفاً منع النقصان. وقيل: لا يزيد؛ لأن المالك لم يرض بعهدة الزيادة، وربما كان له غرض من إبرار قسم ونحوه. هذا كله إذا لم يعين المشتري، فإن عينه .. لم يزد قطعًا؛ لأنه ربما قصد إرفاقه، إلا إذا علم خلافه بالقرينة، ولو قال: اشتر عبد فلان بمئة فاشتراه بأقل منها .. صح.

إِلاَّ أَنْ يُصَرَّحَ بِالنَّهْيِ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِهّذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا، فَاشْتَرَىَ بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ، فَإِنْ لَمْ تُسَاوِ وَاحِدَةٌ دِينَارًا .. لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاء لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ .. فَالأَظْهَرُ: الصِّحَّةُ وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أن يصرح بالنهي) فحينئذ تمتنع الزيادة لمنع المالك منها، ولو قال: بع بمئة ولا تبع بمئة وخمسين .. فله البيع بما فوق ودون المئة والخمسين. فإن قيل: إذا قال له: خالع فلانة بكذا فلا أن يزيد .. فجوابه: أن الخلع غالبًا يقع عن شقاق، وهو قرينة دالة على إرادة عدم المحاباة. قال: (ولو قال: اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها، فاشترى به شاتين بالصفة، فإن لم تساو واحدة دينارًا .. لم يصح الشراء للموكل)؛ لأنه لم يحصل مقصوده، أما إذا لم يصفها .. فإن التوكيل لا يصح، والمعتبر في الوصف ما تقدم في التوكيل بشراء عبد وإن كان الأصح: أنه لا يشترط الوصف، لكنه لأجل امتثال الشرط. قال: (وإن ساوته كل واحدة .. فالأظهر: الصحة وحصول الملك فيهما للموكل) سواء اشتراهما بعين الدينار أم في الذمة؛ لحديث عروة رضي الله عنه المتقدم في بيع الفضولي.

لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ .. لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا تقع الشاتان معًا للموكل؛ لأنه لم يأذن إلا في شراء واحدة، ثم ينظر: فإن اشتراهما في الذمة .. فللموكل واحدة بنصف دينار والأخرى للوكيل ويرد على الموكل نصف دينار، وللموكل أن ينتزع الثانية منه ويقرر العقد فيهما؛ لأنه عقد العقد له. وإن اشتراهما بعين الدينار فكأنه اشترى واحدة له بإذنه وأخرى بغير إذنه .. فيبطل العقد فيهما على المذهب. وفي قول ثالث: إنهما يقعان للوكيل إذا وقع الشراء على الذمة. وأهمل المصنف تبعًا للرافعي قسمًا ثالثًا وهو: أن تساوي واحدة منهما دينارًا والأخرى دونه، والأصح في زوائد (الروضة): أنهما كما لو ساوت كل واحدة منهما دينارًا، فالشرط أن تكون إحداهما فقط تساوي دينارًا. ومقتضى عبارة (الحاوي الصغير): إلحاق هذه الصورة بما إذا نقصت كل واحدة عن الدينار. قال: (ولو أمره بالشراء بمعين) أي: قال: اشتر بعينه، كما هو في (الروضة) و (أصلها) أما إذا قال: اشتر به أو بهذا .. ففي (الإفصاح) و (النهاية): أن مقتضاه الشراء بالعين، لكن كلام الرافعي فيما إذا قال: اشتر به أو بهذا الدينار شاة يقتضي التخيير بينه وبين الذمة، وعبارة (المحرر) تقتضيه أيضًا. ولو سلم إليه ألفًا وقال: اشتر كذا ولم يقل: بعينه ولا في الذمة .. فوجهان: أصحهما: التخيير. والثاني: يتعين الشراء بالعين؛ لأن قرينة التسليم تشعر به. قال: (فاشترى في الذمة .. لم يقع للموكل) في الأصح، بل يقع للوكيل وإن صرح بالسفارة في الأصح؛ لأنه أمره بعقد ينفسخ بتلف المدفوع، حتى لا يطالب الموكل بغيره، وقد خالفه الوكيل فأتى بعقد لا ينفسخ بالتلف ويقتضي مطالبة الموكل.

وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الأَصَحِّ. وَمَتَى خَالَفَ الْمْوَكِّلَ فِي بَيْعِ مَالِهِ أَوِ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ .. فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ. وَلَوِ اشْتَرَى فِي الذِّمِّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ .. وَقَعَ لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ لِفُلاَنٍ .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ مُوَكِّلَكَ زَيْدًا، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ لَهُ .. فَالْمَذْهَبُ: بُطْلاَنُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا عكسه في الأصح) بأن قال: اشتر في الذمة وانقذه فيه فاشترى بعينه، فالأصح أنه لا يقع لواحد منهما؛ لأنه قد يقصد شراءه على وجه يسلم له وإن تلف الثمن. والثاني: يصح للموكل؛ لأنه أقل غررًا، ولأنه زاد خيرًا حيث لم يلزم ذمته شيئًا. قال: (ومتى خالف الموكل في بيع ماله أو الشراء بعينه .. فتصرفه باطل)؛ لأنه فعل غير المأذون فيه. قال: (ولو اشترى في الذمة ولم يسم الموكل .. وقع للوكيل)؛ لأن الخطاب وقع معه. قال: (وإن سماه فقال البائع: بعتك، فقال: اشتريت لفلان .. فكذا في الأصح) فيقع العقد للوكيل؛ لأن تسمية الموكل غير معتبرة في الشراء، فإذا سماه ولم يمكن صرف العقد إليه .. صار كأنه لم يسمه. والثاني: لا يصح العقد؛ لأنه أضافه إلى الموكل وامتنع إيقاعه عنه فيلغو، وهما القولان في أنه إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم أو لا؟ ولهما فروع كثيرة هذا منها. قال: (ولو قال: بعت موكلك زيدًا، فقال: اشتريت له .. فالمذهب: بطلانه)؛ لأن البائع لم يخاطب المشتري بالبيع، والمخاطبة بين المتعاقدين معتبرة؛ لأن الأحكام تتعلق بهما من الخيار وغيره، بخلاف النكاح فإنه يصبح من الولي ووكيل الزوج على هذه الصيغة، بل لا يصح إلا بها؛ لأن التزويج للموكل لا للوكيل، وقد تقدم أنه لو وكله في بيع عبده لزيد فباعه لوكيله .. لم يصح؛ لما ذكرناه.

وَيَدُ الْوكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَإِنْ تَعَدَّى .. ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصيغة الخطاب المتفق على صحته في البيع أن يقول البائع: بعتك لموكلك، فيقول: اشتريت أو قبلت له، أو يقول الوكيل: اشتريت لموكلي فيقول: بعتك. فروع: الأول: لابد في وكيل المتهب من التصريح باسم الموكل، وإلا .. فيقع عنه لجريان الخطاب معه، ولا ينصرف بالنية إلى الموكل؛ لأن الواهب قد يقصد بتبرعه المخاطب خاصة، بخلاف الشراء فإن المقصود منه حصول العوض. الثاني: قال: بعتك لنفسك، فإن كنت تشتريه للغير .. فلا أبيعه لك، فاشتراه للغير لم يصح بلا خلاف، فإن وجد هذا الشرط قبل العقد ثم قال: بعتك فقبل ونوى موكله .. صح على الأصح. الثالث: قال الماوردي في (كتاب الأيمان): لو وكله في شراء الخبز، وعادته أكل البر فاشترى له خبز الأرز .. لم يقع للموكل، ولو حلف لا يأكل الخبز حنث بخبز الأرز؛ لأنه لا يعتبر في الأيمان عادة الحالف، وتعتبر في الوكالة عادة الموكل دون غيره، وهذا حسن تتقيد به إطلاقات كثيرة. قال: (ويد الوكيل يد أمانة وإن كان بجعل)؛ لأنه نائب عن المالك فإذا تلف في يده بغير تفريط .. لم يضمن، كما لو تلف في يد المالك. قال: (فإن تعدى .. ضمن) كسائر الأمناء، والتعدي يكون بالركوب واللبس والتفريط في الحفظ ونحو ذلك، وهل يضمن بتأخير بيع ما وكل في بيعه؟ وجهان: أظهرهما عند القاضي: لا يضمن؛ لأنه لا يجب عليه امتثال أمره.

وَلاَ يَنْعَزِلُ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: في (فتاوى البغوي): لو دفع ثوبًا إلى دلال ليبيعه فضاع ولم يدر أنه سرق أو سقط منه أو نسيه في موضع أو سلمه للمشتري .. ضمنه؛ لأن الغفلة عن حفظ الأمانة حتى تضيع مضمن، وكذلك لو وضعه في موضع فنسيه، وإنما لم يجب الضمان إذا وقع الخسران لا من جهته. قال: (ولا ينعزل في الأصح)؛ لأن الوكالة إذن في التصرف، والأمانة حكم مترتب عليها، ولا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد، بخلاف الوديعة فإنها ائتمان محض فيزول بالتعدي. والثاني: ينعزل؛ لأنها أمانة ترتفع بالتعدي كالوديعة، فعلى الأولى: يصح تصرفه. ولو باع وسلم الثمن .. زال الضمان، فلو رد عليه بعيب .. قال المتولي: عاد الضمان. ومحل الوجهين: إذا تعدى بالفعل، كما إذا باع بغبن فاحش وسلم المبيع، فإن لم يسلم .. لم ينعزل جزمًا؛ لأنه لم يتعد فيما وكل فيه، قاله في (البحر).

وَإَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دْنَ الْمُوَكِّلِ، فَتُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ، وَلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَالتَّقَابُضِ فِيهِ، حَيْثُ يُشْتَرَطُ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ. وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ .. طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالَّمَنِ إِنْ كَانَ دَفَعَهُ إِلَيهِ الْمُوَكِّلُ، وَإِلاَّ .. فَلاَ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنَاً، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ .. طَالَبَهُ إِنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ أَوْ قَالَ: لاَ أَعْلَمُهَا، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِهَا .. طَالَبَهُ أَيْضًا فِي الأَصَحِّ كَمَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأحكام العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل، فيعتبر في الرؤية، ولزوم العقد بمفارقة المجلس والتقابض فيه، حيث يشترط الوكيل دون الموكل)؛ لأنه العاقد الحقيقي، لو أجازه الموكل .. فللوكيل الفسخ، وكذا خيار الرؤية إن جوزنا بيع الغائب، بخلاف الرد بالعيب، ومتى طالب الموكل الوكيل برد ماله .. لزمه أن يخلي بيه وبينه، فإن امتنع .. صار ضامنًا كالمودع. والمراد: أنه إذا امتنع بلا عذر، أما لو أخر بعذر .. فلا ضمان، والعذر هنا كعذر الرد بالعيب وأزيد من ذلك. قال: (وإذا اشترى الوكيل .. طالبه البائع بالثمن إن كان دفعه إليه الموكل) سواء اشترى بعينه أم في الذمة؛ لتعلق أحكام العقد به وقضاء العرف بذلك، وهذا هو الفارق بين جزم المصنف هنا بالتسليم وحكايته الخلاف في وكيل البائع هل يسلم المبيع ويقبض الثمن أو لا؟ قال: (وإلا .. فلا إن كان الثمن معينًا)؛ لأنه ليس في يده. قال: (وإن كان في الذمة .. طالبه إن أنكر وكالته)؛ لأن العقد وقع معه، فالظاهر أنه يشتري لنفسه. قال: (أو قال: لا أعلمها) فكذلك الحكم، وهذه ليست في (المحرر)، لكنها في (الروضة). قال: (وإن اعترف بها .. طالبه أيضًا في الأصح كما يطالب الموكل)؛ لأن العقد

وَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَضَامنٍ وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ. وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقّاً .. رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَإِنِ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للموكل، والوكيل قابل، فخيرنا البائع في مطالبة من شاء منهما. والثاني: أن المطالب الموكل لا غير؛ لأن الوكيل سفير. والثالث: المطالب الوكيل لا غير؛ لأن أحكام العقد تتعلق به، والعهدة من جملة الأحكام. قال: (ويكون الوكيل كضامن) أي: في المطالبة والرجوع وغيرهما. قال: (والموكل كأصيل) فيتعلق به ما يتعلق به، وملخص ما قاله المصنف هنا وفي (الروضة) تبعًا (للشرحين) أن البائع لا يطالب الموكل إذا كان قد سلم الثمن إلى الوكيل، وليس كذلك، بل في المسألة طريقان: أحدهما: القطع بمطالبته. وأقيسهما: وجهان أصحهما: أن له ذلك أيضًا، كما ذكره الرافعي في معاملات العبيد. فرع: الوكيل إذا اشترى شراء فاسدًا وقبض المبيع وتلف في يده أو في يد الموكل .. فللمالك مطالبه بضمانه، وهو يرجع على الموكل. قال: (وإذا قبض الوكيل بالبيع الثمن وتلف في يده وخرج المبيع مستحقًا .. رجع عليه المشتري وإن اعترف بوكالته في الأصح)؛ لحصول التلف عنده. والثاني: يرجع به على الموكل؛ لأنه سفيره ويده كيده، ونسبه القاضي إلى عامة الأصحاب. والثالث: يرجع به على من شاء منهما للمعنيين، وهذه الأوجه هي الأوجه السابقة.

ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. قُلْتُ: وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم يرجع الوكيل على الموكل) أي: بعد الغرم؛ لأنه غره. قال: (قلت: وللمشتري الرجوع على الموكل ابتداء في الأصح والله أعلم)؛ لأن الوكيل مأمور من جهته ويده كيده، وصوره الشيخ بما إذا قبض الثمن بإذن صريح، أو بمقتضى الإذن في البيع إن جوزناه، فإن قبضه بغير إذن وقلنا: ليس له قبضه .. فلا رجوع على الموكل؛ إذ لم يصل إلى يده ولا أذن فيه. والوجه الثاني: لا رجوع له عليه؛ لتلفه في يد الوكيل. وجزم المصنف في نظيره من الرهن بتخيير المشتري بين رجوعه على العدل وبين رجوعه على الراهن والقرار عليه، وإذا قلنا بالتخيير .. فقرار الضمان على الموكل، والخلاف جميعه يأتي في وكيل المشتري إذا تلف المبيع في يده، ثم ظهر استحقاقه وله مطالبة البائع قطعًا؛ لأنه غاصب ومن يده خرج المبيع. فرع: قال الماوردي: أبو الطفل وولي اليتيم إذا لم يذكرا في العقد اسم الطفل .. ضمنا الثمن، ولا يضمنه الطفل في ذمته ولا ينقدان ذلك من ماله، وإن ذكراه في العقد .. لم يلزمهما ضمان الثمن، بخلاف الوكيل في أحد الوجهين؛ لأن شراءهما لازم للمولى عليه بغير إذنه فلم يلزم الولي ضمانه، بخلاف الوكيل. تتمة: أرسل رسولاً يستقرض له فهو كوكيل المشتري، والظاهر: أنه يطالبه، ثم إذا غرم .. رجع على الموكل، قاله الرافعي ووافقه الشيخ. وقال ابن الرفعة: إن صرح بالسفارة .. لم يطالب، والمطالب الموكل، وإن لم

فصل

فَصْلٌ: الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ، أَوْ قَالَ: رَفَعْتُ الوَكَالَةَ، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ أَخْرَجْتُكَ مِنْهَا .. انْعَزَلَ. فَإِنْ عَزَلَهُ وَهُوَ غَائِبٌ .. انْعَزَلَ فِي الْحَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يصرح بل نوى وعلم المقرض أنه وكيل .. فطريقان: الأظهر: أنه يطالب، وإن لم يعلم به المقرض .. ضمنه الوكيل قطعًا. قال: (فصل: الوكالة جائزة من الجانبين)؛ لأن الموكل قد يرى المصلحة في ترك ما وكل فيه أو في توكيل آخر، والوكيل قد لا يتفرغ فيكون اللزوم مضرًا بهما جميعًا. ولا فرق بين أن يكون بصيغة الأمر أو الإذن أو التوكيل، ولا بين أن يتعلق بثالث، وبخصومة أو لا، هذا إذا لم تكن بجعل، فإن ذكرا جعلًا معلومًا ووجدت شروط الإجارة، فإن عقدا بلفظ الإجارة .. لزمت، أو الوكالة .. بني على أن العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها. قال: (فإذا عزله الموكل في حضوره، أو قال: رفع الوكالة، أو أبطلتها، أو أخرجتك منها .. انعزل)؛ لدلالة كل من هذه الألفاظ عليه، ولأنها إما عقد جائز .. فيفسخ بالفسخ، وإما إذن .. فيبطل برجوع من منه الإذن. قال: (فإن عزله وهو غائب .. انعزل في الحال)؛ لأنه رفع عقد لم يحتج فيه إلى الرضا، فلم يحتج إلى العلم كالطلاق، وكما لو جن الموكل فإنه ينعزل الوكيل وإن لم يعلم، وكما لو وكله في بيع عبد أو إعتاقه ثم باعه أو أعتقه الموكل فإنه ينعزل ضمنًا فهذا أولى. وقد روى البيهقي [6/ 82]: أن أمة أمر مولاها رجلًا ببيعها، ثم أعتقها سيدها قبل أن يبيعها فقضى عمر بعتقها، ورد ثمنها وأخذ صداقها من المشتري؛ لأنه وطئها.

وَفِي قَوْلٍ: لاَ حَتَّى يَبْلُغَه الْخَبَرُ. وَلَوْ قَالَ: عَزَلْتُ نَفْسِي أَوْ رَدَدْتُ الْوَكَالَةَ .. انْعَزَلَ. وَيَنْعَزِلُ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ، وَكَذَاَ إِغْمَاءٌ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قلنا بهذا .. فينبغي للموكل أن يشهد على العزل؛ لأنه إذا ادعى بعد التصرف أنه كان قد عزله .. لم يقبل إلا ببينة. قال: (وفي قول: لا حتى يبلغه الخبر) كالقاضي وكالنسخ لا يلزم المكلف قبل بلوغ الخبر، وإلى هذا ذهب الأئمة الثلاثة. والجواب عن القاضي: أنه تتعلق بأحكامه مصالح كلية وعن النسخ أن الاعتداد بالعبادة حق لله تعالى، والله تعالى قد شرط العلم في الأحكام بدليل أنه لم يكلف بالمستحيل، والعقود حق للموكل ولم يشترط العلم. وإذا قلنا بهذا القول .. فالمعتبر خبر من تقبل روايته دون الصبي والفاسق، كذا جزم به الرافعي، ولا يبعد جريان خلاف في الصبي كروايته، وعلى المذهب لو تلف المال في يده بعد عزله .. لم يضمن. قال: (ولو قال: عزلت نفسي أو رددت الوكالة .. انعزل) وكذا كل ما كان في معناه؛ لدلالته عليه، وقيل: إن كانت صيغة الموكل أمرًا كبع أو أعتق .. لم ينعزل. ولقائل أن يقول: كيف ينعزل بذلك مع قولهم: لا يلزم من فساد الوكالة فساد التصرف؛ لبقاء الإذن؟ قال: (وينعزل بخروج أحدهما عن أهلية التصرف بموت أو جنون)؛ لأن الأصل إذا لم يملك التصرف ففرعه أولى. قال في (المطلب): والصواب: أن الموت ليس بعزل، بل انتهت الوكالة إليه كالنكاح، وقيل: إن قصر زمن الجنون بحيث لا يحوج إلى نصب القوام .. لم يؤثر، أما المطبق .. فأجمعوا على الانعزال به. قال: (وكذا إغماء في الأصح) قياسًا على الجنون. والثاني: لا ينعزل كالمرض، وصححه الإمام والغزالي في (الوسيط)، وصحح

وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول في (الوجير) وقال القاضي حسين: إنه ظاهر المذهب. واختار الشيخ: أن الإغماء لا يقتضي العزل ولا يسلب الولاية؛ لأنه مرض وإن طالت مدته لا يدوم. لكن يستثنى من إطلاق المصنف: الوكيل في رمي الجمار، فإن الأصح: أنه لا ينعزل بإغماء الموكل كما تقدم. ويحصل الانعزال أيضًا بطرآن الرق، وطرآن حجر السفه والفلس في كل تصرف لا ينفذ من السفيه والمفلس، وكذا ردة الموكل، والفسق فيما العدالة شرط فيه. ولو وكل اثنين ثم عزل أحدهما ولم يعينه .. فوجهان. أحدهما: أن لكل منهما أن يتصرف ما لم يعلم أنه المعزول. وأصحهما: أنه ليس لواحد منهما أن يتصرف حتى يبين الموكل مراده. قال: (وبخروج محل التصرف عن ملك الموكل) كما إذا باعه أو أعتقه أو وقفه؛ لاستحالة بقاء الولاية في هذه الحالة وكذا لو وكله في بيع أمة ثم زوجها .. كان عزلًا، وكذا لو أجرها وإن جوزنا بيع المستأجر؛ لأن من يريد البيع لا يؤجر غالبًا لقلة الرغبات في المستأجر. فرع: وكل عبده في بيع أو تصرف آخر ثم أعتقه ففي انعزاله احتمالان لصاحب (التنبيه)، وهما وجهان، وقيل: قولان ينبنيان على أنه استخدام أو توكيل: أحدهما: ينعزل؛ لأن أمر السيد زال بعقته. والثاني: لا ينعزل، كما لو وكل زوجته ثم طلقها، وصحح المصنف الانعزال، فعلى هذا لا يشترط القبول.

وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الإِخْفَاء لَيْسَ بِعَزْلٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ وَلاَ غَرَضَ .. انْعَزَلَ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا، أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً، أَوِ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ، فَقَالَ: بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ .. صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال العبد عزلت نفسي .. فهو لغو. ولو وكل عبد غيره بإذن سيده ثم عتق أو بيع .. جعله الرافعي على الخلاف، وقال المصنف: المذهب: القطع ببقاء الوكالة. وفي طحن الحنطة الموكل في بيعها وجهان، وأما العرض على البيع وتوكيل وكيل آخر .. فلا يقتضي انعزالًا، وفي التوكيل وجه. قال: (وإنكار الوكيل لنسيان أو لغرض في الإخفاء ليس بعزل)؛ لأنه لم يأت بلفظ يدل على العزل، فكان كما لو قيل له: ألك زوجة؟ فقال: لا، فإن زوجته لا تطلق. وفي (الجواهر): أنه المشهور في المذهب. وقيل: ينعزل بذلك مطلقًا، وقيل: لا ينعزل مطلقًا. وقد أطلق الرافعي في (باب التدبير) أن الأصح: ارتفاع الوكالة بالإنكار، وهو محمول على ما هنا، والأوجه الثلاثة جارية في التوكيل. قال: (فإن تعمد ولا غرض .. انعزل)؛ لزوال المعنى المقتضي لعدم عزله، ولو أنكر وقد ادعى عليه بحق على موكله فقامت بينة بقبوله .. لم ينعزل، ولم تندفع عنه الخصومة إلا أن يعزل نفسه. قال: (وإذا اختلفا في أصلها، أو صفتها بأن قال: وكلتني في البيع نسيئة، أو الشراء بعشرين، فقال: بل نقدًا أو بعشرة .. صدق الموكل بيمينه)؛ لأن الأصل في الأولى عدم الإذن، والأصل في الثانية عدم ما يدعيه الوكيل، والموكل أعرف بحال الإذن الصادر منه، ومن كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفة ذلك الشيء، وإنما لم يقبل قول المالك للخياط: أمرتك بقطعه على غير هذا الوجه ..

وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ، فَقَالَ: بَلْ بِعَشَرةٍ وَحَلَفَ: فَإِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ المُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ قَالَ بَعْدَهُ: اشْتَرَيْتُهُ لِفُلاَنٍ وَالْمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ .. فَالْبَيعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ .. حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ، وَكَذَا إِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ، وَكَذَا إِنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لتضمنه إلزام الأرش للخياط، والأصل عدمه. قال: (ولو اشترى جارية بعشرين وزعم أن الموكل أمره، فقال: بل بعشرة) أي: أذنت في عشرة (وحلف: فإن اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد أو قال بعده) أي: بعد العقد (اشتريته لفلان والمال له وصدقة البائع .. فالبيع باطل)؛ لأنه ثبت بالتسمية في الصورة الأولى، وبتصديق البائع في الثانية أن الدنانير لغير العاقد، وثبت بيمين من له المال أنه لم يأذن في التصرف فيها على ذلك الوجه، فيبطل البيع؛ لأن الشراء بمال الغير بغير إذنه باطل، ولا شك أن قيام البينة على ذلك ملحق بما ذكرناه. قال: (وإن كذبه) أي: البائع بأن قال: إنما اشتريت لنفسك والمال لك ولا بينة. قال: (.. حلف على نفي العلم بالوكالة ووقع الشراء للوكيل) أي: في ظاهر الشرع، وسلم الثمن المعين للبائع، وغرم الوكيل مثله للموكل. قال: (وكذا إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل) أي: ونواه، فإن الشراء يقع للوكيل ظاهرًا، وظاهر كلام المصنف وغيره أنه لا فرق في وقوع العقد للوكيل بين أن يصرح بالسفارة أم لا، ولا بين أن يصدق البائع الموكل أو يكذبه. قال: (وكذا إن سماه وكذبه البائع في الأصح) أي: كذبه في الوكالة بأن قال: سميته ولم تكن وكيلًا عنه، كما لو اقتصر على النية.

وَإِنْ صَدَّقَهُ .. بَطَلَ الشِّرَاءُ. وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ .. يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ بِالْمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ: إِنْ كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا، وَيَقُولُ هُو: اشْتَرَيْتُ؛ لِتَحِلَّ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أن الشراء يبطل من أصله، والوجهان هما الوجهان المتقدمان في قول المصنف: (وإن سماه فقال: البائع بعتلك، فقال: اشتريت لفلان كذا في الأصح). قال: (وإن صدقه .. بطل الشراء)؛ لاتفاقهما على أن العقد للغير، وقد ثبت بيمين الغير أنه لم يأذن فيه. قال: (وحيث حكم بالشراء للوكيل .. يستحب للقاضي أن يرفق بالموكل ليقول للوكيل: إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها، ويقول هو: اشتريت؛ لتحل له) ولا يضر التعليق للضرورة، وهذه الكيفية ذكرها المزني؛ لأنه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط فلا يضر التعرض له كما لو قال: هذا عن زكاة مالي الغائب، إن كان سالمًا ثمَّ .. يجزئه، وسواء أطلق أو علق لا يجعل ذلك إقرارًا بما قاله للوكيل وتكذيبًا لنفسه. وهذا واضح إذا اشترى في الذمة وسماه وكذبه البائع، أو لم يسمه، أما إذا اشترى بالعين وكذبه، فإن كان الوكيل صدقًا .. فالملك للموكل، وإلا .. فللبائع، فينبغي للحاكم أن يرفق بهما جميعًا، وهذا الرفق لا يجب على الحاكم، ولا يجب على البائع أن يجيبه إليه. وقيل: لا يصح التعليق، وطريقه أن يجزم بالبيع ولا يكون مقرًا بذلك. ولو أقام الوكيل بينة بما ادعاه .. لزم الشراء للموكل، وهل يحل له وطؤها؟ فيه وجهان. وإن أقام الموكل بينة .. لم تسمع؛ لأنها تشهد على نفي الإذن في الشراء بعشرين، ولا سبيل إلى معرفته.

وَلَوْ قَالَ: أَتَيْتُ بِالتَّصَرُّفِ الْمَاذُونِ فِيهِ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ .. صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ، وَفِي قَوْلٍ: الْوَكِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن أقر الموكل بالإذن بعد الإنكار .. حلت له قطعًا؛ لجواز نسيانه، وإذا أنكر ونكل عن الحلف فحلف الوكيل .. قال القاضي الطبري: الحكم كما لو قامت عليه بينة. ولو اشترى جارية لموكله فقال الموكل: التي أذنت في شرائها جارية غير هذه .. فالقول قوله، فإن حلف بقيت الجارية المشتراة في يد الوكيل، والحكم كما مر في المسألة قبله. وإن أذن له في أن يقبل له نكاح امرأة فادعى أن التي قبل نكاحها له غير المأذون فيها .. بطل النكاح قطعًا، فلو كان الوكيل ضمن المهر .. غرمه، وهل يلزمه جميعه أو نصفه؟ فيه وجهان. قال: (ولو قال: أتيت بالتصرف المأذون فيه، وأنكر الموكل .. صدق الموكل)؛ لأن الأصل عدم التصرف وبقاء الملك. قال: (وفي قول: الوكيل)؛ لأن الموكل ق ائتمنه فعليه تصديقه، وصححه جماعة، وقال الإمام في (باب الرجعة): من أنكر هذا القول .. كان هاجمًا على خرق الإجماع. ومحل هذا الخلاف إذا كان النزاع قبل العزل، فإن كان بعده .. لم يقبل إلا ببينة قطعًا. فرع: في (فتاوى البغوي): لو قال الموكل: باع وكيلي بغبن فاحش، وقال المشتري: بل بثمن المثل .. فالقول قول الموكل، فلو أقاما بينتين .. فبينة المشتري أولى؛ لأن معها زيادة علم وهو انتقال الملك.

وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ الْمَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا فِي الرَّدِّ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ بِجُعْلٍ .. فَلاَ. وَلَوِ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ .. صُدِّقَ الرَّسُولُ، وَلاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: لعل البغوي إنما قال هذا لأنه يرى في البيع أن القول قول مدعي الفساد، وهو خلاف الأصح المنصوص، وسيأتي نظير ذلك في خاتمة (كتاب الكتابة). قال: (وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه)؛ لأنه أمين فيصدق في التلف، كالمودع وغيره من الأمناء، ومقصوده بقبول القول عدم الضمان، فإن الغاصب وغيره ممن يده يد ضمان يصدق أيضًا في دعوى التلف كما سيأتي في بابه. وصورة المسألة: أن يطلق التلف، فإن أسنده إلى سبب .. فلابد من التفصيل المذكور في (الوديعة). قال: (وكذا في الرد)؛ لأنه إن كان بغير جعل .. فقد أخذ المال لمحض غرض المالك فكان المودع، وإن كان بجعل .. فهو إنما ينتفع بالعمل في العين لا بنفس العين، وخصه في (المطلب) بما قبل العزل، أما بعده .. فلا يقبل، ومقتضى إطلاق الرافعي والمصنف و (الكفاية) عدم الفرق. قال: (وقيل: إن كان بجعل .. فلا)؛ لأنه أخذه لغرض نفسه فأشبه المرتهن. ويوخذ من عبارة المصنف أنها تجوز بغير جعل وبجعل، لكن يشترط أن يكون معلومًا، فإن قال: بع هذا ولك عشر ثمنه، أو من كل مئة درهم من ثمنه .. لم يصح للجهل بمبلغ الثمن وله أجرة مثله. قال: (لو ادعى الرد على رسول الموكل وأنكر الرسول .. صدق الرسول)؛ لأنه لم يأتمنه. قال: (ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح)؛ لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه.

وَلَوْ قَالَ: قَبَضْتُ الثَّمَنَ وَتَلِفَ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ .. صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ إِنْ كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَإِلاَّ .. فَالْوَكِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ وَكَلَّهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَالَ: قَضَيْتُهُ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ .. صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لاَ يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يلزمه التصديق؛ لأن يد رسوله كيده فكأنه يدعي الرد عليه، فلو اعترف الرسول بالقبض وادعى التلف في يده .. لم يلزم المالك الرجوع إليه. قال: (ولو قال: قبضت الثمن وتلف) أي: والغرض أن له ولاية قبضه بالتنصيص أو الإطلاق (وأنكر الموكل .. صدق الموكل إن كان قبل تسليم المبيع)؛ لأن الأصل بقاء حقه. ولو انعكست الدعوى فقال الموكل: أنت قبضت الثمن فادفعه إلي، وقال الوكيل: لم أقبضه .. صدق الوكيل، وليس للموكل طلبه من المشتري؛ لاعترافه ببراءة ذمته. قال: (وإلا) أي: وإن كنت دعواه تلف الثمن بعد تسليم المبيع (.. فالوكيل على المذهب)؛ لأن الموكل ينسبه إلى الخيانة بالتسليم قبل قبض الثمن، ويلزمه الضمان والوكيل ينكره، فأشبه ما إذا قال الموكل: طالبتك برد المال فامتنعت بلا عذر إلى أن تلف المال، وقال الوكيل: لم تطالبني ولم أقصر .. فإن القول قوله. قال: (ولو وكله بقضاء دين، فقال: قضيته، وأنكر المستحق .. صدق المستحق بيمينه)؛ إذ الأصل عدم القضاء، ولأنه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه، فإذا حلف .. طالب الموكل بحقه، وليس له مطالبة الوكيل. قال: (والأظهر: أنه لا يصدق الوكيل على الموكل إلا ببينة)؛ لأنه أمره بالدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الإشهاد عليه. والثاني: يصدق؛ لأنه ائتمنه فأشبه ما إذا ادعى الرد عليه، فلو دفع بحضرة الأصيل .. فلا رجوع للموكل عليه في الأصح، وإن دفع في غيبته .. رجع، سواء صدقه الموكل بالدفع أم لا على الصحيح؛ لتقصيره، فلو قال: دفعت بحضرتك .. صدق الموكل بيمينه؛ لأن الأصل عدم الحضور حينئذ.

وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إِذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ .. يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أشهد الوكيل شهودًا فماتوا أو جنوا أو غابوا .. فلا غرم، وإن أشهد واحدًا أو مستورين .. فوجهان. قال المتولي: والقول قوله في الإشهاد. ولو اختلفا فقال الوكيل: دفعت بحضرتك وأنكر الموكل .. فالقول قول الموكل مع يمينه. قال: (وقيم اليتيم إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ) أي: وإيناس الرشد (.. يحتاج إلى بينة على الصحيح)؛ لقوله تعالى: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} فدل على أنهم لو جحدوا احتاج إلى بينة، ولأنه لم يأتمنه، وقد صرح الغزالي في (الوسيط) في آخر (الوديعة) بوجوب الإشهاد، ويخالف الإنفاق فإنه يعسر إقامة البينة عليه. والثاني: لا يحتاج إليه فإنه أمين فأشبه المودع، وتحمل الآية على الإرشاد. تنبيه: مراد المصنف بـ (قيم اليتيم): منصوب القاضي فقط، فإن الأب لا يتم معه، والجد في معناه، والوصي قد ذكره في آخر الوصية وجزم فيه بأنه لا يصدق، وإذا قبلنا قول الولي .. فلابد من يمينه، فإذا نكل .. حلف المحجور عليه وغرم. وولي السفيه والمجنون إذا ادعى دفع المال بعد رشده كولي الطفل فيما ذكرناه، وأما الحاكم .. فالأصح: أنه كالأب والجد، ومحل هذا في القاضي العدل الأمين، أما غيره .. فلا، ومحله إذا دعاه في حال قضائه، أما بعد عزله .. فلا.

وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلاَ مُودَعٍ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ: لاَ أَرُدُّ الْمَالَ إِلاَّ بِإِشْهَادٍ فِي الأَصَحِّ، وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وليس لوكيل ولا مودع أن يقول بعد طلب المالك: لا أرد المال إلا بإشهاد في الأصح)؛ لأن قوله في الرد مقبول. والثاني: له ذلك كيلا يحتاج إلى اليمين؛ فإن الأمناء يحترزون عنها ما أمكنهم. والثالث: إن كان التأخير إلى الإشهاد يورث تعويقًا .. لم يكن له الامتناع، وإلا كان له ذلك. والرابع: إن كان عليه بينة .. فله ذلك، وإلا .. فلا. قال: (وللغاصب ومن لا يقبل قوله في الرد) كالمستعير والمضارب والوكيل بجعل والشريك (ذلك) أي: التأخير إلى الإشهاد؛ لأنه يحتاج إلى بينة الأداء إن توجهت عليه بينة الأخذ، هذا إذا كانت عليه بينة، فإن لم تكن بينة .. فوجهان: أصحهما عند البغوي: أن له أن يمتنع من الأداء؛ لأن قوله في الرد غير مقبول. والثاني: المنع؛ لأنه يمكنه أن يقول: ليس عندي شيء ويحلف عليه، وهو الذي أورده العراقيون. تنبيهان: أحدهما: المديون في هذا الحكم كمن لا يقبل قوله في رد الأعيان، فله أن يمتنع من أداء الدين إلى الإشهاد، وهذه تندرج في كلام المصنف، وما أحسن قول (الحاوي الصغير): ولغير المصدق في الأداء طلب الإشهاد. الثاني: استشكل ابن الرفعة والقمولي والشيخ جواز التأخير للغاصب؛ لأن التوبة واجبة على الفور، وهي متوقفة على الرد.

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: وَكَّلَنِي الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَكَ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ .. فَلَهُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنُّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال رجل: وكلني المستحق بقبض ما له عندك من دين أو عين وصدقه .. فله دفعه إليه)؛ لأنه محق بزعمه. قال: (والمذهب: أنه لا يلزمه إلا ببينة على وكالته)؛ لاحتمال إنكار الموكل الوكالة. وقال المزني: يلزمه؛ لاعترافه باستحقاقه الأخذ. وعبر بـ (المذهب)؛ لأن المنصوص هنا: أنه لا يجب، ونص فيما إذا ادعى أنه وارثه وصدقه أنه يجب، فقيل: قولان، والأصح: تقريرهما، والفرق ما سيأتي من اعترافه بانتقال الحق إلى الوارث. واحترز بقوله: (وصدقه) عما إذا لم يصدقه بأن كذبه أو قال: لا أعلم، فلا يكلف الدفع إليه، فإن دفع ثم حضر المستحق وحلف على نفي الوكالة .. غرم الدافع، وكان له أن يرجع على القابض دينًا كان أو عينًا؛ لأنه لم يصرح بتصديقه وإنما اعتمد قوله. وإذا ادعى عند القاضي أنه وكيل زيد، فإن كان المقصود بالخصومة حاضرًا وصدقه .. قال الرافعي تثبت الوكالة وله مخاصمته، وقال الروياني: مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن الحاكم لا يسمع مخاصمتها؛ لما فيه من إثبات الحجة على صاحبها. ومن قال: أنا وكيل في بيع أو نكاح ومصدقه من يعامله .. صح العقد، فلو قال بعد العقد: لم أكن وكيلًا .. لم يلتفت إليه.

وَلَوْ قَالَ: أَحَالَنِي عَلَيْكَ، وَصَدَّقَهُ .. وَجَبَ الدَّفْعُ في الأَصَحِّ. قُلْتُ: وَإِنْ قَالَ: أَنَا وَارِثُهُ، وَصَدَّقَهُ .. وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: أحالني عليك، وصدقه .. وجب الدفع في الأصح)؛ لأنه اعترف بانتقال الحق إليه فأشبه الوارث. والثاني: لا؛ لاحتمال إنكار صاحب الحق، واختاره ابن أبي عصرون. قال: (قلت: وإن قال: أن وارثه، وصدقه .. وجب الدفع على المذهب والله أعلم)؛ لاعترافه بانتقال الحق. قال ابن الرفعة: هذا إذا قال مع ذلك: لا وارث له غيري وبين جهة الوراثة، كما قيده القاضي حسين في (الفتاوى). والطريق الثانية ذات قولين كما تقدم. ولو قال: مات فلان وله عندي كذا وهذا وصية .. فهو كما لو قاله: هذا وارثه، ولو قال: أوصى له به .. فهو كإقراره بالحوالة. تتمة: أمره بشراء عبد لم يجز أن يشتري بعضه وإن كان بغبطة مثل أن يقول: اشتره بألف، فاشترى نصفه بأربع مئة .. لم يصح، وهذا لا خلاف فيه إذا اقتصر عليه، ولكن لو اشترى النصف الثاني بأربع مئة أخرى هل ينقلب الجميع إلى الموكل بعد انصرافه عنه؟ فيه وجهان: أصحهما: المنع، وقال الإمام إن ما عداه هذيان، وقال ابن الرفعة: إنه في ذلك هاجم على أئمة المذهب، ثم شرع يوجه ذلك. قلت: وما قاله الإمام وغيره محله إذا كان العبد لواحد، فإن كان لاثنين ووكله في شرائه .. فإنه إذا اشترى نصفًا ونصفًا ينبغي أن يصح قطعًا، ولم أر من تعرض لذلك. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة الوكيل باستيفاء حق هل يثبته؟ وبإثباته هل يستوفي عينًا كان أو دينًا؟ فيه أوجه: أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: يثبت ولا يستوفي، ولو كان الحق قصاصًا أو حدًا .. لم يستوفه على المذهب. ولو أمره بالبيع مؤجلًا .. لم تلزمه المطالبة بعد الأجل، ولكن عليه بيان الغريم. ولو قال: ادفع هذا لصانع، فقال: دفعته، فطالبته المالك ببيانه .. لزمه البيان، فإن امتنع .. صار متعديًا، حتى لو بينه بعد ذلك وكان تلف في يد الصانع .. لزمه الضمان. * * *

كتاب الإقرار

كِتَابُ الإِقْرَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الإقرار في اللغة: الإثبات، من قولهم: قر الشيء يقر قرارًا إذا ثبت. وفي الشرع: إخبار عن وجوب حق عليه بسبب سابق، فإن كان بحق له على غيره .. فهو الدعوى، وإن كان بحق لغيره على غيره .. فهو الشهادة، هذا إذا كان خاصًا، فإن اقتضى شرعًا عامًا، فإن كان عن أمر محسوس .. فهو الرواية، وإن كان عن حكم شرعي .. فهو الفتوى، ويسمى الإقرار اعترافًا. والأصل في الباب: قوله تعالى: {قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا}. وقوله: {* يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} وفسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار. واستدل في (المحرر) بقوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا الحق ولو على أنفسكم) وهو ثابت في (الأجزاء) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولفظه: (وجدت في قائم سيف النبي صلى الله عليه وسلم رقعة فيها: صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك). وفي أحاديث (الشهاب): قل الحق ولو كان مرًا. وفي (الصحيحين): (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت .. فارجمها). ورجم صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية بإقرارهما. وأجمعت الأمة على المؤاخذة بالإقرار الصحيح، ودل عليه القياس أيضًا؛ لأن

يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لاَغٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإقرار أبعد عن التهمة من الشهادة، ولهذا يبدأ الحاكم بالسؤال عنه قبل السؤال عن الشهادة. ولو شهد شاهدان للمدعي ثم أقر المدعي عليه .. حكم بالإقرار وبطلت الشهادة. قال: (يصح من مطلق التصرف) رجلًا كان أو امرأة، مسلمًا كان أو كافرًا، عدلًا أو فاسقًا؛ للأدلة السابقة. وشملت عبارته السكران وهو كذلك على الأصح، لكن يستثنى المكره كما سيأتي. والأصل: أن من قدر على الإنشاء .. قدر على الإقرار، ومن لا .. فلا. واستثنى من طرده الوكيل بالبيع وقبض الثمن، إذا أقر بذلك وكذبه الموكل .. لا يصدق الوكيل على الأصح مع قدرته على الإنشاء. وولي الثيب ينشئ نكاحها ولا يقر به، ومن عكسه: إقرار المرأة بالنكاح، والمجهول الحرية أو الرق بالنسب، والمفلس ببيع الأعيان، والأعمى بالبيع، والوارث بدين على مورثه. وإقرار المريض بأنه كان قد وهب وارثه كذا، فإن زيد فيه من قدر على إنشاء يستقل به أو يؤاخذ به .. فلا استثناء. قال الشيخ عز الدين: قولهم: من ملك الإنشاء ملك الإقرار هذا بالنسبة إلى الظاهر، أما في الباطن .. فبالعكس. قال: (وإقرار الصبي والمجنون لاغ) كتصرفها، سواء المراهق وغيره، أذن الولي أم لا يأذن وإن كانت عبارته معتبرة في اختيار أحد أبويه، وفي دعواه استعجال الإنبات بالدواء، وفي الإذن في دخول الدار، وحمل الهدية. نعم؛ يستثنى إقرار المميز بالتدبير والوصية والإسلام إذا صححنا ذلك منه.

فَإِنِ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالاِحْتِلاَمِ مَعَ الإِمْكَانِ .. صُدِّقَ وَلاَ يُحَلَّفُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغمى عليه وزائل العقل بما يعذر فيه كالمجنون، أما الخنثى المشكل .. فقال الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز إقراره حتى يستكمل خمس عشرة سنة، وقد تقدم في (باب الحجر) أن الأصحاب أولوا هذا النص، قال الشيخ: وتأويله مشكل. قال: (فإن ادعى البلوغ بالاحتلام مع الإمكان .. صدق ولا يحلف)؛ لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته. والمراد بـ (الاحتلام): خروج المني على أي صفة كان في يقظة أو منام كما تقدم. قال أبو زيد والغزالي: ولا يحلف؛ لأنه إن كان صادقًا .. فلا حاجة إلى اليمين، وإن كان كاذبًا .. فيمينه غير منعقدة لكن جزم الرافعي في (باب النكول) وفاقًا لابن القاص بأن ولد المرتزق إذا ادعى البلوغ بالاحتلام وطلب إثبات اسمه في الديوان .. لابد من يمينه إذا اتهم، ومثله إذا حضر المراهق الوقعة فادعى الاحتلام وطلب السهم .. يعطى إن حلف، وإلا .. فوجهان: أصحهما: لا يعطى. وقد تقدم في (باب الحجر) أن الكتابي إذا ادعى أنه إنما أنبت بالاستعجال .. لا يقبل قوله في دفع الجزية عنه. ثم إذا لم يحلف وبلغ مبلغًا يقطع فيه ببلوغه .. قال الإمام الظاهر أيضًا أنه لا يحلف؛ لانتهاء الخصومة، وعدم الإجابة إلى التحليف إنما يتصور إذا كان له خصم يدعي صباه لغرض ما من بطلان تصرف أو غيره. ولو أقر ثم ادعى أنه صغير .. لم يحلف أيضًا، ودعوى الجارية الحيض كدعواه الاحتلام.

وَإِنِ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ. وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إِقْرَارِهِمَا. وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن ادعاه بالسن .. طولب ببينة)؛ لإمكانها، وقيل: لا يطالب بها لعسرها، فإن كان غريبًا خامل الذكر .. ففيه ثلاثة احتمالات للإمام: أظهرها: أنه يطالب بالبينة. والثاني: يلحق بدعوى الاحتلام. والثالث: يعتبر الإنبات. ولو أطلق الإقرار بالبلوغ ولم يعين نوعًا .. ففي قبوله وجهان. ولو قال: كنت وقت الإقرار صبيًا وأنا بالغ الآن .. فإنه يحلف، وكذا إذا قال: كنت مجنونًا وعرف له حال جنون في الأصح. قال: (والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما) في بابي (الحجر) و (التفليس)، لكن لم يتقدم حكم إقرار السفيه بالنكاح، وقد جزم الرافعي هنا بأن إقراره به باطل، وقال: إن بطلانه يشكل بقبول إقرار المرأة به، وفي (التهذيب) أنه لا يقبل كالمرأة. قال: (ويقبل إقرار الرقيق بموجب عقوبة) سواء كانت لله أو لآدمي. و (موجب) بكسر الجيم، أي: ما يوجبها، وذلك كالقصاص في النفس أو الطرف أو المنفعة، وكذلك القذف والزنا والسرقة وشرب الخمر؛ لبعده عن التهمة ويقام عليه موجب ذلك. قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعلم في قبول ذلك خلافًا عن أحمد ممن أرضى،

وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لاَ تُوجِبُ عُقُوبَةً وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ .. تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أمرت عائشة رضي الله عها بعبد أقر بسرقة فقطع، ومقطع علي رضي الله عنه عبدًا بإقراره ولم ينكر ذلك أحد، ونقل الأصحاب عن المزني: أنه لا يقبل إقراره بالحد والقصاص، ورده الأصحاب بقوله صلى الله عليه وسلم: (من يبد لنا صفحته نقم عليه حد الله). ثم ولي القصاص مخير إن شاء اقتص وإن شاء عفا، وأم الولد والمدبر كالقن، والمبعض سيأتي حكمه قريبًا. والمكاتب يقبل إقراره في البدن والمال كالحر، ويؤديه مما في يده، فإن عجز نفسه ولا مال معه .. فديون معاملاته يؤديها بعد عتقه، وأروش جناياته في رقبته تؤدى من ثمنه. وإذا أقر العبد بسرقة توجب القطع .. قبل في القطع، وفي المال أربعة أوجه: أصحها: لا يقبل. والثاني: يقبل. والثالث: يقبل إن كان المال باقيًا. والرابع: يقبل إن كان تالفًا. قال: (ولو أقر بدين جناية لا توجب عقوبة وكذبه السيد .. تعلق بذمته دون رقبته)؛ لأن الحجر عليه لحق السيد، فعمل بمقتضاه في متعلق حقه وهو الرقبة والكسب، ولأن العبد متهم فيتبع به إذا عتق؛ إذ لا حق للسيد في ماله حينئذ، وقيل: فيه القولان. ولا خلاف أنه لا يتعلق برقبته للتهمة، فإن صدقه السيد تعلق .. بها، فيباع إلا أن

وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ .. لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَاذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَيُقْبَلُ إِنْ كَانَ، وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يفديه السيد، وإذا بيع فبقي شيء من الدين .. فالأظهر: أنه لا يتبع به إذا عتق. قال: (وإن أقر بدين معاملة .. لم يقبل على السيد إن لم يكن مأذونًا له في التجارة) بل يتعلق بذمته، يتبع به إذا عتق، ولا فرق بين أن يكذبه السيد أو يصدقه؛ لتقصير من يعامله، بخلاف الجناية. قال: (ويقبل إن كان) أي: مأذونًا له لقدرته على إنشائه، اللهم إلا أن يكون مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض؛ فإن الإقرار به لا يقبل على السيد. ولو اشترى المأذون شراء فاسدًا .. لم يؤد من كسبه على الصحيح؛ لأن الإذن إنما يتناول الصحيح فقط، فيكون كغير المأذون يشتري بغير إذن، قاله البغوي. قال: (ويؤدي من كسبه وما في يده)؛ لأنه قادر على إنشائه كما تقدم في (باب العبد المأذون). وما أطلقه المصنف من القول في المأذون محله إذا لم يحجر السيد عليه، فإن حجر عليه فأقره بعد الحجر بدين معاملة أضافه إلى حال الإذن .. لم يقبل على الصحيح؛ لانتفاء القدرة على الإنشاء، ولا يقاس على المفلس، فإنه يصح إقراره في حق الغرماء على الإظهر كما تقدم؛ لأنه يقتضي من ماله ويطالب به بعد فك الحجر، والفك حاصل قطعًا، بخلاف العبد فلو أطلق العبد الإقرار بالدين .. لم ينزل على دين المعاملة في الأصح، كذا أطلقه الشيخان، وهو ظاهر إذا تعذرت المراجعة، وإلا فيراجع، كنظيره من المفلس. والمبعض إذا أقر بدين جناية .. لم يقبل فيما يتعلق بسيده، إلا أن يصدقه ويقبل في نصفه، وعليه قضاؤه مما في يده.

وَيَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإقرار السيد على عبده بدين الجناية مقبول، إلا أنه إذا بيع وبقي شيء .. لم يطالب به بعد العتق إلا أن يصدقه. قال: (ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي) ويكن من رأس المال عينًا كان المقر به أم دينًا، قال الغزالي: بالإجماع، وفي (التلخيص) و (النهاية) قول: إنه من الثلث. قال: (وكذا لوارث على المذهب)؛ لعموم الأدلة المتقدمة، ولأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها العاصي. والظاهر: أنه لا يقر إلا بتحقيق، وفي قول: لا يصح؛ لأنه متهم في حرمانه بعض الورثة. والأصح: طريقة القولين، وقيل: يقبل قطعًا. واختار الروياني مذهب مالك أن الحاكم يجتهد، فإن اتهم .. لم يصح، وإلا .. فيصح. وشملت عبارة المصنف ما إذا أقر أنه كان وهب وارثه في الصحة وأقبضه، والأصح في زوائد (الروضة): الصحة، وفي (الحاوي الصغير): البطلان، ويجري الخلاف فيما إذا أقرت المرأة أنها كانت أبرأت الزوج من صداقها في الصحة، قاله القاضي حسين. ولو أقر أنه كان وقف هذا الشيء في صحته على فقراء أهله، وليسوا وارثين .. صح الوقف وكان من رأس المال، والاعتبار في كون المقر له وارثًا بحال الموت لا بحالة الإقرار على الأشهر كالوصية، ولا نظر إلى الحالة المتخللة بينهما بالاتفاق. ولو أقر لوارثه وأجنبي .. خرج على قولي تفريق الصفقة. فرع: إقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول، فلو أقر بعضهم بدين وأنكر البعض .. فقولان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القديم: أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به، وإلا .. فتصرف جميع حصته إليه؛ لأنه إنما يستحق بعد قضاء الدين. والجديد: لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة. فعلى هذا: لو مات المنكر وورثه المقر .. لزمه الآن جميع المقر به على الأصح؛ لحصول جميع التركة في يده. ويتفرع على القولين: لو شهد بعض الورثة بدين على المورث إن قلنا لا يلزمه بالإقرار إلا حصته .. قبلت شهادته، وإلا .. فلا؛ لأنه متهم، وسواء كانت الشهادة بعد الإقرار أو قبله. وإذا مات عن ابنين فأقر أحدهما أن أباه أوصى لزيد بعشرة .. فهو كما لو أقر عليه بدين، فعلى القديم: يتعلق كل العشرة بثلث نصيبه، وعلى الجديد: يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه. ولو أقر أحدهما أنه أوصى بربع ماله وأنكر الآخر .. فعلى المقر أن يدفع إلى الموصى له ربع ما في يده، فلو أقر أنه أوصى بعين من أعيان أمواله، فإن لم يقسما التركة .. فنصيب المقر من تلك العين يصرف إلى الموصى له والباقي للمنكر، وإن اقتسماها، فإن كانت تلك العين في يد المقر .. لزمه دفعها إلى المقر له، وإن كانت في يد المنكر .. فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر؛ لأنه فوته عليه بالقسمة. حادثة: رجل أقر لبعض ورثته بدين ومات الوارث محجور عليه، فادعى وليه بالدين وطلب بقية الورثة يمينه وهو بالغ- أعني المقر له- فهل يلزمه يمين؟ وهل للحاكم أن يحكم من غير يمينه؟ وإذا نكل هل يكون المبلغ له؟ أجاب الشيخ: نعم يلزم المقر له اليمين، وليس للحاكم أن يقضي له من غير

وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لِوَاحِدٍ بِدَيْنٍ، وَفِي مَرَضِهِ لآخَرَ .. لَمْ يُقَدَّمِ الأَوَّلُ. [وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لآِخَرِ .. لَمْ يُقَدَّمِ الأَوَّلُ فِي الأَصَحِّ]. وَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ مُكْرَهٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يمينه، فإذا نكل .. وقل الحكم إلى أن ينفك الحجر عنه. فإذا انفك .. حلف بقية الورثة اليمين المردودة، ولا يحلفون في مدة الحجر؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار، وإقرار المحجور عليه بالمال لا يقبل. قال: (ولو أقر في صحته لواحد بدين، وفي مرضه لآخر .. لم يقدم الأول) بل يقسم بينهما بالنسبة كما لو ثبتا بالبينة. وقوله: (لآخر) يجوز أن يقرأ بـ (الباء) أي: بدين آخر، وحكى في (البيان) قولًا شاذًا: إنه يقدم دين الصحة. [قال: (ولو أقر في صحته أو مرضه وأقر وارثه بعد موته لآخر .. لم يقدم الأول في الأصح)]. وقال: (ولا يصح إقرار مكره) بما أكره عليه؛ لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمن}، والكفر أعظم الذنوب وسقط أثره بالإكراه فغيره من باب أولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: أحدها: ضرب ليقر، فأقر في حال الضرب .. لم يصح، وإن ضرب ليصدق فأقر .. صح؛ لأن الصدق لم ينحصر في الإقرار، كذا قاله المصنف. قال الشيخ: قوله: إنما ضرب ليصدق صحيح، ولكن إذا انحصر الصدق في ذلك .. صار مكرهًا عليه، وهو صورة المسألة، قال: وخطر لي أن يقال: الإكراه إنما أبطل حكم الإقرار؛ لأنه قد يقر كاذبًا، وفي الإكراه على الصدق لا يتأتى ذلك. الثاني: أقر أو باع أو تصرف تصرفًا آخر ثم قال: كنت مكرهًا، فإن قاله متصلًا بإقراره .. فهي مسألة تبعيض الإقرار، وإن قاله منفصلًا ولا قرينة على إكراهه .. لم يقبل عند الأكثرين. ويستثنى منه: إذا شهد عليه بأنه تلفظ بالردة فادعى أنه كان مكروهًا .. فإنه يقبل فإن كانت قرينة مثل كونه محبوسًا بغير حق أو مقيدًا أو موكلًا به .. قبل قوله، صرح به جميع الأصحاب إلا الماوردي فإنه أطلق عدم القبول في هذه الحالة أيضًا. كل هذا إذا أطلقت البينة الشهادة، فإن قيدت بأنه غير مكره .. فقال الإمام: لا يقبل قول المشهود عليه وإن ظهرت أمارات على صدقه، فإن الشهادة لا يعارضها أمارات. الثالث: الصحيح المنصوص: سماع الشهادة بالإقرار مطلقة من غير تعرض لبلوغ أو حرية أو عقل أو طواعية، وما يذكر في الوثائق من التعرض لذلك احتياط، عن صاحب (التقريب) خلاف في جميع ذلك عند الاحتمال. فعلى الصحيح: للقاضي أن يسأل الشاهد، فإن فصل .. فذاك، وإن امتنع، فإن

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ: لِهَذِهِ الدَّابَةِ عَلَيَّ كَذَاَ .. فَلَغْوٌ، فَلَوْ قَالَ: بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا .. وَجَبَ، وَلَوْ قَالَ: لِحَمْلِ هِنْدٍ كَذَا بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ .. لَزِمَهُ. وَإِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى جِهَةٍ لاَ تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ .. فَلَغْوٌ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ كان امتناعًا لا يورث ريبة .. أمضى القاضي القضاء، وإن ارتاب .. توقف. ويجوز للقاضي ترك السؤال إن علم أن الشاهد خبير بشرائط الشهادة فطنًا، وإن تمارى في أمره .. قال الإمام: لابد من الاستفصال في الشرائط، وأما تعيين الزمان والمكان .. فلا يجب على الشاهد تعيينه بلا خلاف. قال: (ويشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به)؛ لأن الإقرار بدونه كذب. قال: (فلو قال: لهذه الدابة عليَّ كذا .. فلغو)؛ لأنها لا تملك شيئًا ولا تستحقه، وفي قول مخرج: إنه يصح. قال: (فلو قال: بسببها لمالكها .. وجب) حملًا على أنه جنى عليها أو اكتراها، فهو إقرار للمالك لا لها، وقد تكون هي السبب. وقيل: لا يصح إلا أن يبين السبب، لأن الغالب لزوم المال بالمعاملة، والمراد: مالكها حالة الإقرار. ولو لم يذكر المالك بل قال: علي بسبب هذه الدابة ألف درهم .. حمله الأصحاب على الالتزام لمن هو مالك في الحال، قال الإمام: وفيه نظر. قال: (ولو قال: لحمل هند كذا) أي: علي أو عندي (بإرث أو وصية .. لزمه)؛ لأن ما قاله ممكن والخصم في ذلك ولي الحمل. وأشار بقوله: (هند) إلى أنه لابد من تعيينها؛ لأن إبهامها يلزم منه إبهام المقر له. قال: (وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه .. فلغو)؛ للقطع بكذبه، كما إذا قال: له علي ألف أقرضنيها، كذا جزم به الرافعي في (المحرر).

وَإِنْ أَطْلَقَ .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ. وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ .. تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى في (الشرح) في المسألة ثلاثة طرق، صحح منها الصحة، وعللها بأنه عقب الإقرار بما هو غير مقبول، فأشبه قوله: علي ألف لا يلزمني، فلذلك استدركه عليه في (الروضة) بقوله: الأصح البطلان، كما قطع به في (المحرر)، وفرق بينه وبين قوله: ألف من ثمن خمر بأن بيع الخمر معتاد، بخلاف معاملة الأجنة. قال: (وإن أطلق .. صح في الأظهر) حملاً للكلام على الجهة الممكنة. والثاني: لا يصح؛ لأن المال في الغالب إنما يجب بالمعاملة، وهي مستحيلة في الحمل. قال: (وإن كذب المقر له المقر .. ترك المال في يده في الأصح)؛ لدلالتها على المالك ظاهرًا، والإقرار عارضه التكذيب فسقط، كذا علله الرافعي، ومقتضاه أن يقر في يده لنفسه لا لغيره، وبه صرح في (المهذب). والثاني: يحفظه القاضي إلى أن يظهر مالكه؛ لأنه كالمال الضائع. والثالث: يجبر المقر له على قبوله، وهذا بعيد. تنبيهات: أحدها: موضع الخلاف إذا قال: هذا لزيد، أما إذا قال للقاضي: في يدي مال لا أعرف مالكه أو ليس هو لي .. فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه، وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه أيضًا. الثاني: قال ابن الرفعة والشيخ: محل الخلاف فيما إذا كان المقر به عينًا، فإن كان دينًا .. فالمشهور: أنه لا يؤخذ منه. قال ابن الرفعة: وأجراه ابن يونس في الدين، ولم أره لغيره. قال الشيخ جمال الدين: وهذا غريب، فقد ذكره الرافعي قبيل الركن الثالث.

فصل

فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ تَكْذِيبِهِ وَقَالَ: غَلِطْتُ .. قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الأَصَحِّ. فَصْلٌ: قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا .. صِيغَةُ إِقْرَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وصرح المتولي بأنه لا فرق بين العين والدين، وهو الصواب. الثالث: لو كان المقر به قصاصاً أو حد قذف وكذبه المقر له .. سقط جزمًا، وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع وأنكر رب المال السرقة .. فلا قطع، وفي المال ما سبق، وهذه المسألة تكررت في الكتاب هنا وفي (الشفعة) و (النكاح) و (الدعاوى). قال: (فإن رجع المقر في حال تكذيبه وقال: غلطت .. قبل قوله في الأصح) هذه المسألة مبنية على الخلاف السابق، فإن قلنا بالأصح وهو أن يترك في يد المقر .. أبطلنا حكم الإقرار. فعلى هذا: يقبل رجوعه ههنا، وإن قلنا يحفظه القاضي لم يقبل. تتمة: تقييد المصنف بحالة التكذيب يوهم أنه لو رجع المقر له وصدقه لا يكون كذلك، وليس كذلك؛ فإن الأصح عند المتولي وغيره: أن رجوع المقر له غير مقبول، ولا يصرف إليه إلا بإقرار جديد، وتقييده بالغلط وقع في (المحرر) وفي (الوسيط) في (كتاب الدعاوى)، وقواه في (المطلب)، لكن في (الروضة) و (الشرحين): أنه لا فرق بين أن يقول: غلطت أو تعمدت. قال: (فصل: قوله: لزيد كذا .. صيغة إقرار)؛ لأن اللام للملك، فإن كان المقر به معينًا كهذا الثوب .. وجب أن يسلمه له، وإن لم يكن كألف وثوب .. فلابد أن يضيف إليه شيئًا من الألفاظ الآتية كعلي أو عندي ونحوه.

وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ، وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ. وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: زِنْ، أَوْ خُذْ، أَوْ زِنْهُ، أَوْ خُذْهُ، أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ، أَوِ اجْعَلْهُ فِي كِيسِكَ .. فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، ولَوْ قَالَ: بَلَى، أَوْ نَعَمْ، أَوْ صَدَقْتَ، أَوْ أَبْرَاتَنِي مِنْهُ، أَوْ قَضَيْتُهُ، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ .. فَهُوَ إِقْرَارٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقوله: علي وفي ذمتي للدين)؛ لأنه المتبادر عرفًا، ولو عبر المصنف بـ (أو) فقال: علي أو في ذمتي كما عبر به في (الشرح) و (الروضة) .. كان أولى من (الواو)؛ لأنها توهم أن الاجتماع مراد. قال: (ومعي وعندي للعين) أي: كل منهما للعين؛ لأن (مع) و (عند) ظرفان فيسبق إلى الذهن عند المخاطبة ذلك، فيحمل على أدنى المراتب وهي الوديعة، لا على الغصب والعارية كما ذكره المصنف بعد هذا في زوائد (الروضة). فإن أتى بلفظ من ألفاظ العين ولفظ يدل على الدين بأن قال: علي ومعي عشرة .. فالقياس أنه يرجع إليه في تفسير بعض العشرة بالعين وبعضها بالدين. وقوله: قبلي كذا عند البغوي للدين، وقال الرافعي يشبه أن يقال: هو صالح للدين والعين جميعًا، والماوردي صرح بما حكاه الرافعي، والصواب المنصوص: ما أجاب به البغوي. قال: (ولو قال: لي عليك ألف، فقال: زن، أو خذ، أو زنه، أو خذه، أو اختم عليه، أو اجعله في كيسك .. فليس بإقرار)؛ لأن ذلك يذكر في معرض الاستهزاء، وقيل: الأربعة الأخيرة إقرار. وأغرب أبو عبد الزبيري من أصحابنا فقال: إذا قال: زنه أو خذه .. كان إقرارًا، وإن قال: زن أو خذ بلا (هاء) .. لا يكون إقرارًا. قال: (ولو قال: بلى، أو نعم، أو صدقت، أو أبرأتني منه، أو قضيته، أو أنا مقر به .. فهو إقرار) أما المسائل الثلاثة الأول .. فلأنها موضوعة للتصديق والموافقة، وحكم (أجل) في هذا حكم (نعم) وهو عند أهل اللغة أحسن من

وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ .. فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ .. وَلَوْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْكَ كَذَا؟ فَقَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ .. فَإِقْرَارٌ، وَفِي (نَعَمْ) وَجْهٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ (نعم) في التصديق، و (نعم) أحسن منه في الاستفهام و (بلى) لتحقق ما يسأل عن نفيه. والثاني: يكون إقرارًا للعرف، وحيث لا عرف يقطع بعدم الإقرار إلا أن يثبت في اللغة أنه يجاب بها الإثبات، ويقصد بها تقريره كـ (نعم) وهذا قليل. وفي معنى (نعم): (جير) و (إي) ولا تستعمل في اللغة إلا مع القسم قال تعالى: {قل إي وربي إنه لحق}، والعامة يستعملونه بغير قسم، ويلحقون به هاء السكت. وأما دعوى الإبراء والقبض .. فلأنه قد اعترف بالشغل وادعى الإسقاط، والأصل عدمه. وقيل: لا يكون مقرًا بدعوى الإبراء؛ لأن الإبراء يستعمل لإظهار البراءة، قال الله تعالى: {فبرأه الله مما قالوا}. وفي دعوى القبض وجه أيضًا: أنه لا يكون مقرًا. وقوله: (أنا مقر به) يفهم منه الاعتراف، ولو ادعى ألفا فقال: قبضته .. فمقر به. قال: (ولو قال: أنا مقر) ولم يقل به (أو أنا أقر به .. فليس بإقرار) أما الأول .. فلجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه، أو بأن الله واحد، وأما الثاني .. فلاحتمال الوعد بالإقرار، وفي كل منهما وجه، وكذلك الحكم لو قال: أنا أقر لك به كما مثل به في (الشرح) و (الروضة). قال: (ولو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى أو نعم .. فإقرار)؛ لأن ذلك يدل على التصديق. قال: (وفي (نعم) وجه): أنها لا تكون إقراراً.

وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ أَقْضِي غَدًا، أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا، أَوْ أَقْعُدَ، أَوْ أَفْتَحَ الْكيِسَ، أَوْ أَجِدَ الْمفْتَاحَ .. فَإِقْرَارٌ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق أن (نعم) لتقرير ما سبق و (بلى) لنفيه وإثبات ما بعده، والسابق هنا نفي فقررته (نعم) ونفته (بلى). والأصح: أنه إقرار؛ لأن الإقرار يحمل على ما يفهمه أهل العرف، ولم يرحج الرافعي في (الشرح) شيئًا، وصحح في زوائد (الروضة) و (الشرح الصغير) كـ (المنهاج)، لكن ورد في (صحيح مسلم) [832] استعماله جوابًا للإثبات في قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت الذي لقيتني بمكة عام أول؟ فقال: بلى. ...). قال: (ولو قال: اقض الألف الذي لي عليك، فقال: نعم، أو أقضي غدًا، أو أمهلني يومًا، أو حتى أقعد، أو أفتح الكيس، أو أجد المفتاح .. فإقرار في الأصح)؛ لأنه المفهوم من هذه الألفاظ. والثاني: لا؛ لأنه ليس بصريح في الالتزام، قال الشيخ: وهو الأشبه عندي. فروع: كتب لزيد علي ألف درهم ثم قال للشهود: اشهدوا علي بما فيه، فليس بإقرار خلافًا لأبي حنيفة. لنا: أن الإقرار لا يثبت بالفعل، بل بالقول ولم يوجد. ولو قال: إن شهد علي فلان وفلان أو شاهدان بكذا فهما صادقان .. فهو إقرار في الأظهر وإن لم يشهدا. ولو قال: إن شهدا علي بكذا صدقتهما أيضًا .. فإقرار أيضًا، أما إذا قال: إن شهدا علي فهما عدلان .. فإنه لا يكون إقرارًا، بل تزكية وتعديلاً للمخاطب.

فصل

فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لاَ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ قَالَ: دَارِي، أَوْ ثَوْبِي، أَوْ دَيْنِي الذَّي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍ و ... فَهُوَ لَغْوٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: أفتى الشيخ برهان الدين المراغي مدرس الفلكية بدمشق في امرأة أشهد على نفسها أن هذا الرجل ابن عمها وصدقها: أن العصوبة تثبت ويرثها إذا ماتت، وهي مسألة تعم بها البلوى، لاسيما إذا كان المقر به غائبًا، فكثيرً ما يقر مريض بأن له وارثًا غائبًا إما ابن عم أو أخوة فيضع وكيل بيت المال يده على المال مدعيًا أن بيت المال لا يندفع بهذه الدعوى، وأفتى الشيخ باندفاع وكيل بيت المال بذلك، وحفظ هذا المال بمجرد هذا الإقرار حتى يحضر الغائب، قال: (وفي (فتاوى القاضي) و (شيخه القفال) و (ابن الصلاح): ما يرشد إلى ذلك. قال: (فصل: يشترط في المقر به) وهو ما جازت المطالبة به (أن لا يكون ملكًا للمقر)؛ لأن الإقرار ليس مزيلاً للملك، بل إخبار عن كونه مملوكًا للمقر له، فلابد من تقدم المخبر عنه على الخبر. قال: (فلو قال: داري، أو ثوبي، أو ديني الذي على زيد لعمرو .. فهو لغو)؛ لأنه جملة واحدة أولها مناقض لآخرها، وعلم من عبارته صحة الإقرار بالدين، فإذا قال: الدين الذي لي على زيد لعمرو واسمي في الكتاب عارية .. صح؛ لاحتمال أنه وكيله، لكن يستثنى من ذلك الصداق وبدل الخلع وأرش الجناية على الحر، فلا

وَلَوْ قَالَ: هَذَا لِفُلاَنٍ وَكَانَ مِلْكِي إِلَى أَنْ أَقْرَرْتُ .. فَأَوَّلُ كَلاَمِهِ إِقْرَارٌ وَآخِرُهُ لَغْوٌ. ولْيَكُنِ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لَيُسَلَّمَ بِالإِقْرَارِ إِلَى الْمُقَرِّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يصح الإقرار بها عقب ثبوتها، كما نقله الرافعي عن صاحب (التلخيص) وأقره. وأورد على حصره: المتعة والحكومة والمهر الواجب عن وطء الشبهة وأجرة بدن الحر فلا يصح الإقرار بها أيضًا. قال: (ولو قال: هذا لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت .. فأول كلامه إقرار وآخره لغو)؛ لمناقضته الأول، فيطرح آخر ويؤاخذ بأوله، ولو عكس فقال: هذه الدار ملكي هذه الدار لفلان .. صح الإقرار أيضًا. ولو أقر ثم شهدت بينة أنه لم يزل ملكه إلى أن أقر .. لم يصح الإقرار، كما قاله الهروي وغيره، وكذلك الحكم في الدين أيضًا إذا قال: ديني الذي على زيد لعمرو .. فهو باطل. قال: (وليكن المقر به في يد المقر ليسلم بالإقرار إلى المقر له) المراد: أنه يشترط في الحكم بالإقرار كون المقر به في يد المقر حسًا أو شرعًا، فإنه حينئذ يسلم للمقر له. ويستثنى من هذه القاعدة: ما إذا باع الحاكم مال الغائب بسبب اقتضاه، ثم قدم وادعى أنه كان تصرف فيه قبل بيع الحاكم .. فإنه يقبل منه، كما سيأتي قبيل (كتاب الصداق) عن النص. ويشترط في اليد الاستقلال، فلو كانت يده نائبة عن غيره بأن أقر بمال تحت يده ليتيم أو جهة وقف .. لم يصح إقراره، وكذلك المفلس فإن العين وإن كانت في يده لكنها ليست في ولايته، فلا يصح إقراره بها.

فَلَوْ أَقَرَّ ولَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَارَ .. عُمِلَ بِمُقْتَضَى الإِقْرَارِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَد غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ .. حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ قَالَ: هُوَ حُرُّ الأَصْلِ .. فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقَهُ .. فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو أقر ولم يكن في يده ثم صار .. عمل بمقتضى الإقرار)؛ لأن الشرط قد وجد فآخذناه بإقراره. قال: (ولو أقر بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراه .. حكم بحريته) مؤاخذة له بإقراره السابق، ويصح الشراء في هذه الصورة تنزيلًا للعقد على قول من صدقه الشارع وهو البائع وإن اعتقد المشتري حريته استنفاذًا له من الظلم، كما لو اشترى المسلم أسيرًا من مشرك .. يصح الشراء وإن كان حراً استنفاذًا له لا تمليكًا. قال: (ثم إن كان قال: هو حر الأصل .. فشراؤه افتداء) أي: من جهة المشتري؛ لأن اعترافه بحريته مانع من جعله بيعًا من جهته، وهذا لا خلاف فيه، وكذا إن قال: أعتقه فلان والبائع اشتراه منه. قال: (وإن قال: أعتقه) أي: البائع ويسترقه ظلمًا، ويوجد في بعض النسخ: أعتقه على الخطاب، والذي بخط المصنف على الغيبة. قال: (.. فافتداء من جهته وبيع من جهة البائع على المذهب)؛ لاعترافه بحريته، وامتناع شراء الحر. والثاني: أنه بيع من الجانبين. والثالث: أنه افتداء من الجانبين، قال الرافعي: وهذا الثالث مما ينبو عنه الطبع. قال: (فيثبت فيه الخياران للبائع فقط) بناء على أنه بيع من جهته، فلو ظهر بالعبد عيب .. لم يكن له رده، لكن له الأرش على قولنا: شراء، وليس له على قولنا: افتداء. ولو قال: هذا العبد الذي في يدك غصبته من زيد، ثم اشتراه منه .. صح في الأصح استنقاذًا لملك الغير كما يستنقذ الحر.

وَيَصِحُّ الإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَى شَيْءٌ .. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ فَسَرَّهُ بِمَا لاَ يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِمَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ سِرْجِينٍ .. قُبِلَ فِي الأَصَحِّ، ... .. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويصح الإقرار بالمجهول) إما من بعض الوجوه كقوله: له علي ثوب، أو من كلها كقوله: له علي شيء؛ لأن الإقرار إخبار عن حق سابق، والشيء يخبر عنه مبينًا ومجملًا وغير معين، إما لثبوته مجهولًا بوصية ونحوها، وإما لغير ذلك. ولو عبر المصنف بـ (المجمل) كما في (الشرح) و (الروضة) .. كان أحسن، فإن الإقرار بالمبهم كأحد العبدين صحيح ودخوله في المجمل أظهر من دخوله في المجهول. قال: (فإذا قال: له علي شيء .. قبل تفسيره بكل ما يتمول وإن قل)؛ لأن اسم الشيء صادق عليه، وبدأ بلفظ (شيء)؛ لأنها أعلم النكرات فإنها تصدق على كل موجود، ولا خلاف في قبول تفسيرها بما يتمول؛ لصدق الاسم وحصول المقصود الأعظم من الأقارير وهو المال. قال في (الجواهر): وضابط ما يتمول: ما سد مسدًا، ووقع موقعًا يحصل به جلب نفع أو دفع ضر كفلس ورغيف وتمرة لها قيمة. وظاهر نص الشافعي رضي الله عنه أنه لابد من اليمين، فيحلف أن ما له عليه شيء سوى ما فسره، فإن نكل قيل للمدعي: سم ما شئت، فإذا سمى فإن حلف المقر .. برئ، وإلا .. حلف المدعي واستحق. قال: (ولو فسره بما لا يتمول لكنه من جنسه كحبة حنطة، أو بما يحل اقتناؤه ككلب معلم أو سرجين .. قبل في الأصح)؛ لأنه شيء يحرم أخذه وعلى من أخذه رده، ونظير الكلب المعلم: القابل للتعليم وجلد الميتة القابل للدبغ والخمرة المحترمة. أما الأول .. فلأنه لا قيمة له، فلا يصح التزامه بكلمة (علي). وأما الثاني .. فلأنه ليس بمال، وصاحب هذا الوجه يقول: لا تصح الدعوى به.

ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كله إذا كان الإقرار بصيغة: له علي، فإن قال: له في ذمتي، ثم فسره بحبة حنطة أو بكلب أو خنزير .. فلا يجري هذا الخلاف؛ لأن هذه الأشياء لا تثبت في الذمة. و (السرجين): الزبل، عجمي معرب، ويقال بالقاف بدل الجيم، وحكى في (المحكم) فيه فتح السين أيضًا، لكن قال القاضي عياض وغيره: ليس في الكلام فعليل بالفتح. فرع: مات المقر بالشيء قبل البيان .. طولب به الوارث، فإن امتنع .. فقولان: أحدهما: يوقف مما ترك أقل متمول. والأظهر: يوقف الجميع؛ لأنه مرتهن بالدين. واستشكل في (المطلب) القولين معًا؛ لأن التفسير بالاختصاصات مقبول. نعم؛ يتجه الخلاف إذا قال: له علي مال، وألحق الهروي جنونه بموته، فإذا غاب المقر .. حكى الهروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: يبين المدعي مقدارًا ويحلف أن له ذلك، وأنه أراده بإقراره، وحينئذ يعطيه الحاكم له، ولو فسره بحق الشفعة .. قبل، وكذا بالقصاص والوديعة على الصحيح. وقيل: لا؛ لأنهما في يده لا عليه.

وَلاَ يُقْبَلُ بِمَا لاَ يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ لاَ نَفْعَ فِيهِ وَلاَ بِعِيَادَةٍ وَرَدِّ سَلاَم. وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ .. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي التفسير بحد القذف وجهان: أصحهما في (التنبيه) وزاوائد (الروضة): القبول. قال: (ولا يقبل بما لا يقتنى كخنزير وكلب لا نفع فيه) من صيد أو حفظ ماشية أو زرع أو درب؛ لأن قوله: علي يقتضي ثبوت حق، وما لا يقتنى ليس فيه حق ولا اختصاص ولا يلزم رده، وفيه وجه. أما لو قال: له عندي شيء أو غصبت منه شيئًا .. فيقبل تفسيره بما لا يقتنى، بخلاف: علي، فلو غصب من ذمي خمرًا أو خنزيرًا .. وجب رده عليه إذا لم يكن قد تظاهر بذلك، وحينئذ فالقياس قبول تفسيره له بذلك. قال: (ولا بعيادة ورد سلام)؛ لبعد ذلك عن الفهم، ولأنه لا مطالبة بهما، والإقرار في العادة إنما يكون بما يطلب. نعم؛ تفسير الحق بهما، واستشكله الرافعي بأن الحق أخص من الشيء، فيبعد قبول تفسيره الأخص بما لا يقبل به تفسيره الأعم. واعترض في (المهمات) على الرافعي بأن أهل العرف يطلقون لفظ الحق على هذه الأمور فيقولون: لفلان علي حق، ويريدون خدمته وسعيهم إلى بابه وغير ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس ...) وذكر من جملتها عيادة المريض ورد السلام. قال: (ولو أقر بمال أو مال عظيم أو كبير أو كثير .. قبل تفسيره بما قل منه)؛ لصدق الاسم، والأصل براءة الذمة عن الزيادة، وأما عند وصفه بالعظم أو الكثرة ونحوهما كخطير وجليل ونفيس .. فلاحتمال أن يريد ذلك بالنسبة إلى الفقير أو الشحيح، أو باعتباره كفر مستحله وعقاب غاصبه، وكذا لو قال: عظيم جدًا أو عظيم

وَكَذَا بِالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي الأَصَحِّ، لاَ بِكَلْبٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ. وَقَوْلُهُ: لَهُ كَذَا .. كَقَوْلِهِ: شَيْءٌ ... .. ـــــــــــــــــــــــــــــ ألف مرة أو صغيرة أو صغير جدًا أو له عندي مال وافر أو تافه؛ لقوله تعالى: {فما متع الحيوة الدنيا في الأخرة إلا قليل}، {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حسبين}. قال الشافعي رحمه الله: أصل ما أبني عليه في الأقارير أن ألزم اليقين وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة. وعن أبي حنيفة: لا يقبل في تفسير العظيم والكثير أقل من عشرة دراهم، ووافقنا في الخطير والجليل والنفيس. وقال مالك: لا يقبل في جميع ذلك أقل مما تقطع فيه اليد. وقال الليث بن سعد: يلزم في قوله: علي مال كثير اثنان وسبعون درهمًا؛ لأن الله تعالى قال: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة}، وعدد غزواته وسراياه اثنان وسبعون، وهذا قول محمد بن نصر. وقال ابن سعد: الغزوات التي غزاها بنفسه سبعة وعشرون والسرايا ستة وخمسون، فهي ثلاثة وثمانون. وذكر ابن السمعاني في ترجمة العسكري: أن المتوكل اعتل فنذر إن شفي أن يتصدق بدنانير كثيرة، فسأل أبا الحسن علي بن محمد بن موسى العسكري عن ذلك فقال: تصدق بثلاثة وثمانين دينارًا. قال: (وكذا بالمستولدة في الأصح)؛ لأنها لو أتلفها متلف ضمنها ضمان الأموال. والثاني: لا؛ لخروجها عن اسم المال المطلق، ولو قال: رقيقي أحرار .. لم تدخل على وجه. قال: (لا بكلب وجلد ميتة)؛ لمباينته اسم المال. قال: (وقوله: له كذا .. كقوله: شيء)؛ لإبهامها، وهي في الأصل مركبة من (كاف) التشبيه واسم الإشارة ثم نقلت فصارت يكنى بها عن عدد وغيره، ويجوز

وَقَوْلُهُ: شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا .. كَمَا لَوْ يُكَرِّرْ. وَلَوْ قَالَ: شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا .. وَجَبَ شَيْئَانِ. وَلَوْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ .. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا- بِالنَّصْبِ- وَجَبَ دِرْهَمَانِ، ... . ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمالها في النوعين مفردة ومركبة ومعطوفة. قال: (وقوله: شيء شيء أو كذا كذا .. كما لو لم يكرر)؛ لأن الثاني ظاهر في احتمال إرادة التأكيد. قال: (ولو قال: شيء وشيء أو كذا وكذا .. وجب شيئان)؛ للعطف، سواء كانا متفقين أو مختلفين؛ لأن العطف يقتضي المغايرة. قال: (ولو قال: كذا درهمًا أو رفع الدرهم أو جره .. لزمه درهم)؛ لأن كذا مبهم وقد فسره بدرهم، والنصب فيه جائز على التمييز، والرفع على أنه عطف بيان أو بدل، والجر وإن كان لحنًا عند البصريين فلا أثر له في الإقرار. وإيجاب الدرهم مع الرفع لا خلاف فيه، وأما مع النصب .. فخالف فيه أبو إسحاق المروزي فأوجب على العارف باللغة عشرين درهمًا؛ لأنه أقل عدد يميز بمفرد منصوب وأما مع الجر .. فخالف فيه بعضهم فأوجب فيه بعض درهم حملًا لـ (كذا) على البعض وصححه في (التنبيه) و (الشامل) واختاره الشيخ. وقوله: (كذا درهم) بالسكون كالمخفوض فيأتي فيه الوجهان. قال: (والمذهب: أنه لو قال: كذا وكذا درهمًا- بالنصب- وجب درهمان)؛ لأن التمييز وصف، والوصف المتعقب لشيئين يعود إليهما عند الشافعي رضي الله عنه. والقول الثاني: يلزمه درهم واحد، وهو اختيار المزني والشيخ؛ لجواز تفسيره اللفظين معًا بالدرهم فيكون المراد: من كل واحد نصف درهم. والثالث: يلزمه درهم وشيء، أما الدرهم .. فلتفسير الجملة الثانية، وأما الشيء .. فللأول الباقي على إبهامه، هذه الطريقة المشهورة. والثانية: القطع بالأول.

وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ .. فَدِرْهَمٌ. وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ .. فَدِرْهَمٌ فِي الأَحْوَالِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ أَلْفٌ ودِرْهَمٌ .. قُبِلَ تَفْسِيرُ الأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ ... .. ـــــــــــــــــــــــــــــ والطريقة الثالثة: القطع بالثاني. وقيل: إن أطلق .. فدرهما، وإن نوى عوده إليهما .. فدرهم، و (ثم) في جميع ما تقدم كـ (الواو). قال: (وأنه لو رفع الدرهم أو جره .. فدرهم) أما الرفع .. فلأن قوله: (له علي كذا) كلام تام، وقوله: (وكذا درهم) معناه: أن كذا الذي أقررت به درهم، فتكون الواو قد عطفت جملة على جملة. وأما الجر .. فلما كان لحنًا رجعنا إلى ما يفهم منه عرفًا وهو اليقين فلزم درهم. قال الرافعي: ويمكن أن يخرج فيه مما سبق أنه يلزمه شيء وبعض درهم، أو لا يلزمه إلا بعض درهم. اهـ وجزم القاضي أبو الطيب بوجوب بعض درهم كما حاوله الرافعي. وقيل: يجب درهمان، صرح به الماوردي، ولم ينقل الرافعي في المسألة خلافًا، إنما جزم بوجوب درهم ثم ذكر البحث السابق. قال: (ولو حذف الواو .. فدرهم في الأحوال) أي: الرفع والنصب والجر؛ لاحتمال إرادة تأكيد الأول بالثاني. وقال أبو إسحاق: إن كان عالماً بالعربية .. لزمه أحد عشر درهمًا؛ لأنه قل عدد مركب يفسر بمنصوب. وقد تحصلنا على اثنتي عشرة مسألة؛ لأن (كذا) إما مفردة أو مركبة أو معطوفة، و (الدرهم) إما أن يرفع، أو ينصب، أو يجر، أو يسكن، ثلاثة في أربعة، والواجب في الجميع: درهم، إلا مع العطف والنصب .. فدرهمان. قال: (ولو قال: له ألف ودرهم .. قبل تفسير الألف بغير الدراهم) فالدرهم

وَلَوْ قَالَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا .. فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ [عَلَى الصَّحِيحِ]. وَلَوْ قَالَ: الدِّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْتُ بِهَا نَاقِصِةُ الْوَزْنِ؛ فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةَ الْوَزْنِ .. فَالصَّحِيحُ: قَبُولُهُ إِنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلاً، وَمَنْعُهُ إِنْ فَصَلَهُ عَنِ الإِقْرَارِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ مبين ويرجع في تفسيره الألف إليه؛ لأن العطف إنما وضع للزيادة، ولم يوضع للتفسير؛ لأنه مبهم. وقال أبو حنيفة وأبو ثور: تكون الألف من جنس المعطوف، وطردًا ذلك في كل معطوف مكيل أو موزون أو معدود. لنا: القياس على عكسه، وهو درهم وألف فإنهما سلما أن الألف باق على إبهامه. ولو قال له: علي ألف درهم برفعهما وتنوينهما .. فله تفسير الألف بما لا تنقص قيمته عن درهم وكأنه قال: ألف مما قيمة الألف منه درهم. قال: (ولو قال: خمسة وعشرون درهمًا .. فالجميع دراهم [على الصحيح])؛ لأن التمييز كالوصف، وهو يعود إلى الجميع عندنا. والثاني: أن الخمسة مبهمة؛ لوقوعها معطوفًا عليها والعشرون مفسرة بالدرهم، وضعف هذا بأنه يلزم عليه أنه لو قال: بعتك الثوب بمئة وخمسين درهمًا .. لا يصح، ولم يقل به أحد. ولو قال: خمسة عشر درهمًا .. فالجميع دراهم جزمًا. ولو قال عشرة دراهم ونصف .. ففي كون النصف مجملًا وجهان. ولو قال عشرة ونصف درهم .. فالعشرة مجملة يرجع في تفسيرها إليه. قال: (ولو قال: الدراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن؛ فإن كانت دراهم البلد تامة الوزن .. فالصحيح: قبوله إن ذكره متصلًا) كما لو استثنى (ومنعه إن فصله عن الإقرار)؛ لأن لفظ الدراهم صريح فيه وضعًا وعرفًا. والثاني: يقبل؛ لأن اللفظ يحتمله، والأصل براءة الذمة، قال في (الروضة) وهو شاذ. ثم إذا ادعى النقصان وصدقناه .. رجع إليه في التفسير، فإن تعذر نزل على أقل درهم.

وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةٍ .. قُبِلَ إِنْ وَصَلَهُ، وَكَذَا إِنْ فَصَلَهُ فِي النَّصِّ. وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراده بالبلد: بلد الإقرار. قال: (وإن كانت ناقصة .. قبل إن وصله)؛ لأن اللفظ والعرف يصرفانه إليه. قال: (وكذا إن فصله في النص) حملًا على المعهود واعتبارًا بعرف البلد كالمعاملات. وفي وجه: لا يقبل حملًا له على عرف الإسلام كما أن نصب الزكاة لا تختلف البلاد، وهذا الوجه قواه في (الروضة)، وهو يقول في خطبة هذا الكتاب: إنه يقابل النص بوجه ضعيف أو قول مخرج. قال: (والتفسير بالمغشوشة كهو بالناقصة)؛ لأن نقرتها تنقص عن الخالصة، فيأتي فيه الخلاف والتفصيل المتقدم. فروع: لو فسر الدراهم بسكة غير سكة البلد .. قبل خلافًا للمزني، وكذا لو فسره بجنس رديء ويخالف البيع، فإنه يحمل على سكة البلد؛ لأن الغالب في المعاملة قصد ما يروج في البلد، والإقرار إخبار عن سابق، ولو فسره بالفلوس .. لم يقبل بالاتفاق سواء فصل أو وصل ولو غلب التعامل بها في البلد. ولو قال: دريهم أو دريهمات .. فهو كدرهم صغير أو دراهم صغار، فيأتي في التفسير بالنقص التفصيل المتقدم. ولو قال: علي دراهم .. لزمه ثلاثة، ولا يقبل تفسيره بأقل منها، وفيه وجه: أنه يقبل بدرهمين بناء على أنهما أقل الجمل، ولو فسر بأكثر من ثلاثة .. قل، ولو وقع التفسير بعد الحجر عليه بمرض أو سفه .. فكما لو وقع قبله.

وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ .. لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ .. لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: أقل أعداد الدراهم فدرهمان. قال: (ولو قال: علي من درهم إلى عشرة .. لزمه تسعة في الأصح) إدخالًا للطرف الأول؛ لأنه مبدأ الالتزام. والثاني: تلزمه ثمانية. والثالث: تلزمه عشرة واختاره الشيخ، والمسألة تقدمت في (الضمان) والحكم فيه وفي الإقرار والإبراء والنذر واليمين والوصية والطلاق ينبغي أن يكون واحدًا. ولو قال: له علي ما بين الدرهم إلى العشرة .. فالصحيح المنصوص: لزوم ثمانية. وقيل: تلزمه تسعة ونقله في (المفتاح) عن النص. وقيل: عشرة، قاله القفال. وحكى الرافعي في (الوصية) فيما إذا قال: أعطوه ما بين درهم إلى عشرة وجهًا: أنه إذا أراد الحساب .. أعطي خمسة وخمسين، فإن لم يرد شيئاً .. أعطي ثمانية وإلا .. فثمانية ولا شك في طرده في الإقرار. اهـ وهذا إنما يأتي على إدخال الطرفين. قال: (ولو قال: درهم في عشرة؛ فإن أراد المعية .. لزمه أحد عشر)؛ لأنه الحاصل من الواحد والعشرة، وذكر النحاة من جملة معاني (في) المصاحبة وهي المعية كقوله تعالى: {فخرج على قومه في زينته}، {ادخلوا في أمم}. وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل: (... وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ...).

أَوِ الْحِسَابَ .. فَعَشَرَةٌ، وَإِلاَّ .. فَدِرْهَمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن ما ذكره المصنف تبعًا للرافعي وعبر عنه في (التصحيح) بالصواب، استشكله الشيخ بأنه لو قال: درهم مع درهم .. لزمه درهم، وعللوه باحتمال أنه قد يريد درهم مع درهم لي، فإذا أوجبوا عليه درهمًا مع التصريح بالمعية .. فمع نيتها أولى، وبتقدير لزوم أحد عشر ينبغي أن يلزمه درهم، ويرجع في تفسيره العشرة إليه، فلتحمل مسألة الكتاب على ما إذا قال: مع عشرة دراهم له، ولا إشكال حينئذ. قال: (أو الحساب .. فعشرة)؛ لأن الواحد في العشرة بعشرة، هذا إذا كان يعرف الحساب، فإن كان لا يعرفه .. ففي (الكفاية) أنه يشبه أن يلزمه درهم واحد وإن قال: أردت ما يريد الحساب، وهو قياس ما يأتي تصحيحه في (الطلاق). قال: (وإلا .. فدرهم) أي: إذا لم يرد المعية ولا الحساب سواء أطلق أو أراد الظرفية؛ لأنه المتحقق، وفي قول: يحمل عند الإطلاق على موجب الحساب وهو عشرة؛ لأنه أظهر في الاستعمال. تتمة: قال: له علي اثنا عشر درهمًا وسدس (بالرفع) أو وسدس (بالخفض) .. لزمه اثنا عشر وزيادة سدس، وأما إذا قال: وسدسًا (بالنصب) .. فالأصح كذلك، ولا يضره اللحن إن لم يكن نحويًا، وإن كان نحويًا .. لزمه أربعة عشر درهمًا كأنه قال: اثنا عشر درهمًا واثنا عشر سدسًا. وقال بعض الفقهاء: تلزمه سبعة دراهم كأنه قال: اثنا عشر من الدراهم والأسداس، كقول القائل: رأيت اثني عشر رجلًا وامرأة تنزيلًا على النصف في كل منهما. وقال المتولي: يقبل تفسيره بسبعة دراهم وخمسة أسداس درهم، ولا تلزمه زيادة

فصل

فَصْلٌ: قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ، أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ .. لاَ يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ، أوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ .. لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقديره: اثنا عشر عددًا من الدراهم والأسداس، وغاية ما يطلق عليه اسم الأسداس خمسة، وإن زاد عليه سدسًا .. سمي درهمًا، فجعل خمسة من العدد أسداسًا تبقى سبعة فتكون دراهم، فيكون المبلغ سبعة وخمسة أسداس، قال: هذا هو المتيقن، وما زاد مشكوك فيه فلا يلزمه بالشك شيء. قال: (فصل: قال: له عندي سيف في غمد، أو ثوب في صندق .. لا يلزمه الظرف)؛ لأنه لم يقر به، والإقرار يعتمد اليقين، وكذا لو قال: غصبت منه ثوبًا في منديل أو زيتًا في قارورة أو حنطة في مكيال أو تمرًا في جراب ونحو ذلك. وقال أبو حنيفة: الإقرار بالظرف والمظروف إقرار بهما إن كان ذلك مما يحرز في الظرف غالبًا، كالتمر في الجراب والزيت في الجرة، بخلاف الفرس في الإصطبل. وقال بعض فقهاء المدينة: إن كان المقر به ذائبًا كالزيت في جرة .. دخل الظرف في الإقرار، وإن كان جامدًا .. لم يدخل. و (الغمد) بكسر الغين: غلاف السيف، تقول: غمدت السيف أغمده وأغمده فهو مغمد ومغمود لغتان فصيحتان. و (الظرف): الوعاء، ومنه: ظرف الزمان والمكان عند النحويين. قال: (أو غمده فيه سيف، أو صندوق فيه ثوب .. لزمه الظرف وحده)؛ لما ذكرناه، وهكذا كل ظرف ومظروف لا يكون الإقرار بأحدهما إقرارًا بالآخر. ولو قال: خاتم فيه فص .. فالأصح المنصوص: أنه لا يكون مقرًا بالفص، ولو اقتصر على قوله: عندي خاتم، وجاء بخاتم فيه فص وقال: ما أردت الفص .. ففي قبوله وجها: أصحهما: لا وهو مقر بالفص، قال الرافعي: وينبغي أن يقطع به.

أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَاسِهِ عِمَامَةٌ .. لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ .. لَزِمَهُ الْجَمِيعُ. وَلَوْ قَالَ: فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ .. فَهُوَ إِقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ. ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو عبد على رأسه عمامة .. لم تلزمه العمامة على الصحيح)؛ لأنه لم يقر بها، ومثله لو قال: في وسطه منطقة أو عليه قميص أو في رجله خف. والثاني- وبه قال القاضي وجماعة-: يكون إقرارًا بهما؛ لأن للعبد يدًا على ملبوسه، وما في يد العبد هو في يد سيده. ولو قال: عبد معه مال .. لم يدخل المال. و (العمامة) بكسر العين وضمها حكاهما ابن كيسان، وجمعها عمائم، ومنه: العمائم تيجان العرب. قال: (أو دابة بسرجها أو ثوب مطرز .. لزمه الجميع) أما في دابة بسرجها .. فبلا خلاف؛ لأن (الباء) بمعنى (مع) وقد تقدم استشكال ذلك، ومثله: دار بفرشها أو عبد بثيابه، وأما ثوب مطرز .. فهو المذهب؛ لأن الطراز جزء من الثوب، وقيل: إن كان الطراز منسوجًا .. لزمه، وإن كان مركبًا .. فوجهان. ولو قال: عليه طراز .. قال في (المطلب): يظهر أنه كالمطرز. قال الرافعي: والضابط أن ما لا يتبع في البيع لا يدخل في الإقرار، وما يدخل في البيع يدخل في الإقرار إلا الثمار غير المؤبرة. وأورد الشيخ عليه ثياب العبد، فإنها لا يتناول الاسم وفي دخولها في البيع خلاف، ولم يقل أحد بدخولها في الإقرار من جهة التبعية، أما من جهة اليد .. ففيها خلاف تقدم. قال: (ولو قال: في ميراث أبي ألف .. فهو إقرار على أبيه بدين) نص عليه ووافقه الجمهور؛ لأن الوصية تختص بالثلث.

وَلَوْ قَالَ: فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ .. فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ .. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَلَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ .. لَزِمَهُ دِرْهَمَان ... . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (في ميراث أبي) يعم الجميع. قال: (ولو قال: في ميراثي من أبي [ألف]) يعني الألف درهم (.. فهو وعد هبة) نص عليه أيضًا، إلا أنه قيده بما إذا لم يرد إقرارًا، فإن أراد الإقرار .. صح. والفرق: أن في هذه الصورة أضاف الميراث إلى نفسه ثم جعل له جزءًا، وذلك لا يكون إلا على وجه الهبة، وفي الصورة الأولى لم يضف الميراث إلى نفسه ولا جعل له جزءًا من ماله، وفي هذا إشكال؛ لأن الدين عندنا لا يمنع انتقال التركة، فإضافته إلى نفسه لا تمنع كونه إقرارًا على أبيه. ولعل الشافعي رضي الله عنه بنى هذا على العرف، فإن أهله لا يضيفون إلى أنفسهم إضافة الملك إلا في الملك المستقر. وعلى هذا: المقر بالخيار إن شاء أقبضها وأمضى الهبة، وإن شاء أمسكها ورد الهبة، وقيل: قولان فيهما. وصورة المسألة: إذا كان الميراث دراهم، فإن لم يكن .. فإنه يلتحق بما إذا قال: له في هذا العبد ألف، فيسأل ويبين ما أجمله. وشرط المسألتين: أن لا يذكر صيغة الالتزام، فإن ذكرها كعلي ونحوها .. فهو إقرار بكل حال، وإذا لم يكن المقر جائزًا وكذبه الباقون .. لم يغرم إلا بالحصة في الأظهر. قال: (ولو قال: له علي درهم درهم .. لزمه درهم)؛ لجواز إدارة التأكيد ولو كرر ذلك ألف مرة، سواء قاله في مجلس أو مجالس. قال: (ولو قال: درهم ودرهم .. لزمه درهمان)؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، وكذا لو قال: درهم ثم درهم؛ لأن (الواو) و (ثم) في ذلك سواء.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ .. لَزِمَهُ بِالأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَاكِيدَ الثَّانِي .. لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الاِسْتِئْنَافَ .. لَزِمَهُ ثَالِثٌ، وَكَذَا إِنْ نَوَى تَاكِيدَ الأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ ... . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا لو قال: درهم ودرهم ثم درهم .. لزمه ثلاثة قطعًا، فإن قال: درهم فدرهم، فإن أراد العطف .. لزمه الدرهمان، وإلا .. فالنص أنه يلزمه درهم، والنص فيما لو قال: أنت طالق فطالق يقع طلقتان، وفي المسألة قولان بالنقل والتخريج، والأصح: تقرير النصين، والفرق: أن الإقرار إخبار والطلاق إنشاء وهو أقوى وأسرع نفوذًا، ولهذا لو أقر بالدرهم في يومين .. لزمه درهم واحد، خلاف ما لو تلفظ بالطلاق في يومين. قال: (ولو قال: درهم ودرهم ودرهم .. لزمه بالأولين درهمان)؛ لاقتضاء العطف المغايرة. قال: (وأما الثالث؛ فإن أراد به تأكيد الثاني .. لم يجب به شيء، وإن نوى الاستئناف .. لزمه ثالث) عملًا بنيته وإرادته. قال: (وكذا إن نوى تأكيد الأول) أي: بالثالث (أو أطلق في الأصح) أما وجه لزوم الثلاث إذا نوى بالثالث تأكيد الأول .. فإن هذا التأكيد ممتنع للفصل والعطف، ووجه مقابلة العمل بما نواه والعطف. وأما مسألة الإطلاق .. فوجه لزوم الثلاث فيها: أن تأكيد الثاني بالثالث وإن كان جائزًا لكنه إذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد .. كان حمله على التأسيس أولى. ووجه لزوم الدرهمين: أن كون الأصل هو التأسيس، وإعمال اللفظ عارضه كون الأصل براءة الذمة فتساقطا. فروع: قال: له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو على درهم .. لزمه درهم واحد، ولو قال: له علي درهم بل درهم .. لزمه درهم واحد، وكذا لو قال: لا بل درهم أو لكن بل درهم على الصحيح.

وَإِنْ أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُحْبَس .. ... .. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: درهم بل درهمان أو لا بل درهمان أو لكن درهمان، أو قفيز حنطة بل قفيزان أو لا بل قفيزان أو لكن قفيزان .. لم يلزمه إلا درهمان أو قفيزان، بخلاف نظيره من الطلاق فإنه يقع به ثلاث طلقات، وبمثله قال زفر في الإقرار. هذا كله إذا لم يعين المقر به واتحد الجنس، أما إذا عينه كما إذا قال: عندي هذا الدرهم بل هذان الدرهمان أو هذا القفيز بل هذان القفيزان، أو لا بل هذان الدرهمان أو لا بل هذان القفيزان .. فتلزمه ثلاثة دراهم وثلاثة أقفزة. ولو اختلف جنس الأول والثاني كـ: له درهم بل ديناران أو دينار بل قفيزان .. لزمه الجميع. قال: (وإن أقر بمبهم كشيء وثوب وطولب بالبيان فامتنع .. فالصحيح: أنه يحبس)؛ لأنه البيان واجب عليه. والثاني: لا يحبس؛ لأنه قد لا يعلمه بل يعرض عليه اليمين، فإن أصر .. جعل ناكلًا وحلف المدعي. والثالث: إن أقر بغصب .. حبس، وإن أقر بدين .. فلا؛ لأن المقر له قد لا يدري ما الذي غصب له، بخلاف الدين فإن الغالب أن صاحبه يعرفه. والرابع: إن أقر بثوب ونحوه .. حبس، وإن أقر بشيء .. لم يحبس بناء على قبول تفسير الشيء بالجزء ونحوه مما لا تمكن معه المطالبة، وكلام المصنف يشعر بجواز الدعوى عليه بما أقر به من المجهول، وفي سماع ذلك وجهان جاريان في سماع الشهادة به. قال في (المطلب): وقد مال الرافعي في (كتاب الدعاوى) إلى ترجيح القول بسماعها، فلو مات المقر بالشيء قبل البيان .. طولب به الوارث، فإن امتنع: فقولان: أحدهما: يوقف مما ترك أقل متمول.

وَلَوْ بَيَّنَ وَكّذَبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ .. فَلْيُبَيِّنْ وَليْدَّعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي نَفْيِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ .. لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ، فإِنِ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ .. دَخَلَ الأَقَلُّ فِي الأَكْثَرِ، وَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَسْنَدَهُمَا إِلَى جِهَتَيْنِ، أَوْ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً ثُمَّ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ الأَحَدِ عَشَرَةً .. لَزِمَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصحهما: يوقف الجميع؛ لأنه مرتهن بالدين. واستشكل في (المطلب) القولين؛ لأن التفسير بالاختصاصات مقبول. نعم؛ يتجه الخلاف إذا قال: له علي مال. قال: (ولو بين) أي: إقراره المبهم (وكذبه المقر له .. فليبين) أي: المقر له مقدارًا (وليدع، والقول قول المقر في نفيه) إذا كان ما ادعاه من الجنس بأن قال المقر: مئة درهم فقال المقر له: مئتان، فإن صدقه على إرادة المئة .. فهي ثابتة باتفاقهما، والنزاع في استحقاق المئة الزائدة فيحلف المقر على نفيها. وإن كان ما ادعاه من غير الجنس .. ينظر، إن صدقه في الإرادة .. فالقول قول المقر في نفي غيره، وإن كذبه في دعوى الإرادة وقال: إنما أراد ما ادعيته .. حلف المقر على نفي الإرادة. قال: (ولو أقر له بألف ثم أقر له بألف في يوم آخر .. لزمه ألف فقط) سواء وقعا في مجلس أو مجلسين فأكثر؛ لأن الإقرار خبر ولا يلزم من تعدده تعدد المخبر به، ولا فرق بين أن يكتب به صكين في زمنين أو لا، وخالف أبو حنيفة إذا تعددت الصكوك والمجالس. قال: (فإن اختلف القدر .. دخل الأقل في الأكثر)؛ لأنه يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر به أولًا. قال: (ولو وصفهما بصفتين مختلفتين أو أسندهما إلى جهتين، أو قال: قبضت يوم السبت عشرة ثم قال: قبضت يوم الأحد عشرة .. لزمان)؛ لأن اتحادهما غير ممكن، فالصفتان كالصحاح والمكسرة والجهتان كالبيع والقرض، فلو قيد أحدهما وأطلق

وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ .. لَزِمَهُ الأَلْفُ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر .. حمل المطلق على المقيد، ولا تعدد، وقوله: (مختلفين) لا حاجة إليه. مهمة: أقر أنه لا دعوى له ولا طلب بوجه ولا سبب على فلان ثم قال: إنما أردت في عمامته أو قميصه لا في داره، قال القاضي أبو سعيد: يقبل؛ لأنه تخصيص عموم وهو محتمل، كذا قال الرافعي. وضعف هذا في (الروضة) وقال: الصواب: أنه لا يقبل. والراجح: القبول مع اليمين فيما إذا ادعى أنه نسيه، كما أفتى به ابن الصلاح، وصرح به الرافعي في هذا الباب فيما لو قال: لا حق لي في شيء مما في يد فلان، ثم ادعى شيئاً وقال: لم أعلم كونه في يده يوم الإقرار .. فإنه يصدق بيمينه. قال: (ولو قال: علي ألف من ثمن خمر أو كلب أو ألف قضيته .. لزمه الألف في الأظهر) من هنا إلى آخر الفصل معقود لتعقيب الإقرار بما يرفعه، فإذا قال: ألف من ثمن خمر أو كلب أو ألف قضيته .. لزمه الألف؛ لأنه وصل بإقراره ما يرفعه فأشبه ما لو قال: ألف لا تلزمني؛ لأن الجميع كلام واحد، كذا أطلقه الأصحاب. والقول الثاني: لا يلزم؛ لأن الجميع كلام واحد لا يفصل أوله عن آخره كقوله: لا إله إلا الله لا يكون كفرًا وإيمانًا، وقد وصل بما هو محتمل فأشبه قوله: أنت طالق إن شاء الله. والأصل فراغ ذمته، وخالف الاستثناء المستغرق، فإنه رفع من الوجه الذي أثبت فلم يقبل، وهذا ليس كذلك. وعلى هذا: له تحليف المقر أنه كذلك، وقطع بعضهم باللزوم في المسألة

فَلَوْ قَالَ: مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمْتُ .. قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجُعِلَ ثَمَنًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية؛ لعدم الانتظام، فإن ما قضاه ليس عليه، بخلاف ثمن الخمر فإن إطلاقه معهود عرفًا لظن اللزوم. وإن قدمه كقوله: من ثمن خمر له علي ألف .. لم يلزمه قطعًا، كذا في (الروضة) وهو المنصوص، لكن في (باب التيمم) في (شرح المهذب) عن الشاشي طرد القولين مطلقًا. ولو قال: كان له علي ألف .. فقد قيل: يلزمه استصحابًا لما كان، والأصح في (تصحيح التنبيه): لا يلزمه شيء؛ لأنه لم يعترف به في الحال. وعبارته في (الروضة): ينبغي أن يكون أصحهما الثاني. قال: (فلو قال: من ثمن عبد .. لم أقبضه إذا سلم سلمت .. قبل على المذهب وجعل ثمنًا)؛ لأن المذكور آخرًا لا يدفع ما أقر به أولًا. والثاني: طرد القولين في المسألة قبلها. وقوله: (لم أقبضه) لا فرق بين أن يأتي به متصلًا أو منفصلًا؛ لأنه أطلق العبد، والأصل عدم قبضه، وهذا بخلاف ما إذا أطلق الألف ثم ادعى بعد ذلك أنه من ثمن عبد فإنه لا يقبل. أما قوله: (إن سلم سلمت) .. فهو زيادة في التصوير لا حاجة إليها. وقوله: (وجعل ثمنًا) المراد: أنه تجري عليه أحكامه ولا حاجة إليه أيضًا، ولهذا لم يذكره في (الروضة). فلو قال: أقرضني ألفًا ثم ادعى أنه لم يقبضه .. ففي (الحاوي): أنه يقبل. قال في (المطلب): ولا أظن أنه يأتي فيه خلاف.

وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ إِنْ شَاءَ اللهُ .. لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ لاَ يَلْزَمُنِي .. لَزِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: ادعى عليه مئة فقال: قضيتك منها خمسين نص الشافعي رضي الله عنه على أنه مقر بالخمسين مدع لقضائها فيقبل اعترافه دون القضاء، وسيأتي في (الدعوى والبينات) عند قول المصنف: (ولو أجاب بنفي السبب المذكور .. حلف عليه). قال: (ولو قال: ألف إن شاء الله .. لم يلزمه شيء على المذهب)؛ لأنه لم يجزم بالإقرار، وإنما علقه بالمشيئة وهي غيب عنا. وقيل: هو على القولين فيما إذا قال: له علي ألف من ثمن خمر؛ لأنه لو اقتصر على أقول الكلام .. لكان إقرارًا لازمًا والمصنف ذكر هذه المسألة في (كتاب الطلاق) وشرط فيها قصد التعليق، وألحق بها (إن لم يشأ) أو (إلا أن يشاء) وكل هذا ينبغي مثله هنا. والتعليق بمشيئة زيد كالتعليق بمشيئة الله تعالى فلا يلزم به شيء على المذهب. ولو قال: له علي ما في حسابي أو ما خرج بخطى أو ما أقر به عني زيد .. فليس شيء من ذلك إقرارًا. ولو قال: له علي ألف أو لا .. وقع للرافعي فيها اختلاف تصحيح، والمذهب: أنه لا يقع بذلك شيء؛ لأنه شك، فكأنه يقول: أنا شاك هل له علي ألف درهم أو لا. وقال أبو حنيفة: عليه الألف؛ لأنه راجع عنها بعد إثباتها. لنا: أن الشك أليق بهذا الكلام، وأشبه بمفهوم الخطاب. قال: (ولو قال: ألف لا يلزمني .. لزمه)؛ لأنه غير منتظم ولا يبطل به الإقرار، وهذا لا خلاف فيه، أما لو قال: علي ألف لا يلزمني الآن .. فإنه لا يطالب.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ، ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ آخَرُ .. صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَ قَالَ: فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا .. صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بها، كما نقله الرافعي قبيل (باب دعوى النسب) بنحو ورقة وعلله بأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم، وهذه مسألة حسنة. كان الشيخ يقول: محل الخلاف في أن المفهوم حجة أم لا في كلام الله تعالى ورسوله، أما في كلام المجتهدين والمصنفين .. فلا. قال: (ولو قال: له علي ألف، ثم جاء بألف وقال: أردت هذا وهو وديعة، فقال المقر له: لي عليك ألف آخر .. صدق المقر في الأظهر بيمينه)؛ لأنه قد يريد بـ (علي) عندي كقوله تعالى: {ولهم علي ذنب}، وقد يريد ذلك لكونه تعدى فيها فصارت مضمونة عليه. والثاني- وبه قال أبو حنيفة-: القول قول المقر له؛ لأن كلمة (علي) ظاهرة في الثبوت في الذمة، فأشبه من أقر بثوب ثم جاء بعبد فإنه لا يقبل منه قطعًا، ويطالب بالثوب. وكيفية اليمين: أن يحلف بالله أنه لا يلزمه تسليم ألف أخرى إليه، وأنه ما أراد بإقراره إلا هذه. ثم جميع ما تقدم إذا فصل قوله (وديعة) عن الإقرار كما أشار إليه المصنف بقوله: (ثم). فإن قال: له علي ألف وديعة .. فالمذهب: قبوله، وقيل: على قولين كقوله: ألف قضيتها. قال: (فإن كان قال: في ذمتي أو دينًا .. صدق المقر له على المذهب)؛ لأن العين لا تكون دينًا ولا في الذمة. وقيل: يصدق المقر؛ لاحتمال أن يريد له ألف في ذمتي إن تلف. وصورة المسألة: أن تنفصل دعواه الوديعة عن الإقرار، فإن وصلها به فقال: علي

قُلْتُ: فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْوَدِيعَةِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الإِقْرَارِ وَدَعْوَى الرَّدِّ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ .. صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ: كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْتُ لِظَنِّي الصِّحَّةَ .. لَمْ يُقْبَلْ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ .. حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِىءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ألف وديعة .. قبل، وقيل: على القولين. قال: (قلت: فإذا قبلنا التفسير بالوديعة .. فالأصح: أنها أمانة، فتقبل دعواه التلف بعد الإقرار ودعوى الرد)؛ لأن هذا شأن الوديعة، ولأنه يجوز أن يكون مراده بقوله: (علي) إنما هو وجوب الحفظ والتخلية عند الطلب. والثاني: أنها تكون مضمونة، فلا تقبل دعوى التلف والرد؛ لأن هذه اللفظة ظاهرة في صيرورة العين مضمونة بسبب التعدي. وقوله: (بعد الإقرار) متعلق بـ (التلف)، واحترز به عما إذا قال: أقررت بها ظانًا بقاءها، ثم تبينت أو تذكرت أنها تلفت أو أني رددتها قبل الإقرار .. فإنه لا يقبل؛ لأنه مخالف لقوله حين الإقرار أنها عليه. قال: (وإن قال: له عندي أو معي ألف .. صدق في دعوى الوديعة والرد والتلف قطعًا والله أعلم)؛ لأن كلامه لا إشعار له بالدينية ولا بالضمان. قال: (ولو أقر ببيع أو هبة وإقباض ثم قال: كان فاسدًا وأقررت لظني الصحة .. لم يقبل)؛ لأن الاسم يحمل عند الإطلاق على الصحيح. قال الشيخ: ومن يقول في باب اختلاف المتبايعين بتصديق مدعي الفساد ويسلم أن الاسم يشمل الصحيح والفاسد .. لا يبعد هنا أن يصدق المقر واحترز بقوله: (أو هبة وإقباض) عما إذا أقر بالهبة فقط فإنه يكون مقرًا بالإقباض على المذهب. قال: (وله تحليف المقر له)؛ لإمكان ما يدعيه وقد تخفى عليه جهات الفساد. قال: (فإن نكل .. حلف المقر وبرئ)؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار أو

وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرو، أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو ... سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو. وَيَصِحُّ الاِسْتثْنَاءُ إِنِ اتَّصَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كالبينة وكلاهما يفيد صدق المقر، وعبارة (الشرح) و (الروضة): حكم ببطلان البيع والهبة، وهو الصواب، وتعبير (المنهاج) بالبراءة لا يستقيم؛ فإن النزاع في عين لا في دين. قال: (ولو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو، أو غصبتها من زيد بل من عمرو .. سلمت لزيد)؛ لأن من أقر لآدمي بحق لا يقبل رجوعه. قال: (والأظهر: أن يغرم قيمتها لعمرو)؛ لأنه أحال بينه وبين مكله بإقراره الأول، والحيلولة سبب الضمان بدليل ما إذا غصب عبدًا فأبق من يده .. فإنه يضمنه، والحيلولة القيلولة كالفعلية. والقول الثاني: لا يغرم؛ لأن الإقرار له قد صادق ملك الغير فلا يلزمه شيء، كما لو أقر بالدار التي في يد زيد لعمرو، ووراء ما ذكره المصنف وجوه: أحدها: إن سلمها بنفسه .. غرم، وإن انتزعها الحاكم منه وسلمها .. فلا. والثاني: يغرم في الثانية دون الأولى. والثالث: إن تعمد .. غرم، وإن أخطأ .. فلا، فلو قال: هذه الدار لزيد ثم لعمرو .. كان لعمرو أن يغرمه، كما ذكره في (الوسيط) في (باب الشك في الطلاق) ولم يذكرها الرافعي. ولو قال: غصبتها من زيد وزيد غصبها من عمرو .. فهي كالمسألتين السابقتين. قال: (ويصح الاستثناء)؛ لكثرته ووروده في الكتاب والسنة وكلام العرب. قال: (إن اتصل)؛ لإجماع أهل اللغة، فإن انفصل .. فهو لغو، وشرط في

وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ، فَلَوْ قَالَ: عَشَرَةٌ إِلاَّ تِسْعَةً إِلاَّ ثَمَانِيَةً .. وَجَبَتْ تِسْعَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الحاوي الصغير) أن يقصد الاستثناء من أول الإقرار، وصحح المصنف في (الطلاق) أنه يشترط أن يقصده قبل فراغ اليمين، وأنه تضر سكتة التنفس والعي، والأصح: أنه يضر الكلام اليسير. قال في (الكافي): إذا قال: له علي ألف درهم الحمد لله إلا مئة .. لزمه الألف، ولو قال: ألف درهم أستغفر الله إلا مئة .. صح الاستثناء؛ لأن قوله: أستغفر الله لاستدراك ما سبق منه، فكان ملائمًا للاستثناء فلم يمنع الصحة وهو حسن، ولم يشترط المصنف أن لا يتقدم، وسيأتي في (كتاب الطلاق) أن ذلك لا يشترط. قال: (ولم يستغرق) فإن استغرق .. لغا بالإجماع، وسيأتي في (الطلاق) إيضاحه. ولو قال: له علي ألف أستثني منه أو أحط أو أذر مئة .. ففي كونه استثناء صحيحًا وجهان في (الحاوي). قال: (فلو قال: عشرة إلا تسعة إلا ثمانية .. وجبت تسعة)؛ لثلاث قواعد: صحة الاستثناء من المستثنى منه، ودليل ذلك قوله تعالى: {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين (58) إلا ءال لوط إنا لمنجوهم أجمعين (59) إلا امرأته}، فاستثنى المرأة من الآل. وفي (صحيح مسلم) [2455]: عن أنس رضي الله عنه وغيره أنهم قالوا: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فإنه كان يدخل عليها). الثانية: أنه يصح استثناء الأكثر.

وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَأَلْفٍ إِلاَّ ثَوْبًا، وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتَهُ دُونَ الألْفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالثة: أن الاستثناء من الإثبات نفي وعكسه، والطريق في ذلك أن يجمع المثبت ويسقط منه المنفي، أو يسقط المنفي مما قبله وثبت المثبت، فإذا قال: له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدًا .. لزمه خمسة، فلو قال: ليس لفلان علي شيء إلا خمسة .. لزمه خمسة، ولو قال: ليس علي عشرة إلا خمسة .. لم يلزمه شيء عند الأكثرين. قال: (ويصح من غير الجنس كألف إلا ثوبًا) قال تعالى: {فإنهم عدو لي إلا رب العلمين}. وقال تعالى: {ما لهم به من علم إلا إتباع الظن}. وقال: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس}. وقال الشاعر [من الرجز]: ولبدة ليس بها أنيس .... إلا اليعافير وإلا العيس فاستثنى اليعافير وهو ذكور الظباء والعيس وهي الجمال البيض من الأنيس، وفي كلام العرب من هذا كثير، ومنعه أحمد مطلقًا وأبو حنيفة في غير المكيل والموزون، ولذلك ذكر المصنف الثوب. تذنيب: جعل الغزالي (ألفًا إلا ثوبًا) استثناء من الجنس وقدره بـ: إلا قيمة ثوب. وحمل شيخنا قول المصنف: (ألف) على الدراهم التي تقدم ذكرها في أثناء الباب وفيه تكلف؛ لأنها في لفظ المصنف منكرة فلا يحسن حملها على المعهود. قال: (ويبين بثوب قيمته دون الألف)؛ لئلا يؤدي إلى الاستغراق، أما إذا فسر الثوب بما قيمته ألف أو أكثر .. فالأصح بطلان الاستثناء فيلزمه ألف. والثاني: يبطل التفسير دون الاستثناء فيلزمه أن يفسر ثانيًا بثوب قيمته دون الألف.

وَمِنَ الْمُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ إِلاَّ هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ إِلاَّ هِذَا الدِّرْهَمَ، وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: هَؤُلاَءِ الْعَبِيدُ لَهُ إِلاَّ وَاحِدًا .. قُبِلَ وَرُجِعَ فِي الْبَيَانِ إِلَيْهِ، فَإِنْ مَاتُوا إِلاَّ وَاحِدًا فَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة ذكرها ابن سراقة: عليه لرجل ألف درهم وله عليه قيمة عبد أو ثوب أو عشرة دنانير، وخاف إن أقر له جحده، فطريقه: أن يقول: له علي ألف درهم إلا عبدًا أو إلا ثوبًا أو إلا عشرة دنانير فإن الحاكم يسمع إقراره ويستفسره، فإن فسره بأقل من الألف .. حلفه أن جميع ما عليه ذلك ثم لم يلزمه غيره، ويقوم الدنانير ويسقطها من الألف، وإن كان الغاصب استهلك العبد .. فللمقر أن يسقط ثمنه من الألف ويقر بما بقي ويحلف صادقًا. قال: (ومن المعين كذه الدار إلا هذا البيت) أو هذا الخاتم إلا هذا الفص (أو هذه الدراهم إلا هذه الدرهم)؛ لأنه كلام صحيح ليس بمحال، وكذلك الحكم لو قال: هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لعمرو. قال: (وفي المعين وجه شاذ)؛ لأن الاستثناء المعتاد إنما هو من الأعداد المطلقة، وهذا الوجه هو طريقة القاضي والمتولي، وسيأتي نقله عنهما في (كتاب الطلاق) فيما لو قال: أربعتكن طوالق إلا فلانة والمعتمد فيه أيضًا: صحة الاستثناء. قال: (قلت: ولو قال: هؤلاء العبيد له إلا واحدًا .. قيل ورجع في البيان إليه)؛ لأنه أعرف بما أراد، كما لو قال: له عشرة أشياء أو إلا درهمًا؛ إذ لا فرق في صحة استثناء المجهول بين العين والدين، فإن مات قبل البيان قام وارثه مقامه. قال: (فإن ماتوا إلا واحدًا فزعم أنه المستثنى .. صدق بيمينه على الصحيح والله أعلم)؛ لأن ما ادعاه محتمل. والثاني: لا؛ لما فيه من التهمة وهو ضعيف، فإن قتلوا إلا واحدًا وزعم أنه المستثنى .. صدق بلا خلاف، وكذا لو قال: غصبتهم إلا واحدًا فماتوا وبقي واحد وزعم أنه المستثنى؛ لأن أثر الإقرار باق وهو الضمان.

فصل

فَصْلٌ: أَقَرَّ بِنَسَبٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ مهمة: قال: له علي ألف إلا أن يبدو لي، فيه في زوائد (الروضة) وجهان عن (العدة) و (البيان) قال: ولعل الأصح أنه إقرار. اهـ والصواب: أنه لا يلزمه شيء كما نقله الهروي عن النص، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة كما إذا قال: له علي ألف إلا أن يشاء الله. تتمة: قال: له علي عشرة إلا خمسة أو ستة قال المتولي- وصوبه المصنف-: لا يلزمه إلا أربعة؛ لأن الزائد مشكوك فيه فصار كقوله: خمسة أو أربعة ولا يلزمه إلا أربعة. قال الرافعي: ويمكن أن يقال: تلزمه خمسة؛ لأنه أثبت العشرة واستثنى خمسة، واستثناء السادس مشكوك فيه، وضعفه ابن الرفعة بأن المستثنى مع المستثنى منه كالشيء الواحد ولهذا صح؛ لأنه أثبت شيئًا ثم رفعه. قال: (فصل: أقر بنسب) النسب: القرابة والجمع أنساب. قال صلى الله عليه وسلم: (كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) النسب بالولادة والسبب بالزواج. ويشترط في المقر بالنسب ما يشترط في سائر المقربين من صحة العبارة، واستلحاق السفيه تقدم في بابه، واستلحاق المرأة والعبد والكافر ذكره المصنف في (اللقيط).

إِنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ .. اشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ أَنْ لاَ يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلاَ الشَّرْعُ، بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ. وَأَنْ يُصَدِّقَهَ الْمُسْتَلْحَقُ إِنْ كَانَ أَهْلاً لِلتَّصْدِيقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إن ألحقه بنفسه) بأن قال: هذا ابني (.. شرط لصحته أن لا يكذبه الحس) بأن يكون المقر أصغر أو مساويًا أو أكبر بزمن لا يمكن أن يولد له فيه، وسيأتي ضبطه في (باب اللعان). ومنه: أن يكون المستلحق ممسوحًا في زمن يتقدم على زمن العلوق بالمستلحق. قال: (ولا الشرع، بأن يكون معروف النسب من غيره)؛ لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره، وسواء صدقه المستلحق أم لا، والسبب في اشتراط ذلك أن النسب الثابت من شخص لا يتصور انتقاله إلى غيره كما تنتقل الأموال. قال: (وأن يصدقه المستلحق) أي: بفتح الحاء (إن كان أهلًا للتصديق)؛ لأن له حقًا في نسبه وهو أعرف به من غيره، وهو الذي في (الشرحين) و (الروضة) هنا. ولم يعتبر (الحاوي الصغير) تبعًا للغزالي التصديق، بل عدم التكذيب حتى يلحقه إذا سكت وبه أجاب الرافعي في (الشهادات)، واستخراج ابن الرفعة من كلام العراقيين ما يقتضي كونها وجهين. وخرج باشتراط كونه أهلًا للتصديق الصبي والمجنون فإن عبارتهما غير معتبرة. قال ابن الرفعة: ويشبه أن يأتي في تكذيب المراهق الوجهان فيما إذا ادعى رقة من هو في يده فكذبه هل يثبت رقه أو لا؟ ولو قال: يد فلان ابني أو أخي أو يد هذه الأمة مستولدتي، فإن جعلنا نظيره من الطلاق عبارة عن الجملة .. كان إقرارًا بالنسب والاستيلاد، وإلا .. فلا، كذا ذكره الرافعي في (كتاب الطلاق) نقلًا عن المتولي.

فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ .. لَمْ يَثْبُتْ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا .. ثَبَتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن كان بالغًا فكذبه .. لم يثبت إلا ببينة) كسائر الحقوق، وللمقر تحليفه، فإن حلف .. سقطت دعوى المستلحق، وإن نكل .. حلف المقر وثبت النسب. ولو استلحق من نفاه غيره باللعان .. لم يصح إن ولد على فراش نكاح صحيح، فيكون هذا شرطًا آخر في الصغير والكبير وهو: أن لا يولد على فراش نكاح صحيح، فإن لحقه بوطء شبهة أو في نكاح فاسد فنفاه .. صح استلحاقه. فرع تصادقا ثم رجعا قال ابن أبي هريرة: يسقط النسب، وخالفه الشيخ أبو حامد فقال: لا يسقط كما لو ثبت بالفراش، ولم يصحح الشيخان شيئًا، وصحح العمراني وصاحب (الانتصار) والفارقي قول أبي حامد، وهو الصحيح. قال: (وإن استلحق صغيرًا .. ثبت) أي: نسبه بالشروط المتقدمة، وكذلك الحكم في استلحاق المجنون؛ لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على غيره فأشبه ما لو أقر بمال. وأيضًا البينة على النسب تعسر، فلو لم يثبت بالاستلحاق .. لضاع كثير من الأنساب فاحتيط فيه. واكتفي بالإمكان حتى لو قدمت امرأة من بلاد الكفر ومعها صبي فاستلحقه شخص .. لحقه؛ لجواز أن يكون قد سافر إليها في وقت أو تحملت بمائه أو أتت في وقت ولم تظهر. ولا فرق في ذلك بين كونه في صحته أو مرضه، وأنه لا يتوقف على تصديق الورثة، وأنهما يتوارثان، وغير ذلك من الأحكام.

فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ .. لمْ يَبْطُلْ فِي الأَصَحِّ. وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيْتًا صَغِيرًا، وَكَذَا كَبِيرٌ فِي الأَصَحِّ، وَيَرِثُهُ. ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو بلغ وكذبه .. لم يبطل في الأصح)؛ لأنه ثبت بطريق شرعي، فكان كما لو ثبت بالبينة. والثاني: يبطل الاستلحاق بتكذيبه؛ لأنا حكمنا به حين لم يكن أهلًا للإنكار والأحكام تدور مع عللها وجودًا وعدمًا، وهما كالوجهين فيمن ادعى رق صغير في يده وحكم به فبلغ وادعى الحرية. فعلى الصحيح: قال ابن الصباغ: لو أراد المقر به تحليفه .. لم يمكن؛ لأنه لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه، بخلاف العبد الصغير إذا بلغ ورام تحليف من حكم له بملكه فإنه يمكن منه؛ لأنه لو أقر بذلك لعمل به، ولو استلحق مجنونًا فأفاق وأنكر فهو على الوجهين. قال: (ويصح أن يستلحق ميتًا صغيرًا)؛ لاعتناء الشرع بالأنساب، سواء كان له مال أم لا، ولا نظر إلى التهمة الحاصلة في ذلك، حتى لو كان قتله .. صح أن يستلحقه بعد ذلك، ولا يبالي بتهمة سقوط القصاص ولا بتهمة الميراث، والاستلحاق في المرض كهو في الصحة، وسيأتي المسألة في (باب اللعان). ولا يكون استلحاق الصغير إقرارًا لأمه الحرة بالزوجية خلافًا لأبي حنيفة؛ لاحتمال كونه من وطء شبهة. قال: (وكذا كبير في الأصح)؛ لأن الميت ليس بأهل للتصديق، فكان كالصغير والمجنون البالغ. والثاني: لا يصح؛ لفوات التصديق وهو شرط، ولن التأخير إلى الموت يورث تهمة، واختار هذا جماعة. قال: (ويرثه)؛ لأن الإرث فرع النسب فمتى ثبت الأصل ثبت الفرع، وهذه زادها على (المحرر).

وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا .. ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ. وَحُكْمُ الصَّغِيرِ يَاتِي فِي اللَّقِيطِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ: هَذا وَلَدِي .. ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلاَ يَثْبُتُ الاِسْتِيلاَدُ فِي الأَظْهَرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَلَدِي وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو استلحق اثنان بالغًا .. ثبت لمن صدقه)؛ لاجتماع الشروط فيه دون غيره، وسواء صارت الأم فراشًا لهما أم لا، وإن لم يصدق واحدًا عرض على القائف. قال: (وحكم الصغير يأتي في اللقيط إن شاء الله) ومن جملة صوره أنهما إذا أقاما بينتين .. سقطتا. فرع: الذمي إذا نفى ولده ثم أسلم لا يحكم بإسلام المنفي؛ لأنا حكمنا بأن لا نسب بينهما فلا يتبعه في الإسلام، فلو مات المولود وصرفنا ميراثه إلى قرابته الكفار ثم استلحقه النافي .. يحكم بالنسب، وتبين أنه صار مسلمًا بإسلامه تبعًا، ويسترد ميراثه من ورثته الكفار ويصرف إليه. قال: (ولو قال لولد أمته: هذا ولدي .. ثبت نسبه) أي: عند اجتماع شروطه. قال: (ولا يثبت الاستيلاد في الأظهر)؛ لاحتمال أنه ملكها بعد أن أولدها بنكاح أو شبهة، وهذا هو الموافق للقياس وللقواعد، ولهذا عبر عنه في (المحرر) بـ (الأقيس) وفي (الشرح الصغير) بـ (الأقوى) وفي (الروضة) و (أصلها) بـ (الأقرب إلى القياس)، وصحح مقابله أو حامد وجماعة وهو المنصوص. قال الرافعي: ولقوة الخلاف أعرض الأكثرون عن الترجيح. قال: (وكذا لو قال: ولدي ولدته في ملكي)؛ لاحتمال أنه أحبلها قبل الملك بنكاح، ثم ملكها فولدت في ملكه فيجري القولان. والأظهر: أنه لا يثبت الاستيلاد.

فَإِنْ قَالَ: عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي .. ثَبَتَ الاِسْتِيلاَدُ، فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ .. لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن قال: علقت به في ملكي .. ثبت الاستيلاد)؛ لانتفاء الاحتمال فتكون أم ولد لا محالة، كذا قاله الرافعي، ومنعه شيخنا؛ لجواز أن تكون رهنًا ثم أولدها وهو معسر فبيعت في الدين ثم اشتراها وقلنا: لا يثبت حكم الاستيلاد. قال: (فإن كانت فراشًا له .. لحقه بالفراش) عند الإمكان (من غير استلحاق) خلافًا لأبي حنيفة. لنا: ما روى الشيخان [خ2053 - م1457] عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: يا رسول الله إن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه فانظر إلى شبهه به، وقال عبد بن زمعة: هذا ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهًا بينًا بعتبة فقال: (هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر احتجبي منه يا سودة) فلم تره سودة قط). وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته بالاحتجاب منه وإن كان أخاها شرعًا؛ لما فيه من الورع لأجل شبهه بعتبة. ويجوز للزوج أن يمنع زوجته من الخروج لأخيها المحقق فالمشكوك فيه أولى. واسم الابن المخاصم فيه عبد الرحمن. فإن قيل: إقرار بعض الورثة بالنسب غير مقبول، وعبد لم يكن كل الورثة؛ لأن أخته سودة بنت زمعة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم .. فعنه جوابان: أحدهما- وهو مقتضى كلام الشافعي رضي الله عنه-: أنها كانت مقرة أيضًا، ولولا ذلك لم تؤمر بالاحتجاب؛ لأنها كانت تعلم وجوب الاحتجاب عن الأجانب، فإن آية الاحتجاب نزلت قبل ذلك.

وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً .. فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ وَيَكُونُ اسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلًا. وَأَمَّا إِذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي .. فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الْمُلْحَقِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنها لم تكن وارثة؛ لأنها أسلمت قبل موت أبيها وأخيها فأخوها كل الورثة. وأبو حنيفة يقول: لا يلحق ولد الأمة إلا بالاستلحاق، ويدعي أن الفراش هو الزوجية، والشافعي رضي الله عنه رد ذلك بأن الحديث ورد في الأمة، والحديث إذا ورد على سب لا يمكن إخراج السبب منه، سواء أقلنا العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؛ لأنه يدل عليه من جهة كونه سبًا ومن جهة العموم فيقطع بدخوله. وفي (البيان): إذا صارت الأمة فراشًا لرجل ومعها ولد فأقرت أنه ولد لغيره .. لم يقبل إقرارها، بل القول قول صاحب الفراش. قال: (وإن كانت متزوجة .. فالولد للزوج)؛ لأن الفراش له (ويكون استلحاق السيد باطلًا)؛ لما سبق. فرع: نقل الرافعي عن (فتاوى القفال): أنه لو أقر على أبيه بالولاء فقال: هو معتق فلان .. ثبت الولاء عليه إن كان المقر مستغرقًا كما في النسب. فرع: أقر رجل بأنه ليس له وارث إلا أولاده هؤلاء وزوجته هذه قال ابن الصلاح: ثبت حصر ورثته فيهم بإقراره، كما يعتمد إقراره في أصل الإرث يعتمد في حصره؛ فإنه من قبيل الوصل له، وهذا هو الظاهر، وفي (فتاوى القاضي) ما يدل عليه. قال: (وأما إذا ألحق النسب بغيره كهذا أخي أو عمي .. فيثبت نسبه من الملحق به)؛ للحديث المتقدم، ولأن الورثة يخلفون مورثهم في حقوقه والنسب منها.

بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيْتًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس المراد بإلحاق النسب بغيره أن يلحقه بأجنبي، بل المراد: أن يلحقه بنفسه بواسطة إلحاقه بغيره كإلحاق الأخ والعم، لكن الأخ بواسطة واحدة وهو الأب، والعم بواسطتي الأب والجد، وقد يكون بثلاثة وسائط كابن العم. وخالف البويطي فقال: لا يجوز إقرار الأخ بأخيه عندي، وإنما ألحق النبي صلى الله عليه وسلم ابن زمعة لمعرفته بفراشه. كل هذا إذا كان الملحق به رجلًا، فإن كانت امرأة .. فلا؛ لأن اعترافها لا يقبل على الصحيح، كم ذكره المصنف في (كتاب اللقيط)، فبالأولى استلحاق وارثها. تنبيه: شرط المستلحق: أن لا يكون عليه ولا لغيره، فإن أقر من عليه الولاء بأخ أو أب .. لم يقبل على الأصح؛ لما فيه من الإضرار بالمولى. وقيل: يقبل كالحر إذا كان له ابن عم فأقر بأخ، وإن أقر بنسب ابن .. قبل في الأصح؛ لأنه لا يتصور ثبوت نسبه من جهة غيره إلا ببينة، بخلاف الأب والأخ، فإنه يتصور ثبوته من جهة أبيهما. قال: (بالشروط السابقة) أي: في إلحاقه النسب بنفسه وبما ذكره بعد هذا أيضًا. قال: (ويشترط كون الملحق به ميتًا) فما دام حيًا ولو مجنونًا ليس لغيره الإلحاق؛ لاستحالة ثبوت نسب الأصل مع وجوده بإقرار غيره. قال في (التهذيب): فإن كان الملحق به حيًا .. فلابد من تصديقه، ولو كان بينهما اثنان أو أكثر .. فلابد من تصديق الجميع، والذي يقتضيه المذهب: أنه يعتبر

وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَكُونَ نَفَاهُ فِي الأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا ـــــــــــــــــــــــــــــ تصديق الجد؛ لأنه الأصل الذي ثبت النسب منه. قال: (ولا يشترط أن لا يكون نفاه في الأصح) فيجوز استلحاق من نفاه الملحق به قبل موته بلعان أو بدعوى استبراء في الأصح، كما لو استلحقه المورث بعدما نفاه. والثاني: يشترط عدم النفي، وهو المرجح عند القاضي والماوردي وصاحب (التنبيه) والبغوي؛ لأن الوارث لا يفعل إلا ما فيه حظ للموروث. قال: (ويشترط كون المقر وارثًا حائزًا) فلا يثبت بإقرار الأجنبي والقريب الذي لا يرث لقيام مانع من كفر أو رق أو قتل؛ لأن القائم مقام المورث هو مجموع الورثة لا المستلحق وحده. وفي (الحاوي) و (الشامل): أجمعوا على أن النسب لا يثبت بقول بعض الورثة. وقيل: لا تشترط موافقة المعتق والزوج والزوجة؛ لأنه لا حق لهم في النسب. ولو خلف بنتًا واحدة، فإن كانت حائرة بأن كانت معتقة .. ثبت النسب بإقرارها، وإن لم تكن حائزة فوافقها الإمام .. فالأصح في (الروضة): الثبوت، والأصح عند الماوردي والشيخ: عدمه. ومحل الخلاف: إذا كان ذلك من الإمام على سبيل الإقرار، فإن قاله على سبيل الحكم إما لبينة قامت عنده وإما لعلمه وقلنا: يقتضي به .. كان ذلك حكمًا منه مقبولًا قطعًا وإن كان وارثًا.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لاَ يَرِثُ، فَلاَ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو خلف ابنين وارثًا وغير وارث .. كفى إلحاق الوارث ولا يشترط اتفاق دين المقر والمقر به، فلو ألحق الكافر مسلمًا بمورثه الكافر أو ألحق المسلم كافرًا بمورثه المسلم .. ثبت نسبه. قال: (والأصح: أن المستلحق لا يرث، فلا يشارك المقر في حصته) كذا بخط المصنف، ولا خلاف أن المستلحق يرث إذا أقر به الوارث الحائز، سواء كان ذلك واحدًا أو متعددًا، فلو أقر بعضهم وأنكر البعض .. فهي مسألة الكتاب والأصح فيها: أنه لا يرث؛ لأن نسبه لم يثبت قطعًا فكيف يرثه؟ والثاني- وبه قال الأئمة الثلاثة-: يرث وهو من تخريج صاحب (التقريب)، وأيده الرافعي بصورة يثبت فيها الفرع دون الأصل: منها: لو قال أحد الابنين: فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر .. حرم على المقر نكاحها مع أنه فرع النسب الذي لم يثبت. ومنها: لو قال أحد الشريكين في عقار لثالث: بعتك نصيبي فأنكر .. لا يثبت الشراء، وتثبت الشفعة في الأصح دون البيع. ومنها: لو قال: لزيد على عمرو كذا وأنا ضامن فأنكر عمرو .. فالأصح أنه يطالب بالضمان. ومنها: لو ادعى الزوج الخلع وأنكرت المرأة .. ثبتت البينوتة وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل، وزاد في (المطلب) صورًا أخرى. والمراد: أنه يرث لا من نصيب المنكر، بل يشارك المقر في حصته، وإليه أشار المصنف بقوله: (فلا يشارك) بالفاء، أي: وإن قلنا يرث شاركه، وليس هذا حكمًا زائدًا، بل بيان لحقيقة الوجه القائل بالتوريث. قال الإمام: ومن لم يعترف بإشكال هذه المسألة ليس له في التحقيق نصيب. هذا كله في الظاهر، أما في الباطن .. فعلى المقر إذا كان عند نفسه صادقًا أن

وَأَنَّ الْبَالِغَ مِنَ الْوَرَثَةِ لاَ يَنْفَرِدُ بِالإِقْرَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ وَأَنْكَرَ الآخَرُ وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إِلاَّ الْمُقِرُّ .. ثَبَتَ النَّسَبُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ .. لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعطيه نصيبه مما في يده، فإذا أقر أحد الابنين .. لزمه على الأصح أن يعطيه ثلث ما في يده؛ لأن حق الثالث بزعم المقر شائع فيما في يده ويد صاحبه، فله الثلث من هذا والثلث من ذاك. وقيل: يعطيه النصف؛ لأن قضية الميراث التسوية. قال: (وأن البالغ من الورثة لا ينفرد بالإقرار)؛ لأنه غير حائز. والثاني: ينفرد ويحكم بثبوت النسب في الحال احتياطًا له؛ لأن الظاهر من حال الكامل من الروثة أنه يعتني بالنسب ولا يجازف فيه، فأثبتنا صحته بقوله، وحكم الكامل من الورثة أنه يعتني بالنسب ولا يجازف فيه، فأثبتنا صحته بقوله، وحكم المجنون في ذلك حكم الصبي، فلو عبر بـ (الكامل) كان أشمل. قال: (وأنه لو أقر أحد الوارثين وأنكر الآخر) أي: وحلف (ومات ولم يرثه إلا المقر .. ثبت النسب)؛ لأن جميع الميراث صار له. والثاني: لا يثبت؛ لأن إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل، ورجحه الروياني. والخلاف قريب من اختلاف الأصوليين فيما إذا اختلف أهل العصر ثم مات أحد الطائفتين هل يكون قول الباقين حجة أو لا؟ واحترز بقوله: (أنكر) عما إذا أقر أحد الورثة وسكت الباقي، ثم مات الساكت ووارثه المقر أو غيره فصدقه على النسب .. فلا خلاف أنه يثبت ههنا النسب؛ لأنه لم يسبقه تكذيب من أصله. قال: (وأنه لو أقر ابن حائز) أي: مشهور النسب لا ولاء عليه (بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المقر .. لم يؤثر فيه ويثبت أيضًا نسب المجهول)؛ لأن صورة المسألة: أن المقر مشهور النسب فلا يبالي بالتكذيب، والمجهول أقر به الوارث الحائز فيثبت نسبه. والثاني: أن المقر يحتاج إلى البينة على نسبه؛ لاعترافه بنسب المجهول وإنكاره إياه.

وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ .. ثَبَتَ النَّسَبُ وَلاَ إِرْثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: لا يثبت نسب المجهول؛ لأنه أخرج المقر عن أهلية الإلحاق بتكذيبه، ولو اتفقا وأقرا بنسب ثالث فأنكر الثالث نسب الثاني .. في سقوط نسب الثاني وجهان: أصحهما: السقوط. قال: (وأنه لو كان الوارث الظاهر يحجبه المستلحق كأن أقر بابن للميت .. ثبت السنب) لإقرار الوارث الحائز به (ولا إرث)؛ لأنه لو ورث لحجب الأخ، ولو حجبه لخرج عن أهلية الإقرار، وإذا لم يصح الإقرار لم يثبت النسب ولا الإرث، فيؤدي توريثه إلى عدم توريثه، كما لو اشترى أباه في مرضه .. يعتق عليه ولا يرث. ولو أوصى له بابنه فقبله .. عتق ولا يرث، ولو أعتق المريض أمته ثم تزوجها .. صح النكاح ولا ترث. والثاني: لا يثبتان؛ لأنه لو ثبت النسب .. ثبت الإرث ولزم هذا المحذور. والثالث- قاله ابن سريج واختاره صاحب (التقريب) وابن الصباغ والشيخ-: يثبتان ويحجب المقر؛ لثبوت نسبه فإنه فرعه، وكما لو أقر الابن المستغرق بأخ .. فإنه يثبت نسبه ويرث باتفاق الأصحاب. تتمة: قال: زيد أخي، ثم فسره بأخوة الرضاع، حكى الروياني عن والده أن الأشبه بالمذهب: أنه لا يقبل؛ لأنه خلاف الظاهر، ولهذا لو فسره بأخوة الإسلام لم يقبل. وقال الهروي: لو أقر أن هذا وارث فلان .. لم يقبل، ولو أقر أن هذا وارثي .. قبل، قال: وهذه مسألة حسنة غريبة لا يعرفها من الفقهاء إلا من تقعد في الفقه. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة في يد ثلاثة إخوة جارية معها ولد، فقال أحدهم: هي أم ولد أبينا والابن أخونا، وقال الآخر: هي أم ولدي وولدها مني، وقال الآخر: هي جاريتي وولدها عبدي، قال القاضي أبو الطيب: عتق ثلثها وثلث ولدها بإقرار الأول، وبإقرار الثاني يصير ثلث الولد حرًا؛ لاعترافه ببنوته، وثبت نسبه منه؛ إذ لا منازع له فيه، فإن بإقرار الأول وحده لا يثبت نسبه من الأب، ويصير ثلث الجارية أم ولد، ويسري العتق والاستيلاد إلى حق مدعي الملك، إن كان موسرًا .. فيغرم له قيمة ثلث الأم وقيمة ثلث الولد، وإن كان معسرًا .. لم يسر ويبقى حق مدعي الملك على الرق فيهما والله أعلم. * * *

كتاب العارية

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب العارية أفصح لغاتها: تشديد الياء، والثانية: التخفيف، والثالثة: عارة على وزن ناقة، والجمع: العواري مشددًا ومخففًا. قال الجوهري: كأنها منسوبة إلى العار؛ لأن طلبها عار وعيب، وغلط في ذلك بأن عين العارية (واو) وعين العار (ياء) وسيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار. وقيل: مشتقة من التعاور وهو التناوب. وقيل: من عار يعير إذا جاء ثم ذهب بسرعة، ومنه قيل للغلام الخفيف: عيار؛ لكثرة ذهابه ومجيئه. وفي حقيقتها قولان: أشهرهما: أنها إباحة الانتفاع بالأعيان التي يحل الانتفاع بها مع بقاء عينها. وثانيهما: أنها هبة المنافع مع استيفاء ملك الرقبة. والأصل في جوازها واستحبابها: قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}. وفسر الجمهور قوله تعالى: {ويمتنعون الماعون} بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض كالدلو والفأس. وقال في (البحر): إن ذلك كان واجبًا في صدر الإسلام. وقال علي وابن عمر: الماعون الزكاة والطاعة. وقال عكرمة: أعلاها الزكاة وأدناها عارية المتاع، واستحسنه الشيخ. وقال البخاري: هو المعروف كله.

شَرْطُ الْمُعِيرِ: صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعض العرب: الماء. وهي مندوب إليها؛ لأنها من جملة المعروف والخير، لكن تقدم في (باب الصلح) عن القديم: أن الجار يجب عليه أن يعير جاره جداره لوضع جذوعه. وأفتى أبو عبد الله الزبيري بوجوب إعارة ما كتب عليه طبقة السماع لينقل منه، ووافقه بعض الحنفية والمالكية. والظاهر من حيث الفقه: وجوب إعارة ما فيه إحياء مهجة محترمة، كمن خشي عطش حيوان محترم ووجد بئرًا، ومع غيره دلو ورشاء يحصل به الماء، وكذا إعارة الحبل لإنقاذ الغريق ونحوه. ويدل لها من السنة ما روى الشيخان [خ2341 - م1536] عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت له أرض فيلهبها أو ليعرها). وروى أبو داوود [356] والترمذي [1265] وابن حبان [5094] عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العارية مؤداة والزعيم غارم). وعن صفوان بن أمية رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعًا يوم حنين فقال: أغصبًا يا محمد؟ فقال: (لا بل عارية مضمونة) رواه أبو داوود [3557] والنسائي [سك 5747] والحاكم [2/ 47]. والإجماع منعقد على مشروعيتها، والحاجة داعية إليها. قال: (شرط المعير: صحة تبرعه) فمن لا يتبرع كالصبي والمجنون والسفيه والمكاتب والمحجور عليه .. لا تصح إعارتهم. وأفهم كلامه أن السفيه لا يعير نفسه، وأن المفلس لا يعير العين. قال الشيخ: والمتجه الجواز إذا لم يكن فيه تعطيل كإعارة الدار يومًا ونحوه، بخلاف الإجارة فإنها ممتنعة

وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ. فَيُعِيرُ مُسْتَاجِرٌ لاَ مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر المصنف شرط المستعير، قال في (الروضة): يشترط كونه أهلًا للتبرع عليه بعقد مشتمل على الإيجاب والقبول بقول أو فعل، فلا يستعير الصبي ونحوه. قال: (وملكه المنفعة)؛ لأن الإعارة ترد عليها دون العين، فللموصى له بخدمة عبد أو سكنى دار أن يعير. وأورد على المصنف: جواز إعارة الأضحية المنذورة وهي قد خرجت عن ملكه. وإعارة الإمام أرض بيت المال .. فالمتجه فيها: الجواز. وإعارة الأب ولده الصغير لما لا يقابل بأجرة لحقارته فالظاهر: جوازه؛ لفعل السلف، أما إعارته لمن يتعلم منه .. فجوزها الروياني، ويدل لذلك قصة أنس رضي الله عنه في (الصحيحين). وقال صاحب (العدة): ليس للأب أن يعير ولده لذلك؛ لأن ذلك هبة لمنافعه كما لا يعير ماله، قال المصنف: هذا محمول على خدمة تقابل بأجرة. قال: (فيعير مستأجر)؛ لأنه مالك للمنفعة، وهذا لا خلاف فيه. قال: (لا مستعير على الصحيح)؛ لأنه غير مالك للمنفعة، وإنما أبيح له الانتفاع، والمستبيح لا يملك نقل الإباحة كما أن الضيف لا يبيح لغيره ما قدم له. والثاني: وبه قال أبو حنيفة له أن يعير كما أن للمستأجر أن يؤجر. فروع: الأول: للمستعير أن يعير إذا أذن له المعير، فإن سمى الثاني .. خرج الأول بالإعارة منها وبرئ من ضمانها ولا رجوع له فيها، وإذا ردها الثاني عليه .. لم يبرأ، بل هو كالوكيل في الإعارة، فإن لم يسمه .. فالأول على استعارته والثاني مستعير منه

وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ. وَالْمُسْتَعَارِ: كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وله الرجوع متى شاء، فإذا ردها الثاني عليه برئ. الثاني: للموقوف عليه أن يعير إن كان الوقف مطلقًا، فإن قال: يسكنها معلم صبيان القرية .. لا يعير، قاله القفال وغيره وقياسه: المنع في البيت الذي يسكنه المدرس والمعيد ونحوه؛ لأنه ملك الانتفاع لا المنفعة، وقيد في (المطلب) جواز الإعارة للموقوف عليه بما إذا كان ناظرًا. الثالث: استعار كتابًا يقرأ فيه فوجد فيه خطأ لا يصلحه إلا أن يكون قرآنًا، قاله العبادي. وتقييده بالإصلاح يعلم منه أن ذلك لو كان يؤدي إلى نقص قيمته لرداءة خط ونحوه .. امتنع؛ لأنه إفساد لماليته لا إصلاح، أما الكتاب الموقوف .. فيصلح جزمًا، خصوصًا ما كان خطأ محضًا لا يحتمل التأويل، والله تعالى يعلم المفسد من المصلح. قال: (وله أن يستنيب من يستوفي المنفعة له)؛ لأن الانتفاع راجع إليه، ولهذا: لو أركب دابته وكيله لغرض الموكل في مكان أرسله إليه أو ليحفظها له فتلفت في يده .. لم يضمنها الوكيل؛ لأنه في حاجته، وكذا له أن يركبها زوجته وغلامه، ولا يخفى أن شرط الراكب أن يكون مثله أو دونه. وإنما جازت الاستنابة وامتنعت الإعارة؛ لأن الإعارة إخراج عن اليد بالكلية، والاستنابة كأنها في يد المستنيب. قال: (والمستعار: كونه منتفعًا به) أي: منفعة مباحة كالدواب والدوار وكل ما يجوز عقد الإجارة علي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرسًا ومن صفوان أدرعًا وقيس عليهما غيرهما.

مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. وَتَجُوزُ إِعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج بقيد الانتفاع به: الحمار الزمن ونحوه، وآلة الملاهي، والأمة المشتهاة للخدمة بشرطه. قال: (مع بقاء عينه) فلا تجوز إعارة الشمعة والسراج للوقود والأطعمة فإن منفعتها باستهلاكها حسًا، وكذلك ما تستهلك منفعته شرعًا كخشب أو حجر يبنى به المسجد، قاله البغوي في (فتاويه)؛ لأن حكم العارية جواز الاسترداد، والشيء إذا صار مسجدًا لا يجوز استرداده، وكذلك لا تجوز إعارة النقدين في الأصح. وفهم الرافعي من كلامهم أن الخلاف إذا أطلق فإن صرح بالاستعارة للتزين .. فينبغي أن يقطع بالصحة، وكلام الغزالي في (الإجارة) يدل على طرده فيه، وأجراهما الإمام في الحنطة ونحوها، والغزالي في الشجر للربط والتجفيف عليها. قال: (وتجوز إعارة جارية لخدمة امرأة أو محرم)؛ لأنه لا محذور فيه، وسواء في ذلك محرم الرضاع والنسب والمصاهرة، ومن طريق الأولى إعارتها لزوجها فيما لا يلزمها فعله، وفي هذه الحالة تكون مضمونة عليه إلى أن يسلمها لربها، أو من يقوم مقامه؛ لأن يد الضامن لا تزول إلا بذلك. وكذلك الحكم في إعارتها لمالكها ويتصور ذلك في المستأجر والموصى له بمنفعتها إذا كانت ممن لا تحبل. وقاس في (المهمات) على جواز ذلك إعارة الأمة لخدمة المريض الأجنبي، وفي جواز ذلك نظر. وأفهمت عبارة المصنف أن إعارتها لخدمة الرجال الأجانب لا تجوز؛ لأنه قد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يفضي إلى الخلوة المحرمة، وبهذا جزم الرافعي، ومقتضى كلام (المطلب) و (الكفاية): أن الأكثرين على الجواز؛ لأن الخلوة غير لازمة. وظاهر عبارة المصنف: أنه لا فرق بين الخصي وغيره، وفيه نظر. كل هذا في الأمة المشتهاة، فإن لم تكن كذلك .. ففي الجواز وجهان: أصحهما في (الشرح الصغير): عدم الجواز أيضًا. والأصح في زوائد (الروضة) وعند الشيخ: الجواز، وقال في (المطلب): إنه الحق. وإعارة العبد للمرأة كعكسه، ولو كان المستعير أو المستعار خنثى حكم فيه بالاحتياط. وإذا حرمت الإعارة فأعار .. قال الغزالي: صحت العارية مع ذلك؛ لأن المنع لغيره كالبيع في وقت النداء، وفائدة الصحة: أنه إذا استخدم .. لا تجب عليه أجرة. وقال في (الشرح الصغير): الأشبه فسادها كالإجارة للمنفعة المحرمة؛ فإن كان إعارتها للاستمتاع، فلا خلاف في تحريمه وفسادها، فإذا وطئ كان زانيًا ويلزمه الحد على الصحيح إن كان عالمًا، وإن كان جاهلًا .. عزر، وهو وطء شبهة يوجب المهر ويلحق النسب، والولد حر تلزمه قيمته، والكلام في المهر تقدم في (الرهن). فلو كان المستعير أو المستعار خنثى .. امتنع على الصحيح احتياطًا. وفي جواز إعارة الأمة للكافرة الأجنبية للخدمة نظر، وكذلك الفاسقة للعفيفة أو العكس؛ لما سيأتي من أحكام النظر.

وَتُكْرَهُ إِعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتكره إعارة عبد مسلم لكافر)؛ لقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكفرين على المؤمنين سبيلا}. وهذه الكراهة جزم الرافعي بأنها للتنزيه، وجزم الجرجاني وصاحب (التنبيه) بالتحريم، وجمع ابن الرفعة بين الكلامين فحمل التنزيه على الإعارة لغير الخدمة ببدنه والتحريم على الإعارة لها. فروع: قال ابن الصباغ وغيره: تعيين المعار ليس بشرط، فلو قال: أعرني دابة، فقال: ادخل الإصطبل فخذ ما شئت .. صحت. وتحرم إعارة الصيد للمحرم، والخيل والسلاح للحربي، ولقاطع الطريق والباغي إذا غلب علي الظن عصيانهما بذلك كما تقدم في أول (البيع). وإعارة المصحف وكتب الحديث ونحوها من الكافر كالبيع منه. وتكره استعارة أحد أبويه للخدمة، وقيل: لا تحل، والأجداد والجدات كذلك، قال القاضي أبو الطيب: فإن استعارهما ليرفههما ويخفف من خدمتهما .. كان ذلك مستحبًا. ونقل الشيخ عن القاضي حسين أنه يمتنع استئجار أحد الأبوين، والذي في (تعليقه القاضي) نقل ذلك عن أبي حنيفة فقط، ومن العجب أن مثل ذلك وقع للمصنف في (الروضة) فحكاه وجهًا، والذي في (الرافعي) عزوه إلى أبي حنيفة فقط.

وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي، وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الآخَرِ، وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفَهُ أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ .. فَهُوَ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو يحيى البلخي- من أصحابنا واسمه زكريا بن أحمد-: لا يجوز أن يرتهن الرجل أباه ولا أن يستأجره. قال: (والأصح: اشتراط لفظ كأعرتك أو أعرني)؛ لأن ذلك يدل على الرضا القلبي فأنيط الحكم به. والثاني: لا يحتاج إلى ذلك، حتى لو رآه حافيًا فأعطاه نعلًا أو عاريًا فألبسه ثوبًا .. كان ذلك عارية. قال: (ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر)؛ قياسًا على إباحة الطعام فإن اللفظ من أحدهما كاف في الإباحة. وقال الغزالي: يشترط اللفظ من جهة المعير، وأما المستعير .. فيكفي قبوله بالفعل. ويرد على اشتراط اللفظ: إعارة الأخرس واستعارته بالإشارة أو الكتابة، وأما إذا اشترى شيئًا وسلمه له في ظرفها .. فيجوز وهو عارية عند أبي عاصم العبادي. قال المصنف: محل هذا إذا لم تقابل الهدية بعوض، فإن اقتضت عوضًا .. فالمحكي عن أبي عاصم: أن الظرف أمانة كالإجارة الفاسدة. ولو أركب من أعيى فتلفت الدابة .. فالمذهب: أنه يضمنها، سواء التمس منه ذلك أم لا، خلافًا للإمام والغزالي. ولو أركبه مع نفسه .. فعلى الرديف نصف الضان، وقال الإمام: لا شيء عليه تشبيهًا بالضيف. قال: (ولو قال: أعرتكه لتعلفه أو لتعيرني فرسك .. فهو إجارة فاسدة توجب أجرة المثل) المراد: حيث تجب الأجرة في الإجارة الصحيحة بالقبض ومضي زمن لمثله

وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجرة؛ لأن معنى ما صدر منهما هو الإجارة؛ إذ الإعارة لا عوض فيها، وإنما جعلناها فاسدة لجهالة المدة والعوض. وقيل: الذي وقع عارية فاسدة نظرًا إلى اللفظ. وعلى هذا: فلا تجب الأجرة، واستبعده في (المطلب)؛ لأنه لم يبذل المنفعة مجانًا. وأما العين .. فمضمونه على اعتبار اللفظ دون المعنى. هذا كله إذا كان أحد العوضين مجهولًا كما فرضه المصنف، فإن كانا معلومين كما لو قال: أعرتك هذا العبد شهرًا من الآن بعشرة .. فالأصح: أنه إجارة صحيحة. فرعان: أحدهما: نفقة الدابة المستعارة عند القاضي حسين على المستعير وكذلك سترها بما يقيها الحر والبرد، قال: وكذلك إذا استعار عبدًا فطعامه وشرابه وحفظه عما يهلكه عليه، لكن صرح في (الحاوي) و (البيان) بأن نفقة المعار على المالك وهو القياس. الثاني: قال الماوردي: لا يجوز أن يأخذ بالعارية رهنًا ولا ضامنًا، فإن شرط فيها .. بطلت، وهذا تقدم عند قول المصنف: (فصل شرط المرهون به كونه دينًا). قال: (ومؤنة الرد على المستعير)؛ لما سيأتي في أول الباب الذي بعده من قوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) ولأنه ضامن فأشبه

فَإِنْ تَلِفَتْ لاَ بِاسْتِعْمَالٍ .. ضَمِنَهَا وَإِنْ لَمْ يُفِرِّطْ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَوْ يَنْسَحِقُ بِاسْتِعْمَال ـــــــــــــــــــــــــــــ الغاصب، ومن جهة المعنى أنا لو كلفناها المعير لرغب الناس عن الإعارة، وستأتي صورة مستثناة من هذا الإطلاق. قال: (فإن تلفت لا باستعمال .. ضمنها وإن لم يفرط) لحديث صفوان رضي الله عنه السابق، ولأنه مال يجب رده فتجب قيمته عند التلف كالمستام، وصفة الضمان ذكرها في آخر الباب. ولنا قول- كمذهب أبي حنيفة-: أن المستعير لا يضمن إلا بالتعدي، والأصح: أن ضمان الأجزاء كضمان العين كما سيأتي. فروع: أعاره بشرط ضمانه عند التلف بقدر معين قال المتولي: يفسد الشرط دون العارية وفيه وقفة. ولو أعار بشرط كونها أمانة .. لغا الشرط وكانت مضمونة. ولو استعار فقيه كتابًا موقوفًا على المسلمين شرط واقفة أن لا يعار إلا برهن تحرز قيمته فسرق من حرزه .. لا ضمان؛ لأنه مستحق تلف في يده بلا تفريط وإن سمي عارية عرفًا. وفي (فتاوى البغوي): إذا استعار عبدًا عليه ثياب .. لا تكون ثيابه مضمونة عليه؛ لأنه لم يأخذها ليستعملها، بخلاف إكاف الدابة. قال: (والأصح: أنه لا يضمن ما ينمحق أو ينسحق باستعمال). (الانمحاق): التلف بالكلية كلبس الثوب إلى أن يبلى و (الانسحاق): النقصان. وفي ضمان ذلك ثلاثة أوجه:

والثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ. وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَاجِرٍ لاَ يَضْمَنُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحها: أنه لا يضمنهما، لأنهما تلفا بسبب مأذون فيه، فأشبه ما إذا قال: اقتل عبدي أو اقطع يده، أو أذن في إتلاف ماله بإحراق أو غيره. والثاني: يضمنهما؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه). ومراد المصنف: الاستعمال المأذون فيه، حتى لو كان قميصًا فاتزر به أو لبسه في غير الوقت المأذون فيه .. كان حكمه حكم الغاصب يضمن المنافع والأجزاء. وتلف الدابة بالركوب أو الجمل المعتادين كالانمحاق، وعقرها أو عجزها كالانسحاق، والأصح: أنه يضمنه في آخر حالات التقويم. قال البغوي: وإذا انتهى الثوب إلى تلك الحالة .. ليس له استعماله. قال: (والثالث: يضمن المنمحق) ولا يضمن المنسحق؛ لأن مقتضى الإعارة الرد ولم يوجد مردود في المنمحق، وضعف بأن المنسحق بعض المنمحق فكيف يضمن المنمحق ولا يضمن المنسحق؟ وهذا الوجه من زيادات الكتاب على (المحرر). وإذا أعاره سيفًا فقاتل به فانكسر .. قال الروياني: كان كانسحاق الثوب. قال: (والمستعير من مستأجر لا يضمن في الأصح)؛ لأنه نائب عن المستأجر وهو لا يضمن، فكذلك نائبه. هذا في الإجارة الصحيحة، أما الفاسدة .. فإنهما يضمناها والقرار على المستعير كما أفتى به البغوي. والثاني: يضمن كالمستعير من المالك، ومؤنة الرد على المستعير إن رد على المستأجر، فإن رد على المالك .. كانت على المالك كما لو رد عليه المستأجر.

وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعَثَهُ فِي شُغْلِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا .. فَلاَ ضَمَانَ. وَلَهُ الاِنْتِفَاعُ بِحَسَبِ الإِذْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونظير المسألة: المستعير من الموصى له بالمنفعة ومن الموقوف عليه، ومؤنة الرد هنا على المستعير إن رد على المستأجر، وعلى المالك إن رد عليه، فتستثنى هذه الصورة من قوله أولا: (ومؤنة الرد على المستعير). قال: (ولو تلفت دابته في يد وكيل بعثه في شغله أو في يد من سلمها إليه ليروضها .. فلا ضمان)؛ لأنه نائب عنه. فروع: أعار الهدي .. فالظاهر: لا ضمان؛ لأن يد المعير ليست يد ضمان فكذا فرعه. ولو أردف غيره على دابته .. ضمن الرديف النصف على الصحيح، ولو ولدت العارية عنده .. فولدها أمانة على الأصح فلا يستعمله جزمًا. ولو استعار حمارة معها جحش فهلك الجحش .. لم يضمنه؛ لأنه إنما أخذه لتعذر حبسه عن أمه، وكذا لو استعارها فتبعها ولدها ولم يتعرض المالك له بنفي ولا إثبات .. فهو أمانة، قاله القاضي حسين. قال: (وله الانتفاع بحسب الإذن)؛ لأن المالك لم يأذن في غيره. فعلى هذا لو استعار دابة ليركبها إلى موضع فتجاوزه .. كان عليه أجرة المثل ذهابًا وإيابًا إليه، وفي وجوبها من ذلك الموضع إلى بلد العارية وجهان: أحدهما: لا؛ لأنه مأذون فيه من جهة المالك.

فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ .. زَرَعَهَا وَمِثْلَهَا إِنْ لَمْ يَنْتَهُ، أَوْ لِشَعِيرٍ .. لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ، وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ. وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ .. فَلَهُ الزَّرْعُ وَلاَ عَكْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: نعم؛ لأن الإذن قد انقطع بالمجاوزة. قال: (فإن أعاره لزراعة حنطة .. زرعها ومثلها إن لم ينهه، أو لشعير .. لم يزرع فوقه كحنطة)؛ لأن ضرر الحنطة أكثر من ضرر الشعير وأقل من ضرر الذرة والقطن، وفي الإجارة قول أو وجه منسوب إلى نقل البويطي أو تخريجه: أن المستأجر لزراعة لا يجوز له أن يزرع غيره، وطرد هذا في المستعير أولى. ويؤخذ من قوله: (ومثلها) الأدون بطريق الأولى، ولهذا عدل عن قول (المحرر): (وما دونها) ليبنه على المساوي. قال: (ولو أطلق الزراعة) أي: أطلق الإذن فيها كأعرتك للزراعك (.. صح في الأصح ويزرع ما شاء)؛ لإطلاق اللفظ. والثاني: لا يصح؛ لتفاوت الضرر في المزروع. قال الرافعي: ولو قيل: إنها تصح ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررًا .. لكان مذهبًا، أما إذا قال أعرتك لتزرع ما شئت .. فيصح ويزرع ما أراد، لأنه عام، وقد نص الشافعي رضي الله عنه في نظيره من الإجارة على الصحة. قال: (وإذا استعار لبناء أو غراس .. فله الزرع)؛ لأنه أخف، فصار كما إذا وكل في الشراء بمئة فاشترى بخمسين. وقيل: لا؛ لأن الزرع يرخي الأرض. وقيل: إن استعار للغراس .. زرع، وإن استعار للبناء لم يزرع. قال: (ولا عكس)؛ لكثرة ضرر البناء والغراس.

وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لاَ يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ، وَأَنَّهُ لاَ تَصِحُّ إِعَارَةُ الأَرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والصحيح: أنه لا يغرس مستعير لبناء وكذا العكس)؛ لاختلاف جنس الضرر، فإن ضرر الغرس في باطن الأرض أكثر، وضرر البناء في ظاهرها أكثر. والثاني: يجوز؛ لأن كلًا منهما للتأبيد. قال: (وأنه لا تصح إعارة الأرض مطلقة، بل يشترط تعيين نوع المنفعة) قياسًا على الإجارة. والثاني: تصح؛ لأنها مكرمة ومعونة فتوسع فيها، وإلى هذا ذهب أكثر الأصحاب واختاره الشيخ، ولم يرجح في (الشرحين) شيئًا، ونقل في زوائد (الروضة) هنا التصحيح عن (المحرر)، وصححه في (الروضة) و (أصلها) في (باب الإجارة). فعلى ما صححه الأكثرون: ينتفع بها كيف شاء لإطلاق الإذن. وقال الروياني: ينتفع بما هو العادة، واستحسنه الرافعي. ثم إن الرافعي استثنى بعد ذلك بدون صفحة دفن الموتى فقال: الوجه: القطع بأن الإطلاق لا يسلط عليه، لما فيه من ضرر اللزوم. تتمة: حيث أعار للبناء أو الغراس لم يكن ذلك للمستعير إلا مرة واحدة، فلو قلع ما غرسه أو بناه .. لم تكن له إعادته إلا بإذن جديد، إلا إذا صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى، قاله البغوي. وحكى القاضي أبو الطيب والمتولي في إعادة الغرس وجهين كالوجهين فيما إذا أعار الحائط لوضع الجذوع هل له إعادة غيرها.

فصل

فَصْلٌ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَةِ مَتَى شَاءَ إِلاَّ إِذَا أَعَارَ لِدَفْنِ مَيْتٍ .. فَلاَ يَرْجِعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: لكل منهما رد العارية متى شاء)؛ لأنها مكرمة ومبرة من المعير، وارتفاق من المستعير، فلو ألزمناها لامتنع الناس منها، ولا فرق بين المطلقة والمؤقتة. وقال مالك: لا يجوز الرجوع في المؤقتة، وهو وجه لصاحب (التقريب). ومن جوازها يعلم أنها تنتهي بموت أحدهما وإغمائه وبحجر السفه، فإذا مات المستعير .. وجب على ورثته الرد وإن لم يطالب المعير، كذا قاله الرافعي، وزاد غيره أن مؤنة الرد على التركة، فإن لم يخلف شيئًا .. فالواجب عليهم التخلية فقط. قال: (إلا إذا أعار لدفن الميت .. فلا يرجع حتى يندرس أثر المدفون)؛ لأن الدفن يراد للدوام، وفي النبش هتك لحرمة الميت. ويستفاد من منع الرجوع أنه ليس له طلب الأجرة؛ لأن العرف لم يجر به، والميت زائل الملك، والأولياء لا يلزمهم، لكن للمالك سقي الأشجار إن لم يؤد ذلك إلى ظهور شيء من الميت. والمراد بـ (الاندراس): أن يصير ترابًا، وذلك يختلف باختلاف الأرض والموتى، وكذا بعد الاندراس عند القاضي حسين يمتنع الرجوع أيضًا. ومسألة الكتاب مصورة بما إذا كان الرجوع بعد الدفن، فإن رجع بعد الوضع في القبر وقبل المواراة .. فالصحيح: امتناعه أيضًا، كما صرح به في (الشرح الصغير)، وليس في (الكبير) ولا في (الروضة) في ذلك تصحيح.

وَإِذَا أَعاَرَ لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ؛ إِنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ ومَجَّانًا .. لَزِمَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان قبل الوضع .. جاز، وفي هذه الحالة قال المتولي: يغرم الراجع لولي الميت مؤنة الحفر؛ لأنه ورطه. ووهم الرافعي فنقل عنه أن الحفر على ولي الميت، وتبعه في (المطلب) فجزم به، لكن في (فتاوى البغوي): لو أعار أرضًا للزراعة ثم رجع المعير بعد أن حرثها المستعير .. لم تلزمه أجرة الحراثة، والمعير قد ورطه في المسألتين، إلا أن يقال: إن الدفن واجب لابد منه على الولي؛ بخلاف الزرع، فهو راجع إلى خيرته، فيغرم الأول دون الثاني. وأورد على حصر الكتاب: إذا كفنه أجنبي وقلنا: إنه باق على ملك الأجنبي كما صححه المصنف في (باب السرقة) .. فهو عارية لازمة. وإذا استعار دارًا لسكنى معتدة .. فهي لازمة من جهة المستعير فقط. وإذا قال: أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرًا .. لم يكن للوارث الرجوع. وإذا أعار جدارًا لوضع الجذوع فوضعها وأحكمها .. فقيل ليس له في هذه الرجوع، لكن الأصح: جوازه كما تقدم في (باب الصلح). وإذا أراد الصلاة المفروضة فأعاره ثوبًا يستر به عورته أن يفرشه في مكان نجس ففعل وأحرم وكان الرجوع يؤدي إلى بطلان الصلاة .. فالمتجه: منعه، ويحتمل الجواز، وفائدته طلب الأجرة. وإذا أعار سلاحًا أو دابة للغزو والتقى الزحفان .. قال في (الخصال): ليس له الرجوع فيهما حتى ينكشف القتال. قال: (وإذا أعار للبناء أو الغراس ولم يذكر مدة ثم رجع) أي: بعد أن بنى أو غرس (إن كان شرط القلع مجانًا .. لزمه)؛ لأنه رضي بالتزام الضرر الذي يدخل عليه

وَإِلاَّ: فَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ .. قَلَعَ، وَلاَ تَلْزَمُهُ تَسْوِيةُ الأَرْض فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: تَلْزَمُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقلع، وتلزمه أيضًا تسوية الأرض إن شرطها، وإلا .. فلا، سواء في ذلك المؤقتة والمطلقة. وقوله: (مجانًا) كذا هو في (الروضة) وكتب الرافعي، وهو يوهم أنه لو شرط القلع لم يقل: مجانًا .. لا يكون كذلك، والصواب: حذفه كما حذفه أبو الطيب والدارمي والمحاملي وأصحاب (الحاوي) و (البحر) و (المهذب) و (الشامل) و (البيان) ونص عليه في (المختصر)، لا جرم حذفه الرافعي في نظيره من الإجارة. ولو اختلفا في وقوع شرط القلع .. فالظاهر تصديق المستعير؛ إذ الأصل عدمه واحترام ماله، كذا قاله بعض المتأخرين، ولا خلاف أنه بعد الرجوع لا يجوز للمستعير البناء والغراس، فلو فعلا عالمًا بالرجوع .. فكما تقدم. ونبه في (البحر) على أن المراد بالغراس: الغرس؛ فإن الغراس هي نفس الأغصان التي تغرس، قال: فلو عبر بـ (الغرس) لكان أخصر وأحسن. قال: (وإلا) أي: وإن لم يشترط عليه القلع أصلًا (فإن اختار المستعير القلع .. قلع) أي: بلا أرش؛ لأنه ملكه وقد رضي بنقصانه. قال: (ولا تلزمه تسوية الأرض في الأصح)؛ لأنه مأذون فيه فلم يلزمه ضمان نقصه كاستعمال الثوب المستعار. قال: (قلت: الأصح: تلزمه والله أعلم) ليرد ما أخذ كما أخذ، والأكثرون أطلقوا الوجهين من غير تصحيح، والرافعي رجح في (الشرحين) الثاني كما رجحه المصنف، وصحح الشيخ أن ما حصل من حفر بسبب البناء والغراس في مدة العارية

وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ .. لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا، بَلِ الْمُغِيرُ بِالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ، أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، قِيلَ: أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْقِيمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تلزم تسويته، وما حصل بسبب القلع زائد على ذلك تلزم تسويته، وقال: إنه الذي تتعين الفتيا به. وموضع الخلاف: إذا كانت الحفرة الحاصلة في الأرض على قدر الحاجة، فإن زادت على حاجة القلع .. لزم طم الزائد قطعًا. قال: (وإن لم يختر) أي: المستعير القلع (.. لم يقلع مجانًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس لعرق ظالم حق) فأفهم أن غير الظالم له حق وقال أبو حنيفة: يقلع مجانًا. قال: (بل المعير بالخيار بين أن يبقيه بأجرة، أو يقلع ويضمن أرش النقص، قيل: أو يتملكه بالقيمة)؛ لأن العارية مكرمة لا يليق بها منع المعير ولا تضييع مال المستعير، فأثبتنا الرجوع على وجه لا يتضرر به المستعير. فعلى هذا: أي خصلة اختارها المعير أجبرنا المستعير على موافقته عليها، وإلا كلفناه تفريغ الأرض، ونعتبر مع ذلك أيضًا أرش نقصان الثمرة إن كانت على الأشجار. والمراد بـ (النقصان): التفاوت بين قيمته قائمًا ومقلوعًا، وعلى القائل: لا يتملك، أن ذلك بيع، فلابد فيه من التراضي. مهمة: حاصل ما في (الشرحين) و (الروضة) أوجه: أصحهما في هذا الباب: يتخير بين التمليك بالقيمة والقلع بالأرش، ليس له

فَإِنْ لَمْ يخَتَرْ .. لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إِنْ بَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الأُجْرَةَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإبقاء بأجرة وهو المجزوم به في (المهذب) هنا وفي (المنهاج) في (الفلس) وفي (التنبيه) في (الشفعة. والثاني: يتخير بين الثلاث، وهو ما أجاب به في (الروضة) و (أصلها) في أبواب منها (الهبة). والثالث: يقلع بالأرش قهرًا. وأما الأخيران فلا يجبر عليهما المستعير، فالثابت له على هذا خصلة واحدة. ثم قوله: (يبقيه بأجرة) لا يصح أن يكون ما يطلبه المعير، ولا أن يفرض الحاكم أجرة المثل حالة؛ إذ لا ضابط للمدة، ولا مسقطة؛ لأنه لا يفرض مسقطًا، وأقرب ما يمكن سلوكه ما ذكره في (الصلح) من بيع حق البناء دائمًا بعوض حال بلفظ البيع أو الإجارة وإن جهلت المدة، لكن يلزم منه أن يبني ويغرس غيره عند تلفه أو قلعه، أو يؤجره لغيره وهو بعيد. ومحل تخيير المعير بين الخصال الثلاث: إذا كانت الأرض خالصة له، فإن بنى أحد الشريكين أو غرس في مشتركة بإذن شريكه .. لم يكن للشريك إذا رجع إلا الإبقاء بأجرة. قال: (فإن لم يختر .. لم يقلع مجانًا إن بذلك المستعير الأجرة)؛ لانتفاء الضرر. قال: (وكذا إن لم يبذلها في الأصح)؛ لأن المعير مقصر بترك الاختيار راض بإتلاف منافعه. والثاني: له القلع مجانًا؛ لأن العارية قد انتهت بالرجوع فلابد من الأجرة في مقابلة الانتفاع، هذا الذي قطع به المخيرون بين الثلاث، ويقابله أن له القلع مجانًا،

ثُمَّ قِيلَ: يَبِيعُ الْحَاكِمُ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا. وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالاِنْتِفَاعُ بِهَا، وَلاَ يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيرِ إِذْنٍ لِتَفَرُّجٍ، وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالإِصْلاَحِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأغرب الشاشي وابن يونس فحكياه مع بذلها أيضًا. قال: (ثم قيل: يبيع الحاكم الأرض وما فيها وتقسم بينهما) فصلًا للخصومة. قال: (والأصح: أنه يعرض عنهما حتى يختارا شيئًا)؛ إذ لا تقصير من المستعير، فكيف يزال ملكه قهرًا؟ قال الإمام: والظاهر لزوم الأجرة في مدة التوقف. وقوله: (يختارا) كذا هو مثنى بخط المصنف و (المحرر) وبعض نسخ (الشرحين)، والصواب: حذف الألف، كما هو بخطه في (الروضة)؛ لأن اختيار المعير كاف. قال: (وللمعير دخولها والانتفاع بها) أي: في مدة التنازع؛ لأنها ملكه ويستظل بالبناء والغراس لكن لا يربط بهما شيئًا ولا يستند إليهما، هكذا قاله القاضي وجماعة، فإن حمل على ما يضر .. فلا إشكال كما سبق في (الصلح). قال: (ولا يدخلها المستعير بغير إذن لتفرج)؛ لأنه لا ضرورة به إلى ذلك. و (التفرج): لفظة مولدة مأخوذة من انفراج الهم وهو انكشافه، ووقع في (الوسيط) التنزه بدل التفرج وهو مراده، لكن هذه اللفظة معدودة من لحن العوام. قال أهل اللغة: التنزه التبعد عن المياه والبلاد، ومن لحن العامة: كنا نتنزه، أي: نتفرج. قال: (ويجوز للسقي والإصلاح في الأصح) صيانة لملكه عن الضياع. والثاني: لا؛ لأنه يشغل ملك غيره إلى أن يصل إلى ملكه، وضعفه الإمام بأنه يؤدي إلى تعطيل الثمار.

وَلِكُلٍّ بَيْعُ مِلْكِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعبيره بـ (الإصلاح) أعم من قوله في (المحرر) و (الروضة) و (الشرحين): ومرمة الجدار. ومحل الجواز ما إذا لم تتعطل المنفعة على مالك الأرض بدخوله، فإن تعطلت لم يمكن إلا بأجرة، قاله المتولي وصوبه الشيخ. قال: (ولكل بيع ملكه) من الآخر ومن ثالث كسائر الأملاك، ثم إن باعه أحدهما للآخر .. فلا كلام، وإن باع المعير لثالث .. تخير المشتري كما كان يتخير البائع، وإن باع المستعير .. فالمعير باق على خيرته، وللمشتري الخيار إن جهل. قال: (وقيل: ليس للمستعير بيعه لثالث) بل يبيعه للمعير فقط؛ لأن ملكه غير مستقر. والصحيح: الأول؛ لأن عدم الاستقرار لا يمنع البيع، كالشقص المشفوع، يجوز للشريك بيعه وإن جاز أن ينزعه الشفيع، أما إذا أذن له المعير .. فمقتضى كلام الماوردي والإمام القطع بالصحة. وقال في (المطلب): الذي يظهر طرد الخلاف مطلقًا. وقيل: لا يجوز للمعير البيع لثالث أيضًا، وصححه الماوردي والروياني؛ لأن مدة بقاء الغرس فيها مجهولة. كل هذا في حال التنازع وقبل استقرار الأمر بينهما على أجرة، فإن اتفقنا على أجرة مسماة .. صار الحكم كالحكم في العين المستأجرة. ولو باعا لثالث بثمن واحد .. صح في الأصح للحاجة، بخلاف ما لو كان لاثنين عبدان لكل منهما عبد فباعاهما بثمن واحد ولم يعلم ما يقابل كلًا منهما عن العقد .. فإن المصحح في (شرح المهذب) و (تصحيح التنبيه) ونقله الرافعي في (الصداق) عن النص: البطلان.

وَالْعَارِيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمُطْلَقَةِ، وَفِي قَوْلٍ: لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إِذَا رَجَعَ. وَإِذَا أَعَارَ لِزِرَاعَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ إِدْرَاكِ الزَّرْعِ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّ عَلَيْهِ الإِبْقَاءَ إِلَى الْحَصَادِ، وَأَن لَهُ الأُجْرَةَ. فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتقْصِيرِهِ بِتَاخِيرِ الزِّرَاعَةِ .. قَلَعَ مَجَّانًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والعارية المؤقتة كالمطلقة) أي: في جميع ما سبق، سواء انتهت المدة أو رجع قبلها. وقيل: لا رجوع قبلها، وفائدة التأقيت إنما هي المنع من إحداث غرس أو بناء. قال: (وفي قول: له القلع فيها مجانًا إذا رجع) ومحل هذا القول بعد المدة وهو بعدها لا يحتاج إلى رجوع، فكان ينبغي أن يعبر بالانتهاء دون الرجوع، والضمير في (فيها) يعود إلى المؤقتة. قال: (وإذا أعار لزراعة ورجع قبل إدراك الزرع .. فالصحيح: أن عليه الإبقاء إلى الحصاد)؛ لأن له أمدًا ينتظر، بخلاف البناء والغراس، فإن كان الزرع مما يعتاد قلعه .. كلف القلع. والثاني: حكمه حكم البناء والغراس في التخيير السابق. قال: (وأن له الأجرة)؛ لأن الإباحة انقطعت بالرجوع فأشبه ما إذا أعاره دابة إلى بلد فرجع في الطريق .. فإنه يجب عليه نقله إلى مأمن بأجرة المثل. والثاني: يبقيه بغير أجرة استصحابًا للأصل، لأن منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة بالزرع، وهو رأي المزني واختاره الروياني، فلو كان الزرع يعتاد قطعه كالباقلاء والقصيل .. كلف القلع. قال: (فلو عين مدة ولم يدرك فيها لتقصيره بتأخير الزراعة .. قلع مجانًا) أشار بذلك إلى علة الحكم وهذا لا خلاف فيه، ويلزمه مع ذلك تسوية الأرض. وأفهم كلامه: أنه إذا لم يكن مقصرًا .. لم يقلع مجانًا، بل يكون كما لو أعار مطلقًا، سواء كان عدم الإدراك لحر أو برد أو مطر، أو لقلة المدة المعينة، أو لأكل

وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إِلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ .. فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ. وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا: أَعَرْتَنِيهَا، فَقَالَ: بَلْ أَجَّرْتُكَهَا، أَوِ اخْتَلَفَ مَالِكُ الأَرْضِ وزَارِعُهَا كَذلِكَ .. فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجراد رأس الزرع فينبت ثانيًا، وفي نظيره من الإجارة وجه: أنه يقلع مجانًا، فهنا أولى. قال: (ولو حمل السيل بذرًا إلى أرضه فنبت .. فهو لصاحب البذر)؛ لأنه عين ماله وكذلك ما حمله الهواء، فإن كان ذلك البذر لا قيمة له كحبة أو نواة .. فهل النابت لمالك الأرض أو الحبة؟ وجهان، صحح المصنف الثاني، واستثنى منه: ما إذا كان المالك ألقى ذلك الشيء أو أعرض عنه؛ فقطع بأنه لصاحب الأرض. قال: (والأصح: أنه يجبر على قلعه) أي: مجانًا؛ لأن المالك لم يأذن فيه، فأشبه ما إذا انتشرت أغصان شجرة الغير إلى هواء داره .. له قطعها ولا أجرة عليه وإن كثر لعدم الفعل منه. والثاني: لا يجبر؛ لعدم التعدي. فعلى هذا: يكون كالمستعير، فينظر في النابت أهو زرع أم شجر ويكون الحكم كما سبق، وإذا قلع في هذه المسألة .. تلزمه تسوية الحفر .. لأنه أدخل النقص في ملك غيره لاستصلاح ملكه، فلو بذلك صاحب الأرض الأرش .. أجبر قطعًا، ويجبر أيضًا على تسوية الحفر. قال: (ولو ركب دابة وقال لمالكها: أعرتنيها، فقال: بل أجرتكها) أي: مدة كذا بكذا (أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك .. فالمصدق المالك على المذهب)؛ لأن المنافع تصح المعاوضة عليها كالأعيان. ولو اختلفا في العين بعد استهلاكها فقال المالك: بعتكها، وقال: بل وهبتنيها .. صدق المالك، فكذا هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكما لو أكل طعام الغير وقال: كنت أبحته لي، وأنكر المالك .. فإن القول قوله، وبهذا قال مالك والمزني. والثاني: يصدق الراكب والزارع وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب إما بالإجارة كما زعم المالك أو بالإعارة كما زعم الراكب، والمالك يدعي عوضًا والأصل براءة ذمته منه. والثالث: يصدق المالك في الأرض دون الدابة، وهذا هو المنصوص في (المختصر) وأظهر عند القفال؛ لأن الدواب تكثر فيها الإعارة والأرض تندر، فيصدق في كل صورة من الظاهر معه، وضعف هذا بأن الشافعي رضي الله عنه لا يعتبر العادة في الدعاوى، ولهذا لا تقدم دعوى العطار على الدباغ في دعوى العطر كما سيأتي في بابه. والفرق بين هذا وبين ما إذا غسل ثوبه غسال أو خاطه خياط ثم قال: فعلته بالأجرة، وقال المالك: مجانًا حيث كان القول المالك مع يمينه: أن الغسال فوت منفعة نفسه ثم ادعى لها عوضًا على الغير، وههنا المتصرف فوت منفعة مال الغير وأراد إسقاط الضمان عن نفسه .. فلم يقبل. تنبيهان: أحدهما: إطلاق تصديق المالك يوهم استحقاقه المسمى إذا حلف على نفي الإعارة وإثبات الإجارة إتمامًا لتصديقه، والأصح: أجرة الثل. والثاني: صورة مسألة الكتاب: أن يختلفا بعد مضي مدة لها أجرة والدابة باقية، فإن لم تمض مدة لها أجرة .. فإن المالك يسترد العين، ولا معنى للاختلاف. وإن وقع ذلك بعد تلف الدابة، فإن تلف عقب الأخذ .. فالراكب مقر بالقيمة لمنكرها، وإن تلفت بعد مدة لها أجرة .. فالراكب مقر له بالقيمة، والمالك ينكرها ويدعي الأجرة، فإن كانت الأجرة مثل القيمة أو أقل .. أخذها بلا يمين، وإن كانت أكثر .. أخذ قدر القيمة، وفي المصدق في الزائد الخلاف.

وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعَرْتَنِي، وَقَالَ: بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي، فَإِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ .. فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ. لَكِنِ الأَصَحُّ: أَنَّ الْعَارِيَةَ تُضْمَنُ بِقِيَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لاَ بِأَقْصَى الْقِيَمِ، وَلاَ بِيَوْمِ الْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن قال: أعرتني، وقال: بل غصبت مني) والحال أنه مضى زمن لمثله أجرة والعين باقية .. فالمصدق المالك؛ لأنه يدعي أجرة المثل ههنا، كما يدعي المسمى هناك، وقيل: يصدق الراكب والزارع؛ لأن الأصل براءة الذمة. وقيل: يصدق المنتفع قطعًا؛ لأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يتصرف إلا على وجه جائز. أما إذا دفع ألفًا إلى إنسان وقال: كانت وديعة فهلكت وقال الدافع: بل قرضًا .. فقال البغوي في (فتاويه) القول قول المدفوع إليه بيمينه؛ لأن الأصل براءته بخلاف ما إذا قال: غصبتني، فقال: بل أكريتني؛ لأنه أتلف منفعة ما له ص قال: (فإن تلفت العين .. فقد اتفقا على الضمان)؛ إذ كل من الغصب والإعارة مضمن، لكن إنما يستمر ما ذكره إذا ثبت أنها تلفت تلفًا يضمن العارية كما سبق. قال: (لكن الأصح: أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف، لا بأقصى القيم، ولا بيوم القبض) أشار إلى ثلاثة أوجه مشهورة في الذي تضمن به العارية التالفة بغير الاستعمال المأذون فيه وبغير تعد: الصحيح منها: ما ذكره، وهو قيمة يوم التلف؛ لأنا لو اعتبرنا الأقصى أو يوم القبض .. لأدى إلى تضمين الأجزاء المستحقة بالاستعمال المأذون فيه. والثاني: قيمة يوم القبض، واتفقوا على أنه أضعف الأوجه تشبيهًا بالقرض. والثالث: أقصى القيم كالمغصوب، فالمالك في هذه الصورة يدعي ضمان الغصب والآخر يدعي ضمان العارية، وبنوا على الخلاف ضمان ولد العارية، فإن قلنا: يضمن بالأقصى .. ضمن، وإلا .. فلا، وليس له استعماله بلا خلاف.

فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ أَكْثَرَ .. حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والخلاف المذكور في كيفية ضمان العارية جار في ضمان المأخوذ بالسوم، لكن الأصح فيه: اعتبار يوم القبض؛ لأن تضمين أجزائه غير ممتنع، كذا قاله الإمام، وقال غيره: الأصح فيه كالأصح في العارية. قال: (فإن كان ما يدعيه المالك أكثر) بأن تكون قيمتها يوم التلف أقل. قال: (... حلف للزيادة)؛ لأن غريمه ينكرها، وأما المتفق عليه .. فيأخذه بلا يمين؛ لموافقة غريمه على الاستحقاق، وإليه أشار المصنف بقوله: (حلف للزيادة). نعم؛ إن قلنا: إن اختلاف الجهة يمنع الأخذ .. فلابد من اليمين في أظهر الوجهين. تتمة: إذا استعمل المستعير المعار بعد رجوع المعير وقبل العلم به .. نقل الرافعي الرافعي عن (فتاوى القفال): أنه لا تلزمه أجرة، ونقل في (كتاب القسم والنشوز): أن مبيح الطعام إذا رجع عن إباحته فأكله المباح له بعد الرجوع وقبل العلم في وجوب الضمان طريقين. قال في (المطلب): والأشبه القطع بوجوب الضمان في المسألتين. * * * خاتمة أخذ كوزًا من سقاء ليشرب مجانًا كان الكوز عارية، وإن دفع إليه فلسًا وأخذ الكوز ليشرب فسقط من يده فانكسر ضمن الماء؛ لأنه أخذه بشراء فاسد، ولم يضمن الكوز؛ لأنه بحكم الإجارة الفاسدة. * * *

كتاب الغصب

كِتَابُ الْغَصْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الغصب قال الجوهري: هو أخذ الشيء ظلمًا، فيدخل فيه المأخوذ بسرقة أو محاربة أو اختلاس، ولا يمتنع أن يسمى غصبًا وإن اختص بأسماء، كما يسمى بيع أحد النقدين بالآخر صرفًا وإن شمله اسم البيع. وهو من كبائر الذنوب، واشترط الهروي فيه أن يكون نصابًا، ونقل الماوردي الإجماع على فسق فاعله وكفر مستحله. والأصل في تحريمه آيات منها: قوله تعالى: {ويل للمطففين}. وفي (الصحيحين) [خ105 - م1218]: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم). وافتتحه في (المحرر) بقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ومعناها: لا يأكل بعضكم أموال بعض بالباطل. قال: وفي الحديث: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وأيضًا: (من غصب شبرًا من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة) فأما الحديث الأول .. فرواه الأربعة والحاكم عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه، والثاني في (الصحيحين) [خ2453 - م1610] وغيرهما بلفظ (من ظلم) و (من أخذ) وهو يعم الغصب، وأما لفظ (غصب) .. ففي كتب الفقهاء. والآيات والأحاديث في الباب كثيرة.

هُوَ: الاِسْتِيلاَءُ عَلَى حَقَّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (هو: الاستيلاء على حق الغير عدوانًا). (الاستيلاء): الغلبة على الشيء، تقول استولى زيد على كذا إذا صار في يده. وقوله: (حق الغير) أشمل من قول غيره: مال غيره؛ إذ يدخل فيه ما يجري مجرى المال كالكلب وجلد الميتة والسرجين وحبة الحنطة، وحق التحجر، والمنافع كإقامة من قعد في المسجد أو موات أو استحق سكنى بيت برباط. أما الفواسق كالغرب ونحوه .. فلا ملك فيها لأحد ولا يد ولا اختصاص، فلا يجب ردها على من أخذت منه، كذا نقله الرافعي في (كتاب ضمان البهائم) عن الإمام وأقره. ودخول الألف واللام على (غير) قليل في اللغة كثير في ألسنة الفقهاء، وقد عده الحريري لحنًا. وخرج بقوله: (عدوانًا) المقبوض بالعقود مضمونًا كان أو غير مضمون كالعارية والوديعة، والأمانات كاللقطة وما ألقته الريح. وهذا الحد غير جامع؛ لخروج ما إذا أخذ مال غيره وهو يظنه له .. فإنه يضمنه ضمان المغصوب وليس بعدوان فلو قال: (بغير حق) كما نقل القاضي والإمام .. لا طرد، ولا مانع لدخول السرقة فلو زاد: (جهرًا) كما استحسنه في (الشرح الصغير) .. لانعكس. ثم لفظ الاستيلاء يقتضي: أنه لو كان له أشجار فأراد سوق الماء إليها فمنعه ظالم حتى تلفت .. لا يضمن؛ لأنه لم يستول، وهو أصح الوجهين عند الرافعي، وأجراهما المتولي فيما لو قرب النار إلى السمن حتى ذاب أو نقله إلى الشمس، وقطع

فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ .. فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ. وَإِنْ دَخَلَ دَارَهُ وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا، أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ .. فَغَاصِبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الماوردي بالضمان واختاره الشيخ. قال: (فلو ركب دابة أو جلس على فراش .. فغاصب وإن لم ينقل)؛ لحصول غاية الاستيلاء وهو الانتفاع على وجه التعدي. وقيل: يشترط النقل، فلا يكون غاصبًا بدونه؛ لأن أهل العرف لا يعدونه بدونه غاصبًا. قال الرافعي: يشبه أن تكون المسألة مصورة بما إذا قصد الجالس أو الراكب الاستيلاء، أما إذا لم يقصد .. ففي كونه غاصبًا وجهان، وأغفل في (الروضة) هذا وقال: أصحهما: أنه غاصب، سواء قصد الاستيلاء أم لا. وفي ترجيح كونه غاصبًا إذا لم يقصد نظر، فقد صرح المتولي والخوارزمي بأنه لا ضمان عليه. ولو كان بين يديه شيء منقول فأخذه إنسان لينظر هل يصلح له فيشتريه، أو ليعمل له مثل فتلف في يده .. ضمنه. ولو دخل دارًا لينظرها لشرائها أو لبناء مثلها فانهدمت في تلك الحالة .. لا ضمان على الصحيح. قال: (وإن دخل داره وأزعجه عنها) أي: أخرجه منها وانفرد باليد عليها (أو أزعجه وقهره على الدار ولم يدخل .. فغاصب) وإن لم يقصد الاستيلاء؛ لأن نفس الاستيلاء مغن عن قصده. و (القهر): الغلبة، والمراد بدخول الدار: بأن يكون على هيئة من يقصد السكنى، بأن يكون معه أهله وأمتعته.

وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ. وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ .. فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ. وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الاِسْتِيلاَءِ وَليْسَ الْمَالِكُ فِيهَا .. فَغَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ .. فَغَاصِبٌ لِنصْفِ الدَّارِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لاَ يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي الثانية وجه واه) أي: فيما إذا استولى ولم يدخل وجه: أنه لا يكون غاصبًا؛ لأن أهل العرف لا يطلقون عليه الغصب. قال المتولي: والأقمشة التي في الدار إن منع المالك من نقلها .. صار ضامنًا لها، وإلا .. فلا. قال: (ولو سكن بيتًا ومنع المالك منه دون باقي الدار .. فغاصب للبيت فقط)؛ لقصر الاستيلاء عليه. قال: (ولو دخل بقصد الاستيلاء وليس المالك فيها .. فغاصب) سواء كان الداخل ضعيفًا أو قويًا؛ لوجود الاستيلاء، كمن غصب قلنسوة ملك .. فإنه غاصب مع سهولة استرجاعها. وقيل: إن كان الداخل ضعيفًا لم يكن غاصبًا؛ لأنه لا يعد مستوليًا. قال: (وإن كان ولم يزعجه .. فغاصب لنصف الدار)؛ لاجتماع يديهما عليها واستيلائهما. وقال بعض الأصحاب: لا يكون غاصبًا لشيء منها، كما لو أخذ بعنان الدابة وصاحبها راكب. قال: (إلا أن يكون ضعيفًا لا يعد مستوليًا على صاحب الدار) ففي هذه الحالة لا يكون غاصبًا لشيء منها، لأنه في هذه الحالة لا يتحقق منه الاستيلاء، وما لا يمكن تحقيقه لا اعتبار بقصده. ولو كان المالك ضعيفًا والداخل قويًا .. فقياسه أن يكون غاصبًا لجميعها، ولم

وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ .. ضَمِنَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يصرحوا به، ولعله لاستمرار يد المالك على القبض، وحيث لا يجعل الداخل غاصبًا تلزمه أجرة المثل بشرطه. وحكم الأرض حكم الدار، حتى لو غرقها سيل أو علاها رمل في يده ضمنها. فرع: أعطى عبد إنسانًا شيئًا ليوصله إلى بيته بغير إذن سيده، قال القاضي: يكون ضامنًا؛ لأنه لو استعمله لذلك ضمنه. وما ضمن بالعارية ضمن بالغصب. قال البغوي في (الفتاوى): هذا عندي فيما إذا قهره على العمل أو كان أعجميًا يرى العمل لكل من يأمره. قال: ولو أن الزوج بعث عبد زوجته في شغل دون إذنها .. ضمن بكل حال؛ لأن عبد المرأة قد يرى طاعة زوجها، فهو كالأعمى في حق الأجنبي. وسئل ابن الصلاح عن رجل أخذ بيد مملوك لغيره وأخافه بسبب تهمة فهرب لوقته، فأجاب بأنه لا يضمنه إن لم يكن نقله من مكان إلى مكان بقصد الاستيلاء. قال: (وعلى الغاصب الرد) أي: على المالك أو وكيله أو وليه وإن غرم عليه أضعاف قيمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه). قال: (فإن تلف عنده .. ضمنه) بالإجماع، وكذا لو أتلفه هو أو أجنبي من باب أولى.

وَلَوْ أَتْلَفَ مَالاً فِي يَدِ مَالِكِهِ .. ضَمِنَهُ. وَلَوْ فَتَحَ رَاسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ وَخَرَجَ مَا فِيهِ .. ضَمِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا كان المتلف له قيمة، فإن لم يكن كالسرجين ونحوه .. فلا ضمان، ولو كان مستحق السرجين غرم على نقله مؤنة .. لم نوجبها على الغاصب كما أجاب به البغوي. ولو رد الدابة إلى الإصطبل .. برئ إذا علم المالك بها أو أخبره من يعتمد خبره، ولا يبرأ قبل العلم أو الإخبار. قال: (ولو أتلف مالًا في يده مالكه .. ضمنه) بالإجماع، لكن يستثنى منه: العبد المرتد، والحيوان الصائل وغيره، والقاتل حرابة، وكسر الباب، ونقب الجدار في مسائل الظفر كما سيأتي. وما إذا لم يتمكن المنكر في إراقة الخمر إلا بكسر ظرفها. وما إذا لم يتمكن من دفع الصائل وقاطع الطريق إلا بعقر جواده وكسر سلاحه. وما يتلفه العادل على الباغي في حالة الحرب وعكسه، وما يتلفه الحربي فإنه لا ضمان عليه؛ لأنه مخاطب بفروع الأحكام لا بالضمان، وهذه المسألة ليست من الغصب، لكن الأصحاب ذكروا ههنا أسباب العدوان استطرادًا، سواء كان باليد العادية وهو الغصب بالمباشرة كهذه، أو بالسبب كفتح القفص ونحوه. فرع: دخل دكان حداد وهو يطرق الحديد فطارت شرارة فأحرقت ثوبه كان هدرًا وإن دخل بإذن الحداد. قال: (ولو فتح رأس زق مطروح على الأرض فخرج ما فيه بالفتح، أو منصوب فسقط وخرج ما فيه .. ضمن)؛ لأنه باشر إتلافه. واحترز بقوله: (بالفتح) عن جامد قرب إليه نارًا فالأصح: أن الضمان على المقرب كما تقدم قريبًا.

وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ .. لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ .. ضَمِنَ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ إِنْ طَارَ فِي الْحَالِ .. ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ .. فَلاَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الزق) بكسر الزاي: السقاء، جمعه في القلة أزقاق، وفي الكثرة زقاق بكسر الزاي وضمها. قال: (وإن سقط بعارض ريح .. لم يضمن) وكذا عارض الزلزلة ووقوع طير؛ لأن الهلاك لم يحصل بفعله. قال ابن الصباغ: وكذا لو لم يعلم كيف سقط، أما إذا طلعت الشمس على الجامد فأذابته .. ضمنه في الأصح. والفرق بينه وبين عروض الريح: أن طلوع الشمس محقق فلذلك قد يقصده الفاتح بخلاف الريح. ويجري الوجهان فيما إذا أزال أوراق العنب وجرد عناقيده للشمس فأفسدتها، وفيما لو ذبح شاة فهلكت سخلتها أو حمامة فهلك فرخها. وقيل: إن كان المالك حاضرًا وأمكنه التدارك فلم يفعل .. لم يضمن. ولو حل رباط سفينة فغرقت بالحل .. ضمنها، أو بحادث كهبوب ريح أو غيره .. فلا. واحترز بـ (العارض) عن المقارن فإنه من ضمان الفاتح حينئذ وهو متجه. قال: (ولو فتح قفصاً عن طائر وهيجه فطار .. ضمن)؛ لأنه ألجأه إلى ذلك، وادعى الماوردي فيه الإجماع. قال: (وإن اقتصر على الفتح .. فالأصح: أنه إن طار في الحال .. ضمن، وإن وقف ثم طار .. فلا)، لأن طيرانه في الحال دليل على أن تنفيره وطيرانه بعد الوقوف أمارة ظاهرة على أنه طار باختياره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يضمن مطلقًا؛ لأن الفاتح متسبب في إعدامه. والثالث: لا يضمن مطلقًا؛ لأن للطائر قصدًا واختيارًا. وقيل: إن اضطراب وطار في الحال .. ضمن، وإن طار من غير اضطراب. فلا. ولو كان الطائر في أقصى القفص فأخذ يدب قليلًا قليلًا ثم طار .. فحكمه حكم ما لو طار عقبه. و (الطائر) مفرد والجمع طير. والمصنف اعترض في (نكت التنبيه) على الشيخ في قوله: (ولو فتح قفصًا عن طائر) بأن قال: الأولى أن يقول: (عن طير) وعلله بأنه غير طائر في القفص، وهو قد عبر بما أنكره عليه. فروع: كسر الطائر في خروجه قارورة، أو انكسر القفص بخروجه، أو وثبت هرة عند الفتح فدخلت وأكلت الطائر .. لزمه الضمان، كذا قاله الشيخان، ولعل هذا إذا كانت حاضرة حالة فتحه وعلم بها، وإلا .. فهو كعروض مطر وهبوب ريح بعد الفتح. ولو حل رباط أو فتح إصطبلها فخرجت وضاعت .. فهو كفتح القفص. ولو حل قيد العبد فهرب، فإن كان مجنونًا .. فكالبهيمة، وإن كان عاقلًا .. لم يضمن، وقيل: إن كان آبقًا ضمن. ولو أمر طفلًا أو مجنونًا بإرسال طائر في يده فأرسله وطار .. فهو كفتح القفص عنه إن نفره أو أمر الطفل بتنفيره .. ضمنه، وإلا .. فوجهان.

وَالأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ. ثُمَّ إِنْ عَلِمَ .. فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ، فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا يَلِفَ عِنْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو وقع طائر على جداره فنفره، أو فتح باب الحرز فسرق غيره، أو دل غاصبًا أو سارقًا ففعل، أو بنى دارًا فألقت الريح فيها ثوبًا وضاع .. لم يضمن. قال: (والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان) حتى يتخير المالك بين أن يطالب الغاصب عند التلف وبين أن يطالب من ترتبت يده على يده؛ لثبوت يد كل منهم على مال الغير من غير استحقاق. قال: (وإن جهل صاحبها الغصب)؛ لأن الجهل يسقط الإثم لا الضمان، والمراد بـ (الأيدي المترتبة) ما قصد بها واضعها الاستيلاء، وإلا .. فمن رفع كتاب شخص عن الأرض لينظر فيه ويعيده .. ليس بغاصب كما قاله القاضي حسين. وكذلك لو غصب شاة ودفعها لقصاب جاهل بالحال فذبحها .. لا ضمان على القصاب، وكذا لو دفع الحنطة لطحان جاهل .. لا ضمان على الطحان. والمراد أيضًا باليد: ما كانت مبنية على يد الغاصب خالفة لها كأنها نائبة عنها، فيخرج من ذلك الغاصب من الغاصب فإن ضمانه مستقل، فللمالك عند التلف أن يضمن من شاء منهما. نعم؛ تستثنى أيدي الحكام وأمنائهم فلا ضمان عليهم؛ لوضعها على وجه الحظ والمصلحة، وكذلك من انتزع المغصوب ليرده لمالكه إذا كان الغاصب حربيً أو عبدًا للمغصوب منه، وكذا غيرهما في وجه. قال: (ثم إن علم .. فكغاصب من غاصب، فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده)؛ لوجود حد الغصب، ويطالب بكل ما يطالب به الغاصب ولا يرجع على الأول إن غرم، ويرجع عليه الأول إن غرم، أما إذا كانت القيمة في يد الأول أكثر .. فالمطالب بالزيادة الأول خاصة.

وَكَذَا إِنْ جَهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ .. فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَمَتَى أَتْلَفَ الآخِذُ مِنَ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًا بِهِ .. فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهُ بِأَنْ قَدِّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ .. فَكَذَا فِي الأَظْهَرِ. وَعَلَى هَذَا: لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ .. بَرِئَ الْغَاصِبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن جهل) أي: الثاني الغصب (وكانت يده في أصلها يد ضمان كالعارية) وكذلك البيع والسوم والقرض ونحوها؛ لأنه دخل في العقد على الضمان، فلم يكن الغاصب غارًا له في ذلك. قال: (وإن كانت يد أمانة كوديعة .. فالقرار على الغاصب)؛ لأنه دخل على أن يده نائبة عن يد الغاصب، فإن غرم الغاصب .. لم يرجع عليه بلا خلاف، وإن غرمه .. رجع على الغاصب. وفي وجه: أن القرار عليه، وفي الموهوب له قولان: أصحهما: أن القرار عليه؛ لأنه أخذه للتمليك. والثاني: على الغاصب؛ لأن يد الاتهاب ليست يد ضمان. قال: (ومتى أتلف الآخذ من الغاصب مستقلًا به) أي: بالإتلاف وهو من أهل الضمان (.. فالقرار عليه مطلقًا) سواء كانت يد ضمان أو أمانة؛ لأن الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية. قال: (وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعامًا مغصوبًا ضيافة فأكله .. فكذا في الأظهر)؛ لأن المباشر للإتلاف، وإليه عادت منفعته. والثاني: القرار على الغاصب؛ لأنه غره، وهذان القولان هما قولان المباشرة والغرور ومحلهما عند جهل الأكل وإلا .. فعليه قطعًا. أما إذا أمر الغاصب رجلًا بإتلاف المغصوب بقتل أو إحراق ففعله جاهلًا بالغصب .. فالمذهب القطع بأن القرار على المتلف؛ لأن الفعل حرام، وقيل: على قولين. قال: (وعلى هذا) يعني على الأظهر في أكل الضيف (لو قدمه لمالكه فأكله .. برئ الغاصب) أي: على القول بأن القرار على الآكل يبرأ الغاصب إذا أكله

فصل

فَصْلٌ: تُضْمَنُ نَفْسُ الرِّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المالك، وعلى الثاني: لا يبرأ. ولو لم يطعمه الغاصب ولكن أكله المالك ظانًا أنه طعام الغاصب .. برئ وجهًا واحدًا. ولو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله بالدفع .. لم يبرأ الغاصب، سواء علم أنه عبده أم لا؛ لأن الإتلاف بهذه الجهة كإتلاف العبد نفسه، ولهذا لو كان العبد لغيره .. لم يضمنه كما تقدم، وقيل: يبرأ عند العلم، وهو ضعيف. تتمة: إذا قال الغاصب للمالك: أعتق هذا العبد، فأعتقه جاهلًا .. نفذ وبرئ الغاصب على الأصح، وبه قطع المتولي. ولو زوج الغاصب الجارية المغصوبة من مالكها فتزوجها جاهلًا بالحال فتلفت عنده .. لم يبرأ، كما لو أودعها عند فتلفت، ولو استولدها .. نفذ الاستيلاد قطعًا وبرئ الغاصب. قال: (فصل: تضمن نفس الرقيق بقيمته) كما تضمن نفس الحر بالدية وإن زادت على دية حر. وقال أبو حنيفة: إذا زادت قيمته على الدية لا يضمن الزائد. وقال أحمد: الواجب فيه المثل الصوري. قال: (تلف أو أتلف تحت يد عادية) بتخفيف الياء بمعنى متعدية، وهذا الحكم لا يختلف الأصحاب فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركًا له في

وَأَبْعَاضُهُ الَّتِي لاَ يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنَ الْحُرِّ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتَهِ، وَكَذَا الْمُقَدَّرَةُ إِنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ أُتْلِفَتْ .. فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ: تَتَقَدَّرُ مِنَ الرَّقِيقِ. وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد .. قوم عليه). وجه الاستدلال: أنه لو كان يضمن بالمثل .. لضمن مثل الحصة، ولو عبر بـ (يد ضامنه) .. لشمل المستعير والمستام وغيرهما، لكن الباب لما كان معقودًا للتعدي عبر بالعادية، وقدم الكلام في ضمان الآدمي لشرفه، وخصه بالرقيق؛ لأن ضمان الحر يأتي في (باب الجنايات). قال: (وأبعاضه التي لا يتقدر أرشها من الحر بما نقص من قيمته) سواء تلف تحت يد ضامنة أم أتلف بغير حق وذلك كنحول الجسد وذهاب البكارة وجرح الفخذ ونحوها، ولا خلاف فيه، فلو لم تنتقص القيمة كالسمن المفرط إذا نقص .. لم يلزم به شيء. قال: (وكذا المقدر إن تلفت) وذلك كاليد والرجل والعين ونحوها إن تلفت بآفة سماوية؛ لأن التقدير إنما ورد في الجناية، فخص بموردها؛ لأنه خلاف الأصل، وقيل: يجب أكثر الأمرين، وقيل: نصف القيمة كالجناية. قال: (وإن أتلفت) وقيل: نصف القيمة كالجناية. قال: (وإن أتلفت) أي: بجناية مضمونة (.. فكذا في القديم) أي: يجب نصف ما نقص من القيمة أيضًا كسائر الأموال. قال: (وعلى الجديد: تتقدر من الرقيق. والقيمة فيه كالدية في الحر، ففي يده) أي: المحترمة المضمونة (نصف قيمته) سواء زادت على الأرش أو نقصت؛ لأنه أخذ شبهًا من البهيمة من حيث إنه يضمن بوضع اليد، ومن الحر من حيث إنه يضمن بالقصاص وتجب به الكفارة وتقام عليه الحدود. وإذا دار فرع بين أصلين .. أجري عليه حكم أكثرهما شبهًا به، وهو الحر فيما نحن فيه.

وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ بِالْقِيمَةِ، وَغَيْرُهُ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ، وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ: مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشافعي رضي الله عنه: وبقول سعيد بن المسيب أقول: جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من ديته في كل قليل وكثير. كل هذا إذا لم ينقص نصف القيمة عن أرش ما نقص من القيمة، فإن نقص .. وجب أرش النقص. وحاصله يجب فيما أتلف بالجناية من الأبعاض أكثر الأمرين من أرش النقص والمقدر، وستأتي المسألة قبيل (باب موجبات الدية) إن شاء الله تعالى. والمكاتب والمدبر وأم الولد في ذلك كالقن. واحترز بالمضمونة عما لو وجب قطعها في الحرابة فإنها مهدرة، وكذا يد المرتد. قال: (وسائر الحيوان) أي: باقيه يضمن (بالقيمة) وهذا لا خلاف فيه عندنا، فتضمن أعضاؤه بما نقص من قيمته. وأوجب أبو حنيفة في عين الدابة ربع قيمتها؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك، وهذا إن صح يحمل على أن الربع كان قدر النقص. وأوجب مالك في قطع ذنب حمار ذي الهيئة وذنب بغلته تمام القيمة، ويأخذ المتلف العين؛ لأنها لا تصلح له بعد ذلك. قال الفوراني: الحيوان يخالف الجماد في حكم واحد وهو: أنه لا يضمن إلا بعد الاندمال، والجماد يضمن في الحال وإن كان ساريًا. قال: (وغيره) أي: غير الحيوان من الأموال (مثلي ومتقوم)؛ لأنه إن كان له مثل .. فهو المثلي، وإلا .. فالمتقوم وهو بكسر الواو كما تقدم. قال: (والأصح: أن المثلي: ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه) فخرج المعدود والمذروع، وخرج بما جاز السلم فيه المعجونات والجواهر الكبار ومعروض النار وغيرها، ويقابل الأصح أوجه:

كَمَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: إسقاط، وجاز فيه السلم، ونقض بالمعجونات. والثاني: يزاد على ما في الكتاب، وجاز بيع بعضه ببعض، ونقض بالفواكه الرطبة واللحم الطري. والثالث: ما ينقسم بين الشريكين بلا تقويم، ونقض بالأرض المتساوية الأجزاء فإنها تنقسم كذلك وليست مثالية. والرابع: ما لا تختلف أجزاء النوع منه في القيمة وربما قيل: في الجرم والقيمة. فرع: في (فتاوى القفال): أن بزر القز لا مثل له ولا يجوز السلم فيه؛ لأن أهل الصنعة لا يعرفون أن هذا البزر يكون نسجه أبيض أو أحمر فهو كالسلم في الجواهر. تنبيه: يرد على ضابط المصنف القمح المختلط بالشعير، فإنه لا يجوز السلم فيه كما ذكره صاحب (التنبيه) في (باب القرض) مع أن الواجب على متلفه إخراج القدر المحقق من الجنسين. قال: (كماء) أي: خالص غير مشوب، وهذا لا خلاف فيه، وإنما مثل به لأنه قد يتوهم أنه غير مثلي؛ لأنه في العادة لا يكال ولا يوزن، وهل الملح مثلي كالعذب؟ لا نص فيه.

وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَنِبْرٍ وَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال شريح الروياني وغيره: إنما يكون الماء والجمد من المثليات إذا لم يخالطهما تراب. وفي (المطلب) في (باب الإجارة): أن الماء الحر متقوم؛ لدخول النار فيه ودرجات حموه لا تنضبط، وهذا يطرق غيره من المائعات إذا حميت بالنار. قال: (وتراب) أي: خالص، هذا هو المعروف، وفيه وجه بعيد لا وجه له، وكذلك الرمل، أما القمامات التي تجمع في الحمامات ونحوها .. ففي (المطلب): أنه لا يتعلق بها ضمان عند التلف؛ لأنها محتقرة. قال: (ونحاس) وهو بضم النون وحكى ابن خالويه كسرها، والحديد ونحوه كالنحاس، وفي النحاس أيضًا وجه بعيد لا وجه له. قال: (وتبر) وهو بكسر التاء: الذهب غير المضروب، وبعضهم يطلقه على الفضة أيضًا، وقال الكسائي: يطلق على النحاس والحديد. قال: (ومسك وكافور)؛ لأنهما ينضبطان بالصفة، وفي هذه أيضًا وجه بعيد. قال: (وقطن) أي: بعد إخراج الحب، أما قبله .. فيظهر القطع بأنه متقوم كما قاله في (المطلب)، والعزل مثلي على المشهور. قال الشيخ: ومن ذهب إلى خلافه .. لم يبعد؛ لأن أجزاءه مختلفة، لكنه يجوز السلم فيه، فلذلك كان الأصح أنه مثلي، وأما الصفوف .. فقال الشافعي رضي الله عنه: يضمن بالمثل إن كان له مثل، وهذا توقف منه في أنه مثلي أم لا، وحكى في (البحر) قولين.

وَعِنَبٍ وَدَقِيقٍ، لاَ غَالِيَةٍ وَمعْجُونٍ. فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعنب) وكذلك الرطب ونحوهما من الفواكه مثلية على الأصح. والثاني: لا، تفريعًا على اعتبار بيع بعضها ببعض وهو ممتنع، والمصحح هنا هو الأصح في (الروضة)، وصحح في (شرح المهذب) في (زكاة المعشرات): أن الرطب والعنب متقومان. قال: (ودقيق)؛ لأنه يضبط بصفات السلم، وكذا النخالة كما أفتى به ابن الصلاح، وهذه تقدمت في (باب السلم). ولو اختلفا فقال المالك: المغصوب مثلي، وقال الغاصب: لا مثل له .. رجع فيه إلى اجتهاد الحاكم. قال: (لا غالية ومعجون)؛ لأنهما متقومان لما فيهما من التركيب. والحبوب الجافة السليمة والتمر غير المكنوز والزبيب والأدهان والألبان والخلول الخالصة مثلية قطعًا، وكذلك الدراهم والدنانير الخالصة على الصواب، والمغشوشة إن جوزنا التعامل بها .. فمثلية، وإلا .. فلا. قال البغوي: والآخر عندي مثلي، وذكر الماوردي أن الزيتون متقوم، ولعله على طريقه من يجعل الرطب والعنب كذلك، وفي اللحم في (روضة شريح) و (البحر) أوجه: ثالثها: اليابس مثلي، والرطب متقوم. والأصح: جواز أخذ القيمة عن المثلي بالتراضي. قال: (فيضمن المثلي بمثله)؛ لأنه أقرب إلى التالف من القيمة، ولأن المثل كالنص والقيمة كالاجتهاد، ولا يصار إلى الاجتهاد إلا عند فقد النص. هذا إذا كان للمثلي حينئذ قيمة، أما إذا أتلف الماء في المفازة واجتمعا على

تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شاطئ نهر، أو أتلف الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء .. فإنه تلزمه القيمة هناك. قال: (تلف أو أتلف) زاد في (المحرر): (تحت يد عادية) فحذفه المصنف لدلالة ما تقدم عليه، فورد عليه المستعير والمستام فإنهما يضمنان المثلي بالقيمة فكان الأحسن ذكره هنا وحذفه هناك، وقد يجاب بأن كلامه في الغصب دون غيره. فروع: الأول: غصب حنطة فطحنها وتلف الدقيق عنده، أو جعله خبزًا وأكله. قال العراقيون: يضمن المثل، والأشهر: ما قطع به البغوي أن المتقوم إن كان أكثر قيمة .. غرمها، وإلا .. فالمثل، وعن القاضي حسين: يغرم أكثر القيم، وليس للمالك مطالبته بالمثل. فعلى هذا: إذا قيل: من غصب حنطة في الغلاء فتلفت عنده، ثم طالبه المالك في الرخص هل يغرم المثل أو القيمة؟ لم يصح إطلاق الجواب بواحد منهما بل الصواب أن يقال: إن تلفت وهي حنطة .. غرم المثل، وإن صارت إلى حالة التقويم ثم تلفت .. فالقيمة. وكان القاضي قد لقن المسألة الرئيس أبا علي المنيعي ليغالط بها فقهاء مرو، ويغلط من أطلق الجواب منهم. والمنيعي هو: حسان بن سعيد بن حسان من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه، كان في أول أمره تاجرًا، ثم صار مشارًا إليه عند السلاطين، أنفق جملة مستكثرة على بناء المساجد والربط وأنواع الخيرات منها: جامع مرو الذي كان إمام الحرمين خطيبه، وكان كثير التواضع، روى الحديث عن البغوي وغيره، توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربع مئة.

فَإِنْ تَعَذَّرَ .. فَالْقِيمَةُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: لو تغير المثلي إلى مثلي آخر كالسمسم يصير شيرجًا ثم تلف عنده .. قال العراقيون والغزالي: يضمنه المالك بما شاء منهما، وقال البغوي: إن كانت قيمة أحدهما أكثر .. غرم مثله، وإلا .. فيتخير المالك. الثالث: إذا لزمه المثل .. لزمه تحصيله إن وجده بثمن المثل، فإن لم يجده إلا بزيادة .. فوجهان: أصحهما عند البغوي والروياني: يلزمه المثل. والأصح عند الغزالي والشاشي والمصنف: لا يلزمه تحصيله؛ لأن الموجود بأكثر من ثمنه كالمعدوم كالرقبة وماء الطهارة. قال: (فإن تعذر) أي: في البلد وحواليه كما في انقطاع المسلم فيه، كذا قاله الرافعي ونازعه فيه ابن الرفعة. قال: (.. فالقيمة) أي: قيمة المثل؛ لأنه حينئذ يشبه ما لا مثل له، وقيل: قيمة المغصوب. فلو وجد المثل بعد أخذ القيمة .. فليس لأحدهما ردها وطلبه في الأصح. وإذا وجد المثل بأكثر من ثمن المثل فهل يلزمه تحصيله؟ وجهان: رجح كلًا مرجحون، ففي (التنبيه): العدول إلى القيمة، وصححه المصنف كرقبة الكفارة وماء الطهارة، وممن رجح تكليفه المثل: البغوي والجرجاني والروياني في غير (البحر)، وابن أبي عصرون، وهو المختار قياسًا على العين؛ فإنه يجب ردها وإن غرم فيه أضعاف قيمتها، وفرق الأولون بأنه تعدى في العين دون المثل. قال: (والأصح: أن المعتبر أقصى قيمة) هو بفتح الياء وكسر الميم جمع قيمة بسكون الياء.

مِنْ يَوْمِ الْغَضْبِ إِلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْضُوبَ الْمِثْلِيَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ .. فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (من يوم الغصب إلى تعذر المثل)؛ لأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب، فإذا لم يفعل .. غرم أقصى قيمة المدتين، كما أن المتقومات تضمن بالأقصى لهذا المعنى. ويقابل الأصح عشرة أوجه: قيمة يوم التلف، قيمة يوم فقد المثل، قيمة يوم الطلب، وبه قال أبو حنيفة، فإن الإعواز حينئذ يتحقق، ونسبة القاضي أبو الطيب وابن الصباغ إلى الأكثرين، وقيل: قيمة يوم الأداء، وقيل: الأكثر من الغصب إلى الأداء، وقيل: الأكثر من الغضب إلى التلف، وقيل: الأكثر من التلف إلى فقد المثل، وقيل: الأكثر من التلف إلى الطلب، وقيل: الأكثر من فقد المثل إلى الطلب، وقيل: إن انقطع من الدنيا .. فيوم فقد المثل، أو من بلده .. فيوم الحكم. وعبر بعضهم فيما تقدم عن الطلب بالحكم وصوبه الشيخ. أما إذا كان المثلي مفقوداً عن التلف .. فأوجه ثمانية وهي: الأقصى من الغصب إلى التلف وهو قياس الأصح، الأقصى من الغصب إلى الأداء، قيمة يوم الطلب، قيمة يوم الأداء المفصل، فتحرر أن الوجوب يتعلق بالعين ما دامت باقية وبنوعيها وهو أعم منها إذا تلفت وبماليتها وهي القيمة إذا تعذر المثل. ولو قال المستحق: لا آخذ القيمة وأنتظر وجود المثل .. قال في (البيان): له ذلك. قال في (الروضة): ويحتمل أن يأتي فيه الخلاف في صاحب الحق إذا امتنع من قبضه هل يجبر ويمكن الفرق؟ ولو لم يأخذها حتى وجد المثل .. تعين قطعاً. قال: (لو نقل المغصوب المثلي إلى بلد آخر) أي: يعلمه المالك (.. فللمالك أن يكلفه رده) كما كان وهذا لا خلاف فيه عندنا إذا علم مكانه؛ لعموم قوله)

وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا رَدَّهُ .. رَدَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه). وأفهم قوله: (إلى آخره) أنه إذا نقله إلى دار أخرى بالبلد أنه لا يرهق إلى القيمة للحيلولة إذا أمكن إحضاره في الحال، فإن تعذر أو تأخر .. أرهقه إليها، وإلا .. فالقيمة فقط، وقد سبق ذلك عند قوله: (وعلى الغاصب الرد) فإن هذه بعض تلك الأحوال؛ لأن تلك أعم من المثلي والمتقوم، وقد تقدم هناك وجه في المحتاج إلى مؤنة كثيرة، أما إذا جهل موضعه .. فلا يؤمر بالرد؛ لامتناعه. قال: (وأن يطالبه بالقيمة في الحال) وإن كان مثليا؛ لأنه أحال بينه وبين ملكه، فأوجبنا القيمة لتسد مسد العين فيطالب بالقيمة للحيلولة، وإن كان قد كلف ردها .. فهما حقان واجبان في الحال عند العلم بموضع المغصوب. ومعنى الحيلولة: أن المأخوذ بقيمة العين بسبب الحيلولة. والصحيح المشهور: أن المغصوب منه يملكها، وإلا .. لما سدت مسد العين، وهي ملك قرض خلافاً للقفال، قالوا: وهي أقصى القيم من الغصب إلى الطلب، ولو بذلها الغاصب .. لم يلزم المالك قبولها؛ لأنها ليست حقاً ثابتاً في الذمة حتى يجبر على قبوله أو الإبراء منه، بل لو أبرأه المالك عنها لم ينفذ. ثم ضمان الحيلولة ثابت في كل مغصوب تعذر رده، وينبغي إذا زادت القيمة بعد ذلك أن يطالب بالزائد، وينبغي وجوب المثل في المثلي، وكلامهم كالصريح في القيمة مطلقاً؛ لأن ذلك إنما يكون في الضمان الذي يقطع العلقة، وضمان الحيلولة إنما هو ليسد مسده في مدة الحيلولة. قال: (فإذا رده .. ردها) أي: وجوباً؛ لأنه إنما أخذها للحيلولة وقد زالت، هذا إذا كان على مسافة بعيدة لا يمكن رده إلا بزمن طويل، فإن كان المغصوب منه على مسافة قريبة .. لم يطالب بالقيمة، بل برد المغصوب. قال في (المهذب): ويسترجعه بزوائد المتصلة، وفيه نظر من حيث إن البدل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القيمة وهي الدراهم والدنانير ولا زيادة لها، فيجوز أن يرد إذا اعتاض عن القيمة شاة مثلاً فيردها مع زوائدها. قال الشيخ: ورأيت في حاشية تمثيله ببلد يتعاملون فيه بالحيوان، وتردد الجويني في جواز إبدال النقد بغيره، والأقوى في (الروضة): المنع. فروع: إذا اتفقنا على ترك التراد .. فلابد من بيع بشروطه، فلو ظهر على المالك دين مستغرق .. فالغاصب أحق بالقيمة التي دفعها؛ لأن هذا عين ماله، وهذا أولى من المفلس؛ لأن هناك يحتاج إلى اختيار، وهنا بمجرد عود المغصوب يستقر الملك في القيمة. والأشهر في (الرافعي): أنه ليس للغاصب حبس المغصوب ليسترد القيمة وإن كانت الدراهم المبذولة للحيلولة بعينها باقية في يد المالك. وتردد الشيخ أبو محمد في أنه هل يجوز له إمساكها وغرامة مثلها؟ قال المصنف والشيخ: الأقوى: أنه لا يجوز، كما أن للمقرض استرداد عينه وهذا أولى. وزوائد المغصوب قبل دفع القيمة مضمونة على الغاصب قطعاً، وبعد دفعها وجهان: أصحهما: أنها مضمونة أيضاً. وإذا غصب أم ولد فأبقت من يده .. غرم قيمتها للحيلولة، فإذا مات السيد عتقت واسترد الغاصب ما أخذ منه أو بدله.

فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ .. طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ .. غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً. وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لاَ مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ .. فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ، وَإِلاَّ .. فَلاَ مُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ، بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن تلف في البلد المنقول إليه .. طالبه بالمثل في أي البلدين شاء) كالعين، وكذا في أي موضع شاء من المواضع التي وصل إليها في طريقه بين البلدين، بل لو أعاده الغاصب إلى بلده فتلف فيه .. فالتخيير بحاله. قال: (فإن فقد المثل .. غرمه قيمة أكثر البلدين قيمة)؛ لأنه كان تجوز له المطالبة بالمثل فيهما. فعلى هذا: إذا غرمه قيمة البلد المنقول إليه فاختلفت القيمة بالنسبة إلى يوم الغصب ويوم التلف ويوم المطالبة .. فتجري الأوجه العشرة المتقدمة. قال: (ولو ظفر بالغاصب في غير بلد التلف) أي: والمغصوب مثلي والمثل موجود، وكذا إن ظفر بالمتلف الذي ليس بغاصب. قال: (.. فالصحيح: أنه إن كان لا مؤنة لنقله كالنقد) أي: اليسير (.. فله مطالبته بالمثل، وإلا .. فلا مطالبة بالمثل)؛ لما فيه من الضرر، بل يرغمه قيمة بلد التلف قطعاً للنزاع، وهذا قول الأكثرين ويقابله وجهان: أحدهما: له طلب المثل مطلقاً. والثاني: إن لم تزد قيمة ذلك البلد على بلد التلف .. طالبة بالمثل، وإلا .. فبالقيمة، صرح به جماعة ونقل عن النص، قال الشيخ: وهو أولى لكن قال الإمام: إن الأئمة لم يفصلوا. قال الشيخ: وحمل إطلاق الأئمة على التفصيل متعين. قال: (بل يغرمه قيمة بلد التلف)؛ لأنه قد تعذر على المالك الرجوع إلى المثل قياساً على الانقطاع، وهذا إذا لم ينتقل المغصوب عن موضعه، وإلا .. فقيمة أكثر البقاع كما تقدم.

وَأَمَّا الْمُتَقَوَّمُ .. فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيْمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إِلَى التَّلَفِ، وَفِي الإِتْلاَفِ بِلاَ غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسَرَايَةٍ .. فَالْوَاجِبُ: الأَقْصَى أَيْضًا. وَلاَ تُضْمَنُ الْخَمْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأما المتقوم .. فيضمن بأقصى قيمة من يوم الغصب إلى التلف)؛ لأنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالزيادة، فلما لم يرد في تلك الحالة .. ضمن بدله. فإن كانت الزيادة في العبد أو الأمة بسبب الغناء وفي الكبش بسبب النطاح والديك بالهراش .. فالنص: أنه لا يضمن ما زاد بسبب ذلك. أما القبالة .. فتجب فيها قيمة الكاغد وأجرة الكاتب كما سيأتي في آخر (الوديعة) إن شاء الله تعالى. قال: (وفي الإتلاف بلا غصب بقيمة يوم التلف)؛ لأن ضمان الزائد في المغصوب إنما كان لتعديه وهنا لا عدوان. قال: (فإن جنى وتلف بسراية .. فالواجب: الأقصى أيضاً)؛ لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية .. فلأن نعتبره في نفس الإتلاف أولى. مثاله: جنى على بهيمة وقيمتها مئة، وهلكت وقيمة مثلها خمسون: تلزمه مئة، فلو لم يهلك المغصوب لكن أبق العبد. أو ضلت الدابة أو ضاع الثوب .. فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال للحيلولة، والاعتبار بأقصى القيم من الغصب إلى المطالبة. قال: (ولا تضمن الخمر) سواء كانت لمسلم أم ذمي، وسواء أراقها حيث تجوز إراقتها أم لا؛ لأنها محرمة ولا قيمة لمحرم، لأن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء .. حرم عليهم ثمنه. رواه أبو داوود [3482]. والخنزير كالخمر، وكذا حكم كل نبيذ مسكر وكل نجس العين؛ لعدم المالية، وأوجب أبو حنيفة ضمان خمور أهل الذمة، وفي الخمرة المحترمة وجه: أنها طاهرة فعلى هذا: تضمن. وقال في (الدقائق): إن الحشيشة مسكرة، فعلى هذا: يتجه إلحاقها

وَلاَ تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إِلاَّ أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا، وَتُرَدُّ عَلَيْهِ إِنْ بَقِيَتِ الْعَيْنُ، وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إِذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالخمر، وفي ضمان المتنجس من الزيت والماء وجهان. قال: (ولا تراق على ذمي)؛ لأنا أقررناهم على الانتفاع بها، ومن تعرض لذلك أو اعتراض عليهم فيها .. زجر، فإن عاد .. أدب وإن كان إذا أتلفها لا يضمنها. قال: (إلا أن يظهر شربها أو بيعها) ولو من مثله فحينئذ تراق؛ لأنه تعدى بذلك، وكذا حكم إظهار هبتها وعرضها للبيع ونحو ذلك، فكان الصواب التعبير بـ (الإظهار) كقوله في (الجزية): (ويمنعون من إظهار خمر وخنزير). وضابط الإظهار: أن يكون بحيث يطلعون عليهم من غير تجسس، وهل المعاهد والمستأمن في ذلك كالحربي؟ فيه نظر. قال: (وترد عليه إن بقيت العين)؛ لما سبق من تقريرهم عليها، وفي وجه حكاه الإمام عن المحققين: تجب التخلية فقط، وهو قوي. وعلى الأصح: على الغاصب مؤنة الرد كما صرح به في (المحرر). وأشار بقوله: (إن بقيت العين) إلى أنها إن تلفت .. لم تضمن. قال: (وكذا المحترمة إذا غصبت من مسلم)؛ لأن له إمساكها لتصير خلا، وفسر الرافعي هنا المحترمة بالتي عصرت من غير قصد الخمرية، وفسرها في (الرهن بالتالي عصرت بقصد الخلية وبين العبارتين فرق. وفي (الكفاية) عن العراقيين: تراق محترمة كانت أو غيرها، ولا يحسن قول المصنف في (التصحيح): الصواب وجوب رد المحترمة.

وَالأَصْنَامُ وَآلاَتُ الْمَلاَهِي لاَ يَجِبُ فِي إِبْطَالِهَا شَيْءٌ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهَا لاَ تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّالِيفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما غير المحترمة .. فتراق على المسلم، وفي وجه غريب: ترد عليه ليطفئ بها ناراً أو يبل بها طيناً ونحوه. وحيث جازت الإراقة لا يجوز كسر الأواني إلا أن لا يقدر عليها إلا به كالرمي بالحجارة، وكذا لو كانت في قوارير ضيقة الرؤوس ولو اشتغل بإراقتها أدركته الفساق ومنعوه، فلو لم يخف ذلك لكن كان يضيع فيه زمانه ويبطل شغله .. فله كسرها، قاله في (الإحياء). وللإمام كسر الظروف التي تجعل فيها الخمر زجراً وتأديباً دون الآحاد. قال: (والأصنام وآلات الملاهي لا يجب في إبطالها شيء)؛ لأنها محرمة الاستعمال، وصنعتها محرمة والمحرم لا بدل له. روى الشيخان [خ 2222 - م155/ 243] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لينزلن عيسى ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير). وكذلك حكم أواني الذهب والفضة والصلبان، سواء كسرها مسلم أو ذمي، ومتى أظهر الذمي الصليب ونحوه .. كسرناه. والصحيح: أنه لا فرق في ذلك بين أن يشترط عليهم في عقد الذمة أم لا. روى البيهقي [6/ 101] عن أبي حصين رضي الله عنه: أن رجلاً كسر طنبوراً لرجل فرفعه إلى شريح .. فلم يضمنه. قال: (والأصح: أنها لا تكسر الكسر الفاحش، بل تفصل لتعود كما قبل التأليف) وضابطه أن يزول الاسم ويعسر العود حتى إذا أراد اتخاذ آلة محرمة من مفصلها .. لنال الصانع التعب الذي يناله في ابتداء الاتخاذ. والثاني: أنها ترض حتى تنتهي إلى حد لا يمكن أن تتخذ آلة محرمة ولا غيرها.

فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ .. أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: تفصل بحيث لا يصلح معه الاستعمال المحرم، حتى إذا رفع وجه البربط وبقي على صورة قصعة .. كفى، ولم يكتف أحد من الأصحاب بقلع الأوتار مع ترك الآلات، لأنها منفصلة عن الآلة في حكم المجاورة لها. نعم؛ لو وجد الآلة بدون وتر .. ففي إزالة تلك الصورة احتمال لابن الرفعة. وقال في (البسيط) أجمعوا على أنه لا يجوز إحراقها؛ لأن رضاضها متمول ومن اقتصر في إبطالها على الحد المشروع فيه .. لا شيء عليه، ومن جاوزه فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة على الحد المشروع فيه وبين قيمتها على الحد الذي أتى به. قال: (فإن عجز المنكر عن رعاية هذا الحد بمنع صاحب المنكر .. أبطله كيف تيسر)؛ للحاجة إلى ذلك، ولأن صاحبه مفرط، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول: في حفظي أن الكافر ليس ذلك. فرع: المرأة والعبد والفاسق والصبي المميز يشتركون في جواز الإقدام على إزالة سائر المنكرات، ويثاب الصبي عليه كما يثاب البالغ، ولكن إنما تجب إزالته على المكلف، وليس لأحد منع الصبي من إنكار المنكر فإنه وإن لم يكن مكلفاً .. فهو من أهل القرب وليس من أهل الولايات. فرع: أتلف ديكاً هراشاً أو كبشاً نطاحاً وجبت قيمته غير هارش وناطح؛ لأن الزيادة

وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَاديَةٍ، وَلاَ تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إِلاَّ بِالتَّفْوِيتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب الوصف المحرم، وكذا أفتى به القاضي حسين، وكذلك لا يضمن ما زاد بسبب الغناء في العبد والأمة على النص خلافاً للروياني وسيأتي آخر الفصل. قال: (وتضمن منفعة الدار والعبد ونحوهما بالتفويت والفوات في يد عادية) أو مترتبة عليها؛ لأن المنافع متقومة فكانت مضمونة بالغصب كالأعيان، فالتفويت: الاستعمال، والفوات: أن تضيع المنفعة من غير انتفاع كإغلاق الدار، فلو كان للعبد صناعات .. ضمن أعلاها لا كلها. ولو كانت الأجرة في مدة الغصب متفاوتة .. فالصحيح: أنه يضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها فيه. والثاني: كذلك إن كانت الأجرة في أول المدة أقل، فإن كانت أكثر .. ضمنها بالأكثر في جميع المدة. والثالث: بالأكثر في جميع المدة، وهو ضعيف. وأشار بقوله: (ونحوهما) إلى كل عين يصح استئجارها، فالمنفعة المحرمة التي لا يجوز عقد الإجارة عليها كالمعازف لا تضمن، واحترز بذلك عما لا يصح كالخنزير والكلب إذا قلنا: لا يصح استئجاره، فإنه لا أجرة له، ولو اصطاد به شيئاً كان كما لو غصب شبكة أو قوساً فاصطاد بهما. وقيل: للمالك كصيد العبد المغصوب. قال: (ولا تضمن منفعة البضع) وهو الفرج (إلا بالتفويت) أي بالوطء فيضمنه بمهر المثل، ولا يضمن بالفوات تحت اليد حرة كانت أو أمة؛ لأن اليد لا تثبت عليها، ولهذا يزوج السيد المغصوبة ولا يؤجرها كما لا يبيعها؛ لأن يد الغاصب حائلة وإن كانت عنده، ولأن منفعة البضع تستحق استحقاق ارتفاق، وسائر المنافع

وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ .. وَجَبَ الأَرْشُ مَعَ الأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تستحق استحقاق ملك تام؛ لأن المستأجر يؤجر ويعير بخلاف الزوج، وأيضاً منفعة البضع إنما يقصد بها الألفة وهذا المعنى لا يضمن باليد، ولأن المهر لا يزيد بطول المدة ويمكن استدراكه بالعقد والأموال بعكس ذلك. قال: (وكذا منفعة بدن الحر في الأصح) أي: لا تضمن بالفوات إذا حبسه وعطله ولم يستوف منفعته؛ لأنه لا يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت في يده. والثاني: أنها تضمن بالفوات؛ لأنها تتقوم بالعقد الفاسد فأشبهت منافع الأموال، أما ضمانها بالتفويت .. فلا خلاف فيه. فلو استولى على حر كبير أو صغير مدة .. لم يضمن ثيابه في الأصح، كذا صححه الرافعي في (كتاب السرقة). قال: (وإذا نقص المغصوب بغير استعمال) كمرض ونحوه (.. وجب الأرش مع الأجرة) للنقص والفوات، وتجب أجرته سليماً قبل حدوث النقصان. قال: (وكذا لو نقص به) أي: بالاستعمال (بأن بلي الثوب في الأصح) كما لو حصل النقصان بسبب آخر. والثاني: لا يجب إلا أكثر الأمرين من الأجرة والأرش؛ لأن النقصان نشأ من الاستعمال وقد قوبل الاستعمال، بالأجرة فلا يجب له ضمان آخر، والقائل بالأول يقول: الأجرة ليست في مقابلة الاستعمال، بل في مقابلة الفوات. فرعان: أحدهما: ما ثبت فيه الانتفاع لعامة المسلمين كالشوارع وأراضي عرفات والأراضي الموقوفة على الموتى إذا استولى شخص عليها ومنع الناس منها ولم ينتفع

فصل

فَصْلٌ: ادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ .. صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِه فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بها، أو نصب على الشارع باباً ومنع الناس .. لم يضمن منافعها، فإن انتفع بها بوضع متاع أو نحوه .. لزمه أجرتها. الثاني: غصب ثوباً ونجسه أو تنجس عنده لا يجوز له تطهيره ولا للمالك أن يكلفه ذلك، فإن غسله فنقص .. ضمن النقص، ولو رده نجساً فمؤنة التطهير على الغاصب، وكذا أرش النقص اللازم منه، وتنجس المائع الذي لا يمكن تطهيره إهلاك؛ لأنه لا يمكن تطهيره، فإن جوزنا تطهيره .. فهو كالثوب. تتمة: إذا انتفع بمسجد بأن اتخذه مسكناً أو محزناً يضع فيه متاعه .. ضمن أجرة المثل، قال المتولي: وتكون لمصالح المسلمين كما لو أتلف مال بيت مال، وبه أفتى قاضي القضاة ابن رزين، والمعروف الذي أفتى به الغزالي والمصنف بأنها تصرف في مصالح المسجد. وسئل الشيخ عمن هدم جدار مسجد غير مستحق الهدم ما يلزمه؟ فأجاب: تلزمه إعادته، ولا يأتي فيه ضمان الأرش كما قيل في الجدار المملوك والموقوف وقفاً غير تحرير؛ لأنهما مالان والمسجد ليس بمال، بل هو كالحر، ولذلك لا تجب أجرته بالاستيلاء عليه حتى يستوفي منفعته. قال: (فصل): ادعى تلفه وأنكر المالك .. صدق الغاصب بيمينه في الأصح)؛ لأنه قد يكون صادقاً ويعجز عن البينة فيتخلد حبسه عليه، ولأنه غارم. والثاني: يصدق المالك؛ لأن الأصل البقاء، وحقه متعلق بالعين لا ببدلها.

فَإِذَا حَلَفَ .. غَرَّمَه الْمَالِكُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ أَوِ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْضُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خَلْقِيٍّ .. صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ، وَفِي عَيْبٍ حَادِثٍ .. يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا عند إطلاق دعوى التلف، فإن قيده بسبب ظاهر .. فلا يبعد أن يحبس حتى يقيم بينة بالتلف لإمكانه. قال: (فإذا حلف .. غرمه المالك في الأصح)؛ لأنه بيمين الغاصب عجز عن الوصول إلى العين. والثاني: لا يغرم؛ لأنه يزعم أن العين باقية وحقه متعلق بها لا ببدلها. فرع: قال الغاصب: رددته حياً أو مات عندك، وقال المالك: بل مات عندك، وأقام كل منهما بينة .. تعارضتا وتساقطتا وضمنه الغاصب؛ لأن الأصل بقاؤه عنده، وقدم أبو يوسف بينة المالك ومحمد بن الحسن بينة الغاصب. قال: (ولو اختلفا في قيمته أو الثياب التي على العبد المغصوب أو في عيب خلقي .. صدق الغاصب بيمينه) أما في الأولى .. فلأن الأصل براءة ذمته، وأما في الثانية، فإذا قال الغاصب: الثياب التي على العبد لي، وقال المالك: هي لي .. فالقول قول الغاصب قطعاً؛ لأن يده على المغصوب وثيابه. فلو كان المغصوب حراً صغيراً .. فالأصح: أن القول قولي الولي، ولا يمن عليه فينتظر بلوغ الصبي. وأما التنازع في العيب الخلقي .. فصورتها: أن يقول الغاصب: ولد أكمه أو أعرج أو فاقد الأطراف .. فهو المصدق، لأن الأصل العدم، والمالك متمكن من إقامة بينة بما يدعيه، وقيل: يصدق المالك، وقيل: يفرق بين ما يندر وما لا يندر. قال: (وفي عيب حادث .. يصدق المالك بيمينه في الأصح)؛ لأن الأصل والغالب دوام السلامة.

وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا، ثمَّ لَبِسَهُ فَأَبْلاَهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ .. لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهيِ قِسْط التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ. قُلْتُ: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الآخَرَ وَقِيمَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني .. الغاصب؛ لأن الأصل براءة ذمته، وهذا هو المنصوص ورجحه الجمهور. وصورة المسألة: أن يكون المغصوب تالفاً، فلو رد وبه عيب وقال: غصبته هكذا، وقال المالك: بل حدث العيب عندك .. فالمصدق الغاصب؛ لأن الأصل براءة الذمة عما زاد عن تلك الصفة، ثم الخلاف في المسألة قولان فكان الصواب التعبير بالأظهر. قال: (ولو رده ناقص القيمة) أي: بسبب الرخص (.. لم يلزمه شيء)؛ لأن الفائت رغبات الناس فقط، والمغصوب باق بحاله، وقال أبو ثور: يلزمه نقص القيمة، ووافقه بعض أصحابنا، وادعى الإمام أنه منقاس. قال: (ولو غصب ثوباً قيمته عشرة، فصارت بالرخص درهماً، ثم لبسه فأبلاه فصارت نصف درهم فرده .. لزمه خمسة، [وهي قسط التالف من أقصى القيم]؛ لأن الناقص باللبس نصف الثوب، والخمسة نصف أقصى قيمة الثوب، والنقصان الثاني وهو أربعة ونصف بالرخص فلا يضمن. وتجب مع الخمسة المذكورة أجرة اللبس، وهذا تفريع على الجمع بين الأرش والأجرة كما سبق، فإن لم يجمع بينهما .. فالواجب أكثر الأمرين من الخمسة وأجرة المثل، قال الإمام: والصفات في هذا كالأجزاء. قال: (قلت: ولو غصب خفين قيمتهما عشرة فتلف أحدهما ورد الآخر وقيمته

دِرْهَمَانِ، أَوْ أَتْلَفَ أَحَدَهمَا غَاصِبًا، أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ .. لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ يَسْرِي إِلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً .. فَكالتَّالِفِ، وَفِي قَوْلٍ: يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ درهما، أو أتلف أحدهما غاصباً، أو في يد مالكه .. لزمه ثمانية في الأصح والله أعلم) خمسة للتالف، وثلاثة لما حصل من التفريق الحاصر عنده، أما الأولى .. فلأنه وضع يده عليهما معاً، وأصل المغصوب وصفاته مضمونة. قال في زوائد (الروضة): وفيه وجه غريب في (التنبيه) و (التتمة): أنه يلزمه درهمان. اهـ وحكايته عن (التتمة) وهم فالذي فيها وجه: أنه تلزمه خمسة كما إذا أتلف رجل أحدهما وآخر الآخر .. فإنه يسوى بينهما، وهو وجه ثالث في المسألة. وصورة المسألة المقيس عليها هذا الوجه: أن يتلفا دفعة واحدة، فإن تعاقبا .. لزم الثاني ثلاثة، وفي الأول الخلاف، وأما الصورتان الأخيرتان .. ففيهما الأوجه الثلاثة، والصحيح في الكتاب نقله في زوائد (الروضة) عن الأكثرين وعليه العمل ثم قال: ووجه الخمسة صححه الإمام ونقله البغوي عن الأكثرين وهو الأقوى، واتفقوا على أنه لا يقطع بسرقة أحدهما إذا لم يبلغ وحده نصاباً وإن ضمناه إياه. وقوله: (خفين) أي: فردتين فكل واحدة تسمى خفاً، والحكم كذلك في أحد زوجي النعل ومصراعي الباب. قال: (ولو حدث نقص يسري إلى التلف بأن جعل الحنطة هريسة .. فكالتالف)؛ لأنه لو ترك بحاله فسد. فعلى هذا: هل تكون الهريسة للغاصب أو للمالك كما لو نجس زيته وقلنا: لا يطهر بالغسل؟ وجهان. قال: (وفي قوله: يرده مع أرس النقص)؛ قياساً على التعييب الذي لا يسري، وهذا الوجه اختاره الإمام والبغوي، وفي المسألة قول ثالث استحسنه في (الشرح

وَلَوْ جَنَى الْمَغْضُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالُ .. لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ بِالأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ .. غَرَّمَهُ الْمَالِكُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصغير) وقطع به بعضهم: أن المالك يتخير بينهما، ورابع: يتخير الغاصب. واحترز عما لا يسري، فإن الواجب على الغاصب إنما هو رده مع الأرش مطلقاً، وإطلاقه يفهم أنه لا فرق بين حصول النقص الساري بفعل الغاصب أو بغيره، وكان ينبغي أن يقيده بفعله، وكأنه اكتفى عنه بالمثال. وصورة المسألة: غصب دقيقاً وسمناً وتمراً فجعله عصيدة، أو غصب ماء وزيتاً فخلطهما ونحو ذلك. ولو تعفن الطعام في يده لطول المكث .. فقيل: هو كالهريسة، والأصح في زوائد (الروضة): أنه يتعين أخذه مع الأرش قطعاً. قال: (ولو جنى المغصوب فتعلق برقبته مال .. لزم الغاصب تخليصه)؛ لأنه نقص حدث في يده وهو مضمون عليه. قال: (بالأقل من قيمته والمال)؛ لأن الأقل إن كان هو القيمة .. فهو الذي دخل في ضمانه، وإن كان هو المال المتعلق بالرقبة .. فهو الذي وجب، وفي قول: بفديه بالأرش بالغاً ما بلغ، وهما كالقولين فيما يفديه السيد به. ولا شك أن من جملة عيوب المبيع جنايات الخطأ إذا كثرت والعمد إذا لم يتب، فإن تاب .. فوجهان، وجوز ابن الرفعة إلحاق عمد الخطأ بالعمد، فيلزم الغاصب أيضاً أرش هذا العيب. قال: (فإن تلف في يده) أي: تلف العبد الجاني في يد الغاصب (.. غرمه المالك) أي: أقصى القيم كغيره من الأعيان المضمونة.

وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ وَأَنْ يَتِعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ إِلَى الْمَالِكِ فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ .. رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ الْمَجْنِيُ عَلَيْهِ عَلَى الْغاَصِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وللمجني عليه تغريمه) أي: تغريم الغاصب؛ لأن جناية المغصوب مضمونة عليه. قال: (وأن يتعلق بما أخذه المالك) أي: بقدر حقه وهو الأقل فقد يكون بعض القيمة وقد يكون كلها؛ لأن حقه كان متعلقاً بالرقبة، فيتعلق ببدلها قياساً على بدل المرهون. وقيل: ليس له ذلك، وإنما يطالب الغاصب فقط؛ لأنهما كرجلين لكل منهما دين على ثالث، وليس للمالك مطالبة للغاصب بالأرض قبل أن يغرم الغاصب المجني عليه كما قال الإمام؛ لاحتمال الإبراء، وهو مقتضى قول المصنف: (ثم يرجع). وقال ابن الرفعة: له ذلك كما يطالب الضامن المضمون بتخليصه. قال شيخنا: والذي ذكره بحثاً وتشبيهاً إنما يقتضي المطالبة بالأداء للمجني عليه للمالك، وليس كلام الإمام فيه. قال: (ثم يرجع المالك على الغاصب)؛ لأن الذي أخذه المالك لم يسلم إليه، بل أخذ منه بجناية مضمونة على الغاصب. قال: (ولو رد) أي: الغاصب (العبد إلى المالك فبيع في الجناية .. رجع المالك بما أخذه المجني عليه على الغاصب)؛ لأن الجناية حصلت حين كان المغصوب مضموناً عليه، ثم للمسألة صور: إحداها: أن يغصبه بعد أن جنى ثم يرده فيباع فيها .. فلا رجوع. الثانية: أن يجني ثانياً في يد الغاصب وكل منهما يستغرقه ثم يرده فيباع ويقسم .. فيرجع بنصفه.

وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا .. أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ وَإِعَادَةِ الأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ إِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالثة: أن يغضبه غير جان فيجني عنده ثم يرده فيباع فيه ويقسم .. فيرجع به كله، وهي مسألة الكتاب. قال: (ولو غصب أرضاً فنقل ترابها) أي: من غير حفر بل كشطه عن وجهها. قال: (... أجبره المالك على رده أو رد مثله) ولو غرم عليه أضعاف قيمته وقد قال عليه الصلاة والسلام (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) أي: رد ما أخذت، ولأن التراب مثلي كما سبق، فإن تعذر .. فالنص أنا نقوم الأرض بترابها ثم بعد نقله منها يجب ما بينهما. وقيل: يجب الأكثر من هذا ومن قيمة التراب منقولاً وحكي عن النص. فلو كانت الأرض متنجسة بسماد تعين هذا الوجه، ولا يكلف رد مثله فيما يظهر. قال: (وإعادة الأرض كما كانت) من انبساط وارتفاع، فإن بقي نقص .. وجب أرشه معها، هذا هو النص هنا، والنص فيمن باع أرضاً فيها أحجار فنقلها أنه تلزمه التسوية فقيل: قولان، وقيل بتقرير النصين، والفرق ضعيف. قال: (وللناقل الرد وإن لم يطالبه المال إن كان له فيه غرض) بأن كان قد نقله إلى ملكه وأراد تفريغه، أو إلى ملك غيره، أو شارع يخاف من التعثر به الضمان، بل لو منعه المالك من ذلك .. لم يسمع لدفع الضرر عنه، كما لو توسط أرضاً مغصوبة ثم عزم على الرجوع عن الغصب .. لا يكون بخروجه آثماً وإن كان متصرفاً في أرض الغير للضرورة.

وَإِلاَّ .. فَلاَ يَرُدُّهُ بِلاَ إِذْنٍ فِي الأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمُّهَا. وَإِذَا أَعَادَ الأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ .. فَلاَ أَرْشَ، لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الإِعَادَةِ، وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ .. وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا رد التراب إلى الأرض فمنعه المالك من بسطه .. لم يبسطه وإن كان في الأصل مبسوطاً. ولو قال المصنف: وإن منعه المالك .. كان أحسن، فإن له الرد أيضاً مع المنع كما صرح به الأصحاب، فيكون له الرد مع السكوت من باب أولى. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن له غرض بأن نقله إلى موات أو من أحد طرفي الأرض المغصوبة إلى الآخر. قال: (.. فلا يرده بلا إذن في الأصح)؛ لأن تصرف في التراب والمكان بغير إذن المالك. والثاني: له ذلك؛ لأنه رد ملكه إلى محله، فلو فعل .. كان للمالك أن يكلفه النقل على الأول لا الثاني. قال: (ويقاس بما ذكرنا حفر البئر وطمها) فله الطم بترابه إن كان باقياً، وبمثله إن كان تالفاً على هيئته الأولى، ثم إن أمره المالك بالطم .. لزمه، وإلا .. فله أن يستقل به ليدفع عن نفسه خطر الضمان بالسقوط فيها. وقال المزني: لا يطم إلا بإذن المالك، فإن منعه المالك وقال: رضيت باستدامة البئر .. امتنع عليه الطم في الأصح واندفع عنه الضمان. ولو كان الغاصب طوى البئر بآلة نفسه .. فله نقلها وللمالك إجباره عليه، فإن وهبها منه .. لم يلزمه القبول في الأصح. قال: (وإذا أعاد الأرض كما كانت ولم يبق نقص .. فلا أرش)؛ لعدم الموجب له. قال: (لكن عليه أجرة المثل لمدة الإعادة)؛ لأنه فوتها بسبب هو فيه متعد. قال: (وإن بقي نقص .. وجب أرشه معها) أي: مع الأجرة كما تضمن سائر صفات العين المغصوبة الفائتة.

وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ وَأَغْلاَهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ .. رَدَّهُ وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ عَلَى الأَصَحِّ، وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ فَقَطْ .. لَزِمَهُ الأَرْشُ، وَإِنْ نَقَصَتَا .. غَرِمَ الذَّاهِبَ وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ إِنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو غصب زيتاً ونحوه) أي: من الأدهان (وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته .. رده ولزمه مثل الداهب على الأصح)؛ لأن له بدلا مقدراً وهو المثل فأوجبناه، كما إذا خصى العبد فزادت قيمته .. فإنه يضمن قيمته على الجديد. والثاني – وهو قول صاحب (التخليص) -: أنه يرده ولا غرم عليه؛ لأن ما حصل به النقص حصلت به الزيادة فلم يكن سبباً في الغرامة وهو خلاف النص، بل قال الإمام: إنه ليس بشيء؛ فكان ينبغي التعبير بـ (الصحيح) لذلك. قال: (وإن نقصت القيمة فقط .. لزمه الأرش) هذا لا خلاف فيه. قال: (وإن نقصتا .. غرم الذاهب ورد الباقي مع أرشه إن كان نقص القيمة أكثر) هذا هو المنصوص ومعناه: أنه يرد الباقي ويغرم الذاهب مطلقاً. ثم إن لم يكن حصل في الباقي نقص .. فلا شيء عليه مع ذلك، وإن كان حصل فيه نقص في القيمة .. فعليه الأرش. مثال الأول: رطلان قيمتهما درهمان صارا بالإغلاء رطلا قيمته درهم .. فيرده ورطلاً. ومثال الثاني: صاراً رطلاً قيمته نصف درهم .. فيرد الباقي ويرد معه رطلاً ونصف درهم. ولو غصب عصيراً وأغلاه .. فقيل: كالزيت يضمن مثل الذاهب وإن لم ينقص قيمته، والأصح: لا يضمن مثل الذاهب؛ لأنه مائيته، والذاهب من الزيت زيت. ويجري الخلاف في العصر إذا صار خلا ونقصت عينه دون قيمته، وفي الرطب إذا صار تمراً، وأجراه الماوردي في اللبن إذا صار جبناً.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ السَّمَنَ لاَ يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ، وَأَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ لاَ يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى قَطْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أن السمن لا يجبر نقص هزال قبله)؛ لأن السمن الثاني غير الأول. والثاني: يجبره وهو قول ابن أبي هريرة، كما لو أبق العبد ثم عاد فإنه يزول بالعود ضمان الحيلولة الواجب بالإباق. فلو انعكس الحال بأن كانت معتدلة فسمنت في يد الغاصب سمناً مفرطاً ونقصت قيمتها .. فإنه يردها ولا شيء عليه؛ لأنه لم تنقص حقيقة ولا عرفاً. قال: (وأن تذكر صنعة نسبها يجبر النسيان)؛ لأن العائد هو الأول، والسمن الثاني زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لما كان. والثاني: لا يجبر كالسمن، وهنا طريقة قاطعة بالانجبار وفي السمن طريقة قاطعة بعدمه. ولا فرق في عود الصنعة بين أن يتذكر بنفسه أو بالتذكير فلذلك أطلقه المصنف. قال: (وتعلم صنعة لا يجبر نسيان أخرى قطعاً)؛ لاختلاف الأغراض، فلو تذكرها في يد المالك .. قال في (المطلب): يشبه أن يجبر أيضاً حتى يسترد ما دفع من الأرش، ولو تعلمها .. فالمتجه: عدم الجبر فلا يسترد، وكذا لو كان يحسن سورة فنسيها وحفظ أخرى.

وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ الأَرْشُ إِنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً. وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَحَلَّلَتْ، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعود الحسن كعود السمن لا كتذكر الصنعة. ولو سقطت أوراق الشجر ثم أورقت .. لم ينجبر الأول بالثاني بخلاف شعر الجارية وسنها؛ لأنها غير متقومة. ولو زادت قيمة الجارية بتعلم الغناء ثم نسيته .. فالمنصوص والمختار عند المصنف: أنه لا يضمن النقص. قال: (ولو غصب عصيراً فتخمر ثم تخلل .. فالأصح: أن الخل للمالك)؛ لأنه عين ماله. قال: (وعلى الغاصب الأرش إن كان الخل أنقص قيمة)؛ لحصوله تحت يده، فلو لم تنقص قيمته عن قيمته .. اقتصر عليه. والثاني: يغرم مثل العصير. وقال الماوردي: يغرم قيمته؛ لأنه بالتخمير كالتالف. وعلى هذا: فالخل للمالك على الأصح؛ لأنه فرع ملكه، والخلاف جار فيما لو غصب بيضاً فصار فراخاً في يده، أو حباً فزرعه ونبت، أو بزر قز فصار قزاً. والأصح: أن الحاصل للمالك، ولا غرم على الغاصب إلا أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما غصبه. قال: (ولو غصب خمراً فتخللت، أو جلد ميتة فدبغه .. فالأصح: أن الخل والجلد للمغصوب منه)؛ لأنهما فرع ملكه. والثاني: أنهما للغاصب؛ لحصولهما عنده مما ليس بمال. والثالث: الخل للمالك؛ لأنه حصل بلا علاج، والجلد للغاصب؛ لأن ماليته حصلت بفعله. والرابع: عكسه؛ لأن جلد الميتة يقتني فحق المالك فيه آكد، والخمر لا يجوز اقتناؤها؛ لأن الكلام في غير المحترمة، فإن فرضت محترمة .. كانت كجلد الميتة.

فصل

فَصْلٌ: زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقُصَارَةٍ .. فَلاَ شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا إِنْ أَمْكَنَ، وَأرْشَ النَّقْصِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ .. كُلِّفَ الْقَلْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: احترز بقوله: (غصب) عما إذا أعرض المالك عنها بأن أراق الخمر أو ألقى الشاة الميتة فأخذها شخص .. فالأصح في زوائد (الروضة) هنا و (أصلها) في (الصيد والذبائح): أنه ليس للمعرض الاسترداد. قال: (فصل): زيادة المغضوب إن كانت أثراً محضاً كقصارة .. فلا شيء للغاصب بسببها)؛ لتعديه بذلك العمل، وفارق المفلس حيث كان شريك البائع كما تقدم في بابه؛ لأنه شريك لم يتعد. ومن صور المسألة: طحن الحنطة وخياطة الثوب بخيط منها وضرب الطين لبناً والسبائك حلياً أو دراهم وذبح الشاة وشي اللحم. قال: (وللمالك تكليفه رده كما كان إن أمكن) فيرد اللبن طيناً والحلي سبيكة؛ لأنه متعد، فإن لم يكن كالقصارة ونحوها .. لم يكلف ذلك، بل يرده بحاله وله أرش النقص إن نقصت قيمته، فإن رضي المالك بالبقاء .. لم يكن له الرد، إلا أن يكون ضرب دراهم بغير إذن السلطان أو على غير عياره فيخاف التعزير. قال: (وأرش النقص) هو منصوب عطفاً على الرد، وإنما كلفه بذلك لأنه نشأ مما فعله متعدياً. قال: (وإن كانت عيناً كبناء وغراس .. كلف القلع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضاً ميتة لم تكن لأحد قبله .. فهي له، وليس لعرق ظالم حق) رواه أبو داوود والترمذي. قال الراوي: (وقد أبصرت رجلين من بياضة يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصِبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ .. أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ؛ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ .. فَلاَ شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم في أجمة لأحدهما غرس فيها وللآخر نخل، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله عنه، قال: فلقد رأيت الرجل يضرب في أصول النخل بالفؤوس وإنه لنخل عم) بضم العين المهملة وتشديد الميم أي: نخل تامة طويلة، وقيل: قديمة. وكذلك يجب أرش النقص الحاصل من القلع، وله أيضاً القلع، وإن أراد المالك تملكه بالقيمة أو إبقاءه بأجرة .. لم تلزم الغاصب إجابته في الأصح؛ لإمكان القلع بلا غرم أرش بخلاف المستعير، وفي التسوية والأرش ما سبق في التراب. قال: (وإن صبغ الثوب بصبغة وأمكن فصله .. أجبر عليه في الأصح) كما يملك إجباره على قلع الغراس. والثاني: لا يجبر عليه؛ لما فيه من ضرر الغاصب، بخلاف الغراس فإنه لا يضيع بالإخراج وهذا قول ابن سريج، وصححه صاحب (التنبيه) وأقره عليه في (التصحيح)، ورجحه العراقيون، ونسبه القاضي حسين إلى عامة الأصحاب، وقال الروياني: إنه ظاهر المذهب. وليس في (الشرح) ولا في (الروضة) ترجيح لأحدهما وموضع الوجهين إذا لم يحصل بالفصل خسران بين. أما الغاصب .. فله الفصل وإن رضي المالك بالإبقاء. وقيل: إن حصل به نقص في الثوب .. فلا، وإن تراضيا على الإبقاء .. فهما شريكان، أو على الفصل .. فصل. قال: (وإن لم يمكن؛ فإن لم تزد قيمته) أي: ولم تنقص (.. فلا شيء للغاصب فيه)؛ لأن ذلك حصل بفعله، كما إذا كان الثوب يساوي عشرة والصبغ.

وَإِنْ نَقَصَتْ .. لَزِمَهُ الأَرْشُ، وَإِنْ زَادَتِ .. اشْتَرَكَا فِيهِ. وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ .. لَزِمَهُ وَإِنْ شَقَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن نقصت) بأن صارت قيمة الثوب خمسة (.. لزمه الأرش) كسائر النقص الحاصل في المغصوب بفعل الغاصب. قال: (وإن زادت) كما إذا ساوى عشرين (.. اشتركا فيه) هذا بثوبه وهذا بصبغه، وليس المراد الشركة على الشيوع، بل كل منهما يملك ما كان له قبل ذلك. ولو صارت القيمة خمسة عشر كان النقصان على الصبغ؛ لأن الثوب هو الأصل، وإن صارت ثلاثين .. كانت الزيادة بينهما، وكان كل واحد شريكاً بخمسة عشر. قال الرافعي: وأطلق الجمهور المسألة، وفي (الشامل) و (التتمة) إن نقص لانخفاض سعر الثياب .. فالنقص على الثوب، أو سعر الصبغ أو الصنعة .. فعلى الصبغ، وإن زاد سعر أحدهما .. فالزيادة له، أو بسبب الصنعة .. فهو بينهما، فيمكن تنزيل الإطلاق عليه. اهـ وفي تعاليق (القاضي حسين) و (أبي الطيب) و (البندنيجي) و (سليم) كما في (الشامل) و (التتمة) وجميع ما تقرر فيما إذا لم يكن الصبغ تمويهاً، فإذا كان ... فهو كنظيره من التزويق فليس للغاصب نزعه إلا برضا المالك، وليس للمالك إجباره عليه في الأصح كالثوب يقصر. ولو بذلك مالك الثوب قيمة الصبغ وأراد تملكه .. لم يجبر الغاضب عليه على الأصح، وليس لأحدهما الانفراد ببيع نصيبه في الأصح. قال: (ولو خلط المغصوب بغيره وأمكن التمييز .. لزمه وإن شق) سواء اختلط بجنسه كالحنطة الحمراء بالبيضاء أو بغيره كالحنطة بالشعير؛ لأنه يجب عليه الرد بكل ما يقدر عليه، حتى لو لم يقدر على تمييز الجميع .. وجب تمييز ما أمكن. وقيل: إذا لحقه في ذلك مشقة كبيرة رد بدله.

وَإِنْ تَعَذَّرَ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ، وَللْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ. وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا .. أُخْرِجَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن تعذر .. فالمذهب: أنه كالتالف فله تغريمه) سواء خلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ، وذلك كالزيت والشيرج؛ لأنه تعذر رده أبداً فأشبه التالف، ولأنا لو جعلناه مشتركاً .. لاحتجنا إلى البيع وقسمة الثمن. وقيل: قولان ثانيهما: يشتركان كما لو انثالت صبرة على صبرة. وقيل: إن خلط بالمثل .. اشتركا، وإلا .. فكالهالك. قال الشيخ: والذي أختاره أن القول بالهلاك باطل؛ لأن فيه تمليك الغاصب مال المغصوب منه بغير رضا، بل بمجرد تعديه، ولا يحل مال المسلم إلا بطيب نفس منه، والقول بالاشتراك بمعنى الشيوع باطل أيضاً، فلم يبق إلا أن يقال: إن ملك كل واحد باق وهو مختلط بملك صاحبه، ولا يمكن فصله كالثوب والصبغ فيكونان شريكين لا على الإشاعة كما تقدم، فإن اتفقا على البيع .. باعا واقتسما الثمن على قدر الملكين. قال: وأنا أوافق على الهلاك إذا لم تبق له قيمة كصب قليل ماء الورد في كثير من الماء. قال: (وللغاصب أن يعطيه من غير المخلوط)؛ لأن الحق انتقل إلى الذمة بصيرورته كالهالك. قال: (ولو غصب خشبة وبنى عليها .. أخرجت) ولو تلف على الغاصب بسببها أضعاف قيمتها، سواء كان المبني عليها له أم لغيره؛ لعموم ما تقدم من الأدلة، وإذا ردها .. لزمه مع ذلك أرش نقصها إن كان. وقال أبو حنيفة: يملكها الغاصب ويغرم قيمتها، والحجر في معنى الخشبة، أما إذا تعفنت .. فلا تخرج؛ لأنه إئتلاف مال بغير فائدة، ويطالب الغاصب بقيمتها.

وَإِنْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ .. فَكَذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَخَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ. وَلَوْ وَطِئَ الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْريِمِ .. حُدَّ، وَإِنْ جَهِلَ .. فَلاَ حَدَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن أدرجها في سفينة .. فكذلك) أي: تخرج ما دامت لها قيمة، هذا إذا كانت على الشط، أو في البر، أو في أعلاها وهي في اللجة. قال: (إلا أن يخاف تلف نفس أو مال معصومين) لحرمتهما، سواء كان للغاصب أم لغيره، ولا تنزع لسهولة الصبر على الشط، بخلاف ما لو أدرجها في البناء .. فإنه لا أمد له. وقيل: إن كان المال للغاصب .. نزع كما لو أدخل ساجاً في بنائه، وصححه الإمام. واحترز بـ (المعصومين) عن مال الحربي ونفسه. ولو اختلطت التي فيها اللوح بسفن للغاصب ولا يوقف على اللوح إلا بنزع الجميع .. ففي نزع الجميع وجهان. قال في زوائد (الروضة): ينبغي أن يكون أرجحهما عدم النزع. فرع: ولو دخل فصيل في بيت ولم يمكن إخراجه إلا بنقص البناء .. نقض، وغرم مالك الفصيل أرش النقص إن كان بتفريط منه، أولا على الأصح، وكذلك إذا أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولا يخرج إلا بكسرها. قال: (ولو وطئ المغصوبة عالماً بالتحريم .. حد)؛ لأنه زنا، سواء كانت هي عالمة أم جاهلة. قال: (وإن جهل .. فلا حد)؛ للشبهة، لكنه إن قال: جهلت تحريم وطء

وَفِي الْحَالَيْنِ يَجِبُ الْمَهْرُ إِلاَّ أَنْ تُطَاوِعَهُ .. فَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إِنْ عَلِمَتْ. وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ، فَإِنْ غَرِمَهُ .. لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المغصوبة – لدخولها في ضمانه - .. لم تقبل دعواه إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة. قال: (وفي الحالين) أي: حالتي علمه وجهله (يجب المهر إلا أن تطاوعه .. فلا يجب على الصحيح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا مهر لبغي). والثاني: يجب المهر؛ لأن مطاوعتها لا تسقط حق سيدها. قال: (وعليها الحد إن علمت)؛ لأنها زانية، وإن جهلت .. فلا. و (البغي) بالتخفيف: الزنا، و (البغي) بالتشديد: الزانية، وروي الحديث بهما فاحتج أبو حنيفة ومالك برواية التخفيف فقالا: لا مهر إذا أكره أمة أو حرة على الزنا، واحتج الشافعي رضي الله عنه برواية التشديد. قال: (ووطء المشتري من الغاصب كوطئه في الحد والمهر)؛ لاشتراكهما في الاستيلاء، فإنه تقبل دعواه ولا يشترط قرب عهد بالإسلام ولا أن ينشأ ببادية بعيدة. قال: (فإن غرمه .. لم يرجع به على الغاصب في الأظهر)؛ لأنه المتلف وقد انتفع وباشر الإتلاف. والثاني- وهو قديم-: أنه يرجع؛ لأن الغاصب غره، والبيع لا يقتضي ضمان المهر. وأجريا في أرش الافتضاض إن كانت بكراً، وسيأتي في كلام المصنف في أواخر (الصداق) أن المهر يتكرر بتكرار وطء المغصوبة.

وَإِنْ أَحْبَلَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ .. فَالْوَلَدُ رَقيقٌ غَيْرُ نَسِيبٍ، وَإِنْ جَهِلَ .. فَحُرَّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الاِنْفِصَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهمة: سكت المصنف عن أرش البكارة في وطء الغاصب والمشتري منه وفيه أوجه: صحح الشيخان هنا وفي (الديات) أنه يحب مهر ثيب وأرش بكارة، وأفتى به المصنف. والثاني: مهر بكر فقط، ويندرج فيه الأرش، وصححاه في (باب الرد بالعيب). والثالث: مهر بكر وأرش بكارة، وبه جزماً في البيع الفاسد، والغاصب أولى فهو المختار؛ لأنه استمتع ببكر والأرش لجبر الفائت فهما سببان مختلفان. قل: (وإن أحبل) أي: الغاصب أو المشتري منه (عالماً بالتحريم .. فالولد رقيق غير نسيب)؛ لأنه زنا، فإن انفصل حياً .. فهو مضمون على الغاصب، وإن انفصل ميتاً بجناية .. فبدله للسيد، أو بلا جناية .. ففي وجوب ضمانه وجهان: قال الرافعي هنا: ظاهر النص ضمانه، وصحح بعد ذلك بأوراق عدمه وقواه في (الشرح الصغير). قال: (وإن جهل .. فحر نسيب) للشبهة، قال في (المطلب): والمشهور أنه انعقد حراً لا رقيقاً ثم عتق. قال: (وعليه قيمته)؛ لتفويته رقه بظنه. قال: (يوم الانفصال)؛ لأن التقويم قبله غير ممكن، هذا إذا انفصل حياً أو بجناية، فإن انفصل ميتاً بغير جناية .. فالمشهور أنه لا تلزمه قيمته؛ لعدم تيقن حياته، ويخالف ما لو انفصل الولد رقيقا .. فإن فيه وجهين؛ لأن الرقيق يدخل تحت اليد فجعل تبعاً للأم.

ويَرْجِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَغَرِمَهُ .. لَمْ يَرْجِعْ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فِي الأَظْهَرِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويرجع بها المشتري على الغاصب)؛ لأن الشراء لم يوجب ضمانه، كذا في (المحرر) و (الشرحين)، وفي (الروضة) بخط المصنف: لا يرجع – بزيادة (لا) - وهو سبق قلم. وقيل: على الخلاف في المهر، وهذا بخلاف المشتري شراء فاسداً حيث تستقر عليه قيمة الولد ولا يرجع بها؛ لأن مسألة الغصب حصل فيها تغرير من الغاصب، وأما المالك البالغ .. فلم يحصل منه تغرير فافترقا. قال: (ولو تلف المغصوب عند المشتري وغرمه .. لم يرجع) سواء في ذلك العالم والجاهل؛ لأن الشراء عقد ضمان. وعن صاحب (التقريب) أنه يرجع من المغروم بما زاد على قدر الثمن سواء اشتراه رخيصاً أم زادت قيمته وهو شاذ. قال: (وكذا لو تعيب عنده في الأظهر) – وهو تخريج المزني – تسوية بين الجملة والأجزاء؛ لأن ما ضمن كله ضمن جزؤه. والثاني – وهو نص (الأم) -: يرجع وهو مشكل، وعلله ابن سريج بأن ضمان المشتري ضمان عقد والعقد لا يوجب ضمان الأجزاء، ونازعه الرافعي وغيره في ذلك، لكنه يعتضد بما إذا طلق الزوج قبل الدخول وقد تعيب الصداق في يد المرأة .. فإنه لا يلزمها الأرش، بل يتخير بين نصفه معيباً ونصف قيمته سليماً كما سيأتي في موضعه. كل هذا إذا تعيب لا بفعله، فإن كان بفعله .. لم يرجع قطعاً. قال: (ولا يرجع بغرم منفعة استوفاها في الأظهر) كالسكنى والركوب واللبس، والقولان هما القولان في المهر وأرش البكارة وقد تقدم توجيههما.

وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَبِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إِذَا نُقِضَ فِي الأَصَحِّ. وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِهِ لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ .. لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا لاَ .. فَيَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويرجع بغرم ما تلف عنده) أي: من المنافع (وبأرش نقص بنائه وغراسه إذا نقص في الأصح) الخلاف عائد إلى المسألتين، فوجه الرجوع أنه لم يتلفها ولا التزم ضمانها. والثاني: لا، تنزيلاً للتلف منزلة الإتلاف، وثمرة الشجرة ونتاج الدابة وكسب العبد كالمنفعة، قاله المتولي. وصحح البغوي أنه لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العبد وأدى من خراج الأرض ولو غصب مسكاً أو عنبراً أو غيرهما مما يقصد شمه ومكث عنده .. لزمه أجرته، كذا في زوائد (الروضة)، وهي في (الرافعي) كذلك. قال: (وكل ما لو غرمه المشتري يرجع به لو غرمه الغاصب .. لم يرجع به على المشتري) وذلك كقيمة الولد وأجرة المنافع الفائتة تحت يده، وكذا الكسب والثمرة والنتاج لو فرضنا أن الغاصب طولب به وغرمه .. فإنه لا يرجع بذلك على المشتري؛ لأن القرار عليه لا على المشتري. قال: (وما لا .. فيرجع) أي: وكل ما لو غرمه المشتري .. لكان لا يرجع به على الغاصب كقيمة العين والأجزاء والمنافع التي استوفاها فإذا غرمها الغاصب .. رجع بها على المشتري، لأن القرار عليه. فائدة: إذا كانت (كلما) ظرفاً تكتب موصولة، كقوله: كلما رأيت زيداً فأكرمه، وكلما جئتك بررتني، وكلما سألتك أخبرتني، فإن لم تكن ظرفاً - كما في لفظ المصنف - ..

قُلْتُ: وَكُلُّ مَنِ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ .. فَكَالْمُشْتَرِي، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصلت فتقول: كل ما كان منك حسن، وكل ما تأتيه جميل؛ لأنها في موضع الاسم، قاله ابن قتيبة وغيره. قال: (قلت: وكل من انبنت يده على يد الغاصب .. فكالمشتري والله أعلم) المراد في هذا الضابط الذي ذكرناه في الرجوع وعدمه لا في كل الأشياء. وقول المصنف: (انبنت) هو بنون ثم باء ثم نون كما ضبطه بخطه، وفيه إشارة إلى أن الصورة في يد تكون نائبة عن يد الغاصب لا مستقلة كما تقدم في أول الباب حيث قال: (والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان). فرع: غصب فحلا وأنزاه على دابته .. فالولد للغاصب ولا شيء عليه للإنزاء، لكن إن نقص .. غرم أرش نقصه، ولو غصب شاة وأنزى عليها فحلا .. فالولد لصاحب الشاة. تتمة: غصب المغصوب، فأبرأ المالك الغاصب الأول عن ضمان الغصب .. قال المتولي: صح الإبراء؛ لأنه يطالب بقيمته، فهي كدين عليه، ووافقه الرافعي والمصنف، وفيه نظر لابن الرفعة والشيخ؛ لأنه إن كان بعد التلف .. فهو دين حقيقي، فلا يقال: كدين عليه، وإن كان قبله .. فهو كما لو أبق العبد من الغاصب وأبرأه من قيمته لا يصح على الصحيح، والظاهر: أنه أراد هذه، قال: وإن ملكه إياه .. برئ من الضمان وانقلب الضمان على الثاني حقاً له، وهذا ظاهر إن قدر الأول على انتزاعه، أما إذا لم يقدر .. فالظاهر: أنه لا يصح إلا أن يكتفي بأن العين هنا من ضمان المشتري، قال: وإن أذن له في استرجاعه .. فالضمان باق ما لم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يسترجعه، فإذا استرجعه .. فإن كان على وجه الوديعة .. ارتفع الضمان على المذهب. وإن كان على وجه الرهن .. فلا. ولو أبرأ المالك غاصب الغاصب عن الضمان .. برئ الأول؛ لأن القرار عن الثاني والأول كالضامن، قاله القفال وغيره. وغصب المشاع يتصور عندنا إذا كان عبد بين شريكين، فغصب رجل حصة أحدهما أو باعها .. صح في نصيب الشريك البائع، ولا يجوز في نصيب الغاصب نص عليه، لكن أشار الأصحاب إلى أن الوارثين إذا وضعا يدهما على التركة .. تكون يد كل منهما على جميعها، كذا في (الكفاية). ولو قال: غصبنا ألفاً وكنا عشرة .. فقال محمد بن الحسن: تلزمه الألف، وقال زفر: القول قوله مع يمينه، قال في (البيان) وبه قال بعض أصحابنا؛ لأن ما قاله محتمل والأصل براءة ذمته. * * * خاتمة عليه دين لرجل، فمات ولا وارث له، هل يتصدق عنه أو يدفعه إلى الحاكم؟ قال في (البحر): القياس أن يدفعه إلى الحاكم ولا يتصدق به، بخلاف اللقطة؛ فإن له التصدق بها بعد الحول؛ لأن هذا الدين صار لجماعة المسلمين والحاكم نائبهم، فإن قيل: أليس له التصدق باللقطة بعد الحول بغير إذن الحاكم؟ قلنا: هناك لا يدري أن الحق لواحد معين من المسلمين أو لجماعة، وهنا الحق للجماعة وحق القبض للإمام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فإن دفعه إلى القاضي ثم ظهر أن له وراثاً .. لم يطلبه، وقد برئ بالدفع إلى القاضي؛ لأنه نائب الغائب. وقال: والذي يحتمل أن يقال: إن ظهر أنه كان في بلده .. لم يبرأ بالدفع إلى القاضي، بخلاف ما لو كان في بلد آخر، ويحتمل أن يقال: لا يبرأ أصلاً؛ لأنه دفع على تقدير عدم الوارث، فكان بخلافه، قال: ولا وجه له عندي. وفي (فتاوى القاضي حسين): لو غصب شيئاً وأطعمه ولده الصغير ثم بلغ فادعى المالك عليه .. لزمه الغرم، وهل يرجع به على الغارم؟ قولان. * * *

كتاب الشفعة

كِتَابُ الشُّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الشفعة هي بضم الشين وإسكان الفاء، ومن الفقهاء من يضمها، ولفظها مأخوذ من قولهم: شفعت كذا بكذا إذا ضممته إليه. سميت بذلك لضم نصيب الشريك إلى نصيبه، ومنه شفع الأذان. وقيل: من التقوية والإعانة؛ لأنه يتقوى بما يأخذه، ومنه: القرآن شافع ومشفع. وقيل: من الزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه. وقال ابن قتيبة: من الشفاعة؛ لأن الرجل إذا أراد أن يبيع داره .. أتاه شريكه أو جاره بشفيع يشفع إليه فيما يبيع. وهي في الشرع: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث بسبب الشركة بالعوض الذي ملك به، ولذلك وضع الأصحاب الشفعة عقب الغصب؛ لأنها تؤخذ قهراً فكانت مستثناة من تحريم أخذ المال قهراً. وأصلها: من الكتاب قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}. ومن السنة: ما روى مسلم [1608/ 134] عن جابر رضي الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء .. أخذ، وإن شاء .. ترك، فإذا باع ولم يؤذنه .. فهو أحق به).

لاَ تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولفظ البخاري [2214] في رواية: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة). وادعى الماوردي أن الأحاديث الواردة في الشفعة متواترة وأجمعت الأمة عليها، لكن نقل الرافعي عن جابر بن زيد من التابعين إنكارها، وبه قال الأصم وابن علية، لكن هذان لا يعتد بخلافها، ولعل ذلك لم يصح عن جابر بن زيد، ولا شك أنها على خلاف القياس ولكن شرعت لدفع الضرر. وقال الشيخ عز الدين: إن العفو عنها أفضل إلا أن يكون المشتري نادماً أو مغبوناً. وقال أحد: لا يجوز للشريك أن يبيع لأجنبي إلا بعد استئذان شريكه. قال: (لا تثبت في منقول) كالثياب والحيوان وغيرهما، سواء بيع وحده أو تبعاً للأرض؛ لعدم الدليل عليه، ولعدم تأبيد الضرر فيه، والمراد: لا تثبت ابتداء. واحتراز بذلك عن الدار إذا انهدمت بعد ثبوت الشفعة فإن نقضها يؤخذ بالشفعة، وعن البناء والشجر المتصلين بالأرض وسيذكرهما، سواء بيع المنقول منفرداً أو مضموماً إلى ثابت لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا شفعة إلا في ربع أو حائط). وشرط المأخوذ بالشفعة: أن يكون عقاراً ثابتاً محتملاً للقسمة. وقول المصنف: (لا تثبت) أحسن من قول (التنبيه): لا تجب.

بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بل في أرض وما فيها من بناء وشجر تبعاً)؛ للحديث السابق لأن (الربع): المنزل الذي يربع به الإنسان ويتوطنه، و (الحائط): البستان بغراسه. ويدخل في ذلك ما يتبعه من أبواب ورفوف مسمرة، ومسامير الدولاب الثابت، وحجر الرحى التحتاني، وفي الأعلى الوجهان، وفي الثمرة التي لم تؤبر. واحترز بقوله: (تبعاً) عما لو باع أرضاً وفيها شجرة جافة شرط دخولها في البيع .. فإنها لا تؤخذ بالشفعة بل بالشرط. وعما إذا باع البناء والغراس وحده كالقائم على الأرض المحتكرة والموقوفة .. فلا شفعة فيه؛ لأنه في حكم المنقول. وعما لو باع البناء والغراس مع الأرض الحاملة لهما فقط ولم يعين الأرض المتخللة .. فأشبه الوجهين عدم ثبوت الشفعة؛ لأن الأرض هنا تابعة والمتبوع منقول. قال الشيخ: إلا أن يكون الجدار عريضاً في أرض مرغوب فيها وبناؤه نزر يسير بالنسبة إليها .. فإنه ينبغي هنا ثبوت الشفعة؛ لأن الأرض هي المقصودة. قال: ويحمل كلام الأصحاب على الغالب. فرع: لا شفعة في سواد العراق على مقتضى مذهب الشافعي، وأم الشام .. فلا خلاف في جواز الأخذ بالشفعة في أرضها؛ لأنها غير موقوفة، وأما مصر .. فمقتضى وصية

وَكَذَا ثَمَرةٌ لَمْ تُؤَبَّرْ فِي الأَصَحِّ. وَلاَ شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي رضي الله عنه: أنها تملك، وروى يزيد بن أبي حبيب: أنها صلح، وكذلك قال الليث، وكان له بها أراض، وكان مالك وغيره يعيبون عليه ذلك ويرون أنها كسواد العراق. فرع: لو كان نصف الدار وقفاً فباع صاحب الطلق نصيبه .. فالأصح لا شفعة للموقوف عليه؛ لأنه لا يملك الحصة الموقوفة فليس شريكاً، فلو كانت أثلاثاً وقف وثلثاها لاثنين فباع أحدهما نصيبه هل تثبت للآخر الشفعة؟ ينبغي أن يقال: إن جوزنا قسمة الوقف عن الملك – وهو اختيار الروياني والمصنف - .. تثبت الشفعة، وإن لم نجوز قسمة الوقف عن الملك – وهو المشهور - .. فلا شفعة؛ لعظم موقع الضرر بالمقاسمة. قال: (وكذا ثمرة لم تؤبر في الأصح)؛ لأنه تبع الأصل في البيع فتبعه في الأخذ بالشفعة كالبناء والغراس. والثاني: لا؛ لأنه لا يراد للتأبيد. والثالث: إن بقي غير مؤبر إلى حالة الأخذ .. أخذه، وإلا .. فلا؛ لخروجه عن أن يكون تابعاً. واحترز بقوله: (لم تؤبر) عما إذا كان مؤبراً عند البيع ودخل بالشرط .. فإنه لا يؤخذ؛ لانتفاء التبعية. والزرع الذي يجز مرة بعد أخرى – كالكراث – الجزة كالثمرة والأصول كالشجر. قال: (ولا شفعة في حجرة بنيت على سقف غير مشترك) كما إذا كان السقف لثالث أو لأحدهما وحده ثم باع أحدهما سهمه من الحجرة؛ لأنه لا قرار لها فهي كالمنقولات.

وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الأَصَحِّ. وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ- كَحَمَّامٍ وَرَحىً- لاَ شُفْعَةَ فِيهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا مشترك في الأصح)؛ لأن السقف الذي هو أرضها لا ثبات له في نفسه، وما لا ثبات له في نفسه، لا يفيد ثباتاً لما هو عليه. والثاني: نعم؛ للاشتراك في أرضها وجدرانها. قال في (المطلب): وهذا الفرع لا يعرف لغير الغزالي في (الوسيط) و (الوجيز) ولا ذكر له في غيرها. ولو كان السفل مشتركاً بين اثنين والعلو لأحدهما فباع صاحب العلو علوه مع نصيبه من السفل .. أخذ الشريك نصف السفل، ولا يأخذ العلو؛ لأنه لا شركة له فيه، وقيل: يأخذه تبعاً. قال: (وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة – كحمام ورحى – لا شفعة فيه في الأصح) الخلاف ينبني على المعنى المقتضى لثبوت الشفعة هل هو سوء المشاركة؟ أو مؤنة الاستقسام ومعناه ما ينشأ عن القسم من مؤنة وأفراد ما يصير إليه بالمرافق وهذا هو الأصح، فإن قلنا بالأول .. ثبتت الشفعة في كل عقار، وإن قلنا بالأصح .. لم تثبت إلا فيما يجبر الشريك فيه على القسمة. ومراده بـ (الحمام والرحى) الصغيران كما ذكره في (باب القسمة) واكتفى بدلالة كلامه عليه وبأن الغالب فيهما عدم الانقسام. وإنما يقسم الحمام إذا كانت بيوته كبيرة بحيث يجيء منه حمامان. وقد سبق أن الحمام يذكر وجمعه حمامات، والرحى جمع أرح. فرع: شريكان في مزارع قابلة للقسمة وفيها بئر، ولا يمكن انقسام المزارع دونها، فإن باع أحدهما نصيبه .. تثبت الشفعة لشريكه إن انقسمت البئر، وإلا .. فتثبت في المزرعة، وهل تثبت في البئر؟ وجهان: أحدهما: نعم كتبعية الشجر للأرض.

وَلاَ شُفْعَةَ إِلاَّ لِشَرِيكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصحهما: لا. وفرقوا بأن الأشجار ثابتة في محل الشفعة والبئر بعيدة عنه. قال الشيخ: وهذا يقتضي أن تكون صورة المسألة أن لا تكون البئر في المزرعة، فإن كانت فيها .. ثبتت الشفعة في جميع الأرض أصالة، وفي بناء البئر تبعاً وإن كانت لا تنقسم؛ لأنها في محل الشفعة. قال: (ولا شفعة إلا لشريك) سواء كان معيناً أم لا، كما إذا كان لجهة كبيت المال فباع الشريك .. فللإمام الأخذ بالشفعة إذا كان فيه مصلحة؛ لعموم الأدلة. وكذلك إذا كان لجهة خاصة كمسجد أو رباط بحيث يجوز بيعه عند الحاجة أو المصلحة. فإذا باع الشريك حصته .. كان للناظر فيه الأخذ بالشفعة إذا رآه مصلحة، أما الجار .. فلا شفعة له ملاصقاً كان أو غيره؛ للأحاديث السابقة، وبهذا قال مالك وأحمد وأكثر أهل الحرمين. وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة: تثبت للجار الملاصق، وكذا المقابل إن لم يكن الطريق بينهما نافذاً. وخرج ابن سريج قولاً: إنها تثبت للجار الملاصق دون المقابل، واختاره الروياني، وعزاه بعضهم إلى القديم. والحق: أن جميع ذلك لم يثبت، بل هو خروج عن المذهب. ودخل في قوله: (لشريك) الحر والمكاتب والمسلم والذمي وهو كذلك بالاتفاق. وخرج: الموقوف عليه؛ فإنه لا يأخذ بالشفعة وإن ملكناه في الأصح لأنه ملك ناقص.

وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا .. فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ: ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ إِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آَخَرُ إِلَى الدَّارِ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إِلَى شارِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: الأصح في زوائد (الروضة): أن قضاء الحنفي بشفعة الجوار لا ينقص؛ للأحاديث الدالة له، وإذا حكم الحنفي بها لشافعي .. ففي الحل باطناً خلاف لم يصحح الرافعي هنا ولا في (القضاء) شيئاً، والصحيح في (باب دعوى الدم والقسامة): الحل، وفي (كتاب الدعاوى) وفي (شرح المسند): وهو المعتمد. وإذا كانت بينهما دار ومات أحدهما عن حمل فباع الآخر نصيبه .. فلا شفعة للحمل، فإن كان له وارث غير الحمل .. فله الشفعة، وإذا انفصل حياً .. لم يكن لوليه أن يأخذ شيئاً من الوارث. وإذا باع الوصي أو القيم شقص صبي وهو شريكه .. لا شفعة له أيضاً على الأصح؛ لأنه لو تمكن منه لم يؤمن أن يسامح في الثمن، ولهذا لا يبيعه مال نفسه، أما إذا اشترى شقصاً للطفل وهو شريكه في العقار .. فله الشفعة على الأصح؛ إذ لا تهمة. وقيل: لا؛ لأن الشراء والأخذ تعليق عهدة بالصبي من غير نفع له. قال: (ولو باع داراً وله شريك في ممرها .. فلا شفعة له فيها)؛ لأنه لا شركة له في الدار. وخرج ابن سريج قولاً: إنها تثبت؛ لأنه شريك في الممر وبه قال أبو حنيفة ومالك. قال: (والصحيح: ثبوتها في الممر إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار، أو أمكن فتح باب إلى شارع)؛ لأنه لا ضرر على المشتري في الأخذ حينئذ. وهذا إذا كان قابلاً للقسمة؛ وإلا .. فعلى الخلاف في غير المنقسم.

وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مِلْكًا لاَزِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: إن كان في اتخاذ الممر الحادث عسر أو مؤنة لها وقع .. وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الآتي. قال: (وإلا .. فلا) أي: إن لم يكن للمشتري طريق آخر إلى الدار ولا أمكن فتح باب إلى شارع .. فلا تثبت الشفعة في الأصح؛ لما فيه من الإضرار بالمشتري. والثاني: تثبت الشفعة لأهل الممر، والمشتري هو الذي أضر نفسه حيث اشترى مثل هذه الدار، وهذا يصحح بيع دار لا ممر لها. والثالث: أنه يقال لهم: إن أخذتموه على أن تمكنوا المشتري من المرور .. فلكم الأخذ، وإن أبيتم تمكينه منه .. فلا شفعة لكم جميعاً بين الحقين، وهذا يبطل بيع دار لا ممر لها. كل هذا عند ضيق الممر، فإن اتسع وأمكن منه ممر للمشتري .. ثبت في الباقي قطعاً، وفيما لا يتأتى المرور به الأوجه. قال: (وإنما تثبت فيما ملك بمعوضة ملكاً لازماً متأخراً عن ملك الشفيع) فلا تثبت في الشقص المملوك بغير معاوضة، وتثبت في المملوك بالمعاوضة سواء كانت محضة أو غير محضة. واحترز عن المملوك بالإرث والهبة والوصية والفسخ فإنه لا يؤخذ بالشفعة؛ لأن الوارث لم يدخل على الشريك ضرراً، والمتهب والموصى له في معناه فإنهما ملكاً من غير عوض، فإن اقتضت الهبة الثواب .. فالأصح ثبوت الشفعة فيها، والعائد بالفسخ لا شفعة فيه. وصورته: أن يعلم الشفيع بالبيع ولم يأخذ، ثم يحصل الفسخ فيه بعيب أو إقالة أو فلس ونحو ذلك، فإن لم يعلم بالبيع إلا بعد حصول الفسخ .. جاز أن يرد الفسخ ويأخذ بالعقد السابق. واحترز بقوله: (متأخراً عن ملك الشفيع) عما سيأتي فيما إذا اشترى اثنان داراً أو بعضها.

كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَاسِ مَالِ سَلَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (كمبيع) مثال لما ملك بمعاوضة محضة، وتعبيره بـ (المبيع) بالميم أصوب من تعبير (المحرر) بدونها؛ لأن الشرط الواقع في عقد البيع قد يكون في المبيع وقد يكون في الثمن المعين. قال: (ومهر) مثال لغير المحضة؛ لأنه عوض النكاح. وقال أبو حنيفة: لا تثبت فيه الشفعة؛ لأنه إباحة، لأن المرأة لو وطئت بشبهة .. فالمهر لها لا للزوج. وأجاب الشيخ أو حامد بأنه إنما كان لها لأن الزوج إنما تملك منافع البضع بالاستيفاء فقط. قال: (وعوض خلع وصلح دم)؛ لأن عوض الخلع كالمهر، والصلح عن الدم معاوضة غير محضة. أما الصلح عن أرش الجنايات – إذا صححناه- .. فهو معاوضة محضة تثبت فيها الشفعة. قال: (ونجوم): أي وعوض نجوم، والمراد: أنه كاتبه على نجوم وملك بعد ذلك شقصاً تصدق به عليه، أو وهب منه، أو اشتراه وعاف الشريك عن شفعته حينئذ فدفع الشقص إلى السيد عن نجومه وحيئنذ هي معاوضة محضة، وليس المقصود أن الكتابة وردت على الشقص؛ لأن عوض الكتابة لا يكون إلا منجماً. لكن سيأتي في الكتابة أنه لا يصح الاعتياض عن النجوم في الأصح، وجزم به في الكتاب، والمذكور في (الروضة) و (المنهاج) و (أصلهما) مفرع على وجه ضعيف هناك، لكن الشيخ صحيح الصحة وعضده بنص الشافعي صريحاً وبكلام ابن الصباغ والمحاملي والماوردي، وتعجب من تصحيح الرافعي المنع كما سيأتي. قال: (وأجرة)؛ لأنها يصح الاعتياض عنها. قال: (ورأس مال سلم)؛ لأنه في معناه، فإن اشترى شقصاً ثم قايل البائع فإن

وَلَوْ شُرِطَ في الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ .. لَمْ يُؤْخَذْ بالشُّفْعةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ .. فَالأَظْهَرْ: أَنَّه وَيُؤْخَذُ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلنا الإقالة بيعا .. فكما لو باعه، وإن جعلناها فسخا .. فكما لو رده بعيب، وسيأتي حكمهما. وإذا جعل الشقص جعلا لمن يعمل له عملاً .. جاز أخذه بالشفعة. ثم قوله: (ورأس مال سلم) يتعين عطفه على مبيع؛ لأن المقصود أن يكون الشقص رأس مال سلم، ولا يجوز أن يقدم: (وعوض رأس مال سلم)؛ لأن رأس مال السلم لا يعتاض عنه. ولو قال لمستولدته: إن خدمت أولادي شهراً بعد موتي .. فلك هذا الشقص، فخدمتهم .. استحقه ولا شفعة فيه في الأصح؛ لأنه وصية. فرع: اشترى شقصاً وأوصى به ومات وطالب الشفيع .. فهو أولى من الموصى له، فإذا أخذ .. سقط حق الموصى له به وكان الثمن للورثة؛ لأنه أوصى بالشقص لا بعوضه، ويخالف ما لو أوصى لإنسان بعين ثم أتلفت .. فالقيمة للموصى له؛ لأن القيمة بدلها، وما يؤخذ من الشفيع ليس بدل الشقص، ولكنه بدل الثمن المبذول ولا حق للموصى له فيه. قال: (ولو شرط في البيع الخيار لهما أو للبائع .. لم يؤخذ بالشفعة حتى ينقطع الخيار)؛ لما فيه من قطع خيار البائع، سواء حكمنا بانتقال الملك أم لا. ولو عبر بـ (لو ثبت) .. كان أولى؛ ليشمل خيار المجلس فإنه كخيار الشرط في هذا الحكم. وقوله: (لهما) لم يذكره في (المحرر) وحذفه أولى؛ لأن المانع ثبوته للبائع. قوله: (وإن شرط للمشتري وحده .. فالأظهر: أنه يؤخذ إن قلنا: الملك للمشتري)؛

وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ .. فَالأَظْهَرُ: إِجَابَةُ الشَّفِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لا حق فيه لغيره. والثاني: لا يؤخذ؛ لأن المشتري لم يرض بلزوم العقد والأخذ يؤدي إلى لزومه، وقد يقال: هذا يعكر على قوله أولاً: (ملكاً لازماً) وكذا مسألة الرد بالعيب الآتية، اللهم إلا أن يقال: مراده لازماً من جهة البائع، لكن فيه تعسف. قال: (وإلا .. فلا) أي: إذا قلنا: الملك للبائع أو موقوف .. لا يؤخذ بالشفعة حتى ينقضي الخيار؛ لأنها إنما يؤخذ من المشتري، وقيل: يؤخذ لانقطاع سلطنة البائع. فرع: ليس القبض شرطاً في ثبوتها، بل له المطالبة فبله اتفاقاً، ولكن هل يجبر المشتري على القبض ويأخذ منه، أو يأخذ من يد البائع ويقوم قبضه مقام قبض المشتري؟ فيه وجهان. قال: (ولو وجد المشتري بالشقص عيباً وأراد رده بالعيب وأراد الشفيع أخذه ويرضى بالعيب .. فالأظهر: إجابة الشفيع)؛ لأن حقه سابق على حق المشتري فإنه ثابت بالبيع، ولأن غرض المشتري الوصول إلى الثمن وهذا حاصل بأخذ الشفيع. والثاني: إجابة المشتري؛ لأن الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد، وكذلك الحكم إذا وجد البائع بالثمن المعين عيباً؛ وعلى الأظهر: لو رده قبل المطالبة .. فللشفيع إبطال الرد وأخذه في الأصح. و (الشقص) بكسر الشين: القطعة من الشيء.

وَلَوِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا .. فَلاَ شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الآَخَرِ. وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي أَرْضٍ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الشَّرِيكَ لاَ يَاخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ، بَلْ حِصِّتَهُ. وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلاَ إِحْضَارُ الثَّمَنِ وَلاَ حُضُورُ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: تصح المقابلة بين الشفيع والمشتري بعد الأخذ كما في البيع، ولا تصح بين الشفيع والبائع. قال: (ولو اشترى اثنان داراً أو بعضها .. فلا شفعة لأحدهما على الآخر)؛ لأنهما مستويان في وقت حصول الملك، وهذه المسألة هي التي احترز عنها بقوله: (متأخراً عن ملك الشفيع) وكان الصواب أن يقول: عن سبب ملك الشفيع. قال: (ولو كان للمشتري شرك في أرض .. فالأصح: أن الشريك لا يأخذ كل المبيع، بل حصته) وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني؛ لأنه والمشتري شريكان فيستويان كما لو اشترى أجنبي. وصورة المسألة: دار بين ثلاثة أثلاثاً، اشترى أحدهما نصيب صاحبه .. فيأخذ الثالث السدس فقط؛ لأنهما مستويان في الشركة، والثاني يأخذ الجميع وهو الثلث؛ لأن الشفعة تستحق عليه فلا يستحقها هو، وهذا رأي ابن سريج. قال: (ولا يشترط في التملك بالشفعة حكم حاكم)؛ لثبوته بالنص. قال: (ولا إحضار الثمن) قياساً على البيع. قال: (ولا حضور المشتري) كالرد بالعيب، وذهب الصعلوكي إلى أن حضور المشتري أو وكيله شرط، واستشكل في (المطلب) هذا بما سيأتي بعد من أنه لا بد

وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنَ الشَّفِيع كَتَمَلَّكْتُ أَوْ أَخَذْتُ بِالشُّفْعَةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ: إِمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ .. مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ. وَإِمَّا رِضَا الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إِذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ في التمليك مع اللفظ من أحد هذه الأمور ثم قال: وأقرب ما يمكن أن يحمل عليه أن مجموع الثلاثة لا يشترط وهذا بعيد مع تكرار (لا). قال: (ويشترط لفظ من الشفيع)؛ لما سبق في البيع من عدم الاكتفاء بالمعاطاة. قال: (كتملكت أو أخذت بالشفعة) وكذا ما أشبههما مما يدل على ذلك ولهذا قال الماوردي: الشفعة تثبت بالبيع وتستحق بالطلب وتملك بالأخذ. قال: (ويشترط مع ذلك: إما تسليم العوض إلى المشتري، فإذا تسلمه أو ألزمه القاضي التسلم) أي: بضم اللام (.. ملك الشفيع الشقص)؛ لأنه واصل لحقه في الحالة الأولى ومقصر في الثانية. قال: (وإما رضا المشتري بكون العوض في ذمته)؛ لأنه معاوضة والملك فيها لا يتوقف على القبض. وقيل: لابد من القبض؛ لأن رضى المشتري بدونه وعد. قال: (وإما قضاء القاضي له بالشفعة إذا حضر مجلسه وأثبت حقه فيملك به في الأصح)؛ لأن اختيار التملك قد تأكد بحكم الحاكم. والثاني: لا يملك بذلك؛ لأنه لم يرض بذمته، وهذا هو المقابل لقول المصنف: (فيملك به في الأصح) والمراد القضاء بثبوت حق الشفعة لا بالملك. تنبيهات: أحدها: أهمل الرافعي والمصنف شرطاً رابعاً في (الشرح) و (الروضة) وهو: إشهاد عدلين على الطلب واختيار الشفعة، لكن الأظهر في (الوجيز) عدم

وَلاَ يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتراطه، ولم يفرقوا بين أن يقدر على الحاكم أم لا. قال في (المطلب): ولو قيد بحالة الفقد كما في مسألة هرب الجمال ونظائرها حيث تقام مقام القضاء .. لم يبعد. الثاني: يشترط في التمليك العلم بالثمن ولا يشترط ذلك في الطلب، فلو قال الشفيع للمشتري: بكم اشتريت .. لم تبطل شفعته في الأصح، وقطع العراقيون ببطلانها. الثالث: إذا تملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول .. لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن وإن تسلمه المشتري قبل أدائه، ولا يلزمه أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه، وإذا لم يكن الثمن حاضراً وقت التمليك .. أمهل ثلاثة أيام، فإذا انقضت ولم يحضره .. فسخ القاضي تملكه. وقيل: إذا قصر في الأداء .. بطل حقه وإن لم يوجد رفع إلى الحاكم. وقيل: إن المشتري يفسخ. وقيل: يحبس الشفيع حتى يوفي الثمن. قال: (ولا يتملك شقصاً لم يره الشفيع على المذهب) بناء على منع بيع الغائب، وليس للمشتري منعه من الرؤية. والطريقة الثانية: القطع بالمنع؛ لأن شراء الغائب لابد فيه من الخيار، وإثباته هنا غير ممكن؛ لأنه يؤخذ قهراً، وفي (الوسيط) طريقة قاطعة بالصحة. تتمة: إذا استقرض من إنسان شقصاً .. فالقرض صحيح، وللشفيع أخذه بالشفعة سواء

فصل

فَصْلٌ: إِنْ اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ .. أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمُتَقَوَّمٍ .. فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: يَوْمَ اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قلنا: المقرض يملك بالقبض أم بالتصرف؛ لأنا وإن قلنا: يملك بالتصرف .. فإنا نحكم بانتقال الملك إليه قبل التصرف، ووجهه أنه شقص ملكه بعوض فصار كما لو ملكه بالعقد. قال: (فصل): إن اشترى بمثلي) كالنقدين والحبوب (.. أخذه الشفيع بمثله)؛ لأنه لا جائز أن يأخذه بما يختاره هو من القدر لما فيه من الضرر بالمشتري، ولا بما يختاره المشتري؛ لما فهي من الضرر بالشفيع، ولا بقيمة الشقص؛ لأنها قد تكون أقل من الثمن فيتضرر المشتري وقد تكون أكثر فيتضرر الشفيع، فيتعين الأخذ بالثمن؛ لأنه الأعدل والأقرب إلى حقه إلا ما حط عنه قبل اللزوم على الأصح، فلو حط الجميع قبل اللزوم .. فلا شفعة على الأصح؛ لانقضاء البيع. فإن قدر المثل بمعياره الشرعي .. فذاك، أو بغيره بأن اشترى بألف رطل حنطة مثلاً فهل يأخذ بمثله كيلاً أو وزناً؟ صحح الشيخان في (باب القرض) الثاني، وادعى ابن الرفعة أن الجمهور على الأول. وإذا كان المثل منقطعاً وقت الأخذ .. عدل إلى القيمة كالغصب. قال: (أو بمتقوم) كعبد وفرس (.. فبقيمته)؛ لأنها مثل في المعنى، ولو ملك الشفيع المثل نفسه قبل الإطلاع ثم اطلع وأراد الأخذ .. قال في (المطلب): يظهر أن يقال: يتعين الأخذ به، لاسيما إذا كان متقوماً؛ لأن العدول عنه إنما كان للتعذر، قال: وقد يقال بخلافه؛ لما فيه من التضييق، والشفعة شرعت للرفق. قال: (يوم البيع)؛ لأنه وقت وجوب الشفعة، ولأن ما زاد زاد في ملك البائع. قال: (وقيل: يوم استقراره بانقطاع الخيار)؛ لأنه وقت استقرار الثمن إن قلنا:

أَوْ بِمُؤَجَّلٍ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَاخُذَ فِي الْحَالِ، أَوْ يَصْبِرَ إِلَى الْمَحِلِّ وَيَاخُذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الملك لا ينتقل إلا به، وهو الأصح. وقيل: بأقل قيمة من العقد إلى قبض البائع الثمن، فلو اختلفنا في قدر القيمة في ذلك الوقت .. صدق المشتري بيمينه، قاله الروياني. قال: (أو بمؤجل .. فالأظهر: أنه يتخير بين أن يعجل ويأخذ في الحال، أو يصبر إلى المحل ويأخذ)؛ لأنا إن جوزنا له الأخذ بالمؤجل .. أضررنا بالمشتري؛ لأن الذمم تختلف، وإن ألزمناه الأخذ في الحال بنظيره من الحال .. أضررنا بالشفيع؛ لأن الأجل يقابله قسط من الثمن، فكان ما قلناه دافعاً للضررين وجامعاً بين الحقين. والثاني: يأخذ بقدره مؤجلاً تنزيلاً للشفيع منزلة المشتري. والثالث: يأخذه بعوض يساوي الثمن مؤجلاً؛ لتعذر أخذه بحال ومؤجل، فيتعين هذا؛ لأنه أقرب إلى العدل، وهذا هو الأقرب في (الوسيط) والأعدل في (النهاية)، فإذا قلنا بالأول .. لم يبطل حقه بالتأخير؛ لأنه تأخير بعذر، وإذا قلنا بالأول فهل يجب إعلام المشتري بالطلب؟ فيه وجهان: أشهرهما في (الشرحين): عدم الوجوب، وانعكس التصحيح على المصنف فصحح في (أصل الروضة) الوجوب. ولو حل الثمن على المشتري بموته .. لم يتعجل الأخذ على الشفيع، بل هو على خيرته. ولو اختار الصبر إلى حلول الأجل ثم عن له أن يعجل ويأخذ .. قال في (المطلب): يظهر أن له ذلك وجهاً واحداً.

وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ .. أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنِ الْقِيمَةِ، وَيؤْخَذُ الْمَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَكَذَا بَدَلُ الْخُلْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان الثمن منجماً .. قال الماوردي: حكمه كالمؤجل، فللشفيع عند حلول النجم الأول تأخير الأخذ إلى حلول الجميع وتعجيل كل الثمن، ولا يجوز له عند حلول البعض أن يعطيه ويأخذ ما يقابله؛ لما فيه من تفريق الصفقة على المشتري. قال: (ولو بيع شقص وغيره .. أخذه بحصته من القيمة)؛ لوجود سبب الأخذ في الشقص دون غيره، ولا خيار للمشتري وإن تفرقت صفقته؛ لدخوله فيها عالماً بالحال، وطريق الأخذ أن يوزع الثمن عليهما باعتبار قيمتهما يوم البيع ويأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن، فإذا كانت قيمة الشقص مئة وقيمة المضموم إليه خمسين .. أخذ الشقص بثلثي الثمن، فإذا اشتراهما بثلاث مئة مثلاً .. أخذه بمئتين أو بمئة .. أخذه بستة وستين وثلثين. وفي المسألة وجه: أنه يأخذ الشقص بجميع الثمن، حكاه الرافعي في (كتاب التفليس). قال الإمام: وهو قريب من خرق الإجماع. ووجه آخر في (المطلب): أنه يأخذهما معاً أو يتركهما معاً. قال: (ويؤخذ الممهور بمهر مثلها)؛ لأن البعض متقوم وقيمته مهر المثل. قال: (وكذا بدل الخلع) كما إذا خالعها على شقص .. فالاعتبار بمهرها يوم النكاح ويوم الخلع، وحكى المتولي وجهاً: أنه يأخذه بقيمة الشقص. ولو متع المطلقة شقصاً .. أخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر؛ لأن المتعة هي التي وجبت بالطلاق والشقص عوض عنها. وإذا صالح عليه من الدم .. أخذه الشفيع بقيمة الدية يوم الجناية، وفي

وَلَوِ اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ .. امْتَنَعَ الأَخْذُ، فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا وَقَلَ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ .. حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَلَوْ ادَّعَى عِلْمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا .. لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الإجازة) بأجرة المثل، وما أعطاه المكاتب عوضاً عن النجوم يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو قيمتها. قال: (ولو اشترى بجزاف وتلف .. وامتنع الأخذ)؛ لأن عدم العلم بالثمن يلحقه بالمعدوم فصار كالمملوك بالهبة، ولو كان غائباً .. لم يكلف البائع إحضاره ولا الإخبار عن قدره، وكذا لو اشترى بمتقوم جهلت قيمته كفص ضاع أو اختلط بغيره .. تعذر الأخذ أيضاً، وعبارة المصنف لا تشمله فكان ينبغي أن يقول: (بجزاف أو مجهول). والجزاف تقدم في (باب الربا) أنه مثلث الجيم. قال: (فإن عين الشفيع قدراً وقال المشتري: لم يكن معلوم القدر .. حلف على نفي العلم) أي: بذلك المقدار المدعى به؛ لأن الأصل عدم علمه به، ولا يحلف أنه اشتراه بثمن مجهول؛ لأنه قد يعلم بعد الشراء، وقيل: لا يقنع منه بذلك بل يحلف على البت، فإن أصر .. يجعل كالنكول ويحلف الشفيع. وقوله: نسيت المقدار على هذا الخلاف. قال: (ولو ادعى علمه) أي: علم المشتري بمقدار الثمن فطالبه ببيانه (ولم يتعين قدراً .. لم تسمع دعواه في الأصح) أي: حتى يعين قدراً فيحلفه المشتري حينئذ أنه لا يعرف؛ لأنه لم يدع حقاً له. والثاني: أنها تسمع؛ لأنه- وإن لم يكن حقاً- ينفع في الحق، ونقله المتولي عن عامة الأصحاب، والرافعي نقل الأول عن (تصحيح البغوي) خاصة وهو المنصوص.

وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقّاً: فَإِنْ كَانَ مُعَيَّناً .. بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ، وَإِلاَّ .. أبْدِلَ وَبقِيَا. فَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقّاً .. لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إِنْ جَهِلَ، وَكَذَا إِنْ عَلِمَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا ادعى استحقاق الشفعة ولم يعين قدراً ولا وقتاً .. فمقتضى كلامهم: أنها لا تسمع جزماً. ولو قامت بينة أن الثمن كان ألفاً وكفاً من الدراهم دون المئة يقيناً وقال الشفيع: أنا أعطي ألفاً ومئة .. أفتى الغزالي بأن له الأخذ بذلك، لكن لا يحل للمشتري قبض تمام المئة، وتوقف ابن أبي الدم في قبول هذه الشهادة وبحث مع العزالي فيها. قال: (وإذا ظهر الثمن مستحقاً: فإن كان معيناً .. بطل البيع والشفعة) لعدم انتقال الملك سواء كان نقداً أو عرضاً، لأن النقد عندنا يتعين بالعقد كالعرض خلافاً لأبي حنيفة. قال: (وإلا .. أبدل وبقيا) أي: البيع والشفعة بحالهما؛ لأن إعطاءه عما في الذمة لم يقع الموقع، فكان وجوده كعدمه، وللبائع استرداد الشقص وحبسه إلى أن يقبض الثمن. وخروج الدراهم نحاساً كخروجها مستحقة. ولو خرج الثمن رديئاً ورضي به البائع .. لم يلزم المشتري الرضا بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد. قال: (فإن دفع الشفيع مستحقاً .. لم تبطل شفعته إن جهل) أي: استحقاق المدفوع؛ لأنه معذور، ويصدق بيمينه؛ لأنه أمر باطن، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وكذا إن علم في الأصح)؛ لأنه لم يقصر في الطلب والأخذ. والثاني: تبطل شفعته؛ لأنه أخذه بما لا يجوز الأخذ به كترك الشفعة مع القدرة عليها، لأنه لا يملك بهذا الأخذ.

وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ- كَبَيْع وَإِجَارَةٍ وَوَقْفٍ- صَحِيحٌ. وَلِلشَّفِيع نَقْضُ مَا لاَ شُفْعَةَ فِيهِ- كَالْوَقْفِ- وَأَخْذُهُ، وَيَتَخَيِّرُ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ- كَبَيْعٍ- بَيْنَ أَنْ يَاخُذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ وَياخُذَ بِالأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: إن تملكه بعينه .. بطلت، وإن قال: تملكته بألف مثلاً، ثم أعطى ذلك المستحق .. لم تبطل، وإذا أبقينا حقه عالماً كان أو جاهلاً .. فهل نتبين أنه لم يملك بأداء الثمن المستحق، أو نقول: ملكه والثمن دين عليه؟ وجهان: المفهوم من كلام الجمهور الأول، وتظهر فائدة الوجهين في الفوائد كالأجرة والثمرة. قال: (وتصرف المشتري في الشقص- كبيع وإجارة ووقف- صحيح) كتصرف الولد في العين الموهوبة، والزوجة في الصداق قبل الدخول، والبائع في ثمن العين المعيبة. وقال ابن سريج: لا يصح كالمرهون والجاني، وكتصرف الورثة في التركة قبل وفاء الدين. قال: (وللشفيع نقض ما لا شفعة فيه- كالوقف- وأخذه)؛ لأن حقه سابق على هذا التصرف، وحكم جعله مسجداً كالوقف صرح به ابن الصباغ. ويؤخذ منه: صحة وقف المشاع مسجداً، وبه أفتى ابن الصلاح كما سيأتي في بابه. قال: (ويتخير فيما فيه شفعة- كبيع- بين أن يأخذ بالبيع الثاني أو ينقضه ويأخذ بالأول)؛ لأن كلاً منهما صحيح، وربما كان الثمن في أحدهما أقل أو من جنس هو عليه أيسر. وقيل: ليس له نقض شيء من تصرفات المشتري، بل تتجدد له الشفعة إن كان التصرف الثاني يثبتها كالبيع. وقيل: لا نقض ولا تجديد.

وَلَوِ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ .. صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَاَ لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاَءَ أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكاً؛ فَإِنِ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ .. فَالأَصَحُّ: ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ، وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إِلَى الْبَائِعِ إِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا ينقض الوقف وينقض ما عداه. والمراد بالنقض: إبطاله بالأخذ لا أنه يحتاج إلى لفظ قبله. قال: (ولو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن .. صدق المشتري) أي: بيمينه؛ لأنه أعلم بما باشره من الشفيع، والأصل بقاء ملكه، فإذا حلف .. تخير المشتري بين الأخذ به، وكذا لو كان الثمن عرضاً فتلف واختلفا في قيمته. هذا إذا لم تكن بينة، فإذا أقام أحدهما بينة .. قضي بها، ويقبل رجل وامرأتان وشاهد ويمين. قال: (وكذا لو أنكر الشراء) بأن قال: ورثته أو اتهبته (أو كون الطالب شريكاً)؛ لأن الأصل عدمها، ويحلف على نفي العلم بشركته لا على نفي شركته، فإن نكل .. حلف الطالب على البت وأخذ بالشفعة. قال: (فإن اعترف الشريك البيع .. فالأصح: ثبوت الشفعة)؛ لأن إقراره يتضمن ثبوت حق المشتري وحق الشفع، فلا يبطل حق الشفيع بإنكار المشتري، كما لا يبطل حق المشتري بإنكار الشفيع. والثاني: لا تثبت؛ لأن الشفيع يأخذ من المشتري، فإذا لم يثبت الشراء .. لم يثبت ما يترتب عليه. والثالث: إن اعترف بقبض الثمن .. لم تثبت؛ لأن الشفيع لا يأخذ إلا بالثمن، ولا يمكن صرفه إلى المشتري ولا إلى البائع، وإن لم يعترف بقبضه .. ثبتت. قال: (ويسلم الثمن إلى البائع إن لم يعترف بقبضه)؛ لأنه تلقى الملك منه، لكن في كيفية تسليمه وجهان:

وَإِنِ اعْتَرَفَ: فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَاخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ؟ .. فِيهِ خِلاَفٌ سَبَقَ فِي الإِقْرَارِ نَظِيرُهُ. وَلَوِ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ .. أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ: عَلَى الرُّؤُوسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: أن الشفيع يسلمه بنفسه إليه ويقبضه منه، ويملك بذلك ولا يحتاج إلى حاكم. والثاني: ينصب القاضي أميناً يقبض الثمن من الشفيع للمشتري، قال صاحب (الذخائر): ويحتمل أن يقال للبائع: إما أن تقبض وإما أن تبرئ. قال: (وإن اعترف) أي: البائع بقبض الثمن (فهل يترك في يد الشفيع أم يأخذه القاضي ويحفظه؟ .. فيه خلاف سبق في الإقرار نظيره) وتقدم أنه يقر في يد المقر على الأصح. قال ابن الرفعة: وهذا يقتضي حصول الملك للشفيع والقدرة على التصرف في الشقص، وهو يخالف ما تقدم من توقف التصرف على تسليم الثمن لأجل حق الحبس، قال: والذي يظهر: الوجه الثاني القائل بأخذ القاضي الثمن. وقول المصنف: (أم يأخذه) الصواب أو يأخذه؛ لأن (أم) بعد (الهمزة) و (أو) بعد (هل)، وسيأتي مثل هذا في (الوصايا) إن شاء الله تعالى. قال: (ولو استحق الشفعة جمع .. أخذوا على قدر الحصص) وبه قال مالك وأحمد؛ لأن الشفعة من مرافق الملك فتقدر بقدر الملك ككسب العبد والنتاج والثمار، وكما لو قال مالكان لعبد آبق- وملكهما فيه مختلف- لرجل: إن رددته .. فلك دينار، فإنه يأخذه على قدر حصتي الملك لا على التسوية. قال: (وفي قول: على الرؤوس)؛ لأن الشارع أناطها باسم الشركة وهو في الجميع سواء، لأنها تشبه أجرة الكاتب إذا كتب الصك لشركاء مختلفي الحصص، وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة، وهو مذهب الشافعي فإنه صرح في (الأم)

وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا لآِخَرَ .. فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ باختياره ونص عليه في (المختصر) أيضاً، واختاره المزني وابن الرفعة والشيخ. ونظير المسألة: ما لو استؤجر لحمل شيء مشترك متفاوت، وإذا استؤجر لقسمة مال مختلف كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. فرعان: أحدهما: مات الشفيع عن ابن وزوجة .. ورثا حق الشفعة، وفي كيفية إرثهما طرق: أصحها: على قدر الميراث. والثاني: القطع بالتسوية. والثالث: على القولين. والخلاف يلتفت إلى أن ورثة الشفيع هل يأخذون لأنفسهم أو للمورث ثم يتلقون عنه؟ فإن قلنا: يأخذون لأنفسهم .. عاد القولان، وإن قلنا: للميت .. قطعنا بالأخذ على قدر الميراث. الثاني: مات مالك الدار عن ابنين، ثم مات أحدهما وله ابنان، ثم باع أحد الابنين نصيبه فقولان: القديم: أن الأخ يختص بالشفعة؛ لأن ملكه أقرب إلى ملك أخيه. والجديد: الصحيح أن الأخ والعم يشتركان؛ لأن النظر في الشفعة إلى الملك لا إلى سببه، وعلى هذا هل يأخذان بالسوية أو على قدر الحصص؟ فيه القولان. قال: (ولو باع أحد الشريكين نصف حصته لرجل ثم باقيها لآخر .. فالشفعة في النصف الأول للشريك القديم)؛ لأنه ليس معه في حالة بيعه شريك إلا البائع، والبائع لا يتصور أن يأخذ ما باعه بالشفعة.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ عَفَا عَنِ النِّصْفِ الأَوَّلِ .. شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ .. سَقَطَ حَقُّهُ، وَيُخَيَّرُ الآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أنه إن عفا) أي: الشريك القديم (عن النصف الأول .. شاركه المشتري الأول في النصف الثاني)؛ لأن ملكه قد سبق الصفقة الثانية واستقر بعفو الشريك القديم عنه، فكان للمشتري الأول مقاسمة الشريك القديم في الشفعة كسائر الشركاء. والثاني: يختص به الشريك الأول. والثالث: يشترك فيه الأول والثاني. قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يعف الشريك القديم عن النصف الذي اشتراه الأول بل أخذه منه .. لم يشارك الأول القديم لزوال ملكه. وصورة المسألة: دار بين زيد وعمرو نصفين، باع زيد نصف حصته- وهو الربع- لبكر، ثم الربع الباقي لخالد .. فلا خلاف أن الشفعة لعمرو فيما اشتراه بكر، ولا مشاركة لخالد فيه؛ لتأخر ملكه، وأما الذي اشتراه خالد .. ففيه ثلاثة أوجه: أحدهما: أن عمراً وبكراً يشتركان فيه لاشتراكهما في الملك. والثاني يختص به عمرو لسبقه. والثالث- وهو الأصح المذكور في الكتاب-: أن عمراً يختص به إن لم يكن عفا عن الأول، وإن كان قد عفا .. شاركه بكر فيه؛ لأن بعفوه استقر ملك بكر، وإذا لم يعف وأخذ .. زال ملك بكر. قال: (والأصح: أنه لو عفا أحد شفيعين .. سقط حقه) قياساً على سائر الحقوق المالية. قال: (ويخير الآخر بين أخذ الجميع وتركه) كالمنفرد (وليس له الاقتصار على حصته)؛ لأن أخذ البعض إضرار. والثاني: يسقط حقهما جميعاً كالقصاص.

وَأَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ .. سَقَطَ كُلُّهُ. وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ .. فَلَهُ أَخْذُ الْجَميعِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ .. شَارَكَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: لا يسقط حق واحد منهما تغليباً للثبوت. والرابع: يسقط حق العافي ولصاحبه القسط فقط؛ لأنه الذي أسقط الضرر عن نفسه. هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء، فو ثبتت لواحد فمات عن ابنين فعفا أحدهما فهل هو كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها أو كثبوتها لاثنين عفا أحدهما؟ وجهان: أصحهما: الثاني. ولو كان للشقص شفيعان فمات كل عن ابنين، فعفا أحدهما عن حقه .. فقيل: يسقط الجميع. وقيل: يبقى الجميع للأربعة. وقيل: يسقط حق العافي وأخيه ويأخذ الآخران. والرابع: يسقط حق العافي إلى الثلاثة، فيأخذون الشقص أثلاثاً. والخامس: يستقر حق العافي للمشتري ويأخذ الثلاثة ثلاثة أرباع الشقص. والسادس: ينتقل حق العافي إلى أخيه فقط. قال المصنف: قلت: أصحها الرابع. قال: (وأن الواحد إذا أسقط بعض حقه .. سقط كله) كالقصاص إذا عفا المستحق عن بعضه. والثاني: لا يسقط شيء؛ لتعذر التبعيض كما لو عفا عن بعض حد القذف. والثالث: يسقط ما أسقطه ويبقى الباقي؛ لأنه حق مالي قابل للانقسام. قال: (ولو حضر أحد شفيعين .. فله أخذ الجميع في الحال، فإذا حضر الغائب .. شاركه)؛ لأن الحق لكل منهما على الكمال، فلو أراد الحاضر أن يأخذ حصته فقط، فإن لم يوافقه المشتري .. لم يكن له ذلك قطعاً؛ لضرر التفريق، وإن وافقه .. فالمتجه المنع أيضاً.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ الأَخْذِ إِلَى قُدُومِ الْغَائِبِ. وَلَوِ اشْتَرَيَا شِقْصاً .. فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا أَحَدِهِمَا. وَلَوِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنَ اثْنَيْنِ .. فَلَهُ أخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو كانوا ثلاثة فحضر واحد .. أخذ الجميع، ثم حضر آخر .. أخذ منه النصف بثمن المثل، وإذا حضر الثالث .. أخذ من كل منهما ثلث ما بيده، وله أن يأخذ من أحدهما فقط كما للشفيع أخذ نصيب أحد المشترين كما سيأتي. ولو قال الحاضر: لا آخذ إلا قدر حصتي .. بطل حقه إذا قدم الغائب؛ لأن الشفعة إذا أمكن أخذها .. فالتأخير تقصير مفوت بخلاف نظيره في القسامة. قال: (والأصح: أن له تأخير الأخذ إلى قدوم الغائب)؛ لأن له غرضاً ظاهراً في أن لا يؤخذ منه ما أخذه. والثاني: لا؛ لتمكنه من الأخذ، وصححه الماوردي. وإذا عفا الحاضر ثم مات الغائب فورثه الحاضر .. فله أخذ الشقص كله بالشفعة على الأصح، وما أخذه الحاضر من الفوائد استوفاه من المنافع لا يزاحمه فيه الغائب على الأصح. قال: (ولو اشتريا شقصاً .. فللشفيع أخذ نصيبهما ونصيب أحدهما)؛ إذ لا تفريق عليه، سواء قلنا: الصفقة متحدة أم متجددة. قال: (ولو اشترى واحد من اثنين .. فله أخذ حصته أحد البائعين في الأصح)؛ لأن الصفقة متعددة، فأشبه ما إذا باع كل واحد نصيبه من اثنين صفقة واحدة. والثاني: لا؛ لأن المشتري ملك الجميع بصفقة واحدة فلا يفرق ملكه عليه. فلو باع اثنان نصيبهما من اثنين .. فالصفقة نازلة منزلة أربعة عقود، فللمشتري أن يأخذ ما شاء، وقد تقدم قبيل (باب الخيار) أن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعاً وبتعدد المشتري على الأصح، وهنا عكس ذلك: القطع بالتعدد بتعدد المشتري والخلاف في تعدد البائع.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو وكلا وكيلاً أو وكيلين .. فقد سبق أن الاعتبار بالعاقد في الأصح. ولو باع شقصين من دارين صفقة، فإن كان الشفيع في أحدهما غير الشفيع في الآخر .. فلكل أن يأخذ ما هو شريك فيه وافقه الآخر في الأخذ أم لا، وإن كان شفيعهما واحداً .. جاز أيضاً على الأصح. قال: (والأظهر: أن الشفعة على الفور)؛ لأنه حق خيار في البيع ثبت لدفع الضرر فكان على الفور كالرد بالعيب، ولظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (الشفعة لمن واثبها) أي بادرها. والمراد بـ (الشفعة): طلبها وإن تأخر الملك، وقد قاسوا خيار الرد بالعيب في بابه على الشفعة. واستدل صاحب (المهذب) وغيره للفور بحديث: (الشفعة كحل العقال) وهو في (سنن ابن ماجه) [2500] و (مسند البزار) بإسناد ضعيف، وقال ابن حبان: لا أصل له، وقال أبو زرعة: إنه منكر، وقال البيهقي: غير ثابت. وإنما يكون حق الطلب على الفوز إذا علم بالبيع، فإن لم يعلم .. فحقه باق وإن مضت أعوام. والمراد بـ (الفور): حال اطلاعه على البيع ما لم يفارقه مجلسه، فلو رفع الأمر إلى الحاكم وترك المشتري مع حضوره بالبلد .. جاز. والقول الثاني- ونقله في (الذخائر) عن حرملة، والبندنيجي عن (سنن الطحاوي) عن خاله المزني-: أنها إلى ثلاثة أيام؛ لأنه قد يحتاج فيها إلى نظر وتأمل. قال الشافعي رضي الله عنه: (وهذا القول قلته استحساناً من غير أصل يعتمد) فيؤخذ من هذا أنه قال بالاستحسان الذي قاله أبو حنيفة.

فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْع .. فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ غَائِباً عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَائِفاً مِنْ عَدُوٍّ .. فَلْيُوَكِّلْ إِنْ قَدَرَ، وَإِلاَّ .. فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: يمهل إلى أن تمضي مدة التدبر في مثل ذلك الشقص، ويختلف باختلاف المأخوذ. والرابع: يمتد إلى التصريح بالإسقاط كحق القصاص. والخامس: على التأبيد ما لم يصرح بالإبطال أو يأتي بما يدل عليه كقوله: بعه لمن شئت أو هبه له، واختاره الشيخ؛ إذ لا دليل يدل على الفور ولا على ثلاثة أيام. وقيل: له الطلب ما لم يفارق مجلس بلوغ الخبر، حكاه في (الكفاية). وعن مالك رواية: أنه إلى سنة. وإذا قلنا بالتراخي .. فللمشتري- على الراجح- إلزامه بالعفو أو الأخذ. ويستثنى من اشتراط الفور ما تقدم في الثمن المؤجل، وانتظار الشريك، وانتظار إدراك الزرع خلافاً للإمام. وإذا توارى المشتري بالبلد أو تعزز أو غاب غيبة قريبة وامتنع من الحضور إلى الحاكم .. قضى الحاكم عليه بالشفعة كسائر أنواع القضاء على الغائب في الأموال وحقوقهم إذا اجتمعت شروط الحكم. قال: (فإذا علم الشفيع بالبيع .. فليبادر على العادة) فلا يكلف الإسراع، بل يرجع فيه إلى العرف، فما يعد تقصيراً وتوانياً في الطلب .. يسقط الشفعة، وما لا .. فلا كالرد بالعيب. قال: (فإن كان مريضاً أو غائباً من بلد المشتري أو خائفاً من عدو .. فليوكل إن قدر، وإلا .. فليشهد على الطلب) بحسب الطاقة، قال الروياني: ولا يكفي شاهد ليحلف معه، وقال في (المطلب): لا يبعد الاكتفاء به. والمراد بـ (المرض): ما يمنع السعي، وإلا .. فليس بعذر كالصداع اليسير.

فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا .. بَطَلَ حَقُّهُ فِي الأَظْهَرِ. فَلَوْ كَانَ فِي صَلاَةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ .. فَلَهُ الإِتْمَامُ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ والمحبوس ظلماً أو بدين وهو معسر وعاجز عن النفقة كالمريض، وإن حبس بحق وهو مليء .. فهو غير معذور. وهل المراد مطلق الغيبة أو البعيدة أو من دون مسافة العدوى؟ لا نقل فيه، والأشبه: أنه لا فرق. وإذا كل لا يشترط في الموكل أن يعرف قدر الثمن حين التوكيل خلافاً للعبادي. قال: (فإن ترك المقدور عليه منهما) أي: من التوكل والإشهاد (.. بطل حقه في الأظهر)؛ لأنه مقصر في الأولى ومشعر بالترك في الثانية. والثاني: لا يبطل حقه؛ لأنه قد تلحقه بذلك منة أو مؤنة. والثالث: إن احتاج إلى بذل أجرة .. لم يجب، وإن وجد متطوعاً .. وجب. وأما مسألة ترك الإشهاد .. ففيها قولان: أصحهما ما ذكره. والثاني: لا يبطل، وإنما الإشهاد لإثبات الطلب عند الحاجة، فتعبير المصنف بـ (الأظهر) صحيح في الثانية، وأما في الأولى .. فالصواب التعبير فيها بـ (الأصح). قال: (فلو كان في صلاة أو حمام أو طعام .. فله الإتمام) ولا يكلف القطع على الصحيح؛ لأن في ذلك حرجاً ومشقة، بل يجري فيه على العادة، وفيه وجه بعيد: أن عليه قطعه حتى صلاة النافلة. وعلى الصحيح: لا يلزمه تأخير الصلاة ولا الاقتصار على أقل ما يجزئ، وكذا لو بلغه الخبر ليلاً لا يلزمه الخروج فيه في وقت لا يمكنه فيه، بل يؤخر حتى يصبح. ولو تمكن من إشهاد جيرانه ليلاً ومؤاكله إذا كان على الطعام فلم يفعل .. ففي بطلان شفعته وجهان: أصحهما: لا تبطل.

وَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ: لَمْ أُصَدِّقِ الْمُخْبِرَ .. لَمْ يُعْذَرْ إِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلاَنِ، وَكَذَا ثِقَةٌ فِي الأَصَحِّ، وَيُعْذَرُ إِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لاَ يُقْبَلُ خَبَرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أخر وقال: لم أصدق المخبر .. لم يعذر إن أخبره عدلان)؛ لأن ذلك يثبت بشهادتهما فقبول خبرهما أولى، فكان من حقه أن يعتمد عليهما، وسواء كانا ذكرين أو ذكراً وأنثيين، فلو قال: جهلت عدالتهما ومثله يخفى عليه .. قال في (المطلب): لم يبعد تصديقه. ولو كانا عدلين عنده لا عند الحاكم .. قال الشيخ: ينبغي أن يعذر. قال: (وكذا ثقة في الأصح) ولو عبداً أو امرأة في الأصح؛ لأن خبر الثقة مقبول. والثاني: يعذر؛ لأن الحجة لا تقوم بالواحد. والثالث: يعذر في العبد؛ لأن شهادة لا تقبل، بخلاف المرأة أو العدل الواحد. قال: (ويعذر إن أخبره من لا يقبل خبره) كالكافر والفاسق والصبي والمغفل؛ لسقوط روايتهم قال الله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، وفي الصبي وجه بناء على قبول روايته. هذا إذا لم يبلغ المخبرون حداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، فإن بلغه .. بطل حقه وإن كانوا فساقاً، وجميع ذلك بالنسبة إلى الظاهر، أما بالنسبة إلى الباطن .. فالاعتبار بما وقع في نفسه من الصدق، سواء فيه خبر الكافر وغيره كما صرح به الماوردي وغيره.

وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ، فَبَانَ بِخَمْسِ مِئَةٍ .. بَقِيَ حَقُّهُ، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ .. بَطَلَ. وَلَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِكَ .. لَمْ تَبْطُلْ، وَفِي الدُّعَاءَ وَجْهٌ. وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلاً بِالشُّفْعَةِ .. فَالأَصَحُّ: بُطْلاَنُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أخبر بالبيع بألف فترك، فبان بخمس مئة .. بقي حقه)؛ لأنه لم يعرض زهداً، بل لكثرة الثمن فليس بمقصر، ولأنه قد لا يرغب بألف ويرغب بخمس مئة. قال: (وإن بان بأكثر .. بطل)؛ لأن من لا يرغب بألف فبما كثر أولى أن لا يرغب به، ولو قيل: باع بكذا مؤجلاً فبان حالاً .. بطل حقه قطعاً كذا قاله الشيخان، وليس كذلك بل فيها وجهان، وقضية كلام الأكثرين الجزم بخلافه؛ لأنه قد يقول: البيع إلى أجل لا يخلو عن زيادة فلم أرغب فيه. فلو بلغه البيع من زيد فبان من عمرو، أو بجنس من الثمن فبان بغيره، أو أن الشريك باع نصيبه فبان بعضه أو بالعكس فعفا .. لم يبطل حقه. قال: (ولو لقي المشتري فسلم عليه، أو قال: بارك الله في صفقتك .. لم تبطل)؛ لأن السلام قبل الكلام، ولأنه قد يدعو ليأخذ صفقة مباركة. قال: (وفي الدعاء وجه) أي: أنه يبطل به حق الشفعة؛ لأنه مشعر بتقرير الشقص في يده فلا ينتظم الطلب عقبه. ولو قال: اشتريت رخيصاً .. بطلت شفعته؛ لأنه فضول، فإن قال: بكم اشتريت .. لم تبطل في الأصح، وقال العراقيون: تبطل، ولو جمع بين السلام والدعاء .. لم تبطل أيضاً. قال: (ولو باع الشفيع حصته جاهلاً بالشفعة .. فالأصح: بطلانها) لزوال سبب الشفعة. والثاني: هو على شفعته؛ لأنه كان شريكاً يوم البيع ولم يرض بسقوط حقه، أما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا باعها عالماً بالشفعة .. فإن شفعته تسقط بلا إشكال، ولو باع بعضها عالماً .. فثلاثة أقوال: أظهرها: البطلان مطلقاً. والثاني: لا مطلقاً. والثالث- وهو الأصح في زوائد (الروضة) -: التفصيل بين العلم والجهل. والهبة في جميع ما ذكرناه كالبيع. تتمة: لا يجوز للشفيع المصالحة على حق الشفعة على مال على الأصح، ثم إن كان عالماً بذلك .. بطلت شفعته، وإن اعتقد صحته .. ففي بطلانها وجهان: أولاهما عند الغزالي: لا تبطل. ولو عرض الشفيع حصته للبيع .. لم تبطل شفعته في الأصح. ولو أخر الطلب وقال: لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو كونها على الفور .. فهو كما سبق في الرد بالعيب لا تقبل دعواه الجهل بأصل الخيار إلا أن يقرب عهده بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، وأنه لو قال: لم أعلم الفور .. قبل قوله؛ لأنه مما يخفى على العوام، هذا إذا كان يخفى عليه مثل ذلك. * * * خاتمة الحيلة في إبطال شفعة المشاع بعد وجوبها حرام، وأما قبله .. ففيه ثلاثة أوجه: أصحها عند المصنف: الكراهة، وإليه ذهب محمد بن الحسن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يكره، وإليه ذهب أبو يوسف، واختاره القزويني في (كتاب الحيل) وأبو بكر الصيرفي. والثالث: إن كان التحيل مانعاً من الأخذ بالكلية .. لم يجز، وإن لم يكن مانعاً منه بالكلية كزيادة الثمن ونحوه .. جاز، كذا ذكره الزبيلي في (أدب القضاء)، وأما ما نقله ابن الرفعة عنه من التحريم مطلقاً .. فوهم. نعم؛ ذهب الغزالي في (الوجيز) إلى التحريم كنظيره من الزكاة، أما شفعة الجوار .. فلا تكره الحيلة في إسقاطها قطعاً. وللحيلة في إسقاط حق الشفعة صور: منها: أن يبيع بأضعاف الثمن ثم يحط عن المشتري ما زاد، أو يعتاض عن ذلك قدر الثمن الذي تراضياً عليه، أو يبرئه البائع من القدر الزائد عليه غير أن فيه غرراً بعدم وفاء البائع. ومنها: أن يشتري البائع من المشتري أولاً عرضاً يساوي ثم الشقص بأضعاف ذلك الثمن، ويعوضه الشقص عن الثمن الذي في ذمته وفيه غرر أيضاً. ومنها: أن يبيع بعض الشقص بثمن الجميع ويهب منه الباقي وفيه غرر أيضاً. ومنها: أن يبيع بعض الشقص بثمن الجميع ويهب منه الباقي وفيه غرر أيضاً. ومنها: أن يشتريه بثمن مجهول المقدار ويقبضه البائع وينفقه، أو يخلطه بماله فتندفع الشفعة خلافاً لابن سريج. ومنها- وهي أحسنها-: أن يشتري منه البناء خاصة، ثم يتهب منه نصيبه من العرصة. قال ابن الرفعة: وعندي صورة أخرى وهي: أن يستأجر شخص الشقص مدة لا يبقى الشقص أكثر منها بأجرة يسيرة، ثم يشتري الشقص بقيمة مثله، فإن عقد الإجارة لا ينفسخ بالشراء على الأصح، ولو أخذه الشفيع لأخذه مسلوب المنفعة مدة بقائه وذلك مما ينفره. * * *

كتاب القراض

كِتَابُ الْقِرَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب القراض هو لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق، واشتقاق القراض: من القرض وهو: القطع؛ لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها وقطعة من ربحه، وقيل: مشتق من المساواة، يقال: تقارض الشاعران إذا تساويا فيما أنشداه. واشتقاق المضاربة من الضرب في الأرض وهو: قطعها بالسفر؛ لأن أهل مكة كانوا يدفعون أموالهم للعمل يسافرون بها ابتغاء الربح، ثم لزمه هذا الاسم وإن لم يسافر العامل. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}. واشتهر في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم اتجر لخديجة في أموالها إلى الشام وأرسلت معه عبدها ميسرة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان العباس إذا دفع ماله مضاربة .. اشترط على عامله أن لا يسلك به بحراً، ولا ينزل به وادياً، ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل .. فهو ضامن، فرفع شرطة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه) رواه الدارقطني [3/ 78] لكن بإسناد ضعيف، وابن عدي [3/ 189]، وفي إسناده أبو الجارود الكوفي واسمه: زياد بن المنذر، قال ابن ميعن: كان كذاباً عدواً لله ليس يسوى فلساً، روى له الترمذي [2449] حديث (من أطعم مؤمناً على جوع ..) وإليه تنسب الطائفة الجارودية يقولون: إن علياً أفضل الصحابة، وإن الإمامة مقصورة على ولد فاطمة. وروى مالك [2/ 687] عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه لما انصرف هو وأخوه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الله إلى غزوة نهاوند .. اجتازا بالعراق وعليها أبو موسى الأشعري فقال لهما: (إني أريد أن أصلكما بشيء، وليس عندي ما أصلكما به سوى مئة ألف من مال بيت المال، فاتجرا فيها، ثم سلما المال إلى أمير المؤمنين بالمدينة، والربح لكما) فأخذا المال واشتريا به من متاع العراق، فربحا بالمدينة ربحا كثيراً، ثم أخبرا عمر بذلك فقال: (أو أعطى كل رجل من المسلمين مثل ما أعطاكما؟ فقال: لا، فقال: إنما أعطاكما لمكانكما مني، فأديا المال والربح إلى بيت المال، فسكت عبد الله ولم يراجع أباه بشيء، وقال عبيد الله: أرأيت لو تلف هذا المال أما كان من ضماننا؟ قال: نعم، قال: فالربح لنا إذن، فأعاد عمر كلامه فراجعه عبيد الله فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً ففعل فأخذ منهما المال ونصف ربحه). فإن قيل: كان المال قرضاً فكيف جعله قراضاً؟ .. فالجواب: أنه استطاب قلوبهما في نصف الربح، وللإمام ذلك إذا رآه مصلحة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن. وحمله على ذلك ما فهمه من قصد أمير العراق إرفاقهما لكونهما ابني أمير المؤمنين، وقصد رعاية مصلحة بيت المال، وعليه نزل ابن سريج مشاطرة عمر لعماله؛ لأنهم كانوا يتجرون على جاه العمل بأموالهم، فنزل الجاه منزلة العامل وأخذ حصته لبيت المال. والأصح: أن القراض مقيس على المساقاة؛ لأنها إنما جوزت للحاجة وهي موجودة في القراض. وقيل: المساقاة مقيسة عليه، ولأجل قياس القراض على المساقاة كان تقديمها أولى على خلاف ترتيب المصنف وغيره. وفي (سنن ابن ماجه) [2289]: عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالاً لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ: كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةٍ، فَلاَ يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحُلِيٍّ وَمغْشُوشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثلاثة فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وخلط الشعير بالبر للبيت) لكنه ضعيف. واختلف في حقيقة هذا العقد فقيل: أوله وكالة وآخره شركة. وقيل: أوله وكالة وآخره جعالة. فالأول على القول بأنه يملك الربح بالظهور، والثاني على أنه إنما يملك بالقسمة وقد جمع المصنف بين لفظي الباب فقال: (القراض والمضاربة: أن يدفع إليه مالاً ليتجر فيه والربح مشترك) هذا حده الشرعي. واحترز بـ (الاشتراك في الربح) عن الوكيل والعبد المأذون. وخرج بلفظ (الدفع) ما إذا قارضه على دين .. فإنه لا يصح، سواء كان على العامل أم على غيره. قال الشيخ: وقوله: (أن يدفع) قد يشاحح فيه، فإن القراض: العقد المقتضي للدفع لا نفس الدفع. قال: (ويشترط لصحته: كون المال دراهم أو دنانير) أي: (خالصة)؛ لأن القراض عقد يشتمل على غرر، وإنما جاز للحاجة فاختص بما يسهل التجارة عليه ويروج غالباً وهو الأثمان، فلا يجوز في غيرهما، ويجوز أن يكون دراهم ودنانير معاً. قال: (فلا يجوز على تبر وحلي)؛ لاختلاف قيمتها كالعروض. و (التبر) بكسر التاء: الذهب والفضة قبل ضربهما، وقال الجوهري: لا يقال تبر إلا للذهب. قال: (ومغشوش) أي: وإن راج وعلم قدر غشه؛ لأنه عرض ونقد، فالنقد

وَعُرُوضٍ. وَمَعْلُوماً ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي فيه لا يجوز القراض عليه بمفرده لاختلاطه، وفي وجه: يجوز في المغشوش الذي يروج رواج الخالص كما هو الصحيح في الشركة. قال الشيخ: وأنا اختاره وأفتي به وأحكم، فإنه لا دليل على منع القراض به، وبه قال أبو حنيفة. وفي وجه ثان: أنه يجوز على المغشوش والفلوس. وثالث في زوائد (الروضة): أنه يجوز على كل مثلي. وقال محمد بن الحسن: يجوز القراض على الفلوس استحساناً. وبنى المتولي الخلاف في المغشوشة على جواز المعاملة بها، وفيها أوجه تقدمت في (الزكاة) ثالثها: إن كان الغش معلوماً .. جاز، وإلا .. امتنع. والرابع: تصح المعاملة بها في العين دون الذمة كالحنطة المختلطة بالشعير. قال: (وعروض)؛ لأن منها ما لا مثل له فلا يمكن رده، والذي له مثل قد تكون قيمته حال العقد أقل من قيمته حال الرد وذلك يؤدي إلى فوز المالك بجميع الربح، وأما العامل .. فبجزء من رأس المال. وخرج باشتراط النقدية: المنافع، كسكنى الدار؛ فإنه لا يجوز القراض عليها؛ لأنه إذا لم يجز على العرض المعين الموجود .. فعلى المنافع المعدومة أولى. قال: (ومعلوماً) أي: قدراً وصفة، فلو قارضه على صبرة أو كف من الدراهم أو نقد في كيس مجهول القدر .. لم يصح؛ للجهل بالربح، بخلاف رأس مال السلم، فإنه يجوز أن يكون القدر مجهولاً على الأظهر كما تقدم؛ لأنه لم يوضع ليفسخ بخلاف القراض. ولو دفع إليه ثوباً وقال: بعه وإذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه .. لم يجز؛ للجهالة ولما فيه من تعليق القراض، وكلاهما مبطل له.

مُعَيَّناً، وَقِيلَ: يَجُوزُ عَلَى إِحدَى الصُّرَّتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (معيناً) فلا يجوز على الصبرة المجهولة وإن جاز أن يكون ثمناً قطعاً، فلو قارض على دراهم غير معينة ثم عينها في المجلس .. قطع القاضي والإمام بالجواز كما في الصرف ورأس مال السلم، ورجحه في (الشرح الصغير)، وقطع البغوي بمنعه. قال: (وقيل: يجوز على إحدى الصرتين) أي: المعينتين لتساويهما، فعلى هذا: يتصرف العامل في أيهما شاء، فيتعين للقراض. وضبط المصنف بخطه (الصرتين) بتشديد الراء عقب الصاد المهملة. وهل تشترط الرؤية إن شرطناها في البيع أو لا؟ قال الشيخ: فيه نظر، والأقرب الثاني؛ لأنه توكيل ولعل عدول (المحرر) و (المنهاج) عن التعبير بأحد الألفين إلى إحدى الصرتين لهذه الفائدة، ولكن صورها الرافعي وصاحب (المهذب) بما إذا دفعهما إليه، فإن كان شرطاً .. فليقيد به إطلاق الكتاب، لكن أطلق الماوردي أنه لا يجوز القراض على مال غائب. فروع: يصح أن يقارضه على المال المودع عند غيره إذا كان قد رآه، وأن يقارض الغاصب على المغصوب على الأصح. وقال المتولي لو كان بينه وبين غيره دراهم شركة فقال لشريكه: قارضتك على

وَمُسَلَّماً إِلَى الْعَامِلِ، فَلاَ يَجُوزُ شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلاَ عَمَلِهِ مَعَهُ، وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلاَمِ الْمَالِكِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نصيبي منها .. صح؛ لأن الإشاعة لا تمنع صحة التصرف. وعلى هذا لو خلط ألفين بألف لغيره ثم قال: قارضتك على أحدهما وشاركتك عل الآخر فقبل .. جاز وانفرد العامل بالتصرف في ألف القراض، ويشتركان في التصرف في باقي المال، ولا يخرج على الخلاف في جمع الصفقة الواحدة عقدين مختلفين؛ لأنهما يرجعان إلى التوكيل في التصرف. قال: (ومسلماً إلى العامل) فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك؛ لأن مقصود القراض التوسع، وعدم التسليم ينافيه؛ لأنه قد لا يجده وقت الحاجة. وليس المراد اشتراط تسلمه حال العقد أو في المجلس، بل أن لا يشترط عدم تسليمه كما يشير إليه قوله: (فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك) وكذلك لا يجوز أن يشترط عليه المراجعة في التصرف مطلقاً. ولو شرط كون المال في يد وكيل رب المال، أو أن يكون عليه مشرفاً يطلع على تصرفه ولا يرجعه .. لم يصح أيضاً على الصحيح. قال: (ولا عمله معه)؛ لأن موضوع القراض أن يكون المال من رب المال والعمل من العامل، وليس هذا مما احترز عنه بقوله: (مسلماً إلى العامل)، بل هو شرط آخر وهو: استقلال العامل بالتصرف، وقال أبو يحيى البلخي: يجوز على طريق المعاونة والتبعية، فلو شرط عليه أن يعطيه دابته يحمل عليها .. فالمذهب جوازه. قال: (ويجوز شرط عمل غلام المالك معه على الصحيح)؛ لأنه ملك للسيد فجاز أن يجعل تبعاً لماله، وخالف عمل المالك؛ إذ لا وجه لجعله تبعاً. والثاني: لا يجوز؛ لأن عمله كعمل سيده وهو القياس، وموضع هذا الخلاف إذا لم يصرح بالحجر على العامل، فإن صرح فقال: على أن يعمل معك غلامي ولا تتصرف دونه، أو يكون بعض المال في يده .. فسد جزماً.

وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَاب وَطَيِّهَا، فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنَ وَيَخْبِزَ، أَوْ غَزْلاً يَنْسُجُهُ وَيَبِيعُهُ .. فَسَدَ الْقِرَاضُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (غلام المالك) عبده المعلوم بالمشاهدة أو الوصف، فإن لم يكن معلوماً .. فسد العقد، وإنما عبر بالغلام لكراهة إطلاق لفظ العبد على المملوك، والظاهر أن الموصى له بمنفعته والمستأجر كذلك، ولو لم يشترط الغلام معه ولكن شرط له جزاء من الربح .. صح، وهو للمالك، نص عليه. تنبيه: سكوته عن بيان ذكر نوع ما يتجر فيه مشعر بأنه لا يعتبر، ويحمل الإطلاق على العرف، وهو المصحح في (الروضة)، لكن جزم الجرجاني باشتراطه. ولو قيل: إن اطرد العرف ببلد العقد بشيء نزل الإطلاق عليه وإلا وجب التعيين .. لكان متجهاً. قال: (ووظيفة العامل التجارة وتوابعها كنشر الثياب وطيها) وهي الاسترباح بالبيع والشراء، لا الحرفة كالطحن والخبز. و (الوظيفة) بالظاء المشالة، والجمع: وظائف، وهي: ما يتقدر على الإنسان في كل يوم ونحوه. واحترز بقيد (التجارة) عن المسألة الآتية وهي: الطحن والخبز ونحوهما فإن العامل فيها يسمى محترفاً. قال: (فلو قارضه ليشتري حنطة فيطحن ويخبز، أو غزلاً فينسجه ويبيعه .. فسد القراض)، وكذلك لو اشترط عليه أن يشتري الثوب ويقصره أو يصبغه أو يخيطه ويبيعه؛ لأنها أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها، فلا ضرورة إلى ارتكاب جهالة مستغنى عنها.

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الرفعة: فلو شرط أن يستأجر من يفعل ذلك من مال القراض وحظ العامل التصرف فقط .. فتظهر الصحة، فلو قارضه على نقد بمصر لينقله إلى الشام مثلاً ويشتري به هناك بضائع ويبيعها أو ينقلها إلى مصر ويبيعها بها .. ففي صحة العقد وجهان: ذهب الأكثرون إلى الفساد؛ لأن النقل عمل مقصود وقد شرطه مع التجارة. وعلى هذا إذا سافر وتصرف .. صح ويستحق أجرة المثل دون المشروط، وعليه حمل بعض الأصحاب معاملة أبي موسى لولدي أمير المؤمنين عمر كما تقدم. والثاني: يصح، وبه قال طائفة من المحققين، وقيده الإمام بالأموال الكثيرة والتجارات الثقيلة. قال: (ولا يجوز أن يشرط عليه شراء متاع معين أو نوع يندر وجوده، أو معاملة شخص)؛ لأنه تضييق يخل بمقصود القراض. ولو شرط شراء نوع لا يندر لكنه لا يدوم كالثمار الرطبة .. فالأصح الجواز، فلو قال: إذا انقطع فتصرف في غيره .. صح قطعاً. ولو قال قبل إدراك البطيخ مثلاً: قارضتك على أنك تتصرف فيه إذا أدرك .. ففي صحته وجهان في (تعليق القاضي حسين). ولو شرط التصرف في سوق معين .. صح، أو حانوت .. فلا؛ للتضييق، قاله الماوردي. والإذن في البز تناول ما يلبس من منسوج من الإبريسم والقطن والكتاب والصوف

وَلاَ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَةُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهَا .. فَسَدَ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الشِّرَاءِ بَعْدَهَا .. فَلا فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ دون البسط والفرش، وفي الأكسية وجهان؛ لأنها ملبوسة، لكن لا يسمى بائعها بزازاً، والأصح في زوائد (الروضة): عدم التناول. قال: (ولا يشترط بيان مدة القراض) بخلاف المساقاة؛ لأن مقصود القراض الربح وليس له أمد ينتظر بخلاف الثمرة، ولأنهما قادران على فسخ القراض متى أراد بخلاف المساقاة. قال: (فلو ذكر مدة ومنعه التصرف بعدها .. فسد)؛ لأنه يخل بمقصود العقد فإنه قد لا يجد راغباً في المدة فلا تحصل التجارة والربح، ومع ذلك هو مخالف لمقتضى العقد أيضاً فإن مقتضاه بعد الفسخ تنضيض رأس المال، ومنعه من التصرف بعد المدة يمنع من ذلك. قال: (وإن منعه من الشراء بعدها .. فلا في الأصح)؛ لأن المالك متمكن من منعه من الشراء في كل وقت، فجاز أن يتعرض له في العقد بخلاف المنع من البيع. والثاني: يفسد؛ لأن ما كان وضعه على الإطلاق كان التأقيت منافياً له كالبيع والنكاح. وصورة المسألة- كما قال الإمام-: أن تكون المدة يتأتى فيها الشراء لغرض الربح بخلاف ساعة ونحوها، فلو قال: قارضتك سنة ولم يزد .. فالأصح المنصوص: البطلان. فرع: لا يجوز تعليق القراض بأن يقول: إذا جاء رأس الشهر .. فقد قارضتك؛ قياساً على غيره من العقود، فلو نجزه وعلق التصرف كقوله: قارضتك الآن ولكن لا تتصرف إلا بعد شهر .. فالأصح: البطلان. وقيل: يصح كالوكالة، والفرق ظاهر.

وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَكَ .. فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ: قَرْضٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ قَالَ: كُلُّهُ لِي .. فَقِرَاضٌ فَاسدٌ، وَقِيلَ: إِبْضَاعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط اختصاصهما بالربح) فلو قال: قارضتك على أن يكون ثلث الربح لك والثلث لي والثلث لولدي أو لأجنبي مثلاً .. فسد الشرط والعقد إلا أن يشترط على من جعل له شيئاً من الربح العمل مع العامل فيكون قراضاً مع اثنين، فلو كان المشروط له عبداً لأحدهما .. صح. ولو قال: نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي .. صح، وذلك منه لزوجته وعد هبة. ولو أطلق قوله: قارضتك ولم يتعرض للربح .. فالمشهور في (المطلب) و (الكفاية) فساده. وعن ابن سريج: يصح ويحمل على المناصفة، وعلى الأول في استحقاق أجرة المثل وجهان. قال: (واشتراكهما فيه)؛ لأن ذلك موضوع القراض. قال: (فلو قال: على أن كل الربح لك .. فقراض فاسد)؛ اعتباراً باللفظ. قال: (وقيل: قرض صحيح) اعتباراً بالمعنى. قال: (وإن قال: كله لي .. فقراض فاسد، وقيل: إبضاع) أي: بضاعة جميع ربحها للمالك والعامل وكيل متبرع. ومثار التردد أن الاعتبار بصيغ العقود أم بمعانيها، فإذا قيل: قراض فاسد فيهما .. استحق أجرة المثل في الأولى لا الثانية في الأصح، ولو قال: تصرف والربح كله لي .. فإبضاع بلا خلاف.

وَكَوْنُهُ مَعْلُوماً بِالْجُزْئِيَّةِ، فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لَكَ فِيهِ شَرِكَةٍ أَوْ نَصِيباً .. فَسَدَ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الإبضاع): بعث المال مع من يتجر فيه متبرعاً، و (البضاعة): المال المبعوث. قال: (وكونه معلوماً بالجزئية) كالنصف والربع والثلث، ولا يضر جهلهما بمقدار ذلك الجزء حالة العقد على الأصح. قال: (فلو قال: على أن لك فيه شركة أو نصيباً .. فسد)؛ لجهالة العوض، وكذا لو قال: مثل ما شرطه فلان لفلان وكانا أو أحدهما جاهلين به. ولو قال: على أن لك سدس تسع عشر الربح، فإن كان حاسباً يفهم معناه في الحال .. صح، وإلا .. فوجهان: أحدهما: يفسد للجهل. والأصح: الصحة؛ لأنه معلوم من الصيغة وهو جزء من منتهى الضرب. وطريقه: أن يضرب تسعة في عشرة تبلغ تسعين، ثم يضرب التسعين في ستة تبلغ خمس مئة وأربعين، فعشرها أربعة وخمسون، وتسع أربعة وخمسين ستة، وسدسها واحد، فيكون للعامل درهم واحد وهو جزء من خمس مئة وأربعين جزءاً قال الماوردي: إلا أنا نحب لهما أن يعدلا عن هذه العبارة الغامضة إلى ما يعرف بالبديهة من أول وهلة؛ لأن هذه العبارة قد ترجع إلى الإغماض كما قال أبو نواس في وصف محبوبته جنان [من الهز]: لها الثلثان من قلبي ... وثلثا ثلثه الباقي وثلثا ثلث ما يبقى ... وثلث الثلث للساقي وتبقى أسهم ست ... تقسم بين عشاقي فانظر إلى هذا الشاعر وبلاغته وحسن عبارته كيف أغض كلامه وقسم قلبه وجعله مجزءاً على أحد وثمانين جزءاً هي مخرج تسعة في تسعة، فجعل لمن خاطبه أربعة وسبعين جزءاً من ذلك، وعل للساقي جزءاً، وتبقى ستة أجزاء يقسمها على من يحب.

أَوْ بَيْنَنَا .. فَالأَصَحُّ: الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِيَ النِّصْفُ .. فَسَدَ فِي الأَصَحِّ، فَلَو قَالَ: لَكَ النِّصْفُ .. صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ .. فَسَدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بيننا .. فالأصح: الصحة، ويكون نصفين) كما لو قال: هذه الدار بين زيد وعمرو. والثاني: لا يصح كما لو قال: بعتك بألف ذهباً وفضة. قال: (ولو قال: لي النصف .. فسد في الأصح)؛ لأنه لم يشترط شيئاً للعامل. والثاني: يصح ويكون النصف الآخر للعامل؛ لأنه السابق إلى الفهم حملاً على موجب القراض من اشتراكهما في الربح، فبيان نصيب أحدهما يظهر الآخر كقوله تعالى: {وورثه أبواه فلأمه الثلث} فإن فيه دلالة على أن الباقي للأب. ولو قال: لي النصف ولك الثلث .. فوجهان: أحدهما: يفسد للجهل بحكم السدس. والثاني: يصح، ويكون المسكوت عنه للمالك مضموماً إلى النصف. وفي هذه المواضع كلها إذا كان بلفظ (قارضتك) وفسد فللعامل أجرة المثل إذا قال: تصرف. قال: (فلو قال: لك النصف .. صح على الصحيح)؛ لأنه بين نصيب العامل، وما بقي للمالك بحكم الأصل. والثاني: لا يصح؛ لأنه لم يبين ما له من المال، ولو قال: لك ربح نصف المال .. لم يصح، وقيل: يصح كقوله: لك نصف ربحه. قال: (ولو شرط لأحدهما عشرة) أي: بفتح العين والشين (أو ربح صنف .. فسد)؛ لأنه قد لا يربح غير العشرة، أو لا يربح غير ذلك الصنف، ولو قال: ربح أحد الألفين لك وربح الآخر لي وهما مميزان .. فسد، وكذا إن لم يتميز في الأصح.

فصل

فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ إِيجَابٌ وَقَبُولٌ- وَقِيلَ: يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال: قارضتك ولم يزد عليه .. قال ابن سريج: يصح: ويحمل على أن الربح بينهما نصفين، وقال القاضي والإمام المتولي: لا يصح كما لو قال: بعتك هذا، فقال: اشتريت ولم يذكرا ثمناً. ولو قال: قارضتك على أنك إن اتجرت في البز فلك نصف الربح وإن اتجرت في الخيل فلك ثلثه .. لم يصح، وكذا لو جعل له ربح الربح إن اتجر في البلد ونصفه إن سافر. ولو قال: خذ هذه الدراهم وابتع بها على أن ما رزقه الله تعالى من ربح يكون بيننا نصفين .. لم يصح، وإن قال: خذها واعمل فيها .. صح لاقتضاء العمل البيع بخلاف الابتياع، قاله الروياني. قال: (فصل: يشترط إيجاب وقبول)؛ لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع وغيره، ويشترط فيه الاتصال المعتبر في البيع، ومراده بـ (الشرط) ما لابد منه. ولفظ الإيجاب المتفق عليه: قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن تشتري وتبيع ويكون الربح بيننا نصفين، وكذا إن لم يتعرض للشراء والبيع على الصحيح؛ لأن لفظ القراض يغني عنه، ويكفي قول الوارث: قررتك أو تركتك في الأصح. قال: (وقيل: يكفي القبول بالفعل) كما في الوكالة والجعالة، ومحل هذا الوجه إذا كانت صيغة الإيجاب: خذ هذه الدراهم واتجر فيها أو نحو ذلك، أما لفظ: قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك .. فلابد من القبول فيه باللفظ جزماً؛ لأن هذه الألفاظ تقتضي المفاعلة.

وَشَرْطُهُمَا كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ. وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ .. لَمْ يَجُزْ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر كلام القاضي أنه لا يحتاج إلى القبول فيما عقد بلفظ المضاربة ويكفي التصرف، وهو نظير وجه في الوكالة. قال: (وشرطهما كوكيل وموكل)؛ لأن القراض توكيل وتوكيل، فاعتبر فيهما ما اعتبر ثم، فلا يجوز من صبي ولا سفيه. وأما المحجور عليه بالفلس .. فلا يصح أن يقارض، ويصح أن يكون عاملاً على الصحيح. ويجوز للإنسان أن يقارض على مال من هو في ولايته من صبي وسفيه ومجنون، سواء كان الولي أباً أو جداً أو وصياً أو حاكماً أو أمينه. قال المتولي: ويستحب له أن يستقصي فيما يشترط من الربح للعامل حتى لا يستفيد أكثر من أجرة المثل، إلا أنه لو شرط أكثر من ذلك .. صح. ولا يصح أن يقارض العبد المأذون بغير إذن سيده ولا يقارض. فرع: قارض المريض في مرض الموت وشرط للعامل أكثر مما جرت به العادة .. صح، فإذا تصرف وربح .. سلم له ما شرطه وإن زاد على أجرة مثله، ولا يحسب من الثلث، كما تزوج المريضة نفسها بدون مهر المثل، ويؤجر المريض نفسه بدون أجرة المثل، ولا يحسب الناقص من الثلث على المذهب فيهما إلا إذا كان الزوج وارثاً، بخلاف ما إذا ساقى في مرض موته وجعل للعامل من الثمرة أكثر من أجرة مثله .. فإن الزيادة تحسب من الثلث على الأصح. قال: (ولو قارض العامل آخر بإذن المالك ليشاركه في العمل والربح .. لم يجز في الأصح)؛ لأن القراض على خلاف القياس فلا يعدل به عن موضوعه وهو: أن

وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ فَاسِدٌ، فَإِنْ تَصَرَّفَ الثَّانِي .. فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ، فَإِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون أحد العاقدين مالكاً لا عمل له والآخر عاملاً لا ملك له. والثاني: يجوز كما يجوز للمالك أن يقارض شخصين ابتداء، وقواه الشيخ. وعلى هذا: إنما يشتركان في الربح إذا وجد العمل منهما، فلو عمل أحدهما فقط .. لم يستحق الآخر شيئاً بالكلية. واحترز بقوله: (ليشاركه في العمل) عما إذا أذن له في ذلك على أن ينسلخ هو من القراض ويكون وكيلاً فيه عن المالك .. فإنه يصح جزماً كما لو قارضه المالك بنفسه، قال في (المطلب): ومحله إذا كان المال مما يجوز عليه القراض، فلو اتفق ذلك بعد تصرفه وصيرورته عرضاً .. لم يجز؛ لأنه ابتداء قراض على العروض. قال: (وبغير إذنه فاسد)؛ لأن المالك لم يأذن فيه، سواء قصد المشاركة في العمل والربح أم في الربح دون العمل أم قصد الانسلاخ. وشبهه الإمام- إذا قصد الانسلاخ بغير إذن- بما إذا أراد الوصي أن ينزل منزلته في حياته وصياً يقيمه مقام نفسه في جميع ما هو منوط به، وذلك ممنوع. قال الشيخ: ومثله ناظر الوقف المشروط له النظر، ليس له أن يقيم غيره مقامه وإخراج نفسه منه، قال: وقد وقعت هذه المسألة في الفتاوى ولم أتردد في أن ذلك ممنوع، وسيتأتي المسألة في (باب الوقف) مبسوطة. قال: (فإن تصرف الثاني .. فتصرف غاصب)؛ لأن الإذن صدر من غير مالك ولا وكيل. قال: (فإن اشترى في الذمة) أي: وسلم ما أخذه من الأول ثمناً وربحاً. قال: (وقلنا بالحديد) وهو أن الربح كله للغاصب لصحة الشراء في الذمة، ولم يتقدم للجديد ذكر حتى يفرع عليه.

فَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ الأَوَّلِ فِي الأَصَحِّ، وَعَلَيْهِ للِثَّانِي أُجْرَتُهُ- وَقِيلَ: هُوَ لِلثَّانِي- فَإِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ .. فَبَاطِلٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ مُتَفَاضِلاً وَمُتَسَاوِياً، وَالاِثْنَانِ وَاحِداً ـــــــــــــــــــــــــــــ والقديم: أن الربح للمالك؛ إذ لو جعلناه للغاصب لاتخذه الناس ذريعة إلى الغصب. قال: (.. فالربح للعامل الأول في الأصح)؛ لأنه تصرف بإذنه كالوكيل، سواء علم بالحال أم لا. قال: (وعليه للثاني أجرته)؛ لأنه لم يتبرع، وهذه زيادة على (المحرر). قال: (وقيل: هو الثاني)؛ لأنه المتصرف كالغاصب، وهو قوي عند علمه بالحال، واختاره الشيخ. قال: (فإن اشترى بعين مال القراض .. فباطل)؛ لأنه فضولي، وفيه القول القديم القائل بوقف العقود. هذا كله إذا تصرف الثاني وربح، أما لو هلك المال في يده، فإن كان عالماً بالحال .. فغاصب، وإن ظن العامل مالكاً .. فهو كالمستودع من الغاصب؛ لأن يده يد أمانه. وقيل: كالمتهب منه، لعود النفع إليه، فعلى الأول قرار الضمان على الأول، وعلى الثاني على الثاني. قال: (ويجوز أن يقارض الواحد اثنين متفاضلاً ومتساوياً)؛ لأن ذلك كعقدين، وليس كشركة الأبدان. وشرط المسألة: أن يجعل لكل منهما الاستقلال، فإن شرط على كل مراجعة الآخر .. لم يجز، قاله الإمام. قال الرافعي: وما أظن الأصحاب يساعدونه عليه، والمشهور في (المطلب) إطلاق الجواز كما قاله الرافعي، لكن لابد من تعيين مستحق الأكثر والأقل. قال: (والاثنان واحداً)؛ لأن كلا منهما قارض على نصيبه مشاعاً.

وَالرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَالِ. وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ .. نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ، وَالرِّبْحُ لَلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إِلاَّ إِذَا قَالَ: قَارَضْتُكَ وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي .. فَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الأَصَحِّ. وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ: مُحْتَاطاً .. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والربح بعد نصيب العامل بنيهما بحسب المال) فلو شرطا خلافه .. فسد، وكذا لو شرطا كون الباقي بين المالكين على غير ما تقتضيه نسبة المالين .. فهو فاسد أيضاً، أما إذا جعل أحدهما له من نصيبه الثلث والآخر الربع .. جاز. قال: (وإذا فسد القراض .. نفذ تصرف العامل)؛ لأن الفساد في القراض لا في الإذن. قال: (والربح للمالك)؛ لأنه نماء ملكه. قال: (وعليه للعامل أجرة مثل عمله) سواء حصل في المال ربح أم لا؛ لأنه عمل طامعاً في المسمى، فإذا لم يحصل له .. وجب أن يرد عليه أجرة مثل عمله، وقيل: إن لم يكن ربح .. فلا شيء له، وزيفة الإمام. قال: (إلا إذا قال: قارضتك وجميع الربح لي .. فلا شيء له في الأصح)؛ لأنه عمل مجاناً. والثاني: يستحق الأجرة كالمهر في النكاح الفاسد، وفي (الكفاية) و (المطلب): أن هذا الوجه هو الصحيح، والخلاف مفرع على الأصح وهو: أنه قراض فاسد، فإن قلنا: إبضاع .. لم يكن له شيء قطعاً. فإن قيل: لو ساقاه شريكه على أن يكون له جميع الثمار فالأصح: استحقاق الأجرة .. فالجواب: إنما كان كذلك؛ لأن جميع العمل يصرف إليه. قال: (ويتصرف العامل محتاطاً)؛ لأنه وكيل، والمراد: أنه يتصرف به في المصلحة كما عبر به في (الروضة).

لاَ بِغَبْنٍ وَلاَ نَسِيئَةٍ بِلاَ إِذْنٍ. وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ. وَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (محتاطاً) أحسن من قول (المحرر): (بالغبطة)؛ لأنه يفهم أنه لا ينعقد تصرفه إذا خلا عنها وعن المفسدة، كما إذا اشترى الشيء بقيمة مثله وليس كذلك. نعم؛ قال الماوردي: ليس له أن يشتري شيئاً بثمن مثله وهو لا يرجو فيه ربحاً. قال: (لا بغبن) أي: فاحش لا يحتمل كالوكيل. قال: (ولا نسيئة بلا إذن)؛ لما فيه من الغرر، وهل يجب التعرض للمدة أو لا؟ قال ابن الرفعة: يأتي فيه من ذكر في (الوكالة). فإن باع نسيئة .. وجب عليه الإشهاد، ويكون بتركه ضامناً، ولا حاجة إليه في البيع حالاً؛ لأنه يحبس المبيع إلى استيفاء الثمن، فإن سلمه قبل الاستيفاء .. ضمن. أما الشراء بالنسيئة .. فسكت عنه الشيخان، وصرح الماوردي بجوازه وقال: لو شرط عليه البيع بالمؤجل دون الحال .. فسد، قال: ولا يجوز عند الإذن في النسيئة أن يبيع ويشتري سلماً؛ لأن عقد السلم أكثر غرراً. قال: (وله البيع بعرض)؛ لأن المقصود منه الاسترباح والبيع بالعرض طريق منه، بخلاف الوكيل. وهو مشكل بالمنع في الشريك، وقياس جواز البيع بالعرض جوازه بغير نقد البلد، والذي جزم به البندنيجي وابن الصباغ وسليم والروياني بالمنع، وسكت الشيخان أيضاً عن الشراء بالعرض، والظاهر أنه أولى بالجواز. قال: (وله الرد بعيب تقتضيه مصلحة)؛ لتعلق حقه به بخلاف الوكيل، ومحله إذا ظن السلامة فبان معيباً، وله شراؤه مع علمه بعيبه إن رآه مربحاً.

فَإِنِ اقْتَضَتِ الإِمْسَاكَ .. فَلاَ فِي الأَصَحِّ، وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ، فَإِنِ اخْتَلَفَا .. عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ. وَلاَ يُعَامِلُ الْمَالِكَ. وَلاَ يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَاسِ الْمَالِ، وَلاَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن اقتضت الإمساك .. فلا في الأصح)؛ لإخلاله بمقصود العقد. والثاني: له الرد قياساً على الوكيل، وهذا ظاهر نصه في (المختصر)، وقال الإمام: إنه متجه، فإن حطه عن رتبة الوكيل .. لا وجه له. قال: (وللمالك الرد) أي: حيث جوزنا للعامل، بل هو أولى بجواز ذلك. قال: (فإن اختلفا .. عمل بالمصلحة) سواء طلب المالك دون العامل الإمساك أو بالعكس؛ لأن كلاً منهما له حق، فإن استوى الحال في الرد والإمساك .. ففي (المطلب): يرجع إلى العامل. قال: (ولا يعامل المالك) المراد: أنه لا يعامله بمال القراض دون غيره؛ لأن مال القراض ملكه فهو كالعبد المأذون، وفي المأذون وجه لا يبعد مجيئه هنا. قال: (ولا يشتري للقراض بأكثر من رأس المال)؛ لأن المالك لم يأذن فيه. فرع: ليس للعامل أن يشتري بغير جنس المال، فلو كان رأس المال ذهباً ووجد سلعة تباع بالدراهم .. لم يشترها بالدراهم، بل يصطرف الدراهم بالذهب ثم يشتريها به، قاله الماوردي وتبعه في (المطلب) و (الكفاية) و (الجواهر)، وفيه نظر. قال: (ولا من يعتق على المالك بغير إذنه)؛ لأن ذلك ينافي مقصود القراض. وشملت عبارته الأصول والفروع ومن أقر بحريته ومستولدته التي بيعت لكونها مرهونة، واحترز عما إذا أذن فيه .. فإنه يصح، ثم إن لم يكن في المال ربح .. عتق على المالك وصار الباقي هو رأس المال، وإن كان فيه ربح وقلنا: يملك العامل

وَكَذَا زَوْجُهُ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ فَعَلَ .. لَمْ يَقَعْ لِلْمَالِكِ، وَيَقَعُ لِلْعَامِلِ إنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقسمة .. عتق أيضاً، وإن قلنا: يملك بالظهور .. عتق نصيب المالك عليه ثم يسري إلى الباقي إن كان موسراً. ولو أعتق المالك عبداً من عبيد التجارة .. كان الحكم فيه كذلك، وعلم منه أن رب المال إذا كان ممن لا يعتق عليه القريب بالتملك كالمبعض والمريض الممنوع من ذلك .. فيشتري عامل القراض قريبه قطعاً. قال: (وكذا زوجه في الأصح)؛ لما فيه من إضرار رب المال بانفساخ النكاح فلم يتضمنه إذنه. والثاني: يجوز؛ لأنه قد يكون مربحاً. والزوج يقع على الذكر والأنثى قال الله تعالى: {اسكن أنت وزوجك الجنة}، وقال تعالى: {وأصلحنا له زوجه}، وهو أعلم من تعبير (المحرر) بـ (زوجته) بـ (التاء) قبل (الهاء). قال: (فإن فعل) أي: ما منعناه منه من الشراء بأكثر من رأس المال وشراء القريب والزوج (.. لم يقع للمالك، ويقع للعامل إن اشترى في الذمة) أي: إذا لم يصرح بالسفارة لما تقدم. واحترز بقوله: (في الذمة) عما إذا اشتراه بالعين .. فإنه باطل من أصله، وكذلك لو اشترى في الذمة بشرط أن يوفي الثمن من مال القراض، قال الروياني. وقال في (المطلب): كلام الأصحاب في هذه المسألة ونحوها يدل على أنه لا يجوز للعامل شراء الحيوان، ولا يظهر جوازه للولي؛ لما فيه من الغرر.

وَلاَ يُسَافِرُ بِالْمَالِ بِلاَ إِذنٍ. وَلاَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَراً، وَكَذَا سَفَرٌ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يسافر بالمال بلا إذن) وإن كان السفر قريباً والطريق آمناً ولا مؤنة فيه؛ لأن فيه غرراً وتعريضاً للهلاك، وعن البويطي قول: إنه يجوز عند أمن الطريق كمذهب أبي حنيفة ومالك. هذا إذا لم ينهه ولم يأذن، فإن نهاه .. لم يجز إجماعاً، وإن أذن .. جاز بحسب الإذن، كذا أطلقه الرافعي. وقال المصنف: لا يجوز في البحر، أي: الملح إلا أن ينص عليه، فإن أطلق الإذن .. سافر إلى المواضع المأمونة التي جرت عادة أهل تلك البلد بالسفر إليها للمتجر، ومتى خالف .. ضمن. قال القاضي والإمام: ويستمر القراض. قال: (ولا ينفق منه على نفسه حضراً)؛ لأن العرف قاض بذلك. قال: (وكذا سفر في الأظهر)؛ لأن النفقة قد تكون قدر الربح فيؤدي إلى انفراده به، وقد تكون أكثر فيؤدي إلى أن يأخذ جزءاً من رأس المال وهو ينافي مقتضاه. والثاني: ينفق ما يزيد بسبب السفر كالإداوة والكراء ونحو ذلك. وقيل: يطرد في كل ما يحتاج إليه من طعام وكسوة وإدام وغيرها، فإن قلنا: لا يستحق فشرطها .. بطل في الأصح، وإن قلنا بالاستحقاق .. ففرع الرافعي عليه فروعاً: منها: أنه يرد بعد رجوعه ما بقي من الآلات وفضل الزاد على الأصح. ومنها: أنه لو كان معه مال لنفسه .. وزعت النفقة على قدر المالين إن كان ماله قدراً يقصد بالسفر.

وَعَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُعْتَادُ؛ كَطَيِّ الثَّوْبِ وَوَزْنِ الْخَفِيفِ كَالذَّهَبِ وَالْمِسْكِ لاَ الأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ ونَحْوِهَا. ومَا لاَ يَلْزَمُهُ لَهُ الاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ لاَ بِالظُّهُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن المأخوذ محسوب من الربح، فإن لم يكن ربح .. فهو خسران لحق المال، وأما الذي يأخذه الرصدي والخفير والمأخوذ ظلماً .. فهو من مال القراض. قال: (وعليه فعل ما يعتاد؛ كطي الثوب ووزن الخفيف كالذهب والمسك)؛ لقضاء العرف بذلك كما تقدم. قال: (لا الأمتعة الثقيلة ونحوها) كنقل المتاع من الخان إلى الحانوت والنداء عليه لجريان العرف بالاستئجار له. قال: (وما لا يلزمه له الاستئجار عليه) أي: من مال القراض لأنه من تتمة التجارة ومصالحها، فلو تولاه بنفسه .. فلا أجرة له، وإن استأجر على ما يلزمه .. كانت الأجرة في ماله لا في مال القراض. قال: (والأظهر: أن العامل يملك حصته من الربح بالقسمة لا بالظهور)؛ لأنه لو ملك بالظهور .. لكان شريكاً في المال، ولو كان شريكاً .. لكان النقصان الحادث بعد ذلك محسوباً عليهما وليس كذلك، وإلى هذا ذهب مالك والمزني. والثاني- وبه قال أبو حنيفة-: أنه يملك بالظهور قياساً على المساقاة وعملاً بالشرط، فإن مدلوله اشتراكهما في الربح بمجرد حصوله، فعلى هذا القول: لا يصح تصرفه فيه؛ لأنه غير مستقر. وقد فرع المصنف على القولين في (باب زكاة التجارة) زكاة مال القراض، وعلى القول الأول: له في حق مؤكد فيورث عنه ويتقدم به على الغرماء، ويصح إعراضه عنه، ويغرمه له المالك بإتلافه المال واسترداده، وعلى القول بأن الملك بالظهور: لا يتصرف فيه؛ لعدم استقراره وللمالك فيه حق الوقاية. فإذا فسخ القراض ونض رأس المال واقتسما .. استقر وخرج عن كونه وقاية، وكذا إن لم يقتسما على المذهب، وإن فسخ وهو عرض .. فلا على المذهب.

وَثِمَارُ الشَّجَرِ وَالنِّتَاجُ وَكَسْبُ الرَّقِيقِ وَالمَهْرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ، وَقِيلَ: مَالُ قِرَاضٍ. وَالنَّقصُ الْحَاصِلُ بِالرُّخْصِ مَحْسُوبٌ مِنَ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ وَمَجْبُورٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: لا يجوز للمالك تزويج جارية القراض؛ لأنه ينقصها فيضر بالعامل، ولو كان في المال جارية .. لم يكن للمالك وطؤها، سواء كان فيه ربح أم لا؛ لأنه لا يتحقق انتفاء الربح من المتقومات إلا بالتنضيض. قال: (وثمار الشجر والنتاج وكسب الرقيق والمهر الحاصلة من مال القراض يفوز بها المالك)؛ لأنها ليست من فوائد التجارة. وصورة المسألة: أن يشتري الشجر والرقيق والحيوان للتجارة، ففي مدة التربص للبيع تحصل هذه الفوائد، أما إذا اشتراها لذلك .. فإنه لا يفوز، وكسب الرقيق يشمل الصيد والاحتطاب وقبول الهبة والوصية. قال: (وقيل: مال قراض)؛ لأنها من فوائده وحاصلة بسببه، وبهذا جزم الإمام. فعلى هذا: الأصح أنها من الربح، وقيل: شائعة في الربح ورأس المال. قال: (والنقص الحاصل بالرخص محسوب من الربح ما أمكن ومجبور بها)؛ لأن العرف يقتضي ذلك، وكذلك النقص الحاصل بالعيب والمرض الحادثين. قال: (وكذا لو تلف بعضه بآفة أو غصب أو سرقة بعد تصرف العامل في الأصح)؛ لأنه نقص حصل في المال فيجبر بالربح كالنقص الحاصل بالرخص قياساً على ما سبق، لأن العامل إنما يستحق من الفاضل عن رأس المال. والثاني: لا؛ لأن الحاصل بالرخص نقصان متعلق بتجارته، والحاصل بالعيب والمرض ناشئ من نفس المال الذي اشتراه.

فصل

فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الأَصَحِّ فَصْلٌ: لِكُلٍّ فَسْخُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: ما ذكره من صورة الغصب والسرقة هو فيما إذا تعذر أخذ البدل من المتلف، فإن أخذ .. استمر القراض فيه كما كان، والمخاصم المالك فقط إن لم يكن في المال ربح، وهما جميعاً إن كان فيه ربح. وقيل: للعامل المخاصمة مطلقاً حفظاً للمال. قال: (فإن تلف قبل تصرفه .. فمن رأس المال في الأصح) كما إذا دفع ألفين فتلف منهما ألف؛ لأن العقد لم يتأكد بالعمل. والثاني: من الربح؛ لأنه قد صار مال قراض بقبضه. تتمة: احترز المصنف بتلف البعض عن تلف الجميع، فإن كان بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده .. ارتفع القراض، وكذا إن أتلفه المالك، وإن أتلف أجنبي جميعه أو بعضه، فإن أخذ منه بدله .. استمر القراض، وإن أتلفه العامل .. قال الإمام: يرتفع القراض وقال المتولي: لا يرتفع؛ لقيام البدل مقامه، وأبداه الرافعي بحثاً. وبقي ما إذا تلف بعد التصرف فيه بالشراء دون البيع، كما إذا اشترى بألفين عبدين فتلف أحدهما .. فالمذهب أنه يتلف من الربح أيضاً، وقيل: من رأس المال. قال: (فصل: لكل فسخه) متى شاء؛ لأنه في الابتداء وكالة، وفي الانتهاء إما شركة إذا ملكنا العامل بالظهور وإما جعالة إذا لم نملكه به، وكلها عقود جائزة.

وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ .. وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الاِسْتِيفَاءُ إِذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا، وَتَنْضِيضُ رَاسِ الْمَالِ إِنْ كَانَ عَرْضاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وللفسخ ألفاظ سبق بعضها في الوكالة، ويقوم مقام قول المالك: (فسخت) قوله: (لا تتصرف)، وكذا استرجاعه المال منه. ولو حبس العامل ومنعه التصرف أو قال: لا قراض بيننا أو باع ما اشتراه العامل .. لم ينعزل في أشبه الوجهين، وفي (الروضة) من زوائده: ينبغي أن يكون الأصح انعزاله بالإنكار، وصحح في (المهمات) الفرق بين أن يكون له غرض أو لا، قال: والواقع في (الروضة) لا اعتماد عليه. قال: (ولو مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه .. انفسخ) كالوكالة، وقد تقدم في الوكالة خلاف يعود هنا، وأن الشيخ اختار أن الإغماء لا يوجب العزل ولا يسلب الولايات وذكره هنا أيضاً. وإذا كان الميت المالك .. فللعامل البيع واستيفاء الديون بغير إذن الوارث، بخلاف ما إذا مات العامل .. فإنه لا يملك وارثه والاستيفاء دون إذن المالك؛ لأنه لم يرض بتصرفه. قال: (ويلزم العامل الاستيفاء إذا فسخ أحدهما) ليرد كما أخذ، ومقتضى إطلاقه أنه يجب عليه استيفاء رأس المال فقط، لكن صرح في (المرشد) بأنه يلزمه تنضيض جميع الدين. وصورة المسألة: أن يكون المالك قد أذن له في المعاملة بالدين، فإذا انفسخ القراض وهناك دين .. لزم العامل أن يتقاضاه لينض سواء كان هناك ربح أم لا، وعند عدم الربح وجه غريب في (رفع التمويه). قال (وتنضيض رأس المال إن كان) أي: ما بيده عند الفسخ (عرضاً) فيصيره نقداً من غير جنس المال، أو من

وَقِيلَ: لاَ يَلْزَمْهُ التَّنْضِيضُ إِنُ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ. وَلَوِ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ .. رَجَعَ رَاسُ الْمَالِ إِلَى الْبَاقِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ جنسه ولكنه من غير نوعه كالصحاح والمكسرة. قال: (وقيل: لا يلزمه التنضيض إن لم يكن ربح)؛ لأن الغرض من البيع أن يظهر الربح فيصل العامل إلى حقه منه، وقد زال هذا المعنى. وأفهمت عبارته أنه لا يلزمه تنضيض الجميع. قال الإمام: والذي قطع به المحققون أن الذي يلزمه تنضضه قدر رأس المال، وأما الزائد عليه .. فهو كعرض مشترك لا يكلف أحدهما بيعه، وبهذا جزم في (الشرخ الصغير). قال في (المطلب): إلا أن يكون بيع بعضه ينقص القيمة كالعبد، فالذي يظهر وجوب بيع الجميع فراراً من التشقيص. وأطلق الرافعي استيفاء الدين، وظاهره التعميم وبه صرح ابن أبي عصرون ومال إليه في (المطلب)، وفي الفرق عسر، وإنما يلزم العامل البيع إذا طلبه المالك، وليس للعامل تأخير البيع إلى موسم رواج المتاع؛ لأن حق المالك معجل خلافاً لمالك. ولو قال العامل للمالك: تركت حقي لك فلا تكلفني بالبيع .. لم تلزمه إجابته في أقرب الوجهين. قال: (ولو استرد المالك بعضه قبل ظهور ربح وخسران .. رجع رأس المال إلى الباقي) كالتلف بآفة، فلو كان مئة فاسترد عشرة .. صار رأس المال تسعين؛ لأنه لم يبق في يده غيره.

وَإِنِ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الرِّبْحِ .. فَالْمُسْتَرَدُّ شَائِعٌ رِبْحاً وَرَاسَ مَالٍ؛ مِثَالُهُ: رَاسُ الْمَالِ مِئَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ وَاسْتَرَدَّ عِشْرِينَ .. فَالرِّبْحُ سُدُسُ الْمَالِ، فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ سُدسُهُ مِنَ الرِّبْحِ، فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ، وَبَاقيِهِ مِنْ رَاسِ الْمَالِ. وَإِنِ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الْخُسْرَانِ .. فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي، فَلاَ يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ لَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ مِثَالُهُ: الْمَالُ مِئَةٌ وَالْخُسْرَانُ عِشْرُونَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ عِشْرِينَ .. فَرُبُعُ الْعِشْرِينَ حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ، وَيَعُودُ رَاسُ الْمَالَ إِلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن استرد بعد الربح .. فالمسترد شائع ربحاً ورأس مال)؛ لعدم التمييز، وذلك على النسبة الحاصلة من جملة الربح ورأس المال، ويستقر ملك العامل على ما يخصه بحسب الشرط، ولا يسقط بالخسران الحاصل بعده. قال: (مثاله: رأس المال مئة والربح عشرون واسترد عشرين .. فالربح سدس المال، فيكون المسترد سدسه من الربح، فيستقر للعامل المشروط منه، وباقية من رأس المال) فلا يجبر بما يحصل بعد ذلك من الخسران، فيستقر للعامل في مثالنا درهم وثلثان إن شرط له نصف الربح؛ لأن ما جعلناه ربحاً- وهو سدس العشرين- ثلاثة وثلث فيستقر له نصفها وهو درهم وثلثان حتى لا يسقط بالخسران الواقع بعده، فلو انحط بانخفاض السعر بعد ذلك إلى ثمانين .. أخذ العامل ما قلناه، والباقي- وهو ثمانية وسبعون وثلث- للمالك. قال: (وإن استرد بعد الخسران .. فالخسران موزع على المسترد والباقي، فلا يلزم جبر حصة المسترد لو ربح بعد ذلك؛ لأنه لو رد الجميع بعد الخسران .. لم يلزمه شيء، ويصير رأس المال الباقي بعد المسترد وحصته من الخسران. قال: (مثاله: المال مئة والخسران عشرون ثم استرد عشرين .. فربع العشرين حصة المسترد، ويعود رأس المال إلى خمسة وسبعين)؛ لأن الخسران يوزع على الثمانين لكل عشرين خمسة، فتحط العشرون المستردة وحصتها من الخسران وهو خمسة، فلو ربح بعد ذلك خمسة فبلغ ثمانين .. لم يأخذ المالك الجميع بل للعامل منها درهمان ونصف.

وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَرْبَحْ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إِلاَّ كَذَا، أَوِ اشْتَرَيْتُ هَذَا لِلْقِرَاضِ أَوْلِي، أَوْ لَمْ تَنْتَهِنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا، وَفِي قَدْرِ رَاسِ الْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويصدق العامل بيمينه في قوله: لم أربح، أو لم أربح إلا كذا) عملاً بالأصل، فلو أقر بالربح ثم قال: غلطت في الحساب فلم أربح إلا كذا، أو لم أربح شيئاً، أو كذبت خوفاً من أن ينزع المالك المال مني .. لم يقبل؛ لأنه أقر بحق لغيره، لكنه إن ذكر شبهة محتملة .. فله تحليف المالك أنه لا يعلم ذلك، وإلا .. فوجهان. ولو قال: خسرت بعد الربح الذي أخبرت به .. قبل منه عند الاحتمال بأن حدث كساد، فإن لم يحتمل .. لم يقبل. قال: (أو اشتريت هذا للقراض أولى)؛ لأنه أخبر بقصده، وهذا يكون عند ظهور الربح تارة والخسران أخرى. فرع: أقام بينة على أنه اشتراه بمال القراض .. ففي الحكم بها وجهان في (الروضة) و (أصلها) بلا تصحيح، الصحيح منهما: عدم الحكم، وعلى هذا: ترد العين إلى البائع، ويعاد الثمن إلى مال القراض. وجزم في (المطلب) بالحكم بالبينة، وهو غريب لم يقل به سوى الإمام. قال: (أولم تنهني عن شراء كذا)؛ لأن الأصل عدم النهي. قال: (وفي قدر رأس المال)؛ لأن الأصل عدم دفع الزيادة، هذا إذا لم يكن ربح، وكذا إن كان على الصحيح، وفيه وجه: أن المصدق المالك، وهما مبنيان

وَدَعْوَى التَّلَفِ، وَكَذَا دَعْوَى الرَّدِّ فِي الأَصَحِّ، وَلَوِ اخْتَلَفَاَ فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ .. تَحَالَفَا، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن العامل شريك فيصدق، أو وكيل فيصدق المالك. وفي وجه ثالث: أنهما يتحالفان، فإن اختلفا في جنس رأس المال .. صدق المالك ولا أجرة للعامل. قال: (ودعوى التلف) كالمودع والوكيل، فإن ذلك السبب .. فعلى التفصيل في الوديعة. قال: (وكذا دعوى الرد في الأصح)؛ لأنه أمين فأشبه المودع. والثاني: لا؛ لأنه قبض العين لغرض نفسه فأشبه المرتهن والمستأجر، وفرق الأولون بأن العامل أخذ العين لمنفعة المالك، وهو إنما انتفع بالعمل في العين لا بالعين بخلاف المرتهن والمستأجر. قال: (ولو اختلفا في المشروط له .. تحالفاً)؛ لأنهما اختلفا في عوض العقد مع اتفاقهما على مسمى صحيح فأشبها المتبايعين والمتآجرين. قال: (وله أجرة المثل)؛ لأن مقتضى التحالف رجوع كل من العوضين لصاحبه، فإن تعذر .. فقيمته، وقد رجع المال وربحه للمالك فقياسه رجوع العامل للعمل لكنه تعذر فأوجبنا أجرة مثله. وقيل: إن زادت على ما ادعاه العامل .. لم تجب الزيادة. ثم إذا تحالفا .. فظاهر كلام المصنف يشعر بأن العقد ينفسخ بذلك، وفي زوائد (الروضة): أن حكمه حكم البيع، وهو القياس. فرع: تلف المال فادعى المالك القرض والأخذ القراض .. فالمصدق الآخذ، أفتى به البغوي وابن الصلاح؛ لأنهما اتفقا على جواز التصرف، والأصل: عدم الضمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أقاما بينتين .. ففي المقدم منهما وجهان في زوائد (الروضة). تتمة: قارض إنساناً على ألف، فتصرف فيها فخسر مئة ونض المال في يده تسع مئة، فخاف من المالك أن يراه ناقصاً فيسترجع منه المال فاستقرض من غيره مئة وأضافها إلى المال، ثم عرضه على المالك كاملاً رجاء أن يقره في يده فيرد القرض إلى مالكه، ففسخ المالك العقد واسترد الألف .. نقل المتولي عن الشافعي أنه نقل عن ابن القاسم صاحب مالك أن للمقرض أن يسترجع المئة من رب المال. قال الشافعي: وهذا غلط؛ لأن العامل ملكها بالقرض واعترف أن جميع المال حق المالك وسلمه إليه، فإذا رجع فيه .. لم يقبل رجوعه، والمقرض لم يعطه شيئاً فلا مطالبة له عليه. * * * خاتمة مات العامل ولم نجد مال القراض بعينه في تركته .. أفتى ابن الصلاح وفاقاً لصاحبي (البيان) و (الشامل) بأنه يضمن، ولا شك أنه أولى بالتضمين من المودع؛ لأن الوديعة ليس له التصرف فيها بخلاف القراض، وصرح الخوارزمي بعكس ما قاله ابن الصلاح وغيره. وقال الشيخ: إن وجد في التركة ما يمكن أن يكون اشترى بمال القراض .. يوفى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القراض منه مقدماً على الديون، وإن لم يوجد ما يحتمل .. فلا ضمان، وتختص التركة بالغرماء والورثة، والمسألتان في غاية الإشكال؛ لتعارض الأمانة ووجوب الأداء وبراءة الذمة وبقاء المال، وللشيخ رحمه الله في المسألة تصانيف شهيرة. والله سبحانه وتعالى أعلم * * *

كتاب المساقاة

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِالْوِلاَيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب المساقاة سميت بذلك لأن السقي أنفع أعمالها لاسيما بالحجاز. وقيل: من السقي بكسر القاف وتشديد الياء وهي: صغار النخل. وهي: أن يدفع الإنسان نخلاً أو شجر عنب إلى من يحسن العمل فيها مدة معلومة ليقوم بسقيها وتعهدها على أن له جزءاً معلوماً من ثمرتها. واتفق جمهور العلماء على جوازها، ولم يخالف فيها إلا أبو حنيفة وزفر، وحجة الجمهور: القياس على القراض المجمع عليه. وقيل: إن القراض أصله المساقاة لثبوتها بالسنة. والأصل فيها- قبل اتفاق الصحابة والتابعين-: ما في (الصحيحين) [خ2328 - م1551]: عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) ومن جهة المعنى: أن مالك الأشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرغ لها، ومن يحسن ذلك قد لا تكون له أشجار. ولو تعاقدا عقد الإجارة .. للزم المالك غرم الأجرة في الحال، وربما لم يحصل من الأشجار شيء، ولتهاون العامل فدعت الحاجة إلى تجويز عقدها. قال: (تصح من جائز التصرف)؛ لأنها معاملة على المال فاعتبر في عاملها ذلك كالقراض والإجارة. قال: (ولصبي ومجنون بالولاية) أي: عند المصلحة للاحتياج إلى ذلك، وحكم السفينة كذلك، فلو قال: ولمحجور .. لعم. وفي معنى الولي: الإمام في بساتين بيت المال وناظر الوقف، فلو أجر الولي بياض أرض الصبي بأجرة على مقدار منفعة الأرض وقيمة الثمرة، ثم ساقاه على الشجر

وَمَوْرِدُهَا: النَّخْلُ وَالْعِنَبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على سهم من ألف سهم والباقي للمستأجر كما جرت به العادة .. أفتى ابن الصلاح بصحته إذا كان ذلك لا يعد في العرف غبناً فاحشاً في عقدها. ونظير ذلك قول الرافعي في (الفلس): إن الولي إذا وجد ما اشتراه للصبي معيباً وكانت الغبطة في إبقائه .. لا يرده ولا يثبت له الأرش. قال: (وموردها: النخل) بإجماع القائلين بها، وشرط الليث بن سعد رحمه الله أن يكون سقوياً ومنع في البعل، ويدل لجوازه في عموم النخل حديث ابن عمر المتقدم، وسواء في ذلك الفحول وغيرها كما صرح به الخفاف في (الخصال). قال: (والعنب) خلافاً لداوود، واختلف الأصحاب هل قال الشافعي بذلك نصاً أو قياساً؟ والأشبه الثاني بجامع وجوب الزكاة وإمكان الخرص. وقيل: أخذه من النص وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على الشطر مما يخرج من النخل والكرم) وادعى قائلوه أن خيبر كان فيها عنب. قال الشيخ: وقد تتبعت الروايات فلم أجد فيها ذلك، وإنما في رواية الدراقطني الرافعي بالكرم موافقة للفظ القرآن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسموا العنب كرماً، إنما الكرم الرجل المسلم) رواه مسلم [2247/ 8]. قيل: سمي كرماً من الكرم بفتح الراء؛ لأن الخمرة المتخذة منه تحمل عليه فكره أن يسمى به، وجعل المؤمن أحق بما يشتق من الكرم، ويقال: رجل كرم بإسكان الراء وفتحها، أي: كريم. وقال الزمخشري: أراد أن يقرر ما في قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} بطريق لطيف. وإطلاق المصنف يقتضي المنع في شجر المقل، وهو الذي صرح به في زيادات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الروضة)، والرافعي أطلق وجهين، والمنصوص المفتى به: الجواز لشبهه بالنخل. فائدة: ثمرات النخيل والأعناب أفضل الثمار، وشجرها أفضل الأشجار بالاتفاق، واختلفوا أيهما أفضل على قولين، وقد ورد: (أكرموا عماتكم النخل المطعمات في المحل فإنها خلقت من طينة آدم عليه السلام)، وسبق في (زكاة الفطر) أن التمر خير من الزبيب. والنخل مقدم على العنب في جميع القرآن. وشبه النبي صلى الله عليه وسلم النخلة بالمؤمن؛ لأنها تشرب برأسها وإذا قطع ماتت، وينتفع بجميع أجزائها، وليس في الشجر شيء فيه ذكر وأنثى سواها، وهي الشجرة الطيبة المذكورة في القرآن فكانت أفضل. وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة). وقال: (بيت لا تمر فيه جياع أهله). وقال: (من أفطر على سبع تمرات من عجوة العالية .. لا يصيبه في يومه ذلك سم ولا سحر).

وَجَوَّزَهَا الْقَدِيمُ فِي سَاِرِ الأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ. وَلاَ تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشبه صلى الله عليه وسلم عين الدجال بحبة العنب؛ لأنها أصل الخمرة وهي أم الخبائث. قال: (وجوزها القديم في سائر الأشجار المثمرة) كالتين والجوز واللوز والمشمش والتفاح والخوخ والكمثرى؛ لعموم الحاجة إلى ذلك كما في النخل والعنب، وبهذا قال مالك وأحمد لرواية الدارقطني المتقدمة، واختاره المصنف في (التصحيح)، وسبقه إلى تصحيحه الخفاف. ومحل المنع إذا أفردت هذه الأشياء بالمساقاة، فإن كانت تابعة للنخل أو العنب .. فوجهان: أصحهما في زوائد (الروضة) في آخر (باب المزارعة): الجواز قياساً على المزارعة، لكن قيده الماوردي بما إذا كانت قليلة تابعة للنخل أو العنب. والجديد: المنع؛ لأنها رخصة فخصت بموردها، وإنما جوزت فيما فيه الزكاة رفقاً بالمالك والفقراء وهذه لا زكاة فيها. فأما ما لا ساق له كالزرع وقصب السكر والبطيخ والباذنجان والقثاء والبقول، فما ثبتت أصوله في الأرض ويجز مرة بعد أخرى .. ففي جواز المساقاة عليه وجهان: أصحهما: المنع، وما لا تثبت أصوله في الأرض ويجز مرة بعد أخرى .. لا تجوز المساقاة عليه قطعاً، وذلك هو المزارعة والمخابرة الآتي ذكرهما. واحترز بـ (المثمرة) عما لا ثمرة له كالتوت الذكر والصنوبر وشجر الخلاف فيمتنع فيها على القديم أيضاً على الصحيح. وقال الشافعي: لا تجوز المساقاة على الموز؛ لأن ساقه يقطع ثم يخلف. ويشترط في الأشجار المساقى عليها أن تكون معينة مرئية. قال: (ولا تصح المخابرة)؛ لما روى مسلم [1547] عن ابن عمر قال: (كنا

وَهِيَ: عَمَلُ الأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ. وَلاَ الْمُزَارَعَةُ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا نرى بالخبر بأساً حتى كان عام أول، فزعم رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه). و (الخبر) بإسكان الباء هو: المخابرة. وفي (سنن أبي داوود) [3399]: عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يذر المخابرة .. فليؤذن بحرب من الله ورسوله) وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة. وهي مشتقة من الخبير وهو الأكار، أو من الخبار وهي الأرض الرخوة، أو من خيبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهلها. قال: (وهي: عمل الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل) في هذا التفسير نظر؛ فإن العمل من وظيفة العامل فلا يفسر العقد به، ولذلك عبر في (المحرر) بالمعاملة على الأرض. قال: (ولا المزارعة)؛ لما روى مسلم [1549] عن ثابت بن الضحاك الصحابي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها) وبهذا قال مالك وأبو حنيفة خلافاً لأحمد. وقال أكثر العلماء ببطلان المزارعة والمخابرة جميعاً إذا لم يكونا تابعين لمساقاة. وقالت طائفة بجوازهما. وقالت طائفة بجواز المزارعة دون المخابرة، ولم يقل أحد بجواز المخابرة دون المزارعة. فممن قال ببطلانها رافع بن خديج وجابر وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وأبو حنيفة ومالك والشافعي. وجوزهما أحمد واختاره المصنف من جهة الدليل، ونقله عن ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي، وعمل الناس على ذلك في جميع الأعصار وأجابوا عن الأحاديث الصحيحة فيها، وقال أحمد: حديث النهي عنهما مضطرب كثير الألوان. وقال ابن سريج والجوري: تجوز المزارعة دون المخابرة، وهو المشهور عن أحمد.

وَهِيَ: هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ، وَالْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف الناس في كراء الأرض؛ فعن الحسن وطاووس: منعه مطلقاً، والأكثرون: على جوازه بالذهب والفضة ونحوهما، ونقل بعضهم فيه الإجماع؛ ولعل ما يحكى عن الحسن لم يصح عنه، ومنع مالك كراءها بالطعام، والحق في مسألة الكراء الجواز إذا لم يكن شرط مفسد ولا جهالة، وحمل النهي على ما تضمن أحدهما أو على التنزيه. قال: (وهي: هذه المعاملة، والبذر من المالك) فلم يدخل في النهي عن كراء الأرض، وما جزم به المصنف من كون المزارعة غير المخابرة هو الصواب. وقال جماعة منهم الماوردي والنبدنيجي والخطابي: معناهما واحد وهو: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، ونسبة صاحب (البيان) إلى الأكثرين، وكذلك صاحب (رفع التمويه) وغلطا في ذلك، وكذا فسرهما الجوهري في (صحاحه) وابن الأثير في (جامعه). فروع: الأول: المناصبة التي تفعل بالشام وهي: أن يسلم إليه أرضاً ليغرسها من عنده ويكون الشجر بينهما .. قال الشيخ من منع المخابرة منعها، ومن أجازها .. ففي تجويزه هذه نظر. الثاني: قال الشيخ: كل من زرع أرضاً ببذره .. فالزرع له إلا أن يكون فلاحاً يزرع بالمقاسمة بينه وبين صاحب الأرض كعادة الشام، فإن الزرع يكون على حكم المقاسمة على ما عليه عملهم. قال: وأنا أراه وأرى وجهه من جهة الفقه أن الفلاح كأنه خرج عن البذر لصاحب

فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ بَيَاضٌ .. صَحَّتِ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ: اتِّحَادِ الْعَامِلِ، وَعُسْرِ إِفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ، وَالْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض، وصاحب الأرض خرج عن الأرض لصاحب البذر بالشرط المعلوم بينهما فيثبت على ذلك. قال: فإذا تعدى شخص على الأرض وغصبها وهي في يد الفلاح فزرعها على عادته .. لا نقول الزرع للغاصب، بل للمغصوب منه على حكم المقاسمة، قال: وهذه فائدة تنفع في الأحكام. الثالث: زراعة على أرض بجزء من الغلة معلوم، فعطل العامل الأرض .. أفتى المصنف بأنه: إن كان قد تسلمها من المالك .. فعليه أجرة ما عطله منها، وغلطه في ذلك الشيخ تاج الدين الفزاري، والذي قاله المصنف هو القياس الموافق لكلام الروياني في (البحر). قال: فلو كان بين النخل بياض) وهي: الأرض الخالية عن الزرع والشجر (... صحت المزارعة عليه من المساقاة على النخل) لعسر الإفراد، وعليه حملوا معاملة أهل خيبر على شطر التمر والزرع. واقتصار المصنف على النخل ليس بجيد؛ فإن العنب كذلك، وهو قد استدركه على (التنبيه) بقوله: والصواب أن المزارعة تصح على الأرض التي بين العنب أيضاً، وينبغي أن يلتحق بهما غيرهما من الأشجار إذا جوزنا المساقاة عليها. قال: (بشرط: اتحاد العامل)؛ لأن إفراد المزارعة بعامل يخرجها عن كونها تابعة، ويؤدي إلى اختلاط العمل، والمراد: أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه لا أن يكون شخصاً واحداً، فلو ساقى عشرة وزارعهم بعقد واحد .. صح. قال: (وعسر إفراد النخل بالسقي، والبياض بالعمارة) لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها، فإن أمكن الإفراد .. لم تجز المزارعة على الأصح؛ لانتفاء

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لاَ يُقَدِّمَ الْمُزَارَعَةَ، وَأَنَّ كَثِيرَ الْبَيَاضِ كَقَلِيِلهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاجة، وعبارة (الشرحين) و (الروضة): التعذر، وهي أوفق لعبارة الجمهور. قال: (والأصح: أنه يشترط أن لا يفصل بينهما) أي: بين المساقاة والمزارعة التابعة، بل يأتي بهما على الاتصال لتحصيل التبعية، فإذا قال: ساقيتك على النخل وزارعتك على الأرض بالنصف مثلاً .. صح قطعاً، فلو قال: ساقيتك على النخل بالنصف وزارعتك على الأرض بالنصف، فقال: قبلت المساقاة وقبلت المزارعة .. صح في الأصح، ولو قال: قبلتهما .. صح على الصحيح. أما لو قال: ساقيتك على النخل بالنصف فقبل ثم بعد ذلك قال: زارعتك على الأرض بالنصف .. لم يصح في الأصح لفوات التبعية. والثاني: يصح لحصولهما لشخص واحد، ولو لم يأت بلفظ المساقاة والمزارعة بل قال: عاملتك عليهما بالنصف .. كفى. وموضع الخلاف إذا بقي من مد المساقاة ما يمكن فيه الزرع، وإلا .. فيمتنع قطعاً، كذا نص عليه الدارمي وغيره. قال: (وأن لا يقدم المزارعة)؛ لأنها تابعة والتابع لا يتقدم على متبوعه. والثاني: يكون العقد موقوفاً، فإن ساقاه بعدها .. بانت صحتها، وإلا .. فلا، وإذا قلنا بهذا .. قال ابن الرفعة: فالأشبه اختصاصه بما قبل التفرق. قال: (وأن كثير البياض كقليله)؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك. والثاني: لا؛ لأن الأكثر لا يتبع الأقل، ولأن بياض خيبر كان أقل بدليل أن الشعير كان أقل من التمر، وهل النظر في الكثرة إلى النماء أو إلى مساحة الأرض؟ فيه خلاف، الأظهر عند الغزالي: الأول، وعند المصنف: الثاني.

وَأَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَابِرَ تَبَعاً لِلْمُسَاقَاةَ. وَإِذَا أُفْرِدَتِ الأَرْضُ بِالزِّرَاعَةِ .. فَالْمَغَلُّ لَلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَدَوَابِّهِ وَآلاَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنه لا يشترط تساوي الجزء المشروط من الثمر والزرع) فيصح بنصف من أحدهما وربع من الآخر. والثاني: يشترط التساوي؛ لأن التفصيل يزيل التبعية ويصيرهما عقدين، وصححه المصنف في (نكت التنبيه). قال: (وأنه لا يجوز أن يخابر تبعاً للمساقاة)؛ لأن الوارد في قصة خيبر المزارعة لا المخابرة. والثاني: يجوز كالمزارعة بجامع الحاجة. كل هذا تفريع على ما تقدم من الفرق بين المزارعة والمخابرة، أما من جعلهما واحداً .. فلا يمنع ذلك. ولو شرط البذر من المالك والثور من العامل أو عكسه .. فوجهان: أصحهما في الأولى: الجواز، وفي الثاني: المنع. قال: (وإذا أفردت الأرض بالزراعة .. فالمغل للمالك، وعليه للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته)؛ لبطلان العقد، وعمله لا يحبط مجاناً، وتكون الأجرة من نقد البلد كما صرح به القاضي حسين. هذا إذا كانت من عند العامل، فإن أفردت بالمخابرة .. فالغلة للعامل وعليه لمالك الأرض أجرة مثلها، فلو زرع البياض بلا إذن .. لزمه كل الأجرة ويقلع مجاناً، ولو كان البذر منهما .. فالغلة لهما ولكل على الآخر أجرة ما انصرف من منافعه على حصة صاحبه. ومحل ما ذكره المصنف إذا سلم الزرع، فإن أصابته آفة ولم يحصل من الغلة شيء .. فنقل الرافعي في نظيره من الشركة الفاسدة عن المتولي أنه لا شيء للعامل؛

وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا وَلاَ أُجْرَةَ: أَنْ يَسْتَاجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الآخَرَ ويُعِيرَهُ نِصْفَ الأَرْضِ، أَوْ يَسْتَاجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الأَرْضِ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ فِي النِّصْفِ الآخَرِ مِنَ الأَرْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لم يخلص للمالك شيء، وصوبه المصنف وفيه نظر، فإنه في القراض الفاسد إذا لم يربح العامل شيئاً .. له أجرة المثل. قال: (وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة: أن يستأجر بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر ويعيره نصف الأرض)؛ لأن العامل استحق من منفعة الأرض نصيبه من الزرع، والمالك من منفعته بقدر نصيبه من الزرع، وهذه الطريقة ذكرها الشافعي رحمه الله. وأفاد المصنف بقوله: (ويعيره) أنه يجوز إعارة المشاع، وفائدته إسقاط الأجرة؛ لأنه لو استأجره على زراعة نصف البدر ولم يعره نصف الأرض فزرع الجميع .. لزمه نصف أجرة الأرض. قال: (أو يستأجره بنصف البذر ونصف منفعة الأرض ليزرع له النصف في النصف الآخر من الأرض) وهذه قالها المزني. واحترز المصنف بذلك عما إذا استأجره كذلك ليزرع في النصف من أرض أخرى. والفرق بين الطريقة الأولى والثانية: أنه في الأولى جعل الأجرة عيناً وفي الثانية عيناً ومنفعة، وأنه في الأولى يتمكن من الرجوع بعد الزراعة في نصف الأرض وأخذ الأجرة وفي الثانية لا يتمكن، وأنه لو فسد منبت الأرض في المدة .. لزمه قيمة نصفها في الأولى دون الثانية؛ لأن العارية مضمونة. وذكر الأصحاب طريقة ثالثة وهي: أن يقرضه نصف البذر ويؤجره نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع آلاته، وهذه أحوطها. تتمة: كل هذا إذا كان البذر لمالك الأرض، فإن كان من العامل .. فطريقه: أن يستأجر

فصل

فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا، وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَالْعِلْمُ بِالنَّصِيبَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالْقِرَاضِ. وَالأَظْهَرُ: صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع الآلات. وإن كان منهما .. فيستأجر العامل نصف الأرض بنصف منافعه ومنافع آلاته المصروفة إلى الزراعة. ولابد في هذه الإجارات من رعاية الرؤية وتقدير المدة وغيرهما من شروط الإجارة. قال: (فصل: يشترط تخصيص الثمر بهما، واشتراكهما فيه) فلو شرط بعض الثمار لثالث أو كلها لأحدهما .. فسدت المساقاة، ولا يجوز أن يكون العوض غير الثمر بلا خلاف، فلو ساقى بدراهم أو غيرها .. لم ينعقد مساقاة قطعاً، ولا إجارة إلا إذا فصل الأعمال وكانت معلومة، ولا تكاد تعلم. وعبارة المصنف مقلوبة وصوابها: تخصيصها بالثمر كما عبر به في (القراض). وعلم من ذكر الثمر أن الجريد والليف والكرناف لا يكون مشتركاً، بل يختص بالمالك، وهو كذلك كما سيأتي في خاتمة الباب. قال: (والعلم بالنصيبين بالجزئية) كالنصف والثلث نفياً للجهالة وقطعاً للنزاع. قال: (كالقراض) أي: كالربح في القراض في جميع ما تقدم، فيصح فيما إذا قال: بيننا، وإذا قال: على أن لك النصف وإن قال: على أن النصف لي .. لم يصح. قال: (والأظهر: صحة المساقاة بعد ظهور الثمرة)؛ لأنه أبعد عن الغرر، وبه قال مالك وأحمد.

لَكِنْ قَبْلَ بَدُوِّ الصَّلاَحِ. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ لِيَغْرِسَهُ وَيَكْونَ الشَّجَرْ بَيْنَهُمَا .. لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسً وَشَرَطَ لَهُ جُزْءاً مِنَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْعَمَلِ؛ فَإِنْ قَدَّرَ مُدَّةً يُثْمِرُ فِيهَا غَالِباً .. صَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا تصح؛ لأنها ملك صاحب البستان، فشرط شيء منها كشرط شيء من الشجر. ولأنه صلى الله عليه وسلم (ساقى أهل خيبر على شطر ما يخرج منها). قال الماوردي: وهذا مشهور مذهب الشافعي. وقال ابن الرفعة: للخلاف التفات إلى أن العامل يملك حصته بالظهور أو بالقسمة، ونسب الغزالي المنع إلى القديم، والبندنيجي الجواز إلى القديم. قال ابن الرفعة: وهو الحق؛ إذ كيف يمكن القول بالصحة على الجديد وعنده أن العامل يملك حصته من الثمرة بالظهور. قال: (لكن قبل بدو الصلاح)؛ لبقاء معظم الأعمال، أما بعده .. فممنوع قطعاً لفوات المعظم، وحكي أن ابن عبد البر الإجماع عليه، وهذه أصح الطرق. وقيل بجريان القولين في الحالين ما لم يتناه النضج. قال: (ولو ساقاه على ودي ليغرسه ويكون الشجر بينهما .. لم يصح)؛ لأن المساقاة لم ترد إلا على أصل ثابت، وهي رخصة لا تتعدى موردها. وقيل: تصح للحاجة، وكذلك لو كان يغرسه ويتعهده والثمرة بينهما فعلى الصحيح: إذا عمل .. فله أجرة المثل إن توقعت الثمرة في المدة، وإلا .. فلا في الأصح. و (الودي) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وتشديد الياء: صغار النخل، وتسمى الفسيل. قال: (ولو كان) أي: الودي (مغروساً وشرط له جزءاً من الثمرة على العمل؛ فإن قدر مدة يثمر فيها غالباً .. صح)؛ لأنها مدة واحدة، وتجعل السنين كالأشهر من السنة الواحدة، فإن لم يثمر .. حبط عمله على المشهور كما لو قارضه فلم يربح.

وَإِلاَّ .. فَلاَ، وَقِيلَ: إِنْ تَعَارَضَ الاِحْتِمَالُ .. صَحَّ. وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إِذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فلا)؛ لخلوها عن العوض كالمساقاة على الأشجار التي لا تثمر، ولهذا لا يستحق أجرة على الأصح إذا كان عالماً بأنها لا تثمر، فإن كان جاهلاً .. استحق قطعاً. وقيل: بطرد الوجهين في الحالين. قال: (وقيل: إن تعارض الاحتمال .. صح) كالقراض، ولأن الثمرة مرجوة، فإن أثمرت .. استحق، وإلا .. فلا شيء له. والأصح: المنع؛ لأنه عقد على عوض غير موجود ولا ظاهر وجوده، فأشبه السليم لا يوجد غالباً، وهذه طريقة الجمهور. وقيل: إن غلب وجودها .. صح، وإلا .. فوجهان. وقيل: إن غلب عدمها .. لم يصح، وإلا .. فوجهان. والمرجع في المدة إلى أهل الخبرة بالشجر في تلك الناحية. قال: (وله مساقاة شريكه في الشجر إذا شرط له زيادة على حصته) قلت الحصة أم كثرت كالأجنبي، فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه .. لم يصح؛ إذ لا عوض لاستحقاقه ذلك بالملك، فإن عمل .. فلا أجرة له في الأصح. وأفهم تعبيره بـ (الزيادة) أنه لو شرط له كل الثمرة .. فسد، لكن الأصح أن له الأجرة، ومحل ما ذكره المصنف إذا استقل بالعمل. واستشكل الشيخ جواز مساقاة الشريط بأن عمل الأجير يجب أن يكون في خاص ملك المستأجر، ثم قال: والخلاص منه أن يساقي على نصيبه فقط حتى لا يكون العمل المعقود عليه واقعاً في المشترك.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالهَا، وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ وَبِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: حديقة لستة أسداساً، ساقوا واحداً على أن له من نصيب أحدهم- وعينوه- النصف ومن الثاني الربع والثالث الثمن والرابع الثلثين والخامس الثلث والسادس السدس .. فيضرب وفق مخرج الثمن أو السدس في الآخر يبلغ أربعة وعشرين، يضربها في عدد الشركاء يبلغ مئة وأربعة وأربعين، يأخذ العامل من نصيب صاحب النصف اثني عشر ومن الثاني ستة ومن الثالث ثلاثة ومن الرابع ستة عشر ومن الخامس ثمانية ومن السادس أربعة. قال: (ويشترط أن لا يشرط على العامل ما ليس من جنس أعمالها) كما إذا شرط أن يبني له جدار الحائط أو يحفر بئراً جديداً؛ لأنه شرط إدخال عقد في عقد. وقيل: يبطل الشرط دون العقد كالشروط الفاسدة في الرهن. وقال مالك: يجوز أن يشترط كل ما كان من مصلحة الحائط. تنبيه: المصنف لم يتقدم له ذكر أعمالها حتى يحكم عليه، بخلاف القراض؛ فإنه ذكر وظيفة العامل ثم قال: (لو قارضه ليشتري حنطة) إلى آخره فبين ما عليه، ثم بين أن اشتراط غيره مفسد وهو أحسن مما صنع ههنا. قال: (وأن ينفرد بالعمل وباليد في الحديقة) كما في القراض، فلو شرط أن يعمل معه المالك .. فسد العقد، وإن شرط أن يعمل معه غلامه .. فقيل كالقراض، والأصح هنا: القطع بالجواز، والفرق أن بعض الأعمال هنا على المالك، هذا إذا شرط أن يعاونه ويكون تحت يده، فإن جعل للغلام رأياً .. لم يجز قطعاً.

وَمَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إذا شرطا نفقته على العامل .. جاز على الأصح، وإن شرطاها على المالك .. جاز خلافاً لمالك، وإن شرطاها في الثمار .. لم يجز في الأصح للجهالة، وإن لم يعرضا لها .. فهي على المالك، وقيل: على العامل، وقيل: في الثمرة، وقيل: يفسد العقد. وليس للعامل استخدام الغلام في شغل نفسه، ول شرطه .. بطل العقد، ولو كان برسم الحديقة غلمان يعملون فيها .. لم يدخلوا في مطلق المساقاة. قال: (ومعرفة العمل)؛ لأنه المعقود عليه، ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب. قال: (بتقدير المدة)؛ لأنها عقد لازم فاشترط فيها التوقيت، فلا تجوز مؤبدة ولا مطلقة كالإجارة، ولأن لحصول الثمار غاية منتظرة بخلاف الربح في القراض. وقال أحمد: تصح غير مؤقتة كالقراض. قال الشيخ: وكنت أود لو قال به أحد من أصحابنا حتى أوافقه، فإني لا أعرف لاشتراط التوقيت دليلاً قوياً، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أقركم على ما أقركم الله) .. فإنما عقدها على هذا لإمكن النسخ في زمانه؛ لأن ذلك راجع إلى عقد الصلح دون المساقاة. قال: (كسنة أو أكثر) والمراد: مدة تبقى فيها العين. وقيل: لا تجوز أكثر من سنة. وقيل: لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة كالأقوال في الإجارة. ولو فات في المشروط بين السنين .. جاز. وقيل: كالسلم في جنس إلى أجلين. وعلم من اشتراط تأقيت المدة أنها لا تجوز مؤبدة ولا مطلقة كالإجارة، وإنما ذكر

وَلاَ يَجُوزُ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الأَصَحِّ. وَصِيغَتُهَا: سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذاَ النَّخْلِ بِكَذَا، أَوْ سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ لِتَتَعَهَّدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السنة توطئة لما بعدها؛ فإن فيه خلافاً والسنة متفق عليها، وأقل مدتها ما يطلع فيه الثمر ويستغنى عن العمل. وتصح بسني العرب وغيرها إن عرفها، والمطلق محمول على العربية. ولو ساقاه سنين وشرط له ثمرة سنة بعينها والأشجار بحيث تثمر كل سنة .. لم يصح؛ لأنها ربما لا تثمر في تلك السنة فلا يكون للعامل شيء، أو إلا تلك السنة .. فلا يكون للمالك شيء، ويخالف ما لو ساقاه على ودي عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة لتكون هي بينهما؛ لأنه شرط له سهماً من جميع الثمرة، ولو أنه أثمر قبل سنة التوقع .. لم يستحق العامل منها شيئاً. وإذا أقت بمدة فأدركت الثمار قبل فراغها .. وجب عليه أن يعمل بقيتها بغير أجرة، وإن انقضت المدة وعلى الأشجار طلع .. فله نصيبه منه وعلى المالك التعهد إلى الإدراك، وإن حدث الطلع بعد المدة .. فلا حق للعامل فيه. قال: (ولا يجوز التوقيت بإدراك الثمر في الأصح)؛ لأنه يتقدم ويتأخر. والثاني: يجوز؛ لأنه المقصود من هذا العقد، وصححه الغزالي مع موافقته في السلم على امتناع تأجيله بإدراك الثمرة أو الحصاد؛ لقبول المساقاة من الغرر ما لا يقبله السلم. والمراد بـ (إدراك الثمرة) ههنا الجذاذ. قال: وصيغتها: ساقيتك على هذا النخل بكذا) هذه أصرح الألفاظ، وهي أم الباب. وأفهمت عبارته أنه لابد من ذكر العوض، فلو عقدها من غير تعرض لما يستحقه العامل .. لم تصح، وفي استحقاقه الأجرة وجهان كالقراض. قال: (أو سلمته إليك لتتعهده) ومثله: اعمل على هذا النخل، أو تعهد نخيلي

وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ دُونَ تَفْصِيلِ الأَعْمَالِ، بَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ. وَعَلَى الْعَامِلِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِصَلاَحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ، كَسَقْيٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكذا، وهذه الألفاظ كناية فيجوز كونه مفرعاً على الانعقاد بها، ويعلم منه أنه لابد من الصيغة، وفيه الوجه المكتفي بالمعاطاة، وإشارة الأخرس المفهمة كافية في ذلك. قال: (ويشترط القبول)؛ لأنها عقد لازم، ولا يأتي فيها الخلاف السابق في الوكالة والقراض، فلو ساقاه بلفظ الإجارة أو عكس .. فالأصح عدم الصحة، والخلاف فيها ينبني على أن العبرة بصيغ العقود أم بمعانيها. قال: (دون تفصيل الأعمال) فإنه لا يشترط التعرض له (بل يحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب) كما تقدم. وقيل: يجب تفصيلها؛ لأن العرف في ذلك مضطرب. هذا إذا عرف العاقدان العرف المحمول عليه، فإن جهله أحدهما .. وجب التفصيل قطعاً، بل قيل بوجوبه وإن عرفاه. وقيل: يجب في عاملتك دون ساقيتك. قال: (وعلى العامل ما يحتاج إليه لصلاح الثمر واستزادته)؛ لأنه مقصود المساقاة. قال: (مما يتكرر كل سنة)؛ لأن ما لا يكون كذلك تكليف العامل به إجحاف. قال: (كسقي)؛ لأنه المقصود الأعظم منها، ولا خلاف في وجوبه على العامل عند الإطلاق، فلو شرطه على المالك .. بطل العقد، وكذا ما يجب على المالك لو

وَتَنْقِيَةِ نَهْرِ وَإِصْلاَحِ الأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْمَاءُ وَتلْقِيحٍ وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَالقُضْبَانِ الْمُضِرَّةِ، وَتَعْرِيشٍ جَرَتْ بِهِ الْعَادةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شرطه على العامل .. أبطل العقد، ولو فعله العامل بغير إذن .. لم يستحق أجرة، وإن فعله بإذن المالك .. استحق الأجرة. وإنما يلزم العامل السقي إذا كانت الأشجار لا تشرب بعروقها من النهر كنخل البصرة، فإن كانت كذلك .. لم يلزم سقيها. قال: (وتنقية نهر) للعرف، والمراد تنقيته من الطين ونحوه، هذا هو الأصح، وفيه وجهان آخران: أحدهما: أنها على المالك. والثاني: على من شرطت عليه من المتعاقدين، فإن لم يذكراها .. فسد العقد. وكذلك يلزمه تكريب الأرض وهو قلبها للحرث، وألحق المتولي بذلك تقوية الأرض بالزبل وذلك بحسب العادة. قال: (وإصلاح الأجاجين التي يثبت فيها الماء) وهي: ما حول المغارس محوط عليه يشبه الإجانة التي يغسل فيها. قال: (وتلقيح) وهو: وضع طلع الذكور في إناث النخل ويسمى التأبير، وقد يستغنى عنه في بعض النخيل بأن يكون تحت ريح الذكور فتكتفي بحمل الهواء ريحه إليها، والطلع الذي يلقح به على المالك؛ لأنه عين ماله، وإنما على العامل العمل. قال: (وتنحية حشيش و) كذلك (القضبان المضرة) لاقتضاء العرف ذلك. و (الحشيش): اليابس من الكلأ دون الرطب، وعن بعضهم إطلاقه على الرطب حكاه الأزهري، وكلام الفقهاء محمول على الثاني، لكن لو عبر بالكلأ .. لكان أعم؛ لأنه يعمهما. قال: (وتعريش) حيث (جرت به العادة) عملاً بها، وهذا قيد في التعريش فقط، وكذلك يلزمه وضع الحشيش فوق العناقيد صوناً لها عن الشمس عند الحاجة.

وَكَذَا حِفْظُ الثَّمَرِ وَجَذَاذُهُ وَتَجْفِيفُهُ فِي الأَصَحِّ. وَمَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الأَصْلِ، وَلاَ يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ .. فَعَلى الْمَالِكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وشيئاً تنعطف عليه القضبان، قال تعالى: {وهو الذي أنشأ جنت معروشت وغير معروشت}. قال: (وكذا حفظ الثمر وجذاذه وتجفيفه في الأصح) أراد أنه يجب على العامل حفظ الثمر عن الطير والزنبور والسارق، كما يجب حفظ مال القراض سواء كانت على النخل أم في الجرين، فإن لم يفعل .. فمؤنته عليه. والثاني- وهو الأقيس في (الشرح) و (الروضة) -: أنها على المالك والعامل جميعاً بحسب اشتراكهما في الثمرة، وفي جذاذ الثمار أيضاً وجهان: أحدهما: أنها لا تجب على العامل؛ لوقوعه بعد كمال الثمار. وأصحهما: الوجوب؛ لأن الصلاح به يحصل. والوجهان في وجوب التجفيف أيضاً، والأصح: الوجوب؛ لما قلناه، وإذا ألزمناه التجفيف .. لزمه تهيئة موضعه وتسويته، ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس من وجه إلى وجه بحسب العادة، وأما أجرة مكان التجفيف .. فيحتمل أنها كمؤنة الحفظ، ويحتمل أن تلزم العامل. قال: (وما قصد به حفظ الأصل، ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان وحفر نهر جديد .. فعلى المالك)؛ لاقتضاء العرف ذلك، وكذلك عليه خراج الأرض الخراجية. وقد يفهم قوله: (جديد) أن إصلاح ما انهار من ذلك على العامل وليس كذلك، بل هو على المالك. ومما على المالك أيضاً: نصب الأبواب والدولاب وتحصيل ذلك.

وَالْمُسَاقَاةُ لاَزِمَةٌ، فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ مُتَبَرِّعاً .. بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: أن الآلات التي يوافى بها العمل كالفأس والمعول والمنجل والمسحاة والأبقار على المالك للعرف، وقيل: على من شرطت عليه منهما، فإن لم يشرط .. بطل العقد. وفي سد الثلم اليسيرة التي تبقى في الجدار وجهان: قال الشيخ: الصحيح المنصوص في (الأم): أنه على المالك، وقال الرافعي: الأشبه إتباع العرف فيها كتنقية الأنهار، واعترض عليه بأن تنقية الأنهار سبق أنها على العامل، ووضع الشوك على رؤوس الجدران كسد الثلم اليسيرة. قال: (والمساقاة لازمة) أي: من الجانبين كالإجارة؛ لأنها لو كانت جائزة .. لتمكن المالك من الفسخ قبل مضي المدة فيضيع عمل العامل، بخلاف المضاربة فإنه ليس للربح وقت معلوم، والفسخ فيه قبل التصرف لا يضر، وبعده لا يمنع البيع المحصل لنصيب العامل. وحكى ابن كج وجهاً: أنها قبل العمل جائزة كالقراض، ولم يقل أحد من الأصحاب بجوازها مطلقاً، والدليل يقتضيه فإنه صلى الله عليه وسلم عقدها مع اليهود من غير تقدير مدة، ولو كانت لازمة .. لم تجز كذلك وهي جائزة على الذمة قطعاً، وكذا على العين على الأصح، واقتصر الرافعي على نقله عن المتولي. قال: (فلو هرب العامل قبل الفراغ وأتمه المالك متبرعاً .. بقي استحقاق العامل)؛ لأن العقد لا ينفسخ به كما لا ينفسخ بصريح فسخه، وكذلك لو أتمه أجنبي متبرعاً من غير شعور المالك. وتعبيره بـ (الإتمام) ليس بقيد، بل لو تبرع المالك بجميع العمل .. كان الحكم كذلك، ثم إن الحكم لا يختص بالهرب، بل العجز بمرض وما يسلب القدرة كالجنون ونحوه كذلك.

وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ. وَلَوْ ثَبَتَتْ خِيَانَةُ عَامِلٍ .. ضُمَّ إِلَيْهِ مُشْرِفٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ .. اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ عَامِلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وله أن يتم العمل بنفسه أو بماله) سواء خلف تركة أم لا؛ لأنه لا يجب عليه الوفاء من التركة المخلفة، فلو كان الميت هو المالك .. فالعقد باق بحاله، ويستمر العامل ويأخذ نصيبه في إجارة العين والذمة، وإنما يلزم المالك تمكين الوارث من العمل بنفسه إذا كان أميناً مهتدياً إلى أعمال المساقاة. قال: (ولو ثبتت خيانة عامل .. ضم إليه مشرف)؛ لأنه مستحق للعمل ويمكن استيفاؤه منه بهذه الطريقة فتعين جمعاً بين الحقين، ويعرف ذلك بالإقرار أو البينة أو بيمين المدعي بعد النكول. وقول المصنف: (استؤجر من ماله) صريح في أن أجرة الأجير على العامل، ولا خلاف فيه؛ لأن العمل مستحق عليه، وأما أجرة المشرف .. فالأصح: أنها عليه أيضاً؛ لأنه الذي أحوج إلى ذلك بخيانته. وقيل: عليهما، فلو ادعى المالك الخيانة من غير ذلك .. فالقول قول العامل مع يمينه. وإذا ادعى عليه أنه سرق وقصد تغريمه .. لم تسمع الدعوى إلا معلومة، وإن قصد رفع يده عن الثمرة .. سمعت مجهولة وليس هذا من المواضع المستثناة من سماع الدعوى بالمجهول؛ لأن هذا إنما هو دعوى خيانة وهي أمر معلوم فيحلف عليه أو تقام البينة، لكنه يشارك الدعوى بالمجهول في الصورة، ثم إن الأصحاب اتفقوا على أن عامل المساقاة أمين وإن ترددوا في الأجير المشترك والوكيل بجعل. وفرق ابن الرفعة بأن الجعل لهما محقق فغلب غرضهما، وهنا لم يتحقق الغرض للعامل فغلب غرض المالك؛ لحصول تنمية شجره. قال: (فإن لم يتحفظ به .. استؤجر من ماله عامل)؛ لتعذر استيفاء العمل الواجب عليه منه والقدرة عليه بهذه الطريق.

وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ مُسْتَحَقّاً .. فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو خرج الثمر مستحقاً) كما إذا كانت الأشجار موصى بثمرتها وهو أحسن من قول غيره: ولو خرج الشجر مستحقاً. قال: (.. فللعامل على المساقي أجرة المثل) كما لو غصب نقرة واستأجر رجلاً فضربها .. يأخذها المالك ويرجع الضراب بالأجرة على الغاصب. وقيل: لا أجرة؛ لأنه الذي أتلف منفعة نفسه، وكما لو فاتت الثمار بجائحة. وإذا اختلفا في القدر المشروط للعامل ولا بينة .. تحالفا كما في القراض، وله أجرة مثله إن كان بعد العمل. مهمة: بيع الأشجار المساقى عليها جائز، وخرجه الرافعي على بيع المستأجر، وأفسد ابن الرفعة التخريج وقال: إنها ملحقة ببيع الثوب عند القصار المستأجر على قصارته قبل العمل، والمفتى به: الصحة مطلقاً خرجت الثمرة أم لا، وأن للمشتري الخيار إذا لم يعلم، هذا منصوص (البويطي) وهو المعتمد. تتمة: إذا لم تثمر الأشجار وتلفت كلها بجائحة أو غصب .. فعلى العامل إتمام العمل وإن تضرر به، كما أن عامل القراض يكلف التنضيض مع الخسران، قاله المتولي والفوراني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وهو أصح مما ذكره البغوي أنه إذا تلفت الثمار كلها بالجائحة .. ينفسخ العقد إلا أن يزيد بعد تمام العمل وتكامل الثمار، وإذا هلك بعضها فإن شاء العامل .. فسخ، وإن شاء .. أتم العمل وأخذ نصيبه. * * * خاتمة سواقط الأشجار- وهي السعف والكرناف ونحوها- للمالك فإن شرطها للعامل .. بطل العقد قطعاً، والشماريخ مشتركة بينهما، وفي دخول العرجون وجهان في (البحر). وفي (فتاوى القاضي خان) وغيره من الحنفية: يجوز وضع الجماجم على الزروع خوفاً من العين؛ لما روي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا نبي الله: إنا أهل زرع، وإنا نخاف العين، فأمرها رسول الله صلى الله عليه سولم أن تضع الجماجم على الزرع). والله سبحانه وتعالى أعلم * * *

كتاب الإجارة

كِتَابُ الإِجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الإجارة المشهور كسر همزتها، وحكى الرافعي وابن سيده ضمها وصاحب (المستعذب) فتحها، وهي: إما مصدر أجر أو اسم مصدر، واشتقاقها من الأجر وهو الثواب تقول: آجرك الله، أي: أثابك، وكأن الأجرة عوض عمله كما أن الثواب عوض عمله. وهي في الشرع: عقد على منفعة مقصودة معلومة بعوض معلوم، فخرج بالمقصودة: التافهة كاستئجار تفاحة للشم، وبمعلومة: الجعالة. والأصل فيها: قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فئاتوهن أجورهن}. وقوله: {قالت إحداهما يأبت استئجره}. قال ابن مسعود: (أصح الناس فراسة ثلاثة: العزيز حيث قال لامرأته: {أكرمي مثواه}، وابنة شعيب حيث قالت: {يأبت استئجره}، وأبو بكر حيث استخلف عمر). وفي الاستدلال بالآيتين نظر في (المهمات). وفي (صحيح البخاري) [2144]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق استأجرا رجلاً من بني الديل يقال له عبد الله بن الأريقط). وروى مسلم عن ثابت بن الضحاك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة). وروى ابن ماجه [2443] والبيهقي [6/ 120]: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه).

شَرْطُهُمَا كَبَائِع وَمُشْتَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (أن علياً أجر نفسه من يهودي فاستقى له الماء كل دلو بتمرة حتى استقى بضعاً وأربعين دلواً). وفي (الصحيحين) وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرة). والحاجة تدعو إليها؛ إذ ليس لكل أحد مركوب ومسكن وخادم فجوزت للضرورة، وأجمع عليها الصحابة والتابعون، ولا مبالاة بخلاف الفاساني والأصم وابن علية؛ فإنهم أنكروا الإجارة، وهذا القول جهل ممن قاله. وأركانها أربعة: عاقد وصيغة وأجرة ومنفعة. قال: (شرطهما كبائع ومشتر) من التكليف والاختيار؛ لأنها صنف من البيع، لكن أن إسلام المشتري شرط إذا كان المبيع رقيقاً مسلماً، وهنا لا يشترط فيصح من الكافر استئجار المسلم كما تقدم في أول البيع، وعلم منه أن الأعمى لا تصح إجارته كما لا يصح بيعه، لكن له أن يؤجر نفسه. وفي (فتاوى المصنف): لو أجر السيد عبده نفسه .. لم يصح، ويجوز أن يبيعه نفسه، وتقدم في أول (البيع) أيضاً عن الماوردي والروياني: أنهما جوزاً أن يؤجر السفيه نفسه فيما ليس بمقصود من عمله كالحج؛ لأنه لما جاز أن يتطوع عن غيره .. كان له ذلك بعوض أولى، بخلاف المقصود من عمله. وقوله: (شرطهما) كذا هو بخط المصنف مثنى أي: شرط المؤجر والمستأجر ولم يتقدم لهما ذكر ولكن الإجارة تدل عليهما، وهذا هو الركن الأول.

وَالصِّيغَةُ: أَجَّرْتُكَ هَذَا، أَوْ أَكْرَيْتُكَ، أَوْ مَلَّكْتُكَ مَنَافِعَهُ سَنَةٍ بِكَذَا، فَيَقُولُ: قَبِلْتُ أَوِ اسْتَاجَرْتُ أَوِ اكْتَرَيْتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: الأصح في (باب القسمة): أن الشريكين في العقار إذا تنازعا .. يؤجر عليهما الحاكم، وفي وجه: يعرض عنهما. قال ابن الصلاح: ومن علمائنا من زل فقال: يغلق عليهما، وقواعد الشريعة تأباه وخصوص الغلق لا يعرف لأحد، فإذا قلنا: إن الحاكم يؤجر عليهما .. فالظاهر أن الأمر في قدر المدة راجع إلى ما يراه. قال: (والصيغة: أجرتك هذا، أو أكريتك، أو ملكتك منافعة سنة بكذا، فيقول: قبلت أو استأجرت أو اكتريت) هذا متفق عليه، وهو الركن الثاني، فأما اللفظان الأولان .. فهما أصل الباب ومجمع عليهما. وأشار المصنف بقوله: (سنة بكذا) إلى اشتراط التأقيت وذكر الأجرة؛ لأن به تنتفي الجهالة ومقتضاه أنه يصح وإن لم يقل من الآن وهو الأصح كما سيأتي، لكن صحح في (الكفاية) اشتراطه وبه جزم العراقيون. وبقوله: (فيقول: قبلت) إلى اشتراط القبول على الفور فلا تكفي المعاطاة خلافاً لأبي الحسن الكرجي- بالجيم- من أصحابنا فإنه قال: تنعقد بالمعاطاة، وقد صح في (شرح المهذب) بجريان الخلاف في (المعاطاة) هنا وفي (الرهن) و (الهبة). وعلم من اشتراط الصيغة: أنه لو سكن دار رجل مدة ولم يذكر أجرة .. لم يكن للمالك مطالبته بها. مهمة: مقصود الإجارة المنافع، وهي مورد العقد عند جمهور أصحابنا والمالكية وأكثر

وَالأَصَحُّ: انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ: أَجَّرْتُكَ مَنْفَعَتَهَا، وَمَنْعُهَا بِقَوْلِهِ: بِعْتُكَ مَنْفَعَتَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحنيفة، وقال أبو إسحاق منا وبعض الحنفية: إن موردها العين ليستوفي منها المنفعة؛ لأن المنافع معدومة. قال الرافعي: ويشبه أن لا يكون خلافاً محققاً، فالأول لا يقطع النظر عن العين، والثاني لا يعني بها تملكها كملكها بالشراء بل لينتفع بها، ووافقه في (الروضة) على أن الخلاف لفظي وليس كذلك، بل له فوائد: إحداها: الوجهان في المسألة الثانية عقبها. الثانية: إذا لم يقبض العين المستأجرة ثم أراد إجارتها لغير مؤجرها .. ففيه خلاف مخرج على ذلك، إن قلنا: موردها العين .. لم يصح، أو المنفعة .. صح. الثالثة: الخلاف المشهور في استئجار الكلب ينبني على ذلك. الرابعة: إجارة حلي الذهب بالذهب لا تجوز على وجه خرجه ابن الرفعة على ذلك، واتفقوا على صحة إيجار الحر نفسه ولم يخرجوا على ذلك، ونقل أسعد الميهني عن بعض الأصحاب أن المعقود عليه شيء ملتزم في الذمة كسائر الديون. قال: (والأصح: انعقادها بقوله: أجرتك منفعتها) ويكون ذكر المنفعة تأكيداً كقولك: بعتك عين هذه الدار، فإن البيع يصح. والثاني: أنها لا تنعقد بذلك، وبه قطع الإمام والغزالي واختاره الشيخ؛ لأن لفظ الإجارة إنما يضاف إلى العين التي لها منفعة، والمنفعة لا منفعة لها، هذا وضع اللفظ فيلغو ما خالفه. قال: (ومنعها بقوله: بعتك منفعتها)؛ لأن النبي موضوع لبيع الأعيان لا المنافع كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة. والثاني: يصح؛ لأنها صنف من البيع، وهو قول ابن سريج واختاره الشيخ وقواه في (المهمات) نظراً إلى المعنى؛ فإن الإجارة بيع المنافع، وشبه الخلاف بالخلاف

وَهِيَ قِسْمَانِ: وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ. وَعَلَى الذِّمَّةِ كاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةٍ أَوْ بِنَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ في انعقاد السلم بلفظ البيع لكن الخلاف هناك: هل ينعقد بيعاً نظراً إلى اللفظ أو سلماً نظراً إلى المعنى؟ وهنا: هل ينعقد إجارة أو يبطل؟ فإن قيل: قوله: (ملكتك منفعتها) المشهور فيه القطع بالصحة فما الفرق بينه وبين: بعتك منفعتها؟ فالجواب أن التمليك أعم؛ لأنه يطلق على بيع الأعيان وبيع المنافع إطلاقاً واحداً، والبيع عند الإطلاق يختص بالأعيان. قال: (وهي قسمان: واردة على عين كإجارة العقار ودابة أو شخص معينين، وعلى الذمة كاستئجار دابة موصوفة، وبأن يلزم خياطة أو بناء) قال الشيخ: ليس المراد بالعين هنا ما تقدم فيه الخلاف بين أبي إسحاق وغيره، وإنما المراد أن تكون مرتبطة بالعين، والمراد بالعين المتقدمة المورد، وإنما ذكر المصنف ذلك توطئة لما يترتب عليه من الأحكام الآتية. وإجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين؛ لأنه لا يثبت في الذمة، ولهذا لا يسلم فيه، وإجارة الدابة قد تكون على العين كأجرتك هذه الدابة، وقد تكون على الذمة كأجرتك دابة صفتها كذا وكذا، وكذا الشخص كأجرتك هذا العبد أو عبداً صفته كذا. وإجارة الذمة قد تكون بلفظ الإجارة كما ذكرناه، وقد تكون بغيره كقوله: ألزمت ذمتك خياطة أو بناء بهذه الدراهم، أو أسلمت إليك هذه الدراهم في خياطة كذا، أو أسلمت إليك هذه الدراهم في دابة صفتها كذا تحملني إلى موضع كذا، أو في عبد صفته كذا يبني لي كذا، ولابد في هاتين الصورتين من ذكر الحمل أو البناء ونحوهما؛ لتنفصل عن حقيقة السلم في الأعيان إلى السلم في المنافع، والسلم في المنافع جائز. تنبيه: المعروف بعد المعطوف بـ (أو) وجوب إفراد الضمير، وأجابوا عن قوله تعالى:

وَلَوْ قاَلَ: اسْتَاجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ كَذَا .. فَإِجَارَةُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: ذِمَّةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ: تَسْلِيمُ الأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ {إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما} بأن ذلك جائز عند إرادة التنويع، فكان الصواب أن يقول المصنف: أو (شخص معين). قال: (ولو قال: استأجرتك لتعمل كذا .. فإجارة عين) للإضافة إلى المخاطب كما لو قال: استأجرت هذه الدابة. قال: (وقيل: ذمة)؛ لأن المقصود حصول العمل من جهة المخاطب فكأنه قال: استحقيت عليك كذا. وعلى هذا: إنما يكون عيناً إذا قال: استأجرت عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا، هذا إذا أتى بلفظ الإجارة، فإن قال: ألزمتك لتعمل لي كذا .. فيحتمل أن يقال: إنه إجارة عين وهو الأقرب، ويحتمل أن يقال: إنه إجارة ذمة. وإن قال: ألزمت ذمتك أن تعمل لي كذا .. فهنا يبعد القول بأنه إجارة عين؛ للتصريح بالذمة. قال: (ويشترط في إجارة الذمة: تسليم الأجرة في المجلس) كرأس مال السلم؛ لأنها سلم في المنافع، فإذا عقدت بلفظ الإجارة .. ففيها وجهان مشهوران بناء على أن النظر في العقود إلى ألفاظها أو معانيها، والأصح عند الأكثرين- كما صرح به في (التصحيح) -: النظر إلى المعنى، فيشترط تسليم الأجرة في المجلس، ويمتنع تأجيلها والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها والإبراء منها، وإن عقدت بلفظ الإجارة .. فالمشهور القطع بهذه الأحكام. قال: (وإجارة العين لا يشترط فيها ذلك) أي: التسليم في المجلس، سواء كانت معينة أم في الذمة كبيع العين.

وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتَّاجِيلُ إِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ أُطْلِقَتْ .. تَعَجَّلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً .. مُلِكَتْ فِي الْحَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد: أنه لا يشترط ذلك في صحتها، وإلا .. فتسليم الأجرة لازم في مكان العقد إذا لم يعين غيره. قال: (ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة) كالثمن، واحترز عما إذا كانت معينة .. فإن الأعيان لا تؤجل. قال: (وإن أطلقت .. تعجلت) كالثمن في البيع المطلق. قال: (وإن كانت معينة .. ملكت في الحال) كما يملك المستأجر المنفعة بنفس العقد، وهل يملكها ملكاً مستقراً أو مراعي؟ قولان أصحهما: الثاني كما تقدم في (كتاب الزكاة) ومعناه: أنه كلما مضى جزء من الزمان على السلامة .. بان أن ملك المؤجر استقر على ملك ما قبل ذلك. وقال أبو حنيفة: يملكها شيئاً فشيئاً إلا أن المطالبة كل لحظة تعسر، فكلما مضى يوم طلبت أجرته. وقال مالك: لا يستحق الأجرة إلا إذا مضت المدة بتمامها، هذا في ملكها، أما في استقرارها .. فلا تستقر إلا باستيفاء المنافع أو تفويتها كما ذكره المصنف في آخر الباب. فرع: أجر ناظر الوقف سنين وأخذ الأجرة .. لا يجوز له أن يدفع جميعها للبطن الأول، وإنما يعطي بقدر ما مضى من الزمان، فإن دفع أكثر منه فمات الآخذ .. ضمن الناظر تلك الزيادة للبطن الثاني، قاله القفال في (الفتاوى). وقياسه: أن الموقوف عليه إذا أجر .. لا يتصرف في جميع الأجرة لتوقع انتقالها لغيره بموته.

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الأُجْرَةِ مَعْلُومَةً، فَلاَ تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الرفعة: للموقوف عليه أن يتصرف في جميع الريع؛ لأنه ملكه في الحال، قال: وكان بعض القضاء الفضلاء يمنعه من التصرف في جميعه، وكذلك ما يحل من أجرة الموقوف بالوفاة، قال: ويحتمل أن يمكن من ذلك بكفيل. قال الشيخ: وينبغي التفصيل بين طويل المدة وقصيرها، فإذا طالت بحيث يبعد احتمال الموجود من أهل الوقف .. منع من التصرف، وإن قصرت المدة .. فيظهر ما قاله ابن الرفعة. قال: (ويشترط كون الأجرة معلومة) أي: جنساً وقدراً وصفة كالثمن في البيع، هذا إذا كانت في الذمة، فإن كانت معينة مشاهدة .. كفى ذلك كالثمن. وأما إيجار عمر أرض السواد بأجرة مجهولة .. فلما فيه من المصلحة العامة المؤبدة كما قاله الشيخ عز الدين في (القواعد)، قال: ولو أجرها مستأجرها بأجرة مجهولة .. لم يصح في الأصح؛ إذ يجوز للمصالح العامة ما لا يجوز للخاصة. وقد تقدم في أول (البيع) قبيل قول المصنف: (ولا يصح شراء الكافر المصحف) ما يشهد لهذا. قال: (فلا تصح بالعمارة والعلف) للجهالة، وضبط المصنف العلف بإسكان اللام وفتحها إشارة إلى البطلان في الحالين. ولو استأجر أجيراً بكسوته ونفقته .. فسد، خلافاً لمالك وأحمد فإنهما قالا: يصح ويستحق الوسط، فلو استأجر الدابة بقدر معلوم من الشعير وضبطه بصفات السلم .. جاز، أو بالأرطال من الخبز .. انبنى على جواز السلم فيه.

وَلاَ لِيَسْلُخَ بِالْجِلْدِ، وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنَّخَالَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو استأجر داراً بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق .. لم يجز، وكذا لو استأجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها في العمارة، قال الرافعي: ثم إذا صرفها في العمارة رجع بها، وقيده ابن الرفعة بما إذا قصد بذلك الرجوع، ومع ذلك عليه أجرة المثل؛ لأنها إجارة فاسدة. ولو استأجر الدار بدراهم معلومة من غير شرط ثم أذن له في صرفها في العمارة من غير شرط .. صح. قال ابن الرفعة: ولم يخرجوه على اتحاد القابض والمقبض؛ لوقوعه ضمناً. ولو اختلفنا في أصل الإنفاق أو قدره .. فقولان: أظهرهما: أن القول قول المستأجر؛ لأنه ائتمنه. وقيل: القول قول المؤجر. قال: (ولا ليسلخ بالجلد ويطحن ببعض الدقيق أو بالنخالة)؛ للجهالة، ولأن الأجرة غير مقدور عليها في الحال، ولأنها في معنى المؤجل بأجل مجهول. وفي (الدارقطني) [3/ 47] و (البيهقي) [5/ 339] بإسناد حسن: عن أبي سعيد الخدري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان) وأرجو أنه صحيح إن شاء الله تعالى. قال أهل الغريب: قفيز الطحان: أن يطحن ببعض الدقيق. ولو استأجر على حمل مذكاة بجلدها أو رمي ميتة بجلدها .. فسد لذلك، وكذلك إذا استأجر من يجني له الثمار بجزء منها. قال الشافعي في (الأم) في (باب المزابنة): ولا يجوز أن يكون أجيراً على شيء هو فيه شريك وذلك كأن يقول: اطحن لي هذه الويبة ولك منها ربع أو ما أشبه

وَلَوَ اسْتَاجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقاً بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ .. جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، واستعمال الشافعي هذه العبارة يدل على أنه صنفها بمصر. قال: (ولو استأجرها لترضع رقيقاً ببعضه في الحال .. جاز على الصحيح) كما لو استأجر شريكه وشرط له زيادة من الثمرة .. فإنه يجوز كما تقدم. وكما لو انهدم الحائط المشترك فأعاده أحدهما بالنقض المشترك بشرط أن يكون له ثلثا الملك .. فإنه يصح، ويكون النصف له بحق ملكه والسدس بعمله. والثاني: لا يجوز؛ لأن عمل الأجير ينبغي أن يقع في خاص ملك المستأجر. واحترز المصنف بقوله: (في الحال) عما إذا استأجرها ببعضه بعدم الفطام .. فإنه لا يصح قطعاً فقوله: (في الحال) متعلق ببعضه. فرع: قال الشيخ رحمه الله: يقع في هذا الزمان في جباة الأموال أن يجعل لهم نصف العشر مما يستخرجونه وهذا يشبه قفيز الطحان، وبعضهم يحترز فيقول: نظير نصف العشر، وإذا احترز وقال ذلك .. لا يصح أيضاً إجارة، وهل يصح جعالة؟ فيه نظر.

وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلاَ يَجْوزُ اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لاَ تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَت السِّلْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: روى البيهقي [6/ 121] عن ابن عباس: (أنه كان لا يرى بأساً أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقول: بعه بكذا وكذا فما زاد فهو لك) قال: وهذا على سبيل المراضاة لا على سبيل المعاقدة وإذا قلنا بجوازه فامتنع المالك من دفعه له .. فهل يستحق أجرة المثل؛ لأنه عقد فاسد، أو لا يستحق شيئاً؛ إذ لا عقد؟ فيه نظر، والأقرب الثاني. قال: (وكون المنفعة متقومة) ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلا .. كان تبذيراً كاستئجار التفاحة الواحدة للشم؛ لأنها لا تقصد له فإن كثر التفاح .. قال الرافعي: فالوجه الصحة؛ لأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم من التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين، ورده الشيخ بأن المنفعة مقصودة في المسك بالشم بخلاف التفاح، وأشار إلى ذلك في (المهمات)، وحكى الجاجرمي في (كفايته) وجهين في جواز إجارة الرياحين للشم. والمراد هنا بالمتقوم: ما له قيمة، لا ما يقابل المثلي، وسقوط القيمة إما لتحريمه وإما لخسته وإما لقلته، فتلخص أن شروط المنفعة خمسة: أن تكون متقومة مقدوراً عليها معلومة واقعة للمستأجر ولا يتضمن العقد عليها استيفاء عين. قال: (فلا يجوز استئجار بياع على كلمة لا تتعب وإن روجت السلعة) كما لا يصح بيع ما لا ينتفع به لقلته كحبتي الحنطة، وقال محمد بن يحيى: هذا في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقر القيمة في البلد كالخبز واللحم، أما الثياب والعبيد وما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين .. فللبائع فيه مزيد نفع. قال الشيخ: وقول الأصحاب: (كلمة لا تتعب) تشمل ما إذا كانت تلك الكلمة غير لفظ الإيجاب والقبول مما يروج السلعة، بل الظاهر أنه ليس مرادهم إلا ذلك، فإذا فرض فيها نفع بلا تعب .. فقياس ما قاله محمد بن يحيى الجواز، وصريح كلام الأصحاب المنع، وإذا ضبط ذلك بما هو مستقر القيمة دون غيرها .. فلا يطرد، وإنما هو على سبيل المثال، وضابطه النفع وعدمه كما ذكرناه، والأصحاب مصرحون بأنه مع النفي لا يصح، ولذلك قال المصنف: (وإن روجت السلعة). واحترز بقوله: (لا تتعب) عما إذا كان يحتاج إلى أعمال كثيرة في البيع .. فيصح. فروع: قال الرافعي في (باب الأذان): لا تصح الإجارة على الإقامة؛ إذ لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة لمراعاة الوقت، قال: وليست صافية عن الإشكال؛ لأن في الإقامة كلفة أيضاً؛ لالتزامه حضور مكان الجماعة في الأوقات الخمس، فينبغي أن يصح لاسيما عند التبعية للأذان. وقال القاضي: إذا استأجر على أن يعلم غلامه شيئاً من القرآن، فإن كان يحفظ من مرة أو مرتين .. لم يجز. وفي (الإحياء): لا يجوز أخذ العوض على كلمة يقولها الطبيب بفيه على دواء انفرد بمعرفته كما لو عرف شيئاً يقطع البواسير؛ إذ لا مشقة عليه في التلفظ به،

وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف ما إذا عرف الصيقل الماهر إزالة اعوجاج السيف والمرآة بضربة واحدة .. فإن له أن يأخذ عليها عوضاً وإن كثر؛ لأن هذه الصناعات تتعب في تعلمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه كثرة التعب، وأفتى البغوي بأن الاستئجار لذلك لا يصح. ويجوز استئجار الكتب سواء كانت قرآناً أو علماً أو شعراً أو غير ذلك، وقال أبو حنيفة: لا يجوز اسئجارها؛ لأنه استئجار للنظر المجرد فلم يجز كما لو استأجر حائطاً مزوقاً للنظر إليه. لنا: أنها منفعة مقصودة بجواز إعارتها، وأما الحائط فإن كان عليه نقش يريد أن يتعلمه .. جاز. قال: (وكذا دراهم ودنانير للتزيين)؛ لأنها منفعة تافهة لا تقابل بالأعواض، إنما منفعتها المقصودة صرفتها المفوت لشرط الإجارة فهي لا تتأتى مع بقاء عينها كما قيل: بئس الصاحب الدرهم والدينار؛ لا ينفعك إلا إذا فارقك، ولأن منفعتها لا تضمن بالغصب وإن طالت مدتها. والثاني: يصح؛ لأن الصيارفة يقصدون ذلك، وهذا مراد المصنف بالتزيين، وجعل هذا الماوردي القياس، والخلاف جار في استئجارها للضرب على عيارها. وفي استئجار الحبوب ليعاير بها مكيال وجهان، واستئجارها للتزيين ممتنع قطعاً، وقيل: على الوجهين. وأشار بقوله: (للتزيين) إلى أنه لابد من ذكره، فإن أطلق .. لم يصح قطعاً؛ لأن تعيين الجهة في الإجارة شرط. فروع: أفتى ابن الصباغ بفساد إجارة الشموع للإشعال؛ إذ لا يستحق بالإجارة إفساد العين.

وَكَلْبٌ لِلصَّيْدِ فِي الأَصَحِّ. وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِراً عَلَى تَسْلِيمِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح جواز استئجار الببغاء للاستئناس بصوتها، وكذا كل ما يستأنس بلونه كالطاووس أو صوته كالعندليب. وعن القاضي أبي الطيب: لا يصح استئجار البستان للنظر إليه، والقياس طرد الوجهين، ولا خلاف أنه لا يجوز استئجار الفهد وسائر الجوارح المعلمة والسنور لاصطياد الفأر، وكذا الخنزير وحشرات الأرض. ولا يجوز أن يستأجر بركة ليأخذ منها السمك، فإن استأجرها ليحبس فيها الماء حتى يجتمع فيها السمك .. جاز في الأصح. واستئجار الأشجار لثمرتها باطل، ولربط الدواب ونشر الثياب عليها والوقوف في ظلها الأصح جوازه. وقال الإمام الشافعي: تجوز إجارة الحلي والجواهر وسائر ما تلبسه النساء، فإن كان الحلي ذهباً فاكتراه بذهب أو فضة .. جاز من غير اشتراط قبض في المجلس؛ لأنه لا ربا بين الذهب ومنافع الذهب. وتجوز إجارة الطسوس والقدور والأباريق وسائر الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء عينها إذا شرطت منفعتها المعلومة، في مدة معلومة، وكذلك القسي والنشاب والرماح. قال: (وكلب للصيد في الأصح)؛ لأن الكلب لا قيمة لعينه فكذا منفعته، وكذلك استئجار للزرع والحراسة والماشية وغيرها مما يجوز اقتناؤه له. والثاني: يصح، واختاره الإمام والغزالي، وقد تقدم بناء الوجهين، ومحلهما في المعلم فلا يجوز استئجار غيره قطعاً. قال: (وكون المؤجر قادراً على تسليمها) أي: حساً وشرعاً، وهذا هو الشرط الثاني للمنفعة.

فَلاَ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَأَعْمَىٍ لِلْحِفْظِ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لاَ مَاءَ لَهَا دَائِمٌ، وَلاَ يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلا يصح استئجار آبق ومغصوب) كما لا يصح بيعهما. قال الشيخ: لكن تقدم في بيع المغصوب من قادر على انتزاعه خلاف فليكن هنا كذلك، وقد صرح به القاضي في (باب الغصب) والمتولي في (بيع الغرر). ويؤخذ من هذا الشرط أنه لا يصح إيجار العبد المنذور عتقه والمشروط عتقه على المشتري، وقد صرح بذلك في (شرح المهذب). وشملت القدرة على التسليم ملك الأصل وملك المنفعة ليدخل المستأجر؛ لأنه ملك المنفعة، وكذلك المقطع فإنه يؤجر كما أجاب به المصنف في (فتاويه)، قال: ولا يمنع من ذلك كون الأرض معرضة لأن يستردها السلطان منه بموت أو غيرها، كما لا يجوز للزوجة أن تؤجر العين التي هي صداقها قبل الدخول وإن كانت قد تسترد منها بفسخ النكاح، وفيما قاله نظر؛ لأن الزوجة ملكت العين بالعقد ملكاً تاماً، ولها التصرف فيها بالبيع وغيره، بخلاف الإقطاع، لا جرم خالفه ابن الفركاح وولده وجماعة من الشاميين فأفتوا بالبطلان بناء على أن المقطع لم يملك المنفعة وإنما أبيح له الانتفاع كالمستعير. قال: (وأعمى للحفظ) المراد حفظ ما يحتاج إلى النظر؛ لاستحالة ذلك منه، وكذلك الأخرس للتعليم، فلو استؤجر على شيء يمسكه .. فالظاهر الصحة. كل هذا في إجارة العين، أما إجارة الذمة .. فتصح؛ لأنها سلم وعلى المسلم إليه تحصيل المسلم فيه بأي طريق كان. قال: (وأرض للزراعة لا ماء لها دائم، ولا يكفيها المطر المعتاد) وكذا ما في معناه من ثلج ونحوه وإن توقع ذلك نادراً؛ لأنها منفعة غير مقدور عليها، فلو قال المؤجر: أنا أحفر لك بئراً وأسقي أرضك منها أو أسوق الماء إليها من موضع آخر ..

وَيَجُوزُ إِنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صحت الإجارة، قال الروياني، وقال في (المطلب): إنه الذي تظهر صحته، ونص (الأم) يشير إليه. تنبيهان: أحدهما: محل ما ذكره المصنف إذا صرح بالإيجار للزراعة ولم يذكر أنه لا ماء لها، فإن قال- مع قوله للزراعة-: إنه لا ماء لها .. قال الشيخ: فإطلاق أكثر الأصحاب يقتضي البطلان؛ لذكره الزراعة، وكلام الجوري صريح في الصحة. قال: وينبغي أن يقال: إن أمكن إحداث ماء لها بحفر بئر ونحوه ولو بكلفة .. صح؛ لأن المستأجر دخل على ذلك وهو ممكن. الثاني: احترز بقوله: (للزراعة) عما إذا استأجرها للسكنى .. فإنه يجوز سواء كانت في محل يصلح له أم لا كالمفازة، وإن كان لنا وجه: أن المسافر إذا نوى الإقامة بموضع لا يصلح للسكني .. لم ينقطع ترخيص السفر عنه إلغاء لنيته حيث نوى ما لا يمكن، ولعل الفرق أن السكنى تتأتى فيه الأرض بأي صفة كانت، وإن كان في حال مروره مع رفقة .. فلا منافاة. قال: (ويجوز إن كان لها ماء دائم) أي: من عين أو بئر أو نهر كبير كالنيل فلو قال: أكريتك هذه الأرض البيضاء لتنتفع بها كيف شئت خلا البناء والغراس .. صح على المنصوص. فرع: تصح إجارة أراضي مصر للزراعة على الأصح قبل ريها إن كانت تروى من الزيادة الغالبة، وإذا استأجر الأرض بعد الريـ فإن انحسر الماء عنها .. صح، وإلا، فإن لم يرج .. لم يصح، وإن علم انحساره .. صح، وكذا إن رجي انحساره وقت الحاجة.

وَكَذَا إِنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثِّلْوجِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن كفاها المطر المعتاد أو ماء الثلوج المجتمعة، والغالب حصولها في الأصح)؛ لأن الظاهر حصول المقصود بها. والثاني: المنع؛ لأن السقي معجوز عنه في الحال، والماء المتوقع لا يعلم حصوله، وبتقدير حصوله لا يعلم متى يحصل. حادثة: سئل الشيخ عن رجل استأجر بلداً من مقطعها مدة معينة لينتفع بذلك مقبلاً ومراحاً وللزراعة إن أمكن، ثم إن بعض الأرض شرق ولم ينلها ري ولم يمكن زرعها فهل يلزمه أجرة البلد كاملة؟ أجاب: هذه العبارة جرت عادة المحققين من الوراقين يكتبونها حيلة لتصحيح الإجارة قبل الري، وأخبرني شيخنا ابن الرفعة أن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز علمها لهم، وقد فكرت في هذه العبارة مع علمي بأن القاضي تاج الدين كان متضلعاً بفقه وعلوم متعددة مجموعة إلى دين متين وهو ووالده شامة القضاة الذين ولوا بالديار المصرية رحمهم الله، والذي استقر عليه رأيي أن هذه الإجارة باطلة؛ لأن حقيقتها إيجار لثلاث منافع مشكوك فيه الثالثة منها إن خصصت الشرط بها وهو الظاهر في هذا المكان، وفي جميعها إن أعدته إلى الجميع كما هو المعروف من مذهب الشافعي، وعلى كل من التقديرين فالمعقود عليه غير معلوم؛ لأنه على تقدير عدم إمكان الزرع لا يكون معقوداً عليه، وشرط الإجارة أن تكون المنفعة التي يرد العقد عليها معلومة، وينبغي أن يتنبه الوراقون والشهود والقضاة لذلك. وطريق تصحيح هذه الحيلة أن يقال: لينتفع المستأجر بذلك فيما شاء مقيلاً ومراحاً وللزراعة إن أمكن، وإذا قال كما قلنا .. فلا يحتاج أن يقول: إن أمكن وحذفه أولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق بين هذه العبارة والعبارة الأولى: أن في هذه عموماً فهو كما لو قال: بجميع المنافع، أو لتنتفع كيف شئت .. فإنه يصح وله جميع المنافع. وأما العبارة الأولى .. فلا عموم فيها، بل هي خاصة بثلاث منافع إحداها: وهي الزراعة لا يصح الاستئجار لها قبل الوثوق بالري، وما لا يصح الاستئجار له وحده لا يصح الاستئجار له مع غيره، فإن لم يعقله على الإمكان .. فسد كذلك، وإن علقه .. فسد لما قدمناه من جهالة المنفعة المقصودة بالعقد، ولو أفرد وعلق على الإمكان .. فسد لأمرين: أحدهما: كون الإجارة للزراعة قبل الري. والثاني: تعليقه على الشرط والمنفعة المقصودة لابد أن تكون منجزة ممكنة عقب العقد. واقعة: أجر أرضاً للزراعة فعطلها المستأجر فنبت فيها عشب فلمن يكون؟ أجاب شيخنا بأنه للمالك؛ لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، إنما تملك المنافع. واقعة أخرى: رجل اشترى أرضاً خرساً وعمر بها أبنية ومعصرة للقصب، ووفقت ذلك على أولاده ثم مال ذلك إلى مصالح الحرمين، ثم إن شخصاً ادعى أن الأرض المذكورة وقف الحرمين، وثبت ذلك، فهل يجوز لأحد أن يؤجر الأرض المذكورة والحال أن بها الأبنية والغراس والأقصاب أو لا؟ وهل يؤمر المشتري المذكور بقطع غراسه ونقض أبنيته وطم آباره أو يبقى ذلك بأجرة المثل لأجل إبقاء العين ووقف المشترى؟ أجاب شيخنا شيخ الإسلام: لا يجوز لأحد أن يؤجر الأرض المذكورة لغير صاحب الأبنية والغراس والأقصاب وغير ذلك إن كان في إبقاء ما ذكر مصلحة الوقف

وَالاِمْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ، فَلاَ يَصِحُّ الاِسْتِئْجَارُ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بأخذ أجرة محققة ممن حصل منه صلاح الأرض بعد أن كانت غير منتفع بها، وكان في قلع ذلك احتمال أن تؤجر وأن لا تؤجر، ولم يمنع من بقاء الآبار والأبنية شرط الواقف فعلى الناظر الإبقاء بالأجرة وإن كان في باب الأملاك للمالك القلع؛ لأن المالك لا يتعين عليه أن يفعل لنفسه الأصلح، والناظر عليه ذلك فيما نحن فيه، فإن أورد المتعدي .. قلنا: المتعدي ظلم بتعديه، وليس لعرق ظالم حق. فإن قيل: إن المشتري شراء فاسداً كالغاصب فللناظر القطع مجاناً .. قلنا: هذا معارض بأنه ينظر في المصلحة، والمصلحة في الإبقاء، ولا يترك المحقق للموهوم، وهذا يتقيد به إطلاقهم وهو من النفائس. قال: (والامتناع الشرعي كالحسي، فلا يسح الاستئجار لقلع سن صحيحة)؛ لأنها متعذرة التسليم شرعاً، وكذا لقطع عضو سليم من الآدمي وغيره. نعم؛ يستثنى ما إذا كانت مستحقة القلع كالتي تعلق بها قصاص، أما العليل الجائز الإزالة .. فالأصح جواز الاستئجار له، وكذلك قلع السن الوجعة إذا صعب الألم وقال أهل الخبرة: إنه يزيله. وإذا استأجر لقلعها فسكن الوجع أو برئ .. انفسخت الإجارة على الأصح؛ لتعذر القلع. وعلم من كلام المصنف أنه لا يجوز الاستئجار على التصوير. وأغرب الماوردي في (كتاب النفقات) فقال: إذا استؤجر المصور على ذلك .. لا يستحق المسمى؛ لفساد العقد، ولكن له أجرة المثل. اهـ. قد قطع الأصحاب في الأواني بأنا إذا حرمنا اتخاذها .. لا يستحق عليها أجرة، وكذلك لا يصح استئجار المسلم لبناء كنيسة ونحوها.

وَلاَ حَائِضٍ لِخِدْمةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا حائض لخدمة مسجد) أي: إجارة عين سواء أمنت التلويث أم لا؛ لمنعها من العبور، لاقتضاء الخدمة المكث وفي معنى الحائض النفساء والمستحاضة، وفي معنى خدمة المسجد تعليم القرآن، وللإمام والغزالي في ذلك احتمال: أنه يصح وقواه الشيخ؛ لأن الخدمة في نفسها حلال وإنما المحرم المكث، فهو كالصلاة في الدار المغصوبة، فإذا فعلت .. وقع الموقع وإن عصت، وأجابا بأنه حرام فيحرم الاستئجار عليه. وأجاب ابن الرفعة بأن الصلاة في الدار المغصوبة حصلت عندها لا بها. قال الشيخ: وهذا مبني على قاعدة الأصوليين، والفقهاء لا يوافقون على ذلك. نعم؛ ينبغي أن تستثنى من ذلك الذمية فإنها إذا كانت حائضاً .. تمكث في المسجد إذا أمنت التلويث كالكافر الجنب، فلو أشرفت المرأة على الحيض فهل يجوز استئجارها لكنس المسجد؟ قال القاضي: لا نص فيها، ولو منعناها .. لم يبعد. وقال الإمام: تحتمل الصحة. ولو استأجرها للكنس فحاضت .. انفسخ العقد إن استأجر عينها، ولو دخلت وكنست .. عصت ولا تستحق الأجرة، وإن استأجر ذمتها .. لم ينفسخ؛ لإمكان إقامة غيرها مقامها. قال: (وكذا منكوحة) أي: منكوحة غيره (لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح)؛ لأن أوقاتها مستغرقة بحقه فلا تقدر على توفية ما التزمته. والثاني: يجوز؛ لأن محله غير محل النكاح، إذ لا حق للزوج في خدمتها ولا في لبنها، وعلى هذا للزوج فسخه حفظاً لحقه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن (الكافي) وجه: أنه يصح، ولا اعتراض للزوج عليها. ويجوز استئجارها بإذن الزوج بلا خلاف، ثم ليس له منعها مما اقتضاه عقد الإجارة. وفي سقوط نفقتها وجهان كما لو سافرت بإذنه، ولو أجرت نفسها ثم نكحت في المدة .. فالإجارة بحالها، وليس للزوج منعها من توفية ما التزمته، ولكن له أن يستمتع بها في أوقات فراغها، فإن كانت الإجارة للإرضاع .. فقيل لولي الطفل منع الزوج من وطئها؛ لئلا تحبل فينقطع اللبن. والأصح: لا؛ لأنه متوهم لا يمنع منه الوطء المستحق. ويجوز للزوج استئجار زوجته لكل عمل، وكذا لإرضاع ولده منها على الأصح في غير إرضاع اللبأ فإنه واجب عليها كما سيأتي في (النفقات). ولا يخفى أن هذا في إجارة العين، فإن التزمت عملاً في الذمة .. صح وإن لم يأذن الزوج، ثم إن وجدت فرصة وعملت .. استحقت الأجرة. ومقتضى تعليلهم أن الزوج لو كان صغيراً لا يتأتى منه الانتفاع بها .. فيظهر أنه تجوز لها إجارة عينها، وقد يقال بالمنع؛ لأنها في هذه الحالة تستحق عليه النفقة وهو الأظهر. كل هذا في الحرة، أما الأمة .. فللسيد أن يؤجرها قطعاً بغير إذن الزوج قطعاً، وليس للزوج منعها من المستأجر، والفرق اشتغال الزوجة الحرة بحقوق الزوج نهاراً وليلاً.

وَيَجْوزُ تَاجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ الحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا. وَلاَ تَجْوزُ إِجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أفتى الشيخ بأنه لا يجوز استئجار العكامين للحج؛ لأن الإجارة وقعت على عينهم للعمل فكيف يستأجرون بعد ذلك للحج؟ وهي مسألة عمت بها البلوى. وقد يقال: ذلك إنما يمتنع إذا كان العمل الذي استؤجر عليه منافياً لما استؤجر عليه أولاً، وهنا لا منافاة؛ إذ يمكن أن يأتي بأعمال الحج من غير إخلال بالعمل الأول. قال: (ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل إلى مكة أول شهر كذا)؛ لن الدين يقبل التأجيل كما لو أسلم في شيء معلوم إلى أجل معلوم، وإن أطلق .. كان حالاً. وقوله: (أول شهر كذا) يقتضي أنه تأجيل صحيح، وهو ما قاله الإمام والبغوي بحثاً واختاره الشيخ. وقد تقدم في (السلم) عن جمهور الأصحاب أنه باطل؛ لأنه يقع على جميع النصف الأول، لا جزم مثل في (الشرح) و (الروضة) بغرة شهر كذا فلا اعتراض عليهما. قال: (ولا تجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة) مثل إجارة الدار السنة المستقبلة، خلافاً للأئمة الثلاثة وسموها: الإجارة المضافة. لنا: أن إجارة العين كبيع العين، وهو لو باعها على أن يسلمها بعد شهر .. لم يصح وكذا الإجارة. واحترز بـ (العين) عن إجارة الذمة؛ فإنه يحتمل فيها التأجيل والتعجيل كما تقدم.

فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَاجِرِ الأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا .. جَازَ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو أجر السنة الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها .. جاز في الأصح)؛ لاتصال المدتين كما لو أجر منه السنتين في عقد واحد. واعترض الغزالي بأنه قد تنفسخ الأولى فلا يتحقق الاتصال، وأجاب الرافعي بأن الشرط ظهوره فلا يقدح عروض الانفساخ، وصرح في كلامه على ألفاظ (الوجيز) بأنه لو انفسخ العقد الأول .. لم يقدح في الثاني، وأسقطه من (الروضة)، وهو فرع حسن. والوجه الثاني: لا تجوز كما لو أجرها من غيره أو منه مدة لا تتصل بالمدة الأولى وصححه الجويني وولده والغزالي، وقال سليم والبندنيجي والروياني: إنه أقيس. فلو أجرها لغير مستأجر الأولى .. لم يجز جزماً، لكن يستثنى ما لو قال: أجرتك سنة، فإذا انقضت فقد أجرتك أخرى .. فالعقد الثاني باطل على الصحيح، وقد يجاب بأنه في هذه ليس مستأجر الأولى. تنبيهان: أحدهما: عبارة المصنف تقتضي أنه لا فرق بين أن تكون منافع السنة الأولى باقية على ملك المستأجر أو انتقلت عنه، فلو أجر العين مدة ثم باعها في أثنائها .. لم يكن للمشتري إيجارها السنة الثانية من المستأجر الأول؛ إذ ليس بينهما معاقدة، كذا نقله الشيخان عن القفال، وتردد في الوارث هل يمكن من ذلك إذا مات المكتري والمكري؟ والظاهر الجواز؛ لأن الوارث خليفة الموروث. والدار الموصى بمنفعتها شهراً لو أكراها مالك الرقبة للموصى له شهراً يلي الشهر الموصى له به .. لا نقل فيها، وقياس قول القفال: المنع، قال الشيخ: وهو الأفقه.

وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الأَصَحِّ، وَهُوَ: أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلاً لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ، أَوْ رَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّاماً وَذَا أَيَّاماً وَيُبَيِّنَ الْبَعْضَيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: شمل إطلاقه الطلق والوقف، لكن لو شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين فأجره الناظر ثلاثاً في عقد وثلاثاً في عقد قبل مضي المدة الأولى .. أفتى ابن الصلاح بعدم صحة العقد الثاني وإن فرعنا على الأصح هنا إتباعاً لشرط الواقف؛ لأن المدتين المتصلين في العقدين في معنى العقد الواحد، وخالفه ابن الأستاذ فقال: ينبغي أنه يصلح نظراً إلى ظاهر اللفظ. فرع: أجر عيناً مدة فأجرها المستأجر لغيره ثم إن المؤجر والمستأجر الأول تقايلا .. قال الشيخ: الظاهر صحة الإقالة ولا تنفسخ الإجارة. والفرق بينه وبين ما لو اشترى عيناً فباعها من غيره ثم تقايل البائع والمشتري أنه لا يصح لانقطاع علق البيع بخلاف الإجارة، وسيأتي في خاتمة الباب ما يشبه هذا. قال: (ويجوز كراء العقب في الأصح، وهو: أن يؤجر دابة رجلاً ليركبها بعض الطريق، أو رجلين ليركب هذا أياماً وذا أياماً ويبين البعضين، ثم يقتسمان) سواء وردت الإجارة على العين أو الذمة؛ لثبوت الاستحقاق حالاً، والتأخير الواقع من ضرورة القسمة لا يؤثر كالدار المشتركة، بخلاف ما لو استأجرها ليركبها زماناً ثم المستأجر بعده زماناً لتأخير حقه. والثاني: لا تجوز فيهما؛ فإنها إجارة إلى آجال متفرقة منقطعة. والثالث: تصح في الصورة الثانية دون الأولى؛ لاتصال زمن الإجارة فيها دون الأولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: تصح في إجارة الذمة لا في دابة معينة. و (العقب) بضم العين وفتح القاف: النوبة بعد النوبة، ولأن كل واحد منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه، ونقل المصنف في (تهذيبه) عن الخليل أن العقبة مقدار فرسخين. وروى البيهقي في (الشعب) [6/ 205] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مشى على راحلته عقبة فكأنما أعتق رقبة)، قال أبو أحمد: العقبة ستة أميال. وإدخال الألف واللام على البعض شاذ كما تقدم. تنبيه: قوله: (ليركب هذا أياماً وذا أياماً) بصيغة الجمع يقتضي جواز كون النوبة ثلاثة أيام فأكثر، لكن قال الشيخان: ليس لأحدهما طلب الركوب ثلاثاً والمشي ثلاثاً للمشقة، بل إن كان ثم عادة مضبوطة .. حمل عليها، وإلا .. وجب البيان ابتداء. قال الشافعي: وينبغي أن يراعيا الإنصاف في التناوب، فلا يطول ركوب أحدهما بحيث يثقل بدن صاحبه بالتعب والإعياء، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وليس لأحدهما أن يركب في الليل دون النهار، وإذا اقتسما بالزمان .. فالزمن المحسوب زمن السير دون النزول، فإذا نزل أحدهما للاستراحة أو لعلف الدابة .. لم يحسب زمن نزوله من المهايأة، فإذا ارتحلا من اليوم الثاني .. كان له الركوب بقدر ذلك، ولو اختلفا فيمن يركب أولاً .. قدم بقرعة. تتمة: هذه المسألة والتي قبلها مستثنيان من منع الإجارة لمنفعة مستقبلة ويضاف إليهما مسائل: منها: إذا أجر نفسه ليحج عن غيره إجارة عين قبل وقته .. فإنه يجوز بشرطين: بعد المسافة؛ لتحقق العذر في التقديم، وكونه زمن خروج أهل بلده بحيث يتهيأ للخروج عقبه.

فصل

فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أجر داراً ببلد آخر .. فقيل: لا يصح؛ إذ لا يتأتى التسليم إلا بقطع المسافة بين البلدين، والأصح عند المصنف: الصحة مع أنه صحح البطلان فيما إذا باع الجمد وزناً وكان يذوب بعضه إلى أن يوزن؛ لإمكان بيعه جزافاً. ومنها: استئجار الدار المشحونة بالأمتعة صحيح على الصحيح، كذا قاله الشيخان هنا، وصحح المصنف في آخر الباب أنه إن كان لزمن التفريغ أجرة .. لم يصح في الأصح. ومنها: إجارة الأرض التي علاها الماء قبل انحساره كما تقدم. قال: (فصل: يشترط كون المنفعة معلومة) أي: عيناً وقدراً وصفة كالمبيع، وهذا هو الشرط الثالث، فلا يجوز: أجرتك أحد العبدين؛ لاختلاف المنفعة باختلاف العين. فإذا استأجر عقاراً .. فلابد من ذكر جهاته كما في البيع، حكاه في (الكفاية) عن القاضي أبي الطيب، وتقدم في (بيع الأصول والثمار) بيانه. ثم إن كانت العين ليس لها إلا منفعة واحدة .. فالإجارة محمولة عليها، وإن كان لها منافع كالدابة والأرض .. وجب البيان، لكن يستثنى من هذا جواز دخول الحمام بأجرة مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء ومكثهم فيه، وحكى المصنف في (باب بيع الغرر) من (شرح المهذب) الإجماع عليه. والأصح: أن الذي يأخذه الحمامي أجرة الحمام والسطل والإزار وحفظ الثياب، أما الماء .. فغير مضبوط فلم يقابل بعوض، فعلى هذا: السطل غير مضمون على الداخل، والحمامي أجير مشترك لا يضمن على المذهب.

ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ كَدَارٍ سَنَةً، وَتَارَةً بِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ إِلَى مَكَّةَ، وَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: الذي يأخذه ثمن الماء، وهو متطوع بحفظ الثياب، والسطل عارية مضمونة. وفي ثالث: أنه ثمن الماء وأجرة الحمام والسطل وحفظ الثياب، وصححه ابن أبي عصرون والشيخ. قال: (ثم تارة تقدر بزمان كدار سنة، وتارة بعمل كدابة إلى مكة، وخياطة ذا الثوب)؛ لأن هذه المنافع معلومة في أنفسها فلم تفتقر إلى تقدير المدة، وقدرت بالعمل. أما العقار .. فلا طريق إلى التقدير فيها إلا بالزمان كما ذكره، وكذا في الثياب ونحوها، وأما إجارة الذمة .. فيتعين فيها كالاستئجار للخياطة والبناء، وكذا في الدابة للحمل عليها ونحو ذلك. وصورة الإجارة للسكنى أن يقول: أجرتكها لتسكنها كذا، فإن قال: على أن تسكنها كذا .. لم يصح، ذكره في (البحر)، قال: ولا يجوز أن يقول: وحدك. ثم إذا قدر المنفعة بالزمان .. وجب أن يكون على مدة معلومة القدر بأن يقول: أجرتك داري سنة بمئة، أو سنة كل شهر بدرهم، فلو اقتصر على: كل شهر بدرهم .. بطل في الأصح؛ لأنه عقد على الشهور وهي غير معلومة. فائدة: (تارة) منصوب على المصدر، وفسرها الجوهري بالمرة، وتجمع على تار كساعة وساع وحاجة وحاج، وفسرها ابن سيده بالحين، وجمعها على تارات وهو القياس. قال الشيخ: وإذا قلت: أجرتك الدار سنة .. فسنة مفعول ثان، أي: منافع سنة، ولا يصح أن يكون ظرفاً لأجرتك؛ لأن أجرتك إنشاء، والإنشاء لا زمان له،

فَلَوْ جَمَعَهُما فَاسْتَاجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَيَاضَ النَّهَارِ .. لَمْ يَصِحَّ فِي الأّصَحِّ. وَيُقدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما التقدير: جعلتها مؤجرة منك سنة، أو أجرتك منفعتها أي: الانتفاع بها سنة، فالعامل في سنة الانفاع. قال: والصواب أن قوله تعالى: {ثماني حجج} يعرب مفعولاً لا ظرفاً، وقد حكى أبو البقاء مثل ذلك في قوله تعالى: {فأماته الله مائة عم}. قال: (فلو جمعهما) أي: التقدير بالعمل والزمان (فاستأجره ليخيطه بياض النهار .. لم يصح في الأصح)؛ للغرر، فقد يتقدم العمل أو يتأخر كما إذا أسلم في قفيز حنطة بشرط أن يكون وزنه كذا .. لم يصح بلا خلاف. والثاني: يصح لحصول الضبط بكل منهما، وعلى هذا: يستحق الأجرة بأسرعهما على الأصح. والثالث: إن أمكن العمل في المدة المذكورة .. صح، وإلا .. فلا. وقد يسأل عن جريان الخلاف هنا، والقطع بمنع قفيز حنطة زنته كذا. واستثنى الشيخ من إطلاق المصنف مسألتين بحثاً: إذا كان الثوب صغيراً يفرغ في أقل من يوم عادة، وما إذا قصد العمل وجرى ذكر اليوم على سبيل التعجيل لا الاشتراط. قال: (ويقدر تعليم القرآن بمدة) أي: كشهر ونحوه، هذا الذي قطع به الإمام والغزالي، وقال البغوي: لا يكفي التقدير بالمدة، بل لابد من تعيين السور أو الآيات؛ للتفاوت في الحفظ والتعليم، وقال في (الشرح الصغير) و (التذنيب): إن هذا هو الأشبه. وعلى الأول هل تدخل أيام الجمع في المدة؟ فيه احتمالان في (البيان)، وهما كالوجهين في النزول عن الدابة في المواضع التي جرت العادة بالنزول فيها، وكسبوت

أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ اليهود فإنها تستثنى كما سيأتي في خاتمة الباب. قال: (أو تعيين سور) فإن أخل بذلك .. لم يصح في الأصح؛ لما تقدم من التفاوت في السهولة والصعوبة، فلو جمع بينهما كتعلمه سورة كذا في شهر كذا .. ففيه الخلاف المتقدم، وكذا تعيين الآيات فيقول: عشر آيات من سورة كذا من أولها أو آخرها، وكذا تعيين الآيات فيقول: عشر آيات من سورة كذا من أولها أو آخرها، وقيل يكفي: عشر من سورة كذا، وقيل: يكفي: عشر من سورة وإن لم يعين السورة أيضاً. فروع: يشترط كونه قدراً في تعلمه كلفة لا كـ {ثم نظر}، قال في (الحاوي): وأقله كأقصر سورة وهي ثلاث آيات فصاعداً، ويشترط العلم بالمشروط إما بأن يعلما ذلك أو بعدد الأسطر والأوراق فيقول: من ههنا إلى ههنا، وتوقف الرافعي في ذلك؛ لأنه لا تعرف سهولته وصعوبته. قال في زوائد (الروضة): والصواب أنه لا يكتي بهذا، والذي قالا يشكل عليه ما تقدم في البيع في شروط الكفيل أنه تكفي مشاهدته وإن جهل إعساره ويساره. وقد يفرق بأن القرآن هو نفس المعقود عليه فاحتطنا له، والكفيل توثقة للمعقود عليه فخفف أمره. ولا يشترط تعيين القراءة كحرف أبي عمرو وحمزة وغيرهما على الصحيح، فلو عين قراءة .. تعينت، فإن أقرأه غيرها فهل يستحق أجرة المثل أو لا يستحق شيئاً؟ وجهان حكاهما الرافعي في (الصداق). ولا يشترط أن يختبر حفظ المتعلم كما لا تشترط معرفة حال الفرس في المسابقة، والقياس عدم الصحة فيهما؛ للجهالة، قال الإمام: وكنت أو ذلك.

وَفِي الْبِنَاءِ يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ، وَالطُّولَ، وَالْعَرْضَ، وَالسَّمْكَ، وَمَا يُبْنَى بِهِ [إِنْ قُدِّرَ بِالْعَملِ]. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان يتعلم الشيء وينساه .. ففيه أوجه: أحدها: إن تعلم آية فنسيها .. لم تجب إعادتها، أو دونها .. وجب. وثانيها: الاعتبار بالسورة. وثالثها: إن نسي في مجلس التعليم .. وجب أن يعيده، وإلا .. فلا. والأصح: إتباع العرف الغالب. قال القاضي: وشرط المعلم: أن يكون مسلماً أو مرجو الإسلام. فائدة: سئل قاضي القضاة ابن رزين عن أمير حبس ثم مات، فطلب ورثته من ديوانه عمل الحساب للمدة التي كان الأمير حياً فيها فأجاب: لا يلزمهم ذلك إلا أن يكونوا استؤجروا إجارة صحيحة على عمل معين وفيه عمل الحساب، ولم يكونوا عملوه قبل ذلك للأمير. قال: وفي البناء يبين الموضع والطول، والعرض، والسمك) وهو بفتح السين كما ضبطه بخطه الارتفاع قال تعالى: {رفع سمكها} وأما الطول .. فهو من إحدى الزاويتين إلى الأخرى، والعرض: المسافة من إحدى وجهي الجدار إلى الآخر. قال: (وما يبنى به) من طين وآجر ولبن [(إن قدر بالعمل)]؛ لأن الأغراض تختلف بذلك، وكذلك الأجرة، فلو قدره بالزمان .. كفى. ولو استأجر للتجصيص أو التبييض .. قدره بالزمان؛ إذ لا سبيل إلى تقديره بالعمل لأنه لا ينضبط رقة وثخانة.

وَإِذَا صَلَحَتِ الأَرْضُ لِلْبِنَاءِ وَالزِّرَاعَةِ وَالْغِرَاسِ .. اشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ: لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْتَ .. صَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا صلحت الأرض للبناء والزراعة والغراس .. اشترط تعيين المنفعة)؛ لأن منافع هذه الجهات مختلفة، وضررها اللاحق يختلف .. فوجب التعيين، فإن لم تصلح الأرض إلا لجهة واحدة .. كفى الإطلاق كأرض الأحكار؛ فإنه يغلب فيها البناء، وبعض البساتين؛ فإنه يغلب فيها الغراس. قال: (ويكفي تعيين الزراعة عن ذكر ما يزرع في الأصح)؛ لقلة التفاوت بين أنواع الزرع، وعلى هذا يزرع ما شاء. قال الرافعي: ولا يجب أن ينزل على أقل الدرجات. والثاني: لا يكفي ذلك؛ لأن ضرر الزرع مختلف، وهما كالوجهين فيما إذا أعار أرضاً للزراعة مطلقاً. وينبغي أن يكون الخلاف فيما لا يجب الاحتياط له، فأما إذا أجر على غيره بولاية أو نيابة .. فلا يكفي الإطلاق ويجب التعيين. واقتصار المصنف على الزراعة يوهم أن البناء والغراس ليسا كذلك، والشيخان سويا بين الجميع، وفي ذلك نظر؛ فإن ضررهما يتأبد بخلاف الزرع. قال: (ولو قال: لتنتفع بها بما شئت .. صح) وادعى الإمام الاتفاق عليه، وعلى هذا يصنع ما شاء؛ لأنه رضي به، لكن يشترط عدم الإضرار؛ فإن العادة جارية بأن الأرض إذا زرع فيها شيء في سنة تراح منه أخرى ولذلك قال ابن الصلاح في (فتاويه): عليه أن يربح الأرض على ما جرت به العادة كما في إراحة الدابة. وفي وجه: لا يصح كما لو قال: بعتك من هؤلاء العبيد من شئت؛ لأن أنواع المنافع كالأعيان.

وَكَذَا إِنْ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْتَ فَاغْرِسْ فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي إِجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ: مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ، وَقِيلَ: لاَ يَكْفِي الْوَصْفُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن قال: إن شئت فازرع وإن شئت فاغرس في الأصح)؛ لأنه رضي بأعظمهما ضرراً فيتخير بينهما. والثاني: المنع للإبهام، فلو قال: أجرتكها لتزرع أو تغرس .. لم يصح. قال: (ويشترط في إجارة دابة لركوب معرفة الراكب) سواء كانت إجارة عين أو ذمة؛ لاختلاف الأغراض بذلك، وذلك يحصل بطريقتين ذكرهما المصنف فقال: (بمشاهدة أو وصف تام) أما المشاهدة .. فلا خلاف في الاكتفاء بها كما قيل [من الوافر]: ولكن للعيان لطيف معنى له سأل المشاهدة الخليل والمراد بالوصف التام: أن يذكر طوله وضخامته ونحافته؛ ليعرف وزنه تخميناً، وقيل: يصفه بالوزن. وعبارة (المحرر): (وطريق معرفته المشاهدة عند الجمهور) والأصح: أن الوصف التام يكفي عنها. وقطعوا في الصبي المستأجر لإرضاعه باشتراط رؤيته، ولم يكتفوا فيه بالوصف؛ لأنه لا يأتي على المقاصد المتعلقة به. قال: (وقيل: لا يكفي الوصف)؛ لأنه غير واف بالمقصود، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الخبر كالمعاينة) رواه ابن حبان. فعلى هذا: تتعين المشاهدة؛ لأن الرجال يتفاوتون في السمن والهزال والثقل والخفة، وبالقياس على البيع، والذي ضعفه المصنف هنا نقله في (الشرح) و (الروضة) عن الأكثرين، وحكاه في (المطلب) عن نص (الأم).

وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ إِنْ كَانَ لَهُ. وَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ مُطْلَقاً: فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن كان غائباً .. وصفه، وإلا .. فلا. قال: (وكذا الحكم فيما يركب عليه من محمل وغيره) كعمارية أو زاملة أو سرج أو إكاف أو رحل. و (المحمل) بفتح الميم الأولى كمجلس. قال: (إن كان له) أي: إن كان الحضر له هو الراكب .. فظاهره اعتبار المشاهدة، وأن الوصف التام في معناه في الأصح. وقيل: يكفي الوزن أو الوصف، وقيل: لابد من المشاهدة، وقيل: إن خفت .. كفى الوصف، وإلا .. وجبت المشاهدة. واحترز المصنف عما إذا لم يكن له ما يركب عليه، فإنه لا يجب ذكره، ويركبه المؤجر على ما يليق بالدابة. ويشترط مع ما ذكره بيان ما يفرش في المحمل، وكذلك الغطاء الذي يستظل به، فإن أطلق العقد .. حمل على كونه مكشوفاً لإمكان الركوب به، وإنما التغطية ترفه .. فلابد من شرطه، وينظر أيضاً إلى ارتفاع المظل الذي على الكنيسة فإنه كلما ارتفع أضر بالمحمل. وعن ابن كج والمتولي: تشترط رؤية ما يظلل به أو وصفه كالوطاء وهو ظاهر النص، إلا أن يكون فيه عرف مطرد .. فيكفي الإطلاق. قال: (ولو شرط حمل المعاليق مطلقاً) أي: من غير رؤية ولا وصف ووزن (.. فسد العقد في الأصح)؛ لاختلاف الناس فيها، وربما قلت وربما كثرت. والثاني: يصح ويحمل على الوسط، وبه قال مالك وأبو حنيفة. و (المعاليق): جمع معلوق بضم الميم قاله الأزهري، وغلط من قال: جمع معلاق، وهو: ما يعلق على البعير كالسفرة والإداوة والقدر والقصعة ونحوها. وموضع الخلاف إذا كانت فارغة، فإن كان فيها طعام أو ماء أو نحوه .. وجب ضبطه بالوزن أو الرؤية في الأصح.

فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ .. لَمْ تُسْتَحَقَّ. وَيُشْتَرَطْ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ: تَعْيِينُ الدَّابَّةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلاَفُ فِي بَيْع الْغَائِبِ، وَفِي إِجَارَةِ الذِّمِّةِ: ذِكْرُ الجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ وَالأُنُوثَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا: بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلِّ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ينبغي أن يعبر بالمذهب أو الأظهر كما عبر به في (الروضة)؛ لأن فيها وفي (الشرح) طريقين: أشهر قولان. والطريق الثاني: القطع بالمنع. قال: (فإن لم يشرطه .. لم تستحق)؛ لأنها لم تذكر. وقيل: تستحق؛ لأن العادة جارية بذلك. قال: (ويشترط في إجارة العين: تعيين الدابة) أي: لابد من ذلك؛ إذ لا يتصور إلا كذلك، ويشترط أيضاً قدرتها على المحمول، فلو ذكر متاعاً لا تقدر على حمله أو قال: لتحمل عليها ما شئت .. لم يصح. قال: (وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في بيع الغائب) وقد تقدم أن الأظهر اشتراطه. قال: (وفي إجارة الذمة: ذكر الجنس) كالإبل والبغال والحمير. قال: (والنوع) كبختي أو نجيب والبرذون والعتيق. قال: (والذكورة والأنوثة)؛ لأن الأغراض تختلف بذلك؛ فإن الذكر أقوى والأنثى أسهل سيراً، وفي وجه: لا يشترط ذلك؛ لقلة اختلاف الأغراض باختلافهما. والأصح: اشتراط ذكر الهملجة وغيرها؛ لأن معظم الغرض يتعلق بكيفية السير، ولا يحتاج إلى ذكر اللون والقدر؛ لأن الأغراض لا تختلف به. قال: (ويشترط فيهما) أي: في إجارة العين والذمة (بيان قدر السير كل يوم) ويكون قدراً تطيقه الدابة غالباً، وذلك يختلف باختلاف البهائم واختلاف الطرق وسهولة وحزونة.

إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ يُنَزَّلُ عَلَيْهَا. وَيَجِبُ فِي الإِيجَارِ لِلْحَمْلِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَحْمُولَ- فَإِنْ حَضَرَ .. رَآَهُ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إِنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ، وَإِنْ غَابَ .. قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ- وَجِنْسَهُ، لاَ جِنْسَ الدَّابَّةِ وَصِفَتَهَا إِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ ذِمَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة ينزل عليها) أي: عند الإطلاق كما ينصرف إطلاق النقد إلى غالب نقد البلد، فإن شرط خلافه .. أتبع، فإن لم يكن أو كانت العادة مختلفة .. لم يصح حتى يبينا أو يقدرا بالزمان. وقال القاضي أبو الطيب والروياني: إذا كان الزمان مخوفاً .. لا يجوز تقدير السير فيه؛ إذ لا تعلق له بالاختيار، قال الرافعي: وقضيته امتناع التقدير بالزمان أيضاً. قال: (ويجب في الإيجار للحمل أن يعرف المحمول)؛ لاختلاف تأثيره وضرره. قال: (فإن حضر .. رآه وامتحنه بيده إن كان ظرف) تخميناً لوزنه إن كان ممكناً به، فإن لم يكن في ظرف .. كفت رؤيته، ولا يشترط الوزن في الحال، وفي (الحاوي) ما يقتضي خلافاً فيه. أما ما يستغني عن الظرف كالأحجار .. فعبارة المصنف توهم أنه لا يمتحن باليد وليس كذلك، بل لابد من امتحانه بها. قال: (وإن غاب .. قدر بكيل أو وزن)؛ لأن ذلك طريق معرفته، ولو قدر المكيل بالوزن .. جاز؛ لأنه أضبط. قال: (وجنسه) المراد: أن يعرف المكري جنس المحمول؛ لأن تأثير القطن والحديد في الدابة يختلف مع التساوي في الوزن فلو قال: مئة رطل مما شئت .. جاز في الأصح، وكذلك لو لم يقل مما شئت، ويكون رضي منه بأضر الأجناس .. فلا حاجة حينئذ لبيان الجنس. فلو قدر بالكيل فقال: عشرة أقفزة مما شئت .. فالصواب: أنه لا يغني [عن] ذكر الجنس؛ لاختلاف الأجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل. قال: (لا جنيس الدابة وصفتها إن كانت إجارة ذمة)؛ لأن المقصود الحمل إلى

إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجاً وَنَحوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضع المعين، وتوقف الرافعي فيه. قال: (إلا أن يكون المحمول زجاجاً ونحوه) كالزخرف؛ لاختلاف الغرض به، وكذا إذا كان في الطريق وحل أو طين .. فلابد من إعلام الدابة؛ لأن الضعيفة تسقط فيها دون القوية، وهذا استثناء ذكره القاضي حسين فتابعه الإمام والغزالي والرافعي، قال في (المطلب) ولم يتعرض له الجمهور؛ لأن المحمول إن كان مشاهداً .. فيحمل على ما يليق به عرفاً وشرعاً، وإن كان موصوفاً .. فعند العراقيين لابد من ذكر جنسه، وإذا ذكر .. صار كالمشاهد. قال الرافعي: ولم ينظروا إلى تعلق الغرض بكيفية سرعة الدابة وإبطائها وقوتها وضعفها، ولو نظروا إليها .. لم يكن بعيداً. والزجاج مثلث الزاي حكاه ابن سيده وابن مالك. تتمة: ظروف المتاع وحباله إن لم تدخل في الوزن .. فلابد من معرفتها بالرؤية أو الوصف، إلا أن يكون هناك غرائز متماثلة اطرد العرف باستعمالها .. فيحمل مطلق العقد عليها. وإذا اكترى دابة ليركبها ويحمل عليها كذا كذا رطلاً فركب وحمل وأخذ في السير، فأراد المكري أن يعلق عليها مخلاة أو سفرة أمام القتب أو خلافه أو يردف رديفاً .. كان للمكتري منعه. ولو ضمن رجل العهدة للمستأجر فيما استأجره .. قال ابن سريج: لا يصح، وحكى الرافعي عن القفال: أنه يصح، ويرجع عليه عند ظهور الاستحقاق.

فصل

فَصْلٌ: لاَ تَصِحُّ إِجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ، وَلاَ عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: لا تصح إجارة مسلم لجهاد) سواء استأجره الإمام أم غيره؛ لأنه إن تعين عليه .. فلا يجوز أن يستأجر له، وإن لم يتعين عليه ابتداء، فإذا حضر الصف .. تعين وما تعين على الإنسان لا يجوز أخذ أجرة عليها كما لا يأخذ الصرورة الأجرة على الحج. وقد يقال: لم لا يصح استئجار المسلم؛ لأن الواجب عليه أن لا يولي لا أن يقاتل؟ والعبد في ذلك كالحر، وقال بعض شارحي (التنبيه): إن العبد إذا حضر الصف لا يتعين عليه، فعلى هذا: يستأجر، أما الذمي .. فيجوز للإمام استئجاره لذلك على المذهب، ولا يصح من غيره استئجاره على الأصح. وجواز استئجار الذمي مشكل على القول بخطابه بالفروع، لاسيما وقد قال الإمام: إنه إذا حضر الصف .. لا يجوز له الانصراف. قال: (ولا عبادة تجب لها نية)؛ إذ القصد امتحان المكلف بها، فلا يجوز على الإمامة ولو لصلاة التراويح؛ لأنه مصل لنفسه ونفعه يعود إليه، وقيل: يجوز لتأدي الشعار به كالأذان. أما التي لا يجب لها نية كالأذان .. فيصح الاستئجار عليها في الأصح، ولو قال: لا تشرع فيها النية .. كان أحسن؛ لأن المصنف نقل في (كتاب الحج) عن الماوردي أنه لو استأجره لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لم يصح. وأما الجعالة عليها، فإن كان على مجرد الوقوف عند القبر ومشاهدته .. لم يصح؛ لأنه لا تدخله النيابة، وإن كان على الدعاء عند زيارته .. جاز؛ لأن الدعاء مما تدخله النيابة، ولا يضر الجهل بنفس الدعاء.

إِلاَّ الْحِجُّ وَتَفْرِقَةُ زَكاةٍ. وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيْتٍ وَدَفْنِهِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: كان شيخنا رحمه الله يقول: ظن بعضهم أن الجامكية على الإمام والطلب ونحوهما من باب الإجارة، حتى لا يستحق شيئاً من أخل ببعضها وظائفها وليس كذلك، بل هو من باب الإرصاد والإرزاق المبني على الإحسان والمسامحة، بخلاف الإجارة فإنها من باب المعاوضة، ولهذا يمتنع أخذ الأجرة على القضاء، ويجوز إرزاقه من بيت المال بالإجماع. وإنما امتنع أخذ الأجرة على هذا لأنه فعل العبادة لغرض دنيوي وهو يمنع من مشروعيتها، وستأتي هذه المسألة في (باب الجعالة). قال: (إلا الحج) وكذلك العمرة؛ لما تقدم في موضعه، وفي الجزم باستثناء الحج إشكال؛ لأنه إذا وصل الميقات وأراد مجاوزته .. وجب عليه الإحرام على وجه، فعلى هذا يكون كالجهاد. قال: (وتفرقة زكاة) بالإجماع، وكذلك النذور والكفارات. والضابط: أن كل ما تدخله النيابة .. يجوز الاستئجار عليه، وما لا .. فلا، وقد تقدم الكلام في (الوكالة)، وكذلك الصوم عن الميت وذبح الهدي والضحايا وركعت الطواف فإنها تقع عن المحجوج عنه على الأصح تبعاً للحج. قال: (وتصح لتجهيز ميت ودفنه)؛ إذ الأجير غير مقصود بفعله، وفصله عما قبله لعدم اشتراط النية فيه فهو نوع آخر، فإن شرطنا النية في الغسل .. جاز أيضاً. قال: (وتعليم القرآن)؛ لما روى البخاري [5737]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله) ولأن نشره وتعليمه من فروض الكفايات، بل يجوز أخذ الأجرة على تعليم (الفاتحة) لمتعين عليه على الأصح كما لو تعين على شخص غسل الميت وتجهيزه. والمراد: إذا استأجره لتعليم سورة خاصة، فلو استأجره للتصدي للإقراء .. لم

وَلِحَضَانَةِ وَإِرْضَاعٍ مَعاً، وَلأَحَدِهِمَا فَقَطْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يجز كالاستئجار للتدريس والقضاء والإعادة، إلا أن يستأجر لتعليم مسألة أو مسائل معلومة .. فهو جائز قطعاً. واحتج للمنع بقوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار) قال الذهبي: إسناده صحيح، ولا يكون شيء من الكتمان أبلغ من أخذ أجرة عليه. ويجوز الاستئجار للأذان على الأصح، وهل الأجرة لرفع الصوت أو لرعاية الوقت أو للجيعلتين أو للجميع؟ فيه أوجه: أصحها الأخير. وفي جواز الاستئجار للمباحات وجهان بناء على جواز التوكيل فيها، وقضيته تصحيح الصحة. قال: (ولحضانة وإرضاع معاً) وهذه لا خلاف فيه، ويدل له قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فئاتهن أجورهن}، ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، ولا يخفى أن ذلك في غير اللبأ فإنه واجب على الأم كما تقرر. قال: (ولأحدهما فقط)؛ لأن كلاً على حدته مقصود يقابل بالأعواض، فإذا استأجر للحضانة .. تناول ما ذكره المصنف من حفظ إلا آخره. وفي فتاوى القفال) حكاية قول: إنه لا يصح أن يستأجر المسلم يهودية لرضاع ولده ويخلي بينه وبينها، لأنهما ربما تخلفت عن تعهده. فروع: قال الرافعي: على المرضعة أن تأكل وتشرب ما يكثر اللبن، وللمكتري تكليفها ذلك.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَسْتَتْبعُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الرفعة: فيه نظر، إنما يمنعها أن تتعاطى ما يضر بالبن كما قاله الماوردي، وقال الروياني: إذا أجرت نفسها إجارة عين لرضاع ثم بان أنها مزوجة .. كان للمستأجر الخيار. قلت: الظاهر: أن هذا مقيد بما إذا كان الزوج حاضراً يمنعها، أما إذا كان غائباً غيبة بعيدة لا يتوقع قدومه في المدة، أو طفلاً لا يتوقع استمتاعه فيها، أو ممسوحاً .. فلا خيار. وذكر أنها لو أجرت نفسها ثم أقرت بزوج .. لم تصدق في حق المكتري، ولو نكحت ثم ذكرت أنها كانت أجرت نفسها لرضاع .. لم تصدق في حق الزوج. وإذا لم يقبل الصبي ثديها فهل له الفسخ بذلك؟ وجهان في (تعليق القاضي حسين). ويجب تعيين الصبي لاختلاف الغرض باختلافه، وتعيين موضوع الإرضاع أهو بيته أم بيته، ويجب في الاستئجار له التقدير بالمدة؛ إذ لا سبيل إلى تقدير مرات الرضاع. قال: (والأصح: أنه لا يستتبع أحدهما الآخر)؛ لأنهما منفعتان يجوز إفراد كل منهما بالإجارة، فأشبهتا سائر المنافع إذا استأجر لأحدهما وسكت عن الآخر. والثاني: أن كلاً منهما يستتبع الآخر؛ لأنه لا يتولاهما في العادة إلا امرأة واحدة. والثالث: أن الاستئجار للإرضاع يستتبع الحضانة، ولا عكس؛ لئلا تبقى الإجارة في مقابلة العين خاصة. والرابع: عكسه، حكاه في (المطلب). كل هذا إذا أطلق، فإن استأجر لأحدهما ونفى الآخر .. فالأصح الجواز.

وَالْحَضَانَةُ: حِفْظُ الصَّبِيِّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَاسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا. وَلَوِ اسْتَاجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ الَّبَنُ .. فَالْمَذْهَبُ: انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الإِرْضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والحضانة: حفظ الصبي وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها) هذه حقيقة الحضانة عرفاً، وأصلها من الحضن وهو: ما دون الإبط إلى الكشخ؛ لأن الحاضنة تجعل الطفل هناك. و (الدهن) بفتح الدال الفعل، أما الدهن بالضم .. فحكى الرافعي وجهين في الفروع آخر الباب أنه على الأب، أو تتبع به العادة. قال: (ولو استأجر لهما فانقطع اللبن .. فالمذهب: انفساخ العقد في الإرضاع دون الحضانة)؛ لفوات المعقود عليه. والثاني: لا ينفسخ ولكن يتخير؛ لأن انقطاعه عيب، ولو أتى باللبن من موضع آخر ولم يتضرر الولد .. جاز، وهذا الخلاف بنبني على أن المعقود عليه هل هو اللبن والحضانة تابعة أو العكس؟ فعلى الأول: ينفسخ العقد بانقطاعه، وعلى الثاني: لا ينفسخ؛ لأن الإجارة وضعت للمنافع والأعيان تبع لها. وقال الرافعي: لم يفرقوا بين أن يصرح بالجمع بينهما وبين أن يذكر أحدهما ويحكم بالاستتباع، وحسن أن يفرق؛ ففي (التصريح) يقطع بأنهما مقصودان، وعند ذكر أحدهما هو المقصود والآخر تابع، وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بـ (الأصح) كما فعل في (الروضة). فرع: استؤجرت للإرضاع فدفعته إلى خادمتها فأرضعته، إن شرط عليها إرضاعه بنفسها .. فلا شيء لها، وإن أطلق .. استحقت، وإن كانت تسقيه لبن الغنم وتطعمه

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَجِبُ حِبْرٌ وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ. قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي (الْشَّرْحِ) الرُّجُوعَ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، فَإِنِ اضْطَرَبَتْ .. وجَبَ الْبَيَانُ، وَإِلاَّ .. فَتَبْطُلُ الإِجَارَةُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ شيئاً .. قال ابن كج: لا شيء لها؛ لأنها لم ترضعه. قال: (والأصح: أنه لا يجب حبر وخيط وكحل على وراق وخياط وكحال)؛ لأن الأعيان لا تستحق بالإجارة، وأمر اللبن على خلاف القياس للضرورة، وكذلك الماء في استئجار البئر، لكن في (الأحياء) يتسامح بحبر الوراق وخيط الخياط؛ لأنهما لا يقصدان على حيالهما. و (الحبر) بكسر الحاء فقط: المداد، سمي بذلك لأنه تحبر به الكتب، أي: تحسن. وفي حديث أبي موسى: (لو علمت أنك تسمع لقراءتي .. لحبرتها لك تحبيراً) يريد تحسين الصوت وتحزينه يقال: حبرت الشيء تحبيراً حسنته. و (الوراق): الناسخ الذي يورق ويكتب، وكان ينبغي إبدال الأصح بالمذهب؛ فإن المسألة ذات طرق ثلاثة. قال: (قلت: صحح الرافعي في (الشرح) الرجوع فيه إلى العادة)؛ لأنه لا ضابط له في الشرع ولا في اللغة. قال: (فإن اضطربت .. وجب البيان، وإلا .. فتبطل الإجارة والله أعلم). ظاهر هذه العبارة: أن المصنف لم يصحح شيئاً، بل ذكر اختلاف تصحيح الرافعي في كتابه، وقد يقال: إنه مرجح للأول؛ لأنه حكى شيئاً ولم يصححه فدل على أن اختياره الأول، وقد يقال: إنه مرجح للثاني؛ لأنه كالاستدراك، ويؤيده أنه في (الروضة) لما ذكر تصحيح الثاني .. لم يعقبه بما في (المحور).

فصل

فَصْلٌ: يَجِبُ تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدِّارِ إِلَى الْمُكْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم الصبغ وطلع النخل حكم الحبر فيما ذكره، ولم يذكروا ما يحتاجه القصار من الجير وغيره؛ لاطراد العادة بأن ذلك على القصار. ولابد في النسخ من بيان عدد الورق الذي يكتب فيه، والأسطر في كل صفحة ولم يتعرضوا لتقدير المدة ولا لدقة الخط وغلظه، ولا لبيان قدر الحواشي والقطع الذي يكتب فيه، وفي كل ذلك نظر. تتمة: يصح أن يستأجر كحالاً لمداومة عينيه، لكن لابد من تقدير المدة بالزمان، فلو قدر مدتها بالبرء .. فسد العقد؛ لأنه لا يعلم متى يكون، فلو مضت المدة ولم يبرأ .. استحق الأجرة؛ لأنه سلم العمل المستحق عليه بالعقد، فإذا برئ قبل مضي المدة انفسخ العقد فيما بقي منها، وأما الماضي .. فعلى قولين كما لو مات الأجير في أثناء المدة. قال: (فصل: يجب تسليم مفتاح الدار إلى المكتري) وكذلك كل ما كان في معناه؛ ليتمكن من الانتفاع الواجب له وها لا خلاف فيه، وفي دخوله في بيع الدر وجهان؛ لأن التسليم ممكن بدونه، وإذا سلمه .. فهو أمانة في يد المستأجر، فإن ضاع بغير تقصير .. لم يلزمه شيء، وإن قصر .. ضمنه، وفي الحالين هل يجب إبداله على المؤجر؟ وجهان، الأصح: المنع، وهل يطالب به؟ فيه الخلاف الآتي في المطالبة بالعمارة.

وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا، وَإِلاَّ .. فَلِلْمُسْتَاجِرِ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا في مفتاح الغلق المثبت، فإن كانت العادة الإقفال .. لم يجب تسليم القفل؛ لأن الأصل عدم دخول المنقول في ذلك. والمفتاح بكسر الميم جمعه مفاتيح ومفاتح قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}. قال ابن عباس وغيره: وهي الخمسة التي في آخر (سورة لقمان) {إن الله عنده علم الساعة} الآية. قال: (وعمارتها على المؤجر)؛ لأن تركها يخل بالانتفاع. والعمار ثلاثة أضرب: أحدها: مرمة لا تحتاج إلى عين جديدة كإقامة جدار مائل وإصلاح جذع منكسر وغلق يعسر فتحه، فهذا يجبر المؤجر عليه توفية بمقتضى العقد وبه قطع الغزالي، وقال العراقيون: لا يجبر، بل إن فعله .. استمرت الإجارة، وإلا .. فللمستأجر الخيار وهو مذهب أبي حنيفة. وثانيها: ما يحوج إلى إحداث عين جديدة كبناء جدار وتجديد جذع وتطيين سطح، فإذا عرض هذا في أثناء المدة .. ثبت للمكتري الخيار سواء أوجبنا العمارة عليه أم لا إذا انقضت به المنفعة، حتى لو وكف السقف لترك التطيين .. ثبت الخيار في تلك الحالة، فإذا انقطع .. فلا خيار إلا إذا حصل بسببه نقص، فإن بادر المكري وأصلح .. سقط الخيار لزوال الضرر، وفي الإجبار على هذا الضرب وجهان: أصحهما: لا، لكن يثبت الخيار للمستأجر؛ لأن فيه التزام عين لم يتناولها العقد. الثالث: عمارة يحتاج إليها لدفع خلل وجد عند العقد كما إذا أجر داراً ليس لها باب أو ميزاب، فلا إجبار هنا وثبت الخيار للمستأجر إن جهل. قال: (فإن بادر وأصلحها) أي: فذاك (وإلا .. فللمستأجر الخيار) دفعاً للضرر عنه؛ لأنه مخل بالانتفاع، ومحل ما ذكره المصنف في المقارن الذي جهله المكتري.

وَكَسْحُ الثَّلْجِ عَنِ السَّطْحِ عَلَى الْمؤَجِّرِ. وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان المؤجر المالك، فإن كان ولياً لمحجور أو ناظر وقف ولو لم يعمر لفسخ المستأجر وحصل التعطل والضرر للمولى عليه .. فإنه يجب عليه العمارة؛ لمصلحة المستحق ونفي الضرر عن وقفه وملكه. فرع: أفتى الغزالي بأنه إذا وقعت الدار على متاع المستأجر .. لا يلزم الآجر ضمانه ولا أجرة تخليصه. قال: (وكسح الثلج عن السطح على المؤجر)؛ لأنه كعمارة الدار، فإن تركه على السطح وحصل به عيب .. فللمستأجر الخيار، وهل يجبر عليه؟ قال الإمام: فيه الخلاف في العمارة. وخص ابن الرفعة المذكور في الكتاب بدار لا ينتفع ساكنها بسطحها كما إذا كانت جملونات، أما إذا كان به انتفاع .. فيظهر أنه كعرصة الدار يفرق فيه بين الخفيف والكثيف. قال: (وتنظيف عرصة الدار عن ثلج وكناسة على المكتري)؛ لأن الكناسة حصلت بفعله والثلج يقرب من ذلك. والمراد بكونه عليه: أنه إذا أراد أن يكمل له الانتفاع .. فليرفعهما ولا خيار له. نعم؛ على المكري أن يسلم الدار فارغة الحش والبالوعة، وكذا مستنقع الحمام، فإن كانت مملوءة .. فللمستأجر الخيار، فإذا امتلأت هذه الأماكن في المدة فتفريغها على المستأجر في الأصح؛ لحصولها بفعله.

وَإِنْ أَجَرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ .. فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إِكَافٌ وَبَرْذَعَةٌ وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبُرَةٌ وَخِطَامٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: على المؤجر واختاره الماوردي والروياني والشيخ، وهو الذي يقتضيه العرف وعليه العمل، وهل يجبر المستأجر على ذلك؟ وجهان: أصحهما: لا، إلا أن يضر الجدار فيجبر عليه. وفسروا الكناسة التي على المكتري إزالتها بالقشور وما يسقط من الطعام ونحوه، دون التراب الذي يجتمع بهبوب الرياح؛ لأنه حصل لا بفعله، واستشكله الرافعي بثلج العرصة؛ فإنه عليه مع حصوله لا بفعله فيجوز أن يكون التراب كالكناسة وإن حصل لا بفعله، وزيفه المصنف وقال: الصوب أنه لا يلزم المستأجر نقل التراب كما قاله الأصحاب. و (العرصة): كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شيء من البناء، وجمعها عراص وعرصات. قال: (وإن أجر دابة لركوب .. فعلى المؤجر إكاف وبرذعة وحزام وثفر وبرة وخطام)؛ لأنه لا يتمكن من الركوب بدون ذلك والعرف قاض به، وسواء في ذلك إجارة العين والذمة. وقال العبادي: إنه على المكتري، حتى لو ركبها عرياً فتلفت .. ضمن؛ لأنه يرق ظهر الدابة كذا أطلقه الرافعي. واستثنى ابن الرفعة ما إذا قربت المسافة، وتوسط القاضي حسين والبغوي وقالا: ما عدا الإكاف والبرذعة على المكري. و (الإكاف) تقدم في (باب الخيار). و (البرذعة) بالذال المعجمة معروفة وكذلك الحزام. و (الثفر) بالمثلثة: ما يجعل تحت ذنب الدابة. و (البرة) بضم الباء وتخفيف الراء: حلقة تجعل في أنف البعير. و (الخطام) بكسر الخاء: الزمام أو الخيط الذي تشد به البرة. وصورة المسألة إذا أطلق، فإذا قال: أجرتك هذه الدابة العارية .. لم يلزمه شيء من الآلات.

وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ وَمِظَلَّةٌ وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ وَتَوَابِعُهَا، وَالأَصَحُّ فِي السِّرْجِ: إتِّبَاعُ الْعُرْفِ. وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّة، وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعلى المكتري محمل ومظلة ووطاء وغطاء وتوابعها)؛ لأن في ذلك تسهيلاً للركوب وتمكيناً منه ويعد من تمام الانتفاع، وذلك غير مستحق بالإجارة، وادعى الإمام فيه الاتفاق. وفي الحبل الذي يشد به أحد المحملين إلى الآخر وجهان: صحح المصنف أنه على المكتري. و (المحمل) بفتح أوله وكسر ثالثه، وقيل: بكسر أوله وفتح ثالثه: واحد المحامل وقد تقدم في الحج. والغطاء والوطاء بكسر أولهما. قال: (والأصح في السرج: إتباع العرف)؛ قطعاً للنزاع. والثاني: أنه على المؤجر كالإكاف، وقطع به جماعة. والثالث: لا يلزمه؛ لأنه ليس فيه عادة مطردة، ولم يصحح الرافعي في ((الشرح)) شيئاً بل حكى الأوجه، ولم يزد المصنف على قوله عقبها: قلت: صحح في (المحرر) إتباع العادة. قال: (وظرف المحمول على المؤجر في إجارة الذمة)؛ لأنه قد التزم النقل فليهيئ أسبابه. قال: (وعلى المكتري في إجارة العين)؛ لأنه ليس عليه إلا تسليم الدابة خاصة، ومؤنة الدليل وسائق الدابة وقائدها والبذرقة وحفظ المتاع في المنزل والدلو والرشاء في الاستقاء كالظرف فيفصل فيه. وقال القاضي: إن كان معروفاً بالاستقاء بدلوه وحبله .. لزمه ذلك، قال الرافعي: ويجب طرده في الظرف.

وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ لِتَعَهُّدِهَا، وَإِعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَرَفْعُ الْمَحْمِلِ وَحَطُّهُ، وَشَدُّهُ وَحَلُّهُ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إِجَارَةِ إِلاَّ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعلى المؤجر في إجارة الذمة الخروج مع الدابة) أي: هو أو نائبه (لتعهدها وإعانة الراكب في ركوبه ونزوله بحسب الحاجة)؛ لأنه التزم النقل والتبليغ ولا يتم إلا بهذه الأمور، فينيخ البعير للعاجز والمفرط السمن، ويقرب البغل والحمار من نشز ليسهل الركوب عليه؛ لأن العرف يقتضي جميع ذلك. والاعتبار في الضعف وغيره بحالة الركوب لا بحالة الإجارة، وقيل: تجب الإعانة على الركوب في إجارة العين أيضاً. قال: (ورفع المحمل وحطه وشده وحله)؛ لاقتضاء العرف بذلك. ويلزم المكري في هذه الإجازة أن يوقف الدابة لنزول الراكب لما لا يمكن فعله على الدابة كقضاء الحاجة وللصلاة، ولا يلزم الراكب المبالغة في تخفيف الصلاة والوضوء ولا الجمع، لكن يمنع من الإبطاء الزائد على العادة. قال الماوردي: فلو كانت عادته الإبطاء طبعاً في هذه الأشياء .. كان للمؤجر الفسخ به. قال: (وليس عليه في إجارة العين إلا التخلية بين المكتري والدابة) سواء كانت الإجارة للركوب أو الحمل، ولا يلزم بإعانته في الركوب ولا غيره. وقيل تجب الإعانة على الركوب فيها أيضاً. وقيل تجب في الحمل سواء كانت في الذمة أو على العين واختاره الغزالي طرداً للعادة. تنبيه: قول المصنف: (التخلية) قد يفهم أن قبضها بالتخلية وهو خلاف المعروف في

وَتَنْفَسِخُ إِجَارَةُ الْعَينِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَيْبِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب البيع)، وإنما مراده أنه إنما عليه التمكين من الانتفاع، لكن للمكري منع المكتري من الركوب في غير وقت العادة. وفي نزول الرجل القوي للإراحة والعقبة وجهان لتعارض اللفظ والعادة، والأصح: الوجوب عند العقبة دون الإراحة، وصحح في (الوسيط) أنه يجب. ولا يجب النزول على الشيخ العاجز والمرأة ومن له وجاهة ظاهرة وشهرة يخل بمروءته في العادة المشي. وليس للمكري منعه من النوم في وقته المعتاد، وله منعه في غيره؛ لأن النائم يثقل. فرع: أطلق الرافعي أنه لو أكراه دابة إلى بلد فبلغ عمرانها فللمؤجر أخذ دابته ولا يلزمه تبليغه داره. وقال الماوردي: إن كان البلد صغيراً .. فله أن يركب إلى داره، فإن اكتراها إلى مكة .. لم يكن له تتميم الحج عليها، وإن اكتراها للحج .. ركبها إلى منى ثم إلى عرفات ثم إلى منى ثم إلى طواف الوداع على الأصح. ولو طلب أحد المتكاريين مفارقة القافلة بتقدم أو تأخر .. لم يكن له ذلك إلا برضى الآخر. قال: (وتنفسخ إجارة العين بتلف الدابة)؛ لأن المعقود عليه قد فات. والمراد: الانفساخ في المستقبل لا الماضي كما سيأتي. قال: (ويثبت الخيار بعيبها) كالبيع سواء في ذلك الحادث والقديم.

وَلاَ خِيَارَ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الإِبْدَالُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (العيب) هنا: ما أثر في المنفعة تأثيراً يظهر به تفاوت في الأجرة كعرج الدابة الذي يتخلف به عن القافلة، وكونها لا تبصر ليلاً. وخشونة المشي ليس بعيب، كذا جزم به الشيخان، وقال ابن الرفعة: إنه عيب، وهو الصواب؛ فقد جزم الرافعي به في عيب المبيع، فلو لم يعلم به حتى مضت المدة .. فات الخيار فله الأرش، وإن علم به في الأثناء وفسخ وقلنا: ينفسخ فيما مضى .. ينبغي أن يجب الأرش، وإن لم ينفسخ .. فلا أرش للمستقبل وفيه لما مضى نظر. تنبيه: هذا الخيار على التراخي، قاله الماوردي؛ لأنه يتجدد بمرور الأوقات كحدوث النقص فيها، وإليه يرشد كلام الرافعي في آخر الباب والشيخ أبي محمد الجويني في (كتاب الفروق في البيع). وقد وهم في هذه المسألة ابن السكري وابن الجميزي حيث أفتيا بأنه على الفور كالرد بالعيب. قال: (ولا خيار في إجارة الذمة، بل يلزمه الإبدال) كما لو وجد بالمسلم فيه عيباً، أما إذا أسلم دابة عما في الذمة .. فإن المستأجر يثبت له حق الاختصاص بها فله إيجارها، والأصح أنه لا يجوز للمؤجر إبدالها إلا برضاه. ولو أفلس المؤجر بعد تعيينها .. قدم المستأجر على الأصح. ولو أراد المستأجر الاعتياض، فإن كان قبل القبض .. لم يجز كالمسلم فيه، وبعد

وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ يُبْدَلُ إِذَا أُكِلَ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لقبض يجوز؛ لأنه اعتياض عن حق في عين. قال: (والطعام المحمول ليؤكل يبدل إذا أكل في الأظهر) كسائر المحمولات إذا باعها أو تلفت. والثاني: لا؛ لأن العادة في الزاد أن لا يبدل. قال ابن الرفعة: والخلاف يلتفت إلى تعارض العرف واللفظ، أما المحمول ليصل .. فإنه يبدل جزماً، وكذا الزاد إذا سرق أو نهب .. فإنه يبدل قطعاً. ومحل القولين إذا أكل بعضه، فإن أكل جميعه .. فالمشهور الإبدال، وفيه وجه ضعيف. ومحلهما أيضاً إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر موضعه، وإلا ... أبدل قطعاً. ومحلهما أيضاً عند الإطلاق، أما لو شرط الإبدال أو عدمه .. فإن الشرط يتبع. واختار الشيخ أنه إن شرط كفاية كل الطريق .. لم يبدل جزماً ما دام الباقي كافياً لبقية الطريق، وإن كان قدراص لا يكفيه .. فله. وأما الماء المحمول للشرب .. فيبدل جزماً عند اقتضاء العرف ذلك. تتمة: إذا قلنا: لا يبدل الزاد فلم يأكل منه فهل للمؤجر مطالبته بتنقيص قدر أكله؟. قال الشيخ: ينبغي أن يقال: يجب تنقيص ما جرت به العادة بأكله؛ لأن الرجوع إلى العرف، ولا شك أن الدابة تتضرر بدوام الحمل عليها. والمأذون فيه عرفاً: المعتاد الذي ينقص بالأكل كل يوم فيجب.

فصل

فَصْلٌ: يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالبِاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو حمل التاجر شيئاً يبيعه في طريقه فباع بعضه .. قال ابن القطان: يحمل على العرف، ويمكن أن يقال: هو مثل الزاد. قال: (فصل: يصح عقد الإجارة مدة تبقى فيها العين غالباً) كالأجل في البيع، والمرجع في ذلك لأهل الخبرة، ولأنها تجوز إلى سنة وفاقاً وقيس عليها ما عداها. قال الرافعي تبعاً للبغوي: فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة، والدابة أكثر من عشرين، والثواب سنتين أو سنة على ما يليق به، والأرض مئة سنة فأكثر وهذا يحتاج إلى دليل. وقال ابن كج: يجوز أن يؤجر العبد إلى تمام مئة وعشرين سنة من عمره. وقال القاضي حسين والروياني: لا تجوز إجارة الأرض ألف سنة وإن كانت تبقى فيها؛ إذ يبعد بقاء الدنيا إليها. والمعتبر في البقاء غلبة الظن. وأقل مدة تصحف فيها إجارة الدار للسكنى يوم واحد، ولا يجوز أقل منه. وأقل مدة الزراعة ما يبقى فيها الزرع غالباً، وإذا أجر أكثر من سنة .. فأصح القولين أنه لا يجب بيان قسط كل سنة من الأجرة كقسط شهور السنة. قال في (بيع الغرر) في (شرح المهذب): وأجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهراً بكذا مع أنه قد يكون ثلاثين يوماً، وقد يكون تسعاً وعشرين، لكن لو أجره شهراً معيناً بثلاثين درهماً كل يوم بدرهم فجاء ذلك الشهر تسعاً وعشرين .. بطلت كما لو باع الصبرة بمئة درهم كل صاع بدرهم فخرجت أقل من مئة. ولو قال في أثناء السنة: أجرتك هذه السنة .. انصرف إلى ما بقي منها قاله في

وَفِي قَوْلٍ: لاَ تُزَادُ عَلَى سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: ثَلاَثِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ (المهذب)، وألحق به في (الكافي) إذا قال: هذا الشهر؛ فإنه ينصرف إلى ما بقي منه. قال: (وفي قول: لا تزاد على سنة)؛ لأن الإجارة عقد على معدوم جور للحاجة، وهي تندفع بسنة؛ لأنها مدة تضم الفصول وتتم فيها الزروع والثمار، ويكفي في رده قوله تعالى: {على أن تأجرني ثماني حجج}. قال: (وفي قوله: ثلاثين}؛ لأنه شطر العمر الغالب، والغالب تغير الأشياء بعدها، وهل الثلاثون تقريب أو تحديد؟ وجهان: أصحهما: الأول، قاله صاحب (الانتصار) في (باب المساقاة). وفي وجه رابع: تجوز إلى مدة لا تبقى العين فيها غالباً؛ لأن الأصل فيها الدوام، وصححه في (البسيط) وقال به الأئمة الثلاثة. وحكم التوقف في ذلك حكم الطلق وقال القاضي والمتولي: أجمع الحكام على أنه لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين؛ لئلا يندرس، قال الرافعي: وهذا الاصطلاح غير مطرد. وفي (أمالي السرخسي): تمتنع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة لعمارة وغيرها، وحكاه الإمام وجهاً وقال: لا اتجاه له في الوقف على جهات الخير. ويستثنى من اشتراط بيان المدة: إجارة عمر رضي الله عنه سواد العراق، فالأصح أنه أجرها مؤبداً، واحتمل ذلك للمصلحة الكلية. واستئجار الإمام للأذان من مال بيت المال يجوز كل شهر بدرهم من غير بيان المدة، بخلاف ما إذا كان من ماله أو كان المستأجر غيره فلابد من بيان المدة على الأصح. واستئجار الذمي للجهاد، قاله في (الشامل) في (باب الغنيمة).

وَلِلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ؛ فَيُرْكِبُ ويُسْكِنُ مِثْلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واستئجار علو دار لإجراء الماء عليه وعقد الجزية إذا قلنا: إنها عقد إجارة على إقامتهم في دار الإسلام. قال: (وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره) كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره، فلو أجره بشرط أن يستوفي المنفعة بنفسه .. لم يصح، وقيل: يصح ويلغو الشرط، وقيل: يصحان، حكاهما ابن يونس. وإنما تستوفي المنفعة بالمعروف، فإذا استأجر ثوباً للبس .. لبسه نهاراً وليلاً إلى وقت النوم، فإذا نام فيه ليلاً أو نقل فيه تراباً أو ألبسه دباغاً أو قصاباً ونحو ذلك ممن هو دون حاله .. وجب الضمان، وقراره على الثاني إن كان جاهلاً، وإلا .. فعلى الأول. ولو استأجره للبسه ثلاثة أيام .. دخلت الليالي على الصحيح، وكما له أن يستوفي المنفعة بنفسه له أن يعيرها لغيره، وبه صرح في (باب العارية). قال ابن الصباغ في كتابه (الكامل) - بالكاف-: وإذا أعارها .. فينبغي أن يكون المستأجر ضامناً لها. قال: (فيركب ويسكن) الدار (مثله) أي: في الضخامة والنحافة والطول والقصر، وهل يشترط أن يكون مثله في معرفة الركوب؛ لأن الجهل يضر بالدابة، أو لا؛ لأن التفاوت يسير؟ الأشبه الثاني، واحتج للأول بأن الناس يتفاوتون في ذلك.

فَلاَ يُسْكِنُ حَدَّاداً وَقَصَّاراً. وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لاَ يُبْدَلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشاعر [من البسيط]: لم يركبوا الخيل إلا بعد ما كبروا فهم ثقال على أكتافها عنف وإن استأجر على أن يركب بالإكاف .. لا يركب بالسرج دون عكسه. وإذا استأجر دابة لحمل القطن .. فله حمل الصوف والوبر، أو لحمل النحاس .. فله حمل الحديد والرصاص. وإذا استأجر دابة للحمل فأراد أن يركب من لا يزيد وزنه على وزن المحمول .. فالأصح المنع. ولو استأجر للركوب فأراد الحمل .. فالأظهر المنع أيضاً خلافاً للقاضي حسين. وإذا اكترى دابة ليركبها إلى بلد .. فله أن يركبها إلى مثل مسافته إلى ناحية أخرى إذا كانت مثلها في السهولة والأمن، وقيل: ليس له ذلك. قال: (فلا يسكن حداداً وقصاراً) لزيادة الضرر، واستثنى صاحباً (العمدة) و (البيان) والجرجاني وغيرهم ما لو قال: لتسكنها وتسكن من شئت؛ للإذن كما لو قال: لتزرع ما شئت، وفيه نظر؛ لأن ذلك يراد به التوسعة لا الإذن في الإضرار، فإن خالف وأسكن القصار أو الحداد .. كان متعدياً، وتلف المنفعة في تلك المدة يلزمه الأجرة ويضمن ما نقص بالتعدي. فرع: استأجر داراً ليسكن وحده .. صح على الصحيح، فإذا تزوج .. كان له أن يسكنها معه، قاله ابن كج في (التجريد)، وبه قال أبو حنيفة، وقال أبو ثور: لا يسكنها معه، قال الصيمري في (الإيضاح): وهو القياس. قال: (وما يستوفى منه كدار ودابة معينة لا يبدل) كما لا يبدل المبيع، وهذا لا خلاف فيه.

وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخِيَاطَةِ وَالاِرْتِضَاعِ يَجْوزُ إِبْدَالُهُ فِي الأصَحِّ وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الإجَارَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بـ (المعينة) عما في الذمة فيجوز إبدالها برضى المكتري، وبغيره رضاه وجهان: أصحهما: المنع. قال: (وما يستوفى به كثوب وصبي عين للخياطة والارتضاع يجوز إبداله في الأصح) أي: بثوب مثله وصبي في مثل حاله وإن لم يرض الأجير؛ لأنه ليس معقوداً عليه وإنما هو طريق في الاستيفاء، فأشبه الراكب والمتاع المعين للمحمل. والثاني: لا يجوز كالمستوفى منه وهو الراجح عند العراقيين، وما صححه المصنف وافق فيه (الشرح الصغير). وأشار بقوله: (إبداله) إلى أنه موجود وأبدل، أما لو مات الصبي أو تلف الثوب .. فالمذهب الانفساخ، وامتناع الصبي من التقام الثدي كالموت. وقوله: (عين) صوابه عينا؛ فإن إيقاع ضمير المفرد موضع المثنى شاذ. قال: (ويد المكتري على الدابة والثوب يد أمانة مدة الإجارة)؛ لأنه لا يمكن استيفاء حقه إلا بإثبات اليد على العين، فلا يضمن بلا تعد بالإجماع كالنخلة التي تشتري ثمرتها، بخلاف ظرف المبيع على الأصح فإنه أخذه لمنفعة نفسه، ولا ضرورة في قبض المبيع فيه، فإن حصل تعد .. فسيأتي في كلام المصنف. تنبيه: يؤخذ من كونها أمانة أنه يلزمه أن يدفع عنها ما يتلفها من حريق وغيره كالمودع، وقد نقل المصنف ذلك في أواخر الباب من (الروضة) عن (فتاوى الغزالي) فقال: لا يلزم المؤجر أن يدفع عن العين المستأجرة الحريق والنهب وغيرهما، وإنما عليه

وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تسليم العين ورد الأجرة إن تعذر الاستيفاء، وأما المستأجر، فإذا قدر على ذلك من غير خطر .. لزمه كالمودع. قال: (وكذا بعدها في الأصح) كما قبل انقضاء المدة؛ استصحاباً لما كان كالمودع، وبهذا قال أبو حنيفة. والثاني- وبه قال مالك-: يضمن كالمستعير. وبنى الرافعي الوجهين على أنه هل يلزم المستأجر الرد ومؤنته؟ وفيه وجهان: أقربهما إلى كلام الشافعي: أنه يلزمه الرد ومؤنته إن لم يكن عذر وإن لم يطالب المالك، وفي هذا البناء نظر؛ لاختلاف التصحيح. قال الشيخ: والحق أنها بمجرد انقضاء مدة الإجارة تصير أمانة شرعية كالثوب تطيره الريح إلى داره، وأولى بالأمانة؛ لأن الثوب لم يتقدم من المالك إذن فيه، وهذا تقدم من المالك ائتمان فيه، فإن تلف عقب انقضاء مدة الإجارة من غير تمكن من الرد ولا إعلام .. فلا ضمان قطعاً، وكذا إذا أمسكها لعذر مانع من الرد فتلفت .. فلا ضمان عليه في الرد، ولا أجرة في المنفعة بعد المدة، فإن طالبه المالك بها فامتنع .. كان ضامناً قطعاً كالغاصب. هذا كله إذا لم يجر شرط الرد، فإن شرطه .. لزمه الرد بلا خلاف. فرع: قال المزني في (المثور): لو استأجر لخياطة ثوب فخاط بعضه واحترق

وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا .. لَمْ يَضْمَنْ إِلاَّ إّذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إِصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَوِ انتُفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثوب .. استحق الأجرة لما عمل، ثم إن قلنا: ينفسخ العقد بتلفه .. استحق أجرة المثل، وإلا .. قسطه من المسمى. ولو استأجره لحمل حب إلى موضع فزلق في الطريق وانكسر الحب .. لم يستحق شيئاً من الأجرة، وفرق بأن الخياطة تظهر على الثوب فيقع العمل مسلماً بظهور أثره، والحمل لا يظهر على الحب، وهذا يدل على أنه جعل الخياطة كالعين، وعلى أن صورة المسألة إذا كان العمل في دار المستأجر أو بحضرته، وإلا .. أشكل جعله مسلماً. قال: (ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب ولم ينتفع بها .. لم يضمن)؛ لأنها في يده أمانة إذا ماتت في المدة .. فقطعاً، وكذا بعدها على الأصح. وقوله: (ولم ينتفع بها) تبع فيه (المحرر)، والظاهر أنه لا يختص بذلك، وأنها لو ماتت في أثناء مدة الانتفاع .. كان الحكم كذلك. قال: (إلا إذا انهدم عليها اصطبل في وقت لو انتفع بها لم يصبها الهدم) أي: والعادة جارية بالانتفاع فيه وعدم الربط، فإن انهدم في وقت جرت العادة بوضعها فيه كالليل في الشتاء .. لم يضمن. و (الإصطبل) عجمي معرب. قال الشيخ: ومسألة الكتاب لم أرها إلا للقاضي حسين، وتبعه الإمام والرافعي، وللنظر فيه مجال، والمتجه: أن هذا الضمان ضمان يد لا ضمان جناية، والمراد به ضمان القيمة، أما ضمان الأجرة واستقرار المنافع .. فليس مراداً هنا.

وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلاَ تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اسْتُوْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ .. لَمْ يَضْمَنْ إِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ، بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَاجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، وكَذَا إِنِ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الأَقْوَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تلف المال في يد أجير بلا تعب كثوب استؤجر لخياطته أو صبغه .. لم يضمن إن لم ينفرد باليد، بأن قعد المستأجر معه أو أحضره منزله)؛ لأن المال غير مسلم إليه حقيقة وإنما استعان المالك به في شغله كالوكيل، وكذلك لو حمله المتاع ومشى خلفه. وقضية إطلاق المصنف: أنه لا فرق بين تلفه قبل العمل أو بعده وهو كذلك، وقال الفارقي: إن تلف قبل العمل .. لم يضمن بلا خلاف، هذا الذي قطع به الجمهور، وقيل: يطرد الخلاف، وقيل: يضمن إن تلف بفعله، وإلا .. فلا، ويستحق في هذه الحالة أجرة ما عمل. وضبط المصنف (الصبغ) بفتح الصاد وهو الصواب كالقصر والطحن. واحترز بقوله: (بلا تعد) عما إذا تعدى .. فإنه يضمن لا محالة، كما لو أسرف الخباز في الوقود أو تركه في النار حتى احترق .. فإنه يضمن قطعاً. وعبارة المصنف ومن وافقه تفهم مشاركته للمالك في البلد، وكلام الأصحاب يقتضي أن العين في هذه الحالة في يد مالكها ولا يد للأجير عليها. قال: (وكذا إن انفرد في أظهر الأقوال) كعامل القراض .. فإنه لا يضمن إجماعاً، وبهذا قال أحمد والمزني؛ لأنه لم يأخذه لغرضه خاصة. وقال الربيع: الذي كان يعتقده الشافعي أن لا ضمان على الأجير، وأن القاضي يقضي بعمله، ولكن كان لا يبوح به خيفة قضاة السوء والأجراء السواء. والثاني: يضمن، وبه قال مالك؛ لأنه أخذه لمصلحة نفسه وصار كالمستعير والمستام وقال صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه الأربعة والحاكم [2/ 55] من رواية الحسن عن سمرة، وأعله ابن حزم

وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ- وَهُوَ مَنِ الْتَزَمَ عَمَلاً فِي ذِمَّتِهِ- لاَ الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ: مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك، لكن صححه الترمذي والحاكم. والمراد بـ (انفراد باليد): أن ينتفي ما يكون قبله، ثم ينقسم بعد ذلك إلى مشترك ومنفرد بتفسير آخر. قال: (والثالث: يضمن المشترك- وهو من التزم عملاً في ذمته- لا المنفرد، وهو: من أجر نفسه مدة معينة لعمل) فالخياط والصائغ ونحوهما مشتركون بين الناس، فإذا التزم لشخص .. أمكن أن يلتزم لغيره مثله وكأنه مشترك بين الناس، بخلاف من أجر نفسه .. فإنه ليس له بعد ذلك أن يؤجرها، وهذا التفسير هو المجزوم به في (الشرح الصغير) أيضاً، والمرجح في (الكبير) و (الروضة)، وقوم فسروا المشترك بالمشارك في الرأي، فيقال له: اعمل حيث شئت. و (المنفرد): من عين له العمل وموضعه فلا يضمن قطعاً. فروع: لا فرق في التلف بين أن يقع بآفة أو بفعل الأجير أو إتلاف أجنبي. وحيث ضمناه .. اعتبرت قيمته يوم إتلافه على الأصح، ولا تقوم الصنعة لا له ولا عليه، قاله الدارمي. وجميع ما تقدم إذا لم يتعد، فإن تعدى .. ضمن، وإذا اختلف المستأجر والأجير المشترك في رد العين .. فعلى قول الضمان: القول قول المستأجر قطعاً، وعلى قول الأمانة: فيه وجهان كالوكيل. وإذا خاط الأجير الثوب في دكانه أو بيت نفسه .. فله حبسه لقبض الأجرة، وإن خاطه في دار المستأجر أو بحضرته .. لم يكن له ذلك.

وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إِلَى قَصَّارٍ لِيَقْصُرَهُ، أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً .. فَلاَ أُجْرَةَ [لَهُ]، وَقِيلَ: لَهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذلِكَ الْعَمَل .. فَلَهُ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ غريبة: الأجير لحفظ الدكان إذا كان أخذ ما فيه .. لا ضمان عليه؛ لأنه لا يريد له على المال قاله، الماوردي. ومنه يعلم أن الخفراء لا ضمان عليهم، وهي مسألة عزيزة النقل. قال: (ولو دفع ثوباً إلى قصار ليقصره، أو خياط ليخيطه ففعل ولم يذكر أجرة .. فلا أجرة [له])، لأنه لم يلتزم شيئاً وصار كما لو قال لغيره: أطعمني .. فأطعمه، وكذا لو قال: أسكني دارك شهراً فأسكنه .. لم يستحق عليه أجرة، لكن يستثنى ما لو دخل حماما بغير إذن .. فإن عليه الأجرة، ولا يخرج على الخلاف؛ لاستيفائه المنفعة، بخلاف ما يتلف فإن صاحب المنفعة هو الذي صرفها إلى غيره. ويستثنى عامل المساقاة إذا عمل ما ليس بواجب عليه بإذن المالك .. فإنه يستحق الأجرة كما جزم به الشيخان هنا. ولا يستثنى عامل الزكاة، فإن شاء الإمام .. بعثه ثم أعطاه الأجرة، وإن شاء .. سمى له؛ لأن الأجرة ثابتة له بنص القرآن فهي مسماة شرعاً، ذكرها الإمام حين البعث أم لا، وكذلك عامل القسمة بأمر الحاكم. قال: (وقيل: له) أي: أجرة المثل، وهو قول المزني، فإنه استهلك عمله .. فلزمه ضمانه، وهذا ضعيف؛ لن القصار استهلك عمل نفسه. قال: (وقيل: إن كان معروفاً بذلك العمل .. فله، وإلا .. فلا، وقد يستحسن) لدلالة العرف وقيامه مقام اللفظ، وصححه ابن عبد السلام، وبه أفتى الروياني،

وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَاجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ، أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ، أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا .. ضَمِنَ الْعَيْنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكاه في (الحلية) عن الأكثرين. وليس مراد المصنف بالاستحسان ما تقوله الحنفية، ولكن مراده أنه حسن لموافقة العادة، وينبغي على هذا إن كانت الأجرة معلومة .. يحمل عليها، وإلا .. وجبت أجرة المثل. وفي وجه رابع لأبي إسحاق: إن سأله المالك العمل .. استحق، وإلا .. فلا؛ لأنه اختار فوات منافعه كما لو ضمن عن غيره بغير إذنه، واختاره ابن القفال في (التقريب). وفي خامس: عكسه، حكاه الدارمي في (باب الآنية). وفي سادس- أبداه الإمام في (باب العارية) -: إن كان الدافع أرفع منزلة من المدفوع إليه .. استحق، وإن كان دونه .. لم يستحق، وهو كالخلاف في الثواب في الهبة. وتجري الأوجه في الدلال والحمال ونحوهما. واحترز بقوله: (ولم يذكر أجرة) عما إذا قال: مجاناً .. فإنه لا يستحق قطعاً، أو ذكر الأجرة .. فإنه يستحق قطعاً إن كانت صحيحة، وإلا .. فأجرة المثل. ولو دخل سفينة بغير إن صاحبها وسار إلى الساحل .. لزمه الأجرة إن لم يعلم صاحبها، فإن علم .. قال ابن الرفعة: لا ضمان ولا أجرة، وإن كان بالإذن ولم يجر ذكر الأجرة .. فعلى الأوجه، وحيث لا أجرة .. فالثوب أمانة في يد القصار ونحوه، وإن أوجبناها .. فضمانه كالأجير المشترك. وتجري الأوجه فيما لو قعد بين يدي حلاق فحلق له رأسه، أو دلاك فدلكه. قال: (ولو تعدى المستأجر بأن ضرب الدابة، أو كبحها فوق العادة، أو ركبها أثقل منه، أو أسكن حداداً أو قصاراً .. ضمن العين) لتعديه، والمراد أنها تدخل فيه

وَكَذَا لَوِ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِئَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ مِئَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ أَوْ لِعَشْرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمانة، أما الضرب المعتاد .. فله فعله، وكذلك الكبح المعتاد، فإن أفضى المعتاد إلى التلف .. لم يوجب ضماناً، بخلاف ضرب الزوج زوجته فإنه يقتضي الضمان، لأن الإنسان يمكن تأديبه بغير الضرب بخلاف البهيمة. وقال أبو حنيفة: إذا أفضى الضرب المعتاد إلى الهلاك .. ضمن، فجعله كضرب الزوجة. و (الكبح): الجذب باللجام لتقف ولا تجري، وهو بالباء الموحدة والحاء المهملة، ويقال: أكبحها رباعي، ويقال: بالميم بدل الباء، ويقال: بالتاء المثناة من فوق بدل الباء. وأما إذا أركبها أثقل منه .. فقرار الضمان على الثاني إن علم، وإلا .. فعلى الأول. فرع: ولو تعدى في الأرض المستأجرة لزرع الحنطة فزرع الذرة .. لم يصر ضامناً للأرض غاصباً لها على الأصح في زوائد (الروضة)؛ بل تلزمه أجرة المثل للذرة فيستثنى هذا من إطلاق المصنف، وسيأتي ذكر هذا في آخر مسألة الخياط أيضاً لغرض آخر. قال: (وكذا لو اكترى لحمل مئة رطل حنطة فحمل مئة شعيراً أو عكس)؛ لأن الحنطة أثقل فيجتمع ثقلها في موضع واحد، والشعير أخف ويأخذ من ظهر الدابة أكثر، وسواء تلفت بذلك السبب أم بغيره؛ لأن يده بعد ذلك يد عدوان. قال: (أو لعشرة أقفزة شعير فحمل حنطة)؛ لأنها أثقل. و (القفيز): مكيال يسع اثني عشر صاعاً.

دُونَ عَكْسِهِ. وَلَوِ اكْتَرَى لِمِئَةٍ فَحَمَلَ مِئَةٍ وَعشَرَةً .. لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ .. ضَمِنَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ .. ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفَ الْقِيمَةِ. وَلَوْ سَلَّمَ الْمِئَةَ وَالْعَشَرَةَ إِلَى الْمُؤَجِّرِ، فَحَمَّلَهَا جَاهِلاً .. ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (دون عكسه)؛ لأن الشعير أخف ولم يزد حجمه. قال: (ولو اكترى لمئة فحمل مئة وعشرة .. لزمه أجرة المثل للزيادة) أي: مع المسمى لتعديه بذلك. والثاني: يلزمه أجرة المثل للجميع. والثالث: يتخير بين المسمى وما حصل للدابة من نقص وبين أجرة المثل. والرابع: يتخير بين المسمى وبين أجرة المثل للزيادة وبين أجرة المثل للجميع. قال: (وإن تلفت بذلك .. ضمنها) أي: ضمان يد (إن لم يكن صاحبها معها)؛ لأنه غاصب بحمل الزيادة. وقوله: (بذلك) يوهم أنها لو تلفت بغيره .. لم يضمنها، وليس كذلك لما ذكرناه. قال: (فإن كان) أي: صاحبها معها (.. ضمن قسط الزيادة) مؤاخذة له بقدر الجناية، ويضمنها ضمان جناية؛ لأنها تلفت من مستحق وغيره، ولو تلفت بسبب آخر غير الحمل .. ضمنها؛ لأنه غاصب. قال: (وفي قول: نصف القيمة) صححه الجويني؛ لأنها تلفت بمضمون وغيره فقسطت القيمة عليهما كما لو جرحه واحدة جراحة وآخر جراحات. قال: (ولو سلم المئة والعشرة إلى الموجز، فحملها جاهلاً) أي: بالحال بأن قال له: هي مئة فظن صدفه (.. ضمن المكتري على المذهب) كما لو حمله بنفسه؛ لأنه ملجأ إلى الحمل شرعاً فيأتي فيه الخلاف السابق.

وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَلَ .. فَلاَ أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ، وَلاَ ضَمَانَ إِنْ تَلِفَ. وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ: أَمَرْتَني بِقَطْعِهِ قَبَاءً، فَقَالَ: بَلْ قَمِيصًا .. فَالأَظْهَرُ: تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والطريق الثاني: أنه على القولين في تعارض الغرور والمباشرة، ولم يصحح الرافعي واحدة من الطريقتين، وصحح المصنف الطريقة الأولى. واحترز بـ (الجاهل) عن العالم، فإن لم يقل له المستأجر شيئاً .. فحكمه كما سيأتي، سواء وضعه في الأرض فحمله المؤجر، أو وضعه على ظهرها فسيرها المؤجر. قال: (ولو وزن المؤجر وحمل .. فلا أجرة للزيادة) سواء تعمد ذلك أم جهله؛ لأنه لم يأذن في نقل الزيادة، وله مطالبة المؤجر بردها إلى الموضع المنقول منه، وليس للمؤجر أن يردها دون رضاه، فلو اختلفا في قدر الزيادة أو أصلها .. فالقول قول المنكر. قال: (ولا ضمان) أي: على المستأجر (إن تلف)؛ لأنه لم يتعد وليست له يد وله مطالبة المؤجر برد الزيادة إلى موضع المنقول منه. فرع: اكترى اثنان دابة وركباها، فارتدفها ثالث بغير إذنهما فتلفت .. ففيما يلزم المرتدف أوجه: أصحها عند المصنف: ثلثها. والثاني: نصفها. والثالث: يقسط على أوزانهم، فيلزمه حصة وزنه، وصححه ابن أبي عصرون والشيخ. ولو سخر رجلاً على بهيمة فتلفت البهيمة في يده .. لا يضمنها؛ لأنها في يد صاحبها. قال: (ولو أعطاه ثوباً ليخيطه فخاطه قباء وقال: أمرتني بقطعة قباء، فقال: بل قميصاً .. فالأظهر: تصديق المالك بيمينه) ومثله لو صبغه أسود فقال: إنما أمرتك بصبغة أحمر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وللأصحاب في مسألة الخياط والصبغ ستة طرق أصحها عند الرافعي والمصنف: تصديق المالك؛ لأنهما لو اختلفا في أصل الإذن .. كان القول قوله فكذا في صفته، ولأن الخياط معترف بأنه أحدث في الثوب نقصاً وادعى أنه مأذون له فيه والأصل عدمه. ويقابل الأظهر تصديق الأجير؛ لأنهما اتفقا على إذنه في القطع، والظاهر أنه لا يتجاوز إذنه والأصل براءة ذمته. وقيل: يقضى عليهما بالتحالف؛ لأنهما اتفقا على أصل العقد واختلفا في صفته، فالخياط يدعي الأجرة وينفي الضمان، والمالك يدعي الضمان وينفي الأجرة، ولأنهما لو اختلفا كذلك والثوب قائم .. لتحالفا، فكذا بعد قطعه. والطريق الرابع: قولان. والخامس: ثلاثة أقوال. والسادس: إن جرى بينهما عقد .. تحالفا، وإلا .. فالخياط؛ لأنه يدعي الأجرة. وإنما النزاع في الأرش، ولذلك كانت المسألة مصورة بما إذا جرى بينهما عقد أو لم يجر عقد ولكن فرعنا على إيجاب الأجرة. قال في (المهمات): تصديق المالك مذهب أبي حنيفة والمزني، وتصديق الأجير مذهب ابن أبي ليلى ومالك وأحمد، والقول بالتحالف مذهب الشافعي المنصوص، وهو الصحيح نقلاً واستدلالاً، وعليه أكثر الأصحاب وهو الصواب. وعلى هذا: إذا حلف أحدهما ونكل الآخر .. قضينا على مقتضى يمين الحالف، ولا خلاف أن المتآجرين إذا اختلفا في الأجرة أو المدة أو في قدر المنفعة أو في قدر المستأجر بأن قال: أكريتك هذا البيت، فقال: هذين البيتين .. يتحالفان، فإذا تحالفا .. فسخ العقد ووجبت أجرة المثل لما استوفاه. و (البقاء) فارسي معرب، وقيل: عربي مشتق من القبو وهو: الضم.

وَلاَ أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا أجرة عليه) أي: بعد حلفه؛ لأن التحالف يرفع العقد وحينئذ يصير العمل غير مأذون فيه. قال: (وعلى الخياط أرش النقص)؛ لأن القطع موجب للضمان إلا أن يعارضه الإذن، وفي الأرض الواجب وجهان: أحدهما: ما بين قيمه صحيحاً ومقطوعاً؛ لأنه أثبت بيمينه أنه لم يأذن في القطع، وصححه ابن أبي عصرون. والثاني: ما بين قيمته مقطوعاً قميصاً ومقطوعاً قباء؛ لأن أصل القطع مأذون فيه، قال الشيخ: وهذا المختار ولا يتجه غيره، وعلى هذا: لو لم يكن بينهما تفاوت أو كان مقطوعاً قباء أكثر قيمة .. فلا شيء عليه. ويبدأ بالمالك في التحالف؛ لأنه في رتبة البائع، ويجمع كل منهما في حلفه بين النفي والإثبات. فرع: قال للخياط: إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاقطعه فقطع فلم يكف .. ضمن الأرش، وإن قال: هل يكفيني قميصا؟ فقال: نعم، فقال: اقطعه فقطعه فلم يكف .. لم يضمن. فرع: أتى الخياط بتوب فقال: هذا ثوبك فقال: بل غيره .. قال البندنيجي: القول قول الأجير، وكذا الحكم في كل الأجراء، فإذا حلف .. فقد اعترف بثوب وهو لا يدعيه.

فصل

فَصْلٌ: لاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِعُذْرٍ، كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: سلم ثوباً إلى قصار ليقصره فجحده ثم أتى به مقصوراً .. استحق الأجرة إن قصره ثم جحده، وإن جحده ثم قصره .. فوجهان؛ لأنه عمل لنفسه، قال: المصنف ينبغي أن يكون أصحهما الفرق بين أن يقصد بعمله نفسه فلا أجرة له، أو يقصد عمله عن الإجارة الواجبة فيستحق الأجرة. والأصح: أنه يستحق لصحة العقد في الابتداء وحصول غرض المستأجر، كذا صححه الرافعي والمصنف في (كتاب الحج)، وهذه المسألة التي امتحن بها أبو حنيفة أبا يوسف لما انفرد عنه فأطلق الجواب فقال أبو حنيفة: الصواب التفصيل، ثم قال: يا أبا يوسف زببت قبل أن تحصرم. قال: (فصل: لا تنفسخ الإجارة بعذر) سواء كان من المؤجر أو المستأجر، وسواء في ذلك إجارة العين والذمة، ولا يثبت به فسخ أيضاً وبه قال مالك وأحمد خلافاً لأبي حنيفة. لنا: أنه لا خلل في المعقود عليه. قال: (كتعذر وقود حمام) هو بفتح الواو وهو: الشيء الذي يوقد قال الله تعالى: {وقودها الناس والحجارة}. هذا إذا استأجره لإدارته حماما؛ لأن التعطيل ليس لأمر يرجع إلى الحمام بل لأمر خارج. نعم؛ في (البحر): أن عدم دخول الناس الحمام المستأجر بسبب فتنة حادثة أو خراب الناحية عيب، قال: ولا كذلك الحانوت والدار فإنهما يستأجران للسكنى، وهي ممكنة على كل حال.

وَسَفَرٍ، وَمَرَضِ مُسْتاجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تجوز إجارة الحمام بشرط أن تكون مدة العطلة بسبب العمارة ونحوها محسوبة على المستأجر ولا على المؤجر. ووقع في (الفتاوى): أن رجلا اكترى مركباً من عادة الناس التفرج فيها في النهر، فمنع أمير البلد التفرج .. فأجيب: لا تنفسخ الإجارة بذلك. ورجل استأجر حانوتاً خارج البلد، فنزل العسكر على البلد وأغلق الباب وتعذر انتفاع المستأجر بالحانوت، وحيل بينه وبينه وأخذت أبوابه .. فأجاب ابن عبد السلام بأن عليه الأجرة إلى أن يفسخ، وأجاب ابن الصلاح بأنه لا تلزمه أجرة في أيام العطلة، وهو مشكل. قال: (وسفر) أي: إذا استأجر دابة ليسافر عليها ولا يتمكن من السفر إلا مع السفر، وهم المسافرون، كصاحب وصحب، وراكب وركب، وشارب وشرب، فتعذر خروجهم في ذلك الوقت. قال: (ومرض مستأجر دابة لسفر) كل ذلك لا يقتضي الفسخ، وكذلك إذا مرض مؤجرها وتعذر خروجه معها. فإن قيل: المنفعة المعقود عليها تعذرت .. فالجواب أن تعذرها لمعنى خارج عن المعقود عليه لا يؤثر في العقد، وهذا في غير التعذر الشرعي كما تقدم فيما لو استأجره لقلع سن وجعه فزال الألم .. فذلك ينفسخ عند الأكثرين. ويستثنى ما لو أجر أحد الشريكين نصيبه من الدار وقلنا: لا يجبر الشريك على المهايأة .. فله أن يفسخ الإجارة كما أفتى به القفال. فرع: إفلاس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضي المدة يوجب للأجير الفسخ كذا أطلقه الرافعي في (باب التلفيس)، وأفتى ابن الصلاح بأن الإجارة لا تنفسخ بالإفلاس إذا

وَلَوِ اسْتَاجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِجَةٍ .. فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلاَ حَطُّ شَيْء مِنَ الأُجْرَةِ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لاَ الْمَاضِي فِي الأَظْهرِ، فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنَ الْمُسَمَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت الأجرة تستحق آخر كل شهر؛ لأن الأجرة قبل انقضاء الشهر لم تستحق وبعده فاتت المنفعة، وهكذا العمل في كل شهر، وحينئذ فلا يتصور فيها الفسخ، وإنما يتصور إذا كانت الإجارة كلها حالة. قال: (ولو استأجر أرضاً للزراعة فزرع فهلك الزرع بجائحة .. فلي له الفسخ ولا حط شيء من الأجرة)؛ لأن الجائحة لحقت زرع المستأجر لا منفعة الأرض، فصار كما لو أكراه دكانا ليبيع البز فسرق منها بز أو احترق .. فإن الإجارة لا تنفسخ، اللهم إلا أن تفسد الأرض أو تبطل قوتها بتلك الجائحة في مدة الإجارة .. فإنها تنفسخ في المدة الباقية، ثم إن كان فساد الأرض بعد فساد الزرع فهل يسترد شيئاً من الأجرة؟ فيه احتمالان للإمام. قال: (وتنفسخ بموت الدابة والجير المعينين في المستقبل) لفوات المنفعة المعقود عليها كما ينفسخ البيع بتلف المبيع قبل القبض. قال: (لا الماضي في الأظهر)؛ لأنه استقر بالقبض. والثاني: تنفسخ فيه أيضاً؛ لأن العقد واحد وقد انفسخ في جميع المدة. وتعبيره بـ (الأظهر) يقتضي ترجيح طريقة القولين، والأصح: طريقة القطع بالمنع، ثم إن المصنف فرع على الأول. قال: (فيستقر قسطه من المسمى) بأن يقوم المنفعة في المدتين الماضية والباقية، ويوزع المسمى على نسبة القيمة فيهما، كما يوزع الثمن على نسبة الأعيان إذا تلف بعضها قبل القبض. ثم الاعتبار بتقويم المنفعة حالة العقد لا بما بعده كما صرح به القاضي حسين.

وَلاَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تنفسخ بموت المتعاقدين) إذا كانت إجارة ذمة؛ لأنها عقد لازم كالبيع، وعلم منه أنها لا تنفسخ بموت أحدهما من باب أولى، وقال أبو حنيفة: تنفسخ. لنا: القياس على البيع، وعلى ما لو زوج أمته ثم مات، وإنما انفسخت بموت الأجير المعين؛ لأنه مورد العقد، فإذا مات المستأجر .. استوفى وارثه المنفعة أو الأجر وتركت العين عند المستأجر إلى انقضاء المدة. وأصل الخلاف بين الإمامين: أن الشافعي يرى أن المستأجر ملك جميع المنفعة بالعقد فتحدث على ملكه، وأبو حنيفة يرى أنها تحدث على ملك المؤجر شيئاً فشيئاً ثم تنتقل إلى المستأجر فلذلك قال بالانفساخ وتستثنى صور: إحداها: الأجير المعين كما تقدم. الثانية: ما إذا أوصى بدار لزيد مدة عمر زيد وقبل الوصية وأجرها زيد ثم مات في أثناء المدة .. فإن الإجارة تنفسخ؛ لانتهاء حقه بموته، وإن كان الرافعي قد جزم في (باب الوصية) بأن الموصى له لا يؤجره. الثالثة: الموقوف عليه إذا أجر بطريق النظر المشروط له فيما يتعلق به. الرابعة: المقطع إذا أجر كما تقدم. الخامسة: إذا استأجر من أبيه وأقبضه الأجرة ثم مات الأب والابن حائز .. فيسقط حكم الإجارة، فإن كان على أبيه دين .. ضارب مع الغرماء، وإن كان معه ابن آخر .. انفسخت الإجارة في حصة المستأجر ورجع نصف الأجرة في تركة أبيه. السادسة: لو أجر عبده المعلق عتقه بصفة فوجدت مع موته أو أم ولده .. فالأصح انفساخها بموته خلافاً لما اقتضاه كلام الرافعي في (باب الوقف).

وَمْتَوَلِّي الْوَقْفِ. وَلَوْ أَجَّرَ الْبَطْنَ الأَوَّلَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، أَوِ الْوَلِيُّ صَبِيّاً مُدَّةً لاَ يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ بِالاِحْتِلاَمِ .. فَالأَصَحُّ: انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: استأجر داراً أو حانوتاً بأجرة معينة ومات وعليه أجرة .. أخذت من تركته، فإن كان غرماء .. ضارب معهم المالك ولم يقدم على غيره. قال: (ومتولي الوقف) فلا تنفسخ بموته سواء فيه الحاكم ومنصوبه والمشروط له فيه النظر مطلقاً، وكذلك الواقف إذا قلنا: له النظر؛ لأنه ناظر للجميع فلا يختص تصرفه ببعض الموقوف عليهم. وقيل: تنفسخ، قال الرافعي: وهو كالخلاف فيما إذا أجر الولي الصبي فبلغ في المدة بالاحتلام، وقال الشيخ: ليس مثله؛ لأنه لا نظر للولي على الصبي بعد الاحتلام، وأما ناظر الوقف .. فنظره على جميع البطون، ثم محل هذا الوجه الذي حكى- على بعده- في غير الحاكم أو أمينه أو الواقف حيث كان له النظر. قال: (ولو أجر البطن الأول مدة ومات قبل تمامها، أو الولي صبياً مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ بالاحتلام) أي: رشيداً؛ لأنه إذا بلغ سفيها استمرت على الوجهين. واحترز بقوله (لا يبلغ فيها بالسن) عما إذا كان ابن عشر سنين فأجره سبع سنين؛ فإنه يبطل في الزائد عند الجمهور. قال: (.. فالأصح: انفساخها في الوقف)؛ لأن المنافع بعد موته لغيره ولا ولاية له عليه ولا نيابة عنه. والثاني: لا تنفسخ كما لو أجر ملكه ومات وإن لم يملك المنافع بعد موته، وصحح هذا صاحبا (الحاوي) و (المهذب)، قال الروياني: وهو القياس، والخلاف مبني على أن البطن الثاني يتلقون من الواقف أو من البطن الأول، والأصح: الأول وبه يظهر ترجيح الانفساخ.

لاَ الصَّبِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استشكلت صورة الوقف؛ لأن البطن الأول إن شرط له النظر .. فهو متول وقد سبق أنه لا تنفسخ بموته، وإلا .. فلا نظر له إلا على قول ضعيف، وصورها ابن الصباغ وسليم وصاحب (الاستقصاء) بأن يكون شرط النظر لكل بطن في حصته فلا يتعلق بما بعده، لكنه يصير كولي الصبي فيلغو الفرق. واختار الشيخ أنه تنفسخ إذا أجر بحكم الملك، أو شرط النظر له في حصته فقط، فإن أطلق النظر للموقوف عليه واقتضى الحال نظر كل في زمنه .. لم تنفسخ؛ لأنها صحت بنظر شامل فلا تبطل بنظر ثان. فرع: للموقوف عليه إذا كان ناظراً أن يؤجر بدون أجرة المثل، فإذا مات حينئذ .. قال ابن الرفعة: يظهر الجزم بالانفساخ. قال: (لا الصبي)؛ لأنه كان وليا حين تصرفه، ومبنى تصرفه على المصلحة فيلزم كما لو باع له شيئاً أو اشترى. والثاني: تنفسخ لخروج الزائد عن ولايته، وصححه ابن أبي عصرون، والذي صححه المصنف في الصبي تابع فيه (المحرر)، ونقل في (الشرحين) و (الروضة) ترجيح كل منهما عن جماعة، وقال في زوائده: إن الرافعي صحح الانفساخ في (المحرر) وهو سبق قلم. ولا فرق في جريان الوجهين عند الجمهور بين أن يؤجر الصبي أو شيئاً من ماله، وقيل: تستمر في ماله ولا تستمر في نفسه، وإذا لم تنفسخ فلا خيار للصبي في الأصح.

وَأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ، لاَ انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: عبارته تفهم أنه تجوز إجارة الطفل من الولي أبا كان أو جدًا أو وصيًا أو قيمًا وهو المذهب، وفيه وجه حكاه الإمام؛ لما فيه من الإذلال، وكذلك تجوز إجارة ماله لكن لا تجاوز مدة البلوغ، فإن مات الصبي في أثناء المدة .. بطلت الإجارة في نفسه دون ماله، قاله البندنيجي. الثاني: عبر المصنف- كالجمهور- بـ (الانفساخ) وعدمه، واستبعدها جماعة؛ لأن الانفساخ يشعر بسبق الانعقاد وقالوا: الخلاف أنا هل نتبين البطلان لظهور تصرفه في غير ملكه أو لا؟ وللشيخ في ذلك بحث نفسي، وإذا عبرنا بالانفساخ .. كان من التفريق في الدوام، وإن عبرنا بالبطلان .. فمن التفريق في الابتداء. قال: (وأنها تنفسخ بانهدام الدار)؛ لزوال الاسم وفوات النفعة. قال: (لا انقطاع ماء أرض استؤجرت لزراعة)؛ لبقاء اسم الأرض مع إمكان زراعتها بغير الماء المنقطع. قال: (بل يثبت الخيار) للعيب وهو على التراخي كما صرح به الماوردي؛ لأن سببه تعذر قبض المنفعة، وذلك يتكرر بتكرر الزمان، وصحح صاحب (الاستقصاء) ثبوت الخيار في هذه الحالة. وفي عطف المسألة على ما قبلها نظر، بل الصواب التعبير فيها بالمذهب أو الأظهر؛ لأن الشافعي نصر على أن انهدام الدار يقتضي الانفساخ، ونص على أنه إذا استأجر أرضاً للزراعة وله ما معتاد فانقطع .. أن له الفسخ، فمن الأصحاب من قرر النصين، والأصح قولان فيهما: أحدهما: الانفساخ لفوات المقصود.

وَغَصْبُ الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الخِيَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: المنع لما تقدم. واحترز بـ (الانقطاع) عما لو غرقت الأرض بماء نبع فيها أو سيل .. فإنه كانهدام الدار كما صرح به الرافعي هنا، وكلامه في (باب المبيع قبل القبض) يخالفه. وموضع ثبوت الخيار إذا لم يبادر بسوق الماء إليها، فإن فعل .. سقط الخيار، أما مجرد الوعد بأنه يسوق الماء .. فينبغي أن لا يكتفي به كما صرح به الماوردي. وأما لو تشعثت الدار ولم تنهدم .. فإنها لا تنفسخ، بل يثبت الخيار على التراخي كما تقدم التنبيه عليه عند قول المصنف: (ويثبت الخيار بعيبها). فرع: لو انهدم بيت من الدار .. انفسخ العقد فيه، وفي الباقي قولان، فإن قلنا: لا ينفسخ .. ثبت الخيار، وتعطل الرحى لانقطاع الماء والحمام لخلل في الأبنية أو لنقص الماء في البئر ونحوه كانهدام الدار، وكذا لو استأجر قناة فانقطع ماؤها، فلو نقص .. يثبت الخيار ولم تنفسخ. قال: (وغصب الدابة وإباق العبد يثبت الخيار)؛ لتعذر الاستيفاء فتنفسخ فيما بقي، وفيما مضى الخلاف. هذا إذا كانت الإجارة على العين، فإن كانت على الذمة .. فلا، بل على المؤجر الإبدال، فإن امتنع .. استؤجر عليه، فإن بادر المؤجر إلى خلاصها قبل مضي مدة لمثلها أجرة .. سقط الخيار. ومحله أيضاً إذا لم يكن بتفريط من المستأجر، فإن فرط .. لزمه المسمى، كما لو فرط في الرقبة .. فإنه يضمنها.

وَلَوْ أَكْرَى جِمَالاً وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي .. رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهمة: مسألة (المحرر) و (المنهاج) إذا غصب العين من غير مضي المدة، أما إذا انقضت المدة .. فالذي نص عليه الشافعي والأصحاب فيها انفساخ الإجارة، وجزم في (تحرير التنبيه) بعدم الانفساخ، ثم المالك يخاصم الغاصب بحق الملك، وهل للمستأجر المخاصمة؟ فيه وجهان: الأصح: لا؛ لعدم ملك العين فأشبه المودع والمستعير والمرتهن، وجزم الرافعي في (كتاب الحج) بأن للمودع أن يخاصم، وجزم في آخر (الدعاوى) بأن للمرتهن أن يخاصم. كل هذا إذا غصبه أجنبي، فإن غصبه المالك فطريقان: أحدهما: كغصب الأجنبي. والثاني: تنفسخ قطعاً، وإن كانت الغاصب المستأجر، ويتصور بأن يأخذ العين من الآجر من غير إذنه قبل إقباض الأجرة، والحكم فيه استقرار الأجرة. فرع: أجر عيناً ثم أقر بها .. فالأصح قبوله في العين دون المنفعة. والثاني: يقبل فيهما ويبطل حق المستأجر وحكي عن نصه في (عيون المسائل). والثالث: عكسه. والرابع: إن كانت في يد المستأجر .. فلا تزال يده إلى انقضاء المدة، وإن كانت في يد المقر له .. لم تنزع. قال: (ولو أكرى جمالاً) أي: بعينها أو في الذمة وسلمها. قال: (وهرب وتركها عند المكتري .. راجع القاضي ليمونها من مال الجمال)، وكذلك مؤنة من يحفظها ويخدمها كما صرح به الماوردي.

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً .. اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَثِقَ بِالْمُكْتَرِي .. دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ .. جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا قَدْرَ النَّفَقَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي فِي الإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ .. جَازَ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن لم يجد له مالاً .. اقترض عليه)؛ لأن ذلك الممكن، ولأن الحاكم هو الناظر في أموال الغائبين وقد تعين ذلك طريقاً. والاقتراض إما من بيت المال، وإما من المكتري، أو من غيره، وهذا إذا لم يتبرع المكتري بالإنفاق، ويستوفي المكتري حقه من الجمال بمقتضى العقد. واحترز بقوله: (تركها) عما لو أخذها معه، فإن كانت إجارة عين .. فله الفسخ، وإن كانت إجارة ذمة .. اكترى الحاكم عليه من ماله، فإن لم يكن .. اقترض عليه، فإن تعذر .. فله الفسخ. قال: (فإن وثق) أي: القاضي (بالمكتري .. دفعه إليه) سواء اقترضه منه أم من غيره. قال: (وإلا) أي: إن لم يثق به (.. جعله عند ثقة) لتعين ذلك طريقاً، هذا إذا لم يكن فيها فضل، فإن كان. بيع قبل القرض. قال: (وله) أي: للقاضي (أن يبيع منها قدر النفقة)؛ للاحتياج إلى ذلك، ولا يخرج على الخلاف في بيع المستأجرة؛ لأنه محل ضرورة، قال الفوراني: ولا يجوز بيع جميعها خشية أن تؤكل أثمانها، وضعفه مجلي. قال: (ولو أذن للمكتري في الإنفاق من ماله ليرجع .. جاز في الأظهر)؛ لأنه محل ضرورة كما لو استقرض منه وفدع إليه، ولأن الحاكم قد لا يجد غيره. والثاني: المنع؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون القول قوله فيما يستحقه على غيره، بل يؤخذ المال منه ويدفع إلى أمين. فعلى الأولى لو اختلفا في قدر ما أنفق .. فالصحيح أن القول قول المنفق إذا ادعى نفقة معتادة. وعلى الأظهر: لو قدر له نفقة معتادة .. لم يزد عليها، فإن زاد .. كان متبرعاً بالزائد.

وَمَتَى قَبَضَ المُكْتَرِي الدَّارَ أَوِ الدَّابَّةَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الإِجَارَةِ .. اسْتَقَرَّتِ الأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ، وَكَذَا لَوِ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَقَبَضَهِا وَمَضَتْ مُدَّةُ إِمْكَانِ السَّيْرِ إِلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إِجَارَةُ الْعَيْنِ أَوِ الذِّمَّةِ إِذَا سَلَّمَ الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أنفق المكتري بغير إذن الحاكم مع إمكانه .. لم يرجع، وإن لم يكن حاكم فأنفق وأشهد وشرط الرجوع .. رجع على الأصح. قال: (ومتى قبض المكتري الدار أو الدابة وأمسكها حتى مضت مدة الإجارة .. استقرت الأجرة وإن لم ينتفع) سواء كانت إجارة عين أم ذمة؛ لأن المعقود عليه تلف تحت يد متملكه فلزمه بدله كالمبيع إذا تلف في يد المشتري، وهذا لا خلاف فيه كما قاله الإصطخري في (أدب القضاء). وليس له الانتفاع بعد المدة، فإن فعل .. لزمه أجرة المثل مع المسمى. وعبارة المصنف تفهم أنه لو عرضها عليه فامتنع ومضى زمان يمكن فهي الاستيفاء .. أن الأجرة لا تتقرر وليس كذلك، بل الحكم كذلك عندنا كما صرح به في (البحر) خلافاً لأبي حنيفة، وحاول ابن الرفعة تخريج وجه فيما إذا وضع البائع المبيع بين يدي المشتري .. أنه لا يكون إقباضا. وسكت المصنف عما لو اكترى حراً وسلمه نفسه ولم يستعمله حتى مضت المدة، والذي عليه الأكثرون استقرار الأجرة بذلك خلافا للقفال. قال: (وكذا لو اكترى دابة لركوب إلى موضع وقبضها ومضت مدة إمكان السير إليه)؛ لتمكنه من الانتفاع، وهذه الصورة في الإجارة المقدرة بالعمل، والتي قبلها في المقدرة بالمدة، لكن يرد عليها العرض كالتي قبلها. قال: (وسواء فيه إجارة العين أو الذمة إذا سلم الدابة الموصوفة) لتعين حقه بالتسليم وحصول التمكين. وقوله: (فيه) أراد في المسألتين المتقدمتين المقدرة بمدة والمقدرة بعمل؛ لأن كلاً منهما قد يقع على العين وقد يقع على الذمة والحكم فيهما سواء، لكن يستثنى من

وَتَسْتَقِرُّ فِي الإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِمَا يَستَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ تسويته بينهما ما لو شردت الدابة من راكبها فإن نسب إلى تفريط .. ضمنها ولم يرجع بالأجرة، وإلا .. لم يضمنها. قال الماوردي: ثم إن كانت الإجارة مقدرة بمدة ومضت والدابة شاردة .. بطلت سواء كانت معينة أو في الذمة، وإن كانت مقدرة بمسافة .. لم تبطل الإجارة؛ لبقاء المعقود عليه وإن تأخر قبضه، وللراكب الخيار بين المقدم والفسخ. ويستثنى من إطلاقه إذا كان الامتناع لعذر في الدابة كمرضها أو لخوف في الطريق .. فلا أجرة على المستأجر؛ لأنه ممنوع من استيفاء حقه بنفسه وبغيره فافترقت إجارة العين والذمة في ذلك. وقوله: (إذا سلم) متعلق بالذمة فقط. قال: (وتستقر في الإجارة الفاسدة أجرة المثل بما يستقر به المسمى في الصحيحة) سواء انتفع أم لا، وسواء كانت أجرة المثل أقل من المسمى أو أكثر؛ لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، لكن يرد على إطلاقه التخلية؛ فإنها كالقبض في الصحيحة دون الفاسدة، بل يترتب الضمان فيها إلا بدخول الدار والقبض الحقيقي، وكذلك لو وضع بين يديه يكفي في الصحيحة دون الفاسدة. ويستثنى من إيجاب أجرة المثل في الفاسدة: إذا عقد الإمام الذمة مع الكفار على سكنى الحجاز فسكنوا ومضت المدة .. فإنه يجب المسمى لتعذر إيجاب عوض المثل، فإن منفعة دار الإسلام في سنة لا يمكن أن تقابل بأجرة مثلها فتعين إيجاب المسمى، كذا قاله العبادي والهروي وشريح الروياني وغيرهم. وكذا لو استأجر الإمام العامل بأكثر من أجرة المثل فهل تجب أجرة المثل لفساد الإجارة، أو المسمى والزيادة على الإمام في ماله؟ وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة) في (قسم الصدقات): الأول. واحترز بـ (الفاسدة) عن الباطلة كما لو استأجر صبي بالغاً فعمل عملاً .. فإنه لا يستحق شيئاً؛ لأنه الذي فوت على نفسه عمله، وتكون الإجارة باطلة لا فاسدة،

وَلَوْ أَكْرى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتِ .. انْفَسَخَتْ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً وَأَجَّرَ لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السَّيْرِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا لاَ تَنْفَسِخُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكل عقد باطل يسقط فيه المسمى إلا مسألة واحدة وهي: إذا عقد الإمام الذمة مع الكفار على سكنى الحجاز، وستأتي في بابها. قال: (ولو أكرى عيناً مدة ولم يسلمها حتى مضت .. انفسخت)؛ لفوات المعقود عليه قبل قبضه، وسواء أمسكها لاستيفاء الأجرة أم لغيره. وقوله: (مضت) ليس بقيد، بل لو مضى بعضها .. انفسخ فيه، وفي الباقي الخلاف في تلف بعض المبيع قبل القبض، فإن قلنا: لا تنفسخ .. فللمستأجر الخيار ولا يبدل زمان بزمان. تنبيه: أفهمت عبارة المصنف: أنه لا يجب على المستأجر تسليم العين التي استأجره فيها، وقال الرافعي في الكلام على ما إذا استأجره لخياطة ثوب: قال الإمام: المتجه أنه لا يجب عليه ذلك، لكن تستقر عليه الأجرة إذا سلم الأجير نفسه. قال ابن الرفعة: وهو ظاهر إذا قلنا: تستقر الأجرة بالتمكين ومضي المدة، وإلا .. فلا. وذكر الرافعي في (المساقاة): أن من استأجر قصاراً لقصارة ثوب بعينه .. يكلف تسليمه إليه، وذكر في (باب المبيع قبل القبض) أن من استأجر صباغاً ليصبغ له ثوباً وسلمه إليه .. ليس له أن يبيعه ما لم يصبغه. قال: (ولو لم يقدر مدة وأجر لركوب إلى موضع ولم يسلمها حتى مضت مدة السير .. فالأصح: أنها لا تنفسخ)؛ لأنها متعلقة بالمنفعة لا بالزمان ولم يتعذر استيفاؤها.

وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ، وَأَنَّهُ لاَ خِيَارَ لِلْعَبْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: تنفسخ واختاره الإمام كما لو حبسها المكتري .. فعلى الأصح: لا خيار للمكتري، كما لا خيار للمشتري إذا امتنع البائع من تسليم المبيع ثم سلمه، في (الوسيط): يخير لتأخر حقه. وقال ابن الرفعة: إنه الأوجه، وبه أجاب الماوردي؛ لأن الإجارة لا تراد للدوام فيفوت غرضه بالتأخير بخلاف الملك. واحترز بـ (العين) عن إجارة الذمة إذا لم يسلم ما تستوفى منه المنفعة حتى مضت مدة يمكن استيفاؤها .. فلا فسخ، ولا انفساخ قطعًت؛ لأنه دين تأخر وفاؤه. قال: (ولو أجر عبده ثم أعتقه .. فالأصح: أنه لا تنفسخ الإجارة)؛ لأنه أجر ملكه ثم طرأ ما يزيله فأشبه موته بعد الإجارة. والثاني: تنفسخ كموت البطن الأول وضعفه الإمام، لا جرم عبر عنه في (الروضة) بالصحيح؛ لأن العتق لم يصادف إلا الرقبة مسلوبة المنافع، لاسيما إذا قلنا بالأصح وهو: أن المنفعة إنما تحدث على ملك المستأجر .. فيبطل إلحاقه بموت البطن الأول. والذي ذكره المصنف محله في العتق المنجز، أما المعلق بصفة إذا أجره، فإن وجدت الصفة .. عتق العبد وانفسخت الإجارة، خلافاً لما اقتضاه كلام الرافعي في (باب الوقف). ولو أجره ثم كاتبه .. لم تصح الكتابة كما جزم به المصنف في بابها وفي معنى العتق الوقف .. فيصح وقف المستأجر على المذهب كما صرح به في (الروضة) في بابه، ولا يرجع الموقوف عليه بشيء من الأجرة قولاً واحداً كما صرح به الماوردي؛ لأن الوقف مقصور على شرط واقفه. قال: (وأنه لا خيار للعبد) أي: في فسخ الإجارة بعد العتق؛ لأن سيده تصرف في خالص ملكه فلا وجه للاعتراض عليه.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: له الخيار كما لو عتقت الأمة المزوجة برقيق، ومحل الوجهين إذا قلنا: لا تنفسخ. قال: (والأظهر: أنه لا يرجع على سيده بأجرة ما بعد العتق)؛ لأنه تصرف في منافعه حال ملكه فأشبه ما إذا زوج أمته واستقر مهرها بالدخول ثم أعتقها .. لا ترجع عليه بشيء، وهذا هو الجديد. والثاني: يرجع بأجرة مثل تلك المدة الباقية؛ لأن المنافع تستوفى منه قهراً فصار كما لو أكرهه سيده على العمل، ومنهم من حكاهما وجهين، وكما لا يرجع عليه بالأجرة .. لا يطالبه بنفقة هذه المدة على الأصح، بل نفقته في بيت المال، وقيل: على سيده. وعلى هذا فقيل: تجب بالغة ما بلغت، والأصح عند المصنف: الأقل منها ومن أجرة المثل. وكما لا تنفسخ الإجارة بطروء الحرية لا تنفسخ بطروء الرق، فلو استأجر مسلم حربياً فاسترق، أو استأجر داراً في دار الحرب ثم ملكها المسلمون .. لم تنفسخ الإجارة قطعاً. وقيل على الخلاف في الزوجة إذا سبيت، هل ينفسخ نكاحها؟ كذا قاله الشيخان في (باب السير). فرع: أجره ثم أعتقه ثم ظهر به عيب وفسخت الإجارة بعد العتق .. فالمنافع للعبد على الأصح، وقيل: للسيد. ولو أجر أم ولده ومات في المدة .. عتقت، وفي بطلان الإجارة ما قيل في إيجار البطن الأول قاله الرافعي، ومقتضاه تصحيح الانفساخ، وسيأتي في (الوقف) في موت المستولدة الموقوفة ما يخالفه في تعليل المتولي.

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْتَاجَرَةِ لِلْمُكْتَرِي، وَلاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويصح بيع المستأجر للمكتري)؛ لأنها في يده من غير حائل فأشبه بيع المغصوب من الغاصب، ولأن الإجارة قد وردت على المنافع فلا يمنع بيع الرقبة كبيع الأمة المزوجة، وهذه متفق عليه. وقال في (الوسيط): الظاهر الصحة، فأشعر بخلاف صرح به تلميذ محمد بن يحيى في (شرح الوسيط)، وأبو الخير سلامة بن جماعة المقدسي، وابن يونس في (شرح التعجيز). وشرط جواز بيع المستأجر أن يعلم المشتري مقدار مدة الإجارة، فإن جهلها .. لم يصح. فإن قيل: في صحة بيع العين المستأجرة من المستأجر إشكال؛ فإنه يصير كالمبيع المستثنى المنافع، فصار كما لو باعه الدار بشرط أن لا يسكنها شهراً .. فالجواب: أن هذا مستثنى شرعًا كما لو باع أمة حاملا بحر على رأي، بخلاف ما لو باع حاملاً واستثنى حملها. فإن قيل: المشتري لا يبيع المبيع من البائع ولا من غيره فلما استوى البائع وغيره .. ينبغي أن يستوي المستأجر وغيره .. فالجواب: أن المانع من بيع المبيع عدم دخوله في ضمان المشتري ولا فرق فيه بين البائع والأجنبي، والمانع من بيع المستأجر حيلولة اليد وذلك غير موجود في المبيع من المستأجر. قال: (ولا تنفسخ الإجارة في الأصح)؛ لأن الملك لا ينافيها، ولهذا يستأجر ملكه من مستأجره. والثاني: أنها تنفسخ وهو قول ابن الحداد؛ لأنه إذا ملك الرقبة .. حدثت المنافع على ملكه، والإجارة والملك لا يجتمعان كما لو اشترى زوجته فعلى الأصح: يستوفي المنفعة بحكم الإجارة، حتى لو رد المبيع بعيب .. فله استيفاء بقية المدة. ولو فسخ الإجارة بعيب أو تلفت العين .. رجع عليه بأجرة باقي المدة، وعلى الثاني: يسترد حصة ما بقى من الأجرة.

وَلَوْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ .. جَازَ فِي الأظْهَرِ وَلاَ تَنْفَسِخُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو باعها لغيره .. جاز في الأظهر) سواء أذن المستأجر أم لا؛ لأن استثناء المنفعة فيه شرعي لا حسي، ولأن ثبوت العقد على المنفعة لا يمنع بيع الرقبة كالأمة المزوجة. والثاني: المنع؛ لأن يد المستأجر مانعة من التسليم بحق فكانت أولى من يد الغاصب بالمنع. وقال أبو حنيفة: ينعقد موقوفاً إن أجازه المستأجر .. نفذ، وإلا .. فلا. وتستثنى من جريان الخلاف مسائل: منها: إذا هرب الجمال وترك الجمال كما تقدم. ومنها: إذا قال: أعتق عبدك عني على كذا فأعتقه عنه وهو مستأجر .. فإنه يصح قطعاً؛ لقوة العتق كما أفتى به القفال وارتضاه ابن الرفعة. قال: (ولا تنفسخ) كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوجة وتترك في يد المستأجر إلى انقضاء المدة، وللمشتري فسخ البيع إن كان جاهلاً، وإن كان عالماً .. فلا فسخ ولا أجرة لتلك المدة، والقولان في صحة بيع المستأجر يجريان في هبته من غيره، وفي رهنه طريقان: إحداهما: طرد القولين. والثانية: القطع بالبطلان، وتجوز الوصية به ووقفه. تتمة: أجر عيناً ثم باعها لغير المستأجر، ثم انفسخت الإجارة في المدة بما اقتضى الفسخ، فأجرة بقية المدة للبائع أو المشتري؟ فيه وجهان: جواب ابن الحداد أنها للمشتري. وقال أبو زيد: إنها للبائع، وبناهما المتولي على أن الفسخ إن رفع العقد من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حينه .. فتكون للبائع، أو من أصله .. فللمشتري. ولو تقايلا الإجارة، فإن قلنا: الإقالة عقد .. عادت المنافع إلى البائع، وإن قلنا: فسخ .. فالصحيح أنها تعود إليه أيضاً؛ لأنها ترفع العقد من حينه قطعاً، وأفتى الشيخ بعودها إلى المشتري وفقاً لابن الحداد وبه قضى بدمشق. ونظير المسألة: إذا أوصى بعبد لإنسان وبمنفعته لآخر فقبل الموصى له بالرقبة الوصية وردها الآخر، فمنفعته هل تعود إلى الموصى له بالرقبة أو إلى الوارث؟ فيه وجهان، قال ابن الرفعة: الذي يظهر: الجزم بأنها للورثة لإخراجها عن التبعية بالوصية لغير الموصى له بالرقبة. * * * خاتمة استأجر رجلاً يعمل له مدة .. كان زمن الطهارة وصلاة الفرض والراتب مستثنى، ولا ينقص من الأجرة شيء، ولا فرق بين صلاة الجمعة وغيرها. وقال ابن سريج: يجوز له ترك الجمعة بهذا السبب. والسبوت في استئجاره اليهودي تقع مستثناة إذا اطرد عرفهم بذلك، كذا قاله الغزالي. وقال أبو بكر الشامي: لا تستثنى ويلزم بالعمل فيها؛ لأن العبرة بشرعنا لا بما اعتقدوه. فإن أسلم اليهودي .. ألزم بعمل يوم السبت؛ لأن الإجارة اشتملت على جميع المدة، وإنما امتنع الاستثناء لأمر عرفي مشروط باليهودية وقد زال ذلك بالإسلام،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتستثنى به بعد الإسلام أوقات الصلوات، كما لو استأجر امرأة فحاضت .. فأوقات الصلاة في زمن الحيض خرجت عن الاستثناء، ولا ينظر في ذلك إلى حال العقد، بل إلى حال الاستثناء. وقال القاضي أبو الطيب: لا يجوز أن يشترط على المكتري سلفاً، فإن شرط ذلك .. أبطل العقد. قال الشيخ: وأما عكس ذلك إذا شرط المكري على المكتري قرضاً ليزيد في الأجرة .. فهو أيضاً حرام؛ لأنه قرض جر منفعة، وهو الذي يسمونه التقوية. وقال في (الأحياء): الأسواق التي ينالها السلاطين بالأموال الحرام يحرم سكناها والتجارة فيها. وفي (فتاوى ابن الصلاح): أنه سئل عن ناظر في ملك أجره سنة بأجرة شهد الشهود أنها أجرة المثل يومئذ، ثم طرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل على ذلك .. فأجاب بأنه يتبين بطلان الإجارة والشهادة؛ فإن تقويم المنافع في مدة مستقبلة إنما تصح إذا استمرت الحال الموجودة، فأما إذا تغيرت .. فإنا نتبين أن التقويم لم يطابق، خلاف تقويم الأعيان، ثم أفتى في (كتاب الوقف) بعدم البطلان. وأفتى الغزالي بأنه إذا جعل متاعاً في مسجد وأغلقه .. لزمه أجرة مثله. قال المصنف: لا حاجة إلى تقييده بالإغلاق، فلو لم يغلقه .. ينبغي أن تجب عليه أجرته. وحكى الغزالي وجهاً أن الأجرة لا تجب، فإن قلنا: تجب .. صرفت في مصالح المسلمين، وقال المصنف: تصرف في مصالح المسجد، ولو شغل جانباً منه .. وجبت أجرة ما شغل، ولو اقتصر على غلقه ومنع الصلاة فيه .. فلا أجرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيها: إذا توجه الحبس على الأجير، إن أمكنه العمل في الحبس .. جمع بينهما، وإن تعذر، فإن كانت الإجارة على العين .. قدم حق المستأجر كما يقدم المرتهن، وأطلق البغوي في (فتاويه) القول بأنه يحبس وإن تعطل حق المستأجر. وفي (فتاوى ابن الصلاح): لو استأجر رجلاً يقعد مكانه في الحبس مدة .. صح واستحق الأجرة؛ لأن المنافع كالأعيان وهذا استدعاء لإتلاف منافعه بعوض لغرض صحيح كما لو قال: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، أو طلق زوجتك وعلي ألف، وفيما قاله نظر؛ لأن الحبس عقوبة معلقة ببدن المحبوس فلا تتأتى فيه النيابة. وفي (فتاوى البغوي): استأجره ليرعى بقرة شهراً أو سنة على أن يكون نتاجها للأجير، فرعاها ونتجت ثم سرقت وولدها .. يضمن الولد دون الأم؛ لأنه في يده بالبيع الفاسد، وهي بالإجارة الفاسدة. * *

كتاب إحياء الموات

كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ الأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ إِنْ كَانَتْ بِبِلاَدِ الإِسْلاَمِ .. فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالإِحْيَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب إحياء الموات (الموات) بفتح الميم والواو: فعال من الموت، ومنه: بلد ميت، والأرض الميتة: التي تعطلت عن النبات. والموات في الاصطلاح: الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد، وافتتح ابن خيران الباب بقوله تعالى: {وفي الأرض قطع متجورت} وفي (المحرر) بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضًا ميتة .. فهي له) وهو في (الترمذي) [1378] و (أبي داوود) [3068] و (النسائي) [سك5730] من رواية سعيد بن زيد بإسناد حسن. والإجماع منعقد على جوازه في الجملة. وقال في (المهذب): إن الإحياء مستحب، ووافقه المصنف عليه؛ لما روى ابن حبان [5205] والنسائي [5724] عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيا أرضًا ميتة .. له فيها أجر، وما أكلت العوافي منها .. فهو له صدقة). و (العوافي): طلب الرزق من طير أو وحش أو غيرهما. و (الموات) عندنا: ما لم يكن عامراً ولا حريماً لعامر قرب من العامر أو بعد، وهو طارئ وأصلي، فالطارئ: ما خرب بعد عمارته، والأصلي: ما لم يعمر قط. قال: (الأرض التي لم تعمر قط إن كانت ببلاد الإسلام .. فللمسلم تملكها بالإحياء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العباد عباد الله، والبلاد بلاد الله، فمن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحيا شيئاً من موات الأرض .. فهو له) رواه أبو داوود [3071] والطيالسي [1440] من رواية عائشة. وسواء أذن الإمام في ذلك أم لا، لكن يستحب استئذانه خروجاً من الخلاف. وقال الجوري: كان موات الأرض ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رده على أمته. واشترط أبو حنيفة إذن الإمام، وبه قال مالك في القريب من العمران، وخالفهما أبو يوسف ومحمد- وهو الحق- اكتفاء بإذن إمام الأئمة شفيع الأمة، فقد أذن صلى الله عليه وسلم وإذنه عام؛ لأنه إذن عن الله تعالى فهو نافذ على جميع الخلق إلى يوم القيامة، ولو كان إذناً لأهل عصره .. لعين المأذون له فيه والبقعة؛ لأن عند أبي حنيفة أن الإمام إنما يأذن في معين، فأما أن يأذن لأهل عصره في جميع الموات .. فلا، وهذا ما لم يتعلق به حق، فلو حمى الإمام قطعة من الموات فجاء شخص وأحياها .. لا يملكها إلا بإذن الإمام على الأصح؛ لما فيه من الاعتراض على الأئمة. ثم لا يشترط في عدم العمارة التحقق، بل تكفي غلبة الظن بأن لا يرى أثرها ولا ما يدل عليها من أصول شجر ونهر وجدار. وتعبيره بـ (التملك) يفهم اشتراط التكليف؛ لأن الصبي والمجنون يملكان ولا يتملكان، والمذهب أنه يستوي في التملك بالإحياء البالغ والصبي والعاقل والمجنون. ودخل في إطلاق المصنف سواد العراق؛ فإن وقف عمر مختص بعامره. وحكي عن أحمد أنه قال: ليس في السواد موات، فقيل: أراد العامر، وقيل: لأن السواد كله كان معموراً حين أخذه المسلمون. والملك في اللغة: القوة، وفي الشرع: ليس أمراً حقيقياً قائماً بالمملوك، إنما هو مقدر فيه، وهو: إباحة الانتفاع بالمملوك والتصرف فيه. و (قط) معناها الزمان الماضي، والمشهور فيها فتح القاف وضم الطاء المشددة، ومنهم من يضم القاف، ومنهم من يخفف فيها.

وَلَيْسَ هُوَ لِذِمِّيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ بِبِلاَدِ الْكُفَّارِ .. فَلَهُمْ إِحْيَاؤُهَا، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يَذُبُّونَ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وليس هو لذمي) فلا يحيي في بلاد الإسلام لا بإذن الإمام ولا بغير إذنه، وإن أذن له .. لم يصح إذنه، ولو أحيا .. لم يملكه؛ لأنه استعلاء وليس له أن يستعلي في دار الإسلام. واحتج بعض الأصحاب بقوله صلى الله عليه وسلم: (عادي الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني) رواه الشافعي [أم4/ 45] وسعيد بن منصور في (سننه)، والبيهقي [6/ 143] عن طاووس مرسلاً، وأما ما زاده البغوي والرافعي من قوله: أيها المسلمون .. فلا يعرف. والعادي: نسبة إلى عاد وثمود ومن بعدهم من الأمم، وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم. وخالف الأئمة الثلاثة وأبو طاهر الزيادي فقالوا: يجوز بإذن الإمام؛ لأنه موضع اجتهاد. وعلم من امتناع الذمي منع الحربي والمعاهد من باب أولى. أما الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد .. فجائز للذمي والمستأمن في دار الإسلام، وليس ذلك للحربي. وللذمي نقل التراب من موات دار الإسلام إذا لم يتضرر به المسلمون ويملكه، والفرق بينه وبين إحيائه الأرض: أن الإحياء يصير به مالكاً لأصل دار الإسلام وبنقل التراب لا يصير. قال: (وإن كانت ببلاد الكفار .. فلهم إحياؤها)؛ لأنه من حقوق دارهم، وليس فيه ضرر على المسلمين. قال: (وكذا لمسلم إن كانت مما لا يذبون المسلمين عنها) أي: يدفعونهم؛ لأنها كموات دار الإسلام، فإن ذبوهم عنها .. لم يملكها المسلم بالإحياء كالمعمور من بلادهم. وقال الإمام والغزالي وأبو الطيب: يملك المسلم بذلك، واختاره الشيخ، ويظهر

وَمَا كَانَ مَعْمُوراً .. فَلِمَالِكِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَالْعِمَارَةُ إِسْلاَمِيَّةٌ .. فَمَالٌ ضَائِعٌ، فَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالإِحْيِاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أن محل ذلك في أرض صولحوا على أنها لهم، أو في أرض الهدنة، وإلا .. فدار الحرب معمورها يملك بالاستيلاء، ومواتها بالاستيلاء يصير كالمتحجر فكيف لا يملك بالإحياء؟ قال: (وما كان معموراً .. فلمالكه) سواء كان في بلاد الإسلام أو الكفر، لأن الإحياء لأحداث الملك وهي مملوكة. وعبارة المصنف تشمل ما كان معموراً في الحال وما كان معموراً في الزمن السالف ثم اندرس، واستثنى في (الكفاية) منها- تبعاً للماوردي- ما أعرض عنه الكفار قبل القدرة فيملك بالإحياء. قال: (فإن لم يعرف) أي: المالك (والعمارة الإسلامية .. فمال ضائع)؛ لأنه لمسلم أو ذمي، وأمره إلى رأي الإمام فيحفظها لمالكها أو يبيعها ويحفظ ثمنها، أو يقترضه لبيت المال. وعبارة (الروضة): حكمه حكم المال الضائع، وظاهره: أنه لا يجوز للإمام إقطاعه؛ فإن المال الضائع لا يقطع، لكن في (الكفاية): الأصح في (البحر): جواز إقطاعه، وفيها وفي (الحاوي) وجهان. قال: (فإن كانت جاهلية .. فالأظهر: أنه يملك بالإحياء) كالركاز. والثاني: المنع؛ لأنه ليس بموات.

وَلاَ يُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ حَرِيمُ الْمَعْمُورِ، وَهُوَ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الاِنْتِفَاعِ. فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ أبو حامد وأتباعه: إنه المذهب، وتابعه ابن الرفعة، ولعلهم يجعلونه فيئا، وأما الرافعي والمصنف .. فتابعا البغوي وعمما الخلاف، وحكى جماعة الخلاف وجهين وهو الأقرب. قال: (ولا يملك بالإحياء حريم المعمور)؛ لأن مالك المعمور يستحق مرافقه، وله يملكه صاحب العمارة؟ فيه وجهان: أحدهما: لا؛ لأن الملك بالإحياء ولم يحيها. وأصحهما: نعم كما يملك عرصة الدار تبعًا للدار. قال: (وهو ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع) كالطريق ومسيل الماء ونحوهما، ويختلف ذلك باختلاف الأمكنة والأبنية؛ لأن مالك المعمور يستحق الانتفاع بحريمه. وسمي حريمًا؛ لأنه حرم على غير من له اختصاص به أن ينتفع به، وحرم منع صاحبه منه، وهل يملك الحريم؟ وجهان: الأصح: نعم كما يملك عرصة الدار، لكن لا يملك بيعه منفردًا. ولا يمنع من الإحياء ما وراء الحريم قرب أم بعد؛ لما روى الدارقطني وابن سعد [3/ 152] وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع ابن مسعود الدور لما قدم المدينة) وهي بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل. روى البيهقي [6/ 145] والشافعي مرسلاً [شم 1/ 381]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الدور) فيقال: إن الدور اسم موضع، ويقال: أقطع تلك البقعة لتتخذ دورًا. قال: (فحريم القرية: النادي) وهو مجتمع القوم للحديث، ولا يسمى المجلس ناديًا إلا والقوم فيه، ويقال لأهل المجلس أيضًا: النادي، ولهذا عبر في (الشرحين) و (الروضة) و (المحرر) بـ (مجتمع النادي) وما أحسن ما أنشد بعض الشعراء لما أتى بجمال الدين الأصفهاني الجواد من بلاده ميتًا إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه بالحجرة الشريفة [من الطويل]:

النَّادِي، وَمُرْتَكَضُ الْخَيْلِ، وَمُنَاخُ الإِبِلِ، وَمَطْرَحُ الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا، وَحَريمُ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ: مَوْقِفُ النَّازِحِ، وَالْحَوْضُ وَالدُّولاَبُ، وَمُجْتَمَعُ الْمَاءِ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سرى نعشه فوق الرقاب وطالما .... سرى جوده فوق الركاب ونائله يمر على الوادي فتثني رماله .... عليه وبالنادي فتبكي أرامله قال: (ومرتكض الخيل) وهو مكان سوقها، وقيده ابن الرفعة والقمولي تبعًا للإمام بما إذا كانوا خيالة. قال: (ومناخ الإبل) وهو بضم الميم كما ضبطه المصنف بخطه: الموضع الذي تناخ فيه. قال: (ومطرح الرماد ونحوها) كالسماد والقمامات ومراح الغنم وملعب الصبيان وسائر ما يعد من المرافق عرفاً، أما مرعى البهائم .. فقال الإمام: إن بعد .. لم يكن حريمًا، وأما القريب المستقل .. فينبغي أن يقطع بأنه حريم، وقال البغوي: المرعى: حريم قطعًا، واختاره الشيخ. قال: (وحريم البئر في الموات: موقف النازح) وهو القائم عليها للاستقاء بيده، واحترز بذلك عن المحفورة في ملكه، والمعتبر في ذلك العرف. واعتبر قوم قدر عمقها فإن كان عشرة أذرع .. فحريمها عشرة أذرع، وإن كان ألف ذراع .. فألف ذراع من كل جانب. قال: (والحوض، والدولاب، ومجتمع الماء، ومتردد الدابة) لتوقف الانتفاع بالبئر على هذه الأشياء، وأهمل المصنف سادسًا- ذكره الرافعي- وهو: الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج من الحوض.

وَحَرِيمُ الدَّارِ فِي الْمَوَاتِ: مَطْرَحُ رَمَادٍ وَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ، وَمَمَرٌّ فِي صَوْبِ الْبَابِ، وَحَرِيمُ آبَارِ الْقَنَاةِ: مَا لَوْ حُفِرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ الاِنْهِيَارُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: الحوض ومجتمع الماء واحد فكيف غاير المصنف بينهما .. فالجواب أن الماء قد يجتمع في حوض وفي غيره. ومراده بـ (الدولاب) موضعه. وما أطلقه في موضع الدولاب و (متردد البهيمة) مقيد بما إذا كان الاستقاء بهما، وكان ذلك فيما المقصود منه السقي، أما ما يتخذ للشرب فقط .. فالمعتبر فيه موضع وقوف المستقي. و (الدولاب) فارسي معرب، قال ابن سيده: هو على شكل الناعورة، وضم داله أشهر من فتحها، ولم يحك في (العباب) سوى الفتح. قال: (وحريم الدار في الموات: مطروح رماد وكناسة وثلج، وممر في صوب الباب) أي: جهته؛ لأن العرف قاض بذلك وقوله (ممر) مرفوع. ومراده بـ (صوب الباب): جهته، وليس المراد امتداده طويلا قبالته، بل يجوز لغيره إحياء ما قبالته، إذا بقي له ممر وإن احتاج إلى انعطاف وازورار. ونص الشافعي والأكثرون على أن من حريم الدار فناءها، وجعل الغزالي من الحريم مصب ماء الميزاب. قال: (وحريم آبار القناة: ما لو حفر فيه نقص ماؤها أو خيف الانهيار) أي: السقوط، ويختلف ذلك باختلاف رخاوة الأرض وصلابتها، ولا يحتاج إلى موقف نازح ولا شيء مما تقدم في بئر الاستقاء، وفي وجه: حريمها حريم البئر التي يستقى منها وإليه ذهب العراقيون وأبو حامد وأصحابه، وقال الماوردي: إنه مذهب الشافعي وأبي حنيفة خلافاً لمالك، وما جعله المصنف حريمًا هو بالنسبة إلى حفر الآبار لا مطلقًا؛ فإنه يجوز لغيره أن يبني في الحريم المذكور. ومحل ما ذكره في البئر المحياة، أما المملوكة .. فلا يمنع من حفرها وإن نقص غيرها.

وَالدَّارُ الْمَحْفُوفَةُ بِدُورٍ لاَ حَرِيمَ لَهَا، وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدً فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ تَعَدَّى .. ضَمِنَ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارَهُ الْمَحْفُوفَةَ بِمَسَاكِنَ حَمَّامًا وَإِصْطَبْلاً، وَحَانُوتَهُ فِي الْبَزَّازِينَ حَانُوتَ حَدَّادٍ إِذَا احْتَاطَ وَأَحْكَمَ الْجُدْرَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وضبط المصنف (أبآر) بالهمز على الأصل، ويجوز ترك الهمز على الإبدال أيضاً، وجمع البئر قلة كذلك، وعلى الكثرة بئار. قال: (والدار المحفوفة بدور لا حريم لها)؛ إذ لا أولوية لبعضها على بعض. وقوله: (المحفوفة) ليس بقيد، بل غير المحفوفة كذلك إذا كانت في طريق نافذ؛ لأنه لعامة المسلمين، بخلاف ما لو كانت في غير نافذ، قاله الرافعي في (باب الأصول والثمار). قال: (ويتصرف كل واحد في ملكه على العادة) ولو أدى إلى ضرر جاره أو أدى إلى تلف كما إذا حفر بئرًا في داره فتلف بها بئر جاره، ولو عمل بئر حش أو بالوعة .. جاز خلافاً للقفال. قال: (فإن تعدى .. ضمن)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). قال: (والأصح: أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حمامًا وإصطبلًا، وحانوته في البزازين حانوت حداد إذا احتاط وأحكم الجدران)؛ لأنه يتصرف في خالص ملكه فلا يعترض عليه، فلو عمل ملكه مخبزة أو مدبغة .. فأولى بالجواز؛ لأن التأذي إنما هو بالرائحة والدخان. وحاصله: منع ما يضر الملك دون المالك، فإن فعل ما الغالب منه ظهور الخلل في جدار جاره .. فالأصح المنع كما إذا دق في داره دقاً عنيفًا يزعج الأبنية، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر النداوة إلى جدار جاره.

وَيَجُوزُ إِحْيَاءُ مَوَاتِ الْحَرَمِ دُونَ عَرَفَاتٍ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والوجه الثاني في أصل المسألة: عدم الجواز؛ لما فيه من الضرر، واختار الروياني في الجميع أن الحاكم يجتهد ويمنع ما يظهر فيه قصد التعنت، ومنه إطالة البناء ومنع الشمس والقمر، وأعلى الجدار كأسفله. واختار ابن الصباغ وابن الصلاح وابن رزين والفارقي أنه يمنع من كل مؤذ لم تجر العادة به مطلقًا، وهو مذهب أحمد. وقال في (البحر): لو كان دق القصار يمنع ثبوت الحمام في البرج .. لم يمنع. و (الحانوت) يذكر ويؤنث وهو: الدكان، وجمع في (الوجيز) بينهما، والصواب حذف أحدهما، وهل نونه أصلية أو زائدة؟ قولان. قال: (ويجوز إحياء موات الحرم) كما يجوز تملك معموره بالبيع والهبة، ومن يقول: لا تباع دور مكة .. ينبغي أن يقول: لا يحيى مواتها، ومن يقول: إنها فتحت عنوة أو صلحاً .. يأتي فيه ما تقدم. واختار الشيخ في كل موات أنه يجوز لكل مسلم إحياؤه لعموم إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالجملة موات مكة لا يكره إحياؤه وإن كره بيع دورها؛ لأن عمارتها مطلوبة. قال: (دون عرفات في الأصح)؛ لتعلق حق الوقوف بها للخاصة والعامة، فكانت كالمساجد والطرق. والثاني: يجوز مطلقاً وإن ضيق، ويبقى حق الوقوف في الدور، ويكون التملك بالإحياء كبيع الدار المستأجرة. والوجه الثالث: إن ضيق .. امتنع، وإلا .. فلا وهو الراجح في (الوجيز)، ونسبه الإمام إلى القياسين. وموضع الخلاف في إحياء بعضها كما فرضه الإمام، واقتضى كلامه امتناع إحياء الجميع بالاتفاق. ولو قال المصنف: ولا يجوز في عرفات في الأصح .. كان أحسن؛ لئلا يتوهم

قُلْتُ: وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنَىً كَعَرَفَاٍ، وَالله أَعْلَمُ. وَيَخْتَلِفُ الإِحْيَاءُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ؛ فَإِنْ أَرَادَ: مَسْكَناً .. اشْتُرِطَ تَحْوِيطُ الْبُقْعَةِ وَسَقْفُ بَعْضِهَا وَتَعْلِيقُ بَابٍ، وَفِي الْبَابِ وَجْهٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أن عرفات مستثناة من الحرم وأن الخلاف فيهما، وعرفات من الحل قطعاً والخلاف مختص بها. قال: (قلت: ومزدلفة ومنى كعرفات والله أعلم) فلا تحيى أرضها للمعنى المذكور ولما روى الحاكم [1/ 466] وأبو داوود [2012] والترمذي [881] عن عائشة أنها قالت: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا نبني لك بمنى بيتًا يظلك؟ فقال: (لا، منى مناخ من سبق). ومنع الإحياء ثابت وإن قلنا باستحباب المبيت بها؛ لكونه مطلوبًا، لكن لا يظهر أن يلحق بذلك المحصب. قال: (ويختلف الإحياء بحسب الغرض) والمرجع في جميع ذلك إلى العرف؛ لأن الشارع أطلقه، ولا حد له فيه ولا في اللغة فكان كالقبض والحرز. قال: (فإن أراد مسكنًا .. اشترط تحويط البقعة) بما جرت العادة به في ذلك المكان من لبن أو طين أو حجر أو خشب؛ لما روى أبو داوود [3072] عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحاط حائطاً على أرض .. فهي له). قال: (وسقف بعضها) ليتهيأ للسكنى، ولأن اسم الدار حينئذ يقع عليه، وقيل: لا يشترط. و (السقف) جمعه سقوف وسقف مثل رهن ورهن، تقول: سقف البيت أسقفه سقفًا. قال: (وتعليق باب)؛ لأن العادة جارية بذلك. قال: (وفي الباب وجه)؛ لأن فقده لا يمنع السكنى، وإنما ينصب لحفظ

أَوْ زَرِيبَةَ دَوَابَّ .. فَتَحْوِيطٌ لاَ سَقْفٌ، وَفِي الْبَابِ الْخِلاَفُ. أَوْ مَزْرَعَةً .. فَجَمْعُ التُّرَابِ حَوْلَهَا وَتَسْوِيَةُ الأَرْضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المتاع، واقتصاره على حكاية الخلاف فيه فيه نظر؛ لأن الخلاف في السقف أيضا؛ فلو قال: وفيهما وجه .. كان أولى. ولا تشترط السكنى جزمًا وقال المحاملي: يشترط الإيواء. قال: (أو زريبة دواب .. فتحويط لا سقف) ولا يشترط أن يكون تحويطها كتحويط الدار، بل يكفي دون ذلك، وتشترط فيه التعلية بحيث يمنع الطارق وفرار البهائم. ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء؛ لأن العادة لا تقضي بالتملك بذلك، وإنما يفعله المجتاز. ولو حذف المصنف لفظة (دواب) .. كان أولى؛ لأن زريبة الحطب وتجفيف الثمرة كذلك. قال: (وفي الباب الخلاف) أي: السابق في المسكن، وهنا أولى بالمنع كما قاله في (الذخائر)؛ لأن الحارس أو الراعي يقعد بباب الحظيرة بخلاف الدور، وشرط صاحب (الإيضاح) أن يجعل على الحيطان شوكاً. قال: (أو مزرعة .. فجمع التراب حولها)؛ لينفصل المحمي عن غيره، وفي معناه نصب قصب أو حجر أو شوك. قال: (وتسوية الأرض)؛ لأن العادة قاضية بذلك. و (المزرعة) مثلثة الراء، والأفصح فتحها، ولم يحك المصنف في تحريره الكسر. والمراد بـ (تسوية الأرض) طم المنخفض وكسح العالي، وحراثتها إن لم تزرع إلا به لتتهيأ للزرع، وذلك يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.

وَتَرْتِبُ الْمَاءِ لَهَا إِنْ لَمْ يَكْفِهَا الْمَطَرُ، لاَ الزِّرَاعَةُ فِي الأَصَحِّ. أَوْ بُسْتَانًا .. فَجَمْعُ التُّرَابِ وَالتَّحْوِيطُ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادُ وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ، وَيُشْتَرَطُ الْغَرْسُ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وترتيب الماء لها إن لم يكفها المطر) وذلك بحفر بئر أو إجراء قناة، ويستثنى من اعتبار هذا الشرط أرض الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليه ولا يكفيها المطر، فإنها تملك بالحراثة وجمع التراب بأطرافها، وقال صاحب (التقريب) والقفال: لا مدخل للإحياء فيها، وكذلك أرض البطاح وهي: ناحية بالعراق غلب عليها الماء .. فيشترط في إحيائها حبس الماء عنها كما أن إحياء اليابس بسوق الماء إليه. قال: (لا الزراعة في الأصح)؛ لأنها استيفاء منفعة الأرض وهو خارج عن الإحياء، ولهذا لا تعتبر في إحياء الدار سكناها. والثاني: تشترط؛ لأن الدار لا تصير محياة حتى يصير فيها عين مال المحيي فكذلك المزرعة، ولا خلاف أن الحصاد لا يشترط. قال: (أو بستاناً .. فجمع التراب) كالمزرعة، وحكم الكرم حكم البستان، وليس المراد جمعه حوله كما توهمه عبارته، بل تهيئة أرض البستان وإصلاحه كما قاله الروياني وغيره. قال: (والتحويط حيث جرت العادة به) بقصب أو شوك أو بناء عملاً بها، ورجوعًا إلى عادة ذلك المكان. قال: (وتهيئة ماء) كما سبق في المزرعة. قال: (ويشترط الغرس على المذهب) بخلاف المزرعة، فإن الأرض للزراعة تحصل عمارتها بالحرث وإن لم تزرع وعمارة البستان بالغراس، ولأن الغراس للدوام فالتحق ببناء الدار، أما من اعتبر الزرع في المزرعة .. فيعتبر الغرس هنا من باب أولى. ولا يشترط غرس جميعها، بل يكفي غرس بعض الأرض كما صححه الإمام.

وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إِحْيَاءٍ وَلَمْ يُتِمَّةُ، أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا .. فَمُتَحَجِّرٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ- لَكنِ الأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يشترط أن يثمر الغرس، وقال البالسي: رأيت في بعض التعاليق أن في اشتراط ذلك خلافًا. والثاني: لا يشترط الغرس كالزراعة. قال: (ومن شرع في عمل إحياء ولم يتمه، أو أعلم على بقعة بنصب أحجار أو غرز خشبًا .. فمتحجر، وهو أحق به)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم .. فهو له) رواه أبو داوود [3066] ولم يضعفه، وهذه الأحقية أحقية اختصاص لا ملك على الأصح، ولها شرطان: أن لا يزيد على قدر كفايته. وأن يقدر على إكماله. فإن فقدا أو أحدهما .. امتنعت الأحقية. قال: (لكن الأصح: أنه لا يصح بيعه)؛ لأن حق التملك لا يباع كحق الشفيع. والثاني- وبه قال أبو إسحاق-: يصح بيعه مع موافقته على عدم الملك وكأنه بيع اختصاص كبيع علو البيت للبناء والسكنى دون سفله. وإذا قلنا بهذا .. فالبيع حينئذ حق اختصاص فيصير المشتري كالبائع، فمن بادر وأحياه .. ملكه في الأصح، ولا يسقط الثمن عن المشتري في الأصح عن المصنف؛ لحصول التلف بعد القبض. ولو أحياه المشتري قبل الحكم بفسخ البيع .. فالأصح عند المصنف: أنه له، وقيل: للبائع. تنبيهان: أحدهما: عبارة جماعة- منهم الرافعي-: أنه لا يجوز بيع الأرض المحتجزة، وهو صريح في إيراد العقد على الأرض، وعبارة الإمام والغزالي: أنه لا يجوز بيع حق

وَأَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ- وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ .. قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: أَحْيِ أَوِ اتْرُكْ، فَإِنِ اسْتَمْهَلَ .. أُمْهِلَ مُدَّةً قَريِبَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ التحجر، وهو صريح في إيراد البيع على حق التملك لا الأرض. الثاني: لو ولاه المتحجر غيره .. صح وصار الثاني أحق به بلا خلاف، قال الماوردي: وليست هبة، بل هي تولية وإيثار، وإذا باعه- وقلنا بالفساد- فهل يكون ذلك إيثارًا ضمنيًا أو لا؟ قال الشيخ: الظاهر المنع؛ لأن البيع الفاسد لا أثر له ولا للتسليم. قال: (وأنه لو أحياه آخر ملكه)؛ لأنه حقق الملك وإن كان ظالماً كما لو اشترى على سوم أخيه أو خطب على خطبته، وهذا معطوف على (الأصح) ولا خلاف أنه حرام، وتقابله أوجه: قيل: لا يملك لئلا يبطل حق غيره، قال الإمام: وهو أقيس، واختاره القفال. وقيل: إن انضم إليه إقطاع .. لا يملك المبتدر، وإلا .. ملك. وقيل: إن أخذ المتحجر في العمارة .. لم يملك المبادر، وإن اقتصر على التحويط .. ملك. وشبهوا المسألة بالخلاف فيما إذا عشش الطائر في ملكه وأخذ الفرخ غيره هل يملكه؟ قال في (الروضة): الأصح: نعم، وكذا لو توحل طير في أرضه ونحو ذلك. قال: (ولو طالت مدة التحجر .. قال له السلطان: أحي أو اترك)؛ لأن في ترك العمرة ضرراً بدار المسلمين فمنع منه، ولأن فيه نوعاً من الحمى وقال عليه الصلاة والسلام: (لا حمى إلا لله ولرسوله) والقائل له ذلك هو الإمام أو نائبه، ويعرف الطول بالعرف. قال: (فإن استمهل .. أمهل مدة قريبة) رفقاً به ودفعاً لضرر غيره، وقيده

وَلَوْ أَقْطَعَهُ الإِمَامُ مَوَاتاً .. صَارَ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ كَالْمُتْحَجِّرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الماوردي بما إذا أبدى عذرًا من غيبة صناع أو تعذر آلة أو نحوها، وهذه المدة مرجعها إلى رأي الإمام، والأصح أنها لا تتقيد بثلاثة أيام، وقدرها أو حامد من عشرة أيام إلى شهرين لا ما زاد. وفي وجه رابع: أنها مدة تتهيأ فيها أسباب العمارة قاله القاضي أبو الطيب والإمام. وقدرها أبو حنيفة بثلاث سنين استدلالاً بأثر ورد في ذلك عن عمر. قال الشيخ: وينبغي إذا علم الإمام أنه لا عذر له فيها، أو علم منه الإعراض أن ينتزعها منه في الحال. ولو مات المتحجر .. قام وارثه مقامه، أو جن .. قام وليه مقامه في إحيائها له إن رآه، فإن أحياها لنفسه .. فحكمه حكم المتغلب قاله الروياني. قال: (ولو أقطعه الإمام مواتًا .. صار أحق بإحيائه كالمتحجر) لظهور فائدة الإقطاع؛ فقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم أرضًا للزبير كما رواه الشيخان [خ3151 - م2182] من حديث أسماء، وأقطع وائل بن حجر أرضًا بحضر موت، رواه الترمذي [1381]. وفي (أبي داوود) [3055] بإسناد جيد: عن عمرو بن حريث قال: (انطلق بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب، فدعا لي بالبركة ومسح رأسي، وخط لي دارًا بالمدينة بقوسي ثم قال: ألا أزيدك) فاشتمل الحديث على مكارم الأخلاق وجواز إقطاع الصبي، والإقطاع بالمدينة والإحياء بها، وقد تقدم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الدور من المدينة)، لكن ابن الأثير ذكر في (النهاية) [4/ 82] عن بعضهم أنه كان يتأول إقطاع المهاجرين الدور على معنى العارية، أي: أنزلهم دور الأنصار، والشافعي أعلم من ابن الأثير بذلك.

وَلاَ يُقْطِعُ إِلاَّ قَادِراً عَلَى الإِحْيَاءِ، وَقَدْرًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُتَحَجِّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: قد يقول من لا خبرة له: إن التمليك يحتاج إلى تقدم ملك، وجوابه: أن التمليك في هذا الباب من جهة الله، فهو حاصل للنبي صلى الله عليه وسلم في كل ما فتح من الأرض وفيما لم يفتح؛ لأن ملك الله تعالى عليها كلها وملك رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفاد منه. وقد ورد: أنه صلى الله عليه وسلم أعطى تميمًا الداري قرية عينون التي بالشام قبل أن تفتح الشام- وممن ذكر ذلك من الفقهاء الماوردي، ومن المحدثين ابن سعد [7/ 408]- وأعطى أبا ثعلبة الخشني أيضًا شيئا من بلاده قبل أن تفتح، والذي أعطاه لتميم الداري باق بيد أهله إلى اليوم، وأراد بعض الولاة التشويش عليهم، وساعده بعض من لا بصيرة له، فأفتى الغزالي بكفره وقال: النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع الجنة فكيف لا يقطع الدنيا؟ قال الشيخ: ووقعت لي هذه القضية وأنا بدمشق، فأقررت أهل تميم الداري عليها. وقال الشافعي: يجب على الإمام الإقطاع إذ طلب منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما أقطع ابن مسعود: (إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها) وقصة العباس مع عمر في الإقطاع شهيرة رواها البيهقي وغيره. قال: (ولا يقطع إلا قادراً على الإحياء، وقدراً يقدر عليه)؛ لأنه ينظر بالمصلحة. قال: (وكذا المتحجر) لا يتحجر إلا ما يحتاج إليه ويقدر عليه، فإن زاد .. كان لغيره أن يحيي الزائد. والإقطاع قسمان: إقطاع تملك وهو: الموات ليحييه فيملكه، وإقطاع إرفاق كمقاعد الأسواق.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ بُقْعَةَ مَوَاتٍ لِرَغْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ وَصَدَقَةٍ وَضَالَّةٍ وَضَعِيفٍ عَنِ النُّجْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والإقطاعات المعروفة في هذا الزمان للأمراء والأجناد من أرض عامرة لتكون لهم منافعها بالاستعمال وغيره ليس له ذكر في كلام الفقهاء. قال الشيخ: وتسميته إقطاعًا مخالف لقولهم: إن الإقطاع إنما يكون في الموات، وكذلك الرزق التي يعطيها الإمام للفقهاء وغيرهم كذلك. ومن فوائد النظر في ذلك: أنه لو تعدى شخص على المختص بها وزرعها، هل تلزمه أجرة المثل له لأنه ملك منفعتها بالإقطاع، أو لا لأنه كالمتحجر وهي باقية على اشتراك المسلمين؟ فيه نظر، لكن القاضي عياض نص على اختصاصها بالمقطع، ويؤيد ذلك ما تقدم من فتوى المصنف بصحة إيجارها. فرع: لو تحجر على أن يعمر بعد سنة ونحوها .. قال في (الوسيط): لا يجوز، وكان لغيره أن يحييه بغير إذن الإمام. قال: (والأظهر: أن للإمام أن يحمي بقعة موات لرعي نعم جزية وصدقة وضالة وضعيف عن النعجة) وهي: الذهب لطلب الرعي وغيره، وهي بضم النون. ومعناه: أن يمنع سائر الناس منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع- بالنون- لخيل المسلمين، رواه ابن حبان [4683]. وحمى أبو بكر الصديق وحمى عمر السرف والربذة، رواه البخاري [2370]، وكان له غلام على الحمى اسمه هني، ولما استعمله .. قال له: يا هني اضمم جناحك للناس، واتق دعوة المظلوم؛ فإنها مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياك ونعم ابن عفان وابن عوف؛ فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الغنيمة يأتني بعياله يقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين؛ أفتاركهم أنا لا أبا لك، الكلأ أهون علي من الدينار والدرهم، وأيم الله! لولا المال الذي أحمل عليه في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سبيل الله .. ما حميت على المسلمين في بلادهم شبراً [خ3059]. و (الصريمة): الإبل القليلة، و (الغنيمة): الغنم القليلة. وإنما يجوز ذلك إذا لم يضر بالمسلمين، فإن أضر .. لم يجز قطعاً. والقول الثاني: لا يحمي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا حمى إلا الله ورسوله) رواه البخاري [2370] من حديث الصعب بن جثامة. وأجاب الأول بأن معناه لا يحمي، إلا أن يقصد به وجه الله كفعله صلى الله عليه وسلم لا كفعل الجاهلية؛ فإن العزيز منهم كان يصعد على نشز من الأرض ويستنبح كلباً، فحيث انتهى صوت الكلب من كل ناحية .. كان حمى لنفسه يمنعه من غيره، ويشارك هو غيره في غيره، فنهوا عن ذلك. يقال: حميت المكان منعته، وأحميته جعلته حمى، فيجوز أن يقرأ ما في الكتاب بفتح الياء ثلاثيًا، وبضمها رباعياً، والفتح أشهر. واحترز بـ (الإمام) عن آحاد الرعية، فليس لهم الحمى قطعاً. والمراد بـ (الإمام) الخليفة، فليس للأمير ولا لوالي الإقليم أن يحمي إلا بإذن الإمام كذا صرح به الماوردي والروياني، وألحق الفوراني الولاة بالخليفة، ووافقه الرافعي فرجح لهم الجواز، ثم مما يحمى له خيل المجاهدين، بل هي أحق به من غيرها. والمراد بـ (نعم الجزية): ما يؤخذ بدلاً عن الذهب والفضة، وبـ (نعم الصدقة): ما يفضل عن سهمان أهل الصدقات فيعاد على أهلها، أو رعيها في زمن انتظار قسمتها عليهم لعدم حضور بعضهم. أما الماء العد .. فيحرم على الإمام أن يحميه لشرب خيل الجهاد وإبل الصدقة وغيرها بلا خلاف.

وَأَنَّ لَهُ نَقْضَ مَا حَمَاهُ لِلْحَاجَةِ، وَلاَ يَحْمِي لِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل يجوز لعامل الصدقة أن يحمي موضعًا لرعيها إذا لم يضر بأهل البلد؟ فيه قولان. ويحرم على الإمام وغيره من الولاة أن يأخذ من أصحاب المواشي عوضًا عن الرعي في الحمى أو الموات بلا خلاف. قال: (وأن له نقض ما حماه للحاجة) رعاية للمصلحة، وليس ذلك من نقض الاجتهاد بالاجتهاد. والثاني: لا؛ لتعينه لتلك الجهة كالمسجد والمقبرة، أما حمى النبي صلى الله عليه وسلم .. فلا ينقض بحال؛ لأنه نص لا ينقض ولا يغير، وألحق به الصيمري ما حماه عمر، وقال أبو محمد في (مختصره) والغزالي في (الخلاصة): إنه الصحيح. وحكى صاحب (الرونق) قولاً: إنه لا يجوز نقض ما حماه الخلفاء الأربعة وهو حسن، وجعل صاحب (التلخيص) القولين في حق الخلفاء الأربعة، وأما غيرهم .. فيجوز نقض حماهم قطعاً. وقوله: (للحاجة) متعلق بـ (نقض) لا بـ (حماه). قال: (ولا يحمي لنفسه)؛ لأن ذلك من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقع ذلك منه، ولو وقع .. لكان لمصالح المسلمين أيضاً؛ لأن ما كان مصلحة له .. فهو مصلحة لهم. واستدل له البيهقي [6/ 147] بما رواه عن ابن عمر أنه قال: (اشتريت إبلاً، ثم انتجعتها في الحمى، فلما سمنت .. قدمت بها السوق، فدخله عمر فرأى إبلا سماناً فقال: لمن هذه الإبل؟ فقالوا: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر؛ بخ بخ، أبن أمير المؤمنين؟! قال: فجئته أسعى فقلت: ما لك

فصل

فَصْلٌ: مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ: الْمُرُورُ، وَيَجْوزُ فِيهِ الْجُلُوسُ لِلاِسْتِرَاحَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يا أمير المؤمنين؟ فقال: ما هذه الإبل؟ قلت: إبل أنضاء، اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، استقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر؛ اغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت المال). وروى أبو عمر بن عبد البر وغيره عن عمر أنه بلغه عن يعلى بن أمية- ويقال: ابن منية نسبة إلى جدته، وكان عاملاً على اليمن- أنه حمى لنفسه، فأمره أن يمشي على رجليه إلى المدينة، فمشى أياماً إلى صعدة فبلغه موت عمر فركب. تتمة: لو غرس شخص في الحمى أو بنى .. أزيل، وادعى المتولي الإجماع على أن لا يجوز إحياء النقيع الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يكون على الحمى حفاظ من جهة الإمام يمنعون أهل القوة من إدخال مواشيهم، ويتلطفون بالضعفاء، فإن كان للإمام ماشية .. لم يدخلها الحمى؛ لأنه من أهل القوة، فإن فعل .. فقد ظلم المسلمين، وسيأتي في (باب التعزيز) حكم ما إذا حمى واحد من الناس مواتاً ومنع الناس منه، وحكم ما إذا رعى واحد من أهل القوة ماشيته في الحمى. قال: (فصل: منفعة الشارع: المرور)؛ لأنه وضع لذلك وهي مستحقة للناس أجمعين وهذه المسألة تقدمت في (الصلح). قال: (ويجوز فيه الجلوس للاستراحة والمعاملة ونحوهما) والوقوف أيضاً إذا لم يضيق على المارة وفي (البيهقي) [6/ 150] عن علي رضي الله عنه أنه قال: (من سبق إلى موضع بالسوق .. فهو أحق به إلى الليل).

إِذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإِمَامِ، وَلَهُ تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ بِبَارِيَّهٍ أَوْ غَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وللإمام مطالبة الواقف فيه بقضاء حاجته والانصراف، ويختص الجالس بما حوله بالقدر المحتاج إليه، لكن ليس له منع من قعد ليبيع مثل متاعه إذا لم يزاحمه، لكن ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه، أو يضيق عليه الكيل أو الوزن والأخذ والإعطاء. قال: (إذا لم يضيق على المارة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). قال: (ولا يشترط إذن الإمام) كما لا يحتاج في الإحياء إليه؛ لإطباق الناس على ذلك في سائر الأعصار من غير إنكار. وشمل إطلاق الذمي، وفي ثبوت هذا الإرفاق له وجهان: رجح الشيخ منهما الثبوت وإن لم يؤذن له، وإليه مال شيخه ابن الرفعة، وهو ظاهر كلام (المهذب) و (التنبيه) و (البيان)؛ لأن ضرره لا يتأبد، ولا فرق بين أن تطول إقامته بحيث يتقادم عهده أم لا. وقيل: يقام عنه إذا تقادم عهده؛ لئلا يصير ذريعة إلى ادعاء الملك فيه، ثم هذا الحكم لا يختص بالشارع، بل الارتفاق بالصحارى والفلوات لنزول المسافرين لا نظر للإمام فيه، ولهم النزول حيث لا يضر بمجتاز. وأما الارتفاق بأفنية المنازل في الأملاك، فإن أضر ذلك بأربابها .. منعوا إلا بإذنهم، وإلا فإن كان الجلوس على عتبة الدار .. لم يجز إلا بإذنهم، ولا يجوز أن يأخذ على القعود في فناء الدار أجرة بحال، كما لا يجوز أن يبيعه منفرداً، وحكم فناء المسجد حكم فناء الدار. قال: (وله تظليل مقعده ببارية أو غيرها) لجريان العادة بذلك وعدم إضراره بالمارة، وكان الأولى أن يقول: ونحوها؛ لأن الجواز مقيد بما إذا كان المظلل به ينقل معه، فإن كان مثبتاً ببناء .. لم يجز. و (البارية) بتشديد الياء وربما خففت، ويقال فيها: بورياء كلوبياء وهي: شيء ينسج من القصب كالحصير.

وَلَوْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ .. أُقْرِعَ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الإِمَامُ بِرَايِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو سبق ليه اثنان .. أقرع)؛ إذ لا مزية لأحدهما على الآخر، اللهم إلا أن يكون أحدهما مسلماً والآخر ذمياً .. فيظهر أن يقدم المسلم إن أثبتنا للذمي هذا الارتفاق، وقد أطلق الشيخان فيه وجهين، وإطلاق الكتاب وغيره يقتضي أن له ذلك، وعليه عمل الناس من غير نكير. قال: (وقيل: يقدم الإمام برأيه) كما بيت المال، ولا يأتي هنا. الوجه الثالث: في المعدن الظاهر: أنه يقسم بينهما؛ لأن موضع الواحد لا يكفي الاثنين، لكن في (الاستقصاء) حكى وجهاً بالمهايأة، ووجهاً أنهما يتركان حتى يصطلحا. ومحل الخلاف ما لم يبن دكة، فإن بناها .. لزمه الأجرة. وأجمعوا على أنه ليس للإمام ولا لغيره أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس للبيع وغيره في الشوارع عوضاً. قال الشيخ: وقد رأينا في هذا الزمان من وكلاء بيت المال من يبيع من الشوارع ما يقول: إنه يفضل عن حاجة المسلمين، وهذا لا يقتضيه قول أحد؛ لأن البيع يقتضي تقدم الملك، ولو جوزنا ذلك .. لجوزنا للإمام أن يبيع الموات ولا نعرف من يقول به، وهذا الذي يفعله وكلاء بيت المال من بيع ذلك لا يجوز، فليحذر منه، وقد قال لي ابن الرفعة عن بعض وكلاء بيت المال بالديار المصرية وقد فعل ذلك: لا أدري بأي وجه يلقى الله. فرع: الأصح أن للإمام أن يقطع الشارع فيصير المقطع أحق به كالمتحجر، ولا يجوز لأحد تملكه بالإحياء على الصحيح، وذكر الرافعي في (الجنايات) أنه تقدم في (الإحياء) أن الأكثرين جوزوا الإقطاع، وأن المقطع يبنى فيه ويتملك، وما ذكره في الإقطاع صحيح، وأما في البناء والتمليك .. فهو وجه ضعيف.

وَلَوْ جَلَسَ لِمُعَامَلَةٍ ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا لِلْحِرْفَةِ أَوْ مُنْتَقِلاً إِلَى غَيْرِهِ .. بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ .. لَمْ يَبْطُلْ إِلاَّ أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَالَفُونَ غَيْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو جلس لمعاملة ثم فاقه تاركاً للحرفة أو منتقلا إلى غيره .. بطل حقه)؛ لإعراضه عنه، وكذا إذا كان جلوسه للصناعة كخياطة ونحوها، أما الجالس للاستراحة .. فيبطل حقه بمفارقته جزماً، وكذلك الجوال يزول حقه بمفارقته. قال: (وإن فارقه ليعود .. لم يبطل)؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام من مجلس ثم رجع إليه .. فهو أحق به) رواه مسلم [2179]. قال: (إلا أن تطول مفارقته بحيث ينقطع معاملوه عنه ويألفون غيره) سواء فارق بعذر أو غيره؛ لأن مثل ذلك يعد معرضاً، ولا يبطل حقه برجوعه ليلاً إلى منزله، وليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني. وقال الإصطخري: إذا رجع ليلاً، فمن سبقه .. كان أحق ونقله في (المطلب) عن النص والعراقيين، وكذا الحكم في الأسواق التي تقام في كل سنة أو شهر إذا اتخذ فيها مقعداً .. كان أحق به في النوبة الثانية. فروع: لو أراد غيره أن يجلس في مدة غيبته القصيرة .. لم يمنع في الأصح. ولو أرسل نعمة في صحراء .. لم يكن لغيره تنحيتها وإرسال نعمه. ويجوز وضع آلات البناء ونحوها في الطرق ما لم تضر، فإن ضرت .. منع من ذلك. ويكره الجلوس في الشارع للحديث ونحوه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا أن يعطى الطريق حقه قالوا: وما حقه قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).

وَمَنْ أَلِفَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَوْضِعاً يُفْتِي فِيهِ وَيُقْرِيءُ .. كَالْجَالِسِ فِي شَارِعٍ لِمُعَامَلَةٍ، وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلاَةٍ .. لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بهِ فِي غَيْرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة وظن السوء واحتقار الناس وتضييق الطريق. قال: (ومن ألف من المسجد موضعًا يفتي فيه ويقرئ) أي: القرآن أو العلم الشرعي. قال: (.. كالجالس في شارع لمعاملة)؛ لأن له غرضاً في ملازمة ذلك الموضع ليغشاه الناس، هذا قول أبي عاصم العبادي والغزالي ورجحه الشيخان. وقال صاحب (التقريب) والجويني والماوردي والروياني: متى قام .. بطل حقه؛ لقوله تعالى: {سواء العكف فيه والباد} وهو مذهب جمهور الفقهاء. وأجاب الأولون عن الآية بأن المراد بها المسجد الحرام بالاتفاق، والجالس فيه لاستماع الحديث والوعظ الظاهر أنه كالصلاة لا يختص فيما سوى ذلك المجلس، ولا فيه إن فارق بغير عذر، ويختص إن فارق بعذر. وظاهر عبارة المصنف أنه لا يشترط في جلوسه إذن الإمام، وهو كذلك في المساجد الصغيرة ومساجد القرى، أما الجلوس لذلك في الجوامع وكبار المساجد .. فنقل الرافعي عن الماوردي اعتبار إذن الإمام فيها إذا كانت عادة البلد الاستئذان فيه، وكلام الإمام يخالفه. ومن له عادة بالقرب من المدرس ونحوه وينتفع الناس بقربه منه لعلمه ونحوه .. يدوم اختصاصه، وما جرى به العرف من مجلس فقيه في موضع معين من مدرسة أو رباط .. الظاهر دوام اختصاصه فيه. ويمنع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في الجوامع توقيراً لها. قال: (ولو جلس فيه لصلاة .. لم يصر أحق به في غيرها) بلا خلاف، بخلاف مقاعد الأسواق، والفرق أن غرض المعاملة يختلف باختلاف المقاعد، والصلاة في بقاع المسجد لا تختلف.

فَإِنْ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ .. لَمْ يبْطُلِ اخْتِصَاصُهُ فِي تِلْكَ الصَّلاَةِ فِي الأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إِزَارَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: ويجوز أن يمنع ذلك بالصف الأول فهو آكد، ولا فرق في ذلك بين الصبي البالغ؛ لأن الصبي إذا سبق إلى الصف الأول كان أحق به. قال: (فإن فارقه لحاجة ليعود) كالخروج لرعاف أو تجديد وضوء وقضاء الحاجة وإجابة داع. قال: (.. لم يبطل اختصاصه في تلك الصلاة في الأصح وإن لم يترك إزاره)؛ لحديث مسلم المتقدم: (إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) زاد الإمام والغزالي وتبعهما الرافعي فيه فقالوا: من مجلسه في المسجد، وقال الإمام: إنه صحيح، ووقع كذلك في (الروضة)، ولا تعرف هذه الزيادة في الحديث، لكن في (الترمذي) [2751]: (إذا خرج لحاجته ثم عاد) وظاهره إرادة المسجد، ووهم ابن الرفعة فنسب حديث مسلم إلى البخاري. والوجه الثاني: يبطل كغيرها من الصلوات. والثالث: إن ترك إزاره .. بقي حقه، وإلا .. فلا، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: (وإن لم يترك إزاره). والرابع- حكاه ابن الرفعة-: إن خرج لعذر بعد الشروع في الصلاة وأمكن قبل الفراغ .. لم يبطل، وإلا .. بطل، أما بالنسبة إلى غير ذلك .. فيبطل حقه جزماً. وعمت البلوى بوضع السجادات بالروضة الشريفة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من المنكرات التي يجب النهي عنها. والظاهر: أن الخلاف فيما إذا لم تقم الصلاة في غيبته، فإن أقيمت واتصلت الصفوف وراء بقعته، فإن كان كذلك .. سد مكانه.

وَلَوْ سَبَقَ رَجلٌ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ، أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيٌّ إِلَى خَانِقَاهُ .. لَمْ يُزْعَجْ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق بين أن تكون الصلاة المنتظرة دخل وقتها أم لا؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال العبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة) وعبارة المصنف تشمل هذه الصورة. فرع: إذا اعتكف ولم ينو وقتاً فمتى خرج .. بطل حقه، وإن نوى وقتاً كأيام فخرج لحاجة جائزة .. ففي اختصاصه إذا رجع احتمال، والظاهر بقاؤه. قال: (ولو سبق رجل إلى موضع من رباط مسبل، أو فقيه إلى مدرسة، أو صوفي إلى خانقاه .. لم يزعج، ولم يبطل حقه بخروجه لشراء حاجة ونحوه) وإن لم يترك فيه متاعاً ولا نائباً؛ لعموم الحديث السابق، وهذا ما لم يتخذه مسكناً فإنه يمنع منه. ولو ازدحم اثنان .. فكمقاعد الأسواق. وأفهم قوله: (لشراء حاجة ونحوه) أن غيبته إن طالت .. بطل حقه، والمرجع في الطول وعدمه إلى العرف، ثم إنما يكون السابق أحق إذا لم يكن للمكان ناظر، فإن كان .. لم يجز النزول فيه إلا بإذنه إن أمكن للعرف، وكذا لو كان للمدرسة مدرس دون ما إذا فقد ذلك، وهل المراد عرف زمن الواقف أو زمن السكنى؟ قال في (المطلب): الظاهر الأول، قال: وعلى هذا كان بعض أكابر علماء وقتنا يقول: يستحق الفقهاء الجامكية إذا بطلوا في الأشهر الثلاثة التي وقفت في زمان عهد فيه البطالة فيها، أما المدارس القديمة الموقوفة في زمن لم يعهد ذلك فيها .. فلا يجوز أخذها فيها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (فتاوى ابن الصلاح): لو قال: وقفته على مقرئ يقرئ الناس بموضع كذا كل يوم وجرت عادة البلد بترك الإقراء يوم الجمعة .. ليس له ترك الإقراء فيه؛ لأن قوله: (كل يوم) تصريح بالعموم فلا يترك لعرف خاص. وقال الشيخ عز الدين: العرف المطرد بمنزلة الشرط فينزل الشرط عليه. ومحل ما ذكره المصنف إذا كان السابق أهلا للسكنى، فأما سكنى غير الفقهاء في بيوت المدارس .. فيتبع في ذلك شرط الواقف إن كان ثم شرط، فإن لم يكن ثم شرط .. منع، ففي (قواعد ابن عبد السلام): أن من لم يشتغل اشتغال مثله على العادة .. لا يحل له سكنى المدارس، ولا يحل له أن يتناول شيئاً من وقفها، قال: وكذلك المدرس والمعيد. وقد تقدم في آخر (زكاة الفطر) عن أبي علي الفارقي أنه قال: يجوز للفقهاء الإقامة في الربط وتناول معلومها، ولا يجوز للمتصوف القعود في المدارس وأخذ جرايتها؛ لأن المعنى الذي يطلق على المتصوف موجود في الفقيه ولا عكس. فائدة: الصوفي واحد الصوفية، قال القشيري: ولا شهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، والأظهر: أنه كاللقب؛ إذ لا يصح أخذه من الصفاء ولا من لبس الصوف ولا من ملازمة الصفة. قال: وتكلم الناس في التصوف: ما معناه؟ وفي الصوفي: من هو؟ وكل عبر عما وقع له. فقال الجنيد: الصوفي من كان مع الله بلا علاقة. وقال معروف: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق. وقال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي: التصوف الإعراض عن الأغراض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتي للصوفية ذكر في أول (كتاب الوقف) وفي (كتاب الوصية). و (الخانكاه) بالكاف وهي بالعجمية: ديار الصوفية، ولم يتعرضوا للفرق بينها وبين الزاوية والرباط وهو: المكان المسبل للأفعال الصالحة والعبادة. قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات به؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلك الرباط فذلكم الرباط). وقوله تعالى: {ورابطوا} قيل: هي في انتظار الصلاة بعد الصلاة؛ إذ لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه، وسيأتي في (كتاب الوقف) حكم بناء المدارس وأول من أحدثها. فروع: يجوز لغير سكان المدارس من العوام والفقهاء دخولها، والجلوس فيها، والشرب من مائها، والاتكاء والنوم فيها، ودخول سقاياتها، ونحو ذلك مما جرت العادة به. قال في (الجواهر): وينبغي أن يختلف الحال في بيوت سقاياتها بين قلتها وكثرتها، والظاهر أن المراد بالشرب من مائها: الماء الجاري فيها كما في مدارس الشام، لا المنقول إليها كما في مدارس مصر. قال: وكان ابن الرفعة يحكي عن بعض مشايخه المتورعين أنه كان لا يليق منه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دواته، كما نصوا على أنه لو وجد ماء مسبلا بالطريق .. لم يجز له الوضوء منه ويتيمم. وقال ابن الرفعة: مما تعم به البلوى إذا نزل في مدرسة جماعة للاشتغال ولم يعين الواقف عدداً، وقدر لهم ما يستوعب ارتفاع وقفها .. لا يجوز تنزيل أحد عليهم بحيث ينقص ما قرر لهم، وأيده بما ذكره الماوردي أنه لو قال: من قام بوصيتي .. فله مئة درهم، فمن قام بها وهو من أهلها .. استحقها، فإن قام بها جماعة .. كانت بينهم، وإن قام بها واحد، فإن كان كافياً .. منع غيره بعد الشروع أن يشاركه فيها، ووافق ابن الرفعة على ذلك بعض قضاة القضاة والقمولي والشيخ، وهو الصواب. وسئل القفال عن تعليم الصبيان في المساجد فقال: الأغلب على الصبيان الضرر بالمسجد فيجوز منعهم. تتمة: رباط وقف على المسافرين .. ليس لأحد أن يسكنه أكثر من مدة المسافرين ثلاثة أيام بلياليها، إلا أن يكون مقامه في البقعة لمصلحة المكان فله المقام ما دامت المصلحة، قاله المتولي. وإذا ازدحم اثنان على موضع من غير سبق فهل يقرع بينهما أو يقدم الإمام أحدهما؟ فيه الخلاف المتقدم في المقاعد. وإذا طال مقام واحد في بقعة موقوفة، وخاف الإمام من مقامه أن تشتهر البقعة به فيملكها ويندرس الوقف .. فله نقله عن الموضع؛ صيانة للوقف عن الإبطال. وإذا وقف على المسافرين أو المارة .. فلكل أحد ينزل فيه من المسلمين وأهل الذمة، فإن خص الواقف طائفة .. لم يحل لغيرهم.

فصل

فَصْلٌ: الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ- وَهُوَ: مَا خَرَجَ بِلاَ عِلاَجٍ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَاءَ وَبِرَامٍ وَأَحْجَارِ رَحَىً- لاَ يُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ، وَلاَ يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ وَلاَ إِقْطَاعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل): هذا معقود لحكم الأعيان المستفادة من الأرض، وتنقسم إلى ظاهر على وجهها وباطنة في طباقها. قال: (المعدن الظاهر- وهو: ما خرج بلا علاج كنفظ وكبريت وقار ومومياء وبرام وأحجار رحى). (النفط) بكسر النون وفتحها والكسر أفصح والفاء ساكنة: دهن معروف. و (الكبريت): عين تجري فإذا جمد ماؤها .. صار كبريتاً أبيض وأصفر وأكدر، والأحمر منه جوهر، وضربوا به المثل في العزة فقالوا: أعز من الكبريت. قال الشاعر [من الكامي]: عز الوفاء فلا وفاء وإنه ... لأعز وجداناً من الكبريت والقار والقير: الزفت. و (المومياء) بضم الميم والمد: شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد ويصير كالقار، ويقال: إنها حجارة سود، وأما المومياء التي من الموتى .. فنجسة. و (البرام) بكسر الباء: حجارة تعمل منها القدور. ومن المعادن: القطران المائي والجبلي، والمدر وأحجار النورة والياقوت، والبلور والملح والكحل والجص. قال: (لا يملك بالإحياء ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع) بل هي مشتركة بين الناس كالمياه الجارية والحطب والكلأ، يستوي فيها المسلم والكافر؛ لأن أبيض بن حمال سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه ملح مأرب .. فأقطعه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الأقرع بن حابس: يا رسول الله؛ إنه كالماء العد، قال: (فلا إذن) رواه الأربعة وصححه ابن حبان [4499]. والإجماع منعقد على منع إقطاع مشاريع الماء وكذلك المعادن الظاهرة. و (الماء العد): الكثير الدائم الذي لا ينقطع. و (مأرب) بهمزة ساكنة بعد الميم ثم راء مكسورة، ويجوز تخفيف الهمزة وهي: مدينة باليمن كانت بها بلقيس. وامتناع إقطاع المعادن الظاهرة لا خلاف فيه بين العلماء. وقال القاضي أبو الطيب: إنما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم ملح مأرب على ظاهر ما سمع منه، كما استفتى في مسألة وصورت له على خلاف ما هي عليه فأفتى ثم بانت له على خلاف صورة الاستفتاء. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تختصمون إلي ..) الحديث .. فقضية شريطة لا تستدعي وقوعاً ولا جوازاً، ولم يثبت لنا قط أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بحكم ثم بان خلافه، وقد صان الله أحكام نبيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك. قال الشيخ: وما يروى من قوله حين قتل النضر بن الحارث لما سمع شعر أخته: (لو سمعته ما قتلته) فلم يثبت بإسناد صحيح، بل قال الزبير بن بكار في (كتاب أنساب قريش): إن شعرها موضوع، مع أنه لو صح .. لم يكن من هذا الباب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يباح له القتل وهو مخير فيه، له أن يقتل وله أن لا يقتل. وتستثنى من إطلاق المصنف صورتان: إحداهما: ما لا تلزم عليه مؤنة من ذلك بأن يكون بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء حصل منه ملح. جاز أن يملك بالإحياء، وجاز للإمام إقطاعه.

فَإِنْ ضَاقَ نَيْلُهُ .. قَدِّمَ السَّابِقُ بِقَدْر ِ حَاجَتِهِ فِإِنْ فَإِنْ طَلَبَ زِيَادَةً .. فَالأَصَحُّ: إِزْعَاجُهُ. فَلَوْ جَاءَا مَعاً .. أُقْرِعَ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانية: إذا ظهر شيء من هذه المعادن في أرض ملكها بالإحياء .. فإنه يملكه بلا خلاف، قاله الإمام وغيره، وسيأتي هذا في قول المصنف: (ومن أحيا مواتاً فظهر فيه معدن باطن .. ملكه). قال: (فإن ضاق نيله .. قدم السابق بقدر حاجته) لسبقه، قال الرافعي: ولم يبينوا أنها حاجة يوم أو سنة، وقال الإمام: يرجع فيه إلى العادة فيأخذ ما تقتضيه عادة أمثاله، قال ابن الرفعة: أي: ما دام فيه، فإذا انصرف عنه .. فغيره ممن سبق أولى، وعبارة (الوجيز): السابق لا يزعج قبل قضاء وطره. قال: (فإن طلب زيادة) على حاجته (.. فالأصح: إزعاجه)؛ لأن إقامته عليه كالتحويط المانع لغيره من الأخذ، قال الرافعي: ويمكن الفرق بينه وبين مقاعد الأسواق في عدم الإزعاج لشدة الحاجة إلى المعادن. والثاني: لا يزعج، ويأخذ بحق السبق ما أراد؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه .. فهو أحق به) وحمله الأولون على ما لا يضر بالغير. قال: (فلو جاءا معاً .. أقرع في الأصح) لعدم المزية. والثاني: يجتهد الإمام ويقدم الأحوج. والثاني: ينصب من يقسم الحاصل بينهما، فإن تشاحا في البداءة .. أقرع بينهما، فإن وجد تاجر ومحتاج .. فيشبه أن يقدم المحتاج. وألحق في (التنبيه) بالمعدن الظاهر المباحات كالصيد والسمك، وما يؤخذ من البحر من اللؤلؤ والصدق، وما ينبت في الموات من الكلأ والحطب، وما ينبع من المياه، وما يسقط من الثلوج، وما يرمى رغبة عنه.

وَالْمَعْدِنُ الْبَاطِنُ- وَهُوَ: مَا لاَ يخْرُجُ إِلاَّ بِعِلاَجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: ليس للإمام أن يقطع بركة ليؤخذ سمكها، ولا أرضاً ليؤخذ حشيشها ولا حطبها؛ إذ لا يدخل في هذه الأشياء تحجر ولا إقطاع، ولو عمر أحد المعدن الظاهر حتى زاد نيله .. لم يصر أحق به. قال: (والمعدن الباطن، وهو: ما لا يخرج إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ونحاس) وكذلك الرصاص والبلخش والفيروزج والياقوت والعقيق، وجميع الجواهر المركوزة في طبقات الأرض. فأما (النحاس) بضم النون وكسرها فهو: عين القطر الذي أساله الله تعالى لسليمان بن داوود كما ألان الحديد لأبيه، والظاهر أنه جعله في معدنه عيناً تسيل كعيون الماء دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم ليستعملها فيما يريد، وعن ابن عباس: (أجريت له ثلاثة أيام بلياليهن وكانت بأرض اليمن). و (الحديد) تولده في الأرض كتولد سائر الأجساد، وهو أكثر نفعاً من سائر المعادن، قال الله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنفع للناس}. وقال ابن عباس: أنزل الله مع آدم من الجنة السندان والمطرقة والكلبتين والإبرة، هذا مذهب المفسرين. وذهب قوم إلى أن معنى {وأنزلنا الحديد}: أنشأناه، كقوله: {وأنزل لكم من الأنعم ثمنية أزواج}. ومن خواصه العجيبة: أن برادته إذا علقت على إنسان يغط في نومه .. يزول ذلك عنه. و (الرصاص): قال أرسطو: أنه صنف من الفضة، لكن دخل عليه ثلاث آفات رائحة ورخاوة وصرير، كما تدخل على الجنين في بطن أمه الآفات فيفسد. ومن خاصته إذا ألقي في قدر لم ينضج لحمها. وذكر ابن سراقة في (أدب الشاهد): أن العمل في المعادن مكروه إلا إذا كان قريبا

لاَ يُمْلَكُ بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ فِي الأَظْهَرِ. وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ .. مَلَكَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يفوت الجماعة ولا يخرج به عن الوطن. قال: (لا يملك بالحفر والعمل في الأظهر) كالمعدن الظاهر، ولأن المعدن يشبه الموات، والموات لا يملك إلا بالعمارة، وحفر المعدن تخريب، وعلى هذا إذا انصرف عنه .. كان غيره أحق به. والثاني- وبه قال أبو حنيفة-: لا يملك إلى القرار؛ لأنه لا يتوصل إلى نيله إلا بتعب ومؤنة فأشبه الموات إذا أحيي. ومحل القولين إذا قصد التملك ووصل إلى نيل، فإذا لم يقصد التملك بل قصد الأخذ والانصراف .. فلا يملكه قولا واحداً، وأما قبل الوصول .. فهو كالمتحجر. وسكوت المصنف عن الإقطاع هنا يفهم جوازه وهو الأظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها وحيث يصلح للزرع، رواه سلم، وهذه من ناحية الفرع. قال: (ومن أحيا مواتاً فظهر فيه معدن باطن .. ملكه) بلا خلاف؛ لأنه بالإحياء ملك الأرض بجميع أجزائها، بخلاف الركاز فإنه مودع فيها. واحترز بقوله: (فظهر) عما إذا كان عالماً به ثم اتخذ عليه داراً .. فقيل: إن هذا على القولين السابقين، وقيل: يملكه قطعاً. وإذا تملك معدناً باطناً فجاء غيره واستخرج منه شيئًا بغير إذنه .. لزمه رده ولا أجرة له، أما بيعه .. فالأصح: منعه؛ لأن المقصود النيل وهو مجهول وفي معناه الهبة، قال في (البحر): لكن ترتفع يده بالهبة لا بالبيع. ولو اشترى داراً فوجد فيها معدناً باطناً .. فهو للمشتري، بخلاف الركاز.

وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ مِنَ الأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: تقييده بالباطن يفهم أنه لو حصل معدن ظاهر .. لا يملكه، وبه صرح شراح (الحاوي) وليس كذلك، فقد حكى الإمام فيه الإجماع كما تقدم في أول الفصل، فالصواب حذف لفظه (باطن). قال الشيخ: لم يرد أنه لا يملك الظاهر، بل يملكه ملكًا مؤبدًا قطعًا؛ لإجماع الأصحاب على أن من أحيا أرضا مواتاً ملكها بجميع أجزائها، وصرح كثير بملك النوعين بذلك، منهم الإمام والماوردي والدارمي وابن الصباغ وغيرهم، ولم يذكر في (البسيط) ولا (الوسيط) لفظة (الباطن). ولو قال المالك: اعمل فيه وما استخرجته فهو لك، أو قال: استخرج لنفسك .. فالحاصل لمالك المعدن؛ لأنه هبة مجهول، والأصح أنه يستحق الأجرة. قال: (والمياه المباحة من الأودية والعيون في الجبال يستوي الناس فيها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار) رواه أبو داوود [2471]. وفي (ابن ماجه) [2473]: (ثلاث لا يمنعن) فذكره. فلا يجوز تحجرها لأحد، ولا للإمام إقطاعًا بالإجماع، ولا بيعها، وإن حضر اثنان فصاعدًا .. أخذ كل ما يشاء، فإن ضاق .. قدم السابق، فإن جاءا معًا .. أقرع، ويقدم طالب الشرب على طالب السقي. والمراد بالمباح ما لا مالك له كالنيل والفرات ودجلة. واحترز به عن المملوكة بأن حفر رجلا نهراً يدخل فيه الماء من الوادي أو النهر المتخرق منه .. فالماء باق على إباحته لكن مالك النهر أحق به كالسيل يدخل ملكه، فليس لأحد مزاحمته بسقي الأرض، وأما للشرب والاستعمال وسقي الدواب .. فيجوز ما لم يضر به، ولو جهل أمره بأن وجد نهر تسقى منه أراض ولم يدر هل انخرق بنفسه أو حفر .. فالأصح- وبه جزم الشيخان-: الحكم بأنه مملوك.

فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَاضِيهِمْ مِنْهَا فَضَاقَ .. سُقِيَ الأَعْلَى فَالأَعْلَى وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستثنى من إطلاق ما لو كان عليه قاطنون فأهل النهر أولى به، قاله القاضي أبو الطيب. قال: (فإن أراد قوم سقي أراضيهم منها فضاق .. سقي الأعلى فالأعلى) حتى لو كان زرع الأسفل يهلك إلى أن ينتهي الماء إليه لم يجب على من فوقه الإرسال إليه، بل يحبس الماء إلى أن يبلغ الكعبين؛ لما روى الحاكم [2/ 62] عن عائشة وأبو داوود [3634] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بذلك في سيل مهزور- بتقديم الزاي- ومذنب، وهما موضعان بالمدينة) وروى ابن ماجه [2482] قريباً من ذلك. مهمة: المراد بـ (الأعلى) الذي لا يتقدمه أحد، وبالتالي الذي أحيي بعد الأول، وليس المراد بالثاني الأقرب إلى أصل النهر فالأقرب، بل الاعتبار بالسبق، كذا صرح به القاضي أبو الطيب وصاحبًا (المهذب) و (الشافي). وفي (مغنى الحنابلة): وكثير من الناس يغلطون في ذلك ويجمدون على ظاهر قولهم: الأعلى فالأعلى، وإنما خرج ذلك على الغالب، وبعضهم يقول: الأول فالأول، والمراد: أول إحياء، وما أوهم خلاف ذلك من كلام الماوردي وابن الصباغ مؤول. قال: (وحبس كل واحد الماء حتى يبلغ الكعبين) أي: يبلغ الجانب الأعلى منهما كما في آية الوضوء؛ لما روى الشيخان [خ2360 - م2357] وأصحاب السنن من حديث عبد الله بن الزبير: أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي

فَإِنْ كَانَ فِي الأَرْضِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ .. أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم للزبير: (اسق يا زبير حتى تبلغ الكعبين، ثم أرسل لماء إلى جارك) فغضب الأنصاري فقال: أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار) فأولا أمره بأخذ بعض حقه، وثانياً أمره باستيفائه، والذي قاله المصنف هو ما ذهب إليه الجمهور. وقيل: يرجع فيه إلى العادة، وهي تختلف باختلاف الأرض وما فيها من زرع، وبالزمان كما جزم به المتولي والماوردي، وقواه الشيخ. وقيل: لا يقدم الأعلى، بل يسقون بالحصص، وهو غريب بل غلط. واحترز بقوله أولاً: (ضاق) عما إذا لم يضق بأن كان يكفي الجميع، فإن كلا يسقي ما شاء متى شاء، وربما يظن أن الأنهار الكبار لا تحتاج إلى هذا الترتيب فيها لسعتها وليس كذلك، فإن أعظم الأنهار نيل مصر وسقي بلادها منه يحتاج إلى ضبط بالجسور ونحوها لتروى بلادها، وإلا .. فيضيع على بعضها، وكذلك أنهار الشام بالنسبة إلى بساتينها ودورها. قال: (فإن كان في الأرض ارتفاع وانخفاض .. أفرد كل طرف بسقي) وطريقه: أن يسقي المنخفض أولاً حتى يبلغ الكعبين، ثم يسده ويسقي المرتفع، لأنهما لو سقيا معاً .. لزاد الماء في المنخفضة على القدر المستحق، بل طريقه: أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين، ثم يسد ويسقي المرتفع. قال الشيخ: والظاهر أنه لا يتعين البداءة بالأسفل، بل لو عكس .. جاز، ومرادهم لئلا يزيد في المستفلة على الكعبين، ولو سقى الأول ثم احتاج إلى السقي مرة أخرى .. مكن منه في الأصح. وعمارة حافات هذه الأنهار من بيت المال. ولو أراد رحل أحياء أرض وقيها من هذا الماء، فإن ضيق على الباقين .. منع، وإلا .. فلا.

وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فِي إِنَاءٍ .. مُلِكَ عَلَى الصَّحيحِ. وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لِلاِرْتِفَاقِ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْتَحِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وما أخذ من هذا الماء) أي: المباح (في إناء .. ملك على الصحيح) كالاحتطاب والاحتشاش، ولا يجب بذله إلا لمضطر، وكذلك إذا وضعه في حوض مسدود المنافذ .. نقل عن ابن المنذر فيه الإجماع، ولا يجب بذله إلا لمضطر، ومقابله وجه ضعيف يحكى عن أبي إسحاق: أنه لا يملك بحال؛ لأن الناس شركاء فيه. واحترز بـ (المأخوذ في إناء) عن الداخل في ملكه بسيل؛ فإنه لا يملك بدخوله في الأصح. وخص المتولي الوجهين بماء المطر إذا اجتمع في أرضه، وجزم بأنه لا يملك ماء السيل بدخوله في أرضه، وهذا إن صح كان وجهاً ثالثاً. وقال ابن الصلاح: إذا دخل الماء في كيزان الدولاب الذي يديره الماء .. ملكه صاحب الدولاب كما لو استقى بنفسه، وكذا لو أدارته دابة من طريق أولى، ولو أخذه ثم أعاده إليه .. لا يصير شريكاً في النهر باتفاق الأصحاب. قال: (وحافر بئر بموات للارتفاق أولى بمائها حتى يرتحل) المراد أولى بما يحتاج إليه من مائها لسقيه وماشيته وزرعته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم .. فهو أحق به) فإذا ارتحل .. صارت كالمحفورة للمارة، فلكل أحد الشرب منها ويسقي الزرع، فإذا عاد حافرها .. فهو فيها كغيره. والمراد بقوله: (للارتفاق): ارتفاق نفسه، أما الحفر لارتفاق المارة .. فهو كأحدهم، وكذا الحافر بلا قصد في الأصح. والمراد بكونه (أولى بمائها): فيما يحتاج إليه له ولماشيته وزرعته لا مطلقاً، فليس له منع ما فضل عنه عن المحتاج إليه للشرب إذا استقى بدلو نفسه، ولا منع مواشيه، وله منع غيره من سقي الزرع به، وفيه احتمال للإمام.

وَالْمَحْفُورَةُ لِلَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ .. يُمْلَكُ مَاؤُهَا فِي الأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ أَمْ لاَ .. لاَ يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ، وَيَجِبُ لِمَاشِيَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمحفورة) أي: في الموات (للتملك أو في ملك يملك ماؤها في الأصح)؛ لأنه نماء ملكه كالثمرة واللبن، ولأن الركاز له فالماء أولى. والثاني- وهو قول أبي إسحاق-: لا يملكه؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (الناس شركاء في ثلاث). ويجري الخلاف فيما لو انفجرت عين في ملكه، وفي كل ما ينبع في ملكه من القير والنفط والمومياء والملح، والمنصوص أنه يملكه، وقال أبو إسحاق: لا. واحترز بـ (المحفورة للتملك) عما إذا حفرها لمارة أو حفرها بلا قصد، والأصح أنه لا اختصاص له، والناس فيها سواء. قال: (وسواء ملكه أم لا .. لا يلزمه بذلك ما فضل عن حاجته لزرع)؛ لأنه لا يجب سقيه، وقيل: يجب إذا احتاج الزرع إليه، وهو رواية عن أحمد؛ لما روى الأربعة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن منع فضل الماء). قال: (ويجب لماشيته على الصحيح)؛ لما روى الشافعي [شم 1/ 382] عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ .. منعه الله فضل رحمته يوم القيامة) وفيه إشارة إلى أن الكلأ من رحمة الله، فكما منعه بمنع الماء منعه الله من رحمته، وفيه إشارة إلى تحريمه؛ لأن رحمة الله تعالى لا يمنعها إلا معصيته، فلما كان فضل الماء مانعاً من الرحمة .. كان معصية، وخالفت البهائم الزرع؛ لما للروح من الحرمة بدليل وجوب سقيها بخلاف الزرع. والثاني: لا يجب؛ لعموم: (لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكما لا تجب إعارة الدول والرشاء وبذل الماء المحرز في الأواني، والحديث محمول على الاستحباب. تنبيهات: أحدها: قول المصنف: (على الصحيح) يمكن عوده إلى عدم الوجوب للزرع والوجوب للماشية، فإن الخلاف فيهما، والتصحيح مختلف. الثاني: للوجوب في الماشية شروط: أن يكون فاضلاً عن حاجته كما تقدم، فإن لم يفضل .. لم يجب بلا خلاف؛ لأن الوعيد إنما جاء في بذلك الفضل، فإن لم يحتج إليه في الحال ولكن يحتاج إليه في ثاني الحال .. لزمه بذله؛ لأنه قد يستخلف. وأن لا يجد للماشية ماء مباحاً، ووقع في كلام الرافعي: كلأ مباحاً، وهو سبق قلم. وأن يكون بقرب الماء كلأ ترعاه المواشي، فإن لم يكن .. لم يجب. وأن لا يكون عليه في وصول ماشيته إلى الماء ضرر لزرع ولا شجر، فإن استضر .. لم يلزمه التمكين. وأن يكون الفاضل لم يحز في إناء أو حوض، فإن حازه .. لم يلزمه بذل فضله على الصحيح. الثالث: المراد بـ (البذل): تمكين صاحب الماشية من الماء، ولا يلزمه استقاؤه لهم، ولا تمكينهم من دلوه وحبله وغربه، بل يسقيه أرباب الماشية بأنفسهم بآلتهم ودلائهم، وإذا دعت الضرورة إلى إعارة الدلو والرشاء وجب بالعوض، قاله القاضي حسين. وأما بذله للرعاء .. فأصح الوجهين وجوبه؛ لأنهم أولى بذلك من الماشية، وهو وارد على المصنف، وإذا قلنا: لا يجب بذله .. كان له بيعه مقدراً بالكيل أو الوزن دون ري الماشية والزرع.

وَالْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ يُقْسَمُ مَاؤُهَا بِنَصْب خَشَبَةٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَساوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَلَهُمُ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا أوجبنا البذل .. لم يجز لحافر البئر طمها، فإن انطمت .. لم تلزمه تنقيتها لهم، فإن أرادوا تنقيتها .. لزمه تمكينهم ليتوصلوا إلى حقلهم منه، وقد يقال: إن حقهم إنما يكون إذا كان فضل، وعند الانطمام لا ماء ولا فضل، وتنقيتها تصرف في ملك الغير. وجوابه أنه تصرف بمصلحة يعود نفعها عليهما وقد تعلق حقه بما هو ممكن منه. قال: (والقناة المشتركة يقسم ماؤها بنصب خشبة في عرض النهر فيها ثقب متساوية أو متفاوتة على قدر الحصص) ليصل كل إلى حقه، ويجوز أن تكون الثقب متساوية مع تفاوت الحقوق ليأخذ صاحب الثلث ثقباً وصاحب الثلثين ثقبين، فلو كان لزيد العشر ولعمرو الخمس ولبكر الباقي .. جعل فيها عشر ثقب متساوية، لزيد واحدة ولعمرو ثنتان ولبكر الباقي. هذا عند ضيق الماء، فإن اتسع بحيث يحصل لكل واحد قدر حاجته .. فلا حاجة لذلك. قال الرافعي: والقناة كالبئر في ملك الماء ووجوب البذل وغيرهما، إلا أن حفرها لمجرد الإرفاق لا يكاد يتفق، ومهما اشتركوا في الحفر .. اشتركوا في الملك كما في النهر. وقوله: (ثقب) ضبطه المصنف بالثاء المثلثة، ولو قرئ بالنون .. لصح، وعبارة أبي الطيب: حفر. وجميع ما تقدم إذا علم مقدار الحصص، فإن جهل .. قسم على قدر الأرض؛ لأن الظاهر أن الشركة بحسب الملك على الأصح في زوائد (الروضة). والثاني: على عدد الرؤوس؛ لأنه في أيديهم. قال: (ولهم القسمة مهايأة) ليسقي هذا يوماً وذا يوماً؛ لقوله تعالى {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} وكقسمة سائر الأملاك المشتركة، وقد يكون الماء قليلاً لا ينتفع به إلا كذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا تصح القسمة إلا بالمهايأة؛ لأن الماء يقل ويكثر، وتختلف فائدة السقي بالأيام، فلو أراد أحدهم أن يأخذ نصيبه من الماء ويسقي به أرضاً ليس لها شرب من هذا النهر .. منع منه؛ لأنه يحدث شرباً لم يكن. و (مهايأة) حال من القسمة، ومجيء الحال من المبتدا، منعه أكثر النحويين، لكن سيبويه أجازه فيخرج عليه كلام المصنف. والمراد بـ (المهايأة): أمر يتهايأ القوم عليه، أي: يتراضون. فرع: الماء المملوك في البئر والقناة المملوكين على القول بأنه مملوك لا يصح بيعه؛ للجهالة والاختلاط. وإذا باع واحد من الشركاء في النهر الأرض المملوكة له مطلقاً .. لم يدخل الشرب في البيع؛ لأنه ملك منفصل عنه لا تناوله إطلاق الاسم، فإن قال: بحقوقها الداخلة فيها والمنفصلة عنها .. دخل. قال الشيخ: وبيع حق الماء من الأمور التي تعم بها البلوى في الشام؛ فإن غالب بيوتها لها حقوق فيها من مجار وقنوات تنتهي إلى الأنهار الكبار، فإن بيعت الدار بحقوقها .. فلا إشكال في ذلك، وإن اقتصرت على بيع الماء، فمتى وقع العقد على ذلك .. فهو باطل. قال: والوراقون يحتالون في كتابة ذلك فيجعلون المبيع جزءاً معلوماً من خشبة يجري فيها الماء وما لها من الحقوق، وكل ذلك باطل؛ لأن ذلك لا يمكن ضبطه بجزء معلوم من البئر، وأيضاً النهر غير مملوك لبيت المال ولا لغيره، بل هو مباح لجميع الخلق .. فلا يجوز بيعه لاشتداد الحاجة إليه، كما أجمعوا على المنع من إقطاع مشارع الماء لاحتياج الناس إليها، فإذا وجدنا نهراً صغيراً بيد قوم مخصوصين مستولين عليه دون غيرهم .. فهو ملكهم يتصرفون بما شاؤوا، وإن لم يكن ملكاً لكن فيه مشارب لقوم مخصوصين .. فحقوقهم فيه على تلك المشارب يتصرفون فيها بالطريق الشرعي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عجيبة: في أحد واديي خيبر عين تسمى الحمة، وهي التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم قسمة الملائكة، يذهب ثلثا مائها في فلج والثلث الآخر في فلج آخر والمسلك واحد، وقد اعتبرت من زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم تطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها وواحدة في الفلج الثاني، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث، ومن قام في الفلج الذي يأخذ الثلثين ليرد الماء إلى الفلج الثاني .. غلبه الماء إلى الفلج الثاني وفاض ولم يرجع إلى الفلج الثاني شيء يزيد على الثلث، قاله البكري وغيره. و (الفلج): النهر الصغير. تتمة: قال المتولي: إذا ملك أرضاً وأراد زراعتها ولا يمكن إلا بسوق الماء من أرض جاره بأن يحفر نهراً على وجه الأرض .. لا يلزمه تمكينه، ويخالف مسالة الجذوع؛ لأنه لا يعطل عليه منفعة الجدار بوضع الجذوع، فإنه يمكنه أن ينتفع بسطحه ورأس الجذع على الحائط كما كان ينتفع به قبل ذلك، وهنا تتعطل المنفعة على الجار، أما إذا أراد أن يحفر تحت الأرض طريقاً للماء في أرض غيره فهل يلزمه تمكينه؟ وجهان: أصحهما: لا؛ لأن باطنها ملكه كظاهرها. والثاني: يلزمه التمكين؛ لما روي أن الضحاك بن خليفة ساق نهراً، فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن مسلمة فمنعه، فرفع الأمر إلى عمر فقال: (لم تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرك؟ فأبى، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك). والجواب: أن هذه القصة منقطعة الإسناد، وأجاب البيهقي بأن عمر خالفه ابن مسلمة. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة عن أبي حنيفة: لا حريم للنهر، وعن أبي يوسف ومحمد: له حريم، وهو مذهبنا. قال الشيخ: ورأيت في ديار مصر من الفقهاء من يستنكر العمائر التي على حافات النيل ويقول: لا يجوز إحياؤها، وهذا عمت به البلوى في جميع البلدان، وإذا رأينا عمارة على حافة نهر .. لا نغيرها؛ لاحتمال أنها وضعت بحق، وإنما الكلام في الابتداء أو ما عرف حاله. ويجوز الشرب من الجداول والأنهار المملوكة، والتوضؤ منها وسقي البهائم إذا لم يضر بأهلها؛ إقامة للإذن العرفي فيه مقام اللفظي، قاله الشيخ عز الدين في (القواعد). قال: (فلو أورد ألفا من الإبل على جدول ضعيف فيه ماء يسير .. فلا أرى جواز ذلك فيما زاد على المعتاد. اهـ فلو كان النهر لمن لا يعتبر إذنه كاليتيم والأوقاف العامة .. ففيه وقفة؛ لأن صريح إذن المستحق لا يؤثر هنا، فكيف يؤثر ما قام مقامه من العرف؟! وإذا سقى أرضه بماء مملوك لغيره .. فالغلة لصاحب الأرض، قال الرافعي والمصنف: وعليه قيمة الماء، ولعل مرادهما: البدل؛ فإن الماء مثلي. قال الحناطي: ولو استحل من صاحب الماء .. كان الطعام أطيب، يعني مع غرامة البدل. * * *

كتاب الوقف

كِتَابُ الْوَقْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الوقف هو مصدر وقف يقف وقفاً، ومنه: {وقفوهم إنهم مسئولون}، ويرادفه: التحبيس والتسبيل، والفصيح: وقف، ولا يقال: أوقف إلا في لغة شاذة تميمية وعليها العامة. وهو من القرب المندوب إليها بأدلة خاصة. قال الشافعي: ولم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته داراً ولا أرضاً، وإنما حبس أهل الإسلام، يعني هذا التحبيس المعروف، وهو إشارة منه إلى أنه حقيقة شرعية، ويدل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب .. فعموم قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، ولذلك لما سمعها أبو طلحة .. رغب في وقف بيرحاء وهي أحب أمواله إليه. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم .. انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم [1631]. والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف، وأصرح منه ما في (الصحيحين) [خ2737 - م1633]: أن عمر أصاب أرضاً بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) فتصدق بها عمر على أن لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب، والمشهور أنه أول وقف وقف في الإسلام. وقيل: وقف النبي صلى الله عليه وسلم قبله أموال مخيريق التي أوصى بها له في السنة الثالثة. واشتهر اتفاق الصحابة على الوقف قولاً وفعلاً، فوقف عمر وعثمان وزيد بن ثابت

شرط الواقف: صحة عبارته، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله بن عمر وأنس وفاطمة والزبير بن العوام وحكيم بن حزام والأرقم والمسور بن مخرمة وجبير بن مطعم وعمرو بن العاصي، وغيرهم أكثر من ثمانين رجلاً كلهم تصدقوا بصدقات موقوفات. قال الشافعي: وأكثر دور مكة وقف، ووقف علي البغيبغة وهي ضيعة بالمدينة لآل جعفر، قاله ابن سيده، وقال البكري: إنها بالينبع. وقال أبو حنيفة: الوقف لا يصح، بمعنى: أنه لا يلزم، بل لابد أن يحكم به قاض؛ تمسكاً بما روي عن شريح أنه قال: لا حبس عن فرائض الله تعالى، والشافي حمله على الوقف على النفس. وكان إسماعيل بن اليسع قاضياً بمصر يرى رأي أبي حنيفة في ذلك، فأرسل الليث بن سعد إلى هارون الرشيد: إنا لم ننقم عليه ديناراً ولا درهماً، ولكن أحكاماً لا نعرفها، فأرسل هارون كتاباً بعزله. وقد رجع أبو يوسف عن ذلك لما سمع الحديث وقال: لا يسوغ لأحد أن يخالفه، ولو انتهى إلى أبي حنيفة .. لقال به. والوقف في الشرع: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، ممنوع من التصرف في عينه، وتصرف منافعه إلى البر تقرباً إلى الله تعالى. قال: (شرط الواقف: صحة عبارته) أركان الوقف أربعة: الوقف، والموقوف، والموقوف عليه، وصيغة الوقف، ولذلك ذكرها المصنف؛ فيجب أن يكون صحيح العبارة: فلا يصح وقف صبي ومجنون بالاتفاق؛ لأنه تصرف مالي، ومن يقول بصحة وصية الصبي والسفيه لا يطرده في الوقف؛ لأن الوقف منجز فيتضرران به بخلاف الوصية، وشمل ذلك ما لو بنى ذمي مسجداً .. ففي (فتاوى البغوي): أن ذلك جائز وإن لم يكن يعتقده قربة اعتباراً باعتقاد المسلمين، كما لو باع الشحم .. يجوز وإن كان لا يعتقد جوازه، قال: ويحتمل أن لا يصح، وهذا

وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاحتمال منقول عن الواحدي في تفسير قوله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله}، وهذا بخلاف العتق والتدبير؛ فإنهما يصحان منه، لأنه يعتقدهما قربة، وهما عندنا كذلك. قال: (وأهلية التبرع) فلا يصح من المبذر والمكاتب، وهذا أحسن من قول (التنبيه): ممن يحص تصرفه؛ فإن المكاتب يصح تصرفه ولا يصح وقفه، على أن المصنف لو اقتصر على أهلية التبرع .. لاستغنى عن الأول. وشملت عبارته: صحة وقف المبعض؛ لأنه يصح تبرعه، وصحة وقف ما لا يقدر على تسليمه في الحال، فيصح وقف المغصوب كعتقه، قاله الجوري وغيره. وكذلك وقف المريض مرض الموت وإن كان معتبراً من الثلث، لكن يستثنى ما يقفه الإمام من أراضي بيت المال، صرح بجوازه القاضي حسين، وبه أفتى ابن أبي عصرون نور الدين الشهيد متمسكاً بوقف عمر السواد، ونقله ابن الصلاح في (فوائد رحلته) عن عشرة أو يزيدون، ثم وافقهم على صحته، ونقل في (المطلب) في (باب قسم الفيء والغنيمة) صحته عن النص، والصحة في الجهة العامة أولى من المعين. وقال ابن عبد السلام: للملوك أن يقفوا ما لهم أن يملكوه ابتداء على جهة الخير ما تستحقه تلك الجهة كالمدارس والربط، دون ما لا يجوز لهم تملكه كوقف الضياع على أولادهم وأمرائهم؛ فإنه لا يجوز. ولو وقفوا على جهة أكثر ما تستحقه كنصف إقليم على مدرسة .. صح في قدر ما تستحقه دون غيره. قال الشيخ: والذي أراه: أنه لا يجوز أن يقف من بيت المال على شخص أو أشخاص، ولا على طائفة أو طوائف خاصة؛ تمسكاً بقول الأصحاب: شرط

وَالْمَوْقُوفِ: دَوَامُ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الموقوف أن يكون مملوكاً للواقف، والواقف هنا ليس بمالك، فكيف يصح وقفه؟ وكذلك حكم ما يقفه الإمام من رقاب أراضي الفيء، نص عليه وجرى عليه الجمهور، وكذلك ما يقفه الحاكم من بدل الموقوف عند تلفه، وما يقفه من ريع اشتراط أن يشتري به ويوقف، فكل هذا صحيح من غير أهل تبرع فيه. قال: (والموقوف دوام الانتفاع به)؛ لأن الوقف إنما يراد للدوام، لأنه صدقة جارية قال صلى الله عليه وسلم: (حبس الأصل) وما لا يدوم النفع به لا أصل له يحبس. وشرط المنفعة: أن تكون مباحة مقصودة، فلا يصح وقف آلات الملاهي جزماً وما لا يقصد بيعه كالدراهم والدنانير للتزيين على الأصح المنصوص. وقيل: فيه وجهان مبنيان على صحة إجارتهما إن صححناها .. صححناه، ويصح وقف الحلي للبس النساء. ولا يشترط وجود المنفعة حالاً، بل يجوز إن كانت منتظرة كالأرض الخراب والعبد والجحش الصغيرين، وكذلك الكبير المغصوب كما تقدم، وأورد على هذا الضابط: المدبر ومعلق العتق بصفة؛ فإنه يصح وقفهما مع أنه لا يدوم النفع بهما، فإنهما يعتقان بموت السيد كما سيأتي قريباً، وكذا لو استأجر للبناء والغراس فبنى أو غرس ثم وقفه .. فإنه يصح وإن لم يدم النفع به. فرع: أجر أرضه ثم وقفها .. قال الشيخ أبو علي والماوردي والروياني: يصح، وكذلك صححه في (أصل الروضة)، وبه أفتى ابن الصلاح؛ لأنه مملوك بالشرائط، وليس فيه إلا العجز عن صرف المنفعة إلى جهة الوقف في الحال، وذلك لا يمنع الصحة كوقف المغصوب، وهذه حيلة لمن يريد إبقاء ثمرة الموقوف عليه لنفسه مدة بعد

لاَ مَطْعُومٌ وَرَيْحَانٌ. وَيَصِحُّ وَقْفُ عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوقف، لكن في (فتاوى القفال): أنه مخرج على الوقف المنقطع الأول. قال: (لا مطعوم)؛ لأن منفعته في استهلاكه، ومقصود الوقف الدوام. قال: (وريحان)؛ لسرعة فساده، هذا في الرياحين المحصودة، أما المزروعة .. فالظاهر- كما قال ابن الرفعة-: صحة وقفها للشم؛ لأنها تبقى مدة. وفهم من تمثيلة بـ (الريحان) المشموم الذي ينتفع به على الدوام كالعود ونحوه يصح وقفه. قال: (ويصح وقف عقار) بالإجماع، سواء في ذلك المقسوم والمشاع. وأشار في (الأم) إلى أنه لابد من ضبط الشهود له بالحدود الأربعة كما في البيع، وبه صرح الماوردي وغيره، وقد تقدم في (الأصول والثمار) عن الماوردي: أنه لا يكفي ذكر حد ولا حدين، فإن تميزت بذكر الحدود الثلاثة .. صح البيع، وإلا .. لم يصح، فليكن هنا كذلك، لكن في (فتاوى الغزالي): إذا قال للشهود: اشهدوا علي أني وقفت جميع أملاكي، وذكر مصرفها ولم يحدد شيئاً منها .. صارت جميع أملاكه التي يصح وقفها وقفاً، ولا يضر جهل الشهود بالحدود، ولا سكوته عن ذكرها، ومهما شهد الشهود على هذا اللفظ .. ثبت الوقف. قال: (ومنقول)؛ لإجماع المسلمين على صحة وقف الحصر والمصابيح في المساجد من غير نكير، وقال صلى الله عليه وسلم: (وأما خالد .. فإنكم تظلمون

وَمُشَاعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خالداً؛ فإنه احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله) رواه الشيخان [خ1468 - م983] من حديث أبي هريرة. قال القاضي حسين: الأعتاد الخيل، وتؤيده رواية: (وأفرسه) ذكرها صاحب (التقريب). وقال الشيخ: الصواب: أعتده، وهي جمع عتاد وهو: كل ما أعده من السلاح والدواب كما قاله الخطابي وجماعة، ورواه المتولي وغيره بالباء جمع عبد، وقال الحافظ أبو بكر بن المفوز: إنه الأصح المحفوظ في الرواية. وقال أبو حنيفة: لا يصح وقف الحيوان، وعنه: ولا وقف الكتب، ومنع مالك وقف المنقول مطلقاً. قال: (ومشاع)؛ لأن عمر رضي الله عنه وقف مئة سهم اشتراها من خيبر وكانت مشاعاً، رواه الشافعي [1/ 308] وغيره. وروى البيهقي [6/ 162]: أن الحسن أو الحسين وقف أشقاصاً من دور، فأجاز ذلك العلماء، وسواء في ذلك العقار والمنقول. قال ابن الرفعة: هذا مما يمكن الانتفاع به مع الإشاعة، فإن لم يكن كوقف نصف من دار أو أرض مسجداً .. فالظاهر: أنه لا يصح، وإذا صح وقف المشاع .. لا تثبت للشريك الشفعة فيه كما تقدم، وقد تقدم عن ابن الصلاح أنه أفتى بصحة وقف المشاع مسجداً، وثبت للبقعة أحكام المسجد، فلا يجوز للجنب المكث فيها، وتجب القسمة لتعينها طريقاً إلى الانتفاع بالموقوف، والذي قاله ابن الصلاح جزم به ابن الصباغ في (الكامل) بالكاف.

لاَ عَبْدٍ وَثَوْبٍ فِي الذِّمَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وقوله بوجوب القسمة مخالف للمنقول، إلا أن يكون في المسألة بخصوصها نقل صريح. قال: ووقفت على فتيا الشيخ شرف الدين البارزي رحمه الله: أنه إذا صح وقفه .. يجوز للجنب المكث فيه ما لم يقسم، كما يجوز للجنب حمل المصحف مع أمتعة. قال: وهذا غير صحيح؛ لأن محل جواز حمل المصحف إذا لم يكن مقصودًا. ولو وقف نصف عبد ثم أعتق باقيه .. لم يسر للوقف؛ لأنه لا يقبل العتق. ويجوز وقف الفحل للضراب، ووقف الأشجار للثمار، ووقف علو الدار دون سفلها وبالعكس. فرع: صحح ابن الصلاح والمصنف وقف ما لم يره الواقف، ولا خيار له عند الرؤية، ونقله ابن الرفعة عن شيخه الشريف عماد الدين؛ لأن عمر لم ير سواد العراق، وبناه بعض مشايخ الزمان على الملك، إن قلنا للموقوف عليه .. لم يصح، وإلا .. صح، وبناه ابن الرفعة على صحة وقف أحد عبديه. قال الشيخ: ولم أر من ذكر المسألة غيرهم مع كثرة المطالعة، وفي أكثر الكتب اعتبار الوقف بالبيع فيقتضي ترجيح المنع، وعمر يحتمل أنه وكل في وقف السواد من رآه. ويصح وقف الأعمى وإن لم يصح بيعه، وقل من تعرض لذلك. ويصح وقف أسفل الدار دون علوها وعكسه، سواء وقفه مسجداً أو غيره. قال: (لا عبد وثوب في الذمة) أي: لا وقف؛ إذ الوقف إزالة ملك، فصار كما لو أعتق عبداً في الذمة، سواء كان ذلك في ذمته أو ذمة غيره.

وَلاَ وَقْفُ حُرٍّ نَفْسَهُ، وَكَذَا مُسْتَوْلَدَةٌ وَكَلْبٌ مُعَلَّمٌ وَأَحَدُ عَبْدَيْهِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ وَقَفَ بِنَاءً أَوْ غِرَاساً فِي أَرْضٍ مُسْتَاجَرَةٍ لَهُمَا .. فَالأَصَحُّ: جَوَازُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يجوز التزامه في الذمة بالنذر. ولا يصح وقف الحمل وإن صح عتقه، كذا صرح به الماوردي، ولو وقف حاملاً وقلنا: ليس للحمل حكم .. فالأقرب: أنه على الوجهين في الولد الحادث فيكون ملكاً للموقوف عليه على الأصح. قال: (ولا وقف حر نفسه)؛ لأن رقبته غير مملوكة وإن قدرنا أن منافعه ملحقه بالأموال؛ لأن الوقف يشبه التحرير، وملك المنفعة لا يفيد ولاية التحرير، وكذا مالك المنفعة لا يجوز أن يقفها، سواء ملكها مؤقتاً كالإجارة أو مؤبداً كالوصية. قال: (وكذا مستولدة وكلب معلم وأحد عبديه في الأصح)؛ لأن المستولدة لا تقبل النقل، والكلب غير مملوك، وأحد عبديه مبهم فامتنع كالبيع. والثاني: يصح في المستولدة كما يصح إيجارها، وفي الكلب إذا قلنا: تصح إجارته، وفي أحد عبديه بالقياس على العتق ويطالب بالتعيين. أما غير المعلم .. فلا يصح وقفه جزماً، وأما القابل للتعليم .. فالظاهر طرد الخلاف فيه. وأما معلق العتق بصفة .. فيصح وقفه، فإذا وجدت الصفة .. عتق إن قلنا: الملك للواقف وبطل الوقف، وإن قلنا: للموقوف عليه .. لم يعتق ويبقى الوقف، وإن قلنا: لله تعالى .. قال البغوي والرافعي: عتق، وفي (النهاية) و (البسيط): لا يعتق. وأما المدبر .. فيصح وقفه بلا خلاف، وهو رجوع عن التدبير إن جعلناه وصية، وإن قلنا: تعليق عتق بصفة .. فكوقف معلق العتق بها. قال: (ولو وقف بناء أو غراساً في أرض مستأجرة لهما .. فالأصح: جوازه)؛ لأنه مملوك منتفع به مع بقاء عينه، سواء في ذلك الإجارة الصحيحة والفاسدة.

فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمْعٍ .. اشْتُرِطَ إِمْكَانُ تَمْلِيكِهِ؛ فَلاَ يَصِحُّ على جَنِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: المنع؛ لأنه معرض للقلع، واختاره القفال. ومحل الخلاف: إذا لم يقف رب الأرض أرضه معه، فإن وقفها .. صح بلا خلاف كما لو اجتمعا على البيع، وكان الأحسن أن يقول: له؛ لأجل العطف بـ (أو). ثم على القول بالصحة: إذا مضت مدة الإجارة .. فليس للمؤجر تملكه بالقيمة، بل يتخير بين الأمرين الأخيرين، فإن قلع .. فهو وقف كما كان، فيوضع في أرض أخرى، إلا أن يبقى به نفع ففي هذه الحالة هل يصير مملوكاً للموقوف عليه أو للواقف؟ وجهان لا ترجيح فيهما، واستبعدهما الشيخ وقال: ينبغي أن يشتري به عقاراً أو جزءاً منه. وقوله: (مستأجرة) مثال؛ فإن المستعارة والموصى بمنفعتها له مدة كذلك، وسيأتي بعد ورقة وشيء حكم ما إذا شرط الواقف صرف أجرة الأرض من ريع الوقف. قال: (فإن وقف على معين واحد أو جمع .. اشترط إمكان تمليكه) أي: في الحال ولو ذمياً وفاسقاً وغنياً، ثم إن الوقف تمليك للمنفعة. وعبر في (الروضة) بدل (جمع) بـ (جماعة) وهو أحسن؛ لدخول الاثنين. وخرج بـ (إمكان التمليك) ما إذا وقف على أولاده ولا ولد له حالة الوقف .. فإنه يبطل بخلاف الوصية، وكذا لو وقف على فقراء أولاده وليس فيهم فقير، فإن كان فيهم فقير وغني .. صرف إلى الفقير، ويصرف إلى من افتقر من بعده، قاله البغوي. قال: (فلا يصح على جنين)؛ لأن الوقف تمليك وإثبات حق ناجز فأشبه الهبة، وليس كالوصية؛ لأنها تتعلق بالمستقبل، وفي وجه غريب: أنه يصح كالإرث، حكاه في (البحر).

وَلاَ عَلَى الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا لم يصح في الجنين في البطن .. فعلى جنين سيحدث أولى بالمنع، وقيل: إن كان تابعاً لغيره .. صح، كما لو وقف على أولاده وله ولد مجتن .. دخل معهم، ويوقف نصيبه، وإن كان مستقبلاً .. فلا. قال: (ولا على العبد لنفسه)؛ لأنه ليس أهلا للملك، فإن ملكناه .. صح، وصرف لسيده كسائر أكسابه، فإذا عتق .. عاد إليه، ورده الرافعي بأن محله إذا ملكه سيده، فأما إذا ملكه غيره .. فلا يملك بلا خلاف، وحينئذ فإذا كان الواقف غير السيد .. كان الوقف على من لا يملك، واعترض عليه بأن الخلاف جار أيضاً في غير السيد كما صرح به الماوردي وغيره. نعم؛ يستثنى من ذلك ما إذا وقف على عبد أوقف على سدانة الكعبة، أو قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإنه يصح على الأصح، ويستثنى المبعض؛ فإن الوقف عليه صحيح قطعاً، قاله ابن خيران. فلو أراد سيد المبعض أن يقف بعضه الرقيق على بعضه الحر .. فالظاهر الصحة، كما لو أوصى لنصفه الحر .. فإنه صح في الأصح في زوائد (الروضة)، والمدبر وأم الولد في ذلك كالقن. والوقف على المكاتب .. قال الشيخ أبو حامد: لا يصح كالوقف على القن، وقال الماوردي [والمتولي]: يصح في الحال، وتصرف الفوائد إليه، ويدام حكمه إذا عتق إن أطلق الوقف، وإن قال: تصرف الفوائد إليه ما دام مكاتباً .. بطل استحقاقه، وإن عجز .. بأن لنا أن الوقف منقطع الابتداء. وإن وقف على المكاتبين .. صح وإن لم يعينهم؛ لأنهها جهة قربة، فإن صرف إليهم فعجز بعضهم .. فالحكم في الاسترجاع كما في الزكاة، والصورة إذا كان مكاتباً

فَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ .. فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ، وَإذَا أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ .. لَغَا، وَقِيلَ: هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ لغيره، فإن كان مكاتباً له .. لم يصح كما جزم به الماوردي وغيره. قال: (فلو أطلق الوقف عليه .. فهو وقف على سيده) كما لو وهب له أو أوصى له، وفي وجه: لا يصح كالبهيمة، حكاه العمراني. والأصح: أنه لا يحتاج قبوله إلى إذن السيد كما هو الأصح في الهبة والوصية، وأنه لا يكفي قبول السيد على الأصح وإن كان الملك له؛ لأن الخطاب ليس معه، فيكون المعنى: هو للسيد إذا تم. قال: (وإذا أطلق الوقف على بهيمة .. لغا)؛ لأنها ليست أهلا للملك، ولهذا لا تجوز الهبة لها ولا الوصية. قال: (وقيل: هو وقف على مالكها) كما لو وقف على العبد، فإن شرطنا القبول .. قبل مالكها، بخلاف ما إذا أضافه إلى العبد على الأصح؛ لأن الخطاب لم يجر معه، أما إذا لم تكن البهيمة مملوكة كما إذا وقف على علف الوحوش والطيور المباحة أو طيور حرم مكة .. فلا يصح قطعاً، كذا نقله الرافعي عن المتولي، لكنه اعترضه في (باب الوصية) فقال: الوصية على رأي وصية للبهيمة نفسها، وحينئذ فلا يتجه فرق بين المملوكة وغيرها، وهذا يعترض به على ما قاله في (الوقف) اهـ واستبعد الشيخ أيضا مقالة المتولي، وقال: فيها نظر، ثم نقل عن الجويني ما يخالف مقالته. نعم؛ يستثنى من ذلك الوقف على الخيل المسبلة في الثغور، فإنه يصح الوقف عليها كما جزم به الدارمي والزبيلي.

وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: وقفت على علف هذه البهيمة أو نفقة هذا العبد ما عاش ثم بعده على الفقراء والمساكين .. لم يصح؛ لأن الوقف عليها- إذا صح- وقف على مالكها، والوقف لا يقبل النقل، فإذا مات العبد، إن نفينا الوقف .. كان مجهول الصرف، وإن قطعناه .. لم يكن الوقف لازما، وهو خلاف مقتضاه. ولو وقف على عمارة دار زيد، فإن كانت دار زيد وقفا .. صح، وإلا .. فلا، قاله الماوردي والروياني، وقال ابن الرفعة: في الصحة نظر؛ لأن عمارتها من وقفها فيتعطل ما اقتضاه الوقف الأول. قال: (ويصح على ذمي) أي: معين، سواء كان الواقف مسلما أو ذميا كصدقة التطوع وهي على الذمي جائزة، وحكى الجيلي فيه وجهاً. أما غير المعين كأهل الذمة واليهود والنصارى .. فالمذكور في (الحاوي) و (تعليق القاضي حسين) و (شرح الكافية) للصيمري و (الشامل) و (البحر) و (التتمة) و (التحرير) وغيرها: أنه صحيح؛ لأن الصدقة عليهم جائزة وقال الرافعي: إنه الأشبه بكلام الأكثرين بناء على أن المرعي التمليك لا القربة، ثم مال إلى المنع؛ لتضمنه الإعانة على المعصية، وهو الذي أجاب به القاضي حسين، واقتضى كلام (الكافي) الجزم به. تنبيهان: أحدهما: يشترط في المعين أن لا يظهر فيه قصد المعصية، فلو قال: وقفت على

لاَ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ خادم الكنس .. ففي (الشامل) وغيره: أنه لا يصح. الثاني: إنما يجوز أن يوقف عليه ما يجوز أن يملكه، فيمتنع وقف العبد المسلم وكتب العلم عليه، أما المعاهد والمستأمن .. فهما كالحربي. فرع: وقف على أولاد اليهود والنصارى بشرط أن من أسلم منهم خرج عن الوقف .. ينبغي القطع بأنه لا يصح هذا الشرط؛ لأنه جهة معصية مقصودة، بخلاف ما لو لم يقصد .. فيحمل على جهة القربة فقط. قال الشيخ: قد وقع لي في المحكمات هذا الشرط، فأبطلته وأثبت الوقف عليهم مع الإسلام. قال: (لا مرتد وحربي)؛ لأنهما مقتولان لا بقاء لهما، والوقف صدقة جارية فلا يصح على من لا بقاء له، كذا علله الرافعي تبعاً لـ (المهذب)، ونقضه في (البيان) بصحة الوقف على الزاني المحصن، وفي معناه من تحتم قتله في المحاربة ومن استحق القتل بترك الصلاة. والوجه الثاني: يجوز الوقف عليه كالذمي، ومال إليه ابن الرفعة، لاسيما إذا أبقينا ملك المرتد. وخص الخلاف في (نكت التنبيه) بقوله: وقفت على زيد الحربي أو المرتد، فأما إذا قال: وقفت عل الحربيين أو المرتدين .. فلا يصح قطعاً.

وَنَفْسِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي أن يقيد محل الخلاف في الحربي أيضاً بغير آلة الحرب، كما قيدوا به في الوصية له بغير ذلك وإن كان المطلق قد أطلق في البابين. قال: (ونفسه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حبس الأصل وسبل الثمرة) وتسبيل الثمرة يمنع أن يكون له فيها حق. قال: (في الأصح) الخلاف عائد إلى المسائل الثلاثة، ومقابله هنا: يصح، وبه قال ابن سريج والجوري وابن الصباغ والزبيري؛ لأن استحقاق الشيء وقفاً غير استحقاقه ملكاً، وقد يقصد حبسه ومنع نفسه من التصرف المزيل للملك. قال في (البحر): وعليه أكثر مشايخ خراسان، ويجوز أن يفتى به للمصلحة. وقيل: يصح الوقف وتلغو الإضافة كما لو وقف وسكت عن السبل. وقيل: إن كان على نفسه وغيره .. جاز، وإلا .. بطل. وعلى الأًح: لو حكم به حاكم .. نفذ ولم ينقض. ويستثنى من بطلان الوقف على النفس صور: منها: إذا وقف على الفقراء ثم صار فقيراً .. جاز أخذه منه على الأصح؛ لأنه لم يقصد نفسه، وصحح الغزالي والبغوي المنع؛ لأن مطلقه ينصرف إلى غيره، بخلاف ما لو وقف رباطاً على المارة أو مقبرة للدفن .. فإنهما وافقا على الدخول فيهم. ولو وقف على الفقراء وهو فقير .. قال الشيخ: لم أرها منقولة، وينبغي أن يكون فيه وجهان: أصحهما: الجواز، ولها وللتي قبلها التفات إلى أن المخاطب هل يدخل في عموم خطابه؟ وفي (الكافي): لو وقف على الفقراء وهو فقير أو على الفقهاء وهو فقيه .. يأخذ معهم كواحد منهم، فيدخل في العام ولا يدخل في الخاص في الأصح. ومنها: لو شرط الواقف النظر لنفسه وشرط له أجرة .. ففي صحة هذا الشرط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجهان: أصحهما عند المصنف: صحته، وقيده ابن الصلاح بأجرة المثل. ومنها: لو كانت منافع الموقوف مباحة كالمسجد وماء البئر فوقف على الناس وصرح بنفسه معهم .. فإنه يصح ويدخل كما جعل عثمان رضي الله عنه دلوه في بئر رومة كدلاء المسلمين؛ لأنه لم يقل ذلك على سبيل الاشتراط، بل على سبيل الإخبار. قال المصنف: ومن هذا النوع: لو وقف كتاباً على المسلمين للقراءة فيه ونحوها، أو قدراً للطبخ فيها، أو كيزاناً للشرب فيها ونحو ذلك .. فللواقف الانتفاع معهم. ومنها: أن يقف على أولاد أبيه المتصفين بصفة الفقه مثلاً، وليس فيهم فقيه سواه .. ففي (شرح ابن يونس): أنه يصح، وسبقه إلى تصحيح ذلك الفارقي، وتبعهما ابن الرفعة فوقف وقفاً على الأفقه من بني الرفعة وكان يتناوله، وكلام الماوردي والعزالي في (فتاويه) يصرح بخلافه. ومنها: أن يرفعه إلى من يراه فيحكم بصحته، ولو وقف على نفسه ثم جهات متصلة وأقر بأن حاكماً حكم بصحة هذا الوقف ولزومه .. أفتى البرهان المراغي بأنه يؤاخذ بإقراره في نفسه، ويجوز نقض الوقف في حق غيره، وخالفه الشيخ تاج الدين الفزاري وقال: إقراره فيما بيده مقبول عليه وعلى من يتلقى منه كما لو قال: هذا وقف علي. ومنها: في (الحاوي): لو وقف وقفاً على أن يحج عنه منه أو يجاهد عنه منه .. قال الماوردي والروياني: جاز، ولا يكون وقفاً على نفسه؛ لأنه لا يملك شيئاً من غلته، فإن ارتد .. لم يجز الصرف في الحج؛ لأنه لا يصح عن المرتد، فيصرف إلى الفقراء والمساكين، فإن عاد إلى الإسلام. أعيد الوقف إلى الحج عنه، ولو وقف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الجهاد عنه .. جاز، فلو ارتد الواقف .. فالوقف بحاله يصرف إلى المجاهدين عنه؛ لأن الجهاد يصح من المرتد. ومنها: ما إذا أجر شيئاً مدة يظن أنه لا يعيش إلى مثلها، ثم وقفه، ثم استأجره لنفسه المدة المعقود عليها .. فينفرد باليد كما أفتى به ابن الصلاح وغيره. فرع: وقف على ولده ثم على ورثة ولده ثم على الفقراء، فمات ولده وهو وارثه فهل يرجع إليه قدر ميراثه؟ وجهان: قال ابن سريج والزبيري: يرجع. والثاني: لا يرجع إليه منه شيء، بل يكون نصيبه للفقراء، ويصرف الباقي إلى بقية الورثة، وبه أفتى الغزالي. حادثة: لا يصح الوقف بشرط أن يقضي منه دينه؛ لكونه وقفاً على نفسه وغيره. فعلى هذا: لا يصح ما يعتمده الواقفون للبناء القائم على الأرض المحتكرة من اشتراط صرف أجرة الأرض من الريع؛ لكون الأجرة ديناً عليهم، قال الشيخ علاء الدين القونوي: وهذا يقع كثيراً في أوقاف الديار المصرية وغيرها، وكذلك كان الشيخ شمس الدين بن عدلان يفتي ببطلان الوقف بذلك، وبأن واقف الأبنية على الأرض المحتكرة تلزمه أجرة الأرض تخريجاً من جناية العبد الموقوف أن الفداء لازم

وَإِنْ وقَفَ عَلى جِهِةِ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ .. فَبَاطِلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للواقف على الصحيح بجامع أنه فوت بالوقف بيعه، والظاهر: أنها لا تلزمه، بل إن كان هناك ريع .. وجبت منه، وإلا .. لم تلزم الواقف الأجرة لما بعد الوقف، وللمالك مطالبته بالتفريغ. والفرق بينه وبين جناية العبد الموقوف عليه: أن رقبته محل لتعلق الجناية بها لولا الوقف، بخلاف البناء إنما محل التعلق ذمة المالك، وقد زال ملكه فيزول التعلق، ولهذا لو مات العبد قبل اختيار الفداء .. لم يتعلق بالسيد منه شيء، ولو انهدم البناء .. كانت الأجرة الماضية لازمة للمالك، لا جرم كان المفتى به: صحة الوقف ولزوم الشرط وانقطاع الطلب عن الواقف. وإذا سكت الواقف عن الشرط المذكور والحال أنه ليس هناك إجارة صحيحة .. فإنه يصرف الحكر من ريع الوقف، وعليه جرى العمل، ويكون مقدماً كالعمارة، وإنما يكون في تركة الواقف عند وجود الإجارة الصحيحة، وبهذا صرح بان الأستاذ فإنه قال: والأجرة من ريعه إن شرط الواقف ذلك أو سكت عنه. قال: (وإن وقف على جهة معصية كعمارة الكنائس .. فباطل) بلا خلاف؛ لأنه إعانة على معصية، وسواء في ذلك الإنشاء والترميم، وسواء منعوا من ذلك أم لا بأن تكون في بلاد فتحت صلحاً على أن تكون رقابهم لهم، وكذا لو وقف على حصرها وسرجها وكتب التوراة والإنجيل؛ لأنهم حرفوا وبدلوا. ونبه الشيخ على ما وقع في آخر (البخاري): (قال ابن عباس: وليس أحد يزيل لفظ كتاب الله من كتب الله تعالى، ولكنهم يحرفونه يتأولونه على غير تأويله) أن هذا الكلام يحتمل أن يكون من قول ابن عباس وأن يكون مدرجاً بعده، وكان بعض الناس يغتر به ويرى جواز مطالعته، قال: وهذا منكر من القول، فلا خلاف في تبديلها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواقف مسلماً أو ذمياً.

أَوْ جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ .. صَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى البطلان: أنا نحكم به إذا ترافعوا إلينا، وإلا .. لم نتعرض لهم حيث لا يمنعون من الإظهار، ولو قضى به حاكمهم ثم ترافعوا إلينا .. نقضناه، أما إذا وقفوه على كنائسهم القديمة قبل المبعث .. فإنه يقرر حيث تقرر الكنائس، كذا قال الرافعي، وأخذ ابن الرفعة منه أن الوقف على ترميم الكنائس التي يجوز تقريرهم عليها إذا لم يمنع منه يجوز، ونازعه الشيخ في ذلك وقال: الصواب: أن الوقف على ترميمها باطل. كل هذا في كنائس التعبد، أما ما ينزلها المارة من أهل الذمة .. فنص الشافعي والجمهور على جواز أن يوصى ببنائها، وحكى الماوردي وجهاً: أنه لا يجوز إلا أن يشرك معهم المسلمين في النزول. قال ابن الرفعة: والوقف يشبه أن يكون كالوصية، فلو جمع بين نزول المارة والصلاة فيها .. ففي (الاستقصاء): يحتمل أن يصح في نزول المارة، ويبطل في الصلاة. قال: (أو جهة قربة) أي: جهة يظهر فيها قصد القربة، وإلا .. فالوقف كله قربة، وهذا يسمى وقفاً على الجهة؛ لأن الواقف نظر إلى جهة الفقر والمسكنة، ويقصد سد خلة موصوف بهذه الصفة لا لشخص بعينه. قال: (كالفقراء والعلماء والمساجد والمدارس .. صح)؛ لحصول مقصود الوقف- وهو القربة- ولعموم الأدلة، ولأن الجامدات ليست مستحقة، إلا أن ذلك وقف على جماعة المسلمين؛ ليكون النفع عائداً عليهم، وعلى هذا النحو جرت أوقاف الصحابة رضوان الله عليهم. وقيل: لا يصح على من لا يملك كالكعبة والمسجد، حكاه الرافعي في (التذنيب). وفي (فتاوى القفال) قول: إنه لا يصح على العلماء؛ لأنهم ينقطعون، بخلاف الفقراء. والعلماء في العرف الشرعي: علماء الشرع الآتي ذكرهم في (الوصية).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يشترط في الجهة إمكان حصرها، فلو قال: وقفت على جميع الناس أو جميع الخلق أو على كل شيء .. فباطل، قاله الماوردي والروياني، فإن الوقف ما كانت سبله مخصوصة الجهات لتعرف؛ لأنه لا يمكن استيفاء هذا الشرط، وفرقا بينه وبين ما لو وقف على الفقراء والمساكين حيث يجوز؛ لأن الجهة مخصوصة، وعرف الشرع فيهم لا يوجب استيعاب جميعهم كالزكاة، ونازعهما الشيخ في ذلك ومال إلى الصحة؛ لأن الإسلام جهة اعتبرها الشارع في الإرث والعقل وغيرهما والمساجد موقوفة على جميع المسلمين. فائدة: بناء المسجد من أعظم القربات؛ ففي (الترمذي) [594] و (ابن ماجه) [759] من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب). وفي (صحيح البخاري) [428] في (باب من نبش قبور مشركي الجاهلية) عن أنس بن مالك في حديث طويل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد). وفي (صحيح مسلم) [533]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى لله مسجداً .. بنى الله له في الجنة مثله). وفي (ابن حبان) [1610] عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة .. بنى الله له بيتاً في الجنة). و (مفحص القطاة) بفتح الميم: مجثمها.

أَوْ لِجِهَةٍ لاَ تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالأَغْنِيَاءِ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو لجهة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء .. صح في الأصح)؛ بناء على أن المرعي في الموقف على الجهة العامة التمليك كالوصية لا القربة. والثاني: لا، بناء على أن المرعي فيه جهة القربة، ولهذا لا يجب استيعاب المساكين، بل يجوز الاقتصار على ثلاثة منهم. قال الرافعي: والأحسن توسط لبعض المتأخرين وهو: الصحة على الأغنياء دون اليهود والنصارى وقطاع الطريق وسائر الفساق؛ لتضمنه الإعانة على المعصية، ومن هنا حسن تمثيله في الكتاب بالأغنياء فقط. وقال ابن الرفعة: ما استحسنه الرافعي ببادي الرأي صحيح، لكنه خلاف قول الأصحاب كافة، وهو إحداث قول ثالث بعد الإجماع على قولين، ولو كان الأمر كما قاله في اليهود والنصارى .. لكان الوقف عليهم معصية، وهو خلاف ما قاله الأصحاب. ومحل الخلاف في الأغنياء: إذا خصهم بالوقف، فلو كان معهم غيرهم أو كانوا محصورين كوقفه على أغنياء أقاربه .. قال ابن الرفعة: فالذي يظهر الجزم بالصحة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضبط الزبيري في (المسكت) الغني في هذا الباب بالذي تحرم عليه الصدقة، إما لماله أو قوته أو كسبه، قال: وقد يكون الرجل غني بغنى غيره لا بنفسه كالولد بأبيه والمرأة بزوجها، فيقال لهم أغنياء لأجل كفايتهم. وعلى الأصح: لو ادعى شخص أنه غني .. لم يقبل إلا ببينة، بخلاف ما لو وقف على الفقراء فادعى أنه فقير ولم يعرف له مال .. فإنه يقبل بلا بينة. قلت: وكون الوقف على الأغنياء لا قربة فيه فيه نظر؛ لأنهم قد يعتبرون بذلك كما في (الصحيح) [خ1421 - م1022] في حديث: (لأتصدقن الليلة بصدقة): (فوقعت صدقته في يد غني) وفيه: (لعله يعتبر فينفق مما آتاه الله تعالى). فروع: يجوز الوقف على سبيل الله- وهم: المستحقون سهم الزكاة- وعلى سبيل الخير أو البر أو الثواب، ويصرف إلى أقارب الواقف، فإن لم يوجدوا .. فإلى أهل الزكاة. ولو جمع بين سبيل الله وسبيل الثواب وسبيل الخير .. صرف الثلث إلى الغزاة، والثلث إلى أقاربه، والثلث إلى الفقراء والمساكين والغرمين وابن السبيل وفي الرقاب. ويصح الوقف على أكفان الموتى ودفنهم ومؤنة الغسالين والحفارين وإن كان فرض كفاية، قال في (المطلب): الذي يظهر اختصاص ذلك بالفقراء، وقد تقدم في (الجنائز) عن (فتاوى ابن الصلاح): أنه لا يزاد في هذه الحالة على ثوب. ويصح على شراء الأواني والظروف ممن تكسر منه، وعلى المتفقهة- وهم:

وَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِلَفْظٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المشتغلون بتحصيل الفقه مبتدئهم ومنتهيهم- وعلى الفقهاء ويدخل فيه من حصل شيئاً وإن قل، قاله الرافعي. وقال القاضي: إذا وقف على الفقهاء .. يصرف إلى من يعرف من كل علم شيئاً، أما من تفقه شهراً أو شهرين .. فلا. والوقف على الصوفية .. قال الشيخ أبو محمد: لا يصح؛ إذ ليس للتصوف حد يعرف، والصحيح المعروف: صحته، وهم المشتغلون بالعبادة في أغلب الأوقات، المعرضون عن الدنيا، قال القاضي: لا من كان مشتغلاً بالأكل والرقص والسماع. وفي (فتاوى الغزالي): لابد في الصوفي من العدالة، فلو أتى بمعصية ترد بها الشهادة .. لم يجز له أخذ شيء من غلة الوقف. ولابد من ترك الحرفة، ولا بأس بالنسخ والخياطة وما يشبههما إن كان يتعاطى ذلك أحياناً في الرباط لا في الحانوت، ولا تقدح قدرته على الاكتساب والاشتغال بالوعظ والتدريس، ولا أن يكون له من المال قدر لا تجب فيه الزكاة، وتقدح فيه الثروة الظاهرة والعروض الكثيرة، ولابد أن يكون في زي القوم، إلا أن يكون مساكنهم في الرباط .. فتقوم المخالطة والمساكنة مقام الزي، ولا يشترط لبس المرقعة من يد شيخ، وكذا ذكره المتولي. والفقيه إذا كان على زيهم وأخلاقهم له النزول عندهم. وليس الجهل شرطا في التصوف، ولا يلتفت إلى قول بعض الحمقى: العلم حجاب، بل الحجاب: الجهل والعلم المذموم. قال: (ولا يصح إلا بلفظ) كالعتق وسائر التمليكات، ويخالف البيع حيث انعقد بالمعاطاة على وجه؛ لأن البيع كان في الجاهلية والشرع ورد بإباحته .. فجرى عليه،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والوقف لم يعهد .. فاتبع فيه ما ورد به الشرع. وعلم من هذا: أنه لو بنى مسجداً وأذن في الصلاة فيه .. لم يصر مسجداً، وكذا لو أذن في الدفن في ملكه .. لم يصر مقبرة عندنا خلافاً لأبي حنيفة، ويرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه حين بنى مسجده أنه تلفظ بوقفه، ولا عمر ولا عثمان حين وسعا المسجدين، وقال صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ...) الحديث، ويم يقل: وتلفظ بذلك، وقال في (البحر): إنها تصير وقفا فيما بينه وبين الله تعالى، فإن أخبره بأنه نواه .. لزمه في الحكم أيضاً. أما بالكتابة المجردة .. فلا يصح كما جزم به الرافعي في (باب الهدي)، والمتجه: الصحة مع النية كالوصية. هذا كله في الناطق، أما الأخرس .. فيصح بإشارته المفهمة كغيره من التبرعات، وإذا رأينا مسجداً يصلي الناس فيه .. فيستمر حكمه ولا يغير، لأنه في أيدي المسمين لذلك. واستثنى في (الكفاية) تبعاً للماوردي: إذا بنى مسجداً في الموات قاصداً به ذلك .. فإنه يصير مسجداً، ويقوم الفعل مع النية مقام اللفظ، ويزول ملكه عن الآلة بعد استقرارها في موضعها. وأجاب الشيخ بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجداً، وإنما احتيج إلى اللفظ؛ لإخراج ما كان في ملكه عنه، وأما البناء .. فصار له حكم المسجد تبعاً، ولو استقر .. لاعتبر اللفظ كما قال الروياني، فمن عمر مسجداً ولم يقف الآلة .. فهي عارية له الرجوع فيها متى شاء.

وَصَرِيحُهُ: وَقَفْتُ كَذَا أَوْ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ، وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ صَرِيحَانِ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتستثنى أراضي الفيء؛ فإنها تصير وقفاً بنفس الاستيلاء على ما قاله أبو حامد، وهو الأصح عند الماوردي. وما يؤخذ من الناس ليبنى به زاوية أو رباط؛ فإنه إذا بناه .. يصير وقفاً على الجهة التي أخذ لها كذا قاله الشيخ أو بمحمد. والشارع يصير وقفاً بالاستطراق من غير احتياج إلى لفظ كما قاله الإمام في (كتاب الصلح). قال: (وصريحه: وقفت كذا)؛ لأنه تكرر على ألسنة حملة الشرع، بل هو أشهر الألفاظ المستعملة في هذا الباب عرفا ولغة، وعن الإصطخري رواية غريبة أن لفظ الوقف ليس بصريح. قال: (أو أرضي موقوفة عليه) وكذا محتبسة أو مسبلة إن جعلناهما صريحين، وأشار بذلك إلى أنه لا يشترط فرق بين الفعل وما يشتق منه. قال: (والتحبيس والتسبيل صريحان على الصحيح)؛ لكثرة استمالهما واشتهارهما شرعاً وعرفاً، ففي حديث عمر: (حبس الأصل وسبل الثمرة) رواه الشافعي [1/ 308]. والثاني: أنهما كنايتان؛ لأنهما لم يشتهرا اشتهار الوقف. والثالث: التحبيس صريح والتسبيل كناية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بينهما في حديث؛ فإنه قال: (حبس الأصل وسبل الثمرة) والثمرة غير موقوفة بالإجماع. قال في (البسيط): وموضع الخلاف إذا اقتصر عليه، فلو أكده بالمصدر فقال:

وَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْتُ بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةٍ أَوْ مَوْقُوفَةً أَوْ لاَ تُبَاعُ وَلاَ تُوهَبُ .. فَصَرِيحٌ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ حبسته تحبيساً مؤبداً محرماً .. فلا خلاف في الصراحة. فجميع ما في ذلك أربعة أوجه: الجميع صريح، الجميع كناية، الصريح الوقف وحده، الكناية التسبيل وحده. قال الشيخ: فينبغي لمن كتب كتاب وقف وأشهد به أن يضم إلى ألفاظ الواقف إقراره بالنية؛ ليخرج من الخلاف ويقطع بصحة الوقف، قال: والألفاظ المذكورة في هذا الباب: الوقف والتحبيس والتسبيل والتحريم والتأبيد والصدقة، فهذه ستة ألفاظ وأصلها الصدقة، ولكنها لما اشتركت بينه وبين غيره .. تأخرت عن رتبة الصريح، وصار أعلى المراتب لفظ الوقف، ودونه التحبيس، ودونه التسبيل، ودونهما التحريم والتأبيد، ودونهما الصدقة. وجاء في هذا الباب نوع غريب لم يأت مثله إلا قليلاً وهو: انقسام الصريح إلى ما هو صريح بنفسه وإلى ما هو صريح مع غيره. ويخرج من كلام الرافعي وجه: أنه ليس لنا لفظ صريح في هذا الباب، وهو عند انفراد لفظة أو لفظتين صحيح، وأما لو اجتمعت ألفاظ كثيرة بحيث يقطع بالمراد .. فكيف لا تمكن صراحته؟ والصريح ما دل على معنى لا يحتمل غيره، والألفاظ إذا اجتمعت .. أفادت ذلك، فلا وجه للتردد في صراحتها وثبوت الحكم بها. قال: (ولو قال: تصدقت بكذا صدقة محرمة أو موقوفة أو لا تباع ولا توهب .. فصريح في الأصح)؛ لانصرافه بهذا عن التملك المحض. والثاني: أنه كناية؛ لأنه صريح في التملك المحض المخالف لمقصود الوقف. والثالث: أنه تمليك في قوله: (صدقة محرمة) دون ما إذا قيد بأنها لا تباع ولا توهب. فتلخص أن الصريح بنفسه ثلاثة: الوقف والتسبيل والتحبيس، وغيرها لا يكون صريحاً إلا أن ينضم إليه غيره، لكن لفظ التحريم كناية على الصحيح. والقاعدة: أن الكناية لا تصير صريحة بانضمامها إلى كناية أخرى كما لو قال:

وَقَوْلُهُ: تَصَدَّقْتُ فَقَطْ .. لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَإِنْ نَوَى، إِلاَّ أَنْ يُضِيفَهُ إِلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَيَنْويَ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ قَوْلَهُ: حَرَّمْتُهُ أَوْ أَبَّدْتُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنت خلية برية .. لا تطلق بغيرنية، فكيف جعلوه هنا صريحاً؟ وأجاب المصنف عنه في (نكت التنبيه) بأنه إذا قال: صدقة محرمة .. لم يفهم منه غير الوقف. واستشكل الشيخ حكاية المصنف الوجهين في صدقة موقوفة، مع أنه جزم بصراحة لفظ الوقف، فكيف إذا اجتمع مع غيره؟ يأتي في خلاف فضلاً عن قوته. قال: ولعله تحريف من ناقل، ويكون مكان (موقوفة): مؤبدة كما عبر به الشافعي والجمهور. قال: (وقوله: تصدقت فقط ليس بصريح وإن نوى)؛ لتردد اللفظ بين صدقة لفرض والتطوع والوقف؛ لأن هذا اللفظ صريح في غير الوقف فلا يكون كناية فيه. قال: (إلا أن يضيفه إلى جهة عامة) مثل تصدقت على الفقراء أو الغزاة، فإن أضافه إلى جهة خاصة كتصدقت عليك أو عليكم .. لا يكون وقفاً على الصحيح؛ لأن اللفظ لا إشعار له بذلك، وكل لفظ جعلناه كناية فيه إذا نوى به الوقف .. صار وقفاً في الباطن، فلو ادعى المتصدق عليه الوقفية، فإن صدقه .. ثبت ظاهراً أيضاً، وإن كذبه .. صدق بيمينه؛ لأنه أعرف بنيته. هذا كله بالنسبة إلى الظاهر، أما في الباطن .. فيصير وقفاً بينه وبين الله كما تقدم. قال: (وينوي)؛ لأن النية مع الكناية كالصريح، كذا قالوه، والصواب: أن إضافته إلى الجهة صيرته كالكناية حتى يعمل فيه بالنية، فإذا لم ينو .. لم يكن كناية قطعاً. قال: (والأصح: أن قوله: حرمته أو أبدته ليس بصريح) بل هو كناية على المذهب؛ لأنهما لا يستعملان مستقلين، وإنما يؤكد بهما، فإذا أفردا .. لم يكن

وَأَنَّ قَوْلَهُ: جَعَلْتُ الْبُقْعَةَ مَسْجِداً تَصِيرُ بِهِ مَسْجِداً، ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى مستفاداً منهما؛ لعدم صلاحيتهما للاستقلال، فلو جمع بينهما فقال حرمته وأبدته .. ازدادت قوة الكناية، ولكنها لا تبلغ حد الصريح. هذا إذا قلنا بصراحة الوقف والتسبيل والتحبيس، فإن قلنا: كناية .. فهذان أولى. والثاني: أنهما صريحان؛ لإفادتهما الغرض كالتحبيس والتسبيل. قال الشيخ: وصورة المسألة أن يقول: حرمتها للمساكين، فلو قال: حرمتها عليهم .. انعكس المعنى. وعلم من كان المصنف: أنه لا يشترط في صحة الوقف أن يقول: أخرجته عن ملكي، وفي اشتراط ذلك في (اللباب) وجهان، وكلام الشافعي في (الأم) - حيث أملي نسخة-: الوقف، وفيها: (وأخرجته عن ملكي يقتضي الاشتراط) وهو غريب. قال: (وأن قوله: جعلت البقعة مسجداً تصير به مسجداً) وإن لم يقل: وقفتها، ولم يذكر شيئاً من الألفاظ السابقة لإشعار ذلك بالمقصود واشتهاره، ولأن المسجد لا يكون إلا وقفاً فأغنى لفظه عن لفظ الوقف، وأشار المصنف بذلك إلى أنه صريح فيه. والثاني: لا يصير؛ لأنه وصفه بما هو موصوف به، قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا) وهذا عليه الجمهور، وبه قطع القفال والأستاذ أبو طاهر والقاضي حسين والبغوي والمتولي والخوارزمي. قال ابن الرفعة: ومحل الخلاف إذا خلا عن نية الوقفية، أما إذا نوى بذلك الوقف .. فإنها تصير مسجداً، وكذا لو قال: وقفت هذه البقعة لصلاة المسلمين .. صارت مسجداً، ومحله أيضاً إذا لم يقل مع ذلك: لله، فإن قال: جعلتها مسجداً لله .. صح جزماً.

وَأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقتضى كلام الإمام أن الخلاف يجري فيه. وأشار بقوله: (تصير به مسجداً) إلى أنه يصير مسجداً بنفس اللفظ من غير احتياج إلى نية، وليس هذه في (المحرر). قال: (وأن الوقف على معين) كزيد أو جماعة معينين (يشترط فيه القبول)؛ لأنه يبعد دخول عين أو منفعة في ملك شخص من غير رضاه، وعلى هذا: فليكن متصلاً بالإيجاب كالبيع والهبة. والثاني: لا يشترط، واستحقاقه المنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه بالإعتاق، وهذا هو المنصوص في غير موضع، وهو اختيار جمهور العراقيين وخلائق، وهو الصواب المفتى به، وهو الراجح في (الروضة) في (كتاب السرقة)، والقائلون به اشترطوا عدم الرد كما سيأتي. وإذا شرطنا القبول، فإن كان الموقوف عليه من أهله .. تولاه، وإن لم يكن كالصبي والمجنون .. تولاه وليه، وإن كان الواقف الأب أو الجد .. فالحكم في القبول كالحكم في قبول البيع والهبة. قال ابن الصلاح في (فتاويه): فلو بلغ بعد قبول الولي ورد .. لم يرتد برده. واحترز بـ (المعين) عن الجهة العامة كالوقف على الفقراء، وعن جهة التحرير كالوقف على المسجد والرباط؛ فإنه لا يشترط القبول جزماً لعدم الإمكان، ولم يجعلوا الحاكم نائباً عنهم في القبول كنيابته عن سائر المسلمين في استيفاء القصاص والأموال، قال الرافعي: ولو صاروا إليه .. لكان قريباً. وأجاب الشيخ بأن استيفاء القصاص والأموال لابد لها من مباشر، فلذلك جعل الحاكم نائباً فيه، بخلاف هذا. قال: ولو استدل بأن الله تعالى يأخذ الصدقات والوقف منها .. لكان من أحسن الاستدلال.

وَلَوْ رَدَّ .. بَطَلَ حَقَّهُ شَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لاَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وشملت عبارة المصنف البطن الثاني ومن بعدهم إذا قلنا: إنهم يتلقونه من الواقف وهو الأصح، لكن في (الروضة): أن الإمام والغزالي نقلا أنه لا يشترط قبولهم قطعاً، والذي في (النهاية) و (البسيط) طرد الخلاف، وقال الرافعي: إنه الأحسن بناء على أنهم ممن يتلقون، ومقتضى ذلك ترجيح الاشتراط، والصحيح خلافه كما هو مقتضى البناء. فرع: قال: جعلت هذا للمسجد .. فهو تمليك لا وقف، فيشترط فيه قبول القيم وقبضه كالهبة للصبي. قال: (ولو رد .. بطل حقه شرطنا القبول أم لا) كالوصية والوكالة، وادعى الإمام الاتفاق عليه، وشذ البغوي فقال: لا يبطل كالعتق، فلو قال: على زيد ثم الفقراء فرد زيد .. كان في حق الفقراء منقطع الأول، والصحيح بطلانه في حقهم، ووقع في (تصحيح التنبيه): أنه صحيح في حقهم، والمعروف الأول، وعلى المذهب: لو رده ثم رجع .. قال الروياني: إن رجع قبل الحكم برده إلى غريه .. كان له، أو بعده .. بطل حقه. ثم إذا قلنا باشتراط القبول فهل يشترط القبض؟ المشهور المنصوص في (المختصر) و (الأم): أنه لا يشترط؛ لما روى البيهقي [6/ 162] عن ابن مسعود أنه قال (فرغ من أربع: الخلق والخلق والرزق والأجل، فليس أحد أكسب من أحد). والصدقة جائزة قبضت أم لم تقبض. والثاني: لا يتم إلا بالقبض كالهبة، وحكاه ابن يونس وجهاً.

وَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هّذا سَنَةٍ .. فَبَاطِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: وقفت هذا سنة .. فباطل)، لما أنهى الكلام في الأركان الأربعة .. شرع يتكلم في الشروط، وهي أربعة أيضاً. الأول: التأبيد؛ بأن يقف على من لا ينقرض كالفقراء والمساكين، أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض كقوله: وقفت على ولدي ثم على الفقراء، أو على زيد ثم عقبه ثم الفقراء والمساجد والربط والقناطر، فإن عين مساجد وقناطر .. فوجهان، وفي معنى الفقراء: العلماء على الأصح، وفي (فتاوى القفال) خلافه؛ لأنهم قد ينقطعون، فإن أقت .. بطل، وقال ابن سريج: يصح وينتهي بانتهاء المدة، وادعى الجيلي: أنه أصح في أكثر الكتب. قال الإمام: وحقيقة هذا أنه عارية لازمة، وبالغ في تزييفه وقال: لا يحل الاعتداد به، ولا يسوغ إلحاقه بالوجوه الضعيفة. والثالث: يلغى التأقيت ويصح الوقف مؤبداً، وهذا نظير ما إذا قال: (أعمرتك هذه الدار مدة عمري) على رأي. والرابع: أن الوقف الذي لا يشترط فيه القبول لا يفسد بالتأقيت كالعتق، والذي يشترط فيه يفسد به. كل هذا في التأقيت الصريح، أما الضمني- وهو منقطع الآخر والوسط- فالمذهب صحته. قال الشيخ: قوله: وقفته سنة .. فيه تأقيت فقط، وقوله: وقفته على زيد سنة، وسكت .. فيه تأقيت وسكوت عن المصرف، فللبطلان سببان، فإن ذكر مصرفاً؛ بأن قال: على زيد سنة وبعدها على الفقراء .. صح بلا خلاف؛ لوجود الدوام كما أشار إليه ابن الصباغ وصاحب (الكافي) وغيرهما. هذا فيما لا يضاهي التحرير، أما ما يضاهيه كقوله: جعلته مسجداً سنة .. فظاهر

وَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلاَدِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ .. فَالأَظْهَرُ: صِحَّةُ الْوَقْفِ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْمَذْكُورُ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَبْقَى وَقْفًا، وَأَنَّ مَصْرِفَهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَذِكُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إطلاقهم: أنه كذلك، لكن نقل الإمام عن المذهب: أنه لا يبطل بالتأقيت، بل يتأبد كما لو ذكر فيه شرطاً فاسداً. ومقتضى إطلاقهم: أنه لا فرق بين المدة الطويلة والقصيرة، ويمكن أن يقال: إن التأقيت بما لا يحتمل بقاء الدنيا إليه كألف سنة يصح؛ لأن القصد منه التأبيد لا حقيقة التأقيت. قال: (ولو قال: وقفت على أولادي أو على زيد ثم نسله ولم يزد .. فالأظهر: صحة الوقف)؛ لأن مقصوده القرة والدوام، فإذا بين مصرفه ابتداء .. سهلت إدامته على وجه الخير، وهذا يسمى منقطع الآخر، وبصحته قال مالك وأحمد وأبو يوسف. والثاني: أنه بطل كما لو جعله لغير مالك أو لم يجعل له سبيلا في الابتداء، ورجحه الإمام والغزالي، وبه قال محمد بن الحسن؛ لأن شرط الوقف التأبيد ولم يؤبده، فهو كما لو قال: وقفته سنة. والثالث: إن كان حيواناً .. صح؛ إذ مصيره إلى الهلاك، بخلاف العقار. قال: (فإذا انقرض المذكور .. فالأصح: أنه يبقى وقفاً)؛ لأن وضع الوقف الدوام كالعتق، ولأنه صرفه عنه فلا يعود كما لو نذر هدياً إلى مكة فلم يقبله فقراؤها. والثاني: يرتفع الوقف ويعود ملكاً للواقف إن كان موجوداً، أو إلى ورثته حتى الزوجة إن كان قد مات؛ لأن إبقاء الوقف بلا مصرف متعذر، وإثبات مصرف لم يتعرض له الواقف بعيد فتعين ارتفاعه. قال: (وأن مصرفه أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور)؛ لأن أفضل القربات صلة القرابات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استشكل هذا بالزكاة وسائر المصارف الواجبة عليه شرعاً؛ فإنه لا يتعين صرفها ولا صرف بعضها إلى الأقارب. وأجيب: بأن الأقارب حث الشرع عليهم في حبس الوقف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: (أرى أن تجعلها في الأقربين) فجعلها أبو طلحة في أقاربه. ويقابل الأظهر ثلاثة أقوال: أحدها: تصرف إلى المساكين؛ لأن أمر الوقف يؤول إليهم. والثاني: إلى المصارف العامة مصارف خمس الخمس. والثالث: إلى مستحقي الزكاة غير العاملين، ويحتمل أن تسثنى المؤلفة والغارم، ومال الشيخ إلى أنه لا يستثنى ذلك؛ فإن الآية عامة ولا عمدة أقوى منها. وحكى ابن داوود قولاً: إنه صرف إلى جيران الواقف، والصواب: أن الخلاف أربعة أوجه كما في (الروضة)، قال الإمام: ولعلها من تخريجات ابن سريج. قال الشيخ: وإنما يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف إذا كان الواقف مالكاً مستقلاً، فلو وقف الإمام من بيت المال على بني فلان فانقرضوا .. صرف في المصالح ولا يصرف إلى أقارب الإمام، وهي مسألة مهمة، كثيراً ما تقع في الفتاوى. فروع: إذا لم يكن له أقارب أو كانوا وانقرضوا أو كانوا أغنياء كلهم .. قال سليم وابن الصباغ والمتولي: عاد إلى الفقراء والمساكين. والمنصوص في (البويطي) - وهو الأظهر-: أن الإمام يجعله حبساً على سائر

وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي .. فَالْمَذْهَبُ: بُطْلاَنُةُ، أَوْ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلاَدِي ثُمَّ رَجُلٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ .. فالْمَذْهَبُ: صِحَّتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين يضع غلته في مصالحهم. ثم المراد بـ (الأقرب): الأقرب رحماً، حتى يقدم ابن البنت على ابن العم، وقيل: الأقرب باعتبار الإرث، وقيل: النظر إلى أقرب الجوار من أقاربه، حكاه القاضي عن ابن سريج. وإذا اجتمع قرابات .. فالقول في الأقرب كما في الوصية للأقرب، وهل يختص الفقراء بالصرف إليهم أو يشترك فيه الأغنياء والفقراء؟ وجهان: الأصح: الاختصاص، نص عليه في (حرملة)؛ لأن القصد القربة. والثاني- وهو ظاهر نص (المختصر) -: لا اختصاص. وإذا قلنا: مصرفه المساكين، فهل المراد مساكين بلد الواقف أو بلد الوقف؟ الظاهر: بلد العين الموقوفة قياساً على زكاة المال. قال: (ولو كان الوقف منقطع الأول كوقفته على من سيولد لي) أي: ثم على الفقراء، وإلا .. كان منقطع الأول والآخر. قال: (.. فالمذهب: بطلانه)؛ لعدم إمكان الصرف، لأنه لم يجد مستحقاً وابتداء صحيحاً يبني عليه، ومثله الوقف على مسجد سيبنى. والطريق الثاني: قولان: ثانيهما: الصحة؛ لأن الأول لما بطل .. صار كالمعدوم، وصار الثاني كالمبتدأ به، ثم يصير وقفاً على من يصح الوقف عليه، وليس في (الشرح) ولا في (الروضة) تصحيح لواحدة من الطريقتين، لكن في (المطلب): أن الطريقة الأولى- وهي طريقة القطع- أرجح عند الأكثرين. قال: (أو منقطع الوسط) بفتح السين (كوقفت على أولادي ثم رجل ثم الفقراء .. فالمذهب: صحته)؛ لوجود المصرف في الحال والمآل، وقيل: فيه

وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى: وقَفْتُ .. فَالأَظْهَرُ: بُطْلاَنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ القولان في منقطع الآخر أظهرهما: الصحة، والخلاف مرتب على منقطع الآخر، فإن صححناه .. فهذا أولى، وإلا .. فوجهان: أصحهما: الجواز، وهل يصرف عند توسط الانقطاع إلى أقرب الناس إلى الواقف أو المساكين أو المصالح العامة؟ فيه الخلاف السابق. قال: (ولو اقتصر على) قوله: (وقفت) أي: كذا ولم يذكر مصرفه (.. فالأظهر: بطلانه)؛ لأن الوقف يقتضي التمليك، فإذا لم يعين المالك .. بطل كما لو قال: بعت ثوبي لعشرة ولم يقل لزيد، ولأن جهالة المصرف مبطلة فعدم ذكرها أولى. الثاني: يصح كما لو قال: لله علي أن أتصدق بهذا ولم يعين، وإلى هذا ذهب مالك وأحمد، واختاره الشيخ أبو حامد وأصحاب (المهذب) و (الشامل) و (البحر) وابن أبي عصرون والشيخ؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة كالأضحية، ولأن المالك هو الله، ولحديث أبي طلحة وأبي الدحداح رضي الله عنهما، وكما لو قال: أوصيت بثلث مالي واقتصر عليه .. فإنه يصح ويصرف للفقراء لا جرم. واستشكل الرافعي الفرق، وفرق بينهن في (الروضة) بأن غالب الوصايا للمساكين فحمل الإطلاق عليه، بخلاف الوقف، ولأن الوصية مبنية على المساهلة فتصح بالمجهول والنجس وغير ذلك، بخلاف الوقف. وادعى ابن الرفعة أن المتولي حكى الخلاف المذكور في الوصية، وعلى الصحة في مصرفه الأوجه المتقدمة: أصحها: أقرب الناس إلى الواقف، وينبغي أن يكون الخلاف إذا لم يقل: لله، فإن قال لله .. صح قطعاً، ثم يرجع إليه في بيان المصرف، ويكفي بيان المصرف إجمالاً، فلو قال: وقفت على مسجد كذا .. صح، وصرف إلى مصالحه عند الجمهور. وقال القفال: لا يصح ما لم يبين الجهة فيقول: (على عمارته) ونحوه، وقال

وَلاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إِذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْتُ. وَلَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ .. بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو علي: يراجع، فإن قال: أردت الصرف في مصلحته .. صح تمليكه، وإن لم ينو شيئاً .. فلا، ولو قال: وقفت كذا على ما يشاء زيد أو في ما شاء الله .. لم يصح. قال الشيخ: والبطلان في الصورة الأولى ظاهر؛ للجهالة، وفي الثانية ينبغي أن تكون كما إذا قال: وقفت، وسكت عن السبل .. فيصح عند من صححه، ولو قال: وقفت كذا على جميع الناس أو على جميع الخلق أو على كل شيء .. قال الماوردي: إنه باطل، ونازعه الشيخ فيه، ومال إلى الصحة؛ لأن الإسلام جهة اعتبرها الشرع في الإرث والعقل وغيرهما، والمساجد موقوفة على جميع المسلمين. قال: (ولا يجوز تعليقه كقوله: إذا جاء زيد .. فقد وقفت)؛ لأنه عقد يقتضي نقل الملك في الحال فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والهبة، ومنهم من خرجه على الخلاف في منقطع الأول وأولى بالفساد، لكن يستثنى من ذلك التعليق بالموت، فإذا قال: وقفت داري على المساكين بعد موتي .. ففيها أفتى الأستاذ أبو إسحاق بصحة الوقف كعتق المدبر، ووافقه أئمة زمانه، وقال الإمام: هذا تعليق، وهو أولى منه بالإبطال. وصحح الرافعي: أنها وصية؛ لقول القفال في (فتاويه): لو عرضها على البيع .. كان رجوعاً، وإليه يشير كلام المتولي، وعلى هذا: فلا استثناء. أما لو نجز الوقف وعلق الإعطاء إلى الموقوف عليه بالموت .. فإنه يجوز كالوكالة، كذا قاله صاحب (البيان) تبعاً للقاضي حسين. قال: (ولو وقف بشرط الخيار .. بطل على الصحيح) ومثله بشرط أن يبيعه أو يرجع فيه متى شاء؛ لأن مقتضى الوقف اللزوم، والخيار ينافي ذلك، فيفسد بهذا الشرط. والثاني: يصح الوقف ويبطل الشرط؛ لحديث العمرى فإنه صلى الله عليه وسلم

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُؤَجَّرَ .. اتَّبعَ شَرْطُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلها للذي أعمرها في حياته ولورثته من بعد موته، فأزال ملك المعمر وأبطل شرطه، وكان الصواب أن يعبر بالأظهر؛ فإن الخلاف قولان في (البويطي)، ومحلهما: إذا لم يحكم حاكم بصحة الوقف، فإن حكم به .. صح بلا خلاف وأمضي كما قاله ابن كج. أما إذا وقف وشرط لنفسه أن يحرم من شاء ويزيد من شاء أو يقدم أو يؤخر .. فالشرط فاسد في الأصح إذا أنشأ الوقف بهذا الشرط، فلو أطلقه ثم أراد أن يغير ما ذكره بحرمان أو زيادة أو تقديم أو تأخير .. فليس له ذلك قطعاً. قال: (والأصح: أنه إذا وقف بشرط أن لا يؤجر .. اتبع شرطه) كسائر الشروط. والثاني: لا؛ لأنه حجر على المستحق في المنفعة. والثالث: إن منع الزيادة على سنة .. اتبع؛ لأنه من مصالحه، وإن منع مطلقاً .. فلا، فلو شرط أن لا يؤجر من متجوه أو ظالم أو نحو ذلك مما يكتب في كتب الأوقاف .. فإنه يتبع جزماً. قال الرافعي: وإذا فسد بالشرط .. فالقياس: فساد الوقف، وعن العبادي ما يقتضي عدم فساده، وناقشه المصنف في ذلك. وإذا قلنا بالأصح وهو: أنه يتبع شرطه في عدم الإيجار، وكان الوقف على جماعة تهايؤوا في السكن واقترعوا بينهم، فلو كان الموقوف عبداً أو حيواناً .. فنفقته على من هو في يده. ولو شرط الواقف أن لا يعار .. اتبع شرطه، وإن سكت عنه .. جازت الإعارة؛ لأن من ملك منفعة ملك إعارتها.

وَأَنَّهُ إِذَا شَرَطَ فِي وَقْفِ مَسْجِدٍ اخْتِصَاصَهُ بِطَائِفَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ .. اخْتُصَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول القفال فيمن وقف داراً على سكنى معلم صبيان القرية: ليس له إسكان غيره .. فيه وقفة؛ فنص الشافعي يدل على خلافه. قال الشيخ: ولا بأس بموافقته إذا اقتضاه عرف، فأما بيت المدرس وشيخ الرباط .. فقد رأينا الناس يتسامحون في إعارة ذلك، فإذا اقتضاه العرف ولم يفت به غرض الواقف .. فلا بأس. قال: وبلغني أن المصنف رحمه الله لما ولي دار الحديث بدمشق وبها قاعة للشيخ .. لم يسكنها وأسكنها غيره. فرع: سبق في (الإجارة): أنه لو شرط أن لا يؤجر إلا ثلاث سنين، فأجره الناظر ثلاثاً في عقد وثلاثا في عقد قبل مضي المدة الأولى .. عن ابن الصلاح: أنه لا يصح الثاني إلا إذا خرب ولم تمكن عمارته إلا بإيجار سنين، فإنه أفتى بجواز إجارته سنين في عقود متفرقة؛ لأن إتباع شرط الواقف في ذلك يؤدي إلى مخالفة مصلحة الوقف، وبذلك أفتى ابن رزين وجماعة من علماء عصره، ووافقهم الشيخ، والذي اعتقده عدم جواز ذلك؛ فقد رأيت بمكة وغيرها أوقافاً استؤجرت كذلك فتملكها أولاد مستأجريها وعرفت بهم، وخرجت عن مسمى الوقف. قال: (وأنه إذا شرط في وقف مسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية .. اختص)؛ رعاية لغرضه، وإتباعًا لشرطه، وقطعاً للنزاع في الشعائر، فلا يصلي فيه ولا يعتكف غيرهم، وما دام واحد منهم موجوداً .. فله منع الغير منه، لكن صرح القاضي في (كتاب الجزية) بكراهة ذلك.

كَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يختص ولا يتبع شرطه؛ لأن جعل البقعة مسجداً كالتحرير فلا معنى لاختصاصه بجماعة، وصححه الإمام والغزالي والشيخ؛ لقوله تعالى: {وأن المسجد لله}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن المساجد لم تبن لهذا، إنما بنيت لذكر الله والصلاة عامة). فعلى هذا: قال المتولي: يفسد الوقف بفساد الشرط، وقال الإمام: لا يفسد؛ إذ لا أثر للشروط الفاسدة في التحرير. وعبر في (المحرر) بـ (أصحاب الحديث)، والمراد بهم: الفقهاء الشافعية، فصرح بهم المصنف، كما أن المراد بأصحاب الرأي: الفقهاء الحنفية، وهذا عرف خراسان. وقال في (المطلب): سمعت بعض الفضلاء يقول: أصحاب الحديث: الشافعية والمالكية والحنابلة، وأصحاب الرأي: أصحاب أبي حنيفة فقط. قال الشيخ: وأما قولهم في (كتاب الأقضية): علماء الفريقين .. فالمراد: الفقهاء والمحدثون. قال: (كالمدرسة والرباط)؛ فإنه يختص بهم بلا خلاف وإن كانا قد ألحقا بالمسجد في التحرير. والفرق: أن النفع هنا عائد عليهم، بخلافه في المسجد؛ فإن صلاتهم في ذلك المسجد وغيره سواء. ولو جعل البقعة مقبرة وخصها بطائفة .. فطريقان: أحدهما: أنها كالمسجد. والثانية: تختص قطعاً وهو الأصح؛ لأن المقابر للأموات كالمساكن للأحياء. ولو وقف المسلم أرضه مقبرة .. دفن فيها المسلم دون الكافر، كذا قاله الإمام.

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا .. فَالأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: أَنَّ نَصِيبَهُ يُصْرَفُ إِلَى الآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو وقف على شخصين ثم الفقراء فمات أحدهما .. فالأصح المنصوص: أن نصيبه يصرف إلى الآخر)؛ لأن انتقاله إلى الفقراء مشروط بانقراضهما ولم يوجد، فإذا امتنع الصرف إليهم .. فالصرف إلى من ذكره الواقف أولى. والثاني- وبه أفتى القاضي حسين-: يصرف إلى الفقراء، كما أن نصيبهما إذا انقرضا يكون لهم. قال الرافعي: والقياس أن يجعل الوقف في نصيبه منقطع الوسط، ولا يصرف إلى صاحبه ولا إلى المساكين، ومعناه: أن مصرفه في هذه الحالة مصرف منقطع الوسط، وهذا وجه منسوب للسرخسي. تتمة: محل ما ذكره المصنف ما إذا لم يذكر بينهما ترتيباً، فلو وقف على زيد ثم على عمرو ثم على بكر ثم على الفقراء، فمات عمرو قبل زيد، ثم مات زيد .. قال الماوردي والروياني: لا شيء لبكر، وينتقل الوقف من زيد إلى الفقراء، وأفتى القاضي والبغوي بصرفه إلى بكر، كما إذا وقفه على ولده ثم على ولد ولده ثم على الفقراء فمات ولد الولد ثم الولد .. يرجع إلى الفقراء. ولو وقف على فلان وفلان ما عاشا فمات أحدهما .. انقطع حقه وحق الثاني. ولو قال: هاتان النخلتان وقف على فلان ما حملتا فانقطع حمل إحداهما .. انقطع حق الموقوف عليه. ولو وقف على اثنين ولم يبين من يصرف إليه من بعدهما- وقلنا بصحة وقف منقطع الآخر- فمات أحدهما، فهل يكون نصيبه للآخر أو يكون لمن يصرف إليه نصيباهما إذا ماتا؟ فيه هذا الخلاف، هذه عبارة (الجواهر)، وعبارة (الشرح) و (الروضة):

فصل

فَصْلٌ: قَوْلُهُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلاَدِي وَأَوْلاَدِ أَوْلاَدِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه وجهان، قال الشيخ: وينبغي أن يكون أصحهما: أنه للآخر، لكن هل هو منقطع الوسط أو منقطع الآخر؟ لا تظهر لذلك فائدة علمية. قال: (فصل): عقده لبيان أحكام الوقف الصحيح، وهي لفظية ومعنوية، فذكر في هذا الفصل اللفظية وفي الذي بعده المعنوية، والأصل فيها: أن شروط الواقف شرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف ويناقضه، وعلى ذلك جرت أوقاف الصحابة، فعمر شرط في الأرض التي وقفها أن لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، وأن تليها حفصة في حياتها وبعدها ذوو الرأي من أهلها، رواه أبو داوود [2871]، وفاطمة وقفت لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفقراء بني هاشم وبني المطلب، رواه الشافعي في (مسنده) [1/ 309]. قال: (قوله: وقفت على أولادي وأولاد أولادي يقتضي التسوية بين الكل) في أصل الإعطاء والمقدار باتفاق الأصحاب؛ لأن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الأحكام. وقال ابن الرفعة: ينبغي إذا قيل: الواو للترتيب .. أن يقدم الأولاد على أولاد الأولاد، ولم يذكروه. وأدخل المصنف الألف واللام على (كل)، والجمهور على منعه، وأجازه الأخفش والفارسي، واستعمله الزجاجي في (الجمل).

وَكَذَا لَوْ زَادَ: مَا تَنَاسَلُوا، أَوْ بَطْناً بَعْدَ بَطْنٍ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلاَدِي ثُمَّ أَوْلاَدِ أَوْلاَدِي ثُمَّ أَوْلاَدِهِمْ مَا تَنَاسَلْوا، أَوْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا لو زاد: ما تناسلوا) فيقتضي التسوية بين الجميع كقوله وإن سفلوا، وإن قال: وقفت على نسلي .. استغنى عن قوله: (ما تناسلوا)، وهذا أيضاً لا خلاف فيه، والضمير في (تناسلوا) للأولاد؛ أي: هم وأنسالهم على سبيل المجاز؛ ليفيده فائدة زائدة. قال: (أو بطنا بعد بطن) فحكمه التسوية بين الجميع حملاً على التعميم، هذا هو الصحيح عند الشيخين تبعاً للفوراني والبغوي، ونقلاً عن أبي طاهر الزيادي أن قوله: (بطناً بعد بطن) يقتضي الترتيب كما لو قال: الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب، وقطع به الإمام والغزالي والماوردي والبندنيجي ومجلي وصاحب (التعجيز) وجمهور الأصحاب، وأيضاً الرافعي والمصنف قد جزما في: (الأعلى فالأعلى) بأنه للترتيب، وعلى هذا: هنا هو ترتيب بين البطنين فقط، فإذا انقرض الأول .. كان للثاني، ثم ليس لأولادهم شيء، بل إن ذكر مصرفاً آخر .. صرف إليه، وإلا .. كان منقطع الآخر، كذا نبه عليه الشيخ، وهو حسن. ولو قال: نسلاً بعد نسل .. فهو كقوله: بطناً بعد بطن، فلو جمع بين اللفظين فقال: بطناً بعد بطن ونسلاً بعد نسل .. ففيه وجهان: أحدهما- أفتى به الأستاذ أبو طاهر الزيادي والقاضي حسين-: أنه للترتيب، وهو الظاهر. والثاني: أنه ليس للترتيب، قاله أبو عاصم العبادي والفوراني، وجعلا معناه معنى ما تناسلوا، ولم يذكر الشيخان هذه الصورة. وانتصب قوله: (بطنا) على الحال؛ أي: مترتبين كقوله ادخلوا الأول فالأول. وقوله: (بعد بطن) ظرف لمحذوف؛ أي: كائناً بعد بطن. قال: (ولو قال: على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا، أو على

أَوْلاَدِي وَأَوْلاَدِ أَوْلاَدِي الأَعْلَى فالأَعْلَى أَوِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ .. فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ. وَلاَ يَدْخُلُ أُوْلاَدُ الأَوْلاَدِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الأَوْلاَدِ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أولادي وأولاد أولادي الأعلى فالأعلى أو الأول فالأول .. فهو للترتيب)؛ لدلالة اللفظ عليه بـ (ثم) في الأولى، وبتصريحه به في الثانية، قال في (الروضة): ومراعاة الترتيب لا تنتهي عند البطن الثالث والرابع، بل يعتبر الترتيب في جميع البطون، فلا يصرف إلى بطن وهناك أحد من بطن أقرب منه، صرح به البغوي وغيره. وفي الأولى وجه ضعيف بعيد: أنه لمطلق الجمع، وهل يقسم بين الأولاد كالإرث أو يسوى بين الذكر والأنثى كالهبة؟ الأقرب: الثاني. وضبط المصنف (الأول فالأول) بكسر اللام، ويجوز فيه الفتح أيضا: فالكسر: إما على البدل وإما على إضمار فعل؛ أي: وقفته على الأول فالأول، والفتح: إما على الحال، والألف واللام قيل: زائدة، وقيل: معرفة، وإما على أنه شبه بالمفعول. قال: (ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصح)؛ لأن اسم الولد حقيقة لا يطلق إلا على أولاد الصلب، ولهذا ينتظم أن يقال: ليس هذا ولده وإنما هو ولد ولده. والثاني: يدخل؛ لقوله تعالى: {يبني ءادم}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد). والثالث: يدخل أولاد البنين دون أولاد البنات؛ لصحة الانتساب، ولذلك قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب). ومأخذ الخلاف: أن إطلاق لفظ الولد عليهم هل هو حقيقة أو مجاز؟ والأصح: الثاني. فإن قيل: كان ينبغي ترجيح الدخول على قاعدة الشافعي في حمل اللفظ على حقيقته ومجازه كما سيأتي في الوقف على الموالي حيث حمل اللفظ على الأعلى والأسفل .. فالجواب: أن ذلك حيث لا تترجح الحقيقة، وهنا ترجحت بالاشتهار. وهذا الخلاف عند الإطلاق، فإن أراد الجمع .. دخل أولاد الأولاد قطعاً، فإن لم يكن له إلا أولا أولاد .. استحقوا؛ صيانة للكلام عن الإلغاء، وأجرى صاحب (التعجيز) فيه الخلاف المتقدم. وقد يقترن باللفظ ما يقتضي الجزم بخروجهم كقوله: وقفت على أولادي لصلبي أو على أولادي، فإذا انقرضوا .. فلأحفادي الثلث، والباقي للفقراء. ولو وقف على أولاده وأولاد أولاده .. في دخول أولاد الأولاد الخلاف. ولو قال: على أولادي وليس له إلا ولد واحد .. اختص به على المذهب. وأجرى في (المطلب) في (باب ما يحرم من النكاح) الخلاف فيما إذا قال: على أمهاتي، هل يتناول الجدات؟ ولو كان أحدهم حملاً عند الوقف هل يدخل حتى يوقف له شيء؟ حكى المتولي وجهين. أحدهما: نعم كما في الميراث، ويستحقون الغلة لمدة الحمل، واختاره الشيخ؛ لأن الولد هو المتولد عنه، وهذا المعنى حاصل له وهو حمل. وأصحهما: لا؛ لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولداً.

وَيَدْخُلُ أَوْلاَدُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقْبِ وَأَوْلاَدِ الأَوْلاَدِ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: عَلَى مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيَّ مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويدخل أولاد البناء في الوقف على الذرية والنسل والعقب وأولاد الأولاد) خلافاً لمالك وأحمد وأصحاب أبي حنيفة. لنا: قوله تعالى في إبراهيم: {ومن ذريته داود وسليمن}، إلى أن ذكر عيسى ولبس هو إلا ولد البنت، والنسل والعقب في معنى الذرية، وأما أولاد الأولاد .. فلأن البنات أولاده فأولادهن أولاد الأولاد حقيقة. و (العقب) يكسر القاف وسكونها: ولد الرجل الذي يأتي بعده. قال: (إلا أن يقول: على من ينتسب إلي منهم) فلا يدخل أولاد البنات؛ لعدم انتسابهم إليه، بل إلى آبائهم، قال تعالى: {ادعوهم لأبآئهم}. وقيل: يدخلون؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في ابن بنته الحسن: (إن ابني هذا سيد) رواه البخاري، وجوابه: أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم بدليل: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}. وسواء كان الواقف رجلا أو امرأة، ولا يدفع هذا قولهم في (كتاب النكاح): إنه لا مشاركة بين الأم والابن في النسب، فلو قال: على الذين ينتسبون إلي بأمهاتهم .. لم يكن لأولاد البنين شيء. فروع: المستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملاً عند الوقف هل يدخل حتى يوقف له شيء؟ فيه وجهان: أصحهما: لا؛ لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولداً. والوقف على الأولاد يدخل فيه البنون والبنات والخناثى، وعلى البنين أو على البنات لا يدخل فيه المشكل، وعلى البنين والبنات يدخل فيه المشكل على الأصح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح: أن الولد المنفي باللعان لا يستحق شيئاً؛ لانقطاع نسبه وخروجه عن كونه ولداً، فلو استلحقه بعد نفيه .. دخل في الوقف قطعاً. ولو وقف على عترته: قال ابن الأعرابي وثعلب: هم ذريته، وقال القتيبي: عشيرته، وهما وجهان لأصحابنا أصحهما: الثاني. قال الرافعي: وقد روي ذلك عن زيد ابن أرقم، واختار المصنف أن يدخل في ذلك ذريته وعشيرته الأدنون. ولو قال: على عشيرتي .. فهو كقوله: على قرابتي، وسيأتي ذلك في (الوصية)، وقال المتولي: قبيلته أو عشيرته لا يدخل فيهم إلا قرابة الأب، ثم من حدث منهم بعد الوقف .. يشارك الموجودين عند الوقف على الصحيح. ولو وقف على بني تميم- وصححناه- فالأصح دخول نسائهم، وقيل: لا، كالوقف على بني زيد، ولو وقف على أهل بيته .. صرف إلى أقاربه رجالاً ونساء على الأصح، وعياله: من في نفقته سوى الوالد والولد. حادثة: رجل وقف دوراً ونخلاً بالمدينة الشريفة على أولاده وهم: محمد ويوسف وأحمد وعائشة وفاطمة، وكانوا حين الوقف خمسة موجودين لم يسهم منهم حالة الوقف فاطمة، ثم قال: وعلى أولادهم وأولاد أولادهم، ثم ذكر مصرفاً مؤبدًا، فمات الأولاد الخمسة وبقي أولادهم هل يدخل أولاد فاطمة التي لم تسم في الوقف معهم أو لا لأن أمهم لم تذكر؟ أجاب فيها فقهاء العصر بعدم الدخول؛ لأن تسمية الأولاد بعد إضافتهم إليه تخصيص بعد تعميم، فكأنه قال: أولادي هؤلاء ثم أولادهم وهكذا. ومذهب أحمد: أن أولاد البنت التي لم تذكر يدخلون في الوقف دون أمهم، واختار القاضي منهم أنها تدخل أيضاً؛ لأن قوله: (أولادي) يستغرق الجميع،

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مُعْتِقٌ وَمُعْتَقٌ .. قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر البعض تأكيد لا يخرج شيئاً من العموم الأول. قال: (ولو وقف على مواليه وله معتق ومعتق .. قسم بينهما)؛ لتناول الاسم لهما، قال تعالى: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً}، ويحكى هذا عن أبي حنيفة، وهذا منصوص (البويطي)، وهو مقتضى ما ذكره الأصوليون عن الشافعي: أن المشترك عنده كالعام، وهو اختيار ابن القطان وصححه القاضي أبو الطيب وصاحب (التنبيه) والجرجاني والروياني والمتولي والفوزاني والقفال الكبير وغيرهم، ونقله الشيخ شرف الدين البارزي عن الأكثرين. قال: (وقيل: يبطل)؛ لما في اللفظ من الإجمال والإبهام وامتناع حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين، واستبعده الإمام، وصححه الغزالي وابن أبي عصرون؛ لأن المولى يطلق على الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والدافع والجار وابن العم والخليفة والعقيد والصهر والعبد والمنعم عليه، فهذه خمسة عشر معنى. ومأخذ الوجهين: أن المشترك هل هو عام أو مجمل؟ والمنصوص الأول، لكنه نص في (الأم) في (باب التدبير) في التعليق على رؤية العين على أن اللفظ المشترك لا يراد به جميع معانيه، ولا يحمل عند الإطلاق عليها، فصرح بمنع الحمل والاستعمال، فتصحيح الصحة في الوقف على الموالي وحمله عليهما مخالف لذلك، و (المحرر) لم يصحح شيئاً منهما، بل قال: رجح كلاً مرجحون، وكذلك لم يصحح في (الشرحين) شيئاً، وأقر المصنف صاحب (التنبيه) على تصحيح القسمة، وصححه في زوائد (الروضة) تبعاً له. والثالث: أنه يختص بالأعلى؛ لأنه أنعم عليه بالإعتاق فكان أحق بالمكافأة. والرابع: أنه للعتيق؛ لاطراد العادة بإحسان السادة إلى العتقاء. والخامس: يوقف حتى يصطلحوا، وليس بشيء، واستشكل الرافعي في (الوصية) محل الخلاف بأن اللافظ إن قصد أحدهما .. وجب حمل اللفظ عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قطعًا، وإن لم يقصد واحداً منهما .. فلا يتجه إلا القسمة أو الإبطال. وإذا وقف على مواليه وليس له إلا أحدهما .. حمل عليه باتفاق الأصحاب، فلو حدث له الآخر بعد ذلك .. فيظهر: أنه يدخل كما لو وقف على الإخوة فحدث أخ، ولا يدخل فيهم من يعتق بموته كالمستولدة والمدبر على الأصح؛ لأنهما ليسا من الموالي لا حال الوقف ولا حال الموت، ولو كان له واحد من جهة واثنان من جهة .. صرف للجميع، قاله في (الكفاية) نقلا عن (المحيط)، لكن يبقى النظر في أنه هل يصرف نصفين بينهما أو ثلثاً وثلثين. ولو وقف على مولاه بالإفراد .. قال الإمام: لا يتجه الاشتراك وتنقدح مراجعه الواقف، والقاضي الطبري وابن الصباغ ذكرا الأوجه الثلاثة الأول في صورة الإفراد أيضاً. فروع: قال: وقفت على أولادي، فإذا انقرض أولادي وأولاد أولادي فعلى الفقراء ..

وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ تُعْتَبَرُ فِي الْكُلِّ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلاَدِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي، وَكَذَا الْمُتَأَخِّرَةُ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فهذا وقف منقطع الوسط على الصحيح وحكمه ما سبق؛ لأنه لم يجعل لأولاده الأولاد شيئاً، وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق الفقراء، وقيل: يستحقون بعد انقراض أولاد الصلب. ولو قال: وقفت على سكان موضع كذا فغاب بعضهم سنة ولم يبع دره ولا استبدل داراً .. لم يبطل حقه، ذكره العبادي. ولو وقف على زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثم من بعده على الفقراء .. فهو وقف منقطع؛ لأن الفقراء إنما يستحقون بعد انقراضه، واستحقاقه مشروط بشرط قد يتخلف. قال: (والصفة المتقدمة على جمل معطوفة تعتبر في الكل كوقفته على محتاجي أولادي وأحفادي وإخوتي، وكذا المتأخرة عليها) فتشترط الحاجة في الأحفاد والأخوة، تقدمت الصفة أو تأخرت؛ لأن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في جميع المتعلقات كالصفة والشرط والغاية والاستثناء. والأصل في ذلك: قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنت ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون (4) إلا الذين تابوا}، اتفق الشافعي وأبو حنيفة على أن الحد لا يسقط بتوبته؛ لأنه حق آدمي، واتفق على أن اسم الفسق يسقط بالتوبة، واختلفا في قبول الشهادة: فأبو حنيفة لا يقبلها؛ لأن الاستثناء عنده إنما يرجع إلى الجملة الأخيرة، والشافعي يقبلها بعد التوبة؛ لأنه يرى أنه يعود إلى الجميع، خرجنا عنه في الحد بدليل، فيبقى فيما عداه على مقتضى اللفظ، واختار الشيخ: أنه لا فرق في العطف بين الواو وغيرها، ورأى الإمام تقييد ذلك بقيدين: أحدهما: أن يكون العطف بالواو الجامعة، فإن كان بثم أو بالفاء .. اختصت الصفات بالجملة الأخيرة، وتبعه على هذا ابن الحاجب والآمدي. والثاني: أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل، فإن تخلل كما لو قال: وقفت على أولادي على أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين،

وَالاِسْتِثْنَاءُ إِذَا عُطِفَ بِوَاوٍ، كَقَوْلِهِ: عَلَى أَوْلاَدِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ، أَوْ إِلاَّ أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يعقب فنصيبه للذي في درجته، فإن انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن يفسق أحدهم .. فالاستثناء يختص بالإخوة. ولم يذكر الأصحاب حكم العطف بـ (لكن) وبـ (بل) وبـ (أو)، وذكر النحاة المسألة ولم يخصوها بالجمل، بل فرضوها في المفردات، والفقهاء لا فرق عندهم بين الجمل والمفردات، بل الحكم كذلك في الضمير أيضا، فإذا ذكر أموراً ثم عقبها بضمير .. عاد إلى الجميع. وسكت المصنف وغيره عن حكم المتوسطة، والأشبه: اختصاصها بما وليته، ويدل له ما نقله الشيخان في أوائل (الأيمان) عن ابن كج: أنه لو قال: عبدي حر إن شاء الله وامرأتي طالق ونوى صرف الاستثناء إليهما .. صح، فأفهم: أنه إذا لم ينو .. لم يحمل عليهما، وإذا كان هذا في الشرط الذي صدر له الكلام .. فالصفة أولى، والمسألة مبسوطة في كتب الأصول. قال: (والاستثناء) أي: وكذلك الاستثناء يعتبر في الجميع. قال: (إذا عطف بواو كقوله على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين أو إلا أن يفسق بعضهم) لما تقدم، هكذا جزم به الشيخان ههنا وحكيا في الباب الرابع من الطلاق فيه خلافا، ورجحا العود إلى الأخير، ولم يتعرضا هنا لضابط المحتاج، وضبطه القفال بالذي تحل له الصدقة الواجبة. و (الأحفاد) جمع حافد وهو: ولد الولد قال تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}، سموا بذلك؛ لإعانتهم لجدهم، يقال: رجل محفود إذا كان له خدام وأعوان، وأصله: الإسراع، ومنه وإليه نسعى ونحفد؛ أي: نسرع إلى طاعتك وعبادتك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: الأول: الوقف على الإخوة يشمل الأخوات، كذا قاله الماوردي، وبه أفتى الشيخ وفقهاء الشام ومصر، وهو المعتمد. ووقع في (الشرح الكبير) في آخر (الوصية) الجزم بعدم دخولهن في اسم الإخوة، ويدل للأول إجماع الصحابة على أن الأم تحجب الأخوات كما تحجب بالأخوة. الثاني: أفتى قاضي القضاة ابن رزين بأنه لا يجوز نصب مدرسين في مدرسة، وأن من وقف على زيد والأشراف المقيمين بالبلد الفلاني فأقام زيد بتلك البلد وكان شريفا .. استحق معهم مضافا لما له، قال: لأن تخصيصه المقيمين يقتضي استيعابهم- قال- وبهذا فارق ما لو وصى لزيد بدينار وللفقراء بشيء آخر وكان زيد فقيراً، حيث لا يأخذ معهم؛ لأن الوصية للفقراء لم تثبت له استحقاقا خاصا، وللوصي حرمانه وإعطاء غيره. الثالث: قال الشيخ: ووقع السؤال قديما عما يقع في كتب الأوقاف من قولهم:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صرف ذلك إلى أهل الوقف، والصواب: أنهم المتناولون حينئذ، فالمحجوب ليس من أهله وإن كان يسمى موقوفاً عليه. تتمة: تراعى شروط الواقف في مقادير الاستحقاق وصفات المستحقين وزمان الاستحقاق، وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بصفة، فإذا وقف على أولاده وشرط التسوية بين الذكر والأنثى أو التفضيل .. اتبع، وكذا لو وقف على العلماء بشرط كونهم على مذهب معين، أو على الفقراء بشرط الغربة أو الشيخوخة .. اتبع، ولو قال: على بني الفقراء أو بناتي الأرامل، فمن استغنى منهم أو تزوج .. خرج عن الاستحقاق، فإن عاد الوصف .. عاد الاستحقاق. قال المصنف: وينبغي أن يقال: إن كان الطلاق بائناً أو فارق بفسخ أو وفاة أن تستحق في حال العدة؛ لنها ليست بزوجة وإن كان رجعياً .. فلا. وقال العبادي: لو وقف على أمهات أولاده إلا من تزوجت منهن، فتزوجت واحدة .. خرجت، ولا يعود استحقاقها بطلاقها، وصححه الروياني في نظيره من الزوجات فيما إذا قال: وقفت على زوجاتي ما لم تتزوجن، والفرق من حيث اللفظ: أنه أثبت الاستحقاق لبناته الأرامل وبالطلاق صارت أرملة، وهنا جعلها مستحقة إلا أن تتزوج وبالطلاق لا تخرج عن كونها تزوجت، ومن حيث المعنى: أن غرضه أن تفي له أم ولده ولا يخلفه عليها أحد فمن تزوجت .. لم تف. وفي (سنن البيهقي): أن الزبير جعل دوره صدقة. قال: وللمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج .. فلا شيء لها. قال الأصمعي: المردودة المطلقة. وقال الشيخ عزب الدين: العرف المطرد بمنزلة المشروط فينزل الوقف عليه، فإذا

فصل

فَصْلٌ: الأَظْهَرُ: أَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ يَنْتَقِلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ أَيْ: يَنْفَكُّ عَنِ اخْتِصَاصِ الآدَمِيِّيْنَ، فَلاَ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَلاَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقف على المدرس والمعيد والفقهاء بمدرسة كذا .. نزل على ما يقتضيه العرف من التفاوت بينهم وبين الفقيه والأفقه، وكذلك ينزل على إلقاء المدرس في الغدوات فلا يكفي إلقاؤه ليلاً ولا عشية. وقال في (أماليه): إذا وقف على من يصلي الصلوات الخمس في هذا المسجد، أو على من يشتغل بالعلم في هذه المدرسة، أو يقرأ كل يوم في هذه التربة كذا، فأخل الإمام أو المشتغل أو القارئ بهذه الوظائف في بعض الأيام .. لم يستحق شيئاً من المعلوم في مقابلة الأيام التي أدى فيها الوظيفة، بخلاف ما إذا استأجره لخياطة خمسة أثواب فخاط بعضها .. فإنه يستحق حصته من الأجرة، قال: والفرق أنا نتبع في الأعواض والعقود والمعاني وفي الشروط والوصايا الألفاظ، والوقف من باب الإرصاد والإرزاق والمعاوضات، فمن أخل بشيء من الشرط .. لم يستحق شيئاً؛ لانتفاء شرط الاستحقاق. قال: ولو شرط واقف المدرسة ألا يشتغل بها المعيد أكثر من عشر سنين فمضت ولم يكن في البلد معيد غيره .. جاز استمراره وأخذ الجامكية؛ لأن العرف يشهد أن الواقف لم يرد شغور مدرسته، وإنما أراد أن ينتفع هذا مدة. قال: وكذا الحكم في كل شرط شهد العرف بتخصيصه. قال: (فصل): عقده لأحكام الوقف المعنوية، وهي الثابتة له من الشارع لا بإثبات الواقف. قال: (الأظهر: أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى، أي: ينفك عن اختصاص الآدميين فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه) كالعتق والصدقة، وبهذا قال أبو حنيفة.

وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِيهَا بنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني- وبه قال مالك-: لا ينتقل، بل هو باق على ملك الواقف؛ لأنه حبس الأصل وسبل الثمرة وذلك لا يوجب زوال ملكه، ولهذا تتبع شروطه. والثالث- وبه قال أحمد-: ينتقل إلى الموقوف عليه كالصدقة. والرابع- وهو أضعفها-: إن كان الوقف على معين .. فهو ملك الموقوف عليه بلا خلاف، أو على جهة عامة .. فالملك فيه لله بلا خلاف، واختاره الغزالي. والخامس: مثله إلا أنه إن كان على معين .. ففيه الخلاف، حكاه الماوردي. قال الرافعي: كل هذا فيما سوى وقف التحرير، أما وقف التحرير كالمسجد .. فالملك فيه لله بلا خلاف، بمعنى انقطاع الآدميين عنه، وألحق به ابن الرفعة الربط والمدارس، والوقف على ذلك أوسع من الوقف على المسلمين. فإن قيل: سيأتي في (الشهادات) أن الوقف يثبت بشاهد ويمين، وهو مخالف للمصحح هنا من أنه ملك لله؛ فإن حقوق الله تعالى لا تثبت إلا برجلين .. فالجواب: أن معنى الملك هنا: انفكاك حقوق الآدميين عنه كما تقرر، فهو كالعتق من غير نظر إلى جانب المالك، ولذلك أشار إليه المصنف بـ (أي) التفسيرية؛ أي: هذا معنى الانتقال إلى الله تعالى، وإلا .. فجميع الموجودات له في كل الأوقات، بل قال إمام الحرمين في كتاب (الشامل): لا يتصور في حق العباد ملك الرقاب وإن أطلق توسعاً وتجوزاً؛ إذ المالك في الحقيقة هو الله تعالى. قال: (ومنافعه ملك للموقوف عليه) يتصرف فيه تصرف الملاك في الأملاك، لكن يستثنى منه: وقف المسجد والبئر والمقبرة ونحوها، فللواقف أن صلي ويستقي ويدفن ويكون كأحدهم بالاتفاق كما فعل عثمان في بئر رومة، فإنه سبلها وجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين، رواه النسائي والترمذي وقال: حسن. قال: (يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة) بالاتفاق وإن قلنا الملك في الرقبة لله؛ لأن ذلك مقصود الواقف، وهذا ما لم يشترط نفي الإجارة، فإن اشترط نفيها .. امتنع كما سبق. وفهم من تجويز الإعارة: تجويز الإجارة بدون أجرة المثل من باب أولى.

وَيَمْلِكُ الأُجْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا كان الوقف مطلقا، فإذا قال: وقفت داري ليسكنها معلم الصبيان في هذه القرية .. فللمعلم أن يسكنها وليس له أن يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا عند قول المصنف: (والأصح: أنه إذا وقف بشرط أن لا يؤجر اتبع). ولو قال: وقفت داري على أن تستغل وتصرف غلتها إلى فلان .. تعين الاستغلال ولم يجز أن يسكنها كما أفتى به القفال وغيره، وقوة كلام المصنف تعطي أن الموقف عليه يؤجر، والصحيح: منعه إلا أن يكون ناظراً أو أذن له في ذلك. فرع: إذا حصل في استيفاء المنفعة من الموقوف عليه نقص من عين الوقف كرصاص الحمام، إذا استوفى الموقوف عليه الأجرة .. لزمه قيمة ما أذهبته النار من الرصاص مما قبضه من الأجرة وصرفه في مثله، قاله في (المطلب) تفقهاً، وعمل الناس عليه. إذا حصل في استيفاء المنفعة من الموقوف عليه نقص من عين الوقف كرصاص الحمام، إذا استوفى عليه الأجرة .. لزمه قيمة ما أذهبته النار من الرصاص مما قبضه من الأجرة وصرفه في مثله، قاله في (المطلب) تفقهاً، وعمل الناس عليه. وإذا وقف ثوراً للإنزاء .. جاز، ولا يجوز استعماله في الحراثة، ولا يجوز ذبح البهيمة المأكولة الموقوفة وإن خرجت عن الانتفاع، كما لا يجوز إعتاق العبد الموقوف، لكن لو صارت بحيث يقطع بموتها .. قال المتولي: تذبح للضرورة، وفي لحمها طريقان: أشهرهما: يشترى بثمنه بهيمة من جنسها وتوقف. والثاني: البناء على أقوال الملك، فإن قلنا: للواقف أو الموقوف عليه .. صرف لهما، وإن قلنا: لله تعالى .. فعل فيه الحاكم ما رآه مصلحة. قال: (ويملك الأجرة) كما لو أجر ملكه، وتصرف إليه الأجرة في الحال، فلو أجر الناظر الوقف سنين بأجرة معجلة .. فظاهر إطلاق المصنف: صرفها إليه في

وَفَوَائِدَهُ كَثَمَرَةٍ وَصُوفٍ وَلَبَنٍ، وَكَذَا الْوَلَدُ فِي الأَصَحِّ. وَالثَّانِي: يَكُونُ وَقْفاً ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال وإن احتمل عدم بقائه لمدة إجارتها، وبه صرح ابن الرفعة وقال: نبهت على ذلك؛ لأن بعض من أدركت من القضاة العلماء كان يمنعه من التصرف في جميع الأجرة، ولا يصرفها له جملة خشية انتقالها لغيره، وبهذا صرح القفال في (الفتاوى) فقال: لو وقف على أولاده ثم نسلهم ثم الفقراء فأوجر عشر سنين مثلا وأخذت الأجرة .. لم يجز للقيم أن يعجل لهم الأجرة، وإنما يعطي بقدر ما مضى من الزمان، فإن دفع أكثر فمات أحد .. فعلى القيم الضمان، وقد تقدمت المسألة في أواخر (باب الإجارة). قال: (وفوائده) أي: ويملك فوائده (كثمرة وصوف ولبن)؛ لأن الوقف لذلك ينشأ، فإن كان الموقوف شجرة .. ملك ثمارها، ولا يملك أغصانها إلا فيما يعتاد قطعه كأغصان الخلاف فإنها كثمار غيرها، وإن كان بهيمة .. ملك الصوف والوبر واللبن والريش والبيض؛ لأن ذلك مقصود الوقف. هذا فيما حديث بعد الوقف، أما الموجود حالة الوقف .. فهو للواقف إذا كانت الثمرة مؤبرة، فإن لم تكن مؤبرة .. فقولان. هذا إذا أطلق الوقف أو شرطه للموقوف عليه، فإن وقف دابة على ركوب إنسان ولم يتعرض لصوفها ولا لبنها .. فالمذهب: أنه للواقف. ولو جعل الركوب لشخص والصوف واللبن لآخر .. اتبع بلا خلاف، وأما الأكساب .. فيملك المعتاد منها والنادر كما سيأتي في مهر الموطوءة، لكن المرجحة في الموصى بمنفعته أنه يملك المعتاد خاصة، والفرق قوة الملك هنا. قال: (وكذا الولد في الأصح) كاللبن والثمرة، ولا يخفى أن المراد: الولد الحادث، أما غير الحادث .. فإن الخلاف فيه مرتب، وأولى بالدخول كما تقدم. [قال]: (والثاني: يكون وقفاً)؛ تبعاً لأمه كولد الأضحية.

وَلَوْ مَاتَتِ الْبَهِيمَةُ .. اخْتَصَّ بِجِلْدِهَا. ولَهُ مَهْرُ الْجَارِيَةِ إِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ إِنْ صَحَّحْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال السرخسي: الخلاف في ولد الفرس والحمار، أما ولد النعم .. فيملك قطعاً؛ لأن المقصود منها الدر والنسل. وقيل: يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف إلى أن يصرح بخلافه، وخص ابن أبي هريرة الخلاف بغير المحبس في سبيل الله، قال: فأما الفرس المحبس فيه .. فولده وقف كأصله، وقد تقدم في (زكاة التجارة) حكم الولد في غالب أبواب الفقه. قال: (ولو ماتت البهيمة .. اختص بجلدها)؛ لأنه أولى به من غيره، فلو دبغه .. ففي عوده وقفاً وجهان: رجع المتولي أنه يعود وقفاً. هذا إذا أطلق، فإن خصه ببعض المنافع .. فلا. قال في (الدقائق): وعبرت بالاختصاص؛ لأن النجس لا يوصف بأنه مملوك. اهـ وقد حكى الماوردي فيه أوجها: ثالثها: يوصف به ما كان أصله ملكاً كالميتة، بخلاف الكلب ونحوه. قال: (وله مهر الجارية إن وطئت بشبهة) كاللبن والثمرة، وهذا لا خلاف فيه. قال: (أو نكاح إن صححناه)؛ لأن المهر من جملة الفوائد، وهذا لا خلاف فيه أيضاً، ولأن المهر سبيله سبيل الأكساب، ولأن الوقف يقتضي تملك المنافع المعتادة، ومنفعة البضع ليست منها، والأصل في ذلك: أن وطء الجارية الموقوفة لا يجوز للواقف ولا للموقوف عليه بلا خلاف ولو قلنا: الملك فيها لهما؛ لأنه ملك ضعيف. وإن وطئت .. فلها أحوال: أحدها: أن يطأها أجنبي، فإن لم تكن هناك شبهة .. لزمه الحد والولد رقيق، فإن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت مكرهة .. فلها المهر، ثم هو للموقوف عليه، وكذا لو طاوعت وهي ممن لا تعتبر مطاوعتها، بخلاف ما لو كانا زانيين .. فلا مهر على الأصح. وإن كان شبهة .. فلا حد ويجب المهر والولد حر وعليه قيمته، ويكون ملكاً للموقوف عليه. الحال الثاني: أن يطأها الموقوف عليه، فإن لم تكن شبهة .. قيل: لا يحد لشبهة الملك، والأصح: بناؤه على أقوال الملك؛ إن لم نملكه .. حد، كما لو وطئ الموصى له بالمنفعة الجارية، وهل الولد ملك أو وقف؟ فيه وجهان كذا قاله الرافعي هنا، وقال في الموصى له بالمنفعة: إن وطئ .. لم يحد، وفيه وجه: أنه يحد، واختصره في (الروضة) فقال: لم يحد على الصحيح المشهور، وقيل: يحد كالمستأجر، وهذا يناقض ما صححه الرافعي هنا. وإن وطئ بشبهة .. فلا حد والولد حر ولا قيمة عليه، ولا تصير الجارية أم ولد على الصحيح فيهما. الثالث: أن يطأها الواقف، فإن لم يكن الوطء شبهة .. قال الرافعي: فهو على أقوال الملك: إن لم نجعل الملك له .. فعليه الحد- قال الشيخ: ويحتمل أن لا يحد لشبهة الملك- والولد رقيق، وفي كونه ملكاً أو وقفاً الوجهان، ولا تكون الجارية أم ولد له. وإن جعلنا الملك له .. فلا حد، وفي نفوذ الاستيلاء إن أولدها الخلاف في استيلاء الراهن؛ لتعلق حق الموقوف عليه بها، وهذا أولى بالمنع. وإن وطئ بشبهة .. فلا حد والولد حر نسيب، وعليه قيمته كما تقدم، وفيما يفعل بها الوجهان، وتصير أم ولد له، تعتق بموته إن ملكناه، وتؤخذ قيمتها من

وَهُوَ الأَصَحُّ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ إِذَا أُتْلِفَ، بَلْ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ لِيَكُونَ وَقْفاً مَكَانَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تركته، وفيما يفعل بها الخلاف، وسكت الرافعي عن المهر، والظاهر: وجوبه إذا لم نملكه وكان الوطء بشبهة. قال: (وهو الأصح) أشار به إلى أن في تزويج الأمة الموقوفة وجهين: أصحهما: الجواز؛ تحصيناً لها وقياساً على إجارتها. والثاني: المنع؛ لما فيه من النقص، وربما ماتت من الطلق فيفوت حق البطن الثاني، فعلى الأصح: ولاية تزويجها مخرجة على أقوال الملك، إن قلنا: للموقوف عليه .. زوجها بغير إذن غيره، كذا أطلقه الرافعي وغيره، وقيد في (المطلب) بما إذا كان النظر في الوقف له، أما إذا كان مشروطاً للواقف أو الأجنبي .. فيكون الناظر الحاكم، ويستشير الموقوف عليه لا الواقف، وإن قلنا: الملك للواقف .. زوجها، ولا يتوقف على وصي الحاكم، وفي توقفه على رضا الموقوف عليه وجهان: أصحهما: نعم، ولو طلبت التزويج .. كان لهم الامتناع على المذهب كغيرها. وصورة المسألة: أن يقفها على أن يكون كسبها للموقوف عليه أو يطلق. وليس للموقوف عليه أن يتزوج الموقوفة إن قلنا: إنها ملكه، وإلا .. فوجهان: أصحهما: المنع احتياطاً، ولهذا لو وقفت على الإنسان زوجته .. انفسخ النكاح. قال: (المذهب: أنه لا يملك قيمة العبد الموقوف إذا أتلف، بل يشتري بها عبد ليكون وقفاً مكانه) إذا قتل العبد الموقوف، فإن تعلق بقتله قصاص .. استوفاه من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكم له بملكه من الواقف أو الموقوف عليه، وإن قلنا: لله تعالى .. استوفاه الحكم، وإن لم يتعلق بقتله قصاص .. فله أحوال: أحدهما: أن يقتله أجنبي .. فيلزمه قيمته، وفي مصرفها طريقان: أحدهما: أن تصرف ملكاً لمن حكمنا له بملك الرقبة ويبطل الوقف. والأصح: أنه يشتري بها عبداً؛ لئلا يتعطل غرض الواقف من استمرار الثواب، ويتعلق حق البطن الثاني بما اشترى، وإذا اشترى عبد وفضل شيء من القيمة .. قيل: يعود ملكاً للواقف، وقيل: يصرف إلى الموقوف عليه، والمختار في زوائد (الروضة): أنه يشتري به شقص عبد؛ لأنه بدل جزء من الموقوف، ثم الذي يجعل بدلاً يشتريه الحاكم على الصحيح، ولا يجوز للمتلف أن يشتريه ويقيمه مقام الأول؛ لأن من ثبت في ذمته شيء .. ليس له استيفاؤه لغيره، ولو كانت الجناية توجب القصاص .. فهو كعبد بيت المال على الأصح فيستوفيه الحاكم، كذا قاله الشيخان تبعاً للمتولي، قال الشيخ: والذي صححه الماوردي والقاضي حسين وابن الصباغ: منع القصاص في النفس والطرف، وهو الذي نعتقد صحته. وأشار بقوله: (ليكون وقفاً) إلى أنه لا يصير وقفاً بنفس الشراء، بل لابد من إنشاء وقف، هو الأصح في زوائد (الروضة) و (الشرح الصغير)، ويقفه الحاكم. وللمسألة نظيران: بدل المرهون وبدل الأضحية، فبدل المرهون جزم الشيخان فيه بأنه يصير رهناً بمجرد أخذه، بل صحح المصنف: أنه رهن، وهو في الذمة كما تقدم في بابه، وبدل الأضحية الواجبة فصلا فيه بين أن يشتري بعين القيمة فيصير أضحية بنفس الشراء وبين أن يشتري في الذمة ونوى عند العقد أنه أضحية فكذلك، وإلا .. فلابد من جعله بعد الشراء أضحية، ولم يذكرا هذا التفصيل في بدلي الرهن والوقف. وأيد في (المهمات) القول بالتفصيل بما إذا كان عنده نصاب من الأثمان فاشترى به عرضاً للتجارة، فإنه يبني حولها على حوله إن اشترى بالعين دون الذمة كما جزم به

فَإِنْ تَعَذَّرَ .. فَبَعْضُ عَبْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (الروضة)، فلو حصل من بدل الموقوف فوائد قبل إيقافه كالأجرة أو الكسب أو الثمرة .. ينبغي أن تكون كالعين الموصى بإيقافها إذا حصل منها مثل ذلك، وسيأتي في (كتاب الوصية) تحقيق ذلك. ثم لابد من مراعاة وصف الذكورة والأنوثة في البدل والمبدل، فلا يشتري عبد بقيمة أمة ولا أمة بقيمة عبد، ولا صغير بقيمة كبير ولا عكسه على أقوى الوجهين في (الروضة)؛ لاختلاف الغرض بالنسبة إلى البطون من أهل الوقف. الحال الثاني والثالث: إذا قتله الموقوف، عليه أو الواقف فإن صرفنا القيمة إليه في الحالة الأولى ملكاً .. فلا قيمة عليه إذا كان هو القاتل، وإلا .. فالحكم والتفريغ كالحالة الأولى، وحكم أرش الأطراف والجنايات على العبد الموقوف فيما دون النفس حكم قيمته في جميع ما ذكرناه، هذا هو الصحيح، وفي وجه: تصرف إلى الموقوف عليه على كل قول كالمهر والأكساب. قال: (فإن تعذر .. فبعض عبد)؛ لأنه أقرب إلى مقصود الواقف، بخلاف ما إذا أتلف الضحية ولم يوجد بقيمتها إلا شقص شاة؛ لأنه لا يضحي بشقص الشاة ويوقف بعض العبد، وسكت المصنف عما إذا تعذر بعض العبد، وفيه في (الحاوي) و (البحر) ثلاثة أوجه: أحدها: يبقى على حاله تبعاً لأصله. والثاني: يكون ملكاً للموقوف عليه. والثالث: لأقرب الناس إلى الواقف كما في الولد.

وَلَوْ جَفَّتِ الشَّجَرَةُ .. لَمْ يَنْقَطِعِ الْوَقْفُ عَلَى المّذْهَبِ، بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا جِذْعاً، وَقِيلَ: تُبَاعُ وَالثَّمَنُ كَقِيمَةِ الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: إذا جنى العبد الموقوف واستوفى منه .. فات الوقف كموته، وإن آل الأمر إلى المال .. لم يتعلق برقبته؛ لتعذر بيع الوقف، لكن يفدى كأم الولد إذا جنت، فإن قلنا: الملك للواقف .. فداه، أو لله تعالى .. فداه أيضاً على الأصح، وإن قلنا: للموقوف عليه .. فالصحيح: أنه يفديه، وحيث أوجبنا الفداء على الواقف فكان ميتاً .. فداه الوارث، وقال المتولي: لا يفدى من التركة؛ لأنها انتقلت إلى الوارث، وعلى هذا هل يتعلق بكسبه أم ببيت المال كالحر المعسر الذي لا عاقلة له؟ وجهان. قال: (ولو جفت الشجرة .. لم ينقطع الوقف على المذهب) وكذا لو قلعها ريح أو سيل؛ إدامة للوقف على عينه، ونظراً لبقاء بعض المنافع. وفي وجه: أن الوقف ينقطع كما إذا مات العبد؛ لأن الوقف منوط باسم الشجرة، والباقي جذع أو حطب لا شجرة. فعلى هذا: ينقلب الحطب ملكاً للواقف ولورثته، وكان الصواب أن يعبر بـ (الأصح) كما في (المحرر) و (الروضة)؛ لأن المسألة ذات وجهين لا طريقين. قال: (بل ينتفع بها جذعاً) أي: بإيجار أو غيره؛ لأنه أقرب إلى غرض الواقف. قال: (وقيل: تباع)؛ لتعذر الانتفاع به على الجهة التي شرطها الواقف. قال: (والثمن كقيمة العبد) أي: المتلف، ففي وجه: يصرف إلى الموقوف عليه ملكاً، وفي وجه: تشترى به شجرة أو بعض شجرة من جنسها لتكون وقفاً. قال الرافعي: ويجوز أن يشتري ودي ويغرس موضعها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وزمانة الدابة الموقوفة كجفاف الشجرة، هذا إذا كانت مأكولة، فإنه يصح بيعها للحمها، وإن لم تكن مأكولة .. لم يأت الخلاف في بيعها إلا على الوجه الشاذ في صحة بيعها اعتمادًا على جلدها، وزمانة العبد كزمانة الدابة أو البهيمة. وحكى الروياني عن القاضي أبي الطيب أنه لا يجوز بيعه قطعاً. حادثة: سئل الشيخ عن رجل وقف أرضاً بها أشجار موز والعادة أن شجره لا يبقى أكثر من سنة، فزالت الأشجار بعد أن نبت [من] أصولها أشجار ثم أشجار على ممر الأزمان .. فأجاب: الأرض وما فيها من أصول الموز وفراخه وقف، وما نبت بعد ذلك من الفراخ ينسحب عليه حكم الوقف كالأغصان النابتة من الشجرة الموقوفة، وكذلك لو ماتت الأشجار وغرس غيرها مكانها على أنه للوقف .. صار وقفاً، وكذلك الأرض ينسحب عليها حكم الوقف، ولا يحتاج إلى إنشاء وقف، بخلاف العبد الموقوف إذا قتل واشترى بقيمته عبداً آخر فإنه يحتاج إلى إنشاء وقف على الصحيح كما تقدم، والفرق أن العبد الموقوف قد فات بالكلية والأرض الموقوفة باقية. فرع: إذا كان البناء أو الغراس موقوفاً في أرض مستأجرة، وصار الريع لا يفي بالأجرة، أو وفى بها لا غير .. أفتى ابن الأستاذ بأنه يقلع وينتفع بعينه إن أمكن، وإلا .. صرف إلى الموقوف عليه. حادثة: فضل من ريع الوقف مال هل للناظر أن يتجر فيه؟ أجاب الشيخ بجواز ذلك إذا كان لمسجد؛ لأنه كالحر بخلاف غيره.

وَالأَصَحُّ: جَوَازُ بَيْعِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ إِذَا بَلِيَتْ، وَجُذُوعِهِ إِذَا انْكَسَرَتْ وَلَمْ تَصْلُحْ إِلاَّ لِلإِحْرَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: جواز بيع حصر المسجد إذا بليت، وجذوعه إذا انكسرت ولم تصلح إلا للإحراق)؛ لئلا تضيع ويضيق المكان بلا فائدة، وكذلك الحكم في نحاتة أخشابه وأستار الكعبة إذا لم يبق فيها جمال ولا منفعة. والثاني: لا تباع؛ لأنها عين الوقف، بل تترك بحالها أبداً، وإلى هذا ذهب الجمهور. قال القاضي أبو الطيب: لا أعرف أحداً من أصحابنا جوز بيع الجذع، والذي رجحه الرافعي والمصنف تبعاً فيه الإمام، وكلهم قيدوه بما قيده المصنف من أنها لا تصلح إلا للإحراق فكأنها بمنزلة العدم، فحصول نزر يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، ولا تدخل بذلك تحت بيع الوقف؛ لأنها صارت في حكم المعدومة، أما إذا صلحت لأن ينتفع بها في الوقف أدنى انتفاع .. فإنها تبقى قولا واحداً. وعلى الأول قالوا: يصرف ثمنها في مصالح المسجد، قال الرافعي: والقياس: أن يشتري بثمن الحصر الحصر، ولا يصرف إلى منفعة أخرى، قال الرافعي: ويشبه أن يكون هو المراد بما أطلقوه. وإن صلح الجذع المنكسر لشيء سوى الإحراق .. لم يجز بيعه بلا خلاف، مثل أن تتخذ منه أبواب أو ألواح أو غير ذلك مما يمكن في المسجد، قال المتولي: ويجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب إلى مقصود الواقف. قال الشيخ: حتى لو أمكن استعمال شيء من ذلك بإدراجه في آلات العمارة كان مانعاً من بيعه فيما يظهر لنا، وقد تقوم قطعه من الجذع مقام آخرة، وقد تقوم النحاتة مقام التراب، والجذوع المشرفة على الانكسار يجري فيها الخلاف في المنكسرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخان- تبعاً للإمام-: والخلاف لا يختص بالمسجد، بل يجري في انهدام شيء من الدار الموقوفة وانكسار أخشابها وفي إشرافها على الانهدام. قال الشيخ: والحق أن ذلك لا يجوز؛ لعموم: (لا يباع ولا يورث)، قال: ومن أصعب الأشياء قو (الحاوي): وداره المنهدمة، فيظن الذي يراه أنه الذي عليه الفتوى ومعظم الأصحاب، ولم يقل به واحد منهم، فلا حول ولا قوة إلى بالله، ومع ذلك كله قد يسأل: لم فرض (الحاوي الصغير) الكلام في دار المسجد؟ وأي فرق بين الدار الموقوفة على المسجد والموقوفة على غير والرافعي أطلق ذلك؟ وقد يقول القائل: دار المسجد مستحقها المسجد، وهو شيء واحد حاجته الآن، فالمتصرف عليه نظره شامل، وأما الموقوف على بطون .. فالبطن الذي لم يأت بعد ليس للناظر تصرف عليه. قال: وهذه المسألة عمت بها البلوى، وبحمد الله صان الله مذهب الشافعي رضي الله عنه فلم يقدر الله أن أحداً من الشافعية أقدم عليها، لكن غيرهم أقدموا وتوسعوا لفساد الزمان حتى فحش ذلك في هذا القرن الثامن بمصر والشام، ولم يسمع به في غيرهما من البلاد ولا قبل هذا الزمان، بل ما برحت الأوقاف مصونة لم يكن شيء من ذلك في القرون الثلاثة التي هي خير القرون، وفي حفظي قديماً من كلام مالك أنه قال: هذه الأوقاف عندنا بالمدينة داثرة لا يتعرض لها. اهـ قال الإمام: وإذا جوزنا البيع .. فالأصح: صرف الثمن إلى جهة الوقف، وقيل هو كقيمة المتلف فيصرف إلى الموقوف عليه ملكاً على رأي، وإذا قيل به فقال الموقوف عليه: لا تبيعوها واقلبوها إلى ملكي .. لم يجب على المذهب، ولا تنقلب عين الموقوف ملكاً، وقيل: تنقلب ملكاً بلا لفظ.

وَلَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ وَتَعَذَّرَتْ إِعَادَتُهُ .. لَمْ يُبَعْ بِحَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: جميع ما ذكرناه في حصر المسجد ونظائرها هو فيما إذا كانت موقوفة على المسجد، أما ما اشتراه الناظر للمسجد أو وهبه له واهب وقبله الناظر .. فيجوز بيعه عند الحاجة بلا خلاف؛ لأنه ملك حتى إذا كان المشتري للمسجد شقصاً .. كان للشريك الأخذ بالشفعة، ولو باع الشريك .. فللناظر الأخذ بالشفعة عند الغبطة، هذا إذا اشتراه الناظر ولم يقفه، فإن وقفه .. صار وقفاً قطعاً، وجرى عليه أحكام الوقف. ولو وقف على ثغر فاتسعت خطة الإسلام حوله .. حفظت غلة الوقف لاحتمال عوده ثغراً. وقال أبو عاصم العبادي: لو وقف على قنطرة فانخرق الوادي وتعطلت تلك القنطرة واحتيج إلى قنطرة أخرى .. جاز النقل إلى ذلك الموضع. وإذا خرب العقار الموقوف على المسجد وهناك فاضل من غلته .. بدئ منه بعمارة العقار، وإذا تشعث بعض الوقف وفي ريعه ما تمكن به عمارته فأراد متبرع عمارته .. ففي (اقتناص السوانح) لشيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد: منعه بعضهم؛ لما فيه من تعطيل غرض الواقف في تحصيل الأجر، وكذلك لو طلب متبرع شراء دلو يمكن تحصيله من الوقف ونحوه. قال: (ولو انهدم مسجد وتعذرت إعادته .. لم يبع بحال)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يباع أصلها) ولأنه كالعبد إذا عتق من زمن، ولا يشبه جفاف الشجرة؛ لأن توقع عود الناس والعمارة قائم، وأيضاً الانتفاع في الحال بالصلاة في العرصة ممكن، وبهذا يفرق بينه وبين الفرس الموقوف على الغزو إذا كبرت ولم تصلح للغزو؛ فإن صاحب (المغني) نقل الإجماع على جواز بيعها، وقاس عليه المسجد، وكما يمتنع بيعه يمتنع إيجاره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو صار موضعه بركة ماء .. لم تجز إجارتها لصيد السمك على بقية الجدر وإن جوزناه في غيرها، وكذلك الحكم إذا خربت المحلة التي حول المسجد وتفرق الناس عنها وتعطل المسجد .. لا يباع ولا يعود ملكاً، فإن لم يخف من أهل الفساد أن ينقضوه .. لم ينقض، وإن خيف .. نقض وحفظ، وإن رأى الحاكم أن يعمر بنقضه مسجداً آخر .. جاز، وما كان أقرب إليه فهو أولى، ولا يجوز صرفه إلى عمارة بئر أو حوض، وكذا البئر الموقوفة إذا خربت يصرف نقضها إلى بئر أخرى لا إلى المسجد. ويراعى غرض الواقف ما أمكن، والحكم الذي ذكره المصنف من أن المسجد لا يباع بحال لا خلاف فيه عندنا وعند مالك والحنيفة. وقال محمد بن السحن: يعود ملكاً للواقف إن كان حياً، ولورثته إن كان ميتاً، ووافقنا أبو يوسف، وعلى ذلك حكاية مشهورة في (المبسوط) أن محمد بن الحسن مر بمزبلة فقال: هذه مسجد أبي يوسف، ومر أبو يوسف بإصطبل فقال: هذا مسجد محمد، يريد محمد أن أبا يوسف لما قال ببقاء المسجد .. انتهى إلى أن صار مزبلة، ويريد أبو يوسف أن محمداً لما قال: يعود إلى ملك الواقف أو وارثه .. جعله إصطبلاً، فكل منهما استبعد مذهب الآخر بما أشار إليه. تتمة: سكت المصنف عن حكم مصرف غلة المسجد عند تعذر إعادته، وجزم الماوردي بأنها تصرف للفقراء والمساكين، وقال المتولي: تصرف لأقرب المساجد إليه، وقال الروياني: إنه منقطع الآخر فيأتي فيه الخلاف، وقال الإمام: يحفظ؛ لتوقع عوده. وإذا اكتفى المسجد ببعض غلته وفضل شيء .. هل يحفظ لوقت الحاجة أو يشترى

فصل

فَصْلٌ: إِن شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ .. اتُّبِعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ به عقار ويوقف عليه؟ وجهان في (البحر) و (الحاوي)، قال صاحب (الانتصار): أصحهما: الثاني، وبه أفتى الغزالي. قال: (فصل: إن شرط الواقف النظر لنفسه أو غيره .. اتبع) سواء قلنا: الملك له أو للموقوف عليه، وسواء فوضه في الحياة أو أوصى به، فكل منهما معمول به بشرط أن يكون التفويض في صلب الوقف أن له ذلك؛ لأنه المتقرب بصدقه فهو أحق من يقوم بإمضائها وصرفها إلى مصارفها، وقد تقدم أول الفصل الذي قبله أن عمر رضي الله عنه كان يلي أمر صدقته، ثم جعله لحفصة، وبعدها إلى ذوي الرأي من أهلها، رواه أبو داوود. وأسند البيهقي [6/ 79] إلى أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون عند شروطهم) فإن قال: جعلت ولاية هذا الوقف إلى فلان فإن مات فإلى فلان .. جاز قطعاً. وقال مالك: لا يصح شرط الواقف النظر لنفسه بناء على قاعدته من اشتراط الحوز، وهو إخراج الموقوف عن يده، فعنده إذا لم يخرجه من يده حتى مات .. بطل، سواء شرط النظر لنفسه أم لا، وإن شرط النظر لنفسه .. لم يتبع، فإن أخرجه عن يده .. استمر صحيحاً. قال الشيخ: والفرق بين الوقف والهبة والصدقة المنجزة حيث يكون بقاها في يد المالك إلى الموت مبطلاً: أن المقصود منهما تمليك العين للموهوب له والمتصدق عليه، ولا يبقى لأحد فيها تعلق فلابد من القبض، وأما الوقف .. فحق الموقوف عليه في العين ناقص؛ لمشاركة البطن الثاني له إما في الحال وإما في المآل فلم يشترط القبض.

وَإِلاَّ .. فَالنَّظَرُ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ويرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه شرط النظر في وقفه أن يليه ذوو الرأي والأسنان من أولاده وأولاد أولاده، فاختصم بعض أولاده وعلي بن الحسين ابن ابنه فيه إلى عبد الملك بن مروان، فقضى به لعلي بن الحسين؛ لأنه رأى أنه أولى من عمه وأنشد أبيات ابن الحقيق [من السريع]: إنا إذا مالت دواعي الهوى .... وأنصت السامع للقائل واختلج القوم بألبابهم .... نقضي بحكم عادل فاضل لا يجعل الباطل حقاً لا .... يلفظ دون الحق بالباطل نخاف أن تسفه أحلامنا .... فيخمل الدهر مع الخامل قال: (وإلا) أي: وإن لم يشرط شيئاً (.. فالنظر للقاضي على المذهب)؛ لأنه يتعلق به حق الموقوف عليه ومن بعده، فصاحب النظر العام أولى بالنظر فيه. وقيل: الواقف؛ لأن النظر والتصرف كان إليه، فإذا لم يصرفه عن نفسه .. كان على ما كان، ويتأيد بأن الأضحية المنذورة وإن زال الملك عنها .. فالتصرف فيها بالذبح، والتفرقة للناذر دون الحاكم. وقيل: النظر للموقوف عليه؛ لأن النفع والفائدة له، كذا أطلق جماعة هذه الأوجه الثلاثة، وبناها بعضهم على أقوال الملك، فإن قلنا: إنه للواقف .. فالنظر له، وإن قلنا: لله تعالى .. فللحاكم، وإن قلنا: للموقوف عليه .. فله. وذكر كثيرون أن النظر في حالة السكون للواقف من غير حكاية خلاف ولا بناء، فهذه ثلاثة طرق. قال الرافعي: والذي يقتضي كلام المعظم الفتوى به أن يقال: إن كان الوقف على جهة عامة .. فالتولي للحاكم كما في الوقف على المسجد والرباط، وإن كان على شخص معين .. فكذلك إن جعلنا الملك لله تعالى، وإن جعلناه للواقف أو للموقوف عليه .. فالتولية كذلك. قال ابن الرفعة: وهذا في الوقف الذي لا يضاهي التحرير، أما ما يضاهيه كالمقبرة والمسجد والرباط .. فالذي يقتضيه كلام الجمهور: أن النظر في ذلك

وَشَرْطُ النَّاظِرِ: الْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ وَالاِهْتِدَاءُ إِلَى التَّصَرُّفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ للإمام، وأن الواقف فيه كغيره من الناس، واستخرج من كلام الأصحاب وجهين في أن واقف المسجد أولى بإمامته والأذان فيه أم لا؟ قال: وهما يقربان من أن المعتق أحق بحضانة عتيقة وكفالته إذا لم يكن له قريب أم لا؟ وفيه خلاف. وفي (الأحكام السلطانية) للماوردي: أن تولية الإمامة في مساجد المحال للواقف، وكذا نصب المدرسي فيها، والمساجد الكبار كالجوامع ومساجد الشوارع التولية فيها للسلطان؛ لأن ذلك من الأمور العظام فاختصت بنظره. ووقع في (الفتاوى): أن رجلا وقف وقفاً وجعل نظره للحاكم، وكان إذ ذاك شافعياً، ثم أحدث الملك الظاهر بيبرس في سنة ثلاث وستين وست مئة القضاة الأربع وتوفي الشافعي الموجود حالة الوقف فهل يختص النظر بالقاضي الشافعي بعده؟ أجاب جماعة من أئمة ذلك العصر بأنه يختص به الشافعي. ووقع بعد تولية القضاة الأربع فتوى فيمن شرط النظر لزيد ثم لحاكم المسلمين بدمشق، فأفتى الشيخ برهان الدين الفزاري بأنه لا يختص النظر المشروط للحاكم بمعين، ونوزع في ذلك، وأجاز الشيخ اختصاص الشافعي بالنظر في الأوقاف التي شرطت للحاكم التي سكت عن شرط نظرها للحاكم، وهو متوجه. قال: (وشرط الناظر: العدالة والكفاية والاهتداء إلى التصرف)؛ لأنه ولاية على الغير فاشترط فيها ذلك كالوصي والقيم، ولا فرق في ذلك بين الجهات العامة والأشخاص المعينين. وفي وجه: لا تشترط العدالة إذا كان الوقف على معينين ولا طفل فيهم، فإن خان .. حملوه على السداد. والمراد بـ (الكفاية): حسن التصرف، وهي مغنية عن قوله: (والاهتداء إلى التصرف)؛ لأن من لا يهتدي إلى التصرف لا يوصف بالكفاية، ولهذا لم يذكره في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الشرحين) ولا في (الروضة)، وكذلك المصنف اقتصر في (باب الوصية) على اشتراط العدالة والاهتداء إلى التصرف، لكن نقل المصنف في مسودة له على (المهذب) عن الأصحاب: أن شرط الناظر: العدالة والكفاية؛ وهي الاهتداء إلى التصرف، وهذه العبارة هي الصواب، حتى لو وفوض إلى موصوف بالأمانة والكفاية فاختلت إحداهما .. انتزع الحاكم الوقف منه. ثم إن المصنف أطلق (العدالة)، وينبغي في منصوب الحاكم اعتبار العدالة الباطنة، وفي منصوب الواقف أن يكتفى بالعدالة الظاهرة كما في الأب. فروع: قال الرافعي: وقبول المتولي للنظر ينبغي أن يأتي فيه ما في قبول الوكيل الوكالة والموقوف عليه المعين، ولو كان لشخص النظر على أماكن فأثبت أهليته في مكان .. ثبت في باقي الأماكن من حيث الأمانة، ولا يثبت من حيث الكفاية إلا أن تثبت أهليته في سائر الوقف، قاله ابن الصلاح، وهو ظاهر إذا كان الباقي فوق ما أثبت أهليته فيه أو مثله بكثرة مصارفه وأعماله، فإن كان قليلاً .. فلا. ولو فسق الناظر ثم عاد عدلاً .. عادت ولاديته إن كانت له بشرط الواقف، وإلا .. فلا، كذا أفتى به المصنف، وقال الإمام: هو كفسق الوصي، ومقتضاه: عدم عود الولاية. ولو فوض النظر إلى متصف بالعدالة والكفاية فاختلت إحداهما ونزع الحاكم الوقف منه .. قال ابن الرفعة: يشبه أن ينزعه لمن يستحق النظر بعده؛ تنزيلاً لخروجه عن

وَوَظِيفَتُهُ: الْعِمَارَةُ وَالإِجَارِةُ وَتَحْصِيلُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا، فَإِنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ بَعْضَ هّذِهِ الأُمُورِ .. لَمْ يَتَعَدَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأهلية منزلة الموت كما تنتقل ولاية النكاح إلى الأبعد بفسق الأقرب، فإن عادة الأهلية .. عادت الولاية. قال: (ووظيفته: العمارة والإجارة وتصحيل الغلة وقسمتها)، لأن ذلك المعهود من مثله. وزاد في (الشرحين) و (الروضة): حفظ الأصول والغلات على الاحتياط، ولاشك أن هذه الستة من وظيفته. وأفهم كلام المصنف: أنه ليس له التولية والعزل. قال الشيخ: وكان بعض الفقهاء في هذا الزمان يتعلق بذلك في أنه ليس إليه التولية والعزل، وأن تولية المدرس وعزله وغيره من أرباب الوظائف ليس إليه، وعندي: أن له ذلك، لكن للحاكم الاعتراض عليه إذا فعل من ذلك ما لا ينبغي. وجزم الشيخ عز الدين بأن المدرس هو الذي ينزل الفقهاء ويقرر جامكيتهم؛ لأنه أعرف بأحوالهم ومراتبهم، قال: وليس ذلك للناظر. قال في (المهمات): وسكت عن الصوفية، وفي إلحاقهم بالفقهاء نظر. قال: (فإن فوض إليه بعض هذه الأمور .. لم يتعده) كالوكيل، فلو شرط لواحد العمارة ولواحد تحصيل الريع ولواحد القسمة .. لم يتعد كل واحد ما شرط له، ولو جعل النظر لاثنين .. لم يستقل أحدهما بالتصرف ما لم ينص عليه. ولو قال: وقفت على أولادي على أن يكون النظر لعدلين منهم فلم يكن فيهم إلا عدل واحد .. ضم الحاكم إليه عدلاً آخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: إذا شرط الواقف للمتولي شيئاً من الغلة .. جاز وكان ذلك أجرة عمله، وإن لم يشرط شيئاً .. ففي استحقاقه أجرة عمله الخلاف فيما لو استعمل إنساناً ولم يذكر له أجرة. وليس للمتولي أن يأخذ من مال الوقف شيئاً على أن يضمنه، ولو فعل .. ضمن، ولا يجوز له ضم الضمان إلى مال الوقف. واقترض مال الوقف حكمه حكم اقتراض مال الصبي، وإذا شرط النظر للأفضل فالأفضل أو للأرشد فالأرشد من بنيه .. كان لأفضلهم من حين استحقاق النظر، فلو تجدد بعد ذلك من أهله أفضل .. لم يصر النظر إليه كما ذكره في (المطلب). قال: ولو تغير حال الأفضل حين الاستحقاق فصار مفضولاً .. انتقل النظر إلى من هو أفضل منه. ولو جعل النظر لأفضل ولده هل يختص بالذكور دون الإناث؛ لأنهم أفضل منهم أو يكون لأفضل النوعين؟ فيه وجهان في (الحاوي)، وأفتى ابن الصلاح بالثاني وهو الصواب، وأفتى بأنه لو شرط النظر للأرشد من أولاده فأثبت كل منهم أنه الأرشد .. اشتركوا في النظر من غير استقلال إذا وجدت الأهلية في جميعهم، فإن وجدت في بعضهم .. اختص بذلك؛ لأن البينات تعارضت في الأرشد وتساقطت، وبقي أصل الرشد فاشتركوا في ذلك. وإذا ادعى متولي الوقف صرف ريعه إلى المستحقين، فإن كانوا معينين .. فالقول قولهم، ولهم مطالبته بالحساب، وإن كانوا غير معينين فهل للإمام مطالبته بالحساب؟ وجهان حكاهما شريح في (أدب القضاء).

وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُ مَنْ وَلاَّهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حادثة: قال الواقف: جعلت النظر لفلان، وله أن يفوض النظر إلى من أراد، ففوض النظر إلى شخص، فهل يزول نظر المفوض أو يكون المفوض إليه وكيلاً عن المفوض؟ وفائدة ذلك أنه لو مات المفوض إليه هل يكون النظر باقياً للناظر الأصلي أو لا؟ أجاب فقهاء الشام عن آخرهم بأن المفوض إليه هو الناظر، وأن التفويض بمثابة التمليك، وكأنه ملك ذلك، وأجاب الشيخ بأنه كالوكيل، وأن النظر لم يزل عن المفوض وهو القياس، فإذا مات المفوض إليه .. بقي المفوض على ما كان عليه. لكن في (فتاوي المصنف): إذا شرط الواقف النظر لإنسان وجعل له أن يسند إلى من يشاء، وكذلك مسند بعد مسند فأسنده إلى إنسان فهل للمسند عزل المسند إليه أو لا؟ وهل يعود النظر إلى المسند أو لا؟ ولو أسند المسند إليه إلى ثالث فهل للأول عزله أو لا؟ أجاب: ليس للمسند عزل المسند إليه، ولا مشاركته، ولا يعود النظر إليه بعد موته، وليس له ولا للثاني عزل الثالث الذي أسند إليه الثاني. قال: (وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره) كما يعزل الموكل الوكيل، وقيل: ليس له العزل؛ لأن ملكه قد زال فلا تبقى له ولاية عليه. وإطلاق المصنف يقتضي: جواز العزل بسبب وغير سبب، وفي زوائد (الروضة) قبل (باب القسمة) عن الماوردي: أنه إذا أراد الأمر إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب .. جاز، أو بغير سبب .. لا يجوز، وإذا كان هذا في النظر العام .. ففي النظر الخاص المقتضي للاحتياط أولى.

إِلاَّ أَنْ يَشْرِطَ نَظَرَهُ حَالَ الْوَقْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي تصوير المسألة إشكال؛ لأنها إن كانت فيما إذا كان النظر للواقف ونصب غيره نائباً عنه .. فلا ينبغي أن يقع فيه خلاف؛ لأنه سفير محض، وإن كان مع السكوت عنه .. فلا ولاية للواقف في هذه الحالة، بل هي للقاضي. قال: (إلا أن يشرط نظره حال الوقف) فهذا ليس للواقف عزله؛ لأنه تغيير لما شرطه، كما ليس لغيره ذلك. وصورة الشرط: أن يقول: وقفت وشرطت التفويض له، كذا قاله البغوي، ونقل الرافعي عنه وقفها بشرط أن تكون التولية لفلان، وليس بمطابق، بل هذه الصيغة مفسدة لأصل الوقف لأجل التعليق؛ فإنه قد يقبل التولية وقد يقبل. فرع: عزل ناظر الوقف المشروط له النظر نفسه .. قال الشيخ: الذي أراه أنه لا ينعزل لكنه لا يجب عليه، ويجوز له الامتناع ورفع الأمر إلى القاضي ليقيم مقامه غيره، أو الواقف إن كان حياً وقلنا: له ذلك، قال: ولم أر للأصحاب خلافاً في ذلك. وفي (فتاوى ابن الصلاح) ما يوهم خلاف ذلك، وهو مؤول، وقد تقدم في (باب القراض) شيء يتعلق بهذا.

وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ فَزَادَتِ الأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ .. لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة .. لم ينفسخ العقد في الأصح)؛ لجريانه بالغبطة في وقته، فأشبه ما إذا باع مال الطفل ثم ارتفعت القيمة بالأسواق، أو ظهر طالب بالزيادة. والثاني: ينفسخ؛ لأنه تبين وقوعه على خلاف الغبطة في المستقبل، ومال إليه ابن الصلاح، وبه جزم الإصطخري في (أدب القضاء). والثالث: إن كانت الإجارة سنة فما دونها .. لم يتأثر العقد، وإن زادت الإجارة على سنة .. فالزيادة عليها مردودة، وبه جزم الدارمي، ووجهوه بأن السنة فيها تتكامل الفصول وتتغير الأغراض. وحيث قلنا بالانفساخ .. قال ابن الرفعة: يحكم به بنفس الزيادة، قال: وكلام الإمام مصرح بأنه يتوقف على إنشاء فسخ. ومحل الخلاف عند الإمام والغزالي: إذا تغيرت الأجرة بكثرة الطالبين، فإن وجد زبون يزيد على أجرة المثل .. فلا أثر له، وغيره فرضه كما في الكتاب. واحترز المصنف بـ (الناظر) عما لو أجر الموقوف عليه بحق الملك وجوزناه، فإنه لا يتأثر العقد بالزيادة قطعاً كما لو أجر الطلق، وكذلك القيم إذا أجر مال الطفل ثم حصلت الزيادة، قاله الإمام، وهو الذي يشعر به كلام الرافعي. وتعبيره بـ (الأصح) يقتضي قوة الخلاف، وهو قد وهاه في (فتاويه) جداً فقال: وأما ما يفعله بعض الجهال من متولي الأوقاف من قبول الزيادة إذا بلغت الثلث وفسخهم بذلك .. فباطل لا أصل له، وإنما الوجه الضعيف: أنه يجوز الفسخ مطلقاً. تتمة في مسائل منثورة تتعلق بالباب:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إحداها: إذا وقف على الطالبيين وجوزناه .. صرف إلى ثلاثة، ويجوز أن يكون أحدهم من أولاد علي والثاني من أولاد جعفر والثالث من أولاد عقيل، ولو وقف على أولاد علي وأولاد عقيل وأولاد جعفر .. فلابد من الصرف إلى ثلاثة من كل صنف. الثانية: وقف على عمارة مسجد .. لا يجوز صرف الغلة إلى النقش والتزويق، قال في (المهمات): لكنه إن تعدى وفعله .. لم يغرم شيئاً كما جزم به البغوي في (فتاويه) فتفطن له، هذه عبارته، والذي نقطع به تغريمه كغيره مما لا يجوز إذا فعله، وقال في (البحر) و (الحاوي) و (العدة): ولا يجوز صرف شيء منه إلى الإمام والمؤذن، ويجوز صرف أجرة القيم منه؛ لأنه يحفظ العمارة، وكذلك يجوز أن يشتري منه سلم لسطحه ومكانس يكنس بها ونحو ذلك مما يحفظ عمارته، ويشترى منه البواري لا الدهن في الأصح، وقال البغوي: لا يجوز أن يشترى منه الدهن ولا الحصر، وإن وقف على مصالح المسجد .. جاز شراء ذلك منه، والقياس: جواز الصرف إلى الإمام والمؤذن أيضاً، وكذا لو وقف على مسجد وأطلق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الأصح عند الغزالي وغيره، قال الرافعي: ويشبه أن يجوز بناء المنارة من الموقوف على عمارته. ويستحب للقضاة تجديد سجلات الأوقاف التي في ديوانهم كلما مضى زمن يخاف منه موت الشهود. الثالثة: لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته، فلا تجعل الدار بستاناً ولا حماماً ولا بالعكس، إلا إذا جعل الواقف إلى الناظر ما يرى فيه مصلحة. وفي (فتاوى القفال): أنه يجوز أن يجعل حانوت القصارين للخبازين، فكأنه احتمل تغيير النوع دون الجنس. قال المتولي: فإن خربت البقعة وأراد من له النظر أن يعمر .. فله أن يردها إلى ما كانت، فإن أراد أن يردها إلى صفة أخرى .. لم يجز، ومن هنا يعلم: أن ما جرت به العادة من تحكير الأرض الموقوفة إذا انهدم بناؤها ليبني عليها المستحكر ما شاء .. حرام، وإنما يجوز مثل المنهدم، وبه صرح ابن الرفعة فقال: ولا يجوز أن يؤجر ليبني فيها غير ما كانت عليه. وسئل بن الصلاح عن فتح باب جديد في الرباط اقتضته المصلحة مضافاً إلى القديم .. فأجاب بأن ذلك إن استلزم تغيير شيء من الموقوف عن هيئته إلى هيئة أخرى غير مجانسة لها بأن يفتحه إلى أرض وقف بستان- مثلاً- فيستلزم تغيير محل الاستطراق .. لم يجز، وإن لم يستلزم شيئاً من ذلك .. فلا بأس به عند اقتضاء المصلحة، واستدل له بخبر الكعبة. وفي (المطلب): أن المصلحة إذا اقتضت تغيير بناء بعض الموقوف لزيادة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ريعه .. جاز وإن لم ينص الواقف عليه، ونقل ذلك عن الشيخ تقي الدين القشيري وغيره من علماء عصره. الرابعة: لا تجوز قسمة العقار الموقوف بين أرباب الوقف، وقال ابن القطان: إن قلنا: القسمة إفراز .. جاز، فإذا انقرض البطن الأول .. انتقضت القسمة. وتجوز لأهل الوقف المهايأة، قاله ابن كج. الخامسة: لو تلف الموقوف في يد الموقوف عليه من غير تعد .. فلا ضمان عليه. قال المصنف: ومن ذلك الكيزان المسبلة على أحواض الماء والأنهر ونحوها، فلا ضمان على من تلف في يده شيء منها بلا تعد، فإن تعدى .. ضمن، ومن التعدي استعماله في غير ما وقف له. السادسة: الوقف على الفقهاء هل يختص بفقراء بلد الوقف؟ فيه الخلاف المذكور فيما لو أوصى للفقراء، والأصح: أنه لا يجوز أن يدفع منه على فقيرة لها زوج يمونها، ولا إلى مكفي بنفقة قريب ونحوه. السابعة: قال الرافعي: يجوز للإمام أن يقرض ناظر الوقف من بيت المال، أو يأذن له في الاستقراض أو الإنفاق على العمار من مال نفسه بشرط الرجوع، قال: وليس له الاستقراض دون إذن الإمام. قال الشيخ: وكان بعض مشايخنا يستشكله ويقول: لم لا يجوز له أن يستقرض بغير إذن الإمام إذا دعت الحاجة إلى الاستقراض؟ قال: والذي ظهر لي في توجيهه أنه إثبات دين في رقبة الوقف متعلق بسائر البطون فلا يستقل به الناظر؛ لأنه إنما له النظر مدة حياته، فاحتيج إلى إذن من له النظر العام وهو الحاكم، فالحق ما قاله الرافعي. الثامنة: إذا فضل من ريع الوقف مال .. هل للناظر أن يتجر فيه؟ أجاب الشيخ بجواز ذلك إذا كان لمسجد؛ لأنه كالحر، بخلاف غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التاسعة: سئل أبو عبد الله الحناطي عن شجرة نبتت في المقبرة هل للناس الأكل من ثمارها؟ فقال: قيل: يجوز، والأولى عندي صرفها إلى مصالح المقبرة، واختار المصنف الأول. وعن رجل غرس شجرة في المسجد كيف يصنع في ثمارها؟ فقال: إن جعلها للمسجد .. لم يجز أكلها إلا بعوض ويصرف إلى مصالح المسجد، وإن غرسها مسبلة للأكل .. جاز أكلها بلا عوض، وإن جهلت .. رجع إلى العادة في ذلك. وفي زوائد (الروضة) في (كتاب الصلاة): ينبغي أن لا تعرس الأشجار في المسجد، فإن غرست .. قطعها الإمام. وفي (فتاوى القاضي حسين) في (كتاب الصلاة) لا يجوز غرسها فيه، وجزم في (كتاب الاعتكاف) بالكراهة، وأنه إذا غرسها .. لا يجوز نقلها؛ لأنها صارت ملكاً للمسجد. وقال البغوي: تقطع وتكون ملكاً لمن غرسها، فإن ملكها للمسجد وقبلها له قيمه .. صارت ملكاً للمسجد. قال: وإذا نبت في المسجد حشيش له قيمة .. لم تجز أخذه إلا بعوض. العاشرة: لو قف على دهن السراج للمسجد .. جاز وضعه في جميع الليل؛ لأنه أنشط للمصلين، قال المصنف: إنما يسرج جميع الليل إذا انتفع به من في المسجد كمصل ونائم وغيرهما، فإن كان المسجد مغلقاً ليس فيه أحد ولا يمكن دخوله .. لم يسرج؛ لأنه إضاعة مال. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة قال الشيخ: قال لي ابن الرفعة: أفتيت ببطلان وقف خزانة كتب وقفها واقف لتكون في مكان معين من مدرسة الصاحبية بمصر؛ لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك المنفعة، قال الشيخ: ونظيره إحداث منبر في مسجد لم تكن فيه جمعة لا يجوز، وكذا إحداث كرسي مصحف مؤبد يقرأ فيه كما يفعل بالجامع الأزهر وغيره لا يصح وقفه، ويجب إخراجه من المسجد؛ لما تقدم من استحقاق تلك البقعة لغير هذه الجهة، والعجب من قضاة يثبتون وقف ذلك شرعاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. * * *

كتاب الهبة

كِتَابُ الْهِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الهبة هي مصدر وهب يهب هبة، واتهب: قبل الهبة، وفي التنويه): أصلها من هبوب الريح، ويحتمل أنها من هب من نومه؛ أي: استيقظ للإحسان. والهدية مشتقة من الهداية؛ لأنه اهتدى بها إلى الخير وإلى تآلف القلوب. والأصل في الباب قوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هيئاً مريئاً}، وافتتحه في (المحرر) بقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا). قال الرافعي: قيل: المراد بالتحية: الهبة، والمشهور عن ابن عباس أنها السلام، والحديث رواه البخاري في (كتاب الأدب) [594]، وهو في (سنن البيهقي) [6/ 169] و (شعبه) [6/ 479] بإسناد صحيح، ثم روي عن أبي عبد الله البوشنجي أنه قال: يروى (تحابوا) مشدداً من المحبة، ومخففاً من المحاباة. وقال في (المصابيح): صح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا؛ فإن الهدية تذهب بالضغائن). وفي (الترمذي) [2130] عن أبي معشر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: (تذهب وحر الصدور) أي: غلها، قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وأبو معشر اسمه نجيح، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وبهذا اعترض على عبد الحق لما ذكره في (الأحكام).

التَّمْلِيكُ بِلاَ عِوَضٍ هِبَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (صحيح البخاري) [2568]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو دعيت إلى كراع .. لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع .. لقبلت). ولما ولي الحسن بن عمارة قاضي بغداد مظالم الكوفة، بلغ الأعمش فقال: ظالم ولي مظالما، فبلغ ذلك الحسن فأهدى إليه أثواباً ونفقة، فقال الأعمش: مثل هذا يصلح أن يولى علينا، يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعود على فقيرنا، فقال له رجل: يا أبا محمد؛ بالأمس تقول كذا واليوم تقول كذا؟ قال: حدثني حيثمة عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها) والأصح: وقفه على ابن مسعود. وأجمعت الأمة على استحباب الهبة؛ لأنها سبب للتوادد والتحابب. قال: (التمليك بلا عوض هبة) عبارة (الحوي الصغير): الهبة تمليك بلا عوض، عكس عبارة المصنف، وهي أحسن؛ فإن المحدث عنه الهبة، ولفظ التمليك يقتضي: أن الاختصاصات كجلد الميتة ونحوه لا هبة فيها، وهو الأصح هنا، وفي (الروضة) في (باب الأحداث) ما يخالفه. وقوله: (بلا عوض) يخرج المعاوضات بلفظ الهبة، كما لو وهب بشرط ثواب معلوم .. فإنه يبيع على الأصح، وإذا أطلقت الهبة .. إنما تقع على غير ذات الثواب. وحد ابن الرفعة وغيره الهبة بتمليك عين تبرعاً في الحياة؛ لأنه إذا حلف لا يهب فأوصى له .. لم يحنث في الأصح. وقال الشيخ: لا حاجة إلى ذلك؛ لأن الميت لا يحنث إن سميناها هبة.

فَإِنْ مَلَّكَ مُحْتَاجًا لِثَوَابِ الآخِرَةِ .. فَصَدَقَةٌ، فَإِنْ نَقَلَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إِكْرَامًا .. فَهَدِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بـ (العين) عن هبة المنافع، وليس ذلك متفقاً عليه، وعن الوقف إذا قلنا: الملك فيه لله أو للواقف، قال الشيخ: ولا حاجة إلى ذلك أيضاً؛ لأن المنافع لم يملكها الموقوف عليه بتمليك الواقف، بل بتسبيله في جهة الله تعالى. قال: (فإن ملك محتاجاً لثواب الآخرة .. فصدقه)، (محتاجاً) مفعول (ملك)، واللام للتعليل، أي: لأجل ثواب الآخرة، وذكره في (الشرح) و (الروضة) كذلك، ولا حاجة إليه؛ فإن الصدقة على الغني جائزة ومثاب عليها إذا قصد القربة، لكن لما كان الغالب على الصدقة أن تخص الفقراء .. جرى في ذلك على الغالب فلا مفهوم له. قال: (فإن نقله إلى مكان الموهوب له إكراماً .. فهدية)؛ لقضاء العرف بذلك، ومنه إهداء النعم إلى الحرم، ولذلك لا يدخل لفظ الهدية في العقار بحال، فلا يقال: أهدى إليه داراً ولا أرضًا، وإنما يطلق ذلك في المنقولات كالثياب والعبيد، لكن سيأتي في (باب النذر) أنه لو قال: لله علي أن أهدي هذا البيت أو الأرض للحرم .. باعه ونقل ثمنه، فحصل من هذا أن هذه الأنواع تفترق بالعموم والخصوص، فكل هدية وصدقة .. هبة، ولا تنعكس، ولهذا لو حلف لا يهب فتصدق .. حنث، وبالعكس .. لا يحنث، هذا في صدقة التطوع، أما الزكاة .. فكوفاء الدين لا تمليك فيها من جهة المزكي، فإذا حلف لا يهب .. لم يحنث بها. وقال المتولي والروياني: أغلب ما تستعمل الهدية فيما تحمل إلى أعلى منه، وأنكره المصنف في (تهذيبه)، وصوب أنها تستعمل في المحمل على النظير والأعلى والأسفل فلذلك أطلقه هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (إكراماً) قال الشيخ: الظاهر أنه ليس بشرط، بل الشرط النقل، وقد يقال: احترز به عن الرشوة، ومفهوم كلامه أيضاً: أن الهدية لابد فيها من التمليك، لكن سيأتي في (الأضحية): أن الهدية إلى الأغنياء لا تمليك فيها، وقد يجاب بأن ذلك لخصوص الأضحية، لأنها لا تباع للأغنياء بخلاف غيرها. وقوله: (الموهوب له) هو المشهور في اللغة، يقال: وهبته له؛ لقوله تعالى: {وهبت نفسها للنبي}، {يهب لمن يشاء إناثًا}، {فهب لي من لدنك وليا}، {ووهبنا له أهله}،} ووهبنا لداود سليمان}. وفي كتب الرافعي وغيره: الموهوب منه، وهي قليلة، وأنكرها بعضهم، وقال المصنف: إنها جائزة، وإنها وردت في الحديث، وإن (من) زائدة على مذهب الأخفش والكوفيين، واختلفوا هل يشترط في حد الهداية أن يكون بين المهدي والمهدى إليه رسول ومتوسط أم لا على وجهين: أصحهما: أنه لا يشترط، وهذه الأنواع الثلاثة مندوب إليها، وفعلها مع الجيران ومع الأقارب وأهل الخير أفضل منه مع غيرهم. وينبغي أن لا يحتقر القليل فيمتنع من إهدائه، وأن لا يستنكف المهدى إليه عن قبول القليل؛ لما روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو دعيت إلى كراع .. لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع .. لقبلت). وفي (الصحيحين) [خ2566 - م1030] عنه أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة). ويستحب للمهدي إذا دعى له المهدى إليه أن يدعوا أيضاً له. ويستثنى من ذلك أرباب الولايات والعمال؛ فإنه يحرم عليهم قبول الهبة والهدية من أهل ولاياتهم على المذهب ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية. ويجوز قبول الهدية من الكافر كالمسلم.

وَشَرْطُ الْهِبَةِ: إِيجَابٌ وَقَبُولٌ لَفْظًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وشرط الهبة: إيجاب وقبول) مراد المصنف بـ (الشرط): ما لابد منه. وأركان الهبة أربعة: الأول والثاني: العاقدان، وأمرهما واضح. والثالث: الصيغة، فلابد فيها من الإيجاب والقبول كالبيع وسائر التمليكات، فلا يجوز تعليقها على شرط ولا توقيتها على المذهب، ولا يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، بل يشترط التواصل المعتاد في البيع، وعن ابن سريج جواز تأخير القبول كما في الوصية. فمن صريح الإيجاب: وهبت وأعمرت ومنحت ملكت، وفي قوله: أطعمتك هذا فاقبضه وجهان. ومن القبول: قبلت أو رضيت، والصدقة: تصدقت، ويكفي فيها كلها: ملكتك وخذه وما في معنى ذلك، لكن تستثنى الهبة الضمنية فلا يحتاج فيها إلى قبول كأعتق عبدك عني، فإذا أعتقه .. دخل في ملكه هبة، ويعتق عليه. وفي (الكفاية) عن القفال: إذا اشترى حلياً لزوجته وزينها به .. لا يصير ملكاً لها، وفي الولد الصغير يكون ملكاً له. وتستثنى المرأة إذا وهبت ليلتها لضرتها .. فلا يشترط قبولها على الصحيح، وقد يستثنى ما يأكله الضيف كما قاله الرافعي في (باب الوليمة)، لكنه هنا قال: إنه لا يملكه. قال: (لفظًا)؛ لأن الرضا لا يطلع عليه إلا بدلالة اللسان، هذا في الناطق، أما الأخرس .. فتكفيه الإشارة المفهمة، واختار في (شرح المهذب) صحتها بالمعاطاة كالبيع، وهي واردة على المصنف، وكذلك يرد عليه: أن البيع يصح بالكناية على الصحيح فالهبة أولى، وكذلك الخلع التي يخلعها السلطان على الأمراء والقضاة

وَلاَ يُشْتَرَطَانِ فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ هَذَا وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهم لا يشترك فيها القبول؛ لجريان العادة بلك كما سيأتي في (القضاء). قال: (ولا يشترطان في الهدية على الصحيح، بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك)؛ لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبلها ولا لفظ هناك، رواه الترمذي [1953]، وعلى ذلك جرى الناس في الأعصار، وكذلك كانوا يبعثون بها على أيدي الصبيان الذين لا عبارة لهم. فإن قيل: هذا كان إباحة لا هدية وتمليكاً .. فجوابه: أنه لو كان إباحة .. لما تصرفوا فيه تصرف الملاك، ومعلوم أن ما قبله النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصرف فيه ويملكه غيره. قال الرافعي: ويمكن أن يحمل كلام من اعتبر الإيجاب والقبول على الأمر المشعر بالرضا دون اللفظ، يقال: الإشعار بالرضا قد يكون لفظًا وقد يكون فعلًا. وفي (صحيح البخاري) [2576]: عن أبي هريرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام .. سأل عنه: (أهدية أم صدقة؟) فإن قيل: صدقة .. قال لأصحابه: (كلوا) ولم يأكل، وإن قيل: هدية .. أكل منهم. وفي (الصحيحين) [خ2574 - م2441]: (كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: وكان له جيران من الأنصار لهم منائح فكانوا يرسلون إلى النبي صلى الله عليه وسلم من ألبانها. وفي (سنن البيهقي) [6/ 169]: عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس: أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام، كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضرته). والوجه الثاني: يشترطان كالبيع والوصية. والثالث: لا يشترطان في المأكول ويشترطان في غيره، واختاره الإمام والغزالي، والصحيح الأول؛ لأنهم كانوا يتهادون الأطعمة وغيرها، واشتهر وقوع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسوة والدواب في هدايا الملوك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن مارية أم ولده كانت من الهدايا. والرابع: إن أراد التمليك .. اعتبر الإيجاب والقبول، وإلا .. فلا، لكن له الانتفاع به بغير البيع، وللمهدي الرجوع فيه ما دام باقيًا؛ لأنه بمنزلة الإباحة، قاله القفال، قال: ولهذا لو بعث إليه حلوى .. لم يكن له بيعها وإنما يأكلها هو وأهله. وعبارة المصنف تشعر بعدم احتياج الصدقة إلى الإيجاب والقبول، لكن قال الرافعي: الصدقة كالهدية بلا فرق، وطريقة الشيخ أبي حامد ومن تبعه افتقارها إليهما، واختاره في (الشامل) أن الأنواع الثلاثة لا تفتقر إليهما، وهو منصوص (البويطي). فروع: الأول: تشترط في الواهب أهلية التبرع، فلا تصح المكاتب بغير إن سيده ولا العبد وإن قلنا: يملك بتمليك سيده، والمبعض .. قال الدارمي: تصح هبته. الثاني: إذا كانت الهبة لمن ليس له أهلية القبول .. قبل له وليه، فإن كان الواهب له من يلي أمره غير الأب والجد .. قبل له الحاكم أو نائبه، وإن كان أبًا أو جدًا .. تولى الطرفين كالبيع، ولا اعتبار بقبول متعهد الطفل الذي لا ولاية له عليه خلافًا لأبي حنيفة، وإذا وهب لعبد غيره .. فالمعتبر قبول العبد. الثالث: إذا وهب له شيئين فقبل أحدهما، أو شيئًا فقبل بعضه .. فوجهان في (الروضة) و (الشرح). قال الرافعي: والفرق بينه وبين البيع: أن البيع معاوضة وقد يتضرر البائع بالتبعيض؛ لانتقاص قيمة الباقي، ولم يرجح الرافعي والمصنف شيئاً منهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (المهمات): والراجح: التحاقه بالبيع فلا يصح، كما لو وهب لاثنين فقبل أحدهما نصفه .. فإنه لا يصح على الأصح. قلت: الصواب: صحته؛ لما روى أحمد [4/ 171] بإسناد جيد في أثناء حديث ليعلى بن مرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي له سمن وأقط وكبش، فقبل السمن والأقط ورد الكبش) وبه جزم في (الإحياء). الرابع: غرس أشجاراً وقال عند الغراس: أغرسها لابني .. لم تصر للابن، ولو قال: جعلتها له- وهو صغير- صارت له، بخلاف الولد الكبير. الخامس: ختن ابنه واتخذ دعوة فحملت إليه هدايا ولم يسم أصحابها الأب ولا الابن، فهل تكون الهدايا ملكًا للأب أو الابن؟ فيه وجهان: قطع القاضي حسين بأنها للولد، ويجب على الأب أن يقبلها له، فإن لم يقبل .. أثم. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: تكون ملكًا للأب؛ لأن الناس يقصدون التقرب إليه، قال المصنف: وهذا أقوى وأصح، قال الشيخ: وبه أقول. ويتفرع عليه أنه إذا كان الأب قاضيًا .. يحرم قبول الهدية له. السادس: بعث إليه كتابًا وقال: اكتب الجواب على ظهره .. لزمه رده، وليس له التصرف فيه، وإلا .. فهو هدية يملكها المكتوب إليه على الأصح. وقيل: يبقى على ملك الكاتب، وللمكتوب إلي الانتفاع به على سبيل الإباحة. السابع: أعطاه درهمًا وقال: ادخل به الحمام، أو دراهم وقال: اشتر لنفسك بها عمامة ونحو ذلك .. ففي (فتاوى القفال): أنه إن قال ذلك على سبيل التبسط المعتاد .. ملكه وتصرف فيه كيف شاء، وإن كان غرضه تحصيل ما عينه لما رأى به من الشعث والوسخ أو لعلمه بأنه مكشوف الرأس .. لم يجز صرفه إلى غير ما عينه، وكذلك لو طلب الشاهد مركوبًا فأعطاه دراهم ليصرفها إلى مركوب هل له صرفها إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جهة أخلى؟ وجهان: قال المصنف: والصحيح المختار ما قاله القفال. ويشكل على تصحيحه: أنه في (الشهادات) صحح: أنه لو أعطى الشاهد دراهم وقال: اركب بها .. أن له صرفها في الركوب وغيره من غير فرق. وصحح الرافعي فيما لو أوصى لدابة غيره وفسره بالصرف في علفها: أنه يصح، ويتعين الصرف لذلك؛ مراعاة لغرض الموصى. الثامن: سئل الشيخ أبو زيد عن رجل مات أبوه، فبعث إليه رجل ثوبًا ليكفنه فيه هل يملكه حتى يمسكه ويكفنه في غيره؟ فقال: إن كان الميت ممن يتبرك بتكفينه لفقه أو ورع .. فلا، ولو كفنه في غيره .. وجب رده إلى مالكه. التاسع: أفتى الغزالي بأن خادم الصوفية الذي يتردد في الأسواق ويجمع لهم شيئًا يأكلونه أن الخادم يملكه، ولا يلزمه الصرف إليهم، قال: إلا أن المروءة تقتضي الوفاء لهم، لكن لهم منعه من الأخذ على اسمهم. وقال في (الإحياء): من له عيال وأعطي شيئاً بسببهم .. فهو له، وله أن يطعمهم من غيره. العاشر: أعطاه ثوبًا على وجه الصدقة، فأخذه ظانًا أنه عارية أو وديعة، فرده على الدافع .. قال القاضي: لا يحل له أخذه، وعليه إخباره بأنه صدقة، وهذا تفريغ على الصحيح أن الصدقة لا تفتقر إلى لفظ، أما على طريقة أبي حامد .. فلا، ولو جاء الرسول وقال: إنه هدية، وكذبه ربه وقال: إنما أرسلته عارية أو وديعة .. صدق.

وَلَوْ قَالَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِوَرَثَتِكَ .. فَهِيَ هِبَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لورثتك) أو لعقبك (... فهي هبة) مما يتعلق بالصيغة الكلام في العمرى والرقبى، وهما لفظان كانت العرب تستعملهما في عطيتين مخصوصتين، وقد ورد الشرع بتعيين بعض أحكامهما. ولفظ العمري مأخوذ من العمر؛ لأنه يجعلها له عمره، والرقبى من المراقبة؛ لأن كلًا منهما يرقب صاحبه. والأصل في ذلك: ما رواه مسلم [1625] عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه .. فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث). ورواها عن النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس، وأجمع الناس على صحة العمرى في الجملة، ولها صور: إحداها: ما بدأ به المصنف، قال الأصحاب كلهم: تصح، وهي الهبة بعينها لكنه طول العبارة، ولا خلاف أنه إذا مات في هذه الصورة .. تكون لورثته، فإن لم يكن له وارث .. كانت لبيت المال، ولا تعود إلى المعمر بحال، ولا خلاف أنها لا تختص بالعقب، بل ورثته كلهم كذلك، وهو ظاهر. وتمثيله بـ (الدار) لا يفهم منه الحصر، بل الحيوان وغيره كذلك بلا خلاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أعمر شيئًا ...). ولو قال: سكنى هذه الدار لك عمرك، أو قال: أسكنتها لك عمرك .. صح، وكانت هبة منافع تستوفى بمضى الزمان شيئًا فشيئًا، وللمسكن الرجوع متى شاء، وأيهما مات .. بطلت الإباحة. وقال مالك: اللفظ الذي ذكره المصنف ينصرف إلى المنافع؛ لأن تمليك الرقبة

وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى: أَعْمَرْتُكَ .. فَكَذَا فِي الْجَدِيدِ، وَلَوْ قَالَ: فَإِذَا مِتَّ عَادَتْ إِلَيَّ .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يتأقت، فإذا مات المعمر ولا ورثة له .. رجعت إلى المعمر، وكذا لو كان له ورثة وانقرضوا، ولا تكون لبيت المال. قال: (ولو اقتصر على: أعمرتك .. فكذا في الجديد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العمرى ميراث لأهلها) متفق عليه [م1626] من حديث أبي هريرة، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، ويقابل الجديد أقوال في القديم: أشهرها: بطلانها؛ لقول جابر: (إنما العمرى التي أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت .. فإنها ترجع إلى صاحبها) رواه مسلم [1625]. والقول الثاني القديم: أنها تكون للمعمر في حياته، فإذا مات .. رجعت للمعمر أو ورثته. والثالث: أنها عارية يسترها المعمر متى شاء، ثم بعده للواهب. ومراده بالاقتصار: أنه لم يقل معه: هو لك ولعقبك، لا أنه لم يذكر معه شيئا آخر، فإنه لو ضم إليه: هي لك عمرك أو مدة عمرك أو ما شئت أو ما حييت .. كان الحكم كذلك. قال: (ولو قال: فإذا مت عادت إلي .. فكذا في الأصح) فتصح الهبة ويلغى الشرط؛ لإطلاق الأحاديث الصحيحة، قال الرافعي: وكأنهم عدولا به عن قياس سائر الشروط الفاسدة، فليس لنا شرط فاسد مناف لمقتضى العقد يصح معه إلا هذا. والثاني: تبطل؛ لأنه شرط مخالف لمقتضى الملك، لأن من ملك شيئًا .. صار بعده إلى وارثه. والثالث: تصح ولا يلغى الشرط، والمسألة مفرعة على التي قبلها، فإن قلنا في

وَلَوْ قَالَ: أَرْقَبْتُكَ أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ رُقْبى، أَيْ: إِنْ متَ قَبْلِي عَادَتْ إِلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ اسْتَقَرَّتْ لَكَ .. فَالْمَذْهَبُ: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك البطلان .. فهذه أولى، وإن قلنا بالصحة والعود إلى الواهب .. فكذلك هنا. ولو قال: جعلت هذه الدار لك عمري أو حياتي .. فوجهان: أحدهما: أنه كقوله: جعلتها لك عمرك أو حياتك؛ لشمول اسم العمرى. وأصحهما: البطلان؛ لخروجه عن اللفظ المعتاد لما فيه من تأقيت الملك، فإنه قد يموت الواهب قبله بخلاف العكس، فإن الإنسان لا يملك إلا مدة حياته فلا تأقيت فيه، وأجري الخلاف فيما لو قال: جعلتها لك عمر فلان. قال: (ولو قال: أرقبتك أو جعلتها لك رقبى؛ أي: إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك .. فالمذهب: طرد القولين الجديد والقديم) فإن قلنا بالجديد .. صح ولغى الشرط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر شيئًا .. فهو لورثته) رواه أبو داوود [3551]. والقديم: البطلان. والطريق الثاني: القطع بالبطلان؛ لأن فيها تأقيتًا واشتراطًا ليس في العمرى، ثم لابد في الرقبى من الإيجاب والقبول والقبض كما سبق. فروع: الأول: لو باع على صورة العمرى فقال: ملكتكها بعشرة عمرك .. قال ابن كج: لا يبعد عندي جوازه تفريعًا على الجديد، وقال أبو علي الطبري وابن سريج: لا يجوز، وهو الأصح. الثاني: لا يجوز تعليق العمرى كقوله: إذا مات أو قدم فلان أو جاء رأس الشهر فقد أعمرتك هذه الدار، أو فهي لك عمرك، ولو علق بموته فقال: إذا مت فهذه الدار لك عمرك .. فهي وصية تعتبر من الثلث. الثالث: جعل رجلان كل واحد منهما داره للآخر عمره على أنه إذا مات قبله عادت إلى صاحب الدار .. فهذه رقبى من الجانبين.

وَمَا جَازَ بَيْعُهُ .. جَازَ هِبَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع: قال: داري لك عمرك، فإذا مت فهي لزيد، أو عبدي لك فإذا مت فهو حر .. صحت العمرى على قوله الجديد، ولغى المذكور بعدها. قال: (وما جاز بيعه .. جاز هبته) ها هو الركن الرابع، وهو الموهوب، وهو معتبر بالبيع فإن الهبة تمليك ناجز كالبيع، هذا هو الغالب، وقد يختلفان فتجوز هبة المشاع سواء المنقسم وغيره، وسواء وهبه للشريك أو غيره. وتجوز هبة الأرض المزروعة مع زرعها ودون زرعها وعكسه. ولا تجوز هبة المعدوم ولا المجهول والضال والآبق، وفي هبة ما لم يره الخلاف في بيعه. وهبة الزيت النجس التصدق به منعها القاضي أبو الطيب، وقال المصنف: ينبغي أن يقطع بجواز التصدق به للاستصباح ونحوه. وحذف المصنف التاء من (جازت هبته) لمشاكلة (جاز بيعه)، ولأن تأنيث الهبة غير حقيقي، لكن يستثنى من إطلاق المصنف: المنافع؛ فإنها تباع بالإجارة، وفي هبتها وجهان: أشهرهما: أنها تكون عارية. والثاني: أنها هبة لا تلزم إلا بالقبض، وقبضها باستيفائها، فيرجع متى شاء، وليس قبضها- كما في الإجارة- بقبض العين، واستشكل بأن استيفاء المنافع إتلافها فكيف يملكها بعد تلفها بخلاف العارية. ويستثنى الموصوف في الذمة؛ فإن يباع سلمًا، ولا يجوز أن يقول: وهبتك ألف درهم في ذمتي ثم يعينها في المجلس، والمال الذي لا يصح التبرع به يجوز بيعه كالمريض يصح بيعه من وارثه بثمن المثل ولا تصح هبته منه، بل يكون وصية.

وَمَا لاَ كَمَجْهُولٍ وَمَغْضُوبٍ وَضَالٍّ .. فَلاَ، إِلاَّ حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والوصي والقيم على مال الطفل يصح منهما بيع ماله، ولا يجوز لهما هبته. والوكيل بالبيع وغيره والمكاتب يصح منه بيع ما في يده لا هبته كما تقدم. والإمام في بيع المال له بيع ما رأى المصلحة في بيعه منه دون هبته من غير مستحق ونحوه، وإذا استولد الراهن الجارية المرهونة أو عتقها ولم ينفذهما لكونه معسرًا .. يجوز بيعها للضرورة، ولا تجوز هبتها، لا من المرتهن ولا من غيره كما قاله الرافعي، وحكم الهبة في الاستتباع حكم البيع، فما تبع فيه .. تبع فيها، وما لا .. فلا، كذا صرح به الجرجاني، إلا أن الإمام ذكر في (باب الخراج بالضمان) أنه لو وهب حاملًا .. لا يتبعها الحمل على الجديد. قال: (وما لا كمجهول ومغصوب وضال .. فلا)؛ لأنه لا يصح بيعه، وقال ابن سريج: تصح هبة الآبق والمغصوب لقادر على انتزاعهما، ويستثنى من المجهول إذا لم تعلم الورثة مقدار ما لكل منهم من الإرث، كما لو خلف ولدين أحدهما خنثى أو اصطلح الذين وقف بينهم المال على التساوي أو التفاوت .. فإنه يجوز. قال الإمام: ولابد أن يجري بينهم تواهب، وإلا .. بقي المال على صورة التوقف، فإنه وإن كان عن جهالة فإنه جائز للضرورة، فلو أخرج بعضهم نفسه من البين ووهبه لهم على جهل بالحال .. جاز أيضًا، ولابد من لفظ الهبة، بخلاف إعراض الغانم، وكذلك إذا اختلط حمام البرج أو الثمار والأحجار المدفونة، وكذلك الصبغ في البيع ونحوه على ما تقرر في أبوابه. قال: (إلا حبتي حنطة ونحوها) أي: من المحقرات؛ فإنه لا يجوز بيعها على الصحيح، وتجوز هبتها بلا خلاف، كذا في (الدقائق)، وكأنه سبق قلم؛ ففي (الشرح) في (باب اللقيط) في الحكم الثالث في التعريف: أن ما لا يتمول كحبة حنطة وزبيبة لا يباع ولا يوهب، وهو ساقط من (الروضة)؛ لأنه في ضمن بحث. ولم يذكر الرافعي ولا ابن الرفعة هذا الاستثناء في شيء من كتبهما، ومال الشيخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الصحة؛ لأن كلام الماوردي في أول (الدعاوى) صريح في جوازه، وأورد على حصره مسائل: منها: بيع حق التحجر لا يصح على الأصح، وتجوز هبته. ومنها: إذا جعل شاته أضحية .. ليس له بيع صوفها ولبنها، وله هبة ذلك، قاله الرويان. ومنها: جلد الميتة قبل الدباغ يوهب ولا يباع كما قاله في (باب الأواني) من (الروضة). ومنها: هبة إحدى الضرتين نوبتها للأخرى لا تقابل بعوض. ومنها: الطعام المغنوم في دار الحرب يهبه المسلمون بعضهم من بعض ليأكلوه ما داموا في دار الحرب، ولا يصح تبايعهم له. ومنها: الضيف له أن يهب من صاحبه على رأي، ولا يصح بيعه. ومنها: الدهن النجس للاستصباح ونحوه كما في زوائد (الروضة) في (باب البيع) تفقهًا، ووافق المنقول في (البحر) قبيل (باب السلم). فرع: قال العبادي: لو قال: أنت في حل مما تأخذ من مالي أو تعطي أو تأكل .. يجوز أن يأكل ولا يجوز أن يأخذ أو يعطي؛ لأن الأكل إباحة وهي تصح مجهولة، والأخذ والإعطاء هبة لا تصح مجهولة. قال: ولو قال لرجل: ادخل كرمي وخذ ما شئت، أو خذ من الثمرة ما شئت .. لا يزيد على عنقود واحد؛ لأنه أقل ما ينطلق عليه الاسم، وهو مشكل؛ ففي (فتاوى

وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إِبْرَاءٌ، وَلِغَيْرِهِ بَاطِلٌ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ القفال): أنه في هذه الحالة يأخذ ما شاء؛ لأنه إباحة. وإن قال: ما أخذت من ثمار بستاني فقد وهبته لك .. لم يجز. قال: (وهبة الدين للمدين إبراء) لا يحتاج إلى القبول على المذهب نظرًا إلى المعنى، وقيل: يحتاج نظرًا إلى اللفظ، واختلف كلام الشيخين في اعتبار ذلك، ويجريان فيما لو تصدق عليه به، حكاه الإصطخري في (أدب القضاء)، والروياني تفقهًا، وقال أبو حامد: لا يحتاج إلى قبوله قطعًا. قال: (ولغيره باطل في الأصح)؛ لأنه غير مقدور على تسليمه. والثاني: يصح، ونقلوه عن النص، وجعله في (الشامل) الأقيس؛ لأن الذمم تجري مجرى الأعيان، والخلاف بمين على جواز بيعه لغير من عليه، إن صح .. فالهبة أولى، وإلا .. فوجهان: أصحهما: المنع، فإن صحت .. ففي لزومها قبل القبض وجهان. والرافعي والمصنف أطلقا الدين، وقيده صاحب (البيان) وغيره بالمستقر، وقيده بعضهم بكونه على ملئ باذل. فرع: رجل عليه زكاة وله دين على مسكين فوهب له الدين بنية الزكاة .. لم تقع الموقع؛ لأنه إبراء وليس بتمليك، وإقامة الإبراء مقام التمليك إبدال وذلك لا يجوز في الزكاة، هكذا قال صاحب (البيان).

وَلاَ يُمْلَكُ مَوْهُوبٌ إِلاَّ بقَبْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يملك موهوب إلا بقبض) كالقراض؛ لأن كلًا منهما عقد إرفاق يحتاج إلى القبول، وبه قال أبو حنيفة؛ لما روى مالك [2/ 752] عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن أبا بكر نحلها عشرين وسقا من ماله، فلما مرض .. قال (يا بنية؛ ما أحد أحب إلي غني بعدي منك، ولا أحد أعز علي فقرًا منك، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقًا، ووددت أنك حزتيه وقبضتيه، وهو اليوم مال الوارث وهما أخواك وأختاك، فاقسموه على كتاب الله، فقالت: عرفت أخوي محمدًا وعبد الرحمن وأختي أسماء فمن الأخرى؟ قال: ألقي في روعي أن التي في بطن بنت خارجة جارية) فلو كانت الهبة تملك قبل القبض .. لم يكن لقوله: (وددت أنك لو حزتيه) معنى، وقال بهذا سبعة من الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وابن عباس وابن عمر ومعاذ وعائشة، ولا مخالف لهم. وصحح الحاكم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكًا، فمات النجاشي قبل أن يصل إليه، فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه). ويقابل ما جزم به المصنف قول قديم: إن الملك يحصل بنفس العقد، وبه قال مالك وأبو ثور وداوود. وروي عن القديم قول آخر: إن الملك موقوف إلى أن يوجد القبض، فإذا وجد .. تبينا حصول الملك من وقت العقد، ويتفرع على الأقوال أن الزيادات الحادثة بين العقد والقبض لمن تكون؟ وصفة القبض كما في البيع، إلا أنه لم يحصل بالإتلاف ولا بتخلية غير المنقول؛ لأنه غير مستحق كقبض الوديعة، وهذه الأقوال كالأقوال في أن المبيع ينتقل إلى ملك المشتري بالعقد أو بانقضاء الخيار أو بهما؟ وفي أن الموصى به ينتقل إلى الموصى له بالموت أو بالقبول أو بهما؟ لكن الراجح مختلف.

بَإِذْنِ الْوَاهِبِ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ .. قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهات: أحدها: كلام المصنف هنا مخالف لما وقع في (المحرر) و (الروضة) و (المنهاج) في (باب الاستبراء) حيث قال: (ولو مضى زمن استبراء بعد الملك وقبل القبض .. حسب إن ملك بإرث، وكذا بشراء في الأصح لا هبة) فإن هذا يقتضي ترجيح الثاني. الثاني: لا يخفى أن كلامه في الهبة الصحيحة، أما الفاسدة .. فلا يحصل فيها الملك بالقبض، والمقبوض بها غير مضمون في الأصح. الثالث: يستثنى من ذلك الهبة الضمنية كما لو قال: أعتق عبدك عني مجانًا؛ فإنه يعتق ويسقط فيه القبض كما تقدم في إسقاط القبول إذا كان التماس العتق بعوض. ولو وهب لابنه الصغير شيئًا وقبله له .. حكى ابن عبد البر إجماع الفقهاء على أنه لا يحتاج إلى قبض، ولو أمر الواهب المتهب بعتق الموهوب فأعتقه .. نفذ وكان قبضًا، وكذلك إذا أذن في أكله فأكله. قال: (بإذن الواهب) فلو قبضه بغير إذنه .. لم يملكه ويضمنه، سواء قبضه في مجلس الهبة أو بعده، سواء كان في يد الواهب أم لا على الأصح، غير أه لا يشترط الفور في القبض، بل يجوز على التراخي. ولو بعث هدية إلى شخص فمات المهدى إليه قبل وصولها .. بقيت على ملك المهدي؛ لحديث النجاشي المذكور، فلو مات المهدي .. لم يكن للرسول حملها إلى المهدى إليه، والظاهر: أن الحكم كذلك لو جن أو أغمي عليه أو حجر عليه بسفه أو فلس، ولو اختلفا في الإذن في القبض .. فالقول قول الواهب. قال: (فلو مات أحدهما بين الهبة والقبض .. قام وارثه مقامه) أي: في القبض

وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والإقباض، ولا ينفسخ العقد؛ لأنه يؤول إلى اللزوم فلم يتأثر بالموت كالبيع المشروط فيه الخيار. قال: (وقيل: ينفسخ العقد)؛ لجوازه كالشركة والوكالة. والجواب: أن هذه العقود لا تؤول إلى اللزوم، بخلاف الهبة، والخلاف جار في جنون أحدهما وإغمائه. ولو مات الواهب ولا وارث له إلا بيت المال .. يظهر أن الإمام لا يأذن في القبض كما لا يجيز الوصية المتوقفة على الإجازة. وفي (تحرير الجرجاني): أن هذا الخلاف لا يجرى في الهدية إذا مات المهدي قبل وصولها، بل ينفسخ قولًا واحدًا؛ لعدم القبول، ويشهد له حديث النجاشي المتقدم. فروع: باع الواهب ما وهب قبل أن يقبضه المتهب .. صح البيع وبطلت الهبة، ولو أتلف المتهب الموهوب .. لم يصر قابضًا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع؛ لأن القبض في البيع مستحق، وللمشتري المطالبة به فجعل التمكين قبضًا، وفي الهبة غير مستحق فاعتبر تحقيقه. ولو أذن الواهب للمتهب في قبض الموهوب قبل الإيجاب والقبول .. لم يصح كما لو شرط البيعان الخيار قبل العقد، وإن أذن له بينهما بأن قال: وهبت لك الدار وأذنت لك في قبضها، فقال المتهب: قبلت .. فعن الفقيه زيد بن عبد الله اليفاعي شيخ صاحب (البيان): أنه لا يصح، وعن القاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق: أنه يصح، والفرع شبيه بمزج الرهن بالبيع، وعن نص الشافعي: لو قال: وهبته له

وَيُسَنُّ لِلْوَالِدِ الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلاَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وملكه .. لم يكن إقرارًا بلزوم الهبة؛ لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد كما قاله مالك، والإقرار يحمل على اليقين. ولو قال: وهبته له وخرجت إليه منه، فإن كان الموهوب في يد المتهب .. كان إقرارًا بالقبض، وإن كان في يد الواهب .. فلا. ولو قيل له: وهبت دارك لفلان وأقبضته؟ فقال: نعم .. كان إقرارًا بالهبة والإقباض. ولو هب من رجل عبدًا بشرط أن يعتقه .. ترتب على القولين في البيع، فإن قلنا: يصح فيه .. ففي الهبة أولى، وإن قلنا: لا يصح .. ففي الهبة وجهان. قال: (ويسن للوالد العدل في عطية أولاده)؛ كيلا يفضي بهم الميل إلى العقوق. والمراد بـ (الوالد): الأصل، والأم والجدة والجد كذلك. وفي (الصحيحين) [خ2586 - م1623]: عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا، فقال: (أكل ولدك نحلت مثله؟) قال: لا، قال: (فأرجعه) وفي رواية لهما: (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟) قال: نعم، قال: (فلا إذن) وفي رواية لهما: (اتقوا الله وعدلوا بين أولادكم). وبقولنا قال مالك وأبو حنيفة وأكثر العلماء. وقال أحمد وابن حبان: يجب العدل بين الأولاد في العطية إلا إذا اختص أحدهما بمعنى يبيح التفضيل كحاجة أو زمانة أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغال بعلم ونحوه. ولا خلاف أن التسوية بين الأولاد مطلوبة، حتى في القبلة ينبغي إذا قيل أحدهم أن يقبل الآخر. واستدل القائلون بجواز التفضيل بقصة أبي بكر لما نحل عائشة جذاذ عشرين وسقًا، وبأن عمر فضل عاصمًا بشيء، وفضل ابن عوف ولد ابن أم كلثوم، وفضل

بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَقِيلَ: كَقِسْمَةِ الإِرْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عمر بعض ولده على بعض، وفضل القاسم بن محمد بعض ولده على بعض. وقال الشيخ عز الدين في (القواعد): لو كان بعضهم فقيرًا وبعضهم غنيًا .. ففي تقديم الفقير على الغني نظر واحتمال، وعبارة المصنف تقتضي: أن ترك المساواة خلاف الأولى، لكن جزم المصنف والرافعي بالكراهة. وإذا أعطى وعدل .. كره له الرجوع، وكذا إن كان له ولد واحد فوهب منه .. كره له الرجوع إن كان الولد عفيفًا بارًا، وإن كان عاقًا أو كان يستعين بما أعطاه في معصية .. فلينذره بالرجوع، فإذا أصر .. لم يكره الرجوع. وقال الغزالي: إذا ترك العدل .. كان تاركًا للأحب، فلم يقل: الواجب كما نقله ابن الرفعة وغيره عنه. وكذلك يسن العدل للولد إذا وهب شيئًا لأبويه، قال الدارمي: فإن فضل .. فضل الأم؛ لحديث: (أن لها ثلثي البر). ونقل المصنف في (شرح مسلم) في (باب البر والصلة) عن المحاسبي: أنه نقل الإجماع على أن الأم تفضل في البر على الأب. قال: (بأن يسوي بين الذكر والأنثى)؛ لما روى سعيد بن منصور [293] والبيهقي [6/ 177] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مفضلًا أحدًا .. لفضلت النساء) وبهذا قال أبو حنيفة ومالك. قال: (وقيل: كقسمة الإرث) وبه قال أحمد فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين كما أعطاهم الله تعالى وهو خير الحاكمين. وقيل: الأولى أن يفضل الأنثى، حكاه ابن سلامة المقدسي في (شرح

وَلِلأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المفتاح)، ويرده حديث ابن عباس المذكور. ولو كان في الأولاد خنثى .. فحكمه كالذكر لا الأنثى، حتى يجري فيه الوجهان، كذا في (نواقض الوضوء) من (شرح المهذب)، والإخوة ونحوهم لا يجري فيهم هذا الخلاف، قال ابن الرفعة: ويحتمل طرده خشية الإيحاش، وقد يفرق بأن المحذور في الأولاد عدم البر وهو واجب، قال: ولا شك أن التسوية بينهم مطلوبة، لكن دون طلبها بين الأولاد. وقد روى البيهقي في (شبعه) [7929] عن سعيد بن العاصي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده) وفي رواية [7930]: (الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب). فرع: إذا لم يعدل ووهب بعض أولاده دون بعض من غير معنى يقتضي ذلك .. فعن أحمد أنها باطلة، وعنه أنها صحيحة ويجب أن يرجع، وعندنا هي صحيحة مع الكراهة كراهة تنزيه، والأولى في هذه الحالة أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل، ولو رجع .. فلا بأس. قال: (وللأب الرجوع في هبة ولده)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده) رواه الأربعة وصححه الحاكم [2/ 46] وابن حبان [5123]. وقال ابن سريج: لا يرجع إلا إذا قصد بهبته استجلاب بر أو دفع عقوق فلم يحصل، فإن أطلق الهبة ولم يقصد ذلك .. فلا رجوع، والصحيح: الجواز مطلقًا، ولغرابة هذا عن ابن سريج لم يعد وجهًا. وقال أبو حنيفة: لا رجوع للأب، وعن مالك: إن غب راغب في مواصلة الولد

وَكَذَا لِسَائِرِ الأُصُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب المال الموهوب فزوج من الابن أو تزوج البنت .. فلا رجوع له، وأصح الروايتين عن أحمد مثل مذهبنا. واستدل أبو حنيفة لمنع رجوع الأب بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته ..) ونحوه وأدلة الرجوع أخص وأقوى في المعنى، لاسيما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده) فلفظه صريح ما فيه حيلة، ومذهب أبي حنيفة عكس هذا وقال: الوالد لا يرجع وغيره يرجع. نعم؛ يستحب الرجوع لمن ترك العدل بين أولاده، نقله في (البحر) عن الأصحاب، وحق الرجوع ثابت له على التراخي، فلو أسقطه .. لم يسقط، بل له الرجوع بعد ذلك. ولا فرق في الولد بين أن يكون غنيًا أو فقيرًا، اتفق دين الوالد والولد أو اختلف، كبيرًا كان الولد أو صغيرًا، وكان الشيخ يتوقف في جواز الرجوع في هبة الولد الصغير؛ إذ لاحظ له في ذلك، ويجوز الرجوع في بعض الموهوب كما له الرجوع في كله كما قاله الرافعي في (باب التفليس). قال: (وكذا لسائر الأصول على المشهور)؛ لأنه كالأب في الحرمة والاحترام والعتق والنفقة وسقوط القصاص. والمعنى في تخصيص الأصول بذلك: انتفاء التهمة عنه؛ لما طبع عليه الإنسان من إيثار ولده على نفسه، ولأنه لا يرجع إلا لحاجة أو مصلحة، وقد يرى في وقت أن المصلحة في الرجوع إما بقصد التأديب أو غيره، بخلاف الأجنبي. وعن القفال الشاشي: أنه لا رجوع للأم؛ لعدم ولايتها، ولأن الخبر إنما ورد في الأب، وقيل: يختص بالأب والأم، وقيل: لكل أصل له ولاية كالأب والجد أبي

وَشَرْطُ رُجُوعِهِ: بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ الْمُتَّهِبِ؛ فَيَمْتَنِعُ بِبَيْعِهِ وَوَقْفِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأب، وقيل: ترجع الأم قطعًا وفي غيرها قولان؛ لأن ولادتها متيقنة والولد منها قطعًا، وقيل: يرجع آباء الآباء وفي غيرهم قولان. ولو وهب لعبد ولده .. رجع، أو لمكاتب ولده .. فلا، وهبته لمكاتب نفسه كالأجنبي، ولو تنازع رجلان مولودًا ووهبنا له .. فلا رجوع لواحد منهما، فإن ألحق بأحدهما .. فالأصح في زوائد (الروضة): الرجوع. وحكم الرجوع في الهدية حكمة في الهبة، ولو تصدق على ولده فله الرجوع على الأصح المنصوص، كذا قاله الشيخان هنا، وصححا في (باب العارية) وفي (الشرح الصغير) في البابين مقابله؛ لأن القصد بالصدقة التقرب إلى الله فأشبهت العتق، والقصد بالهبة إصلاح الولد وربما كان الإصلاح في الرجوع، والأصح: الأول كما قاله المتولي. ولو أبرأه من دين .. بني على أن الإبراء إسقاط أو تمليك، إن قلنا: تمليك رجع، وإلا .. فلا. قال المصنف: ينبغي أن لا يرجع على التقديرين، ومحل الرجوع في الهبة إذا كانت بغير ثواب، فإن شرط فيها الثواب وأثابه الولد .. فلا رجوع له على الصحيح. ولو وهب من ولده ثم مات الواهب ووارثه أبوه لكون الولد مخالفاً له في الدين .. فلا رجوع للجد الوارث؛ لأن الحقوق لا تورث وحدها، إنما تورث بتبعية الأموال وهو لا يرث. قال: (وشرط رجوعه: بقاء الموهوب في سلطنة المتهب، فيمتنع ببيعه ووقفه) وهذا لا خلاف فيه؛ لأن الشارع إنما أثبت الرجوع في العين وقد تعذر، ولا يستحق عنها بدلًا؛ لأنها لم تكن بعوض، ويلتحق به ما إذا كاتب العبد أو كانت أمة فاستولدها، كل ذلك يمنع الرجوع، والمراد: بيع كله، فلو باع البعض .. فله

لاَ بِرَهْنِهِ وَهِبَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ وَتَزْوِيجِهَا وَزِرَاعَتِهَا، وَكَذَا الإِجَارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجوع فيما لم يبع، قاله صاحب (التقريب). ولو كان الموهوب حبًا فبذره الابن أو بيضًا فأحضنه الدجاج وتعفن الحب وصار البيض دمًا .. خرج عن المالية وامتنع الرجوع حينئذ، فإذا نبت الحب وصار البيض فرخًا .. قال القاضي حسين والرافعي: لا رجوع، واختار الشيخ جواز الرجوع كما يرجع في الخل بعد تخمر العصير؛ لأنه لم يخرج عن سلطنة المتهب. وإنما عبر المصنف بـ (بقاء السلطنة) لا ببقاء الملك ليحترز بذلك عما لو جنى الموهوب وتعلق الأرش برقبته، أو أفلس المتهب وحجر عليه .. فإن الرجوع يمتنع مع بقاء الملك، فلو عبر ببقاء الملك لورد عليه ذلك. وشملت عبارته ما لو أبق أو غصب .. فإنه يرجع فيه؛ لبقاء السلطنة. قال: (لا برهنه وهبته قبل القبض وتعليق عتقه وتزويجها وزراعتها) فكل ذلك لا يمنع الرجوع؛ لبقاء السلطنة، وكذلك الحكم في التدبير والوصية. وأفهمت عبارته: أنهما إذا قبضا .. امتنع الرجوع، وهو في الهبة لا خلاف فيه، وفي المرهون على الأصح، وقيل: موقوف، فإن انفك الرهن .. بان صحته. وعلى الصحيح: ينبغي أن يستثنى من ارهن المقبوض: ما إذا كان الأب هو المرهون عنده .. فيشبه أن له الرجوع؛ لأن بيع الرهن من المرتهن جائز؛ إذ الحق له، فكذلك رجوعه. قال: (وكذا الإجارة على المذهب)؛ لأن العين باقية بحالها كالتزويج، وقال الإمام: إن صح بيع المؤجر .. رجع، وإلا .. فلا، وهذا هو المقابل لقول المصنف: (المذهب). ولو جنى العبد وتعلق الأرش برقبته .. فهو كالمرهون في امتناع الرجوع، لكن لو

وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ وَعَادَ .. لَمْ يَرْجِعْ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: أفديه وأرجع فيه .. مكن منه، بخلاف ما لو كان مرهونًا فأراد أن يبدل قيمته ويرجع فيه؛ لما فيه من إبطال تصرف المتهب، كذا قاله الرافعي، والذي قاله القاضي حسين: أن للأب الرجوع، ولا يكون بذلك مختارًا للفداء، بل هو بالخيار إن شاء .. فداه، وإن شاء .. سلمه ليباع في الجناية، واختاره الشيخ، والذي قاله الرافعي سبقه إليه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ. ولو تعلق حق غرماء المتهب بماله لإفلاسه والحجر عليه بالفلس .. ففي الرجوع وجهان: أصحهما: لا رجوع كالمرهون. والثاني: له الرجوع، واختاره الشيخ أيضاً. قال: (ولو زال ملكه وعاد .. لم يرجع في الأصح)؛ لأن هذا الملك غير مستفاد منه حتى يزيله ويرجع فيه. والثاني: يعود؛ لأنه وجد عين ماله عند من له الرجوع فيما وهب منه، والخلاف ينبني على أصل تقدم في البيع، وهو أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد، لكن يستثنى منه: ما إذا ارتد- وقلنا بزوال ملكه- ثم أسلم .. فالأصح: الرجوع، وما إذا وهبه عصيرًا فتخمر وتحلل .. فله الرجوع على المذهب كما تقدم، وكذلك لو هبه صيدًا فأحرم ولم يرسله ثم تحلل، ولو كاتبه ثم عجز .. فله الرجوع؛ لأن الملك الأول لم يزل. أما أو أشرف على الزوال كما لو ضاع الموهوب من الابن فالتقطه ملتقط وعرفه سنة ولم يتملك فحضر المالك .. فإن العين تسلم إليه، وهل للأب الرجوع؟ قال ابن الرفعة: يشبه أن يخرج على الخلاف في أن المشرف على الزوال هل هو كالزائل؟ وأطلق المصنف الزوال والعود، وفرضه الشيخان فيما إذا عاد بإرث أو شراء وهو

وَلَوْ زَادَ .. رَجَعَ فِيهِ بِزِيَادَتِهِ المُتَّصِلَةِ لاَ المُنْفَصِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح بلا إشكال، وكذلك لو عاد باتهاب، وفي الثلاثة فرضه القاضي أبو الطيب، وذكر ابن الرفعة مع ذلك عوده بالإقالة، وقد يتوقف في ذلك بناءً على أن الإقالة فسخ، وهو الصحيح، فلا يكون العائد ملكًا جديدًا، بل العائد بالفسخ هو الملك الأول؛ لأن الفسخ رفع أثر العقد، وعاد الأمر إلى ما كان عليه، وكذا إذا رد عليه بعيب، فلذلك قال الشيخ: والأفقه في العود بالرد بالعيب والإقالة الرجوع، ولو وهب الابن المتهب الموهوب لابنه أو باعه له .. فلا رجوع للجد على المذهب. قال: (ولو زاد .. رجع فيه بزيادة المتصلة) كالسمن وتعلم الحرفة وحرث الأرض وتسويتها، كما في الرد بالعيب، وعن القديم وجه: أن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع في الهبة كما في الصداق، قال ابن الرفعة: وللشافعي نص يشهد له، لكنهم لم يفرعوا عليه. واستثنى ابن أبي الدم من هذا الخلاف: ما إذا وهبها حائلاً ثم رجع وهي حامل .. فإنه يرجع فيها حاملًا قطعًا، وهذا صحيح على قولنا: الحمل لا يعرف، فإن قلنا: يعرف- وهو الأصح- لم يرجع إلا في الأم كما قاله الرافعي وغيره. نعم؛ يستثنى: ما لو تعلم حرفة؛ فإن الأب لا يفوز بها، بل يكون الابن شريكًا له في الزيادة. وكذا لو وهبه نخلًا فأطلعت ثمرًا غير مؤبر .. لم يرجع فيه على المذهب لأنه لا معاوضة ولا تراضي كالصداق، قاله في (الحاوي) في (باب بيع الأصول والثمار)، لكن في (الروضة) في (باب التفليس) عن الشيخ أبي محمد ما يقتضي ترجيح التبعية، ولم يحك فيه خلافًا. قال: (لا المنفصلة) معناه: رجع فيه لا في الزيادة المنفصلة، بل يفوز بها

وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِرَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُ، أَوِ اسْتَرْجَعْتُهُ، أَوْ رَدَدْتُهُ إِلَى مِلْكِي، أَوْ نَقَضْتُ الْهِبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الولد؛ لحدوث ذلك على ملكه، ومن هنا يعلم أن الرجوع في الهبة قطع للملك من حينه لا من أصله كما هو الصحيح في الرد بالغيب. ولو كان الموهوب ثوبًا فصبغه الابن .. رجع الأب في الثوب، والابن شريك في الصبغ، ولو قصره، أو كانت حنطة فطحنها، أو غزلاً فنسجه، فإن لم تزد قيمته .. فللأب الرجوع ولا شيء للابن، وإن زادت، فإن قلنا: القصارة عين .. فالابن شريك، وإن قلنا: أثر .. فلا شيء له. وإذا وهبه حاملاً ورجع قبل الوضع .. رجع فيها حاملاً، وإن رجع بعد الوضع، فإن قلنا: الحمل يعرف: رجع في الأم، وإن قلنا: لا يعرف .. اختص الرجوع بالأصل. وإذا وطئ الابن الموهوبة .. قال ابن القطان: لا رجوع وإن لم تحبل؛ لأنها حرمت على الأب، والصحيح: ثبوت الرجوع، ولو نقص الموهوب .. رجع فيه الأب نقصاً، وليس على الابن أرش النقصان. قال: (ويحصل الرجوع برجعت فيما وهبت، أو استرجعته) أو وهبته (أو رددته إلى ملكي، أو نقضت الهبة) وما أشبه ذلك كأبطلتها أو فسختها؛ لدلالتها على المقصود، وهل هي صرائح أو كنايات؟ وجهان. ويحصل الرجوع بالكناية مع النية وإن قلنا: لا تنعقد الهبة بها، والرجوع هناك كرجوع البائع عند فلس المشتري، فما كان رجوعًا ثم .. فهو رجوع هنا، ولا يصح إلا منجزًا، فلو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت .. لم يصح؛ لأن الفسوخ لا تقبل التعليق، ولا يحصل الرجوع بالنية قطعًا.

لاَ بِبَيْعِهِ وَوَقْفِهِ وَهِبَتِهِ وَإِعْتَاقِهِ وَوَطْئْهَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا يبيعه ووقفه وهبته وإعتاقه ووطئها في الأصح) الخلاف عائد إلى المسائل الخمس، والمقصود: أنه إذا لم يرجع باللفظ ولكن أتى بهذه الأشياء .. فوجهان: أحدهما: أنها رجوع، كما أن هذه التصرفات في زمن الخيار فسخ للبيع، وهذا أصح عند الفوراني وصاحب (البيان)، وبه أفتى الغزالي. والثاني: المنع، وهو الأصح عند الجمهور؛ لكمال ملك الابن بدليل نفوذ تصرفه. وفي وجه ثالث: أنه رجوع ولا ينفذ. وينبغي أن يأتي وجه رابع: أنه إن نوى به الرجوع .. كان رجوعًا، وإلا .. فلا كما في زمن الخيار، فعلى الصحيح: تلزمه بالإتلاف القيمة ويلغو الإعتاق وعلي بالوطء مهر المثل وبالاستيلاد القيمة، ولا خلاف أن الوطء حرام على الأب وإن قصد به الرجوع في الهبة؛ لاستحالة إباحة الوطء لشخصين، وحيث ثبت له .. لا يفتقر إلى قضاء القاضي، وإذا رجع ولم يسترد المال .. فهو أمانة في يد الولد، بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ البيع؛ لأن المشتري أخذه على حكم الضمان. ولا خلاف أن المتهب يستبيح الوطء قبل الرجوع، ثم إذا لم يجعل وطء الأب رجوعًا .. فعليه بالوطء مهر المثل وبالاستيلاد القيمة. وإن جعلناه رجوعاً .. فهل يقدر انتقال الملك إليه قبله أو معه حتى لا يلزمه المهر أو بعده فيلزمه؟ فيه ثلاثة احتمالات في (المطلب) مستنبطة مما إذا وطئ جارية الابن وأحبلها وأثبتنا الاستيلاد. وإذا باع الولد العين فادعى الأب: أنه رجع قبل البيع .. لم يقبل، ويحتاج إلى بيان.

وَلاَ رُجُوعَ لِغَيْرِ الأُصُولِ فِي هِبَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْيِ الثَّوَابِ. وَمَتَى وَهَبَ مُطْلَقًا .. فَلاَ ثَوَابَ إِنْ وَهَبَ لِدُونِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو وهب من أبيه شيئا ثم جن .. لم يكن لوليه الرجوع قطعًا. ولو حجر عليه بسفه .. كان له به الرجوع في زمن الحجر، لا بالفلس على الأصح. ولا يصح الرجوع إلا منجزًا، فلو قال: إذا جاء الشهر فقد رجعت .. لم يصح، قال المتولي: لأن الفسوخ لا تقبل التعليق. قال: (ولا رجوع لغير الأصول) هذا لا خلاف فيه عندنا، إنما خالف فيه أبو حنيفة. قال: (في هبة مقيدة بنفي الثواب)؛ لظاهر الحديث السابق، وكالمتصدق، قال الشيخ: ومقصوده بهذا: بيان محل ما تقدم الكلام فيه، وليس لنا هبة لا ثواب فيها متفق عليها إلا هبة الأعلى للأدنى كما سيأتي. وأفهمت عبارته: صحة الهبة إذا قيدت بنفي الثواب، وهو الأصح. فرع تعم به البلوى: أقر الأب أن هذه العين ملك ابني وهي في يدي أمانة، ثم ادعى بعد ذلك أن المقر به كان نحلة وقد رجع فيه وكذبه الولد .. ففي المصدق منهما وجهان: قال الأكثرون: المصدق الولد؛ لأن الأصل بقاء ملكه ولا رجوع للأب. وأفتى القاضي أبو الطيب والماوردي والهروي بمقابلة، وصححه المصنف؛ لأن الإقرار المطلق ينزل على أضعف السببين، وهو هنا الهبة، كما ينزل على أقل المقدارين، ورجح ابن الرفعة الأول وقال: يعارض أضعف السببين هنا كون الأصل بقاء الملك، فهذا الأصل عضد أقوى السببين فعمل به. قال: (ومتى وهب مطلقاً .. فلا ثواب إن وهب لدونه) أي: في الرتبة كالإمام للرعية؛ لأنه لا يقتضيه اللفظ ولا العادة، وألحق الماوردي بذلك هبة الغني للفقير؛ لأن المقصود نفعه، وهب المكلف لغيره؛ لعدم صحة الاعتياض منه، وهبة الأهل

وَكَذَا الأعْلَى مِنْهُ فِي الأَظْهَرِ، وَلِنَظِيرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنْ وَجَبَ .. فَهُوَ قِيمَةُ الْمَوْهُوبِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والأقارب؛ لأن المقصود الصلة، وهبة العدو؛ لأن المقصود التألف، والهبة للعباد والزهاد؛ لأن المقصود بها التبرك، وكذا الهبة لمن أعان بجاه أو مال فهذه الأنواع لا ثواب فيها. قال: (وكذا الأعلى منه في الأظهر) كهبة الرعية من السلطان، كما لو أعاره داراً .. لا يلزم المستعير شيء، فكذلك الهبة إلحاقًا للأعيان بالمنافع، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. والثاني- وبه قال مالك-: يجب الثواب لاطراد العادة به، ولقوله صلى الله عليه وسلم لسلمان: (إنا نقبل الهدية ونكافئ عليها). وأصل الخلاف: أن العادة المقررة هل تنزل منزلة الشرط؟ في ذلك قولان، وقيل: محلهما إذا نوى الثواب، وإلا .. لم يستحقه قطعًا، والهدية كالهبة في جميع ذلك، كذا جزم به الشيخ تبعًا للدارمي والبندنيجي في (باب الشفعة)، وعبارة المصنف الظاهر أنها كالهبة، وأما الصدقة .. فثوابها عند الله لا على المتهب قطعًا، كذا ذكره المصنف في (زوائده) وهو في (الشرح). قال: (ولنظيره على المذهب)؛ لأن المقصود من مثله الصلة وتأكد الصداقة. والطريق الثاني: طرد القولين السابقين. والثالثة: إن قصده الواهب .. استحقه، وإلا .. فقولان. قال: (فإن وجب) أي: الثواب (.. فهو قيمة الموهوب في الأصح)؛ لأن العقد إذا اقتضى العوض ولم يسم .. وجبت فيه القيمة كالنكاح، وعلى هذا: الأصح: قيمة يوم القبض وبه قال مالك، وقيل: يوم الثواب، وعبارة (الشرح) و (الروضة): قدر قيمة الموهوب، فأسقط المصنف لفظة قدر من (المنهاج) فأوهم تعين النقد وليس كذلك؛ لأنه لا يتعين للثواب جنس، بل الخيرة إلى الواهب، ويقابل الأصح أوجه:

فَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ .. فَلَهُ الرُّجُوعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل يثيبه إلى أن يرضى الواهب؛ لما روى الترمذي [3945] وأحمد [2/ 292] وابن حبان [6382] عن أبي هريرة قال: أهدى رجل من بني فزارة للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة .. فعوضه منها ست بكرات فسخطه، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: (إن رجالاً من العرب يهدي أحدهم الهدية فأعوضه منها بقدر ما عندي ثم يسخطه، وايم الله! لا أقبل بعد مقامي ها من رجل من العرب هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) زاد أبو داوود [3531]: (أو مهاجري). والثالث: ما يعد ثوابًا لمثله عادة، وصححه صاحب (الإشراف) والفارقي وابن أبي عصرون. والرابع: ما يتمول وإن قل؛ لوقوع اسم الثواب عليه، وبه قال أبو حنيفة، فإذا أتى به أكثر منه فهل يقع الجميع ثوابًا أو ثوابًا وتبرعًا؟ خرجه في (المطلب) على تطويل الركوع ونظائره، والصواب: أن الخلاف أقوال كما صححه في (تنقيح الوسيط)، قال: وكذا حكاه جمهور العراقيين، وهم أعرف بالنصوص. قال: (فإن لم يثبه .. فله الرجوع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من وهب هبة .. فهو أحق بها ما لم يثب منها) صححه الحاكم [2/ 52]، ولأنه لم يحصل له ما طمع فيه، ويكون ذلك قطعًا للملك من حينه لا من أصله كما تقدم في رجوع الوالد في هبة ولده. وعلى هذا: لا تلزم المتهب الإثابة، بل إن أراد .. أثاب واستقر ملكه، وإن أراد .. رد، فإن لم يثب .. فللواهب أن يرجع فيما وهب، وزوائده المتصلة للواهب في الأصح، والمنفصلة للمتهب، وقيل: له إمساكه وبذل قيمته بلا زيادة. كل هذا إذا كان الموهوب باقيًا، فإن تلف .. ضمن بالقيمة في الأصح، يجريان في تغريمه أرش النقص، فلو أراد الواهب الرجوع والمتهب الإثابة .. أجيب المتهب، صرح به الدارمي، فإن تمانعا .. أجبر المتهب على رد الهبة أو الإثابة.

وَلَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ ثَوَابٍ مَعْلُومٍ .. فَالأَظْهَرُ: صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ مَجْهُولٍ .. فَالْمَذْهَبُ: بُطْلاَنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: أهدى لرجل شيئًا على أن يقضي له حاجة أو يخدمه فلم يفعل .. وجب عليه ردها إن كانت باقية، أو بدلها إذا تلفت، قاله الإصطخري في (أدب القضاء). قال: (ولو وهب بشرط ثواب معلوم .. فالأظهر: صحة العقد) نظرًا للمعنى؛ فإنه معاوضة بمال معلوم فصح كما لو قال: بعتك. والثاني: المنع نظرًا للفظ، وهما كالوجهين فيما إذا قال: بعتك بلا ثمن هل ينعقد هبة أو يبطل؟ وكالوجهين فيما إذ قال: قارضتك والربح كله لك أو لي. قال: (ويكون بيعًا على الصحيح) ملاحظة للمعنى، فتثبت فيه أحكام البيع عقب العقد كالشفعة وثبوت الخيار ولزوم القبض، ويقابله: أنه هبة مراعاة للفظ فتثبت فيه أحكامها. وحصله: ثبوت الخيار على الصحيح، وهو خلاف ما صحح في (باب الخيار) وقد تقدم بيانه في، وعلى القولين معًا: لو وهب درهمًا بشرط ثواب درهمين .. لم يجز؛ لأنه ربًا. قال: (أو مجهول) أي: بشرط ثواب مجهول (.. فالمذهب: بطلانه)؛ لأنه خالف موجب الهبة بالعوض والبيع بجهالة العوض. مهمة: قال: وهبتك ببدل فقال: بل بغير بدل وقلنا: مطلق الهبة لا يقتضي ذلك .. فالأصح في (البحر): أن القول قول الواهب، والأصح في زوائد (الروضة): أن القول قول المتهب، وله نظيران يشهدان بصحته: أحدهما: إذا قال السيد لعبده: أعتقتك على ألف أو بعتك نفسك بها وطالبه بها

وَلَوْ بَعَثَ هَدِيَّةً فِي ظَرْفٍ؛ فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ .. فَهُوَ هَدِيَّةٌ أَيْضاً، وَإِلاَّ .. فَلاَ وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إِلاَّ فِي أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ إِنِ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فأنكر العبد وحلف .. سقط المال وحكم بالعتق. الثاني: إذا قال الزوج: خالعتك بألف وأنكرت المرأة .. حصلت البينونة ولا شيء عليها كما جزم به الرافعي في بابه. قال: (ولو بعث هدية في ظرف؛ فإن لم تجر العادة برده كقوصرة تمر .. فهو هدية أيضًا) تحكيمًا للعادة، ومثله علب الفاكهة والحلوى. وقوله: (بعث هدية) أنكره الحريري في (الدرة)، قال: والصواب: بعث بهدية؛ لقوله تعالى: {وإني مرسلة إليهم بهدية}، أي: مرسلة رسلاً بهدية، وغير الحريري أجاز الأمرين جميعًا، لكن الأحسن ما في القرآن. و (القوصرة) بتشديد الراء وقد تخفف: وعاء من خوض يكنز فيه التمر، قال الراجز: أفلح من كانت له قوصرة .... يأكل منها كل يوم مرة ولا تسمى بذلك إلا وفيها التمر، وإلا .. فهي زنبيل أو مكتل. قال: (وإلا .. فلا) بل تكون أمانة في يده كالوديعة للعرف، ويستحب في هذه الحالة الإسراع برد الوعاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (استديموا الهدية برد الظروف). قال: (ويحرم استعماله)؛ لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه. قال: (إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة) قال البغوي: ويكون في هذه الحالة عارية. تتمة في مسائل تتعلق بالكتاب: لا يحصل الملك بالقبض في الهبة الفاسدة، وهل المقبوض منها مضمون كالبيع الفاسد أم لا كالهبة الصحيحة؟ وجهان، ويقال: قولان: أصحهما في زوائد (الروضة): لا ضمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المتولي: وإذا حكمنا بفساد الهبة فسلم المال بعد ذلك هبة، فإن كان يعتقد فساد الأولى .. صحت الثانية، وإلا .. فوجهان بناء على من باع مال أبيه على ظن أنه حي فبان ميتًا. ويكره للإنسان أن يرجع فيما وهبه من غيره. وتحرم المسألة على الغني وإن حلت له الصدقة، إلا لمن تحمل حمالة .. فتحل. وإن قال: تصدقت عليك بالمال الذي لي عليك .. صح وكان إبراء بلفظ الصدقة؛ لقوله تعالى: {ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا}، وقوله: {فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا}، والمراد في الآيتين: الإبراء. وروي عن ابن عباس: (من أهديت إليه هدية وعنده ناس .. فهم شركاؤه فيها) وروي مرفوعًا، والموقوف أصح، وبه قال أبو يوسف في المأكول ونحوه. وفي الحديث الصحيح: (ما أتاك من هذا المال من غير سؤال واستشراف .. فخذه) فلذلك قال ابن حزم بوجوبه. وقال في (الإحياء): لو طلب إنسان من غيره أن يهبه مالًا في ملأ من الناس فاستحيى منه فأعطاه ولو كان في خلوة ما أعطاه .. لم يحل ذلك للموهوب له كالمصادر؛ لأن سياط القلب آلم من سياط البدن، قال: وكذا كل من وهب له شيئاً لاتقاء شره أو سعايته. أرسل كتابًا إلى غائب أو حاضر .. قال المتولي: هو هدية يملكه المكتوب إليه، وصححه المصنف، وقال آخرون: يبقى على ملك الكاتب وللمكتوب إليه الانتفاع به على وجه الإباحة، فلو كتب إليه أن اكتب الجواب على ظهره .. لم يملكه وعلي رده، ولم يملك التصرف فيه قطعًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره للإنسان أن يشتري ما وهب من غيره. ولو دفع إليه ثوبًا بنية الصدقة فأخذه المدفوع إليه ظاناً أنه عارية أو وديعة فرده على الدافع .. لا يحل للدافع قبضه؛ لخروجه عن ملكه اعتبارًا بنيته، فإن قبضه .. لزمه دفعه إلى المدفوع إليه. ولو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كون ذلك في المرض وادعى المتهب كونه في الصحة .. فالمختار: أن القول قول المتهب. فائدة: روى البزار في (مسنده) [1413] والدارقطني في أكبر معاجمه والبيهقي في (شعبه) [6052] عن عمار بن ياسر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها؛ للشاة التي أهديت له بخيبر مسمومة) ورواه أبو القاسم بن عساكر في (تاريخه) [22/ 148] كذلك في ترجمة مسلم بن قتيبة، وهو أصل لما يفعله الملوك والأمراء في ذلك، ويلتحق بهم من في معناهم، وقد استشكل هذا الحديث بقوله تعالى: {والله يعصمك من الناس}. وأجيب عنه بوجهين: أحدهما: أنه كان قبل نزول الآية. والثاني: أن العصمة لا تنافي تعاطيه لأسبابها، كما أن إخباره تعالى أن يظهره على الدين كله لا ينافي جهاده وأمره بالقتال، فمن تام التوكل سلوك الأسباب والاعتماد على رب الأرباب. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة في بر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالوعد فأما بر الوالدين .. فمأمور به، وعقوق كل منهما كبيرة، وبرهما هو الإحسان إليهما، وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرهما مما ليس منهيًا عنه شرعًا، ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما، ففي (صحيح مسلم) [2552]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه). وأما عقوقهما .. فهو كل فعل يتأذى به الوالد تأذيًا ليس بالهين مع أنه ليس بواجب، وقيل: تجب طاعتهما في كل ما ليس بحرام، وتوقف الشيخ عز الدين في ضابط العقوق. قال الغزالي: وإذا كان في مال أحد أبويه شبهة ودعاه للأكل منه .. فليتلطف في الامتناع، فإن عجز .. فليأكل، وليقلل بتصغير اللقمة وتطويل المضغة، قال: وكذلك إذا ألبسه ثوبًا من شبهة وكان يتأذى برده .. فليقبله، وليلبسه بين يديه وينزعه إذا غاب، ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرته. وأما صلة الرحم .. فمندوب إليها، وهي: فعلك مع قريبك ما تعد به واصلاً غير مناقر ومقاطع له، ويحصل ذلك تارك بالمال، وتارة بقضاء حاجته أو خدمته أو زيارته، وفي حق الغائب بنحو هذا وبالمكاتبة وإرسال السلام إليه ونحو ذلك مما يسمى في العرف صلة. وأما الوفاء بالوعد .. فمستحب في الهبة وغيرها استحبابًا مؤكدًا، ويكره إخلافه كراهة تنزيه لا تحريم؛ لأنه هبة لا تلزم إلا بالقبض. قال الغزالي: وإخلاف الوعد إنما يكون كذبًا إذا لم يكن في عزمه حين الوعد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوفاء به، أما لو كان عازمًا عليه ثم بدا له فليس بكذب، ويستحب أن يعقب الوعد وغيره من الأخبار المستقبلة بقوله: إن شاء الله؛ ليخرج عن صورة الكذب. * * *

فهرس الكتاب كتاب الشركة 7 كتاب الوكالة 23 فصل: فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع 42 فصل: فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بأجل 52 فصل: في أن الوكالة عقد جائز 63 كتاب الإقرار 79 فصل: في الصيغة 91 فصل: في بقية شروط أركان الإقرار 95 فصل: في بيان أنواع من الإقرار 108 فصل: في الإقرار بالنسب 123 كتاب العارية 139 فصل: في بيان أن عقد العارية من العقود الجائزة 153 كتاب الغصب 167 فصل: في بيان ما يضمن به المغصوب 177 فصل: في اختلاف المالك والغاصب 195 فصل: فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 206 كتاب الشفعة 221 فصل: فيما يؤخذ به الشقص 235 كتاب القراض 257 فصل: في أحكام القراض 269 فصل: في بيان أن القراض جائز من الطرفين 280

كتاب المساقاة 291 فصل: فيما يشترط في عقد المساقاة 301 كتاب الإجارة 317 فصل: في بيان شروط المنفعة 342 فصل: في الاستئجار للقرب 353 فصل: فيما يجب على مكري دار أو دابة 359 فصل: في الزمن الذي تقدر به الإجارة 368 فصل: فيما تنفسخ به الإجارة 384 كتاب إحياء الموات 407 فصل: في بيان أحكام المنافع المشتركة 426 فصل: في أحكام الأعيان المستفادة من الأرض 436 كتاب الوقف 453 فصل: في أحكام الوقف اللفظية 492 فصل: في أحكام الوقف المعنوية 504 فصل: في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر 519 كتاب الهبة 535 فهرس الكتاب 573 * * *

كتاب اللقطة

كِتاب اللُّقَطَة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب اللقطة هي بفتح القاف على المشهور عند اللغويين الشيء الملتقط، وادعى الأزهري: أنه الذي سُمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة ورواة الأخبار، وقال الخليل هي بفتح القاف: الرجل الملتقِط، وبإسكانها: الشيء الملتقَط؛ لأن فُعَلَة - مثل ضُحكة ولحفة (للفاعل)، وفُعلَة للمفعول، وسوى ابن سيده بين اللغتين، ويقال لها أيضًا: لقاطة ولقط بفتح اللام والقاف بلا هاء. قال الأزهري: وهي مخصوصة بغير الحيوان؛ فإنه يسمى: ضالة. وافتتح الباب في (التلخيص) بقوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. والالتقاط: أخذ شيء ضائع ليحفظه أو ليختص به بعد التعريف، واعترضه في (المهمات) بأن اللقطة قد لا تكون شيئًا ضائعًا كولد اللقطة والركاز الإسلامي. وجزم في (شرح المهذب) في (زكاة المعدن) بأن الثوب لقطة، ويرد عليهما: أن اللقطة قد لا تكون شيئًا ضائعًا كولد اللقطة، وكذلك الركاز الذي هو دفين الإسلام، ثم إن التقييد بالملك يرد عليه لقطة الكلب والخمرة غير المحترمة .. فالأصح: صحة التقاطهما، وكذلك الهدي الأظهر: صحة التقاطه. وفائدته: جواز التصرف فيه بالنحو بعد التعريف، وكذلك الموقوف يجوز التقاطه لتملك منافعه. قال القاضي: الالتقاط أمانة مشوبة بولاية، أو ولاية مشوبة بأمانة، وهل المغلب عليهما حكم الامانة أو الاكتساب؟ فيه قولان.

يُسْتَحَبُّ الاِلْتِقَاطُ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق بين اللقطة والمال الضائع: أن اللقطة الشيء الضائع من مالكه بسقوط أو غفلة ونحوهما وليس بمحرز، فإن كان محرزًا كما إذا ألقت الريح ثوبًا في حجره، أو ألقى إليه هارب كيسًا ولم يعرف من هو، أو مات مورثه عن ودائع وهو لا يعرف ملاكها .. فهو ضائع يحفظ ولا يتملك. والأصل في اللقطة: ما رواه الأئمة الستة وغيرهم عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن اللقطة فقال: (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة ...) الحديث. وأجمع المسلمون عليها في الجملة. وعن مالك وأحمد أنهما كرها الالتقاط لحديث: «لا يؤوي الضالة إلا ضال» وروي أيضًا: (ضالة المؤمن حرق النار). والجواب: أن الضالة الحيوان يضل بنفسه، واللقطة ما سواه من الأموال كالدراهم والدنانير ونحوها، وقد تطلق اللقطة على الضالة مجازًا، والفرق بين اللقطة والمال الضائع سيأتي. قال: (يستحب الالتقاط لواثق بأمانة نفسه). لأنه معاونة على البر والتقوى، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. والالتقاط: أن يعثر على الشيء من غير قصد وطلب ليعرفه من يأخذه، ثم يتملكه إن لم يظهر مالكه، وفي وجه: أنه لا يستحب في هذه الحالة، حكاه الرافعي وغيره، وعلى الأصح: يكره تركها؛ لئلا تقع في يد خائن، ولا يجب عليه ذلك كما

- وَقِيلَ: يَجِبُ - وَلاَ يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ وَاثِقٍ، وَيَجُوزُ فِي الأَصَحِّ، وَيُكْرَهُ لِفَاسِقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يجب قبول الوديعة، وهذا القول ظاهر نص (المختصر). قال: (وقيل: يجب)؛ لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، وهذا منصوص (الأم)، وحمل ابن سريج وأبو إسحاق النصين على حالين: إن كان في موضع يغلب على الظن ضياعها .. وجب، وإلا .. لم يجب؛ لأن غيره يأخذها فيحفظها أو يجدها صاحبها، قال الشيخ: وأنا أختار هذه الطريقة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم: (خذها)، وللنهي عن إضاعة المال. وقال في (الإحياء): الحق أن يقال: إن كانت اللقطة في موضع لو تركها فيه لم تضع كرباط لا يدخله إلا أمناء .. لم يجب، وإن كانت في موضع مخوف، فإن كان عليه تعب في حفظها كالدابة .. لم يلزمه، وإن لم يكن كذهب وثوب .. فهو محل الخلاف. هذا في لقطة دار الإسلام، أما لقطة المسلم في دار الحرب .. فالأصح: أنها تخمس إن دخلها بلا أمان، فإن دخل بأمان .. فهي كلقطة دار الإسلام في الأحكام. قال: (ولا يستحب لغير واثق)؛ لما يخاف من الخيانة. قال: (ويجوز في الأصح)؛ لأن خيانته لم تتحقق. وصورة المسألة: أن يكون أمينًا في الحال ولكنه يخشى على نفسه بعد ذلك الخيانة. والثاني: المنع خشية استهلاكها، وسواء قلنا بوجوب الالتقاط أو باستحبابه، وحيث قلنا بالوجوب فتركه حتى تلفت العين .. أثم ولا ضمان عليه كمن معه طعام وآخر يموت جوعًا فلم يطعمه حتى مات، وكمن رأى مال شخص يغرق أو يحترق وقدر على خلاصه .. وجب عليه، فإن لم يفعل حتى تلف .. أثم ولم يضمن. قال: (ويكره لفاسق)؛ لأنه قد تدعوه نفسه إلى كتمانها، قال الرافعي: هذا الذي قطع به الجمهور، وما وقع في كلام الغزالي من التحريم شاذ أو مؤول، والذي

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الإِشْهَادُ عَلَى الاِلْتِقَاطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنكره الرافعي على الغزالي هو ظاهر الكلام كثير من العراقيين، وفي (تهذيب نصر المقدسي): ليس له الأخذ، فإن أخذ .. لم يضمن. قال: (والمذهب: أنه لا يجب الإشهاد على الالتقاط)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به في حديث زيد بن خالد، ولا في حديث أبي بن كعب، وبهذا قال مالك وأحمد. والقول الثاني: يجب الإشهاد؛ لحديث عياض بن حمار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من التقط لقطة .. فليشهد ذوى عدل أو ذا عدل، فإن وجد صاحبها .. فليردها إليه، وإلا .. فهو مال الله يؤتيه من يشاء) رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح، وأجاب الأول عنه بحمله على الندب جمعًا بين الأحاديث، ولهذا خير بين العدل والعدلين. والطريق الثاني: القطع بالاستحباب. قال المصنف في (نكت التنبيه): وللإشهاد فائدتان: إحداهما: أنه ربما طمع فيها بعد ذلك، فإذا أشهد .. لم يقدر على ذلك. والثانية: أنه قد يموت قبل مجيء صاحبها فيأخذها الوارث، فإذا أشهد .. أمن. قال: هذا إذا لم يكن سلطان البلد ظالمًا بحيث يعلم أو يغلب على ظنه أنه إذا عرفها .. أخذها، وإلا .. امتنع عليه الإشهاد. وفي كيفية الإشهاد أوجه: أحدها: يشهد على أصلها دون صفاتها فيقول: وجدت لقطة؛ لئلا يتوصل الكاذب إليها. والثاني: يشهد عليها وعلى صفاتها، حتى إنه إذا مات لا يتملكها القريب. وأشار الإمام إلى توسط بين الوجهين صححه في زوائد (الروضة) وهو: أنه

وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْتِقَاطُ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يستوعب الأوصاف، بل يذكر بعضها، ولم يبين ذلك البعض. وقال صاحب (الوافي): يشهد على الذي يذكره في التعريف، وهو الذي نقله القاضي حسين عن الأكثرين. قال: ولا تجب الكتابة عليها بلا خوف، وفي (شرح الكفاية) للصيمري الجزم بوجوبها. قال الإمام: وما ذكرناه من المنع من ذكر تمام الأوصاف لا نراه ينتهي إلى التحريم، وإذا ترك الإشهاد وقلنا: إنه مستحب .. لم يضمن، وإن قلنا: إنه واجب .. ضمن، قاله القاضي وغيره، وقال ابن داوود: لا يضمن، بل يقتصر على الإثم. قال: (وأنه يصح التقاط الفاسق والصبي والذمي في دار الإسلام) كاحتطابهم واصطيادهم. والطريق الثاني: تخريج ذلك على أن المغلب في اللقطة الأمانة والولاية فلا يصح، أو الاكتساب فيصح، فإذا اجتمع في شخص أربع صفات: الإسلام والحرية والأمانة والتكليف .. فله أن يلتقط ويعرف ويتملك، وإلا .. فيتخرج على الخلاف. والمراد بـ (الفاسق): الذي لا يوجب فسقه حجرًا عليه في ماله، فإن قيل: هذه مكررة؛ فإنه قال قبل هذا: (ويكره لفاسق) .. فالجواب: أن المراد بالصحة هنا: ترتيب أحكام اللقطة وإن منعناه الالتقاط. والمجنون كالصبي، نص عليه في (المختصر)، وكذلك السفيه، بل هو أولى منهما بالصحة. قال الرافعي: وربما شرط في جواز التقاط الذمي في دار الإسلام كونه عدلاً في دينه، فإن قلنا: ليس له الالتقاط فالتقط .. أخذه الإمام منه وحفظه إلى ظهور مالكه، فإن جوزناه .. قال البغوي: فهو كالتقاط الفاسق. قال: والمرتد إن قلنا: بزوال ملكه .. انتزعت اللقطة منه، كما لو احتطب ينزع

ثُمَّ الأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنَ الْفَاسِقِ، وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَأَنَّهُ لاَ يُعْتَمَدُ تَعْرِيفُهُ، بَلْ يُضَمُّ إِلَيْهِ رَقِيبٌ. وَيَنْزِعُ الْوَلِيُّ لُقَطَةَ الصَّبِيِّ وَيُعَرِّفُ وَيَتَمَلَّكُهَا لِلصَّبِيِّ إِنْ رَأَى ذَلِكَ حَيْثُ يَجُوزُ الاِقْتِرَاضُ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من يده، وإن قلنا: لا يزول .. فكالفاسق يلتقط، وقال المتولي: هو بالذمي أشبه منه بالفاسق. قال: (ثم الأظهر: أنه ينزع من الفاسق، ويوضع عند عدل)؛ لأن مال ولده لا يقر في يده، فمال الأجنبي أولى. والثاني: يقر لحق الملك، وعلى هذا: الأصح: أنه يضم إليه مشرف، وهما جاريان في الذمي، أما إذا قلنا: لا يلتقط فالتقط .. فإنه غاصب. قال: (وأنه لا يعتمد تعريفه، بل يضم إليه رقيب)؛ لأنه ربما يخون فيه. والثاني: يكتفى بتعريفه؛ لأن له حق الملك وهو خاص حقه، والظاهر: أن هذا في لقطة التملك، أما في لقطة الحفظ .. فإنها تقر عند المسلم الأمين، فلو كان الملم الملتقط أمينًا لكنه يضعف عن القيام بها .. لم تنزع منه، بل يعضده الحاكم بأمين. قال: (وينزع الولي لقطة الصبي) وكذلك لقطة المجنون والسفيه كما ينزع منهم أموالهم، وهذا النزع واجب عليه؛ صونًا لها عن الضياع، وتكون يد الولي نائبة عنهم. قال: (ويعرف) أي: الولي؛ لأن تعريف الصبي والمجنون لا اعتبار به، فإن احتاج التعريف إلى مؤنة .. لم يعطها من مالهما، بل يراجع الحاكم ليبيع جزءًا منه. قال: (ويتملكها للصبي إن رأى ذلك حيث يجوز الاقتراض له)؛ لأن تملك

وَيَضْمَنُ الْوَلِيُّ فِي قَصَّرَ فِي انْتِزَاعِهِ حَتَّى تَلِفَ فِي يَدِ الصَّبِيِّ. وَالأَظْهَرُ: بُطْلاَنُ الْتِقَاطِ الْعَبْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اللقطة كالاستقراض، قال ابن الصباغ: وعندي يجوز تملك اللقطة لهما وإن لم يجز الاقتراض؛ لأنه اكتساب وضعف، هذا في (الروضة)، وجعله شاذًا، وقواه ابن الرفعة وأيده بإطلاق كثير من الأصحاب ذلك من غير تقييد. قال: (ويضمن الولي إن قصر في انتزاعه حتى تلف في يد الصبي) كما لو ترك شيئًا من ماله في يده حتى تلف أو أتلف، فإن تلف قبل انتزاعه بغير تفريط .. فلا ضمان عليه بذلك، ولو لم يعلم بها الولي حتى بلغ الصبي فاستأذن الحاكم فأقرها في يده .. أقرت، وكان حكمها كما لو وجدها بعد زوال الحجر. قال: (والأظهر: بطلان التقاط العبد)؛ لأن مقصود اللقطة حفظها لمالكها في مدة التعريف وجعلها في ذمة مرضية، وليس العبد صالحًا لذلك؛ لاشتغاله بخدمة السيد، وذمته غير مرضية؛ لأن مطالبته تتأخر إلى بعد العتق. والثاني: يصح التقاطه، وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لأن يده يد سيده، فكأن سيده هو الملتقط، وصححه الغزالي وغيره، وهما راجعان إلى القولين المتقدمين في أن المغلب على اللقطة الولاية والأمانة أو الاكتساب. وعن ابن سريج مفرعان على أن العبد يملك، فإن قلنا: لا يملك .. لم يكن له الالتقاط، واستشكله الرافعي. ومحل الخلاف إذا لم يأمره السيد ولم ينهه، فإن أمره .. صح قطعًا. وقيل: هما إذا نوى نفسه، فإن نوى الأخذ للسيد .. صح قطعًا. وقيل: عكسه. وإن نهاه السيد عنها .. قطع الإصطخري بالمنع، وقواه المصنف، وطرد الجمهور القولين غير أنه تستثنى صحة التقاطه نثار الوليمة، ويملكه سيده كما صرح به في (الروضة) في آخر بابها، وكذلك يلتقط الشيء الحقير كالتمرة والزبيبة؛ لأن ذلك لا يعرف.

وَلاَ يُعْتَدُّ بِتَعْرِيِفِهِ، فَلَوْ أَخَذَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ .. كَانَ الْتِقَاطًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يعتد بتعريفه)؛ لأنه غير ملتقط، فإن صححنا التقاطه .. صح تعريفه ولو بغير إذن السيد في الأصح، ويملكه السيد. والمدبر ومعلق العتق وأم الولد كالقن، لكن الضمان يتعلق بذمة السيد دون رقبتها، سواء علم السيد أم لا. وفي «الأم» إن علم .. ضمن، وإلا .. ففي ذمتها، وغلطوا ناقله، وقوم أولوه على ما إذا أذن سيدها. قال: (فلو أخذه سيده منه .. كان التقاطًا) فيعرفه السيد ويتملكه؛ لأن يد العبد إذا لم تكن للالتقاط .. كان الحاصل في يده ضائعًا، كذا قاله معظم الأصحاب. وقيل: لا يكون أخذ السيد التقاطًا، ورجحه الإمام؛ لأن العبد ضامن بالأخذ، ولو كان أخذ السيد التقاطًا .. لسقط الضمان عنه فيتضرر به المالك. وفي معنى الأخذ إقرارها بيده إن كان أمينًا؛ لأن السيد لا يجب عليه انتزاعها من العبد الأمين، وقياس كلامهم: سقوط الضمان في هذه الحالة. ولو أخذها أجنبي من العبد .. فجواب الأكثرين: أنه كأخذ السيد، فيكون التقاطًا على المذهب، وإن أهمل السيد أمره وأعرض عنه وهي في يده .. فالأظهر: تعلق الضمان بالعبد. وإن أقره السيد في يد العبد واستحفظه عليه ليعرفه، فإن لم يكن العبد أمينًا .. فالسيد متعد وكأنه أخذه منه ورده إليه، وإن كان أمينًا .. جاز كما لو استعان به في تعريف اللقطة بنفسه. وإذا التقط العبد ثم أعتقه السيد، فإن صححنا التقاطه .. فهي كسب عبده يأخذها السيد ويعرفها ويتملكها، فإن كان العبد عرف .. اعتد به.

قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: صِحَّةُ الْتِقَاطِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً وَمَنْ بَعْضُهُ حُرُّ، وَهِيَ لَهُ وَلِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَتُ مُهَايَأَةً .. فَلِصَاحِبِ النَّوْبَةِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: المذهب: صحة التقاط المكاتب كتابة صحيحة)؛ لأنه يملك ما بيده ويصح تصرفه فيه، وله ذمة صحيحة، والالتقاط اكتساب يستعين به على أداء النجوم. والقول الثاني: لا يصح؛ لأنه يحتاج إلى التعريف وإلى مؤنته، وذلك تبرع ناجز، وتملكها موهوم، وعلى هذا: لا يأخذها السيد؛ لأنه لا ولاية له عليه، بل يأخذها الحاكم ويحفظها. والطريقة الثانية: القطع بالصحة كالحر. والثالثة: القطع بالبطلان كالعبد، وأما المكاتب كتابة فاسدة .. فكالقن، وقيل: تطرد الطرق. قال: (ومن بعضه حر) أي: يصح التقاطه على المذهب؛ لأنه كالحر في الملك والتصرف والذمة، فيعرف البعض من اللقطة بنسبة ما فيه من الحرية ويتملكه، وقيل: كالقن؛ لأن التقاطه ببعضه الحر محال. وقيل: يصح التقاطه بقدر الحرية قطعًا، وفي الباقي الطريقان. قال: (وهي له ولسيده) فيعرفان ويتملكان بحسب الرق والحرية كحرين التقطا مالاً، وقيل: يختص بها السيد كلقطة القن تغليبًا للولاية. قال: (فإن كانت مهايأة .. فلصاحب النوبة في الأظهر)؛ بناء على دخول الأكساب النادرة فيها. والثاني: تكون بينهما؛ بناء على عدم دخولها، والاعتبار بوقت الالتقاط، وقيل: بوقت التملك، والخلاف شبيه بالخلاف في أن العبرة بوقت التعليق أو بوجود الصفة في كون العتق محسوبًا من الثلث أو من رأس المال. و (المهايأة) بالهمز: المناوبة. وإذا تنازعا فقال السيد: وجدتها في يومي، وقال العبد: في يومي ..

وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ النَّادِرِ مِنَ الأَكْسَابِ وَالْمُؤَنِ إِلاَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمنصوص: أن القول قول العبد؛ لأنها في يده. قال: (وكذا حكم سائر النادر من الأكساب) كالهبة والوصية والصدقة والصيد، وكذا صدقة الفطر في الأصح؛ لأن الشيء الذي لا يكون في السنة إلا مرة نادر. وجه الدخول: أن مقصود الدخول: التفاضل، وأن يختص كل واحد بما يقع في نوبته. ووجه المنع - واختاره ابن أبي عصرون -: أن النوادر مجهولة وربما لا تخطر بالبال عند التهايؤ، ولا ضرورة إلى إدخالها، ويشبه بناؤه على الخلاف الأصولي في دخول الصور النادرة في العموم، والراجح: طرد الخلاف مطلقًا ولو صرحا بإدخال النادر في المهايأة. قال: (والمؤن) أي: النادر منها كذلك كأجرة الطبيب والحجام إلحاقًا للغنم بالغرم. قال: (إلا أرش الجناية والله أعلم» فإنه لا يدخل في المهايأة فلو جنى المبعض في نوبة أحدهما لم يختص بوجوب الأرش؛ لأنه لا يتعلق بالرقبة وهي مشتركة، وادعى الإمام في (باب صدقة الفطر) اتفاق العلماء عليه. هذا إذا جنى المبعض على غيره، فإن جني عليه .. فالظاهر: أن حكم أرشه كذلك للعلة السابقة، فينزل كلام المصنف على الصورتين. تتمة: قال المتولي وغيره: المدبر ومعلق العتق بصفة كالقن، وأما أم الولد .. فكالقن إلا في شيء واحد وهو: إذا تلف المال في يدها وقلنا في القن: يتعلق برقبته .. ففي أم الولد يتعلق بذمة السيد، سواء علم التقاطها أم لا؛ لأن جنايتها على السيد، وعن نص (الأم): أنه إن علم .. فالضمان في ذمته، وإلا .. ففي ذمتها، ولم يثبته

فصل

فَصْلٌ: الْحَيَوَانُ الْمَمْلُوكُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بِقُوَّةٍ كَبَعِيرٍ وَفَرَسٍ، أَوْ بِعَدْوٍ كَأَرْنَبٍ وَظَبْيٍ، أَوْ بِطَيَرَانٍ كَحَمَامٍ؛ إِنْ وُجِدَ بِمَفَازَةٍ .. فَلِلْقَاضِي الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصحاب قولاً، بل جعلوه سهوًا من كاتبه أو غلطًا من ناقله، وأوله بعضهم على ما إذا أرادت سيدها دون نفسها. قال: (فصل: الحيوان المملوك الممتنع من صغار السباع بقوة كبعير وفرس، أو بعدو كأرنب وظبي، أو بطيران كحمام) وفي معناه: القبج والدراج وصغار السباع وهي: صغار الثعالب وأولاد الأرانب ونحوها. وتعبيره بـ (المملوك) يخرج البعير المقلد بعلامة الهدي؛ فإنه خرج عن ملك مالكه ويجوز التقاطه، والموقوف وينبغي جواز التقاطه لملك منافعه. ويخرج الكلب والأصح: جواز التقاطه ويعرف سنة. والظاهر: أنه عند انقضاء مدة التعريف يختار نقل الاختصاص الذي كان للأول، فلو حذف المصنف لفظ (المملوك) .. كان أولى. قال: (إن وجد بمفازة .. فللقاضي التقاطه للحفظ) شرع يتكلم في الركن الثالث وهو: الملتقط، فإن كان حيوانًا يمتنع من صغار السباع بفضل قوته كالإبل والخيل والبغال والحمير أو بشدة عدوه كالأرانب والظبي المملوكة أو بطيرانه كالحمام، فإن

وَكَذَا لِغَيْرِهِ فِي الأَصَحِّ، وَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجدت في مفازة .. فللحاكم ونوابه أخذه للحفظ؛ لأن لهم ولاية على أموال الغائبين، وكان لعمر رضي الله عنه حظيرة يحفظ فيها الضوال، رواه مالك والشافعي. وفي معنى (القاضي) أمينه. قال الشيخ: وإطلاق الأصحاب أن القاضي يأخذها للحفظ ينبغي أن يكون عند خوف الضياع، أما عند الأمن .. فلا يتعرض لها. ويعرف كونه مملوكًا بآثار الملك من وسم أو قرط، ويلتحق بالفرس الحمار. و (المفازة): واحدة المفاوز المهلكة، قال ابن الأعرابي: سميت بذلك تفاؤلاً بالسلامة والنجاة والظفر بالخير، وهي من الأضداد. و (الحمام) قال الشافعي: هو كل ما عب وهدر وإن تفرقت أسماؤه، فهو: الحمام واليمام والقمري والفواخت وغيرها، وقال الكسائي: الحمام هو الذي لا يألف البيوت، والذي يألفها اليمام، والحمامة تقع على الذكر والأنثى، وجمعها حمام وحمامات وحمائم. قال: (وكذا لغيره في الأصح) أي: من الآحاد صيانة لها عن الخونة، وهذا نص عليه في (الأم) أيضًا. والثاني: لا؛ لأنها يد عادية إذ لا ولاية للآحاد على مال الغائب. ومحل الخلاف في زمن الأمن، أما زمن النهب فيجوز التقاطها قطعًا، سواء وجدت في صحراء أو عمران كالذي لا يمتنع منها، وألحق به الماوردي ما إذا عرف مالكها فأخذها ليردها عليه، وتكون في يده أمانة، وجعل محل الخلاف إذا لم يعرفه. قال: (ويحرم التقاطه للتملك)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد في الإبل: (مالك ولها؟! دعها) وقيس الباقي عليه بجامع إمكان عيشه في البر بلا راع، فلو آخذه للتملك .. ضمنه قطعًا؛ لتعديه، ولا يبرأ عن ضمانه برده إلى

فَإِنْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ .. فَالأَصَحُّ: جَوَازُ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ. ومَا لاَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا كَشَاةٍ يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي الْقَرْيَةِ وَالْمَفَازَةِ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعه ورفع يده عنه كما في المسروق، ولو رده إلى الحاكم .. براء على الصحيح، والخلاف كالخلاف في براءة الغاصب بدفع المغصوب إلى الحاكم. كل هذا إذا وجد البعير نادًا، فلو وجده وعليه أمتعة ولا يمكن أخذ الأمتعة إلا بأخذه .. فالظاهر: أنه في هذه الحالة يأخذه للتملك تبعًا للأمتعة، ولأن وجود الأمتعة الثقيلة عليه يمنعه من ورود الماء والشجر ومن الفرار من السباع، وقد يفرق بين الأمتعة الكثيرة والقليلة وهو الأوجه. واستثنى صاحب (التلخيص) من إطلاق القول بأن الإبل ونحوها لا تؤخذ في الصحراء: ما إذا وجد بعيرًا في أيام منى أو قبلها مقلدًا كما يقلد الهدي، فإن الشافعي نص على أنه يأخذه ويعرفه أيام منى، فإن خاف فوت وقت النحر .. نحره. قال الرافعي: واستثناء هذه الصورة غير مسلم؛ لأن الأخذ الممنوع منه إنما هو الأخذ للتملك، وهذا ليس كذلك، وقال المصنف: فائدة الاستثناء: جواز التصرف. قال: (فإن وجد بقرية .. فالأصح: جواز التقاطه للتملك)؛ لأنها في العمران تضيع بامتداد الأيدي الخائنة إليها، بخلاف المفازة فإن طروق الناس بها لا يعم، ولأنها لا تجد من يكفيها. والثاني: أنها كالمفازة؛ لإطلاق الحديث، والحكم لا يختص بالقرية، بل الموضع القريب منها كهي. قال: (وما لا يمتنع منها كشاة يجوز التقاطه للتملك في القرية والمفازة)؛ لقوله

وَيَتَخَيَّرُ آخِذُهُ مِنْ مَفَازَة: فَإِنْ شَاءَ .. عَرَّفَهُ وَتَمَلَّكَهُ، أَوْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ تَمَلَّكَهُ، أَوْ أَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ إِنْ ظَهَرَ مَالِكُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: (هي لك أو لأخيك أو للذئب) يعني: إن أخذتها .. فهي لك أو لأخيك، وإن تركتها .. أخذها الذئب، ويدخل في هذا النوع العجاجيل والفصلان والكسير من الإبل والخيل وكل ما إذا لم يلتقط يضيع إما بكاسر من السباع، وإما بخائن من الناس. وفي وجه: لا يؤخذ ما يوجد في العمران؛ لأن الحيوان لا يكاد يضيع فيه، والحديث محمول على الصحراء بدليل قوله: (أو للذئب) والذئب إنما يكون في غير القرى، قاله ابن المنذر، والصحيح المعروف: أنه لا فرق. قال: (ويتخير آخذه من مفازة: فإن شاء .. عرفه وتملكه، أو باعه وحفظ ثمنه وعرفها ثم تملكه، أو أكله وغرم قيمته إن ظهر مالكه) فيتخير بين ثلاث خصال: إن شاء .. عرف اللقطة وتملكها، وإن شاء .. باعها وحفظ ثمنها وعرفها، أي: عرف اللقطة؛ فإن التعريف لا يكون للثمن وإنما يكون للقطة، ولذلك صحح المصنف بخطه على قوله: (عرفها)، وإن شاء .. أكلها، أي: أكل اللقطة إن كانت مأكولة وغرم قيمتها. وكان ينبغي للمصنف أن يأتي بضمير المؤنث في الجميع، على أن الإتيان بضمير المذكر في الجميع عائد للموجود وهو مذكر، وإنما أنث (عرفها) حتى لا يلتبس باحتمال عوده إلى الثمن. وعن مالك وداوود: أن له أكلها مجانًا من غير ضمان أكل إباحة؛ لظاهر الحديث، ودليلنا: أنه مال لغيره فلا يجوز له تملكه من غير عوض إلا برضاه كما لو كان في البلد، والخبر محمول على جواز الأخذ دون الغرم. ثم الخصلة الأولى أولى من الثانية، والثانية أولى من الثالثة.

فَإِنْ أَخَذَ مِنَ الْعُمْرَانِ .. فَلَهُ الْخَصْلَتَانِ الأُولَيَانِ لاَ الثَّالِثَةُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول المصنف: (باعه) يفهم: أنه يستقل بذلك، وهذا حيث لا حاكم، فإن كان .. فلابد من استئذانه على الصحيح، ورجح الماوردي والشيخ: أنه لا حاجة إلى استئذانه؛ فإنه نائب المالك في الحفظ فكذا في البيع. هذا كله في المأكول، أما غيره كالجحش الصغير .. فهل: له تملكه في الحال كما يجوز أكل المأكول؟ فيه وجهان: أصحهما: المنع حتى يعرفه سنة. وسكت المصنف عن إفراز القيمة، والأصح: أن ذلك لا يجب. قال: (فإن أخذ من العمران .. فله الخصلتان الأوليان لا الثالثة في الأصح)؛ لسهولة البيع في العمران .. دون المفازة. والثاني: له الأكل أيضًا كما في المفازة، والمصنف تبع (المحرر) في حكاية الخلاف وجهين، وهو في (الشرح) و (الروضة) قولان. واختلفوا هل يجوز بيع جزء منها لنفقة باقيها؟ قال الإمام: نعم كما يباع جميعها، وحكى عن شيخه احتمالاً: أنه لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى أن تأكل نفسها، وبهذا قطع أبو الفرج الزاز. قال: ولا يستقرض على المالك أيضًا لهذا المعنى، قال الرافعي: وهو مخالف ما سبق في هرب الجمال ونحوه، وفرق المصنف بينهما بأن هناك لا يمكن البيع؛ لتعلق حق المستأجر، وهنا يمكن فلا يجوز الإضرار بمالكها من غير ضرورة. ومتى حصلت الضالة في يد الحاكم، فإن كان هناك حمى .. سرحها فيه ووسمها بِسمَة الضوال، ويسم نتاجها أيضًا، وإن لم يكن .. فالقول في بيع كلها أو بعضها للنفقة على ما سبق، لكن إن توقع مجيء المالك على قرب بأن عرف أنها من نعم بني فلان .. تأنى أيامًا.

وَيَجُوزُ: أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لاَ يُمَيِّزُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: ترك دابة أو بعيرًا كسيرًا في الصحراء لعجزه عن السير، وعجز المالك عن القيام به، فمر به رجل فأحياه بالقيام عليه ومراعاته حتى عاد إلى حاله في السير والعمل .. حكى الماوردي والروياني عن الليث بن سعد والحسن بن صالح أنه يكون لمحييه دون تاركه، إلا أن يكون المالك تركه ليعود إليه فيكون أحق به. وقال أحمد وابن إسحاق: المحيي أحق به بكل حال؛ لما روى أبو داوود مرسلاً عن عامر الشعبي: (من وجد دابة قد عجز عنها أهلها وسيبوها فأخذها فأحياها .. فهي له) ومرفوعًا: (من ترك دابة بمهلكة فأحياها رجل .. فهي لمن أحياها). وقال مالك هو باق على ملك مالكه، ولكن لآخذه الرجوع بما أنفق، ومذهب الشافعي: أنه على ملك تاركه، وليس لمحييه الرجوع بنفقته كما لو عالج عبدًا أشرف على الهلاك حتى شفي، أو أخرج متاعًا غرق في البحر. وحكى عن الحسن البصري أن من أخرج متاعًا غرق في البحر ملكه على صاحبه، وهذا شاذ مخالف للإجماع. ولو وجد في البحر قطعة عنبر في الموضع الذي يجوز أن يوجد فيه .. كانت ملكًا لواجدها؛ لأن أصلها مباح، ولو وجدها في البر .. كانت لقطة، إلا أن تكون بقعة من الساحل قد نضب الماء عنها فتكون لواجدها، وهكذا لو صيدت سمكة في البحر فوجد في جوفها قطعة عنبر .. كانت ملكًا للصائد إذا كان بحرًا يمكن أن يوجد فيه العنبر، أما الأنهار وما لا يكون معدنًا للعنبر من البحار .. فإنه يكون لقطة، وهكذا الياقوت والمرجان، إلا أن يكون مصنوعًا أو مثقوبًا فيكون لقطة، وأما اللؤلؤ .. فلا يكون في البحر إلا في صدف، فإن وجد فيه .. كان ملكًا لواجده، وإن وجد خارج صدفه .. كان لقطة. قال: (ويجوز: أن يلتقط عبدًا لا يميز)؛ لأنه يضيع بتركه فأشبه الشاة، بل قد

وَيَلْتَقِطَ غَيْرَ الْحَيَوَانِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال بالوجوب إذا تعين طريقًا لحفظ روحه، فإن كان مميزًا والزمن زمن نهب .. جاز، وإنما يمتنع في الأمن؛ إذ يصل إلى مالكه بالدلالة. تنبيهان: أحدهما: احترز بالعبد عن الأمة فإنها إن كانت تحل له .. لم يجز أن يلتقطها للتملك؛ لأن التملك هنا كالتملك بالقرض، واقتراضها لا يجوز، بل يأخذها للحفظ كما يجوز استيداعها، وإن كانت لا تحل له كالمجوسية .. جاز التقاطها للتملك كما يجوز اقتراضها. هذا كله إذا كانت غير مميزة، فإن كانت مميزة .. لم يجز جزمًا. الثاني: يعرف كون غير المميز رقيقًا بعلامات الرق كالحبوش والزنوج، وينفق على الرقيق مدة حفظه من كسبه، وما بقي من كسبه يحفظ معه، فإن لم يكن له كسب .. فالحكم كما سيأتي في البهائم. وإذا بيع فظهر المالك وقال كنت أعتقته قبل البيع .. فأظهر القولين قبول قوله، ويحكم بفساد البيع. والثاني: المنع كما لو باع بنفسه، والنص أنه إذا وكل وكيلاً ببيع عبد فباعه الوكيل ثم قال الموكل: كنت أعتقته .. أنه لا يقبل، وهو كما لو باع قيم الطفل عبدًا ثم بلغ وقال: إن مورثي كان أعتقه .. قبل قوله وبطل البيع، وكما لو زوجت البكر بغير إذنها ثم أدعت أن بينهما رضاعًا محرمًا .. يقبل قولها، بخلاف إذا زوجت بإذنها؛ فإنه لا يقبل قولها ولها تحليفه على نفي العلم به. قال: (ويلتقط غير الحيوان) وهو الجماد، وينقسم إلى ما يبقى بمعالجة كالرطب أو بغيرها كالذهب والفضة والثياب، وإلى ما لا يبقى ويتسارع إليه الفساد، وكل ذلك لقطة يؤخذ ويتملك.

فَإِنْ كَانَ يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ: فَإِنْ شَاءَ .. بَاعَهُ وَعَرَّفَهُ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ، وَإِنْ شَاءَ .. تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ، وَقِيلَ: إِنْ وَجَدَهُ فِي عُمْرَانٍ .. وَجَبَ الْبَيْعُ .. وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِعِلاَجٍ كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ: فَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ .. بِيعَ، أَوْ فِي تَجْفَيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ .. جَفَّفَهُ، وَإِلاَّ .. بِيعَ بَعْضُهُ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن كان يسرع فساده كهريسة) وكذلك البقول الرطبة والشواء والرطب الذي لا يتتمر. قال: (فإن شاء .. باعه وعرفه ليتملك ثمنه، وإن شاء .. تملكه في الحال وأكله)؛ لأنه معرض للهلاك فيتخير فيه كالشاة، واتفق عليه الأصحاب، واستدل له الرافعي وغيره بحديث: (من التقط طعامًا .. فليأكله ولا يعرفه) وهو غير معروف، والمعرف هنا المبيع لا الثمن، والبيع هنا أولى بالاتفاق. قال: (وقيل: إن وجده في عمران .. وجب البيع)؛ لأنه متيسر فيه فلا يجوز الأكل في هذه الحالة، بل يتعين البيع، وقال الإصطخري: إن كان الواجد فقيرًا .. أكل، أو غنيًا .. فلا، وخص الخلاف بغير المضطر، وقطع في المضطر بأنه يأكل ويغرم قيمته، وحيث أكل .. وجب بعده التعريف في الأصح إن كان في البلد، وإلا .. فالظاهر عند الإمام: عدمه، ولا يجب إفراز القيمة، ولابد من إذن الإمام في البيع كما تقدم. قال: (وإن أمكن بقاؤه بعلاج كرطب يتجفف: فإن كانت الغبطة في بيعه .. بيع، أو في تجفيفه وتبرع به الواجد .. جففه، وإلا .. بيع بعضه لتجفيف الباقي)؛ لأنه مال غيره فروعي فيه المصلحة كولي اليتيم، والفرق بينه وبين الحيوان حيث يباع جميعه: أن نفقة الحيوان تتكرر فيؤدي إلى أن يأكل نفسه. والمراد بـ (البعض): ما يساوي مؤنة التجفيف.

وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لِلْحِفْظِ .. فَهِيَ أَمَانةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: وجد كلبًا يقتنى .. قال الأكثرون: له أن يلتقطه ثم يختص وينتفع به, فإن ظهر صاحبه بعد ذلك .. رده عليه, وإن تلف .. لم يضمنه, وفي لزوم أجره تلك المدة وجهان: أصحهما: لا تجب. قال ابن الرفعة: والظاهر: أنه لابد عند انقضاء مدة التعريف من اختيار نقل الاختصاص الذي كان للأول كما في نقل الملك. ولو ضاعت الخمرة المحترمة من صاحبها فالتقطها ملتقط رجاء أن تتخلل بنفسها فتخللت .. ملكها الملتقط إذا عرفها. فرع: لقطة دار الحرب, إن كان فيها مسلم .. كلقطة دار الإسلام, فإن لم يكن فيها مسلم .. فما وجد فيها غنيمة خمسها لأهل الخمس والباقى للواجد, ذكره البغوى وغيره, وحكم الغزالي في (كتاب السير) بأن اللقطة التي وجدت في دار الحرب لآخذها مطلقًا, وكذلك قاله القاضي هنا, وسيأتي في كلام المصنف في (كتاب السير). قال: (ومن أخذ لقطة للحفظ) أي: وهو أهل لها (.. فهي أمانة)؛ لأنه يحفظها لمالكها فكان كالمودع, وكذا درها ونسلها, وعلى هذا: لا يجب عليه الإشهاد ولا إعلام الحاكم بها, وحكي وجه: أنها مضمونة؛ لأنه لا ولاية له على صاحبها. قال الشيخ: ومقتضى هذا الوجه تحريم الأخذ وهو بعيد؛ لمخالفته الأحاديث

فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الَقَاضِي .. لَزِمَهُ الْقَبُولُ, وَلَمْ يُوجِبِ الأَكْثَرُونَ التَّعْرِيفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ, فَلَوْ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ خِيَانَةً .. لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة, وفي هذه الحالة إذا لم يعرفها .. كانت مضمونة عليه, ولا تصير أمانة بالتعريف بعد ذلك. قال: (فإن دفعها إلى القاضي .. لزمه القبول)؛ حفظاً لها على صاحبها؛ لأنه ينقلها من أمانة إلى أمانة هي أوثق منها, وهذا بخلاف الوديعة؛ فإنه لا يلزمه قبولها على الأصح, لأنه قادر على الرد على المالك وقد التزم الحفظ له, واللزوم لا يختص بهذه الحالة, بل من أخذ للتملك ثم بدا له فدفعها إلى الحاكم .. لزمه القبول. هذا في القاضي الأمين, أما غيره .. فدفعها إليه إضاعة لها. ويشكل على لزوم القبول ما رواه مالك عن ثابت بن الضحاك: أنه وجد بعيرًا ضالاً فأخبر به عمر فأمره أن يعرفه ثلاث مرات, فقال له ثابت: إنه قد شغلني عن ضيعتي, فقال عمر: (أرسله حيث وجدته) لكن حمله بعضهم على الضالة التي لا يحل التقاطها. قال: (ولم يوجب الأكثرون التعريف والحالة هذه) أي: إذا قصد الحفظ, لأن التعريف إنما يجب لتحقق شرط التملك, وقال الإمام والغزالى: أظهر الوجهين وجوبه؛ لئلا يفوت الحق بالكتمان, وصحح في (شرح مسلم) مقالة الإمام, وقال في (الروضة): إنها الأقوى المختار. نعم؛ يستثنى من ذلك لقطة الحرم؛ فلا يجري فيها هذا الخلاف, بل يجب تعريفها جزمًا كما سيأتى. هذا إذا استدامها للحفظ, فإن بدا له أن يتملك .. فجزم الرافعي في أول الباب بأنه لابد من استئناف التعريف. قال: (فلو قصد بعد ذلك خيانة .. لم يصر ضامنًا في الأصح) كما لا يصير المودع بذلك ضامنًا على المذهب.

فَإِنْ أَخَذَ بِقَصْدِ الْخِيَانَةِ .. فَضَامِنٌ, وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ أَنْ يُعَرِّفْ وَيَتَمَلَّكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أَخَذَ لِيُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ .. فَأَمَانَةُ مُدَّة الْتَعْرِيفِ, وَكَذَا بَعْدَهَا مَا لَمْ يَخْتَرِ الْتَمَلُّكَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يصير ضامنًا؛ لأنه لم يسلطه المالك, ومعها صار الملتقط ضامنًا في الدوام بحقيقة الخيانة أو بقصدها, فلو تاب ثم أقلع وأراد أن يعرف ويتملك .. فله ذلك على الأصح عند القاضي والبغوي. وإيراد الغزالي يقتضي ترجيح مقابله, قال الرافعي: والخلاف شبيه بالخلاف فيما لو أراد سفرًا مباحًا ثم جعله معصية .. فإن الأصح فيه: أنه لا يترخص. قال: (فإن أخذ بقصد الخيانة .. فضامن)؛ لأن الأصل في الإستيلاء على مال الغير الضمان, خرج عنه حالة قصد التملك بإذن الشارع ففي ما عداها على مقتضى الأصل, وفي براءته بالدفع إلى الحاكم الوجهان في الغاصب, ولو لم يقصد شيئًا أو قصد ونسي .. فله التملك ولا ضمان؛ لأن صورة الأخذ مأذون فيها شرعًا. قال: (وليس له بعده أن يعرف ويتملك على المذهب) كما أن الغاصب ليس له ذلك, وقيل: فيه وجهان: ثانيهما: له ذلك؛ لوجود صورة الالتقاط والتعريف. ولو طرأت الخيانة ثم أقلع وقصد التملك .. فله ذلك في الأصح. قال: (وإن أخذ ليعرف ويتملك .. فأمانة مدة التعريف) هذا لا خلاف فيه؛ لأن الشارع أذن فيه. قال: (وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح) كما قبل الحول, ومقابله قول الإمام والغزالى: إنها تكون مضمونة عليه وإن لم يتملكها؛ لأنه صار ممسكًا لنفسه, وإن أخذها لا يقصد خيانة ولا أمانة أو يقصد أحدهما وينساه .. لم تكن مضمونة عليه, وله التملك بشرطه.

وَيَعْرِفُ جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَقَدْرَهَا وَعِفَاصَهَا وَوَكَاءَهَا, ثُمَّ يُعَرِّفُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويعرف جنسها وصفتها وقدرها وعفاصها ووكاءها)؛ للحديث, لئلا تختلط بماله, وليستدل بها على صدق الطالب, وذلك مستحب على المشهور, وفي (الكافى): أنه واجب, وكذلك يعرف موضع التقاطها سواء كان المال قليلاً أو كثيرًا, سواء وجب التعريف أم لا, وكذلك يعرف كيل المكيل وطول الثوب وعرضه ودقته وصفاقته, ويستحب تقييد ذلك بالكتابة ليأمن النسيان. وقوله: (يعرف) بفتح الياء من المعرفة, وهي: العلم. قال الشافعي: وإنما أمره بمعرفة العفاص والوكاء تنبيهًا على أنه يردها مع ما فيها ونبه باليسير على حفظ الكثير كما قال: (أدوا المَخيط والمِخيَط؛ فإن الغلول نار). فـ (العفاص): الوعاء من جلد وغيره. و (الوكاء): بالمد: الذي يربط به من خيط وغيره. قال: (ثم يعرفها) هذا بضم الياء, وهذا واجب إذا قصد التملك قطعًا, اللهم إلا أن يخشى من ظالم يأخذها إذا عرفها, فحينئذ لا يجوز التعريف, بل تكون أمانة في يده كما جزم به المصنف في (نكت التنبيه) , ومقتضاه: أنه لا يتملكها بعد السنة, وبه أفتى الغزالي, وفي (فتاوى ابن الصباغ): أنه بعد الحول يتملكها, وهو القياس. وتعبيره بـ (ثم) يقتضي أنه لا تجب المبادرة إلى التعريف عقب الالتقاط وهو الأصح؛ لإطلاق الحديث, وخالف القاضي أبو الطيب فأوجبه على الفور؛ لأنه أقرب إلى لقي صاحبها. ومقتضى ما صححه الشيخان: أنه لو كتمها عشرين سنة ثم عرفها .. يكفي, وهو

فِي الأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ في غاية البعد, وسيأتي عن الرافعي تصحيح: أنه لا يكفي تعريف سنة متفرقة, والظاهر: أن مرادهما بذلك: عدم الفورية المتصلة بالالتقاط, لا جرم صحح في (البسيط) مقالة القاضي أبي الطيب, وهو الظاهر إذا لم يكن عذر. قال: (في الأسواق وأبواب المساجد)؛ لأنها مظنة اجتماع الناس. والمراد بـ (الأسواق): حال قيامها, و (أبواب المساجد): عند خروج الناس منها ووجود الجماعات فيها, ولا يعرف في المساجد, كما لا يطلب الضالة فيها. واستثنى بعضهم من ذلك المسجد الحرام, وصححه الماوردي والشاشي, ولعل ذلك مخصوص بأيام الحج, أما في سائر السنة .. فكغيره من المساجد, وينبغي استثناء مسجد منى في أيام التشريق, ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبيت المقدس أيام زيارتهما. وظاهر كلام الشيخين وابن الرفعة: أن التعريف في المسجد حرام, ونقل الماوردي الاتفاق عليه, والمنقول فيه: الكراهة كما جزم به في (شرح المهذب) في آخر (باب الجناية). لكن حكى الماوردي الاتفاق على تحريمه. قال: (ونحوها) المراد بذلك: كل موضع يجتمع فيه الناس كالمجامع والمحافل ومناخ الأسفار لما ذكرناه؛ إذ لا فائدة للتعريف في الأماكن الخالية. ثم إذا التقط في بلد أو قرية .. فلا بد من التعريف فيها, وليكن أكثر تعريفه في البقعة التي وجدها بها؛ لأن طلب الشيء في موضع ضياعه أكثر, فإن حضره سفر ..

سَنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فوض التعريف إلى غيره, ولا يسافر بها, وإن التقط في الصحراء .. عرفها بأقرب البلاد إليها, والأصح: أنه لا يكلف العدول إلى غير مقصده. وليس للملتقط تسليم المال إلى غيره ليعرفه إلا بإذن الحاكم, فإن فعل .. ضمن. ويشترط كون المعرف عاقلاً غير مشهور بالخلاعة والمجون, وإلا .. فلا يعتمد قوله ولا تحصل فائدة التعريف, وقال ابن الرفعة: لا تشترط فيه الأمانة إذا حصل الوثوق بقوله. قال: (سنة) أي: تحديدًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عرفها سنة, فإن لم تعرف .. فاستنفقها, ولتكن وديعة عندك) رواه الشيخان من حديث زيد بن خالد. وأما ما رواه من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل أن أبي بن كعب قال: وجدت صرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مئة دينار, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (عرفها حولاً) فعرفتها حولاً فلم أجد أحدًا يعرفها, فعدت إليه فقال: (عرفها حولاً) فعرفتها حولاً فأتيته فقال: (عرفها حولاً) فعرفتها ثم أتيته فقال: (احفظ عددها ووكاءها ووعاءها, فإن جاء صاحبها وإلا .. فاستمتع بها) فأخذ به بعض الناس فقال: يجب التعريف ثلاثة أحوال, ونقله الخُبُشاني في (شرح الوسيط) عن عمر بن الخطاب, ولعله لم يثبت عنه. والجواب: أن الحديث له علة؛ فإن راويه سلمة بن كهيل, فقد قال شعبة: لقيته بعد ذلك بمكة فسألته فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً, وفي رواية: قال شعبة: سمعته بعد عشرين سنة يقول: عرفتها عامًا واحدًا, فبان لنا أن سلمة شك فلم يبق في

عَلَى الْعَادَةِ؛ يُعَرِّفُ أَوَّلاً كُلَّ يَوْمٍ طَرَفَىِ الْنَهَارِ, ثُمَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً, ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ، ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر الثلاثة قبل ذلك حجة, وأشار البخاري إلى هذه العلة في (صحيحه) , وعلى تقدير صحته .. فهو محمول على الورع وزيادة الاحتياط. وقد أجمع العلماء على الاكتفاء بتعريف سنة, وحكى الماوردي عن أحمد أنه يعرفها شهرًا واحدًا, وعن غيره ثلاثة أيام. وقد يتصور تعريف سنتين فيما إذا قصد الحفظ وقلنا: لا يجب التعريف فعرفه, ثم اختار التملك .. فإنه لابد من تعريفه سنة من حين اختيار التملك. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه إنما يجب التعربف حولاً واحدًا. فرع: التقاط اثنان لقطة .. اشتركا في التعريف, وملكاها بعده نصفين, قاله القاضي حسين والشيخ نصر وغيرهما, وقال ابن الرفعة: الأشبه: أن يعرف كل منهما سنة؛ لأنه في النصف كملتقط كامل. وقال الشيخ: الأشبه أن يعرف أحدهما نصفها والآخر نصفها؛ لأنها لقطة واحدة والتعريف من كل منهما لكلها لا لنصفها, وإنما تقسم بينهما عند التملك, قال: وليس لأحدهما انفراد باليد لا على الجميع ولا على النصف في السنة الأولى كالوكيلين والوصيين إذا لم ينص لهما على الانفراد, وليس لأحدهما نقل حقه إلى صاحبه. قال: (على العادة) فلا يشترط استيعابها كلها, ولا يعرف ليلاً ولا وقت القيلولة. قال: (يعرف أولاً كل يوم طرفي النهار, ثم كل يوم مرة, ثم كل أسبوع، مرة ثم كل شهر) وذلك على سبيل التقريب, ولا يكفي القدر اليسير من السنة؛ لأنه لا يفيد

وَلاَ تَكْفِي سَنَةٌ مٌتَفَرَّقَةٌ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: تَكْفِي, وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقصود, ولا يكفي التعريف في أوقات الخلوات, بل يراعي التعريف المعتاد, فيعرف في الابتداء في كل يوم مرتين طرفي النهار, ثم في كل يوم مرة, ثم في كل أسبوع مرة أو مرتين, ثم في كل شهر بحيث لا ينسى أنه تكرار للأول. وقال القاضي والخوارزمي يعرف في الأسبوع الأول كل يوم طرفي النهار, وفي الثاني كل يوم مرة, ثم في كل أسبوع مرتين, ثم في كل عشرة مرة. وقال المزني: يكون أكثر تعريفه في الجمعة التي وجدها فيها. قال: (ولا تكفي سنة متفرقة في الأصح) بأن يعرف شهرين مثلاً ويترك شهرين, أو اثني عشر شهرًا من اثنتي عشرة سنة؛ لأنه إذا فعل ذلك .. لا تظهر فائدة التعريف, ولأن المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم: (عرفها سنة) التوالي كما لو حلف لا أكلم زيدًا سنة. فعلى هذا: إذا قطع مدة .. وجب الاستئناف, وقد تقدم أن هذا يشكل على ما تقدم عن الرافعي من تصحيح عدم وجوب الفور في التعريف. قال: (قلت: الأصح: تكفي والله أعلم)؛ لأنه عرف سنة, وكما لو نذر صوم سنة .. فإنه يجوز تفريقها, ولم يصحح الرافعي في (الشرحين) شيئًا منهما, وعبر في (المحرر) عن الأول بالأحسن لا بالأصح. قال الإمام: وللقول بالاكتفاء شرط وهو: أن يبين في التعريف زمان الوجدان, ويسنده إلى الوقت الذي وجدت فيه, حتى يكون ذلك في مقابلة ما جرى من التأخير المنسي. ولو مات الملتقط في أثناء مدة التعريف .. صرح القاضي أبو الطيب بأن وارثه يبني على ذلك ويقوم مقامه.

وَيَذْكُرُ بَعْضَ أَوْصَافِهَا وَلاَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْتَعْرِّيِف إِنْ أَخَذَ لِحِفْظٍ, بَلْ يُرَّتِّبُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اوْ يَقْتَرِضُ عَلَى الْمَالِكِ, وَإِنْ أَخَذَ لِتَمَلُّكٍ .. لَزِمَتْهُ, وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَتَمَلَّكَ .. فَعَلَى الْمَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويذكر بعد أوصافها) لأنه أقرب إلى الظفر بالمالك, والأصح: أن هذا على جهة الاستحباب. ولم يبين المصنف البعض, وقال: في (التنبيه): يقول: من ضاع منه شيء, أو من ضاع منه دنانير, قال ابن الرفعة: وهي صريحة في التخبير, وبه صرح جماعة, ويجوز أن يكون إشارة إلى خلاف الأصحاب في وجوب ذكر شيء من الصفات, فإن شرطناه .. فهل يكفي ذكر الجنس بأن يقول: من ضاع منه دراهم؟ فيه وجهان: أصحهما: لا يجب, بل يكفي أن يتعرض للعفاص والوكاء ومكان الالتقاط وتاريخه, ولا يستوعب الصفات ولا يبالغ؛ لئلا يعتمدها الكاذب, فإن بالغ .. ففي صيرورته ضامنًا وجهان: أحدهما: لا؛ لأنه لا يلزمه الدفع إلا ببينة. وأصحهما في زوائد (الروضة): أنه يضمن؛ لأنه قد يرفعه إلى من يلزمه الدفع بالصفات. قال: (ولا تلزمه مؤنة التعريف إن أخذ لحفظ, بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترض على المالك)؛ لأن القصد بأخذها رعاية مصلحة المالك, ويجوز أن يأمر الملتقط به ليرجع كما في هرب الجمال, وإن رأى القاضي بيع بعضها فيه .. فله ذلك, فهذه أربعة أشياء يجتهد القاضي فيها, فإن لم يوجب التعريف .. فهو متبرع بما أنفقه. قال: (وإن أخذ لتملك .. لزمته)؛ لأنه قبض العين لغرض نفسه. قال: (وقيل: إن لم يمتلك .. فعلى المالك)؛ لعود الفائدة إليه, فلو قصد الأمانة أولاً ثم قصد التملك .. ففيه الوجهان؛ نظرًا: إلى منتهى الأمر ومستقره. هذا في مطلق التصرف, أما الصبي إذا رأى وليه التملك .. لم يصرف مؤنة التعريف من ماله, بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبيع جزءًا من اللقطه لذلك.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْحَقِيرَ لاَ يُعَرَّفُ سَنَةً، بَلْ زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: ليس للملتقط تسليم المال إلى غيره ليعرفه إلا بإذن الحاكم، فإن فعل .. ضمن. قال: (والأصح: أن الحقير لا يعرف سنة، بل زمنًا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا) أشار بذلك إلى تعريف اللقطة إنما يجب إذا جمعت وصفين: أحدهما: أن يكون شيئًا لا يفسد في مدة التعريف، فإن كان يفسد كالهريسة والرطب .. فقد تقدم حكمه. والثاني: كون الملتقط كثيرًا، فإن كان قليلاً .. ينظر، إن انتهت قلته إلى حد يسقط تموله كحبة الحنطة والزبيبة .. فلا يعرف، ولواجده الاستبداد به؛ لأن عمر رأى رجلاً يعرف زبيبة فضربه بالدرة وقال: (إن من الورع ما يمقته الله) وإن كان متمولاً مع قلته .. وجب تعريفه؛ لأن فاقده يطلبه، خلافًا لأبي حنيفة ومالك، وفيه وجه منقول في (الإستذكار). نعم؛ يستثنى من التعريف: ما لو التقط بالصحراء ما يسرع فساده كرطب وهريسة؛ فإنه لا يجب تعريفه على الظاهر؛ إذ لا فائدة له بالصحراء، وإذا تأخر .. بَعُدَ العثور على المستحقين. وكم يعرف؟ فيه وجهان: أحدهما: سنة؛ لإطلاق الأخبار، وهو ظاهر نص (المختصر)، واختاره العراقيون والقاضي حسين والشيخ، وشذ الغزالي في (البسيط) فزعم: أنه لم يقل به أحد. والثاني: المنع؛ لأن الشيء الحقير لا يدوم فاقده على طلبه، بخلاف الخطير، (و) لأن عمر رضي الله عنه رأى جرابًا فيه سويق تطؤه الإبل، فأخذه فعرفه، فلم يعرفه أحد، فأمر بقدح فشرب منه وسقى أصحابه وقال: (هذا خير من أن تطؤه الإبل) ولم ينكر عليه، وهذا أشبه باختيار المعظم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا: فأوجه: أحدها - ويروى عن الإصطخري ورجحه في (التنبيه) -: يكفي منه التعريف مرة؛ ليخرج بها عن حد الكاتم، وليس بعدها ضبط يعتمد. والثاني: ثلاثة أيام؛ لما روى أحمد والطبراني والبيهقي عن أبي حكيم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من التقط لقطة يسيرة .. فليعرفها ثلاثة أيام) والجواب: أنه ضعيف، وقال ابن حزم: في إسناده من إسرائيل إلى أبي حكيم ظلمات بعضها فوق بعض. والثالث - وهو الأصح -: أنه يعرف مدة يغلب على الظن في مثلها طلب الفاقد له، فإذا غلب على الظن إعراضه .. سقط الطلب، وكان الصواب أن يقول المصنف: يظن أن فاقده لا يعرض عنه غالبًا، ويختلف ذلك باختلاف قدر المال، قال الروياني: فدانق الفضة يعرف في الحال، ودانق الذهب يعرف يومًا أو يومين أو ثلاثة. وأما الفرق بين القليل والكثير .. ففيه أوجه: أصحها: لا يقدر، بل ما يغلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه، ولا يطول طلبه له غالبًا. والثاني: القليل ما دون نصاب السرقة؛ لقول عائشة: (ما كانت الأيدي تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه) رواه ابن أبي شيبة في (مسنده)، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة. والثالث: عن رواية الماسرجسي وغيره: أن الدينار فما دونه قليل؛ لما روى أبو داوود: أن عليًا وجد دينارًا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هذا رزق الله فاشتر به دقيقًا ولحمًا) ففعل وأكل هو والنبي صلى الله عليه وسلم منه وفاطمة، ثم جاء صاحب الدينار ينشده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا علي؛ أد الدينار).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: أن ما دون الدرهم قليل، والدرهم فما فوقه كثير؛ لما روي عن عائشة أنها قالت: (لا بأس بما دون الدرهم أن ينتفع به) كذا استدل به الرافعي وهو غريب. فائدة: قال الشيخ: استدل لعدم وجوب التعريف في الحقير بما روى الشيخان عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق مطروحة فقال: (لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة .. لأكلتها) ومر ابن عمر بتمرة مطروحة في الطريق فأكلها. وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأدخل بيتي فاجد التمرة مطروحة على فراشي ولا أدري من تمر الصدقة أو من تمر أهلي فأدعها) رواه أبو داوود، وهذا ليس بلقطة، والأول هو الذي تكلم عليه الفقهاء، والاستدلال به جيد من جهة أن المانع من أكلها احتمال كونها صدقة وهو لا يأكل الصدقة، وإذا تأملناها .. وجدناها ليست لقطة؛ لأن اللقطة ما تؤخذ لتتملك بعوض، أو لتحفظ لصاحبها بسبب تطلعه إليه، وهذه ليست كذلك. قال: وبهذا يندفع سؤال سمعته من شيخنا الحافظ شرف الدين الدمياطي عن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز أنه قال: كيف لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم التمرة والإمام يأخذ المال الضائع للحفظ؟ فأجاب بعض الناس بأنه إن ما في الحديث نفي الأكل، وقد يكون أخذها، وأنا أقول: إنما يأخذ المال الضائع الذي صاحبه متطلع إليه، أما ما هو معرض عنه .. فيترك لكل أحد يريد أخذه.

فصل

فَصْلٌ: إِذَا عَرَّفَ سَنَةً .. لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَخْتَارَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال المتولي: جرت العادة بالتقاط ما يقع من أيدي الحصادين من السنابل، فإن كان المالك أذن فيه .. فهو حلال، وإن لم يكن أذن فيه صريحًا إلا أن المالك لا يلتقطه في العادة ولا يشق عليه التقاط الناس .. فإنه يحل ووقع في عبارة (الروضة) فيه بعض تحريف. وروى البيهقي عن أم الدرداء قال: (قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحدًا شيئًا، قلت: فإن احتجت؟ قال: تتبعي الحصادين فانظري ما يسقط منهم، فخذيه واطحنيه ثم اعجنيه وكليه ولا تسألي أحدًا شيئًا) وقال الأوزاعي: ما أخطأت يد الحاصد أو جنت يد القاطف فليس لصاحب الزرع عليه سبيل، إنما هو للمارة وأبناء السبيل. قال: (فصل: إذا عرف سنة .. لم يمكلها حتى يختاره)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد: (فإن جاء صاحبها وإلا .. فشأنك بها) فوض الأمر إلى خيرته، وشمل إطلاق المصنف أنه لا فرق بين أن يكون الملتقط غنيًا أو فقيرًا، ولا خلاف عندنا في ذلك. وعند أبي حنيفة: من لا تحل له الصدقة لا يجوز له التملك والارتفاق باللقطة، ولكنه إن شاء .. حفظها للمالك، وإن شاء .. تصدق بها ومن تحل له الصدقة إن شاء .. تملكها، وإن شاء .. تصدق بها على غيره، ثم إذا جاء المالك .. فهو بالخيار، إن شاء .. أجاز الصدقة، وإن شاء .. غرمه، ويكون ثواب الصدقة للملتقط. وعن مالك: أن الغني تجوز له اللقطة ولا تجوز للفقير؛ لأنها تضيع عنده.

بِلَفْظٍ كَتَمَلَّكْتُ، وَقِيلَ: تَكْفِي النّيةُ، وَقِيلَ: يَمْلِكُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل الشافعي بلقطة أبي بن كعب وهو من مياسير الصحابة، وعلي بن أبي طالب وكان هاشميًا لا تحل له الصدقة. قال: (بلفظ كتملكت)؛ لأنه تملك مال ببدل فافتقر إلى اللفظ بالتملك كالشراء والشفعة، هذا فيما يملك، أما غيره كالكلب والخمر المحترمة .. فيظهر كما تقدم عن ابن الرفعة أنه لابد من اختياره نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه. وإشارة الأخرس في ذلك كعبارته، وقيل: يشترط مع اللفظ التصرف كما قيل بمثله في القرض، ويأتي فيه الخلاف في أي تصرف هو، وأثر الخلاف يظهر في الزوائد والزكاة. قال: (وقيل: تكفي النية) فإذا قصد التملك بعد الحول كفى ولا حاجة إلى اللفظ؛ لأنه إنما يعتبر حيث يكون هناك إيجاب وقبول، وهذا قول أبي إسحاق المروزي. قال: (وقيل: يملك بمضي السنة) وهو قول أبي حفص بن الوكيل، وهو ظاهر نص (الأم) و (المختصر)، ويدل له ما في (الصحيحين) من قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن جاء صاحبها، وإلا .. فهي لك) وهذا الوجه محله: إذا قصد بالأخذ في الابتداء التملك بعد المدة، فإن أخذ لا على قصد التملك واستمر حتى انقضت المدة .. لم يملك به قطعًا. هذا فيما يملك، فأما غيره كالكلب والخمرة المحترمة .. فيظهر كما تقدم عن ابن الرفعة: أنه لابد من اختياره نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه. وتستثنى صور يمتنع فيها التملك: منها: لقطة مكة كما سيأتي، والجارية التي تحل له كما تقدم. ومنها: إذا أخذ للخيانة .. فإنه لا يتملك على الصحيح كالغاصب.

فَإِنْ تَمَلَّكَ فَظَهَرَ الْمَالِكُ وَاتَّفَقَا عَلَى رَدِّ عَيْنِهَا .. فَذَاكَ، فَإِنْ أَرَادَهَا الْمَالِكُ وَأَرَادَ الْمُلْتَقِطُ الْعُدُولَ إِلَى بَدَلِهَا .. أُجِيبَ الْمَالِكُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: إذا سلمها للحاكم ثم ندم وأراد أخذها وتعريفها ويتملك .. فالمختار في زوائد (الروضة) أنه ليس له ذلك كما سيأتي في تتمة الباب. ولو تملكها ثم نوى إسقاط التملك وأنه يحفظها على صاحبها .. لم يسقط الضمان عنه بذلك، وفي زوال ملكه عنها وجهان كالوجهين فيما لو اصطاد صيدًا ثم أرسله هل يزول ملكه عنه؟ تذنيب: ولد اللقطة يملك بعد السنة بتعريف الأم، ولو مات الملتقط قبل التملك وله وارث صغير أو لا وارث له إلا بيت المال .. انتقل حق التملك إليهم كحق التحجر، هكذا كان الشيخ يقول ذلك بحثًا وهو صحيح. قال: (فإن تملك فظهر المالك واتفقا على رد عينها .. فذاك)؛ إذ ألحق لهما لا يعدوهما، ويجب على الملتقط ردها إليه قبل الطلب على الأصح، قاله الرافعي في (الوديعة). والمراد هنا بـ (الرد): التخلية، ومؤنة الرد بعد التملك على الملتقط؛ لأنه قبض العين لغرض نفسه، وقبله على المالك. قال: (فإن أرادها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها .. أجيب المالك في الأصح) كالقرض بل أولى؛ لأن المالك هنا سلطنة شرعية ليست للمقترض لأنه لم يرض بتملكها عليه. والثاني: المجاب الملتقط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر .. فأدها إليه) ولا خلاف أن الملتقط لو ردها .. وجب على المالك

فَإِنْ تَلِفَتْ .. غَرِمَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّمَلُّكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القبول، وبمجرد ظهور المالك لا يرتفع ملك الملتقط عنها حتى يردها بخلاف الشاة المعجلة، والفرق أن في الشاة يتبين فساد سبب الملك، وهنا لم يتبين فساده، ولابد من اشتراط أن لا يتعلق بالعين حق رهن ولا كتابة ولا جناية كما في القرض؛ فإنها تمنع رجوع المالك، وقياسه هنا كذلك. قال: (فإن التفت) أي: بعد التملك (.. غرم مثلها) أي: إن كانت مثلية (أو قيمتها) أي: إن كانت متقومة؛ لأنه ملك تعلق به العوض فأشبه البيع، وجاء في رواية في (سنن أبي داوود): (ثم كلها، فإن جاء صاحبها .. فأدها إليه) ولم يجعلوه كالقرض حتى يرد المثل الصوري. قال ابن الرفعة: وقضية قولهم: (إن ملك اللقطة كملك القرض) أنه يكون كذلك. هذا في عين اللقطة، فلو عزل الملتقط البدل عند إباحة إتلاف اللقطة فتلف .. فحكى الرافعي في الكلام على الطعام عن الأصحاب أنهم نصوا على سقوط حقه بهلاك القيمة للضرورة. وصورة المسألة: إذا تلفت بعد التملك، فإن تلفت قبله من غير تفريط .. لم يضمنها الملتقط كالمودع. قال: (يوم التملك)؛ لأنه وقت انتقالها إليه ودخولها في ضمانه، وقيل: يوم المطالبة بها، والأصح: ثبوت الضمان في ذمته من حين التلف. وعن الشيخ أبي إسحاق إنما يثبت البدل عند مطالبة المالك، واختاره الشيخ، وله شبه بمن يقول: إن شطر الصداق لا يرجع بمجرد الطلاق، بل يتوقف على اختيار الزوج. وأغرب الكرابيسي فقال: لا يطالب بالقيمة، ولا يرد العين عند بقائها؛ لأنه ملكها.

وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ .. فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَ الأَرْشِ فِي الأَصَحُ. وَإِذَا ادَّعَاهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ .. لَمْ تُدْفَعْ إِلَيْهِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بقوله: (يوم التملك) إلى أن الكلب إذا جوزنا التقاطه وظهر صاحبه وقد هلك .. لا يضمن؛ إذ لا يملك، وهل يضمن قيمة منفعته بعد الحول؟ فيه في (البيان) وجهان بناء على جواز إجارته. قال: (وإن نقصت بعيب) أي: طرأ بعد التملك (.. فله أخذها مع الأرش في الأصح)؛ لأن ما ضمن كله ضمن بعضه، إلا الشاة المعجلة في الزكاة كما تقدم فإنها تضمن بالتلف، فلو نقصت .. لم يجب أرشها. والثاني: يقنع بها بلا أرش؛ لأن النقصان حصل في ملكه فلا يضمنه كالشاة المعجلة. ولو أراد المالك الرجوع إلى بدلها سليمة، وقال الملتقط: أضم الأرش إليها وأردها .. فالأصح: أن على المالك القبول؛ لأن العين الناقصة مع الأرش كغير الناقصة فصار كالغاصب. واحترز بـ (النقصان) عما إذا وجدها زائدة، فإن كان ذلك قبل التملك .. أخذها بالزيادتين، وإن كان بعده .. أخذها بالمتصلة فقط. وكسب الرقيق .. جزم الرافعي بأنه ينفق عليه منه ويحفظ باقيه معه، والذي في (التتمة) أنه لقطة كالأصل. قال: (وإذا ادعاها رجل ولم يصفها ولا بينة له .. لم تدفع إليه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بداعواهم ...) الحديث، اللهم إلا أن يعلم الملتقط أنها له .. فيلزمه الدفع إليه. والبينة هنا: ما يثبت به المال، واختار الغزالي الاكتفاء بالرجل الواحد، وكأنه سلك به مسلك الإخبار، فإن حلف مع الشاهد .. اكتفي به.

وَإِنْ وَصَفهَا وَظُنَّ صِدْقُهُ .. جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ دَفَعَ فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا .. حُوِّلَتْ إِلَيْهِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن وصفها وظن صدقه .. جاز الدفع إليه)؛ عملاً بظنه، وهذا لا خلاف فيه لكنه يضمنها، أما إذا لم يغلب على الظن صدقه .. فلا خلاف أنه لا يجب الدفع إليه، والمشهور: أنه لا يجوز أيضًا. والتعبير بـ (الظن) ظاهر في الظرف الراجح، فلو تساوى الأمران عنده .. لم يجز الدفع، ونقل الإمام فيه ترددًا، وفي (الحاوي): أنه يسعه إذا لم يقع في قلبه كذبه. وتعبيره بـ (الجواز) يقتضي: أنه لا يستحب، ونص الشافعي على استحبابه. قال: (ولا يجب على المذهب)؛ لأنه مدع فيحتاج إلى بينة كغيره، وقياسًا على ما لو وصف واصف الوديعة التي لا يعرف لها صاحب، وبهذا قال أبو حنيفة، ولأنا أجمعنا على أنها لا تسلم لجماعة إذا وصفوها. والثاني - وهو قول مالك وأحمد وداوود وابن المنذر -: يجب؛ لأن إقامة البينة عليها قد تعسر، (و) لما روى أبو داوود من حديث زيد بن خالد: (فإن جاء صاحبها فعرف الصفة .. فأعطه إياها)، لكن قال أبو داوود: إن هذه الزيادة زادها حماد بن سلمة وليست بمحفوظة، ووافقه على ذلك البيهقي، وأنكر ابن حزم قول أبي داوود، ووافق أصحابه الظاهرية على وجوب الدفع بالوصف. أما إذا لم يغلب على الظن صدقه .. فلا خلاف أنه لا يجب الدفع إليه، والمشهور: أنه لا يجوز أيضًا. وتعبيره بـ (المذهب) راجع إلى الثانية، ولم يحكيا في الأولى خلافًا. هذا إذا وصفها له واحد، فإن وصفها جماعة .. قال القاضي أبو الطيب: لا تسلم لهم اتفاقًا، وبه جزم الصيمري. ولو تلفت اللقطة فشهدت البينة على وصفها .. قبلت ودفع إليه بدلها، حكاه ابن كَج عن النص. قال: (فإن دفع) أي: بالوصف (فأقام آخر بينة بها .. حولت إليه)؛ لأن البينة

فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ .. فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ وَالْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: لاَ تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حجة توجب الدفع فقدمت على الوصف المجرد، أما إذا دفعها أولاً ببينة ثم جاءت بينة أخرى .. فتأتي أقوال التعارض. قال: (فإن تلفت عنده) أي: عند الواصف (.. فلصاحب البينة تضمين الملتقط)؛ لأنه سلمه ما لم يكن له تسليمه. قال: (والمدفوع إليه)؛ لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه. قال: (والقرار عليه) أي: على المدفوع إليه، ومعناه: أنه إن غرم الملتقط .. رجع عليه، وإن غرمه .. لا يرجع؛ لحصول التلف عنده، ولأنه يزعم أن صاحب البينة ظالم فلا يرجع على غير من ظلمه. هذا إذا دفع بنفسه، فإن ألزمه القاضي الدفع .. فليس لصاحب اللقطة تضمينه على الصحيح؛ لعدم تقصيره بالدفع. ويرد عليه ما لو كانت اللقطة قد أتلفها الملتقط بعد التمكن ومضى الحول، ثم ادعاها رجل ووصفها فسلم إليه القيمة، ثم جاء آخر فأقام بينة بها .. لم يكن له أن يطالب المدفوع إليه؛ لأن الذي حصل في يده مال الملتقط لا مال المدعي، ثم إنما يكون قرار الضمان على المدفوع إليه إذا لم يقر المدفوع له بالملك، فإن أقر .. فلا رجوع عليه مؤاخذة له بقوله. قال: (قلت: لا تحل لقطة الحرم للتملك على الصحيح) بل للحفظ أبدًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ...) الحديث، وفيه: (ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها) متفق عليه، وفي رواية: (لا تحل لقطته إلا لمنشد) قال الشافعي: المنشد: المعرف، والناشد: المالك؛ أي: لا تحل إلا لمعرف يعرفها ولا يتملكها. وإنما عبر المصنف بـ (الحرم) وإن كان في الحديث مكة ليعلم أن حكم الحرم كله حكم مكة؛ لأنه فضل بذلك على سائر البلاد، والسر في ذلك أن الله تعالى جعله مثابة للناس يعودون إليه، فربما يعود الذي أضلها أو يبعث في طلبها.

وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنها كسائر البقاع تحل لقطتها، وبه قال الأئمة الثلاثة، وحملوا الحديث على تأكد التعريف بها لئلا يظن الاكتفاء بتعريفها في الموسم، وصححه جماعة منهم القفال، لأنها نوع كسب فاستوى فيها الحرم وغيره، والخلاف قولان، فكان الصواب التعبير بـ (الأظهر). قال: (ويجب تعريفها قطعًا والله أعلم)؛ للحديث، ولا يأتي فيه الخلاف المتقدم فيمن أخذ للحفظ أبدًا، بل يجزم بوجوبه. تتمة في مسائل تتعلق بالباب: وجد رجلان لقطة يعرفانها ويتملكانها، وليس لأحدهما نقل حقه إلى صاحبه، كما لا يجوز للملتقط نقل حقه إلى غيره، ولو تنازعا فأقام كل منهما بينة أنه الملتقط، فإن تعرضت بينة لسبق .. حكم بها، وإلا .. فعلى الخلاف في تعارض البينتين. ولو ضاعت من يد الملتقط فأخذها آخر .. فالأول أحق بها على الأصح، وقيل: الثاني. ولو كانا يتماشيان فرأى أحدهما اللقطة وأخبر بها الآخر .. فالآخذ أولى، فلو أراه اللقطة وقال: هاتها فأخذها لنفسه .. فهي للآخذ، وإن أخذها للآمر أو له ولنفسه .. فعلى القولين في جواز التوكيل في الاصطياد ونحوه. ولو تلفت اللقطة فشهدت البينة على وصفها .. قبلت ودفع إليه بدلها، حكاه ابن كج عن النص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو ادعاها رجل وأقام شاهدًا واحدًا وحلف معه .. حكم له به، صرح به الشيخ نصر في (تهذيبه). ولو رأى شيئًا مطروحًا على الأرض فدفعه برجله ليعرف جنسه أو قدره ولم يأخذه حتى ضاع .. لم يضمنه؛ لأنه لم يحصل في يده، قاله المتولي، قال في (الجواهر): ونظيره ما لو وجد سجادة مبسوطة في المسجد أرسلها صاحبها .. يدفعها برجله ويصلي في مكانها حتى لا تدخل في ضمانه. ولو دفع اللقطة إلى الحاكم وترك التعريف والتملك ثم ندم وأراد أن يعرف ويتملك .. ففي تمكينه وجهان: المختار منهما في زوائد (الروضة): المنع؛ لأنه أسقط حقه، وقد تقدمت هذه عند قول المصنف: (وقيل: يملك بمضي السنة). * * * خاتمة في لقطة عرفة ومصلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم وجهان في (الحاوي)؛ لأنه مجمع الحاج. وأصحهما: أنها ليست كلقطة الحرم، وتلزم الملتقط الإقامة لها للتعريف، أو دفعها إلى الحاكم الأمين، ويكون التعريف بمكة وشعابها وبعرفات وبطرقها والمزدلفة وحواليها ومنى والجمرات في الأوقات التي ينثاب الناس فيها مكة، فإن لم يجد الحاكم من يتطوع بذلك .. صرف له من سهم المصالح، فإن لم يكن .. استأجر عليه منها. وأما لقطة حرم المدينة .. فقال الدارمي: كغيرها لا تلحق بلقطة مكة في ذلك، وإطلاق الأصحاب يقتضيه إلا صاحب (الإنتصار)؛ فإنه قال: إنهما سواء، ويشهد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ له ما في (سنن أبي داوود) عن عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاها ولا تلتقط لقطتها) فسوى بينهما في ذلك.

كتاب اللقيط

كِتَابُ الْلَّقِيطِ التقاط المنبوذ فرض كفاية، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب اللقيط هو فعيل بمعنى مفعول، يقال للصبي الضائع: لقيط وملقوط ومنبوذ ودعي، وهذه الأسماء مأخوذة من طرفي حاله، فالمنبوذ: من نَبْذه وطرحه، واللقيط والدعي: من لَقْطِه وادعائِه، ولم يسموه نبيذًا؛ لئلا يلتبس بالمشروب سفهًا، وتسميته لقيطًا حقيقة شرعية. والأصل في الباب: عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِ وَالتَّقْوَى}، {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، فإنه بإحيائها يسقط فرض الكفاية عن الناس جميعًا، فإحياؤهم بالعصمة من عذاب الله لهم. وقال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمان)، وقال: (من لا يرحم لا يرحم)، وقال: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) وسيأتي في الباب حديث أبي جميلة. قال: (التقاط المنبوذ فرض كفاية) أركان الالتقاط الشرعي ثلاثة: أحدها: نفس الالتقاط، وهو من فروض الكفايات صيانة للنفس المحرمة عن الهلاك، فإذا التقط أهل الحضانة .. سقط الفرض، وإلا .. أثم كل من علم به من المسلمين.

وَيَجِبُ الإِشْهَادُ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والركن الثاني: اللقيط وأشار إليه المصنف بقوله: (المنبوذ) وهو: كل صبي ضائع لا كافل له، فخرج بالصبي: البالغ، لأنه مستغن عن الحضانة والتعهد فلا معنى لالتقاطه، والأصح: أنه لا فرق بين المميز وغيره. والمراد بالكافل: الأب والجد ومن يقوم مقامهما، والبالغ المجنون في ذلك كالصبي، ولكن ذكروا الصبي في الحد؛ لأنه الغالب، والمجنون في ذلك نادر. والالتقاط: الأخذ، قال تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ}. ونبذ الطفل من أقبح المنكرات، والتقاطه من نصر المظلوم الذي أمرنا به، ومن تغيير المنكرات الواجب تغييره، ولو لم يعلم به إلا واحد .. وجب عليه أخذه، فلو لم يلتقط حتى علم به غيره هل يكون الفرض عليهما، أو يختص الوجوب بالأول لتعلق الوجوب به قبل قدوم الآخر؟ قال ابن الرفعة: فيه احتمال يتلقى من خلاف في أن من سبق إلى الوقوف عليه هل يكون أحق به عند التزاحم، أو لا يكون أحق به بل يكونان فيه كما لو حضرا معًا؟ قال الشيخ: والذي ينبغي القطع به أن يكون عليهما؛ لأن الخطاب للجميع، ويجوز للملتقط دفعه إلى الحاكم على الأصح، ويحرم بعد أخذه رده إلى مكانه قطعًا. قال: (ويجب الإشهاد عليه في الأصح) نص الشافعي هنا على وجوب الإشهاد وفي اللقطة على استحبابه، والصحيح: تقرير النصين. والفرق: أن اللقيط يحتاج إلى حفظ حريته ونسبه .. فوجب الإشهاد كما في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النكاح، واللقطة المقصود منها المال، والإشهاد في التصرفات المالية مستحب لا واجب. والطريقة الثانية: إثبات قولين، أو وجهين بالنقل والتخريج: أحدهما: يجب فيهما. والثاني: لا فيهما، وكل من قال في اللقطة بالوجوب قال به هنا. ومن الأصحاب من قال: إن كان الملتقط عدلاً .. لم يجب الإشهاد، وإن كان مستورًا .. وجب. وكان ينبغي أن يعبر بـ (المذهب) كما في (الشرحين) و (الروضة)؛ ففيهما طريقان: أصحهما: القطع، وقيل: قولان أو وجهان كاللقطة، وقيل: يلزم مستور العدالة دون ظاهرها. وإذا أوجبنا الإشهاد على الملتقط فتركه .. قال في (الوسيط): لا تثبت له ولاية الحضانة ولغيره انتزاعه من يده، قال الرافعي: وهذا يشعر باختصاص الإشهاد الواجب بابتداء الالتقاط، وفي هذا الإشعار نظر. والظاهر: أن مراده: لا تثبت له ولاية الحضانة ما لم يُشهد، فلا يشعر باختصاص الوجوب بالابتداء، فمتى أشهد .. تثبت له الولاية، ولا يبعد أن يقال: إن الوجوب على الفور، فمتى أخره .. فسق وخرج عن الأهلية، فلا يفيده الإشهاد بعد ذلك إلا أن يتوب فيكون كالالتقاط الجديد. وخص الماوردي الخلاف بما إذا التقطه بنفسه، أما إذا سلمه له الحاكم .. فيندب للحاكم الإشهاد عليه به، فيغني تسليم الحاكم عن إشهاد الملتقط، ولا حاجة في ابتداء الأخذ ودوامه إلى مراجعة الحاكم إجماعًا. وإذا أشهد .. فليشهد عليه وعلى المال الذي معه، ويكون ذلك أول أخذه.

وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلاَيَةُ الاِلْتِقَاطِ لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ عَدلٍ رَشِيدٍ. وَلَوِ الْتَقَطَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ .. انْتُزِعَ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإنما تثبت ولاية الالتقاط لمكلف حر مسلم عدل رشيد) هذا هو الركن الثالث وهو: الملتقط، ويعتبر فيه التكليف والحرية والإسلام والعدالة والرشد، فأضدادهم لا يصح التقاطهم؛ لأنها ولاية تثبت على الغير بالاختيار فاعتبر فيها الأوصاف المذكورة كولاية القضاء، لكن اشتراط الإسلام إنما يعتبر إذا كان اللقيط محكومًا بإسلامه، فإن كان محكومًا بكفره .. فللكافر التقاطه؛ لأنه أهل للولاية عليه بشرط أن يكون عدلاً في دينه. ومقتضى إطلاقهم: جواز أن يلتقط اليهودي النصراني وبالعكس بدليل التوارث. واشتراط المصنف العدالة مخالف لقوله وقول الرافعي: إن المستور يصح التقاطه، لكن يوكل به رقيب إلا أن يوثق به فيصير كالعدل. لا جرم اعتبر الماوردي والروياني الأمانة وهو أقرب، ثم سيأتي في (الحضانة) كلام في اعتبار التنقي من العمى والبرص ونحو ذلك، ويشبه مجيئه هنا إذا كان الملتقط يتعاهد الطفل بنفسه. وأفهمت عبارة المصنف: أنه لا يحتاج إلى إذن الحاكم وهو المشهور. وحكى صاحب (التقريب) وجهًا: أنه لابد من إذن الإمام؛ لأنه من باب الولايات. وقال الدارمي: إذا وجده ثم أعطاه غيره .. لم يجز حتى يرفعه إلى الحاكم، والمرأة في ذلك كالرجل، ولا يمنع الفقير، وقيل: ينزع من الفقير. قال: (ولو التقط عبد بغير إذن سيده .. انتزع منه)؛ لأنه ولاية وتبرع وليس من أهلهما.

فَإِنْ عَلِمَهُ فَأَقَرَّهُ عِنْدَهُ أَو الْتَقَطَهُ بِإِذْنِهِ .. فَالسَّيِّدُ الْمُلْتَقِطُ. وَلَوِ الْتَقَطَ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا .. انْتُزِعَ. وَلَوِ ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى أَخْذِهِ .. جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن علمه فأقره عنده أو التقطه بإذنه .. فالسيد الملتقط) ويكون العبد نائبه في الأخذ والتربية، قال الماوردي: هذا قبل الرفع إلى الحاكم، أما بعده .. فيدفعه إلى من يراه ولا حق للسيد فيه، وسواء في ذلك القن والمدبر ومعلق العتق بصفة وأم الولد. والمكاتب إذا التقط بغير إذن السيد .. انتزع منه أيضًا، فإن التقط بإذنه .. ففيه الخلاف في تبرعاته بالإذن، لكن المذهب الانتزاع؛ لأن في التقاطه ولاية وليس هو أهلها، فإن قال السيد: التقط لي .. فالسيد هو الملتقط. والمبعض إذا التقط في نوبته في استحقاقه الكفالة وجهان لم يصحح الرافعي منهما شيئًا، وهو عند عدم المهايأة كالتقاط الرقيق. قال: (ولو التقط صبي أو فاسق أو محجور عليه أو كافر مسلمًا .. انتزع)؛ لعدم أهليتهم لذلك، وهذا الحكم اتفق عليه الأصحاب، ولم يجروا فيه القولين في انتزاع اللقطة من الفاسق والعبد؛ لأن المقصود هنا الحضانة وهي ولاية لا تثبت لهما، وفي اللقطة معنى الاكتساب وهو لهما. والمراد بـ (المحجور عليه): السفيه المحجور عليه بالتبذير، فلا تثبت هذه الولاية له وإن كان عدلاً، ولا يشترط في الملتقط الذكورة، بل الحضانة بالإناث أليق، ولا كونه غنيًا؛ إذ ليست النفقة على الملتقط والفقير أهل للحضانة كالغني، وفي (المهذب) وجه: أنه لا يقر في يد الفقير؛ لأنه لا يتفرغ لحضانته لاشتغاله بطلب القوت، والصحيح الأول. قال: (ولو ازدحم اثنان على أخذه .. جعله الحاكم عند من يراه منهما أو من غيرهما) صورة المسألة قبل الأخذ: إذا قال كل منهما: أنا آخذه وأحضنه؛ لأنه لا حق لهما قبل الأخذ.

فَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ فَالْتَقَطَهُ .. مُنِعَ الآخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ، وَإِنِ الْتَقَطَاهُ مَعًا وَهُمَا أَهْلٌ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ، وَعَدْلٌ عَلَى مَسْتُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن سبق واحد فالتقطه .. منع الآخر من مزاحمته)؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه .. فهو أحق به) وقد تقدم أن أبا داوود رواه ولم يضعفه. واحترز بالسبق بالأخذ عما إذا سبق بالوقوف عنده؛ فإن ذلك لا اعتبار به على الأصح. قال: (وإن التقطاه معًا وهما أهل .. فالأصح: أنه يقدم غني على فقير)؛ لأنه ربما يواسيه بماله، ولأن الفقير قد يشتغل بطلب القوت عن الحضانة. والثاني: أنهما يستويان ونسبه المتولي للجمهور؛ لأن الفقير أهل كالغني، ولأن نفقة اللقيط لا تجب على ملتقطه بلا فرق بين الغني والفقير. وفي وجه ثالث: لا يقر بيد فقير وإن انفرد. وعلى الأصح: لو تفاوتا في الغنى .. فهل يقدم أكثرهما مالاً؟ وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): لا يقدم، وقد يقال: إن الفقير السمح قد يكون أصلح وأشفق عليه من الغني الشحيح. وينبغي أن يرجع في التقديم إلى اجتهاد القاضي العالم الأمين، فمن رآه منهما أصلح .. قدمه. وينبغي جريان الخلاف فيما إذا كان أحدهما أحسن خلقًا أو أطيب حرفة والآخر بضد ذلك، ولم يذكروه. قال: (وعدل على مستور)؛ احتياطًا للصبي. والثاني: يستويان؛ لأن المستور لا يسلم مزية الآخر ويقول: لا أترك حقي بأن لم تعرفوا حالي. و (المستور): من لم تثبت عدالته عند الحاكم، ومن علمت حاله بالتزكية فهو

فَإِنِ اسْتَوَيَا .. أُقْرِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العدل باطنًا، أما العدل عند الله فلا يعلمه إلا هو سبحانه، والتفاوت فيها كثير، فمنهم العدل والأعدل، والحر أولى من المكاتب وإن التقط بإذن سيده. ولو كان أحدهما عبدًا التقط بإذن سيده .. فالاعتبار بالسيد والآخر، ولا تقدم المرأة على الرجل، بخلاف الأم في الحضانة، لأن شفقتها أكمل. ويتساوى المسلم والذمي في اللقيط المحكوم بكفره، وقيل: يقدم المسلم ليعلمه دينه، وقيل: الذمي؛ لأنه على دينه. ويقدم البلدي عل القروي سواء وجداه في قرية أو بادية كما سيأتي. قال: (فإن استويا) أي: في الصفات المعتبرة وتشاحا (.. أقرع)؛ لتعذر الاجتماع على الحضانة، ولأن إخراجه عنهما إبطال لحقهما، وتخصيص أحدهما بلا قرعة عند الأسبق لا سبيل إليه فتعينت القرعة كالزوج يسافر بإحدى زوجاته، وهذا هو الأصح المنصوص وقول الجمهور، واستأنسوا له بقوله تعالى: {إِذ يُلقُونَ أَقْلَامَهُم أَيُّهُم يَكْفُلُ مَرْيَمَ} أي: اقترعت الأحبار على كفالتها بإلقاء أقلامهم. وقال أبو علي ابن خيران: لا قرعة بينهما ولكن يجتهد الحاكم، فأيهما رآه أصلح للقيط .. وضعه عنده، فإن استويا أو تحير .. أقرع، ونسب هذا الغزالي إلى ابن أبي هريرة ولعلهما توافقا، وهذا كالوجه المتقدم في مقاعد الأسواق والآتي في التزاحم في (الدعوى). ولا يخير الصبي بينهما وإن كان له سبع سنين فأكثر، بخلاف تخييره بين الأبوين؛ لأن هناك يعول على الميل بسبب الولادة، وقال الإمام: يحتمل أن يخير، ويقدم اختياره على القرعة، لكنه صوره فيما إذا التقطاه ولم يتفق فصل الأمر حتى يلغ سن التمييز. وإذا خرجت القرعة لأحدهما فترك حقه للآخر .. لم يجبر كما ليس للمنفرد نقل حقه إلى غيره، ولو ترك حقه قبل القرعة .. فوجهان:

وَإِذَا وَجَدَ بَلَدِيٌّ لَقِيطًا بِبَلَدٍ .. فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى بَادِيَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: ينفرد به الآخر كالشفيعين. والثاني: لا، بل يرفع الأمر إلى الحاكم حتى يقره في يد الآخر إن رآه، وله أن يختار أمينًا آخر فيقرع بينه وبين صاحبه، فإن خرج عليه .. ألزمه القيام بحضانته. ولو خرجت القرعة لأحدهما فترك حقه لصاحبه .. لم يجز كما لو أخذه المنفرد ليس له نقل حقه وتسليم اللقيط إلى غيره. وقال الماوردي: له ذلك ولا يجبر على إمساكه، ويتسلمه الحاكم منه. قال: (وإذا وجد بلدي لقيطًا ببلد .. فليس له نقله إلى بادية)؛ لمعنيين: أصحهما: أن عيش أهل البادية خشن، والغالب قصورهم عن علوم الأديان والصناعات ففيه إضرار باللقيط. والثاني: أن ظهور نسبه بموضع التقاطه أغلب؛ لأنه يطلب فيه، قال الرافعي: فلو كان الموضع المنقول إليه من البادية قرييًا من البلد يسهل تحصيل ما يردا منه، فإن راعينا خشونة العيش .. لم يمنع، وإن راعينا النسب فإن كان أهل البلد يختلطون بأهل ذلك الموضع .. فكذلك، وإلا .. منع، ومتى فعل الملتقط ذلك أو قصده .. نزع اللقيط منه. قال الشيخ: والبادية خلاف الحاضرة، والحاضرة هي المدن والبلاد والقرى والريف، فالريف هي الأرض التي فيها زرع وخصب، والقرية العمارة المجتمعة قليلة كانت أو كثيرة وغلب إطلاقها على القليلة، فإن كبرت سميت بلدًا؛ لحسن الإقامة فيها، فإن عظمت سميت مدينة. وكما لا يجوز نقله من البلد إلى البادية لا يجوز نقله من البلد إلى القرى، كذا أطلقه الأصحاب، وهو على ما تقدم من تخصيص القرية في العرف بالصغيرة، وإلا .. فهي تشمل الصغيرة والكبيرة، وقد سمى الله تعالى مكة قرية فقال: {عَلَى رَجُلٍ منَ الْقَريَتَينِ عَظِيمٍ} وسماها بلدًا في قوله: {لاَ أُقسِمُ بِهَذَا البَلَدِ} فالقرية أعم والبلد أخص والمدينة أخص، فكل مدينة بلد ولا ينعكس، وكل بلد قرية ولا ينعكس، هذا في

وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ نَقلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَأَنَّ لِلْغَرِيبِ إِذَا الْتَقَطَ بِبَلَدٍ أَنْ يَنْقُلَهُ إِلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِبَادِيَةٍ .. فَلَهُ نَقْلُهُ إِلَى بَلَدٍ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَدَوِيٌّ بِبَلَدٍ .. فَكَالْحَضَرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أصل الوضع، وأما في الإطلاق العرفي .. فعلى ما قدمناه، وعليه ينزل كلام الأصحاب في هذا الباب. قال: (والأصح: أن له نقله إلى بلد آخر)؛ بناء على العلة الصحيحة؛ لأن معيشة البلاد متقاربة بخلاف معيشة القرى والبوادي، وهذا هو المنصوص. والثاني: ليس له نقله إلى بلد آخر، وينزع اللقيط منه رعاية لأمر النسب. قال المتولي: ولا فرق بين سفر النقلة والتجارة والزيارة، ومحل الجواز عند أمن الطريق وتواصل الأخبار، ولم يفرق الأصحاب هنا بين مسافة القصر ودونها، وقطع الماوردي فيما دونها بالجواز، وخص الخلاف بمسافر القصر إذا تواصلت الأخبار. قال: (وأن للغريب إذا التقط ببلد أن ينقله إلى بلده)؛ لتقارب المعيشة. والثاني: لا؛ لأجل النسب، وحيث منعناه .. نزعنا اللقيط من يده كما تقدم، والمراد: الغريب الذي اختبرت أمانته، وإلا .. لم يقر في يده قولاً واحدًا. قال: (وإن وجده) أي: البلدي (ببادية .. فله نقله إلى بلد)؛ لأنه أرفق به، فإن أقام هناك .. أقر في يده لا محالة، فإن كانت البادية مهلكة .. فلابد من نقله بلا خلاف، وإن كان في حلة أو قبيلة في البادية، فإن كان من أهل حلة مقيمين في موضع راتب .. أقر في يده، وإن كان ممن ينتقلون من موضع إلى موضع منتجعين .. ففي منعه وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): لا يمنع. قال: (وإن وجده بدوي ببلد .. فكالحضري) فإن أراد الإقامة في البلد .. أقر في يده، وإن أراد الخروج إلى البادية .. نزع منه، وإن أراد الخروج إلى بلد آخر .. فعلى الوجهين السابقين في البلدي. و (البدوي) من سكن البادية، قال الله تعالى: {وَجَاءَ بِكُم مِنَ البَدوِ} وقال صلى الله عليه وسلم: (من بدا .. جفا).

أَوْ بِبَادِيَةٍ .. أُقِرَّ بِيَدِهِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ لِلنُّجْعَةِ .. لَمْ يُقرَّ. وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الحضري): من سكن الحاضرة وقد سبق تفسيرها. قال: (أو ببادية .. أقر بيده)؛ لأن ذلك كبلدة أو قرية، وقيده الإمام بما إذا تواصلت أخبار الحلتين، فإن لم تتواصل .. فوجهان. قال: (وقيل: إن كانوا ينتقلون للنجعة .. لم يقر)؛ لأن في ذلك تضييعًا لنسبه، ولم يصحح الرافعي في المسألة شيئًا، وصحح في (الروضة) ما صححه هنا. و (النجعة) بضم النون وسكون الجيم: طلب الكلا في موضعه، تقول منه: انتجعت، وانتجعت فلانًا إذا أتيته تطلب معروفه. قال ذو الرمة - واسمه غيلان -[من الوافر]: رأيت الناس ينتجعون غيثًا .... فقلت لصيدح: انتجعي بلالا قال: (ونفقته في ماله العام) قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها لا تجب على الملتقط، بل هي في ماله كالطفل الذي له أب، قال الشيخ: وليس هو في الحقيقة ماله، بل مال الجهة العامة، وكذا قوله بعد: (فإن لم يعرف له مال) أي: لا عام ولا خاص ففيه تجوز، والمراد: ما يستحق أن يصرف إليه منه وإن لم يكن ملكه. قال: (كوقف على اللقطاء)؛ فإن الوقف عليهم صحيح بلا خلاف، ويكفي إمكان الجهة وإن لم يتحقق وجود اللقيط، وكذلك الوصية لهم، قال في (الوجيز): وكذلك الهبة لهم، قال الرافعي: لكن الهبة لغير معين مما يستبعد فيجوز تنزيله على ما إذا كان معينًا، أو تنزل الجهة العامة منزلة المسجد حتى يجوز تمليكها بالهبة ويقبلها القاضي، واختاره الشيخ.

أَوِ الْخَاصِّ وَهُوَ: مَا اخْتَصَّ بِهِ كَثِيَابٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَيْهِ وَمَفْرُوشَةٍ تَحْتَهُ وَمَا فِي جَيْبِهِ مِنْ دَرَاهِمَ [وَغَيْرِهَا] وَمَهْدِهِ وَدَنَانِيرَ مَنْثُورَةٍ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ. وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ .. فَهِيَ لَهُ. وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو الخاص وهو) كل (ما اختص به كثياب ملفوفة عليه) وكذلك الملبوسة له من باب أولى؛ لأن للصغير يدًا واختصاصًا كالبالغ، فإن الأب إذا مات وترك طفلاً ومالاً .. كان المال في يد الطفل، فيحكم له بملك ما يتصل به من ذلك. قال: (ومفروشة تحته) وكذلك المغطى بها كاللحاف، ومن المختص به ما وقف عليه بخصوصه، أو وصي له به، أو وهب له وقبله له الحاكم. قال: (وما في جيبه من دراهم [وغيرها] ومهده ودنانير منثورة فوقه وتحته)؛ لما قلناه من أن له يدًا كالبالغ، وكذلك المشدودة عليه وعلى ثوبه، وفي المنثورة تحت فراشه وجه في (الحاوي)، وكذلك يقضى له بالدابة التي عنانها بيده أو مشدودًا في وسطه أو راكبها. قال: (وإن وجد في دار .. فهي له)؛ لليد، لأنها تقصد للإيواء والسكنى، وكذلك الخيمة والحانوت، وفي البستان وجهان طردهما صاحب (المستظهري) في الضيعة، قال المصنف: وهو بعيد، وينبغي القطع بأنها لا تكون له. هذا إذا لم يكن فيها غيره، فإن كان .. فهل يكون بينهما أو لا يكون للقيط فيها ملك؟ فيه نظر، وإذا قلنا بالشركة وكان فيها جماعة فهل يكون له النصف ولغيره النصف أو تكون بينهم على عدد الرؤوس؟ فيه أيضًا نظر واحتمال. قال: (وليس له مال مدفون تحته) قال في (الكافي): بلا خلاف، ولأن الكبير لو كان جالسًا على أرض تحتها دفين .. لم يحكم بأنه له، ولأنه لا يقصد بالدفن الضم إلى الطفل، ثم ينظر: فإن كان عليه ضرب الإسلام .. فهو لقطة، وإلا .. فهو ركاز

وَكَذَا ثِيَابٌ وَأَمْتِعَةٌ مَوْضُوعَةٌ بِقُرْبِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يملكه واجده ويخمسه، فلو كان معه أو في الدفين رقعة مكتوب فيها: أنه له .. فوجهان: أصحهما عند الغزالي: أنه له بقرينة المكتوب، والموافق لكلام الأكثرين: أنه لا أثر لذلك، وهو الأصح. قال الإمام: ليت شعري! ما يقول الأول لو دلت على دفين بعيد؟ قال المصنف: مقتضاه: أنه يجعله للقيط؛ فإن الاعتماد إنما هو على الرقعة لا على كونه تحته. نعم؛ لو كان الدفين في يد غيره .. فلا يعول على الرقعة قطعًا. قال: (وكذا ثياب وأمتعة موضوعة بقربه في الأصح) كما لو كانت بعيدة. والثاني - وهو قول ابن أبي هريرة -: أنها تجعل له؛ لأن مثل هذا يثبت له اليد والاختصاص، ألا ترى أن الأمتعة الموضوعة في السوق بقرب الشخص تجعل له. واحترز بـ (القريبة) عن البعيدة عنه؛ فإن البالغ لا يضاف إليه البعيد منه فاللقيط أولى، ولم يتعرض الأصحاب لضابط القرب والبعد، قال الشيخ: والظاهر: أن المعتبر في ذلك العرف. تنبيه: قال المصنف في (نكته): محل الخلاف في كون الأمتعة القريبة والدفين ليس له إذا لم يحكم بكون الأرض له كمسجد أو طريق أو صحراء، فإن كان فيما يحكم له به كدار ونحوها .. فإطلاق الأصحاب في (باب الركاز) أنه لصاحب الأرض يقتضي: أنه يكون للقيط، وبه صرح الدارمي، وأشار إليه صاحب (التقريب) وغيره.

فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ .. فَالأظْهَرُ: أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: الدابة التي ترعى بالقرب منه في كونها له وجهان حكاهما سليم في (المجرد)، وصحح: أنها له، والمعروف: أنها ليست له، ولم يحك الإمام خلافًا في أن المسيبة لا تكون له، وكذلك المربوطة بالبعد عنه، ولو كانت مشدودة باللقيط وعليها راكب .. فهي بينهما عند ابن كج، وأقره عليه الشيخان، وضعفه في (المهمات) بأن اللقيط في هذه الحالة غايته أن يكون كرجل عاقل قائد لدابة وعليها راكب، وصحح الشيخان في (باب الصلح): أن اليد فيها للراكب. اهـ والذي قاله ابن كج ظاهر منقاس؛ لأن الراكب إذا كان ضعيفًا أو صغيرًا .. يحكم بأنها لهما لعدم أولوية أحدهما، وإن كان كبيراً بالغًا .. فلا؛ لأنه لو كانت الدابة له .. لنزعها من اللقيط، فغايته أن للكبير يدًا فعلية وللقيط يدًا حكمية فتعادلا، والذي استشهد به في (المهمات) محله في البالغين العاقلين المستقلين. قال: (فإن لم يعرف له مال) أي: لا بالخصوص ولا بالعموم (.. فالأظهر: أنه ينفق عليه من بيت المال)؛ لأن الكبير العاجز ينفق عليه من بيت المال فهذا أولى، ويكون من سهم المصالح وهو خمس الخمس، واستدل له الرافعي بأن عمر استشار الصحابة في نفق اللقيط فقالوا: (من بيت المال)، ومقتضى كلام ابن المنذر: أن هذا قول عامة أهل العلم. والذي رواه مالك والشافعي والبيهقي: أن رجلاً من سليم - يقال له: سفيان أبو جميلة - وجد منبوذًا في زمن عمر فجيء به إليه، فلما رآه .. قال: عسى الغوير أبؤسًا، ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأخذتها، فقال عريفي: إنه رجل صالح، قال: فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته. والقول الثاني: لا ينفق عليه من مال بيت المال؛ لأن مال بيت المال يصرف إلى ما لا وجه له سواه، واللقيط يجوز أن يكون رقيقًا فنفقته على سيده، أو حرًا له مال أو قريب فنفقته في ماله أو على قريبه. فعلى هذا: يستقرض الإمام لنفقته من بيت المال أو من واحد من الناس، فإن لم يكن في بيت المال شيء ولم يقرض أحد من الناس .. جمع الإمام أهل الثروة من البلد وقسط عليهم نفقته، ويجعل نفسه منهم إن كان موسرًا، ثم إن بان رقيقًا .. رجعوا على سيده عليه، وإن بان حرًا وله مال أو قريب .. فالرجوع عليه، وإن بان حرًا لا قريب له ولا مال ولا كسب .. قضى الإمام حقهم من سهم الفقراء والمساكين أو الغارمين كما يراه، كذا قاله الرافعي تبعًا للماوردي والروياني، وقال في زوائد (الروضة): اعتبار القريب غريب قل من ذكره، وهو ضعيف؛ فإن نفقة القريب تقسط بمضي الزمان. اهـ واعترض عليه بأن نفقة القريب بالاستقراض لا تسقط بذلك كما سيأتي في بابه. وحيث قلنا: تسقط النفقة على الأغنياء .. فذلك عند إمكان الاستيعاب، فإن كثروا وتعذر التوزيع عليهم .. قال الإمام: يضربها السلطان على من يراه منهم يجتهد فيه، فإن استووا في نظره .. تخير. كل هذا في اللقيط المحكوم بإسلامه، وكذا في المحكوم بكفره على الأصح عند الرافعي والمصنف، والأصح في (الكفاية): المنع، ونقله القاضي حسين عن النص؛ لأن مال بيت المال معد لمصالح المسلمين، والصحيح: الأول؛ إذ لا وجه لتضييعه، وعلى الثاني: يجمع الإمام أهل الذمة ويقسط نفقته عليهم دينًا عليه.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ .. قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ قَرْضًا، وَفِي قَوْلٍ: نَفَقَةً. وَلِلْمُلْتَقِطِ الاِسْتِقْلاَلُ بِحِفْظِ مَالِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن لم يكن) أي: في بيت المال شيء، أو كان ما هو أهم منه (.. قام المسلمون بكفايته)؛ إذ لا يحل تضييعه، وهذا أمر واجب عليهم بالاتفاق، فإذا قام به بعضهم .. حصل الغرض واندفع الحرج عن الباقين، وإن امتنعوا .. أثموا كلهم، وطالبهم الإمام، فإن أصروا .. قاتلهم، وهذا تفريع على القول الأظهر. قال: (قرضًا، وفي قول: نفقة) يعني: إذا ألزمنا المسلمين كفايته .. فالأظهر المنصوص - وهو قول الأكثرين -: أن طريقه طريق القرض حتى يثبت الرجوع، كما يبذل الطعام للمضطر بالعوض؛ لأنه قد يكون رقيقًا أو حرًا وله مال أو قريب. والثاني - وهو قول الصيدلاني -: أن طريقه طريق النفقة؛ لأنه محتاج عاجز فأشبه المجنون والفقير والزمن. قال الرافعي: ولم يتعرض الأصحاب لطرد الخلاف في أنه إنفاق أو اقتراض إذا كان في بيت المال مال وقلنا: نفقته منه، والقياس طرده، قال المصنف: ظاهر كلامهم: أنه إنفاق فلا رجوع لبيت المال قطعًا، قال الشيخ: وهذا هو المختار. قالا: وحيث قلنا: يقسطها الإمام على الأغنياء فذاك عند إمكان استيعابهم، فإن كثروا وتعذر التوزيع عليهم .. قال الإمام: يضربها السلطان على من يراه منهم باجتهاده، فإن استووا في اجتهاده .. تخير، والمراد: أغنياء تلك البلدة أو القرية. وقوله: (قرضًا) منصوب على نزع الخافض؛ أي: على جهة القرض. قال: (وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله في الأصح)؛ لأنه يستقل بحفظ المالك، وهو أولى به من القاضي فكان أولى بحفظ ماله. والثاني: ليس له ذلك، بل يحتاج إلى إذن القاضي؛ لأن إثبات اليد على المال يحتاج إلى ولاية عامة أو خاصة، ولا ولاية للملتقط.

وَلاَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي قَطْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهر: تخصيص الخلاف بالعدل الذي يجوز إيداع مال اليتيم عنده لا في كل ملتقط. والأصح: أنه إذا ظهر منازع للمنبوذ في المال المخصوص به .. لم يكن للملتقط مخاصمته. قال: (ولا ينفق عليه منه إلا بإذن القاضي)؛ لأن ولاية المال لا تثبت لقريب غير الأب والجد، فالأجنبي أولى، فإن أنفق بغير إذن .. ضمن. قال: (قطعًا) ليس قطعًا، بل في المسألة قولان شهيران حكاهما القفال والشيخ أبو محمد في (السلسلة) في (كتاب الدعوى) في الكلام على مسألة الظفر، والرافعي ذكر الخلاف أيضًا هناك، ولم يذكر في (المحرر) ولا في (الروضة) لفظ (قطعًا)، ومحله: إذا أمكنت مراجعته، وإلا .. أنفق بنفسه، وفي قول: يدفع إلى أمين لينفق، لكن يشترط الإشهاد، فإن تركه .. ضمن في الأصح. تتمة: قال المتولي وغيره: إذا جوزنا أن يأذن له في الإنفاق فأنفق، ثم بلغ اللقيط واختلفنا .. فالقول قول الملتقط إذا كنا ما يدعيه قدرًا لائقًا بالحال، قال الرافعي: وقد سبق في هرب الجمال وجه: أن القول قول الجمال، والقياس طرده هنا، وإن ادعى زيادة على اللائق .. فهو مقر بتفريطه فيضمن، ولا معنى للتحليف. قال الإمام: لكن لو وقع النزاع في عين فزعم الملتقط أنه أنفقها .. فيصدق لتنقطع المطالبة بالعين، ثم يضمن كالغاصب إذا ادعى التلف. هذا كله إذا أمكن مراجعة القاضي، فإن لم يكن هناك قاض فهل ينفق من مال اللقيط عليه بنفسه أم يدفع إلى أمين ينفق عليه؟ قولان: أظهرهما: الأول. فعلى هذا: إن أشهد .. لم يضمن على الصحيح؛ وإلا .. ضمن على الأصح.

فصل

فَصْلٌ: إِذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، أَوْ بِدَارٍ فَتَحُوهَا وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ كُفَارٍ صُلْحاً أَوْ بَعْدَ مِلْكِهَا بِجِزْيَةٍ وَفِيهَا مُسْلِمٌ .. حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ. وَإِنْ وُجِدَ بِدَارِ كُفَارٍ. فَكَافِرٌ إِنْ لمَ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ، وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ .. فَمُسْلِمٌ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: إذا وجد لقيط بدار الإسلام وفيها أهل ذمة، أو بدار فتحوها وأقروها بيد كفار صلحًا أو بعد ملكها بجزية وفيها مسلم) أي: يمكن أن يولد له ذلك اللقيط (.. حكم بإسلام اللقيط)؛ تغليبًا للدار، ولإمكان كونه من مسلم، فإن كان المسلمون بها أكثر .. فالظاهر: أنه مسلم، وإن لم يكن إلا مسلم واحد .. فلا يمكن دعوى الظهور ولكن الاحتمال، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، كذا رواه أحمد، فلذلك يحكم بكونه مسلمًا، لا سيما والدار دار إسلام، وقد أطلق الرافعي دار الإسلام على الثلاثة التي ذكرها المصنف. واحترز بقوله في الثالثة: (وفيها مسلم) عن دار كان فيها مسلمون سكنوها ثم ارتحلوا عنها وغلب عليها المشركون، وليس فيها الآن من يعرف بالإسلام، أو كان فيها مسلم لا يمكن أن يكون منه .. فالمنبوذ بها كافر في الأصح. وقال الشيخ أبو إسحاق المروزي: إنه مسلم؛ لأن الدار دار إسلام، واختاره الشيخ. قال: (وإن وجد بدار كفار .. فكافر إن لم يسكنها مسلم)؛ لأن الإسلام إنما يعلو إذا احتمل، ولا احتمال هنا، وقال الفوراني: إذا اجتاز بها مسلم .. فهو مسلم، وإن قال: ليس هذا مني .. قُبل في نفي نسبه عنه، ولا يقبل في ترك الإسلام. قال: (وإن سكنها مسلم كأسير وتاجر .. فمسلم في الأصح)؛ تغليبًا للإسلام.

وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَة بِنَسَبِهِ .. لَحِقَهُ وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْدَّعْوَى .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: كافر؛ تبعًا للدار. قال الإمام: ويشبه أن الخلاف في قوم ينتشرون في البلد، أما الذين في المطامير .. فيتجه أن لا أثر لهم كما لا أثر للمجتازين، فعلى الأول: لابد أن يكون ممن يمكن أن يولد له كما سبق، وإلا .. فلا، ولو قال ذلك المسلم: ليس هذا الولد مني .. قبل قوله في نفي نسبه عنه دون إسلامه. ثم المحكوم بإسلامه بالدار إذا بلغ ووصف الكفر .. فهو كافر أصلي، وقيل: قولان كتابع أبيه وسابيه. والثاني: مرتد. وحيث حكمنا بكفر اللقيط فكان أهل البلد أصحاب ملل مختلفة .. قال الرافعي: القياس: أن يجعل من خيرهم دينًا، وقال في (المطلب): ينبغي أن يكون على الخلاف فيما إذا اختلف دين أبويه هل يتبع أشرفهما دينًا أو لا؟ وذكر شارح (التعجيز) عن جده: أن اللقيط إذا وجد ببرية .. يكون مسلمًا ترجيحًا للإسلام، وهذا ظاهر إذا كانت يدارنا، فإن كانت بحيث لا يطرقها مسلم .. فلا. قال: (ومن حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمي بينة بنسبه .. لحقه)؛ لأنه كالمسلم في لحوق النسب. قال: (وتبعه في الكفر) ويرتفع ما ظنناه من إسلامه؛ لأن الدار حكم باليد والبينة أقوى من اليد المجردة، والغالب في ولد الكافر أن يكون كافرًا. قال: (وإن اقتصر على الدعوى) أي: استلحقه من غير بينة (.. فالمذهب: أنه لا يتبعه في الكفر) بل يثبت نسبه اتفاقًا، ولا يلزم منه الكفر؛ لجواز كونه من

وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْصَّبِيِّ بِجِهَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لاَ تُفْرَضَانِ فِي لَقِيطٍ: إِحْدَاهُمَا: الْوِلَادَةُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ .. فَهُوَ مُسْلِمٌ، فَإِنَ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا .. فَمُرْتَدٌ. وَلَوْ عَلِقَ بَيْنَ كَافِرِيْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا .. حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلمة، هذه أصح الطرق عند الأكثرين، وقيل: قولان: ثانيهما يتبعه في الكفر تبعًا لنسبه كما لو أقام به بينة، وخص الماوردي الخلاف بما إذا استلحقه قبل أن تصدر من اللقيط صلاة أو صوم، وإلا .. لم يتبعه قطعًا. قال: (ويحكم بإسلام الصبي بجهتين أخريين لا تفرضان في لقيط) وإنما ذكرا في (باب اللقيط) استطرادًا. قال: (إحداهما: الولادة، فإذا كان أحد أبويه مسلمًا وقت العلوق .. فهو مسلم)؛ لأنه جزء من مسلم بالإجماع، وكذا إذا كانت الأم مسلمة؛ لأن الولد خلق منهما جميعًا، وسيأتي الحكم في ولد المرتدين في بابه. قال: (فإن بلغ ووصف كفرًا .. فمرتد) وهذا لا خلاف فيه أيضًا؛ لأنه كان مسلمًا ظاهرًا وباطنًا، وهذه التبعية أقوى التبعيات. قال: (ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما .. حكم بإسلامه) سواء أسلم قبل الوضع أو بعده، طفلاً كان أو مميزًا، فيحكم بإسلامه في الحال حتى يتعلق القصاص والدِّية بقتله، ويرث من قريبه المسلم ويرثه لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتهُم ذُريَّتُهُم بِإِيمَانٍ). وقوله: صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه) فجعل موجب كفره كفرهما جميعًا. وقال مالك: لا يتبع الأم إذا أسلمت إلا أن يكون من زنا، أو يكون جنينًا في بطنها. وحكي الشيخ نجم الدين الخبشاني في (شرح الوسيط) عن بعض العلماء: أنه يتبع الأم ولا يتبع الأب، ونقله ابن حزم أيضًا عن بعض المدنيين، وقال في (كتاب الجهاد): إن ولد الحربية والذمية من زنا أو إكراهٍ مسلمٌ ولابد؛ لأنه ولد في الإسلام وليس له أبوان يخرجانه منه، ولم يذكر في ذلك خلاف عن أحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: في معنى الأبوين الأجداد والجدات، سواء كانوا وارثين أم لم يكونوا، فإذا طرأ إسلام الجد .. تبعه الطفل إذا لم يكن الأب حيًا، فإن كان حيًا فوجهان: أحدهما: لا يتبعه في الإسلام؛ لأن الجد لا ولاية له في حياة الأب، والجدة لا حضانة لها في حياة الأم، وإلى هذا ذهب القاضي حسين وجماعة. قال الرافعي: وأقربهما: التبعية؛ لأن سببها القرابة وهي لا تختلف بحياة الأب وموته كسقوط القصاص وحد القذف. ولو أسلم الجد للأم والأب حي .. اطرد الوجهان، وفي (الروضة): موضع قول الرافعي: (أقربهما التبعية) الأصح. وحكى الماوردي في تبعية الولد لجده أو جدته ثلاثة أوجه: ثالثها: إن كان الأب أو الأم موجودًا .. لم يتبع، وإلا .. يتبع. وقال الرافعي في (كتاب السير): إذا أسلم الجد أو الجدة .. هل يصون صغار أحفاده؟ وجهان: أظهرهما: نعم، قال الروياني: إن محلهما إذا كان أبوه حيًا، فإن كان ميتًا .. صانهم وجهًا واحدًا. ووجه ابن أبي هريرة منع التبعية بأن إسلام الجد لو كان إسلامًا له .. لوجب أن يحكم بإسلام جميع الأطفال بإسلام جدهم آدم عليه السلام. وأجاب ابن الرفعة بأن كلامنا في إسلام جد بعد وجود ولد الولد، وآدم عليه السلام كان موجودًا قبل وجود ذريته فلا يلزم ما ذكر. وجوابه: أن من أتبع ولد ولد لجده إذا أسلم قال: إذا كان الجد مسلمًا انعقد بعد إسلامه له ولد ولد .. انعقد على الإسلام كما صرح به القاضي حسين في (باب دعوى الأعاجم)، ورجح ابن الرفعة قول القاضي حسين، واختاره الشيخ، وبه جزم الحليمي، وأفتى به قاضي القضاة تقي الدين بن رزين، وقال: إنه الحق، وإن كلام الرافعي خارج عن المذهب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا في ولد موجود قبل إسلام الجد، وكذا فيما انعقد بعد إسلامه كما تقدم عن القاضي حسين، أما إذا مات الجد والأب حي ثم حدث له بعد ذلك ولد .. قال الشيخ: لم يتعرض له الرافعي ولا غيره فيما وقفت عليه إلى الآن لهذه المسألة، ويحتمل أن يقال: لا يستتبع؛ لأن الاستتباع يليق بالحي لا بالميت. وعلى هذا: لا يرد الاستدلال بآدم عليه السلام، ويحتمل أن يقال: يستتبع، وعلى هذا يرد، ويجاب عنه بأن الكلام في جد يعرف النسب إليه بحيث يحصل بينهما التوارث، قال: والأمر مشكل من الطرفين إن قيل بالاستتباع .. فقد يصر الولد على الامتناع والقتل صعب، وإن قيل بعدم الاستتباع .. فتمكين من يحتمل إسلامه من الكفر أصعب. اهـ. لكن عبارة (الحاوي الصغير) صريحة في التبعية بذلك، وبها أفتى عامة مشايخ العصر، ونقل في (المحلى) عن الأوزاعي: أن عم الصغير إذا أسلم .. يكون مسلمًا. فائدة: من مات وهو صغير على أقسام: أولاد الأنبياء في الجنة بالإجماع. وأولاد غيرهم كذلك على المشهور، وقيل بالوقف، وأولاد المشركين فيهم هذا القولان. وقيل: على الأعراف، وقيل: يمتحنون في الآخرة، وقيل: في النار. واستدل لكونهم في الجنة - وهو الصحيح - بقوله صلى الله عليه وسلم في (الصحيح): (وأولاد المشركين). وقال أحمد: إذا مات الذمي وزوجته حامل .. حكم بإسلام الجنين، وأجراه

فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا .. فَمُرْتَدٌ، وَفِي قَوْلٍ: كَافِرٌ أَصْلِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض أصحابه فيما إذا مات وهو صغير بعد انفصاله، والجمهور على أنه كافر؛ لأنه ثبتت له التبعية بالعلوق. قال: (فإن بلغ ووصف كفرًا .. فمرتد)؛ لسبق الحكم بإسلامه، فأشبه من أسلم بنفسه ثم ارتد. قال: (وفي قول: كافر أصلي)؛ لأنه كان محكومًا بكفره أولاً، وأزيل ذلك بطريق التبعية، فإذا استقل .. انقطعت ووجب أن يعتبر بنفسه، فإن حكمنا بكونه مرتدًا .. لم ينقض شيئًا مما أمضيناه من أحكام الإسلام، وعلى مقابله: ينقضها على الأصح ويستدرك ما يمكن استدراكه، حتى يرد ما أخذ من تركة قريبه المسلم، ويأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرمناه منه، ونحكم بأن عتقه عن الكفارة لم يقع مجزئًا. كل هذا إذا لم يصف الإسلام بعد بلوغه، فإن وصفه .. فمرتد قطعًا. ومن فوائدهما كما ذكره الرافعي في (الظهار): وجوب التلفظ بالإسلام بعد البلوغ على الثاني دون الأول، ولذلك قال في (كتاب التوبة) من (الإحياء): إن المسلم تبعًا لأبويه لا يغني عنه إسلامهما شيئًا ما لم يسلم بنفسه، ونص عليه الحليمي أيضًا، وإذا جعلناه كافرًا أصليًا .. ألحقناه بدار الحرب. ويتفرع على القولين: تجهيزه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين إذا مات قبل البلوغ وبعد الإفصاح، ورأى الإمام أن يتساهل في ذلك وتقام فيه شعائر الإسلام، قال في (الروضة): وهو المختار أو الصواب؛ لأن هذه الأمور مبنية على الظواهر، وظاهره الإسلام، وهو كما قال. فرع: المحكوم بكفره إذا بلغ مجنونًا .. حكمه حكم الصغير، حتى إذا أسلم أحد أصوله .. تبعه؛ لأنه بالجنون عاد إلى حكم الطفولية، ولهذا تعود ولاية الأب عليه في ماله ونكاحه، وإذا بلغ عاقلاً ثم جن .. فكذلك على الأصح.

الْثَانِيَةُ: إِذَا سَبَى مُسْلِمٌ طِفْلاً .. تَبعَ الْسَّابِيَ فِي الإِسْلَامِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (الثانية: إذا سبى مسلم طفلاً .. تبع السابي في الإسلام إن لم يكن معه أحد أبويه)؛ لأنه صار تحت ولايته وليس معه من هو أقرب إليه فتبعه كما تبع الأبوين. قال الإمام: وكأن السبي لما أبطل حريته .. قلبه قلبًا كليًا فعدم ما كان، واستفتح له وجود تحت يد السابي وولاية، فأشبه تولده من الأبوين المسلمين، والمجنون في ذلك كالطفل. وحكى جماعة من الأصحاب وجهًا: أن المسبي باق على كفره لا يتبع السابي، وفي (المهذب) و (الحاوي): أنه ظاهر المذهب، ونبه في (الروضة) على ضعفه وشذوذه؛ لئلا يغتر به، وأن الصواب المقطوع به في كتب المذهب: الجزم بإسلامه. وقال ابن حزم: من سُبي من صغار أهل الحرب سواء سبي مع أبويه أو مع أحدهما أو دونهما .. فهو مسلم، قال: وهو قول الأوزاعي والثوري والمزني. ثم لا فرق بين أن يكون السابي بالغًا أو طفلاً عاقلاً أو مجنونًا فلذلك أطلقه المصنف. وإذا قلنا: إنه محكوم بإسلامه فهل هو ظاهرًا وباطنًا كما في الحكم بإسلامه تبعًا لأحد أبويه، أو ظاهرًا فقط؟ وجهان حكاهما الماوردي في (كتاب السير)، وقال: ظاهر المذهب: الأول، ويظهر أثرهما فيما إذا وصف الكفر بعد البلوغ، أما إذا كان معه أبواه أو أحدهما .. فإنه لا يتبع السابي قطعًا، وأسقطه المصنف اكتفاء بالمفهوم، وصرح به في (المحرر)، قال الشيخ: ولا يعرف فيه خلافًا في المذهب إلا ما نقله ابن حزم عن المزني. قال في زوائد (الروضة): وقول الأصحاب: (معه أحد أبويه) يحتمل أن يكون ذلك مثالاً، والمراد: أحد أصوله، أو على حقيقته ويجري في الأجداد والجدات الخلاف.

وَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ .. لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فيِ الْأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بالمعية: أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة، لا كونهما في ملك واحد، فإن كانا في عسكرين .. تبع السابي، ولو سبي معهما ثم ماتا .. لم يحكم بإسلامه؛ لأن التبعية محلها ابتداء السبي، وإذا دخل دار الإسلام مع أبويه أو أحدهما ثم انفرد .. لم يحكم بإسلامه. قال: (ولو سباه ذمي) أي: وحمله إلى دار الإسلام (.. لم يحكم بإسلامه في الأصح)؛ لأن أولاده كفرة، ودار الإسلام لم تؤثر فيهم فأولاد غيره إذا سباهم أولى. والثاني: يحكم بإسلامه؛ لأنه إذا سباه .. صار من أهل دار الإسلام، والذمي من أهلها فيحكم بإسلامه تبعًا للدار، ولصاحب هذا الوجه أن يجيب عن حجة الوجه الأول بأن دار الإسلام لم تؤثر في أولاد الكافر؛ لأن تبعية النسب أقوى وقد عارضتها وفي المسبي الدار منفردة. واستشكل الشيخ صورة المسألة، ثم صورها بما إذا سرقه ذمي وقلنا: المسروق لا يخمس به السارق وهو منفرد به، أما إذا قلنا: لا يختص به .. فيكون للمسلمين فيه شيء ويده نائبة عنهم فيه، فيقوى فيه القول بكونه مسلمًا؛ لأن الحق عليه للمسلمين. فروع: إذا أسلم الذمي السابي له هل يصير مسلمًا؟ قل من تعرض له، قال الشيخ: ينبغي أن يكون مسلمًا؛ لأن له عليه ولاية وكفالة وملكًا. وموضع الخلاف إذا سباه في جيش المسلمين، فأما إذا سباه الذمي وحده .. فهو على دين سابيه قطعًا، صرح به الماوردي في (كتاب السير)، وحاوله ابن الرفعة تفقهًا.

وَلاَ يَصِحُّ إِسْلَامُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ اسْتِقْلَالاً عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو سباه مسلم وذمي .. حكم بإسلامه تبعًا للمسلم تغليبًا للإسلام، قال القاضي حسين. وإذا اشترى كافر عبدًا صغيرًا ثم أسلم السيد هل يحكم بإسلام الطفل؟ خرجه البغوي في (فتاويه) على الوجهين، قال: ويحتمل أن يرتب فيقال: إن لم يحكم بإسلامه في السبي .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان، وكذلك الحكم لو سباه حربي وأسلم فيه الوجهان. ومن سباه ذمي وحكمنا بعدم إسلامه على الأصح ثم سبي أبواه ثم أسلما .. لم يصر مسلمًا بإسلامهما؛ لأن كفره لم يكن من قبلهما فيزول بزوالهما عنه، قاله الحليمي. وهذه مسألة حسنة يقال فيها: طفل محكوم بكفره أسلم أبواه فلم يتبعهما في الإسلام، قال الشيخ: وعلى مقتضاها: لو لم يسبيا ولكنهما أسلما إما في دار الحرب وإما خرجا منها بأنفسهما ثم أسلما .. فإنه لا يتبعهما في الإسلام؛ لانفراده عنهما قبل ذلك وإبقائه على الكفر. وإذا باع الذمي المسبي المنفرد بنفسه من مسلم .. لم نحكم بإسلامه أيضًا على الأصح؛ لأن ملك المسلم طرأ وهو رقيق، ومهما حكمنا بإسلامه تبعًا للسابي فبلغ وأعرب بالكفر .. فحكمه حكم من حكم بإسلامه تبعًا لأبويه. قال: (ولا يصح إسلام صبي مميز استقلالاً على الصحيح)؛ لأنه غير مكلف فأشبه المجنون وغير المميز ولا يصح إسلامهما اتفاقًا، ولأن نطقه بالشهادتين إما خبر وإما إنشاء، فإن كان خبرًا .. فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء .. فهو كعقوده وهي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باطلة، وأيضًا نطقه إما إقرار أو شهادة وليس من أهلهما، ولأن إسلامه التزام؛ لأن معناه: انقدت لله تعالى وألزمت نفسي أحكامًا، فهو كالضمان والتزام الصبي لا يصح، وهذا هو المشهور المنصوص قديمًا وجديدًا. والثاني: يصح إسلامه استقلالاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليًا إلى الإسلام قبل بلوغه فأجاب، ولا يلزم من كونه غير مكلف أن لا يصح كالصلاة والصوم وسائر العبادات، وقد قال الإمام: إنه ضعيف نقلاً قوي توجيهًا، قال: وقد صححوا إحرامه، والفرق بينه وبين الإسلام عسر، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وبه قال الإصطخري وابن أبي هريرة، وحكم به الشيخ زين الدين ابن الكتناني أيام نيابته القضاء، وكذلك قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، واختاره الشيخ أولاً ثم رجع عنه واختار رأي الجمهور. وأجابوا عن قياسه على العبادات بأنها تقع منه نفلاً والإسلام لا يتنفل به، وعن إسلام علي بأنه كان ابن خمسة عشرة سنة، وهو بعيد لقوله (من الوافر): سبقتهمُ إلى الإسلام طرًّا .... صغيرًا ما بلغت أوان حلمي لكن هذا الشعر لم يصح عنه. والجواب الصحيح: ما نقله البيهقي في (المعرفة): أن الأحكام إنما صارت متعلقة بالبلوغ بعد الهجرة في عام الخندق، أما قبل ذلك .. فكانت منوطة بالتمييز. كل هذا في أحكام الدنيا، أما ما يتعلق بالآخرة .. فقال الأستاذ أبو إسحاق: إذا أضمر الإسلام كما أظهره .. كان من الفائزين بالجنة وإن لم تتعلق بإسلامه أحكام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيا، قال الرافعي: ويعبر عن هذا بأن إسلامه صحيح باطنًا وظاهرًا، واستشكله الإمام؛ لأن من نحكم له بالفوز لإسلامه كيف لا نحكم بإسلامه؟ ثم قال: وقد يجاب عنه بأنا قد نحكم بالفوز في الآخرة وإن لم نحكم بالإسلام في الدنيا كمن لم تبلغه الدعوة، واعترض ابن الرفعة على الرافعي بأن قول الإمام: (من لم يحكم له بالفوز لإسلامه) يخرج عن هذه الصورة وهو اعتراض حسن. وتعبير المصنف بـ (الصحيح) يقتضي ضعف الخلاف، وهو قوي كما تقرر فكان ينبغي التعبير بالأصح. تتمة: إذا فرعنا على الصحيح .. حيل بينه وبين أبويه وأهله الكفار؛ لئلا يفتنوه، فإن بلغ ووصف الكفر .. هدد وطولب بالإسلام، فإن أصر .. رد إليهم، وهذه الحيلولة مستحبة على الأشبه عند المتولي والرافعي، وواجبة عند الغزالي والشيخ، فليتلطف بأبويه ليؤخذ منهما، فإن أبيا .. فلا حيلولة على الأول. وفي كلام الرافعي في (باب الحضانة) ما يقتضي أن الحيلولة واجبة، ونقل الإمام في (باب الهدنة) إجماع الأصحاب عليه، ويجري هذا فيما لو كان رقيقًا لذمي وأسلم، لكن جزم الإصطخري في (أدب القضاء) بأنه يباع عليه كالبالغ، وإذا قلنا بصحة إسلام المميز .. ورثناه من قريبه المسلم، وحكمنا له بسائر أحكام الإسلام. وعلى هذا: لو ارتد .. قال الرافعي: صحت ردته لكن لا يقتل حتى يبلغ، فإن تاب وإلا .. قتل، وقال المصنف: الحكم بصحة ردته - قال الرافعي -: بعيد بل غلط. قال الشيخ: وفي التغليط نظر؛ لأن الحكم ببطلانها يقتضي توريثه من قريبه المسلم وهو بعيد، فقياس الحكم بإسلامه الحكم بردته لكنه لا يقتل قبل البلوغ.

فصل

فَصْلٌ: إِذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ .. فَهُوَ حُرٌّ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ أَحْدٌ بَيِّنَهً بِرِقِّهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ .. قُبِلَ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ إِقْرَارُهُ بِحُرِّيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: إذا لم يقر اللقيط برق .. فهو حر)؛ لقول عمر: (هو حر) وعلينا نفقته وحكى ابن المنذر على ذلك الإجماع، ولأن الرق في الآدميين خلاف الأصل؛ لأنهم خلقوا ليسخِّروا لا ليسخَّروا، ولأن غالب الناس أحرار فيعمل بذلك؛ لأنه الأصل والغالب، لكن الشافعي قال في (المختصر): لو قذفه قاذف .. لم أحده حتى أسأله، فإن قال: أنا حر .. حددت قاذفه، فتستثنى هذه الصورة من إطلاق المصنف. قال: (إلا أن يقيم أحد بينة برقه) فيعمل بها كما سيأتي. قال: (وإن أقر به لشخص فصدقه .. قبل إن لم يسبق إقراره بحرية) كسائر الأقارير. وفي قول: لا يقبل؛ للحكم بحريته بالدار فلا ينقض. واحترز عما إذا كذبه؛ فإن الرق لا يثبت، وكذا لو عاد بعد ذلك وصدقه؛ لأنه لما كذبه .. ثبتت حريته بالأصل فلا يعود رقيقًا. ولو أقر بالرق لزيد فكذبه فأقر لعمرو .. ففي تخريج ابن سريج: أنه يقبل كما لو أقر بمال لزيد فكذبه فأقر به لعمرو، والمذهب المنصوص: المنع؛ لأن الإقرار

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَسْبِقَ تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ، بَلْ يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْرِّقِّ وَأَحْكَامِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لاَ الْمَاضِيَةِ الْمُضِرَّةِ بِغَيْرِهِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول تضمن نفي الملك لغيره، فإذا رد المقر له .. خرج عن كونه مملوكًا له أيضًا فصار حرًا بالأصل، والحرية مظنة حقوق الله تعالى والعباد فلا سبيل إلى إبطالها بالإقرار الثاني. واحترز المصنف أيضًا عما إذا سبق إقرار بعد البلوغ بالحرية .. فإنه لا يقبل الثاني على الأصح؛ لأنه بالإقرار الأول التزم أحكام الأحرار في العبادات وغيرها فلم يملك إسقاطها، وقيل: يقبل كما لو أنكرت المرأة الرجعة ثم أقرت. تنبيه: ينبغي اعتبار الرشد في المقر، ففي (فتاوى) صاحب (الإقليد) عن شيخه ابن عبد السلام: أن اعتراف الجواري بالرق لا يقبل؛ لأن الغالب عليهن السفه وعدم المعرفة، وهذه العلة موجودة في غالب العبيد إلا أن الشرع كلفنا بالعمل الظاهر. قال: (والمذهب: أنه لا يشترط أن لا يسبق تصرف يقتضي نفوذه حرية كبيع ونكاح، بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه المستقبلة لا الماضية المضرة بغيره في الأظهر). إذا وجدت من هذا المقر تصرفات يقتضي نفوذها الحرية كالبيع والنكاح وغيرهما ثم قامت بينه برقه .. نقضت تصرفاته المقتضية للحرية، وجعلت صادرة [عن عبد] لم يأذن له سيده، ويسترد ما قبضه من زكاة أو ميراث وما أنفق عليه من بيت المال، وتباع رقبته فيها، فلو لم تقم بينة، ولكن أقر بالرق وقلنا بالصحيح - وهو قبول إقراره - .. ففيه طرق ملخصها ما ذكره المصنف: أنه تثبت له أحكام الأرقاء في المستقبل.

فَلَوْ لَزِمَهُ دَينٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَفِي يَدِهِ مَالٌ .. قُضِيَ مِنْهُ، وَلوِ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ في يَدِهِ بِلاَ بَيِّنَةٍ .. لَمْ يُقْبَلْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وثانيهما: قولان: ثانيهما: أنه يبقى في أحكام الحرية مطلقًا؛ لأنه محكوم بحريته بظاهر الدار وتعلقت به حقوق لله تعالى وللعباد فلا يقبل إقراره بما يسقطها. وقيل: يبقى فيما يضر بغيره كما لو قال: لزيد علي ألف ولي عنده رهن .. فيقبل في الدين دون الرهن. وأما الماضي .. فيقبل إقراره فيما يضر به من التصرفات السابقة قطعًا مؤاخذة له، لكن يستثنى من هذا ما لو كان اللقيط امرأة وتزوجت ثم أقرت بالرق والزوج ممن لا يحل له نكاح الأمة .. فإنه لا ينفسخ نكاحه على الأصح في زوائد (الروضة) كالحر إذا وجد الطول بعد نكاح الأمة، ومقتضى قبول إقراره في المستقبل - وإن أضر بالغير - قبوله لكن النكاح كالمقبوض المستوفى. قال: (فلو لزمه دين فأقر برق وفي يده مال .. قضي منه)؛ هذا تفريع على الأظهر، وهو أنه يقبل إقراره فيها؛ لكونه يضر به دون ما يضر بغيره، فيقضي الدين مما في يده، فإن بقي معه شيء .. فهو للمقر له، وإن بقي من الدين شيء .. فهو في ذمته حتى يعتق، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يقر بالرق ابتداء وبين أن يدعي رقه شخص فيصدقه. ولو ادعى رجل رقه فأنكره ثم أقر له .. ففي قبوله وجهان؛ لأنه بالإنكار لزمه أحكام الأحرار، وقال في (الروضة): ينبغي أن يفصل، فإن قال: لست بعبد .. لم يقبل إقراره بعده، وإن قال: لست بعبد لك .. فالأصح: القبول؛ إذ لا يلزم من هذه الصيغة الحرية. قال: (ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة .. لم يقبل) بلا خلاف؛ إذ الظاهر الحرية فلا تترك إلا بحجة بخلاف النسب؛ فإن قبوله مصلحة للصبي وثبوت حق له، وهنا القبول إضرار له وإثبات رق عليه.

وَكَذَا إِنِ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا (أَوْ غَيْرَهُ) فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفِ اسْتِنَادُهَا إِلَى الْتِقَاطٍ .. حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ .. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن ادعاه الملتقط في الأظهر)؛ لأن الأصل الحرية فلا يخالف بمجرد الدعوى، ويد الملتقط لا تدل على الملك. والثاني: يقبل قوله ويحكم له بالرق، كما لو التقط مالاً وادعى أنه له ولا منازع له .. فيقبل قوله حتى يجوز شراؤه منه. وفرق الجمهور بأن المال مملوك وليس في دعواه تغيير صفة له، واللقيط حر ظاهرًا وفي دعواه تغيير صفته، وخص الماوردي الخلاف بما إذا ادعاه قبل التقاطه، فإن ادعاه بعده .. لم يقبل قطعًا، فاجتمع من ذلك ثلاثة أوجه: أصحها: عدم القبول. وحيث قلنا: لا يقبل .. فنقل المزني في (جامعه الكبير): أنه لا ينزع منه، وقال الماوردي: الذي أراه وجوب انتزاعه؛ لأنه قد خرج بدعوى رقه عن الأمانة في كفالته، وربما صارت استدامة يده ذريعة إلى رقه. قال: (ولو رأينا صغيرًا مميزًا (أو غيره) في يد من يسترقه ولم يعرف استنادها إلى التقاط .. حكم له بالرق) أي: إذا ادعاه؛ عملاً باليد والتصرف. وقيل: لا، كالملتقط فإن كان غير مميز .. حكم له بالرق قطعًا. وتقييده بـ (المميز) يعلم منه: أن غيره من باب أولى، وإنما يحكم برقه إذا حلف لخطر شأن الحرية، وهذا الحلف واجب على النص، وقيل: مستحب. قال: (فإن بلغ وقال: أنا حر .. لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة)؛ لأنا قد حكمنا برقه في حال الصغر فلا يرفع ذلك الحكم إلا بحجة، لكن له تحليف السيد وإقامة البينة على حريته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يقبل قوله إلا أن يقيم مدعي الرق بينة على رقه؛ لأن الرق إنما جرى عليه حين لا قول له ولا منازعة، فإن صار معتبر القول .. فلابد من إقراره أو البينة عليه، أما لو ادعى أنه حر الأصل .. فلا يقبل جزمًا، وكذلك لو أقر بالرق لغير صاحب اليد. فروع: الأول: اشترى بالغًا عاقلاً فادعى أنه حر الأصل .. صدق بيمينه، فإذا حلف .. رجع المشتري على بائعه بالثمن، وحكى البغوي في (فتاويه) عن القاضي: أنه لا يرجع؛ لأن يده ما أزيلت ببينة إلا أن يقيم ببينة أنه حر الأصل، والاحتياط لمن اشترى عبدًا بالغًا: أن يسأله عن رقه لبائعه ويشهد عليه، وإن ادعى أن سيده أعتقه .. لم يسمع قوله. الثاني: صغيرة في (يد رجل) يدعي نكاحها فبلغت وأنكرت .. يقبل قولها وعلى المدعي البينة، وهل يحكم في صغرها بالنكاح؟ قال ابن الحداد: نعم كالرق، والأصح: المنع. وفرق الأصحاب بأن اليد في الجملة دالة على الملك، ويجوز أن يولد وهو مملوك والنكاح طارئ فيحتاج إلى البينة. الثالث: إذا قذف لقيطًا .. عزر، وإن كان بالغًا .. حد إن اعترف بحريته، فإن ادعى رقه فقال المقذوف: (بل أنا حر .. فالقول قول المقذوف] على الأظهر، وقيل: قطعًا. ويجري القولان فيما إذا قطع طرفه حر وادعى رقه وقال: بل أنا حر، وقيل: يجب القصاص قطعًا؛ لأن الحد يغني عنه التعزيز لاشتراكهما في الزجر، فإن لم نوجب القصاص .. أوجبنا الدية في اليدين، ونصفها في إحداهما على الأصح، وعلى الثاني: القيمة أو نصفها. ولو قذف اللقيط واعترف بأنه حر .. حُدّ حَدّ الأحرار، وإن ادعى أنه رقيق وصدقه المقذوف .. حُدَّ حَدَّ العبيد، وإن كذبه .. فالأصح: حد الأحرار.

وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ .. عُمِلَ بِهَا، وَيُشَتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي قَوْلٍ: يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ. وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ حُرٌّ مُسْلِمٌ .. لَحِقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن أقام بينة برقه .. عمل بها)؛ لظهور فائدتها، سواء كان هو الملتقط أو غيره. قال: (ويشترط أن تتعرض البينة لسبب الملك) لكونه عن إرث أو شراء أو غير ذلك؛ لأنا لا نأمن أن يكون اعتماد الشاهد على ظاهر اليد. قال: (وفي قول: يكفي مطلق الملك) كسائر الأموال، ولم يرجح الرافعي في (الشرحين) شيئًا من القولين، ونقل في (الروضة) الترجيح عن (المحرر)، والرافعي لم يفصح فيه بترجيح بين، وهذه الشهادة تقبل هنا من رجل وامرأتين على القولين؛ لأن الغرض إثبات الملك، وإذا اكتفينا بالشهادة على أنه ولد أمته .. قبل من أربع نسوة أيضًا؛ لأن الشهادة على الولادة ثم يثبت الملك في ضمنها كثبوت النسب في ضمن الشهادة على الولادة. قال: (ولو استلحق اللقيط حر مسلم .. لحقه) ولا يحتاج إلى بينة ولا قافه لكن بالشروط السابقة في الإقرار، وادعى الإمام فيه الإجماع، وسواء الرشيد والسفيه؛ لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على غيره فأشبه ما لو أقر بمال، والمعنى فيه: أن الإشهاد على النسب يعسر فلو لم يحصل بالدعوى .. لضاعت الأنساب. وسواء في ذلك اللقيط وغيره، لكن يستحب أن يقال للملتقط: من أين هو لك؟ ليخبر عن جهة صحيحة يلحق النسب بها كالنكاح والوطء في ملك اليمين أو نكاح فاسد، وإن لم يسأله .. جاز، كذا قاله الصيمري في (شرح الكفاية). وينبغي أن يجب الاستفسار؛ لأن كثيرًا من الناس يعتقدون أن ولد الزنا يلحق، وإذا استلحقه .. حكم بأنه ولده، وتجري بينهما أحكام النسب من الميراث والإنفاق ودفع الزكاة والولاية في المال والنكاح وغير ذلك.

وَصَارَ أَوْلَى بِتَرْبِيَتِهِ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ .. لَحِقَهُ، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ .. لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول المصنف: (مسلم) لا مفهوم له؛ فإن الكافر يستلحق من حكم بكفره؛ لاستوائهما في الجهات المثبتة للنسب كما تقدم، وإنما كلامه هنا في لقيط محكوم بإسلامه، لكن لابد أن يكون ذكرًا كما سيأتي. قال: (وصار أولى بتربيته) أي: من الملتقط؛ فإن كفالة الأجنبي كانت للضياع وقد زالت بوجود الأب، و (أولى) هنا من باب قولهم: فلان أولى بماله يعنى: أنه لا حق لغيره فيه، وإنما عبروا بذلك للفرق بين الحر والعبد. قال: (وإن استلحقه عبد .. لحقه) أي: في النسب خاصة؛ لأنه في أمر النسب كالحر؛ لإمكان حصوله منه بنكاح أو وطء شبهة، لكن لا يسلم إليه لاشتغاله عنه بخدمة السيد، ولا نفقة له عليه؛ إذ لا مال له، إنما ينفق عليه من بيت المال. قال: (وفي قول: يشترط تصديق سيده)؛ لما فيه من الإضرار به بسبب الإرث المتوهم على تقدير عتقه. وقيل: لا يلحقه قطعًا، وقيل: يلحقه قطعًا إن كان مأذونًا له في النكاح ومضى زمن إمكانه، وإلا .. فالقولان، والمذهب: اللحوق مطلقًا. ويجري الخلاف في إقرار العبد بأخ أو عم، وقيل بالمنع هنا قطعًا؛ لأن لظهور نسبه طريقًا آخر وهو إقرار الأب والجد. قال: (وإن استلحقته امرأة .. لم يلحقها في الأصح) سواء كانت ذات زوج أم لا، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه يمكنها أن تقيم البينة على الولادة بطريق المشاهدة والرجل لا يمكنه فمست الحاجة إلى إثبات النسب من جهة بمجرد الدعوى، ولأنها إذا أقرت بالنسب .. كأنها تقر بحق عليها وعلى غيرها إذا كانت فراشًا لزوج، وبطل إقرارها في حق الزوج فيبطل جميعه؛ لأن الإقرار الواحد إذا بطل بعضه .. بطل كله.

أَوْ اثْنَانِ .. لَمْ يُقَدَّمْ مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ .. عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يقبل ويلحقها؛ لأنها أحد الأبوين، وعزاه في (التقريب) إلى ابن سريج، ويستدل له بقصة داوود وسليمان حين تحاكم إليهما امرأتان لهما ابنان فذهب الذئب بأحدهما وادعى كل منهما أن الباقي ابنها، فحكم به داوود للكبرى وحكم به سليمان للصغرى بمجرد الدعوى منهما. والثالث: يلحق الخلية دون المزوجة؛ لتعذر الإلحاق بها دونه. وعن أحمد روايتان كالوجه الثاني والثالث. وإذا قلنا باستلحاقها ولها زوج .. لم يلحقه في الأصح، وقال أبو الطيب بن سلمة: يلحقه. واستلحاق الأمة كاستلحاق الحرة إذا جوزنا استلحاق العبد، وقال القاضي أبو الفرج: إن صححنا استلحاق المرأة .. صح استلحاق الخنثى وثبت نسبه، ولو مات هذا الطفل .. ورثه الخنثى ميراث أم. وليس المراد بالزوج من هي في عصمته، بل كونها فراشًا لشخص لو ثبت نسب اللقيط منها بالبينة .. لحق صاحب الفراش، سواء كانت في عصمته أم في العدة، حكاه في (الكفاية) عن البندنيجي. وإذا أقامت بينة .. لحقها قطعًا، وكذا يلحقه إن أمكن وشهدت بالولادة على فراشه، وإلا .. فأصح الوجهين عند المصنف: المنع. قال: (أو اثنان .. لم يقدم مسلم وحر على ذمي وعبد)؛ لأن كلاًّ منهما أهل لو انفرد فأشبه المسلمين أو الحرين، وهذا تفريع على أن العبد من أهل الاستلحاق وهو الأظهر. وقدم أبو حنيفة المسلم على الذمي والحر على العبد كالحضانة، وفرق أصحابنا بأن الحضانة لحق الطفل والنسب لحق الله تعالى. قال: (فإن لم تكن بينة .. عرض على القائف فيلحق من ألحقه به)؛ لأن للقافة أثرًا في الانتساب عند الاشتباه كما سيأتي في موضعه.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ، أَوْ تَحَيَّرَ، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا .. أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا مدخل للقافة في الإلحاق بالأم، وهذا ما لم يقم الآخر بينة، فإن أقامها .. فالأصح: أنها تقدم على إلحاق القائف. قال: (فإن لم يكن قائف) أي: في البلد أو دون مسافة القصر، وقال الإمام: مسافة العدوى، وقال الماوردي: المراد أن لا يوجد في الدنيا. قال: (أو تحير، أو نفاه عنهما، أو ألحقه بهما .. أمر بالانتساب بعدد بلوغه إلى من يميل طبعه إليه منهما) بالميل الطبعي الذي يجده الولد إلى الوالد والقريب إلى القريب بحكم الجبلة لا بحكم التشهي؛ لما روى البيهقي: أن رجلين ادعيا رجلاً لا يدري أيهما أبوه، فقال عمر رضي الله عنه: (اتبع أيهما شئت) وقال: إسناده صحيح. وقيل: لا يشترط البلوغ، بل بالتمييز كما يخير الولد بين أبويه في تلك الحالة، والمصنف أطلق الانتساب، وهو مشروط بما إذا كانا حيين عند الانتساب وعرف الصبي حالهما قبل البلوغ وكان فطنًا ذكيًا، فإن انتفى ذلك .. لم ينسب، قاله الماوردي. وتعبيره بـ (الأمر) يقتضي أنه واجب وهو كذلك، فإن امتنع منه .. حبس. فروع: نفقته في مدة الانتظار عليهما، فإذا انتسب إلى أحدهما .. رجع عليه الآخر، كذا قاله الرافعي في (باب القافة)، وقيده في (باب العدة) بما إذا أنفق بإذن الحاكم، وقيل: لا يرجع؛ لأنه يقول: إنما أنفقت على ولدي، والأول أصح. قال القاضي: ولو كان التداعي بين امرأتين .. لم ترجع الأخرى لما أنفقته قطعًا.

وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ .. سَقَطَتَا فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا مات الولد .. قام والده مقامه في الانتساب، قال ابن اللبان: وكذا إن كان معتوهًا، وقال القاضي حسين: إذا كان مجنونًا .. لا ينتسب ابنه كما لا يخلفه في سائر الحقوق، ولو كانا ولدين انتسب كل منهما لواحد .. دام الإشكال، فإن رجع أحدهما إلى الآخر .. قبل. ولو ألحقه قائف بذا آخر بذاك .. فالصحيح: أنه ابن الأول، وقيل: يتعارضان ويصير كأن لا قائف. هذا إذا لم يكن سبب اختلافهما الشبه، فإن كان بأن اعتبر أحدهما الشبه الخفي كالخلق وتشاكل الأعضاء والآخر الشبه الظاهر كالبياض والسواد .. فالأصح: تقدم الشبه الخفي. ولو ألحقه القائف بأحدهما فأقام الآخر بينة .. قدمت البينة على الصحيح؛ لأنها حجة في كل خصومة، ولو بلغ فانتسب إلى أحدهما وألحقه القائف بالآخر في وقت واحد فهل الأولى الانتساب أو الإلحاق؟ وجهان: أصحهما: الثاني. قال: (ولو أقاما بينتين متعارضتين .. سقطتا في الأظهر)؛ لعدم إمكان العمل بهما فيصير كما لو لم تكن بينة ويعرض على القائف. وعن ابن أبي هريرة: لا تسقطان وترجح إحداهما بقول القائف. هذا كله على التساقط، ومن المعلوم: أنه لا يأتي هنا قول القسمة ولا الوقف؛ لما في ذلك من ضياع مصلحة الطفل، وهل يأتي قول القرعة؟ وجهان: أصحهما: لا؛ لأن القرعة لا تعمل في النسب، وحينئذ فلا حقيقة لهذا القول هنا، ولهذا قال المصنف في (نكته): ليس لنا موضع تسقط فيه الأقوال الثلاثة في استعمال البينتين إلا في هذا الموضع ومسألة الشك في النجاسة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: عند تعارض البينتين لو اختص أحد المتداعبين بيد .. قال الرافعي: لم ترجح بينة بها، بخلاف الأملاك حيث قدم فيها بينة ذي اليد. وفي (الإيضاح) للمسعودي و (أمالي أبي الفرج الزاز): أنه لو أقام أحدهما بينة بأنه في يده من سنة والثاني بينة بأنه في يده من شهر وتنازعا في نسبه .. فصاحب المتقدمة التاريخ مقدم، لكن هذا كلام غير مهذب؛ فإن ثبوت اليد لا يقتضي ثبوت النسب، قال ابن الرفعة: بل هو كلام مهذب؛ فإن كان أحدهما صاحب يد .. فقدمت بينته كبينة الداخل، قال: وهذا أمر لابد منه، ولعلهم أهملوه لمعرفته من القواعد. * ... * ... * خاتمة إذا تنازعا في اللقيط فذكر أحدهما أن على ظهره شامة أو علامة وأخبر بالذكورة أو الأنوثة وأصاب ذلك فيها .. لم يتقدم على الآخر بذلك، وقال أبو حنيفة: يتقدم. لنا: أنهما لو تنازعا في اللقطة ووصفها أحدهما .. لم يرجح بذلك فكذلك هنا، ولو ألحقه القائف بأحدهما ثم بالآخر .. لم ينقل إليه؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، وقال الرافعي: إن هذا فيما إذا عرض عليه معهما، أما لو كان العرض مع أحدهما فألحقه به ثم عرض على الآخر فألحقه به .. فالمنصوص: أنه لا يثبت نسبه من واحد منهما وإن ألحقته قافة.

كتاب الجعالة

كِتَابُ الْجِعَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الجعالة هي فعالة من الجعل بضم الجيم وسكون العين الذي هو العوض، ويجوز في جيمها ثلاث لغات: الأشهر: كسرها، وجمعها جعائل. ومن الأصحاب من أوردها عقب الإجارة كصاحب (المهذب) و (الشرح) و (الروضة)؛ لأن لها شبهًا ظاهرًا بالإجارة، لأنها عقد على عمل، والجمهور أوردوها هاهنا؛ لأنها تقع في الأغلب على الضوال والعبيد الآبقين فحسن وصلها باللقطة واللقيط. واستأنسوا لها بقوله تعالى: {وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِملُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعيمٌ} وكان حمل البعير معلومًا عندهم كالوسق، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه. وفي (الصحيحين): أن رهطًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم لعل أن يكون عندهم شيء ينفع صاحبكم، فقال بعضهم: إن سيدنا لدغ فهل عند أحد منكم رقية؟ فقال رجل من القوم: أنا أرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا، ما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلاً، فجعلوا له ثلاثين رأسًا من الغنم، فقرأ عليه بأم الكتاب وتفل عليه فكأنما نشط من عقال فأوفاهم جعله الذي صالحوه عليه، فقال الذي

هِيَ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ آبِقِي .. فَلَهُ كَذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ رقى - وهو أبو سعيد الخدري -: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستأمره، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أحسنتم، اضربوا لي معكم بسهم). فقوله: (سعوا له) من السعي، والصواب: فشفوا له بكل شيء؛ أي: عالجوه بكل ما يستشفى به، فوضع الشفاء موضع العلاج والمداواة. وانعقد الإجماع على جوازها، وقال الغزالي: هي معاملة صحيحة، ولم يقل معاقدة؛ لأنها غير مفتقرة إلى القبول. قال: (هي كقوله: من رد آبقي .. فله كذا) وإن لم يكن فيه خطاب لمعين كما في الآية، واحتمل إبهام العامل؛ لأنه ربما لا يهتدي إلى تعيين الراغب في العمل. وهي تفارق الإجارة من أربعة أوجه: جوازها على عمل مجهول. وصحتها مع غير معين. وكونها جائزة لا لازمة. ولا يستحق العامل الجعل إلا بالفراغ من العمل، فلو شرط له تعجيل الأجرة .. فسد العقد. ومثل المصنف بالغائب المبهم؛ ليعلم منه: أنه لو خاطب به إنسانًا فقال: رد عبدي ولك كذا، أو عين فقال: إن رده زيد فله كذا .. كان أولى بالاستحقاق، وهو كذلك بالاتفاق. فإن قيل: لابد فيها من الإذن، والصيغة التي ذكرها المصنف لا تقتضيه .. فالجواب: أن ذلك يدل عليه عرفًا؛ لأن الترغيب في الشيء يدل على طلبه. وشرط القائل: أن يكون مطلق التصرف، وشرط المجعول له: أهلية العمل

وَيُشْتَرَطُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِعِوَضٍ مُلْتَزَمٍ، فَلَوْ عَمِلَ بِلاَ إِذْنٍ أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ .. فَلاَ شَيْءَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيشمل الصبي والعبد، وبه صرح الماوردي في (باب اللقيط)، وخالف في (السير) فقال: لا يستحقه الصبي إذا رده، وكذا العبد بغير إذن، فإن رده بإذنه .. استحقه السيد. قال الشيخ: ويظهر في السفيه استحقاق الجعل إذا عمل؛ لأنه تحصيل مجرد، ولو قال: من رد عبدي فرده من لم يسمع النداء ولم يبلغه ذلك .. لم يستحق شيئًا. قال: (ويشترط صيغة تدل على العمل بعوض ملتزم)؛ لأنها معاوضة فافتقرت إلى صيغة تدل على المطلوب، وإشارة الأخرس المفهمة تقوم مقامها، وعلم منه: أنه إذا لم يذكر عوضًا .. لم يستحق شيئًا وهو المنصوص، وأجرى بعضهم فيه خلاف الغسال. وشرط الصيغة: عدم التأقيت، فلو قال: من رده اليوم .. لم يصح؛ لأنه ربما لا يظفر به فيه، ولهذا امتنع تأقيت القراض، ولو قال: من رد عبدي فله درهم قبله .. بطل، قاله الغزالي في (كتاب الدور). قال: (فلو عمل بلا إذن أو أذن لشخص فعمل غيره .. فلا شيء له)؛ لأنه عمل لم يلتزم له المالك عوضًا فيقع تبرعًا، سواء كان معروفًا بالرد أم لا، خلافًا لأبي حنيفة، لكن يستثنى عبده؛ فإن يده كيده، فإذا رده عبد المقول له .. استحق سيده الجعل، قال الشيخ: هذا ظاهر إن استعان به سيده فيه، وإلا .. ففيه نظر، لاسيما إن لم يعلم بالنداء.

وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ فُلاَنٍ فَلَهُ كَذَا .. اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَالَ: قَالَ زَيْدٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا .. لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال أجنبي: من رد عبد فلان فله كذا .. استحقه الراد على الأجنبي)؛ لأنه التزمه فصار كخلع الأجنبي، وكما لو التمس إلقاء متاع الغير في البحر لخوف الهلاك وعليه ضمانه، وليس كما إذا التزم الثمن في بيع غيره أو الثواب في هبة غيره؛ لأنه عوض تمليك فلا يتصور وجوبه على غير من حصل له الملك، والجعل ليس عوض تمليك، والله أعلم. تنبيهات: أحدها: استشكل ابن الرفعة تصوير المسألة بأنه لا يجوز لأحد وضع اليد على مال الغير بقول الأجنبي فكيف يستحق الأجرة بل قال الماوردي: إن من رد بغير إذن المالك .. يضمن؟ والجواب: أن ذلك يتصور بصورتين: إحداهما: إذا أذن السيد في الرد والتزم الأجنبي الجعل. والثانية: أن يكون للأجنبي ولاية على المالك. الثاني: قوله: (فله كذا) ليست صيغة التزام إلا إذا قال: فله علي كذا، لأنه يحتمل أن يريد: فله كذا على مالكه .. فيكون فضوليًا، وهذا لم يتعرض له الأصحاب إلا شارح (التعجيز) فإنه قال: يكتفى بذلك، وكأنهم جعلوه عند الإطلاق التزامًا لسبقه إلى الفهم. الثالث: استثنى الماوردي من الاستحقاق على الأجنبي: ما إذا كان الراد قد صدق المنادي على أن السيد أمر بذلك .. فلا يرجع على المنادي بشيء. قال: (ولو قال .. قال زيد: من رد عبدي فله كذا وكان كاذبًا .. لم يستحق عليه ولا على زيد) أما عليه .. فلأنه لم يلتزم، وأما على زيد .. فلتصوير المسألة في

وَلاَ يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ وَإِنْ عَيَّنَهُ. وَتَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَكَذَاَ مَعْلُومٌ فِي الأَصَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكذب، فإن كان صادقًا وكان ممن يعتمد خبره .. فإنه يستحق إذا رده. قال: (ولا يشترط قبول العامل) أي: لفظًا (وإن عينه) بل يكفي القبول بالفعل، أما غير المعين .. فبلا خلاف كما في الوقف على الجهة العامة، وأما المعين .. فعلة المشهور؛ لما فيه من التضييق، وحكى الرافعي فيه الخلاف في (باب المسابقة)، ولم يذكره هنا. وعلى القول بالاشتراط هل يشترط فيه الفور؟ قال ابن الرفعة: يشبه أن يكون كالوكيل، وعلى القول بعدم الاشتراط هل يرتد بالرد؟ يشبه أن يقال: إن ألحقناه بالوكالة .. ارتد فلا يستحق بعد ذلك إلا بإذن جديد. قال: (وتصح على عمل مجهول)؛ لأن الجهالة احتملت في القراض لحصول زيادة فاحتمالها في رد الحاصل أولى، والرافعي والمصنف أطلقا المسألة، قال ابن الرفعة: هذا فيما لا يمكن ضبطه كقوله: من رد عبدي .. فله كذا، فأما ما يمكن ضبطه كما إذا قال: من بنى لي حائطًا .. فلابد من بيان موضع البناء وطول الحائط وسمكها وارتفاعها وما يبنى به، وفي الخياطة يعتبر وصف الثوب والخياطة. قال: (وكذا معلوم في الأصح)؛ لأنه إذا جاز مع الجهل .. فمع العلم أولى. والثاني: المنع؛ للاستغناء بالإجارة، وصححه الإمام والغزالي. وإنما تصح على العمل المعلوم إذا كان مما يقابل بأجرة وأن يكون غير واجب عليه، فلو قال: من رد مالي فله كذا فرده من كان في يده، فإن كان فيه كلفة

وَيُشتَرَطُ كَوْنُ الجُعلِ مَعْلُومًا، فَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ .. فَسَدَ الْعَقْدُ وَلِلرَّاد أُجْرَةُ مِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كالآبق .. استحقه، وإلا كالدراهم والدنانير .. فلا؛ لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض. ولو قال: من دلني على مالي فله كذا فدله عليه من هو بيده .. لم يستحق؛ لأنه واجب عليه، وإن دله على من هو بيده .. استحق؛ للحوق المشقة بالبحث عنه. ولو قال: من أخبرني بضالتي فله كذا فأخبره بها إنسان .. لا يستحق شيئًا؛ إذ لا كلفة فيه. ولو قال لغيره: إن أخبرتني بخروج فلان من البلد فلك كذا فأخبره .. قال القفال: إن كان له غرض في خروجه .. استحق، وإلا .. فلا، قال الرافعي: وهذا يقتضي أن يكون صادقًا، بخلاف قوله لزوجته: إن أخبرتني بكذا فأنت طالق .. فإنه لا يشترط صدقها، وينبغي أن ينظر أيضًا هل يناله تعب أم لا؟ فرع: لو حبس ظلمًا فبذل مالاً لم يتكلم في خلاصه بجاهه أو بغيره .. جاز، قال المصنف في (الفتاوى): وهذه جعالة مباحة. قال: (ويشترط كون الجعل معلومًا)؛ لأنه عوض كالأجرة والمهر. فإن قيل: (حمل بعير) في الآية مجهول .. فالجواب: أنه كان عندهم معلومًا كالوسق، ولأن أحدًا لا يرغب في العمل مع جهالة العوض، بخلاف المردود فإنه لا تضر جهالته، فلو قال من رد أحد الآبقين فله كذا، فإذا رد أحدهما .. استحق. قال: (فلو قال: من رده فله ثوب أو أرضيه .. فسد العقد وللراد أجرة مثله) كالإجارة الفاسدة، وكذلك لو جعل له خمرًا أو خنزيرًا، فلو جعل له مغصوبًا .. قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام: يحتمل قولين كالصداق: أحدهما: أجرة المثل. والثاني: قيمته، ويحتمل القطع بالأجرة، ورجحه في (البسيط). ويستثنى من إطلاق المصنف: ما إذا جعل الإمام لمن دله على قلعة الكفار جعلاً؛ فإنه يجوز أن يكون مجهولاً للحاجة إليه كما سيأتي في آخر (السير). ويستثنى: الحج بالنفقة مع جهالتها كما أطلقه في (الروضة) في بابه، لكن نص الشافعي فيها في (الأم) على البطلان، فعلى هذا: لا يستثنى، وسيأتي في تتمة الباب ما له تعلق بهذا. فرع: لو قال: من رد عبدي فله ثيابه أو سلبه .. قال المتولي: إن كانت معلومة أو وصفها بما يصيرها معلومة .. جاز، وإلا .. فيستحق أجرة المثل، وأقره الشيخان على ما إذا لم تكن معلومة ووصفت، وهو خلاف الصحيح؛ لأن الشيء المعلوم لا يقوم وصفه مقام رؤيته. ولو قال: من رده فله نصفه أو ربعه .. صححه المتولي ومنعه السرخسي. قال الرافعي: وهو قريب من استئجار المرضعة بجزء من الرضيع بعد الفطام، ولم يرتض في (الكفاية) هذا التشبيه، ورأى تنزيل الأول على حالة العلم به وبمكانه، والثاني على حالة الجهل بذلك.

وَلَوْ قَالَ: مِنْ بَلَدِ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ .. فَلَهُ قِسْطُهُ مِنَ الْجُعْلِ. وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي رَدِّهِ .. اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: من بلد كذا فرده من أقرب منه .. فله قسطه من الجعل) فمن رده من نصفها .. استحق النصف، أو الثلث .. فالثلث؛ لأن جميع الجعل في مقابلة العمل فبعضه في مقابلة بعضه، وهذا مفروض فيما إذا تساوت الطريق في السهولة والحزونة. واحترز بقوله: (أقرب منه) عما إذا رده من أبعد منه .. فلا يستحق للزيادة شيئًا؛ لعدم الالتزام. قال: (ولو اشترك اثنان في رده .. اشتركا في الجعل)؛ لحصول سبب الاستحقاق، ويقسم الجعل بينهما بالسوية وإن امتازا في العمل. هذا إذا عمم النداء كمن رده فله كذا، أو قال لنفر: إن رددتموه فلكم كذا، وعلم منه أنه لا يزاد بزيادة الراد بخلاف ما لو قال: من دخل داري فأعطه درهمًا فدخلها جمع .. استحق كل واحد درهمًا؛ لأن كل واحد داخل، وليس كل واحد رادًا للعبد بل الجميع ردوه، فلذلك اشتركوا في الجعل على عدد الرؤوس؛ لأن العمل في أصله مجهول لا يوزع عليه، وقال الإمام: لا يبعد التوزيع على أجور أمثالهم؛ فإن الأجرة إنما تدفع إليهم عند تمام العمل، فإذا تم .. فقد انضبط ما صدر من كل منهم. فروع: قال لرجلين: إن رددتما عبديَّ فلكما كذا فرد أحدُهما أحدَهما .. لم يستحق إلا الربع، ولو قال: أول من يرد عبدي فله دينار فرده اثنان .. استحقاه. وإذا كان لرجلين عبد لواحد ثلثه ولآخر ثلثاه فأبق، فجعلا لمن رده دينارًا .. قال القاضي حسين في (باب الشفعة): يحتمل وجهين: أصحهما: أنه بينهما أثلاثًا على قدر الملك.

وَلَوِ الْتَزَمَ جُعْلاً لِمُعَيَّنٍ فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ؛ إِنْ قَصَدَ إِعَانَتَهُ .. فَلَهُ كُلُّ الْجُعْلِ، وَإِنْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ .. فَلِلأَوَّلِ قِسْطُهُ، وَلاَ شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال لواحد: إن رددته فلك كذا، ولآخر إن رددته فلك كذا، ولثالث إن رددته فلك كذا فاشتركوا في الرد .. قال الشافعي: لكل واحد منهم ثلث ما جعل له اتفقت الأحوال أو اختلفت. قال المسعودي: هذا إذا عمل كل واحد لنفسه، أما لو قال أحدهم: أعنت صاحبيَّ وعملت لهما .. فلا شيء له، ولكل منهما نصف ما شرط له. ولو قال اثنان: عملنا لصاحبنا .. فلا شيء لهما وله جميع المشروط. وقال الرافعي: قول الشافعي: (لكل واحد الثلث) تصريح بالتوزيع على الرؤوس، فلو رده اثنان منهم .. فلكل منهما نصف المشروط له. وإن أعان الثلاثة رابع في الرد .. فلا شيء له، ثم إن قال: قصدت العمل للمالك .. فلكل واحد من الثلاثة ربع المشروط له، وإن قال: أعتنهم جميعًا .. فلكل واحد منهم ثلث المشروط له كما لو لم يكن معهم غيرهم. وإن قال: أعنت فلانًا وفلانًا .. فلكل واحد منهما ربع المشروط له وثمنه، وللثالث ربع المشروط له. قال: (ولو التزم جعلاً لمعين فشاركه غيره في العمل؛ إن قصد إعانته .. فله كل الجعل)؛ لأنه قد يحتاج إلى الاستعانة بغيره ولا شيء لذلك الغير على المعين إلا أن يلتزم له أجرة ويستعين به، فإذا شاركه اثنان وقصدا إعانته .. فله تمام الجعل، وإن قصد العمل للمالك .. فله الثلث، وإن قصد أحدهما إعانته والآخر العمل للمالك .. فله الثلثان، أو ثلاثة .. فله الربع. قال: (وإن قصد العمل للمالك .. فللأول قسطه، ولا شيء للمشارك بحال)؛ لأن المالك لم يتلزم له شيئًا، ورأى الإمام أن التوزيع على العمل لا على القسط.

وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: كثيرًا ما يسأل عن إمام مسجد يستنيب فيه .. أفتى ابن عبد السلام والمصنف بأنه لا يستحق معلوم الإمامة لا المستنيب؛ لعدم مباشرته، ولا النائب؛ لعدم ولايته. واستنبط الشيخ من استعانة المجعول له: أن ذلك جائز، وأن المستنيب يستحق جميع المعلوم إذا قصد النائب إعانته، لكن يشترط أن يكون النائب مثل المستنيب أو خيرًا منه؛ لأنه إذا لم يكن بصفته .. لم يحصل الغرض به، والاستنابة في الإمامة تشبه التوكيل في المباحات، وفي معنى الإمامة: كل وظيفة تقبل الاستنابة كالتدريس، وهذا في القدر الذي لا يعجز عن مباشرته بنفسه، فإن عجز عن المباشرة .. فلا شك في جواز الاستنابة. حادثة: كان الشيخ فخر الدين ابن عساكر مدرسًا بالعذراوية، وهو أول من درس بها والتقوية والجاروخية، وهذه الثلاثة بدمشق، والمدرسة الصلاحية بالقدس، يقيم بهذه أشهرًا وبهذه أشهرًا في السنة، هذا مع علمه وورعه. وقد سئل في هذا الزمان: عن رجل ولي تدريس مدرستين في بلدين متباعدين كحلب ودمشق .. فأفتى جماعة بجواز ذلك ويستنيب، منهم: قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي، والشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي، وشمس الدين الغزي، والشيخ عماد الدين الحسباني، ومن الحنفية والمالكية والحنابلة آخرون، ومنع ذلك طائفة وغيرهم وهو الأشبه؛ لأن غيبته في إحداهما لأجل الحضور في الأخرى ليست بعذر. قال: (ولكل منهما الفسخ قبل تمام العمل)؛ لأنه عقد جائز من الطرفين كالقراض والشركة. هذا إذا كان المجعول له معينًا؛ لأنه الذي يتصور منه الفسخ، فإن كان غير

فَإِنْ فُسِخَ قَبُلَ الشُّرُوعِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معين .. فلا يتصور فسخها من جهته في الابتداء بل بعد الشروع، فالتعبير بـ (الفسخ) المراد به: رفع العقد ورده. قال: (فإن فسخ قبل الشروع أو فسخ العامل بعد الشروع .. فلا شيء له) أما في الأولى .. فلأنه لم يعمل شيئًا، ولم يحصل شيء من غرض المالك، وأما في الثانية .. فلأن الجعل يستحق بتمام العمل وهو فوت عمله باختياره، ولا فرق في ذلك بين أن يقع بعض العمل مسلمًا كما لو شرط الجعل في مقابلة تعليم القرآن أو بناء الحائط فعلم أو بنى بعضه، أو غير مسلم كرد الآبق، غير أنه يستثنى من إطلاق المصنف ما إذا زاد الجاعل في العمل ولم يرض العامل بها ففسخ لأجل ذلك .. فإنه يستحق أجرة المثل كما قاله الرافعي في آخر (باب المسابقة) في نظير المسألة. فائدة: تلخص أن الجعالة إذا وردت على بذل المنافع في تحصيل شيء .. فلها صورتان: إحداهما: أن يكون الجعل على تحصيل شيء واحد كقوله: من خاط لي ثوابًا أو بنى لي حائطًا أو علمني سورة كذا فله كذا فخاط بعض الثوب أو بنى بعض الحائط أو أقرأه بعض السورة .. لا يستحق شيئًا؛ لأنه لم يحصل غرضه. والثانية: أن يكون على تحصيل شيئين ينفك أحدهما عن الآخر كقوله: من رد عبديَّ فله كذا فرد أحدهما .. استحق نصف الجعل، وعلى هذا تتخرج غيبة الطالب عن الدرس بعض الأيام إذا قال الواقف: من حضر شهر كذا فله كذا فإن الأيام أشياء متفاضلة .. فيستحق بقسط ما حضر، ولذلك كان شيخ الإسلام الشيخ تقي الدين القشيري إذا بطل يومًا غير معهود البطالة في مدرسة .. لا يأخذ لذلك اليوم معلومًا، وسألت شيخنا رحمه الله تعالى عن ذلك مرتين فقال: إن كان الطالب في حال انقطاعه مشتغلاً بالعلم .. استحق، وإلا .. فلا.

وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ .. فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الأَصَحِّ. وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ فِي الْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ولو حضر ولم يكن بصدد الاشتغال .. لم يستحق؛ لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره، وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الإرصاد كما تقدم نقله عنه في (باب الإجارة) عند قول المصنف: (ولا عبادة تجب لها نية). قال: (وإن فسخ المالك بعد الشروع .. فعليه أجرة المثل في الأصح)؛ لئلا يحبط عمله بفسخ غيره، ولأنه استهلك منفعته بشرط العوض فلزمه أجرته كما لو فسخ المضاربة بعد الشروع في العمل. والثاني: لا شيء للعامل كما لو فسخ بنفسه. والثالث: أن العامل يتخير فإن فسخ .. استحق أجرة المثل، وإلا .. وجب له حصة ما عمل من المسمى. ولك أن تقول: ما رجحوه هنا من استحقاق أجرة المثل مشكل بقولهم: إذا مات العامل أو المالك في أثناء العمل ينفسخ ويستحق القسط، وأي فرق بين الفسخ والانفساخ؟ ولو أعتق السيد العبد قبل الرد .. قال في (المطلب): يظهر أن لا رجوع عليه إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم؛ لحصول الرجوع ضمنًا، وهو أقوى منه صريحًا، ولذلك ينعزل به الوكيل قطعًا. قال: (وللمالك أن يزيد وينقص في الجعل قبل الفراغ) كما يجوز في البيع في زمن الخيار، فإذا قال: من رده فله عشرة، ثم قال: فله خمسة .. فالاعتبار بالأخير

وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ: وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَلَوْ مَاتَ الآبِقُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ هَرَبَ .. فَلاَ شَيْءَ لِلعَامِلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بشرط الإعلان كما تقدم، وكذلك يجوز تغيير جنسه قبل الفراغ أيضًا، فإذا قال: من رده فله دينار، ثم قال: من رده فله عشرون درهمًا .. جاز واعتبر الأخير. قال: (وفائدته بعد الشروع: وجوب أجرة المثل)؛ لأن النداء الأخير فسخ للأول، والفسخ في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل. وصورة المسألة: أن يسمع العامل النداء الأول والثاني، فلو سمع الثاني وحده .. استحقه قطعًا، أو الأول وحده .. فنقل الرافعي عن (الوسيط): يحتمل الرجوع إلى أجرة المثل وأقره، ـ لكنه ذكر قبله: أنه إذا عمل غير عالم بالفسخ .. لا يستحق شيئًا على الصحيح، والنداء الثاني لم يسمعه. قال: (ولو مات الآبق في بعض الطريق أو هرب .. فلا شيء للعامل)؛ لأنه لم يرده والاستحقاق معلق برده. وقوله: (بعض الطريق) مثال، فلو هرب أو مات بقرب دار مولاه .. كان الحكم كذلك وعليه اقتصر في (الروضة)، وفي معناه: تلف الثوب الذي عين للعمل في يد العامل قبل التسليم، ويخالف موت الأجير في الحج في أثناء العمل؛ فإنه يستحق قسط ما عمل في الأصح؛ لأن القصد بالحج الثواب وقد حصل للمحجوج عنه بعضه، والقصد هنا الرد ولم يوجد. وما أطلقه من (الهرب) محله: إذا لم يسلمه إلى الحاكم، فلو لم يجد المالك وسلمه للحاكم فهرب .. استحق، ذكره ابن القطان في (فروعه)، قال: وكذا لو هرب السيد وسلمه للحاكم .. استحق جعله بلا خلاف، وإن لم يكن حاكم .. أشهد واستحق.

وَإِذَا رَدَّهُ .. فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ. وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ إِنْ أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ أَوْ سَعْيَهُ فِي رَدِّهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْجُعْلِ .. تَحَالَفَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا رده .. فليس له حبسه لقبض الجعل)؛ إذ الاستحقاق بالتسليم ولا حبس له قبله، وكذلك ليس له حبسه إذا أنفق عليه بإذن الإمام خلافًا لأبي حنيفة، ويحتمل أن يقال: له الرفع إلى الحاكم فيهما إذا خاف الفوت؛ ليلزم بالتسليم والتسلم. قال: (ويصدق المالك إن أنكر شرط الجعل أو سعيه في رده)؛ لأن الأصل عدمهما وبراءة ذمته. قال: (فإن اختلفنا في قدر الجعل .. تحالفا) كنظيره من الإجارة والقراض، وكذا إذا اختلفا في قدر العمل بأن قال: شرطت ألفًا على رد عبدين، فقال: بل على هذا فقط، وإذا تحالفا .. وجبت أجرة المثل. تتمة: صورة المسألة: أن يقع الاختلاف بعد فراغ العمل والتسليم الذي به الاستحقاق، فإن حصل قبل الشروع في العمل .. فلا تحالف؛ إذ لا استحقاق، وقد يختلفان قبل الفراغ في صورة يكون للعامل فيها قسط ما عمل من المسمى. * ... * ... * خاتمة مما يتعلق بالباب وتدعو الحاجة إليه: إذا كان رجلان ببادية ونحوها، فمرض أحدهما وعجز عن المسير .. لزم الآخر المقام معه إلا أن يخاف على نفسه .. فله تركه، وإذا أقام .. فلا أجرة له، وإذا مات فأخذ الآخر ماله وأوصله إلى قريبه .. لا يكون مضمونًا. وقال الرافعي: نفقة العبد والدابة مدة الرد لم أجدها مسطورة، وتعجب منه في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الروضة) فقال: ذكره ابن كج وقال: إذا أنفق عليه .. كان متبرعًا وهو جار على القواعد. اهـ وقد صرح به الماوردي والروياني، وقال الروياني: لا يجوز له ركوب الدابة المردودة، فإن ركبها فتلفت .. ضمنها؛ لأن يده على ما معه يد أمانة.

كتاب الفرائض

كِتَابُ الفَرَائِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الفرائض هي جمع فريضة فعيلة من الفرض، وهو: القطع والتقدير، ويترجم أيضًا بالمواريث جمع ميراث. وكان أهل الجاهلية يورثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار، ويجعلون حظ الزوجة أن ينفق عليها من مال الزوج سنة، ويورثون الأخ زوجة أخيه. وكان في ابتداء الإسلام التوارث بالحلف والنصرة فيقول: دمي دمك ترثني وأرثك، ثم نسخ فتوارثوا بالإسلام والهجرة، ثم نسخ فكانت الوصية واجبة للوالدين والأقربين، ثم نسخ بآيتي المواريث: آية الشتاء التي في أول النساء، وآية الصيف التي في آخرها. وورد في السنة أحاديث في الحث على تعليمها وتعلمها، ذكر في (المحرر) منها ثلاثة: أولها: حديث: (تعلموا الفرائض وعلموها الناس؛ فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يقضي بينهما) رواه أحمد، وهو في (مستدرك الحاكم) عن ابن مسعود. والثاني: حديث: (تعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم، وإنها نصف العلم، وإنها أول ما ينزع من أمتي) رواه بنحوه ابن ماجه. الثالث: حديث: (إنها نصف العلم) رواه الحاكم والبيهقي وقال: (إنه ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما قيل للفرائض نصف العلم؛ لأن للإنسان حالتين: حالة حياة وحالة ممات، والفرائض تتعلق بحال الوفاة وسائر العلوم تتعلق بحال الحياة، ويكون لفظ النصف عبارة عن القسم الواحد من القسمين وإن لم يتساويا، قال الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان شامت .... وآخر مثن بالذي كنت أصنع وقيل: إن العلم يستفاد بالنص تارة وبالقياس أخرى، وعلم الفرائض مستفاد من النص. قال الماوردي: وإنما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الفرائض؛ لأنهم كانوا قريبي العهد بغير هذا التوارث. واستفتح في (الوسيط) الباب بحديث: (إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب، ولكن تولاها بنفسه فقسمها أبين قسم) قال ابن الصلاح: إنه لم يثبت. وقال عمر رضي الله عنه: (إذا تحدثتم .. فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم .. فالهوا بالرمي) واشتهر من الصحابة بعلم الفرائض أربعة: علي وزيد وابن مسعود وابن عباس، ولم يتفق هؤلاء الأربعة في مسألة إلا وافقتهم الأمة، وما اختلفوا إلا وقعوا فرداى ثلاثة في جانب، وواحد في جانب أو كل واحد وحده. واختار الشافعي مذهب زيد؛ لأنه أقرب إلى القياس، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أفرضكم زيد) رواه ابن السكن في (سننه الصحاح).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الحاكم: (أفرض أمتي زيد بن ثابت) وقال: على شرط الشيخين. وعن القفال: أن زيدًا لم يهجر له قول، بل جميع أقواله معمول بها بخلاف غيره. ومعنى اختياره لمذهبه: أنه نظر في أدلته .. فوجدها مستقيمة فعمل بها لا أنه قلده، وقال في (المطلب): إن الشافعي رضي الله عنه قلده فيها. عجيبة: اجتمع في اسم زيد أصول الفرائض وغالب قواعدها، وذلك أن الزاي بسبعة وهي عدد الوارثات من النساء، وأصول المسائل سبعة، والياء بعشرة وهي عدد الوارثين من الرجال وأصناف ذوي الأرحام، والدال بأربعة عدد أسباب الميراث، ومن يرث ويورث، ولا يرث ولا يورث، ومن يورث ولا يرث وعكسه. وجملة حروفه الثلاثة أحد وعشرون، وهو عدد أصحاب الفروض: النصف لخمسة والربع لاثنين والثمن لواحد والثلثان لأربعة والثلث لاثنين والسدس لسبعة، وضابطه: (هبادبز)، وموانع الإرث ثلاثة: والعصبات على ثلاثة أقسام، وصفة الإخوة والأعمام والأصول العائلة، والوارث قد يحجب حجب نقصان أو حرمان أو لا يحجب، والجد إذا كان معه ذو فرض مخير بين ثلاثة أشياء، والأب والجد يرثان بثلاث صفات. وأيضًا الزاي حرف معجم من أعلاه بواحدة والياء من أسفله باثنتين والدال مهمل فهي تشبه الذكر والأنثى والخنثى المشكل. ولفظ زيد يرجع إلى معنى الزيادة والفرائض راجعة إلى هذا المعنى. وعلم الفرائض يحتاج إلى ثلاثة علوم: علم الفتوى وعلم الأنساب وعلم الحساب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن أبي داوود): عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال: (العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة). قال الخطابي: فيه حث على تعلم الفرائض وتحريض عليه وتقديم لعلمه. والآية المحكمة: التي لم تنسخ، والسنة القائمة: الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والفريضة العادلة: قيل: من العدل في القسمة، وقيل: إنها استنبطت من الكتاب والسنة فتكون تعدل ما نص عليه في الكتاب والسنة كمسألة زوج وأبوين. روى عكرمة عن ابن عباس: أنه أرسل إلى زيد بن ثابت فسأله عن امرأة تركت زوجًا وأبوين فقال: (للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي، فقال: تجده في كتاب الله أم تقوله برأي؟ قال: أقوله برأي، لا أفضل أمًا على أب) قال: فهذا من باب تعويل الفريضة إذا لم يكن فيها نص أن تعتبر بالمنصوص عليه وهو قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِهِ الثُّلُثُ} وكانَ هذا أعدل مما ذهب إليه ابن عباس من توفير الثلث على الأم وبخس الأب حقه برده إلى السدس، فترك قوله وصار عامة الفقهاء إلى قول زيد. فائدة: قال الحافظ أبو عمر وغيره: أول موروث في الإسلام عدي بن نضلة بن عبد العزى، هاجر هو وابنه النعمان بن عدي إلى أرض الحبشة فمات بها وورثه ولده هناك، فكان النعمان أول وارث في الإسلام، واستعمله عمر على ميسان ولم يستعمل من قومه غيره، وأراد امرأته على الخروج معه إلى ميسان فأبت فكتب إليها أبيات شعر وهي (من الطويل): فمن مبلغ الحسناء أن حليلها .... بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية .... وصناجة تحدو على كل ميسم

يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيْتِ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيِزهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني .... ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءُه .... تنادمنا في الجوسق المتهدم فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم: {حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ الله العَزِيزِ العَلِيمِ غَافِرِ الذنبِ وقَابِلِ التوبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِى الطولِ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُو إِلَيهِ المصِيرُ}. أما بعد: فقد بلغني قولك (من الطويل): لعل أمير المؤمنين يسوءُه .... تنادمنا في الجوسق المتهدم وايم الله! لقد ساءني) ثم عزله، فلما قدم عليه سأله فقال: ما كان من هذا شيء، وما كان إلا فضل شعر وجدته، وما شربتها قط، فقال عمر رضي الله عنه: (أظن ذلك، ولكن لا تعمل لي عملاً أبداً). فنزل البصرة، ولم يزل يغزو مع المسلمين حتى مات، وشعره فصيح يستشهد أهل اللغة بقوله: (ندمان) في معنى (نديم). قال: (يبدأ من تركة الميت بمؤنة تجهيزه) من كفن وحنوط وأجرة تغسيل وحفر وحمل وغير ذلك بالمعروف؛ لأنه يحتاج إليها كاحتياج المفلس إلى النفقة فتقدم نفقته قبل قسمة ماله، بل وصرح الماوردي في (باب الردة) بأن الموت مزيل للملك إلا عما لا يستغنى عنه من كفنه ومؤنة تجهيزه، وسيأتي وجه في (باب قطع السرقة): أن الكفن باق على ملك الميت. والمراد بـ (التركة): ما يخلفه الميت، وهو أحسن من تعبير غيره بالمال؛ فإنه لو ترك خمرًا فتخللت أو نصب شبكة ووقع فيها بعد موته صيد .. روث أيضًا، وكذا الدية المأخوذة في قتله؛ بناء على الأصح في دخولها في ملكه قبيل الموت. وكذلك يخرج من تركته مؤنة من تلزمه مؤنته كما نقله في زوائد (الروضة) في (باب الفلس) عن النص وكلام الأصحاب، وذلك على العرف في يساره وإعساره، ولا اعتبار بلباسه في حياته إسرافًا وتقتيرًا، فإن قصرت التركة عن تمام المؤنة .. أتمها من تلزمه إذا لم تكن تركة.

ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ، ثُمَّ وَصَايَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الدليل على تقديم مؤنة التجهيز: أن مصعب بن عمير توفي في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفن في نمرة له. وقال صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته ناقته: (كفنوه في ثويبه) ولم يستفصل في الواقعتين: هل عليه دين أو لا؟ وشذ ابن حزم فقال: يقدم دين الله ثم دين الآدمي ثم مؤنة التجهيز. لكن يستثنى من إطلاق المصنف: المرأة المزوجة؛ فإن مؤنة تجهيزها على الزوج وإن كانت موسرة كما تقدم في (الجنائز). قال: (ثم تقضى ديونه)؛ لوجوبها عليه، والمراد: المتعلقة بذمته، سواء كانت لآدمي أو لله من زكاة أو كفارة أو حج أو نذر، أذن في ذلك أم لا. قال: (ثم وصاياه)؛ لقوله تعالى: {مِن بَعدٍ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْن}. وفي (المستدرك) و (الترمذي) عن علي رضي الله عنه: (إنكم تقرؤون هذه الآية، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية). وأجمع المسلمون على ذلك إلا ما نقل عن أبي ثور من تقديم الوصية على الدين، وتقدم في آخر (باب الرهن) أن للورثة إمساك التركة وقضاء الدين من مالهم، وتقدم في اجتماع دين الآدميين ودين الله تعالى كالزكاة والحج وغيرهما خلاف فليكن على البال هنا؛ لترتيب القضاء. أما إذا اجتمع حج وزكاة .. فلا نقل في ذلك، والظاهر: أنه يقسم بينهما؛ إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر. ومحل تنفيذ الوصية: إذا لم يكن الدين مستغرقًا، فإن استغرق .. لم تنفذ الوصية في شيء، لكن يحكم بانعقادها في الأصل حتى ينفذها لو تبرع متبرع بقضاء الدين أو

مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبرأ المستحق، قاله الرافعي في (باب الوصية). قال: (من ثلث الباقي) بالإجماع، أما الوصية .. ففي الآية مطلقة، ولكن قيدتها السُّنة بالثلث، وهو ما في (الصحيحين) وغيرهما من قوله صلى الله عليه وسلم: (الثلث والثلث كثير). وفي (سنن ابن ماجه) حديث (إن الله أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم في أعمالكم) فلا تجوز الزيادة على الثلث فيمن له وارث بلا إجازة، وكذا فيمن لا وارث له عند الجمهور. وقال أبو حنيفة: يجوز فيمن لا وارث له أن يوصي بجميع ماله؛ لأثر فيه عن ابن مسعود. تنبيه: قد تشارك الوصية الدين أو تتقدم عليه في إقرار الوارث كما نقله الرافعي في بابه عن الأكثرين في رجلين ادعى أحدهما أن الميت أوصى له بثلث ماله، والآخر دينًا بألف، والتركة ألف وصدقهما الوارث معًا .. تقسم بينهما أرباعًا: ربع للوصية وثلاثة أرباعها للدين، ولو صدق مدعي الوصية أولاً .. قدمت على رأي، والأصح: تقديم الدين. فرع: أوصى ذمي بجميع ماله ومات ولا وارث له .. هل نقول: تصح وصيته بجميع ماله، أو لا؛ لأن أهل الفيء تعلق حقهم بها؟ قال الشيخ: (لم أر فيه نقلاً، والأقرب: الثاني) اهـ والذي مال إليه الشيخ صرح به القاضي حسين في (تعليقه)؛ لأن لماله مصرفًا معلومًا فأشبه من له وارث معين.

ثُمَّ يُقسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الوَرَثَةِ. قُلْتُ: فَإِنْ تعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌ كَالزَّكَاةِ وَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ وَالْمَبِيعِ إِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا .. قُدِّمَ عَلَى مُؤْنَةٍ تَجْهِيزِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى المتولي وجهين فيمن له وارث حائز أوصى له بماله كله: أصحهما: بطلان الوصية، وأنه يأخذ التركة بالإرث. والثاني: يصح ويأخذ بالوصية. قال: (ثم يقسم الباقي بين الورثة) أي: على فرائض الله تعالى، وهذا مجمع عليه، وكيفية القسمة ستأتي. وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين .. استحب إعطاؤهم مقدارًا غير مقدر؛ لظاهر الآية، وقال ابن حزم: يجب ذلك. وكما تورث الأموال .. تورث الحقوق اللازمة المتعلقة بالمال كحق الخيار والشفعة، بخلاف حق الرجوع في الهبة. والأصح: أن الكلاب تقسم باعتبار قيمتها عند من يرى لها قيمة كما في نظائرها. قال: (قلت: فإن تعلق بعين التركة حق كالزكاة والجاني والمرهون والمبيع إذا مات المشتري مفلسًا .. قدم على مؤنة تجهيزه والله أعلم)؛ تقديمًا لحق صاحب التعلق على حقه كما في الحياة. وصورة الأولى: إذا وجب عليه شاة زكاة ومات قبل إخراجها وهي باقية .. فيقدم مقدار الزكاة على سائر الحقوق. قال الشيخ: واستثناء الزكاة لا حاجة إليه؛ لأن النصاب إن كان باقيًا .. فالأصح: أنه تعلق شركة فلا يكون تركة فليس مما نحن فيه، وإن قلنا: تعلق جناية أو رهن .. فقد ذكر، وإن علقناها بالذمة فقط أو كان النصاب تالفًا، فإن قدمنا دين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآدمي أو سوينا .. فلا استثناء، وإن قدمناها .. فتقدم على دين الآدمي لا على التجهيز؛ لما قدمناه، فظهر أنه لا حاجة إلى استثنائها، لكن الأستاذ أبو منصور استثناها واستثنى الشفيع والمردود بعيب. وصورة الثانية: أن يجني العبد جناية توجب مالاً ثم يموت السيد .. فيخرج من التركة أقل الأمرين من أرش الجناية ومن قيمة العبد. والثالثة: أن يرهن عبده بدين ثم يموت .. فيقدم حق المرتهن على سائر الحقوق. والرابعة: أن يشتري شيئًا ولم يوف ثمنه ويموت مفلسًا ولم يتعلق به حق لازم كالكتابة مثلاً .. فللبائع الفسخ والتقديم بالمبيع على سائر الحقوق. واقتضى إطلاقه: أنه لا فرق بين أن يحجر عليه بالفلس أو يموت معسرًا ولم يحجر عليه وهو كذلك، وبالثانية صرح الرافعي في (باب الفلس). واحترز بقوله: (إذا مات مفلسًا) عما إذا مات موسرًا .. فلا يسترد المبيع وليس له بالفسخ. تنبيهان: أحدهما: الذي جزم به المصنف في هذه الصور هو المشهور، واستدركه في (تصحيح التنبيه) بالصواب. وفي الجاني والمرهون وجه: أن مؤنة التجهيز تقدم عليهما، وحكى المصنف في (الزكاة) قولاً: أن الدين يقدم عليهما. الثاني: أشار بقوله: (كالزكاة) إلى أن ذلك لا على سبيل حصرها وهو كذلك، فمن ذلك عامل القراض إذا مات المالك قبل القسمة .. فإن حقه يقدم على الكفن؛ لأنه متعلق بالعين. ولو أصدقها عينًا ثم طلقها قبل الدخول وماتت وهي باقية .. فله نصفها. ولو أتلف المالك مال القراض بعد الربح إلا قدر حصة العامل ومات ولم يترك غيره .. تعين للعامل كما جزم به ابن الفركاح في (تعليقه).

وَأَسْبَابُ الإِرْثِ أَرْبَعَةٌ: قرَابَةٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلاَءٌ؛ فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا مات سيد المكاتب ولم يترك إلا قدرًا .. يجب إيتاؤه، والمعتدة عن الوفاة بالحمل سكناها تقدم على مؤنة التجهيز. وإذا اقترض شيئًا وقبضه ثم مات المقترض ولم يخلف سواه .. فإن المقرض يقدم به. والمردود بعيب وصورته: أن يكون باع سلعة قد ردها عليه المشتري بعيب .. فيقدم بثمنها من ردها عليه أو على ورثته، ونفقة الأمة المزوجة وإن كانت ملكًا للسيد إلا أن حقها يتعلق بها، كما أن كسب العبد ملك للسيد وتتعلق به نفقة زوجته. وإذا أعطى الغاصب قيمة العبد أو غيره للحيلولة ثم قدر على العبد .. فإنه يرده ويرجع بما أعطاه، فإن كان المعطى تالفًا .. تعلق حقه بالعبد وقدم به كما نص عليه في (الأم). ومنها: الشفيع وهو: أن يكون حق بعضهم شفعة في شقص اشتراه قبل موته .. فالشفيع أحق به إذا دفع ثمنه إلى ورثته، وألحق بعضهم ما إذا نذر شيئًا بذلك. قال: (وأسباب الإرث أربعة) ضم إليها صاحب (التلخيص) خامسًا سماه: سبب النكاح، وهو: إذا طلق في مرض الموت وقلنا بالقديم: إنها ترث، وهذا سبب غير النكاح؛ لأن النكاح يورث به من الطرفين، وهي لو ماتت .. لم يرثها. قال: (قرابة، ونكاح، وولاء) أما القرابة والنكاح .. فللآية، وأما الولاء .. فلما سيأتي في بابه من قوله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب) صححه ابن حبان والحاكم. والمراد بـ (القرابة): الخاصة غير ذي الرحم، ويورث بها فرضًا وتعصيبًا، والنكاح لا يورث به إلا فرضًا، والولاء لا يورث به إلا تعصيبًا. قال: (فيرث المعتق العتيق)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ورث بنت حمزة مولى لها كما سيأتي في بابه أيضًا، وهذا الحكم أجمعوا عليه وكفى بالإجماع حجة.

وَلاَ عَكْسَ، وَالرَّابعُ: الإِسْلاَمُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق بين أن يكون الإعتاق تطوعًا أو عن نذر أو كفارة أو كتابة أو بملك قرابة أو باعه نفسه، وقال القاضي أبو الطيب: إذا اشترى قريبه في مرض الموت .. عتق عليه ولا يرث. قال: (ولا عكس) أي: لا يرث العتيق المعتق وهذا مجمع عليه إلا ما نقل عن الحسن بن زياد، ولما روى الترمذي والطبراني في (الكبير) من حديث عمرو بن دينار عن عكرمة وعوسجة عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ورثه منه). والجواب: أن البخاري قال: لا يصح حديث عوسجة عن ابن عباس، وعلى تقدير صحته أجيب بأنه أعطاه مصلحة لا ميراثًا، وقد قال الترمذي: العمل عند أهل العلم على أن من مات ولا عصبة له .. يجعل ميراثه في بيت مال المسلمين. تنبيه: لا يخفى أن المراد بقوله: (ولا عكس) حيث يتمحض كون العكس عتيقًا، وإلا .. فقد يتصور الإرث بالولاء من الطرفين في مسألتين: إذا أعتق الذمي ذميًا ثم التحق السيد بدار الحرب فاسترقه عتيقه وأعتقه .. فكل منهما عتيق الآخر ومعتقه. وإذا أعتق شخص عبدًا فاشترى العتيق أبا معتقه وأعتقه .. ثبت لكل منهما الولاء على الآخر، السيد بالمباشرة والعتيق بالسراية، فهذان شخصان لكل منهما الولاء على الآخر. قال: (والرابع: الإسلام) أشار إلى أن جهة الإسلام هي الوارثة لا المسلمون،

فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ إِرْثًا إِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالأَسْبَابِ الثَّلاَثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بدليل ما لو وصى بثلثه للمسلمين .. فإنه يصح، ولو كان المسلمون الورثة .. لم تصح الوصية، فلما صحت .. دل على أن الوارث الجهة فجعلوا الإسلام كالنسب، وجعلوه بطريق العصوبة؛ لأنهم يعقلون عنه فكان الميراث في مقابلة العقل. وأرشد إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه) رواه أبو داوود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان، وهو صلى الله عليه وسلم لم يرث لنفسه وإنما يصرفه في مصالح المسلمين، وإنما أفرده عما قبله؛ لأن جهته عامة، بخلاف الثلاثة الأول .. فإنها خاصة. قال: (فتصرف التركة لبيت المال) هذا مجمع عليه عند فقد الوارث الخاص. قال: (إرثًا) فعندنا لأجل عصوبة الإسلام، وعند أبي حنيفة لأخوة الدين. وفي قول أو وجه: إن ذلك ينتقل إلى بيت المال على جهة المصلحة؛ إذ لا يخلو عن ابن عم وإن بعد فألحق بالمال الضائع، والقائل بهذا لا يجعل الإسلام سببًا في الإرث، بل أسباب الإرث عنده ثلاثة فقط. فعلى الصحيح: لا يجوز صرفه إلى المكاتبين والكفار، ولا إلى القاتل على الأصح، ويجوز صرفه إلى من أوصي له بشيء على الأصح، وهذا يدل على أن الوارث عموم الجهة لا خصوص المسلمين. ولا خلاف أنه يجوز تخصيص طائفة من المسلمين به، ويجوز صرفه إلى من ولد بعد موته أو كان رقيقًا فعتق، وأنه يجوز أن يسوي بين الذكر والأنثى إذا تساوت حاجتهما. قال: (إذا لم يكن وارث بالأسباب الثلاثة) هذا ليس بقيد، فلو كان ولم يستغرق .. فالباقي لبيت المال أيضًا. هذا في المسلم، أما الذمي إذا مات لا عن وارث .. فينتقل ماله لبيت المال فيئًا، ونص في (الأم) على أنه لا يرثه الكفار بالجهة العامة؛ لأنهم لا يعقلون عنه فلما تعذر إرثهم .. صار هذا مالاً لا مالك له، والمسلمون لا يرثونه؛ لأن المسلم لا يرث الكافر فرجع إلى المسلمين فيئًا كسائر ما يؤخذ من الكفار بغير قتال.

وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ: الاِبْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَالأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلاَ، وَالأَخُ وَابْنُهُ إِلاَّ مِنَ الأُمِّ، وَالْعَمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمجتمع على توريثهم من الرجال عشرة) هذا بطريق الاختصار، وهم خمسة عشر إذا بسطوا، والعجب أن صاحب (التنبيه) ذكر فيه الطريقة المبسوطة في الرجال والنساء، وفي (المهذب) طريقة الاختصار. والألف واللام في (الرجال) للجنس؛ ليشمل الأطفال، ولو عبر بالذكور .. كان أحسن. وأورد على حصره عصبات المعتق ومعتق المعتق؛ فإن اسم المعتق لا يشمل ذلك. والجواب: أن المراد بالمعتق: من صدر منه الإعتاق أو ورث به. قال: (الابن وابنه وإن سفل، والأب وأبوه وإن علا) لا خلاف في ذلك مع اختلافهم في إطلاق الابن على ابن الابن. ولفظة (سفل) ضبطها المصنف - تبعًا لابن سيده وغيره - بفتح الفاء وضمها والفتح أشهر، ومنعاها: نزل عن ابن الابن، والفقهاء شبهوا عمود النسب بالشيء المدلى من علو، فأصل كل إنسان أعلى منه، وفرعه أسفل منه وإن كان مقتضى تشبيهه بالشجرة أن يكون أصله أسفل منه وفرعه أعلى. قال: (والأخ)؛ لعموم قوله تعالى: {وَإِن كَانُوا إِخوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِ الأُنَثَيينِ}. قال: (وابنه إلا من الأم) فابن الأخ الشقيق وابن الاخ للأب بالإجماع؛ لأنهم في معنى آبائهم كما أن بني الابن في معنى الابن. قال: (والعم)؛ للإجماع، ولحديث ابنتي سعد بن الربيع: أن أمهما أتت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل معك يوم أحد، وقد أخذ عمهما مالهما فلم يدع لهما مالاً فما ترى يا رسول الله؟ فوالله! لا تنكحان أبدًا إلا ولهما مال، فقال: (يقضي الله في ذلك) قال: فنزلت سورة النساء: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَولَادِكُم} فقال: (ادعوا لي المرأة وصاحبها) فقال

إِلاَّ لِلأُمِّ، وَكَذَا ابنُهُ، وَالزَّوْجُ، وَالْمُعْتِقُ. وَمِنَ النِّسَاءِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الاِبْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَالأُخْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لعمهما: (أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك) ولأن العم أخو الأب فأشبه أخا الميت بجامع النسب القوي القريب. قال: (إلا للأم)؛ فإنه من ذوي الأرحام. قال: (وكذا ابنه) أي: ابن العم الشقيق يرث، وابن العم للأب كذلك، وابن العم للأم لا يرث كأبيه. قال: (والزوج)؛ لقوله: {وَلَكُم نِصفُ مَاتَرَكَ أَزْوَجُكُم} الآية. قال: (والمعتق)؛ للإجماع، والمراد: من صدر منه الإعتاق أو ورث به كما تقدم. قال: (ومن النساء سبع) أي: المجمع على توريثهم من النساء سبع، والألف واللام فيه - كما قلنا - للجنس؛ لينطلق على الكبار والصغار، إذ هو حقيقة في الكبار مجاز في الصغار بمعنى أنهن سيصرن نساء، ولو قال من الإناث .. كان أولى. قال: (البنت)؛ لقوله تعالى: {وَإِن كَانَت وَاحِدَةً فَلَهَا النِصفُ}. قال: (وبنت الابن)؛ لأنها في معنى البنت كما أن ابن الابن في معنى الابن. قال: (وإن سفل) الضمير يعود على الابن؛ أي: ابن الابن، وهكذا عبر في (الروضة) وهو الصواب، ولا يصح أن يقال: سفلت بالتاء كما في (المحرر) و (الشرحين)؛ لئلا تدخل بنت بنت الابن. قال: (والأم)؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}. قال: (والجدة)؛ لأنها أم أو في معنى الأم، والمقصود هنا: أنها وارثة في الجملة وهو مجمع عليه. قال: (والأخت)؛ لقوله تعالى: {وَلَهُ أُختٌ فَلَهَا نِصفُ مَا تَرَكَ}، ولقوله تعالى: {وَلَهُ أَخُ أَوْ أُختٌ فَلِكُلِ وَاحِدٍ مِنهُمَا السُّدُسُ}.

وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ. فَلَوِ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ .. وَرِثَ الأَبُ والاِبْنُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ، أَوِ النِّسَاءِ .. فَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الاِبْنِ وَالأُمُّ وَالأُخْتُ لِلأبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةُ، أَوِ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنَ الصِّنْفَيْنِ .. فَالأَبَوانِ وَالاِبْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والزوجة)؛ لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُم}، والأفصح فيها حذف الهاء، لكن يتعين هنا استعمال اللغة القليلة؛ ليحصل الفرق بين الزوجين، واستدل لهذه اللغة بقول الفرزدق (من الطويل): وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي .... كساع إلى أسد الشرا يستبيلها ويقول عمار بن ياسر في عائشة رضي الله عنهما: (والله! إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم) ذكره البخاري. واختار هذه اللغة الكسائي. و (الشرا): طريق في سلمى كثير الأسد، و (يستبيلها) يأخذ بولها في يده، وقيل: يأخذ أولادها وهو حسن. قال: (والمعتقة) كما تقدم في المعتق. والأصل في الذكور العصوبة إلا ما أخرجه الدليل، وفي الإناث الفرض إلا ما أخرجه الدليل. قال: (فلو اجتمع كل الرجال .. ورث الأب والابن والزوج فقط)؛ لأنهم لا يحجبون، ولفظة (كل) من زيادة (المنهاج) وهي حسنة، وتصح المسألة من اثني عشر: للأب السدس سهمان، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي للابن. قال: (أو النساء .. فالبنت وبنت الابن والأم والأخت للأبوين والزوجة)؛ لأن من عداهم محجوب، وأصلها من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن ثلاثة، وللأم السدس أربعة، وللبنت النصف اثنا عشر، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين أربعة، وللأخت الباقي وهو سهم واحد. قال: (أو الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين .. فالأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين)؛ لأن الإرث ينحصر في الخمسة ومن عداهم محجوب بهم، فأصل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن وللأب السدس وللأم السدس والباقي بين الابن والبنت، ولا ثلث للباقي وهو ثلاثة عشر فتضرب ثلاثة في أربعة وعشرين تبلغ اثنين وسبعين، فمن كان له شيء من أصل المسألة .. أخذه مضروبًا فيما ضربت فيه. الحالة الثانية: أن يكون الميت امرأة، فأصلها من اثني عشر للأبوين السدسان أربعة، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي وهو خمسة بين الابن والبنت أثلاثًا، ولا ينقسم عليهم فتضرب ثلاثة في اثني عشر تبلغ ستة وثلاثين ومنها تصح. تنبيه: أشار بقوله: (يمكن اجتماعهم) إلى استحالة اجتماع الصنفين؛ لأن الزوج والزوجة لا يجتمعان في فريضة واحدة، كذا قاله الأصحاب، ويمكن أن يتصور ذلك في الخنثى إذا أقام رجل بينة على ميت مكفن أنه امرأته وهؤلاء أولاده منها، وأقامت امرأة بينة أنه زوجها وأولادها منه، فكشف عنه فإذا هو خنثى .. ففي (طبقات العبادي) و (أدب القضاء) للهروي أن الشافعي رضي الله عنه قال: يقسم المال بنيهما. وقال الأستاذ أبو طاهر: بينة الرجل أولى؛ لأن الولادة صحت من طريق المشاهدة، والإلحاق بالأب أمر حكمي والمشاهدة أقوى، فعلى النص: ما لا يختلف كنصيب الأبوين واضح، وما يختلف كالزوجين يدفع للزوج نصيب الزوجة؛ لأنها لا تنازعه فيه، والقدر المتنازع فيه يقسم، وكذا الأولاد الذكور والإناث من الجهتين، فأما إذا فرعنا على إبطالهما أو الترجيح .. فلا يقسم، وحينئذ ترجح مقالة الأستاذ. قاعدة: كل من يورث يرث إلا الجنين في غرته والمبعض على الأظهر، والمعتَق يورث ولا يرث أيضًا، والعمة يرثها ابن أخيها وهي لا ترثه، والجدة ترث أولاد بنتها وهم

وَلَوْ فُقِدُوا كُلُّهُمْ .. فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لاَ يُوَرَّثُ ذَوُوْ الأَرْحَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يرثونها، وبنات الأخ والعم لا يرثن عمهن ولا أولاد عمهن وأبناء عمهن يرثونهن. وكل من انفرد من الذكور .. حاز جميع التركة إلا الزوج والأخ للأم، ومن قال بالرد لا يستثني إلا الزوج، وكل من انفرد من النساء لا يحوز جميع المال إلا المعتِقة، ومن قال بالرد استثنى الزوجة. قال: (ولو فقدوا كلهم .. فأصل المذهب: أنه لا يورث ذوو الأرحام)؛ لما روى الحاكم وقال: صحيح الإسناد - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على حمار فلقيه رجل فقال: يا رسول الله؛ رجل خلف عمته وخالته لا وارث له غيرهما، فرفع رأسه إلى السماء وقال: (اللهم! رجل ترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما) ثم قال (أين السائل؟) قال: هأنذا، قال: (لا ميراث لهما). وبمذهبنا قال مالك، ونقله في (الإستذكار) عن فقهاء الحجاز وأكثر التابعين والفقهاء السبعة. وقال المزني وابن سريج وأبو حنيفة وأحمد: إنهم يرثون؛ لقوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعْضٍ}، ولأن ثابت بن الدحداح لما مات .. قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثه لابن أخته. والجواب: أن الآية منسوخة والحديث منقطع، وأيضًا ثابت مات يوم أحد، والمواريث إنما نزلت بعد أحد أو بعد حنين، واحتجوا بحديث: (الخال وارث من لا وارث له) وهو في (سنن أبي داوود)، وصححه ابن خزيمة والحاكم، وحسنه أبو زرعة. والجواب: أنه ضعيف، وعلى تقدير تسليم ما ادعاه فمعناه: نقي إرثه كما يقال: الجوع طعام من لا طعام له، والدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له؛ أي: ليست بدار ولا مال.

وَلاَ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، بَلِ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ: إِذَا لَمْ يَنُتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ بِالرَّدِ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وموضع الخلاف بيننا وبينهم عند صلاح بيت المال بأن يكون الإمام عادلاً ويصرف المال في وجوهه ولا يعدل به عنها، وهذا معنى قوله: (أصل المذهب) يعني: أن هذا هو المذهب في الأصل الذي يخالف القائلين بالرد وبتوريث ذوي الأرحام، وقد يطرأ على الأصل ما يقتضي مخالفة المذهب. قال: (ولا يرد على أهل الفرض)؛ لأن الله تعالى جعل للأخ الجميع حيث جعل للأخت النصف، ولما روى النسائي: أن بنت حمزة أعتقت مولىّ لها فمات عن بنت .. فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم نصف الميراث لبنته والباقي لها، وهو ظاهر في منع الدر؛ لأن القائلين به يقدمونه على الولاء، وكل من قال بتوريث ذوي الأرحام .. قال بالرد على أهل الفرض، ومن لا .. فلا، والرد عند القائل به مقدم على ذوي الأرحام. قال: (بل المال لبيت المال)؛ لأنه وارث من لا وارث له، وتقدم أنه على سبيل الإرث لا على سبيل المصلحة. قال ابن الرفعة: إذا قلنا بالإرث ومنعنا نقل الزكاة .. امتنع نقله عن بلد المال، فإذا مات من لا وارث له وماله في بلد آخر بينهما مسافة القصر .. فيكون كالزكاة يختص بأهل بلد المال، وهل يجوز صرفه إلى واحد أو لابد من جمع؟ قال الشيخ: الظاهر: أنه يجوز صرفه إلى واحد؛ لأن جهة الإسلام حاصلة فيه، وإنما اعتبرنا في الزكاة ثلاثة؛ لذكر الفقراء بصيغة الجمع. قال: (وأفتى المتأخرون) أي: جمهورهم (إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض)؛ لأن المال مستحق لهم أو لبيت المال بالاتفاق، فإذا تعذرت إحدى الجهتين .. تعينت الأخرى.

غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدم الانتظام: بأن يكون الإمام فاسقًا، أو عدلاً ولكن يصرف المال إلى غير وجوه المصالح، أو لا يكون إمام بأن يموت ويكون الناس في فترة، أو يكون غير مستحق الإمامة، وخالف فيه الشيخ أبو حامد وطائفة. وفي وجه: أن من في يده المال لا يصرفه، بل يحفظه إلى أن يلي عادل. قال ابن عبد السلام: وهذا في زمن يتوقع فيه ذلك، أما في زماننا المأيوس فيه من ذلك .. فيتعين صرفه في الحال في مصارفه. واختار الشيخ: أن يصرفه إلى الفقراء والمساكين؛ لأن الإمام نائب المسلمين ووكيل لهم، فإذا تعذر الرد إلى الوكيل .. وجب الرد إلى الموكل. واستشكل الشيخ على هذا تصحيح جواز صرف الزكاة إلى الإمام الجائر، بل جعلوه أفضل على رأي، وواجبًا على قول في الأموال الظاهرة. وإذا صرفناه إلى ذوي الأرحام .. فالأصح: تعميمهم ولا يختص به الفقراء، وعلى هذا: هل هو إرث أو شيء مصلحي؟ وجهان: صحح المصنف الأول، والرافعي والشيخ الثاني؛ لعدم قرابتهما. قال: (غير الزوجين) هو بالجر، هذا في زياداته على (المحرر) ولابد منه، فلا يرد على الزوجين؛ لأنه لا قرابة بينهما. وموضع الاستثناء إذا لم يكونا من ذوي الأرحام، فإن كان مع الزوجية رحم كبنت الخالة وبنت العمة وبنت العم .. وجب عند القائلين بالرد أن يرد عليها، وهذا

مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا .. صُرِفَ إِلَى ذَوِي الأَرْحَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يرد على المصنف؛ فإن الصرف إليها حينئذ بالرحم لا بالزوجية. قال: (ما فضل عن فروضهم بالنسبة) أي: بنسبة فروضهم طلبًا للعدل بينهم، فإن كان من يرد عليهم صنفًا واحدًا كالبنت والأخت .. أخذ الفرض والباقي بالرد، أو جماعة .. فبالسوية، أو صنفين فأكثر .. رد الباقي بنسبة سهامهم. مثاله: أم وبنت، أصلها من ستة وسهامهما أربعة نجعلها أصل المسألة. أم وبنت وبنت ابن سهامهن خمسة. والرد عكس العول؛ لأنه ناقص عن سهام المسألة كأم وبنت هي من ستة وسهامهما أربعة فتجعل منها. زوج وبنت وأم، هي من اثني عشر سدسها اثنان فرض الأم، ونصفها ستة فرض البنت، وربعها ثلاثة فرض الزوج، يبقى سهم يرد على الأم والبنت بنسبة فرضيهما: ثلاثة أرباعه للبنت والربع للأم، ولو لم تكن إلا الأم والبنت .. فالمال بينهما كذلك. قال: (فإن لم يكونوا .. صرف) المال (إلى ذوي الأرحام)؛ لحديث: (الخال وارث من لا وارث له)، ولأن القرابة المفيدة لاستحقاق الفرض أقوى فقدموا عليهم. قال القاضي حسين: والتوريث بالرحم توريث بالعصوبة بدليل أنه يراعى فيه القرب ويفضل فيه الذكر على الأنثى ويحوز المنفرد منهم جميع المال. وللمسألة شبه بما إذا فقد بعض أصحاب الزكاة .. فإنه يرد للباقي، ثم الأصح: يعمهم ولا يخص به الفقراء. وفي كيفية الصرف إلى ذوي الأرحام مذهبان:

وَهُمْ: مَنْ سِوى الْمَذْكُورِيْنَ مِنَ الأَقَارِبِ، وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ: أَبُو الأُمِّ، وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ، وَأوْلاَدُ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتُ الإِخْوَةِ، وَأَوْلادُ الأَخَوَاتِ، وَبَنُو الإِخْوَةِ لِلأُمِّ، وَالْعَمُّ لِلأُمِّ، وَبَنَاتُ الأَعْمَامِ، وَالْعَمَّاتُ، وَالأَخْوَالُ، وَالْخَالاَتُ، وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كلاً منهم منزلة من يدلي به فيجعل ولد البنت والأخت كأميهما، وبنت الأخ والعم كأبويهما، وأبو الأم والخال والخالة كالأم، والعم للأم والعمة كالأب، وقال المصنف: إنه الأصح الأقيس. الثاني: مذهب أهل القرابة، وهو أنهم يقدمون الأقرب إلى الميت. مثاله: بنت بنت وبنت بنت ابن، فعلى الأول: المال بينهما أرباعًا بالفرض والرد كما هو بين البنت وبنت الابن، وعلى الثاني: الجميع لبنت البنت، وقس عليه. قال: (وهم: من سوى المذكورين من الأقارب) هذا بيان لهم على جهة الإجمال ثم فصلهم فقال: (وهو عشرة أصناف) الصنف: النوع والضرب، والصنف بالفتح لغة فيه. قال: (أبو الأم، وكل جد وجدة ساقطين) هذا كله صنف، ومن جعلهم صنفين .. عدهم أحد عشر. قال: (وأولاد البنات) أي: ذكرهم وأنثاهم، ولم يذكر أولاد بنات الابن؛ لأن لفظ البنات شامل لهم. قال: (وبنات الإخوة، وأولاد الأخوات، وبنو الإخوة للأم، والعم للأم، وبنات الأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات) فهؤلاء العشرة أولوا الأرحام عند الفقهاء. ويطلق لغة على كل قريب، لأن الأرحام جمع رحم وهي: القرابة، وفيه اللغات الأربعة في فخذ. قال: (والمدلون بهم) هذا معطوف على الأصناف العشرة لا أنه منهم؛ لأن المدلي بمن لا يرث لا يرث.

فصل

فَصْلٌ: الفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالى سِتَّةٌ: النِّصْفُ: فَرْضُ خَمْسَةٍ: زَوْجٌ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلاَ وَلَد ابْنٍ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: خلف عمة وبنت أخ شقيق .. عند المقربين بنت الأخ أولى، وعند المنزلين العمة أولى، وأفتى ابن الصلاح بالتسوية بينهما، ولو كانت العمة للأم .. فبنت الأخ مقدمة عليها عند الجميع. تتمة: على القول بالمنع: لو حكم الحاكم بتوريثهم والرد .. لم ينقض، قال الدارمي، وفي (فتاوى القفال): لو حكم حاكم برد النصف على الأخت .. نفذ وحل لها بذلك وإن كانت شافعية، وهذا بناء منه على أن القضاء ينفذ ظاهرًا وباطنًا. قال: (فصل: الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة) سميت مقدرة؛ لأنها سهام لا تزيد ولا تنقص إلا بسبب العول أو الرد عند من يقول به. واحترز بقوله: (في كتاب الله) عن ثلث ما بقي في مسائل الجد في بعض الأحوال، وعن ثلث الباقي في الغراوين؛ فإنه من قبيل الاجتهاد. وعادة الفرضيين يبدؤون منها بالنصف ولعله لكونه مفردًا فيقولون: النصف والربع والثمن والثلثان والسدس، ويقولون: النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما. قال الشيخ: وكنت أود لو بدؤوا بالثلثين؛ لأن الله تعالى بدأ به، وكذلك فعل أبو النجا في (فرائضه) وأبو عبد الله الحسين بن محمد شيخ الخبري، وكان في المئة الخامسة. قال: (النصف: فرض خمسة: زوج لم تخلف زوجته ولدًا ولا ولد ابن)؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَمْ يَكُن لَهُنَ وَلَدٌ}، وهو مأخوذ

وَبِنْتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ من التولد، يقع على الذكر والأنثى والكبير والصغير. وانعقد الإجماع على أن ولد الابن كولد الصلب في الإرث والتعصيب فكذا في حجب الزوجين، وشذ مجاهد فقال: إن ولد الولد لا يحجب، وهو مردود بالإجماع، وقيل: بل اسم الابن يقع عليه أيضًا فيكون مرادًا بالنص قال تعالى: {يَابَنى آدَمَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب) وقال الشاعر (من الطويل): بنونا بنو أبنائنا وبناتنا .... بنوهن أبناء الرجال الأباعد واحترز بـ (ولد الابن) عن ولد البنت؛ فإنه من ذوي الأرحام كما تقدم، وقال المصنف في (شرح التنبيه): بدأ الشيخ في تبيين أصحاب الفروض بالزوج والزوجة، وكذلك فعل الإمام الشافعي وأصاحبه رضي الله عنهم، ولم يبدؤوا بذكر الأولاد كما بدأ الله تعالى به في كتابة العزيز؛ لأن الله تعالى بدأ بما هو الأهم عند الآدميين، ولا شك أن ولد الإنسان عنده أهم، والفرضيون مقصودهم التعليم والتقريب من الأفهام لعوام الناس فابتدؤوا بما يقل فيه الكلام؛ ليسهل تعليمه ويحصل بسببه التدريب، والكلام في الزوجين أقل منه في غيرهما، وهذا يشبه ما عليه جمهور الناس في تعليم القرآن العزيز يبدؤون بآخره. وإنما جعل للزوج الضعف من الزوجة في الحالين؛ لقوله تعالى {وَلِلرِجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌّ}، فكان معها بمنزلة الابن والبنت. ويجوز في (زوج) الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، والنصب بإضمار (أعني)، والخفض على البدلية كقوله عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ...) الحديث. قال: (وبنت)؛ لقوله تعالى: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا الْنِصْفُ}، قريء بالنصب على أن كان ناقصة، وبالرفع على أنها تامة.

أَوْ بِنْتُ ابْنٍ أَوْ أُخْتٌ لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ مُنْفَرِدَاتٍ. وَالرُّبُعُ: فَرْضُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَد أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَزَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَالثُّمُنُ: فَرْضُهَا مَعَ أَحَدِهِمَا. وَالثُّلُثانِ: فَرْضُ بِنْتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بنت ابن)؛ للإجماع. قال: (أو أخت لأبوين أو لأب)؛ لإطلاق قوله تعالى: {إِنِ امرُؤا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}. قال: (منفردات) هذا قيد في الأربع، فإن اجتمعن مع غيرهن .. فسيأتي مفصلاً في فصل. والذي يمكن اجتماعه ممن فرضه النصف: زوج وأخت شقيقة وأخت لأب. قال: (والربع: فرض زوج لزوجته ولد أو ولد ابن) سواء كان ذلك منه أم من غيره؛ لقوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ} أما ولد البنت .. فلا يرث ولا يحجب، وقال القشيري في (تفسيره): لا يصدق على ولد البنت أنه ابن بخلاف ابن الابن. قال: (وزوجة ليس لزوجها واحد منهما)؛ للآية، وكذلك الزوجتان والثلاث والأربع يشتركن في الربع أو الثمن بالإجماع. قال: (والثمن: فرضها مع أحدهما) للآية، ويقال له الثمين في لغة فاشية قال الشاعر (من الطويل): فألقيت سهمي بينهم حين أوحشوا .... فما صار لي في القسم إلا ثمنيها قال: (والثلثان: فرض بنتين)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بنتي سعد بن الربيع الثلثين، رواه أبو داوود والترمذي والحاكم من حديث جابر وقال: صحيح الإسناد.

فَصَاعِدًا، وَبِنُتَيِ ابْنٍ فَأكْثَرَ، وَأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصاعدًا) وهو منصوب على الحال، وناصبه واجب الإضمار؛ أي: فزائدًا على ذلك، ولا يجوز فيه غير النصب، ولا يستعمل بـ (الواو) بل بـ (الفاء) و (ثم)، قاله ابن سيده. ويدل لذلك الإجماعُ وقوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاءُ فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} و (فوق) في الآية ادعي زيادتها كما في قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} وهو خطأ، قاله النحاس وابن عطية وجماعة؛ لأن الأسماء لا تجوز زيادتها لغير معنى، وهي غير زائدة؛ لأن الضرب يكون في أعلى العنق في المفصل، وقيل: المعنى اثنتين فما فوق. وانفرد ابن عباس بقوله: للبنتين النصف كما للواحدة، والثلاثة فصاعدًا الثلثان؛ تمسكًا بظاهر الآية، وقد أجمع الصحابة على مخالفته. وقال ابن عبد البر والشريف شمس الدين الأرموي في (شرح فرائض الوسيط): صح عن ابن عباس رجوعه عن ذلك، فارتفع الخلاف وصار إجماعًا. فإن قيل: قد يزيد نصيب البنات على الثلثين، وذلك إذا كن خمسًا فأكثر ومعهن ابن واحد .. فالجواب: أن ذلك ليس بفرض، وأيضًا مراد المصنف إذا لم يكن هناك ابن، فإن كان ابن .. لم يكن محل الكلام وكان المأخوذ بالتعصيب لا بالفرض، ولا يتصور اجتماع صنفين لكل منهما الثلثان أو الثلث. قال: (وبنتي ابن فأكثر) بالإجماع، سواء كن من أب واحد أو آباء. وصورة المسألة: أن لا تكون هناك بنت صلب، فإن كانت .. فلها النصف، وللتي معها من بنات الابن السدس تكملة للثلثين ما لم يكن معها أو أسفل منها ذكر .. فيعصبها كما سيأتي. قال: (وأختين فأكثر لأبوين أو لأب)؛ لإطلاق قوله تعالى: {فَإِن كَانَتَا اثنَتَيَنِ فَلَهُمَا الثُلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}. وفي (الصحيحين) من حديث جابر قال: (اشتكيت وعندي سبع أخوات، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فدعا بوضوء فتوضأ

وَالثُلُثُ: فَرْضُ أُمِّ لَيْسَ لِمِّيُتِهَا وَلَدٌ وَلاَ وَلَدُ ابْنٍ اثْنَانِ مِنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ، وَفَرْضُ اثْنَيْنٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الأُمِّ، وَقَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ. وَالسُّدُسُ: فَرْضُ سَبْعَةٍ: أَبٌ وَجَدٌّ لِمَيُتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم نضح علي من وضوئه، قال: فأفقت فقلت: يا رسول الله؛ إنما لي أخوات .. فنزلت آية الفرائض). وفي (سنن أبي داوود) و (النسائي): أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عنده ثم رجع فقال: (لا أراك ميتًا من هذا الوجع، وقد أنزل الله في أخواتك فبين ... فجعل لهن الثلثين) وكان جابر يقول: نزلت هذهِ الآية في: {يَسْتَفتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلَالةِ}. وصورة المسألة: أن لا يكون هناك من يحجبهما أو يعصبهما. قال: (والثلث: فرض أم ليس لميتها ولد ولا ولد ابن ولا اثنان من الإخوة والأخوات) سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، ذكورًا أو إناثًا أو من النوعين؛ للآية والإجماع. قال: (وفرض اثنين فأكثر من ولد الأم)؛ لقوله تعالى {فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُم شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}، وأجمعت الأمة على أن الثلاثة فما فوقها من ولد الأم لا يزادون على الثلث، وكذلك أجمعوا على أن الذكر كالأنثى إلا رواية شاذة عن ابن عباس: (أن للذكر مثل حظ الأنثيين). وإنما أعطوا الثلث؛ لأنهم أدلوا بالأم وذلك حقها، وسوي بينهم؛ لأنه لا تعصيب لمن أدلى بها، بخلاف الأشقاء؛ لأن فيهم تعصيبًا .. فكان للذكر مثل حظ الأنثيين كالبنات والبنين. قال: (وقد يفرض للجد مع الإخوة) كما إذا كان معه ثلاثة إخوة فأكثر؛ لأنه إن قاسمهم .. نقص حقه عن الثلث، فيفرض له في هذه الحالة الثلث. قال: (والسدس: فرض سبعة: أب وجد لميتهما ولد أو ولد ابن) أما الأب ..

وَأُمُّ لِمَيتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنِ أَوِ اثْنَانِ مِنَ الأخُوَةِ والأَخَوَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلقوله تعالى: {وَلأَبَويِهِ لِكُلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ}، والمراد بالولد: الابن وألحق به ابنه. قال الشيخ: وينبغي أن يأتي فيه خلاف مجاهد. وأما الجد .. فليس له ذكر في القرآن، وأمره في غاية الإشكال، قال عمر رضي الله عنه: (ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبض حتى يبين لنا فيهن: أمرُ الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا) والإشكال في أمره إنما هو إذا كان معه إخوة. وأصل ميراثه مجمع عليه، لكن في (النسائي) عن معقل بن يسار: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجد السدس ولا أدري مع من). وفي (البخاري) عن ابن عباس: (أن أبا بكر جعل الجد وأبًا). واستدل لاستحقاقه السدس هنا بإطلاق الآية والإجماع. وعبارة المصنف تشمل: ما لو ترك بنتًا وأبًا .. فلها النصف وله السدس فرضًا والباقي تعصيبًا، ويخرج: ما لو خلفت زوجًا وأبًا .. فعن ابن مسعود: للزوج النصف وللأب السدس فرضًا والباقي بالتعصيب، ومذهب زيد: للزوج النصف والباقي للأب. قال: (وأم لميتها ولد أو ولد ابن)؛ للآية، وانعقد الإجماع على أن ولد الولد يحجبها، ولم يخالف فيه إلا مجاهد، وخالف فيه أيضًا بالنسبة إلى حجبه الزوج كما تقدم. قال: (أو اثنان من الإخوة والأخوات) سواء كانتا وارثتين أو غير وارثتين لأجل وجود غيرهما من أبوين أو من أب أو أم؛ لقوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُّمِهِ السُّدُسُ}، وإنما حجبت بالأخوين وفي الآية {إِخْوَةٌ}؛ لأن الجمع قد يعبر به عن الاثنين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الزمخشري: لفظ (الإخوة) هنا يتناول الأخوين؛ لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية. وروى الحاكم عن ابن عباس: أنه احتج على عثمان وقال: (كيف تردها إلى السدس بأخوين وليسا بأخوة؟ فقال عثمان: لا أستطيع رد شيء كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به) فأشار إلى إجماعهم عليه قبل أن يظهر ابن عباس الخلاف. وروي انه قال: (حجبها قومك يا غلام) ووافق ابن عباس على هذه المقالة معاذ كما حكاه القاضي أبو الطيب. وأما الاكتفاء بالإناث في حجبها .. فهو إجماع، حكاه القاضي أبو الطيب أيضًا، لكن الماوردي نقل عن الحسن البصري أنها لا تحجب إلا بثلاثة إخوة ذكور؛ لقوله تعالى: {إِخْوَةٌ}. وأفهمت عبارة المصنف: أن أولاد الإخوة لا يقومون مقام الإخوة في حجبها وهو كذلك؛ لأنهم لا يسمون إخوة، والاثنان يحجبانها وإن لم يرثا إذا لم يكن بهما مانع من الإرث، فيردانها إلى السدس مع وجود الأب وهو يحجبها، وكذلك لو كان أحدهما شقيقًا والآخر للأب وإن كان لا يرث مع الشقيق، وكذا إن كانا من أم. ولو كان بهما أو بأحدهما مانع إرث كرق .. منع من حجبها. فرع: إذا كان مع الأم ولد واثنان من الإخوة فهل حجبها من الثلث إلى السدس بالفروع أو بالإخوة؟ قال ابن الرفعة: الذي يظهر أن حجبها بالفروع؛ لقوتهم، قال الشيخ: وينبغي القطع بهذا، إلا أنه لا يظهر لذلك أثر.

وَجَدَّهُ، وَلِبِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتٍ صُلْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: الإخوة والإخوان جمع أخ، سواء في ذلك أخو النسب وأخو الصداقة، وقال أهل البصرة: الإخوة في النسب والإخوان في الأصدقاء، وقال أبو حاتم: هذا غلط، بل كل يستعمل فيهما. فائدة أخرى: في (فروع ابن القطان): إذا ولدت ولدين ملتصقين لهما رأسان وأربعة أرجل وأربعة أيد وفرجان .. فحكمهما حكم الاثنين في جميع الأحكام، فتحجب الأم بهما، وميراثهما ميراث اثنين، وكذلك في القصاص والدية. قال: (وجدة) أجمعت الأمة على ميراثها وفرضها عند الجمهور السدس؛ لحديث المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس) رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي، وابن حبان والحاكم. وعن ابن عباس رواية شاذة: أن لها الثلث كالأم، وبه قال ابن حزم. ومراد المصنف بـ (الجدة): الجنس، سواء في ذلك الواحدة والجماعة، وكان ينبغي التصريح بالتي من قِبَل الأم أو الأب؛ فإن الماوردي والروياني قالا: الجدة المطلقة هي أم الأم، وأما أم الأب .. فهل هي جدة على الإطلاق أو لا بد فيها من التقييد؟ وجهان. قال: (ولبنت ابن مع بنت صلب) بالإجماع. وفي (البخاري) عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بذلك) ورد به على أبي موسى حيث أسقطها مع البنت والأخت، فللبنت النصف

فصل

وَلأُخْتٍ أَوْ أَخَواتٍ لأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لأَبَوَيْنِ، وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الأُم. فَصْلٌ: الأَبُ وَالاِبْنُ وَالْزَّوْجُ لاَ يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولبنت الابن أو بنات الابن السدس إذا لم يكن معها أو معهن أو أسفل منهن ذكر .. فيعصبهن، كبنت وبنتي ابن وابن ابن، أو ابن ابن ابن: فللبنت النصف والباقي للذكر مثل حظ الأنثيين. قال: (ولأخت أو أخوات لأب مع أخت لأبوين) كبنات الابن مع بنات الصلب. قال: (ولواحد من ولد الأم)؛ للآية المتقدمة، يستوي في ذلك الذكر والأنثى، وقد تقدم في أول الباب أن ضابط عدد مستحق الفروض الستة (هبادبز): فالهاء بخمسة والباء باثنين والألف بواحد والدال بأربعة والباء باثنين والزاي بسبعة. تتمة: ذات زوج وطئت بشبهة وأتت بولد واحتمل كونه منهما، ثم مات الولد قبل لحوقه بأحدهما، وكان الزوج ولدان ولا ولد للواطاء أو العكس فهل للأم الثلث للشك في كونهما أخوين للميت أو السدس لأنه اليقين؟ وجهان: أصحهما: السدس. قال: (فصل: الأب والابن والزوج لا يحجبهم أحد) لما فرغ من بيان الوارث وأصحاب الفروض .. شرع في بيان من يحجب ومن لا يحجب، ووسط ذلك بين باب الفروض والعصبات؛ لأن الحجب إنما يدخل عليهم. وهو نوعان: حجب نقصان وحجب حرمان، فحجب النقصان يدخل على جميع الورثة، وهذا الفصل معقود لحجب الحرمان، وهو المراد إذا أطلق الحجب. وحقيقته: المنع لا النقص في المحجوب، فأما الأب والابن والزوج .. فلا

وَابْنُ الابْنِ لاَ يَحْجُبُهُ إِلاَّ الاِبْنُ أَوِ ابْنُ ابْنِ أَقْرَبُ مِنْهُ. وَالْجَدُّ لاَ يَحْجُبُهُ إِلاَّ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيُتِ. وَالأَخُ لأَبَوَيْنِ .. يَحْجُبُهُ الأَبُ، وَالاِبْنُ، وَابْنُ الاِبْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يحجبهم أحد؛ لإدلائهم بأنفسهم وقوتهم، وخرج بقوتهم المعتق، فإنه محجوب بمن قبله لتقديمهم عليه. وستة من الورثة لا يحجبون وهم: الابن والبنت والأب والأم والزوجان، وهم الذين بدأ الله تعالى بهم في الآية الكريمة. وقول المصنف: (لا يحجبهم أحد) لا يرد عليه منعهم الميراث بكفر أو رق أو قتل كما سيأتي في تتمة هذا الفصل. قال: (وابن الابن لا يحجبه إلا الابن)؛ لقوته، سواء كان أباه أو عمه؛ لإدلائه به أو لأنه عصبة أقرب منه. قال: (أو ابن ابن أقرب منه) بالإجماع، هذا من حيث الوارثون، وقد يحجب باستغراق الفروض كما إذا كان في الفريضة أبوان وبنتان .. فللبنتين الثلثان ولأبويه لكل واحد منهما السدس ولا شيء لابن الابن في هذه الحالة، ولا يسمى هذا حجبًا، فظهر أنه يعتبر في تسمية الحجب أمران: أن لا يكون المنع لنقص في المحجوب كما تقدم. وأن يكون لصفة في الحاجب؛ لتخرج هذه الصورة. قال: (والجد لا يحجبه إلا متوسط بينه وبين الميت) وهو الأب وهذا مجمع عليه؛ لأن من أدلى بشخص .. لا يرث مع وجوده إلا إخوة الأم، والعبارة المتداولة: أن الجد لا يحجبه إلا الأب، ولكن المصنف أراد الجد وإن علا فلذلك قال: (إلا متوسط)؛ ليدخل فيه الأب ومن فوقه، ولا يخفى أن المراد: الجد الذي يدلي إلى الميت بمحض الذكور، ومن ضرورته أن يكون المتوسط ذكرًا. قال: (والأخ لأبوين .. يحجبه الأب، والابن، وابن الابن) بالإجماع، ولأن الله تعالى جعل ميراثهم في الكلالة، وهي اسم لما عدا الوالدين والمولودين. وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاُ قال: يا رسول الله؛ ما الكلالة؟ قال: (أما سمعت الآية التي نزلت في الصيف

وَلأَبٍ .. يَحْجُبُه هَؤُلاَءِ وَأَخٌ لأَبَوَيْنِ، وَلأُمٍّ .. يَحْجُبُهُ أَبٌ، وَجَدٌّ، وَوَلَدٌ، وَوَلَدُ ابْنٍ. وابْنُ الأَخِ لأَبَوَيْنِ .. يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ: أَبٌ، وَجَدٌّ، وَابْنٌ وَابْنُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ {يَسْتَفْتُونَكَ} الكلالة: من لم يترك والدًا ولا ولدًا). قال: (ولأب .. يحجبه هؤلاء)؛ لأنهم إذا حجبوا الشقيق وهو أقوى .. فهذا أولى. قال: (وأخ لأبوين)؛ لقوته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (فلأولى رجل ذكر) والأولى هو الأقرب، والشقيق أقرب؛ لأن له قرابتين، والقرب قد يكون في الدرجة كالابن وابن الابن، وقد يكون في زيادة معنى القرابة كالأخ الشقيق والأخ للأب، فهما في درجة واحدة ولكن زاد الشقيق بقرابة الأم. قال الشيخ: وقد توهم بعض الناس أن الأخ الشقيق ليس أقرب من الأخ للأب الأم لكن أقوى، وليس كذلك؛ فقد صرح الأصحاب بأنه أقرب، ومعناه: أزيد قربًا، وكذلك عملوا في (الوقف) و (الوصية)، ولا يرد على المصنف: بنت وأخت شقيقة وأخ لأب، حيث أخذت البنت النصف فرضًا والشقيقة الباقي بالتعصيب ولا شيء للأخ؛ لأنه ممنوع بالاستغراق لا بالحجب، وقد ذكرها المصنف في آخر الباب. قال: (ولأم .. يحجبه أب، وجد، وولد، وولد ابن) ذكرًا كان أو أنثى؛ لأنه كلالة، والكلالة اسم لما عدا الوالدين والمولودين؛ فإنها نزلت في جابر كما تقدم. قال: (وابن الأخ لأبوين .. يحجبه ستة: أب، وجد)؛ لأن الأب يحجب أباه والجد في درجته. وفي وجه ضعيف: أن أبا الجد يقاسم ابن الأخ؛ لاستوائهما في القرب، ورد بأن قاعدة الباب: أن الجهة إذا قدمت على جهة .. قدمت إلى آخرها. قال: (وابن، وابنه)؛ لأنهما يحجبان أباه فهو أولى.

وَأَخٌ لأَبَوَيْنِ وَلأَبٍ، وَلأَبٍ .. يَحْجُبُهُ هَؤْلاَءِ وَابْنُ أَخٍ لأَبَوَيْنِ. وَالْعَمُّ لأَبَوَيْنِ .. يَحْجُبُهُ هَؤُلاَءِ، وَابْنُ الأَخِ لأَبٍ، ولأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلاَءِ وَعَمٌّ لأَبَوَيْنِ. وَابْنُ عَمٍّ لأَبَوَيْنٍ .. يَحْجُبُهُ هَؤُلاَءِ وَعَمٌّ لأَبٍ، وَلأَبٍ .. يَحْجُبُهُ هَؤُلاَءِ وَابْنُ عَمٍّ لأَبَوَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأخ لأبوين)؛ لأنه إن كان أباه .. فهو يدلي به، وإن كان عمه .. فهو أقرب منه. قال: (ولأب)؛ لما تقدم. قال: (ولأب .. يحجبه هؤلاء وابن أخ لأبوين)؛ لقرب درجته، فلو تعارض قرب وجهة كابن ابن الأخ الشقيق وابن الأخ للأب .. ففي المقدم منهما وجهان: الجمهور على تقديم ابن الأخ للأب وهو المجزوم به في (الروضة)، فجعلوا بنوة الإخوة جهة واحدة وقدموا فيها الأقرب، لا جرم قال في (الوسيط): فلينتبه لهذه الدقيقة. وخالفهم أبو منصور البغدادي فقدم ابن ابن الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب، قال في (المطلب): وهذا لا يصح؛ لأن القول به يوجب تقديم ابن الأخ لأبوين على الأخ لأب ولا يقول به أحد، وكل ما تقرر هنا يأتي في بني الأعمام. قال: (والعم لأبوين .. يحجبه هؤلاء)؛ لأنهم أقرب منه فإن الأخ ابن أبي الميت والعم ابن جده. قال: (وابن الأخ لأب) بالإجماع. قال: (ولأب) أي: العم لأب (يحجبه هؤلاء وعم لأبوين) كما في الإخوة. قال: (وابن عم لأبوين .. يحجبه هؤلاء وعم لأب)، لما سبق. قال الشيخ: والعم لأبوين والعم لأب كل من الاسمين يطلق على عم الميت وعم أبيه وعم جده، وابن عم الميت مقدم على عم أبي الميت، وابن عم أبيه مقدم على عم جده؛ لقوة جهته كما يقدم ابن الأب وهو الأخ على ابن الجد وهو العم، وهذا قد يرد على إطلاق المصنف هنا لكن مراده ما ذكرناه. قال: (ولأب .. يحجبه هؤلاء وابن عم لأبوين)؛ لقربه، لأنه في درجة أبيه.

وَالْمُعْتِقُ .. يَحْجُبُهُ عَصَبَاتُ النَّسَبِ. وَالْبِنْتُ وَالأُمُ وَالزَّوْجَةُ لاَ يُحْجَبْنَ. وَبِنْتُ الاِبْنِ .. يَحْجُبُهَا ابْنٌ أَوْ بِنْتَانٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا. وَالْجَدَّةُ لأُمٍّ .. لاَ يَحْجُبُهَا إِلاَّ الأُمُّ، وَلأَبٍ .. يَحْجُبُهَا الأَبُ أَوِ الأُمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمعتق .. يحجبه عصبات النسب) بالإجماع رجلاً كان أو امرأة؛ لأن النسب أقوى من الولاء، لأنه تتعلق به المحرمية ووجوب النفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة. قال: (والبنت والأم والزوجة لا يحجبن)؛ لإدلائهن بأنفسهن، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وبنت الابن .. يحجبها ابن)؛ لأنه أبوها أو عمها. قال: (أو بنتان إذا لم يكن معها من يعصبها) بالإجماع. قال: (والجدة لأم .. لا يحجبها إلا الأم) بالإجماع، فلا ترث جدة مع أم؛ لأنه ليس بينها وبين الميت إلا هي، وهذا تفريع على أن الجدة القربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم، وهو الأظهر كما سيأتي. قال: (ولأب .. يحجبها الأب)؛ لأنها تدلي به، وعن جماعة من الصحابة والتابعين أنه لا يحجبها، وبه قال أحمد وإسحاق؛ لما روى أبو داوود في مراسيل الحسن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث جدة السدس وابنها حي). وفي (الترمذي) عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس) لكن في إسناده محمد بن سالم وهو ضعيف جدًا، وله كتاب في الفرائض تركه نقاد المحدثين. قال: (أو الأم) فهي تحجب الجدة للأب بالإجماع. وفي (سنن أبي داوود) و (النسائي) عن عبيد الله العتكي عن ابن بريدة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس إذا لم تكن أم)،

وَالْقُربَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ البُعْدَى مِنهَا، وَالقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الأُمِّ كَأُمِّ أُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ. وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةٍ الأَبِ لاَ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةٍ الأُم فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: إسناده جيد، ولا التفات إلى قول ابن حزم: إن العتكي مجهول؛ فإنه معروف صدوق، وأنكر أبو حاتم على البخاري ذكره في الضعفاء. قال: (والقربى من كل جهة تحجب البعدى منها) إذا اجتمع قربى وبعدى، وهذا لا خلاف فيه إذا كانت القربى تدلي بالبعدى، فإن لم تكن كأم أم الأب وأم أب أب الأب .. فوجهان: أصحهما عند المصنف كذلك، ولذلك أطلق حجبانها. ولو أدلت قربى ببعدى والبعدى من جهة أخرى .. لم تحجب. مثاله: لزينب بنتان حفصة وعمرة، ولحفصة ابن ولعمرة بنت بنت فتزوجها فأتت بولد .. فلا تُسقط عمرةُ - التي هي أم أم أمه - أمها؛ لأنها أم أم أبيه، وليس لنا جدة ترث مع بنتها الوارثة إلا هذه ونحوها. قال: (والقربى من جهة الأم كأم أم تحجب البعدى من جهة الأب كأم أم أب) كما أن الأم تحجب أم الأب. قال: (والقربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم في الأظهر)؛ لأن الأب لا يحجب الجدة من جهة الأم، وهو يحجب أم نفسه في الأظهر، فلأن لا تحجبها الجدة التي تدلي به أولى، وبهذا قال مالك وأحمد. والثاني: تحجبها كما لو كانت من جهة الأم، وبه قال أبو حنيفة، والقولان سببهما اختلاف الرواية عن زيد، فالأول رواه أهل المدينة عنه، والثاني رواه أهل الكوفة فلهذا رجح الأول؛ لأنهم أهل بلده، قاله صاحب (التقريب). فإذا قلنا بالقول الأظهر .. فالسدس بينهما نصفين.

وَالأُخْتُ مِنَ الْجِهَاتِ كَالأَخِ. وَالأَخَوَاتُ الْخُلَّصُ لأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانٍ لأَبَوَيْنٍ. وَالْمُعْتِقَةُ كَالْمُعْتِقِ. وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأخت من الجهات كالأخ) فيحجبها من يحجب الأخ كما تقدم تفصيله. فإن قيل: عبارته توهم أن الأخت لأبوين تحجب الأخت لأب؛ فإن الأخ لأبوين يحجب أخًا لأب .. فالجواب: أنه بين قبل هذا أن لها مع الأخت الشقيقة السدس. فإن قيل: يرد عليه حجب الأخوات للأب بالأخت الشقيقة مع البنت .. قلنا: قد ذكرها في (فصل الإخوة والأخوات ...). نعم؛ يستثنى من إلحاقها بأخيها أن الشقيقة لا تحجب بفروض مستغرقة حيث فرض لها، وكذلك أخت الأب بخلاف الأخ. قال: (والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضًا أختان لأبوين) كما في بنات الابن مع بنات الصلب. واحترز بـ (الخلص) عمن معهن ذكر؛ فإنه إن كان في رتبتهن .. عصبهن. قال: (والمعتقة كالمعتق) فتحجب بعصبات النسب. قال: (وكل عصبة يحجبه أصحاب فروض مستغرقة) كما إذا كان زوج وأم وولد أم وعم .. فلا شيء للعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فما أبقت الفرائض .. فلأولى رجل ذكر) وههنا لم تبق الفرائض شيئًا. ويستثنى من هذه القاعدة مسألتان: إحداهما: العصبة لأبوين في المشركة. الثانية: الأخت لأبوين أو لأب في الأكدرية؛ فإن الأخ والأخت عصبة في هاتين

فصل

فَصْلٌ: الاِبْنُ يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ، وَكَذَا الْبَنُونَ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْبِنُتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلَّثَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألتين، وقد استغرق أصحاب الفروض المال فيها ولم يحجبا بذلك على الصحيح، فلو قال المصنف: ما لم ينقلب إلى الفرض .. لسلم من ذلك. تتمة: من لا يرث لمانع قائم بنفسه .. لا يحجب أحدًا عن فرضه، ومن لا يرث لأجل وجود غيره .. يحجب وإن لم يرث، ففي أبوين وأخوين يحجب الأخوان الأم إلى السدس ولا يرثان، وكذلك ولد الأم يعد على الجد ولا يرث، وكذلك الأخ الشقيق مع الأخ لأب في صورة المعادة. قال: (فصل: الابن يستغرق المال، وكذا البنون) هذا لا خلاف فيه، واستأنسوا له بأن الله تعالى قال في الأخ: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَمْ يَكُن لَهَا وَلَدٌ} فجعله حائزًا فالابن أولى. وبقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} إلى قوله: {وَإِن كَانَتَ وَاحِدَةً فَلَهَا النِصْفُ} فوجب أن يكون للابن الجميع؛ لأنه يأخذ قدرها مرتين وإرثه بالعصوبة على المعروف، بل هو أقرب العصبات. وقيل: لا يسمى عصبة؛ لأن العصبة من قد يحجب والابن لا يحجب، قال في (الوسيط): والخلاف لفظي. قال: (وللبنت النصف، وللبنتين فصاعدًا الثلثان)؛ للنص والإجماع.

وَلَوِ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ .. فَالْمَالُ بَيْنَهُم: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ. وَأَوْلاَدُ الاِبْنِ إِذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلاَدِ الصُّلْبِ. فَلَوِ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلاَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ .. حَجَبَ أَوْلاَدِ الاِبْنِ، وَإِلاَّ: فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ .. فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الاِبْنِ الذُّكُوْرِ أَوِ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أُنْثَى أَوْ إِنَاث .. فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو اجتمع بنون وبنات .. فالمال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين)؛ للآية والإجماع، وإنما فضل الذكر عليها؛ لأنه يختص بالنصرة ولزوم ما لا يلزم المرأة من العقل والجهاد. وقال الشيخ عز الدين: الحكمة فيه: أن الميراث جعل على قدر الحاجات وللذكر حاجة لنفسه وحاجة لزوجته، وللأنثى حاجة واحدة؛ لأنها مكفولة غالبًا، لكن خولف هذا القياس في إخوة الأم فسوي بين ذكرهم وأنثاهم؛ لإدلائهم بالأم، وسوي بين الأب والأم فجعل لكل منهما السدس مع الولد وفضل الأب عليها مع عدمه. قال: (وأولاد الابن إذا انفردوا) أي: وإن سلفوا .. ورثوا (كأولاد الصلب) بلا فرق؛ لأنهم في منزلتهم يستغرق واحدهم المال، وجماعتهم يشتركون فيه، وأنثاهم لها النصف، وللأنثيين الثلثان، لكن يفارقون بني الصلب في أنهم لا يعصبون بنات الصلب وإن عصبوا أخواتهم، وهذا يخرج من قوله: (إذا انفردوا). قال: (فلو اجتمع الصنفان) أي: أولاد الصلب وأولاد الابن (فإن كان في أولاد الصلب ذكر .. حجب أولاد الابن) بالإجماع. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن ثّمَّ ذكر من أولاد الصلب (فإن كان للصلب بنت .. فلها النصف والباقي لولد الابن الذكور أو الذكور والإناث) ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين. وعن ابن مسعود: أن الذكر لا يعصب الأنثى بل يكون لها الأقل من المقاسمة أو السدس ولا يزاد عليه، وبه قال داوود وأبو ثور. قال: (فإن لم يكن إلا أنثى أو إناث .. فلها أو لهن السدس) تكملة الثلثين.

وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا .. أَخَذَتَا الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الاِبْنِ الذُّكُورِ أَو الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ، وَلاَ شَيْءَ لِلإِنَاثِ الْخُلِّصِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبُهُنَّ. وَأَوْلاَدُ ابْنٍ الاِبْنِ مَعَ أَوْلاَدِ الاِبْنِ كَأَوْلاَدِ الاِبْنِ مَعَ أَوْلاَدِ الصُّلبِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَنَازِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما في الواحدة .. فلأنه صلى الله عليه وسلم قضى به، رواه مسلم عن ابن مسعود. وأما في الزائد على الواحدة .. فلأن البنات ليس لهن أكثر من الثلثين، والبنت وبنات الابن أولى بذلك، ويشتركن به كما تشترك الجدات في السدس. قال: (وإن كان للصلب بنتان فصاعدًا .. أخذتا الثلثين، والباقي لولد الابن الذكور أو الذكور والإناث) للذكر مثل حظ الأنثيين، وقال ابن مسعود وأبو ثور: الباقي لولد الابن خاصة. قال: (ولا شيء للإناث الخلص) بالإجماع، وهذه فائدة تسمية السدس في المسألة قبلها تكملة الثلثين؛ إذ لو ثبت برأسه .. لما سقط في هذه المسألة كمسألة الجد. قال: (إلا أن يكون أسفل منهن ذكر فيعصبهن) أي: فيجعلهن عصبة ويكون الباقي لهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه لا يمكن إسقاطه، لأنه عصبة ذكر وإذا لم يسقط فكيف يحرم من فوقه؟ وكيف يفرد بالميراث مع بعده وهو لو كان في درجتهن .. لم ينفرد بالميراث عنهن؟ وهذا يسمى: الأخ المبارك. وعن ابن مسعود: لا شيء لهم في هذه الحالة؛ لئلا تلزم الزيادة في فرض البنات. والجواب: أنهن لا يأخذن هنا بالفرض، بل بجهة التعصيب. قال: (وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن كأولاد الابن مع أولاد الصلب) في جميع ما تقدم. قال: (وكذا سائر المنازل) أي: الدرجة النازلة مع الدرجة العالية، حتى إذا

فصل

وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ، وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءً مِنَ الثُّلْثَيْنِ. فَصْلٌ: الأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ إِذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوِ ابْنُ ابْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خلف بنتي ابن وبنت ابن ابن .. فلبنتي الابن الثلثان ولا شيء للسفلى، إلا أن يكون في درجتها أو أسفل منها من يعصبها. قال: (وإنما يعصب الذكر النازل من في درجته) كأخته وبنت عمه مطلقًا، سواء فضل لها شيء من الثلثين أم لا، كما يعصب الابنُ البناتِ والأخُ الأخواتِ. قال: (ويعصب من فوقه إذا لم يكن لها شيء من الثلثين) مثاله: بنت وبنت ابن وابن ابن ابن .. فاللبنت النصف ولبنت الابن السدس ولا يعصبها الذكر السافل؛ لأخذها شيئًا من الثلثين، وأما بنت ابن الابن .. فيعصبها ابن ابن الابن أو من هو أسفل منه للذكر مثل حظ الأنثيين. تتمة: لو كان معه أخته أو بنت عمه وعمته وبنت عم أبيه .. عصبهن كلهن وكان الباقي بعد الثلثين بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يفوز به الذكر ولا عمته ولا بنت عم أبيه وإن كانتا أقرب درجة من أخته وبنت عمه، وليس في الفرائض من يعصب أخته وعمته وعمة أبيه وعمة جده وبنات أعمامه وبنات أعمام أبيه وجده إلا السافل من أولاد الابن وولده إذا لم يكن لهن فرض. قال: (فصل: الأب يرث بفرض إذا كان معه ابن أو ابن ابن)؛ لقوله تعالى {وَلأَبَويهِ لِكلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}.

وَبِتَعْصِيْبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلاَ وَلَدُ ابْنٍ، وَبِهِمَا إِذَا كَانَتْ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ؛ لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهَا بِالْعُصُوْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبتعصيب إذا لم يكن ولد ولا ولد ابن) بالإجماع كما إذا اجتمع مع زوج وأم أو جدة .. فلصاحب الفرض فرضه والباقي للأب بالعصوبة، وإن انفرد .. أخذ جميع المال بالعصوبة. قال: (وبهما إذا كانت بنت أو بنت ابن، له السدس فرضًا والباقي بعد فرضها بالعصوبة)؛ لما روى الشيخان عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي .. فهو لأولى رجل ذكر). وقد روي: أن الحجاج سأل عامرًا الشعبي عن هذه المسألة .. فقال: للبنت النصف والباقي للأب، فقال له الحجاج: أصبت في المعنى وأخطأت في اللفظ، هلا قلت: للأب السدس وللبنت النصف والباقي للأب؟ فقال: أخطأتُ وأصاب الأمير. قال الشيخ: وفي إصابة المعنى نظر؛ إذ لو أوصى بمثل نصيب من له فرض من ورثته .. فهي بالثلثين، ولو لم يكن الأب ذا فرض .. فبالنصف. تنبيه: قوله: (بنت أو بنت ابن) كذا هو في (المحرر) و (الشرحين) بـ (أو)، ولو أسقطت .. لصح؛ لأنه لو كان معه بنت وبنت ابن فأكثر .. كان كذلك، وكذا بنتان فأكثر .. ففي الجميع له السدس فرضًا والباقي تعصيبًا، وأيضًا كلامه يشعر بأن الجد لا يجمع بينهما وهو وجه، والأصح في (الروضة): أنه يجمع بينهما، وهو قضية قوله بعد: (والجد كالأب إلا في كذا). قال الرافعي: والخلاف يرجع إلى العبارة، والمأخوذ لا يختلف، وليس كما قال، بل تظهر ثمرته في مسألتين: إحداهما: في حساب المسألة وأصلها.

وَلِلأُمْ الثُلُثُ أَوِ السُّدُسُ فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الفُرُوضِ، وَلَهَا فِي مَسْأَلَتي زَوْجٍ أَوْ زَوُجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ. وَالْجَدُّ كَالأَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانية: إذا أوصى بشيء مما يبقى بعد الفرض، أو بمثل فرض بعض ورثته، أو أقلهم فرضًا، أما الزوج إذا كان ابن عم أو معتقًا .. فإنه يجمع أيضًا بين الفرض والتعصيب لكن بجهتين، بخلاف الأب والجد؛ فإنهما بجهة واحدة. قال: (وللأم الثلث أو السدس في الحالين السابقين في الفروض)؛ لما تقدم. قال: (ولها في مسألتي زوج أو زوجة وأبوين ثلث ما بقي بعد الزوج أو الزوجة). ففي الأول: للزوج النصف، يبقى سهم لا يصح ولا يوافق، فنضرب اثنين في ثلاثة فتصح من ستة: للزوج ثلاثة وللأب سهمان وللأم سهم. وفي الثانية: للزوجة سهم وللأب سهمان وللأم سهم فهي من أربعة، هذا مذهب الجمهور من الصحابة وغيرهم. وقال ابن اللبان: لها في المسألتين الثلث كاملاً؛ عملاً بظاهر الآية، وهو قول ابن عباس، ووقع في (الكفاية) عزو ذلك إلى ابن سريج، والذي في (الشامل) حكايته عن شريح قاضي عمر. وإنما قال المصنف والأصحاب: (ثلث ما بقي) ولم يقولوا: سدس المال في الأولى وربعه في الثانية؛ محافظة على الأدب في موافقة لفظ القرآن. قال الشيخ: والذي تأخذه الأم في الصورتين هو فرضها على المشهور. وقيل: إنما تأخذه بتعصيب الأب لها، وهو ما أورده ابن داوود في (شرح المختصر)، وهاتان المسألتان تسميان: العمريتين؛ لقضاء عمر رضي الله عنه فيهما بذلك. قال: (والجد كالأب) أي: عند عدمه، أو عند قيام وصف به مانع من الإرث، وهو كالأب أيضًا في أنه يرث بالفرض تارة وبالتعصيب أخرى، ويجمع بينهما على الأصح كما تقدم.

إِلاَّ أنَّ الأّبّ يُسْقِطُ الإِخْوَةَ وَالأَخَوَاتِ، وَالْجَدَّ يُقَاسِمُهُمْ إِنْ كَانُوا لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ. وَالأَبَ يُسْقِطُ أَمْ نَفْسِهِ وَلاَ يُسْقِطُهَا الْجَدُّ. وَالأَبَ فِي زَوْجٍ أَو زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ يَرُدُّ الأُمْ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى ثُلُثِ الْبَاقِي، وَلاَ يَرُدُّهَا الْجَدُّ. وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَكَذا الْجَدَّاتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أن الأب يسقط الإخوة والأخوات، والجد يقاسمهم إن كانوا لأبوين أو لأب) كما سيأتي تفصيله، فهذا محمول على ذلك. قال: (والأب يسقط أم نفسه ولا يسقطها الجد) إنما أسقطها الأب؛ لأنها تدلي به وهي لا تدلي بالجد. قال: (والأب في زوج أو زوجة وأبوين يرد الأم من الثلث إلى ثلث الباقي، ولا يردها الجد)؛ لأنه لا يساويها في الدرجة بخلاف الأب، فلها مع الجد الثلث كاملاً في المسألتين، والباقي بعده وبعد فرض الزوج أو الزوجة له بالتعصيب. فحاصل ما ذكره افتراقهما في ثلاث صور، ويزاد عليه أنه لا يرث مع الأب إلا جدة واحدة، ويرث مع الجد جدتان، ومع أب الجد ثلاث جدات، ومع جد الجد أربع، وعلى هذا: كلما علا الجد درجة .. زاد فيمن يرث معه جدة. قال: (وللجدة السدس)؛ لما سبق سواء كانت من جهة واحدة أو اجتمع فيها جهتا إرث أو أكثر، كما إذا تزوج ابن ابن امرأة بسبطة لها أخرى فتلد له ولدًا .. فإن المرأة جدة الولد من وجهين، فإن تزوج هذا الولد بسبطة لها ثالثة .. صارت جدة لهذا الولد من ثلاثة أوجه. قال: (وكذا الجدات)؛ لما روى الحاكم عن عبادة بن الصامت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضاى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما). وفي (مراسيل أبي داوود): (أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم ثلاث جدات سدسًا). وعن قبيصة قال: (جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها فقال لها: مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه

وَتَرِثُ مِنْهُنَّ أُمُّ الأُمِّ وَأُمْهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلصٍ، وَأُمُّ الأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ، وَكَذَا أُمُّ أَبِ الأَبِ وَأُمُّ الأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَضَابِطُهُ: كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِمَحْضٍ إِنَاثٍ أَوْ ذُكُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة .. فأنفذه لها أبو بكر. ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر تسأله ميراثها فقال: مالك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئًا، ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما .. فهو بينكما، وأيكما خلت به .. فهو لها) رواه مالك والأربعة والدارقطني وابن حبان والحاكم وقال: على شرط الشيخين. وقال ابن حزم: لا يصح؛ لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر ولا سمعه من المغيرة ولا محمد، وتبعه عبد الحق وابن القطان. وحكى الإمام في ذلك إجماع الصحابة، وسواء استووا في الإدلاء، أو زادت إحداهن بجهة على الصحيح. قال: (وترث منهن أم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص) بالاتفاق، واحترز عمن تدلي بذكر بين أنثيين كما سيأتي. قال: (وأم الأب وأمهاتها كذلك) أي: المدليات بأب الجد؛ لما تقدم. قال: (وكذا أم أب الأب وأم الأجداد فوقه وأمهاتهن على المشهور)؛ لأنهن جدات يدلين بوارث فيرثن كأم الأب. والثاني - وهو قديم -: لا يرثن؛ لأنهن مدليات بجد فأشبهن أم أب الأم. قال: (وضابطه: كل جدة أدلت) أي: وصلت (بمحض إناث) كأم أم أم أم أم أم وإن علت. قال: (أو ذكور) كأم أب أو أم أب أب وإن علا.

فصل

أَوْ إِنَاث إِلَى ذُكُورٍ .. تَرِثُ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ .. فَلاَ. فَصْلٌ: الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ لأَبَوَيْنِ إِذَا انْفَرَدُوا .. وَرِثُوا كَأَوْلاَدِ الصُّلْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو إناث إلى ذكور .. ترث) كأم أم أب وإن علت أو أم أب أب. قال: (ومن أدلت بذكر بين أنثيين .. فلا) وهي أم أب الأم وإن علت؛ لأنها من ذوي الأرحام، وشرط إرث العدد منهن التحاذي كأم أم أم وأم أم أب وأم أم أب أب وأم أب أب أب فالأربع وارثات، وإلا .. فالقربى تسقط البعدى على ما تقدم من وفاق وخلاف. وحاصله: أنه لا ترث من جهة الأم إلا واحدة، ولا من جهة الأب إلا واحدة، وأما الجد .. فعلى القديم: لا ترث من جهته جدة، وعلى الجديد: ترث. وعلى هذا: فالجد قد يعلو، فعند أحمد: لا ترث إلا الجدة التي من جهة الجد الأدنى، فلذلك لا يجتمع عنده إلا ثلاث، وعندنا: كل جد وارث ترث من جهته جدة واحدة فتجتمع جدات كثيرة بعدد الأجداد، وتسقط المدلية بجد لا يرث، والوارث من الجدات في كل درجة من درج الآباء بعدد تلك الدرجة، ففي الثانية بنتان، وفي الثالثة ثلاث، والرابعة أربع ... وهكذا أبدًا كما تقدمت. تتمة: إذا سئلت عن جدتين وارثتين وأطلق السائل .. فقل: هما إما من درجة واحدة من جهة الأب، وإما من درجتين إحداهما من جهة الأم والأخرى من جهة الأب. وإذا سئلت عن ثلاث من درجتين .. فقل: واحدة من جهة الأم وثنتان من جهة الأب، وجهة الأب، والجد كلتاهما جهة واحدة. وإذا سئلت عن ثلاث من درجة واحدة .. فهي واحدة من جهة الأم وثنتان متحاذيتان من جهة الأب، ولا يمكن أن تكون فيهما قربى وبعدى. قال: (فصل: الإخوة والأخوات لأبوين إذا انفردوا .. ورثوا كأولاد الصلب) فيكون للذكر مثل

وَكَذَا إِنْ كَانُوا لأَبٍ إِلاَّ فِي الْمُشَرَّكَةِ، وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدًا أُم وَأَخٌ لأَبَوَيْنِ، فَيُشَارِكُ الأَخُ وَلَدَيِ الأُمُ فِي الثُّلُثِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ حظ الأنثيين، وللأخت النصف، وللأنثيين فصاعدًا الثلثان، قال تعالى: {وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}. قال: (وكذا إن كانوا لأب)؛ لإطلاق الآية والإجماع. قال: (إلا في المُشَرَّكة)، وهي بفتح الراء المشددة كما ضبطها المصنف؛ أي: المشترك فيها، أو مسألة الإخوة المشركة، وفي (الوافي) و (شرح التعجيز) لمصنفه بكسرها بمعنى الفاعلة، وتسمى: الحمارية والحجرية؛ لقولهم: هب أن أبانا كان حجرًا أو حمارًا، وتسمى: المنبرية؛ لأن عمر سئل عنها وهو على المنبر فأجاب، ووافقه على ذلك عثمان وزيد. قال: (وهي زوج وأم وولدا أم وأخ لأبوين، فيشارك الأخ ولدي الأم في الثلث) أي: بأخوة الأم فينزلون منزلتهم ويجعلون كأنهم ليسوا مدلين بالأب؛ لأنها فريضة جمعت الإخوة من الأبوين والإخوة من الأم فورثوا جميعًا كما لو انفردوا، وبالقياس على ما لو كان فيهم ابن عم .. فإنه يشارك بقرابة الأم، هذا هو المشهور عن زيد رضي الله عنه والشافعي، وبه قال مالك وشريح وابن المسيب ومسروق وطاووس وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز. وكان عمر قضى فيها فلم يشرك، ثم قضى في العام الثاني بالتشريك، فقيل له: إنك أسقطتهم في العام الماضي، فقال: ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي، هكذا رواه البيهقي وابن عبد البر، وهو الصواب. ووقع في أقضية (الوسيط): أنه قضى بالتشريك ثم قضى في العام الثاني بإسقاط الإخوة، وغلطه المصنف في ذلك، وهو في ذلك متابع لشيخه الإمام، ووقع في (البحر) نظير ذلك. وقال أبو حنيفة وأحمد: يسقط الشقيق، وحكاه أبو بكر بن لال قولاً للشافعي، ويكون له في المسألة قولان بحسب اختلاف الرواية عن زيد، واختاره أبو خلف

وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الأَخِ أَخٌ لأَبٍ .. سَقَطَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبري والأستاذ أبو منصور، واستدلوا له بأنه لو أوصى لولد أمه بمئة ولولد أبيه وأمه بباقي الثلث وكان باقي ماله مئة .. استحقها ولد الأم بلا مشاركة. قال: (ولو كان بدل الأخ) أي: الشقيق (أخ لأب .. سقط) بالإجماع؛ لأن سهام الفريضة تكملت: للزوج النصف وللأم السدس ولولديها الثلث فلم يبق شيء لإخوة الأب، ولعظم أمر هذه المسألة أفرد لها المزني بابًا، وفي معناها ما إذا كان بدل الأم جدة. تنبيهات: أحدها للتشريك أربعة أركان: أحدها: أن يكون فيها زوج. ثانيها: أن يكون في المسألة من له سدس من أم أو جدة. ثالثها: أن يكون فيها اثنان من ولد الأم فصاعدًا. رابعها: أن يكون فيها ذكر من ولد الأب والأم، إما وحده وإما مع ذكور أو إناث أو كليهما، فلو كان الشقيق أختًا فقط .. فرض لها النصف، أو أختين .. فالثلثان وتعال المسألة، فلو كان معهن أخ لأب .. صيرهن عصبة ويسقطن معه وهو الأخ المشؤوم، ولو كان ولد الأم واحدًا .. أخذ السدس والباقي للعاصب. الثاني: إذا اشتركا في الثلث .. استوى فيه الذكر والأنثى؛ لأنهم أخذوه بالفرضية لا بالعصوبة، قال الرافعي: وكان يجوز أن يقال: إذا تقاسموا في الثلث بالسوية .. أخذ ما يخص الأشقاء فيجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، كما أن في الأكدرية إذا خرج نصيب الجد .. اقتسموا الباقي بينهم كما يقتسمونه إذا انفردوا. الثالث: قول المصنف: (وأخ لأبوين) أجود من قول غيره: أخوين؛ لأنه يوهم اشتراطهما. فإن قيل: أراد الصورة الواقعة في زمن الصحابة رضي الله عنهم .. فالجواب أن المراد من المختصرات: بيان الأحكام لا بيان أصولها وأدلتها، ثم الذي يأخذه أولاد

وَلَوِ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ .. فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلاَدِ الصُّلْبِ وَأَوْلاَدِ ابْنِهِ إِلاَّ أَنَّ بَنَاتِ الاِبْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَّ، وَالأُخْتُ لاَ يُعَصُبُهَا إِلاَّ أَخُوهَا. وَلِلْوَاحِدِ مِنَ الإِخْوَةِ أَوِ الأَخَوَاتِ لأُمٍّ: السُّدُسُ، وَلاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا: الثُّلُثُ؛ يَسْتَويْ فِي ذَلِكَ ذُكُورُهُمْ وإِنَاثُهُمْ. وَالأَخَوَاتُ لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الاِبْنِ عَصَبَةٌ كَالإِخْوةِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبوين يأخذونه بالفرض لا بالتعصيب. الرابع: لو كان بدل الأخ خنثى .. فالمسألة من ثمانية عشر: للزوج ستة وللأم سهمان ولولدي الأم أربعة وللخنثى سهمان وتوقف أربعة، إن ظهرت ذكورته .. رد على الزوج ثلاثة وعلى الأم واحد، وإن ظهرت أنوثته .. أخذها. قال: (ولو اجمتع الصنفان .. فكاجتماع أولاد الصلب وأولاد ابنه إلا أن بنات الابن يعصبهن من في درجتهن أو أسفل، والأخت لا يعصبها إلا أخوها)؛ لأن ابن الأخ لا يعصب من في درجته، لأنها غير وارثة فلا يعصب من فوقه، ولأن ابن الابن يسمى ابنًا وابن الأخ لا يسمى أخًا، فإذا خلف أختين لأبوين وأختًا لأب وابن أخ لأب .. فللأختين الثلثان والباقي لابن الأخ وتسقط الأخت. قال: (وللواحد من الإخوة أو الأخوات لأم: السدس، ولاثنين فصاعدًا: الثلث؛ يستوي في ذلك ذكورهم وإناثهم)، فأولاد الأم يخالفون غيرهم في ستة أشياء: لواحدهم السدس، ولعددهم الثلث، ولا يفضل ذكرهم على أنثاهم، ويسقطون بستة، ويرثون مع من يدلون به، ويحجبونه حجب نقصان. قال: (والأخوات لأبوين أو لأب مع البنات وبنات الابن عصبة كالإخوة)؛ لأن ابن مسعود قال في بنت وبنت ابن وأخت: (أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف ولبنت الابن السدس وللأخت الباقي) رواه البخاري، وهو مجمع عليه إلا ما روي عن ابن عباس أنه قال: (لا ترث أخت مع

فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لأَبَوَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ الأَخَوَاتِ لأَبٍ. وبَنُو الإِخْوَةِ لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ كُلًّ مِنْهُمْ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا، لكِنُ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَنهُمْ لاَ يَرُدُّونَ الأُمَّ إِلَى السُّدُسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بنت، بل الباقي للعصبة من أخ أو عم). وكان ابن الزبير يقول بقول ابن عباس في هذه المسألة، حتى أخبره الأسود بن يزيد أن معاذًا قضى باليمن في بنت وأخت فجعل المال بينهما نصفين ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي .. فرجع ابن الزبير عن قوله إلى قول معاذ، وحديث معاذ رواه ابن أبي شيبة من طرق، وهو من أثبت الأحاديث. ومراد المصنف بـ (الأخوات والبنات): الجنس لا الجمع؛ فإن الأخت الواحدة مع البنت الواحدة عصبة، ففي بنت وأخت للبنت النصف وللأخت الباقي، أو بنتين فصاعدًا أو أختين فصاعدًا .. فللبنات الثلثان والباقي للأخت، أو الأخوات أو بنت وبنت ابن فأكثر .. وأخت فأكثر فالباقي بعد الثلثين للأخت فصاعدًا، وتقاس بنت ابن فأكثر وأخت على ما ذكرناه، وفي بنتين وزوج وأخت الباقي بعد الثلثين والربع للأخت، ثم فسر المصنف ذلك فقال: (فتسقط أخت لأبوين مع البنت الأخوات لأب) فأتى بـ (الفاء)؛ لينبه على أن هذا من فائدة كونها عصبة، ففي بنت وشقيقة وأخ لأب لا شيء لولد الأب كما يسقط بالشقيق، وفي بنت وأخ وأخت شقيقين الباقي لهما للذكر مثل حظ الأنثيين. قال: (وبنو الإخوة لأبوين أو لأب كل منهم كأبيه اجتماعًا وانفرادًا) فيستغرق الواحد منهم والجماعة المال عند الانفراد وما فضل عن أصحاب الفروض، وعند الاجتماع يسقط ابن الأخ من الأب كما يسقط الأخ من الأب مع الأخ الشقيق، لكنهم يخالفونهم في سبعة أشياء ذكر المصنف منها أربعة حيث قال: (لكن يخالفونهم في أنهم لا يردون الأم إلى السدس)؛ فإن الله تعالى أعطاها الثلث إذا لم يكن ولد ولا إخوة، وهم لا يسمون إخوة بخلاف ولد الولد.

وَلاَ يَرِثُونَ مَعَ الْجَدْ. ولاَ يُعَصَّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ. ويَسْقُطُونَ فِي الْمُشَرَّكَةِ. وَالْعَمُّ لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ كالأَخِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا، وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ وَسَائِرِ عَصَبَةِ النَّسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يرثون مع الجد)؛ بل يسقطون به؛ لأن الجد كالأخ والأخ يسقطهم، وادعى الماوردي الإجماع عليه إلا رواية شاذة عن علي، وروي أنه رجع عنها. وحكى الإمام وجهًا: أن ابن الأخ يقاسم جد الأب كما يقاسم الأخ الجد، وهو ضعيف. قال: (ولا يعصبون أخواتهم)؛ لأنهن من ذوي الأرحام. قال: (ويسقطون في المشركة)؛ لأن مأخذ التشريك قرابة الأم، وابن ولد الأم لا ميراث له. وأما الثلاثة التي أهملها وزادها في (الروضة) .. فهي: أن الأشقاء يحجبون الإخوة لأب وأولادهم لا يحجبونهم، والأخ للأب يحجب بني الأخ الشقيق ولا يحجبهم ابنه، وبنو الإخوة لا يرثون مع الأخوات إذا كن عصبات مع البنات. قال: (والعم لأبوين أو لأب كالأخ من الجهتين اجتماعًا وانفرادًا) فمن انفرد منهما .. استغرق المال ويأخذ الباقي بعد الفرض، وإن اجتمعا .. سقط عم الأب، وهذا عند عدم بني الإخوة؛ فإنهم يحجبونهم لتأخر رتبتهم عنهم. قال: (وكذا قياس بني العم)؛ فهم عند بني العم كبني الإخوة عند عدم الإخوة. قال: (وسائر عصبة النسب) أي: كل ابن من العصبة كأبيه، وإلا .. فليس بعد بني الأعمام من عصبات النسب أحد. قال الشيخ: وقد يورد عليه بنو الأحداث اللواتي هن عصبة مع البنات، وليس بنوهن مثلهن وهن من عصبة النسب. وجوابه: أن الكلام في العصبة بنفسه لا في مطلق العصبة.

وَالْعَصَبَةُ: مَنْ لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ المْجُمَعِ عَلَى تَوْرِيثهِمْ، فَيرِثُ الْمَالَ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الفُرُوضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والعصبة: من ليس له سهم مقدر من المجمع على توريثهم) المراد: من ليس له سهم مقدر حال تعصيبه من جهة التعصيب؛ ليدخل الأب والجد والأخوات مع البنات، لأن لهم في حالة أخرى سهمًا مقدرًا. واحترز بـ (المجمع على توريثهم) عن ذوي الأرحام؛ فإن من ورثهم لا يسميهم عصبات، لكن لا يأتي هذا على مذهب أهل التنزيل وهو المصحح كما تقدم؛ فإنهم ينزلون كلاً منزلة من يدلي به، وهم ينقسمون إلى ذوي فرض وعصبات. واستدل لهذا الحكم بما روى البخاري عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي .. فهو لأولى رجل ذكر) وأورده الإمام والغزالي بلفظ: (فهو لأولى عصبة ذكر) وهو لا يعرف في رواية وإن ادعى الرافعي شهرتها، بل قال ابن الجوزي: لا يحفظ، والجمع بين رجل وذكر تأكيد، وقال السهيلي: إنه تابع لأولى لا لرجل. والعصبة جمع عاصب، والعين والصاد والباء تدل على القوة والإحاطة من الجوانب، وعصبة الميراث من ذلك؛ لأنهم محيطون به ويتقوى بهم، لكن أطلق المصنف العصبة على الواحد وأنكره ابن الصلاح وغيره، وكل من ذكرنا من الرجال عصبة إلا الزوج، وكل من ذكرنا من النساء ذات فرض إلا المعتقة. قال: (فيرث المال أو ما فضل بعد الفروض) ليس هذا من تتمة الحد كما اقتضاه كلام (الوسيط)، بل هو بيان لحكم العصبة بنفسه، أما الأخوات مع البنات .. فإن لهن في حالة أخرى سهمًا مقدرًا، ولكن مع البنات لا سهم لهن. تتمة: العصبة على ثلاثة أقسام:

فصل

فَصْلً: مَنْ لاَ عَصَبَةَ لَهُ بِنْسَبِ وَلَهُ مُعْتِقً .. فَمَالُهُ أَوِ الْفَاضِلُ عَنِ الْفُرُوضِ لَهُ، رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ عصبة بنفسه وهم: أبو الإنسان وابنه والذكور المدلون بهم. وعصبة بغيره وهم: البنت وبنت الابن والأخت لأبوين أو لأب مع إخوتهن. وعصبة مع غيره وهم: الأخوات لأبوين أو لأب مع البنات وبنات الابن. وفي (البخاري) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النَبيُّ أَوْلَى بِالْمُؤمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، فأيما مؤمن مات وترك مالاً .. فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينًا أو ضياعًا .. فيأتني فأنا مولاه) فإما أن يكون أريد بالعصبة جميع الورثة، وإما أن يكون أريد حيث لا وارث له غيرهم. قال: (فصل: من لا عصبة له بنسب وله معتق .. فماله أو الفاضل عن الفروض له، رجلاً كان أو امرأة)؛ لحديث بريرة: (الولاء لمن أعتق) وإنما أعتقتها عائشة، وإنما تأخر الولاء عن النسب؛ لقوته. ويدل له أيضًا: ما روى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الميراث للعصبة، فإن لم تكن عصبة .. فللمولى) وهو مرسل جيد، رواه البيهقي وغيره، ونقل ابن المنذر وغيره فيه الإجماع، وهذا تقدم عند قول المصنف: (والمعتق يحجبه عصبات النسب). فرع: أعتق الحربي عبدًا له بدار الحرب، ثم أسر العبد فاشتراه مسلم وأعتقه .. ففي ولائه ثلاثة أوجه:

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ .. فَلِعَصَبَتِهِ بِنَسَبٍ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ لاَ لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ، وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: للسيد الأول؛ لأن ولاءه قد استقر له. والثاني: للثاني؛ لأن عتقه إياه أقرب إلى الموت. والثالث: أنه بينهما، واختاره في (الإشراف) ولم يرجح الشيخان شيئًا، لكن ابن اللبان نسب الثاني إلى الشافعي ومالك، وغلَّط الأول بأن الاسترقاق يبطل ولاء الأول، وعلى ترجيح الثاني جرى تلميذه ابن سراقة، وهو قياس قول الشافعي، والثالث منسوب إلى ابن سريج ومحمد بن نصر المروزي، وسيأتي في أول (باب الولاء) الإشارة إلى هذا الفرع. قال: (فإن لم يكن .. فلعصبته بنسب المتعصبين بأنفسهم لا لبنته وأخته)؛ لأن البنت عصبة بغيرها والأخت عصبة مع غيرها فلا ميراث لهما بالولاء، ولا لغيرهما من النساء اللواتي من أقارب المعتق؛ وبهذا قال الأئمة الثلاثة في المشهور عنهم. وروي عن أحمد: أن بنت المعتق ترث بالولاء، وإليه ذهب شريح وطاووس في الأخت أيضًا، سواء انفردت أو كان معها أخوها؛ فإنها ترث معه كالنسب، وحجتهم حديث رواه الدارقطني والنسائي: (أن مولى لحمزة توفي وترك بنته وبنت حمزة .. فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النص) قال الشيخ: وهو حديث مضطرب لا تقوم به الحجة، قال: والذي رواه النسائي: أنه كان عتيقها، وقال: إنه أصح. ثم المعتبر أقرب عصباته يوم موت العتيق، فلو مات المعتق وخلف ابنين ثم مات أحدهما وخلف ابنًا ثم مات المعتق .. فولاءه لابن المعتق لا لابن ابنه. قال: (وترتيبهم كترتيبهم في النسب) فيقدم الابن ثم ابنه وإن سفل، ثم أبوه ثم جده وإن علا، وقال أحمد: للأب أو الجد السدس والباقي للابن كما في النسب. والجواب: أن الأب والجد إنما أخذا السدس هناك فرضًا لا تعصيبًا، وعصوبة

لَكِنِ الأَظُهَرُ: أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ وَابْنَ أَخِيهِ يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأب ساقطة بالابن، ولا ميراث بالفرضية في الولاء. فإن قيل: إذا اجتمع أبو المعتق ومعتق الأب أيهما يقدم؟ .. فالجواب: لا ولاء لمعتق الأب، لأن المباشرة تقدم على الانجرار، فلا معنى لمقابلة أحدهما بالآخر، وطلب الأولوية إنما هي مغالطة. قال: (لكن الأظهر: أن أخا المعتق وابن أخيه يقدمان على جده) أما الأخ .. فلأن تعصيبه يشبه تعصيب الابن؛ لإدلائه بالبنوة وتعصيب الجد يشبه تعصيب الأب. ولو اجتمع الأب والابن .. قدم الابن، وكان القياس تقديمه عليه في الميراث، لكن قام الإجماع على خلافه، فصرنا إليه في الولاء؛ إذ لا إجماع. والقول الثاني - وبه قال أحمد -: يستويان كالنسب، وصححه البغوي، وعلى هذا: قيل: له الأصلح من المقاسمة وغيرها. والأصح: أنه يقاسمه أبدًا؛ إذ لا يتصور الفرض في باب الولاء، وسواء كان الأخ شقيقًا أو لأب؛ فإنه يقدم على الجد، فلو اجتمعا معه .. فقيل: تعد عليه الإخوة للأب، والأصح: لا، بل يقسم مع الشقيق فقط، وقدم أبو حنيفة الجد على الأخ مطلقًا. وأما ابن الأخ .. فلقوة النبوة، كما يقدم ابن الابن وإن سفل على الأب. والثاني: يستوي مع الجد، وحكى في (الحاوي) بدل هذا القول: أن الجد أولى؛ لقرب درجته، واختاره ابن المنذر كالميراث، فاجتمع ثلاثة أقوال في كل من الصورتين. تنبيه: اقتصر المصنف على استثناء الصورتين، وزاد في (الروضة) ثالثة وهي: إذا كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ لأم .. فالأظهر تقديمه على ابن العم الذي ليس بأخ، بخلاف النسب؛ فإنهما سواء بعد إخراج الفرض على المنصوص. ونص في (البويطي) على أن ابن العم الذي هو ابن الجد يقدم على الجد الذي هو

فصل

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةً .. فَلِمِّعْتِقِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذلِكَ. وَلاَ تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلاَءٍ إِلاَّ مُعْتَقَهَا أَوْ مُنْتَمِيًا إِلَياهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلاَءٍ. فَصْلٌ: اجْتَمَعَ جَدٌ وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لأَبَوَيْنٍ أَوْ لأَبٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابنه في باب الولاء، بخلاف النسب، فعلى هذا: تكون رابعة. قال: (فإن لم يكن له عصبة .. فلمعتق المعتق ثم عصبته كذلك) على النسق المذكور في عصبات المعتق، ثم لمعتق معتق المعتق وهكذا أبدًا، فإن فقدوا .. فمعتق الأب ثم عصبته ثم معتقه وهكذا، ثم لمعتق الجد ثم عصبته وهكذا. قال: (ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها) هو بفتح التاء؛ أي: من أعتقته؛ لعموم: (إنما الولاء لمن أعتق)، ولأنها المنعمة عليه دون غيرها. قال: (أو منتميًا إليه بنسب أو ولاء) كما لو كان المعتق رجلاً. تتمة: صورة انجرار الولاء: أن يتزوج عبدها بمعتقة رجل فتأتي منه بولد .. فولاؤه لموالي أمه، ثم تعتق المرأة عبدها فينجر ولاء الوالد إليها كما سيأتي في آخر (كتاب العتق). قال: (فصل: اجتمع جد وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب) هذا باب الجد والإخوة وهو مشكل، استعظم الكلام فيه الصحابة فمن بعدهم؛ لأنه ليس منصوصًا في الكتاب، وله اسم خاص ينفرد به عن الأب. وروى الدارقطني: (أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار) والصحيح: أنه من كلام عمر رضي الله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن علي: (من سره أن يقتحم جراثيم جهنم .. فليقض بين الجد والإخوة). وعن ابن مسعود رضي الله عنه: (سلونا عن عصباتكم ودعونا من الجد لا حياه ولا بياه). قال الرافعي: وأجمع الصحابة على أن الأخ لا يسقط الجد ولم ينقصه أحد من السدس، وإذا اجتمع الإخوة والأخوات مع الجد .. لم يسقطوا به، وبهذا قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة والمزني: يسقطون به كما يسقطون بالأب، واختاره نصر المروزي وابن سريج وابن اللبان وأبو منصور البغدادي، وهو مذهب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رواه البخاري عنه. ووجه ظاهر المذهب: ما رواه البيهقي عن علي: أنه شبه الجد بالبحر أو النهر الكبير، والأب بالخليج المأخوذ منه، والميت وأخوه كالساقيتين الممتدتين من الخليج، والساقية إلى الساقية أقرب منها إلى البحر، ألا ترى أنه إذا سدت إحداهما .. أخذت الأخرى ماءها ولم يرجع إلى البحر. وعن زيد بن ثابت: تشبيه الجد بساق الشجرة وأصلها، والأب كغصن منها، والأخوان كغصنين تفرقا من ذلك الغصن، وأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة، ألا ترى أنه إذا قطع أحدهما .. امتص الآخر ما كان يمتصه المقطوع ولم يرجع إلى الساق. وأول من تكلم فيه أبو بكر، وكان فيه على تأمل، واختلف فيه قول عمر اختلافًا كثيرًا، فله نحو مئة قضية متباينة، وتأول ابن حزم اختلاف قضاء عمر على أنه يرجع

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ .. فَلَهُ الأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَمُقَاسَمَتِهِمْ كَأَخٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من قول إلى قول، ثم إلى القول الأول ثم يعود إلى الثاني مرارًا، فهي كلها قضايا مختلفة وإن لم تكن سوى قولين. وروى البيهقي عن الشعبي: أن أول جد ورث في الإسلام عمر، مات ابن لبلال بن عمر، فأراد عمر أن يأخذ المال دون إخوته، فقال له علي وزيد: ليس لك ذلك، فقال: لولا أن رأيكما اجتمع .. لم أر أن يكون ابني ولا أكون أباه. وعن زيد بن ثابت: أن عمر استأذن عليه يومًا فأذن له ورأسه في يد جارية ترجله، فنزع رأسه فقال له عمر: دعها ترجلك، فقال: يا أمير المؤمنين؛ لو أرسلت إليَّ .. جئتك، فقال: إنما الحاجة لي، إني جئتك في أمر الجد، فلم يوافقه زيد مذهبه على رأيه، فخرج مغضبًا، ثم أتاه مرة أخرى، فكتب له زيد مذهبه في قطعة قتب، فخرج عمر إلى الناس فخطبهم وقرأ قطعة القتب عليهم ثم قال: (إن زيدًا قد قال في الجد قولاً وقد أمضيته). وروى البيهقي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يعطي الجد مع الإخوة الثلث كما فعل عمر، ثم تحول عن ذلك وأعطاه السدس، فقال عبيدة السلماني: رأيهما في الجماعة أحب إلي من رأي أحدهما في الفرقة كما قال في بيع أم الولد. وإنما قال المصنف: (جد وإخوة) ولم يقل مع إخوة؛ لأن الحريري قال في (الدرة): لا يقال: اجتمع فلان مع فلان، إنما يقال: فلان وفلان، لكن الجوهري استعمل فلان مع فلان. و (الإخوة) بكسر الهمزة وضمها، قاله ابن السكيت. واحترزبـ (الإخوة لأبوين أو لأب) عن إخوة الأم؛ فلا يرثون معه إجماعًا. قال: (فإن لم يكن معهم ذو فرض .. فله الأكثر من ثلث المال ومقاسمتهم كأخ). وجه المقاسمة: أنه في رتبة الإخوة، ووجه الثلث: أن الجد والأم إذا اجتمعنا ..

فَإِنْ أَخَذَ الثُلَّثَ .. فالْبَاقِي لَهُمْ. وَإِنْ كَانَ .. فَلهُ الأَكثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ وَثُلُثِ الْبَاقِي وَالْمُقَاسَمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذ الجد مثلي ما أخذته الأم؛ لأنها لا تأخذ إلا الثلث، والإخوة لا ينقصون الأم من السدس فوجب أن لا ينقصوا الجد عن ضعف السدس. وإنما أعطيناه أكثر الأمرين؛ لأن الجد اجتمع فيه جهة الفرض والتعصيب فأعطيناه خيرهما، فإن قاسمهم .. كان كأخ، وفهم من هذا التشبيه: أن له مع الأخوات مثل حظ الأنثيين، فتكون القسمة أكثر إذا كان معه أخ أو أخت أو أختان أو ثلاث أخوات، ويستويان إذا كان معه أخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات، وفيما عدا ذلك الثلث أكثر. قال: (فإن أخذ الثلث .. فالباقي لهم) إن كانوا ذكورًا أو إناثًا .. فبالسوية، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا .. فللذكر مثل حظ الأنثيين. قال: (وإن كان) أي: معه ذو فرض، وهي الحالة الثانية. وأصحاب الفروض الوارثون مع الجد والإخوة ستة: البنت وبنت الابن والأم والجدة والزوج والزوجة، والممكن اجتماعهم منهم أربعة: البنت وبنت الابن وأحد الزوجين وواحدة إما أم وإما جدة. قال: (.. فله الأكثر من سدس التركة وثلث الباقي والمقاسمة) هكذا روي عن زيد. أما السدس .. فنقل الأستاذ أبو منصور الإجماع على أنه لا ينقص عنه. وأما ثلث الباقي .. فلأنه لو لم يكن صاحب فرض لأخذ ثلث جميع المال، فإذا كان قد خرج قدر الفرض مستحقًا .. فيأخذ ثلث الباقي. وأما المقاسمة .. فلما سبق من أنه ينزل معهم منزلة أخ. مثاله: بنتان وجد وثلاثة إخوة .. السدس خير. أم وجد وثلاثة إخوة .. ثلث الباقي خير.

وَقَدْ لاَ يَبْقَى شَيْءٌ - كَبِنْتَيْنِ وأٌمٍّ وَزَوْجٍ - فَيُفْرَضُ لَهُ الْسُدُسْ وَيَزْدَادُ فِي الْعَوْلِ. وَقَدْ يَبْقَى دُونَ سُدُسٍ - كَبِنْتَينِ وَزَوْجٍ - فَيُفْرَضُ لَهُ وَتُعَالُ. وَقَدْ يَبْقَى سُدُسٌ - كَبِنْتَينِ وَأُمٌ - فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدِ. وَتَسْقُطَ الإِخْوَةُ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ. وَلَوْ كَانَ مَعْ الجَدِ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لأَبَوَيْنِ وَلأَبٍ .. فَحُكْمُ الْجَدُ مَا سَبَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقد لا يبقى شيء - كبنتين وأم وزوج - فيفرض له السدس ويزاد في العول)؛ إذ كانت عائلة بنصف سدسها فأعيلت بسدس آخر، فللبنتين الثلثان وللأم السدس وللزوج الربع من اثني عشر وعالت بنصف سدسها إلى ثلاثة عشر فيفرض له السدس، ويزاد في العول إلى خمسة عشر. قال: (وقد يبقى دون سدس - كبنتين وزوج - فيفرض له وتعال) فللبنتين الثلثان وللزوج الربع يبقى نصف سدس فتعول إلى ثلاثة عشر: للبنتين ثمانية وللزوج ثلاثة وللجد سهمان. قال: (وقد يبقى سدس - كبنتين وأم - فيفوز به الجد)؛ لأن أصلها من سنة: للبنتين الثلثان وللأم السدس وللجد السدس. قال: (وتسقط الإخوة) أي: والأخوات (في هذه الأحوال)؛ لاستغراق أهل الفرض المال. فرع: لا فرق بين الجد وأبي الجد في مقاسمة الإخوة، وقال القاضي حسين: إذا اجتمع أبو الجد مع الأخ .. كان له السدس وخمسة الأسداس للأخ؛ لأن الأخ أقرب منه. والمعروف خلاف ما قال، وأنه لا فرق بين الجد وأبيه في مقاسمتهم. قال: (ولو كان مع الجد إخوة وأخوات لأبوين ولأب .. فحكم الجد ما سبق) فيكون له الأكثر من ثلث المال أو المقاسمة إذا لم يكن معهم ذو فرض، وخير الأمور الثلاثة إن كان كما إذا لم يكن معه إلا أحد الصنفين. وقوله: (ولأب) هو بالواو بلا ألف قبله.

وَيُعَدُ َاولاَدُ الأَبَوْيِّن ِعَلَيْهِ أَوْلاَدَ الأَبِ فِي الْقِسْمَةِ. فَإِذَا أَخَذَ حِصَتَهُ: فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلاَدِ الأَبَوَينِ ذَكَرٌ .. فَالبَاقِي لَهُمْ وَيَسْقُطُ أَوْلاَدُ الأَبِ، وَإِلاَ .. فَتَأخُذُ الْوَاحِدَةُ إِلى الْنِصْفِ، والثَنْتَانِ فَصَاعِدَا إِلَى الثُلُثَيْنِ. ولاَ يَفْضِّلُ عَنِ الثُلَّثَيْنِ شَيءٌ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويعد أولاد الأبوين عليه أولاد الأب في القسمة. فإذا أخذ حصته: فإن كان في أولاد الأبوين ذكر .. فالباقي لهم) أي: للذكر مثل حظ الأنثيين، أمثلة ذلك: جد وشقيق وشقيقة وأخت لأب، هي من ستة، وتصح من ثمانية عشر: للجد ستة وللشقيق ثمانية وللشقيقة أربعة، ولو كان بدل الشقيقة شقيقتان .. فهي من سبعة، وتصح من ثمانية وعشرين: للجد أربعة وللشقيق اثنا عشر ولكل شقيقة ستة. جد وشقيقان وأخ لأب من عشرة، وتصح من ثلاثين: للجد ستة ولكل شقيق ثمانية ولكل شقيقة أربعة. قال: (ويسقط أولاد الأب)؛ لأنهم محجوبون بالإخوة الأشقاء. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن في أولاد الأبوين ذكر. قال: (.. فتأخذ الواحدة إلى النصف) أي: إن وجدته. مثاله: جد وشقيقة وأخ لأب، هي من خمسة، وتصح من عشرة: للجد أربعة وللشقيقة خمسة يفضل واحد للأخ من الأب. قال: (والثنتان فصاعدًا إلى الثلثين) مثاله: جد وشقيقتان وأخ لأب من ستة: للجد سهمان والباقي - وهو الثلثان - للشقيقتين. جد وشقيقتان وأخت لأب من خمسة: للجد سهمان والباقي - وهو ثلاثة - للشقيقتين وهو دون الثلثين فلا يزادون عليه، وتصح من عشرة، وهو يدل على أن ذلك بالتعصيب، وإلا .. لزيد وأعيلت، ومثله لو نقص ما بقي للشقيقة عن النصف كجد وزوجة وأم وشقيقة وأخ لأب .. فتقتصر الشقيقة على ما فضل لها ولا تزاد عليه. قال: (ولا يفضل عن الثلثين شيء) بل يجعل للجد السدس والباقي لولد الأب والأم.

وَقَدْ يَفْضُلُ عَنِ النِّصْفِ فَيَكُونُ لأوْلاَدِ الأَبْ. وَالْجَدُّ مَعَ الأَخَوَاتِ كَأَخٍ؛ فَلاَ يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ إِلاَّ فِي الأَكْدَرِيَةِ، وَهِي زَوْجً وَأُمًّ وَجَدًّ وَأُخْتُ لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ؛ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلأُمِّ الْثُلُثُ ولِلْجَدُ السُّدُسُ، وَلِلأُخْتِ النُّصْفُ، فَتَعُولُ ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْجَدُ وَالأُخْتُ نَصِيبَيْهِمَا أَثْلاَثًا، لَهُ الْثُلُثَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقد يفضل عن النصف فيكون لأولاد الأب) كجد وشقيقة وأخ لأب، هي من خمسة، وتصح من عشرة: للجد خمسة يفضل واحد يأخذه الأخ من الأب. قال: (والجد مع الأخوات كأخ؛ فلا يفرض لهن معه) كما لا يفرض لهن مع الأخ، ولا تعال المسألة من أجلهن وإن كان قد يفرض للجد وتعال المسألة بسببه؛ لأنه صاحب فرض بالجدودة. قال: (إلا في الأكدرية، وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف، فتعول ثم يقتسم الجد والأخت نصيبيهما أثلاثًا، له الثلثان) فتبلغ بذلك سبعة وعشرين: للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة. وإنما يفرض للأخت معه في هذه الصورة؛ لأن الجد رجع إلى أصل فرضه، ولا سبيل إلى إسقاط فرضه، فرجعت هي أيضًا إلى فرضها، وإنما قسم بينهما؛ لأنه لا سبيل إلى تفضيلها على الجد في سائر مسائله، ففرض لهما بالرحم وقسم بينهما بالتعصيب رعاية للجانبين. ويمتحن بذلك فيقال: فريضة بين أربعة لأحدهم الثلث وللثاني ثلث الباقي وللثالث ثلث الباقي وللرابع الباقي؛ فإن للزوج تسعة وللأم ستة وللأخت أربعة وللجد الباقي. ولم سميت أكدرية؟ فيه أربعة أوجه: قيل: لأن امرأة من أكدر ماتت وخلفتهم فتنسب إليها. وقيل: لأن عبد الملك بن مروان سأل رجلاً من أكدر عنها. وقيل: لتكدر أصل زيد فيها؛ فإنه لا يفرض للأخوات مع الجد وقد فرض هاهنا،

فصل

فَصْلٌ: لاَ يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يعيل في الجد والإخوة وقد أعال هاهنا. وقيل: لتكدر أقوال الصحابة وكثرة خلافهم فيها، فأبو بكر رضي الله عنه يسقط الأخت، وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما يجعلان للأم السدس والباقي كما ذكرنا فيكون العول إلى ثمانية، وعلي رضي الله عنه يقول كما نقول لكن يقرر نصيب الأخت عليها بعد العول ويصححها من تسعة. تتمة: لو كان فيها بنتان .. فللزوج الربع وللأم السدس وللجد السدس وللبنتين الثلثان وتسقط الأخت، وتعول من اثني عشر إلى خمسة عشر. ولو كان بدل الأخت أختان .. لم تعل المسألة، وكان للزوج النصف وللأم السدس؛ لأن الأختين حجباها من الثلث إليه، يبقى الثلث يستوي فيه سدس الجملة والمقاسمة وهما خير من ثلث الباقي فيعطى الجد السدس والباقي بين الأختين، وكلام القاضي أبي الطيب يقتضي أنه يأخذه بالتعصيب. ولو كان فيها بدل الأخت خنثى مشكل .. فهي من ستة إن كان ذكرًا، ومن سبعة وعشرين إن كان أنثى، فاضرب ثلث إحداهما في الأخرى تبلغ أربعة وخمسين: للزوج ثمانية عشر على أن الخنثى أنثى، وللأم على ذلك اثنا عشر، وللجد تسعة على أن الخنثى ذكر، وخمسة عشر موقوفة، إن تبين أنه ذكر .. فللزوج منها تسعة وللأم ستة، وإن تبين أنه أنثى .. فله منها ثمانية ولها سبعة. قال: (فصل): عقده لموانع الميراث فقال: (لا يتوارث مسلم وكافر)؛ لما روى الشيخان عن أسامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) وانعقد الإجماع على أن الكافر لا يرث المسلم، واختلفوا في توريث المسلم منه، فالخلفاء الأربعة والجمهور منعوا ذلك، وقال معاذ وابن مسعود ومعاوية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسعيد بن المسيب: يرث كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا، وحملوا الحديث على الحربي، وحكم بذلك الخلفاء بعد معاوية إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز، فراجع السنة فمنع التوريث بذلك. ولا فرق بين الولاء والنسب على المنصوص في (الأم) وغيرها. وعن أحمد: أنه يرث بالولاء؛ لما روى النسائي وصححه الحاكم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته). والجواب: أن معناه: أن ما بيده لسيده كما في الحياة لا الإرث الحقيقي من العتيق، وأما نقله القاضي عبد الوهاب عن الشافعي أن المسلم يرث عتيقه الكافر .. فلا يعرف للشافعي رضي الله عنه أصلاً. ومن كفر أهل البدع .. لم يورث منهم أقاربهم المسلمين كما اتفق لأبي عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي الزاهد أنه ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئًا؛ لأن أباه كان يقول بالقدر، فرأى من الورع أن لا يأخذ ميراثه، وقال: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ومات وهو محتاج إلى درهم، وحكي عنه: أنه كان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة .. تحرك من إصبعه عرق فيمتنع من أكله بذلك. والاعتبار باختلافه حالة الموت، فلو أسلم قبل القسمة .. لم يتغير الحكم من إرث وحرمان. نعم؛ يستثنى ما لو مات كافر عن زوجة حامل ووقفنا الميراث للحمل فأسلمت ثم ولدت .. ورث الولد مع حكمنا بإسلامه؛ لأنه كان محكومًا بكفره يوم مات أبوه، وهذا معنى قول بعض الفقهاء: إن لنا جمادًا يرث وهو النطفة، وكان الشيخ يستحسن

وَلاَ يَرِثُ مُرْتَدٌّ وَلاَ يُورَثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الكلام، وفيه نظر من جهة أن الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانًا ولا خرج من حيوان. قال: (ولا يرث مرتد) لا من مسلم ولا من كافر ولا من مرتد؛ إذ لا يمكن توريثه من مثله لأنه غير مبقىّ، ولا من مسلم؛ للخبر، ولا من كافر أصلي؛ للمنافاة بينهما، وهذا لا خلاف فيه. تنبيه: الرافعي والمصنف وغيرهما أطلقوا المسألة، وقيدها في (المطلب) بما إذا دام على الردة إلى الموت، فلو أسلم والمورث مسلم .. بان إرثه؛ لأنا وإن أزلنا ملكه .. فأقل أحواله: أنه كالحمل إذا كان عند الموت نطفة وانفصل حيًا. اهـ واستبعده الشيخ وقال: كيف نورثه من مسلم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم) والمرتد كافر؟ بل صرح أبو منصور البغدادي بأنه لا يرثه بالإجماع، وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه، وقد أعاد ابن الرفعة الكلام على المسألة في إرث المكاتب، وسيأتي الرد عليه فيها. والزنديق الذي لا يتدين بدين حكمه حكم المرتد في الميراث. قال: (ولا يورث) بل يكون ماله فيئًا لبيت المال. ووقع في عبارة الشافعي رضي الله عنه: ميراث المرتد لبيت مال المسلمين، وفي قوله: (ميراث) تجوز. ووقع في (الكافي) للخوارزمي: المرتد لا يرث ولا يورث في الأصح، فأفهم خلافًا وهو منكر، والدليل على أنه لا يورث ما روى ابن ماجة [2608]: (أن رجلاً عرس بامرأة أبيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وغنيمة ماله) وإنما قتله؛ لأنه

وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ استحل حليلة أبيه فارتد، وغنم ماله يدل على أنه لا يورث، وسيأتي في أوائل حد الزنا. وأما ما روي عن علي رضي الله عنه: أنه قتل المستورد العجلي حين تنصر وأعطاه النصارى في جيفته ثلاثين ألفًا فأبى أن يبيعهم إياه وأحرقه من أنه قضى بميراثه لأهله .. فهذه الزيادة لم تصح عنه. وروى الشافعي: أن معاوية كتب إلى ابن عباس وزيد بن ثابت يسألهما عن ميراث المرتد فقالا: لبيت المال. هذا بالنسبة إلى المال، أما القصاص: فلو قطع يد مسلم فارتد ثم مات بالسراية .. فالنفس هدر، ويجب قصاص الطرف يستوفيه من كان وارثه لولا الردة على الصحيح، وقياس ذلك يأتي في حد القذف. قال: (ويرث الكافر الكافر وإن اختلفت ملتهما) كاليهودي والنصراني والمجوسي وعبدة الأوثان؛ لأن جميع الملل في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضُلَالُ} وقال: {لكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} وجميعهم في النار. وفي قول حكاه القاضي: لا يرث أهل ملة منهم الأخرى، وحكاه الرافعي وجهًا؛ بناء على أن الكفر ملل. ولا فرق بين أن يكونا حربيين أو لا، ولا بين أن يكون الحربيان متفقي الدار أو مختلفيها كالهند والروم، ووقع في (شرح مسلم) نقلاً عن الأصحاب: أنهما إن كانا حربيين في بلدين متحاربين .. لم يتوارثا، وهذا لا يعرف عن أحد من أصحابنا، إنما هو مذهب أبي حنيفة، وقد وقع هذا السهو لصاحب (التعجيز) في شرحه، وتبعه عليه بعض الفرضيين كما نبه عليه الماوردي وغيره. والفرق المختلفة في الدين الواحد من الكفار كاليعقوبية والنسطورية من

لَكِنِ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لاَ تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ النصارى .. يتوارثون عندنا وعند عامة العلماء، وعن الأوزاعي: لا يتوارثون؛ لوقوع العداوة بينهم. ويتصور أن يرث اليهودي من النصراني بالولاء والنكاح، وكذا بالنسب فيما إذا كان أحد الأبوين يهوديًا والآخر نصرانيًا، فإن الولد يخير بينهما بعد البلوغ كما قاله الرافعي قبل نكاح المشرك، حتى لو كان له ولدان اختار أحدهما اليهودية والآخر النصرانية .. جعل التوارث بينهما بحسب ذلك. فرع: إذا ورث الكافر الكافر .. فإنما يرثه على حكم الإسلام، فإذا ترافعوا إلينا .. لا تحكم إلا به، وحيث لا يكون وارث أو فضل شيء عن ذوي الفروض ولا عصبة .. يكون لبيت المال كما نفعل في مواريث المسلمين، ووكيل بيت المال هو المطالب لهم بذلك؛ لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتبَع أَهْوَاءَهُمْ} ولا خلاف عندنا في ذلك. قال: (لكن المشهور: أنه لا توارث بين حربي وذمي)؛ لانقطاع الموالاة بينهما، والتوارث مبني على الموالاة والنصرة، ونقل الفرضيون الإجماع عليه, والثاني: أنهما يتوارثان؛ لشمول الكفر. وأما المعاهد والمستأمن .. فالأصح: أنهما كالذمي؛ لعصمتهما بالعهد والأمان. وعلى هذا: يتوارث الذمي والمستأمن، وضرب الرافعي وغيره للمسألة مثالاً: يهودي مات عن ابن مثله وآخر نصراني وآخر يهودي معاهد وآخر يهودي حربي .. فالمال بينهم سوى الأخير.

وَلاَ يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ - وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُوَرَثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يرث من فيه رق) هذا هو المانع الثاني، فلا يرث الرقيق؛ لأنه لو ورث .. لكان الملك للسيد وهو أجنبي من الميت، وسواء في ذلك القن والمدبر وأم الولد والمكاتب والمبعض. وفي وجه: أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية. ويستثنى من كون الرقيق لا يورث: الكافر الذي له أمان إذا وجبت له جناية في حال حريته وأمانه، ثم نقض الأمان وسبي واسترق وحصلت السراية بالموت في حال رقه؛ فإن قدر الدية لورثته على الأصح، وليس لنا رقيق يورث كله إلا في هذه الصورة. قال: (والجديد: أن من بعضه حر يورث) أي: ما ملكه ببعضه الحر؛ لأنه تام الملك على ما في يده فأشبه الحر. والقديم - وبه قال أبو حنيفة ومالك وصححه الماوردي -: أنه لا يورث عنه كما لا يرث. وقال العراقيون: إن هذا أقيس؛ لأن منع الإرث إذا كان لمعنى مشترك شمل الجانبين، فكما لا يرث .. لا يورث كالمرتد والرقيق الكامل، ونقل هذا الخبري وابن اللبان عن زيد بن ثابت. فإذا قلنا بالجديد .. ترثه زوجته وقريبه أو معتقه كالحر. وفي القدر الموروث وجهان: أصحهما: أنه جميع ما ملكه نصفه الحر. والثاني: أن ما جمعه بنصفه الحر يقسط على مالك الباقي والورثة بقدر ما فيه من الرق والحرية؛ لأن سبب الإرث الموت، والموت حل جميع بدنه، وبدنه ينقسم إلى الرق والحرية، فيقسم ما خلفه كأكسابه. وإذا قلنا القديم .. ففيه وجهان: الأكثرون على أنه لمالك الباقي؛ لأنه نقص منع الإرث فصار كما لو كان كله رقيقًا. والثاني: أنه لبيت المال.

- وَلاَ قَاتِلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: إذا لم يكن للنصف معتق، بل انعقد كذلك كما إذا وطئ الحر مبعضة وأتت بولد وقلنا: إن ولدها ينعقد كذلك، أو ضرب الإمام الرق على بعض شخص وجوزناه، فإذا لم يكن له قريب .. كان لبيت المال، وكذا إذا كان له معتق وعدم. الثاني: لا خلاف أن مال العبد عند من يقول بملكه إذا مات لسيده كما كانت له رقبته، وليس بميراث؛ إذ لو كان ميراثًا .. لاشترط فيه اتفاق الدين، ولا يشترط بلا خلاف. فرع: اتفق الأصحاب على أن المكاتب لا يرث، واستشكل ابن الرفعة عدم إرثه مع استقلاله بقبول الهبة والوصية، قال: لا سيما إذا حصل وفاء النجوم وحصل العتق .. فإنا نتبين أن ما ملكه في حال كتابته قد استقر ملكه عليه فينبغي أن نحكم بإرثه لذلك، ويشهد له أن المرتد إذا مات له قريب ثم أسلم .. يحكم بإرثه له وإن كان حين الموت كافرًا؛ لأنه بان بإسلامه أن ما كان في ملكه حال ردته قد استقر بالإسلام. وأجاب الشيخ بأن استقلاله بقبول الهبة والوصية إنما كان؛ لأنهما اكتساب، وحاجته في أداء النجوم تدعو إليه. وملك الموهوب والموصى له فيه الخلاف، هل هو له أو للسيد؟ ومن يقول بأنه له يفرق بينه وبين الإرث بأن الإرث مبناه على الاستقرار بخلاف ملك المكاتب، وأما استشهاده بمسألة الردة .. فقد تقدم أن الذي قاله فيها مخالف للإجماع. قال: (ولا قاتل) هذا هو المانع الثالث، فلا يرث القاتل سواء كان بمباشرة أو سبب، مضمونًا بقصاص أو دية أو كفارة، أو غير مضمون كوقوعه عن حد أو قصاص، صدر عن مكلف أو غيره، من مختار أو مكره؛ لعموم ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للقاتل من

وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُضْمَنْ .. وَرِثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الميراث شيء) صححه ابن عبد البر في كتاب (الإشراف على ما في الفرائض من الاختلاف) وصححه غيره وتلقاه العلماء بالقبول. وفي (الموطأ) و (مسند أحمد) و (ابن ماجة) عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس لقاتل ميراث) ولأنه استعجل الشيء قبل أوانه فعوقب بحرمانه. وقيل: القاتل خطأ يرث مطلقًا، وقيل: إلا من الدية كمذهب مالك. وقيل: القاتل بالسبب يرث. وقيل: إن لم يكن متهمًا بأن يكون حجامًا أو طبيبًا أو حاكمًا أو أحد الشهود. قال: (وقيل: إن لم يضمن .. ورث) بأن قتله قصاصًا أو حدًا أو دفعًا أو صيالة؛ لأنه قتل بحق فأشبه قتل الإمام له في الحد، واختاره الروياني. ودخل في كلامه من قتله الإمام حدًا بالرجم أو المحاربة، وفيه قولان أرسلهما الرافعي، وصحح في (الروضة) المنع. ومن الأسباب المانعة: تردي الموروث في بئر حفرها عدوانًا، أو عثوره بحجر وضعه في الطريق، وكذا لو كان نائمًا فانقلب على ابنه فقتله، أو وقع عليه من علو فقتله .. لا يرثه على الأصح. وقوله: (يضمن) بضم الياء؛ ليدخل فيه القاتل خطأ، فإن العاقلة تضمنه، قاله في (الدقائق) وهو بناء على أنه يجب عليهم ابتداء، والصحيح خلافه. وقال الرافعي: يمكن أن يرث المقتول من القاتل بأن جرح الوارث مورثه ثم مات قبل موت المجروح بتلك الجراحة، فهذا مقتول ورث قاتله بلا خلاف. وشملت عبارة المصنف الإرث بطريق العموم؛ فإن من مات لا عن وارث خاص .. ينتقل إرثه للمسلمين، ولا يصرف للقاتل منه شيء على الأصح.

وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ مَعَاً، أوْ جُهِلَ أَسْبَقَهُمَا .. لَمْ يَتَوَارَثَا وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو مات متوارثان بغرق أو هدم أو في غربة معًا، أو جهل أسبقهما .. لم يتوارثا ومال كل لباقي ورثته) هذا هو المانع الرابع، وهو استبهام تاريخ الموت، وفي الحقيقة هو مانع من الحكم بالإرث، فجعل مانعًا من الإرث؛ لأنا إنما كلفنا بما نعلم، فإذا مات المتوارثان بهدم أو غربة أو معركة ولم يعلم السابق منهما .. لا توارث بينهما؛ لأن الله تعالى إنما ورث الأحياء من الأموات، وهنا لا تعلم حياة كل عند موت صاحبه فلم يرثه كالجنين إذا خرج ميتًا. وأشار مالك في (الموطأ) إلى إجماع الصحابة فيه فروى عن ربيعة عن غير واحد من الصحابة: أنه لا يتوارث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة إلا من علم أنه مات قبل صاحبه، ورواه الدارمي في (مسنده) عن زيد بن ثابت، وفيه وفي (المستدرك) بإسناد صحيح: أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد ابن عمر ابن الخطاب في يوم فلم يدر أيهما مات قبل الآخر .. فلم ترثه ولم يرثها. وقال أحمد: يرث كل من الآخر تليد ماله دون طريفه. والمراد بالتليد: ما كان له، والطريف: ما ورثه. وقوله: (متوارثان) ليس بحاصر؛ فإنه لو كان أحدهما يرث من الآخر دون عكسه كالعمة وابن أخيها .. فكذلك، والمسألة لها خمسة أحوال: أحدها: أن يعرف ترتب موتهما وعين السابق منهما فيرث المتأخر المتقدم. الثانية: أن لا يعلم هل تلاحق موتهما أو ماتا معًا. الثالثة: أن يعلم ترتبهما لكن لم يعلم السابق. الرابعة: أن يعلم وقوع موتهما معًا، ففي هذه الأحوال الثلاثة لا يرث أحدهما الآخر. الخامسة: أن يعلم من سبق موته ثم ينساه .. فالمذهب: أن الإرث يثبت، ويوقف الميراث حتى يتبين الحال أو يصطلح ورثتاهما، وفيه وجه: أنه لا يرث أحدهما الآخر كما تقدم في الأحوال الثلاثة، واختاره الإمام وجزم به الغزالي، وهذه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحوال تقدم نظيرها في الجمعتين، ويأتي أيضًا في النكاحين من وليين وفي ولاية الإمامين. تنبيهان: أحدهما: قوله: (هدم) يجوز فيه التحريك والسكون، قال ابن الأثير في (النهاية) في قوله صلى الله عليه وسلم: (صاحب الهدم شهيد): الهدم بالتحريك: البناء المهدوم، فعل بمعنى مفعول، وبالسكون: الفعل نفسه، قال: ومنه الحديث: (من هدم بنيان ربه .. فهو ملعون) أي: من قتل النفس المحرمة؛ لأنها بنيان الله وتركيبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الأهدمين، وهو أن ينهار عليه بناء أو يقع في بئر أو أهوية. الثاني: جملة الموانع التي ذكرها المصنف أربعة، وبقي منها الدور الحكمي وهو: أن يلزم من توريثه عدمه كما إذا أقر الأخ بابن لأخيه الميت,, فإنه يثبت النسب ولا إرث، والمصنف ذكرها في آخر (الإقرار). ولو أعتق أمة تخرج من ثلثه فتزوجها ثم مات .. فالأكثرون على صحة النكاح ولا ترث؛ لأن إرثها يؤدي إلى نفيه، فإن اعتقها في المرض وصية لها والوصية لا تصح للوارث، فلو ورثناها .. لبطل عتقها، قال أبو حامد: وليس في مذهب الشافعي حرة مسلمة لا ترث زوجها إلا هذه. ومنها: حرمان المحرم من إرث الصيد خاصة على وجه، والأصح: أنه يرثه ويزول ملكه عنه. ومنها: كون الميت نبيًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) رواه الخلفاء الأربعة وابن عوف وابن أبي وقاص والزبير والعباس والأزواج الطاهرات التسعة: عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وزينب بنت جحش وزينب بنت

وَمَنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ .. تُرِكَ مَالُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيَّنَةٌ بِمَوْتِهِ، أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الْظِّنْ أَنَهُ لاَ يَعِيشُ فَوْقَهَا، فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي وَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحارث وميمونة وسودة وجويرية رضي الله عنهم. وتوهم بعض الناس من قول المتولي: (النبوة صفة مانعة من الإرث) أن الأنبياء لا يرثون، كما لا يورثون، وليس الأمر كذلك، والمسألة ليست مسطورة، ولكن تقسيم الفرضيين الناس إلى من يرث ويورث ولا يرث ولا يورث ويرث ولا يورث وعكسه وذكروا من أمثلة من يرث ولا يورث الأنبياء صريح في ذلك، ولذلك لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يرث بناته اللاتي متن في حياته. فإن قيل: ولم ينقل أنه ورث .. قلنا: الأصل أن الأب يرث إلا أن يقوم دليل على عدمه ولا دليل، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وهل ترك لنا عقيل من رباع). وعد الغزالي من الموانع اللعان؛ فإنه يقطع التوارث، وأما التوأمان المنفيان باللعان .. فالأصح: أنهما يتوارثان بأخوة الأم، وكذا ولد الزنا. وفي (الحاوي) في (باب اللعان) وجه ضعيف: أنهما يتوارثان أيضًا بأخوة الأب، ولم يذكره هنا بل قال: يتوارثان بأخوة الأم بلا خلاف. ولو حبس زوجته ليرثها .. ورثها على المشهور، وحكى ابن كج وغيره قولاً: إنه لا يرثها، نقله عنه الشيخان في (كتاب الخلع). قال: (ومن أسر، أو فقد وانقطع خبره .. ترك ماله حتى تقوم بينة بموته، أو تمضي مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، فيجتهد القاضي ويحكم بموته). لما أنهى الكلام في موانع الإرث .. عقبه الكلام في الأسباب المانعة من الصرف إليه في الحال للشك في استحقاقه، ولذلك عقد في (المحرر) لهذا فصلاً.

ثُمَ يُعْطِي مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة أسباب التوقف أربعة: الشك في الوجود والنسب والحمل والذكورة. الأول: المفقود الذي انقطع خبره وجهل حاله إما في سفر أو حضر، في قتال أو أسر، أو عند انكسار سفينة أو نحوه، والكلام في شيئين: إرثه من غيره وإرث غيره منه، وبدأ بالثاني، فإذا كان له مال .. لم يقسم على ورثته وإن طالت غيبته، بل ينتظر ظهور حاله؛ لأن الأصل الحياة فلا يورث إلا بيقين، أما عند البينة .. فظاهر، وأما مضي المدة مع الحكم .. فلتنزيلها منزلة قيام البينة. وقيل: لا يقسم ماله أبدًا؛ إذ لا يعلم متى يموت، واختاره الأستاذ أبو منصور، وقد نص الشافعي على أن زوجة المفقود لا تزوج إلى أن يعلم حاله حتى يتحقق موته؛ إذ لا مدة معلومة لانتهاء عمره لأن أعمار الناس مختلفة. والصحيح: أن المدة لا تتقدر، وقيل: تتقدر بسبعين سنة، وقيل: بمئة وعشرين؛ لأنه العمر الطبيعي عند الأطباء، حكاه صاحب (البيان) وبه قال أبو حنيفة. وعن أحمد: أنه ينتظر أربع سنين، فإن لم يأت عنه خبر .. تزوجت زوجته وقسم ماله، ولابد من حكم الحاكم على الأظهر في (الشرح الصغير). وقال في (الكبير): ينبغي أن يقال: إن اقتسموا بأنفسهم .. فيجوز أن يأتي خلاف. وعلم من عبارة المصنف وغيره: أن الرجل إذا مات وخلف أولادًا بعضهم حضور وبعضهم أسارى في دار الحرب .. يرثه جميع أولاده الحضور والأسارى. وقال النخعي: الأسارى لا يرثون؛ لأنه لا تصرف لهم فهم كالموتى. وقال شريح: الأسارى أحق فيشترون بنصيبهم ويفكون من الأسر، والإجماع على خلاف قوله. قال: (ثم يعطي ماله من يرثه وقت الحكم) فمن كان وارثه حينئذ .. أعطي له؛ لأن ذلك فائدة الحكم بموته، ووقع في (البسيط): (من يرثه قبيل الحكم)، قال

وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ .. وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالأَسْوَأِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ: ويشبه أن لا يكون خلافًا؛ فإن الحكم ليس بإنشاء وإنما هو إظهار، فيقدر موته قبيله بأدنى زمان. هذا كله إذا أطلق القاضي الحكم، أما إذا مضت مدة زائدة على ما يغلب على الظن انه لا يعيش فوقها، وحكم بموته في تلك المدة السابقة على حكمه بزمن معلوم .. فينبغي أن يصح، ويعطى وارثه إن كان في ذلك الوقت وإن كان سابقًا على الحكم، ويكون ذلك مستثنى من إطلاقه. ومحل ما ذكره من الإعطاء: إذا كان الوارثون حاضرين محصورين، فإن لم ينحصروا .. وقف ماله ولم يدفع الحاكم شيئًا إلا إلى وارث ذي فرض لا يسقط بيقين وهم ثلاثة: الأبوان والزوج أو الزوجة. فإن كان الميت رجلاً .. دفع إلى الزوجة تسع المال وإلى الأب أربعة أتساع ثلث المال وإلى الأم مثل ذلك، وإن كان الميت امرأة .. دفع إلى الزوج خمس تركتها وإلى الأب خمسي ثلثيها وإلى الأم مثل ذلك. وإن كان له ابن حاضر وطلب نصيبه أو بنت .. لم يدفع إليهما شيئًا؛ لأنه لا قدر لما يستحقونه حتى ينفذ إلى البلدان التي وطئها ويسأل عن أولاده فيها، فإذا لم يوجد منازع ولا وارث .. دفع إلى الابن جميع التركة، قاله ابن سراقة. قال: (ولو مات من يرثه المفقود) أي: قبل الحكم بموته (.. وقفنا حصته وعملنا في الحاضرين بالأسوأ)؛ لأن استحقاق الحاضرين معلوم واستحقاقه مشكوك فيه، ولا فرق في ذلك بين الوارث الحائز وغيره، فقول المصنف: (حصته) مراده: نصيبه، فإن كان الجميع .. وقفنا الجميع، وإن كان البعض .. وقفناه وأعطينا الحاضرين المحقق حتى يتبين إن كان عند الموت حيًا أو ميتًا، والذي يسقط بالمفقود لا يعطى شيئًا حتى يتبين حاله، ومن ورث في حياته .. أخذ، ومن نقص به ..

وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلاً يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ .. عُمِلَ بِالأَحوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نقصناه، ومن لا يختلف بهما .. يعطى نصيبه. وقيل: يقدر موته في حق الجميع؛ للشك في استحقاقه. وقيل: تقدر حياته في حق الجميع؛ إذ الأصل الحياة. مثاله على الأصح: زوج مفقود وأختان لأب وعم حاضرون: إن كان حيًا .. فللأختين أربعة من سبعة ولا شيء للعم، وإن كان ميتًا .. فلهما سهمان من ثلاثة والباقي للعم، فتقدر في حقهم حياته. ابن مفقود وبنت وزوج حاضران: للزوج الربع بكل حال. أخ لأب مفقود وشقيق وجد حاضران .. فمع حياته: للأخ الثلثان وللجد الثلث، ومع موته: المال بينهما سواء، فيقدر في حق الجد حيًا وفي حق الأخ ميتًا. قال: (ولو خلف حملاً يرث أو قد يرث .. عمل بالأحوط في حقه وحق غيره). لما كان الحمل مجهول الوجود والصفة .. حصل بسببه التوقف في الحكم بالإرث، فلذلك احتيج إلى بيان إرثه وبيان إرث غيره معه، فإن كان الحمل يرث لا محالة لو كان منفصلاً .. ورثناه، وقد يكون مشكوكًا في إرثه كحمل زوجة الأخ وزوجة العم وزوجة المعتق؛ فإنه إن كان ذكرًا .. ورث في الصور الثلاثة، وإن كان أنثى .. لم ترث، وكذلك لو ماتت عن زوج وأخت لأبوين وحمل من الأب، فإن جاء ذكرًا لم يرث، وإن جاء أنثى .. فلها السدس تكملة الثلثين. ومقصود المصنف: بيان عمل الأحوط إذا كان هناك حمل كما يفعل في المفقود. فائدة: (الحمل) بفتح الحاء: ما في البطن، وبالكسر: ما حمل على ظهر أو رأس، وفي حمل الشجرة وجهان حكاهما ابن دريد وغيره، ووقع السؤال أنه هل يرث وهو جنين أو لا يرث حتى يولد؟ الصواب: الأول، وولادته حيًا شرط لاستقرار ملكه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.

فَإِنْ انْفَصَلَ حَيّاً لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودهُ عِنْدَ الْمَوْتِ .. وَرِثَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ. بَيَانُهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ، أَوْ كَانَ مَنْ قَدْ يَحْجُبُهُ .. وُقِفَ الْمَالُ. وَإِنْ كَانَ مَنْ لاَ يَحْجُبُهُ وَلَهُ مُقَدَّرٌ .. أُعْطِيَهُ عَائِلاً إِنْ أَمْكَنَ عَوْلٌ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ؛ لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلاَتٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن انفصل حيًا لوقت يعلم وجوده عند الموت .. ورث، وإلا .. فلا) هذان شرطان لإرثه: أحدهما: انفصاله حيًا، فإن انفصل ميتًا .. لم يرث بالإجماع. والثاني: تحقق حياته عند تمام الانفصال، فلو خرج بعضه حيًا ومات قبل تمام الانفصال .. فهو كما لو خرج ميتًا، وكذا في سائر الأحكام، حتى لو ضرب بطنها حينئذ فانفصل ميتًا .. فالواجب الغرة على الصحيح، وعن القفال وغيره: يرث. وتعلم الحياة المستقرة بصراخه - وهو الاستهلال - وكذا العطاس والتثاؤب والتقام الثدي. وقال مالك: الاعتبار بالاستهلال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من مولود يولد إلا ينخسه الشيطان فيستهل صارخًا إلا مريم وابنها) رواه البخاري. ولما احتيج إلى بيان عمل الأحوط إذا كان هناك حمل كما يفعل في مسألة المفقود .. شرع المصنف فيه فقال: (بيانه: إن لم يكن وارث سوى الحمل، أو كان من قد يحجبه .. وقف المال، وإن كان من لا يحجبه وله مقدر .. أعطيه عائلاً إن أمكن عول كزوجة حامل وأبوين؛ لها ثمن ولهما سدسان عائلات)؛ لاحتمال أن الحمل بنتان فيدفع إلى الزوجة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف الثلثان عائلان، فإن كانا بنتين .. كان لهما، أو ذكرًا أو ذكورًا وإناثًا .. كمل للزوجة الثمن من غير عول وللأبوين السدسان بغير عول والباقي للأولاد، وهذا بيان الأحوط الذي قدمه أولاً. وقوله: (عائلات) هو بالتاء المثناة من فوق يعني: الثمن والسدسين، وظاهر عبارة المصنف: أنه يمكن المعطى من التصرف فيما أعطيه؛ لأنه يستحقه على كل تقدير وهو الصحيح.

وَإِنْ لِمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كَأَوْلاَدٍ .. لَمْ يُعْطَوْا. وَقِيلَ: أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْطَوْنَ الْيَقِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (باب الوصية): لو كان له ثلاثة عبيد أحدهم حاضر واثنان غائبان، فأوصى بالحاضر لزيد .. لا يجوز للموصى له أن يتصرف في ثلث هذا العبد، وقياسه: التصرف؛ لأنه إن لم يظهرا .. فله هذا المقدار، وإن ظهرا .. فله بكماله. والجواب: أن باب الوصية يمتنع (فيه) على الموصى له التصرف في الثلث إلا إذا كان الوارث له التصرف في الثلثين، وهنا لا تصرف للوارث في الثلثين، لأنه لو لم يظهر العبدان .. لم يكن هذا العبد هو الثلث بل أقل منه. قال: (وإن لم يكن له مقدر كأولاد .. لم يعطوا) أي: في الحال شيئًا بناء على أن الحمل لا يتقدر بعدد وهو الأصح. قال: (وقيل: أكثر الحمل أربعة فيعطون اليقين) هذا الوجه كان الشيخ أبو محمد يقول: إنه المذهب، وقال أبو منصور البغدادي: إنه قياس مذهب الشافعي رضي الله عنه. قال شارح (التعجيز): وعلله الأطباء بأن في الرحم أربعة مواضع تشبه بالنقر والحفر، وهي أفواه يسيل منها دم الطمث إلى الرحم، وبه قال ابن اللبان. فإن قيل: أربعة علماء ولدوا في بطن، من هم؟ فالجواب: هم محمد وعمر وإسماعيل وأخوهم بنو راشد السلمي، والصحيح: أنه لا ينحصر؛ فقد حكى القاضي حسين: أنه وجد خمسة في بطن. وقال الشافعي رضي الله عنه: أخبرني شيخ باليمن: أنه ولد له خمسة أولاد في بطن واحد. وعن ابن المرزبان أنه قال في امرأة بالأنبار: ألقت كيسًا فيه اثنا عشر ولدًا. وحكى في (المطلب) عن محمد بن الهيثم عن زوجة كانت لسلطان بغداد وضعت

وَالْخُنْثى الْمُشْكِلُ إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إِرْثُهُ كَوَلِدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ .. فَذَاكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كيسًا فيه أربعون ولدًا، وأنهم عاشوا وركبوا الخيل وقاتلوا مع أبيهم. فلو خلف ابنًا وزوجة أو أمة حاملاً .. أعطيت الزوجة الثمن ولا شيء للابن على الأول، وله على الثاني الخمس أو خمس الباقي، ويمكن من التصرف فيه على الأصح. قال: (والخنثى المشكل إن لم يختلف إرثه كولد أم ومعتق .. فذاك) أي: فلا إشكال في توريثه. و (الخنثى المشكل): هو الذي له ما للرجال والنساء جميعًا، وجمعه خناثى كحبالى، ولا يكون مشكلاً إلا إذا كان الفرجان تامي الخلقة على الصفة الموجودة في الذكور والإناث، فلو كان له فرج المرأة على الهيئة التامة وله كهيئة الذكر من غير أن يكون له أنثيان أوله أنثيان من غير ذكر .. فهو امرأة وكذلك يكون العكس، كذا قال ابن المسلم في (كتاب الخناثى)، وهو كلام حسن يتقيد به إطلاق الرافعي وغيره. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول. وروى البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يورث من حيث يبول) وعن علي مثله، لكن ضعفه البيهقي بمحمد بن السائب الكلبي. ولما كان الخنثى يحزن بوجوده لم يذكره الله تعالى في القرآن. قالوا: وكانت الخلقة مستمرة ذكرًا أو أنثى إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى، فسئل فارضي العرب ومعمرها عامر بن الظرب العدواني عن ميراثه .. فلم يدر ما يقول فيه، فلما جن عليه الليل .. جعل يتقلب وتذهب به الأفكار، وأنكرت خادمة الحالة التي هو عليها فسألته فقال: سهرت لأمر ما أدري ما أقول فيه، فقالت ما هو؟ فقال: شخص له ذكر وفرج كيف يكون حاله في الميراث؟ فقالت له الأمة: ورثه من حيث

وَإِلَّا .. فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقَّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبيَّنَ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ يبول، فعقلها وأصبح يعرضها عليهم ففرحوا بها، وجاء الإسلام على ذلك، وقضى به علي رضي الله عنه. فإن بال من فرج الرجال .. فرجل، وإن بال من فرج النساء .. فأنثى، وإن بال منهما جميعًا .. فروي المزني عن الشافعي في (مختصره الأصغر): أنه يرث بالذي سبق منه البول، فإن خرج منهما معًا .. صار مشكلًا عند الشافعي وأبي حنيفة. وقال الأوزاعي وأبو سيف ومحمد: يعتبر الأكثر، فمن أيهما خرج أكثر .. ورث، فإن استويا في السبق والكثرة .. فمشكل عند الجمهور. وقال الحسن: تعد أضلاعه، فإن استوت من الجانبين .. فرجل، وإن زادت اليمنى على اليسرى .. فأنثى؛ لأن المرأة تزيد عل الرجل بضلع فللرجل ست عشرة ولها سبع عشرة، فإن لم تمكن معرفة أضلاعه لسمن أو غيره .. صار مشكلًا، وممن تابع الحسن على ذلك عمرو بن عبيد. قال: (وإلا) أي: وإن اختلف إرثه (.. فيعمل باليقين في حقه وحق غيره، ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين) فإن ورث على أحد التقديرين دون الآخر .. لم يدفع إليه شيء، وكذا من يرث معه على التقديرين ويرث على أحدهما أقل .. دفع إليه الأقل ووقف الباقي، فإن مات مشكلًا .. فالمذهب: أنه لابد من الاصطلاح عليه. وحكى أبو ثور عن الشافعي: أنه يرد إلى ورثة الميت الأول، فلو قال في أثناء الحال: أنا رجل وأنا امرأة .. قطع .. الإمام بالقبول بيمينه، ولا نظر إلى التهمة، وحكي عن نصه هنا، ونص فيما إذا جنى عليه على تصديق الجاني، فمنهم من نقل وخرج، ومنهم من أقرهما وفرق بأن الأصل براءة ذمة الجاني. وذكر في (المحرر) أمثلة فقال: ولد خنثى وأخ: يصرف إلى الولد النصف ويوقف الباقي، فإن بان أنثى .. أخذه الأخ، أو ذكرًا .. أخذه.

وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبِ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوِ ابْنُ عَمٍّ .. وَرِثَ بِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولدان خنثى وبنت عم: للولدين الثلثان بالسوية ويوقف الباقي بين الخنثى والعم، فإن بان أنثى .. أخذه العم، أو ذكرًا .. أخذه. زوج وأب وولد خنثى: للزوج الربع وللأب السدس وللولد النصف ويوقف الباقي، فإن بان أنثى .. أخذه الأب، أو ذكرًا .. أخذه. وطريق تصحيح مسائل الخنثى على جميع الحالات: إن كان الخنثى واحدًا .. فله حالان: إما ذكر وإما أنثى، وإن كانا خنثيين .. فثلاثة أحوال، لأنهما إما ذكران أو أنثيان أو ذكر وأنثى، ولثلاثة خناثى أربعة أحوال، ولأربعة خمسة، وعلى هذا القياس. وإذا ضبطت أصل كل واحد .. فخذ اثنين منهما فأنظر: أهما متماثلان أم متداخلان أم متوافقان أم متباينان؟ واعمل فيهما عملك عند الانكسار على فريقين، ثم قابل الحاصل معك بأصل ثالث، وهكذا تفعل حتى تأتي على آخرها. ثم إن لم يكن في المسألة صاحب فرض .. صحت مما عندك، فإن كان .. ضربته في مخرج الفرض ثم قسمت، ولا تخفى الأمثلة، ثم إن الخنثى لا يكون أبًا ولا أمًا ولا جدًا ولا جدة ولا زوجًا ولا زوجة. أما السبب الرابع من أسباب التوقف .. فالنسب، فإذا أشكل نسب المولود بأن وطئ اثنان امرأة بشبهة حرة أو أمة، أو الأمة المشتركة بينهما فأتت بولد يمكن أن يكون من كل منهما، أو تداعى اثنان فصاعدًا مجهول النسب صغيرًا أو مجنونًا ومات في زمن الإشكال قبل أن يلحق بأحدهما .. توقفنا في ميراث كل منهما منه، وصرفنا لأمة نصيبها إن كانت حرة، ونصيب الأب يوقف إلى تبين الحال، وقد أشار المصنف إلى ذلك في آخر (الإقرار). قال: (ومن اجتمع فيها جهتا فرض وتعصيب كزوج هو معتق أو ابن عم .. ورث بهما) فيأخذ النصف بالزوجية والباقي بكونه ابن عم أو كونه معتقًا وهذا لا خلاف فيه؛ لأنه وارث بسببين مختلفين، ومثله: زوجة معتقة، ترث الربع أو الثمن الذي هو فرضها بالزوجية والباقي بالولاء، وكذلك ابن عم هو أخ لأم، يأخذ السدس فرضًا

قُلْتُ: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوِ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ .. وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ، وَقِيلَ: بِهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ والباقي تعصيبًا، وإنما لم يذكره المصنف؛ لأنه إنما يتصور فيما إذا لم يكن فيه الورثة من يسقط إخوة الأم، فإن كان كما إذا خلفت المرأة بنتًا وابني عم أحدهما أخ لأم .. فالأصح: أن للبنت النصف والباقي بينهما ببنوة العم وتسقط أخوة الأم، وهذا إن دخل في قوله: (جهتا فرض)، لكنه يخرج بقوله: (ورث بهما)؛ لأنه لا فرض في هذه الحالة. فإذا قيل: خمسة عشر ذكرًا ورثوا مالًا بالنسب، خمسة منهم أخذوا نصفه وخمسة ثلثه وخمسة سدسه .. فالجواب: أن الأولين أولاد عم وهم إخوة لأم، والخمسة الثانية أولاد عم فقط، والبقية إخوة لأم. قال: (قلت: فلو وجد في نكاح المجوس أو الشبهة بنت هي أخت) أي: لأب، وصورتها: أن يطأ بنته فيولدها بنتًا ثم يموت عنهما .. فهما بنتان لهما الثلثان، فإذا ماتت الكبرى بعد ذلك والصغرى باقية .. فهي بنتها وأختها لأبيها، وهذا لا يتصور إلا إذا كان الميت أنثى؛ لأن الأخوات من الأب والأم أو للأب مع البنات عصبة، ولا يجوز أن يكون المراد: أختًا لأم؛ إذ لا يجمع بينهما بلا خلاف. قال: (.. ورثت بالبنوة) أي: بالاتفاق فتأخذ النصف بها، وتسقط الأخوة والباقي للعاصب إن كان، وإلا .. فلبيت المال؛ لأنهما قرابتان يورث بكل منهما عند الانفراد فورث بأقواهما، ولم يورث بهما كالأخت للأب، والأم لا ترث بالقرابتين معًا، أي: لا ترث النصف بأختية الأب والسدس بأختية الأم بالإجماع. قال: (وقيل: بهما والله أعلم) النصف بالبنوة الباقي بالأخوة، وبه قال أبو حنيفة، وخرجه ابن سريج؛ لأنهما سببان يورث بكل منهما عند الانفراد، فإذا اجتمعا .. لم يسقط أحدهما بالآخر كابن عم هو أخ لأم، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، وصححه ابن أبي عصرون والجرجاني. وهذا إذا ماتت الكبرى أولًا، فلو ماتت الصغرى أولًا .. فالكبرى أمها وأختها لأبيها، فلها الثلث الأمومة وتسقط الأخوة قطعًا، ولم يخرج ابن سريج هنا الإرث بهما.

وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ .. فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق: أن الأخت ثم أخذت بالعصوبة، وهنا لو أخذت .. جمعت بين فرضين وهو ممتنع، لكن في اجتماع الفرض والتعصب في الصورة المستثناة إشكال؛ فإن الأخت للأب أنما تكون عصبة إذا كان معها بنت، وهنا ليس كذلك، إنما هي نفس البنت، وفي جعلها معصبة لنفسها نظر أشار إليه القفال كما نقله عنه القاضي في (أسرار الفقه). قال: (ولو اشترك اثنان في جهة عصوبة وزاد أحدهما بقرابة أخرى كابني عم أحدهما أخ لأم .. فله السدس والباقي بينهما) أي: بالعصوبة؛ لما تقدم. وصورة المسألة: أن يتعاقب أخوان على امرأة فتلد لكل منهم أبنًا لأحدهما ابن من امرأة أخرى، فابناه ابنا عم الآخر أحدهما أخوه لأمه، ومثله في الحكم ابنا عم أبيه وأحدهما أخ لأم، أو ابنا عم أحدهما زوج. وما ذكره هو المذهب المنصوص، وفيه قول مخرج: إنه يأخذ جميع المال كما هو الراجح في الولاء، والفرق: أن الأخ للأم يرث في النسب فأعطي فرضه والباقي بينهما، وفي الولاء لا إرث له بالفرضية فرجح بهما. فروع: الأول: خلفت المرأة ابني عم أحدهما أخ لأم والآخر زوج .. فعلى الصحيح: للزوج النصف وللآخر السدس والباقي بينهما بالسوية، ولو خلفت ثلاثة بني أعمام أحدهما زوج والثاني أخ لأم .. فعلى الصحيح: للزوج النصف وللأخ السدس والباقي بين الثلاثة بالسوية، وإذا رجحنا الأخ للام .. فللزوج النصف والباقي له. الثاني: ابن عم لأب وأم وابن عم لأب هو أخ لأم .. على المشهور: للأخ السدس والباقي لابن العم الشقيق، وعلى المخرج: المال لابن العم للأب الذي هو أخ لأم. الثالث: ابنا عم أحدهما أخ لأم وأخوان لأم أحدهما ابن عم .. تصح من تسعة

فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ .. فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الأَخُ. وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ .. وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطُ. وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، أَوْ لاَ تُحْجَبَ، أَوْ تَكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا: فَالأَوَّلُ: كِبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ؛ بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌ، أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتِلدُ بِنْتًا ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ أسهم: لان العم الذي ليس بأخ سهمان، وللأخ الذي ليس بابن عم سهم، ولابني العم اللذين هما أخوان لأم ستة لكل واحد ثلاثة أسهم، سهمان بالتعصيب وسهم بالفرض. قال: (فلو كان معهما بنت .. فلها النصف والباقي بينهما سواء) أي: بالسوية؛ لأن أخوة الأم سقطت بالبنت. قال: (وقيل: يختص به الأخ)؛ لأن البنت منعت من الأخذ بقرابة الأم، وإذا لم تأخذ بها .. رجحت عصوبته كالأخ لأبوين مع الأخ لأب. قال: (ومن اجتمع فيه جهتا فرض .. ورث بأقواهما فقط) وبه قال مالك، وحكي عن زيد بن ثابت وابن عباس؛ لأنهما قرابتان يورث بكل منهما فرض عند الانفراد، فإذا اجتمعا .. لم يورث بهما الفرضان كالأخت لأب وأم لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بأخوة الأم. وقال أبو حنيفة وأحمد: يرث بهما جميعًا، وبه قال من أصحابنا ابن سريج وابن اللبان. وعلى المذهب: الفرق بين هذه وبين من اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب حيث يرث بهما: أن الجمع بين الفرض والتعصيب له شاهد بالاعتبار من جهة الشرع وهو الأب والجد مع البنت، وأما الجمع بين فرضين فلم يشهد له بالاعتبار شيء. قال: (والقوة بأن تحجب إحداهما الأخرى، أو لا تحجب، أو تكون أقل حجبًا: فالأول: كبنت هي أخت لأم؛ بأن يطأ مجوسي، أو مسلم بشبهة أمه فتلد بنتًا) فهذه ترث بالبنوة ولا ترث بالأخوة، وهذا محل إجماع؛ لأن الأخت لأم لا ترث مع البنت، ولو كانت أم هي جدة .. فهي من أمثلة المسألة، فترث بالأمومة وتسقط بالجدودة.

فصل

وَالثَّانِي: كأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ، بِأَنْ يَطَأَ بِنْتَهُ فَتَلِدُ بِنْتًا. وَالثَّالِثُ: كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ؛ بِأَنْ يَطَأَ هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدُ وَلَدًا .. فَالأُولَى أُمُّهِ وَأُخْتُهُ. فَصْلٌ: إِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ .. قُسِّمَ الْمَالُ بِالسَّوِيَّةِ إِنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والثاني: كأم هي أخت لأب؛ بأن يطأ بنته فتلد بنتًا) فترث بالأمومة التي لا تحجب حجب حرمان، ولا ترث بالأخوة؛ لأنها تحجب في بعض الأحوال فهي أضعف. ومثله: بنت هي بنت ابن بأن تتزوج امرأة بابنها فيولدها .. فهو ابنها وابن ابنها وهي أمه وجدته، فإن مات .. ورثته بالأمومة، وإن ماتت .. ورثها بالبنوة. قال: (والثالث: كأم أم هي أخت؛ بأن يطأ هذه البنت الثانية فتلد ولدًا .. فالأولى أم أمه وأخته) فترث؛ لكونها أم أم وهي الجدة، ولا ترث بالأخوة؛ لأن حجب الجدة أقل من حجب الأخت، ولا شك أن من قل حجبه أقوى ومن كثر حجبه أضعف، والصورة الأولى لا خلاف فيها، وإنما الخلاف في الصورتين الأخيرتين بيننا وبين أبي حنيفة وأحمد. تتمة: سكت المصنف عما لو اجتمع في شخص عصوبتان؛ لعدم إفادة ذلك، إذ إحداهما تغني عن الأخرى كأخ هو معتق؛ لأن إرثه بذلك لا يختلف. قال: (فصل: إن كانت الورثة عصبات .. قسم المال بالسوية إن تمحضوا ذكورًا أو إناثًا) هذا (باب قسمة التركات)، فأما تمحضهم ذكورًا .. فكالبنين والإخوة والأعمام، وأما تمحضهم إناثًا .. فكالمعتقات المتساويات، فإن تفاوتن أو تفاوت المعتقون .. ورثوا على مقادير أنصبائهم في المعتق، واقتسموا ماله أو ما بقى على سهام العتق.

وَإِنِ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ .. قُدِّرَ كُلُ ذَكَرٍ أُنْثَيَيْنِ، وَعَدَدُ رُؤُسِ الْمَقْسُوم عَلَيْهِمْ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ أَوْ ذَوَا فَرْضَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ .. فَالمَسْأَلَةُ مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الكْسْرِ؛ فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ، وَالثُلُثِ ثَلَاثَةٌ، وَالرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ، والسُّدُسِ سِتَّةٌ، وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن اجتمع الصنفان .. قدر كل ذكر أنثيين)؛ حذرًا من الكسر، وأعطينا كل ذكر سهمين وكل أنثى سهمًا؛ لقوله تعالى {للذكر مثل حظ الأنثيين}. ولا تقدر الأنثى بنصف نصيب الذكر؛ لئلا ينطق بالكسر، واتفقوا على عدم النطق به. قال: (وعدد رؤوس المقسوم عليهم أصل المسألة) هذا من تقديم الخبر على المبتدأ. التقدير: أصل المسألة: هو العدد الذي تخرج منه سهامهما، فهي من عدد رؤوس العصبة الذكور أو الإناث في الولاء على ما تقدم، فإن كانوا ذكورًا وإناثًا في النسب .. فأضعف عدد الذكور وأضف إليه عدد الإناث كابن وبنتين فهي من أربعة، وابنين وبنتين من ستة، هذا في غير الولاء، أما الولاء .. فعدد رؤؤس المعتقين أصل المسألة ذكورًا كانوا أو إناثًا مفرقين أو مجتمعين. قال: (وإن كان فيهم ذو فرض أو ذوا فرضين متماثلين .. فالمسألة من مخرج ذلك الكسر) مثال الأول: زوج وأخ .. المسألة من اثنين، ومثال الثاني: زوج وأخت .. للزوج النصف وللأخت النصف، فهي أيضًا من اثنين. والمخرج: أقل عدد يصح منه الكسر، وهو مفعل بمعنى المكان، فكأنه الموضع الذي تخرج منه سهام المسألة صحيحة وهو أصل المسألة. و (الكسر) في الأصل: مصدر، وأطلق على المكسور وهو المراد ههنا. قال: (فمخرج النصف اثنان، والثلث ثلاثة، والربع أربعة، والسدس ستة، والثمن ثمانية)؛ لأن أقل ما له نصف اثنان، وأقل ما له ثلث ثلاثة، وأقل ما له ربع أربعة وهكذا، وكلها مشتقة من أسماء الأعداد لفظا ومعنى إلا النصف. وسكوته عن الثلثين يقتضي أنه ليس جزءًا برأسه، إنما هو تضعيف الثلث،

وَإِنْ كَانَ فَرْضَانِ مُخْتَلِفَا الْمَخْرَجِ: فَإِنْ تَدَاخَلَ مَخْرَجَاهُمَا .. فَأَصْلُ الْمَسْأَلِة أَكْثَرُهُمَا كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ، وَإِنْ تَوَافَقَا .. ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ وَالْحَاصِلُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ كَثُمُنٍ وَسُدُس فَالأَصْلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ تَبَايَنَا .. ضُرِبَ كُلٌّ فِي كُلٍّ وَالْحَاصِلُ الأَصْلُ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ، الأَصْلُ اثْنَا عَشَرَ. فَالأُصُولُ سَبْعَةٌ: اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومخرج المضاف ما تولد من ضرب مخارج مفرداتها بعضها في بعض، ومخرج المكرر مخرج المفرد منها، ومخرج المركبة ما يكون من ضرب مخرج الأول في مخرج الثاني إن تباينا، أو في وفقه إن توافقا، ثم المبلغ في مخرج الكسر الثالث إن باينه أو في وفقه إن وافقه، ويقتصر في المداخلة على مخرج الأكثر والمماثلة على مخرج أحدهما، ثم إن التركة كلها جعلت كالشيء الواحد. قال: (وإن كان فرضان مختلفا المخرج: فإن تداخل مخرجاهما .. فأصل المسألة أكثرهما كسدس وثلث) كما إذا خلف أمًا وأخًا لأم وعمًا .. فللأم الثلث وللأخ السدس والباقي للعم، فالثلث من ثلاثة وهي داخلة في الستة، فأصل المسألة من أكثر العددين. والمتداخلان: كل عددين مختلفين أقلهما جزء من الأكثر لا يزيد على نصفه كالثلاثة من التسعة ومن الستة، والأربعة من العشرة ومن الثمانية، سمي بذلك؛ لدخول أحدهما في الآخر، وليس ذلك مرادًا. قال: (وإن توافقا .. ضرب وفق أحدهما في الآخر والحاصل أصل المسألة كثمن وسدس، فالأصل أربعة وعشرون) كما إذا خلف أمًا وزوجة وابنًا .. فالسدس والثمن متوافقان بالأنصاف، فاضرب نصف أحدهما في الآخر تبلغ أربعة وعشرين. قال: (وإن تباينا .. ضرب كل في كل والحاصل الأصل كثلث وربع، الأصل اثنا عشر) كأن خلف وزوجة وأمًا وأخًا والثلث والربع متباينان، فاضرب مجموع أحدهما في الآخر تبلغ اثني عشر. قال: (فالأصول سبعة: اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون)؛ لأن الفروض المذكورة في القرآن لا يخرج حسابها إلا من هذه السبعة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالاثنان لا تكون عند اختلاف الفرض بل عند فرض واحد وهو النصف وما بقى، أو فرضين متحدين كنصف ونصف، والثلاثة كثلث وما بقى أو ثلث وثلثين، والأربعة كربع وما بقى وربع ونصف وما بقى، والستة كسدس وما بقى أو سدس ونصف وثلث، والثمانية كثمن وما بقى أو ثمن ونص وسدس وما بقى، والاثنا عشر والأربعة وعشرون تقدم مثالهما في التباين كثلث وربع، والتوافق كسدس وثمن. وما اقتصر عليه المصنف هو الذي عليه قدماء الأصحاب، وزاد المتأخرون في مسائل الجد والإخوة أصلين آخرين: ثمانية عشر كجد وأم وإخوة، وستة وثلاثين كجد وأم وزوجة وإخوة. أصل الأولى من ستة فاحتجنا إلى ثلث ما بقى فضربناها في ثلاثة. وأصل الثانية من اثني عشر ضربت في ثلاثة لما قلناه، ورد بأنه يلزمكم في زوج وأبوين أن يكون من ستة؛ للاحتياج إلى ثلث ما يبقى بعد فرض الزوج وهي من اثنين اتفاقًا. واستصوب أبو منصور والإمام والمتولي طريقة المتأخرين، وقال في (الروضة): إنه المختار، وكذلك قال ابن الصلاح. وأجاب الشيخ بأن ثلث ما يبقى في زوج وأبوين فرض أصلي للأم، وهو في الجد ليس أصليًا، بل جعل حتى لا ينقص وهو عصبة فلا يدخل في أصل المسألة مع الفروض. فائدة: قال أبو عبد الله الفرضي الغمري: (قيل لعلي رضي الله عنه: أخبرنا عن عدد يجمع جميع الكسور، فقال: اضرب أيام جمعتك في أيام شهرك في شهور سنتك يخرج لك ذلك) اهـ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى ذلك: أن سبعة في ثلاثين مئتان وعشرة في اثني عشر تصير ألفين وخمس مئة وعشرين، وهذه الجملة تصح فيها جميع الأعداد، وكذلك يخرج من قولك: اضرب أيام جمعتك في أيام سنتك سبعة في ثلاث مئة وستين وهي ألفان وخمس مئة وعشرون. ومن لطيف هذا العدد: أن الأجزاء التي في كل جزء منها عين، وهي الأربعة والسبعة والتسعة والعشرة إذا ضرب بعضها في بعض حصل منها ذلك العدد: فأربعة في عشرة أربعون، وهي في سبعة مئتان وثمانون، وهي في تسعة ألفان وخمس مئة وعشرون فيصح أن يقال: اضرب أيام جمعتك في أيام سنتك، وأن يقال: اضرب أيام جمعتك في أيام شهرك في شهر سنتك، وأن يقال: اضرب الأعداد التي فيها العين وهي أربعة بعضها في بعض .. يبلغ المجموع ألفين وخمس مئة وعشرين. قال: والذي يعول منها ثلاثة وهي: ستة واثنا عشر وأربعة وعشرون، والأربعة الباقية لا تعول. والعول: عبارة عن أن يكون في المسألة أصحاب فروض لا يمكن إسقاط بعضهم وتضيق الفروض عنهم، فتعال حتى يدخل النقص جملة واحدة على الجميع كأصحاب الديون والوصايا إذا ضاق المال عن قدر حقوقهم، ولا يتصور في مسائل العول وجود عصبة. وأول من حكم بالعول عمر رضي الله عنه، وأول من ابتدأ به قبله العباس، وقيل: زيد وهو الظاهر، وقيل: علي. وأول ما أعيل في الإسلام زوج وأختان، وقيل: زوج وأم وأخت شقيقة وصححه الشيخ؛ لأنه يوافق قول ابن عباس في المشهور عنه نصفًا ونصفًا وثلثًا، ورواية: نصفًا وثلثين غريبة عنه وهي تناسب الأول. وقد أورد علي ابن عباس: زوج وأم وأخوان لأم، وتسمى: الناقضة، لأنها تنتقض أحد أصلية، فإنه إن أعطاها الثلث .. لزم العول، وإن أعطاها السدس .. لزم حجب الأم بأخوين لكن قيل: إن الصحيح على قياس مذهبه: أن الباقي للأخوين.

وَالَّذِي يَعُولُ مِنْهَا: السِّتِّةُ إِلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ، وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ كَهُمْ وَأُمٍّ، وَإِلَى تِسْعَةٍ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ، وَإِلَى عَشَرَةٍ كَهُمْ وَأخَرَ لِأُمٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (الوسيط): أن العول أشار به ابن عباس فلما بلغ .. خالف، وقال في (البسيط): كان صبيًا حينئذٍ فلما بلغ .. خالف، وهذا وهم؛ لأنه كان بالغًا قبل قصة العول اتفاقًا. قال: (والذي يعول منها: الستة) فتعول أربع مرات أشفاعًا وأوتارًا. قال: (إلى سبعة كزوج وأختين) شقيقتين، أو الأب فتعول بسدسها. قال: (وإلى ثمانية كهم وأم) وهي مسألة المباهلة فتعول بثلثها؛ إذ أصلها من ستة عالت بسهمين: للأم سهم وللأختين أربعة وللزوج ثلاثة. لكن المصنف أدخل الكاف على الضمير المنفصل وهي لغة قليلة كقوله [من الرجز]: ولن ترى بعلًا ولا حلائلا .... كهو ولا كهن إلا حاظلا وقد وقع له مثل ذلك في صلاة العيدين وغيرها. قال: (وإلى تسعة كهم وأخ لأم) هذه زادت عن تلك بسدس فزادت سهمًا. قال: (وإلى عشرة كهم وآخر لأم) وهذه تسمى: أم الفروخ بالخاء المعجمة، وقيل: بالجيم؛ لكثرة سهامها العائلة أو لكثرة الإناث فيها، وتسمى: الشريحية؛ لأنها وقعت للقاضي شريح وحكم فيها بذلك، وكان الزوج فيها يلقى الفقيه فيقول: والله! ما أعطوني نصفًا ولا ثلثًا، فيقول: من أعطاك ذلك؟ فيقول: شريح، فيلقى الفقيه شريحًا فيسأله عن ذلك فيخبره، فلقي شريح الزوج ذات يوم فقال له شريح: إذا رأيتني .. ذكرت حكمًا جائرًا، وإذا رأيتك .. رأيت رجلًا فاجرًا؛ لأنك تذيع الشكوى وتكتم الفتوى. فائدة: قال الشيخ أبو حيان: مدلول (آخر) أن يكون من جنس ما قبله نحو: رأيت زيدًا وآخر، فلا يكون (آخر) من غير جنس زيد، ولو قلت: اشتريت فرسا وآخر .. لم يكن (آخر) إلا من جنس الفرس.

وَالاِثْنَا عَشَرَ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ، وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ، وَالأَرْبَعُةُ وَالْعشْرُونَ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ كَبِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختار الزمخشري وابن عطية في قوله تعالى: {ويأت بأخرين} أن يكونوا من غير جنس الناس، وهو خطأ؛ لأن (غير) يقع على المغايرة في جنس أو صنف، و (آخر) لا يقع إلا على المغايرة في الوصف. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {أو ءاخران من غيركم} أي: من غير القرابة والعشيرة. قال النحاس: وهذا ينبني على معنى غامض في العربية، وذلك أن معنى (آخر) في العربية من جنس الأول، تقول: مررت بكريم وكريم آخر، فقولك: (آخر) يدل على أنه من جنس الأول، ولا يجوز عند أهل العربية: مررت بكريم وخسيس آخر، ولا مررت برجل وحمار آخر، فوجب من هذا أن يكون معنى قوله: {أو ءاخران من غيركم} أي: عدلان، والكفار لا يكونون عدولًا، فيصح على هذا قول من قال: من غير عشيرتكم من المسلمين، وهذا معنى حسن من جهة اللسان. قال: (والاثنا عشر إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين) فتعال بنصف سدسها؛ لأن للزوجة الربع وهو من أربعة، وللأم السدس وهو من ستة، وبينهما توافق بالأنصاف، فتضرب نصف أحدهما في الآخر يبلغ اثني عشر: للأم سهمان وللأختين ثمانية وللزوجة ثلاثة، فانتهت إلى ثلاثة عشر. قال: (وإلى خمسة عشر كهم وأخ لأم) عالت بربعها بزيادة سدس الأخ للأم. قال: (وسبعة عشر كهم وآخر لأم) ومن صورها: (أم الأرامل) وهي: ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان لأب، فهي سبع عشرة أنثى، فإذا كانت التركة سبعة عشر دينارًا .. أخذت كل واحدة دينارًا دينارًا. ويلغز بها فيقال: رجل ترك سبعة عشر دينارًا وورثة خص كل واحد دينارًا؟ وسميت: أم الأرامل؛ لأن الورثة كلهم نساء، وتسمى: الدينارية أيضًا. قال: (والأربعة والعشرون إلى سبعة وعشرين كبنتين وأبوين وزوجة) فعالت

وَإِذَا تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ .. فَذَاكَ. وَإِنِ اخْتَلَفَا وَفَنِيَ الأَكْثَرُ بِالأَقَلِّ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ .. فَمُتَدَاخِلَانِ كَثَلَاثَةٍ مَعَ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُفْنِهِمَا إِلَّا عَدَدٌ ثَالِثٌ .. فَمُتَوَافِقَانِ بِجُزْئِهِ كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ بِالنِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يُفْنِهِمَا إِلَّا وَاحِدٌ .. تَبَايَنَا كَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بثمنها، ولا تعول سوى ذلك، فلكل من الأبوين السدس، وهو من ستة، وللزوجة الثمن من ثمانية، يضرب وفق أحدهما في الآخر يبلغ أربعة وعشرين: للبنتين ستة عشر وللأبوين ثمانية وللزوجة ثلاثة، فعالت بثمن الزوجة وهو ثلاثة. وهذا تسمى: المنبرية؛ لأن عليًا رضي الله عنه سئل عنها وهو على المنبر فقال: صار ثمنها تسعًا. وقد سبق زيادة أصلين، فإذا أثبتناهما .. فلا عول فيهما، بل هما ناقصان؛ لأن السدس وثلث ما يبقى لا يستغرقان ثمانية عشر، والربع والسدس وثلث ما يبقى لا يستغرق ستة وثلاثين، قاله القاضي حسين. قال: (وإذا تماثل العددان .. فذاك) أي: فأمره واضح، كثلاثة وثلاثة، فهما متماثلان يكتفي بأحدهما. قال: (وإن اختلفا وفني الأكثر بالأقل مرتين فأكثر .. فمتداخلان كثلاثة مع ستة أو تسعة)، وكذلك مع خمسة عشر؛ فإن الستة تفنى بإسقاط الثلاثة مرتين، والتسعة تفنى بإسقاطها ثلاثًا، والعشرة تفنى بإسقاط الخمسة مرتين، وكذا الاثنين مع الثمانية. قال: (وإن لم يفنهما إلا عدد ثالث .. فمتوافقان بجزئه كأربعة وستة بالنصف)؛ لأنك إذا سلطت الأربعة على الستة .. يبقى من الستة اثنان، فتسلطهما على الأربعة مرتين .. تفنى بهما، فقد حصل الفناء باثنين وهو عدد غير الستة والأربعة، فهما متوافقان بجزء ذلك العدد وهو النصف. قال: (وإن لم يفنهما إلا واحد .. تباينا كثلاثة وأربعة)؛ لأنك إذا سلطت الثلاثة على الأربعة .. يبقى من الأربعة واحد، سلطته على الثلاثة .. تفنى به، وحكم المتباينين: أن تضرب أحد العددين في الآخر.

وًالْمُتَدَاخِلَانِ مُتَوَافِقَانِ، وَلَا عَكْسَ. فَرْعٌ: إِذَا عَرَفْتَ أَصْلَهَا وَانْقَسَمَتِ السِّهَامُ عَلَيْهِمْ .. فَذَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمتداخلان متوافقان)؛ فبين الثلاثة والستة موافقة بالثلاثة، وكذا بينها وبين التسعة. قال: (ولا عكس)، فقد يكون التوافق ولا تداخل كالستة مع الثمانية؛ لأن شرط التداخل: أن لا يزيد على نصفه. تتمة: الأحد والعشرون والتسعة والأربعون متوافقان بالأسباع، وإذا فني بأحد عشر .. فالتوافق بجزء من أحد عشر، فالمئة والعشرون مع مئة وخمسة وستين متوافقان بأجزاء خمسة عشر. قال: (فرع): هذا مختص بتصحيح المسائل، وترجمة بالفرع؛ لأنه مرتب على ما قبله، والقصد بيان كيفية العمل في القسمة بين المستحقين من أقل عدد يمكن على وجه يسلم الحاصل لكل واحد من الكسر، ولهذا سمي بالتصحيح. قال: (إذا عرفت أصلها) أي: المسألة (وانقسمت السهام عليهم .. فذاك) أي: لا تحتاج إلى ضرب، كزوج وثلاثة بنين، فهي من أربعة: لكل واحد سهم، وكزوجة وبنت وثلاث إخوة من ثمانية: للزوجة سهم وللبنت أربعة والباقي لهم.

وَإِنِ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ .. قُوبِلَتْ بِعَدَدِهِ؛ فَإِنْ تَبَايَنَا .. ضُرِبَ عَدَدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ، وَإِنْ تَوَافَقَا .. ضُرِبَ وَفْقُ عَدَدِهِ فِيهَا، فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ .. قال: (وإن انكسرت على صنف .. قوبلت بعدده) أي: بعدد الصنف الذي انكسر عليهم. قال: (فإن تباينا) أي: السهام والرؤوس (.. ضرب عدده في المسألة بعولها إن عالت) كزوج وأخوين، هي من اثنين: للزوج واحد يبقى واحد لا يصح ولا موافقة، تضرب عددهما في أصل المسألة تبلغ أربعة، ومنها تصح. ومثال بالعول: زوج وخمس أخوات، هي من ستة، وتعول إلى سبعة، وتصح من ضرب خمسة في سبعة، وهي خمسة وثلاثون. قال: (وإن توافقا .. ضرب وفق عدده فيها، فما بلغ صحت منه) مثاله: أم وأربعة أعمام، من ثلاثة، وتصح من ستة؛ يضرب وفق الأعمام وهو اثنان في ثلاثة.

وَإِنِ انْكَسَرَتْ عَلَى َصِنْفَيْنِ .. قُوبِلَتْ سِهَامُ كُلِّ صِنْفٍ بِعَدَدِهِ؛ فَإِنْ تَوَافَقَا .. رُدَّ الصِّنْفُ إِلَى وَفْقِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثاله بالعول: زوج وأبوان وست بنات، تبلغ بعولها خمسة عشر، وتصح من خمسة وأربعين؛ يضرب وفق البنات وهو ثلاثة في خمسة عشر. و (الضرب): تضعيف أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد، والواحد ليس بعدد، إنما هو مبدأ العدد. قال: (وإن انكسرت على صنفين .. قوبلت سهام كل صنف بعدده؛ فإن توافقا .. رد الصنف إلى وفقه)، والمراد: أن ترد الرؤوس من كل صنف إلى وفقها. فمثال توافقهما مع تماثل عدد الرؤوس: أم وستة إخوة لأم وثنتا عشر أختًا لأب، من ستة، وتعول إلى سبعة، رددنا الإخوة إلى ثلاثة والأخوات إلى ثلاثة، وضربنا ثلاثة في سبعة، فتصح من أحد وعشرين. ومثاله مع تداخل عدد الرؤوس: أم وثمانية إخوة لأم وثماني أخوات لأب، هي من ستة, وعالت إلى سبعة، رددنا الإخوة إلى أربعة والأخوات إلى اثنين، رد إلى أقل الوفقين، والاثنان داخلان في الأربعة، فتضرب أربعة في سبعة تبلغ ثمانية وعشرين.

وَإِلَّا .. تُرِكَ، ثُمَّ إِنْ تَمَاثَلَ عَدَدُ الرُّؤُوسِ .. ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْألَةِ بِعَوْلِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثاله مع توافق عدد الرؤوس: أم واثنا عشر أخًا لأم وست عشرة أختًا لأب، هي من ستة، وعالت إلى سبعة، رددنا الإخوة إلى ستة والأخوات إلى أربعة، وهما متوافقان بالنصف، فتضرب ثلاثة في أربعة باثني عشر في سبعة تبلغ أربعة وثمانين. ومثاله مع تباين عدد الرؤوس: أم وستة إخوة لأم وثماني أخوات لأب، هي من ستة، وعالت إلى سبعة، رددنا الإخوة إلى ثلاثة والأخوات إلى اثنين، وهما متباينان، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة ثم ستة في سبعة تبلغ اثنين وأربعين. قال: (وإلا ترك) أي: إذا لم يكن بين كل صنف منهما وسهامه موافقة بل تباينا .. تركا بحالهما. مثال تباينهما مع تماثل عدد الرؤوس: ثلاث بنات وثلاثة إخوة لأب، هي من ثلاثة، تضرب ثلاثة في ثلاثة تبلغ تسعة. ومثاله مع التداخل: ثلاث بنات وستة إخوة لأب، تصح من ثمانية عشر. ومثاله مع التوافق: تسع بنات وستة إخوة لأب تصح من سبعة وعشرين. ومثاله في التباين: ثلاث بنات وأخوان لأب، تصح من ثمانية عشر. وبقي قسم ليس صريحًا في الكتاب، لكنه قد يؤخذ بالقوة، وهو ما إذا كان بين سهام أحد الصنفين وعددهم موافقة دون الآخر .. فيرد الموافق إلى جزء الوفق ويترك الآخر، ولا يخفى مثاله. قال: (ثم إن تماثل عدد الرؤوس .. ضرب أحدهما في أصل المسألة بعولها،

وَإِنْ تَدَاخَلَا .. ضُرِبَ أَكْثَرُهُمَا، وَإِنْ تَوَافَقَا .. ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَبَايَنَا .. ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي الآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَمَا بَلَغَ .. صَحَّتْ مِنْهُ، وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا: الاِنْكِسَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ وَأَرْبَعَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن تداخلا .. ضرب أكثرهما، وإن توافقا .. ضرب وفق أحدهما في الآخر ثم الحاصل في المسألة، وإن تباينا .. ضرب أحدهما في الآخر ثم الحاصل في المسألة، فما بلغ .. صحت منه)، ويسمى ذلك جزء السهم في الأقسام الأربعة: التماثل والتداخل والتوافق والتباين، على كل تقدير من التقادير الثلاثة الحاصلة من النظر بين السهام والرؤوس، وما اجتمع منها من المردودين أو المتروكين أو المردود أحدهما؛ وذلك اثنا عشر قسمًا من ضرب ثلاثة في أربعة، وقد ذكر الرافعي أمثلتها؛ وما تقدم فيه إشارة إلى بعض ذلك. قال: (ويقاس على هذا: الانكسار على ثلاثة أصناف وأربعة)، فينظر أولًا

وَلَا يَزِيدُ الْكَسْرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مَبْلَغِ الْمَسْأَلَةِ .. فَاضْرِبْ نَصِيبَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ضَرَبْتَهُ فِيهَا، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُهُ، ثُمَّ تَقْسِمُهُ عَلَى عَدَدِ الصِّنْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في سهام كل صنف وعددهم، فإن وافق .. رد عدد رؤوسهم إلى جزء الوفق، وإلا .. ترك. ويجئ في الرؤوس مع الرؤوس التماثل والتداخل والتوافق والتباين. قال: (ولا يزيد الكسر على ذلك) أي: على أربعة؛ لأن الوارثين في الفريضة الواحدة لا يزيدون على خمسة أصناف، فلا بد من صحة نصيب أحد الأصناف عليه؛ لأن أحدهم الزوج أو الزوجة والأبوان والواحد يصح نصيبه عليه قطعًا، كذا أطلقوا، ويجب تقييده بغير الولاء، أما الولاء .. فتمكن فيه الزيادة على الأربعة. قال: (فإن أدرت معرفة نصيب كل صنف من مبلغ المسألة .. فاضرب نصيبه من أصل المسألة فيما ضربته فيها، فما بلغ فهو نصيبه، ثم تقسمه على عدد الصنف)، وصوره في (المحرر) بجدتين وثلاث أخوات لأب وعم، هي من ستة، وتبلغ بالضرب ستة وثلاثين: للجدتين من أصل المسألة سهم مضروب فيما ضربناه في المسألة وهي ستة تكون ستة، وللأخوات أربعة مضروبة في ستة تكون أربعة وعشرين، والباقي –وهو ستة- للعم. و (النصيب): الحظ من الشيء، والجمع: أنصباء. تتمة: إذا أمكنت الموافقة بأجزاء .. ضربنا أقلها، كزوج وأم وست عشرة بنتًا، هي من اثني عشر، وعالت إلى ثلاثة عشر: للبنات ثمانية لا تصح عليهن وبينهما موافقة

فَرْعٌ: مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ فَإِنْ لَمْ يَرِثِ الثَّانِيَ غَيْرُ الْبَاقِينَ وَكَانَ إِرْثُهُمْ مِنْهُ كَإِرْثِهِمْ مِنَ الأَوَّلِ .. جُعِلَ كَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ وَقُسِّمَ بَيْنَ الْبَاقِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنصف والربع والثمن، فتضرب أقل سهام الموافقة –وهو اثنان- في ثلاثة عشر تبلغ ستة وعشرين، ومنها تصح، فمن كان له شيء من أصل المسألة .. أخذه مضروبًا فيما ضربت الفريضة فيه. قال: (فرع: مات عن ورثة فمات أحدهم قبل القسمة). هذا (باب المناسخات)، وهو من عويص المسائل، واشتقاقها من النسخ؛ لأن المال تناسخته الأيدي، وانتسخ تصحيح مسألة الميت الأول بموت الثاني بعده، وإنما لم يقسم حتى مات ثالث ورابع وخامس من الورثة، فيحتاج إلى تصحيح مسألة الميت الأول، ثم النظر بينهما، وهكذا إلى آخر المسائل؛ لتصير مسألة واحدة. قال: (فإن لم يرث الثاني غير الباقين وكان إرثهم منه كإرثهم من الأول .. جعل كأن الثاني لم يكن وقسم بين الباقين)، ليس هذا واجبًا شرعيًا،

كَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ أَوْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبَاقِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بل بطريق الاختصار في الحساب، وهو حسن صنعة وتسهيل مأخذ فقط. قال: (كإخوة وأخوات أو بنين وبنات مات بعضهم عن الباقين)، فإذا مات عن أربعة بنين وأربع بنات ثم مات ابن .. فالمسألة الأولى من اثني عشر والمال بينهم على ذلك لكل بنت سهم ولكل ابن سهمان، فلما مات الابن عن الباقين .. صار بينهم على عشرة، فإذا ماتت بنت عمن بقى .. صارت بينهم على تسعة، فإذا مات ابن عمن بقى .. صارت بينهم على سبعة، فإذا ماتت بنت عمن بقى .. صارت على ستة، فإذا مات ابن عمن بقى .. صارت على أربعة، فإذا ماتت بنت .. صارت بينهم على ثلاثة، وكأن الميت لم يخلف غير ابن وبنت، فيقسمان المال للذكر مثل حظ الأنثيين، وكأن

وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ إِرْثُهُ فِي الْبَاقِينَ أَوِ انْحَصَرَ واخْتَلَفَ قَدْرُ الاسْتِحْقَاقِ .. فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الأَوَّلِ ثُمَّ مَسْأَلَةَ الثَّانِي، ثُمَّ إِنِ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثّانِي مِنْ مِسْأَلَةِ الأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ .. فَذَاكَ، وَإِلَّا: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ .. ضُرِبَ وَفْقُ مَسْأَلَتِهِ الأَوَّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الهالكين لم يكونوا؛ لأن نهاية النظر فيهم تؤول إلى ما ذكرناه، والاختصار في الحساب مطلوب ما أمكن. وإنما قدم المصنف الإخوة والأخوات على البنين والبنات؛ لأن هذا العمل يأتي فيهم ابتداء ودوامًا. قال: (وإن لم ينحصر إرثه في الباقين) إما لأن الوارث غيرهم، أو لأن غيرهم يشركهم فيه. قال: (أو انحصر واختلف قدر الاستحقاق .. فصحح مسألة الأول ثم مسألة الثاني، ثم إن انقسم نصيب الثاني من مسألة الأول على مسألته .. فذاك)، كزوج وأختين لأب ماتت إحداهما عن الأخرى وبنت، فالمسألة الأولى من سبعة بعولها، والثانية من اثنين، ونصيب الميت الثاني من المسألة الأولى اثنان فيقسم على مسألتهما. قال: (وإلا: فإن كان بينهما موافقة .. ضرب وفق مسألته في مسألة الأول)، كجدتين وثلاث أخوات متفرقات، ثم ماتت الأخت من الأم هي الشقيقة في الأولى، وعن أختين شقيقتين، وعن أم أم هي إحدى الجدتين، فالأولى من

وَإِلَّا .. فَكُلُّهَا فِيَها، فَمَا بَلَغَ صَحَّتَا مِنْهُ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الأُولَى .. أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَ فِيهَا، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ .. أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نَصِيبِ الثَّانِي مِنَ الأُولَى أَوْ فِي وَفْقِهِ إِنْ كَانَ بَيْنَ مَسْأَلِتِه وَنَصِيِبِه وَفْقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ستة وصحت من اثني عشر، والثانية من ستة صحيحة، ونصيب الثانية من الأولى اثنان يوافق مسألتها بالنصف، فتضرب نصف مسألتها في المسألة الأولى تبلغ ستًا وثلاثين، كان للجدتين سهمان تأخذانهما مضروبين في ثلاثة، وكذا الأخت من الأب، وكان للشقيقة ستة تأخذها مضروبة في ثلاثة، ولها من الثانية سهم تأخذه مضروبًا في وفق نصيب مورثها –وهي الميتة من المسألة الأولى- وهو سهم، وللشقيقتين أربعة مضروبة في سهم، ولأم الأم سهم مضروب في سهم. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن بينهما موافقة وكان بينهما تباين. قال: (.. فكلها فيها، فما بلغ .. صحتا منه، ثم من له شيء من الأولى .. أخذه مضروبًا فيما ضرب فيها، ومن له شيء من الثانية .. أخذه مضروبًا في نصيب الثاني من الأولى أو في وفقه إن كان بين مسألته ونصيبه وفق)، ومثله في (المحرر) بزوجة وثلاثة أعمام، مات أحدهم عن زوجة وأختين وعم؛ يعني: إذا كان العمان الأخيران

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللذان هما أخوا الميت الثاني غير وارثين للثاني؛ إما لبعدهما، أو لمانع .. فالأولى من أربعة، والثاني من اثني عشر، ونصيب الميت الثاني من الأولى واحد لا موافقة بينه وبين مسألته، فتضرب مسألته في الأولى تبلغ ثمانية وأربعين: للزوجة سهم في اثني عشر، ولكل عم كذلك، ولزوجة العم ثلاثة مضروبة في واحد، وللأختين ثمانية مضروبة في واحد، وللعم واحد في واحد. تتمة: قد تذكر في المناسخات صور مستحيلة ينبغي التفطن لها، كما إذا قيل: زوج وأربعة بنات وعم، لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنات وخلفت أمًا ومَن في المسألة .. فالجواب: أن أم البنت هي الميتة في الأولى، فيستحيل أن تكون موجودة بعد ذلك. وكذا إذا قيل: أبوان وابنتان، لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين وخلفت مَن في المسألة .. فيقال: الميت الأول ذكر أم أنثى. ويقال: إن المأمون لما أردا أن يولي يحيى بن أكثم القضاء .. سأله عن هذه، فقال: يا أمير المؤمنين؛ الميت الأول كان ذكرًا أم أنثى، فولاه القضاء، وقال: إذا عرفت الفرق .. عرفت الجواب؛ وذلك لأنه إن كان رجلًا .. فالأب وارث في المسألة الثانية؛ لأنه أبو الأب، وإلا .. فغير وارث؛ لأنه أبو الأم، فإذا كان الميت الأول رجلًا .. تصح من أربعة وخمسين، وإن كان أنثى .. تصح من ثمانية عشر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة قد يمكن اختصار الحساب بعد الفراغ من العمل بالتصحيح؛ وذلك إذا كانت أنصباء الورثة كلها متماثلة .. فترد القسمة إلى عدد رؤوسهم، وكذلك إذا كانت متوافقة بجزء صحيح .. فيؤخذ ذلك الوفق من نصيب كل واحد منهم، ويقسم المال بينهم على ذلك العدد، كزوجة وثلاثة بنين وبنت منها، ثم مات أحد البنين عن الباقين، فالأولى من ثمانية، والثانية من ستة، ونصيب الميت الثاني سهم، فللأخت سهم، ولكل أخ سهمان، فمخرج ما للأم أربعة، وللأخت كذلك، ولكل أخ ثمانية، والأنصباء متوافقة بالربع، فيأخذ ربع كل نصيب تبلغ ستة، فيقسم المال عليها اختصارًا. أما إذا لم يكن بين الأنصباء موافقة، أو لم يكن إلا في بعضها .. لم يمكن اختصار. ولم يذكر الأصحاب مثال المماثلة، ويظهر تمثيله بما إذا مات عن زوجة وثلاث بنات وعم هو أبو الزوجة، ثم ماتت الزوجة عمن في المسألة .. فتصح المسألتان من اثنين وسبعين، نصيب كل واحدة من البنات ثمانية عشر، والعم كذلك، فيقسم بينهم على أربعة وهي عدد رؤوسهم، لكل بنت سهم، وللعم سهم، وأما المسائل الملقبات والعويص .. فيطول ذكرها والله أعلم.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا 0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الوصايا لما كانت متعلقة بالموت. ذكرت عقيب المواريث. واشتقاقها من: وصى يصي، أي: وصل يصل؛ لأن الموصي وصل ما كان في حياته بما عبد مماته، أو أنه وصل خير دنياه بخير عقباه، والفعل منها: أوصى يوصي إيصاء، والاسم: وصية ووصاية، وجمع الوصية: وصايا، كهدية وهدايا، وعرية وعرايا. وهي في الشرع: تبرع بحق، أو تفويض تصرف خاص مضافين إلى ما بعد الموت. وكانت في أول الإسلام واجبة لجميع الأقربين؛ لقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية}، ثم نسخت بآية المواريث، إلا في حق الله تعالى أو للآدميين من زكاة أو حج أو كفارة أو رد وديعة أو دين؛ فيجب أن يوصي به إذا لم يعلم به غير ممن يثبت به بعد موته. وهي الآن جائزة في ثلث ماله الباقي بعد كفنه ومؤنة تجهيزه وقضاء ديونه، مستحبة في الجملة على المذهب. واستدل الشافعي رضي الله عنه على صحتها لغير الأقربين بأن النبي صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وسلم في ستة مملوكين كانوا لرجل لا مال له غيرهم عند الموت أعتق اثنين وأرق أربعة، وهذا حديث صحيح، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عتقهم في المرض وصية، والذي أعتقهم رجل من العرب، والعرب إنما كانت تملك من لا قرابة بينها وبينه من العجم، ولو كانت الوصية تبطل لغير القرابة .. بطلت للعبيد المعتقين، وهذا الدليل من الشافعي أبهى من الدر منظرًا وأحلى من الشهد مخبرًا رضي الله عن الشافعي وعن أئمة المسلمين أجمعين. وافتتح الباب في (المحرر) بقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}، وبقوله عليه الصلاة والسلام: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) وهو في (الصحيحين) [خ2738 - م1627] من رواية ابن عمر، وإنما قدمت الوصية على الدين؛ لئلا يتهاون بها لكونها تبرعًا، أو لأنها تشق على الورثة وقد لا تطيب نفوسهم بها، فقدمت اعتناء بها، فمن له مال .. تستحب له الوصية بالإجماع. لكن تعجيل الصدقة في الصحة وفي الحياة أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم .. قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا). وإذا أراد أن يوصي .. فالأفضل: أن يقدم من لا يرث من قرابته، ويقدم منهم المحارم، ثم يقدم بالرضاع، ثم يقدم بالمصاهرة، ثم بالولاء، ثم بالجوار كالصدقة المنجزة.

تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأولى: المبادرة إليها؛ ففي (سنن ابن ماجه) [2700 - 2701] عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة، ومات مغفورًا له). وفيه [2704] وفي (مسند أحمد) [2/ 277] و (سنن الدارقطني) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة، فإذا جار في وصيته .. فيختم له بسوء علمه؛ فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته .. فيختم له بخير علمه؛ فيدخل الجنة). وفي (الدارقطني) [4/ 149] عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حضرته الوفاة فأوصى فكانت وصيته على كتاب الله .. كان كفارة لما ترك من زكاته). وفيه [4/ 151] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإضرار في الوصية من الكبائر). وروى النسائي [4/ 64]: أن الرجل الذي أعتق ستة مملوكين لا يملك غيرهم لما بلغ خبره النبي صلى الله عليه وسلم .. غضب وقال: (لقد هممت أن لا أصلي عليه) وهذا معنى قول مسلم: وقال له قولًا شديدًا. وتقدم في أول (الجنائز) حديث عن ابن عمر بمعناه، ورأيت بخط ابن الصلاح رحمه الله: أن من مات عن غير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ، وأن الأموات يتزاورون سواه، فيقول بعضهم لبعض: ما بال هذا؟ فيقال: إنه مات عن غير وصية. وأجمع المسلمون على مشروعيتها. ولها أربعة أركان: الموصي، والموصى له، والموصى به، والصيغة، وكذلك ذكرها المصنف. قال: (تصح وصية كل مكلف حر) بالإجماع؛ لأنها تبرع، فلا تصح من ضدهما، والمراد: مختار، فلا تصح من المكره؛ للأدلة المتقدمة، وكان من حقه

وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يستثني السكران؛ فإن ليس بمكلف على رأيه. قال: (وإن كان كافرًا) ذميًا كان أو غيره؛ لعموم الآية والأخبار، ولأن ذلك كالإعتاق والتمليك، وهما يصحان من الذمي والحربي، فتصح وصيته بما تصح وصية المسلم به وإن اعتقده معصية كعمارة مساجدنا، مع اعتقادنا: أنه لا قربة له فيه إذا مات كافرًا. وإن أوصى بما نراه معصية وهو يعتقده طاعة .. لم ننفذه إذا رفع إلينا كعمارة الكنائس، وسيأتي، ويشكل على صحة وصيته أنهم قالوا: لا يصح منه النذر، وأما حديث ابن عمر .. فخرج مخرج الغالب، وصرح الماوردي بصحة وصية الحربي. ولو وصى المرتد وقلنا: يبقى ملكه .. صح في الأصح. قال: (وكذا محجور عليه بسفه على المذهب)؛ لصحة عبارته، واحتياجه إلى الثواب، وفقدان المعنى الذي لأجله حجر عليه، وبدليل وقوع طلاقه وقبول إقراره بالعقوبات، ونقل الأستاذ أبو منصور والحافظ أبو عمر الإجماع على ذلك، فلذلك كان أصح الطريقين فيه: القطع بالصحة، وأشهرهما: أنها على القولين في الصبي المميز؛ لأنه مثله في أنه لا عبارة له في التبرع. ووصية المفلس إن ردها الغرماء .. باطلة، وإن أمضوها .. جازت إن قلنا: حجره حجر مرض، وإن قلنا: حجر سفه .. فهي على الخلاف في السفيه.

لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمَيً عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ- وَفِي قَوْلٍ: تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا مات في الحجر مع بقاء حق الغرماء، أما إذا ارتفع الحجر عنه .. فلا يظهر لإجازتهم وردهم معنى. واحترز عن السفيه الذي لم يحجر عليه الحاكم؛ فإنها تصح منه على الأصح، كسائر تصرفاته إلا على قولنا: إن الحجر يعود بنفس التبذير إذا بلغ رشيدًا من غير توقف على حكم، فيكون كالمحجور عليه. قال: (لا مجنون ومغمي عليه)؛ إذا لا عبارة لهما، فلا تصح وصيتها ولا تدبيرها كما لا يصح إعتاقهما، ولا هبتهما ولا بيعهما. وفي معنى (المجنون): المبرسم والمعتوه الذي لا يعقل. ويتثنى من (المغمى عليه): ما إذا كان بسبب سكر أثم به وكلامه منتظم معه؛ فتصح منه كسائر تصرفاته. قال: (وصبي)؛ لأنها عقد تمليك كالهبة. قال: (وفي قول: تصح من صبي مميز)؛ لأنها لا تزيل الملك في الحال وتفيد الثواب بعد الموت فصحت كسائر القربات، وبهذا قال مالك وأحمد؛ لما روى مالك في (الموطأ) [2/ 762] عن عمرو بن سليم الزرقي: أنه قيل لعمر رضي الله عنه: إن ههنا غلامًا ابن عشر سنين لم يحتلم من غسان، ووارثه بالشام، وهو ذو مال، وليس له ههنا إلا ابنة عم؟ فقال عمر: (فليوص لها) فأوصى لها بمال يقال له: بئر جشم. قال عمرو بن سليم: فبعت ذلك المال بثلاثين ألفًا. وابنة عمه التي أوصى لها: هي أم عمرو بن سليم.

- وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ: إِنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ .. صَحَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وقول الأصحاب: إن الصبي لا عبارة له .. كلمة شائعة على ألسنة الفقهاء، والمستند إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث ...)، وهو يدل على: أنه لا يصح منه ما فيه ضرر عليه أو ما يلزمه به شيء، والوصية ليس فيه واحدة منهما. ولا حق للوارث في الثلث حتى يمنع من الوصية فيه لأجله. وعبادات الصبي صحيحة، وصحتها دليل صحة عبارته فيما لا ضرر فيه، فلذلك اختار ما قضى به عمر من صحة وصيته، وليس كإعتاقه وهبته في حال الحياة؛ لما فيهما من الضرر عليه، وممن رجح هذا من الأصحاب: الصميري والقاضي أبو حامد والمحاملي وشيخه أبو حامد والأستاذ أبو منصور وصاحب (الانتصار) والشيخ عز الدين في (القواعد) وآخرون. وعلى هذا: إذا أعتق أو وهب في مرضه أو حابى .. فوجهان: في (الحاوي) وجه المنع ورجحه الشيخ: إمكان الرجوع في الوصية، بخلاف هذا. وجعل الدرامي محل الخلاف: إذا أوصى ثم مات، فلو بلغ بعدها ثم مات .. صحت قولًا واحدًا، كما سيأتي في العبد إذا أوصى ثم عتق في قول. قال: (ولا رقيق)؛ إذ لا ملك له، ولأن الله تعالى جعل الوصية حيث التوارث، والعبد لا يورث، فلم يدخل في الأمر بها. قال: (وقيل: إن عتق ثم مات .. صحت)؛ لأنه صحيح العبارة، وأمكن تنفيذ وصيته؛ لأن الاعتبار بحال الموت والمدبر ومعلق العتق كالقن. وأما المكاتب .. فمقتضى إطلاق المصنف: عدم صحة وصيته وإن أذن السيد، وليس كذلك؛ لما سيأتي من صحة تبرعه بإذنه، وقد صرح بصحة وصيته الصيمري وابن المنذر وغيرهما.

وَإِذَا أَوْصَى لِجهَةٍ عَامَّةٍ .. فَالشَّرْطُ: أَنْ لَا تَكُونَ مَعْصيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المبعض .. فقياس توريثه: الصحة فيما جمعه بنصيبه الحر، وهما واردان على إطلاق الكتاب. قال: (وإذا أوصى لجهة عامة)، هذا هو الركن الثاني، وهو الموصى له. قال: (.. فالشرط: أن لا تكون معصية) بل قربة كالفقراء وبناء المساجد، أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء؛ لأن القصد بها تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان. قال: (كعمارة كنيسة) إنشاءًا أو ترميمًا، سواء أوصى بذلك مسلم أو ذمي كما تقدم، لكن صرح الشيخ عز الدين في (الأمالي) بأن إيصاء المسلم بذلك ردة، ونقله عن الشيخ أبي الحسن الأشعري. أما الكنيسة التي ينزلها المارة من أهل الذمة أو للسكنى .. فتصح؛ إذ لا معصية، لأنه رباط لا كنيسة. وحكى الماوردي في هذه وجهًا: أنه لا تجوز الوصية بها؛ لأن في ذلك جمعًا لهم يؤدي إلى التعبد، واختاره الشيخ. وإذا أوصى بشراء أرض وتكون أجرتها للنصارى أو المساكين منهم .. فتجوز، ولو أوصى ببناء بقعة لبعض المعاصي وكتابة كتب السحر .. لم تصح من مسلم ولا ذمي، ولو أوصى بمال يستأجر به من يخدم الكنيسة أو دهن يستصبح به فيها .. لم تصح، نص عليه، كما لا يصح الوقف عليه. وقال جماعة منهم الشيخ أبو حامد والقاضي والفوراني: إن قصد بالاستصباح التعظيم .. لم تصح، وإن قصد به الإضاءة على من يأوي إليها أو على المجتازين .. صحت، واختار الشيخ في هذه الحالة المنع أيضًا؛ لأن في ضمن انتفاعهم تعظيم البقعة.

أَوْ لِشَخْصٍ .. فَالشَّرْطُ: أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشافعي رضي الله عنه: وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارًا أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم. وكذا لا تصح وصية الكافر بكتابة التوراة والإنجيل ولا قراءتها، وألحق الماوردي به كتب شريعتهم وكتب النجوم والفلسفة، وبالغ العبادي فقال: ولا تجوز قراءة التوراة والإنجيل؛ لأنهما مغيَّران. ولو أوصى أن يعطى الرهبان والشمامسة ثلثه .. جازت الوصية؛ لأن الصدقة عليهم جائزة. وكذا لا تصح وصية بخمر وخنزير، سواء أوصى بهما لمسلم أو كافر، وتصح الوصية منهما بعمارة المسجد الأقصى وقبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبوقودها. وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين؛ لما فيها من إحياء الزيارة التبرك بها، وكذا الوصية لفك أسارى المسلمين والكفار. قال الرافعي: ويشبه أن يجيء في الكفار خلاف؛ لتردد الوصية بين القربة والتمليك، وفكهم لا يلتحق بالقرب. قال: (أو لشخص) أي: ولو تعددت أفراده كزيد وعمرو (.. فالشرط: أن يتصور له الملك)؛ لأنها تمليك وسواء في ذلك الصغير والكبير، والكامل والمجنون، والموجود والمعدوم، فلا تصح لميت مطلقًا خلافًا لمالك، لكن لو أوصى بماء لأولى الناس به وهناك ميت .. قدم على المتنجس والمحدث الحي في الأصح. قال الرافعي في (باب التيمم): ولا يشترط في استحقاق الميت: أن يكون ثم وارث يقبل عنه، كما لو تطوع إنسان بتكفينه .. لا حاجة إلى قابل. وفي وجه: أنه يشترط.

فَتَصِحُّ لِحَمْلِ وَتَنْفُذُ إِنِ انْفَصَلَ حَيًّا وَعُلِمَ وُجُدُهُ عِنْدَهَا بِأَنِ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنِ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ .. لَمْ يَسْتَحِقَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: في (المغني) وغيره من كتب الحنابلة: أن الوصية لا تصح لجنيَّ؛ لأنه لا يملك بالتمليك كالهبة، وإطلاق المصنف يوافق ذلك، فيتوجه هنا امتناع التمليك منع نكاح الجنية؛ لأنه في مقابلة مال كما سيأتي في أول (النكاح). قال: (فتصح لحمل) ولو كان نطفة أو علقة، سواء كان حرًا أو رقيقًا، من زوج أو سيد أو وطء شبهة أو زنا؛ لأنا نحكم له بالإرث، والوصية أوسع؛ لأن المكاتب والكافر تجوز الوصية لهما ولا يرثان، أما إذا أوصى لمن تحمله هذه .. فأصح الأوجه: لا تصح؛ لأن تمليك المعدوم ممتنع. والثاني: تصح كما تصح بالحمل الذي سيوجد. والثالث: إن كان الحمل موجودًا عند الموت .. صح، وإلا .. فلا. قال: (وتنفذ إن انفصل حيًا وعلم وجوده عندها) المراد: أن تكون فيه حياة مستقرة، فإن انفصل ميتًا ولو بجناية جان .. فلا وإن لم يعلم كونه موجودًا عند الوصية. وهذا الشرطان لابد منهما، وقد تقدم مثلهما في الميراث، والموت هناك كالوصية هنا. قال: (بأن انفصل لدون ستة أشهر) يعني: من حين الوصية، فيعلم وجوده عندها؛ لأنها أقل مدة الحمل، سواء كان لها زوج أم لا. قال: (فإن انفصل لستة أشهر فأكثر والمرأة فراش زوج أو سيد .. لم يستحق)؛ لاحتمال الحدوث بعد الوصية، والأصل: عدم الحمل وعدم الاستحقاق، وقيده الإمام بما إذا ظن أنه يغشاها، أو أمكن بأن كان معها في البلد ولا مانع، وهو ظاهر.

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ .. فَكَذَلِكَ، أَوْ لِدُونِهِ .. اسْتَحَقَّ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المصنف والرافعي هنا تقتضي إلحاق الستة بما فوقها، وذكروا في (كتاب الطلاق والعدد) ما يقتضي إلحاقها بما دونها؛ لأنه لابد من تقدير زمن للعلوق. لكن يستثنى من إطلاقه: ما لو انفصل قبل ستة أشهر توأم ثم انفصل بعدها توأم آخر وبينه وبين الأول دون ستة أشهر؛ فإنه يدخل في الوصية وإن زاد ما بينهما وبين انفصاله على ستة أشهر. ويكتفى من السيد بالإقرار بوطئها، وتصير بذلك فراشًا له. قال: (فإن لم تكن فراشًا وانفصل لأكثر من أربع سنين .. فكذلك)؛ للعلم بأنه لم يكن موجودًا حين الوصية. قال: (أو لدونه) قال الشيخ: أتى بالضمير مذكرًا؛ ليعود على (أكثر)، فيستفاد منه: أنه لو انفصل لأربع سنين يغير زيادة .. استحق، وهي فائدة جليلة، والحكم على وفقها؛ لأن الأربع أقصى مدة الحمل وأقله في حكمها. ولو قال: لدونها .. بقى حكم الأربع مسكوتًا عنه. قال: (.. استحق في الأظهر) كما يثبت النسب، ولأن الظاهر وجوده حينئذ، ووطء الشبهة نادر، والزنا إساءة ظن بأمه.

وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدٍ فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ,, فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يستحق؛ لاحتمال الحدوث بعد الوصية، ويخالف النسب؛ لأنه يكتفى فيه بالإمكان. هذا كله إذا لم يشترط نسبًا، فإن اشترطه كقوله: أوصيت لحمل هذه المرأة من زيد .. فإنه يعتبر مع ذلك بثبوت نسبه بالشرع من زيد، حتى لو ثبت منه ثم نفاه باللعان .. لم يستحق، خلافًا لأبي إسحاق. فروع: الأول: قال الشيخ: صورة المسألة فيما يقتضيه كلام القاضي أبي الطيب في متوفى عنها أو مطلقة، أما من لم يُعرف لها زوج ولا سيد .. فينبغي القطع فيها بعدم الاستحقاق؛ لانتفاء الظهور حينئذ وانحصار الطريق في الشبهة أو الزنا، قال: وهذا لم أر من صرح به، بل قلته تفقهًا. الثاني: أوصى بحمل لحمل، فإن ولدا لدون ستة أشهر .. صحت الوصية، وإن ولدا لأكثر من أربع سنين .. لم تصح، وكذا إن ولد أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من أربع سنين. الثالث: لو أتت بولدين .. فهي لهما بالسوية، سواء كان ذكرين أو آنثيين، أو ذكرًا وأنثى، وكذا إن زادوا، إلا أن ينص على خلافه. الرابع: يقبل الوصية للحمل وليه بعد انفصاله حيًا، فإن قبل قبله .. لم يكف عند القفال، وقال غيره: قولان، كمن باع مال أبيه ظانًا حياته فبان ميتًا. قال: (وإن أوصى لبعد فاستمر رقه .. فالوصية لسيده) كما لو اصطاد أو احتطب، وعبارة (المحرر): (وإن وصى لعبد إنسان)، وهي أحسن؛

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لإشعارها بغير عبد الموصي، وهي مقصود المصنف. واتفق الأصحاب على صحة هذه الوصية، فلو قتل العبد الموصى له .. لم تبطل الوصية، ولو قتله سيده .. صارت وصية لقاتل، ولو أوصى لعبد نفسه، فإن كانت الوصية برقبته .. صحت، وهي وصية مقصودها العتق، والأصح: افتقارها إلى القبول؛ لاقتضاء الصيغة كالهبة. ولو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي .. لم تفتقر إلى قبول؛ لأن الله حقًا مؤكدًا في العتق فكان كالجهات العامة، ولو أوصى له بجزء من رقبته يحتمله الثلث .. صح ونفذت الوصية فيه وعتق ذلك الجزء، وكذا لو قال: أوصيت له بثلث مالي ولا مال له سواه. ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك أو بثلث أموالي .. فالأصح: أن رقبته تدخل في الوصية؛ لأنها من جملة أمواله. وإن كان العبد لوارث الموصي، فإن باعه قبل موت الموصي .. فالوصية للمشتري، وإن اعتقه .. فالوصية للعتيق، وإن استمر في ملكه .. فهي وصية للوارث، وسيأتي حكمها. وكذلك لو أوصى لعبد أجنبي فاشتراه وارثه ثم مات، فإن كانت الوصية برقبته .. صحت. تنبيهان: أحدهما: أطلقوا هنا كونها للسيد، وفصلوا في (الوقف) و (الهبة) بين أن يقصد العبد نفسه .. فتبطل في الجديد، أو السيد أو يطلق .. فلسيده، ولم يقل أحد هنا بهذا التفصيل. والفرق: أنه قد يعتق قبل موت الموصي، أو يحمل كلامهم هنا على حالة الإطلاق كما قاله ابن الرفعة. الثاني: هل يفتقر قبول العبد الوصية إلى إذن السيد؟ وجهان: أصحهما: المنع،

فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي .. فَلَهُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ .. بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيّةَ بِمَ تُمْلَكُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل تصح من السيد مباشرة القبول بنفسه؟ وجهان: أصحهما: المنع أيضًا؛ لأن الخطاب ليس معه. ولو كان العبد طفلًا أو مجنونًا ونحوه وقلنا: لا يصح قبول السيد .. فهل يوقف إلى تأهله أو يقبل السيد هنا كولي المجبر؟ لا نقل فيه، ويبعد القول بفساد الوصية. قال: (فإن عتق قبل موت الموصي .. فله)؛ لأنه وقت الملك حر. هذا إذا عتق كله، فإن عتق بعضه .. فقياس ما قالوه- فيما إذا أوصى لمبعض ولا مهيأة: أن الموصى به بينهما-: أن يستحق هنا بقدر حريته والباقي لسيده. قال: (وإن عتق بعد موته ثم قبل .. بُني على أن الوصية بم تملك؟) فإن قلنا: بالموت أو موقوفة .. فللسيد، وإن قلنا بالقبول .. فللعبد. وكذلك الحكم لو وصى لبعد هو لزيد فباعه لعمرو .. فينظر في وقت البيع، ويجاب بمثل هذا التفصيل. واحترز بقوله: (ثم قبل) عما إذا قبل ثم عتق .. فهي للسيد. هذا كله في الرقيق أصالة، فلو أوصى لحرٍّ فرقَّ .. لم تكن الوصية لسيده مطلقًا، بل متى عتق .. فهي له، وإن مات رقيقًا بعد موت الموصي .. كانت فيئًا على الأصح. فرع: قال لمبعض: أوصيت لبعضك الحر أو الرقيق خاصة .. قال القفال: هي باطلة، وقال غيره: تصح وينزل تقييد الموصي منزلة المهايأة، فتكون الوصية للسيد إن أوصى لنصفه الرقيق، وله إن أوصى لنصفه الحر، وصححه في (الروضة)، وهو نظير الكفالة ببعض البدن. أما إذا أطلق الوصية للمبعض، فإن لم تكن مهايأة وقبل بإذن السيد .. فالموصى به بينهما بالسوية كما لو احتطب أو احتش، وإن قبل بغير إذنه .. فكذلك على الأصح،

وَإِنْ أَوْصَى لَدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ .. فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ قَالَ: لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا .. فَالْمَنْقُولُ: صِحَّتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان بينهما مهايأة .. انبنى على الخلاف في الأكساب النادرة، والأصح: أنها تدخل فلا تفتقر إلى إذن السيد، ثم الموصى به لمن وقع الإيصاء والموت والقبول في نوبته، فلو وقع بعضها في هذه وبعضها في هذه .. فطريقان. أحدهما: أن الاعتبار بيوم الوصية، وأصحهما: أنه لا اعتبار به بل ينبني على أن الملك في الوصية بم يحصل. فرع: وصى للرقاب .. دفع للمكاتبين؛ لأنه المفهوم من عرف الشرع، فلو لم يكن في الدنيا مكاتب .. فالمنقول عن الشافعي: أنه يوقف الثلث؛ لجواز أن يكاتب عبد بعد ذلك، وفي (البحر) احتمال في بطلان الوصية. قال: (وإن أوصى لدابة وقصد تمليكها أو أطلق .. فباطلة)؛ لأنها لا تقبل الملك، وفرقوا بينه وبين الوصية المطلقة للعبد؛ بأن العبد يخاطب ويتأتى منه القبول، وربما عتق قبل موت الموصي فيثبت له الملك، بخلاف الدابة، لكن قد تقدم في الوقف المطلق عليها وجهان في كونه وقفًا على مالكها. قال الرافعي: فيشبه أن تكون الوصية على ذلك الخلاف، وحكاه ابن يونس عن جده. وقد يفرق؛ بأن الوصية تمليك محض، فينبغي أن يضاف إلى من يملك. قال في (الروضة): والفرق أصح، وضعفه ابن الرفعة؛ بأن الوقف وإن لم يكن فيه تمليك الرقبة .. فهو ينقل المنفعة، ورده الشيخ؛ بأن المنفعة تابعة للعين وإنما يملكها عند التناول. قال: (وإن قال: ليصرف في علفها .. فالمنقول: صحتها)؛ لأن علفها على مالكها فهو المقصود بهذه الوصية، فإذا ردها .. ارتدت، وعبارة (المحرر): الظاهر: صحتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الدقائق): ليس مقصوده نقل خلاف في صحتها بل أشار إلى احتمال خلاف، ثم أصح الوجهين: اشتراط قبول المالك. والثاني: لا، واختاره الشيخ أبو زيد والقفال، وتجعل هذه للدابة؛ ففي الحديث الصحيح: (في كل كبد حرى أجر). قال الرافعي: وحينئذ لا يتجه فرق بين البهائم المملوكة والوحوش والصيود المباحة، وهذا يعترض بما تقدم في (الوقف) عن صاحب (التتمة): أنه لو وقف على علف الطيور المباحة .. لم يصح بلا خلاف، وأن موضع الخلاف: ما إذا كانت البهيمة مملوكة. ثم الأصح: أنه يتعين الصرف في العلف، ونظيره: ما إذا أعطى إنسانًا حافيًا درهمًا يشترى به نعلًا. وعلى هذا: يصرفه عليها الوصي، فإن لم يكن وصي .. فالقاضي أو نائبه، ولا يسلم إلى مالكها، وعلى مقابله يسلم إليه، ولا يلزمه إنفاقه عليها. فلو انتقلت الدابة إلى مالك آخر .. قال الرافعي: فقياس كونها للدابة: الاستمرار لها، وقياس كونها للمالك: أن تكون للمنتقل عنه. قال المصنف: بل القياس: أنها للمنتقل إليه كالوصية للعبد، وصحح ابن الرافعة قول الرافعي. قال الشيخ: وهو الحق إن انتقلت بعد استقرارها بالقبول أو بالموت إن قيل به، وإن انتقلت قبل الموت .. فالحق قول المصنف، وهو قياس العبد في التقديرين. ولو ماتت قبل البيان .. روجع وارثه، فإن قال: قصد تمليك الدابة .. بطلت إن صدقه المالك أو كذبه أو حلف الوارث، وإن قال: قصد الصرف في مصالحها .. صحت، وإن قال: لا أعلم نيته .. حلف على نفي العلم وبطلت، كما لو قال الموصي: لم تكن له نية.

وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ وَيُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ، وَلِذِمِّيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وضبط المصنف (علفها) بإسكان اللام وفتحها، وهم صحيحان. قال: (وتصح لعمارة مسجد) وكذا لمصالحه، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك لعمارة الكعبة؛ لأنها قرية مقصودة، وفي معناها: المدارس والربط والخوانق والخانات المسبلة ونحوها، سواء من المسلم والذمي. وفي احتمال للبغوي: أنها لا تصح من الذمي؛ لأنه لا يعتقدها قربة. وصورة المسألة: أن يوصي لمسجد موجود، فإن وصى لمسجد سيبنى .. لم تصح قطعًا. قال: (وكذا إن أطلق في الأصح ويحمل على عمارته ومصالحه)؛ عملًا بالعرف، ويصرف إلى الأهم والأصلح بالاجتهاد. والثاني: تبطل كالوصية للدابة، فإن قال: أردت تمليك المسجد .. فنقل الرافعي عن بعضهم: أنها لا غية، ثم قال: ولك أن تقول: سبق أن للمسجد ملكًا وعليه وقفًا وذلك يقتضي صحة الوقف، قال المصنف: وهو أفقه وأرجح. قال: (ولذمي) بلا خلاف كما يجوز التصدق عليه، وروى البيهقي [6/ 281] عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنها قالت لأخ لها يهودي: أسلم .. ترثني، فأبى أن يسلم، فأوصت له بالثلث وكانت باعت حجرتها من معاوية بمئة ألف، فجاءت تركتها مئة ألف قيمة الأرض، فأبوا أن يعطوه حتى علمت عائشة رضي الله عنها، فأرسلت إليهم: اتقوا الله وأعطوه وصيته، فأخذ ثلثها وهو ثلاثة وثلاثون ألفًا ونيف). وقيل: إن الوصية كانت لابن أخيها، وهو يهودي أيضًا. وعن محمد بن الحنفية وعطاء وقتادة في قوله تعالى: {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا}: هو وصية المسلم للقريب الذمي. ولا يخفى أن محل الصحة بما يجوز له تملكه، فلا تصح بالمصحف والعبد المسلم على النص.

وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌ فِي الأَصَحِّ، وَلِقَاتِلٍ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا حربي ومرتد في الأصح) كالهبة لهما والصدقة عليهما. والثاني: المنع، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنا أمرنا بقتلهما فلا معنى للوصية لهما. واستدل له المتولي بقوله تعالى: {ولا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديركم أن تبروهم}، فاقتضت الآية: أن الذين قاتلونا لا يجوز لنا أن نبرهم، ولا فرق في الحربي الموصى له بين أن يكون دخل إلينا بأمان أو كان في دار الحرب. ولفظة (المرتد) من زيادة الكتاب. ومحل الخلاف في الحربي: إذا أوصى له بغير السلاح، فإن أوصي له به .. فهو كبيعه. وظاهر عبارته: استواؤهما في الخلاف، وبعضهم جعل المرتد أولى بالصحة، وبعضهم جعله أولى بالمنع، وكأن صورتها: ما إذا أوصى لشخص وهو حربي أو مرتد. ولو أوصى لمن يرتد .. فهي باطلة قطعًا، وقياسه لو أوصى لمن يحارب: عدم الصحة، وهو كذلك، أو لمسلم فارتد: تصح قطعًا. والأصح: أنه لا يصح الوقف على الحربي والمرتد. وفرقوا بين الوقف والوصية؛ بأن الوقف صدقة جارية فاعتبر فيها الدوام، وبأن معنى التمليك في الوصية أظهر منه في الوقف فألحقت الوصية بسائر التمليكات. واعترض ابن الرفعة على الأول؛ بأنه يقتضي: أن لا يصح الوقف على الزاني المحصن، ولم نر من قال به. قال: (ولقاتل في الأظهر)؛ لأنها تمليك بإيجاب وقبول فأشبهت الهبة والبيع، وبهذا قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين. والثاني: أنها باطلة، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه استحقاق ثبت بالموت فيمتنع بالقتل كالميراث، ولما روى الدارقطني [4/ 236] والبيهقي [6/ 281] عن علي رضي الله

وِلِوَارِثٍ فِي الأَظْهَرِ إِنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس لقاتل وصية) لكنه حديث باطل منكر، والقياس المذكور منتقض بأم الولد إذا قتلت سيدها؛ فإنها تعتق. والثالث: إن وصى لشخص فقتله .. بطلت لاستعجاله كالوارث، وإن جرحه ثم أوصى له .. صحت. وفي وجه آخر: أنها تصح للقاتل بحق دون غيره، ولا فرق على القولين بين العمد والخطأ بحق أو غيره. ومحل الخلاف: إذا أوصى للقاتل الحر، فإن أوصى للقاتل الرقيق .. فإنها تصح قطعًا، قال ابن يونس وشارح (التعجيز) وابن الرفعة. ولا حاجة إلى هذا، فإن الوصية لسيده وليس قاتلا، فلهذا صحت قطعًا. ولا خلاف أنه لو أوصى لمن يقتله .. أن الوصية باطلة؛ لكونها معصية. ولو أوصى لقاتل زيد، فإن كان بعد قتله .. صح ويكون ذكر القتل للتعريف، وإن كان قبل قتله .. فلا؛ لأن فيه إغراء، اللهم إلا أن يكون القتل بحق فتظهر الصحة. ولو قتل رب الدين المؤجل المديون .. حل، أو قتلت أم الولد سيدها .. عتقت قطعًا. ولو قتل المدبر سيده .. فطريقان: أحدهما: أن ينبني على أن التدبير وصية أو تعليق عتق، إن قلنا: وصية .. فهو على الأقوال، وإن قلنا: تعليق عتق .. عتق. وثانيهما: إن صححنا الوصية للقاتل .. عتق، وإلا .. فلا. قال: (ولوارث في الأظهر إن أجاز باقي الورثة) أي: المطلقين التصرف، سواء كانت الوصية بالثلث أو دونه كما في الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، ففي (البيهقي) [6/ 284]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة) قال الذهبي: إنه صالح الإسناد.

وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشافعي رضي الله عنه: لم يختلف أهل العلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: (لا وصية لوارث) ووجدتهم مجمعين عليه. والثاني: أنها باطلة وإن أجاز الوارث، واختاره المزني؛ لما روى أبو داوود [3560] والترمذي [2120] وابن ماجه [2714] عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث). وفي رواية: (لا تجوز وصية لوارث)، وهو أصرح من الأول. والمشهور: أنه لا فرق في الوصية للوارث بين الثلث وما زاد. وفي (رفع التمويه) لابن يونس: أن من أصحابنا من قال: القولان محلهما إذا جاوز الثلث، أما إذا لم يجاوزه .. فيصح قولًا واحدًا كما في الأجنبي، وهذا شاذ لا يعول عليه. وإذا قلنا بالصحة .. فهي موقوفة على الإجازة. وهل هي تنفيذ أو ابتداء عطية؟ قولان هنا وفي الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث: أصحهما: أنها تنفيذ كما سيأتي، وللقولين فروع تأتي في الزيادة على الثلث. ثم المراد بـ (الوارث): الخاص، فلو مات من غير وارث خاص .. فوصيته بالثلث صحيحة، وبما زاد عليه باطلة. وأغرب القاضي حسين فحكى: أن وصية من لا وارث له خاص لا تصح لآحاد المسلمين؛ بناء على أن ماله يكون موروثًا للمسلمين وأن الوصية للوارث باطلة. ولو كان في الورثة صغير أو مجنون أو محجور عليه بسفه .. لم تصح منه الإجازة، ولا من الحاكم عليه، ولا من وليه؛ لما في ذلك من تضييع حقه. والحيلة في الوصية للوارث أن يقول: أوصيت لزيد بألف إن تبرع لولدي بألف مثلًا؛ فإنه يصح، وإذا قبل .. لزمه دفعها إليه. قال: (ولا عبرة بردهم وإجازتهم في حياة الموصي)؛ لأنه لا يتحقق استحقاقهم قبل الموت؛ لجواز أن يشفى المريض، ولا بد من معرفة الوارث قدر الزائد على الثلث وقدر التركة، فإن جهل أحدهما .. لم تصح إن قلنا: ابتداء عطية، وإن قلنا:

وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْم الْمَوْتِ .. وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ، وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَةٌ وَتفْتَقِرُ إِلَى الإِجَازَةِ فِي الأَصَحِّ. وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنفيذ .. فالأظهر: البطلان كالإبراء عن المجهول. قال: (والعبرة بكونه وارثًا بيوم الموت)؛ لجواز أن يموت المريض قبله أو يموت قبل المريض فلا يكون وارثًا، فلو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن ثم الموصي .. فهو وصية لوارث، ولو لم يكن له ابن فحدث بعد الوصية الأخ .. فهي لغير الوارث. قال: (والوصية لكل وارث بقدر حصته) أي: مشاعًا (لغو)؛ لأنهم مستحقون لها وإن لم يوص، وخرج الرافعي فيه وجهًا: أنه يصح. قال: (وبعين هي قدر حصته صحيحة ونفتقر إلى الإجازة في الأصح)؛ لاختلاف الغرض في الأعيان ومنافعها، ومن ثم لم يجز إبدال مال الغير بمثله، وهكذا لو أوصى أن تباع عين من ماله لزيد .. صحت الوصية على الأصح. والثاني: لا تفتقر إليها؛ لأن حقوقهم في قيمة التركة لا في عينها؛ لأن المريض لو باع التركة بقيمة مثلها .. صح. ويجرى الخلاف فيما لو أوصى بأن تباع عين من ماله من إنسان بعينه بثمن مثلها. ويستثنى من الافتقار إلى القبول: ما إذا وقف على ولده الحائز في مرض موته عينًا .. فالأصح: إن احتملها الثلث .. صح ولم يكن للوارث إبطال الوقف في شيء منها، وإن زادت على الثلث .. صح في قدر الثلث وله رد الزائد. ولو كان له وارثان فأكثر، فوقف عليهما دارًا على قدر حصصهما، كابن وبنت، وقف عليه ثلثين، وعليها ثلثًا .. فالأصح: صحتها موقوفة على الإجازة، فإذا خرجت من الثلث .. صحت، وإلا .. رد على المذهب، وإن وقفها بينهما نصفين، فإن احتملها الثلث وأجازاها .. فهي بينهما كما وقفها. قال: (وتصح بالحمل)، هذا هو الركن الثالث وهو الموصى به، فتصح بالمجهول كالحمل في البطن واللبن في الضرع، وبما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق، لأن الموصى له يخلف الميت في ثلثه كما يخلفه الوارث في

بِشَرْطِ انْفِصَالِهِ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا، وَبِالْمَنَافِعِ، وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الأًصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلثيه، فلما جاز أن يخلف الوارث الميت في هذه الأشياء .. جاز أن يخلفه الموصى له، فلو قال: أوصيت بحمليها وكانت حينئذ حائلًا .. لم تصح. قال: (بشرط انفصاله حيًا لوقت يعلم وجوده عندها) أي: عند الوصية كما تقدم عند الوصية للحمل، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بالبهائم. وعبارة المصنف تقتضي: أنه لو انفصل ميتًا .. لغت، وليس كذلك، بل لو انفصل حمل الأمة مضمونًا بجناية .. لم تبطل الوصية والأرش للموصى له؛ لأنه انفصل متقومًا، بخلاف ما لم أوصى بحمل بهيمة فضرب شخص بطنها فوضعت ميتًا .. فإن الموصى له لا يستحق شيئًا؛ لأن دية الجنين بدل عنه والواجب في حمل البهيمة ما نقص من قيمتها، ولو ذبح الوارث البهيمة الموصى بحملها .. الظاهر: أن الجنين يكون للموصى له به كما لو انفصل حيًا ثم ذبح؛ لان ذكاته ذكاة أمه. وهل يصح القبول في حال الاجتنان؟ فيه وجهان؛ بناء على أن الحمل يعرف أم لا؟ ولو قال: إن ولدت ذكرًا فهو وصية لزيد أو أنثى فلعمرو فولدتهما .. دفع لكل منهما وصيته، وإن ولدت خنثى .. فهل يوقف إلى أن يصطلحا أو لا شيء لهما؟ وجهان. قال: (وبالمنافع) أي: المباحة؛ لأنها كالأعيان في الملك بالعقد وبالإرث فكانت كالأعيان في الوصية، وتجوز بالعين دون المنفعة، وبالمنفعة دون العين، وبالعين لواحد وبمنفعتها لآخر؛ لأن المنفعة والعين كالعنين، وتجوز بمنفعة مقدرة بمدة ومؤبدة، والمطلق مؤبد. قال: (وكذا بثمرة أو حمل سيحدثان في الأصح)؛ لأن المعدوم يجوز أن يملك بعقد المساقاة والإجارة فجاز أن يملك بعقد الوصية؛ لأنها أوسع بابًا من غيرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنها باطلة؛ بناء على أن الاعتبار بحال الوصية ولا ملك يومئذ بل لا وجود، والتصرف يستدعي متصرفًا فيه ولم يوجد، ويحكى هذا عن أبي حنيفة رحمه الله. والثالث: تصح بالثمرة دون الحمل؛ لأنها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها بخلاف الولد. وكان الأحسن أن يقول: سيحدث؛ لأجل العطف بـ (أو)، ولكنه جار على مذهب الكوفيين، والبصريون لا يعيدون الضمير بعده إلا مفردًا. فروع: أوصى بحمل هذه الشجرة هذا العام .. صح، وكذا بما تحمله كل عام. وإن أطلق الوصية بما تحمل .. فهل تعم كل سنة أو تختص بالسنة الأولى؟ قال ابن الرفعة: الظاهر: العموم. وبناه شيخنا على أن (ما) هذه هل تعم أو لا؟ فيها اختلاف: فمن قال بعمومها كالإمام فخر الدين .. صححها بكل السنين، ومن قال: لا تعم إلا إذا كانت استفهامية أو شرطية .. قال: تتناول سنة واحدة. وإذا احتاجت الثمرة الموصى بها أو الشجرة إلى السقي .. لم يجبر واحد من الوارث والموصى له عليه، فلو أراد الوارث أن يبيع الشجرة الموصى بثمرتها مطلقًا أو عمومًا .. قال الأصحاب: له ذلك كبيع الدار المستأجرة، وهذا إنما يظهر إذا كانت المدة معينة، وإلا .. فهي كبيع الموصى بمنفعتها دائمًا.

وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ، وَبِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبأحد عبديه)؛ لأن الوصية تحتمل الجهالة فلا يقدح فيها الإبهام، أما لو أوصى لأحد الرجلين .. فلا تصح في الأصح كسائر التمليكات، فلو قال: أعطوه أحد الرجلين .. صح، كقوله لوكيله: بعه من أحدهما، والتعيين فيما إذا أوصى بأحد عبديه، وفيما إذا قال: أعطوه أحد الرجلين للوارث، وله أن يعين من العبدين السليم والمعيب أو الصغير أو الكبير؛ لصدق الاسم، ولو كان لا يملك إلا أحدهما فقال: أوصيت بأحدهما .. انصرفت الوصية للملوك، قال القاضي حسين، وينبغي أن يكون على الخلاف في نظائره من الحصر والإشاعة. قال: (وبنجاسة يحل الانتفاع بها)؛ لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها من يد إلى يد بالإرث والهبة. واحترز عما لا يحل الانتفاع به كالخنزير وفرعه، والكلب العقور، والخمر غير المحترمة. قال: (ككلب معلَّم) يعني: لصيد أو لحرث أو ماشية؛ لجواز اقتنائه، وهذا لا خلاف فيه، إلا من تقييده بـ (المعلَّم) يفهم المنع في الجرو القابل للتعليم، والأصح: جوازه؛ بناء على جواز اقتنائه، لكن يشترط أن يكون جرو كلاب الصيد ونحوها، فلو كان الموصى له ليس صاحب صيد ولا زرع ولا ماشية .. ففيه وجهان في (الحاوي): أحدهما: أنها باطلة؛ اعتبارًا بالموصى له. والثاني: جائزة؛ اعتبارًا بالكلب فإن منتفع به، ولأن الموصى له ربما أعطاه من ينتفع به. وأقرب الوجهين فيما يظهر: المنع، وهو الذي صححه المصنف في (شرح المهذب) بالنسبة لجواز اقتنائه. ولو كان عنده كلاب معلَّمة .. تخير الوارث كأحد العبيد، ولا يختص المنع بغير

وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعلم، بل أوصى بما لا يصلح للصيد كالسبع والذئب .. لم يصح. قال: (وزبل)؛ لأنه ينتفع به، وكذلك الزيت النجس وجلد الميتة القابلة للدباغ. قال: (وخمر محترمة)؛ لأنه يجوز إمساكها لتتخلل بنفسها على الأصح، ومن هذا القبيل شحم الميتة لدهن السفن، وجزم الماوردي وابن الصباغ بجواز الوصية بالميتة؛ لأنه قد يطعمها البزاة. وقال في (شرح المهذب): يكره اقتناء الزبل للزرع. وفي وجه: أنه مباح. وقال ابن الرفعة: لو استحكمت الخمر وأيس من عودها خلًا إلا بصنع الآدمي .. فالأشبه: تحريم إمساكها، وقياسه: بطلان الوصية بها. فروع: أوصى له بجرة فيها خمر .. أريق الخمر وسلمت إليه، كذا نص عليه، ولا تصح الوصية بالمنفعة المحرمة، ولا بالقصاص، ولا بحد القذف، ولا بحق الشفعة وإن لم تبطل بالتأخير؛ لكون الثمن مؤجلًا. ولا تصح الوصية بالأصنام والأزلام، ولا بالحيات والعقارب والحشرات والذباب، وتصح بالفهد والفيل والنمر والشاهين والصقر والباز. وتصح بنجوم الكتابة، فإن انفسخت بالعجز .. فلا شيء للموصى له، ولو كان قبض بعضها قبل انفساخها .. استرده الوارث. والوصية بالمصحف وبالعبد المسلم وبالسلاح للكافر كبيعها.

وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ .. أُعْطِيَ أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَلْبٌ .. لَغَتْ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا .. فَالأَصَحُّ: نُفُوذُهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ الْمَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أوصى بكلب من كلابه .. أعطى أحدها)، والتخيير في التعيين إلى الوارث. هذا إذا كانت كلها معلمة للمنفعة المباحة، وكذلك الحكم لو قال: كلب من مالي، وإن لم يكن الكلب مالًا؛ لأن المنتفع به منها تعتوره الأيدي، فهو كالمال، فقد يستعار له اسم المال، ودل على هذه الاستعارة ضرورة جعله الكلب بعضها. ولا يدخل في اسم الكلب والحمار الأنثى على ما قاله الغزالي، وصوبه المصنف وإن كان الرافعي توقف؛ لأنه يقال: كلب وكلبة. قال: (فإن لم يكن له كلب .. لغت) سواء قال: من كلابي، أو من مالي، وسواء كان له مال آخر أو لم يكن؛ لأن الكلب يتعذر شراؤه، بخلاف: أعطوه عبدًا من مالي، حيث يشترى له؛ لإمكانه. وفي وجه: أنها تصح ويعطى مثل الكلب من الجوارح الطاهرة، فلو لم يكن له كلب .. قال القمولي: يظهر أنه على الوجهين المتقدمين. ولو كان له كلب أو كلاب ينتفع بها .. صحت ويتعين الإعطاء منها، بخلاف ما إذا قال: عبدًا من مالي وله عبيد؛ فإنه يجوز أن يشترى عبد منه ويعطاه. قال: (ولو كان له مال وكلاب ووصى بها أو ببعضها .. فالأصح: نفوذها وإن كثرت وقل المال)؛ لأن المعتبر: أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، والمال وإن قل خير من ضعف الكلب الذي لا قيمة له. والثاني: أن الكلاب ليست من جنس المال فيقدر أنه لا مال له وتنفذ الوصية في ثلث الكلاب. والثالث: تقوم الكلاب أو منافعها على الاختلاف الآتي، فإن قال: أعطوه كلبًا

وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ وَطَبْلٌ يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ وَحَجِيجٍ .. حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ .. لَغَتْ إِلَّا أَنْ يَصْلُحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلابي، وليس له إلا كلب واحد .. فالأصح: أنه يدفع إليه ثلثه. ولو وصى بثلث ماله لرجل وبالكلاب لآخر .. قال القاضي أو الطيب: تنفذ الوصية بجميع الكلاب؛ لأن ثلثي المال الذي يبقى للورثة خير من ضعف الكلاب، واستبعده ابن الصباغ؛ لأن ما يأخذه الورثة من الثلثين هو حصتهم بحسب ما نفذت الوصية فيه وهو الثلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرة أخرى في الوصية بالكلاب، وصحح في (الروضة) قول ابن الصباغ. قال: (ولو أوصى بطبل وله طبل لهو وطبل يحل الانتفاع به كطبل حرب وحجيج .. حملت على الثاني)؛ لأن الموصي يقصد حيازة الثواب، والظاهر: أنه يقصد ما تصح الوصية به، يعطى الجلد الذي عليه إن لم يصدق اسم الطبل إلا به، وإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصية بها .. فهي باطلة .. و (طبل اللهو): الكوبة المذكورة في (الشهادات). و (طبل الحرب): ما يضرب للتهويل. و (طبل الحجيج): الذي يضرب للإعلام بالنزول والارتحال، ومثله في الحكم طبل الباز، وكذلك (طبل العطارين) وهو: السفط الذي يوضع فيه العطر. قال: (ولو أوصى بطبل اللهو .. لغت)؛ لأنه معصية، سواء كانت من جوهر نفيس أم لا. وقال الإمام والغزالي: إذا كانت من جوهر نفيس .. صحت وكأنه أوصى برضاضة إذا كسر، والتعليق لا يقدح في الوصية، كما إذا قال: أوصيت له برضاضه؛ فإنه يصح قولًا واحدًا وكأنه علقه بكسره. قال: (إلا أن يصلح لحرب أو حجيج) إما على الهيئة التي هو عليها، وإما بعد التغيير الذي يبقى معه اسم الطبل. ولو قال: إلا أن يصلح لمباح .. كان أخصر وأعم؛ فإن طبل الباز كذلك. وتصح بالدف؛ لأن الضرب به مأمور به في النكاح ففيه منفعة مباحة.

فصل

فَصْلٌ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تصح بالعود ونحوه من الآلات المحرمة، إلا أن تصلح لمنفعة مباحة فتصح. وقال الماوردي: تصح الوصية بالشبابة التي ينتفع بها في الأسفار والحرب. تتمة: وصى له بقوس .. دفع إليه قوس بندق أو قوس ندف أو قوس رمي إلا أن يقرن به ما يدل على أحدها فيحمل عليه، ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسًا .. قال المتولي: للوارث أن يعطيه ما شاء من الثلاثة وغيرها. وتوقف فيه الرافعي، وصوبه المصنف، واختاره الشيخ، وهو المنصوص في (الأم). فلو قال: من قسيي، وله ندف وجلاهق فقط .. حمل على الجلاهق؛ لأنه أخص بالاسم. و (القوس) يقع على العربي وهو: ما ترمى به النبل وهي السهام العربية، وعلى الفارسي وهو: ما يرمى به النشاب، وعلى قوس الحسبان وهو: قوس الرجل، وعلى الجلاهق وهو: ما يرمى به البندق، وعلى قوس القطن. ولا يدخل الوتر في القوس على الأصح، وأما الريش والنصل .. فيدخلان في السهم. قال: (فصل: ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد: (الثلث والثلث كثير) متفق عليه. وهذه العبارة أحسن من قول الرافعي: لا ينبغي أن يوصي بأكثر من ثلث ماله،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة غيرهما أحسن منهما وهي: تكره الوصية بما زاد على الثلث. وقال القاضي حسين: تحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن فعل ذلك قولًا شديدًا كما تقدم. وروى ابن ماجه [2709]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم) لكنه ضعيف. وقيل: إن كانت ورثته أغنياء .. استوفي الثلث، وإلا .. استحب النقص؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: فقراء يسألون الناس بأكفهم. وجزم بهذا في (التنبيه)، وأقره عليه في (التصحيح)، وصرح بتصحيحه في (شرح مسلم)، وقال في (الروضة): الأحسن: أن ينقص من الثلث شيئًا، فإن استوفى الثلث .. جاز؛ لأن البراء بن معرور وصى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث ماله، فقبله ورده على ورثته. ولا فرق بين أن يكون الموصي جاهلًا بقدر ثلث ماله أو عالمًا. فرع: أفتى الكمال إسحاق شيخ المصنف وتلميذ ابن الصلاح بأنه لو قال: أعطوا زيدًا ما بقى من ثلثي، ولم يكن قد أوصى بشيء .. أنه يعطى جميع الثلث، وفيه نظر. ولو أوصى بثلثه ولم يذكر مصرفًا .. قال الشيخ أبو حامد وأتباعه: يكون للفقراء والمساكين، ووافقهم المصنف.

فَإِنْ زَادَ وَرَدَّ الْوَارِثُ .. بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ أَجَازَ .. فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ، وَفِي قَوْلٍ: عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن زاد ورد الوارث .. بطلت في الزائد)؛ لأنه حقه، وهذا بالإجماع فيمن له وارث خاص. ولابد من أن يكون الوارث مطلق التصرف، فلو كان محجورًا عليه لسفه أو جنون أو صغر .. فلا عبرة بقوله. قال: (وإن أجاز .. فإجازته تنفيذ)، وبه قال الأئمة الثلاثة؛ لأجل الاستثناء المذكور في الأحاديث، ولأن المريض إذا وهب أو وصى أو أعتق أو ما أشبه ذلك ثم شفي .. صح تصرفه بالاتفاق، وهذا أدل دليل على أنها تنفيذ. فعلى هذا: تكون العطية من الميت للموصى له جائزة غير لازمة، فإذا أجازها الوارث .. لزمت وتنفذ حملًا على عطية الميت وليس للمجيز الرجوع، فإذا خلف زوجة –هي بنت عمه- وأباها وكان قد أوصى لها فأجاز أبوها الوصية .. فلا رجوع له إن جعلناها تنفيذًا، وإن جعلناها ابتداء عطية .. فله الرجوع. قال: (وفي قول: عطية مبتدأة) أي: من الوارث، فإذا أجازها .. كانت كهبة من جهته لا أثر فيها لوصية الميت. ولا يكفي قبول الوصية أولًا، بل لابد من قبول آخر في المجلس ومن القبض، وللمجيز الرجوع قبله. وهل يعتبر لفظ التمليك ولفظ الإعتاق إذا كان الموصى به العتق؟ فيه وجهان: أحدهما: لا، بل تكفي الإجازة. وأصحهما: نعم، ولا يكفي لفظ الإجازة كما لو تصرف تصرفًا فاسدًا من بيع أو هبة ثم أجازه.

وَالْوَصِيَّةُ بِالزَّيَادَةِ لَغْوٌ. وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ يَوْمَ الْمَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والوصية بالزيادة لغو) يعني: تفريعًا على أنها عطية مبتدأة لا فائدة للوصية بالزيادة على الثلث؛ للنهي عنها، فلو لم يكن له وارث خاص .. فالوصية بالزائد باطلة؛ لعدم المجيز، خلافًا لأبي حنيفة وأحمد، فلو أجاز ثم قال: أجزت لأني ظننت أن المال قليل وقد بان خلافه .. فالقول قوله مع يمينه: أنه لا يعلم، وإن قال: ظننت أن المال كثير وقد بان خلافه .. ففيه قولان: أحدهما: يقبل. والثاني: لا يقبل، والصحيح الأول. قال: (ويعتبر المال يوم الموت)؛ لأن الوصية تمليك بعده وحينئذ يلزم، فلو أوصى بعد من عبيده ولا عبد له ثم ملك عبدًا عند الموت .. تعلقت الوصية به، ولو زاد ماله بعد الوصية .. تعلقت الوصية به، وكذا لو تلف ماله أو لم يكن له مال ثم اكتسب مالًا. ولو وصى لشخص بنصف ماله ولآخر بثلث ماله ورد الورثة. قسم الثلث بينما أخماسًا. ولو وصى لرجل بالثلث ولآخر بالمال .. قسم الثلث أرباعًا، وقال أبو حنيفة بالسوية. ويشترط فيها: أن يعرف المجيز قدر التركة وقدر الزائد على الثلث، فإن لم يعرف واحدًا منهما .. لم تصح إن جعلناها ابتداء عطية، وإن جعلناها تنفيذًا .. فهي كالإبراء عن المجهول، والصحيح: أنه لا يصح.

وَقِيلَ: يَوْمَ الْوَصِيَّةِ. وَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وتَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْراءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: يوم الوصية) كما في نذر التصدق بثلث ماله ينظر إلى يوم النذر. فعلى هذا: تنعكس الأحكام المتقدمة، فلو كان دين مستغرق .. لم تنفذ الوصية في شيء، لكنها تنعقد حتى ينفذها لو أبرئ أو قضي عنه، ومنه من قطع في اعتبار القدر بيوم الموت وخص الخلاف بمن لم يملك شيئًا أصلًا ثم ملكه. قال: (ويعتبر من الثلث أيضًا عتق علق بالموت)؛ لأنه وصية، سواء علقه في صحته أو مرضه. قال: (وتبرع نجز في مرضه كوقف وهبة وعتق وإبراء)؛ لإطلاق: (إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم) ففيه إشعار بأنه لم يعطهم التصرف ذلك الوقت في أكثر من الثلث لا منجزًا ولا معلقًا إذا كان تبرعًا، وتقدم: أن الحديث ضعيف، لكن الحكم متفق عليه عند الجمهور. ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض .. اعتبر من الثلث؛ لأن القبض من تمام الهبة، ولا يشترط القبض في المحاباة وإن كانت في معنى الهبة؛ لأنها ضمنية، فلو اختلف الوارث والمتهب هل الهبة في الصحة أو المرض .. فالأصح: أن القول قول المتهب؛ لأن العين في يده والظاهر اللزوم، لكن يستثنى من العتق المنجز أم الولد في مرضه؛ فإنها تعتق من رأس المال كما سيأتي في آخر الكتاب مع أنه تبرع نجز في المرض. فرع: نكاح المريض صحيح؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه بلاغًا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال في مرض موته: (زوجوني لا ألقى الله عزبًا)، ولأنه استباحة عضو فتستوي فيه حالة الصحة والمرض كشراء الجواري، فإن أصدقها مهر مثلها ..

وَإِذَا اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ: فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ .. أُقْرِعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كان من رأس المال قل أو كثر، وإن كان الصداق أكثر من مهر المثل .. فالزيادة محاباة. وقال الزهري: يصح النكاح ولا ترث. وقال ربيعة: يكون مهرها من الثلث. وقال مالك: لا يصح النكاح. وقال الشافعي رضي الله عنه: له أن ينكح أربعًا، وروى في ذلك آثارًا عن الصحابة والتابعين. فرع: أوصى بتأجيل الحال .. حسب كله من الثلث، وللروياني احتمال في أنه لا يحسب إلا التفاوت بين الحال والمؤجل، وهو قوي؛ لأن الفائت على الورثة إنما هو التفاوت فقط. قال: (وإذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت وعجز الثلث: فإن تمحض العتق .. أقرع)، سواء وقعت الوصيتان معًا أو مرتبًا، فمن قرع .. عتق منه ما يفي بالثلث؛ لحديث الذي أعتق ستة مملوكين. والمعنى فيه: أن المقصود من العتق تكميل الأحكام ولا يحصل إلى بعتق جميع الرقبة، وهذا بخلاف سائر التبرعات؛ لأن المقصود منها الملك، وذلك يحصل في بعض ما وصى به أو تبرع به. وفي وجه: يقسط الثلث عليهم كغير العتق؛ لأن القرعة من خاصة العتق بمنجز. وصورة العتق المعلق بالموت: إذا مت .. فأنتم أحرار، أو أعتقكم بعد موتي، وكذا إذا مت .. فسالم وغانم ومسعود أحرار. هذا عند الإطلاق، أما إذا قال: أعتقوا سالمًا بعد موتي ثم غانمًا .. فإنه يقدم ما قدمه جزمًا.

أَوْ غَيْرُهُ .. قُسِّطَ الثُّلُثُ، أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ .. قُسِّطَ بِالْقِيمَةِ، وَفِي قَوْلٍ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو غيره .. قسط الثلث) أي: على الجميع باعتبار القيمة؛ لاستوائها. مثاله: الهبة والوقف والإبراء والمحاباة، وكما تقسم التركة بين أرباب الديون إذا ضاقت عن الوفاء؛ لاستوائهم في الاستحقاق وعدم المرجح، وقاسه الشافعي رضي الله عنه في (الأم) على العول في الفرائض. مثاله: أوصى لزيد بمئة ولعمرو بخمسين ولبكر بخمسين وثلث ماله مئة .. أعطى زيد خمسين ولكل من الآخرين خمسة وعشرون، ولا يقدم بعضها على بعض بالسبق؛ لأن الوصايا إنما تملك بالموت، فاستوى حكم المتقدم والمتأخر في الاستحقاق وعدم المرجح. قال: (أو هو وغيره) كما إذا أوصى بعتق سالم ولزيد بمئة (.. قسط) أي: الثلث (بالقيمة)؛ لاتحاد وقت الاستحقاق. قال: (وفي قول: يقدم العتق)؛ لقول سعيد بن المسيب: مضت السنة أن يبدأ بالعتاقة في الوصية. ولأن له سراية، وحق الله تعالى وحق الآدمي متعلقان به فهو أقوى. قال الرافعي: هذا في وصايا التمليك مع العتق، أما إذا أوصى للفقراء بشيء ويعتق عبد .. فقال البغوي: هما سواء؛ لأن كلًا منهما قربة. وقطع الشيخ أبو علي بطرد القولين؛ لوجود القوة والسراية، وقال في (الروضة): إنه أصح، وإذا سوينا .. فما خص العبيد إذا ضاق عنهم يقرع بينهم. ويستثنى من إطلاق المصنف: ما لو دبر عبده وقيمته مئة وأوصى له بمئة وثلث ماله مئة .. فإنه تقدم وصية العبد فيعتق كله ولا شيء للوصية على الصحيح، خلافًا لما صححه البغوي من التقسيط.

أَوْ مُنَجَّزَةٌ .. قُدِّمَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ. فَإِنْ وُجِدَتْ دُفْعَةً وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إِبْرَاءِ جَمْعٍ .. أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ وقُسِّطَ فِي غَيْرِهِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ وَتَصَرَّفَ وُكَلَاءُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: الكتابة مع الهبة وسائر الوصايا كالعتق، فقيل: على القولين، وقيل: يسوى هنا قطعًا؛ لعدم القوة والسراية. قال: (أو منجزة) بأن أعتق ووقف وتصدق وأبرأ ووهب مقبضًا وحابى في العقود. قال: (.. قدم الأول فالأول حتى يتم الثلث)؛ لأن الأول لازم لا يحتاج إلى رضى الورثة ولا يملك المريض الرجوع فيه، وما بعده مما لا يخرج من الثلث يفتقر إلى رضاهم، فكان ضعيفًا، والقوى مقدم على الضعيف، سواء كان فيها عتق أو لا، وسواء اتحد الجنس أو اختلف. قال: (فإن وجدت دفعة) إما منه أو بوكالة (واتحد الجنس كعتق عبيد أو إبراء جمع .. أقرع في العتق) أي: خاصة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الستة المملوكين. وسكت المصنف عما إذا أشكل الأمر، والأصح في (باب الدعاوى) من (الروضة): يعتق من كل نصفه. قال: (وقسط في غيره) كما لو وهب جماعة وقبلوا معًا وقبضوا معًا، أو حابى جماعة، والتقسيط في جميع ذلك باعتبار القيمة. قال: (وإن اختلف) أي: الجنس؛ بأن وكل وكيلًا في العتق، وآخر في البيع بالمحاباة، وآخر في الهبة. قال: (وتصرف وكلاء) أي: دفعة واحدة.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ .. قُسِّطَ، وَإِنْ كَانَ .. قُسِّطَ، وَفِي قَوْلٍ: يُقَدَّمُ [الْعِتْقُ]. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ؛ سَالِمٌ وَغَانِمٌ، فَقَالَ: إِنْ أَعْتَقْتُ غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ .. عَتَقَ وَلَا إِقْرَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وضبط المصنف بخطه (تصرف) بفتح الراء ورفع (وكلاء). وتصويره بـ (الوكلاء)؛ لأنه أغلب، وقد يتصور منه بأن يقال له: أعتقت وأبرأت ووقفت؟ فيقول: نعم. قال: (فإن لم يكن فيها عتق .. قسط) أي: الثلث على الجميع باعتبار القيمة، كما يفعل في الديون. قال: (وإن كان) أي: فيها عتق (.. قسط، وفي قول: يقدم [العتق]) هما القولان السابقان، ثم المقارنة إنما هي وقت الملك؛ وذلك بالقبض في الهبة، وبالعقد في المحاباة. وبقى قسم لم يذكره المصنف هنا، وهو: تبرعات منجزة، وأخرى معلقة بالموت، وحكمه: تقديم المنجزة؛ لأنها تفيد الملك في الحال، ولازمة لا يمكن المريض الرجوع فيها. ولو أوصى بعتق عبد وعلق عتق آخر بالموت .. فهما سواء، وقيل: يقدم المدبر؛ لسبق عتقه، فإن غيره يحتاج إلى إنشاء عتق. قال: (ولو كان له عبدان فقط؛ سالم وغانم، فقال: إن أعتقت غانمًا فسالم حر، ثم أعتق غانمًا في مرض موته .. عتق) أي: غانم؛ لسبقه (ولا إقراع)؛ لاحتمال أن يخرج سالم فيلزم إرقاق غانم فيفوت شرط عتق سالم. وقيل: يقرع، كما لو قال: أعتقتكما. ولا يخفى أن محل الخلاف: إذا لم يخرج من الثلث إلا أحدهما، فإن خرجا .. عتقا. ولو قال: إن أعتقت غانمًا فسالم حر في حال إعتاقي غانمًا، ثم أعتق غانمًا في مرضه .. فكذلك الجواب من غير فرق.

وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وبَاقِيهِ غَائِبٌ .. لَمْ تُدْفَعْ كُلُّهَا إِلَيْهِ فِي الْحَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: هذه الصورة مستثناة من الإقراع، ولهذا ذكرها تلوها، وتستثنى ثانية ذكرها المصنف في (باب العتق): إذا قال: ثلث كل واحد حر بعد موتي، فيعتق من كل واحد ثلثه عند الإمكان، ولا قرعة في الأصح. الثاني: قوله: (فقط) من زياداته على (المحرر)، وفيه إشكال؛ لأنه إما أن يريد لا مال له سواهما، أو لا عبيد له غيرهما. إن أراد الأول .. لم يستقم قوله آخرًا: (أعتق)؛ فإنه حينئذ إنما يعتق من غانم ثلثاه إن تساوت قيمتها، وإن تفاوتا .. فقدر الثلث. وإن أراد الثاني، وهو ظاهر تصوير (الشرح) و (الروضة) .. فينبغي حمله على ما إذا كان الثلث لا يخرج إلا من أحدهما، أما إذا احتملهما الثلث .. فيعتقان؛ غانم بالسراية، وسالم بالصفة. فرع: أقر في مرض موته بعتق عبد ولم يضف الإقرار إلى حال المرض أو حال الصحة .. حمل على أقرب زمان يمكن الحمل عليه، وذلك حال المرض، فتحسب قيمته من الثلث؛ لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمان، قاله القاضي حسين وغيره. قال: (ولو أوصى بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقيه غائب .. لم تدفع كلها إليه في الحال) باتفاق الأصحاب؛ لأن ما يحصل للموصى له ينبغي أن يحصل للورثة مثلاه، وربما يتلف المال الغائب.

وَالأًصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أنه لا يتسلط على التصرف في الثلث أيضًا)؛ لأن تسليطه يتوقف على تسليط الورثة على مثلي ما تسلط عليه، ولا يمكن تسليطهم؛ لاحتمال سلامة الغائب، فيخلص جميع الموصى به للموصى له، فكيف يتصرفون فيه؟! والثاني: يتسلط؛ لأن استحقاقه لهذا القدر مستيقن، وصور الإمام المسألة بغائب يعسر الوصول إليه، وإلا .. فلا، وللأئمة تردد في أن هذه الغيبة هل تعد حيلولة مع إمكان التصرف؟ وبنوا عليه إخراج زكاته في حال غيبته. والمراد بـ (التصرف): الناقل للملك كالبيع ونحوه، أما التصرف بالاستخدام والإيجار .. فلا يمتنع كما أشار إليه الماوردي. وقال صاحب (الإنتصار): إذا أذن له الورثة في التصرف في الثلث .. صح، وفيه نظر. ثم إذا تصرف الورثة في ثلثي الحاضر نقل الرافعي عن (أمالي السرخسي): أنه إن بان هلاك المال الغائب .. تعين نفوذ تصرفهم، ثم قال: وهذا يجب أن يخرج على وقف العقود. قال المصنف: بل يخرج على ما لو باع مال أبيه على ظن حياته، والمصنف صرح في الشرط الثالث من شروط البيع بأن جميع ذلك من وقف العقود. فرع: لو أوصى بالثلث وله عين ودين .. دفع إليه ثلث العين، وكلما نض من الدين شيء .. دفع إليه ثلثه، ولو كان له مئة درهم حاضرة وخمسون غائبة وأوصى لرجل بخمسين من الحاضرة ومات وقبل الوصية .. أعطى خمسة وعشرين والورثة خمسين،

فصل

فَصُلٌ: إِذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا .. لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتوقف خمسة وعشرون، فإن حضر الغائب .. أعطى الموصى له الموقوف، وإن تلف الغائب .. قسمت الخمسة والعشرون أثلاثًا، فللموصى له ثلثها وهي ثمانية وثلث، والباقي للورثة. تتمة: أوصى لشخص بدينار كل سنة .. صحت الوصية في السنة الأولى، وفيما بعدها قولان: أظهرهما عند الرافعي والشيخ: الصحة، وعلى هذا للورثة التصرف في ثلثي التركة لا محال، وفي ثلثها وجهان: أحدهما: لهم التصرف فيه بعد إخراج الدينار الواحد. والثاني: أنه موقوف، فإذا قلنا بالوقف وبقى الموصى له حيًا حتى استوعب الثلث .. فذاك، وإن مات قبله .. سلم بقية الثلث إلى ورثة الموصي، وفيه بحث طويل للشيخ مذكور في (التوشيح) و (الفتاوى). قال: (فصل): عقده لبيان الأمراض المخوفة وما يعتري البدن من الأعراض، والمرض الحاصل للإنسان إن انتهى إلى حالة يقطع فيها بموته في الحال، كما لو شخص بصره عند النزع، أو بلغت الروح الحنجرة، أو قطع حلقومه ومريه، أو قد نصفين، أو شق بطنه وخرجت حشوته، أو غرق ولا يحسن السباحة .. لم يعتبر كلامه في وصية ولا تصرف ولا إسلام ولا توبة، وحركته حركة المذبوح. وإن لم ينته إليها، فإن لم يندر منه الهلاك .. فهو المخوف المقتضي للحجر في التبرعات، وإن ندر منه .. فليس بمخوف. وأخذ المصنف في بيان ذلك فقال: (إذا ظننا المرض مخوفًا .. لم ينفذ تبرع زاد على الثلث) بل يكون موقوفًا؛ لأنه

فَإِنْ بَرَأَ .. نَفَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محجور عليه بمجرد المرض المخوف، كذا قاله الغزالي والرافعي. قال الشيخ: فإن أراد في نفس الأمر .. فصحيح، لكن لا فرق بين أن نظنه أو لا إذا بان مخوفًا؛ إذ المناط نفس المرض المخوف لا ظننا، وإن أراد في الظاهر .. فهو مخالف للأكثرين حيث قالوا: إذا أعتق في مرضه أمة .. يجوز لوليها أن يزوجها؛ لأنها حرة في ظاهر الحال. ولا اعتبار باحتمال ظهور دين، فإن تحققنا نفوذ العتق .. استمرت الصحة، وإلا، فإن رد الورثة أو أجازوا وقلنا: هي عطية مبتدأة .. بان الفساد، أو تنفيذ .. فكما لو خرجت من الثلث. و (المخوف): كل ما يستعد به الإنسان لما بعد الموت بالإقبال على الأعمال الصالحة. وضبطه الماوردي بما لا تتطاول بصاحبه مع الحياة. والأحسن أن يقال: كل ما اتصل به الموت. وقال الإمام: لا يشترط في كونه مخلوفًا غلبة حصول الموت به، بل يكفي أن لا يكون نادرًا بدليل البرسام. قال ابن الرفعة: وهو خلاف ما عليه الجمهور. وقوله: (لم ينفذ) يجوز أن يقرأ بفتح الياء وسكون النون وضم الفاء، وأن يقرأ بضم الياء وفتح النون وتشديد الفاء، وكلاهما صحيح. وعلم من ذلك: أن المريض المتبرع ليس له أن يرجع في تبرعه اللازم كما في حال الصحة؛ لأنه قد يبرأ فيكون التبرع لازمًا. ثم قوله: (الثلث) إن حمل على الثلث المعتبر عند الموت وهو مجهول الآن .. فلا خلاف فيه لكنه لا يشترك فيه الظن، وإن حمل على الثلث الحاصل على التبرع .. كان خلاف قول الأكثرين. قال: (فإن برأ .. نفذ)؛ لأنه تبين حصة تبرعه، والمراد: استمر نفوذه، وقياس قول ابن الحداد: أنا نحكم الآن بنفوذه، أو نتبين أنه نفذ من ذلك الوقت فيما

وَإِنْ ظَنَنَّاهُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ: فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْفَجْأَةِ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. فَمَخُوفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقبل الوقف، وإلا .. فالنكاح لا يأتي فيه ذلك. قال: (وإن ظنناه غير مخوف فمات: فإن حمل على الفجأة .. نفذ)، وكذا على سبب خفي، كما إذا مات من وجع الضرس أو العين. وإدخال (الألف) و (اللام) على فجأة غير معروف في اللغة، بل المعروف تنكيرها مع المد والهمز، وقال في (المحكم): استعملها ثعلب بـ (الألف) و (اللام)، ولا أدري من كلام العرب أم من كلامه، لكن في الحديث: (موت الفجأة أخذة أسف). فرع: لو لم يبرأ المتبرع لكن مات بهدم أو غرق أو ترد أو قتل .. قال الماوردي: ينفذ، وقال القاضي حسين والبغوي: يحسب من الثلث، واختاره الشيخ، وذكر نصًا يعضده. قلت: هذا الفرع ينبني على أصل بين الأشاعرة والمعتزلة، فعند المعتزلة: أن من مات بهذه الصفة لم يمت بأجله وإنما قطع عمره، وعند أهل السنة: انتهى أجله، ولما كان الماوردي له ميل إلى مذهب المعتزلة في بعض المسائل .. سرى إليه هذا التفريع، وهو يوافق مذهبهم، وما قاله القاضي يوافق مذهب أهل السنة. قال: (وإلا .. فمخوف) أي: إن لم يحمل على فجاءة، ومثلوه بإسهال يوم أو يومين، فإنا كنا نظن أن القوة تحتمله فبان خلافه، ونازعه الشيخ في ذلك، وسيأتي: إن إسهال يوم أو يومين غير مخوف.

وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا .. لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِطَبِيبَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو شككنا في كونه مخوفًا .. لم يثبت إلا بطبيبين حرين عدلين)؛ مراعاة للعدد مع أهلية الشهادة؛ لأنه تعلق به حق آدمي، ويشترط علمهما بالطب؛ لأن قول الجاهلين غير مقبول. قال الماوردي: وإذا اختلف في كونه مخوفًا .. رجع إلى قول الأعلم، فإن أشكل .. فالأكثر عددًا، فإن استووا .. رجع إلى قول من شهد بالخوف. واكتفى المصنف بوصف العدالة عن ذكر الإسلام والتكليف؛ فإنهما من شروط العدالة. وذكروا في جواز العدول عن الماء إلى التيمم بقول الصبي المراهق والفاسق وجهًا: أنه لا يشترط العدد، وصححوه هناك. وعن الخطابي وجه: أن ينتقل إلى التيمم بقول الطبيب الكافر، كما يجوز شرب الدواء من يده. قال الرافعي: ولا يبعد أن تطرد هذه الاختلافات هنا، والصحيح: أن الكافر غير مقبول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حدثكم أهل الكتاب بشيء .. فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) رواه أبو داوود [3639] والطبراني [طب 22/ 350] من حديث أبي نملة الأنصاري. وأما قول الرجل الواحد والنسوة .. فلا يثبت به ذلك إلا إذا كانت العلة باطنة بالمرأة لا يطلع عليها الرجال غالبًا؛ فإنه يثبت بقولهن. وعبارته صريحة في قبول شهادتهما بكونه غير مخوف، وهي ظاهر كلام الأكثرين. وقال المتولي: إنما تقبل شهادة الطبيب إذا قال: المرض مخوف، فإن قال: غير مخوف .. فإن شهادته على النفي، وكلام الرافعي مصرح بخلافه. وإذا كان التبرع في مرض غير مخوف ثم طرأ عليه المخوف ومات منه .. قال الإمام: إن قال أهل الخبرة: إن ذلك المرض يفضي إلى المخوف .. فهو أيضًا مخوف، وإن قالوا: لا يفضي إليه غالبًا .. فتبرعه فيه كالتبرع في الصحة، وفي نص

وَمِنَ الْمَخُوفِ: قُولَنْجٌ، وَذَاتُ جَنْبٍ، وَرُعَافٌ دَائِمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي رضي الله عنه ما يؤيد ذلك. وإذا اختلف الوارث والمتبرع عليه في كونه مخوفًا .. صدق المتبرع عليه؛ لأن الأصل السلامة، إلا أن يقيم الوارث شاهدين. قال: (ومن المخوف: قولنج) نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب، وهو: أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الأمعاء فلا تنزل، ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيهلك، وقد ينشأ من القولنج الوسواس والمالنخوليا والصرع. و (القولنج) بضم القاف وإسكان الواو وفتح اللام، ويقال فيه: قولولن، وليس بعربي، ووقع في (العباب): أنه بكسر اللام، والمعروف فتحها. ويسمى القولنج الذي في الأمعاء الرقيقة: أبلاويس، ومعناه: رب ارحم، وهو مما يستعاذ منه، والسلامة منه نادرة. وينفع القولنج: التين، والزبيب، والخبز الخشكار، وترك الغداء، والمبادرة إلى التنقية بالأسهال من فوق، ويضره: كل غليظ من اللحم، وحبس الريح، وشرب الماء البارد، والبقول إلا السذاب والسلق. قال: (وذات جنب) وسماها الشافعي رضي الله عنه: ذات خاصرة، وهي من الأمراض الرديئة؛ لأنها قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد، ثم تنفتح في الجنب ويسكن الوجع، ذلك وقت الهلاك. ومن علامتها: الحمى اللازمة، والوجع الناخس تحت الأضلاع، وضيق النفس وتوتراه، والنبض المنشاري، والسعال، وإنما كان مخوفًا؛ لقربه من القلب والكبد، وهما رئيسان، ولما كانت من سيء الأسقام .. قال صلى الله عليه وسلم: (لم يكن الله ليسلطها علي). ومثلها القروح التي تحدث في الصدر والرئة. قال: (ورعاف دائم)؛ لأنه يسقط القوى، وابتداؤه غير مخوف، بل هو من مصالح الدماغ؛ فإنه عضو رئيس ويصعد البخار إليه، والمواد يعرض لها غليان،

وَإِسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ، وَدِقٌ، وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فاحتاج أن يكون لها منافذ تدفع فضوله، وقد تقدم في صلاة المسافر: أن (رعف) مثلث العين. قال: (وإسهال متواتر)؛ لأنه ينشف رطوبات البدن، فإن كان يومًا أو يومين ولم يدم .. فليس بمخوف إلا أن يكون معه دم، أو يضم إليه انخراق البطن فلا يمسك الطعام ويخرج غير مستحيل، أو ومعه دم كثير كما سيأتي. قال: (ودق) وهو: داء يصيب القلب فلا تطول معه الحياة غالبًا، وهو بكسر الدال. قال: (وابتداء فالج) وهو: استرخاء عام لأحد شقي البدن طولًا، وسببه: غلبة الرطوبة والبلغم، فإذا هاج .. ربما أطفأ الحرارة الغريزية وأهلك، فإذا استمر .. فليس بمخوف، سواء قارنه ارتعاش أم لا؛ لأنه حينئذ لا يخاف منه الموت عاجلًا، وفي الحديث: (الفالج داء الأنبياء). ويطلق الفالج أيضًا على استرخاء أي عضو كان. وألحق صاحب (التهذيب) بالفالج (السل)، ويقال له: الهلاس وهو: قرحة في الرئة يلزمها إفراط هزال البدن وإصفراره، ومجموع ما فيه ثلاثة أوجه: أشبهها: أنه ليس بمخوف مطلقًا؛ لأنه لا يخاف منه الموت عاجلًا كالشيخوخة. والثاني -وهو اختيار الغزالي وتبعه (الحاوي الصغير) -: أن انتهاءه مخوف وابتداءه غير مخوف، وهذا هو الظاهر من حيث التجربة. والثالث: عكسه، وهو الذي مال إليه البغوي، وأول من مات مسلولًا إلياس بن مضر، ولما مات .. أسفت زوجته خندف أسفًا شديدًا، ونذرت أن لا تقيم ببلد مات فيه ولا تستظل، وأن تبكيه كل يوم خميس من طلوع شمسه إلى غروبها؛ لأنه مات فيه، فلم تزل كذلك حتى هلكت حزنًا.

وَخُرُوجُ الطَّعَامِ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ، أوْ وَمَعَهُ دَمٌ، وَحُمَّى مُطْبَقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السهيلي: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا إلياس بن مضر؛ فإنه كان مؤمنًا). قال: ويروى: أنه كان يُسمع من ظهره تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج. قال: (وخروج الطعام غير مستحيل، أو كان يخرج بشدة ووجع) ويسمى: الزحير والزحار. وقوله: (غير) منصوب على الحال، ولا يجوز جره على الصفة؛ لأنه نكرة وما قبله معرفة. قال: (أو ومعه دم) أي: من الكبد ونحوه من الأعضاء الرئيسة؛ لأنه يسقط القوى، وكان ينبغي للمصنف أن يذكر هذه الأشياء عقب قوله: (وإسهال متواتر)؛ فإنه من تتمته كما فعل في (المحرر). قال: (وحمى مطبقة) وهي: الدائمة التي لا تفارق ليلًا ولا نهارًا، لأنها تذيب القوى التي هي دوام الحياة، واستدل له الماوردي بقوله صلى الله عليه وسلم: (الحمى رائد الموت)، وهو في (معجم الطبراني) بسند ضعيف. ومعنى (رائد الموت) أي: رسوله الذي يتقدمه. فحمى يوم ويومين وثلاثة ليست مخوفة؛ لأنها قد تكون من تعب الأعضاء. وفي وجه: أن الحمى من أول حدوثها مخوفة. وفي (مسند الشهاب القضاعي) [62] عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حمى يوم كفارة سنة). قيل: لأنه يتألم منها جميع أعضاء البدن، وهي ثلاث مئة وستون عضوًا. ولما ذكر عليه الصلاة والسلام كفارات الذنوب بالحمى .. سأل الله زيدُ بن ثابت

أَوْ غَيْرُهَا إِلَّا الرِّبْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبي بن كعب أن لا يزالا محمومين، فلم تكن الحمى تفارقهما حتى مات، رواه أحمد والطبراني بسند مستقيم. ولما قدم زيد بن مهلهل في وفد طيء سنة تسع .. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اسمك؟) قال: زيد الخيل، قال: أنت زيد الخير، فلما انصرف .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم الفتى إن لم تدركه أم كلبة). وروى: أنه قال: (يا زيد الخير؛ تقتلك أم كلبة) يعني: الحمى، فلما رجع إلى أهله حم ومات رضي الله عنه. والمصنف رحمه الله ضبط (المطبقة) بكسر الباء وفتحها، ولم يذكر في (التحرير) تبعًا للجوهري سوى الفتح، وهو الأشهر. قال: (أو غيرها إلا الربع)، الحمايات ضربان: مطبقة وغيرها، فالمطبقة تقدمت، وأما غيرها .. فهو خمسة أنواع: (الورد) وهي: التي تأتي كل يوم وتذهب. و (الغب): التي تأتي يومًا بعد يوم. و (الثلث): التي تأتي يومين وتذهب في الثالث. و (الأخوين): التي تأتي يومين وتقلع يومين. و (الربع) بكسر الراء: التي تأتي يومًا وتقلع يومين، وتسميها العامة: المثلثة، وقد يقال: إنه أصوب من تسمية الفقهاء لها بالربع، لكن اللغويون ألحقوها بربع الإبل في ورود الماء في اليوم الثالث، وهو نظير المنقول عن ابن عباس في عاشوراء: أنه اليوم التاسع. فالورد والثلث مخوفان دون الربع؛ لأنه يقوى في يومي الإقلاع، وأما الغب .. فمخوف على الأصح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المتولي: إن امتدت .. فهي مخوفة، وأما حمى الأخوين .. فقال القاضي والرافعي: إنها مخوفة، وجعلها المتولي كالغب. فائدة: نقل الجوهري عن الحسن البصري: أنه فسر قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: (زر غبًا تزدد حبًا): أنها في كل سبع أيام ويوم. قال: و (الغب): أن ترد الإبل يومًا وتدع يومًا، وكذلك الغب في الحمى، وفي الحديث: (أغبوا في زيارة المريض) أي: زوروا يومًا ودعوا يومًا. فروع: (البرسام) و (السرسام) مرضان رديئان مخوفان، فالذي بالباء من أمراض القلب، والذي بالسين من أمراض الدماغ، و (سر) بالفارسية: الرأس، و (سام): المرض، و (بر): الصدر، و (سام): المرض، وسائر اللغات غير العربية يقدمون المضاف إليه على المضاف، فمعناه: مرض الرأس. واقتصر الفقهاء على ذكر البرسام؛ لأنه قد يبقي معه العقل في وقت، فإذا تصرف فيه .. نفذ من الثلث، والسرسام لا يبقى معه عقل، فلا فائدة لذكره هنا؛ لأنه لا يعتبر تصرفه لا من الثلث ولا من غيره. وفي (زيادات العبادي): أن المرأة إذا وهبت صداقها من زوجها وهي مريضة إن كانت لا تقوم إلا بمعين وماتت .. لا يصح، وإن كانت تقوم بغير معين .. فلها حكم الأصحاء. والمعروف من زيادات المرض الجراحة إن كانت على مقتل أو نفذت إلى جوف أو لها ضربان شديد وحصل معها تورم وتآكل .. فهي مخوفة.

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمَخُوفِ: أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الأَسْرَى، والْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والقيء إن كان معه دم أو بلغم أو غيرهما من الأخلاط .. فهو مخوف. وقال الشافعي رضي الله عنه: الطاعون مخوف، وفسره بعضهم بانصباب الدم إلى عضو مخوف، والأكثرون فسروه بهيجان الدم في جميع البدن وانتفاخه. وقال قوم: إنه مرض عام، سببه: فساد الهواء، فتفسد به الأمزجة والأبدان، وقريب منه هيجان المرة الصفراء. هذا حكمه إذا وقع في البدن، أما إذا وقع ببلد وفشا فيها .. فهو مخوف في حق من لم يصبه في الأصح، كذا أطلق تصحيحه في (الروضة) و (الشرح) و (الحاوي الصغيرين)؛ لأنه يشبه حالة التحام الحرب. أما الجرب ووجع الضرس ووجع العين والصداع .. فغير مخوفة. وقال الجرجاني: الاعتبار في الصحة والمرض بحال الإيقاع دون حال الوقوع، فإذا قال لعبده في حال الصحة: إن دخلت الدار فأنت حر، فدخلها في حال المرض .. عتق من رأس المال، ولو قال في حال الصحة: إن دخلت في مرضي، فدخل في مرضه .. عتق من الثلث، لقصد إيقاع العتق في مرضه. قال: (والمذهب: أنه يلحق بالمخوف: أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى)؛ لأنه يستعقب الهلاك غالبًا، أما إذا لم يعتادوا كالروم .. فهو غير مخوف. قال: (والتحام قتال بين متكافئين)؛ لقوله تعالى: {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}، ولذلك قال عمير بن وهب يوم بدر: رأيت البلايا تحمل المنايا، وكقول الحارث بن هشام [من الكامل]: ووجدت ريح الموت من تلقائهم .... في مأزق والخيل لم تتبدد (المأزق): المضيق، ومنه سمي موضع الحرب: مأزقًا.

وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضْطِرَابُ رِيحٍ، وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الالتحام) في الحرب: اختلاط بعضهم ببعض، كاشتباك لُحمة الثوب بسداه، أو لأن بعضهم يلحم بعضًا، أي: يقتله، أو لكثرة لحوم القتلى. واحترز بـ (الالتحام) عما قبله؛ فإنه غير مخوف وإن تراموا بالنشاب والحراب. ولا فرق في الالتحام بين أن يكون الفريقان كفارًا أو مسلمين، أو أحدهما مسلمين والآخر كفارًا. واشتراط التكافؤ في التحام القتال من زيادة الكتاب على (المحرر)، وهي في (الشرح)، فزادهما المصنف ولابد منها. وكذا القريبان من التكافؤ، وإلا .. فلا خوف في حق الغالبين قطعًا. قال: (وتقديم لقصاص أو رجم، واضطراب ريح، وهيجان موج في راكب سفينة). أما التقدم للقتل قصاصًا .. فالنص فيها: أنه غير مخوف، وفي الباقي: أنه مخوف، والأصح: قولان في الجميع: أصحهما: أنها مخوفة. ومنهم من فرق في التقديم للرجم بين أن يثبت الزنا بالبينة أو بالإقرار؛ لاحتمال الرجوع، ورد بإطلاق النص. قال الشيخ: وينبغي أن لا يشترط التقديم، بل بمجرد ما يحصل ذلك منه ويعزم على الإقرار يعتبر من الثلث، لأن هذا أشد من المرض، لأن ذلك يتوقع البرء، وهذا لا يتوقع الحياة مع عزمه على الإقرار، وكذا من تحتم قتله في المحاربة. وقوله: (اضطراب ريح، وهيجان موج) هما شيء واحد، واحترز بذلك عما إذا كان البحر ساكنًا .. فإنه ليس بمخوف، ولم يفرقوا بين من يحسن السباحة وغيره –وللفرق اتجاه لاسيما الماهر بها القريب من الساحل- ولا بين راكب البحر والأنهار العظيمة كالنيل والفرات.

وَطَلْقُ حَامِلٍ، وَبَعْدَ اٌلْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلِ اٌلْمَشِيمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجرى الماوردي القولين فيما إذا أدركه سيل، أو نار، أو أفعى قتالة، أو أسد وهو وحده ما لم يجد محيصا. قال: (وطلق الحامل) سواء كان لولادة أو إسقاط؛ لصعوبة أمرها، ولهذا كان موتها بذلك شهادة كما تقدم في (الجنائز). وقيل: ليس بمخوف؛ لأن الغالب السلامة. وقيل: مخوف في الأبكار والأحداث، لا من توالت ولادتها من كبار النساء. واحترز بـ (طلق الحامل) عن الحمل نفسه؛ فإنه ليس بمخوف. وقال مالك: إذا بلغت ستة أشهر ... دخلت في الخوف. فائدة: روى النقاش في آخر تفسير (سورة الأحقاف) عن ابن عباس أنه قال: (إذا عسر على المرأة ولادتها ... فيكتب في صحيفة ثم تغسل وتسقى: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات ورب العرش العظيم،} كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحها {،} كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بالغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون {. وفي (خصيصي الزبد ما يسهل ولادة الولد بقدرة الواحد الأحد):إذا وضع على فخذها، كما أشار إليه الحريري في المقامة التاسعة والثلاثون. قال: (وبعد الوضع ما لم تنفصل المشيمة)؛لأنه أشد خطرا من حالة الطلق، فإذا انفصلت المشيمة ... زال الخوف، ولذلك تسميه النساء: الخلاص، ومحل زول الخوف: إذا لم تحصل بالولادة جراحة أو ضربان شديد، فإن حصل ذلك ... استمر الخوف.

أَوِ ادفَعُوا إِلَيْهِ، أَوِ ادْفَعُوا إِلَيْهِ، أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ جّعَلْتُهُ فَلَوِ اٌقْتَصَرَ عَلَى قَولِهِ فَلَوِ اٌقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: هُوَ لَهُ ... فَإِقْرَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ الذي ينتظر الموت يوما بيوم عطاياه من رأس المال بلا خلاف، ولعل الفرق بينه وبين المسائل المتقدمة: أن تلك أسباب طارئة غير معتادة، بخلاف سن الهرم؛ فإنه لا يلتحق بذلك. فرع: الشيخ الذي ينتظر الموت يوما بيوم عطاياه من رأس المال بلا خلاف، ولعل الفرق بينه وبين المسائل المتقدمة: أن تلك أسباب طارئة غير معتادة، بخلاف سن الهرم؛ فإنه لا يلتحق بذلك. قال: (وصيغتها: أوصيت له بكذا، أو ادفعوا إليه، أو أعطوه بعد موتي، أو جعلته له، أو هو له بعد موتي)،هذا هو الركن الرابع، وهذه الألفاظ صرائح في الباب، أما لو قال: أوصيت له بكذا ... فلاشك في صراحته، وأما البواقي .. فكذا أطلقها في (الروضة)،وظاهر إطلاقه الصراحة. وقال الشيخ في (ادفعوا إليه):إنه إذن في الدفع، فإن دل دليل على أنه وصية ... اتبع، وإلا، فلو لم يخرج من الثلث، وقال المدفوع إليه: لم يرد الوصية بل كان ذلك لي عنده، واحتمل ذلك .. ينبغي أن يقبل إلا أن يكون قال: من مالي، وأما (أعطوه) .. فلا يأتي فيه هذا؛ لأن لفظ الإعطاء يقتضي التمليك، كما قالوه في (الخلع). قال المصنف في (التحرير):و (أعطوه) بهمزة قطع، من وصلها .. فقد غلط. قال: (فلو اقتصر على قوله: هو له .. فإقرار)؛لأنه من صرائحه، ولهذا لو قال: هذا لفلان، ثم قال: أردت الوصية .. لم يقبل.

إِلا? أَنْ يَقْولَ: هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي، فَيَكُونُ وَصِيَة. وَتَنْعّقِدُ باٌلْكِنَايَةِ، وَاٌلْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أن يقول: هو له من مالي، فيكون وصية)؛لأنه لا يصلح للإقرار، وكان ينبغي له أن يقول: فيكون كناية عن الوصية، كما صرح به في (الروضة)،وناقشه الشيخ في ذلك وقال: إنه صريح، فحينئذ استقام كلام المصنف، أما إذا قال: هو له من مالي بعد موتي .. فهو وصية قطعا. وإن اقتصر على قوله: وهبته منه .. فالأصح: أنه ليس بكناية. قال: (وتنعقد بالكناية) أي: بالنون، كعينت هذا لزيد، أو عبدي هذا له، ونحوه، كما ينعقد البيع بها، بل أولى؛ لأنها تقبل التعليق بالإغرار، وتصح بالمجهول وغير الملك، ولا يأتي فيه الخلاف في البيع، وفي (الروضة):تنعقد بالكناية مع النية بلا خلاف. ووقع في (المحرر) حكاية خلاف فيه حيث عبر بالأظهر، وهو غريب، فلذلك حذفه المصنف. قال الشيخ: وينبغي حمل قوله في (المحرر):الأظهر، على أنه الظاهر، لا على أن فيه خلافا، وعبارة الإمام: الظاهر عندي. ومن هنا يعلم أن قولهم: الأظهر والظاهر، لا يستدعي خلافا إلا إذا قالوا: أظهر الوجهين ونحوه، وهنا اعترض ابن الفركاح على المصنف اعتراضا منطقيا من جهة تركيب اللفظ. قال: (والكتابة كناية)،فإذا كتب وقال: نويت الوصية لفلان، أو اعترف ورثته به بعد الموت .. وجب أن يصح، كذا ذكره الرافعي بحثا، ونقل عن المتولي: أنه إذا كتب: أوصيت لزيد بكذا .. لم تصح إن كان ناطقا، قال في (المطلب):وهو المشهور. وقيل: تصح بالكتابة مطلقا؛ لحديث ابن عمر: (إلا ووصيته مكتوب عند رأسه)؛فإنه يشهر باعتبارها.

وَإنْ وَصَى لِغَيْرِ مُعَيَنِ كَاٌلْفُقَرَاءِ .. لَزِمَتْ بِاٌلْمُوْتُ بِلاَ قَبُولٍ، أَوْ لِمُعَيَنِ .. اشْتُرِطَ الْقَبُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا اعتقل لسانه .. فإنه يصح إيصاؤه بالإشارة، كما روي: أن أمامة بنت أبي العاصي أصمتت فقيل لها: لفلان كذا ولفلان كذا، فأشارت؛ أن نعم، فجعل ذلك وصية، كما استدل به الرافعي وغيره، وهو غريب. ولو وكل بعقد الوصية .. جاز. حادثة: أراد نصر بن أحمد من أمراء خرسان أن يوصي ولا يطلع على وصيته أحد، فشاور العلماء، فلم يفت له بذلك إلا محمد بن نصر المروزي؛ فإنه قال: يكفي الإشهاد عليه بها، ونقل عنه أنه قال: تكفي الكتابة المجردة، واحتج بحديث ابن عمر. قال الشيخ: فإن وجد مع الوصية شهادة: أن هذه وصية أو أنها عطية وإن لم يعلما ما فيها .. يصح عند محمد بن نصر، واختار قوله في ذلك. فرع: قال: كل من ادعى علي بعد موتي فأعطوه ما يدعيه ولا تطالبوه بالحجة، فادعى اثنان بعد موته حقين مختلفي القدر ولا حجة .. كان كالوصية يعتبر من الثلث، فإذا ضاق عن الوفاء .. قسم بينهما على قدر حقيهما، قال في (البحر) و (الإشراف). قال: (وإن وصى لغير معين كالفقراء .. لزمت بالموت بلا قبول)؛لتعذره منهم. قال: (أو لمعين .. اشترط القبول) قال الإمام: بلا خلاف، وقال الرافعي: يأتي فيه خلاف من قولنا: إنه يملك بالموت، وقوي الشيخ كلام الرافعي بأبحاث عديدة، وظاهر كلام المصنف: أن لابد من القبول اللفظي، ويشبه الاكتفاء

وَلاَ يَصِحُ قَبُولٌ وَلاَ رَدٌ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلاَ يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْفَوْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالفعل، وهو الأخذ كالهدية، فلو قبض البعض دون البعض .. ففيه احتمالان للغزالي: الأرجح منهما: البطلان، ويأتي فيه ما تقدم في قبول بعض الموهوب. ومراد المصنف بـ (المعين):المحصور، فإن كان غير محصور كالعلوية .. لم يشترط القبول في حقهم كالفقراء، والظاهر: أنهم أرادوا بالمعين الآدمي. كل هذا في غير العتق، فلو قال: اعتقوا عبدي بعد موتي .. لم يفتقر إلى قبول العبد؛ لأن فيه حقا لله فكان كالجهة العامة، ومثله التدبير إذا قلنا: إنه وصية .. فإنه يتنجز بالموت من غير توقف على قبول، كما صرح به الرافعي في الكلام على رهن المدبر، أما لو قال: أوصيت له برقبته .. ففي افتقاره إلى القبول وجهان: أصحهما: نعم؛ لاقتضاء صيغة القبول، ذكره الرافعي قبيل المسائل الحسابية. قال: (ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي)؛لأن له أن يرجع في وصيته، ولأنه لا حق للموصي له قبل الموت. وأفهمت عبارته صحة ذلك بعد الموت، وهو كذلك في القبول، أما الرد، فإن كان قبل القبول .. صح قطعا، أو بعد القبول والقبض .. فلا قطعا، أو بعد القبول وقبل القبض .. فالأصح في (الشرح) و (الروضة):المنع، وفي (تصحيح التنبيه):الصحة، وهو المنصوص في (الأم)؛لأن ملكه قبل القبض لم يتم. قال الشيخ: لم يتكلم أصحابنا في صيغة الرد، ورأيت في كتب الحنابلة: أنه يحصل بقوله: رددت الوصية، وقوله: لا أقبلها، وما أدى هذا المعنى. (ولا يشترط بعد موته الفور)؛لأن الفور إنما يشترط في العقود الناجزة التي يعتبر بها ارتباط القبول بالإيجاب.

فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ .. بَطَلَتْ، أَوْ بَعْدَهُ .. فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه- حكاه المستظهري-:أنه يشترط. والثالث: يمتد ثلاثة أيام، حكاه في (البحر)،وهما شاذان. تنبيه: قضية كونه على التراخي: تركه على اختياره حتى يشاء، وقد يتضرر الوارث بذلك، فالصواب: أنه يجبر على القبول أو الرد، فإن أبى .. حكم الحاكم عليه بالرد، وقد صححوا في (الشفعة) –إذا قلنا: إنها على التراخي-:أن للمشتري إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعف .. أن يرفعه للحاكم؛ ليلزمه الأخذ أو الرد. قال: (فإن مات الموصي له قبله .. بطلت)؛لعدم لزومها. وقال الحسن البصري: تكون لورثة الموصى له. قال: (أو بعده .. فيقبل وارثه)؛لأنه فرعه، فقام مقامه في القبول كالشفعة، وليس لنا عقد لا يفوت بموت القابل إلا الوصية. وحكى الشاشي: أن القبول يبطل بموت الموصى له ولا يورث عنه، وبه قال أبو حامد من الحنابلة. وقال أبو حنيفة: تلزم الوصية بموته. واحتج الأصحاب بأن وارث الموصى له فرع له، فإذا لم يملك الأصل بغير قبول .. فالفرع أولى. وأطلق المصنف الوارث؛ ليشمل الخاص والعام، فلو مات من غير وارث .. قام الإمام مقامه في ذلك، فإذا قبل .. كان المال للمسلمين، كما صرح به الزبيلي في (أدب القضاء). ولو قال المصنف: قام وارثه مقامه .. كان أولى؛ لأنه يقوم مقامه في القبول والرد.

وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي، أَمْ بِقَبُولِهِ، أَمْ مَوْقُوفٌ؛ فَإِنْ قَبِلَ .. بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوتِ، وَإِلا? .. بَانَ لِلْوَارِثِ؟ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا: الثّالِثُ، وَعَلَيْهَا تُبْنَى الثَمَرَةُ وَكَسْبُ عَبْدٍ حَصَلاَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَنَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهل يملك الموصى له بموت الموصي، أم بقبوله، أم موقوف؛ فإن قبل .. بان أنه ملك بالموت، وإلا .. بان للوارث؟ أقوال: أظهرها: الثالث)؛لأنه لا يمكن جعله للميت؛ لأنه جماد، ولا للوارث؛ لأنه لا يملك إلا بعد الدين والوصية، ولا للموصى له، وإلا .. لما صح رده كالميراث، فتعين وقفه مراعاة. وجه الأول: أنه لا يشترط القبول؛ لأنه استحقاق يتعلق بالموت، فأشبه الميراث والتدبير. ووجه الثاني: كما لو أوصى بعتق عبد معين .. فالملك فيه إلى أن يعتق الوارث اتفاقا، فإذا قلنا بالقبول .. فالملك فيه قبله للوارث في الأصح، وقيل: للميت. تنبيه: قال الشيخ: صناعة العربية تقتضي: أنه إذا سئل بـ (هل) أن يؤتى بـ (أو) لا بـ (أم)،قال: وعذر المصنف فيه أن (هل) هنا وقعت موقع (الهمزة)؛لأن (هل) يسأل بها عن وجود أحد الأشياء وليس مرادا هنا، بل المراد السؤال عن التعيين فحقه (أم) و (الهمزة)،والفقهاء يضعون (هل) في مثل ذلك موضع (الهمزة). قال: (وعليها) أي: على الأقوال (تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا بين الموت والقبول، ونفقته وفطرته)،فإن قلنا: الملك حصل بالموت .. فالثمرة والكسب للموصى له وعليه النفقة والفطرة، وإن قلنا: بالقبول .. فلا يكون له ولا عليه نفقة ولا فطرة، وإن قلنا: موقوف .. فموقوف أيضا، فإن قبل .. فله وعليه، وإلا .. فلا. وقال في (الوسيط):النفقة على الموصى له إن قبل على كل قول، وعلى الورثة إن رد على قول، والمشهور: طرد الخلاف؛ بناء على الخلاف.

وَيُطَالِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالنَفَقَةِ إِنْ تَوَقَفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أوصى بمن يعتق عليه .. لم يعتق قبل القبول في الأصح، وقيل: يعتق قبله؛ بناء على أنه يملك بالموت. وله رد الوصية في الأصح، وقيل: لا إن ملكناه بالموت. ولو أوصى بخدمة عبد لإنسان سنة، وقال: هو حر بعد سنة، فرد الموصى له .. لم يعتق قبل السنة خلافا لمالك. قال: (ويطالب الموصى له بالنفقة إن توقف في قبوله ورده)،كمن أسلم على أكثر من العدد الشرعي من النساء، وكمن طلق إحدى امرأتيه وامتنع من التعيين، فإن أراد الخلاص .. فليرد، كذا جزم به الشيخان، وهو مشكل؛ فإن التفريع على أنه لا يملك إلا بالقبول، وهو قبله ملك الوارث، فكيف يطالب بنفقة غيره؟! لا جرم قال ابن الرفعة: إن هذا مفرع على قولنا: إن الملك له، كما صرح به في (النهاية) و (الوسيط). ويتجه على قول الوقف: أن يجب عليهما كاثنين عقدا على امرأة وجهل السابق. كل هذا في وصية التمليك، أما لو أوصى بعتق عبد معين بعد موته .. فالملك فيه للوارث إلى أن يعتق بلا خلاف، كذا قاله الشيخان. تتمة: أوصى بوقف عقار فتأخر إيقافه إلى مدة وحصل منه ريع .. فلمن يكون ذلك للوارث أم لمستحق الوقف؟ أجاب سيد المتورعين قاضي القضاة عماد الدين السكري بأنه للموقوف عليهم، وأجاب بعض من عاصره بأنه للورثة، والظاهر: الأول، كمن مات وله عقار له أجرة وعليه ديون، فشرع الوارث يستغل ذلك الريع مدة، ثم أثبت الدين، وأخذ أصحابه العقار وبقي لهم شيء .. فالذي عليه الأئمة الأربعة: أنه لا رجوع لهم على الوارث بما أخذه، وشبهها القمولي بكسب العبد الموصى بعتقه بين الموت

فصل

فَصْلٌ: أَوْصَى بِشَاةٍ .. تَنَاوَلَ صَغِيَرةَ الجُثَةِ وَكَبِيرتَهَا، سَلِيمَةٌ وَمَعِيبَةٌ، ضَاناً وَمَعْزاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ والإعتاق، وفيه طريقان: أصحهما: القطع بأنه للعبد، بل ادعى للبندنيجي: أنه لا خلاف فيه؛ لأنه استحق العتق استحقاقا مستقرا لا يسقط بوجه. وقال الرافعي والمتولي: هو قبل العتق ملك للوارث قولا واحدا، ومساقه أن كسبه يكون للوارث، وقد حكى الروياني في كسبه قولين: أحدهما: للوارث. والثاني: للعبد المعتق؛ تنزيلا له منزلة الموصى له. وقيل: للعبد قولا واحدا، قال: وهو الأصح، وسيأتي (في التدبير) إن شاء الله تعالى الفرق بين هذه وبين مسألة هناك. قال: (فصل: أوصى بشاة .. تناول صغيرة الجثة وكبيرتها، سليمة ومعيبة، ضأنا ومعزا)؛لصدق الاسم على جميع ذلك، ولاشك أن للوصية أحكاما لفظية وأحكاما معنوية، وهذا الفصل معقود لأحكامها اللفظية؛ لأن تغيير العبارات يغير الاعتبارات. واحترز بـ (صغير الجتة) عن صغيرة السن كما سنذكره. ومراده بـ (التناول):الصدق، والأصوليون يفرقون بين الصلاحية، والصدق، والتناول، والشمول، والاستغراق، وتجويز المعيب هنا مخالف لقولهم في (البيع) و (الكفارة) و (الزكاة):إن الإطلاق يقتضي السلامة. والجواب: أن ذلك لأمر زائد على مقتضى اللفظ، ألا ترى أنه في الزكاة يجوز إخراج المعيب عن المعيب، وهنا لا يزاه عليه؛ لعدم الدليل عليه، فلو أراد الوارث أن يعطيه أرنبا أو ظبيا .. لم يكن له وإن وقع عليه اسم شاة؛ لأن العرف خصه بالضأن أو المعز وليس للموصى له قبوله. ولو قال: شاة من شياهي وليس له إلا ظبي .. فهل ينزل على واحدة منها أو تبطل

وَكَذَا ذَكَرٌ فِي الأَصَح?، لاَ سَخْلَةٌ وَعَنَاقٌ فِي الأَصَح? ـــــــــــــــــــــــــــــ الوصية؟ فيه وجهان، صحح في (الكفاية) الثاني، ورجح المصنف الأول. قال: (وكذا ذكر في الأصح)؛لأنه اسم جنس كالإنسان. و (الهاء) في (الشاة) للوحدة، ولهذا حمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (في أربعين شاة شاة) على الذكر والأنثى، ويؤيده جواز إخراج الذكر في خمس من الإبل على الأصح؛ لشمول الإسم. والثاني: لا يعطى إلا الأنثى؛ للعرف، وهو منصوص (الأم)،وبه قال القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين، فحكاية ذلك وجهين فيه نظر. وموضع الخلاف: إذا لم يقترن بالكلام ما يقتضي أحدهما، فإن اقترن به .. عمل به، كقوله: ينتفع بدرها ونسلها؛ فإنه لا يعطي إلا الأنثى تصلح لذلك، أو بشاة ينزيها على غنمه، أو كبشا، أو تيسا؛ فإنه يتعين الذكر. ولو قال: ينتفع بصوفها .. حمل على الضأن، أو بشعرها .. حمل على المعز. ولو قال: اشتروا له شاة .. قال البغوي: لا تشتري له معيبة، كالتوكيل في شرائها، وحكى الإمام فيما إذا أوصى بشراء عبد من ماله وجهين في جواز شراء المعيب، ونسب جوازه إلى الأكثرين. قال: (لا سخلة وعناق في الأصح)؛لأن اسم الشاة لا يتناولهما، كما لا يسمى الطفل رجلا ولا امرأة، وهذا قول الصيدلاني. وقال الرافعي: إنه الأظهر، وتبعه المصنف. قال الإمام: وهو خلاف ما صرح به الأصحاب أجمعون. والثاني: يتناولهما؛ لأن اسم جنس، وهو قول أئمة العراق ومعظم المراوزة وصاحب (التقريب)،ومقتضى النص، فلذلك اختاره الشيخ. و (السخلة):الأنثى من ولد الضأن والمعز.

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةٍ مِنْ غَنَمِي وَلاَ غَنَمَ لَهُ .. لَغَتْ، وَإِنْ قَالَ: مِنْ مَالِي .. اشْتُرِيَتْ لَهُ، وَالجَمَلُ وَالنَاقَةُ يَتَنَاوَلاَنِ الْبَخَاتِي? وَالْعِرَابَ، لاَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَالأَصَحُ: تَنَاوُلُ بَعِيرِ نَاقَةْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (العناق):الأنثى من ولد المعز ما لم تكمل سنة، فإذا امتنع في الأنثى .. ففي الذكر أولى. قال: (لو قال: أعطوه شاة من غنمي ولا غنم له .. لغت)؛لأنه كلام مهمل، أما إذا لم تكن له حالة الوصية ثم ملكها قبل الموت .. فالأصح: صحتها، كما لو أوصى ولا مال له ثم ملك مالا. قال: (وإن قال: من مالي .. اشتريت له)؛عملا بقوله، أما إذا كان له غنم .. فللوارث أن يعطيه منها وله أن يعطيه من غيرها وعلى غير صفتها، بخلاف قوله: من غنمي. وحاصله: أنه إذا قال: من غنمي وله غنم .. تعين منها، وإلا .. لغت، ومن مالي وله غنم .. لم يتعين منها، ويقاس بما ذكرناه: رأسا من رقيقي، ورأسا من مالي، أما إذا اقتصر على قوله: أعطوه رأسا .. فليست في ((الشرحين)) ولا في ((الروضة))،لكنها كقوله: أعطوه رقيقا، ولم يقل: من مالي .. قال البغوي: لا يكون وصية، ورجح المتولي: أنها وصية ولا يتعين أرقاؤه. قال: (والجمل والناقة يتناولان البخاتي والعراب)؛لصدق الاسم، وكذا السليم والمعيب، والصغير والكبير كما تقدم في الشاة. قال: (لا أحدهما الآخر) أي: لا يتناول الجمل الناقة؛ لأنه كالرجل، ولا الناقة الجمل؛ لأنها كالمرأة. قال: (والأصح: تناول بعير ناقة)؛لأنه اسم جنس كالإنسان، وسمع: حلبت بعيري، وصرعتني بعيري، وهو كالخلاف في تناول الشاة الذكر وإن كان عكسه في الصورة.

لاَ بَقَرَةِ ثَوْراً، وَالْثَوْرُ لِلذ?كَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: المنع؛ تنزيلا للبعير منزلة الجمل، وهو المحكي عن النص، قال الرافعي: وهو المعروف في كلام الناس، وخلافه كلام العرب، والخلاف جاز في اسم البغلة أيضا، قال الرافعي: وربما أفهمك كلامهم توسطا؛ وهو: تنزيل النص على ما إذا عم العرف باستعمال البعير بمعنى الجمل، والعمل تقتضيه اللغة إذا لم يعم. قال الشيخ: وتصحيح خلاف النص في هذه المسائل بعيد؛ لأن الشافعي رضي الله عنه أعرف باللغة، فلا يخرج عنها إلا بعرف مطرد، فإن صح عرف بخلاف قوله .. اتبع، وإلا .. فالأولى: اتباع قوله. وقد تقدم في (الزكاة):أن بعيرها مختص بالذكر، أما لو قال: أعطوه راحلة أو مطية .. فإنه يتناول الذكر والأنثى جزما. قال: (لا بقرة ثورا)؛لأن اللفظ موضوع للأنثى. والثاني: يتناول، و (الهاء) للوحدة كقوله: تمرة وزبيبة، وفي (الحاوي) و (المعتمد) و (الكفاية):لا تدخل الجواميس في البقر إلا إذا قال: من بقري، وليس له غيرها. قال الرافعي: وقياس تكميل نصاب البقر بالجواميس في (الزكاة):دخولها هنا، فإن لم يكن له إلا بقرات وحش .. فوجهان كما في الظباء. ولو قال: أعطوه عشر بقرات .. لم يعط فيها الذكر، سواء أدخل فيها (التاء) أم لا. قال: (والثور للذكر)؛لأن اللفظ موضوع له. وقيل: يتناول الأنثى: حكاه ابن يونس، سمي ثورا؛ لإثارته الأرض، وبقرة؛ لأنها تبقرها، أي: تشقها، وجمع الثور: ثورة وثيرة وثيران.

وَالْمَذْهَبُ: حَمْلُ الد?ابَةِ عَلَى فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: لفظ الكلب والحمار يختص بالذكر عند الغزالي وغيره، وصوبه المصنف، واختار الرافعي شمولهما للأنثى بحثا، فإن أتى فيها بـ (الهاء) كالكلبة والحمارة .. لم يجز فيها الذكر. قال: (والمذهب: حمل الدابة على فرس وبغل وحمار)؛لأنها تقع لغة على كل ما دب على الأرض من أي شيء، واشتهر استعمالها بمصر فيما يركب من البهائم والخيل والبغال والحمير. والوصية تنزل على العرف، وإذا ثبت عرف في بلد .. عم البلاد، كما لو حلف: لا يأكل خبزا .. حنت بأكل خبز الأرز في غير طبرستان على الصحيح، هذا هو المنصوص، وهو الأظهر عند الأئمة. وقال ابن سريج: إنما ذكره الشافعي رضي الله عنه هذا على عرف أهل مصر في ركوبها جميعا، واستعمال لفظ (الدابة) فيها، أما حيث لا يستعمل إلا في الفرس كالعراق .. فإنه لا يعطي سواها. وقيل: إن قاله بمصر .. لم يعط إلا حمارا، حكاه في (البحر). وقيل: تتناول الوصية حمر الوحش، وينبغي أن يكون على ما سبق في البقر. وقال ابن الرفعة تفقها: لو لم يكن له إلا حمر الوحش .. فالأشبه: الصحة؛ حذرا من إلغائها. ويدخل في لفظ (الدابة):الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والسليم والمعيب. وقال المتولي: لا يعطى ما لا يمكن ركوبه؛ لأنه لا يسمى دابة، وإن قال: من دوابي وله جنسان منها .. تخير الوارث، أو جنس .. تعين، أو لا شيء .. بطلت.

وَيَتَنَاوَلُ الر?قِيقُ: صَغِيراَ وَأُنْثَى وَمَعِيباً وَكَافِراً وَعُكُوسَهَا، وَقِيلَ: إِنْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ .. وَجَبَ المُجْزِئُ كَفَارَةَ. وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا قَبْلَ مَوْتِهِ .. بَطَلَتْ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ .. تَعَيَنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كله إذا أطلق، أما إذا قال: دابة للكر أو الفر أو للقتال .. فهي الفرس، ولو قال: للحمل عليها .. حمل على البغال والحمير، إلا أن يكون ببلد جرت العادة بالحمل فيه على البراذين فيعم، قال المتولي: ولو عهد فيها الحمل على الجمال أوالبقر .. فيجوز أن يعطى جملا أو بقرة، ولم يصوبه الرافعي. قال: (ويتناول الرقيق: صغيرا أو أنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها)؛لإطلاق لفظه على ذلك، وحكى في (البحر) في جواز الخنثى وجهين. قال: (وقيل: إن أوصى بإعتاق عبد .. وجب المجزئ كفارة)؛لأنه المعروف في الإعتاق، بخلاف ما إذا قال: أعطوه عبدا؛ فإنه لا عرف فيه، واختاره الماسرخسي وأبو الطيب والروياني، وجعل غيره غلطا. وفرع الماوردي الخلاف على: أن النذر ينزل على جائز الشرع أو واجبه، قال: وإذا قلنا بهذا الوجه .. هل يجزئ الخنثى؟ وجهان. قال: ويجوز أن يعتق عنه أبا نفسه، سواء كان العتق تطوعا أم واجبا. وانتصب (كفارة) على الحال؛ لأنه نفسه كفارة، أو على التمييز، وإن استعمل (كفارة) بمعنى (تكفيرا) .. صح أن يكون المفعول من أجله، وحيث دفع العبد .. لا يجب دفع ثيابه قطعا، وينبغي أن يكون على الخلاف في البيع؛ نظرا للعرف. قال: (ولو أوصى بأحد رقيقه فماتوا أو قتلوا قبل موته .. بطلت)؛لأنه لا رقيق له، وفي القتل المضمون وجه: أنه ينتقل إلى القيمة. قال: (وإن بقي واحد .. تعين)؛لصدق الاسم عليه. واحترز المصنف عما إذا قتلوا بعده، فإن كان ذلك بعد القبول .. انتقل حقه إلى

أَوْ بِإعْتَاقِ رِقَابٍ .. فَثَلاَثٌ، فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَهُ لاَ يُشْتَرَى شِقْصٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيمة أحدهم بخيرة الوارث، وأما قبل القبول .. فكذلك إن ملكناه بالموت أو توقفنا، وإلا .. بطلت. فرع: وصى بعتق عبد فقتل قبل موت الموصي .. بطلت، ولو قتل بعد موته وقبل العتق .. حكى المزني: أنه يشتري بقيمته عبد يعتق مكانه، كمن نذر أضحية فأتلفها متلف، قال: ويحتمل بطلان الوصية. والفرق: أن الحق في العتق للعبد وقد فات، وفي الأضحية للمساكين وهم باقون. وفي (الأم):ولو وصى أن يحجوا عنه رجلا فمات الرجل .. أحج عنه غيره. قال: (أو بإعتاق رقاب .. فثلاث)؛لأنه أقل الجمع، كذا قطعوا به، وقياس من قال: أقل الجمع اثنان: جواز الاقتصار عليهما، وقد قيل بمثله في (الإقرار) على وجه حكاه الهروي في (الإشراف). وخمسة رخاص أولى من أربعة غوال؛ لما فيهمن تخلص الرقاب من الرق، بخلاف الأضاحي. قال الماوردي: والمستحب أن يشتري للعتق المكد دون المترفه عند ملاكه، والأعف أولى من غيره، فلو صرف ما وصى به إلى رقبتين مع إمكان ثلاث .. ضمن الوصي الثالثة، لكن بثلث ما وصى به أو بأقل ما يمكن؟ فيه خلاف، كالخلاف فيما إذا صرف نصيب صنف الزكاة إلى اثنين، وكان ينبغي أن لا يصح شراء الاثنين. قال: (وإن عجز ثلثه عنهن .. فالمذهب: أنه لا يشتري شقص)؛ لأنه ليس برقبة فصار كما لو قال: اشتروا بثلثي رقبة وأعتقوها فلم يجدوا رقبة لا يشتري الشقص، ولأن نفاسة الرقبة مرغوب فيها.

بَلْ نَفِيسَتَانِ بِهِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَنْفَسِ رَقَبَتْينِ شَيْءٌ .. فَلِلْوَرَثَةِ. وَلَوْ قَالَ: ثُلُثِي لِلِعتْقِ .. اشْتُرِيَ شِقْصٌ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: وبه قال أبو إسحاق-:أنه تشتري رقبتان وشقص؛ تكثيرا للعتق، واختار هذا الغزالي، ومال إليه ابن الرفعة، وجعله من الحمل على الحقيقة والمجاز الجائز عند الشافعي رضي الله عنه، ورجحه الشيخ بأنه أقرب إلى غرض الموصي من الصرف إلى الورثة. وكان الصواب: التعبير بالأصح، لا بالمذهب؛ فإن المسألة ذات وجهين لا طريقين. وموضع الخلاف: إذا أمكن شراء رقبتين وشقص كما يقتضيه سياقه، فلو لم يوجد بما نفذت فيه الوصية إلا شقص .. لا يشتري قطعا. ومقتضى إطلاقهم: أنه لا فرق في امتناع شراء الشقص بين أن يكون باقيه حرا أو رقيقا، ويحتمل الجواز إذا كان باقيه حرا، كما في نظائره من الكفارة ونحوها. قال: (بل نفيستان به)؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أفضل الرقاب، فقال: (أنفسها ثمنا) متفق عليه. قال: (فإن فضل عن أنفس رقبتين شيء .. فللورثة)،وتبطل الوصية فيه. وهذا تفريع على المذهب، أما إذا قيل: يشترى شقص .. اشتري، فإن لم يوجد إما لعدمه أو لقلة الباقي .. فحينئذ تبطل الوصية ويرد إلى الورثة، وفي وجه: يوقف إلى الوجدان. قال: (ولو قال: ثلثي للعتق .. اشتري شقص)؛لأنه أقرب إلى غرض الموصي، فلو قال: اشتروا عبدا وأعتقوه، فلم يخرج من الثلث إلا ما يشترى به شقص .. اشتري.

وَلَوْ وَصَى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ .. فَلَهُمَا، أَوْ لِحَي? وَمَيِتِ .. فَكُلُهُ لِلِحَي? فِي الأَصَح?. وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَراً- أَوْ قَالَ: أُنْثَى- فَلَهُ كَذَا، فَوَلَدَتْهُمَا .. لَغَتْ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ، فَوَلَدَتْهُمَا .. اسْتَحَقَ الذ?كَرُ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو وصى لحملها فأتت بولدين .. فلهما)،لما انقضى الكلام في الأحكام اللفظية المتعلقة بالموصى به .. شرع في المتعلقة بالموصى له، فإذا أتت بولدين .. كان لهما بالسوية الذكر والأنثى؛ لإطلاق حملها عليهما، كما لو هب لرجل وامرأة، سواء ولدتهما معا أو واحدا بعد آخر وبينهما دون ستة أشهر. قال: (أو لحي وميت .. فكله للحي الأصح)؛لأن الميت كالعدم، بدليل البطلان بانفصال الواحد ميتا، ولا يصرف إلى ورثته شيء. والثاني: له النصف والباقي لورثة الموصي، أخذا بالأسوء في حقه؛ لأن الميت لو كان حيا .. لم يستحق هذا إلا النصف. قال: (ولو قال: إن كان حملك ذكرا- أو قال: أنثى- فله كذا، فولدتهما .. لغت)؛لأنه شرط صفة الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل ولم يحصل. وإن ولدت غلامين .. فقال الغزالي: لا شيء لواحد منهما؛ لأن التنكير يشعر بالتوحيد. وقيل: يقسم بينهما، قال في (الروضة):وهو المختار، دون ما إذا قال: إن كان حملك ابنا .. فله كذا، وإن كان بنتا .. فلها كذا، فولدتهما؛ فإن المختار: أنه لا شيء. والفرق: أن الذكر والأنثى اسما جنس فيقع على الواحد والعدد، بخلاف الابن والبنت. قال الرافعي والشيخ: والفرق ليس بمتضح، والقياس: أن لا فرق. قال: (ولو قال: إن كان ببطنها ذكر، فولدتهما .. استحق الذكر)؛لأنه لم يحصر الحمل فيه.

أَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ .. فَالأَصَحُ: صِحَتُهَا وَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو ولدت ذكرين .. فالأصح: صحتها)؛لأنه لم يحصر الحمل في واحد، ولا مزية لأحدهما على الآخر. والثاني: المنع؛ لاقتضاء التنكير التوحيد. قال: (ويعطيه الوارث من شاء منهما) كما لو أبهم الموصى به .. يرجع فيه إلى بيانه؛ لأنه يخلفه في حقوقه. والثاني: يقسم بينهما. والثالث: يوقف إلى أن يبلغا فيصطلحا. فروع: أحدها: أوصى بضعف نصيب أحد ولده .. قال مالك: هي كالوصية بمثل نصيبه. وقال أبو ثور: له ثلاثة أمثال نصيبه. وقال الشافعي وأكثر الأئمة: له ضعف نصيبه فحسب، فعند الشافعي رضي الله عنه هو الشيء ومثله، فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد .. فهي بالثلثين، ولو أوصى لزيد بمئة ولعمرو بضعفها .. فالثانية بمئتين. وضعفا الشيء ثلاثة أمثاله، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، وأربعة أضعافه خمسة أمثاله. الثاني: أوصى بسهم من ماله للعلماء .. فيها تسعة أقوال: قال عمر بن عبد العزيز: هي باطلة. وقال أبو حنيفة: يعطى نصيب أقل الورثة، إلا أن يزيد على السدس، فيتقدر حينئذ به. وقال صاحباه: إلا أن يزيد على الثلث، فيتقدر به. وقال أبو ثور: يعطى جزءا من أربعة وعشرين جزءا.

وَلَوْ وَصَى لِجِيرَانِهِ .. فِلأَرْبَعِينَ دَاراً مِنْ كُلِ جَانِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال شريح: يزداد سهما على سهام المسألة. وقال قتادة: يعطى نصيبا أقل ذكر من الورثة. وقال أبو عثمان الأنصاري: أقل نصيب أنثى من الورثة. وقال الحسن البصري: يدفع إليه السدس فقط. وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يتقدر ويرجع فيه إلى بيان الورثة، وكذلك الحكم عنده لو وصى بجزء أو نصيب أو حظ أو قسط أو شيء أو قليل أو كثير .. يرجع في تفسير الجميع إلى الورثة، فلو عينوا قدرا وادعوا الموصى له: أن الموصي أراد أكثر .. حلف الوارث: أنه لا يعلم إرادة الزيادة. وقال البغوي: يحلف: أنه لا يعلم استحقاقه الزيادة. الثالث: قال: أعطوه كذا وكذا .. أعطاه الورثة ما شاؤوا من جوزتين أو لوزتين أو سيفين أو عبدين أو أمتين أو غير ذلك، قاله القاضي أبو الطيب. ولو قال: من دنانيري .. أعطي دينارين، وإن لم يكن له دنانير .. بطلت الوصية. قال: (ولو وصى لجيرانه .. فلأربعين دارا من كل جانب) أي: من الجهات الأربعة، كذا نص عليه في (الأم) وهو إمام عارف باللغة وكلامه فيها حجة، ويدل له ما روى أبو داوود مرسلا عن ابن شهاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أربعون دارا جار)،قال الأوزاعي: قلت لابن شهاب: وكيف أربعون دارا؟ قال: أربعون عن يمينه وعن يساره وعن خلفه وبين يديه. وفي (مسند أبي يعلي الموصلي) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (حق الجوار إلى أربعين دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا وقداما وخلفا) والثاني: (الجار):من لاصق داره داره، وادعى الإمام: أنه ظاهر المذهب. والثالث: أهل المحلة التي هو فيها. والرابع: الملاصق والمقابل وإن كان بينهما شارع نافذ. والخامس: أهل الزقاق غير النافذ، حكاها في (المطلب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والسادس: من ليس بينه وبينه درب يغلق. والسابع: من يصلي معه في المسجد ويدخل حمامه، حكاه العراقي شارح (المهذب). والثامن: القبيلة، حكاه في (البيان). وحكى في (المطلب) عن بعض العلماء وعن بعض أصحاب الشافعي: أن جميع أهل البلد جار؛ لقوله تعالى:} ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا {. ورورى الحافظ أبو عمر في ترجمة أبي سعيد الأنصاري: أنه قال: (البر والصلة وحسن الجوار عمارة للديار، وزيادة في الأعمار) ثم على المذهب: لا فرق بين مسلمهم وكافرهم، وغنيهم وفقيرهم، ويقسم على عدد الدور لا على عدد السكان، قاله في زيادات (الروضة)،وسبقه إلى الفارقي وابن الصلاح. قال الشيخ: وينبغي أن يزاد فيه: وتقسم حصة كل دار على عدد سكانها. قال القاضي أبو الطيب: وعدد الدور من الجوانب الأربعة مئة وستون دارا، وفي هذا نظر؛ لأن دار الموصي قد تكون كبيرة في التربيع فيسامتها من كل جهة أكثر من دار لصغر المسامت لها، أو يسامتها داران يخرج من كل منهما شيء عنها فيزيد العدد، وقد يكون في الزوايا دور أخرى، والاعتبار بالساكن لا بالمالك. ثم المتبادر من كلام الشيخين وغيرهما: وجوب الاستيعاب، وفي (الحاوي) إشعار بعدم وجوبه، فلو رد بعض الجيران .. فالظاهر: أن يرد على الباقين، ولو كان للموصي داران .. صرف إلى جيران أكثرهما سكنى، فإن استويا .. فإلى جيرانهما، وينبغي أن يصرف إلى جيران من كان فيها حالة الموت أو حالة الوصية.

وَالْعُلَمَاءُ: أَصْحَابُ عُلُومِ الشَرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والعلماء أصحاب علوم الشرع من تفسير وحديث وفقه) فما سوى الحديث والقرآن والفقه في الدين حطام فان. والمراد: إذا أوصى للعلماء أو لأهل العلم .. صرف إلى أصحاب هذه العلوم. أما (التفسير) .. فهو: بيان معنى اللفظة الغريبة أو الخفية، و (التأويل):مرد الكلام ومرجعه إلى ما يحتمله، من آل يؤول: إذا رجع، وحقيقته: معرفة معاني الكتاب العزيز وما أريد به، وهو بحر لا ساحل له، وكل عالم يأخذ منه على قدره، وهو على قسمين: قسم لا يعلم إلا بتوقيف. قسم يدرك من دلالات الألفاظ بواسطة علوم أخر؛ كاللغة، وغيرها، وهو شرعي أيضا؛ لتوقفه على اللفظ المستفاد من الشرع، ووراء القسمين فهم يؤتيه الله تعالى للعبد، وهو شرعي أيضا، أما من عرف التفسير ولم يعلم أحكامه .. فلا يصرف له شيء؛ لأنه كناقل الحديث. وأما (الحديث) .. المراد به: معرفة معانيه، وهو من أجل العلوم بعد القرآن، فالعالم به من أجل العلماء، وكذا العالم برجاله وطرقه وصحيحه وسقيمه وعلله وما يحتاج إليه، والعالم بهذه الأشياء من علماء الشرع، أما من اقتصر على السماع المجرد .. فليس من العلماء. والمراد بـ (الفقه):معرفة الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، ولهذا لا تدخل فيه الظاهرية كما أجاب به ابن سريج، وأفتى به القاضي حسين وغيره؛ لأن الفقه الفهم، وأفهامهم تقاصرت عن إدراك المعاني الشرعية. وقال ابن الرفعة: ينبغي بناؤه على أن الإجماع هل ينعقد بدونهم أو لا؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: ولو أوصى لأعلم الناس .. صرف للفقهاء؛ لتعلق الفقه بأكثر العلوم، وقال شارح (التعجيز):الفقهاء أولى الناس. و (الفقه في الدين):نور يقذفه الله تعالى في القلب، وهذا القدر قد يحصل لبعض أهل العناية موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم، بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان؛ فذلك صناعة. وقال ابن الرفعة: (الفقيه):من عرف من أحكام الشرع من كل نوع شيئا، والمراد من كل باب من أبواب الفقه، دون ما إذا عرف طرفا منه، كمن يعرف أحكام الحيض أو الفرائض وإن سماها الشارع نصف العلم، ولو أوصى للفقهاء أو المتفقهة .. فعلى ما تقدم من (الوقف)،وفي (الإحياء):يدخل الفاضل في الفقه، دون المبتدئ من شهر ونحوه، والمتوسط بينهما درجات يجتهد المفتي فيها، والورع لهذا المتوسط: ترك الأخذ منها وإن أفتاه المفتي بدخوله فيها، وفي (التتمة) فيه وجهان: أحدهما: المرجع في ذلك إلى العادة، فمن سمي فقيها .. يدخل فيه. استفتي الحسن البصري في مسألة فأجاب، فقيل له: إن فقهاءنا لا يقولون ذلك! فقال: وهل رأيت فقيها قط، (الفقيه):القائم ليله، الصائم نهاره، الزاهد في الدنيا، الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه .. حمد الله، وإن ردت عليه .. حمد الله، وفقه عن الله أمره ونهيه، وعلم ما يحبه وما يكرهه، فذلك هو العالم الذي قيل فيه: (من يرد الله به خيرا .. يفقه في الدين)،فإذا لم يكن بهذه الصفة .. فهو من المغرورين. وفي (شرح المنتخب) للقرافي: أن بعض الناس قال: من عرف ثلاثة أحكام .. سمي: فقيها.

لاَ مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِرٌ وَطَبِيبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: الراسخ في العلم: من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه. وقيل: من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه. والصواب: أنه العالم بتصاريف الكلام، وموارد الأحكام، ومواقع المواعظ؛ لأن الرسوخ الثبوت في الشيء. ولو أوصى لأجهل الناس .. قال المتولي: تعطي للإمامية الذين ينتظرون خروج الإمام، وعند الروياني: تصرف لعبدة الأوثان. قال الشيخ: لا شك أن الكفار أجهل الناس، لكن في صحة الوصية نظر وإن كان لا تشترط جهة القربة، إلا أن هذا قصد فاسد لا غرض فيه فينبغي أن يبطل، ولو أوصى لأجهلهم وأسفلهم .. فالنص: أنه لمن يسب الصحابة رضي الله عنهم، قال الشيخ: أما جهالته وسفالته .. فلا شك فيهما، وينبغي أن لا يصرف إليه شيء وتبطل الوصية. قال الشيخ: ولو أوصى لسيد الناس .. فهو الخليفة، كذا قاله الماوردي، وأبخل الناس عند القاضي يحتمل أن تعطي لمن لا يؤدي الزكاة، وأن تصرف إلى من لا يقري الضيف. وأما الوصية للصوفية .. فعلى ما سبق في (الوقف). قال: (لا مقرئ وأديب ومعبر وطبيب)؛ لأن أهل العرف لا يعدونهم علماء. قال في (المطلب):والمراد بـ (المقرئ):التالي، أما العالم بالروايات ورجالها .. فكالعالم بطرق الحديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ: العلماء بالقراءات علماء قطعا، يصرف إليهم من الوصية لهم، ومن الوقف عليهم، كما قاله ابن الرفعة، بل هم أولى الناس به. والذي بحثه الشيخ صرح به شارح (التعجيز)،فألحق المقرئ العالم بالمفسر، والعالم بمآخذ القراءات ورواياتها بالمحدث العالم بالطرق. وأما (الطبيب) .. فلا يدخل في عداد العلماء؛ لأن الطب ليس علما شرعيا، وكذا الحساب والهندسة وعلم النحو والتصريف والعروض والقوافي، ولم يتعرض الفقهاء لها كأنهم أدخلوها في علم الأدب، وكذا علم المعاني والبديع والموسيقا ونحوها. و (المعبر):الذي يحسن تعبير الرؤيا، وهو علم شريف، ليس منهم عند الأكثرين، وعده ابن الرفعة منهم، وخالفه الشيخ في ذلك؛ لأن حقيقته راجعة إلى معرفة معنى رؤية المنام، وليس معرفته بالاكتساب بل هو موهبة من الله تعالى، وانظر إلى تعبير يوسف عليه الصلاة والسلام. وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول: (من رأى منك الليلة رؤيا؟)، وكان لأبي بكر في ذلك حظ وافر، ولابن سيرين فيه باع طويل ويحق له ذلك؛ فإنه رأى ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فاهتدى بهديهم. فائدة: قال الزمخشري رحمه الله: وحقيقة تعبير الرؤيا ذكر وعاقبتها وآخر أمرها، كما تقول: عبرت النهر: إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه، ونحوه: أولت الرؤيا: إذا ذكرت مآلها ومرجعها، وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الأثبات، ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد، وقد عثرت على بيت أنشده المبرد في (الكامل)

وَكَذَا مُتَكَلِمٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لبعض الأعراب] من السريع [: رأيت رؤيا ثم عبرتها .... وكنت للأحلام عبرا وأما الأدب فعلمه وإن كان يستعان به في فهم الكتاب والسنة لكنه حاصل للمتقدمين بالطبع السليم، وللمتأخرين بالكسب من علوم اللغة، وإنما العلم النافع الذي يبقى بعد الموت. قال: (وكذا متكلم عند الأكثرين)؛لأنه بدعة وخطر، وأهل العرف لا يعدون أهله علماء، ونقل العبادي في آخر (زياداته) ذلك عن النص. وقال المتولي: المتكلم يدخل في علماء الشرع، قال الرافعي: وهو قريب، وللشيخ في ذلك كلام نفيس حاصله: أن العلم بالله وصفاته، وما يجب له وما يستحيل عليه؛ ليرد على المبتدعة، ويميز بين الاعتقاد الفاسد والصحيح، وتحقيق الحق ونصره .. فذلك من أجل العلوم الشرعية، والعالم به من أفضلهم، وتصرف له الوصية للعلماء والوقف عليهم. ومن دأبه الجدال والشبه وخبط عشواء وتضييع الزمان فيه والزيادة عليه؛ بأن يكون مبتدعا، أو داعيا إلى ضلالة .. فذاك باسم الجهل أحق، وللشيخ رحمه الله كلام نفيس في ذلك سيأتي في أول (كتاب السير). قال: وهكذا الصوفية منقسمون كانقسام المتكلمين، فإنهما من واد واحد؛ فمن كان مقصوده معرفة الرب سبحانه، وصفاته وأسمائه، والتخلق بما يجوز التخلق به منها، والتحلي بأحوالها، وإشراق الأنوار الإلهية عليه، والأحوال السنية لديه .. فذلك من أعلم العلماء لا محالة، ولذلك عد الغزالي في مقدمة (المستصفى) من العلم الديني علم الباطن أي: علم القلب وتطهيره من الأخلاق الذميمة. قال الشيخ: ومن كان هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وابن سبعين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقطب القونوي والعفيف التلمساني .. فهؤلاء ضلال جهال خارجون عن طريق الإسلام، فضلا عن العلماء. فروع: وصى للقراء .. صرف إلى من يقرأ جميع القرآن، دون من يحفظ بعضه فقط، ولا يصرف إلى من لا يحفظ ويقرأ في المصحف على الأصح. وأعقل الناس وأكيسهم (الزهاد)،وهم: الذين نبذوا الدنيا وراء ظهورهم، ورغبوا في الآخرة، وفي الحديث: (الكيس: من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت). وقال الغزالي: الزهد ينقسم إلى: فرض وهو: الزهد في الحرام، وإلى نفل وهو: الزهد الحلال، وغاية الزهد: قصر الأمل، وحسن العمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال شقيق: سألت سبع مئة شيخ عن الزهد، فكلهم يقول: الزاهد من لا يحب الدنيا. روى أحمد في (الزهد) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن، وما قصر عبد في طاعة الله إلا ابتلاه الله بالهم). وإذا وصى للحجيج .. صرف إلى فقرائهم وأغنيائهم على النص، أو لليتامى، فأشبه الوجهين: أنه لا يصرف إلى الأغنياء منهم، والوصية للعميان والزمني كالوصية للأيتام. وقطع صاحب (العدة) بعدم اشتراط الفقر في الزمني كالوصية للأيتام، قال: ومثله الوصية للغازين والمسجونين وتكفين الموتى وحفر القبور، ويدخل في ذلك كله الفقير والغني. قال المصنف: والمختار: طرد الخلاف. ولو أوصى للأرامل .. دخل فيه كل امرأة بانت عن زوجها بموت أو طلاق أو غيرهما دون الرجعيات، وكذا التي لم تزوج على الصحيح، وقيل: يدخلون، ولا يدخل الرجل الذي لا زوجة له على الصحيح. والثاني: يدخل؛ لقول جرير] من البسيط [: كل الأرامل قد قضيت حاجتها .... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟ وعزاه الجوهري وغيره للحطيئة، وهو وهم. قال ابن السكيت: (الأرامل):المساكين من الرجال والنساء، قال: ويقال لهم وإن لم يكن فيهم أنثى. وإذا أوصى للأيامى .. دخل فيها كل خلية عن الزوج، وفي دخول الأغنياء منهم

وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَةِ الْفقَراءِ وَالمَسَاكِينُ وَعَكْسُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في اللفظين الوجهان المتقدمان في أغنياء الأيتام، وجزم الأستاذ أبو منصور بعدم استحقاقهم. ولو أوصى للشيوخ .. أعطي من جاوز الأربعين، أو للفتيان أو للشباب .. فلمن جاوز البلوغ إلى الثلاثين، أو الكهول .. فلمن جاوز الثلاثين إلى الأربعين، وقيل: يرجع في ذلك إلى اللغة. ولو أوصى للصبيان أو الغلمان .. صرف إلى من لم يبلغ، وكذا الأطفال والذراري، ويدخل في لفظ الذرية الأحفاد، ولا يدخلون في لفظ الأولاد، ولا يشترط الفقر في الشيوخ والصبيان اتفاقا. قال: (ويدخل في وصية الفقراء المساكين وعكسه)،فيصرف لهؤلاء من الوصية لهؤلاء، فأما دخول الفقراء في الوصية للمساكين .. فمتفق عليه عندنا؛ لأنهم أشد احتياجا منهم، ويشهد له نص القرآن في المساكين في الظهار واليمين، ولا خلاف في جواز الصرف فيهما للفقراء، ودخول المساكين في الوصية للفقراء هو الصحيح المنصوص، وحكى بعضهم: أن المزني حكى قولا عن الشافعي خلافه، ولم يثبت. أما المكفي بنفقة غيره اللازمة .. فإنه فقير في نفسه، لكن الأصح: عدم دخوله في الوصية للفقراء وفي الوقف عليه. وإطلاق المصنف (الفقراء والمساكين) يقتضي: صرفه لمن كان منهم من أهل الذمة، والذي جزم به ابن سراقة وغيره: أنه يختص بالمسلمين كالزكاة. فائدة: قال الشيخ: الذي عندي: أن المسكين مأخوذ من السكون، فيطلق على أغنى الناس إذا كان فيه خضوع لله: أنه مسكين، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم

وَلَوْ جَمَعَهُمَا .. شُرِكَ نِصْفَيْنِ، وَأَقَلُ كُلِ صِنْفِ ثَلاَثَةُ، وَلَهُ التَفْضِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحيني مسكينا وأمتني مسكينا)،ولا محمل لهذا الحديث عندي غير ذلك، وقرينة الحال ترشد إليه، وأما قوله تعالى:} إنما الصدقات للفقراء والمساكين {.. اقتضت القرينة فيه عدم الملك، وكذلك القرينة في الوصية والوقف عليهم. وأصل الوضع إنما هو للأعم، ولا يجوز أن يطلق على النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه فقير ولا مسكين بحسب ما يفهم من تفسير الفقراء من عدم المال؛ فالدنيا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تزن جناح بعوضة، وكان متمكنا منها فلم يرضها، وقلبه أغنى القلوب بالله، ولم يكن حاله ناقصا عن الكفاية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. قال: (لو جمعهما .. شرك نصفين) كما في الزكاة، ولا يجوز حرمان أحد الصنفين، بخلاف ما إذا أوصى لبني زيد وبني عمرو؛ فإنه يقسم على عددهم ولا ينصف. ولو أوصى لسبيل الله .. فهم الغزاة الذين تصرف إليهم الزكاة والرقاب المكاتبون، ولو أوصى للغارمين أو لابن السبيل .. صرف إلى من تصرف إليه الزكاة منهم. قال: (وأقل كل صنف ثلاثة) كالزكاة، ولأنه أقل الجمع، وقياس من جعل أقل الجمع اثنين: أن يجوز الصرف إليهما، وقد ذكروا- فيما إذا أوصى لأقاربه وله قريب واحد .. هل يكون له الجميع أو النصف أو الثلث- خلافا، فليكن هنا نظيره. هذا إذا لم يكونوا محصورين، فلو دفعه الموصى إلى اثنين .. غرم لثالث الثلث أو أقل جزء على الخلاف في نظيره من الزكاة، وليس له دفع ما يغرمه إلى الثالث، بل عليه أن يسلمه إلى القاضي؛ ليصرفه أو يرده إليه ويأذن له في صرفه إلى ثالث نيابة عنه؛ لأنه لما صار من الذمة .. لا يتعين إلا بقبض صحيح. قال: (وله التفضيل) أي: بين آحاد الصنف بحسب الحاجة، ولا تجب التسوية

أَوْ لِزَيْدِ الْفُقَرَاءِ .. فَالمْذْهَبُ: أَنَهُ كَأَحَدِهِم ِفي جَوَازِ إِعْطَائهِ أَقَلَ مُتَمَوَلِ، لَكِنْ لاَ يُحْرَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بل يتأكد تفضيل الأشد حاجة، والأولى: تقديم أقارب الموصي الذين لا يرثون، ثم جيرانه، ثم معارفه، والأصح: جواز نقل ما وصى به للفقراء والمساكين عن بلد المال، والرافعي بناه على جواز نقل الزكاة، ومقتضاه المنع، فلو عين فقراء بلد ولم يكن فيها فقير .. بطلت. وقال الشيخان: الوصية للعلماء وسائر الموصوفين كالوصية لأصناف الزكاة في أنه لا يجب الاستيعاب ويقتصر على ثلاثة، والأولى: استيعاب الموجودين عند الإمكان كما في الزكاة، وهذا مخالف لما قرراه هناك. حادثة: أوصى أن يقف موضع كذا على القراء بموضع كذا ولم يذكر مآلا .. قال ابن الصلاح: تصح الوصية والوقف وإن لم يذكر جهة يتم بها الاتصال، ويوقف على الجهة المعينة ويجعل لها مآلا؛ لأن هذا الإيصاء مطلق، ومن شأن ما يؤذن فيه أو يوصى به مطلقا أن يحمل على الصحيح دون الفاسد، والأولى للموصي: أن يذكر مآلا، وهو جهات الخير. قال: (أو لزيد والفقراء .. فالمذهب: أنه كأحدهم في جواز إعطائه أقل متمول)؛لأنه ألحقه بهم في الإضافة، وذلك يقتضي التسوية. فإن قيل: قد يكون فقيرا فيتناوله لفظ الفقراء فلا تبقى لذكره فائدة .. قلنا: لذكره فائدتان: منع الإخلال به، وعدم اعتباره فقره، ولهذا نبه عليه المصنف فقال: (لكن لا يحرم) أي: وإن كان غنيا، هذا هو المنصوص هنا، ولم يذكر في (الروضة) طرقا، بل حكى سبعة أوجه: أصحها: أنه كأحدهم، فيجوز أن يعطى أقل متمول. والثاني: أنه يعطي سهما من سهام القسمة، فإن قسم المال على أربعة من الفقراء .. فله الخمس، أو خمسة .. فله السدس، وهكذا.

أَوْ لِجَمْعِ مُعَيَنِ غَيْرِ مُنْحَصِرِ كَالعَلَوِيَةِ .. صَحَتْ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: له الربع والباقي لهم، وبه قال مالك. والرابع: له النصف، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. والخامس: كذلك إن كان غنيا، وإلا .. فكأحدهم. والسادس: له الربع إن كان غنيا، وإلا .. فالثلث. والسابع: الوصية في حق زيد باطلة؛ لجهالة ما أضيف إليه، وهو ضعيف جدا، ولابد على اختلاف الأوجه من ثلاثة من الفقراء. كل هذا إذا أطلق ذكر زيد، فإن وصفه بصفتهم كزيد الفقير، فإن كان غنيا .. لم يعط شيئا ونصيبه للفقراء إن جعلناه كأحدهم، وإلا .. فهو لورثة الموصي، وإن كان فقيرا .. ففيه الأوجه. وإن وصفه بغير صفتهم، فقال: لزيد الكاتب وللفقراء .. فقال أبو منصور: له النصف قطعا. قال الرافعي: ويشبه أن يأتي فيه القول بأن له الربع إن لم يأت باقي الأوجه. ولو وصى لزيد وللفقراء والمساكين، فإن جعلناه كأحدهم في الصورة السابقة .. هكذا هنا، وإن قلنا: له النصف، فهنا له الثلث أو الربع .. فههنا السبع. ولو وقف على إمام ومدرس وعشرة فقهاء .. فالقياس: أنه يقسم على ثلاثة: للعشرة ثلث، وللإمام ثلث، وللمدرس ثلث. ولو وصى لزيد بدينار وللفقراء بثلث ماله .. لم يصرف إلى زيد شيء آخر وإن كان فقيرا؛ لأنه قطع اجتهاد الوصي بالتقدير، وفيه وجه. ويشترط في الفقراء والمساكين الموصى لهم: أن يكونوا أحرارا، فلا مدخل للمماليك في ذلك، نص عليه. قال: (أو لجمع معين غير منحصر كالعلوية) ومثله: الطالبيون والهاشميون (.. صحت في الأظهر) وبه قال أحمد كالوصية للفقراء والمساكين.

وَلَهُ الاِقْتِصَارُ عَلَى ثَلاَثَةِ. أَوْ لِأَقَارِبِ زَيْدِ .. دَخَلَ كُلُ قَرَابَةِ وَإِنْ بَعُدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني- وبه قال أبو حنيفة-:أنها باطلة؛ لأن التعميم يقتضي الاستيعاب وهو ممتنع، بخلاف الفقراء؛ فإن عرف الشرع خصهم بثلاثة فاتبعناه. ولو أوصى لزيد ولله تعالى .. فهل يكون لزيد الجميع وذكر الله للتبرك، أو له النصف والباقي للفقراء، أو له النصف والباقي يصرف في وجوه القرب، أو يرجع النصف إلى ورثة الموصي؟ فيه أربعة أوجه: أصحها: الثالث؛ لأنه لو قال: أوصيت بثلث مالي لله عزوجل .. صرف في وجوه البر. ولو قال: لزيد وجبريل، أو لمن لا يملك كالريح .. فالأصح: أن لزيد النصف، وتبطل الوصية في الباقي. والثاني: أن الجميع لزيد، ويلغوا ذكر غيره. قال: (وله الاقتصار على ثلاثة) يعني: إذا فرعنا على الصحة، ولم يقل أحد: إنه يصح ويجب التعميم؛ لأنه غير ممكن، وكذلك لا تجب التسوية بين الثلاثة، ولا يشترط قبولهم كسائر الجهات العامة. قال: (أو لأقارب زيد .. دخل كل قرابة وإن بعد)؛لشمول الاسم واستوائهم في تناول اللفظ، ولا فرق بين الوارث وغيره، ولا بين الذكر والأنثى، والمحترف وغيره، الغني والفقير. وقال أبو حنيفة: لا يدخل الغني، ولا غير المحرم، ولا يسوى بين البعيد والقريب بل يقدم الأقرب فالأقرب، ولا يصرف إلى العم شيء مع ولد الأخ. وقال مالك: لا يدخل غير الوارث. وقال أحمد: لا يدخل الكافر. وظاهر قوله: (كل قريب):وجوب استيعابهم، وهذا إذا انحصروا، وإلا .. فكالوصية للعلوية غير المحصورين، وقد استشكل إدخال البعيد مع أن أقارب جمع أقرب، وهي أفعل تفضيل. وأجيب بأن التسوية ثابتة بالعرف، وقد قال تعالى:} وأنذر عشيرتك الأقربين {فدخل فيه كل قريب وبعضهم أقرب من بعض.

إِلاَ أَصْلاَ وَفَرْعاَ فِي الأَصَحِ، وَلاَ تَدْخُلُ قَرَابَةُ أَمْ فِي وَصِيَةِ الْعَرَبِ فِي الأَصَحِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أصلا وفرعا في الأصح)؛لأنهم لا يسمون أقارب عرفا، بل (القريب):من ينتمي إليه بواسطة؛ بدليل قوله تعالى:} للوالدين والأقربين {،والعطف يقتضي المغايرة، حتى ادعى الأستاذ أبو منصور: إجماع الأصحاب على هذا. والثاني: يدخلون؛ لدخولهما في الوصية لأقرب أقاربه، فكيف يكون أقرب ولا يكون قريبا؟ وبه قطع أبو الفرج الزاز؛ بدليل قولهم في (النفقات):تجب النفقة بالقرابة، ولا يريدون إلا الأصول والفروع. قال الشيخ: وهذا هو الأقرب نقلا وبحثا، ودعوى أبي منصور الإجماع ممنوعة؛ فقد جزم أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي ونصر المقدسي بدخولهم، فالصواب: التعبير بإجماع الصحابة كما عبر به الرافعي إلا الإجماع المطلق، ولأنه لما نزل قوله تعالى:} وأنذر عشيرتك الأقربين {كانت فاطمة رضي الله عنها من جملة المنذرين. والثالث: لا يدخل الأبوان والأولاد، وتدخل الأجداد والأحفاد؛ لأن والوالد والولد لا يعرفان بالقريب، بل (االقريب):من بينه وبينه واسطة، وصحح المصنف في (أصل الروضة) هذا الوجه، ونقل تصحيحه عن الأكثرين، فهو مخالف لما أقر الرافعي عليه هنا، اللهم إلا أن يريد بقوله: (أصلا وفرعا) الوالد والولد؛ لأنه إن أتى به مفردا فلا يتناقض كلامه. قال: (ولا تدخل قرابة أم في وصية العرب في الأصح) أي: إذا كان الموصي عربيا، وبه قال أحمد؛ لأن العرب لا تفتخر بها ولا تعدها قرابة. قال الشيخ: وما قاله الأصحاب في ذلك ليس بصحيح، فلا خلاف: أن قرابة الأم تدخل في لفظ الرحم عند العرب والعجم جميعا، هكذا صرح به الرافعي، ولاشك أن الرحم هي القرابة، وقال - صلى الله عليه وسلم - في القبط: (إن لهم ذمة

وَالْعِبْرَةُ بِأَقْرِبَ جَدِ يُنْسَبُ إِلَيْهِ زَيْدُ، وَتُعَدُ أَوْلاَدُهُ قَبيلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورحما)؛لأن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم. وروى الترمذي وصححه الحاكم على شرط الشيخين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لسعد: (هو خالي) وسعد من بني زهرة وهم أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم -. والوجه الثاني: تدخل كما في وصية العجم، قال في (الشرحين) و (التذنيب):وهذا الوجه هو الأقوى، وهو ظاهر نصه في (المختصر)،وأجاب به العراقيون. قال: والأول أظهر عند الغزالي والبغوي، وتبعهما في (المحرر)،فتبعه المصنف هناك في (أصل الروضة)،فصحح الثاني، فخالف ما في الكتاب. فرع: لو لم يكن لزيد إلا قريب واحد .. أخذ الجميع، وقيل: النصف، وقيل: الثلث. وليس ولد الرضاعة ولا الزوج ولا الزوجة من الأقارب، ويدخل في المحارم كل محرم بنسب أو مصاهرة أو رضاع. قال: (والعبرة بأقرب جد ينسب إليه زيد، وتعد أولاده قبيلة) أي: أولاد ذلك الجد، فيرتقي من بني الأعمام إليه، ولا يعتبر من يرثه، فإذا أوصى لأقارب حسني، أو أوصى حسنى لأقارب نفسه .. لم يدخل الحسينيون في الوصية، والوصية لأقارب الشافعي في زمانه تصرف إلى أولاد شافع، ولا يدخل فيها أولاد علي والعباس وإن كان شافع وعلي والعباس كلهم أولاد السائب بن عبيد، وإلا .. لأدى ذلك إلى دخول جميع الناس؛ فإن آدم يجمعهم. وقال أحمد: يرتقي إلى الجد الثالث، وحكى الماوردي وجها: أنه يرتقي إلى

وَيَدْخُلُ فِي أَقْربِ أَقَارِبِهِ الأَصْلُ وَالْفَرْعُ. وَالأَصَحُ: تَقْدِيمُ ابْنِ عَلَى أَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجد الرابع، وحكى الزبير قولا عن بعض العلماء: أنه يرتقي إلى الجد السابع؛ فإنه لما نزل قوله تعالى:} وأنذر عشيرتك الأقربين {.. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا بني كعب بن لؤي)،فأنذر ولد هذا الأب ورأى أنهم الأقربون. وخرج بقوله: (ينسب إليه) جد الأم؛ فإنه لا ينسب إليه. قال: (ويدخل في أقرب أقاربه) الضمير يعود على زيد المتقدم أو على الموصي (الأصل والفرع)؛لأنه ليس ثم أقرب منهما، وهذا مقطوع به، والمراد: دخولهم في الجملة، فإن قيل: كيف قال: ويدخل، وليس أقرب الأقارب غيرهما؟ وهي عبارة (الشرح) و (الروضة) والغزالي وغيرهم، فلو قال: وأقرب الأقارب الأصل والفرع .. كان أحسن .. أجاب الشيخ بأنهما أقرب على الإطلاق بل بالنسبة إلى الموصي لأقاربه .. فقد لا يكونان، وله أقارب غيرهما، وأقربهم إليه مثلا الأخ أو العم، فتكون الوصية له، فلهذا تكون عبارة الكتاب أحسن. والأصل والفرع يشمل: الأب والأم وأصولهما، والابن والبنت وفروعهما، لكن من أدلى بشخص .. فذلك الشخص أقرب منه، وإذا كان الأقرب واحدا .. انفرد بالوصية، وإن كانوا عددا .. اشتركوا فيها بالسوية. قال: (والأصح: تقديم ابن على أب)؛لأنه أقوى إرثا وتعصبيا، فيقدم الأولاد، ثم أولادهم وإن سفلوا، ويسوي بين أولاد البنين وأولاد البنات، ثم الأبوان، ثم الأجداد إن لم يكن له أخ أو أخت. والثاني: يستويان؛ لاستواء درجاتهما، وهذا أقوى، وتوجيه الأول مشكل؛ لأنه إنما وصى للأقربية وهما فيها سواء، ولم يوص لأقواهما، قال الرافعي: ومقتضى هذا: إطلاق تقديم أولاد البنين على أولاد البنات، ولم يقولوا به، فعلى الأصح: يقدم الأب على ابن الابن.

وَأَخِ عَلَى جَدِ .. وَلاَ يُرَجَحُ بِذُكُورةٍ وَوِرَاثَةٍ، بَلْ يَسْتَوِي الأَبُ وَالأُمُ، وَالِابْنُ وَالبِنْتُ، وَيُقَدَمُ ابْنُ البِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الاِبْنِ. وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ .. لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ فِي الأَصَحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأخ على جد)؛لأن تعصيبه تعصيب الأولاد فقدم عليه، وليس لنا موضع يقدم فيه الأخ على الجد إلا هنا وفي (الولاء). وعطف المصنف على المسألة على التي قبلها يقتضي: أن الخلاف وجهان، وصرح في (الشرح) بأنهما قولان، فكان ينبغي التعبير بالأظهر أو المذهب، وسواء في ذلك الأخ الشقيق وأخو الأب، وسواء الجد للأب والجد للأم. والثاني: يستويان؛ لاستواء الأولين في الرتبة، والآخرين في الإدلاء بالأب، وهما كالقولين في الولاء. والطريق الثاني: القطع بالثاني، فإن قلنا بالتساوي .. فالجد أولى من الأخ، وإن قدمنا الأخ .. قدم ابنه وإن سفل، وأجرى الخلاف في ابن الأخ مع أبي الجد. والأخت في جميع ما تقرر كالأخ، صرح به الروياني، وأخو الأم كالأخ للأب على الصحيح، وكذلك جد الأم كجد الأب. ولو كان له أخ وبنت أخت وعشرة أعمام .. قال الماوردي: كان للأخ ثلث المال، ولبنت الأخت ثلث آخر، والثلث الثالث للأعمام العشرة بالسوية مقسوما بينهم على ثلاثين سهما. قال: (ولا يرجع بذكورة ووراثة، بل يستوي الأب والأم، والابن والبنت)،والأخ والأخت، كما يستوي المسلم والكافر، وكذا الفقير والغني، والمحرم وغيره. نعم؛ يقدم الشقيق على غيره قطعا، وقيل قولان، وذهب بعض العلماء إلى: أنه يرجح بالذكورة، فيعطي للذكر مثل حظ الأنثيين. قال: (ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن)؛لأن الاستحقاق منوط بزيادة القرب وابن البنت أقرب. قال: (ولو أوصى لأقارب نفسه .. لم تدخل ورثته في الأصح)؛اعتبارا بعرف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرع لا بعموم اللفظ، ولأن الوارث لا يوصى له غالبا ولا يدخل في عموم اللفظ، فعلى هذا: تختص الوصية بالباقين. والثاني: يدخلون؛ لتناول اللفظ لهم، ثم يبطل نصيبهم ويجعل الباقي لغير الورثة. ولو قال: ضع ثلثي حتى أراك الله، أو فيما رأيت .. ليس له وضعه في نفسه، والأولى: صرفه إلى أقارب الموصي الذين لا يرثونه، ثم إلى محارمه من الرضاع، ثم إلى جيرانه. فرع: قال الأستاذ أبو منصور البغدادي وغيره آباء فلان أجداده من الجهتين، وأمهاته جداته من الجهتين، وأقام الإمام الخلاف وجهين، وأصحهما عنده: لا يدخل الأجداد من جهة الأم في الآباء، والجدات من جهة الأب في الأمهات، ولا خلاف في شمول الأجداد والجدات من الطرفين، كذا قاله الرافعي ولم يتعرض له أحد بعده، وينبغي دخول الأب دخولا أوليا؛ لأن الآباء جمع أب، وهو إما حقيقة أو مجازا، فكيف خرج الأب من هذا الحكم؟ إلا أن يقال: لما جمع الآباء والأمهات .. علم إرادة المجاز؛ لأن الإنسان ليس له إلا أب واحد وأم واحدة، فرجح المجاز على الحقيقة فاعتبر. تتمة: له ثلاث أمهات أولاد فأوصى لأمهات أولاده والفقراء والمساكين بشيء .. قال المتولي: الصحيح: أنه يقسم على أصناف أثلاثا.

فصل

فَصْلُ: تَصِحُ بِمَنَافِعِ عَبْدِ وَدَارِ وَغَلَةِ حَانُوتِ، وَيمْلِكُ المُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أبي علي الثقفي: أنه يقسم على خمسة؛ لأن أمهات الأولاد محصورات يجب استيعابهن، والفقراء والمساكين غير محصورين، فيجعل كل واحد من الصنفين مصرفا، وكل واحدة منهن مصرفا. قال: (فصل):هذا عقده لبيان الأحكام المعنوية، فقال: (تصح بمنافع عبد ودار وغلة حانوت) سواء أبد ذلك أم أقته؛ لأن هذه أموال تقابل بالأعواض فكانت كالأعيان، ولم يخالف في ذلك إلا ابن أبي ليلى والزبيري من أصحابنا، وهما محجوجان بإجماع غيرهما، وهذا ذكره في أول الباب حيث قال: (وبالمنافع)،لكن كرره؛ لأجل ترتب الأحكام الآتية عليه. قال: (ويملك الموصى له منفعة العبد) كما يملك الموقوف عليه منفعة العين الموقوفة، فله أن يؤجر ويعير ويوصي بها، ولو مات في يده .. لم يضمنه، وجعلها أبو حنيفة إباحة لازمة لا ملك فيها. وإطلاق المصنف يقتضي: عدم الفرق بين المؤقتة والمؤبدة، والذي في (الشرح) و (الروضة):أن هذا في المؤبدة أو المطلقة، أما إذا قال: أوصيت لك بمنافعه حياتك .. فهو إباحة لا تمليك فيها، فليس له الإجارة، لكن قطعا في (باب الإجارة) بالصحة، وهو المفتى به، فصح إطلاق المصنف. ولملك العين دون المنفعة فوائد: منها: عتقه وبيعه من الموصى له. عن الشيخ عز الدين قال: مازلت أستشكل ملك الرقبة دون المنفعة وأقول: هذا دائما ينتفع ويملك المنافع، فما الذي يبقى لمالك الرقبة؟ حتى رأيت في النوم قائلا يقول: لو ظهر بالأرض معدن .. ملكه مالك الرقبة دون المنفعة.

وَأَكْسَابَهُ المُعُتَادَة، َ وَكَذَا مَهْرَهَا فِي الأَصَحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأكسابه المعتادة)؛لأنها بدل المنافع المملوكة. واحترز بـ (المعتادة) عن النادرة، كاتهابه والتقاطه، فلا يملكها الموصى له في الأصح؛ لأنها لا تقصد بالوصية، وصحح الماوردي والروياني مقابله، فلو غصب العبد الموصى بمنفعته .. كان للموصى له أجرة المدة التي كانت في يد الغاصب على المذهب. قال: (وكذا مهرها في الأصح) كما إذا تزوجت أو وطئت بشبهة؛ لأنه من فوائد الرقبة كالكسب، وهذا نقلاه عن العراقيين والبغوي؛ وبه جزم الأكثرون. والثاني- وهو الأشبه في (الشرح) و (الروضة) -:أنه لورثة الموصي؛ لأنه بدل منفعة البضع وهي لا يوصى بها، وهذا ينتقض بالموقوفة؛ فإن مهرها للموقوفة عليه ومنفعة البضع لا توقف. وسكت الشيخان عن أرش البكارة لو كانت بكرا، والظاهر: أنه كالمهر. قال ابن الرفعة: وما قاله الشيخان منتقض بمهر الموقوفة؛ فإنه للموقوف عليه وإن كان لا يصح وقف منفعة البضع، أما وطؤها .. فلا يجوز للموصى له جزما، وإن وطئها .. فجزم الرافعي هنا بأنه لا يحد، واقتصر في (كتاب الوقف) على: أنه يحد. قال ابن الرفعة: والصحيح: ما صححه هنا، يعني: عدم الحد، وعليه اقتصر القاضي والماوردي. ولو أولدها بالوطء .. لم تصر أم ولد، لكن الولد حر على الصحيح؛ للشبهة، وقيل: رقيق.

لاَ وَلَدَهَا ِفي الأَصَحِ، بَلْ هُوْ كَالأُمِ؛ مَنْفَعَتُهُ لَهُ، وَرَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ، وَلَهُ إِعْتَاقُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا ولدها في الأصح، بل هو كالأم؛ منفعته له، ورقبته للوارث)؛لأنه جزء من الأم فيجري مجراها. والثاني: أنه للموصى له كولد الموقوفة وهو كسبها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سمى ولد الرجل كسبا له. والفرق على الصحيح: أن الملك في الوقف قهري، وهنا اختياري، فسرى القهري إلى الولد دون الاختياري. والثالث: الولد ومنفعته للورثة، وقد تقدم في الموقوفة وجه: أنه يملك ولد الأمة دون ولد الفرس والحمار، ولا يبعد مجيئه هنا، ثم إن الشيخين أطلقا الخلاف، وينبغي أن يكون فيما إذا أطلق الوصية بالمنافع أو وصى بالركوب والحمل، فإن خصه بالنسل .. ملكه قطعا كما صرح به الماوردي في ولد الموقوفة؛ والأصح: أن الموصى له ينفرد بالمسافرة بالموصى بمنفعتها؛ لاستغراقه المنافع، فإن كانت أمة .. فإنه يجوز له السفر أيضا مع توقي الخلوة كما في الحضر، وليس للوارث كتابة هذا العبد عل الأصح؛ لأن أكسابه مستحقة. قال: (وله إعتاقه) المراد: أن للوارث أن يعتق العبد الموصى بمنفعته؛ لأن رقبته خالصة له، لكنه إعتاق لا يجزئ عن الكفارة على الأصح؛ لعجزه عن الكسب، فإذا أعتق .. فالأصح: أن الوصية تبقى بحالها، وتبقى المنافع مستحقة للموصى له كما كانت. وقيل: تبطل الوصية؛ لأنه يبعد أن تكون منفعة الحر مستحقة للموصى له كما كانت. فعلى هذا: في رجوع الموصى له على الوارث بقيمة المنفعة وجهان، صحح المصنف منهما: الرجوع.

وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَةْ، وَكَذَا أَبَدا فِي الأَصَح?، وَبَيْعِهِ إِنْ لَمْ يُؤَبِدْ كَالمُسْتَأَجِرِ، وَإِنْ أَبَدَ .. فَالأَصَح?: أَنَهُ يَصِحُ بَيْعُهُ لِلمُوصَى لَهُ دُوْنَ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي أن يكون محل الخلاف في الموصى بمنفعته مؤبدا، أما المؤقت .. فله إعتاقه قطعا، ثم شرط العتق أن يكون منجزا. قال: (وعليه) أي: على الوارث (نفقته إن أوصى بمنفعته مدة) كالمستأجر؛ لأنه مالك الرقبة، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وكذا أبدا في الأصح)؛لأنه ملكه وهو متمكن من دفع الضرر عنه بالإعتاق. والثاني- وبه قال أبو حنيفة وأحمد والإصطخري-:أنها على الموصى له؛ لأنه ملك منفعته على التأبيد، فأشبه الزوج. والثالث: أنه في كسبه، فإن لم يكتسب أو لم يف بها .. ففي بيت المال، والفطرة كالنفقة فيها الأوجه. فرع: عمارة الدار الموصى بمنفعتها وسقى البستان إن تراضيا عليه أو تطوع به أحدهما .. فذاك وليس للآخر منعه، وإن تنازعا .. لم يجبر واحد منهما، بخلاف النفقة؛ لحرمة الزوج. قال: (وبيعه إن لم يؤبد كالمستأجر) فيصح في الأصح، والجامع استحقاق المنفعة مؤقتة، وقيد ابن الرفعة والشيخ الخلاف بما إذا كانت المدة معلومة، فإن كانت مجهولة كحياة زيد .. فيتعين القطع بالبطلان كدار المعتدة بالأقراء. قال: (وإن أبد .. فالأصح: أنه يصح بيعه للموصى له دون غيره)؛لوجود المنفعة له دون غيره. والثاني: يصبح مطلقا؛ لكمال الملك. والثالث: لا يصح مطلقا؛ لسلب المنفعة فصار كالحشرات، وهذا عليه معظم الأصحاب.

وَأَنَهُ تُعْتَبَر قِيْمَةُ الْعَبْدِ كُلَهَا مِنْ الْثُلُثِ وَإِنْ وَصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَداً، ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: يصح بيع العبد والأمة؛ للتقرب بإعتاقهما دون البهيمة والجمادات، أما الماشية الموصى بنتاجها .. فيصح بيعها للصوف واللبن والظهر، فلم تستغرق الوصية منافعها، وهل تباع حاملا؟ خرجه ابن الرفعة على بيع الحامل بحر. هذا إذا لم يجتمعا على البيع من غيرهما، فإن اجتمعا .. فالقياس: الصحة، وحكى الدرامي فيها وجهين. ولو أراد صاحب المنفعة بيعها .. فقياس ما سبق: الصحة من الوارث دون غيره، وبه جزم الدرامي. فرع: يجوز تزويج الأمة الموصى بمنفعتها، وفيمن يزوجها ثلاثة أوجه: أحدها: الوارث استقلالا. والثاني: الموصى له. والأصح: الوارث بإذن الموصى له. وفي (المعاياة) للجرجاني: أوصى لرجل بجارية ويحملها لآخر وقبلا ثم أعتق الجارية صاحبها .. لم يعتق الحمل، قال: وهذه النوادر؛ أمة حبلى بمملوك تعتق ولا يعتق ولدها. قال: (وأنه تعتبر قيمة العبد كلها) أي: رقبة ومنفعة (من الثلث إن أوصى بمنفعته أبدا)؛لأن لم تبق له قيمة، وقد حال بينها وبين الوارث، والحيلولة كالإتلاف؛ لأن الغاضب يضمن بها. والثاني: أن المعتبر ما بين قيمته بمنافعه ومسلوبها، وصحح هذا الغزالي وطائفة؛ لأن الرقبة باقية للوارث لا معنى لاحتسابها على الموصى له. فعلى هذا: تحسب قيمة الرقبة على الوارث في الأصح.

وَإِنْ أَوْصَى بِهَا مْدَةَ .. قَو?مَ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَ مَسْلُوبِهَا تِلْكَ المْدَةَ، وَيُحْسَبُ النَاقِصُ مِنْ الثُلُثِ. وَتَصِحُ بِحَجِ تَطَوُعِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مثاله: أوصى بعبد قيمته بتمام منافعه مئة ودون المنافع عشرة .. فعلى الأصح: تعتبر من الثلث المئة، ويشترط أن يكون له سوى العبد مئتان، وعلى الثاني: المعتبر التسعون، فيشترط أن يبقى للورثة ضعفها مئة وثمانون. قال: (وإن أوصى بها مدة .. قوم بمنفعته ثم مسلوبها تلك المدة، وبحسب الناقص من الثلث)،فإذا قومناه بالمنفعة بمئة ومسلوبها تلك المدة بثمانين .. فالوصية بعشرين. والثاني: أن الحكم كما في الوصية المؤبدة. والثالث: تعتبر أجرة تلك المدة عكس مسألة الكتاب أن يوصى برقبة دون منفعتها، فتعطي الرقبة للموصى له، فإن أراد عتقها لا عن كفارة .. جاز، وإن أراد بيعها .. جاز من مالك المنفعة دون غيره على الأصح، وفي نفقتها وجهان: أصحهما: أنهما على الموصى له بالرقبة. ولو أوصى لزيد بمنفعة عبد ولآخر برقبته فرد الموصى له بالمنفعة الوصية .. فهل تعود إلى الموصى له بالعين أو إلى الورثة؟ فيها وجهان: أشبههما- واختاره الشيخ-:أنها للورثة، وقيل: للموصى له الآخر. وإذا غصب العبد الموصى بمنفعته .. فالأصح: أن أجرته للموصى له. ولو انهدمت الدار الموصى بمنفعتها فأعاداها الوارث بآلتها .. ففي عود حق الموصى له وجهان: صحح المصحف منهما: العود، ويجريان فيما لو أراد الموصى له أن يعيدها بآلتها، ولو قال للورثة: استخدموا عبدي سنة بعد موتي ثم هو بعد السنة وصية لفلان .. جاز، ولا تقوم خدمة السنة على الورثة؛ لأنهم استخدموا ملكهم، قاله في (البحر). قال: (ولا تصح بحج تطوع في الأظهر)؛بناء على دخول النيابة فيه، وهو الأظهر. والثاني: المنع؛ لأن النيابة إنما دخلت في الفرض للضرورة ولا ضرورة إلى

وَيُحَجُ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ الْمِقَياتِ كَمَا قَيَدَ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. فَمِنْ الِميقَاتِ فِي الأَصَحِ. وَحَجَةُ الإِسْلاَمِ مِنْ رَاسِ المَالِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ رَاسِ المَالِ أَوْ الثُلُثِ .. عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الوَصِيَةَ بِهَا .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ، وَقِيْلَ: مِنْ الْثُلُثِ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ التطوع والعمرة في جميع ذلك كالحج. واحتزر بـ (التطوع) عن الفرض؛ فيصح قطعا. قال: (ويحج من بلده أو الميقات كما قيد)؛عملا بالوصية. هذا لا نزاع فيه إذا بلغ ثلثه الحج من بلده، فإن لم يبلغ .. حج عنه من حيث بلغ، نص عليه في (عيون المسائل). قال: (وإن أطلق .. فمن الميقات في الأصح)؛حملا على أقل الدرجات. والثاني: من بلده؛ لأن الغالب: أن السفر للحج والتجهيز يكون من البلد؛ فإذا قال: أحجوا عني بثلثي .. فعل ما يمكن به ذلك من حجتين أو أكثر، فإن فضل مالا يمكن أن يحج به .. فهو للورثة، فإن قال: أحجوا عني بثلثي حجة واحدة وكان ذلك أكثر من أجرة المثل .. لم يجز أن يصرف ذلك إلى وارث يحج؛ لأن الحج بأكثر من أجرة المثل محاباة، وذلك ممتنع للوارث. قال: (وحجة الإسلام من رأس المال) أي: إذا لم يوص بها كسائر الديون. وقال أبو حنيفة: تسقط بالموت، وكذا يقول في الزكاة، وقوله بالسقوط في الحج أظهر منه في الزكاة؛ لأن الحج فعل والزكاة مال في الذمة، ولكن السنة دلت على جواز الحج عن الميت، فلا التفات إلى القياس مع السنة. قال: (فإن أوصى بها من رأس المال أو الثلث .. عمل به) كما لو أوصى بقضاء دين من ثلثه، وفائدة جعلها من الثلث: مزاحمة الوصايا. قال: (وإن أطلق الوصية بها .. فمن رأس المال) كما لو لم يوص، وتحمل الوصية بها على التأكيد. قال: (وقيل: من الثلث)؛لأنه لما وصى به .. أخرجه مخرج الوصايا، فكان من الثلث كما لو صرح به.

وَيُحَجُ مِنْ الْمِيْقَاتِ. وَللأَجْنَبِيً أَنْ يَحُجَ عَنْ المَيْتِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فِي الأَصَح? ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ظاهر إطلاق المصنف يقتضي: أن الخلاف وجهان، وفي (الروضة) عبر بالمذهب. قال: (ويحج من الميقات) أي: ميقات بلده؛ لأن لو كان حيا .. لم يلزمه سواه. وهذا مجزوم به إن قلنا: من رأس المال، وكذا إن جعلناه من الثلث على الأصح، أما الحجة المنذورة في الصحة .. فالأصح: أنها كحجة الإسلام؛ لوجوبها، وقيل: كالتطوع؛ لأنها لا تلزم بأصل الشرع، وأما التي نذرها في مرض الموت .. فمن الثلث قطعا، صرح به الفوراني وغيره، وهو ظاهر، والخلاف جار في الكفارات والصدقة المنذورة. قال: (وللأجنبي أن يحج عن الميت بغير إذنه في الأصح) كما لو كان عليه دين فقضاه عنه. والثاني: المنع؛ لأن الحج عبادة تفتقر إلى النية، ولا تصح النية إلا باستنابته أو استنابة نائبه، وصححه المصنف في نظير المسألة من الصوم كما سبق، والفرق مشكل. وإطلاق المصنف (الحج) يوهم: أن للأجنبي أن يحج عن الميت المتطوع بغير إذنه، والأصح: أنه لا يصح إذا لم يكن بإذنه لا إذن وارثه كما صرح به في (شرح المهذب)،بل قال: إنه لا خلاف فيه،، فيجب حمل كلام المصنف على حج الفرض. وعلم من هذا أن الاعتمار عن الميت الذي اعتمر عن نفسه غير جائز، وأن ذلك يقع للمعتمر لا للميت، إلا أن يوصي الميت به، وكثيرا ما يغلط الناس في ذلك فيعتمرون تطوعا عن أموات لم يوصوا بذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: أفهم قوله: (للأجنبي):أن للقريب ذلك قطعا وإن لم يكن وارثا، ويؤيده ما سبق في (الصوم) عنه، لكن قيده في (الشرح) و (الروضة) بالوارث، وذكره الحج مثال؛ فإن الزكاة كذلك، فيجوز للأجنبي أن يؤدي عنه زكااة الفطر وزكاة المال في الأظهر، حكاه الروياني عن النص، وهل يثاب الميت عليه؟ قال القاضي أبو الطيب: إن كان قد امتنع ولا عذر له في التأخير لم يثب، وإلا .. أثيب. واقعة: أوصى أن يحج عنه بألف ولم يعين شخصا، فاستؤجر عنه شخص بخمس مئة، ولم يعلم المستأجر صورة الحال وحج .. تبين بطلان الخمس مئة الزائدة، ووقعت في زمن ابن الرفعة، فاقتضى نظره بعد إمعان الفكر: أن القدر الموصى به إن كان قدر أجرة المثل .. فتصح الإجارة والباقي للورثة، وإلا .. فله ويكون وصية، كما لو أوصى بشراء عبد بألف ويعتق عنه فاشترى بخمس مئة وأعتق والبائع جاهل بالحال ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن الماوردي قال: إن ساوى ألفا .. فالباقي للورثة، أو خمس مئة .. فللبائع؛ لأنه وصية له، أو سبع مئة .. فله ثلاث مئة والمئتان للورثة، وكذا قال القاضي حسين. وهذه تشبه واقعة في زمن القفال بمدينة مرو في شخص أوصى أن تشتري عشرة أقفزة حنطة بمئتي درهم ليتصدق بها، فوجدوا من أجود الحنطة عشرة أقفزة بمئة، فمن فقهاء مرو من أفتى برد الزيادة للورثة، ومنهم من جعلها وصية لبائع الحنطة، ومنهم من قال: تشتري بالزيادة حنطة ويتصدق بها، وقيل: هذا لا يتصور في الحج. ووقع في (فتاوي ابن الصلاح):أن الورثة لو استأجروا من يحج عن مورثهم حجة الإسلام الواجبة ولم يكن أوصى بها ثم تقايلوا مع الأجير .. لم تصح الإقالة؛ لوقوع العقد لمورثهم. فروع: الأول: إذا امتنع المعين من الحج عنه .. أحج عنه غيره بأجرة المثل أو أقل إن كان الموصى به حجة الإسلام، فإن كان تطوعا .. فهل تبطل الوصية؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم، كما لو قال: اشتروا عبد فلان فأعتقوه، فلم يبعه فلان .. لا يشتري عبد آخر. والثاني- وهو الأصح-:لا؛ لأن المقصود هنا الحج، والمقصود في العبد عتقه وهو حق له. الثاني: يجوز أن يكون أجير التطوع عبدا أو صبيا، بخلاف حجة الإسلام، وفي المنذورة خلاف مبني على ما يسلك به. الثالث: في (زيادات العبادي):أوصى لأول من يحج عنه بكذا، فحج عنه اثنان، ثم ثالث .. لا يستحق واحد منهما شيئا، أما الأولان .. فلأنه لم يحج عنه

وَيُؤدي الْوَارِثُ عَنْهُ الْوَاجِبَ المَالِي? فِي كَفَارَةِ مُرَتَبَةٌ، وَيُطْعِمُ وَيَكْسُو فِي الْمُخَيَرَةِ، وَالأَصَحُ: أَنَهُ يُعْتِقُ أَيْضاً، وَأَنْ لَهً الأَداءَ مِنْ مَالِهِ إِذاَ لَمْ تَكُنْ ترَكِةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد منهما، أما الثالث .. فلأن السبق لم يوجد من جهته، وسيأتي في أوائل (كتاب العتق) نظير هذا الفرع، وأن الأول يطلق على المتعدد. قال: (ويؤدي الوارث عنه الواجب المالي) كالعتق والإطعام والكسوة (في كفارة مرتبة) ككفارة القتل والظهار والوقاع؛ لتبرأ بذلك ذمته وتبرد جلدته. والمصنف أطلق (الأداء) ومراده: من التركة، ويكون الولاء للميت إذا أعتق والواجب منها يلتفت إلى الخلاف في اعتبار حال الوجوب أو الأداء أو الأغلظ ثم. وإطلاقه يشمل: ما إذا أدى الوارث من ماله مع وجود التركة، قال الشيخ: وهو كذلك فيما يظهر لي، ويكون الولاء للميت، قال: ثم وجدت في (البيان) ما يوافقه. وقال الرافعي تفقها: يشبه أن يكون كالأجنبي. قال: (ويطعم ويكسو في المخيرة) أي: الوارث من التركة. و (المخيرة):كفارة اليمين، ونذر اللجاج، وتحريم عين الأمة. و (الواو) في قوله: (ويكسو) بمعنى (أو). قال: (والأصح: أنه يعتق أيضا)؛لأنه خليفته، فإعتاقه كإعتاقه. والثاني: لا؛ إذ لا ضرورة لإلحاق الولاء بالميت، وليس كالإطعام والكسوة؛ إذ لا محذور فيهما. هذا كله إذا خلف الميت تركة، فأدى الوارث منها، أو من ماله مع وجودها على ما بحثه الشيخ مع الرافعي، ولم يتعرضوا هنا للأجنبي. قال: (وأن له الأداء من ماله إذا لم تكن تركة)؛لأنه قائم مقامه. والثاني: لا؛ لعبد العبادة عن النيابة. والثالث: يمتنع الإعتاق فقط؛ لبعد إثبات الولاء للميت. والرابع: يجوز الإعتاق في المرتبة دون المخيرة، وهذا مخرج.

وَأَنَهُ يَقَعُ عَنْهُ لَوْ تَبَرَعَ أَجْنَبِيٌ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ، لاَ إِعْتَاقٍ فِي الأَصَح? ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنه يقع عنه لو تبرع أجنبي بطعام أو كسوة) كما في قضاء الديون. والثاني: لا؛ لبعد العبادة عن النيابة. والوجهان إذا جوزنا ذلك للوارث، وإلا .. فالأجنبي أولى. والمراد بـ (الأجنبي):غير الوارث وإن كان قريبا. قال: (لا إعتاق في الأصح)؛لاجتماع عدم النيابة وبعد إثبات الولاء للميت. والثاني: يقع عنه كالوارث. ومحل الخلاف الذي حكاه المصنف في الكفارة المخيرة، وأما المرتبة .. فالصحيح فيها .. الجواز كما قرره الشيخان في كفارة اليمين، وغير العتق يجوز التبرع به في الأصح، والوارث فيه أولى بالصحة. وجميع ما ذكرناه محله: إذا قلنا: إن الكفارة لا تسقط بالموت كما هو المذهب، فلو لم يكن على الميت عتق أصلا فأعتق عنه وارثه أو غيره .. لم يصح عن الميت، بل يقع العتق والولاء للمعتق. قال الشافعي رضي الله عنه: وأرجو أن يوصل الله للميت خير العتق ولا ينقص حق الحي. وفي البيهقي مرسلا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له رجل: أعتق عن أبي وقد مات؟ قال: (نعم)،وقال له آخر: إن أمي هلكت، فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ قال: (نعم). وسئل ابن عباس عن الرجل يعتق عن والده، هل له في ذلك من أجر؟ قال: (نعم).

وَتَنْفَعُ الْمَيْتَ صَدَقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: أحدها: مات وعليه دين ولا تركة فقضاه الوارث من عنده .. وجب على المستحق قبوله، بخلاف ما إذا تبرع به أجنبي قال الإمام: وغالب ظني أني رأيت فيه خلافا، ذكره الرافعي في (باب القسامة). الثاني: أدى الوصي من ماله الدين ليرجع في التركة .. جاز إن كان وارثا، وإن لم يكن وارثا .. نفذ، ولا يرجع؛ لأن الدين لا يثبت في ذمة الميت، قاله العبادي. الثالث: الصحيح: وجوب إخراج كفارة القتل عن الصبي ونفقة القريب إن طولب بها، وتؤدي زكاة ماله. قال الشيخ: وأما القاضي الشافعي .. فلا رخصة له في ترك إخراجها، وكان بعض القضاة الشافعية الموثوق بدينهم- وهو كمال الدين النشائي- لا يخرجها، ويقول: إذا بلغ .. أعرفه الخلاف في ذلك، فإن شاء .. أخرج عن نفسه، وتبعه عمي صدر الدين يحيى على ذلك، قال: وأردت أنا أن أفعل ذلك لما وليت قضاء الشام، ثم لم أفعل؛ خشية من مفسدة، ثم استقر رأيي على أن ترك إخراجها خطأ وتصير مضمونة للأصناف على الولي، وكذا على القاضي إذا كانت في يده وفعل ذلك من غير اجتهاد، وإن كان حنفيا .. ارتفع عنه الإثم والضمان. قال: (وتنفع الميت صدقة) الأصل: أن لا ينفع الإنسان في آخرته إلا ثواب عمله الصالح دون فعل غيره؛ لقوله تعالى:} وأن ليس للإنسان إلا ما سعى {،واستثنى من ذلك أشياء: منها: الصدقة عنه؛ فإنها تنفعه بإجماع الفقهاء، ولا اعتبار بإنكار بعض المتكلمين لها. ونقل القرطبي في تفسير الآية عن مالك أنه قال: لا تجوز الصدقة عن الميت،

وَدُعَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وضعفه؛ لنقل ابن عبد البر الإجماع على خلافه، وقع هنا في (الوسيط):أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي رضي الله عنه لما قضى دين ميت: (الآن بردت جلدته)،وصوابه: أنه قال لأبي قتادة رضي الله عنه. قال الشافعي رضي الله عنه: وفي وسع الله أن يثيب المتصدق أيضا. قال الأصحاب: يستحب أن ينوي المتصدق الصدقة عن أبويه؛ فإن الله تعالى ينيلهما الثواب ولا ينقص من أجره شيئا. وقال الإمام: ينبغي أن تقع صدقة المتصدق عنه وينال الميت بركته، كما يقع الدعاء عبادة من الداعي وينال الميت بركته. قال الشيخ عز الدين: وظاهر السنة ما قاله الأصحاب، فتقع الصدقة عن الميت وللمتصدق ثواب بره للميت، بخلاف الدعاء؛ فإنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها المشفوع له. ودخل في إطلاق المصنف الوقف عنه، وحكاه الرافعي عن صاحب (العدة) في وقف المصحف. قال: وينبغي أن يلحق به كل وقف، وفيه نظر؛ لاستداعائه دخوله في ملكه ثم يملكه الغير ولا نظير له. قال: (ودعاء) أجمعوا عليه أيضا؛ لقوله تعالى:} والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)،فأثنى عليهم بدعائهم لهم، ولأن الصلاة على الميت واجبة وهي دعاء. وفي (الصحيحين): (أو ولد صالح يدعو له). وقد تقدم في (الجنائز) حديث ابن عباس رضي الله عنهما: مثل الميت في قبره كالغريق المتغوث، وهذا في الحقيقة ليس مستثنى من الأصل المذكور؛ فإن ثواب

مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِي? ـــــــــــــــــــــــــــــ الدعاء للداعي، فالمدعو له يحصل له المدعو به، ففي الدعاء شيئان: أحدهما: نفس الدعاء وثوابه للداعي لا للميت. والثاني: حصول المدعو به إذا قبله الله، وذلك ليس من عمل الميت ولا يسمى ثوابا، بل هو فضل من الله تعالى في استجابته. ومعنى نفعه للميت: حصول المدعو به إذا استجابه الله تعالى. نعم؛ دعاء الولد يحصل ثوابه بنفس الدعاء للوالد الميت؛ للحديث المذكور، ويستثنى هذا من انقطاع العمل إذا وصل نفس الدعاء، أما المدعو به .. فليس من عمله. قال: (من وارث وأجنبي)؛لما روى الشيخان عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله؛ إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: (نعم) قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: (سقي الماء). ووقع في (الوسيط):أن سعد بن أبي وقاص القائل ذلك، والصواب: ابن عبادة. والأجنبي قيس على الوارث؛ لأنها معاونة على الخير، وقد حث الشارع عليها، ولأن النفوس متشوفة إلى انتفاع الموتى بالصدقة، ومقتضى الشرع الحث على ذلك. ومعنى الدعاء: الاستغفار، روى أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله ليرفع الدرجة للعبد في الجنة، فيقول: يارب أنى لي هذه؟ فيقال: باستغفار ولدك لك). أما التضحية عن الميت .. فذكرها المصنف في آخر بابها، وسيأتي فيه بيانها. وأما الصلاة .. فلا تفعل عن الميت تطوعا ولا قضاء، أوصى به أم لا، ونقل المصنف على ذلك الإجماع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه وجه ضعيف: أنها تفعل عنه، واختاره ابن أبي عصرون، واستثنى ابن القاص ركعتي الطواف؛ فإن المستأجر يأتي بهما عن المحجوج عنه. أما الصوم .. فلا يتطوع به عن الميت، وفي قضاء واجبه عنه قولان سبقا في بابه. وأما الاعتكاف عنه .. فتقدم في بابه. تتمة: اشتهر عن الشافعي وابن مالك رضي الله عنهما: أن قرءة القرآن لا تصل للميت. وعن أبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهما: أنها تصل، وهو وجه عندنا، حكاه في (الأذكار) و (شرح مسلم) في (باب النهي عن الرواية عن الضعفاء)،واختاره ابن أبي عصرون في (الانتصار) وصاحب (الذخائر) وابن أبي الدم وابن الصلاح والمحب الطبري، وعليه عمل الناس سلفا وخلفا، وما رآه المسلمون حسنا .. فهو عند الله حسن. ونص الشافعي رضي الله عنه على: أنه يقرأ عند القبور ما تيسر من القرآن ويدعو لهم عقبها، فقال الأصحاب: لكون الدعاء عقب القراءة أقرب إلى الإجابة، ويكون الميت كالحاضر ترجى له الرحمة والبركة، وأما ثواب القراءة .. فللقارئ، ولو أنه سأل الله تعالى أن ينقل ذلك الثواب الذي حصل له إلى الميت كما جرت به القراء .. فقال الشيخ: عندي أنه لا يمنع، وهو كسائر الدعاء، وإنما يحمل منع الشافعية والمالكية على ما إذا نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت من غير دعاء، وهذا الذي اختاره عبد الكريم الشالوسي، بالشين المعجمة في أوله كما قاله ابن السمعاني لا كما قاله المصنف في (تهذيبه):إنه بالمهملتين. وشذ ابن عبد السلام في بعض فتاويه فقال: لا يجوز ذلك؛ لأنه تصرف في الثواب من غير إذن من الشرع فيه، وحكى القرطبي عنه في (التذكرة):أنه رؤي بعد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاته في النوم، فسئل عن ذلك، فقال: كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن بان لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت. وقال ابن الصلاح والشيخ محب الدين الطبري: ينبغي أن يقول إذا أراد ذلك: اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان، قال الشيخ: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه .. نفعه؛ إذ ثبت: الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: (وما يدريك أنها رقية)،وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى. وفي (فتاوى القفال):إذا أوصى أن يختم القرآن على قبره .. لا يلزم، فإن قال: إذا مت فاستأجروا من مالي من يختم القرآن على رأس قبري، أو قال: أعطوا رجلا يقرأ .. فإن ذلك يلزم، وقد تقدم في (الإجارة) طرف من هذا. وأما إهداء ثواب القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - .. فمنعه ابن تيمية محتجا بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه ولم يأذن إلا في الصلاة عليه وسؤال الوسيلة، وخالفه الشيخ محتجا بأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعتمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرا بعد موته من غير وصية. وحكى في (الإحياء) عن علي بن الموفق- وكان في طبقة الجنيد-:أنه حج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حججا، وعدها القضاعي ستين حجة، وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري: أنه ختم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك.

فصل

فَصْلٌ: لَهُ الرُجُوعُ عَنْ الوَصِيةِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: نَقَضْتُ الْوَصِيَةَ، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ رَجَعْتُ فِيْهَا، أَوْ فَسَخْتُهَا، أَوْ هَذَا لِوَارِثِيِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: له الرجوع عن الوصية وعن بعضها)؛ لأنها عطية لم يزل عنها ملك معطيها، فأشبهت الهبة إذا لم تقبض. وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر وعائشة رضي الله عنها: يغير الرجل من وصيته ما شاء، وحكى الأستاذ أبو منصور فيه: الإجماع. واحترز بـ (الوصية) عن التبرعات المنجزة في مرض الموت وإن كانت من الثلث؛ فليس له رجوع عنها. قال: (بقوله: نقضت الوصية، أو أبطلتها، أو رجعت فيها، أو فسختها)؛لأن كل ذلك صريح فيها، وكذا رفعتها، ورددتها، ولو قال: هو حرام على الموصى له .. فالمشهور: أنه رجوع، وكذا حرمته عليه، وفيه وجه: أنه ليس برجوع. ولو قال: هو تركتي .. فالأصح: أنه ليس برجوع، ولو سئل عنها فأنكرها .. فالأصح في (الروضة):أنه ليس برجوع. وكلام الرافعي كالصحيح في أنه إن قال ذلك لغرض .. لم يكن رجوعا، وإلا .. فرجوع كما في (الوكالة)،وصححا في (باب التدبير):أنه لا يكون رجوعا. ولو قال: لا أدري .. لم يكن رجوعا، خلاف لأبي حنيفة رحمه الله. قال: (أو هذا لوارثي) أي: بعد موتي؛ لأن كونه لوارثه بعد الموت ينافي كونه وصية، وكذلك الحكم لو قال: هو ميراث عني، قال الرافعي: كذا قيل، لكن سنذكر فيما إذا أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو .. لم يكن رجوعا، بل يشتركان، فكان يجوز أن يقال به هنا، فيبطل نصف الوصية، وأسقط هذا من (الروضة).

وَبَبْيِعٍ وَإِعْتَاقٍ وَإِصْدَاقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: الجواب: أن قوله: هذا لوارثي بعد موتي .. مفهوم صفة، أي: لا لغيره، وأما قوله: هو لعمرو، بعد أن قال: هو لزيد .. فمفهوم لقب، والصحيح: أنه ليس بحجة، فلذلك قيل بالتشريك في هذه دون تلك. قال: (وببيع وإعتاق وإصداق)،الذي تقدم كان في صيغ الرجوع، وهذا في تصرفات تتضمن الرجوع. فمنها البيع والإعتاق والإصداق؛ لأنها مزيلة للملك، وكذا جعله أجرة أو عوض خلع؛ لأت تصرفات صادف الملك فنفذ، و (الوصية):تمليك عقد بالموت، فإذا لم يبق ملك الموصي في الموصى به .. لغت، كما لو هلك الموصى له. قال في (المهمات):كذا علله الرافعي، وهو فاسد؛ لأن من لا يملك شيئا أصلا .. تصح وصيته اعتمادا على ما سيملكه، وأيضا الأصح: أنه تصح وصيته بعين لا يملكها، فعدم الملك ليس مانعا من الابتداء، ففي الدوام أولى، فإذا عادت إلى

وَكَذَا هِبَةٌ أَوْ رَهْنٌ مَعَ قَبْضٌ، وَكَذَا دُونَهُ فِي الأَصَح?. وَبِوَصِيَةِ هَذِهِ الْتَصَرُفَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ملكه .. ولم تعد الوصية قطعا، ولم يخرجوه على الخلاف في الزائل العائد. ولو لم يتم البيع وفسخ في زمن خيار المجلس .. فكذلك، وعن الأستاذ أبي منصور: أنا إن وقفنا زوال الملك على انقضاء الخيار .. لا يكون رجوعا. وكتابة الرقيق الموصى به .. جزم الرافعي بأنها رجوع، والمنصوص: أن التدبير رجوع أيضا. قال: (وكذا هبة أو رهن مع قبض)؛لما قلناه، واشتراط القبض عائد إليهما، أما في الهبة .. فلزوال الملك، وأما في الرهن .. فلأجل لزومه. وفي وجه: أنه ليس برجوع؛ لأنه لا يزيل الملك، وإنما هو نوع انتفاع كالاستخدام، وهذا الوجه في الرهن لا في الهبة. كل هذا في الهبة الصحيحة؛ فإن الإطلاق يقتضي ذلك، أما الفاسدة .. ففيها أوجه: ثالثها: إن اتصل بها القبض .. كان رجوعا، وإلا .. فلا. قال في (الكفاية):وعبارة (الحاوي) تفهم طردها في الرهن الفاسد أيضا. قال: (وكذا دونه في الأصح) أي: إذا وهب ولم يقبض .. فالأصح: أنه رجوع لقصده الصرف عن الموصى له. والثاني: ليس برجوع؛ لعدم زوال الملك. وقال الإمام: إنه لا يستجيز عده في المذهب. قال: (وبوصية بهذه التصرفات) أي: بالبيع، وما ذكر معه مما هو رجوع كما لو وجدت من الموصي. وفي وجه: أنه كما لو أوصى لزيد بشيء ثم أوصى به لعمرو فيكون رجوعا في النصف. وفرق الغزالي؛ بأن الموصى به ثانيا هنا ليس من جنس الأول حتى يحمل على التشريك، ولذلك لا ينتظم الجمع بينهما في صيغة التشريك، بأن يقول: أوصيت به

وَكَذَا تَوْكِيلٌ فِي بَيْعِهِ وَعَرْضِهِ عَلَيْهِ فِي الأَصَح? ـــــــــــــــــــــــــــــ لفلان وأعتقوه، بخلاف قوله: أوصيت به لهما. قال الرافعي: وهذا الفرق غير مجد. قال: (وكذا توكيل في بيعه وعرضه عليه في الأصح)؛لأنه توسل إلى أمر يحصل به الرجوع. والثاني: لا؛ لأنه قد لا يوجد. وحاصل ترتيب الخلاف: أن العرض على البيع كالتوكيل به والتوكيل به كالوصية به والمقابل للجميع الرجوع بالنصف فقط، هذا مقتضى مافي (الشرح) و (الروضة)،فلا يحسن إطلاق الكتاب في التوكيل والعرض، ولا (الروضة) في العرض. ثم جميع ما ذكره المصنف في الوصية بمعين، أما إذا أوصى بثلث ماله ثم تصرف في جميع ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرها .. فإنه لا يكون رجوعا، وكذا لو هلك جميع ماله .. لم تبطل الوصية؛ لأن الثلث مطلقا لم يختص بما عنده حال الوصية بل العبرة بما يملكه عند الموت زاد أو نقص. فروع: الأول: أوصى له بدار أو بخاتم ثم أوصى بأبنية الدار أو بفص الخاتم لآخر .. فالعرصة والخاتم للأول، والأبنية والفص بينهما تفريعا على المشهور. ولو أوصى لزيد بدار ثم أوصى لآخر بسكناها أو بعبد ثم لآخر بخدمته .. فعن الأستاذ: أن الرقبة للأول، والمنفعة للثاني. قال الرافعي: ويجوز أن يشتركا في المنفعة كما في الفص والأبنية. وفرق ابن الرفعة؛ بأن المنفعة معدومة والفص والأبنية موجودان وهما موصى بهما؛ لاندراجهما تحت الاسم، والمنفعة غير مندرجة تحت اسم العبد والدار. الثاني: أوصى لرجل بأمة حامل ثم أوصى بحملها لآخر .. كانت الأمة للأول، والحمل مشتركا بينه وبين الثاني.

وَخَلْطُ حِنْطَةٍ مُعَيْنَةٍ رُجُوعٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا .. فَرُجُوعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أوصى بحملها للأول ثم أوصى بها للثاني .. كان الحمل بينهما، والجارية للثاني؛ لأن الأصح: أن الحمل في الوصية يتبع الأم. الثالث: تزويج العبد والأمة الموصى بهما، وإجارتهما، وختانهما، وتعليمهما، والإعارة، والإذن في الإجارة والاستخدام وركوب الدابة ولبس الثوب .. ليس برجوع. الرابع: أوصى بجارية ثم وطئها .. ففي كونه رجوعا ثلاثة أوجه: أصحها: أنه ليس برجوع. وثالثها- لابن الحداد-:أنه إن أنزل .. كان رجوعا، وإلا .. فلا. الخامس: أوصى ببيع شيء ثم صرف ثمنه للفقراء، ثم أوصى ببيعه وصرف ثمنه للمساكين .. لم يكن رجوعا ويصرف الثمن لهما نصفين، بخلاف ما لو أوصى بشيء للفقراء ثم وصى ببيعه وصرف ثمنه للمساكين؛ فإنه رجوع. السادس: ارتد الموصي .. تبطل الوصية على الصحيح. قال: (وخلط حنطة معينة رجوع)؛لتعذر تسليمها، سواء خلطها بمثلها أو بأجود أو بأردأ؛ لتعذر التسليم. وقيل: خلطها بالمثل والأردأ ليس برجوع. وصورة المسألة: أن تكون الحنطة المعينة موصى بها كلها، فخلطها بغيرها، فإن كان الموصى به صاعا منها من غير تعيين .. فسيأتي، وكان الصواب أن يقول: وخلطه، كما عبر في (الروضة)،فإن غيره لو خلطها بغير أمره .. لم يؤثر. قال: (ولو أوصى بصاع من صبرة فخلطها بأجود منها .. فرجوع)؛لأنه لا يلزمه تسليم الزيادة ولا يمكن بدونها. قال الرافعي: وقد ذكرنا في البناء المستحدث في الدار وجها: أنه يدخل الوصية؛ لأنه صار من الدار، وذلك الوجه هنا أقرب منه في البناء وإن لم يذكروه،

أَوْ بِمِثْلَهَا .. فَلاَ، وَكَذَا بِأَرْدَأ فِي الأَصَح?. وَطَحْنُ حِنْطَةٍ وَصَى بِهَا، وَبَذْرُهَا، وَعَجْنُ دَقِيقٍ، وَغَزْلُ قُطْنٍ، وَنَسْجُ غَزْلٍ، وَقَطْعُ ثَوْبِ قَمِيصاً، وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ فِي عَرْصَةٍ .. رُجُوعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورده الشيخ؛ بأن الدار هي المقصودة والبناء المستحدث صفة تابعة، بخلاف كل من الخليطين. قال: (أو بمثلها .. فلا)؛إذ لا زيادة، وهذا مقطوع به. قال: (وكذا بأردأ في الأصح) كما لو عيب الموصى به أو أتلف بعضه. والثاني: أنه رجوع؛ لأنه غير الموصى به عما كان، فأشبه الخلط بالأجود، وهذا أورده القاضي أبو الطيب ونسبه إلى عامة الأصحاب، واختاره الإمام. قال: (وطحن حنطة وصى بها، وبذرها، وعجن دقيق، وغزل قطن، ونسج غزل، وقطع ثوب قميصا، وبناء وغراس في عرصة .. رجوع)؛لأن ذلك يبطل اسم الموصى به، والوصية متعلقة بذلك الاسم، وهذه التصرفات مشعرة بقصد التمليك. قال الرافعي: ولو أوصى بلحم فشواه .. كان رجوعا قطعا، وفيه وجه في (البحر). تتمة: أوصى لزيد بشيء معين ثم أوصى به لعمرو .. لم يكن رجوعا على النص، بل يكون بينهما نصفين، ولو أوصى به لثالث .. كان بينهم أثلاثا، ولو أوصى به لرابع كان بينهم أرباعا .. وهكذا، وبهذا قال الأئمة الثلاثة؛ لاحتمال إرادة التشريك، فتنزل الوصايا منزلة ما لو قال دفعة واحدة: أوصيت لهما. وحكى المتولي وجها: أن الوصية الثاني رجوع. وقال ابن بنت الشافعي: تبطل الوصية لهما؛ لإشكال حالهما. وعلى المذهب: لو رد أحدهما .. كان للآخر الجميع، بخلاف ما إذا أوصى به لهما دفعة واحدة، ولو أوصى به لواحد وبنصفه لآخر، فإن قبلاه .. فثلثاه للأول وثلثه للثاني، وإن رد الأول .. فنصفه للثاني، وإن رد الثاني .. فجميعه للأول.

فصل

فَصْلٌ: يُسَنُ الإِيصَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (المهمات):الصواب: أن للأول ثلاثة أرباعه وللثاني الربع؛ فإن النصف للأول، وشركته مع الثاني في النصف الآخر يكون بينهما نصفين. اهـ وهذه طريقة التداعي، وهي ضعيفة لم يفرع الرافعي ولا المصنف عليها شيئا في هذا الباب. والصواب المعتمد المنقول في المذهب: أن للأول ثلثين وللثاني ثلثا؛ عملا بطريقة العول التي نص عليها في (الأم)،واختارها ابن الحداد، وتقريرها: أن يقال: معنا مال ونصف مال، فتضع النصف على الكل، فتكون الجملة ثلاثة، تقسم على النسبة، فيكون لصاحب المال ثلثاه، ولصاحب النصف الثلث، وقد ذكرها الرافعي والمصنف في القسم الثاني في حساب الوصايا، ويستأنس لها القرآن؛ فإن الله تعالى جعل لابن إذا انفرد جميع المال،، وللبنت عند الانفراد النصف، فإذا اجتمعا أخذ الابن قدرها مرتين، فلذلك قلنا: يعطي الموصى له بالجميع الثلثين، والموصى له بالنصف الثلث، هذا هو الصواب، والذي في (المهمات) سهو. قال: (فصل: يسن الإيصاء)،هذا باب مستقل انعقد الإجماع عليه، وقد أوصى أبو بكر عمر رضي الله عنهما بالخلافة، وكتب ابن مسعود: إن وصيتي إلى الله تعالى ثم إلى الزبير وابنه، وإنهما في حل وبل مما وليا وقضيا، ولا تزوج امرأة من بنات عبدالله إلا بإذنها. وروى سفيان بن عيينة: أن الزبير كان وصيا لسبعين من الصحابة، منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود، وكان ينفق على أيتامهم من ماله، ويحفظ عليهم أموالهم.

بِقَضَاءِ الد?يْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج سعيد بن منصور عن أنس: أنهم كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان: أن يشهد أن لا إله إلا الله ... وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. وكتب أبو بكرة في وصيته: هذا ما وصى به نفيع الحبشي مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يشهد أن الله ربه، وأن محمدا نبيه، وأن الإسلام دينه، وأن الكعبة قبلته، وأن يرجو من الله ما يرجوه المعترفون بتوحيده، المقرون بربوبيته، الموقنون بوعده ووعيده، الخائفون من عذابه، المشفقون من عقابه، المؤملون لرحمته، إنه أرحم الراحمين. وعبر (المحرر) بالوصاية، فعدل المصنف عنه إلى الإيصاء؛ لأن المبتدئ لايفهم الفرق بين الوصية والوصاية، والإيصاء يعمها لغة، والتفرقة من اصطلاح الفقهاء. قال: (بقضاء الدين)؛لأن ذمة الميت مرتهنة به حتى يقضي عنه، والمراد: الدين الذي لا يعجز عنه في الحال، أما الذي يعجز عنه .. فالوصية به واجبة كما صرح به في (الروضة)،قال: وكذا الإيصاء برد المظالم. قال الإمام: وتجهيز الميت بمثابة الدين ثم مؤنة رد التركة، وسبيلها سبيل الديون. قال الإمام: لا يظهر للوصاية بقضاء أثر؛ إذ للورثة القضاء من أموالهم. فرع: قال القاضي: يجوز الإيصاء بتقاضي الديون وإن لم يعين المتقاضي منه، حتى لو

وَتَنْفِيذِ الوَصَايَا، وَالنَظَرِ فِي أَمْرِ الأَطْفَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: استوفوا ديوني، وكان وارثه غائبا .. أقام القاضي من يستوفيها ويحفظها إلى حضوره، وإن لم يوص به .. لم يكن للقاضي ذلك. قال: (وتنفيذ الوصايا)؛استباقا للخيرات، وذكرت طائفة منهم الإمام: أن الوصاية لا تجري في رد المغصوب والودائع، ولا في الوصية بعين لمعين؛ لأنها مستحقة بأعيانها فيأخذها أصحابها، وإنما يوصى فيما يحتاج إلى نظر واجتهاد كالوصية للفقراء. قال الرافعي: وهو موضع توقف معنى ونقلا، وأما المعنى .. فخوف خيانة الوارث، والنقل .. ما سيأتي في آخر الباب، وفي (باب الوديعة) حيث قالوا: إن أوصى لفاسق .. ضمن. قال ابن الرفعة: وفائدتهما في الأعيان: في غيبة الموصى لهم، وفي حال تعذر القبول، فتكون تحت يد الوصي، ولولا الوصاية .. كانت عند الحاكم. وأما العواري والودائع والغصوب .. ففائدتها: مطالبة الوصي؛ ليبرأ الميت منها. قال: (والنظر في أمر الأطفال)؛ خشية الضياع، وما ذكره من التقييد بـ (الأطفال) هنا في (المحرر) و (الشرح) و (الروضة) يقتضي: أن المجانين والسفهاء لا تصح الوصاية عليهم، وليس كذلك؛ فقد صرح القاضي أبو الطيب وغيره بصحتها على المجنون، وصرح مجلي في (الذخائر) بصحتها على الذي بلغ سفيها؛ قياسا على الصبي. أما من ترك الإيصاء عليهم اتكالا على الله تعالى .. فقال الشيخ: لا أرى أن يكون بذلك مخالفا للسنة، وليس في السنة أمر به، ولذلك كان تعبير (المحرر) بالاستحباب أحسن من تعبير المصنف بـ (السنة)،لكن قد تجب الوصية، وذلك إذا علم استيلاء الخونة من أمناء الحكم وغيرهم على ماله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الوصية على الحمل .. فتجوز بطريق التبع، وفي إفرادها توقف؛ لأن الأب لم تثبت له الولاية عليه، فكيف ينقلها إلى الوصي؟! لكن في (تعليق الشيخ أبي حامد) ما يقتضي الجواز، وهو الذي يشعر به كلام الروياني وغيره في (كتاب الشفعة). فرع: من علم من نفسه الأمانة والقدرة .. استحب له قبول الوصية، فإن لم يعلم من نفسه ذلك .. فيختار له أن لا يقبل. وفي (مناقب الشافعي) للبيهقي: قال الربيع: قال الشافعي رضي الله عنه: لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص، فإن علم في نفسه الضعف .. فالظاهر: أنه يحرم القبول؛ لما روى مسلم عن أبي ذر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تتأمرن على اثنين، ولا تلين مال يتيم). فإذا لم يوص أحدا .. نصب القاضي من يقوم بهذه الأمور. فائدة: قال الشيخ: لم يتعرض ابن الرفعة ولا غيره لاستئذان أرباب الديون في البيع، والتركة مرهونة بحقهم، قال: وينبغي أن لا يمكن الوصي ولا الوارث من البيع حتى يحضر أرباب الديون ويوافقوا، فإن امتنع أحد منهم .. أجبره القاضي، قال: بل أقول: لأرباب الديون أن لا يرضوا بالوصي ولا بيد الورثة البالغين من الانفراد

وَشَرْطُ الْوَصِي?: تَكْلِيفٌ، وَحُر?يةٌ، وَعَدَالَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بوضع اليد عليها بحق الديون، فمتى كان في التركة دين ولو درهم .. لا ينفرد الوصي ولا الورثة باليد، بل يجب على القاضي وضع يده عليها حتى يوفى الدين منها وتنفذ الوصايا، بل للقاضي النظر في جميع التركات لأجل الديون والوصايا. قال: (وشرط الوصي: تكليف)،فلا تصح الوصاية إلى الصبي والجنون ولو قل جنونه؛ لأنها أمانة وولاية وليسا من أهلها، ولأنهما مولي عليهما فلا يليان أمر غيرهما، فإن وصى إليه وهو ناقص فصار عند الموت كاملا .. صح على الأصح. ومحل ما ذكره المصنف: إذا لم يعلقه على طروء التكليف، فإن قال: أوصيت لفلان حتى يبلغ ولدي فإذا بلغ فهو وصيي .. جاز كما سيأتي. قال الجوهري: الوصي من الأضداد يطلق على الذي يوصي والذي يوصى إليه، ومراد المصنف الثاني. قال: (وحرية)؛لأن الرقيق لا يتفرغ لذلك لشغله بخدمة السيد، والخلاف فيه مع مالك وأبي حنيفة. قال ابن الرفعة: ومن هذه المسألة يفهم منع الإيصاء لمن أجر نفسه في عمل مدة لا يمكنه فيها التصرف بالوصاية، ولم نر من قاله. والمبعض والكاتب والمدبر وأم الولد ومعلق العتق بصفة كالقن، وفي مدبره وأم ولده خلاف مبني على وقت اعتبار الصفات، والأصح: أنها معتبرة بحالة الموت، وقيل: بحالة الإيصاء، قال الشيخ: وكلام الشافعي والأكثرين دال عليه، وسيأتي الكلام عليها في أم الأطفال. قال: (وعدالة)،فالفاسق ممنوع منها بالإجماع، والمراد: العدالة الظاهرة كما قاله الهروي في (أدب القضاء)،وقد تقدم في (الوقف):أن الناظر على الجهات العامة والأشخاص المعينين إذا لم يكن فيهم طفل قيل فيه: إن العدالة لا تشترط فيه؛ لأنه إن خان حملوه على الصواب والسداد، فيظهر جريانه في الوصي من باب أولى إذا

وَهِدَايَةٌ إِلىَ الْتَصَرُفِ الْمُوصَى بِهِ، وَإِسْلاَمٌ، لَكِنِ الأَصَح?: جَوَازُ وَصَيةِ ذِمِي? إِلىَ ذِمِي? ـــــــــــــــــــــــــــــ كان على تفرقة شيء معين ولا طفل هناك، ولذلك قال في (المعاياة):إذا أوصى إلى فاسق بتفرقة ثلثه .. لم يصح، فإن فرقه، فإن كانت الوصية لمعينين .. لم يضمن، لأنهم أخذوه، وإن كانت لغير معينين كالفقراء .. ضمن. قال: (وهداية إلى التصرف الموصى به) فالعاجز عنها لسفه أو مرض أو هرم أو تغفل لا تصح الوصية إليه؛ لنقصه وإن كان عدلا. وقال الماوردي: إذا أوصى إلى ضعيف ضم الحاكم إليه أمينا، وهو موافق لما سيأتي إذا طرأ الضعف؛ فإنه إذا ضعف نظر الوصي واختلت كفاءته وعجز عن ضبط الحساب أو ساء تدبيره لكبر أو مرض .. نصب القاضي معه من يقوم بذلك ويسد الخلل ولا ينعزل بذلك، بخلاف ما إذا تغير حاله بالفسق، وبخلاف ما إذا نصب الحاكم قيما وطرأ عليه ذلك؛ فإن له عزله وإقامة غيره. قال: (وإسلام)،فلا تجوز وصاية المسلم إلى الذمي؛ لقوله تعالى:} لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء {. أما لو كان المسلم وصيا على ذمي وفوض إليه أن يوصي عليه .. فيظهر جواز إسناد الوصية إلى ذمي. وأما وصية الذمي إلى المسلم .. فجائزة بالاتفاق. قال: (لكن الأصح: جواز وصية ذمي إلى ذمي)،كما يجوز أن يكون وليا على أولاده بشرط أن يكون الأولاد محكوما بكفرهم وأن يكون عدلا في دينه.

وَلاَ يَضُرُ الْعَمَى فِي الأَصَح?، وَلاَ تُشْتَرَطُ الذُكُورَةُ، وَأُمْ الأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا تجوز وصية الذمي إلى ذمي كما لا تجوز شهادة الكافر، فعلى هذا: إذا تصرف برد الودائع ونحوها .. لم يضمن لوصوله إلى مستحقه. والمعاهد والمستأمن في جميع ما ذكر كالذمي، فلو عبر بالكافر .. كان أعم. وتجوز وصية النصراني إلى اليهودي وعكسه، أما أموال أيتامهم إذا كانت بأيديهم ولم يترفعوا إلينا .. فقال ابن الصلاح والماوردي والروياني: ليس للحاكم التعرض لهم ما لم يتعلق بها حق مسلم. قال: (ولا يضر العمى في الأصح)؛لأن الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يمكن منه. والثاني: يضر؛ لأنه ممتنع من المباشرة للعقود بنفسه، وصححه القاضي، وهما كالوجهين في ولاية النكاح، لكن الخلاف في العمى الطارئ أضعف منه في العمى المقارن. وشرط الروياني وآخرون: أن لا يكون عدوا للطفل، فقالوا: شرطه أن تجوز شهادته عليه، وهو منقوض بالذمي؛ فإنه يوصي إلى الذمي فلا تجوز شهادته عليه. قال: (ولا تشترط الذكورة)،حكى ابن المنذر فيه الإجماع. وفي (سنن أبي داوود):أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها، وقال عليه الصلاة والسلام: (خذي ما يكفيك وولدك). وذكر الحناطي وجها: أنه لا تجوز الوصاية إلى الأم. قال الرافعي: وحقه الطرد في جميع النساء. قال: (وأم الأطفال أولى من غيرها) أي: اجتمعت الشروط فيها .. فهي أولى من غيرها من النساء ومن الرجال إذا كان فيها ما فيهم؛ لوفور شفقتها، وخروجا من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف الإصطخري؛ فإنه يرى أنها تلي بعد الأب والجد. هذا بالنسبة إلى الزوجة، وأما أم الولد .. فالمنصوص: أنها لا تجوز الوصية إليها؛ اعتبارا بحالة الوصية. وعند الرافعي والشيخ: الأظهر: الجواز؛ اعتبار لحالة الموت. فرع: الأب والجد ليس للحاكم أن يكشف عنهما حتى يثبت عنده ما يوجب زوال نظرهما، من فسق أوخيانة، فيعزلهما حينئذ ويولي غيرهما، وكذا أمين الحاكم. وأما الوصي .. ففي جواز الاستكشاف عنه وجهان: أحدهما: لا، كالأب. والأصح: أن على الحاكم استكشاف حاله، وهذا إنما قالوه في ابتداء ولاية القاضي، فلو أراد في دوام ولايته ذلك .. فلم يتعرضوا له، ولا يبعد جوازه عند طول العهد كما سيأتي في استزكاء الشهود. قال الشيخ: أما عند الريبة فلا يرتاب في ذلك، وقد كان يفعل ذلك في زمن شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين القشيري، فقيل له: هل أنتم أشفق على الأخ من أخيه؟ فقال: أما شفقة الدين فنحن أشفق من إخوتهم عليهم، ونحن أغير على دين الله تعالى أن نسلم المال إلى من لا نثق بدينه، ولا يخفى كم رأينا من والد وأخ أخذ مال ابنه وأخيه وأتلفه، وسببه أن حظ نفسه عنده أقوى من حظ أخيه. وذكر الشيخ في (باب المساقاة):أنه يجوز للقاضي أن يضم إلى الوصي غيره بمجرد الريبة من غير ثبوت خلل، قال: وهذا عين قول الأصحاب: إن القاضي إذا وجد الوصي ضعيفا عضده بمعين.

وَيَنْعَزِلُ الْوَصِي? بِالْفِسْقِ، وَكَذَا الَقاضِيِ فِي الأَصَح?، لاَ الإِمَامُ الأَعْظَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وينعزل الوصي بالفسق) لزوال الشرط وفي معنى الوصي قيم الحاكم. والمراد بـ (الفسق):التعدي في المال أو غيره بعد موت الموصي، أما قبله .. فينبني على وقت اعتبار الشروط. ومثله لو جن أو أغمى عليه، فإذا تاب أو أفاق .. لم تعد ولايته كالقاضي إذا فسق، وإذا فسق الأب أو الجد .. انتزع الحاكم مال الطفل، فإن تابا أو أفاقا .. عادت ولايتهما؛ لوفور شفقتهما. قال: (وكذا القاضي في الأصح)؛لزوال أهليته. والثاني: لا، كالإمام الأعظم، إلا أن يعزله الإمام. والمسألة كررها المصنف في (القضاء)،لكنه فرضها في عدم نفوذ حكمه لا في انعزاله كما ههنا. قال: (لا الإمام الأعظم)؛لتعلق المصالح الكلية بولايته، ونقل القاضي عياض الإجماع على ذلك، بل تجوز ولاية الفاسق ابتداء إذا دعت ضرورة إلى ذلك. وقيل: ينعزل، وإلا .. تفسد الرعية، وصوبه في (المطلب)،وبه جزم القاضي أبو الطيب والماوردي في (الأحكام). وفي ثالث: ينعزل إذا لم تحصل بعزله فتنة، وإلا .. فلا؛ لأن الفتنة أضر من ولايته. إذا كان الوصي أتلف مالا .. لم يبرأ من ضمانه حتى يدفعه إلى الحاكم ثم يرده الحاكم عليه إن ولاه، وفي مثله للأب أن يقبض من نفسه لولده. وليس من التعدي أكل الأب والوصي مال الطفل للضرورة، ولكن إذا وجب الضمان .. فطريق البراءة ما ذكرنا، كذا قاله الرافعي، ونازعه فيه الشيخ.

وَتَصِحُ الوَصِيَةُ بِقَضَاءِ الد?يْنِ. وَتُنَفُذُ الْوَصِيِةُ مِنْ كُل? حُر? مُكَلَف?، وَيُشْتَرَطُ فِي أَمْرِ الاطْفَالِ مَعَ هَذَا: أَنْ تَكُونَ لَهُ وِلاَيَةٌ عَلَيْهِمْ. وَلَيْسَ لِوَصِي? إِيْصَاءٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتصح الوصية بقضاء الدين. وتنفذ الوصية من كل حر مكلف) كذا في نسخة المصنف، عمل بعد الدين دائرة تدل على الفصل، وضم فاء (تنفذ) والذال بعدها، فصار مسألتين: إحداهما: صحة الوصية في قضاء الدين، وهذه تقدمت. والثانية: نفوذ الوصية من كل حر مكلف. والمراد: أنه يشترط في الموصي إذا كانت الوصية بقضاء الدين أو تنفيذ الوصايا أن يكون حرا مكلفا، وهكذا عبارة الرافعي، ويرد عليهما: أن السفيه حر مكلف، وتقدم: أن وصيته بالمال صحيحة على المذهب. وقال ابن الفركاح: ينبغي أن يقرأ (تنفيذ) بزيادة (ياء) بين (الفاء) و (الذال)،كما هو في (المحرر) و (الشرح) و (الروضة). قال: (ويشترط) أي: في الوصي (في أمر الأطفال مع هذا: أن تكون له ولاية عليهم) أي: ولاية مبتدأة من الشرع لا بتفويض. واحترز به عن وصية الوصي كما سيأتي. قال الشيخ: ومقتضى هذا: أن الأب السفيه ليس له أن يوصي؛ لأنه لا ولاية له على ولده، وهذا لاشك فيه، وليس خاصا بالطفل، بل المجنون كذلك، وكذلك السفيه حيث كانت الولاية عليه للأب. قال: (وليس لوصي إيصاء)،هذا في الوصية المطلقة التي لم يأذن فيها بأن يوصي؛ لأن الموصي لم يرض بالثاني، وبهذا قال أحمد. وخالف مالك وأبو حنيفة والثوري. وقالوا: له أن يوصي. لنا: القياس على الوكيل

فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ .. جَازَ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ: أَوصَيْتُ إِليْكَ إِلى بُلوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الوَصِي? .. جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أذن له فيه .. جاز في الأظهر) كالوكيل يوكل بالإذن بل أولى؛ لقوة نظر الموصي. والثاني: لا؛ لبطلان إذنه بالموت، هذا إذا لم يعين بأن قال: أوص إلى من شئت، فإن قال: أوص إلى فلان .. فالمذهب كذلك. وقيل: يصح قطعا، ورجحه الماوردي. وموضع القولين: إذا أذن له أن يوصي عن نفسه أو أطلق، فإن أذن له أن يوصي عن الموصي .. صح قطعا، صرح به ابن الصباغ والقاضي أبو الطيب والروياني. فإن قلنا: يصح، فمات الموصي من غير وصية إلى فلان .. فهل على الحاكم نصبه أو له نصب غيره؟ فيه وجهان. قال: (ولو قال: أصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي .. جاز) وكذا لو قال: أوصيت إليك فإذا مت ففلان وصيي أو فقد أوصيت إليه، أو أوصيت إليك سنة فإذا مضت فوصيي فلان؛ لأن الموصي هو الذي أوصى إليه وجعل الوصاية إلى الثاني مشروطة بشرط، والوصية كما تحتمل التعليق تحتمل الأخطار، ولأن الوصاية قريبة من التأمير، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيدا وقال: (إن أصيب زيد .. فجعفر، وإن أصيب جعفر .. فعبدالله بن رواحة). وروي: أن فاطمة أوصت إلى علي، فإن حدث بها حادث .. فإلى بنيها رضي الله عنهم. وقيل: فيه الخلاف في تعليق الوكالة.

وَلاَ يَجُوزُ نَصْبُ وَصِي? وَالجَد? حَي? بِصِفَةِ الوِلاَيَةِ، وَلاَ الإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ طِفْلٍ وَبِنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وبالمنع أجاب الروياني، فمنع: إذا مت .. فقد أوصيت إليك، وجوز: أوصيت إليك إذا مت. قال: (ولا يجوز نصب وصي والجد حي بصفة الولاية)؛لأن ولايته ثابتة بالشرع كولاية التزويج. وقيل: يجوز؛ لأنه أولى من الجد فكذا نائبه. ويستثني من ذلك: المشكل إذا استلحق ولدا ولم يصرح ببنوة الظهر ولا البطن، فإذا بلغ هذا الولد وحدث له أولاد فأوصى عليهم أجنبيا مع وجود الجد المستلحق .. صحت وصيته جزما؛ لاحتمال أن يكون امرأة فلا ولاية لها عليهم، صرح به القاضي أبو الفتوح، وهو ظاهر. تتمة: مراد المصنف: الوصاية في أمر الأطفال، فأما في الديون والوصايا .. فلا خلاف في جواز نصبه مع الجد، فإن لم ينصب .. فأبواه أولى بقضاء الديون، والحاكم بتنفيذ الوصايا، واستثنى الشيخ من ذلك ما إذا كان الجد غائبا .. فله أن يوصي إلى حضوره؛ لأن الضرورة تدعو إلى ذلك. قال: (ولا الإيصاء بتزويج طفل وبنت)،خلافا لمالك وأبي حنيفة؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (السلطان ولي من لا ولي له)،ولأن الوصي لا يتعير بدخول الدناءة في نسبهم، واللائق تفويض أمر التزويج إلى من يعتني بالنسب أو يختص بقوة النظر والاجتهاد كالقاضي، وأيضا فلأنهم لو كانوا بالغين .. لم تجز

وَلَفْظُهُ: أَوْصَيْتُ لَكَ، أَوْ فَو?ضْتُ، وَنَحْوُهُمَا .. وَيَجُوزُ فِيهِ التَوْقِيتُ وَالتَعْلِيقُ. وَيُشْتَرَطُ: بَيانُ مَا يُوصِي? فِيهِ- فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ .. لَغَا- ـــــــــــــــــــــــــــــ الوصاية في حقهم وإن كانوا صغارا، فغير الأب والجد لا يزوج الصغير والصغيرة، وإذا علم أن الوصي لا يزوج بالوصاية .. فبدونها أولى. قال: (ولفظه) أي: لفظ الإيصاء (أوصيت لك) بكذا (أو فوضت ونحوهما) مثل: أقمتك مكاني، أو نزلتك منزلي في أمر أولادي بعد موتي، وتكفي إشارة الأخرس المفهمة وكتابته. قال: (ويجوز فيه التوقيت والتعليق)؛ لأنها تحتمل الجهالات والأخطار. قال: (ويشترط: بيان ما يوصي فيه)؛ليكون على بصيرة مما يدخل فيه، فيقول: في قضاء ديوني وتنفيذ وصيتي والتصرف في مال أطفالي والقيام بمصالحهم، ومتى خصص أو عمم .. اتبع. قال: (فإن اقتصر على: أوصيت إليك .. لغا) كما لو قال: وكلتك، ولم يبين ما فيه التوكيل، ولأنه لا عرف يحمل عليه. وصرح الرافعي ينفي الخلاف عن ذلك. وقال في (شرح التعجيز) بالإجماع. قال الشيخ: لكن العرف إذا قالوا: فلان أوصى إلى فلان .. شمول جميع التصرفات، ويشهد له قول علماء البيان: إذ حذف المعمول يؤذن بالتعميم، لا جرم جزم الزبيلي في (أدب القضاء) بالصحة، وبه أفتى القفال. فرع: قال: أوصيت لك في أمر أطفالي، أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي ولم يذكر التصرف .. فوجهان: أصحهما- في (الحاوي الصغير) –: ليس له إلا حفظ أموالهم؛ تنزيلا على الأقل.

وَالقَبُولُ، وَلاَ يَصِح? فِي حَيَاةِ المُوَصِي? فِي الأَصَح?. وَلَوْ وَصَى اثْنَيْنِ .. لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: له الحفظ والتصرف؛ اعتمادا على العرف، واختاره الشيخ. وفي وجه ثالث: أن الوصاية لا تصح حتى يبين ما فوضه إليه، فاجتمع في المسألة ثلاثة أوجه. قال: (والقبول) فلا تتم الوصاية إلا به كالوكالة، وظاهر عبارته: اشتراط ذلك لفظا؛ لأن الوصاية هي العقد المشتمل على الإيجاب والقبول، والإيصاء هو الإيجاب وحده، والقبول ركن، ولذلك قال فيه (التنبيه):ولا تتم الوصية إلا بالقبول. والقبول يطلق بمعنيين: أحدهما: اللفظ الدال عليه وقد علم ما فيه. والثاني: الرضا بما فوضه إليه، وهذا لابد منه، حتى لو رد وقال: لا أقبل .. فإنها تبطل كالوكالة. والقبول على التراخي ما لم يتعين تنفيذ الوصايا، ويلتحق به ما لو عرضها الحاكم عليه عند ثبوتها عنده، قاله الماوردي في نظيرها من الوكالة. قال: (ولا يصح في حياة الموصي في الأصح)؛لأنه لم يدخل وقت التصرف. والثاني: يصح كالوكالة، وبهذا جزم العراقيون. والرد في حياة الموصي على هذا الخلاف، فإن رد بعد الموت .. لغت قطعا. قال: (ولو وصى اثنين .. لم ينفرد أحدهما)؛لأنه أناط الأيدي بالاجتماع، وقد يكون أحدهما أوثق والآخر أحذق، وسواء صرح باجتماعهما أو أطلق؛ تنزيلا على الأخذ بالأقل والأحوط، ولم يحكوا في حالة الإطلاق خلاف الوكالة. وقيل: ما يدخله الاجتهاد ليس لأحدهما التفرد به، وما لا يدخله، فما للموصى له أن ينفرد بتناوله .. جاز لأحدهما أن ينفرد به، كرد الودائع والغصوب والعواري،

إِلاَ إِنْ صَرحَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتنفيذ وصية معينة، وقضاء دين في التركة جنسه. وهذا في الحقيقة قيد لإطلاق المسألة؛ لأن لصاحبه الاستقلال به. قال الرافعي: وهذا واضح في وقوع المدفوع موقعه وعدم نقصه، وأما جواز الإقدام على الانفراد به .. فليس واضحا؛ فإنهما لم يتصرفا إلا بالوصية فلتكن بحسبها، لكن يرد على المصنف: ما لو اختلفا في الحفظ؛ فإنه يقسم بينهما على الأصح. قال الإمام: وليس المراد من الاجتماع: أن يتلفظا بالعقد معا، وإنما صدوره عن رأيهما، وأن يباشره أحدهما أو غيرهما برأيهما، فلو مات واحد أو فسق أو جن أو غاب أو لم يقبل، فإن شرط الاستقلال .. انفراد الآخر، أو الاجتماع .. نصب الحاكم بدله، وليس له إثبات الاستقلال للباقي على الأصح، وكذا لو ماتا .. ليس له نصب واحد فقط على الأصح، وليس لأحد الوصيين أن يبيع من الآخر. قال: (إلا إن صرح به)،فحينئذ يجوز الانفراد عملا بالإذن كالوكالة، فلو خرج أحدهما عن الأهلية لم ينصب بدله. فروع: الأول: يجوز أن يوصى إلاى زيد ويجعل عمرا ناظرا عليه، فإن أراد الوصي أن ينفرد بالعقد من غير مطالعة الناظر .. لم يجز، وإن أراد الناظر أن يتولى العقد .. لم يجز. وقال أبو حنيفة: الناظر وصي يفعل ما يفعل الوصي. ودليلنا: أنه لم يجعل للناظر مباشرة عقد أو تنفيذ أمر، بل جعله ناظرا على الوصي في العقد والتنفيذ. الثاني: أوصى إلى الله وإلى زيد، أو لله ولزيد، أو لله ثم زيد .. فالصواب: أن الوصاية إلى زيد في الأحوال كلها، وذكر الله تعالى للتبرك؛ لأنه المستعان في كل شيء.

وَلِلمُوصِي وَالوَصِي? الَعَزْلُ مَتَى شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: قال: أوصيت إلى زيد، ثم قال: أوصيت إلى عمرو .. لم يكن عزلا للأول، فإن قبلا .. فهما شريكان على الاجتماع لا ينفرد أحدهما بالتصرف عند الرافعي. وقال البغوي: لأحدهما الانفراد، وجعله الشيخ الأظهر. وإن قبل أحدهما دون الآخر .. انفرد بالتصرف. الرابع: في (زيادات العبادي):لو قال الموصي: اعمل برأي فلان، أو بعلم فلان، أو بحضرته .. جاز أن يخالفه فيعمل دون أمره، فإن قال: لا تفعل إلا بأمر فلان، أو إلا بعلم فلان، أو إلا بحضرته .. لم يكن له الانفراد؛ لأنهما وصيان. قال: (وللموصي والوصي العزل متى شاء)؛لأنه تصرف بالإذن، فأشبه الوكالة. وفي زوائد (الروضة):إنما يجوز العجز إذا لن تتعين عليه، ولم يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض أو غيره، وإلا .. حرم عليه عزل نفسه، وبذلك قال ابن الصلاح وابن عبد السلام. وقال الماوردي: إن كانت بلا عوض .. جاز، وإلا .. كانت لازمة كعقد الإجارة. وقال أبو حنيفة: ليس للموصى عزل نفسه بعد موت الموصي ولا في حياته إلا بحضوره. وفي إطلاق العزل بالنسبة إلى الموصي نظر؛ فإن العزل فرع الولاية ولا ولاية قبل موت الموصي، فكان الأليق التعبير بالرجوع كما عبر به في (الروضة) و (الشرح). وتسميته عزلا؛ إنما تكون على اعتبار حال الوصية وأن القبول لا يشترط، وإلا .. لم تصح تسميته بذلك.

وَإِذَا بَلَغَ الطِفْلُ وَنَازَعَهُ فِي الإِنْفَاقِ عَلَيْهِ .. صُد?قَ الوَصِي? ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: إذا كان حفظ مال اليتيم فرض كفاية، والشروع في فرض الكفاية يوجب الإتمام على الأصح، فينبغي أن يحرم على الوصي عزل نفسه مطلقا .. فالجواب: أن قطع فرض الكفاية إن لزم فيه بطلان ما مضى كصلاة الجنازة .. حرم، وإلا، فإن لم تفت بقطعه مصلحة مقصودة للشارع بل حصلت بتمامها كما إذا شرع في إنقاذ غريق .. جاز قطعه، وإن حصل المقصود ولكن لا على التمام .. فالأصح: أن له القطع أيضا، كما إذا شرع في طلب العلم والوصية .. فله قطعهما؛ لأن غيره يقوم مقامه في ذلك. مهمة: أطلق الشيخان: أنه لا يلزم الوصي الإشهاد على بيع مال الطفل على الأصح، ومحله: إذا كان البيع حالا، فإن كان مؤجلا .. وجب الإشهاد، فإن تركه .. ففي بطلان البيع وجهان، كما ذكره في زوائد (الروضة) في الباب الأول من أبواب (الرهن)،وتقدمت الإشارة إلى ذلك في (باب الحجر). قال: (وإذا بلغ الطفل ونازعه في الإنفاق عليه .. صدق الوصي) إذا كان ذلك نفقة مثله؛ لعسر إقامة البينة على ذلك وهو أمين، ولابد مع ذلك من اليمين، فإن ادعى الوصي زيادة على النفقة بالمعروف .. لم يقبل؛ لأنه إما كاذب أو مفرط، وإن ادعى عليه البيع بلا مصلحة .. فالمصدق الولد على الأصح كما تقدم في آخر (الحجر)؛فإن البينة لا تتعذر على ذلك، وإذا عينا قدرا .. فالمصدق من اقتضى الحال تصديقه، وهذه تستثنى من إطلاق المصنف. فإن تنازعا في تاريخ موت الأب مع التوافق على الإنفاق .. فالأصح: تصديق الولد، خلافا للإصطخري، وليس هذا خاصا بالطفل بل المجنون بعد إفاقته والسفيه.

أَوْ فِي دَفْعٍ إِلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ .. صُد?قَ الْوَلَدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد رشده كذلك، ولا يختص بالوصي بل الأب والجد كذلك، وإنما تركه المصنف؛ لأنه يعلم من طريق أولى. وحكم القاضي كالوصي، قاله الجرجاني، وينبغي تخصيص الخلاف فيه بحالة عزله، أما في ولايته .. فيصدق قطعا. قال: (أو في دفع إليه بعد البلوغ .. صدق الولد) أي: بيمينه لتيسر إقامة البينة على ذلك؛ ولأن الله تعالى أمره بالإشهاد بقوله:} فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم {. وقيل: يصدق الوصي؛ لأن أمين كالمودع، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. وقول الوصي في التلف بالغصب والسرقة مقبول، وهذه المسألة قيل مكررة في آخر (الوكالة). والجواب: أن تلك القيم المنصوبة من جهة القاضي، وهذه في الوصي وليس مساويا له، ولهذا قال هناك: (وقيم اليتيم إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ يحتاج إلى بينة على الصحيح)،لكن حكاية الخلاف في القيم وجزمه في الوصي ليس بجيد، ولو عكس .. لكان أولى؛ لأن القبول في الوصي أقوى منه في القيم. تتمة: إذا كان الناظر في أمر الطفل أبا أو جدا أو أما بحكم الوصية وكان فقيرا .. فنفقته على الطفل، وله أن ينفق على نفسه بالمعروف، ولا يحتاج في هذا القبض إلى إذن الحاكم كما أفتى به ابن الصلاح. فإن كان أجنبيا فقيرا .. فله أن يأخذ من مال الطفل قدر أجرة عمله، فإن كان قدر أجرته لا يكفيه .. فله أخذ قدر كفايته بشرط الضمان؛ لقول عمر رضي الله عنه: (إني أنزل نفسي في مال الله منزلة ولي اليتيم؛ إن احتجت إليه .. أخذت منه، وإن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيسرت .. رددته، وإن استغنيت .. استعففت). وأما إخراج زكاته .. فتقدم في (باب الحجر). ****** خاتمة إن خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال .. فله أن يؤدي في تخليصه شيئا منه، والله يعلم المفسد من المصلح. قال الشيخ عزالدين: ويجوز تعييب مال اليتيم والسفيه والمجنون لحفظ ما خيف عليه الغصب؛ لقصة الخضر عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. وفي (فتاوى القفال):ليس للوصي خلط حنطته بحنطة الصبي، ودراهمه بدراهمه، وقوله تعالى:} وإن تخالطوهم {محمول على ما لابد منه للإنفاق، وهو خلط الدقيق بالدقيق، واللحم باللحم للطبخ، ونحو ذلك، وقيده صاحب (البيان) بما إذا كان في ذلك رفق بالصبي. ******

كتاب الوديعة

كتاب الوديعة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الوديعة هي فعيلة من ودع: إذا ترك، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لينتهين أقوام من ودع الجمعات) رواه مسلم. وفي (النسائي) (دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم). وحمعها: ودائع، قال الشاعر] من الطويل [: إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة .... وتحمل أخرى أثقلتك الودائع واستودعته الوديعة: استحفظته إياها، قال الشاعر] من البسيط [: استودع العلم قرطاسا فضيعه .... وبئس مستودع العلم القراطيس وهو اسم لمال يضعه مالكه أو من يقوم مقامه عند آخر ليحفظه، فخرج بذكر المال الكلب الذي يجوز اقتناؤه، والسرجين، وجلد الميتة قبل الدباغ، والخمر المحترمة، ونحو ذلك مما يجوز اقتناؤه والانتفاع به وليس بمال، وخرجت العين في يد الملتقط، والثوب الذي طيرته الريح ونحوه؛ لأن ذلك مال ضائع، وحكمه مغاير لحكم الوديعة. فالإيداع: توكيل خاص حقيقته: استنابة في حفظ المال، فقول المصنف وغيره: (كتاب الوديعة) يصح حمله على المال المودع وعلى الإيداع. وافتتحها في (المحرر) بقوله تعالى:} إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها {،وهي وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة .. فهي عامة في جميع الأمانات.

مَنْ عَجَز عَنْ حِفْظِهَا .. حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَمَنْ قَدَرَ وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ .. كُرِهَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الواحدي: أجمعوا على أن الآية نزلت في رد مفتاح الكعبة، ولم ينزل في جوف الكعبة آية سواها. وروى الترمذي وأبو داوود والحاكم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك). وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: وهو يخطب الناس: (لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس .. فهو الرجل). والأصح: أنها عقد، وقيل: إذن مجرد، قال الإمام: وليس للخلاف ثمرة فقيهة، وهو قد صرح بثمرة الخلاف في (باب الرهن) فيما إذا أودع عند صبي أو عبد فأتلفه هل يضمن؟ ونتاج البهيمة إن جعلناها عقدا .. فهي وديعة كالأم، وإلا .. فلا، وكذا إذا عزل المودع نفسه، إن قلنا: أمانة .. لغا العزل، وفيما إذا قرنها بشرط فاسد، إن قلنا: عقد .. لغا، وإلا .. فلا. قال: (من عجز عن حفظها .. حرم عليه قبولها)؛لأنه يعرضها للهلاك، كذا أطلقه الرافعي وغيره، وقيده ابن الرفعة بما إذا لم يطلع المالك على الحال، فإن اطلع .. فلا حرمة ولا كراهة، وبما إذا لم يتعين القبول، فإن تعين .. كان كقبوله القضاء. ثم إذا قلنا بالتحريم .. فالإيداع صحيح ويكون أمانة في يده، فإن تلفت بغير تفريط .. لم يضمنها، وأثر التحريم مقصور على الإثم فقط. قال: (ومن قدر ولم يثق بأمانة نفسه .. كره)؛لخشية الخيانة، ولا يلزم من

فَإِنْ وَثِقَ .. اسْتُحِب?. وَشَرْطُهُمَا: شَرْطُ مُوَكِلِ وَوَكِيلٍ. وَتُشْتَرَطُ صِيغَةُ المُودعِ؛ كاسْتَودَعْتُكَ هَذَا، أَوْ اسْتَحْفَظْتُكَ، أَوْ أَنْبَتُكَ فِي حِفْظِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم الوثوق بأمانة نفسه فسق، فإن الشديد الأمانة قد لا يخشى على نفسه الخيانة، وجزمه بالكراهة هنا لم يرجحه في (الروضة) ولا في (الشرح)،بل قالا: ينبغي أن لا يقبلها. قال: (فإن وثق .. استحب)؛ لما روى مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه). أما إذا لم يكن من يصلح لها غيره، وخاف إن لم يقبلها هلكت .. ففي (المهذب) وغيره: أن القبول واجب. قال الرافعي: وهو محمول على أصل القبول كما بينه السرخسي، دون إتلاف منفعة نفسه وحرزه مجانا. وقال في (المرشد):لا يجوز في هذه الحالة أخذ أجرة على الحفظ؛ لتعينه عليه. قال في (المطلب):وللخلاف التفات إلى ما إذا تعين عليه إنقاذ غريق فشرط عليه أجرة .. هل يستحقها؟ وماذا إذا تعين عليه تعليم الفاتحة فأصدقها تعليمها .. هل يصدق الإصداق؟ والأصح فيهما: نعم. قال: (وشرطهما: شرط موكل ووكيل)؛لأنها استنابة في الحفظ، فلا يجوز استيداع المحرم صيدا ولا استيداع المصحف وكتب العلم عند الكافر. قال: (وتشترط صيغة المودع؛ كاستودعتك هذا، أو استحفظتك، أو أنبتك في حفظه)،وكذلك ما كان صريحا كهذه الألفاظ، كأودعتك، وهو وديعة عندك، أو احفظه، ونحوها. وتنعقد بالكناية مع النية كخذه، أو مع القرينة كخذه أمانة، ولا يكفي الوضع بين يديه مع السكوت، فلو قبضه المودع عنده .. ضمنه. كل هذا في الناطق، أما الأخرس .. فتكفي إشارته.

وَالأَصَح?: أَنَهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظاً، وَيَكْفِي الْقَبْضُ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ صَبِي? أَوْ مَجْنُونٌ مَالاً .. لَمْ يَقْبَلْهُ، فِإِنْ قَبِلَ .. ضَمِنَ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو دخل شخص الحمام ووضع ثيابه واستحفظ الحمامي .. وجب عليه الحفظ، وإن لم يستحفظه .. لم يجب عليه، وقال القاضي حسين: عندي يجب؛ للعادة. قال: (والأصح: أنه لا يشترط القبول لفظا، ويكفي القبض) كما في الوكالة، بل الوديعة أولى؛ لأنها أبعد عن مشابهة العقود. والثاني: يشترط؛ بناء على أنها عقد، ويأتي في كونه على الفور ما سبق في (الوكالة). والثالث: إن كان الإيجاب بصيغة العقد، كقوله: أودعتك .. وجب، أو بغيرها .. لم يجب، كقوله: احفظ هذا المال، أو هو وديعة عندك. وإذا قلنا: لا يشترط القبول .. اشترط عدم الرد، فإذا قبضه المودع .. تمت الوديعة، وإن قام ولم يأخذها ولم يقبل .. كان ردا للوديعة، سواء كان المالك حاضرا أم غائبا، لكن يأثم إذا قام وتركها في غيبة المالك. قال الماوردي: وليس على المودع إذا قبلها معرفة ما فيها، بخلاف اللقطة؛ لما يلزمه من تعريفها. قال: (ولو أودعه صبي أو مجنون مالا .. لم يقبله)؛لأنه وضع يده على مال غيره بغير إذن معتبر، فكان كالغاصب، ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى الناظر في أمره، إلا أن يخاف هلاكه، فيأخذه على وجه الحسبة، صونا له، فالأصح: لا ضمان، كما لو أخذ المحرم أو غيره صيدا من جارحه ليتعهده .. فالأصح: لا ضمان.

وَلَوْ أَوْدَعَ صَبِياً مَالاً فَتَلِفَ عِنْدَهُ .. لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ .. ضَمِنَ فِي الأَصَح?. وَالمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهِ .. كَصَبَي?. وَتَرْتَفِعُ بِمَوتِ الْمُوَدعِ أَوْ الْمُودَعِ وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أودع صبيا مالا فتلف عنده) أي: ولو بتفريط (.. يضمن)؛لأنه لا يلزمه الحفظ فلا يلزمه الضمان، كما لو تركها عند بالغ من غير إيداع. قال: (وإن أتلفه .. ضمن في الأصح)؛لأنه لم يسلطه على إتلافه وهو من أهل الضمان. والثاني: لا يضمن، كما لو باع منه شيئا وسلمه إليه فأتلفه. والفرق على الأول: أن البيع يتضمن التسليط على التصرف، بخلاف الإيداع، وهذا الذي ضعفه المصنف هنا صححه في (الروضة)،وأجرى الماوردي الخلاف الذي ذكره المصنف فيما إذا أعار من السفيه شيئا فأتلفه .. هل يضمنه؟ والمسألة في (الشرح) و (الروضة) ذات قولين لا وجهين. قال: (والمحجوز عليه بسفه .. كصبي) أي: في إيداعه، والإيداع عنده في الضمان، وكذا في التضمين بالإتلاف وفي جريان الخلاف. فرع: حكم العبد كالصبي، لكن يفارقه في أنها إن تلفت تحت يده بتفريط .. ضمنها والصبي لا يضمن، وفي أن الصبي لا يودع عنده أصلا ويودع عند العبد إذا أذن سيده. وإذا أودعه عبد .. لا يبرأ إلا بالدفع إلى السيد، صرح به البغوي والقفال وغيرهما. قال: (وترتفع بموت المودع أو المودع وجنونه وإغمائه)؛لأنها وكالة في

وَلَهُمَا الاِسْتِرْدَادُ وَالرد كُل وَقْتٍ. وَأَصْلُهَا: الأَمَانَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحفظ أو إذن فيه وكلاهما يبطل بذلك، وترتفع أيضا إذا حجر عليه بسفه، قال في (البيان) و (الحاوي) و (الشامل)،وبعزل المالك، وكذا بعزل المودع نفسه على الأصح؛ بناء على أنها عقد، وبالجحود المضمن، وبكل فعل يتضمن الإقرار بها لآخر، وبنقل المالك الملك فيها ببيع ونحوه. قال: (ولهما الاسترداد والرد كل وقت)؛لأن المودع مالك والمودع متبرع، وظاهر كلامه: أن لكل منهما الأمرين، وليس كذلك، بل ينبغي أن يقيد جواز الرد للمودع بحالة لا يلزمه فيها القبول ابتداء، أما إذا كانت بحيث يجب القبول في الصورة المتقدمة .. فيظهر تحريم الرد، وإن كانت بحيث يندب القبول .. فالرد خلاف الأولى إذا لم يرض به المالك، فإن طلبها المالك .. وجب ردها إليه كما سيأتي، فإن أخر بلا عذر مع الإمكان .. ضمن. قال: (وأصلها: الأمانة)؛ لقوله تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} والمودع محسن. وروى عمرو بن شعيب: (لا ضمان على مودع). وفي حديث آخر: (من استودع وديعة .. لا ضمان عليه) لكنهما ضعيفان، إلا أن الإجماع انعقد على ذلك، وما روى عن عمر: أنه ضمن إنسانا وديعة ذهبت من بيته، فحمله العلماء على حالة التفريط أو التعدي، وسواء كان بجعل أو غيره كالوكالة. وعلم من هذا: أنه لو أودعه بشرط أن تكون مضمونة عليه .. لم يصح، وكذا على أنه إذا تعدى أو فرط لا ضمان.

وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِعَوارِضَ: مِنْهَا: أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ بِلاَ إِذْنِ وَلاَ عُذْرٍ، فَيَضْمَنُ، وَقِيْلَ: إِنْ أَوْدَعَ الْقَاضِيَ .. لَمْ يَضْمَنْ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (أصل الأمانة) أراد بها أن موضوعها ذلك، وإطلاقه يعم صحيح الوديعة وفاسدها. وفي (الكافي):لو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها، أو ثوبا وأذن له في لبسه .. فهو إيداع فاسد؛ لأنه شرط فيه ما يخالف مقتضاه، فإذا تلفت قبل الركوب والاستعمال .. لم يضمن، أو بعده .. ضمن؛ لأنها عارية فاسدة. قال: (وقد تصير مضمونة بعوارض) وهي عشرة، أشرت إليها بقولي] من الرجز [: عوارض التضمين عشر: ودعها .... وسفر، ونقلها، وجحدها وترك الإيصاء، ودفع مهلك .... ومنع ردها، وتضييع حكي والانتفاع، وكذا المخالفه .... في حفظها إن لم يزد من خالفه قال: (منها: أن يودع غيره بلا إذن ولا عذر، فيضمن)؛لأن المالك لم يرض بغيره، وسواء في ذلك الغير عبده أو زوجته أو ابنه. وقال أبو حنيفة وأحمد: له أن يودع من عليه نفقته من ولد ووالد، وزوجة وعبد، وإليه ذهب مالك في الزوجة. قال الشيخ: وينبغي أن يكون محل الخلاف بيننا وبينهم: إذا انفرد هؤلاء باليد، أما إذا استعان بأحدهم ويده عليها لم تزل .. فلا ضمان؛ لقضاء العادة بذلك، فالملوك والأمراء أموالهم بأيدي خزانهم، والعرف قاض بأنها في أيديهم. فإذا أودع وضمناه .. كان للمالك مطالبة أيهما شاء، فإن تلفت في يد الثاني .. فقرار الضمان عليه إن علم الحال؛ لأنه غاضب، وعلى الأول إن جهله. قال: (وقيل: إن أودع القاضي) أي: الأمين (.. لم يضمن)؛لأن أمانة القاضي أظهر من أمانته وهو نائب الغائبين، والأصح عند الأكثرين: أنه لا فرق؛ لأنه

وَإِذَا لَمْ يُزِلْ يَدَهُ عَنْهَا .. جَازَتِ الاِسْتِعَانَةُ بِمَنْ يَحْمِلُهَا إِلى الْحِرْزِ أَوْ يَضَعُهَا فِي خِزَانَةٍ مُشْترَكَةٍ. وَإِذَا أَرَادَ سَفَرَاً .. فَلْيَرُدَهَا إِلى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كان المالك حاضرا .. فلا ولاية للقاضي عليه، أو غائبا .. فلا ضرورة إليه، ولم يرض المالك بيد غيره. وفي وجه ثالث: إن كان المالك حاضرا أو وكيله .. ضمن، وإلا .. فلا، وبه جزم ابن الصباغ، واختار الشيخ: أن الغيبة وإن كانت قصيرة ولا عذر للمودع من إرادة سفر ونحوه فلا يجوز؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أد الأمانة إلى من ائتمنك)،لكن إذا كان حاضرا يتيسر الدفع إليه .. لم يلزم القاضي القبول، وإلا .. لزم الدفع إليه في الأصح. قال الرافعي: ويجريان في وجوب قبضه المغصوب إذا حمله الغاصب إليه، وأولى بالمنع، وقال في (كتاب الشهادات):إنه يجب الانتزاع- وجوز جريان الخلاف فيه، وفي نص الشافعي ما يدل على أن لللآحاد الانتزاع- إذا قدر؛ ليرده، واختاره الشيخ. قال: (وإذا لم يزل يده عنها .. جازت الاستعانة بمن يحملها إلى الحرز أو يضعها في خزانة مشتركة)؛لأن العادة جرت بذلك ولو كان أجنبيا، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها. و (الخزانة) بكسر الخاء: الموضع الذي يخزن فيه، وجمعها: خزائن، قال الله تعالى:} وإن من شيء إلا عندنا خزائنه {. وخزانة الإنسان قلبه، وخازنه لسانه، قال لقمان لابنه: إذا كان خازنك حفيظا وخزانتك أمينة .. رشدت في أمر دنياك وآخرتك؛ يعني: اللسان والقلب. قال: (وإذا أراد سفرا .. فليردها إلى المالك أو وكيله)؛لأنه قائم مقامه، سواء كان وكيلا خاصا في استردادها أو في عامة أشغاله.

فَإِنْ فَقَدَهُمَا .. فَالْقَاضِي، فَإِنْ فَقَدَهُ .. فَأَمِينٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن فقدهما .. فالقاضي)؛ لأنه نائب الغائبين، وفقدهما إما لغيبة أو توار أو حبس مع تعذر الوصول إليه، ويجب على القاضي قبولها في هذه الحالة؛ لأن المالك لو كان حاضرًا .. لزمه القبول، فينوب عنه الحاكم عند الغيبة، كما لو خطبت المرأة ووليها غائب. قال: (فإن فقده .. فأمين) أي: يأتمنه المودع، وكذا غيره في الأصح؛ لئلا يتضرر بتأخير السفر. روى البيهقي وأصحاب السير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر .. أمر عليًا أن يتخلف عنه بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، وأنه أقام ثلاثة أيام ولياليها حتى أداها. وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم سلمها لأم أيمن وأمر عليًا بردها. ولم يكن أحد بمكة عنده شيء يخشى عليه إلا أودعه النبي صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من صدقه وأمانته. وقال الشيخ: إن هذا لم يكن إيداعًا من النبي صلى الله عليه وسلم عند علي ولا عند أم أيمن، وإنما هو استعانة بهما في رد تلك الودائع إلى أصحابها، كما يستعان في حملها إلى الحرز ونحوه، والرد منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن رد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ممكنًا، لأنه كان في سفر واجب، وهي الهجرة التي لا عبادة بعد الإيمان أفضل منها. وهل يجب عليه الإشهاد على الأمين؟ وجهان: فإن أوجبناه فتركه .. ضمن، وإلا .. فلا، قاله الماوردي. وعلى المذهب: إذا خالف هذا الترتيب، فدفعها إلى الحاكم، أو أمين مع إمكان الدفع إلى المالك، أو وكيله .. ضمن، فإن دفع إلى أمين مع وجود الحاكم .. ضمن في الأصح، وبه قال أحمد؛ لأن عدالة الحاكم متفق عليها.

فَإِنْ دَفَنَها بمَوْضِعٍ وَسَافَرَ .. ضَمِنَ، فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا يَسْكُنُ الْمَوْضِعَ .. لَمْ يَضْمَنْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: هذا بحسب ما يقتضيه وضع القضاء، وما يجب على الأئمة والناس فيه، وقد رأينا قضاة فجرة يعلم عدم عدالتهم، وهم على مذهب من يرى الانعزال بالفسق - وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه - ليسوا قضاة، ولكن متغلبين، لا تنفذ أحكامهم، ولا يجوز ائتمانهم. والوجه الثاني: إذا دفعها إلى أمين مع وجود الحاكم .. لا يضمن، وبه قال مالك؛ لأنه معذور أودع أمينًا، فأشبه ما إذا لم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم فدفع إلى أمين؛ فإنه لا يضمن. سؤال: قال الشافعي رضي الله عنه في عدل الرهن: إذا أراد سفرًا فأودع أمينًا .. ضمن، وفي الوديعة لو أودعها أمينًا عند إرادة السفر .. لا يضمن؟ أجاب بعضهم بأنه إنما يضمن في الرهن؛ لأن للحاكم نظرًا فيه، ولا نظر له في الوديعة فلم يضمن. قال: (فإن دفنها بموضع وسافر .. ضمن)؛ لأنه عرضها للأخذ، سواء كان الموضع المدفون فيه محرزًا أم لا. قال: (فإن أعلم بها أمينًا يسكن الموضع .. لم يضمن في الأصح)؛ لأن الموضع وما فيه في يد الأمين، فالإعلام كالإيداع. والوجه الثاني: يضمن؛ لأنه إعلام لا إيداع. وصورة المسألة - كما قال المصنف في (نكته) -: عند فقد الحاكم، فإن قدر عليه وقلنا: إذا لم يكن حاكم يضمن .. فهنا أولى.

وَلَوْ سَافَرَ بهَا .. ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (أعلم بها) يفهم: أنه لا تشترط رؤيتها، وبه صرح الماوردي. وقوله: (يسكن) ليس بقيد؛ فإن مراقبتها مراقبة الحارس كالسكن، صرح به الرافعي وغيره. وهل هذا الإعلام إشهاد حتى يجب إشهاد رجلين حضرا الدفن أو رجل وامرأتين، أو ائتمان حتى تكفي امرأة؟ وجهان: أصحهما: الثاني. قال: (ولو سافر بها .. ضمن)؛ لأن حرز السفر دون حرز الحضر. قال الرافعي: وفي الخبر: (أن المسافر وماله على قَلَت إلا ما وقى الله) وهو غريب. وقال المصنف: إنما هو من كلام بعض السلف، وقال الجوهري: إنه من كلام بعض الأعراب. وقيل: لا يضمن إذا كان الطريق آمنًا، أو سافر في البحر وكان الغالب فيه السلامة ولم ينهه. هذا إذا أودع حاضرًا، فإن أودع مسافرًا أو منتجعًا فانتجع .. فلا ضمان؛ لأن المالك رضي حين أودعه، فإن أقام بعد ذلك ثم سافر .. ففيه تردد للإمام، وجزم في (الذخائر) بالجواز؛ لوقوع الرضى به ابتداء. قال: ولو كان عند الإيداع قد قارب بلده، ودلت قرينة الحال على أن المراد: إحراز الوديعة في بلده، فأراد السفر بعد إقامته ببلده .. لم يجز أن يسافر بها. ثم إن المسافر له أربعة أحوال: أحدها: مع عدم العذر من حريق أو نحوه، ومع القدرة على المالك، فيضمن، وهذه صورة الكتاب.

إِلاَّ إِذَا وَقَعَ حَرِيقٌ أَو غَارَةٌ وَعَجَزَ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إِلَيهِ كَمَا سَبَقَ. والحَرِيقُ والغَارَةُ فِي البُقعَةِ، وَإِشْرَافُ الحِرْزِ عَلَى الْخَرَابِ .. أعذَارٌ كالسَّفَرِ. وإِذَا مَرِضَ مَرَضاً مخُوفاً .. فليَرُدَّهَا إِلَى الْمَالِكِ أو وَكِيلِهِ، وَإِلاَّ .. فالحَاكِمِ أَوْ أَمِينٍ أَوْ يُوَصِي بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: عكسها، وهي وجود العذر كالحريق، وفقد المالك وغيره، فلا ضمان، وإليها أشار المصنف حيث قال: (إلا إذا وقع حريق أو غارة وعجز عمن يدفعها إليه كما سبق)، فحينئذ يلزمه السفر بها، وإلا .. كان مضيعًا، ومثل ذلك لو عزم على السفر في وقت عجز فيه عن المالك والوكيل والحاكم فسافر بها .. فالأصح: لا ضمان؛ لئلا ينقطع عن مصالحه وينفر الناس عن قبول الودائع، وهذه هي الحالة الثالثة، وهي واردة على اعتبار الشرطين. قال: (والحريق والغارة في البقعة، وإشراف الحرز على الخراب .. أعذار كالسفر) أي: في جواز الإيداع؛ لظهور العذر، وقد تقدم في آخر (السلم): أن الفصيح إغارة، وأن غارة لغة قليلة. الحالة الرابعة: العذر وعدم الفقد فيضمن، وذلك يفهم من اشتراط الشرطين، ويأتي فيه الوجه الضعيف المتقدم من باب أولى. قال: (وإذا مرض مرضًا مخوفًا .. فليردها إلى المالك أو وكيله، وإلا .. فالحاكم أو أمين أو يوصي بها) كما إذا أراد السفر. وحكم الحبس للقتل حكم المرض المخوف. وقال البغوي: تكفي الوصية وإن أمكنه الرد إلى المالك؛ لأنه لا يدري متى يموت. والشرط في الموصى إليه: أن يكون أمينًا، فإن وصى إلى فاسق .. كان كما لو لم يوص فيضمن. والمراد بالإيصاء: أن يعلم بها ويصفها بما تتميز به، أو يشير إلى عينها، أو يأمر

فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ .. ضَمِنَ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ بالرد إن مات، لا أن يسلمها إلى الوصي ليردها؛ فإنه في حكم الإيداع، فلو لم يبين بل قال: عندي وديعة .. فهو كما لو لم يوص. قال: (فإن لم يفعل .. ضمن)؛ لأنه عرضها للفوات؛ إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد فيدعيها لنفسه. وقيد ابن الرفعة ذلك بما إذا لم تكن بالوديعة بينة باقية؛ لأنها كالوصية، قال الرافعي: وإنما يتحقق ذلك بالموت فيتبين به التقصير في أول مرضه فضمناه، أو يلحق التلف بعد الموت بالتردي بعد الموت في بئر حفرها متعديًا، قال الشيخ: ومقتضاه: أنها إذا تلفت قبل الموت .. لا تضمن، كسائر الوصايا لا يثبت حكمها إلا بعد الموت، ويمكن أن يأتي فيه وجه، ثم صحح: أنها إذا تلفت قبل الموت في المرض بغير تفريط .. لا يضمن. قال: (إلا إذا لم يتمكن بأن مات فجأة)، وكذا إذا قتل غيلة، وقد أحسن أبو سهل الصعلوكي في جواب ذلك حيث قال: لا إن مات عرضًا، نعم إن مات مرضًا، ومراده ما قررناه. وجميع الأمناء كالمودع في هذا الحكم، وأما عامل القراض إذا مات ولم يوجد مال القراض في تركته .. فقد تقدم في خاتمة بابه. كل هذا في غير القاضي، أما القاضي، فإنه إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته .. لم يضمنه، قاله ابن الصلاح، قال: وإنما يضمن إذا فرط، سواء مات فجأة أم لا؛ لأنه أمين الشرع، بخلاف سائر الأمناء، ولعموم ولايته، لكن صرح الماوردي بتقييده بالقاضي العدل المأمون، أما غيره .. فيضمن قطعًا. كل هذا إذا كانت عنده كالوديعة عند المودع، فإن كان لا يضع التركات عنده بل

وَمِنْهَا: إِذَا نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ إِلَى أُخْرَى دُونَهَا فِي الْحِرزِ .. ضَمِنَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لها مكان يخصها كما هو المعهود الآن .. فهو أولى بنفي الضمان. ولو مات ولم يذكر: أن عنده وديعة، فوجد في تركته كيس مختوم أو غير مختوم مكتوب عليه: إنه وديعة لفلان، أو وجد في تركته: أن لفلان عندي كذا وديعة .. لم يجب على الوارث تسليمه بمجرد ذلك، وكذا إذا وجد فيه بطاقة كتب فيها ذلك، وإنما يلزمه ذلك بإقراره، أو إقرار مورثه، أو وصيته، أو إقامة بينة بالإيداع. ولو كان المودع ادعى الرد أو التلف قبل موته ولم يحلف .. لم يلزم الوارث الوفاء، خلافًا لابن داوود. وإذا لم يوص المريض بالوديعة، فادعى صاحبها: أنه قصر، وقال الوارث تلفت قبل أن ينسب إلى تقصير .. نقل الشيخان عن الإمام: أن الظاهر براءة الذمة، قال في (المهمات): والصحيح عند الإمام خلاف ما نقلاه فيها عنه. قال: (ومنها: إذا نقلها من محلة أو دار إلى أخرى دونها في الحرز .. ضمن)؛ لأنه عرضها للتلف، وسواء نهاه عن النقل، أو عين له ذلك المحل، أو أطلق، فلهذا أطلقه المصنف. واحترز بقوله: (من دار إلى أخرى) عما إذا نقله من بيت إلى بيت في دار واحدة أو خان واحد؛ فإنه لا ضمان وإن كان الأول أحرز، قاله البغوي. ولو نقلها من ظرف إلى ظرف، كما لو نقلها من كيس إلى كيس، أو من صندوق إلى صندوق، فإن كانت الظروف للمالك .. فتصرفه فيها بالنقل المجرد ليس بمضمن، إلا إذا فض الختم أو فتح القفل فيضمن في الأصح، وإن كان الظرف للمودع .. فحكمه حكم البيت في النقل إلى الأحرز أو المثل أو الأضعف. قال: (وإلا .. فلا) أي: إذا نقلها إلى مثلها في الحرز أو كان المنقول إليه أحرز .. لم يضمن؛ لعدم تفريطه.

وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا، فَلَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً فَتَرَكَ عَلْفَها .. ضَمِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل عدم الضمان: إذا لم ينهه وتلف، لا بالنقل بأن انهدم عليه الثاني، أو سرق منه، أو نهاه عن النقل فنقل بلا ضرورة .. ضمن. وقيل: إن نقلها مع النهي إلى مثل الأول أو أحرز منه .. لم يضمن، ولو نقلها من قرية إلى قرية أخرى بلا ضرورة .. ضمن إن كان بينهما مايسمى سفرًا، وإلا .. فكذلك إن كان فيها خوف، أو كان المنقول عنها أحرز، وإلا .. فلا. نعم؛ يستثنى من إطلاق المصنف: ما لو نقلها بظن الملك؛ فإنه لا يضمن، بخلاف ما لو انتفع بها ظانًا: أنها ملكه فتلفت؛ فإنه يضمنها، قاله في (الكفاية). قال: (ومنها: أن لا يدفع متلفاتها)؛ لأن الواجب عليه الدفع عنها. وفي (فتاوى القفال): لو وقع في خِزانة المودع حريق فبادر إلى نقل أمتعته فاحترقت الوديعة .. لم يضمن، كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فبادر بنقل بعضها فاحترق ما تأخر نقله، قال في (المطلب): وهذا ظاهر إن كان ما نقله أولاً هو الذي يمكن الابتداء به، أما إذا كان يمكن الابتداء بغيره فيما إذا كانت عنده ودائع. فيخرج على ما إذا قال: اقتل أحد الرجلين، أو طلق إحدى الزوجتين؛ لأن في تقديم أحدهما ترجيحًا مع إمكان الآخر، وأما في مال نفسه والوديعة .. فلا؛ لأنه مأمور أن يبدأ بنفسه. قال (فلو أودعه دابة فترك علفها .. ضمن)، سواء أمره به أو أطلق؛ لتعديه، ولو نقصت .. ضمن النقص؛ لأنه ينسب بذلك إلى العدوان. و (العلف) هنا بإسكان اللام، والمراد: أنه يتركها مدة يموت مثلها فيها، فإنه يلزمه أن يعلفها لحق الله تعالى، وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبولها، وسواء

وَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ .. فَلاَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هلكت أو بقيت وماتت بغير ذلك، وإن ماتت قبل المدة وبها جوع سابق .. ضمن إن علمه، وإلا .. فلا في الأصح. وإذا ضمن .. فهل هو الكل أو النصف؟ وجهان كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط. والسقي كالعلف. وقول المصنف: (ضمن) يقتضي دخولها في ضمانه بمجرد ترك العلف وإن لم تمت، وبه صرح الرافعي، ونقله المصنف في (نكته) عن البغوي، وعبارة (التنبيه) تفهم: أنه لا يضمن إلا عند موتها. قال: (وإن نهاه عنه .. فلا على الصحيح) كما لو قال: اقتل دابتي فقتلها. والثاني: يضمن؛ لعدوله عما أوجبه الشرع؛ لأن الحيوان لا رخصة في تضييعه بالإجماع، ففي الحديث: (إن امرأة عذبت في هرة ربطتها)، وإلى هذا الوجه ذهب الإصطخري وابن أبي هريرة، وصححه الماوردي، وضعفه الإمام، وقال: إنه يقتضي وجوب الضمان فيما إذا قال: اقتل عبدي أو أحرق ثوبي، وهو خرق للإجماع. وقال ابن الرفعة: لا إجماع في ذلك وإن الخلاف فيه وفي العبد. أما لو كان بالبهيمة تخمة أو قولنج يضر بها معه العلف أو السقي .. لزمه امتثال نهيه، فلو خالف قبل زوال العلة فماتت .. ضمن، كذا جزم به الشيخان، وكان ينبغي التفريق بين أن يعلم المودع أن بها علة أم لا، والخلاف مخصوص بالضمان، أما الإثم .. فلا خلاف أنه يأثم. قال الماوردي: وعليه أن يأتي الحاكم ليجبر مالكها على علفها إن كان حاضرًا،

فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ عَلَفاً .. عَلَفَهَا مِنْهُ، وَإِلاَّ .. فَيُرَاجِعُهُ أَوْ وكِيلَهُ، فَإِنْ فُقِدَا .. فَالْحَاكِمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يأذن له في النفقة ليرجع عليه إن كان غائبًا. قال: (فإن أعطاه المالك علفًا .. علفها منه، وإلا .. فيراجعه أو وكيله، فإن فُقدا .. فالحاكم)، كما إذا هرب الجمال وكعلف اللقطة ونحوها فيؤجرها ويصرف الأجرة في علفها، فإن عجز .. اقترض على المالك إن لم يكن له مال، أو باع جزءًا منها، أو كلها إن رآه؛ لئلا تستغرقها النفقة. والقدر الذي يعلفه ما يصونها عن التلف والعيب لا ما يحصل به السمن، قاله الإمام. والعبد المودع كالبهيمة في جميع الأحوال، ومحل الرجوع على المالك: إذا قال: أنفق وارجع، فإن قال: أنفق، ولم يتعرض للرجوع .. فوجهان، كمن قال: أدِّ ديني، ولم يشترط الرجوع، والأصح: الرجوع. قال ابن الرفعة: ويظهر جريان مثلهما في الحاكم إذا قال: أنفق على الوديعة ولم يقل: بشرط أن ترجع على مالكها، فلو عجز عن الحاكم وأنفق من مال نفسه وأشهد .. ففي الرجوع خلاف، ولو لم يشهد .. فالمشهور القطع بأنه لا يرجع. ولو اختلفنا في النفقة .. فالقول قول المودع، وحكى الماوردي فيما إذا اختلفا في قدرها في مسألة هرب الجَمَّال ثلاثة أوجه: أحدها: القول قول المنفق. والثاني: القول قول الغارم. والثالث: القول قول من يصدقه العرف والعادة فيهما، ويظهر مجيء ذلك هنا. ولو أودعه أشجارًا فاحتاجت إلى السقي .. فوجهان:

وَلَوْ بَعَثَهَا مَعَ مَنْ يَسْقِيهَا .. لَمْ يَضْمَنْ فِي الأَصَحِّ. وَعَلَى الْمُودَعِ تَعرِيضُ ثِيَابِ الصُّوفِ لِلرِّيحِ؛ كَيْلاَ يُفْسِدَهَا الدُّودُ، وكَذَا لُبْسُهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا. وَمِنْهَا: أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الْحِفْظِ الْمَامُورِ بِهِ وَتَتْلَفَ بِسَبَبِ الْعُدُولِ .. فَيَضْمَنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن حكمها حكم الدابة في العلف. والثاني: أنه لا يضمن بترك السقي إن لم يأمره به، والفرق: تأكد حرمة الحيوان. قال: (ولو بعثها مع من يسقيها .. لم يضمن في الأصح)؛ لأنه لم يفرط إذا كانت العادة جارية بذلك، لأن ذلك استعانة لا إيداع. ومحل الوجهين: إذا كان المبعوث معه أمينًا ولا خوف، فإن كان غير ذلك .. ضمن قطعًا. والثاني: يضمن؛ لإخراجها من حرزها على يد من لم يأتمنه المالك، أما إذا كان المالك يخرج دوابه للسقي لضيق ونحوه .. فلا ضمان قطعًا. قال: (وعلى المودع تعريض ثياب الصوف للريح؛ كيلا يفسدها الدود، وكذا لبسها عند حاجتها) إذا لم يندفع إلا بذلك، وكذلك ثياب الخز المعمول من حرير وصوف والبسط والأكسية واللباد بسبب رائحة الآدمي. فإن لم يفعل وفسدت .. ضمن سواء أمره المالك أو سكت، فإن نهاه ففسدت .. كره ولم يضمن خلافًا للإصطخري، وهو موافق لما تقدم عنه في إتلاف البهيمة، وكذلك الحكم لو كانت في صندوق مقفل .. فله فتحه لذلك ولا ضمان في الأصح، فإذا لم يعلم أن فيه ثيابًا أو كانت مربوطة ولم يعلم بها .. فلا ضمان، وما ذكره من لبسها ظاهر إذا كانت ثياب مثله، فإن لم تكن .. ألبسها من تليق به مع ملاحظته، وتمشية الدابة عند الخوف عليها من الوقوف كنشر الثياب. قال: (ومنها: أن يعدل عن الحفظ المأمور به وتتلف بسبب العدول، فيضمن)؛ لتعديه.

فَلَوْ قَالَ: لاَ تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ، فَرَقَدَ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ .. ضَمِنَ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِهِ .. فَلاَ فِي الأَصَحِّ، وكَذَا لَوْ قَالَ: لاَ تُقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلَيْنِ فَأَقْفَلَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو قال: لا ترقد على الصندوق فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه .. ضمن)؛ لأنه تلف بفعله المنهي عنه. قال: (وإن تلف بغيره .. فلا في الأصح)؛ لأنه زيادة في الحفظ والاحتياط. والثاني: يضمن، وبه قال مالك؛ لأنه بالرقاد عليه يوهم السارق نفاسة ما فيه. وصورته: أن يكون في بيت محرز وأخذه اللص مطلقًا، أو كان في صحراء فأخذه من رأس الصندوق. وقيل: إن قاله تخفيفًا عليه .. لم يضمن قطعًا، أو خشية الإغراء .. فالوجهان. أما إذا كان في الصحراء فأخذه السارق من جانب الصندوق .. فإنه يضمن في الأصح. قال الرافعي: وإنما يظهر لو أخذه من جانب لو لم يرقد عليه .. لرقد هناك؛ بأن كان يرقد قدام الصندوق فتركه فانتهز السارق الفرصة، أو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه. قال: (وكذا لو قال: لا تقفل عليه قفلين فأقفلهما) .. لم يضمن أيضًا؛ لأنه زاد في الحفظ ولم يقصر، وكذا لو قال: لا تغلق باب البيت، فأغلقه. والثاني: يضمن؛ لأنه إغراء للسارق. ومحل الخلاف: في بلد لم تجر عادتهم بذلك، وإلا .. لم يضمن قطعًا، وهذا يشكل على ما سيأتي من: أنه إذا قال: احفظها في كمك فجعلها في جيبه .. فإنه لا يضمن مع أن فيه إغراء للسارق. وقوله: (تقفل) هو بضم التاء وسكون القاف، وكسر الفاء، من أقفل.

وَلَوْ قَالَ: ارْبِطِ الدَّرَاهِمَ فِي كُمِّكَ فَأَمْسَكَهَا في يَدِهِ فَتَلِفَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا إِنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ ونِسْيَانٍ .. ضَمِنَ، أَوْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ .. فَلاَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: اربط الدراهم في كمك فأمسكها في يده فتلفت .. فالمذهب: أنها إن ضاعت بنوم ونسيان .. ضمن، أو بأخذ غاصب .. فلا)؛ لأن اليد أحرز من الكم بالنسبة إلى الغاصب، وتسلط الغاصب عليها ليس من فعل المودع ولا ناشيء عنه، وضياعها بالنوم أو النسيان ناشيء عن فعل المودع؛ لأنها لو كانت مربوطة في الكم ما ضاعت بهذا السبب، فالتلف حصل بسبب المخالفة، ونقل المزني عن الشافعي رضي الله عنه: أنه لا ضمان، ونقل الربيع عنه: الضمان، فنزل الأصحاب النصين على هاتين الحالتين، وهذه طريقة المراوزة. والثانية: إجراء القولين فيهما وهي في كتب العراقيين. وجه الأول: أن اليد أحرز؛ لأن الطرار يأخذ من الكم لا من اليد. ووجه الثاني: أن ما في اليد يضيع بالنسيان وفتح اليد، بخلاف ما في الكم. ومحلهما: ما إذا لم ينهه عن الحفظ في اليد، فإن نهاه .. خرجه الإمام على الخلاف فيما إذا قال: احفظه في هذا البيت ولا تنقل، فنقل منه إلى مثله أو أحرز. أما إذا أطلق .. فله الوضع في الجيب واليد والربط في الكم، ولو امتثل فربطها في كمه .. لم يحتج إلى إمساكها باليد، ثم إن جعل الخيط خارج الكم فأخذها الطرار .. ضمن، أو استرسلت .. لم يضمن إذا أحكم الربط، وإن جعله داخله .. فبالعكس، واستشكله الرافعي؛ بأن المأمور به مطلق الربط، فإذا فعله .. لم ينظر إلى جهات التلف. وقضيته: أنه لو قال: احفظ في هذا البيت فوضعه في زاوية منه فانهدمت .. يضمن؛ لأنه لو كان في غيرها لسلم، وهو بعيد. وفرق ابن الرفعة؛ بأن جهات الربط مختلفة وجهات البيت مستوية، فإن فرض اختلافها في البناء أو القرب من الشارع ونحوه .. فقد يقال: يختلف الحكم، ثم قال: والحق: أن استشكال الرافعي على وجهه؛ لأن الربط في الكم حرز كيف كان ولا يجب الحفظ في الأحرز.

وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ بَدَلاً عَنِ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ .. لَمْ يَضْمَنْ، وَبِالْعَكْسِ .. يَضْمَنُ. وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِالسُّوقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْحِفْظِ فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ وأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ أَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ .. لَمْ يَضْمَنْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وقد يقال: الربط من فعله وهو حرز من وجه دون وجه، وقوله: اربط، مطلق لا عام، والبيت عام، وإذا جاء التلف من الربط بالسبب الذي اختاره وفعله ولا عموم في كلام المالك يشمله .. ضمن، بخلاف زوايا البيت. وقوله: (اربط) المشهور فيه كسر الباء، وحكى الجوهري ضمها. و (الكم) جمعه: أكمام وكممة. وقوله: (بنوم ونسيان) كان الأحسن أن يأتي بـ (أو) كما في (المحرر)؛ لأنه يكفي أحدهما. قال: (ولو جعلها في جيبه بدلاً عن الربط في الكم .. لم يضمن)؛ لأنه أحرز، اللهم إلا أن يكون واسعاً غير مزرور. و (الجيب): فتحة القميص، والمغاربة يفعلون ذلك في ثيابهم كثيرًا. قال: (وبالعكس .. يضمن)؛ لأن الجيب أحرز، وفيه ما سبق من الإشكال. قال: (ولو أعطاه دراهم بالسوق ولم يبين كيفية الحفظ فربطها في كمه وأمسكها بيده أو جعلها في جيبه .. لم يضمن)؛ لأنه بالغ في الحفظ، وشرط الجيب: أن يكون ضيقًا أو واسعًا مزرورًا، فإن كان واسعًا غير مزرور .. ضمن؛ لسهولة التناول باليد منه. فإن كان الجيب مثقوبًا ولم يشعر به فسقطت .. ضمنها، وفي (الكافي) في (باب الغصب): إن كان الثقب موجودًا حين جعلها فيه .. ضمن، وإن حدث بعد جعلها .. فلا، هذا كله ما لم يكن بفعله. ولو نفض كمه فسقطت .. ضمن وإن كان سهوًا، قاله القاضي حسين.

وَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ .. لَمْ يَضْمَنْ إِنْ أَخَذَهَا غَاصِبٌ، وَيَضْمَنُ إِنْ تَلِفَتْ بِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ، وَلَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ .. فَلْيَمْضِ إِلَيْهِ وَيُحْرِزْهَا فِيهِ، فَإِنْ أَخَّرَ بِلاَ عُذْرٍ .. ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن أعطاه في البيت وقال: احفظها في البيت فربطها في كمه وخرج أو لم يخرج مع إمكان الصندوق .. فإنه يضمن. ولو أودعه في البيت ولم يقل شيئًا .. فمقتضى كلامهم: جواز الخروج به مربوطًا. قال الرافعي: ويشبه أن يرجع فيه إلى العادة. وقوله: (في كمه) مثال، فلو ربطها على التكة .. لم يضمن، قاله القاضي حسين، بخلاف ما لو وضعها في كور عمامته ولم يشدها. قال: (وإن أمسكها بيده .. لم يضمن إن أخذها غاصب، ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم)؛ لأنه حصل بسبب من جهته بخلاف الأول. أما لو وضعها في الكم ولم يربطها فسقطت، فإن كانت خفيفة لا يشعر بها .. ضمن؛ لتفريطه في الإحراز، وإن كانت ثقيلة يشعر بها .. لم يضمن، قال الماوردي وصاحب (التهذيب). قال الرافعي: ويلزم طرده في صور الاسترسال كلها. هذا كله ما دام في السوق، فإن رجع إلى بيته .. فعليه إحرازها فيه، ولا يكون ما ذكرناه حرزًا لها حينئذ؛ لأن منزله أحرز، فلو خرج بها في كمه أو جيبه أو يده .. ضمن، قاله الماوردي. قال: (ولو قال: احفظها في البيت .. فليمض إليه ويحرزها فيه، فإن أخر بلا عذر .. ضمن)؛ لتفريطه.

وَمِنْهَا: أَنْ يُضَيِّعَهَا؛ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا، أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهَا سَارِقاً أَوْ مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وينبغي أن يرجع فيه إلى العرف، ويختلف ذلك باختلاف نفاسة الوديعة وطول زمان التأخير وضدهما. ولو أودعه وهو في حانوت فوضعها بين يديه فسرقت .. قال الماوردي: إن كان وضعها ليرتاد لها مكانًا يحرزها فيه .. لم يضمن؛ لعدم تفريطه، وإن كان استرسالاً وإهمالاً .. ضمن. قال: (ومنها: أن يضيعها؛ بأن يضعها في غير حرز مثلها) ولو قصد بذلك الإخفاء؛ لأن ذلك تضييع في العرف. قال: (أو يدل عليها سارقًا)؛ لأنه مأمور بحفظها، ولو قال ظالمًا .. كان أعم. وظاهر عبارته: التضمين بمجرد الدلالة، حتى لو ضاعت بغير السرقة أو المصادرة .. ضمنت، وبه صرح السنجي في (باب الغصب) من (شرح التلخيص). وقال الرافعي: لو سرق الوديعة من أخبره بها، أو من أخبره من أخبره .. ضمن، ولو تلفت بسبب آخر .. لم يضمن، ذكره أبو الفرج الزاز، ثم قال: وزاد العبادي على هذا فقال: لو أن رجلاً من عرض الناس سأل المودع: هل عندك لفلان وديعة؟ فأخبره بها .. ضمنها؛ لأن كتمانها من حفظها. قال: (أو من يصادر المالك)؛ لأن كل ذلك تضييع وقد التزم الحفظ وهي في يده فيضمن، ولهذا لو أعلم من يصادر المالك غير المودع .. لم يضمن؛ لأنه لم يلتزم حفظها، لكنه يأثم. ولو سأله ظالم عنها .. وجب عليه إنكارها وإن كان الكذب حرامًا لكنه يجوز

فَلَوْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ حَتَّى سَلَّمَهَا إِلَيْهِ .. فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لمصلحة تترتب عليه، كالكذب للزوجة تحفظًا لحسن عشرتها ولإصلاح ذات البين، وقد يجب إذا سأله ظالم عن وديعة يريد أخذها، أو معصوم يريد قتله أو قطعَ طرفه وهو مستتر يعرف موضعه، وكذا إذا سأله عن امرأة أو صبي يريد منه الفاحشة. قال: (فلو أكرهه ظالم حتى سلمها إليه .. فللمالك تضمينه في الأصح)؛ لأن الضمان لا يفترق فيه الحال بين الاختيار والاضطرار. وليس له أن يفدي نفسه بمال غيره، كما لو ألقى في البحر مال غيره لنجاته. والثاني: ليس للمالك تضمينه؛ لأنه لا يلزمه أن يقي مال غيره بنفسه. هذا إذا لم يقدر على دفع الظالم، فإن قدر على دفعه ولو بإخفاء الوديعة فلم يفعل .. ضمن. وإن حلفه الظالم عليها .. وحب أن يحلف وتلزمه الكفارة على الصحيح. ولو أكرهه على أن يسلمها أو يحلف بالطلاق أو العتاق .. فقد أكرهه على أحد الأمرين، فإن حلف .. فالمشهور: أن طلاقه يقع، بخلاف ما لو أخذ القطاع مال رجل وقالوا: لا نتركك حتى تحلف بالطلاق: أنك لا تخبر بنا أحدًا، فحلف وأطلقوه، وأخبر بهم؛ فإنه لا يحنث، لأنهم أكرهوه على نفس الحلف. قال الشيخ: ووقعت لنا مسألة، وهي: متغلِّب أتى إلى بلد فدُلَّ على من عنده وديعة، فطلبه وأكرهه على تسليمها إليه، فسملها .. فتوقفتُ في تضمينه؛ لأنه في هذه الحالة في مثل من لا فعل له فتسليمه كلا تسليم، وإنما أشهدوا عليه أنه سلم، وهو لو لم يسلم .. أخذوها؛ لأنه وإياها في قبضة المتغلب، فينبغي أن يستثنى هذا من صورة التسليم. واحترز بقوله: (سلمها إليه) عما إذا أخذت منه قهرًا؛ فإنه لا ضمان عليه بلا

ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا؛ بِأَنْ يَلْبَسَ أَوْ يَرْكَبَ خِيَانةً، أَوْ يَاخُذَ الثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ أَوِ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا .. فَيَضْمَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف، كما لو سرقت منه، أما لو أكره فلم يسلمها ولكن دل عليها فأخذها .. قال الماوردي: مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه لا يضمن، كالمحرم إذا دل على صيد .. لا يضمنه؛ تقديمًا للمباشرة على السبب. وقال بعض البصريين: يضمن؛ لأنه بالدلالة مضيع لها. قال الشيخ: والذي قاله بعض البصريين يجب القطع به؛ لأجل اليد والتزام الحفظ، وليس ذلك كالمحرم الذي لم يضع يده على الصيد، ولا كالدلالة المجردة التي توجد من غير المودع، فتلك هي التي تقدم المباشرة عليها، فالقول بأن مذهب الشافعي رضي الله عنه في هذه الحالة المذكورة عدم الضمان عجيب، إلا أن يقال: إن الإكراه أبطل حكم التزام الحفظ وصارت اليد كلا يد وانفردت الدلالة فصار كالمحرم والأجنبي، فهذا محتمل، والإكراه يحصل بما سنذكره في (الطلاق). والأرجح في (الروضة): حصوله بإتلاف مال نفسه وحينئذ فلابد من النظر لقدر المالين، وما يحتمل إتلافه وما لا يحتمل، هذا بالنسبة إلى التضمين. أما الإثم .. فجزم ابن الصباغ بأن الإكراه يبيح تسليم الوديعة. قال: (ثم يرجع) أي: هو (على الظالم)؛ لأن قرار الضمان عليه، لأنه المستولي على المال عدوانًا. وحاصل المسألة: أن له تضمين كل منهما. وقيل: لا يضمن إلا الظالم وقرار الضمان عليه. قال: (ومنها: أن ينتفع بها؛ بأن يلبس أو يركب خيانة، أو يأخذ الثوب ليلبسه أو الدراهم لينفقها .. فيضمن)؛ لوجود العدوان في اللبس، والركوب والإخراج في الثاني.

وَلَوْ نَوَى الأَخْذَ وَلَمْ يَاخُذ .. لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بقوله: (خيانة) عما إذا لبس الصوف لإصلاحه، أو ركب دابة شرسة للسقي أو خشية زمانتها، لكن قال الإمام: لو استعملها على ظن أنها ملكه .. ضمن، بخلاف إخراجها من الحرز بهذا الظن؛ فلا يضمن. واحترز بقوله: (الدراهم) عما إذا أخذ منها درهمًا لينفقه ثم يرده؛ فإنه يصير مضمونًا وحده دون الباقي على الأصح، فلو تلف الجميع .. لم يلزمه إلا درهم، فلو عبر بصيغة الإفراد .. كان أولى. وإنما مثل بمثالين؛ لأن الأول لنية الاستعمال، والثاني لنية الأخذ والإمساك. فرع: أودعه كتابًا فقرأ فيه .. ضمن، فإذا غصب بعد ذلك .. كان عليه الضمان، كذا أفتى به البغوي. فرع: أودعه خاتمًا فلبسه، فإن جعله في غير الخنصر .. لم يضمن، أو في الخنصر .. فاحتمالان للقاضي حسين: أحدهما: يضمن، وعلله الرافعي بكونه استعمالاً. والثاني: إن قصد الحفظ .. لم يضمن، أو الاستعمال .. ضمن، واختار المصنف: أنه يضمن مطلقًا إلا إذا قصد الحفظ. قال: (ولو نوى الأخذ ولم يأخذ .. لم يضمن على الصحيح)؛ لأنه قصد مجرد عن فعل فلا أثر له وإن كان له أثر في الإثم إذا صمم عليه، لكن لا أثر له في الضمان. والثاني: يضمن، كما لو أخذ الوديعة بنية الخيانة في الابتداء، وكما لو أخذ الملتقط بنية الخيانة .. فالأصح: أنه يضمن.

وَلَو خلَطَهَا بِمَالِهِ وَلَم تَتَمَيَّزْ .. ضَمِنَ. وَلَوْ خَلَطَ دَرَاهِمَ كِيسَيْنِ لِلمُودِعِ .. ضَمِنَ فِي اُلأَصَحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق على الوجه الآخر: أن ائتمان المالك عارض قصده، والوجهان جاريان فيما لو نوى أن لا يرد الوديعة بعد طلب المالك. وقيل: يضمن هنا قطعًا؛ لأنه يصير ممسكًا لنفسه. وموضع الخلاف أيضًا: إذا نوى بعد القبض، فإن نواه ابتداء .. ضمن قطعًا، وإذا تعدى وبقيت في يده مدة .. لزمه أجرة مثلها. قال: (ولو خلطها بماله ولم تتميز .. ضمن)؛ لأنه لم يرض به، سواء قل المخلوط أو كثر. وقال مالك: إن خلطها بمثلها أو أجود منها .. لم يضمن. واحترز عما إذا تميزت بسكة أو نحوها، أو كانت دراهم فخلطها بدنانير .. فلا ضمان؛ لتميزها منها. قال في (الكفاية): اللهم إلا أن يحصل نقص بسبب الخلط فيضمنه كما صرح به الماوردي، وليس الضابط التمييز بل سهولته، حتى لو خلط حنطة بشعير .. كان مضمنًا فيما يظهر. قال: (ولو خلط دراهم كيسين للمودع .. ضمن في الأصح)؛ لأنه ربما ميز بينهما لغرض دعا إليه. والثاني: لا؛ لأن جميعه ملك مالك واحد. وصورة المسألة: أن يكونا مفتوحين، وإلا، فإن حل شدَّهما .. صار بأول الحلِّ ضامنًا على الصحيح وإن لم يخلطهما كما تقدم. وإن كانا متميزين كدراهم ودنانير .. لم يضمن.

وَمَتَى صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ .. لَمْ يَبْرَا، فَإِنْ أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَاناً .. بَرِئَ فِي الْأصَحِّ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ فرعان: الأول: أتلف بعض الوديعة، فإن كان منفصلاً عن الباقي كأحد الثوبين .. لم يضمن إلا ما أتلفه، وإن كان متصلاً به كما لو قطع بعض الثوب أو طرفًا من الحيوان، فإن فعل ذلك عمدًا .. ضمن الجميع، وإن كان خطأ .. ضمن ما فوته، وفي الباقي وجهان: أصحهما: لا يضمنه. الثاني: أودعه عشرة دراهم فسرق ابن المودع منها خمسة فضم أبوه خمسة إلى الخمسة الباقية وردها على مالكها، قال البغوي: إن كان ما سرق باقيًا في يده .. لم يبرأ، وإن كان تالفًا .. بريء. قال: (ومتى صارت مضمونة بانتفاع وغيره ثم ترك الخيانة .. لم يبرأ) كما لو جحدها ثم اعترف بها. وقال أبو حنيفة: يبرأ ويعود أمينًا. والمراد بـ (ترك الخيانة): أن يردها إلى مكانها، أما إذا ردها للمالك ثم أوعده ثانيًا .. فإنه يصير أمينًا. قال: (فإن أحدث له للمالك استئمانًا .. بريء في الأصح)؛ لأن التضمين كان لحق المالك وقد رضي بسقوطه. والثاني: لا يعود أمينًا؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه). والخلاف قولان، فكان ينبغي التعبير بالأظهر، والخلاف شبيه بالخلاف فيما إذا

وَمَتَى طَلَبَهَا الْمَالِكُ .. لَزِمَهُ الْرَدُّ؛ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ حفر بئرًا في ملك غيره عدوانًا ثم أبرأه المالك عن ضمان الحفر. واحترز بقوله: (أحدث) عما لو قال في الابتداء: أودعتك، فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينًا لي فخان وضمن ثم ترك الخيانة .. فإنه لا يعود أمينًا بلا خلاف؛ لأنه إسقاط ما لم يجب وتعليق للوديعة. وموضع الخلاف الذي ذكره المصنف: إذا صارت مضمونة بغير التلف، أما إذا أتلفها ثم أحدث له المالك استئمانًا .. فإنه لا يبرأ بلا خلاف؛ لأنه الواجب عليه أن يرد ذلك البدل إلى المالك ثم يحدث له استئمانًا. قال: (ومتى طلبها المالك .. لزمه الرد)؛ لقوله تعالى: {فليُؤدِ الذي اؤتُمنَ أمانته}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك) حسنه الترمذي، وعلم منه أنه ليس له إلزام المالك الإشهاد وإن كان أشهد عليه عند الدفع، وهو الأصح من أوجه ثلاثة سبق بيانها في (باب الوكالة)؛ فإنه مصدق في الرد. وفي معنى المالك: وارثه، فإذا طلبها بعد موته .. كان الحكم كذلك، حتى لو امتنع المودَع من الرد وقال: لا آمن أن تكون في ماله وصية ثم تلف .. قال القفال: يضمن؛ لتعديه بالمنع من الوارث وهو مستحق في الظاهر. لكن يستثنى من إطلاقه: ما إذا كان الذي أودعه حاكم ثم طالبه .. فعليه أن يشهد له بالبراءة؛ لأنه لو عزل .. لم يقبل قوله، قال الإصطخري في (أدب القضاء). ويستثنى أيضاً: ما إذا طلبها وكيل المودع .. فإن له التأخير لطلب الإشهاد؛ لأنه لا يقبل قوله في دفعها إليه. قال: (بأن يخلي بينه وبينها) فلا يجب عليه نقلها، وليس عليه مؤنة ردها، بل هي على المالك باتفاق الأصحاب. هذا إذا كان المردود عليه أهلاً للقبض، فإن كان محجورًا عليه لسفه أو مرض أو فلس .. لم يلزمه الرد، بل لا يجوز ويضمن، ثم بعد هذا لا يختص بمطالبة

فَإنْ أَخَّرَ بِلاَ عُذْرٍ .. ضَمِنَ. فَإِنِ ادَّعَى تَلَفَاً وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَاً، أَوْ ذَكَرَ خَفِيْاً كَسَرِقَةٍ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ ذَكَرَ ظَاهِرَاً كَحَرِيقٍ؛ فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ وَعُمُومُهُ .. صُدِّقَ بِلاَ يَمِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المالك، بل لو طلب المودع المالك بأخذ وديعته .. لزمه أخذها، كما قاله في (نكت التنبيه) نقلاً عن (البيان). ومحل وجوب الرد: إذا لم يكن له شريك فلو أودعه رجلان ثم جاء أحدهما يسترد نصيبه .. فقيل: يدفع إليه، والأصح: لا؛ لأنهما اتفقا في الإيداع فكذا في الاسترداد. قال: (فإن أخر بلا عذر .. ضمن)؛ لتعديه، فمن الأعذار الصلاة والطهارة والأكل والشرب وملازمة الغريم ونحو ذلك، وأفهم: أنه مع العذر لا يضمن، وهو الذي صرح به الأكثرون. وشملت عبارته: ما إذا كان المودع مشهورًا بأنه لص وغلب على ظن المودع أنه لغيره وطالبه به. قال الروياني: يحتمل أن يقال: يلزمه الرد إليه، وهو القياس، ويحتمل أن يقال: يتوقف ويطلب صاحبه، فإن ظهر، وإلا .. رده إليه. قال: (فإن ادعى تلفًا ولم يذكر سببًا، أو ذكر خفيًا كسرقة .. صدق بيمينه) بالإجماع؛ لتعذر إقامة البينة عليه ولا يلزمه بيان السبب، وكذا رب المال مع عامل القراض. نعم؛ عليه أن يحلف له أنه تلف بغير تفريط. وفي معنى السرقة: ما لو ذهب به الفأر كما أفتى به البغوي. وليس للمودع حفر داره إلا أن يكون متعديًا في وضعه فيحفر، كالدينار يقع في المحبرة. قال: (وإن ذكر ظاهرًا كحريق) ونهب؛ (فإن عرف الحريق وعمومه .. صدق بلا يمين)؛ لاحتمال ما يدعيه.

وَإِنْ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ .. صُدِقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ جُهِلَ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ يُحَلَّفُ عَلَى الْتَلَفِ بِهِ. وَإِنِ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن عرف دون عمومه .. صدق بيمينه) فيحلف؛ لاحتمال ما ادعاه. قال: (وإن جهل .. طولب ببينة) يعني: على السبب الظاهر. قال: (ثم يحلف على التلف به)؛ لاحتمال أنها لم تتلف به. وعد المتولي موت الحيوان والغصب من الأسباب الظاهرة، والأقرب ما في (الرافعي)، وهو: إلحاق الغصب بالسرقة. قال: (وإن ادعى ردها على من ائتمنه .. صدق بيمينه)؛ لأنه أمينه، سواء أشهد عليه عند الدفع أم لا، خلافًا لمالك. واحتج عليه ابن المنذر بإجماعهم على تصديقه دعوى التلف فكذلك الرد. وعبارة المصنف وغيره تشمل: الرد على من له الإيداع من مالك وولي ووصي وقيم وحاكم؛ لأنه ائتمنه كالمالك، حتى الجابي لو ادعى تسليم ما جباه للذي استأجره على الجباية .. فالقول قوله كما أفتى به ابن الصلاح، وكذلك الوكيل يدعي تسليم الثمن لموكله. قال الرافعي: ولو أودعها الأمين لعذر السفر فادعى الأمين الرد عليه .. صدق، ولو كان المالك عين أمينًا فقال: إذا سافرت فاجعلها عند فلان، ففعل .. فالحكم بالعكس: إن ادعى الرد على المالك .. صدق، أو على المودع الأول .. لم يصدق. كل هذا إذا استمر المودع على أمانته، فلو ضمنها بتفريط أو عدوان .. لم تقبل دعواه الرد، وهذا الحكم يطرد في كل أمين؛ من وكيل وشريك وعامل قراض وولي محجور وملتقط لم يتملك، إلا المرتهن والمستأجر؛ فإنهما يصدقان في دعوى التلف دون الرد، ولا يصدق الولي ونحوه في الرد؛ لادعائه ذلك على غير من ائتمنه.

أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَوَرَاثِهِ، أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودِعِ الْرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِيناً فَادَّعَى الأَمِينُ الْرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ. وَجُحُودُهَا بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ مُضَمِّنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو على غيره كوارثه، أو ادعى وارث المودع الرد على المالك، أو أودع عند سفره أمينًا فادعى الأمين الرد على المالك .. طولب ببينة)؛ لأن الأصل عدم الرد ولم يأتمنه، وقد استدل بعض الأصحاب لهذه المسألة والتي قبلها بقوله تعالى: {فليُود الَّذِي اؤتُمِنَ أمانَتَهُ) دلت على: أن من اؤتمن .. يؤدي الأمانة بنفسه من غير إشهاد، فيقبل قوله في الرد. وشملت عبارة المصنف: من طيرت الريح ثوبًا إلى داره فقال: رددت على المالك، أو ادعاه الملتقط .. فلا يصدق إلا ببينة. قال: (وجحودها بعد طلب المالك مضمن)؛ لأنه خائن بذلك. وخرج بـ (طلب المالك) طلب غيره؛ فإنه غير مضمن ولو كان بحضوره، فإن الوديعة يسعى في إخفائها، أما إذا قال ابتداء: لا وديعة لأحد عندي، أو جوابًا لسؤال غير المالك أو في غيبته .. لم يضمن، لأنه سعى في إخفائها. ولا يخفى أن هذا إذا لم تقم قرينة: أن المالك أراد بالطلب غير حقيقته، فلو ظلم المالك ظالم فطالبه بالوديعة فجحدها دفعًا للظالم .. فالظاهر: أنه لا يضمن. وحكى شريح في التضمين في هذه الحالة وجهين. ولو قال بعد الجحود: كنت غلطت أو نسيت الوديعة .. فالمنقول: أنه لا يبرأ عن الضمان إلا أن يصدقه المالك. ومن أنكر وديعة .. صدق بيمينه، فإن أقام المدعي بينة على الإيداع .. لم يصدق في دعوى الرد؛ لتناقض كلامه وظهور خيانته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما في دعوى التلف .. فيصدق، ولكنه كالغاصب فيلزمه الضمان. فرع: أودعه قبالة وقال: لا تدفعها إلى زيد حتى يعطيك ديناراً فدفعها إليه قبل أن يعطيه .. فعليه قيمة الكاغد أبيض وأجرة الوراق، ولابد من اعتبار أجرة الشهود، سواء كتبوا رسم شهادتهم أم لا. قاعدة: في (التلخيص) و (اللباب) و (ترتيب الأقسام) وغيرها: كل مال تلف في يد أمين من غير تعد .. فلا ضمان عليه، إلا في صورة واحدة، وهي: السلطان إذا استسلف زكاة للمساكين قبل حولها وتلفت في يده .. فإنه يضمنها للمساكين، نص عليه. وتلتحق بها ثانية، وهي: ما لو اشترى عينًا وحبسها البائع على الثمن ثم أودعها عند المشتري فتلفت .. فإنها تتلف من ضمانه ويستقر عليه الثمن، وليس لنا وديعة تضمن بالتلف غيرهما. تتمة: سئل الغزالي عن رجلين أودعا رجلاً صرتين، كلٌّ أودعه صرة فيها عشرة، ثم جاءا إليه فطلبا صرتيهما، فأعطى هذا صرة وهذا صرة، فادعى أحدهما: أنه وجد صرته زيوفًا وأن التي كانت له لم تكن كذلك، وهما يصدِّقان المودَع عنده على أنه ما تعدّى؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتوقف فيها، ثم أجاب بأنهما يتحالفان ولا شيء على المودَع. أهـ وهذا ينبني على أنا هل نضمن المودع بالنسيان أو لا؟ فإن ضمناه، وهو الأصح .. فيضمن؛ لأنه قصر في نسيانه ما لكل منهما، وإن لم نضمنه .. فلا خصومة لهما معه وإنما الخصومة بينهما، فإن اصطلحا، وإلا .. فهو كمالٍ في يديهما على الصحيح، فتنزع العشرة الجيدة من يد آخذها إلى أن تنفصل خصومتهما. وفي (التجريد) لابن كج: وديعة عند رجلين اختلفا عند من تكون منهما؟ فقال: عندي تقسم بينهما كالوصيين، وبه قال أهل العراق، ويحتمل أن لا تقسم وتكون في موضع يدهما عليه. * ... * ... * خاتمة سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة مضت عليها مدة طويلة، ولم يعرف صاحبها، وأيس من معرفته بعد البحث التام؟ فقال: يصرفها في أهم مصالح المسلمين، ويقدم أهل الضرورة ومسيس الحاجة، ولا يبني بها مسجدًا، ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه، فإن جهله .. فليسأل أورع العلماء وأعرفهم بالمصالح الواجبة التقديم.

كتاب قسم الفيء والغنيمة

كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب قَسم الفيء والغنيمة (القَسم) بالفتح: مصدر قسمت الشيء. و (الفيء): مصدر فاء يفيء: إذا رجع؛ لأنه مال راجع من الكفار إلى المسلمين. قال القفال: سمي فيئًا؛ لأن الله تعالى خلق الدنيا وما فيها للاستعانة على طاعته، فمن خالفه .. فقد أغضبه، وسبيله الرد إلى من يطيعه. و (الغنيمة) فعيلة بمعنى مفعولة، يقال: غنم الغنم يغنم غُنمًا بالضم من الغنم، وهو: الربح؛ لأنها فائدة محققة، وجمعها: غنائم. وذكر المسعودي وطائفة: أن اسم كل واحد منهما يقع على الآخر، فهما إذا اتفقا .. افترقا، وإذا افترقا .. اتفقا، كاسمي الفقير والمسكين إذا وصى للفقراء والمساكين .. لا يجوز اختصاصه بواحد منهما، وإن وصى لأحدهما .. جاز أن يعطى للآخر. والأصح: ما جزم به المصنف. ثم إنه ذكر هذا الباب في هذا الموضع؛ اقتداء بالمزني وغيره، وافتتحه في (المحرر) بقوله تعالى: {ما أفاء اللهُ على رسُوله من أهلِ القُرَى}، وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمتُم من شيءٍ} الآيتين. وكانت الغنائم قبل الإسلام لا تحل لأحد، بل كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا غنموا مالاً جمعوه فتأتي نار من السماء تأخذه، ثم أحلت للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت في صدر الإسلام له صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأنه كالمقاتلين

(الْفَيْءُ): مَالٌ حَصَلَ مِنْ الْكُفَّارِ بِلاَ قِتَالٍ وَإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ كَجِزْيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلهم؛ فإنه نصر بالرعب مسيرة شهر، والرعب منه وحده لم يَشْرَكْهُ فيه أحد من المسلمين، ولأن قوته وشجاعته صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد فهو قائم مقام جميع المقاتلين، وكذا كانت غنائم بدر، ثم نسخ ذلك واستقر الأمر على أن له منها الصفي، فيعطى من الغنيمة ما شاء. قال: ((الفيء): مال حصل من الكفار بلا قتال وإيجاف خيل وركاب)، التقييد بـ (المال) تبع فيه (المحرر) و (الروضة) وغيرهما؛ جريًا على الغالب، وإلا .. فيرد عليه ما ليس بمال كالكلاب والخمرة المحترمة، وما ينتفع به من النجاسات؛ فهذه لا تسمى مالاً، والمذهب: أنها غنيمة تجري عليها أحكامها، لكن في بعض النسخ: (الفيء: ما حصل من الكفار)، وعلى هذا لا اعتراض. و (الإيجاف): الإسراع، وقيل: الإعمال. و (الركاب): الإبل خاصة، واحدها: راحلة من غير لفظها، واجتماع الخيل والإبل ليس بشرط، بل أحدهما كاف في انتفاء حكم الفيء، ولذلك قال تعالى: {ولا ركابٍ}، فـ (الواو) في كلام المصنف بمعنى (أو)، والتي بين القتال وإيجاف محتملة لمعنى (أو) ولمعنى (الواو) الجامعة. وقد صرح المصنف في كلامه على (التنبيه) بأن القتال شرط، وأما الإيجاف .. فذكره على الغالب؛ لأنه قد يكون القتال في السفن في البحر ومن الرجالة في البر والحاصل من ذلك غنيمة. قال: (كجزية)؛ لأنهم إنما يعطونها عن خوف، ولكنه ليس خوفًا ناجزًا، بل هو مستقبل، وقصد بها إثبات عصمة مستدامة، فلذلك عدت مما أخذ من غير خوف، وكذلك الخراج المضروب عليهم.

وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفَاً، وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ، وَذِمِّيِّ مَاتَ بِلاَ وَارِثٍ .. فَيُخَمَّسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعشر تجارة وما جَلَوا عنه خوفًا) هذا يقتضي: أن ما جلوا عنه من غير خوف بل لضُرٍّ أصابهم ليس بفيء، ولم يقل به أحد، أو فيءٌ ولا يخمس، والصحيح خلافه، فلو حذف (خوفًا) .. أمن من الاعتراض. وجوابه: أنه خرج مخرج الغالب، كما في قوله: (بإيجاف خيل وركاب). وقيد في (الروضة) (الخوف) من المسلمين، وليس بشرط. قال: (ومال مرتد قتل أو مات)؛ لأنه لا وارث له كما تقدم في بابه. قال: (وذمي مات بلا وارث) وكذا ما فضل عن وارث له غير حائز، والمعتبر في الإرث إرث الإسلام كما تقدم. وهذه الأنواع السبعة لا خلاف في إطلاق اسم الفيء عليها، وإنما الخلاف في التخميس كما سيأتي. قال: (فيخمس)؛ لإطلاق قوله تعالى: {مَّا أفاءَ اللهُ على رَسُولِهِ} الآية، فيجعل خمسة أسهم متساوية كالغنيمة، وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه في الجديد. ودليله فيه: ما رواه الشيخان عن عمر رضي الله عنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين، وكان ينفق منها على أهل بيته، فما فضل منها جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله). قال الشافعي رضي الله عنه: ومعنى قول عمر رضي الله عنه: (فكانت له خاصة) يريد: ما كان للمؤمنين لو أوجفوا، وهي الأربعة الأخماس، أما الخمس .. فلأهل الخمس بدليل الآيتين. وقال ابن المنذر: إن هذا شيء انفرد به لا نعلم أحدًا قال به قبله؛ أن الفيء يخمس. ومذهب الأئمة الثلاثة - وهو القديم -: أنه لا يخمس، بل جميعه لمصالح المسلمين، احتجوا بقوله تعالى: {مَّا أفاءَ اللهُ على رَسُولِهِ} الآية، ولم يخمس.

وَخُمُسُهُ لِخَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالْثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قلنا: أطلق هاهنا وقيد في الغنيمة فحمل المطلق على المقيد جمعًا بينهما؛ لاتحاد الحكم، واختلاف السبب، فإن الحكم واحد وهو رجوع المال من المشركين للمسلمين، إلا أنه اختلف سببه بالقتال وعدمه كما حملنا الرقبة في الظهار على المؤمنة في كفارة القتل. قال: (وخمسه لخمسة) كخمس الغنيمة المدلول عليه بقوله تعالى: {واعْلمُوا أنَّما غَنِمتُم من شَيءٍ} الآية، فيقسم مال الفيء أولاً على خمسة أقسام متساوية، ثم يؤخذ منها سهم يقسم خمسة أسهم فتكون القسمة من خمسة وعشرين، هكذا كان يقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له الأخماس الأربعة وخمس الخمس الآخر، فله أحد وعشرون سهمًا ينفق منها على نفسه وعياله ويدخر مؤنة سنة، وما بقي يصرفه في المصالح، كذا قاله الجمهور. وقال الغزالي وغيره: كان الفيء جميعه له صلى الله عليه وسلم إلى أن مات، وإنما خمس بعد موته، وما جزم به المصنف هو المذهب. وفي قول: جميع الفيء لخمسة؛ لظاهر آية (الحشر). وأجاب الأول بأن المراد: يقسم الخمس منه لخمسة كخمس الغنيمة، والباقي لمن أضيف له في صدرها وهو النبي صلى الله عليه وسلم، كما بقيت الأخماس الأربعة للمقاتلين الذين أضيف إليهم في صدر آيتهم بقوله: {غَنِمتُم}. قال: (أحدهما)؛ يعني: أحد الخمسة التي يقسم عليها خمس الفيء (مصالح المسلمين كالثغور)، وهي: مواضع المخافة من أطراف بلاد المسلمين الملاصقة لبلاد المشركين، والمراد: سدها بالرجال والعدد وإصلاحها؛ لأن بها يحفظ المسلمون. قال: (والقضاة والعلماء)، وكذلك الأئمة والمؤذنون، وكذا كل من يفعل أمراً تعود منفعته على المسلمين ولو اشتغل بالكسب لتعطل عنه، كالمشتغل بالعلوم

يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرعية، والقيام بالحسبة، ونواب القضاة والولاة، ونحوهم. وأشار بهذا إلى: أن مصرفه مصرف القرب لا مصرف قضاء الشهوات كما يفعله الملوك. والمراد: قضاة البلاد، وأما الذين يحكمون بين أهل الفيء وهم قضاة العسكر .. فإنما يرزقون من الأخماس الأربعة، قاله الماوردي وغيره، قال: وكذا أئمتهم ومؤذنوهم وعمالهم، وهؤلاء يجوز أن يعطوا مع الغنى، ويختلف بضيق المال وسعته، كذا حكاه المصنف في (البيع) من (شرح المهذب). وهذا السهم هو المضاف لله ورسوله في قوله تعالى: {فَلِلَّهِ وللرَّسُولِ} أضيف لله على جهة التبرك والابتداء باسمه؛ لأنا لو لم نصرفه إلى هذه القرب .. لكانت السهام ستة. وقال أبو العالية: سهم الله تعالى يصرف إلى الكعبة، ومن هذا النوع بناء القناطر التي يجتاز عليها والحصون والمساجد، والمشهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم ملك هذا الخمس ولكنه جعل نفسه فيه كغيره تكرمًا، ولا يورث عنه بل هو بعده للمصالح. وفي وجه: أن سهمه صلى الله عليه وسلم سقط بعد وفاته وبقيت القسمة على أربعة. وقيل: يصرف إلى خليفة الزمان، حكاه في (الوسيط)، وإنما حكاه إمامه قولاً لبعض العلماء، والنقلان شاذان. قال: (يقدم الأهم) أي: وجوبًا، وهو سد الثغور؛ لأنه تتعلق به مصلحة عامة. فلو لم يدفع السلطان إلى المستحقين حقهم من بيت المال .. فهل لأحدهم أخذ شيء منه؟ حكى في (الإحياء) فيه أربعة مذاهب للعلماء: أحدها: المنع؛ لأنه مشترك ولا يدري نصيبه منه حبة أو دانقًا أو غيرهما، قال: وهذا غلو.

وَالْثَّانِي: بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يأخذ قوت يومه فقط. والثالث: كفاية سنة. والرابع: ما يعطى وهو حصته والباقون مظلومون، قال: وهو القياس؛ لأن المال ليس مشتركًا كالميراث، ولذلك لو مات لا يصرف إلى ورثته، وبالأول جزم الشيخ عز الدين في (القواعد). قال: (والثاني: بنو هاشم والمطلب)؛ لقوله تعالى: {وَلذِي القُربى)، وهم: آل النبي صلى الله عليه وسلم دون من في درجتهم من بني عبد شمس وبني نوفل وإن كانا ابني عبد مناف أيضًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أولئك ومنع هؤلاء، فسئل عن ذلك، فقال: (أما بنو هاشم وبنو المطلب فشيء واحد) وشبك بين أصابعه، رواه البخاري. وروي: (إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام). فهاشم والمطلب شقيقان، وذووا قربى النبي صلى الله عليه وسلم حقيقةً هم بنو هاشم؛ لأنه جد النبي صلى الله عليه وسلم، فأدخل معهم صلى الله عليه وسلم بني المطلب؛ لأنهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام. ولهما شقيق ثالث، وهو عبدُ شمسَ جدُّ عثمان بن عفان، كان متحداً مع أخيه لأبيه نوفل جد جبير بن مطعم، فلم يدخلا في ذوي القربى وإن شملهما اسمها، أما عبدُ شمسَ .. فواضح، وأما نوفل .. فأخرجه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (نحن وبنو المطلب شيء واحد). والاعتبار بالانتساب إلى الآباء، أما من انتسب منهم إلى الأمهات .. فلا؛ لأنه عليه الصلاة السلام لم يعط الزبير وعثمان وأم كل منهما هاشمية، لكن يستثنى من ذلك: أولاد بنات النبي صلى الله عليه وسلم كأمامة بنت أبي العاص بن الربيع وعبد الله بن عثمان من بنته رقية، وهما من ذوي القربى بلا شك؛ لأن من خصائص

يَشْتَرِكُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْنِّسَاءُ، وَيفَضَّلُ الْذَّكَرُ [كَالإِرْثِ] ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم انتساب أولاد بناته إليه، بخلاف غيره. وعبارة المصنف موافقة لعبارة (المحرر)، وكأنهما اكتفيا بالعلم بأنه لا يتصور أن يكون بنو أحدهما بني الآخر، والعبارة المستقيمة: بنو هاشم وبنو المطلب. قال: (يشترك الغني والفقير)؛ للاشتراك في العلة، ولإطلاق الآية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي العباس منه وهو من أيسر قريش. وفي وجه شاذ: يختص بفقرائهم كاليتامى، وعلى الأصح: يسوى بينهم. وقال الإمام: إنما يعطى الغني عند سَعة المال؛ فإن كان الحاصل إذا وزع لا يسد مسدًا .. قدم الأحوج، وتكون الحاجة مرجحة، وإن لم تكن معتبرة، ولا فرق بين الصغير والكبير وإن كانت النصرة لا توجد من الصغير. قال: (والنساء)؛ لأن الزبير كان يأخذ منه سهم أمه صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصديق يدفع لفاطمة منه. وفي (النسائي): أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم حنين لصفية من ذوي القربى، ولولا ذلك .. لم يدفع لهن؛ لأن الآية لا تدل إلا على الصرف للذكور، فإن (ذوي) تختص بهم. قال: (ويفضل الذكر (كالإرث))؛ لأنه عطية من الله تعالى فأشبه الإرث، ولأن معنى النصرة يراعى فيه مع القرابة، ولذلك دخل بنو المطلب؛ لنصرتهم لبني هاشم ودخولهم معهم الشعب، والمرأة فيها نصرة، ولكن نصرة الرجل أكثر ففضل على الأنثى. وكأنهم عوضوا بذلك عن إرثهم من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يورث. وقال المزني: لا يفضل الذكر على الأنثى كالوصية للأقارب يسوى فيها بين الذكر والأنثى، وبه قال أبو ثور، وصححه ابن المنذر وجماعة، وقواه الشيخ؛ لأن الجد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يأخذ مع الأب، وابن الابن مع الابن، فدل على أنه ليس كالإرث. وعلم من قوله: (كالإرث) أنه لا يفضل كبير على صغير، ولا ذكر على ذكر، ولا أنثى على أنثى، لكن يسوى بين من أدلى بجهتين ومن يدلي بجهة، خلافًا للقاضي حسين؛ فإنه فضل المدلي بهما على المدلي بجهة كما يقدم الأخ الشقيق على الأخ لأب، والصحيح: أنه يعم بالعطاء الحاضر في موضع حصول الفيء والغائب عنه، لأنه يستحق بالقرابة. وقيل: يدفع ما يحصل في كل إقليم إلى من فيه منهم؛ لما في النقل من المشقة فالتحق بالزكاة. ويجري مثل هذا الخلاف في اليتامى والمساكين، فيفرق على أيتام جميع البلاد ومساكينهم على الصحيح، لأن صاحب ذلك الوجه - وهو أبو إسحاق - يؤدي قوله إلى حرمان بعضهم، وهو مخالف للآية، وخالف الزكاة؛ فإن المشقة ممنوعة هنا في حق الإمام، فإنه متمكِّن من ضبط ذلك في كل إقليم. فروع: للإمام أن يبيع العروض الحاصلة من أموال الفيء ويفرقه إذا رأى فيه مصلحة، إلا نصيب ذوي القربى؛ فإن بيعه يتوقف على إذنهم، لانتقاله إليهم على سبيل الميراث، ولا يعطي من سهم ذوي القربى لمواليهم. ومن ادعى: أنه منهم .. لا يعطى إلا أن يعرف ذلك باستفاضة أو يثبت ببينة. وحكى الماوردي في (كتاب العاقلة) عن الأكثرين: أن من ادعى: أنه من قريش .. تسمع دعواه. وأفهمت عبارة المصنف: أنهم لو أعرضوا عن سهمهم .. لم يسقط، وهو الأصح، وقد ذكره المصنف في (السير).

وَالثِّالِثُ: الْيَتَامَى، وَهوَ: صَغِيرٌ لاَ أَبَ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والثالث: اليتامى)؛ للآية، وإنما يستحق هذا السهم أيتام المسلمين؛ لأنه مال أخذ من الكفار فيختص المسلمون به. قال: (وهو: صغير لا أب له) ذكرًا كان أو أنثى، سواء كان له جد أم لا، من أولاد المرتزقة أم غيرهم، قتل أبوه في الجهاد أم لا على الصحيح في الجميع، فوصف الصغير لابد منه؛ إذ لا يتم بعد احتلام. وقوله: (لا أب له) يخالفه ما وقع في (الروضة) في (باب النكاح): أن اليتيمة هي التي لا جد لها، وكأنه سبق قلم، والصواب المذكور هنا. وقال الغزالي: لا كافل له، وهو محمول على ذلك. و (اليتم): الانفراد، ومنه: الدرة اليتيمة، وحق هذا الاسم أن يطلق على الكبار والصغار، إلا أنهم نفوه عمن بلغ واستقل؛ لقوله عليه الصلاة السلام: (لا يتم بعد احتلام). وأما ما روي عن الشعبي: أن امرأة أتت إليه فقالت: إني امرأة يتيمة، فضحك منها أصحابه، فقال: (صدقت؛ النساء كلهن يتيمات) .. فإنما أراد بذلك ضعفهن. وقال ابن السكيت وغيره: اليتم في الناسِ من قبَل الأب، وفي البهائم من قبل الأم. قال ابن خالويه: وفي الطير بفقد الأب والأم؛ لأنهما يحضنانه ويرزقانه. و (اللطيم): الذي يموت أبواه، و (العجي): الذي تموت أمه. وشملت عبارة المصنف: ولد الزنا؛ فإنه لا أب له، لكن كان من حقه أن يقيده بالمسلم كما تقدم. قال: (ويشترط فقره على المشهور)؛ لأن لفظ اليتم يشعر بالحاجة، وكأنهم أعطوا بدلاً عما فاتهم من كفالة الآباء.

وَالْرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: الْمَسَاكِينُ وَابْنُ الْسَّبِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول المصنف: (يشترط فقره) المراد: في إعطائه لا في تسميته، ولو عبر بالمسكنة .. كان أشمل، ولأنه لو اشترط .. لم يفد التنصيص عليه؛ لدخوله في المساكين، ورد بأن الفائدة عدم الحرمان. والثاني: لا يشترط فيشترك فيه الفقير والغني كذوي القربى؛ لإطلاق الآية، ولأنه لو اشترط فيهم الفقر .. لدخلوا في جملة المساكين ولم يكن للتنصيص عليهم فائدة. وأجاب ابن الرفعة بأن الفائدة عدم حرمانهم. وتعبيره بـ (المشهور) يقتضي ضعف الخلاف، وهو مخالف لقول القاضي حسين: إن الثاني مذهب عامة الأصحاب، وكان ينبغي أن يعبر بالأظهر، والمذهب: أنه يجب استيعابهم. وقال أبو إسحاق: يجب صرف ما حصل في كل إقليم إلى من فيه منهم كما قاله في الأقارب، ومن ادعى: أنه يتيم .. لم يعط إلا ببينة. قال: (والرابع والخامس: المساكين وابن السبيل)؛ للآية، وسيأتي في كتاب (قسم الصدقات) بيان حقيقة الفقير والمسكين والفرق بينهما، وذلك عند ذكرهما معًا، فأما عند ذكر أحدهما خاصة .. فيتناول القسمين. ولا فرق بين أن يكونوا من المرتزقة وغيرهم على المذهب، ولكن يشترط فيهم: أن يكونوا مسلمين، فلا يعطى الكافر من الخمس شيئًا، إلا من سهم المصالح؛ فإنه يعطى منه الكافر عند وجود المصلحة. قال الماوردي: ويجتهد الإمام رأيه في التسوية والتفضيل بحسب الحاجة، ويجوز له أن يجمع لهم بين سهمهم من الزكاة وسهمهم من الخمس وحقهم من الكفارات، فيصير لهم ثلاثة أموال، وتجب التسوية بينهم حتى بين الذكر والأنثى، وإذا اجتمع في واحد يتم ومسكنة .. أعطي باليتم دون المسكنة؛ لأن اليتم وصف لازم والمسكنة زائلة.

وَيَعُمُّ الأَصْنَافَ الأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ. وَأَمَّا الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ فالأَظْهَرُ: أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ - وَهُمُ: الأَجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يشترط في ابن السبيل هنا الحاجة بخلاف الزكاة، ومن فقد من الأصناف الأربعة .. فرق نصيبه على الباقين. قال: (ويعم الأصناف الأربعة المتأخرة)؛ لعموم الآية وصدق الاسم كالميراث، فيعطى الحاضر والغائب عن موضع حصول الفيء؛ إذ لا مشقة في ذلك، لأن الإمام هو الذى يقسم، وهو قادر على ذلك بأمر أمنائه في كل إقليم بضبط من فيه. قال: (وقيل: يختص بالحاصل في كل ناحية من فيها منهم)؛ لما في النقل من المشقة فالتحق بالزكاة، وهذا قد تقدمت الإشارة إليه. ولا يجوز الاقتصار على ثلاثة من كل صنف كالزكاة إذا فرق الإمام، ويجوز أن يفاوت بين اليتامى وبين المساكين وأبناء السبيل؛ لأنهم يستحقون بالحاجة فتراعى، بخلاف ذوي القربى؛ فإنهم يستحقون بالقرابة، ومن ادعى فقرًا أو مسكنة .. قبل قوله بلا بينة. قال: (وأما الأخماس الأربعة) وهي التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته (فالأظهر: أنها للمرتزقة - وهم: الأجناد المرصدون للجهاد-)؛ لأنها كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم له لحصول النصرة به كما تقدم، وبعده جند الإسلام هم المرصدون للنصرة وإرعاب الكفار. والمراد: الذين أرصدوا للجهاد بتعيين الإمام وإثباتهم في الديوان، بخلاف المتطوعة الذين يغزون إذا شاؤوا، ويقعدون إذا شاؤوا، فهؤلاء يعطون من الزكاة لا من الفيء عكس المرتزقة. نعم؛ إذا لم يف الفيء بحاجتهم وليسوا أغنياء .. فللإمام أن يصرف إليهم من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والقول الثاني: أن هذه الأخماس الأربعة للمصالح كخمس الخمس.

فَيَضَعُ الإِمَامُ دِيوَانًا، وَيَنْصِبُ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِيفًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أنها تقسم كما يقسم الخمس، ونسبه الإمام إلى التقديم. و (الأجناد): الأعوان والأنصار، واحدهم: جندي. قال: (فيضع الإمام ديوانًا)؛ اقتداء بعمر رضي الله عنه، فهو أول من وضعه في الإسلام. و (الديوان) بكسر الدال: الدفتر الذي تكتب فيه الأسماء. وقيل: الكُتّاب الذين يضبطون الأسماء، سمي مكانهم باسمهم، وهو فارسي معرب، وقيل: عربي. قيل: أول من سماه بذلك كسرى؛ لأنه اطلع يومًا على ديوانه وهم يحسبون مع أنفسهم، فقال: ديوانة؛ أي: مجانين، فسمي موضع قعودهم: ديوانًا. فإن قيل: هذا لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر رضي الله عنه فهو بدعة وضلالة .. فالجواب: أن هذا أمر دعت الحاجة إليه واستحسن بين المسلمين، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما رآه المسلمون حسنًا .. فهو عند الله حسن). قال: (وينصب لكل قبيلة أو جماعة عريفًا)؛ ليجمعهم عند الحاجة إليهم، ويسهل عليه ما يريده منهم، ويعرفه بأحوالهم، ويرجع إليه الإمام في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة هوازن: (ارجعوا حتى أسأل عرفاءكم) وكان قد عرف على كل عشرة عريفًا. وهذا النصب مندوب لا واجب، كما أفاده في زيادات (الروضة)، وبه صرح الإمام. وروى البيهقي وغيره عن جابر قال: (لما ولي عمر رضي الله عنه الخلافة .. فرض الفرائض، ودوّن الدواوين، وعرف العرفاء).

وَيَبْحَثُ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَعِيَالِهِ وَمَا يَكْفِيهِمْ، فَيُعْطِيهِ كِفَايَتَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أبو داوود وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العرافة حق ولابد للناس منها، ولكن العرفاء في النار) حذر بذلك عن التعرض للرئاسة؛ لما في ذلك من الفتنة، لأنه إذا لم يقم بحقها .. أثم واستحق النار. و (العريف) فعيل بمعنى: فاعل، وهو: الذي يعلم دخيلة القوم ويعرف مناقبهم، وجمعه: عرفاء، قال الجوهري: وهو النقيب، وهو دون الرئيس، تقول منه: عَرُف فلان بالضم عرافة. وقال الماوردي وغيره: النقيب أكبر من العريف، فالنقيب يكون على طائفة من العرفاء. وفي (مسند الدرامي): قال عطاء بن يسار: حملة القرآن عرفاء أهل الجنة، ومعناه: أنهم رؤساء أهلها. قال: (ويبحث) أي: الإمام وجوبًا (عن حال كل واحد وعياله وما يكفيهم، فيعطيه كفايتهم)؛ ليتفرغ للجهاد، ويراعي في حاجتهم الزمان والمكان، والرخص والغلاء، وعادة الشخص مروءةً وضدها، ويزداد كلما ازدادت الحاجة؛ بزيادة ولد، وزيادة عدد، وحدوث زوجة ولو إلى أربع، فيكفيه هذه المؤنات؛ ليتفرغ للجهاد، ويدفع ذلك إليه، وفي قول: يتولى الإمام تعهد عياله بنفسه. ويعطى أيضًا: مؤنة عبد يقاتل معه أو يخدمه، إن كان ممن يخدم ولا يزاد على واحد إن اندفعت الحاجة به، وإلا .. فيزاد، ويعطيه مؤنة فرسه إن كان ممن يركب في الحرب. وقال ابن الرفعة: أما أمهات الأولاد فلا يعطي إلا لواحدة منهن؛ لأنهن غير محصورات، بخلاف الزوجات، والحاجة تندفع بواحدة. ثم ما يصرفه إليه لزوجته وولده هل يملكه هو ويصير إليهم من جهته، أو لا يملكه بل الملك حصل لهم من الفيء؟ وجهان: أصحهما: الثاني.

وَيُقَدِّمُ فِي إِثْبَاتِ الاِسْمِ والإِعْطَاءِ قُرَيْشًا- ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: نص الشافعي رضي الله عنه: على أنه يسوي بين المرتزقة، ومعناه: أنه يعطي كل واحد قدر حاجته، ولا يفضل بعضهم على بعض بالسبق إلى الإسلام أو الهجرة له أو لآبائه ولا علم ولا ورع ولا شرف نسب، بل يعطي كل واحد على قدر حاجته، ويسوي بين الشريف وغيره، كما يسوي في الإرث بين البار والعاق، وفي الغنيمة بين الشجاع والجبان؛ لأنهم مرصدون للجهاد. وكذا حَكَم أبو بكر وعلي رضي الله عنهما. وإلى التفضيل ذهب عمر وعثمان رضي الله عنهما، ثم رجع عمر إلى قول أبي بكر، وكان عمر رضي الله عنه يقول لأبي بكر رضي الله عنه: (أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم كمن دخل الإسلام كرهًا؟!) فقال أبو بكر رضي الله عنه: (إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ). فلما آل الأمر إلى عمر رضي الله عنه فاضل بينهم بحسب الفضائل؛ ترغيبًا للناس فيها؛ فأعطى المهاجرين خمسة آلاف، والأنصار أربعة آلاف، وفضل عائشة رضي الله عنها على ابنته حفصة رضي الله عنها، وقال: (إن أباها كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فأعطى عائشة رضي الله عنها اثني عشر ألفًا، وأعطى بقية نسائه العربيات عشرة آلاف درهم لكل واحدة، وأعطى صفية وجويرية ستة ستة؛ لأنهما كانتا معتقتين، وأعطى كلاً من علي والعباس ستة آلاف، وأعطى الحسن والحسين أربعة أربعة، وأسامة بن زيد ألفين، وولده عبد الله ألفًا وخمس مئة فقال: (أتفضل عليَّ أسامة؟!) قال: (نعم؛ لأنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وأبوه أحب إليه من أبيك). قال: (ويقدم في إثبات الاسم والإعطاء قريشًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ - وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ ثُمَّ عَبْدِ شَمَسَ ثُمَّ نَوْفَلٍ ثُمَّ عَبْدِ الْعُزَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ (قدّموا قريشًا ولا تَقَّدموها) رواه ابن أبي شيبة والطبراني والطيالسي والشافعي، وقال ابن حزم: إسناده صحيح. ولأنهم تشرفوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}. وسموا قريشًا؛ لتقرشهم، وهو تجمعهم، وقيل: لشدتهم. قال: (وهم ولد النضر بن كنانة)، هذا قول أكثر النسابين، واسم النضر: قيس. وقيل: إنهم أولاد إلياس. وقيل: أولاد مضر بن نزار. وقيل: ولد فهر بن مالك، قال البيهقي: إنه قول أكثر أهل العلم، واختاره الحافظ الدمياطي والشيخ، قالا: ولا يكاد يظهر تفاوت بين القولين. قال: (ويقدم منهم بني هاشم)؛ لأن الله تعالى شرفهم بكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، واسم هاشم عمرو، وسمي بذلك؛ لأنه هشم الثريد لقومه، قال الشاعر (من الكامل): عمرو الذي هشمَ الثريدَ لقومه ... ... ... وبطون مكة مسنتون عجاف قال: (والمطلب)؛ لتسويته صلى الله عليه وسلم بينهما، وفيه ما سبق. قال: (ثم عبد شمسَ)؛ لأنه شقيق هاشم والمطلب، والمراد: ثم بني عبد شمس، ويقرأ عبد شمسَ بفتح آخره؛ فإنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث، حكاه في (العباب) عن الفارسي. قال: (ثم نوفل)؛ لأنه أخوهم لأبيهم عبد مناف. قال: (ثم عبد العزى)، وهو ابن قصي أخو عبد مناف، ومنهم الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، وأيضًا هو أصهار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن خديجة بنت خويلد بن عبد العزى.

ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ الأَنْصَارَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم بعد عبد العزى بني عبد الدار، وهما ابنا قصي. قال: (ثم سائر البطون الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن كل الشرف والخير في القرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقدم بعد عبد الدار بني زهرة بن كلاب، وهو أخو قصي، وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، ثم بنو تيم، ومنهم أبو بكر وطلحة رضي الله عنهما، وقدموا على بني مخزوم؛ لأن عائشة رضي الله عنها منهم، وهكذا. قال: (ثم الأنصار) أي: بعد انتهاء قريش يقدم الأنصار من الأوس والخزرج؛ لقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأَنصَارِ}، ولأن لهم من الأثر في الإسلام ما ليس لغيرهم؛ فإنهم آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وآثروه وأصحابه على أنفسهم في المنازل والأموال، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، والأنصار شعار والناس دثار، ولو سلك الناس واديًا وشعبًا .. لسلكت وادي الأنصار وشعبها). وفي (صحيح البخاري) في (كتاب المغازي) عن أنس أنه قال: (قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون). وفيه أيضًا عن غيلان بن جرير قال: (قلت لأنس بن مالك: أرأيت اسم الأنصار أكنتم تسمون به أم سماكم الله به؟ قال: بل سمانا الله تعالى به). وروى أحمد عن أنس: أن الأنصار اجتمعوا فقالوا: إلى متى نشرب من هذه الآبار، فلو أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو لنا أن يفجر الله لنا من هذه الجبال عيونًا، فجاؤوا بجماعته إليه صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم ... قال: (مرحبًا وأهلاً، لقد جاء بكم إلينا حاجة؟) قالوا: إي والله يا رسول الله، قال:

ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإنكم لن تسألوني اليوم شيئًا إلا أوتيتموه، ولا أسأل الله شيئًا إلا أعطانيه)، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: الدنيا تريدون! اطلبوا الآخرة، فقالوا بجماعتهم: يا رسول الله؛ ادع الله أن يغفر لنا، فقال: (اللهم؛ اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار) قالوا: وأولادنا من غيرنا، قال: (وأولادكم من غيركم) قالوا: يا رسول الله؛ وموالينا، قال: (وموالي الأنصار). وفي (ابن حبان) مرفوعًا: (اللهم؛ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، ولنساء أبناء الأنصار، ولنساء أبناء أبناء الأنصار). وفي (الطبراني الكبير) من حديث معاذ بن رفاعة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم؛ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولذراريهم، ولجيرانهم). وفيه من حديث ابن عباس مرفوعًا: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يحب ثقيفًا رجل يؤمن بالله واليوم الآخر). وفي (ابن حبان): (اللهم؛ اغفر للأنصار، ولذراريهم، ولذراري ذراريهم، ولموالي الأنصار، ولجيرانهم). فائدة: في الصحابة ثلاثة مهاجرون أنصاريون: ذكوان بن عبد قيس، وعقبة بن وهب، والعباس بن عبادة بن نضلة، لا رابع لهم. قال: (ثم سائر العرب)؛ لأنهم أشرف من العجم وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.

ثُمَّ الْعَجَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: كذا رتبوه، وحمله السرخسي على من هم أبعد من الأنصار، فأما من هو أقرب من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فمقدمون. وفي (الحاوي): يقدم بعد الأنصار مضر، ثم ربيعة، ثم جميع ولد عدنان، ثم قحطان. قال: (ثم العجم)؛ لتأخرهم عن العرب، والتقديم فيهم بالسن والفضيلة لا بالنسب، وهذا التقديم مستحب لا واجب؛ فإن استوى اثنان في القرب .. قدم أسنهما، فإن استويا فيه .. فأقدمهما إسلامًا وهجرة. قال: وقد أطلقوا هنا تقديم النسب على السن، بخلاف المرجح في إمام الصلاة، فليتأمل الفرق. وفرق غيره؛ بأن دعاء الأسن أقرب إلى الإجابة، فقدم لذلك. وعكس الماوردي ترتيب الرافعي، قال في (الروضة): وهو المختار. ثم يقدم الشجاعة، ثم ولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة أو برأيه واجتهاده، ونص في (الأم) و (المختصر) على: أن التقديم بالسابقة عند التساوي. فإن قيل: قال الله تعالى: {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أتقاكم}، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى)، وقال يوم فتح مكة: (إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها بالآباء، إنما الناس رجلان: مؤمن تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله) ثم قرأ الآية، فلم فضلتم العرب على العجم .. فالجواب: أن هذا في الزجر عن الازدراء بالناس والتحقير لهم والاستطالة بالنسب على من ليس بنسيب، وأيضًا الأنساب اعتبرت في الدنيا لصلاح أحوال الخلق، وأما في الآخرة .. فينقطع الاحتياج لتلك المصالح

وَلاَ يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ أَعْمَى وَلاَ زَمِنا وَلاَ مَنْ لاَ يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ. وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ .. أُعْطِيَ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُعْطَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يبقى إلا التقوى، وأشير إلى ذلك بقوله تعالى: {عند الله}. فإن قيل: التقوى من الأعمال، والعلم أشرف من العمل، فهلا قيل: الأكرم الأعلم؟ .. فالجواب: أن الأعلم هو الأتقى، وإنما ينفع العلم بالعمل، فكان ذكر الأتقى مستلزمًا لذكر الأعلم ومنبهًا لحصول نتيجة العلم ومقصوده من العمل. قال: (ولا يثبت في الديوان أعمى ولا زمنًا ولا من لا يصلح للغزو)؛ إذ لا كفاية فيهم، ولا يثبت اسم صبي، ولا مجنون ولا امرأة ولا عبد لا ضعيف لا يصلح للغزو، وإنما يثبت الرجال المكلفين المستعدين للغزو، ومن شرطهم الإسلام بالاتفاق، واشترط الماوردي: أن يكون فيهم الإقدام على القتال ومعرفة به، قال: ويثبت الأخرس والأصم والأعرج إن كان يقاتل فارسًا لا راجلاً، ولا يثبت الأقطع، قال: وإذا كتبه في الديوان، فإن كان مشهور الاسم .. لم تحسن تحليته، وإن كان مغمورًا، أي: ليس بمشهور .. وصف وحلي بحيث يتميز عن غيره. قال: (ولو مرض بعضهم أو جن ورجي زواله .. أعطي) ولو طال مرضه؛ لئلا يرغب الناس عن الجهاد. قال: (وإن لم يرج .. فالأظهر: أنه يعطى)؛ لما ذكرناه، ولكن يقطع اسمه من الديوان. والثاني: لا يعطى؛ لأنه ليس من المقاتلين، والمراد: أنه يعطى كفايته وكفاية عياله اللائقة به في الحالة الراهنة. ويسقط من الديوان اسم من لم يرج زوال عذره، بخلاف المرجو. قال: (وكذا زوجته وأولاده إذا مات)؛ لئلا يشتغل المجاهدون بالكسب خشية ضياع أولادهم فيتعطل فرض الجهاد. وفي معنى الأولاد: من تجب نفقته كالوالدين وإن كانوا من أهل الذمة؛ لأن المقاتل هو الذي يأخذ، بخلاف ما سيأتي في زوجته الذمية بعده؛ لأنها عطية لها مبتدأة فمنعت هذا الذي يظهر في المسألتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يعطون؛ لأنهم ليسوا مقاتلين، والتابع يزول بزوال المتبوع، ووقع في (الكفاية): أن الرافعي قال: هذا القول أظهر، وهو وهم. وإفراد المصنف الزوجة وجمع الأولاد يوهم اعتبار الوحدة في الزوجة، والأصح: أنه يعطي الزوجات، بخلاف ما تقدم في العبيد. وإطلاقه يشمل الزوجة الذمية، ولم يصرحوا بها، والظاهر: أنها لا تعطى، وفيما إذا أسلمت بعد موته نظر، والظاهر: إلحاق أم الولد بالزوجة، وفيها بحث تقدم قريبًا. والمراد بإعطائهم: أن يعطوا ما يليق بهم في حالتهم تلك، لا جميع ما كان لأبيهم. فائدة: أخذ الشيخ من هذه المسألة: أن الفقيه أو المعيد أو المدرس إذا مات .. تعطى زوجته وأولاده مما كان يأخذ ما يقوم بهم، للعلة المذكورة، وهي الترغيب في الجهاد، فإن فضل المال عن كفايتهم .. صرف الباقي لمن يقوم بالوظيفة، فشرط الله في ماله أعظم من شرط الواقف في ماله ... ، وأطال في تقرير ذلك. ولك أن تفرق بينهما؛ بأن العلم محبوب للنفوس ولا يصد عنه راغب فوكل الناس فيه إلى ميلهم إليه، والجهاد مكروه للنفوس فيحتاج الناس في إرصاد أنفسهم له إلى

وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ إِذَا مَاتَ فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تَنْكِحَ، وَالأَوْلاَدُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا ـــــــــــــــــــــــــــــ التألف، وإلا .. فمحبة الزوجة والولد قد تصد عنه. قال: (فتعطى الزوجة حتى تنكح) والمراد: حتى تستغني بزوج أو إرث أو هبة أو وصية، فإن كانت ممن لا يُرغب في نكاحها .. أعطيت إلى أن تموت، وينبغي النظر في أنها لو خطبت ورغب في نكاحها الأكفاء فامتنعت .. هل يسقط بذلك حقها؟ لم أر من تعرض له، فإن كان الزوج الثاني مرتزقًا .. قدر لها قدر كفايتها تبعًا له. قال: (الأولاد حتى يستقلوا) أي: يبلغوا ويستقلوا بالكسب، فمن أحب إثبات اسمه في الديوان .. أثبت، وإلا .. قطع، فإن بلغوا مستمرين على العجز .. صرف لهم، والبنات يرزقن إلى أن ينكحن كالزوجة. فروع: مات بعد جمع المال وانقضاء المدة المضروبة للإعطاء من حول أو دونه فنصيبه لورثته أو بعد الجمع وقبل انقضاء المدة .. فلهم القسط كالإجارة. وقيل: لا كالجعالة أو عكسه، فظاهر النص - وقال به جماعة -: أنه لا شيء لهم. وينبغي للإمام أن يفرق أرزاق المجاهدين في كل سنة مرة، ويجعل له وقتًا معينًا، ويختار أن يكون أول المحرم، فلو رأى أن يفرق في كل ستة أشهر أو أربعة أو ثلاثة - قال الماوردي: أو كل شهر - جاز، ولا يبعض النفقة بالتفرقة في كل أسبوع، وفي وجه: لا يجوز أن يفرق إلا مرة واحدة في السنة كالزكاة، وغلَّط الماوردي قائله. قال: والعطاء يكون لما مضى؛ لأن أرزاقهم تجري مجرى الجعالة، ثم قال: ويقسم المأخوذ سواء كان ذهبًا أو فضة، والورق أخص بالعطاء من الذهب، إلا إذا

فَإِنْ فَضَلَتِ الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ .. وُزِّعَ عَلَيْهم عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُهُ فِي إِصْلاَحِ الثُغُورِ وَالسِّلاَحِ وَالكُرَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان الأغلب في مال الفيء أو كان الأغلب في المعاملات، ولا يعطي الفلوس وإن راجت. وقال الإمام: ذهب المحققون من الأصحاب العارفون بأحكام الإنالة: أنه لو أعد ذخيرة للجند .. لا يعترض عليه، وإذا أمرهم الإمام بالغزو .. وجب؛ لأنهم أخذوا الرزق لذلك، فإن امتنعوا من غير عذر .. سقطت أرزاقهم، وإذا أتى رجل يطلب إثبات اسمه في الديوان .. أجابه الإمام إن وجد في بيت المال سعة وفي الطالب أهلية، وإلا .. فلا، وإذا أراد ولي الأمر إسقاط بعضهم بسبب .. جاز، وبغير سبب .. لا يجوز، وإذا أراد بعضهم إخراج نفسه من الديوان .. جاز إن استغني عنه، ولا يجوز مع الحاجة إلا لعذر. قال: (فإن فضلت الأخماس الأربعة عن حاجات المرتزقة .. وزع عليهم على قدر مؤنتهم)؛ لأنها مختصة بهم، فيفعل في ذلك كما يفعل في المقرر لهم، فإن كان لواحد نصفه ولآخر ثلثه .. أعطاهم من الفاضل بهذه النسبة. وقال الإمام: إنه يوزع على عدد رؤوسهم بالسوية؛ لأن الحاجة قد زالت فاستووا فيه، قال: ويختص بذلك رجالهم دون الورثة. قال: (والأصح: أنه يجوز أن يصرف بعضه في إصلاح الثغور والسلاح والكراع) وهو الخيل؛ فإنهم قاموا في استحقاقه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. والثاني: المنع، بل يوزع كما تقدم، وصححه في (الكفاية). كل هذا تفريع على الأصح، وهو: أن الأربعة الأخماس مصروفة للمرتزقة، أما إذا قلنا: إنها للمصالح .. فما فضل يصرف في سائر المصالح، فإن فضل شيء ..

هَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ، فَأَمَّا عَقَارُهُ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُجْعَلُ وَقْفاً، وَتُقْسَمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ففي جواز صرفه إليهم وجهان، ويجوز صرفه إليهم عن كفاية السنة القابلة بلا خلاف. والقصد من هذا كله: أن الإمام لا يُبقي في بيت المال شيئًا من الفيء ما وجد له مصرفًا، فإن لم يجد .. ابتدأ في بناء رباطات ومساجد على حسب الرأي، وتأسى الشافعي رضي الله عنه في ذلك بالشيخين رضي الله عنهما؛ فإنهما ما كانا يدخران، بل كانا يصرفان كل سنة إلى مصارفه ولا يخبئان شيئًا؛ خوفًا من نازلة، فإن ألمت ملمة وتعين القيام بها .. خاطب أصحاب الثروة من المسلمين. قال: (هذا حكم منقول الفيء، فأما عقاره .. فالمذهب: أنه يجعل وقفًا، وتقسم غلته كذلك) أي: في كل عام أبدًا؛ لأنه أنفع لهم، هذا هو المنصوص، وتقابله أوجه: أحدها: أنه يصير وقفًا بنفس الحصول، كما ترق النساء والصبيان بنفس الأسر، ورجحه الماوردي. والثاني: أن المراد بالوقف منع التصرف لا الوقف الشرعي. والثالث: يقسم كالمنقول، أما ما حصل للمصالح .. فإنه لا تمكن قسمته استدامة للمصلحة، ووقع في (الكفاية): أن المصنف اختار هذا، وهو وهم؛ فإنه صحح في (التصحيح) ما في الكتاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: يجوز أن يكون عامل الفيء وهو الناظر فيه من أولي القربى. قال الماوردي: عامل الفيء إذا ولي وضع أموال الفيء وتقريرها .. اشترط أن يكون حرًا مسلمًا مجتهدًا عارفًا بالحساب والمساحة، وإن ولي جباية أمواله بعد تقريرها .. سقط الشرط الثالث، وإن ولي جباية نوع خاص من الفيء، فإن لم يستغن فيه عن استنابة .. اشترط إسلامه وحريته ومعرفة الحساب والمساحة؛ لما فيه من معنى الولاية، وإن استغنى عن الاستنابة .. جاز أن يكون عبدًا؛ لأنه كالرسول المأمور. وأما توليته الذمي، فإن كانت جباية من أهل الذمة كالجزية وعشر التجارة .. جاز، وإن كانت من المسلمين .. فوجهان: فال المصنف: أصحهما: المنع. وقال الشيخ: تجويز كونه ذميًا في الصورتين منكر، والصواب: أنه لا يجوز كونه ذميًا مطلقًا، وقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه غلام نصراني اسمه إسحاق، وكان يقول له: (أسلم حتى أستعملك؛ فإني لا أستعمل على المسلمين إلا مسلمًا). وروي: (أن أبا موسى الأشعري رفع إلى عمر رضي الله عنهما حسابًا استحسنه فقال: من كتب هذا؟ قال: كاتبي، قال: وأين هو؟ قال: على باب المسجد قال: أجنب هو؟ قال: لا ولكنه نصراني فقال: لا تأتمنوهم وقد خونهم الله، ولا تقرِّبوهم وقد بعدهم الله). ثم إذا فسدت ولاية العامل وقبض المال مع فسادها بريء الدافع؛ لبقاء الإذن، فلو نهي عن القبض بعد فسادها .. لم يبرأ الدافع إليه إن علم النهي، وإن جهله .. فوجهان كالوكيل.

فصل

فَصلٌ: الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنَ الكُفَّارِ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: الغنيمة: مال حصل من الكفار بقتال وإيجاف) أي: إيجاف خيل وركاب. (الغنيمة) من الغنم كما تقدم. وقوله: (ما حصل) يعم الكاب التي تقتنى، وسيأتي حكمها في (السير) حيث ذكرها المصنف. وفي بعض النسخ: (مال حصل)، وهي موافقة لقول (المحرر): الغنيمة المال الحاصل من الكفار، فتخرج الكلاب؛ فإنها ليست بغنيمة على الصحيح المنصوص كما سيأتي. وقال الإمام: ينبغي أن تكون الكلاب للجميع، كما أنَّ من مات وله كلب .. لا يستبد به بعض ورثته، واختاره الشيخ. وفرق ابن الرفعة بين الغنيمة والإرث؛ بأن الإرث سبب قوي لا يقبل الرد فامتنع الاختصاص، بخلاف الغنيمة، وهو فرق صحيح، لكنه لا يمنع أصل الإلحاق. وجلد الميتة قد يقال: إنه كالكلب؛ لعدم المالية وقد يقال: لا؛ لإمكان تطهيره. والمراد بـ (المال): الذي كانوا يملكونه، فإن كانوا أخذوه من المسلمين أو أهل الذمة واستولوا عليه .. وجب رده إلى أصحابه وليس بغنيمة؛ لأنهم لم يملكوه. ودخل في المال: النساء والصبيان؛ فإنهم يرقون بنفس الأسر كما سيأتي في (السير). وقوله: (حصل) المراد للمسلمين، أما ما حصل لأهل الذمة من أهل الحرب بقتال .. فالنص: أنه ليس بغنيمة ولا ينزع منهم. وقوله: (بإيجاف) خيل وركاب جرى فيه على الغالب، وإلا .. فما أخذ بقتال

فَيُقَدَّمُ مِنْهُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجالة وفي السفن غنيمة ولا إيجاف فيه، وكذا إذا التقى الصفان فانهزم الكفار قبل شهر السلاح وتركوا مالهم .. فهو غنيمة كما قاله الإمام. لكن قد يرد ما تركوه بسبب حصول خيلنا وركابنا في بلادهم وضرب معسكرنا فيها .. فالأصح: أنه ليس بغنيمة مع وجود الإيجاف، ثم لا فرق بين أن يكون الغزو بإذن الإمام أم لا على المشهور، وقيل: إن كان بغير إذنه .. لا يخمس. أما المسروق والمأخوذ اختلاسًا وعلى هيئة اللقطة .. فسيأتي في (كتاب السير) إن شاء الله تعالى: أن الأصح: أنها غنيمة، وينبني على ذلك عدم جواز وطء السراري اللواتي يؤتى بهن من الروم والهند ونحو ذلك؛ لأنهن لا يخمسن وسيأتي حكم ذلك في خاتمة (باب الاستبراء) إن شاء الله تعالى. فرع: إذا أهدى الكفار للمسلمين شيئًا، فإن كان ذلك والحرب قائمة .. فهو غنيمة لجماعة المسلمين، وإن كان بعد انقضائها أو قبل الخروج من دار الإسلام .. اختص بها من أهديت له، كذا نصه في (حرملة). وفي (أبي داوود) وغيره: أن عياض بن حمار أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية فردها عليه، وقال: (إنا لا نقبل زبد مشرك)، وقد قبل هدية المقوقس والنجاشي وأكيدر دومة. قال: (فيقدم منه) أي: من أصل المال (السلب للقاتل)، سواء شرطه الإمام أم لا؛ لما روى الشيخان عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل قتيلاً له عليه بينة .. فله سلبه). وروى أبو داوود: أن أبا طلحة قتل يومئذٍ عشرين قتيلاً وأخذ أسلابهم. وقال مالك وأبو حنيفة - ورواية عن أحمد -: لا يكون السلب للقاتل إلا بنداء الإمام بذلك. فإن قيل: روى مسلم عن عوف بن مالك: أن رجلاً من حمير قتل رجلاً من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العدو فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد وكان أميرهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد: (ما منعك أن تعطيه السلب؟) قال: استكثرته يا رسول الله، قال: (ادفعه إليه)، فمرَّ خالد بعوف بن مالك يجر رداءه ويقول: ألم أفِ لك؟ فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستغضب وقال: (لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركوا لي أمرائي!) فلو كان السلب مستحقًا .. لم يقل: لا تعطه .. فالجواب: أن هذا كان على سبيل التأديب. وقيل: حيث كانت العقوبة بالمال. وقيل: إن الغنائم كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكًا له يعطي منها ما أراد لمن أراد. ولا فرق في استحقاق السلب بين أن يقتل العدو في المبارزة، أو ينغمس في صف العدو فيقتله. وضابط مستحق السلب: كل من يستحق السهم في الغنيمة راجلاً كان أو فارسًا، والمذهب: أن العبد والمرأة والصبي يستحقونه، ولا يستحقه الذمي على المذهب، وإذا قلنا: لا تستحق المرأة فكان القاتل خنثى .. وقف السلب حتى يتبين. وإذا حضر الذمي بغير إذن الإمام .. فلا سلب له قطعًا، ولا سلب للمخذل قطعًا، والتاجر إذا قلنا: لا سهم له كالصبي. هذا إذا كان المقتول رجلاً، فإن كان امرأة أو صبيًا، فإن لم يقاتل .. فلا سلب؛ للنهي عن قتله، وإن قاتل .. استحق في الأصح، وألحق البغوي العبد بالمرأة، وقال الإمام: يستحق سلبه قطعًا، وليس القتل بشرط؛ لما سنذكره.

وَهُوَ: ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَالْخُفُّ والرَّانُ، وآلات الحَرْبِ كَدِرْعٍ وَسِلاَحٍ، وَمَرْكُوبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو: ثياب القتيل والخف والران، وآلات الحرب كدرع وسلاح، ومركوب)؛ لثبوت يده على ذلك كله، وسواء في المركوب ما كان راكبه أو نزل عنه لحاجة في القتال إذا كان عنانه بيده وهو يقاتل راجلاً إذا نزل، وفيه احتمال للإمام، لكن لو كان لمركوبه مهر يتبعه .. لم يدخل في السلب؛ لأنه منفصل، قاله ابن القطان في (فروعه). و (الران) براء مهملة ثم ألف ثم نون: خف يلبس للساق خاصة ليس له قدم، وعبارة (الروضة): رانات، قال الشيخ: ولم أره في كتب اللغة. وفي (تفسير القرطبي) في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم}: عن ابن عباس: أنه الران الذي يجعل تحت الخف، وهو غريب. و (درع الحديد) مؤنثة، قال ابن الأثير: وهي الزردية، وقد تقدم في (باب الرهن) الكلام على درع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها الدرع التي لبسها داوود حين قتل جالوت، وجمعها في القلة: أدرع وأدراع، فإذا كثرت .. فهي الدروع، وتصغيرها: دريع على غير قياس؛ لأن قياسه بالهاء. وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى: أن الدرع تذكر وتؤنث، ودرع المرأة قميصها مذكر، والجمع: أدراع. ومما يدخل في السلب بلا خلاف: المهماز ومرد الدابة. تنبيه: عبارته تقتضي: أن الخف والران ليسا من الثياب، وكذلك الدرع إذا كان لابسها، وهذا عكس ما قالوه فيما إذا أوصى بثيابه: أنه يدخل كل ما على بدنه، ومنها الخف والران والطيلسان. وفي (البيع) صرحوا بحرمة بيع السلاح للحربي وهو أعم من الدرع، وهنا غايروا بينهما، لكنه قال في (شرح مسلم) في حديث رهن الدرع من اليهود: فيه جواز

وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ، وَكَذَا سِوَارٌ وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ، وَنَفَقَةٌ مَعَهُ، وَجَنِيبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رهن السلاح من أهل الذمة، فسمى الدرع سلاحًا. وعد في (الذخائر) (الكبور) من السلاح، وهو: شيء يلبس من الحديد إلى حد السرة. وفي (المحكم): السلاح اسم جامع لآلة الحرب، وخص بعضهم به الحديد، وبعضهم به السيف وحده. قال: (وسرج ولجام)؛ لأن يده عليه حسًا؛ لما رواه أبو داوود من حديث عوف بن مالك في الرومي الذي خرج وعلى فرسه سرج مذهب، فاستكثره خالد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بدفعه إليه، وهذه الأمور لا خلاف فيها. قال: (وكذا سوار ومنطقة وخاتم، ونفقة معه، وجنيبة تقاد معه في الأظهر)، وكذلك الطوق؛ لأنها منسوبة إليه ومسلوبة بسببه وطمع المقاتل يمتد إليها، ولأن البراء بن مالك حين حمل على المرزبان وقتله .. أخذ منطقته وسواره فبلغت قيمتهما ثلاثين ألفًا، رواه الطبراني. ولما أتي عمر رضي الله عنه بسواري كسرى ألبسهما سراقة بن مالك وقال له: (استقبل القبلة وكبر، وقل: الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن مالك أعرابيًا من بني مدلج) فسماه عمر سلبًا. وسبب إلباسهما سراقة: أنه يوم فتح مكة حسر عن ذراعيه وكان أشعرهما فخجل، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (كأني بك وقد ألبست سواري كسرى) فأراد عمر تحقيق ذلك. ولأنه قد يحتاج إلى الجنيبة في الكر والفر، وقطع بعضهم فيها بالمنع كذوات الحمل. والثاني: أنها ليست سلبًا؛ لأنه ليس مقاتلاً بها فهي كثيابه وأمتعته المخلفة في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحله، ولأن عمر رضي الله عنه منع البراء بن مالك من أخذ المنطقة والسوار. وإذا جعلنا الجنيبة سلبًا .. ففي السلاح الذي عليها تردد للإمام، وإنما يستحق جنيبة واحدة، قاله أبو الفرج الزاز، قال المصنف: وفيه نظر، فإن تعددت .. قال الرافعي: فعلى هذا: ينبغي أن يرجع إلى تعيين الإمام أو يقرع، قال المصنف: الصواب المختار: أن القاتل يختار. أهـ وهذه الاحتمالات الثلاث ذكرها الإمام في (النهاية)، ولم يقف عليها الشيخان. واحترز بـ (النفقة التي معه) عن التي في خيمته؛ فإنه لا يستحقها كما سيأتي، وبقوله: (تقاد معه) عما أعدت لأن تجنب، وعما يحمل عليها ثقله؛ فإنه لا يستحقها، وهو أحسن من قول (المحرر) و (الشرح) بين يديه. وظن صاحب (الحاوي الصغير): أن هذا القيد للاحتراز عن الجنيبة التي تقاد خلفه، فقال: وجنيبة أمامه، وهو مردود؛ فلا فرق بين ما خلفه وأمامه، وتعليلهم بالاستعانة بها يوضحه. أما مملوكه الذي يجنبها .. فجزم القاضي أبو الطيب بأنه ليس سلبًا. قال الإمام: ولو كان سلاحه يحمله غلامه ويعطيه متى شاء .. كان ذلك السلاح بمنزلة الفرس المجنوب، ويجوز أن لا يكون كذلك. ولا فرق في السلب بين الجليل والحقير؛ لأن خالدًا باع سلاح الهرمزان بمئة ألف. قال الشافعي رضي الله عنه: وأما ما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يخمس ما استكثر من السلب .. فليس من روايتنا، وإذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه

لاَ حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى اَلْفَرَسِ عَلَى اَلْمَذْهَبِ. وَإِنَّما يَسْتَحِقُ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ اَلْحَرْبِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم - بأبي هو وأمي - شئ .. لم يجز تركه, ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا قلَّ ولا جلَّ. و (المنطقة): الحياصة, وأصله ما يشد به الوسط. قال: (لا حقيبة مشدودة على الفرس على المذهب)؛ إذ ليست من لباسه ولا حليته, ولا مشدودة على بدنه, ولا من حلية فرسه, ومراده: مع ما فيها من نقد ومتاع. والطريق الثاني: طرد القولين كالجنيبة, واختار الشيخ دخول ما فيها؛ لأنه إنما حملها على فرسه لتوقعه الاحتياج إليها. وهى بفتح الحاء المهملة وكسر القاف: وعاء يجمع فيه المتاع يجعل على حقو البعير, وجمعها: حقائب. قال نصيب يمدح (سليمان بن) عبد الملك (من الطويل): أقولُ لركبٍ صادرينَ لقيتُهم .... قِفا ذاتَ أوشال ومولاك قاربُ قفوا أخبرونى عن سليمانَ إِنني .... لمعروفهِ مِن أهل ودان طالبُ فعاجوا فأثنوا بالذي أنتَ أهلهُ .... ولو سكتوا أثنتْ عليكَ الحقائبُ ومعناه: إذا لم يذكروا إحسانك .. فما زودتهم به من الأمتعة التي وضعوها في الحقائب تثني عليك. ولو أعرض مستحق السلب عنه .. فسيأتي في (كتاب السير): أن الأصح: أنه لا يسقط حقه. قال: (وإنما يستحق بركوب غرر يكفي به شر كافر في حال الحرب)؛ لأن ذلك هو الباعث على الهجوم على قتل الكافر. ولأن عبد الله بن مسعود قتل أبا جهل وكان قد أثخنه شابان من الأنصار يوم بدر,

فَلَوْ رَمَى إِلَى حِصْنِ أَوْ مِنَ اَلْصًفً أَوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ وَقَدِ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ .. فَلاَ سَلَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهما معاذ ومعوِّذ ابنا عفراء, فدفع صلى الله عليه وسلم سلبه إليهما, وقيل: إلى أحدهما كما سيأتي, ولم يدفعه لابن مسعود. وقوله: (به) يعود على (ركوب) أو (على غرر) وهما سواء, ثم شرع المصنف في بيان ذلك, فقال: (فلو رمى إلى حصن أو من الصف أو قتل نائمًا أو أسيرًا أو قتله وقد انهزم الكفار .. فلا سلب)؛ لأنه في مقابلة التغرير بالنفس في القتل, ولم يوجد هاهنا من ذلك شيء, وهذا تفسير للقيد الأول من الضابط المتقدم. وقال أبو ثور: لا يشترط أن تكون الحرب قائمة, واختاره ابن المنذر؛ لحديث سلمة بن الأكوع في اتباعه بعض الكفار في غزوة حنين, وأخذه بخطام ناقته, فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه, قال ابن المنذر: وهذا الحديث لم يبلغ الشافعي رضي الله عنه؛ إذ لو بلغه .. لقال به؛ لما ظهر لنا من مذهبه. وفي (تعليق القاضي حسين): أن من أغرى كلبًا على مشرك فقتله .. استحق السلب؛ لأنه خاطر بروحه بصبره في مقاتلته حتى عقره الكلب. قال في (المطلب): وما قاله قد يخالف فيه. والمراد بـ (الأسير): من أسره غيره, أما من أسره هو .. فسيأتي.

وَكِفَايَةُ شَرِّهِ: أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة (المحرر): أو رمى من حصن أو من وراء الصف, وكذا كتبها المصنف, ثم ضرب على (وراء) , وفي (الروضة) و (الشرحين) الصورتان, فأتى بما ليس في أصله؛ ليفهم منه ما أصله من باب أولى. وفي معنى (النائم): المشتغل بالأكل, ونحوه. والمراد بـ (المنهزم): أن يكون غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة, فلو قتله وهو مول ليكر أو ليتحيز إلى فئة .. استحق سلبه؛ لأن الحرب كر وفر. وفي (التهذيب): إذا قاتله فهرب منه فقتله مدبرًا .. استحق, وصححه الإمام, ونقله الرافعي عن الأصحاب واقتصر عليه. أما لو قتل هذا المنهزم غير قرنه؛ فإنه لا يستحق سلبه واحد منهما, بخلاف ما لو كان الكافر يقاتل مسلمًا فجاء آخر من ورائه وقتله؛ فإن سلبه له, لأن أبا قتادة هكذا فعل, وقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلب. قال: (وكفاية شره: أن يزيل امتناعه)؛ لما روى الشيخان عن عبد الرحمن بن عوف في الغلامين اللذين قتلا أبا جهل, فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكما قتله؟) فقال كل منهما: أنا قتلته, فقال: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا, فنظر في السيفين وقال: (كلاكما قتله) فأعطى صلى الله عليه وسلم السلب للمثخن مع القاتل, فدل على: أن المناط كفاية الشر, وسيأتى في (كتاب الجنايات) - عند قوله: (وإن أنهاه رجل إلى حركة مذبوح) - وجهُ هذا الحديث والجواب عنه. والذي قاله المصنف أراد به تفسير القيد الثاني, وعبارة (المحرر): أن يقتله أو يزيل امتناعه, وكذا كتبه المصنف بخطه ثم ضرب عليها, فالذي في الكتاب أخصر, وعبارة (المحرر) أحسن؛ فإنه ذكر محل النص وألحق به ما في معناه. قال: (بأن يفقأ عينيه) قال الشيخ: كذا ذكره الأصحاب ويحتاج إلى دليل, فكم

أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ, وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ في الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أعمى شرٌّ من بصير, وعبارة (الروضة): بأن يعميه, وهي أحسن؛ لشمولها من بعين واحدة, ومن ضرب رأسه فأذهب ضوء عينيه. قال: (أويقطع يديه ورجليه) كذا نص عليه في (الأم). فإن قيل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل قتيلاً .. فله سلبه) , وما ذكرتموه ليس بقتيل .. قيل: الحديث خرج على الغالب؛ فإن الجارح غالبًا هو المذفف, وتؤيده قصة أبي جهل, أما إذا قطع اليد والرجل .. فلا؛ لأنه بعد القطع يمكنه المشي والركوب والقتال. قال: (وكذا لو أسره أو قطع يديه أو رجليه في الأظهر) , أما الأسر .. فلأنه أبلغ من القتل, والمراد: أنه أسره فقتله الإمام أو غيره؛ فإن سلبه للذي أسره, وأما القطع .. فكما لو فقأ عينيه. والثاني: لا, أما في الأسير .. فلأن شره كله لا يندفع به, وأما في الباقي .. فلأنه قد يقاتل راكبًا بعد قطع الرجلين بيديه, وبعد قطع اليدين بأن يهرب ويجمع القوم, والخلاف جار أيضًا: فيما لو قطع يدًا ورجلاً, وإذا قتله بعد أسره .. قال الرافعي لا يستحق سلبه, وقال الماوردي: إن كانت الحرب قائمة .. فله سلبه، وإلا .. فوجهان. فروع: اشترك اثنان فأكثر في قتله أو إثخانه .. فالسلب مشترك, وقيل: إن وقع بين جمع لا ترجى نجاته منهم .. لم يستحق قاتله سلبه؛ لأنه صار مكفي الشر, ولو أمسكه واحد وقتله آخر .. فالسلب بينهما؛ لأن كفاية شره حصلت بهما, ويخالف القصاص كما سيأتي. قال الرافعي: وكأن هذا التصوير فيما إذا منعه من أن يذهب لوجهه ولم يضبطه, فأما الإمساك الضابط .. فإنه أسر, وقتل الأسير لا يستحق به السلب. اهـ وقد تقدم: أن قتل الأسير على قسمين: أسير أسره غيره وأسير أسره هو,

وَلاَ يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَبَعْدَ الْسَّلَبِ تُخْرَجُ مِنْهُ مُؤْنَةُ الْنَّقْلِ وَالْحِفْظِ وَغَيْرِهِمَا, ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي: ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأول: لا خلاف أنه لا يستحق القاتل سلبه, والثاني الأظهر: أنه يملك سلبه بنفس الأسر. وقيل: لا يملك ففي كلام الرافعي إطلاق. ثم إن القاتل يستحق مع السلب سهمه من الغنيمة في الأصح. والثاني: إن كان السلب قدر السهم أو أكثر .. فلا شيء له غيره, وإن كان أقل منه .. تمم له قدر السهم. ولو ادعى رجل أنه قتل هذا القتيل وطلب سلبه .. لم يقبل إلا ببينة. قال: (ولا يخمس السلب على المشهور)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقائل ولم يخمسه, رواه أبو داوود, وصححه ابن حبان, وفي (صحيح مسلم) معناه. والثاني: يخمس كسائر أموال الغنيمة, فيدفع خمسه إلى أهل الخمس والباقي للقاتل؛ لأن عمر رضي الله عنه فعل ذلك في سلب البراء بن مالك, وهو أول سلب خمس في الإسلام وقد تقدم جوابه. قال: (وبعد السلب تخرج منه مؤنة النقل والحفظ وغيرهما)؛ لأنها أمور لازمة محتاج إليها, هذا إذا لم يوجد متطوع بذلك, فإن وجد .. لم يجز صرفها, قال الماوردى: ولا يزيد على أجرة المثل. قال: (ثم يخمس الباقي) هذا لا خلاف فيه, وهذه القسمة حق واجب على الإمام والمسلمين؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية. فإذا أخرج من ماله خمسه .. كان مقسومًا على خمسة, فيقسم المنقول بعد السلب والمؤن خمسة أقسام متساوية, وتؤخذ خمس رقاع يكتب على واحدة لله أو للمصالح وعلى الأربعة للغانمين وتدرج في بنادق من طين أو شمع متساوية ويخفيها ويخرج لكل

فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ كَمَا سَبَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سهم رقعة, فما خرج عليه سهم الله .. جعله بين أهل الخمس على خمسة, ويقسم الباقي بين الغانمين كما سيأتي. ويقدم القسمة بين الغانمين على قسمة الخمس؛ لأنهم حاضرون محصورون. وعبارة المصنف تفهم أنه ليس للإمام صرف بعضه في الكراع والسلاح, والأظهر في (الشرح) و (الروضة) خلافه. ولا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب, بل يستحب ذلك, بل قال صاحب (المهذب) وغيره: يكره تأخيرها إلى دار الإسلام من غير عذر. والصواب: استحباب التعجيل بقدر الإمكان لا خصوص القسمة في دار الحرب. قال: (فخمسه) أي: خمس المال الباقي (لأهل خمس الفيء يقسم كما سبق) أي: في الفيء, فيجعل خمسة أقسام متساوية, واحد منها للمصالح, والثاني لذوي القربى, والثالث لليتامى, والرابع للمساكين, والخامس لابن السبيل كما تقدم. فإن قيل: المذكور في الآية ستة, فهلا قسم الخمس عليها كما صار إليه بعض العلماء وجعل ما لله مصروفًا إلى رتاج الكعبة؟! قيل: السنة بينت أن المصارف خمسة. قال ابن عباس وابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة) , وعلى هذا: اسم الله ذكر للتبرك. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما لي مما أفاء الله إلا الخمس, والخمس مردود فيكم) فلو كان مقسومًا على ستة .. قال: إلا السدس.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ النَّفَلَ يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِح إِنْ نَفَلَ مِمَّا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ, وَيَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ,. ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: لو شرط الإمام للجيش ألا يخمس عليهم .. بطل شرطه ووجب تخميس ما غنموه, سواء شرط ذلك لضرورة أم لا، وقيل: إن شرطه لضرورة .. لم يخمس. قال: (والأصح: أن النفل يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح)؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه عن ابن المسيب أنه قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس, أي: خمس الخمس, وعن مالك بن أوس بن الحدثان: ما أدركت الناس ينفلون إلا من الخمس. والثاني: أنه من أصل الغنيمة, ويجعل ذلك كأجرة الكيال ونحوها, ثم يقسم الباقي. الثالث: من الأخماس الأربعة, ثم إذا نفل من خمس الخمس .. فلا كلام, وإن نفل من غيره .. فقد حصل النقص على الباقيين. و (النفل) بفتح النون والفاء مخففة وتسكن أيضًا. قال: (إن نفل ما سيغنم من هذا القتال)؛ وفاء بالشرط أو الوعد, ويغتفر الجهل به للحاجة, فيشترط الثلث أو الربع أو غيرهما. قال: (ويجوز أن ينفل من مال المصالح الحاصل عنده) بلا خلاف, وفي هذا لا تغتفر الجهالة, بل لا بد أن يكون معلومًا, وهذا لا يختص بالحاصل عنده, بل يجوز أن يعطي مما يتجدد منه. وضبط المصنف بخطه (نفل) بتخفيف الفاء؛ لأن معناه جعل النفل, وهو كذلك إذا عديته لواحد, ويجوز فيه التشديد إذا عديته إلى اثنين.

وَ (النَّفَلُ): زِيَادَةٌ يَشْرِطُهَا الإِمَامُ أَوِ الأَمِيرُ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ, وَيَجْتَهِدُ فِي قَدْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (و (النفل): زيادة يشرطها الإمام أو الأمير لمن يفعل ما فيه نكاية في الكفار) كالتقدم طليعة, أو الهجوم على قلعة, أو الدلالة عليها, سواء كان ذلك واحدًا أو جماعة, معينًا أو غيره, كمن فعل كذا فله كذا, والمراد: نكاية زائدة على ما يفعله بقية الجيش, وهذا أحد قسمي النفل. والثاني: ينفل من صدر منه أثر محمود كمبارزة وحسن إقدام, ولكن هنا يتعين من سهم المصالح مما عنده, أو من هذه الغنيمة. و (النفل) في اللغة: الزيادة, وبذلك سميت النافلة؛ لأنها زيادة على الفريضة. قال: (ويجتهد في قدره) وذلك بحسب كثرة العمل وقلته وخطره وضده؛ لأنه ليس له حد مضبوط, لكن يجتهد فيه ويجعله على قدر العمل. روى الترمذي وابن ماجه عن عباده بن الصامت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البداءة الربع, وفي الرجعة الثلث). والمراد بـ (البداءة): السرية التي يبعثها الإمام قبل دخول دار الحرب, و (الرجعة): السرية التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش إلى دار الإسلام. وفي (الصحيحين): (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفلهم بعيرًا بعيرًا) , والبعير غير مقدر, وكانت سهمانهم اثني عشر بعيرًا, وهذا معنى قول ابن عمر: نفلنا نصف السدس أي: نصف سدس السهم, ولذلك قال الرافعي: تجوز الزيادة على الثلث والنقص عن الربع بحسب الإجتهاد. فلو قال الإمام أو الأمير: من أخذ من الغانمين شيئًا فهو له .. فعن الأئمة الثلاثة: أن ذلك يصح, وللشافعي رضي الله عنه قول بذلك, وصححه ابن الفركاح, والمعروف عندنا: أنه لا يصح. احتج من أجازه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ذلك يوم بدر,

وَالأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا لِلْغَانِمِينَ, وَهُمْ: مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب: أن غنائم بدر كانت ملكًا له صلى الله عليه وسلم. قال: (والأخماس الأربعة عقارها ومنقولها للغانمين)؛ للآية, وعملاً بفعله صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر. وروى البيهقي بسند صحيح: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغنيمة فقال: (لله خمسها, وأربعة أخماسها للجيش؛ فما أحد أولى به من أحد). وخالف مالك فقال بوقفها. وقال أبو حنيفة وسفيان وأبو عبيد وغيرهم: يتخير الإمام بين قسمتها على الغانمين ووقفها. قال: (وهم: من حضر الوقعة بنية القتال وإن لم يقاتل)؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: الغنيمة لمن شهد الوقعة, قال الماوردي ولا مخالف لهما من الصحابة. والمراد ممن يسهم له, وإلا .. فالعبد والمرأة والصبي والكافر ليسوا منهم وإن شملهم هذا الضابط, ولعل إهماله له؛ لكونه معلومًا. قال الشيخ: ويحتمل إبقاء كلام المصنف على عمومه, ومن يرضخ لهم هم من جملة الغانمين فلا حاجة إلى إخراجهم؛ لأن الأصح: أن الرضخ من الأخماس الأربعة. واحترز بقوله: (بنية القتال) عما إذا هرب أسير من أيدي الكفار وحضر الصف لخلاص نفسه لا بنية القتال؛ فإنه لا يستحق إلا إذا قاتل, وكذا الغلمان ونحوهم ممن ينوي القتال وما قاتل, ولكن يرد على المصنف المخذل والمرجف إذا فرضت النية مع ذلك مع أنهما لا يستحقان سهمًا ولا رضخًا كما تقدم, فإن لم تكن نية .. فلا إيراد حينئذ.

وَلاَ شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ, وَفِيمَا قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ وَجْهٌ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالْحِيَازَةِ .. فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا شيء لمن حضر بعد انقضاء القتال)؛ لأن الله تعالى جعل الغنيمة لمن غنم وهذا لم يغنم, ولأن أبان بن سعيد بن العاصي كان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على سرية من المدينة قبل نجد, فقدم هو وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحها فلم يقسم لهم بعد ما سأله أبان القسم. أما أبو هريرة فقسم له النبي صلى الله عليه وسلم منها؛ لأنه حضرها على الأصح كما رواه البخاري وغيره, لكن البخاري رواه بنزول؛ لأنه لم يجد الزيادة التي تدل على ذلك إلا كذلك كما نبه عليه الخطيب والشيخ وغيرهما. قال: (وفيما قبل حيازة المال وجه)؛ لأنه لحق قبل تمام الاستيلاء فيستحق, كذا في (المحرر): أنه وجه, وفي (الروضة): أنه قول, ولم يرجح في (الشرح) واحدًا منهما. وفي وجه ثالث: أنه إن خيف رجعة الكفار .. استحق, وإلا .. فلا. والخلاف الأول راجع إلى أن الغنيمة تملك بانقضاء الحرب أو به وبالحيازة, فعلى الوجه الأول: لا يستحق, وعلى الثاني: يستحق, قاله ابن الرفعة. و (الحيازة) و (الحوز): الجمع والضم, حازه يحوزه واحتازه. قال: (ولو مات بعضهم بعد انقضائه والحيازة .. فحقه لوارثه) كسائر الحقوق, وهذا على قولنا: إنه ملك بالانقضاء أو بالحيازة واضح, وأما على قولنا: لا يملك إلا بالقسمة أو باختيار الملك على ما هو الصحيح في (السير) .. فجوابه: تأكد حقه بهما, فانتقل لوارثه ذلك الحق, فقول المصنف والرافعي في كتبهما: (فحقه لوارثه) عبارة مخلصة؛ لشمولها المال وغيره.

وَكَذَا بَعْدَ الِانْقضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ فِي الْقِتَالِ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَهُ لاَ شَيْءَ لَهُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الأَجِيرَ لِسِياسَةِ الْدَّوَابِّ وَحِفْظِ الأَمْتِعَةِ, وَالْتَاجِرَ وَالْمُحْتَرِفَ يُسْهَمُ لَهُمْ إِذَا قَاتَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا بعد الانقضاء وقبل الحيازة في الأصح) هما مبنيان على القولين السابقين, فإن قلنا: إنها تملك بانقضاء الحرب .. فنعم, أو به وبالحيازة .. فلا. قال: (ولو مات في القتال) أو في أثنائه (.. فالمذهب: أنه لا شيء له) هذا هو المنصوص, ونص في موت الفرس على أنه يستحق سهمها, والأصح: تقريرهما؛ لأن الفارس متبوع والفرس تابع, فإذا مات التابع .. أخد المتبوع سهمه, وإذا مات المتبوع .. فلا شيء له. وقبل: قولان, وجه الاستحقاق شهود بعض الوقعة, ووجه المنع اعتبار آخر القتال؛ فإنه وقت الخطر أو الظفر. والطريق الثالث: إن حصلت الحيازة بذلك القتال .. ثبت الاستحقاق, أو بقتال جديد .. فلا. ولو حضر الوقعة صحيحًا فمرض .. استحق, سواء كان مرضًا يرجى زواله أو لا على الأصح. وأطلق في (التنبيه) عدم الاستحقاق بطروء المرض, وأقره المصنف عليه. وطرآن الجنون كالموت في إسقاط السهم, وفي طروء الإغماء وجهان بناء على أنه هل يقضي الصوم أو لا إذا أغمي عليه, فإن قلنا يقضي .. أسهم له, وإلا .. فلا. ولو بعث الإمام جاسوسًا فغنم الجيش قبل رجوعه .. شاركهم على الأصح, لأنه فارقهم لمصلحتهم, وخاطر بأعظم مما هو من شهود الوقعة. قال: (والأظهر: أن الأجير لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة, والتاجر والمحترف يسهم لهم إذا قاتلوا)؛ لأنهم شهدوا الوقعة وكثروا سواد المسلمين, فلم يكن لحرمانهم معنى. والثاني: لا يسهم لهم؛ لأنهم لم يحضروا بقصد الجهاد ولم يقاتلوا, هذه طريقة الغزالي وبعض الأصحاب.

وَللرَّاجِلِ سَهْمٌ, وَلِلْفَارِسِ ثَلاَثَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والطريقة الثانية - وهي طريقة القاضي أبي حامد -: أن القولين في التجار والمحترفين إذا لم يقاتلوا, فإن قاتلوا .. استحقوا قولاً واحدًا. وفي الأجير قول ثالث: إنه يخير بين الأجرة وسهم الغنيمة, إن إختار الأجرة .. فلا سهم له, وإن اختار السهم .. سقطت الأجرة. والأظهر في الجميع: الاستحقاق كما قاله المصنف, وأضعفها القول الثالث في الأجير؛ فإن الإجارة عقد لازم فكيف يخير فيها؟ ومتى يخير فبل شهود الوقعة أو بعده؟ فإذا قيل بسقوط الأجرة .. فهل هي أجرة جميع المدة أم كيف الحال؟ ومحل الخلاف حيث قاتلوا, فإن لم يقاتلوا .. لم يسهم لهم قطعًا. وأشار بـ (سياسة الدواب) إلى الإجارة المتعلقة بمدة كشهر مثلاً وحضر في تلك المدة؛ ليخرج العمل في الذمة بغير مدة كخياطة .. فله السهم قطعًا. واحترز به عن الأجير للجهاد حيث تصح الإجارة له فلا سهم له .. ولا رضخ, وإلا .. ففي السهم وجهان: قطع البغوي بالمنع وإن قاتل, ورجحه في (الشرح الصغير) , وإذا قلنا: لا يسهم للتاجر .. فالأصح: أنه يرضخ له. فرع: أسلم كافر والتحق بجند الإسلام .. استحق السهم قاتل أو لم يقاتل؛ لأنه قصد إعلاء كلمة الله وشهد الوقعة فيقبح حرمانه. وعن (الرقم) للعبادي: أنه إن قاتل .. استحق, وإلا .. فلا. قال الرافعي: وأصل هذه المسألة: أن القصد إلى الجهاد هل هو شرط في الابتداء؟ واختلاف جواب الأئمة يوجب الخلاف في ذلك, قال الرافعي: وينبغي طرد الأقوال فيه. والذي بحثه الرافعي حكاه القاضي والإمام طريقة. قال: (وللرجل سهم, وللفارس ثلاثة) وإلى هذا ذهب جمهور الصحابة

وَلاَ يُعْطَى إِلاَّ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتابعين, وبه قال مالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام والليث وأهل مصر وأحمد وأهل الحديث. وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان: سهم له وسهم للفرس, وسبقه إلى ذلك أبو موسى الأشعري. لنا: ما رواه البخاري عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا هكذا رواه عبيد الله المصغر وهو المكبر ضبطًا وحفظًا. وفي رواية لأبي داوود: (أنه صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه). وروى عبد الله المكبر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا). والمعنى في إعطاء سهمين للفرس: ما يتكلفه الفارس من فضل النفقة على فرسه. والمراد بـ (الفارس): من حضر الوقعة وهو من أهل فرض القتال بفرس يقاتل عليه مهيأ للقتال, سواء قاتل أم لا, وكذلك لو قاتل في البحر يسهم لفرسه؛ لأنه ربما احتاج إليه, وحمله ابن كج على من بقرب الساحل واحتمل أن يخرج ويركب, وإلا .. فلا. ولا يجوز عندنا أن يفضل بعض الفرسان على بعض, ولا بعض الرجالة على بعض, وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز للإمام أن يفعل ذلك. قال: (ولا يعطى إلا لفرس واحد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس واحد وكان معه يوم حنين أفراس , رواه الشافعي رضي الله عنه وغيره.

عَرَبِيّاً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (الرافعي): (يوم خيبر) بالراء, والصواب: (حنين) بالنون, فأعطاه أربعة أسهم سهمين لفرسه, وسهمًا لنفسه, وسهمًا لذوي القربى؛ أي: لأمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي قول غريب: إنه يعطى لفرسين بلا زيادة؛ لما روى سعيد بن منصور, عن الأوزاعي مرسلاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسهم للرجل فوق فرسين). قال: (عربيًا كان أو غيره)؛ لأنه تعالى قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} فلم يفرق بين العربي وغيره, ولم يرد في شيء من الأحاديث تفرقة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم) , و: (أذن في لحوم الخيل) متفق عليهما. ولأنا سوينا بين الناس وهم مختلفون اختلافًا كثيرًا, ولأن الكر والفر صالح بكلها, ولا يضر تفاوتها كتفاوت الفرسان في الشجاعة والرأي, ولعموم قوله عليه السلام: (للفرس سهمان). وفي قول شاذ: أنه لا يسهم للبرذون؛ لأنه لا يعمل عمل العربي. وروى مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (عربوا العربي وهجنوا الهجين) وهو مرسل لا تقوم به الحجة. وعن عمر رضي الله عنه: أنه فضل العربي على الهجين, ولا يصح, قال الشافعي رضي الله عنه: لو كنا نثبت مثل هذا .. ما خالفناه. أصح الروايتين عن أحمد: أنه لما سوى العربي سهم لا سهمان, وهذا لا دليل

لاَ لِبَعيرٍ وَغَيْرِهِ. وَلاَ يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ وَمَا لاَ غِنَاءَ فِيهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ له, وإطلاق حديث ابن عمر يرده ويرد القول قبله. وغير العربي (برذون) وهو: من أبواه أعجميان, و (هجين) وهو: من أبوه عربي, و (مقرف) وهو: من أبوه عجمي وأمه عربية, وبنو آدم كذلك. وقل من تعرض لسن الفرس الذي يسهم له, لكن في كلام الرافعي في (المسابقة): أنه الجذع أو الثني على الأصح. قال: (لا لبعير وغيره) كالبغل والفيل والحمار؛ لأن هذه الدواب لا تصلح لما تصلح له الخيل من الحرب, ولأن الإرهاب إنما يكون بالخيل, وحكى الإمام وصاحب (الشامل) فيه الإجماع. لكن في (الشامل) عن الحسن البصري: أنه يسهم للإبل؛ لقوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} إلا أن راكب هذ الدواب يعطى سهمه ويرضخ لها, ويكون رضخ الفيل أكثر من رضخ البغل, ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار, ويرضخ للصبي والذمي أكثر ما يرضخ لو كانا راجلين. وقال أحمد: لراكب الفرس ثلاثة أسهم, ولراكب البعير سهمان, ولغيرهما سهم. قال: (ولا يعطى لفرس أعجف وما لا غناء فيه)؛ لعدم الفائده في إحضاره, بل هو كَلٌّ على مولاه, بخلاف الشيخ من الناس؛ فإنه ينتفع برأيه ودعائه. و (الأعجف): المهزول, وليس المراد كل أعجف, إنما المراد: الأعجف البين. و (الغناء) بفتح الغين وبالمد: النفع, ولو اقتصر المصنف عليه .. كفى؛ لأن الأعجف لا غناء فيه.

وَفِي قَوْلِ: يُعْطَى مَا لَمْ يُعْلَمْ نَهْيُ الأَميِرِ عَنْ إِحْضَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: يعطى ما لم يعلم نهي الأمير عن إحضاره) كالشيخ الهم الضعيف إذا حضر, وقد تقدم الفرق, والمراد بعدم إعطائه: السهم, وإلا .. فيرضخ له. هذا إذا حضر بالصفة المذكورة, فإن أحضره صحيحًا ثم طرأ له العجف .. فكطروء موته, بل أولى بالاستحقاق, وإن أحضره أعجف فصح .. فينبغى أن يقال: إن كان حال حضور الوقعة صحيحًا .. أسهم له, وإلا .. فلا. فروع: يسهم للمستعار والمستأجَر, ويكون للمستعير والمستأجر, وقيل: سهم المستعار للمعير. والأصح: أنه يسهم للفرس المغصوب؛ لحصول النفع به. وقيل: لا؛ لأن إحضاره حرام. وعلى الأصح: هل هو للمالك أو الراكب؟ قولان: أصحهما عند الرافعي: الثاني؛ لأن الراكب هو الذي أحضره وشهد به الوقعة, وصحح الشيخ الأول؛ لأن منافع الفرس وفوائده للمالك, وقول الصحابة: (أسهم النبي صلى الله عليه سلم للفرس سهمين) جعلوا السهمين للفرس. ونظير المسألة ما لو غصب كلبًا أو شبكة أو قوسًا واصطاد بها .. فالأصح: أن الصيد للغاصب, وعليه أجرة المثل للمالك. ولو حضرا بفرس مشترك فهل يعطى كل منهما سهم فرس أو لا يعطيان؟ أو يعطيان سهم فرس مناصفة؟ أوجه: صحح المصنف والشيخ الثالث, فلو ركبا .. فقيل: كفارس, وقيل: كراجلين. وقيل: لهما أربعة أسهم: سهمان لهما وسهمان للفرس, وصححه الشيخ. وقيل: إن قوي بهما على الكر والفر .. فأربعة, وإلا .. فسهمان, واستحسنه المصنف.

وَالْعَبْدُ وَالْصَّبِىُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْذِّمِّيُّ إِذَا حَضَرُوا .. فَلَهُمُ الْرَّضْخُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن دخل دار الحرب راجلاً فحصل فيها فرسًا بشراء أو غيره .. أسهم له ولفرسه. ولو كان له فرس ولم يعلم به .. أسهم له, وقال ابن كج: عندي يسهم له إن كان يمكنه ركوبه. ولو عار فرسه فلم يجده إلا بعد الحرب .. لم يسهم له على الصحيح. قال: (والعبد والصبي والمرأة والذمي إذا حضروا .. فلهم الرضخ) سواء أذن أولياؤهم والزوج أم لا؛ لما روى أبو داوود وغيره عن عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت خيبر مع سادتي, فكلموا فيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمر بي فقلدت سيفًا فإذا أنا أجره, فأخبر أني مملوك, فأمر لي من خُرثي المتاع, قال الترمذي: حسن صحيح. و (الخرثي): متاع البيت وأثاثه وأسقاطه, والرضخ لسيد العبد وإن لم يأذن له. وروى البيهقي مرسلاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى النساء والصبيان). ولم يذكروا المبعض, ويحتمل أن يجعل كالعبد أو كالحر, والأقرب: أنه إن كان له مهايأة وحضر في نوبته .. استحق, وإلا .. فلا, كل هذا في صبيان المسلمين ونسائهم. أما صبيان أهل الذمة .. ففيهم أوجه: يرضخ لهم, لا يرضخ لهم, يرضخ لهم إن نفعوا المسلمين, ثم محل الرضخ للمذكورين إذا كان فيهم نفع, فإن لم يكن .. ففيه تردد للأصحاب حكاه الإمام. وشملت عبارة المصنف: ما لو إنفرد الصبيان والنساء والعبيد ودخلوا دار الحرب وغنموا مالاً, لكن الأصح: أنه يخمس ويقسم الباقي بينهم كالرضخ.

وَهُو: دُونَ سَهْمٍ يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي قَدْرِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان معهم واحد من أهل الكمال .. أرضخ لهم والباقي لذلك الكامل. وأما المرأة .. ففي (صحيح مسلم): (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرضخ للنساء). وفي (أبي داوود) عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن النساء, فكتب: أنه كان يرضخ لهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والخنثى كالمرأة, فإذا بانت رجولته .. صرف له سهم الراجل. قال الإمام: ولا يرضخ للمجنون اتفاقًا, وقال الماوردي: يرضخ له كالصبي. وحكى الإمام في الرضخ للمرأة والصبي اللذين لا نفع فيهما ترددًا للأصحاب, قال: والقياس المنع. ويرضخ للأعمى والزمن ومقطوع اليدين والرجلين, وقيل: يسهم لهم, وهذا الرضخ مستحق على المشهور, وقيل: مستحب. قال: (وهو: دون سهم). و (الرضخ) في اللغة: هو العطاء القليل, وفي الشرع: ما ذكره المصنف. واتفقوا على أنه لا يصل إلى سهم راجل إن كان الذي يرضخ له راجلاً, فإن كان فارسًا فهل يبلغ به سهم الراجل؟ فيه وجهان يبنيان على الخلاف في جواز أن يبلغ بتعزير الحر حد العبيد , والمنع أظهر عند الماوردي, وقطع به في (السير). قال: (يجتهد الإمام في قدره) , لأنه لم يرد فيه تحديد, فيرجع إلى رأي الإمام, ويفضل بعضهم على بعض على حسب ما يرى من نفعهم وقتالهم, فالمقاتل يزيده على غير المقاتل, والأكثر قتالاً على الأقل, والمرأة التي تداوي الجرحى

وَمَحَلَّهُ: الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: إِنَّمَا يُرْضَخُ لِذِمِّىِّ حَضَرَ بِلاَ أُجْرَةٍ, وَبِإِذْنِ الإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ, وَاللهُ أَعْلَمُ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتسقي العطشى يزيدها على التي تحفظ الأمتعة, بخلاف الغنيمة التي يسوى فيها بين المقاتل وغيره؛ لأن الغنيمة منصوص عليها والرضخ مجتهد فيه فجاز أن يختلف, كدية الحر لما كانت منصوصًا عليها .. لم تختلف, وقيمة العبد مجتهد فيها فاختلفت. قال: (ومحله: الأخماس الأربعة في الأظهر)؛ لأنه سهم من الغنيمة مستحق بالحضور, إلا أنه ناقص فكان من الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين الذين حضروا الوقعة. والثاني: أنه من أصل الغنيمة كأجرة النقل والحفظ والحمل؛ لأن حضورهم لمصلحة الغنيمة والغانمين, لأنهم يسقون الماء ويحفظون الرحال ويكفون المؤن فيتفرغ الغازون لشأنهم. والثالث: أنه من خمس الخمس سهم المصالح؛ لأنهم ليسوا من أهل أربعة أخماس الخمس ولا هم بصفات الغانمين, فكان الدفع إليهم من المصالح. هذا في العبيد والصبيان والنساء, أما أهل الذمة .. ففيهم طريقان: أصحهما: أنهم كذلك, وعلى هذا: يصح ذكر المصنف الذمي معهم. والثانية: القطع بأنهم يعطون من خمس الخمس؛ لأنهم يعطون لمجرد المصلحة وغيرهم لحضور الوقعة, واختار الشيخ هذه الطريقة, قال: وكيف يقال بأن الذمي يستحق من الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين وهم المسلمون؟ وحيث قلنا: الرضخ من أصل الغنيمة .. فنبدأ به كما نبدأ بالسلب. قال: (قلت: إنما يرضخ لذمي حضر بلا أجرة, وبإذن الإمام علي الصحيح والله أعلم) فإن حضر بأجرة .. فله الأجرة فقط, ولا رضخ له بلا خلاف؛ لأنه أخذ عن حضوره بدلاً فلا يقابل ببدل آخر, وإذا حضر بغير إذن الإمام .. لم يرضخ له عند الجمهور. وإطلاق المصنف الذمي يدخل فيه الرجل والمرأة والصبي وهو كذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: أن نساء أهل الذمة إذا حضرن بإذن الإمام .. كان لهن الرضخ. تتمة: لو زال نقصان أهل الرضخ قبل انقضاء الحرب بأن أسلم الكافر وبلغ الصبي وعتق العبد .. أسهم له, وإن كان بعده فقال الماوردي: ليس له إلا الرضخ, وقال الرافعي: ينبغي أن يأتي في الزوال بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة المال الخلاف الآتي فيمن حضر من أهل الكمال بينهما. ولو بانت رجولية الخنثى .. قال البندنيجي: يستحق السهم من حين البيان. * * * خاتمة في (فتاوى المصنف): أن السلطان إذا أعطى رجلاً من الجند من المغنم شيئًا: فإن لم يكن السلطان خمسه ولم يقسم الباقي قسمة شرعية .. وجب الخمس في الذي صار إلى هذا, ولا يحل له الانتفاع بالباقي حتى يعلم أنه حصل لكل من الغانمين قدر حصته من هذا. فإن تعذر عليه صرف ما صار إليه إلى مستحقه .. لزمه دفعة إلى القاضي كسائر الأموال الضائعة, هذا إذا لم يعطه ذلك على سبيل النفل بشرطه. وعمت البلوى بالغنائم التي يغنمها السلاجقة من الأتراك والمسلمون من النصارى بثغور الشام, وسيأتى في آخر (باب الاستبراء) ما قاله الشيخ أبو محمد والقفال في ذلك, والله أعلم.

كتاب قسم الصدقات

كتابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب قسم الصدقات (القسم) بالفتح مصدر كما تقدم، وبالكسر: النصيب، والصدقات: جمع صدقة، سميت بذلك؛ لإشعارها بصدق باذلها. والمراد هنا: الزكوات الواجبة، وأما زكاة التطوع .. فأفردها بفصل وجمعها؛ لاختلاف أنواعها والمزني والأكثرون ذكروه في هذا الموضع؛ لأن كلاً من مال الفيء والغنيمة والزكاة يتولى الإمام جمعه، وذكره الشافعي رضي الله عنه في (الأم) في آخر (الزكاة)، وتابعه عليه جماعة منهم المصنف في (الروضة) وهو أحسن. وافتتحه في (المحرر) بقوله تعالى: {إِنَمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ} الآية فعلم من الحصر بـ (إنما): أنها لا تصرف لغيرهم وذلك مجمع عليه، وإنما وقع الخلاف في وجوب استيعابهم. وفي (سنن أبي داوود) و (الترمذي) و (ابن ماجه) من حديث زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فجاءه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزَّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء .. أعطيتك حقك). وأضاف الزكاة إلى الأصناف الأربعة الأول بلام التمليك، وإلى الأربعة الأخر بفي الظرفية، ففي الأول: إشعار بإطلاق الملك وعدم الحجر، وفي الثاني: إشعار بأن الصرف في فك الرقاب، ووفاء دين الغارمين، وإعانة الغزاة وابن السبيل. فإذا لم يحصل الصرف في هذه المصارف .. استرجع، بخلاف الأربعة الأولى؛ فإن المقصود تمليكهم فلهم صرفها في أي جهة أرادوا؛ لحصول الغرض، حتى لو

(الْفَقِيرُ): مَنْ لاَ مَالَ لَهُ ولاَ كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهبوها .. جاز ولا ينافيه حكمنا بالملك للأربعة الأخيرة؛ لأنه ملك مقيد لا مطلق، بخلاف الأربعة الأول. قال: (((الفقير): من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من حاجته) رتب المصنف الأصناف الثمانية بحسب ترتيبهم في الآية الكريمة، فبدأ بـ (الفقير) وهو مما يستأنس به؛ لأنه أسوأ حالاً من المسكين، لأن من شأن العرب البداءة بالأهم فالأهم. وبدأ في (التنبيه) بالعامل؛ لأنه يقدم في القسم على الأصح لكونه يأخذ عوضًا. قوله: (يقع) أي: المذكور، وهو المال والكسب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاحظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب) رواه أحمد وأبو داوود. ولفظ (الفقير) مشتق من كسر الفقار الذي في الظهر، وفي معناه من يملك ما لا يقع موقعًا من كفايته، والمراد: الكفاية في المطعم والمسكن والملبس وما لابد منه على ما يليق بحاله ومن في نفقته من غير إسراف ولا تقتير، كمن يحتاج إلى عشرة فيجد درهمين ولا يمكنه أن يكتفي بهما ولا أن يكتسب، ولا فرق عندنا بين أن يكون يملك نصابًا من المال أو لا، فقد يكون النصاب لا يقع موقعًا من كفايته. وعند أبي حنيفة الغني من يملك نصابًا زكويًا، وأحمد: من يملك خمسين درهمًا أو ما قيمته خمسون؛ لما روى الدارمي وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من سأل وعنده ما يكفيه .. فإنما يستكثر من النار) قالوا: ما يكفيه؟ قال: (خمسون درهمًا أو ما يساوي خمسين درهمًا). أما الذي له كسب تزول به ضرورته .. فليس بفقير، وإنما جعلنا الكسب كالمال؛ للحديث المذكور، فلو مرض المكتسب أو لم يجد من يستعمله .. فهو فقير، ولم يجعلوا الغني بالكسب كالمال فيما يجب عليه كالحج ونفقة القريب، بل فيما يجب له.

وَلاَ يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ وَثِيَابُهُ، وَمَالُهُ الْغَائِبُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا فقير الزكاة، أما فقير العرايا .. فمن لا نقد معه كما تقدم، وفي العاقلة: من لا يملك ما يفضل عن كفايته على الدوام لا من لا يملك شيئًا أصلاً كما قاله ابن الرفعة هناك. قال: (ولا يمنع الفقر مسكنه) أي: المملوك له (وثيابه) التي يلبسها للتجمل وإن تعددت إذا احتاج إليها، وكذا العبد الذي يحتاج إلى خدمته. قال الشيخ: وإطلاق المسكن والثياب يقتضي أنه لا فرق بين اللائق وغيره؛ لأنه إذا ألفها .. شق عليه بيعها، وفيه نظر. قال الرافعي: ولم يتعرضوا لعبده المحتاج إلى خدمته، وهو في سائر الأصول كالمسكن، قال المصنف: صرح ابن كج بأنه كالمسكن، وهو متعين. ولو كان عليه دين .. قال الرافعي: يمكن أن يقال: لا عبرة بما يوفيه به كما في نفقة القريب والفطرة، وفي (فتاوى البغوي): لا يعطى بالفقر حتى يصرفه في الدين، واختاره الشيخ. ولو لم يكن عبد ولا مسكن واحتاج إليهما ومعه ثمنهما .. قال الشيخ: لم أر فيه نقلاً، ويظهر أنه كوفاء الدين، فلو اعتاد السكن بالأجرة أو في المدرسة .. فالظاهر خروجه عن اسم الفقر به، وعن الإمام: أن ملك المسكن والخادم لا يمنع اسم المسكنة، بخلاف اسم الفقر. قال: (وماله الغائب في مرحلتين) فله الأخذ إلى أن يصل إليه؛ لأنه معسر الآن، وهذا نقله الرافعي عن البغوي، والبغوي قاسه على فسخ المرأة النكاح لغيبة

وَالْمُؤَجَّلُ، وَكَسْبٌ لاَ يَلِيقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مال الزوج مرحلتين، وهو في (تعليق القاضي حسين) مخرج من نصه أن من ماله غائب .. يدفع إليه من سهم ابن السبيل إلى أن يصل إليه، وهو ضعيف نقلاً وتوجيهًا. أما النقل .. فالذي يقتضيه كلام الجمهور أنه يعطى من سهم ابن السبيل لا من سهم الفقراء؛ لأنه لا يعطى كفاية سنة ولا كفاية العمر الغالب بالاتفاق، بل ما يوصله إلى ماله أو ما يكفيه إلى أن يأتيه ماله، فهو كابن السبيل. وأما التوجيه .. فلأنه غني شرعًا وعرفًا فكيف يعطى من سهم الفقراء ويصدق عليه اسم الفقير؟! نعم؛ إن كان قد حيل بينه وبين ماله كالمهاجرين الذين قال الله في حقهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأَمْوَالِهِم} .. احتمل ذلك، بل لا تشترط في أولئك مسافة القصر، حتى لو كان ماله في البلد وقد حيل بينه وبينه .. فهو في حكم الفقير. قال: (والمؤجل) أي: لا يمنع الفقر فيأخذ إلى أن يحل، كذا قاله الرافعي تبعًا للبغوي، وفيه ما في قبله من الإشكال، وظاهر نص الشافعي رضي الله عنه - كما قاله ابن الرفعة -: أنه لا يدفع له من سهم الفقراء. قال: (وكسب لا يليق به)؛ لأن الانشغال به يذهب مروءته فكان كالعدم. وإطلاق الحديث في الكسب محمول على اللائق؛ فإنه العرف الشرعي ولهذا: لو وجد من يستعمله ولكن كسبه حرام .. فله الأخذ من الزكاة إلى القدرة على الكسب الحلال كما أفتى به البغوي. وأفتى الغزالي بأن أرباب البيوتات الذين لم تجر عادتهم بالكسب لهم أخذ الزكاة، وينبغي حمله على ما إذا لم يعتادوا ذلك لغناهم، فأما عند الحاجة إليه .. فتركه ضرب من الحماقة ورعونات النفس، فلا وجه للترفع عن الكسب المباح

وَلَوِ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ .. فَفَقِيرٌ، وَلَوِ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ .. فَلاَ. وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الزَّمَانَةُ وَلاَ التَّعَفُّفُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخذ أوساخ الناس؛ فقد أجر علي رضي الله عنه نفسه ليهودي يستقي له كل دلو بتمرة كما تقدم في (الإجارة). قال: (ولو اشتغل بعلم) أي: شرعي (والكسب يمنعه .. ففقير)؛ لأنه قام بفرض كفاية، وذكر الدارمي في المسألة ثلاثة أوجه: ثالثها: إن كان نجيبًا يرجى نفع الناس به .. استحق، وإلا .. فلا، أما المعطل المعتكف في المدرسة ومن لا يتأتى منه التحصيل .. فلا يعطيان إن قدرا على الكسب. واحترز بقوله: (والكسب يمنعه) عما لو كان لا يمنعه؛ فإنه لا يعطى إذا كان يليق به، ومثله في (البسيط) بالكسب بالوراقة وفيه نظر؛ لأن من لم يعط العلم كله .. لم يعطه العلم بعضه. قال: (ولو اشتغل بالنوافل .. فلا)؛ لأن كسبه وقطع النظر عما في أيدي الناس أولى من الإقبال على النوافل مع الطمع، وادعى في (شرح المهذب) الاتفاق عليه، لكن في (فتاوى القفال): أن المستغرق الوقت بالعبادة والصلاة آناء الليل والنهار تحل له الزكاة كالمشتغل بالفقه وإن كان قوياً، أما غيره .. فلا وإن كان صوفيًا. وفي (فتاوى ابن الصلاح): قوم يتزيون بزي الفقراء وهم قادرون على الكسب .. لا يحل لهم ذلك ولا تبرأ ذمة الدافع؛ لقدرتهم على كسب يليق بأمثالهم، وعلى الإمام منعهم وإلزامهم الكسب. قال: (ولا يشترط فيه) أي: في الفقير (الزمانة ولا التعفف عن المسألة على الجديد) في المسألتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى من سأل الصدقة ولم يكن زمنًا، رواه مسلم. وقال تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِم حَقٌ للسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وهو الذي لا يسأل وفيه ثمانية أقوال أخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشعبي: أعياني أن أعلم المحروم منذ سبعين سنة، قال ابن عطية: الشعبي في هذه المسألة محروم. فإن قيل: المدحة بالإعطاء لا يكون الحق في المال فإنه حاصل في كل ما أمر به وإن لم يخرج .. فالجواب: أنه قد أشير إلى أنهم قد جعلوا ما يعطونه ويتبرعون به على السائل والمحروم حقًا ثابتًا في أموالهم مستقرًا، وجعلوا أموالهم ظرفًا له، والظرف لا يراد إلا للمظروف، فكأنهم لم يريدوا المال إلا لحق السائل والمحروم. وأضاف الأموال إليهم ولم يضف الرزق إليهم في قوله: {أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ}؛ لأن المقصود هناك الحث على الإنفاق والمقصود هنا الثناء عليهم بما فعلوه، فحسنت الإضافة إليهم هاهنا، والإضافة إلى الله ثم. وفي القديم: يشترطان؛ لأنه إذا سأل .. أعطي، وإذا لم يكن زمنًا .. كان له نوع كسب، فيكون مسكينًا لا فقيرًا. و (الزمانة) بفتح الزاي: العاهة والآفة، ورجل زمن؛ أي: مبتلى، ويطلق على كل داء ملازم يزمن الإنسان فيمنعه من الكسب كالعمى والشلل، وقد يسمى الأخرس زمنًا وكذلك الأصم وقد يكتسبان، وما أحسن قول شيخنا الشيخ جمال الدين ابن نباتة رحمه الله تعالى [من الخفيف]: سألتني مثيلة القمرين .... كيف حالي فقلت يا نور عيني زمن اللهو والشباب تلاه .... زمن في اللسان والركبتين

وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمكفي بنفقة قريب أو زوج ليس فقيرًا في الأصح)؛ لعدم الحاجة، ونقل ابن المنذر فيه الإجماع، ولا مسكينًا أيضًا؛ لأن المدار على الحاجة، بل يعطى من سهم غيرهما. والوجه الثاني: يعطيان؛ لاحتياجهما إلى غيرهما. ويخرج من كلام القفال في الزوجة وجه ثالث: إن كانت لا تكتفي بما تأخذه من نفقتها بأن كان لها من تلزمها نفقته من رقيق، أو كانت مريضة وقلنا: لا تلزمه مداولتها، أو كثيرة الأكل لا يكفيها ما يجب لها .. فلها أخذ الزكاة، قال الإمام: ويكون من سهم المساكين. والخلاف مفروض في (المحرر): في أنهما هل يعطيان أو لا؟ فهو مخالف لما في الكتاب، وهو مبني على الخلاف فيما لو وقف على فقراء أقاربه أو وصى لهم وكان فيهم مكفي بنفقة أب أو غيره ممن تلزمه نفقته، وفيها أربعة أوجه: أحدها: يستحقان؛ لأنهما فقيران. والثاني: لا؛ لأنهما غنيان بالنفقة المستحقة لهما. والثالث: أن من في نفقة القريب يستحق دون الزوجة؛ لأنها تستحق فرضًا فيستقر في ذمة الزوج. والرابع: أن الزوجة تستحق؛ لأن نفقتها مقدرة وقد لا تكفيها، والقريب نفقته قدر كفايته. وقال البغوي: محل المنع في الزوجة إذا كانت طائعة، فإن نشزت .. أعطيت؛ لعدم استحقاقها النفقة فهي كالخلية، والأكثرون على أنها لا تعطى في هذه الحالة أيضًا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو سافرت بغير إذنه .. جاز إعطاؤها من سهم الفقر والمسكنة؛ لعدم قدرتها على العود في الحال. وأفهم قوله: (المكفي) أن الزوج إذا كان ينفق نفقة المعسرين .. كان لها أن تأخذ الزكاة؛ فإنها لا تستطيع فسخ النكاح، وهو الذي أفتى به القفال وقال: إنه لا خلاف فيه. وموضع الخلاف في القريب غير المنفق، أما القريب الذي تجب عليه نفقته .. فلا يعطيه قطعًا؛ لأنه يجر نفعًا إلى نفسه بدفع النفقة عنه. فروع: يجوز أن يعطى من تلزمه نفقته من سهم الغارمين والعاملين والمكاتبين والغزاة إذا كان بهذه الصفة، ويجوز أن يعطيه من سهم ابن السبيل قدر مؤنة السفر، دون ما يحتاج إليه حضرًا وسفرًا. ويجوز أن يعطي الزوج امرأته من سهم المؤلفة على الأصح، وقال الشيخ أبو حامد: لا تكون المرأة من المؤلفة، وهو ضعيف، كذا في (الروضة) هنا، لكنه قال في آخر الباب من زوائده: لو دفع سهم المؤلفة ثم بان المدفوع إليه امرأة .. فكما لو بان عبدًا، والأصح في ظهوره عبدًا: عدم الإجزاء. والمعتدة الواجبة النفقة من رجعية وبائن حامل .. كذات الزوج، وإن لم تجب نفقتها كالبائن الحائل .. تعط؛ لعدم وجوب نفقتها عليه. ويجوز أن تصرف المرأة من سهم الفقراء والمساكين إلى زوجها إذا كان متصفًا بتلك الصفة؛ بل يستحب لها ذلك، وعن القاضي حسين وجه: أنه لا يجوز؛ لأنها تأخذه منه في نفقتها فيصير طريقًا إلى ذلك، والصواب الأول.

وَ (الْمِسْكِينُ): مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلاَ يَكْفِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ففي (الصحيحين) أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتجزيء الصدقة عنها على زوجها وعلى أيتام في حجرها؟ فقال: (لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة) وترجم عليه البخاري (الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر)، وأخذ ذلك من قوله: (أفتجزيء عني)؛ لأن ذلك إنما يستعمل في الواجب غالبًا. قال: (و (المسكين)): من قدر على مال أو كسب يقع موقعًا من كفايته ولا يكفيه) على ما يليق بحاله، كما إذا احتاج إلى عشرة وعنده سبعة أو ثمانية، وكذا كفاية من تلزمه نفقته. والدليل على أن الفقير أشد حاجة من المسكين: أن الله تعالى بدأ به كما تقدم وقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَت لِمَسَكِينَ} فأثبت لهم مالاً، وقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأَمْوالِهِم}، وقال: {يَأيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ} أي: لا تملكون شيئًا، ولم يقل: أنتم المساكين. وقال الأصمعي: المسكين أحسن حالاً من الفقير، ووقع في كلام الرافعي وغيره الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وسأل المسكنة، فاستعاذته من الفقر، رواها أبو داوود والنسائي من رواية أبي هريرة، وإسناده على شرط مسلم، ومتفق عليه أيضًا من رواية عائشة، لكن من فتنة الفقر. وقوله: (اللهم؛ أحيني مسكينًا) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي بإسناد لا علة له، قال: والاستدلال بذلك خطأ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أغنى الخلق، والمسكنة التي سألها ليست أخت الفقر، إنما هي من السكون والتواضع، وهي من أعظم العبادات، فكأنه سأل الله تعالى أن لا يجعله من الجبارين المتكبرين، وأن لا يحشره في زمرة الأغنياء المترفين، قاله البيهقي. وقال أبو حنيفة: المسكين أسوأ حالاً من الفقير، وساعده أبو إسحاق المروزي، وهذا الخلاف لا تظهر له فائدة في الزكاة؛ فإنه لابد من إعطاء الصنفين، وإنما تظهر فيما إذا أوصى للفقراء بمئة وللمساكين بخمسين، أو بالعكس، أو وصى للفقراء دون

وَ (الْعَامِلُ): سَاعٍ، وَكَاتِبٌ، وَقَاسِمٌ، وَحَاشِرٌ: يَجْمَعُ ذَوِي الأَمْوَالِ، لاَ الْقَاضِي وَالْوَالِي ـــــــــــــــــــــــــــــ المساكين أو بالعكس، وكذا في النذر والوقف. ثم هل المراد عدم الكفاية في هذا اليوم، أو في تلك السنة، أو العمر الغالب؟ لم يصرحوا به، إلا أن في (فتاوى القفال) اعتبار السنة، وهذا بناء على اختياره أنه لا يدفع له زيادة عليها. فرع: من له كتب علم وهو عالم يجوز الصرف إليه من سهم الفقراء والمساكين، ولا تباع كتبه العلمية، وكذلك كتب الوعظ والطب إذا انتفع بها أو نفع، وتباع كتب الشعر والتواريخ ونحوها مما لا ينفع في الآخرة ولا في الدنيا ويمنع اسم المسكنة. قال: (و (العامل): ساع، وكاتب، وقاسم، وحاشر: يجمع ذوي الأموال) كذلك الحاسب والعريف وحافظ المال والجابي إذا احتيج إليه، والساعي الأصل والباقي أعوان له، ولا خلاف أن العامل يأخذ مع الغنى وإن كان صدقة. والأصح في (شرح التنبيه) لابن يونس: أن ما يأخذه العامل أجرة، والمذكور في (الحاوي) أنه صدقة، وحكاه عن الشافعي رضي الله عنه، واستدل له بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية. وجميع ما تقرر فيمن نصبه الإمام ليأخذ العمالة من الصدقات، فإن استأجره من بيت المال أو جعل له جعلاً .. لم يأخذ من الزكاة. قال الشافعي رضي الله عنه: والعامل يأخذ من نفسه لنفسه، وعلله الجرجاني بأنه أمين شرعًا، وبه يندفع إشكال استقلاله، فالشريك لا يقسم وحده ويؤخذ من اسمه أنه لابد من العمل، فلو فرق المالك أو حملها إلى الإمام .. سقط، وقال القاضي أبو الطيب: لو تولاها الإمام .. سقط سهم العامل، ولا يأخذه الإمام. قال: (لا القاضي والوالي) والمراد: والي الإقليم عمومًا؛ لتشمل ولايته قبضها

وَ (الْمُؤَلَّفَةُ): مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ، أَوْ لَهُ شَرَفٌ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إِسْلاَمُ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتفريقها، وكذا الإمام؛ لأن رزقهم إذا لم يتطوعوا من خمس الخمس المرصد للمصالح. روى مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم: أن عمر رضي الله عنه شرب لبنًا فاستطابه، فأعلم أنه من نعم الصدقة .. فاستقاءه، قيل: ليعلم الناس تحريمها على الإمام أو استحبابًا، وعندنا لا يجب في الحرام، بل يندب. وعبارته تقتضي: أن للقاضي قبضها وصرفها، وذلك في مال أيتام تحت نظره، أما إذا لم يجعل لها الإمام ناظرًا .. ففي دخولها في عموم ولايته وجهان، وأطلق الهروي الدخول، قاله الرافعي في (الأقضية). فرع: أجرة الكيال والوزان وعاد النعم ليميز نصيب الأصناف من سهم العامل، وليميز نصيبهم من نصيب المالك الأصح: أنها على المالك، وأجرة الراعي والحافظ بعد القبض الأصح عند المصنف: أنها من الأصل كالناقل والمخزن. قال: (و (المؤلفة): من أسلم ونيته ضعيفة) فيعطى ليقوى إيمانه، ويقبل قوله بلا يمين. والمؤلفة جمع المؤلف مأخوذ من التأليف: وهو جمع القلوب. واحترز بقوله: (من أسلم) عن مؤلفة الكفار؛ فإنهم لا يعطون من الزكاة قطعًا ولا من غيرها على الأظهر. قال: (أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره)، ولا يقبل قوله في شرفه إلا ببينة.

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمذهب: أنهم يعطون من الزكاة)؛ لعموم الآية، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وأبا سفيان وصفوان بن أمية وهم من الصنف الأول، وعدي بن حاتم والزبرقان بن بدر وهم من الثاني، كذا قاله الأصحاب. والصواب الذي رواه مسلم وغيره: أن صفوان أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك من غير الزكاة، وأن عديًا إنما أعطاه أبو بكر رضي الله عنه، كذا نص عليه الشافعي رضي الله عنه، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطاهم منها شيئًا، لكن يستدل للمذهب بأنه لو لم يعط هذين الصنفين من الزكاة .. لم نجد للآية الكريمة محملاً؛ لأنها نصت على المؤلفة، ولابد أن يكونوا مسلمين؛ لأن الزكاة لا تعطى لكافر. والقول الثاني: لا يعطون؛ لأن الله تعالى قد أعز الإسلام عن التألف بمال، ولأن أحدًا من الخلفاء الراشدين لم يعطهم شيئًا. والثالث: يعطون من مال المصالح لا من الزكاة. والخلاف أقوال لا طرق، فكان الصواب أن يعبر بالأظهر، وقد تقدم أن المرأة تعطى من سهم المؤلفة على الأصح. وإنما تعطى المؤلفة عند الاحتياج إليهم، كذا قيده في (الكفاية)، وجرى عليه الماوردي وغيره، وقال الشيخ أبو محمد في (الفروق): إلا أن تدعو الحاجة إليه ويقتضيه اجتهاد الإمام، ويشترط أن يقسم الإمام، فإن قسم رب المال .. سقط سهمهم. وحصر المؤلف (المؤلفة) في هذين خلاف الصحيح عند الشيخين، بل هم أربعة أصناف: هذان.

وَ (الرِّقَابُ): الْمُكَاتَبُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: من يقاتل من يليه من الكفار. والرابع: من يقاتل من يليه من مانعي الزكاة ويحملها إلى الإمام، ولهذا قال في (شرح المهذب): ما صححه الرافعي من الصرف إلى الأربعة هو الصحيح. قال: (و (الرقاب): المكاتبون) هذا قول أكثر فقهاء الأمصار. وقال مالك وأحمد يشترى عبيد ويعتقون. لنا: أن الله تعالى جعلها في الرقاب لا في السادة، وأن سائر الأصناف يستحقون الأخذ فكذا المكاتب، ولو أريد العتق .. لأتى بلفظ التحرير كالكفارة، ولأنهم قرنوا بالغارمين الآخذين؛ لما في ذمتهم، كما قرن الفقراء والمساكين؛ لاشتراكهما في الحاجة، وسبيل الله وابن السبيل؛ لأخذهما لمعنى مستقل. فروع: إنما يعطى المكاتب كتابة صحيحة كما ذكره المصنف في بابها، وأن لا يكون معه ما يفي بالنجم، وحيث صحت كتابة بعض عبد كما إذا أوصى بكتابته فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة وهو الأصح .. فإنه لا يعطى؛ لانضمام ما يأخذه إلى القدر الرقيق. وفي ثالث استحسنه الرافعي: إن كان بينهما مهايأة .. صرف إليه في نوبته، وإلا .. فلا. وليس للسيد صرف زكاته إلى مكاتبه في الأصح، ويجوز الصرف إليه بغير إذن السيد، وكذا قبل الحلول في الأصح، كذا صححه الشيخان، وسيأتي عن المصنف في نظيره من الغارم تصحيح خلافه.

وَ (الْغَارِمُ): إِنِ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ .. أُعْطِيَ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: يُعْطَى إِذَا تَابَ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز الدفع إلى السيد إذا أذن المكاتب، وهو أولى إذا حصل العتق به، وإلا .. فالمكاتب أولى؛ ليتجر فيه ليحصل له العتق، وإذا استغنى عنه بتنجيز عتق أو إبراء ونحوه .. استرد في الأصح، فإن تلف بعد العتق أو البراءة .. غرمه، أو قبله .. فلا في الأصح، وإن عجز .. استرد، فإن تلف .. غرمه في الأصح في ذمته، وقيل: في رقبته، ولو استمر على الكتابة وتلف المأخوذ في يده .. وقع الموقع. قال: (و (الغارم): إن استدان لنفسه في غير معصية .. أُعطي)؛ لقوله تعالى: {وَالغَارِمِينَ} سواء كان طاعة كالاقتراض للحج والجهاد والنكاح حيث يستحب أم مباحًا كالنكاح حيث لا يستحب، أو النفقة أو الكسوة غير الواجبة التي خلت عن الإسراف، وكذلك المكاتب إذا استدان ووفى النجوم .. فإنه يعطى من سهم الغارمين. فإن كان في معصية .. قال الرافعي: كثمن الخمر والإسراف في النفقة الخارج عن العادة فيما لا يكسب حمدًا ولا أجرًا .. لم يعط قبل التوبة، وفيه وجه غريب. وتمثيله الاستدانة في المعصية بشراء الخمر فيه نظر؛ إذ لا يتصور ذلك إلا بعقد صحيح، فالفاسد لا يعلق بالذمة شيئًا إلا أن يكون إتلافًا محرمًا، فهو الذي يكون دينًا بسببه معصية، فالأولى التمثيل بشراء العنب لذلك. وأيضًا قد سبق في (الحجر) عدم تحريم الإسراف في المطاعم ونحوها، واختار الشيخ تحريم كل سرف، لكن يرد على المصنف ما لو استدان لمعصية ثم صرفه في طاعة .. فإنه يعطى، وإذا استدان لا لمعصية ثم صرفه فيها .. فإنه يعطى عند الإمام إن تحقق ذلك منه، ولكنا لا نصدقه عند صرفه في معصية أنه ما استدان لها. قال: (قلت: الأصح: يعطى إذا تاب والله أعلم) أي: مع الفقر؛ لأن التوبة تجبُّ ما قبلها. والثاني: لا يعطى؛ لأنه قد يتخذ التوبة ذريعة ثم يعود. قال الرافعي: ولم يتعرض الأصحاب هنا لاستبراء حاله ومضي مدة بعد توبته.

وَالأَظْهَرُ: اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: والظاهر ما قاله الروياني أنه إذا غلب على الظن صدق توبته .. أعطي وإن قصرت المدة. فروع: إذا استدان لمصلحة عامة كبناء مسجد أو قنطرة أو فكاك أسير .. فهو كالذي استدان لنفسه فيعطى مع الفقر، وكذا الغني بالعقار لا بالناض؛ لأنه متوسط بين مصلحة ذات البين ومصلحة نفسه. وإذا تحمل قيمة مال تلف .. أعطي مع الغنى على الأصح. وقيل: لا؛ لأن فتنة الدم أشد. وإذا مات رجل عليه دين ولا مال له .. لم يقض من سهم الغارمين في أصح الوجهين. قال: (والأظهر: اشتراط حاجته) فلو وجد ما يقضي الدين منه من نقد وغيره .. لم يعط من الزكاة؛ لأنه يأخذ لحاجته إلينا لا لحاجتنا إليه كالمكاتب وابن السبيل. والثاني - ونصه في القديم -: لا تشترط حاجته، بل يعطى مع الغنى؛ لعموم الآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين فتصدق عليه فأهداها المسكين للغني) رواه أبو داوود وابن ماجه. وقال الماوردي: محل القولين إذا كان غنيًا بغير النقدين، فإن كان غنيًا بأحدهما .. لم يعط قطعًا، فلو وجد ما يقضي به بعض الدين .. قضي عنه الباقي، ولو قدر بالكسب .. أعطي في الأصح. والمراد بـ (الحاجة) هنا: كونه لا يملك شيئًا يتصور صرفه إلى الدين.

دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا يعتبر المسكن والملبس والآنية والفراش، وكذا الخادم والمركب إن اقتضاهما حاله، فيقضى دينه وإن ملك ذلك، وحيث جاز الصرف إليه جاز الدفع إلى الغريم بإذنه، ولا يجوز بغير إذنه. والفرق بينه وبين المكاتب - حيث جاز الدفع إلى سيده بغير إذنه - أن المكاتب محجور عليه في حق سيده، بخلاف الغارم. نعم؛ لو حجر على الغارم بالفلس فدُفع إلى غرمائه بالحصص مالٌ .. جاز من غير إذنه؛ لأنه في معنى المكاتب. وإنما يعطى الغارم إذا بقي الدين، فإن أداه من ماله أو بذل ماله ابتداء .. لم يعط. وإذا مات قبل قبض الزكاة .. لا يصرف إليه بعد موته شيء من الزكاة بالإجماع، والسبب فيه أن الحي محتاج إلى وفاء دينه، والميت إن كان عصى به أو بتأخيره .. فلا يناسب حاله الوفاء عنه، وإلا .. فهو غير مطالب به ولا حاجة له والزكاة إنما تعطى لمحتاج، بخلاف الأداء عنه لبراءة ذمته والتخفيف عنه بالآخرة، وعلى هذا يحمل حديث أبي قتادة. قال: (دون حلول الدين) أي: الأظهر أنه لا يشترط أن يكون الدين حالاً، فيعطى قبل محله؛ لأنه مدين في الحال لكن لا مطالبة. ومقتضى كلام المصنف: أن الخلاف قولان، وهذا لا يلائم تعبيره بعده بـ (الأصح)، لكن الخلاف في (الشرح) وجهان. قال: (قلت: الأصح: اشتراط حلوله والله أعلم) فلا يعطى إذا لم يحل؛ لأنه غير محتاج إليه في تلك الحالة، والخلاف كالخلاف في نجوم الكتابة إذا لم تحل، ولهذا استشكل على المصنف ترجيحه هنا اشتراط الحلول مع موافقته على عدم اشتراط حلول النجم. ويمكن الفرق بأن الحاجة إلى الخلاص من الرق أهم، والغارم ينتظر اليسار، فإن لم يحصل .. فلا حبس ولا ملازمة.

أَوْ لإِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ .. أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه ثالث: إن كان الأجل يحل في تلك السنة .. أعطي، وإلا .. فلا يعطى من صدقات تلك السنة. قال: (أو لإصلاح ذات البين .. أعطي مع الغنى) هذا هو النوع الثاني من الغارمين، وهو من غرم لغيره بأن وقع شر أو فتنة بين شخصين أو قبيلتين في قتل أو غيره فاستدان وأعطى الدية أو الأرش، أو تحمله لإخماد الفتنة قاصدًا الإصلاح. قال الصيمري: إن كان القاتل معروفًا .. لم يعط هذا الدين إلا مع الفقر، وإن لم يعرف .. فيعطى من سهم الغارمين فقيرًا كان أو غنيًا، قال المصنف: وهو ضعيف، فلا تأثير لمعرفته وعدمها، ولهذا أطلق في الكتاب، وسواء كان غنيًا بالناض أو العروض أو العقار؛ لأن المقصود تسكين الثائرة، وهي لا تسكن بتحمل الفقير. و (البين): الفراق، والبين: الوصل فهو من الأضداد، والمباينة: المفارقة، وتباين القوم: تهاجروا. والمراد بـ (ذات البين): إصلاح الأحوال التي تباينوا بسببها، ولما كانت ملابسة للبين .. وصفت به، قيل لها: ذات البين كما قيل للأسرار: ذات الصدور. قال: (وقيل: إن كان غنيًا بنقد .. فلا)؛ إذ ليس في صرفه إلى الدين ما يهتك المروءة. تنبيه: أهمل المصنف نوعًا ثالثًا من الغارمين، وهو من لزمه دين بطريق الضمان عن معين لا في تسكين فتنة، فالضامن والمضمون إما أن يكونا موسرين أو معسرين، أو أحدهما موسرًا والآخر معسرًا. فإن كانا معسرين .. أعطي الضامن ما يقضي به الدين، وقيده ابن الرفعة بما إذا لم يكن سببه معصية، ويجوز صرف ذلك إلى المضمون عنه، قال المتولي: وهو أولى إذا كان الضمان بالإذن. وإن كانا موسرين، فإن ضمن بإذنه .. لم يعط، أو بغير إذنه .. فالأصح كذلك.

وَ (سَبِيلُ اللهِ): غُزَاةٌ لاَ فَيْءَ لَهُمْ، فَيُعْطَوْنَ مَعَ الغِنَى. وَ (ابْنُ السَّبِيلِ): مُنْشِيءُ سَفَرٍ أَوْ مُجْتَازٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان المضمون عنه موسرًا والضامن معسرًا، فإن ضمن بإذنه .. لم يعط على الصحيح، أو بغير إذنه .. أعطي. وإن كان الضامن موسرًا والمضمون عنه معسرًا .. فيجوز أن يعطى المضمون، وفي الضامن وجهان: أشبههما عند الرافعي: لا يعطى. قال: (و (سبيل الله): غزاة لا فيء لهم) أي: لا اسم لهم في الديوان، إنما يغزون إذا نشطوا (فيعطون مع الغنى)؛ لعموم الآية. وإنما فسر السبيل بالغزاة؛ لأن استعماله في الجهاد أغلب عرفًا وشرعًا، بدليل قوله تعالى في غير موضع: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}. وإنما سمي الغزو سبيل الله؛ لأن الجهاد طريق إلى الشهادة الموصلة إلى الله، فهو أحق بإطلاق اسم سبيل الله عليه، ويشهد لما قلناه الحديث المتقدم؛ فإنه أرخص للغازي أن يأخذ من الصدقة وإن كان غنيًا. وقال أبو حنيفة: لا يعطى الغني منهم. وفسر أحمد (سبيل الله) بالحج فيعطى للحجيج. أما الذي له اسم في الديوان .. فلا يعطى؛ لأنه لا يجمع بين الفيء والصدقة، لأن المرتزقة أخذوا بدل جهادهم من الفيء .. فلو أخذوا من الزكاة .. لأخذوا بدلين عن مبدل وذلك ممتنع، فإن عدم الفيء .. ففي الصرف لهم قولان: أظهرهما: لا، بل تجب إعانتهم على أغنياء المسلمين؛ إذ تجب عليهم إعانة المرتزقة ليكفوا المسلمين الشر. قال: (و (ابن السبيل): منشيء سفر) أي: من بلد الزكاة (أو مجتاز) أي: به؛ للآية، أما الثاني .. فبالإجماع، والأول .. بالقياس عليه، فإن المعنى الذي استحق به المستديم للسفر موجود في المنشيء. وخالف فيه مالك وأبو حنيفة فخصاه بالمجتاز؛ لأن الطريق لا تضاف إلا لمن كان فيها، واختاره الفوراني بناء على منع نقل الزكاة، وهو ضعيف؛ فإنه يأخذ لما بين

وَشَرْطُهُ: الْحَاجَةُ وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يديه لما مضى فاستويا، وقواه الشيخ عز الدين في (القواعد) فقال: إن المجاز باعتبار ما يؤول إليه مغلوب، والشافعى لا يجمع بينه وبين الحقيقة، فإن من حلف لا يجلس على فراش فجلس على الأرض، أو لا يستند إلى وتد فاستند إلى جبل، أو لا ينام تحت سقف فنام تحت السماء .. لا يحنث؛ لكونه مجازًا مغلوبًا، فلا يجمع بينه وبين الحقيقة، وإنما يجمع بينهما عند التكاثر في الاستعمال، أو التعارض فيه. وسمي ابن السبيل؛ لملازمته السبيل وهي الطريق، وهو صادق على الذكر والأنثى، والواحد والاثنين والجماعة، ولم يأت في القرآن إلا مفردًا؛ لأن السفر محل الوحدة والانفراد. قال: (وشرطه: الحاجة) بأن لا يجد ما يبلغه غير الصدقة؛ لأنه إنما يأخذ لحاجته لا لحاجتنا إليه، وقد تقدم أن من كان كذلك .. يأخذ مع الفقر دون الغنى. ويستوي فيه من لا مال له أصلاً ومن له مال بغير البلد، لكن لو كان ماله ببلد ووجد من يقرضه إلى بلد ماله .. كان له أخذ الزكاة ولا يجب عليه ا?قتراض، قاله ابن كج، وحكى بعض الفقهاء عن نص البويطي خلافه. فرع: قال الماوردي: منشيء السفر بالخيار بين سهم الفقراء وسهم المساكين إن كان منهم، وبين سهم أبناء السبيل، وأما المجتاز .. فليس له الأخذ من سهم الفقراء ولا المساكين، وهو تفريغ على منع نقل الصدقة. قال: (وعدم المعصية)؛ لأن المقصود إعانته والله تعالى قال:} وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ {فيعطى في سفر الطاعة واجبًا كان أو مندوبًا، وكذا المباح كالتجارة والتنزه في أصح الأوجه. وقال الماوردي: سفر التنزه لا يبيح الإعطاء وإن أباح الترخص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما العاصي بسفره كقاطع الطريق والهارب من حق لزمه وهو قادر عليه .. فلا يعطى قطعًا، لكن قال أبو إسحاق: يعطى سد رمقه في الحال لا ما يسافر به إلا أن يبقى منقطعًا به، ويعطى في الرجوع إلى وطنه، ويحتمل أن لا يعطى سد الرمق حتى يتوب كقول الجويني في الميتة، ويقال له: تب وكل. وألحق الإمام بسفر المعصية السفر لا لقصد صحيح كالهائم, ويوافقه ما في (فتاوى القفال): أنه لا يجوز صرف سهم ابن السبيل إلى الصوفية؛ لأن سفرهم لا غرض فيه. وإطلاق المصنف يقتضي: أنه يعطى وإن كان قادرًا على الكسب, وحكاه في (شرح المهذب) عن الأصحاب, وهو خلاف ما سبق في الفقير والمسكين من تنزيل الكسب منزلة المال, وكأنهم لم يعتبروه هنا لضرورة الاشتغال بالسفر. قال الشيخ: وإطلاقهم يقتضي: أنه لا فرق في ابن السبيل بين أن يكون مقصده مسافة القصر أو دونها, وسموه في أحد قسميه غنيًا في بلده, وذكروا في الفقير: أنه لا يسلبه اسم الفقر كون ماله في مسافة القصر, وبين الإطلاقين اختلاف في تسمية ذاك فقيرًا وهذا غنيًا. فروع: من عليه زكاة: ليس له أن يساقط من له عليه دين من زكاته, وفيه وجه: أنه يجوز, وبه قال الحسن وعطاء. ولو قال رب الدين للمدين: أعطني هذا الدينار الذي معك في ديني حتى أرده عليك من زكاتي فأداه إليه .. وقع عن الدين قطعًا, ويتخير الآخذ بين أن يرده عليه من الزكاة أم لا. ولو قال المديون له: أعطني دينارًا من زكاتك حتى أقضي به دينك ففعل .. أجزأ

وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ: الإسْلاَمُ, وَأَنْ لاَ يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلاَ مُطَّلبِيًّا, ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الزكاة, ويتخير المديون بين أن يدفعه من دينه أم لا. ولو أعطى مسكينًا زكاة ووعده أن يردها عليه ببيع, أو هبة أو أن يصرفها المزكي فى كسوة المسكين ومصالحه .. لم يجز على الأصح كما لو شرط أن يرده من دينه. قال: (وشرط آخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية: الإسلام) فلا تدفع لكافر بالإجماع. وروي أن عمر جاءه مشرك يلتمس مالاً من الزكاة فلم يعطه وقال: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) عزاه النووى إلى البيهقي وليس فيه, لكن استأنسوا له بقوله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) يعني: أغنياء المسلمين وفقراءهم, ولأنها عبادة مطهرة فلا تدنس بكافر. نعم؛ يجوز أن يكون الكيال والحمال والحافظ كفارًا؛ فإنه يصرف إليهم من سهم العامل؛ لأنه أجرة , ولا خلاف أن الكافر لا يجوز أن يكون عاملاً في الزكاة؛ لأنا إن قلنا: صدقة .. فلا حق له في الصدقة المفروضة, وإن قلنا: أجرة .. فلا يجوز أن ينصب فيها؛ لعدم أمانته كما لا يجوز أن يستعمل على مال يتيم أو وقف. وقال ابن الرفعة: قد يقال: إن هذا يفارق العمل في جباية مال اليتيم والوقف من جهة أن له فعل ذلك بالإذن, وإن كان لا يجوز .. استحق أجرة المثل, وفي الزكاة إذا فعل ذلك بالإذن أو بغيره .. لا يستحق شيئًا, وسواء في ذلك زكاة الفطر وزكاة المال؛ لعموم الخبر, وخالف أبو حنيفة في زكاة الفطر. قال: (وأن لا يكون هاشميًا)؛ لأن الزكاة على بني هاشم محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنا لا تحل لنا الصدقة وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد؛ إنما هي أوساخ الناس) رواه الشيخان, وأجمع العلماء على ذلك. قال: (ولا مطلبيًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب

وَكَذَا مَوْلاَهُمْ فِى الأَصَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء واحد) رواه البخاري, وروي: (سي) بالسين المهملة المكسورة, وهو المثل. وقال أبو حنيفة: لا تحرم على بني عبد المطلب, وسواء منعوا حقهم من خمس الخمس أم لا. وقال أبو سعيد الإصطخري: يجوز صرف الزكاة إليهم إذا منعوا حقهم من الخمس, واختاره أبو سعيد الهروي, وبه أفتى محمد بن يحيى, والأكثرون منعوا ذلك؛ لعموم الحديث. فلو استعمل الإمام هاشميًا أو مطلبيًا في حفظ مال الزكاة أو نقلها .. فله الأجرة, أو في غير ذلك .. لم يحل له سهم العامل على الأصح؛ لما روى مسلم: أن الفضل بن العباس طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون عاملاً على الصدقة فقال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد). وخالف في ذلك القفال والإمام والعبادي, ويجري الخلاف: فيما إذا جعل بعض المرزقة عاملاً. قال: (وكذا مولاهم في الأصح)؛ لما روى أبو داوود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي رافع مولاه: (إن الصدقة لا تحل لنا, وإن مولى القوم منهم). وأبو رافع اسمه إبراهيم, كان عبدًا للعباس فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما بشره بإسلام العباس .. أعتقه. والوجه الثاني - وبه قال مالك -: أنها تحل للموالي؛ لأنه لم يصرح في الحديث بالتحريم عليهم, وقد جاء في (البخاري): (ابن أخت القوم منهم) ولا تحرم الصدقة على ابن أخت ذوي القربى بالاتفاق, ولأنهم ليسوا أكفاء لمواليهم في النكاح, كما أنهم لم يلحقوا بهم في استحقاق خمس الخمس.

فصل

فَصْلٌ: مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الإمَامُ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ .. عَمِلَ بِعِلْمِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ غريبة: حكى ابن الصلاح في (فوائد رحلته) عن كتاب الشيخ عماد الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن المروروذي النيهي: أنه لا يصح قبض الزكاة من الأعمى ولا إقباضها لأعمى, بل يوكل وكيلاً فيها؛ لأن التمليك شرط فيها, قال ابن الصلاح: وفساد هذا ظاهر, وعمل الناس على خلافه, وحديث: (أبرص وأقرع وأعمى في الصحيح) يدل للجواز. فرع: دفع زكاة لمسكين وهو غير عالم بالمدفوع جنسًا وقدرًا بأن كان فى كاغد ونحوه .. صحح في (الروضة) السقوط, وهو يرد على ما تقدم؛ لأنه كالأعمى إذا قبض. تتمة: سئل المصنف عن دفع الزكاة لمن لا يصلي فقال: إن بلغ تاركًا للصلاة واستمر عليه .. لم يجز دفعها إليه؛ لسفهه, ويجوز دفعها إلى وليه, وإن بلغ مصليًا رشيدًا ثم طرأ الترك ولم يحجز عليه .. جاز الدفع إليه, ويصح قبضه بنفسه كما تصح جميع تصرفاته. وفي (الذخائر): أن تارك الصلاة إن قلنا: لا يكفر .. تدفع إليه الزكاة. وفي وجه: لا تدفع إليه إلا نفقة مدة الاستتابة, وبالجواز مطلقًا أفتى ابن البزري, وعليه عمل الناس كالمصلي العاجز بغير ذلك. قال: (فصل: من طلب زكاة وعلم الإمام استحقاقه أو عدمه .. عمل بعلمه) فيعطي من علم

وَإلاَّ: فَإِنِ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةَ .. لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً, وَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ .. كُلِّفَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ استحقاقه, ويحرم من علم عدم استحقاقه, بل لا يجوز له الصرف إليه ويجب عليه منعه, وهذا لا خلاف فيه. قال الرافعي: ولم يخرجوه على الخلاف في القضاء بالعلم, قال ابن الرفعة: ولعل سببه أنه ليس بحكم, ولأن الزكاة مبنية على الرفق والمساهلة وليس فيها إضرار بالغير, بخلاف القضاء بالعلم. قال: (وإلا) أي: وإن لم يعلم استحقاقه ولا عدمه (.. فإن ادعى فقرًا أو مسكنة .. لم يكلف بينة)؛ لعسرها, وكذا إذا ادعى أنه غير كسوب .. يقبل قوله كما تقدم؛ فقد روى أحمد وأبو داوود والنسائي والدارقطني عن عبد الله بن عدي بن الخيار: أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه الصدقة فقال: (إن شئتما .. أعطيتكما بعد أن أعلمكما أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) فأعطاهما ولم يطالبهما بالبينة, فإذا لم يتهما .. لا يحلفان قطعًا, ولا إن اتهما في الأصح. وجزم في (الحاوي الصغير) بتحليفهما ندبًا وهو وجه. قال: (وإن عرف له مال وادعى تلفه .. كلف) أي: بالبينة؛ إذ الأصل بقاؤه. قال الرافعي: ولم يفرقوا بين دعواه الهلاك بسبب خفي كالسرقة أو ظاهر كالحريق كصنيعهم في الوديعة, وفرق ابن الرفعة بأن الأصل عدم ضمان المودع وهنا عدم استحقاق الصرف, لكن قال المحب الطبري: الظاهر التفريق كالوديعة. والبينة: رجلان أو رجل وامرأتان. وقيل: لابد من ثلاثة هنا؛ لحديث مسلم عن قبيصة: (حتى يأتي ثلاثة من ذوي الحجا من قومه) ولا نعلم أحدًا شرط كونهم من قومه, وإنما المراد الاطلاع على حاله ممن لهم خبرة به. ولا يخفى: أن المراد مال يمتنع معه الصرف إليه, فإن كان قدرًا لا يغنيه .. لم

وَكَذَا إنِ ادَّعَى عِيَالاً فِي الأَصَحِّ. وَيُعْطَى غَازِ وَابْنُ سَبِيلٍ بِقَوْلِهِمَا, فَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا .. اسْتُرِدَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يطالب ببينة إلا على تلف ذلك المقدار, ويعطى تمام كفايته بلا بينة ولا يمين. قال: (وكذا إن ادعى عيالاً في الأصح) أي: وأن كسبه لا يفي بنفقتهم؛ لإمكان ما يدعيه. والثاني: يقبل قوله بلا بينة كما يقبل قوله في فقره, لكن لا بد من اليمين قطعًا. قال الشيخ: والظاهر: أن المراد بالعيال من تلزمه نفقتهم ومن لا تلزمه ممن تقتضي المروءة والعادة بقيامه بنفقتهم ممن يمكن صرف الزكاة إليه من قريب حر وغيره, وكذا الزوجة؛ لأن نفقتها وإن كانت دينًا فانما تجب يومًا بيوم. فلو قال: لا كسب لي, وحاله يشهد بصدقه, فإن كان شيخًا كبيرًا أو زمنًا .. أعطي بلا بينة ولا يمين, وإن كان جلدًا وقال: لا مال لي .. فوجهان: الأصح في (التهذيب): لا يحلف. قال: (ويعطى غاز وابن سبيل بقولهما) ولا يكلفان حلفًا ولا بينة؛ لأن حالهما يظهر بعد الأخذ. وفي وجه: يحلفان؛ لأنهما قد يكونان كاذبين ويتلف ما أخذاه ولا نجد مرجعًا, ويأتي الخلاف هل هو حتم أو مندوب؟ وخصه ابن الرفعة بحثًا بابن السبيل من البلد وغاز جاء مبتدئًا بعد تجهيز الإمام جماعة. أما المجتاز ومن عينه الإمام للغزو .. فلا يحلف جزمًا. قال: (فإن لم يخرجا .. استرد)؛ لأن صفة الاستحقاق قد انتفت. قال الرافعي: ولم يتعرض الجمهور للقدر الذي يحتمل تأخيره, وقدره السرخسي بثلاثة أيام, فإن لم يخرج فيها .. استرد, قال: ويشبه أنها تقريب, وأن يعتبر ترصده للخروج, وكون التأخير لانتظار الرفقة وتحصيل الآهبة ونحوها.

وَيُطَالَبُ عَامِلٌ وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ بِبَيّنَةٍ, وَهِيَ: إِخْبَارُ عَدْلَيْنِ, وَتُغْنِي عَنْهَا الِاسْتِفَاضَةُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارته تفهم: أنه إذا خرج ثم رجع ومعه شيء .. لا يسترد, وليس كذلك, بل يسترد من ابن السبيل مطلقًا, وكذا من الغازي إذا غزا ورجع وفضل معه شيء صالح, وكذلك المكاتب والغارم كما تقدم. قال: (ويطالب عامل ومكاتب وغارم ببينة)؛ لأنه يدعي أمرًا ظاهرًا تسهل إقامة البينة عليه. وصورة ذلك: إذا أتى إلى رب المال وطالبه وجهل حاله, أما الإمام .. فلا يطالبه بالبينة؛ لأنه يعلم حاله, وهو الذي يبعثه فلا تأتي البينة فيه, وهكذا المؤلف؛ فإنه الذي يتألفه. ويستثنى من مطلق الغارم: الغارم لذات البين, فلا حاجة فيه إلى بينة؛ لشهرة أمره, قاله الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي حسين وغيرهم, وجرى عليه ابن الرفعة, وفي كلام (البيان) ما يخالفه. قال: (وهي: إخبار عدلين) كسائر الشهادات, وهذه العبارة تقتضي: أنه لا يشترط لفظ الشهادة, ولا تقدم دعوى, ولا سماع قاض, بل المراد: إخبار عدلين على صفة الشهود, بل قيل: يكفي واحد إذا حصل الوثوق بقوله, والمقالتان مفرعتان على قبول الاستفاضة. قال: (وتغني عنها الاستفاضة)؛ لأنها كالبينة, بل أقوى؛ لأنها تفيد العلم غالبًا, واستأنسوا بحديث قبيصة المتقدم فإن أدنى ما تحصل به الاستفاضة ثلاثة, وفي (التنبيه): أقلها اثنان, لكن سيأتي في (الشهادات) أن شرطها: السماع من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب. وقيل: أراد بالثلاثة رجلاً وامرأتين.

وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِد فِي الأَصَحّ. ويُعطَى الْفَقِيرُ وَالمِسْكِينُ: كِفَايَةَ سَنَةِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ المَنْصُوصُ, وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: كِفَايَةَ العُمْرِ الْغَالِبِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ واختار ابن الرفعة تبعًا للشيخ أبي علي: أنها إن انتهت إلى التواتر المعتبر عند الأصوليين وأفادت العلم الضروري .. اعتبرت, وإلا .. فلا بد من البينة, والرافعي والشيخ عمما ذلك. قال: (وكذا تصديق رب الدين والسيد في الأصح)؛ لظهور الحق بالإقرار. والثاني: لا؛ لاحتمال التواطؤ, وصححه الجرجاني وغيره. ثم الكلام من أول الفصل إلى هنا في الصفات المقتضية للاستحقاق, ومن هنا إلى آخر الفصل في كيفية الصرف وقدره. قال: (ويعطى الفقير والمسكين: كفاية سنة)؛ لأن الزكاة تتكرر فيحصل بها سد خلة سنة بعد سنة, وأيد بما في (الصحيح): (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله مؤنة سنة) ولم يصحح في (الشرحين) شيئًا, بل ذكر مقالة الطائفتين ثم قال: ووقضيتهما كونهما على وجهين, وأشار في (التتمة) إلى تنزيلهما على حالين: إن إمكن إعطاء ما تحصل منه كفايته .. أعطاه, وإلا .. كفاية سنة, واختارة الشيخ بعد أن توقف فيه. قال: (قلت: الأصح المنصوص, وقول الجمهور: كفاية العمر الغالب)؛ لأنه تحصل به الكفاية على الدوام, وذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. قال الإمام: وهذا قد ينبو عنه القلب قليلاً؛ فإنه إذا كان ابن خمس عشرة .. أدى إلى أن يجمع له مالاً جمًا لا يليق بقواعد الكفايات في مطرد العادات, والقريب من الفقه أن يعطى ما يمكن أن ينصب به غلامًا يحسن التجارة لتحصل به كفايته, فإن عسر هذا .. فالظاهر: أنه لا يزاد على مؤنة سنة. ويستدل لما صححه المصنف بما روى أبو داوود عن سهل بن أبي حثمة: (أن النبي صلى الله وسلم ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر بمئة من إبل الصدقة) وبوب

فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ, وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه (باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة). ووجه الدليل: أنه أعطاه من الصدقة هذا القدر؛ لعلمه بحاجته, ولو كان بدلاً عن الدية .. لأعطاه من بيت المال لا من الصدقة. تنبيهان: أحدهما: محل الخلاف فيمن لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة, أما المحترف .. فيعطى ما يشتري به أداة حرفته قلت قيمتها أو كثرت, والتاجر رأس مال بقدر ما يحسن أن يحصل من ربحه كفايته غالبًا, ومثلوه بخمسة دراهم للبقلي, وعشرة للباقلاني, وعشرين للفاكهاني, وخمسين للخباز, ومئة درهم للنقلي, وألفًا للعطار, وألفين للبزاز, وخمسة آلاف للصيرفي, وعشرة آلاف للجوهري. كل هذا في غير المحصورين؛ أما المحصورون .. فلأنهم ملكوا الموجود, وهل يقال: ملكوا ذلك على عدد رؤوسهم, أو على قدر حاجاتهم, أو لا يملكون إلا الكفاية دون الزائد على ذلك؟ فيه نظر. الثاني: من ملك ما يكفيه أقل من سنة أو أقل من العمر الغالب .. قال الشيخ: الذي يظهر لي من كلام الأصحاب أنه يعطى تكملة ما تحصل به كفايته لبقية السنة على أحد الوجهين, ولبقية العمر الغالب على الأصح, ولا يسلبه ما معه اسم الفقر والمسكنة, وكان بعض فقهاء الزمان يتوهم أنه لا يعطى, وأنه لا بد من اتصافه يوم الإعطاء بصفة الفقر أو المسكنة ثم يعطى حينئذ كفاية سنة على أحد الوجهين وكفاية العمر الغالب على الصحيح, وليس كما توهمه؛ فقد تحققنا من كلام الأصحاب ما ذكرناه, ثم أطال في الاستدلال لذلك. قال: (فيشتري به عقارًا يستغله والله اعلم) هذا تفسير لكفاية العمر, وأنه ليس المراد منه دفع ما يكفيه عمره دفعة؛ لما في ذلك من الإضرار بالأصناف, وقد لا يتسع المال, بل المراد أن يدفع له ما يشتري به شيئًا تحصل منه كفايته مدة عمره؛ لأن

وَالْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ: قَدْرَ دَيْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يتحصل منه وإن كان شيئًا فشيئًا يكفيه عند حاجته, ولهذا قلنا في القادر على اكتساب ما يكفيه يومًا فيومًا: لا يعطى من سهم الفقر أو المسكنة, وليس المراد أنا نشتريه على ملك المزكي أو المسلمين, ولا يكون للفقير منه إلا الغلة؛ هذا ليس بمراد. وينبغي أن يقرأ (فيشترى) بضم أوله؛ ليفيد أن المشتري له الإمام, ويشبه أن يكون على الخلاف في أن الغازي يشترى له الفرس, أو يصرف له ليشتري, أو يأذن له الإمام في الشراء. فرع: لو أعطى الفقير ما يوصله إلى حد المسكنة, ثم أراد أن يعطيه ما يوصله إلى حد الغنى, فإن كان الذي يعطيه ثانيًا من تلك الزكاة من سهم المساكين .. لم يجز؛ لأنه يكون آخذًا بصفتين, وإن كان من بقية سهم الفقراء .. فيظهر جوازه, أما لو أعطي من زكاة أخرى من سهم المساكين بعد ما أخذ من سهم الفقراء .. فيجوز إن كان وقت وجوبها بعد صيرورته مسكينًا. وسكتوا عن أقل ما يعطى من الزكاة, وفي (الودائع) لابن سريج: أقله نصف درهم, وأكثره ما يخرج به من صفة الفقر إلى الغنى. قال: (والمكاتب والغارم: قدرَ دينه) , فلا يجوز أن يزاد على ذلك؛ لأن الدفع لهما للحاجة, حتى لو كان معهما البعض .. أعطيا التتمة فقط, لكن إذا أخذه المستحق وصار فقيرًا .. يعطى من سهم الفقراء. وأفراد المصنف الضمير مع العطف بـ (الواو) وهو ضعيف, وعبارة (المحرر): (قدر دينهما) وهي أصوب.

وَابْنُ السَّبِيلِ: مَا يُوَصِّلُهُ مَقْصِدَهُ أَوْ مَوْضِعَ مَالِهِ. وَالْغَازِي: قَدْرَ حَاجَتِهِ لِنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ وَفَرَسًا وَسِلاَحًا، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وابن السبيل: ما يوصله مقصده أو موضع ماله)؛ لأنه الذي يحتاج إليه. وشملت عبارة المصنف النفقة والكسوة، لكنه استغنى عن تفصيله بذكره في الغازي، وأفهمت عبارته: أنه لا يعطى للرجوع، والصحيح: أنه يعطى له كالغازي. وقيل: إن عزم على وصل الرجوع بالذهاب .. أعطي، أو على إقامة مدة .. فلا. و (المقصد) بكسر الصاد كما ضبطه المصنف. قال: (والغازي: قدرَ حاجته لنفقته وكسوته ذاهبًا وراجعًا) سواء طال أو قصر؛ لأن كل ذلك مما يحتاج إليه، وسكت الجمهور عن نفقة عياله، وتعرض لها بعض شراح (المفتاح)، قال الرافعي: وإعطاؤه ليس ببعيد؛ لأنا ننظر في استطاعة الحج إلى قدرته على ذلك. اهـ وبالذي بحثه الرافعي جزم الفارقي وغيره، وهل يعطى جميع كفايته أو ما يزيد بسبب السفر؟ وجهان كالوجهين المذكورين في ابن السبيل. قال: (ومقيمًا هناك) أي: إلى الفتح، بخلاف ابن السبيل؛ فإنه لا يعطى إلا لإقامة ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج، والفرق أن اسم الغزو باق مع الإقامة. قال: (وفرسًا)؛ إذ لابد للمقاتل منه، فيشتريان له؛ لأن الفرس والسلاح لا يكونان من عين المال الذي وجبت فيه الزكاة، فيحمل على أنهما يشتريان له. قال: (ويصير ذلك ملكًا له) هذا يقتضي: أن يكون الشراء بإذنه وتوكيله، ويكون المعطى الثمن لا الفرس والسلاح، والأمر كذلك إذا رآه الإمام، وإن رأى

وَيُهَيَّأُ لَهُ وَلِابْنِ السَّبِيلِ مَرْكُوبٌ إِنْ كَانَ السَّفَرُ طَويلاً أَوْ كَانَ ضَعِيفًا لاَ يُطيقُ الْمَشْيَ، وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَمَتَاعَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ. وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ يُعْطَى بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ استئجارها .. فله ذلك، وللإمام أن يشتري ذلك من سهم الغزاة ويقفه في سبيل الله، فله في الفرس والسلاح طرق: الشراء أو الإجارة أو دفع الثمن أو الأجرة إليه أو الوقف على الجهة، ولا يملك إلا في دفع الثمن. قال: (ويهيأ له ولابن السبيل مركوب إن كان السفر طويلاً أو كان ضعيفًا لا يطيق المشي)؛ لتتم الكفاية، فإن كان قصيرًا وهو قوي .. فلا، كمن بينه وبين مكة دون مرحلتين وهو قوي على المشي .. فإنه يلزمه الحج كذلك. وأشار بقوله: (يهيأ) إلى أن ذلك بشراء أو كراء، ونقل الشيخان عن السرخسي في ابن السبيل الشراء إن اتسع المال والكراء إن ضاق. والمراد بـ (المركوب): زيادة على الفرس الذي يقاتل عليه. قال: (وما ينقل عليه الزاد ومتاعه)؛ لاحتياجه إليه (إلا أن يكون قدرًا يعتاد مثله حمله بنفسه) وأفهمت عبارته: استرداد المركوب منهما إذا رجعا وهو كذلك. وشملت عبارته: ابنَ السبيل إذا كان في سفر نزهة على ما سبق وهو بعيد، والصواب: استثناء ذلك؛ إذ لا ضرورة إليه. قال: (ومن فيه صفتا استحقاق) كالفقير الغارم (يعطى بإحداهما فقط في الأظهر)؛ لأن الله تعالى عطف المستحقين بعضهم على بعض، والعطف يقتضي المغايرة، وبهذا قال أبو حنيفة. والثاني: بهما، لأن للفقير سهمًا وللغارم سهمًا، وهذا فقير وغارم، وإذا قلنا: لا يعطى إلا بواحدة فأخذ بالفقر .. كان للغريم أن يطالبه بدينه فيأخذ ما حصل له، وكذا إن أخذه بكونه غارمًا، فإذا بقي بعد أخذه منه فقيرًا .. فلابد من إعطائه من سهم الفقراء؛ لأنه الآن محتاج، كذا في زوائد (الروضة)، ونازعه الشيخ فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى الأظهر: إن كان العامل فقيرًا .. فوجهان؛ بناء على أن الذي يأخذه أجرة أم صدقة، إن قلنا: أجرة .. جاز، وإلا .. فلا. وهذا لا يختص بالصفتين، بل من فيه صفات كذلك. ولو قال المصنف: أخذ بأحدهما .. كان أولى؛ فقد جزما بأن الخيار للآخذ، والمراد: صفات استحقاق الزكاة، أما صفات الفيء كالغازي يكون هاشميًا .. فإنه يعطى بهما قطعًا كما تقدم. ولم يذكر المصنف ما تعطى المؤلفة والعامل، فأما الأول .. فيعطى ما يراه الإمام، وأما الثاني .. فيعطى أجرة مثله. تتمة: لو عمل على أن لا يأخذ شيئًا .. قال ابن الرفعة: لا يستحق شيئًا على القاعدة، وأورد حديثًا في (أبي داوود) عن ابن الساعدي قال: استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه .. أمر لي بعمالة، فقلت: إنما عملت لله وأجري على الله، فقال: خذ ما أعطيت؛ فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأله .. فكل وتصدق) وهو في (الصحيحين) و (النسائي) بلفظ آخر. قال ابن الرفعة: وطريق الجواب: أن العطاء لم يكن من الصدقات، بل من بيت المال، وللإمام أن يعطي من بيت المال لا على العمل. قال الشيخ: وهذا يرده قول عمر رضي الله عنه فيه: (فعملني)، ومعناه: أعطاني العمالة، والعمالة: هي الأجرة، والظاهر: أنها مما عمل فيه، ولو كانت من بيت المال .. فلا يجوز أن يعطى من بيت المال على سبيل الأجرة إلا ما هو واجب عليه، قال: وطريق الجواب عندي: أن هذا مفروض من الله لمن عمل لا يفتقر إلى

فصل

فَصْلٌ: يَجِبُ اسْتِيعَابُ الأَصْنَافِ إِنْ قَسَّمَ الإِمَامُ وَهُنَاكَ عَامِلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عقد ولا رغبة من العامل فيه، كالغنيمة يستحقها المجاهد في سبيل الله وإن لم يقصد إلا إعلاء كلمة الله، بل هو أعظم، وهكذا سهم العاملين فريضة من الله بعملهم قصدوها أو لم يقصدوها. وإذا عمل على أن لا يأخذ شيئًا .. استحق، وإسقاطه بعد العمل لا يصح؛ لأن الصحيح: أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة، فلا يسقط ذلك الجزء الذي ملكه العامل من عين المال إلا بهبة أو نحوها مما ينقل الملك. وإن قلنا: يتعلق بالذمة .. فلا يسقط إلا بإبراء صحيح بشرط العلم به، وعمر وابن الساعدي كل منهما لم يحصل منه شيء من ذلك، وليس كمن عمل لغيره عملاً على قصد التبرع حتى يقال: إن قاعدتنا أنه لا يستحق؛ لأن ذلك فيما يحتاج إلى شرط من المخلوق وهذا من الله تعالى كالميراث والغنيمة والفيء ونحوها. قال: (فصل: يجب استيعاب الأصناف إن قسم الإمام وهناك عامل)؛ لأن الله تعالى ملكهم بـ (لام) التمليك، وشرك بينهم بـ (واو) التشريك، فتقسم على ثمانية لكل صنف الثمن، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري وعكرمة. وقال أبو حنيفة وأحمد: يجوز تخصيص بعض الأصناف وبعض آحاد الصنف، وبه قال الحسن والشعبي والثوري. وقال مالك: يجوز الصرف إلى من هو أشد حاجة من الأصناف. فاتفق أبو حنيفة ومالك على جواز صرفها إلى صنف واحد، ولكن أبو حنيفة يقول: أي صنف شاء، ومالك يقول: الأمس حاجة، وسواء في ذلك زكاة الفطر وزكاة المال.

وَإِلاَّ .. فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ .. فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأغرب الحناطي فحكى عن الإصطخري جواز الاقتصار على ثلاثة من الفقراء، والمعروف ذلك عنه في الفطرة، وعن ابن الوكيل جواز صرف الزكاة لأهل الخمس، وهما شاذان. وعن أبي ثور: إن قسم الإمام .. استوعب، أو المالك .. فله أن يخص صنفًا واحدًا. قال: (وإلا .. فالقسمة على سبعة) لكل صنف السبع؛ لسقوط سهم العامل، وكذا إذا فرق رب المال بنفسه .. فإنه يسقط قطعًا، ووقع في (الشرح) و (الروضة) في موضع ما يوهم خلافه، وهو مؤول. وحكي عن النص: أن المالك إذا قسم سهم المؤلفة أيضًا .. فتصير القسمة من ستة لكل صنف السدس. قال الشيخ: وسقوط المؤلفة هنا عجيب، إن كان للفقد .. فلا خصوصية لهم، وسيأتي في حكم الفقد، ولعل سبب ذلك: أن الإمام هو الذي يتألف المؤلفة، بخلاف آحاد الناس. قال: (فإن فقد بعضهم) أي: من البلد وغيره (.. فعلى الموجودين) اتفق الأصحاب عليه، كما لو وقف على اثنين فمات أحدهما .. فإن حصته تنتقل إلى الآخر على الصحيح المنصوص، وهذا بخلاف ما إذا أوصى لاثنين فرد أحدهما حيث يعود نصيبه إلى الورثة؛ لأن المال كان لهم لولا الوصية، والوصية تبرع والزكاة دين لازم. وخالف أيضًا: ما إذا فضل الميراث عن ذوي الفروض؛ فإنه لا يرد عليهم على المذهب، لأن بيت المال وارث كالعصبة فلم يفضل شيء. ثم لمسألة الكتاب صورتان: إحداهما: فقد صنف بكماله كالمكاتبين. والثانية: فقد بعض صنف بأن لا يجد منه إلا واحدًا أو اثنين، فليحمل كلامه عليهما. فقوله: (فعلى الموجودين) في الأولى على بقية الأصناف، وفي الثانية على

وَإِذَا قَسَّمَ الإِمَامُ .. اسْتَوعَبَ مِنَ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموجودين من ذلك الصنف، إما قطعًا وإما على الصحيح، لا على غيره إلا أن يستغني الموجود من ذلك الصنف فترد على باقي الأصناف. قال ابن الصلاح: والموجود اليوم من الأصناف أربعة: الفقير والمسكين والغارم وابن السبيل. وقال ابن كج: سمعت القاضي أبا حامد يقول: أنا أفرق زكاة مالي على الفقراء والمساكين؛ لأني لا أجد غيرهم. وسكتوا عن فقد الجميع؛ لأنه كالمستحيل، فإن فرض .. حفظت حتى يوجدوا أو بعضهم. قيل: ويتعين للحفظ الإمام لا المالك، لكن في الحديث: (حتى يذهب الرجل بزكاة ماله اليوم واليومين فلا يجد من يأخذها منه) وهذا يدل على أنها تبقى عند المالك. قال: (وإذا قسم الإمام) وكذا العامل الذي فوض إليه الصرف (.. استوعب من الزكوات الحاصلة عنده آحاد كل صنف)؛ لأنه لا يتعذر عليه ذلك. وأشار المصنف بقوله: (من الزكوات الحاصلة عنده) إلى أنه لا يلزمه أن يستوعب من زكاة كل شخص الآحاد، بل له أن يعطي زكاة كل شخص بكمالها لواحد، وله أن يخص واحدًا بنوع وآخر بغيره؛ لأن الزكوات كلها في يده كزكاة واحدة، فلو أخل بصنف .. قال الماوردي: ضمن في مال الصدقات لا في مال نفسه قدرَ سهمهم من تلك الصدقة، بخلاف رب المال؛ فإنه يضمن ذلك في مال نفسه، وهذا الاستيعاب واجب على الأصح كما قاله في (تصحيح التنبيه). قال في (شرح المهذب): وأطلق كثيرون ندبه، ولم يحفظ الرافعي هذا

وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالِكُ إِنِ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمُ الْمَالُ، وَإِلاَّ .. فَيَجِبُ إِعْطَاءُ ثَلاَثَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلاف، وهو مخصوص - كما قاله في (الكفاية) - بما إذا أمكن بحيث تندفع حاجة الجميع، أما إذا لم يمكن بحيث لا تحصل لهم الكفاية بالاستيعاب .. فيستحب قطعًا؛ لئلا ينكسر قلب من لم يعط. قال: (وكذا يستوعب المالك إن انحصر المستحقون في البلد ووفى بهم المال)؛ لتيسره حينئذ، وعبارة المصنف تدل على وجوب الاستيعاب عند الإمكان سواء قل عددهم أو كثر، حتى يجب استيعاب المحصورين إذا زادوا على ثلاثة. وقد ذكر الرافعي في (الفروع المنثورة) آخر الباب: أنه لا يجب الاستيعاب إذا زادوا على ثلاثة، وذكر في (باب الوصية) مثله، وجمع الشيخ بين الكلامين فحمل الأول على ما إذا وفى المال، والكلام الذي بعده على ما إذا لم يوف. ويتلخص من كلا النقلين أنهم إن كانوا ثلاثة فأقل .. تعين الصرف إليهم وفى بهم المال أم لا، وإن كانوا أكثر من ثلاثة، فإن عسر ضبطهم .. كان الملك للجهة، ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم، وهؤلاء إنما يملكون يوم القسمة وإن سهل ضبطهم، فإن وفى المال بحاجتهم .. كانوا كالثلاثة، وإن لم يوف .. كانوا كما لو عسر ضبطهم، لكن يستحب التعميم. وضابط العدد المحصور - كما قال في (الإحياء) في اختلاط الحلال بالحرام -: أن كل عدد لو اجتمع في صعيد .. لعسر على الناظر عددهم كالألف فغير محصور، وإن سهل كعشرين .. فمحصور، وبينهما أوساط تلحق بأحدهما بالظن، وما شك فيه يستفتى فيه القلب. قال: (وإلا) أي: وإن لم ينحصروا ولم يف المال بهم. قال: (.. فيجب إعطاء ثلاثة) أي: فصاعدًا؛ لأن الله تعالى ذكرهم بلفظ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمع، والثلاثة أقله، ولا ينقص عن ثلاثة بلا خلاف نظرًا إلى المعنى. نعم؛ يجوز أن يكون العامل واحدًا إذا حصلت به الكفاية، وقد استثناه في (التنبيه)، وأهمله في (المهذب)، وتعجب المصنف في (شرحه) من إهماله، وهو وارد عليه هنا. وقيل: يكفي في ابن السبيل واحد؛ لأنه لم يذكر بلفظ الجمع، وجوز بعضهم طرده في الغزاة، فعلى الأصح: إذا دفع السهم إلى اثنين .. غرم للثالث أقل متمول على الأقيس. والمنصوص: أنه يغرم ثلث نصيب ذلك الصنف، فإن لم يقدر على ثالث .. أعطى من وجده، وصرف باقي السهم إليه إذا كان مستحقًا على الأصح. ولو صرف الإمام إلى بعض المستحقين كل السهم .. ضمن للباقين قدر حاجتهم. ثم إن عدم الانحصار .. قد يكون مع إمكان الاستيعاب ومع عدمه، ولا شك أنه مع عدم الإمكان يسقط الوجوب والاستحباب؛ إذ لا تكليف معه. فروع: ختم في (الروضة) هذا الباب بنقله عن (الإحياء): أنه يجب على الآخذ أن يسأل دافع الزكاة عن قدرها، فيأخذ بعض الثمن بحيث يبقى من الثمن ما يدفع إلى اثنين من صنفه، فإن دفع إليه الثمن بكماله .. لم يحل له الأخذ، قال: وإنما يجوز ترك السؤال عن هذا إذا لم يغلب على الظن احتمال التحريم. وقوله: (الثمن) تمثيل؛ فإن سهم العامل يسقط إذا فرق المالك كما تقدم. وإذا كثرت زكاة رجل بحيث لو بسطها على محاويج بلده كفتهم بعض كفاية، فصرفها إلى ثلاثة من كل صنف ولم يكن في القطر من يرعى المحاويج غيره .. برئت ذمته من الزكاة وعصى بتضييعهم، ولو بسطها عليهم .. سقط فرض العين وفرض الكفاية.

وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأَصْنَافِ، لاَ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ، إِلاَّ أَنْ يُقَسِّمَ الإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا امتنع الفقراء من أخذ الزكاة .. قوتلوا، ولا يصح إبراء الفقراء المحصورين ربَّ المال من الزكاة إن قلنا: تجب في العين، وهو الأصح. قال: (وتجب التسوية بين الأصناف) ولو زادت حاجة بعضهم، سواء قسم الإمام أو المالك؛ لأن الله تعالى جمع بينهم بـ (واو) التشريك فاقتضى أن يكونوا سواء، هذا إذا كانوا غير محصورين، فإن انحصروا .. لم تجب التسوية وإن وجب تعميمهم، نقله الرافعي عن (التهذيب)، وأسقطه من (الروضة)، لكن تستثنى صورتان: إحداهما: العامل حيث يستحق .. فلا يزاد على أجرة المثل، ولا يجوز أن يصرف إليه الثمن. والثانية: إذا قسم فنقص سهم بعض الأصناف عن الكفاية وزاد سهم بعضهم عليها .. فهل يصرف ما زاد إلى من نقص نصيبه أو ينتقل إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد؟ وجهان: مقتضى كلام (الروضة): ترجيح الأول، لكنه صحح في (تصحيح التنبيه) نقله. قال: (لا بين آحاد الصنف) أي: إن قسم المالك؛ لأن الحاجات متفاوتة غير منضبطة فاكتفي بصدق الاسم، لكن يستحب عند تساوي الحاجات. والفرق: أن الأصناف محصورة فتمكن التسوية بينهم، بخلاف آحاد الصنف، وبخلاف الوصية لفقراء بلد؛ فإنه تجب التسوية؛ لأن الحق في الوصية لهم على التعيين. قال: (إلا أن يقسم الإمام فيحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات)؛ لأن عليه التعميم فلزمه التسوية، بخلاف المالك؛ فإنه لا تعميم عليه فلا تسوية، وحرمة

وَالأَظْهَرُ: مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التفضيل في هذه الصورة حكاه الرافعي عن المتولي فقط، وكلام ابن الصباغ يوافقه، واختاره الشيخ، وجزم به في (المحرر)، فتبعه في (المنهاج)، وقال في (الروضة): إنه قوي إلا أنه خلاف إطلاق الجمهور استحبابَ التسوية، ونقله الصيدلاني عن النص، وجزم به ابن القشيري في (تفسيره). قال: (والأظهر: منع نقل الزكاة) أي: إذا كانت في البلد وأمكن الصرف إليهم .. فيحرم نقلها، ولا يسقط به الفرض؛ لخبر معاذ المتقدم، ولأن طمع الفقراء في كل بلد يمتد إلى ما فيها من المال والنقل يوحشهم، وبهذا قال مالك وأحمد. ولا فرق في التحريم: بين أن ينقل إلى مسافة القصر أو دونها، فلذلك أطلقه المصنف؛ لأنه نقل إلى بلد آخر ويتضرر بذلك أهل بلده، فأشبه النقل إلى مسافة القصر، ويخالف الرخص؛ فإنها متعلقة بالسفر المشق. وقيل: يجوز؛ لأنه في حكم الحضر بالنسبة إلى القصر وغيره. والثاني - وبه قال أبو حنيفة -: يجوز؛ لإطلاق الآية ولم يحك ابن المنذر عن الشافعي رضي الله عنه غيره، وقال الخطابي والبغوي في (شرح السنة): عليه أكثر العلماء، واختاره الروياني في (الحلية)، وأفتى به ابن الصلاح وابن الفركاح عند وجود مصلحة لأجل قريب ونحوه. وظاهر تعبير المصنف: أن القولين في التحريم، لكن المرجح في (الروضة) و (أصلها): أنهما في الإجزاء، أما التحريم .. فلا خلاف فيه، وقيل: بالعكس، وقيل: فيهما، وقال في (الشرح الصغير): لا يبعد التعميم. وإطلاق المصنف يقتضي التعميم في مسافة القصر وما دونها، وهو الصحيح. وقيل: بل الخلاف في مسافة القصر، ولا بأس بالنقل لدونها، لكن يستثنى من إطلاقه صور: إحداها: ما إذا فرق الإمام .. فالأشبه: جواز النقل، فيفرق كيف شاء،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك الساعي؛ لأنه في معناه. الثانية: إذا كان له نصاب من الغنم نصفه ببلد ونصفه ببلد آخر .. فإن له أن يخرج شاة بأحد البلدين على الأصح؛ فرارًا من التشقيص. الثالثة: إذا جاء الحول والمال ببادية .. فإنه يفرق في أقرب البلاد إليه. الرابعة: إذا فارق المستحقون أو بعضهم بلد المال .. فله النقل اعتبارًا بالأخذ لا بالبقعة، نقله الإمام، قال: ومنعه بعضهم عند انتقال بعضهم وفي المقيمين مقنع. فروع: مؤنة النقل - حيث جاز أو وجب - على المالك، قال الرافعي: ويمكن تخريجه على أجرة الكيال، قال الشيخ: هذا عند الوجوب صحيح، وإلا .. فعلى المالك قطعًا؛ لإمكان الصرف في البلد. ولو كان المال في بلد والمالك في بلد .. فالاعتبار ببلد المال؛ لأنه سبب الوجوب، والأصح في زكاة الفطر: اعتبار بلد المالك. وأهل الخيام الذين ينتقلون من بقعة إلى بقعة يصرفون الزكاة إلى من معهم، فإن لم يكن معهم. فإلى أقرب البلاد إليهم عند تمام الحول. ولو دخل إلى بلد المال غريب حين وجوب الزكاة .. كان كالقاطن في البلد، لكن تقديم القاطن في البلد أولى عند الشافعي رضي الله عنه من الداخل. فائدة: إذا لم يعلم الإمام بحاجة أهل الصدقة حتى قسمها في غيرهم، أو فعل ذلك بعض عماله ثم علم هو به .. فإنه يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه أضعف الصدقة في مثل هذا من قابل.

وَلَوْ عُدِمَ الأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ .. وَجَبَ النَّقْلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بينا عمر نصف النهار قائل في ظل شجرة إذا أعرابية فتوسمت الناس، فجاءته فقالت: إني امرأة مسكينة ولي بنون، وإن أمير المؤمنين عمر بعث محمد بن سلمة ساعيًا فلم يعطنا، فلعلك يرحمك الله أن تشفع لنا إليه فصاح بيرفأ أن ادع لي محمد بن مسلمة، فقالت: إنه أنجح لحاجتي أن تقوم معي إليه، فقال: إنه سيفعل إن شاء الله. وروي أنه قال لها: اذهبي فقولي له: هذا الرجل يدعوك فقالت: ليس هكذا يكون الشفيع، فجاء محمد بن سلمة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فاستحيت المرأة فقال عمر: والله ما آلو أن أختار خياركم، كيف أنت قائل إذا سألك الله عن هذه؟! فدمعت عينا محمد ثم قال: أد إليها صدقة العام وعام أول، وما أدري لعلي ما أبعثك، ثم دعا إليها بجمل وأعطاها دقيقًا وزيتًا وقال: خذي هذا حتى تلحقينا بخيبر فإنا نزيدك، فأتته بخيبر .. فدعا لها بجملين آخرين وقال: خذي هذا حتى يأتيك محمد فقد أمرته أن يعطيك حقك للعام وعام أول. قال الشيخ رحمه الله: في هذا الأثر دليل على أن مال السنة إذا فرق على المستحقين وتأخر بعضهم .. يعطى من تأخر من السنة القابلة عنها وعن الماضية، وهذا يقع كثيرًا في المدارس، ويقول من لا علم له: لا نفرق مال سنة في سنة، وإنما ذلك عند عدم المباشرة والاستحقاق، أما معهما .. فيعطى؛ لهذا الأثر، ويكون المتأخر لتلك المرأة دينًا على جهة الزكاة كدين على بيت المال، وكذا نقول في المتأخر لفقيه على وقف. قال: (ولو عدم الأصناف في البلد .. وجب النقل) أي: إلى أقرب بلد بالاتفاق كما أنا نراعي بقية الأصناف بالرد، فإذا لم نجدهم .. انتقلنا إليهم، ولأن صدقات بني تميم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، وصدقات طيء قدمت مع عدي بن حاتم على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وليكن النقل إلى أقرب البلاد إليه، وإلا .. فهو على الخلاف في نقل الصدقات،

أَوْ بَعْضُهُمْ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ .. وَجَبَ، وَإِلاَّ .. فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ، وَقِيلَ: يُنْقَلُ. وَشَرْطُ السَّاعِي كَوْنُهُ: حُرًّا، عَدْلاً، فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا بخلاف الدم الواجب في الحرم؛ فإنه إذا فقد فيه المسكين .. لم يجز نقله، سواء جوزنا نقل الزكاة أم لا؛ لأنه وجب لمساكين الحرم كمن نذر التصدق عليهم. قال: (أو بعضهم وجوزنا النقل .. وجب)؛ لتصل الزكاة إلى أربابها. والمراد بـ (البعض): غير العامل؛ فإن نصيبه إذا عدم .. يرد على الباقين بلا خلاف. قال: (وإلا .. فيرد على الباقين) أي: وجوبًا؛ لانحصار الاستحقاق فيهم. قال: (وقيل: ينقل)؛ لأن استحقاق الأصناف منصوص عليه، فيقدم على رعاية المكان الذي ثبت بالاجتهاد، وعلى هذا القول: لو نقل إلى البلد البعيد مع إمكان القريب أورد على الباقين .. ضمن، ونقله في (الكفاية) عن تصحيح الرافعي وهو سهو، ونقل فيها عن البندنيجي: أن محل الخلاف إذا لم يكف الباقين نصيبهم، فإن كفاهم .. نقل. والقولان مبنيان على أن المغلب حكم البلد أو حكم الأصناف، فالأول على الأول، والثاني على الثاني. قال: (وشرط الساعي كونه: حرًا، عدلاً)؛ لأن ذلك ولاية وتصرف في مال الغير، والعبد والفاسق ليسا من أهلها، ونبه بالعدالة على أنه لابد أن يكون مسلمًا مكلفًا، لكنه أهمل اشتراط الذكورة كما في (المهذب) و (شرحه)، وفي (الروضة) و (أصلها) اعتبارها، وفي (الكفاية) خلاف، وتقدم اشتراط: أن لا يكون من ذوي القربى ومواليهم والمرتزقة في الأصح؛ أي: إذا أخذ من الزكاة، فإن فوض إلى ذوي القربى ورزقه من المصالح .. جاز، قاله ابن الصباغ والماوردي في (الأحكام). قال: (فقيهًا بأبواب الزكاة)؛ لأنها ولاية من جهة الشرع فافتقرت إلى الفقه كالقضاء.

فَإِنْ عُيِّنَ لَهُ أَخْذٌ وَدَفْعٌ .. لَمْ يُشْتَرَطِ الْفِقْهُ. وَلْيُعْلِمْ شَهْرًا لِأَخْذِهَا. وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (أبواب الزكاة): معرفة ما تجب فيه الزكاة وقدرها، ومن تجب عليه ومن تجب له، وقدر ما يستحقه، فلا يجوز استعمال الجاهل بأحكامها وإن عرف غيرها، ويجوز تولية من عرفها وإن جهل غيرها. قال الماوردي: ويجوز استعمال المرأة لكن يكره. قال: (فإن عين له أخذ ودفع .. لم يشترط الفقه)؛ لأنها رسالة لا ولاية، قال الماوردي: ولا الإسلام ولا الحرية، قال في (الروضة): في عدم اشتراط الإسلام نظر، وقال في (شرح المهذب): المختار اشتراطه، قال الشيخ: وما قاله الماوردي لا يعرج عليه. قال: (وليعلم شهرًا لأخذها)؛ ليتهيأ أرباب الأموال لأداء زكاتهم، وهذا الإعلام إما من الساعي أو الإمام، والأصح: أنه مستحب، وقيل: واجب. وقال الشافعي والأصحاب: ينبغي أن يكون ذلك الشهر المحرم؛ لقول عثمان رضي الله عنه، المحرم شهر زكاتكم، ولأنه أول العام، ولا فرق في ذلك بين الشتاء والصيف، وفي (الشامل الصغير): رمضان أولى؛ لمضاعفة الثواب فيه. كل هذا في الزكاة التي يشترط فيها الحول، أما زكاة الزروع والثمار .. فتبعث وقت وجوبها، وهو في الزرع عند الاشتداد، وفي الثمار عند بدو الصلاح، وينبغي لأرباب الأموال إذا قدم عليهم الساعي قبل وجوبها على بعضهم .. أن يعجلها له؛ حتى لا يحتاج أن يقدم مرة أخرى، ولئلا تتعطل مصلحة الساعي والفقراء. قال: (ويسن وسم نعم الصدقة والفيء)، وكذا الجزية والخيل والحمير؛ لتتميز وليردها من وجدها ضالة، وليعرفها المتصدق فلا يتملكها؛ لأنه يكره لمن تصدق بشيء أن يتملكه اختيارًا.

فِي مَوْضِعٍ لاَ يَكْثُرُ شَعْرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة: الوسم مكروه؛ لأنه تعذيب ومثلة، وقد نهى عنهما الشارع. لنا: ما روى الشيخان عن أنس أنه قال: غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه، فوافيته وبيده الميسم يسم إبل الصدقة، ويجعل ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر، وميسم البقر ألطف من ميسم الإبل، قال شعبة: وأكثر علمي أنه قال: في آذانها، وفي رواية لأحمد وابن ماجه: يسم غنمًا في آذانها. وعبد الله بن أبي طلحة المذكور هو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه: (بارك الله لكما في ليلتكما)، فولدته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولد له عشرة ذكور كلهم قرؤوا القرآن والعلم، وأشهرهم إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة شيخ مالك. والمتولي للوسم كل من له ولاية على النعم من إمام أو ساع أو غيرهما. ويكتب في الزكاة: لله، واستبعده بعضهم بتعريضه للنجاسة، وأجيب بأنه فعل للتمييز لا للذكر والتبرك، ويختلف التعظيم باختلاف القصد، كما يتلفظ الجنب بقرآن على قصد غيره، هكذا أجاب الرافعي وغيره. والأحسن أن يستدل بما رواه البيهقي عن صفوان بن عمرو قال: كنت بباب عمر بن عبد العزيز فخرجت علينا خيل مكتوب على أفخاذها: عدة لله، فالشافعي رضي الله عنه اقتدى به في ذلك. و (الوسم): أثر الكي، وهو بالسين المهملة، وجوز بعضهم إعجامها، حكاه في (شرح مسلم)، وبعضهم جعل المهملة للوجه والمعجمة لسائر الجسد. قال: (في موضع لا يكثر شعره)؛ ليكون أهون على البهيمة وأظهر لمن يراه، والمراد: أن يكون مع ذلك صلبًا. والأولى في الغنم: الأذن، والإبل والبقر: أصول أفخاذها؛ لأن النبي صلى الله

وَيُكْرَهُ فِي اَلْوَجْهِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: يَحْرُمُ، وبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ، وَفِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) لَعْنُ فَاعِلهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم وسم الغنم في آذانها، رواه ابن ماجه، وفي الإبل، رواه الشافعي رضي الله عنه. وفي (البيهقي) عن جنادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أخر أخر) حتى وصل إلى أفخاذها فقال له: (سِمْ على بركة الله) وقيس الخيل والبقر على الإبل؛ لقوتها وجلادتها. قال الإمام: والوسم في غير الموضع الصلب .. كلام القاضي يقتضي تحريمه. قال: (ويكره في الوجه)؛ لما روى مسلم عن جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسم في الوجه). قال: (قلت: الأصح: يحرم، وبه جزم البغوي، وفي (صحيح مسلم): (لعن فاعله) والله أعلم) ولفظه: عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بحمار وسم في وجهه فقال: (لعن الله الذي وسمه) واللعن يقتضي التحريم. ودل ذلك على أنه يجوز لعن أصحاب المعاصي من غير تعيين؛ ففي (الصحيحين): أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة). و: (آكل الربا) و (المصورين). و: (من غير منار الأرض، والسارق، ومن لعن والديه، ومن ذبح لغير الله). و: (من أحدث في المدينة حدثًا، أو آوى محدثًا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و: (لعن رعلاً وذكوان وعصية). و: (لعن اليهود). و: (المتشبهين بالنساء وعكسه). و: (لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا). أما البغوي .. فهو الإمام العلامة، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود، منسوب إلى (بغ) بفتح الباء وبالغين المعجمة: مدينة معروفة بخراسان بين مرو وهراة، أحد أئمة المذهب، صنف في التفسير والحديث والفقه، وكان زاهدًا يأكل الخبز البحت، فعدل في ذلك فصار يأدمه بالزيت، ولم يلق درسًا إلا وهو على طهارة، مات سنة ست عشرة وخمس مئة، ودفن عند شيخه القاضي حسين. تتمة: كما يجوز وسم الحيوان للحاجة - وهو تعذيب - يجوز أن يخصى ما يؤكل لحمه في الصغر؛ لأنه يؤثر في طيب اللحم، ولا يجوز في الكبر وما لا يؤكل لحمه، ومنع ابن المنذر ذلك في الكبير والصغير مطلقًا؛ لأن فيه تعذيبًا للحيوان. وقال المصنف: الكي إذا لم تدع إليه حاجة حرام، سواء كوى نفسه أو غيره، آدميًا أو غيره، وإن دعت إليه حاجة بقول أهل الخبرة .. جاز. ويكره إنزاء الحمر على الخيل والعكس؛ لما روى أبو داوود بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وسبب النهي: أن ذلك يؤدي إلى قلة الخيل وضعفها، قال الحليمي: هذا في عتاقها، أما البراذين .. فلا، وهو حسن قريب في المعنى مما قاله الشيخ أبو محمد في إركابها أهل الذمة، وتوقف الشيخ تقي

فصل

فَصْلٌ: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ، وَتَحِلُّ لِغَنِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدين القشيري في جواز إنزاء الخيل على البقر؛ لضعفها وتضررها بكبر آلة الخيل. ويحرم الهراش بين البهائم؛ لما روى أبو داوود والترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. قال: (فصل: صدقة التطوع سنة) أي: مؤكدة إذا لم يعلم أن الآخذ يصرفها في معصية، قال الله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}. وصحح ابن حبان والحاكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس). وروى مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليتصدق الرجل من ديناره، وليتصدق من درهمه، وليتصدق من صاع بره). والأصح: أنها كانت محرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ذوي القربى. قال: (وتحل لغني) ولو من ذوي القربى على المشهور، لا للنبي صلى الله عليه وسلم، وسواء كان غنيًا بكسب أو مال؛ ففي الصحيح: (تصدق الليلة على غني) وفيه: (لعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله). وفي (الصحيح) أيضًا: (ما آتاك الله من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل .. فخذه) وبظاهر هذا الأمر قال ابن حزم: يجب أخذه لمن عرض عليه ولو كان غنيًا، واحتج بقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا} وهذا يتخرج على الأمر بعد الحظر، والمشهور: أنه للإباحة. وقال الماوردي والروياني: وإنما يكون على الغني صدقة إذا قصد بها وجه الله تعالى وثوابه، فإن قصد الامتنان والملاطفة .. كانت هبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعبير المصنف بـ (الحل) يفهم: أنه لا يكره أخذها، وليس كذلك، والحل مقيد بأمرين: أحدهما: أن لا يظهر الفاقة، فإن أظهرها .. حرمت عليه، وعليه حملوا حديث الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين فقال عليه الصلاة والسلام: (كيتان من نار). والثاني: أن لا يظن الدافع فقره، فإن أعطاه ظانًا حاجته .. ففي (الإحياء): إن علم الآخذ ذلك .. لم يحل له، قال: وكذلك إذا دفع إليه لعلمه أو صلاحه أو نسبه .. لم يحل له إلا أن يكون بذلك الوصف المظنون، وأن لا يكون فاسقًا في الباطن فسقًا لو علم به المعطي .. ما أعطاه. تنبيه: اقتضى إطلاقه الحل ولو بالسؤال، ولا خلاف في تحريم السؤال على الغني بمال، وكذا بكسب على الأصح؛ ففي (صحيح مسلم): (من سأل أموال الناس تكثرًا .. إنما يسأل جمرًا) ومعنى تكثرًا؛ أي: من غير حاجة، بل ليكثر ما عنده من المال، ومعنى جمرًا أي: يعذب به يوم القيامة، والسؤال لغير حاجة مكروه. وقال ابن الصلاح: السؤال حرام مع التذلل والإلحاح وإيذاء المسؤول. وقال ابن عبد السلام: الصحيح من مذهب الشافعي رضي الله عنه: جوازه؛ لأنه طلب مباح كطلب العارية وغيرها، والذم الوارد في الأخبار يحمل على الطلب من الزكاة الواجبة وليس هو من الأصناف الثمانية.

وَكَافِرٍ، وَدَفْعُهَا سِرًّا وَفِي رَمَضَانَ وَلِقَرِيبٍ وَجَارٍ أَفْضَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: جزم القرطبي بأنه يكره أن يقول الإنسان في دعائه: اللهم؛ تصدق علي بكذا؛ لأن الصدقة إنما تكون ممن يبتغي الثواب، والله تعالى متفضل بالنوال وبجميع النعم، لا رب غيره. وسمع الحسن رجلاً يقول: اللهم؛ تصدق علي، فقال له: إن الله لا يتصدق، إنما يتصدق مبتغي الثواب، أما سمعت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}؟ قل: اللهم؛ أعطني وتفضل علي. قال: (وكافر)؛ لأن (في كل كبد حرى أجر) رواه ابن حبان، وفي (الصحيحين): (في كل كبد رطبة أجر) وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}. وأما ما رواه أبو داوود والترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأكل طعامك إلا تقي) .. فمحمول على الأولى والأفضل. لكن شملت عبارة المصنف: الصدقة عليه من أضحية التطوع، وسيأتي في (بابها) أن الشافعي رضي الله عنه نص على منع ذلك. قال: (ودفعها سرًا وفي رمضان ولقريب وجار أفضل) أما السر .. فلقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه: (ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحليمي: ولا يكفي في ذلك الإخفاء، بل لابد مع ذلك من أن لا يتحدث بها، فإن أظهرها من غير رياء وسمعة لكن ليقتدى به وهو ممن يتبع .. فالإظهار أفضل. وأما الزكاة .. فالأفضل إظهارها بالإجماع، قاله في (شرح المهذب)؛ لئلا يساء به الظن، وخصه الماوردي بالأموال الظاهرة، وأما الباطنة .. فإخفاؤها أفضل؛ للآية. وأما فعلا في شهر رمضان .. فلأنه سيد الشهور، وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيه أجود بالخير من الريح المرسلة، والمراد: في إسراعها وعمومها، وقال في (الإحياء): معناه: لا يمسك شيئًا. وروى الترمذي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصدقة أفضل؟ قال: (صدقة في رمضان) ولأن الفقراء يعجزون فيه عن الكسب بسبب الصوم. وتستحب التوسعة فيه على العيال، سيما في العشر الأخير منه، وكذا في الأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة ويومي العيد وعاشوراء، وكذا في الأماكن الشريفة كمكة والمدينة، والإكثار منها أمام الحاجات المهمة، وعند الكسوف والمرض والسفر، وفي الغزو والحج. وأما القريب .. فلأن الصدقة عليه صدقة وصلة كما رواه أصحاب السنن وصححه الحاكم، فيبدأ بذي الرحم المحرم، ثم بغير المحرم، ثم بالرضاع، ثم بالمصاهرة، ثم بالولاء، قال الحليمي والدارمي: ويخص الأعداء منهم؛ لما روى الدارقطني في (علله): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) هو العدو، كذا فسره الهروي، لكن كلام (النهاية) يخالفه.

وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ .. يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتخصيصه القريب يقتضي إخراج الزوجة وهي ملحقة به، وكذلك الصديق ونحوه. وأفضلية الدفع إلى القريب لا تختص بالتطوع، بل الزكاة والكفارة كذلك إذا كانوا بصفة الاستحقاق. وأما الجار .. فلقول عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربهما منك بابًا) رواه البخاري، والجار القريب أولى من الأجنبي. فروع: يكره أن يتصدق بالرديء وبما فيه شبهة، وينبغي أن لا يمتنع من الصدقة بالقليل احتقارًا له؛ فقد كان بعض السلف يتصدق ببصلة، وتصدقت عائشة رضي الله عنها بعنبة. ويستحب أن يدفعها بطيب نفس، وأن يتصدق بما يحب. ويحرم المن بها، فإذا منَّ بها .. بطل ثوابها. ويستحب بالماء. ومن دفع إلى غلامه أو غيره شيئًا ليدفعه للسائل .. لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه السائل، ويستحب له أن لا يعود فيه إذا لم يقبضه، بل يتصدق به. قال: (ومن عليه دين أو له من تلزمه نفقته .. يستحب أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه)؛ تقديمًا للأهم، وربما قيل: يكره، وما ذكره محمول على ما إذا لم يطالب به، فإن طولب به .. فلا سبيل إلى القول بالجواز؛ لوجوب أدائه على الفور، وعبارة الرافعي: (لا يستحب له أن يتصدق) وبين العبارتين تفاوت ظاهر. قال: (قلت: الأصح: تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته،

أَوْ لِدَيْنٍ لاَ يَرْجُو لَهُ وَفَاءً، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو لدين لا يرجو له وفاء والله أعلم)؛ لأنه حق واجب فلا يترك لسنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت) رواه أبو داوود والنسائي وصححه الحاكم. وأما الدين، فإن غلب على ظنه وفاؤه من جهة أخرى .. فلا بأس بالصدقة. وكلام المصنف في (شرح المهذب) مخالف لكلامه هنا وفي (الروضة). وقال الشيخ محب الدين الطبري: في إطلاق التحريم نظر؛ فإن كبار الصحابة كانوا يؤثرون حالة الضرورة، ويخرجون عن جميع أموالهم ولا يتركون لعيالهم شيئًا، وكانوا يقترضون ويتصدقون، قال: والظاهر اختلاف الحكم باختلاف الأحوال، فعمر تصدق بنصف ماله، وأبو بكر الصديق بجميعه، فكان بينهما كما بين كلمتيهما، فسبحان من فاوت بين الخلق. الصديق تصدق بجميع ماله وثعلبة بخل بزكاته، وقيل للخليل: اذبح ولدك .. فأضجعه للذبح، وقيل لبني إسرائيل اذبحوا بقرة .. فذبحوها وما كادوا يفعلون. ولا فرق بين دين الزكاة وغيره؛ لأنها على الفور. وقال الماوردي: لا تستحب الصدقة لمن عليه زكاة. ثم لا يكفي في منع التحريم مطلق رجاء الوفاء، بل لابد من استناده إلى سبب ظاهر كما قاله في (الإحياء)، وكلام (الروضة) في (الشهادات) يقتضيه. وينبغي تخصيص المنع بدين يتعين وفاؤه على الفور، فإن كان على التراخي .. فيجوز، وقد نزل ابن الرفعة الوجهين بالتحريم والمنع على هاتين الحالتين، قال: وعلى التحريم هل يملكها المتصدق عليه؟ يشبه أن يكون على الوجهين فيما إذا وهب الماء الذي يحتاج إليه بعد دخول الوقت، ومقتضاه: أنه لا يملكه على الأصح، لكن جوزوا للمدين تخصيص بعض الغرماء بجميع ماله، ولعل الفرق أن في ذلك إسقاطًا عما في الذمة بخلاف الصدقة.

وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: إِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ .. اسْتُحِبَّ، وَإِلاَّ .. فَلاَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي استحباب الصدقة بما فضل) أي: بجميع ما فضل (عن حاجته أوجه، أصحها: إن لم يشق عليه الصبر .. استحب، وإلا .. فلا) وعلى هذا تحمل الأحاديث المختلفة الظواهر كقوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول) وصدقة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والوجه الثاني: يستحب بجميع الفاضل مطلقًا كما فعل الصديق. والثالث: لا مطلقًا؛ لقوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىّ). وقوله: (حاجته) قد يفهم عدم اعتبار حاجة من يمونه وليس كذلك، بل لابد من اعتبار الأمرين، لكنه لم يبين المراد بـ (الحاجة) هل هي في الحال أو اليوم والليلة؟ وكلام الغزالي في (الإحياء) يقتضي الثاني، وسيأتي في (السير) عن الإمام: أن الموسر تجب عليه المواساة بما زاد على كفاية سنة. ويستحب إذا تصدق بصدقة .. أن ينوي بها الصدقة عن أبويه فيحصل الثواب لهما وله؛ لما روى البيهقي في (الشعب) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال لأبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: (إذا أردت أن تتصدق بصدقة .. فاجعلها عن أبويك؛ فإنه يلحقهما ولا ينقص من أجرك شيء). تتمة: يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره إذا أذن فيه صريحًا، وبما لم يأذن فيه ولم ينه عنه إذا علمت رضاه به، فإن لم تعلمه .. حرم، وكذا حكم المملوك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة قال في (الإحياء): اختلف السلف في المحتاج، هل الأفضل له أن يأخذ من الزكاة أو من صدقة التطوع؟ فكان التجنيد والخواص وجماعة يفضلون الأخذ من الصدقة. وفضل آخرون الأخذ من الزكاة؛ لأنه إعانة على واجب ولا منة فيها. قال: والصواب أنه يختلف باختلاف الأحوال. واختلفوا في تفضيل الغني والفقير مع اتفاقهم على أن ما أحوج من الفقر مكروه وما أبطر من الغنى مذموم، والصحيح الذي عليه الجمهور: أن الغني الشاكر أفضل؛ لأنه متصف بصفتين من صفات الله تعالى فهو الغني الشكور، والفقير الصابر متصف بصفة من صفات العبيد وهي الفقر وصفة من صفات المعبود، وهي الصبر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} ومن أسمائه تعالى (الصبور)، ورجع هذا الشيخ تقي الدين القشيري وغيره. وذهب جمهور الصوفية إلى تفضيل الفقير الصابر. ومرادهم بالأفضل: أن درجته فوق درجته، واستدلوا لذلك بأمور: منها ما رواه الترمذي عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مئة عام). قال أبو حنيفة: عنى به النبي صلى الله عليه وسلم الأغنياء من غير هذه الأمة؛ ليكون على موافقة العقل، فإنا نعلم قطعًا أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما كانا من الأغنياء ولا يدخل الفقراء قبلهم الجنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال محمد بن خفيف: الفقير الصابر هو الغني الشاكر؛ لما روى البيهقي وغيره عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر). وقال الشيخ أبو علي الدقاق: الأفضل أن يعطى الإنسان قدر كفايته ويصان فيه، وهو مذهب من يرى تفضيل الاعتدال وأن خيار الأمور أوساطها، والله أعلم. ***

فهرس الكتاب كتاب اللقطة 7 فصل: في بيان حكم الملتقط 17 فصل: فيما تملك به اللقطة 37 كتاب اللقيط 49 فصل: في الحكم بإسلام الرقيق وكفره 65 فصل: فيما يتعلق برق اللقيط وحريته 76 كتاب الجعالة 89 كتاب الفرائض 107 فصل: في الفروض وذويها 128 فصل: في الحجب 136 فصل: في بيان إرث الأولاد انفرادًا واجتماعًا 143 فصل: في بيان إرث الأب والجد والأم في حالة 146 فصل: في ميراث الحواشي 151 فصل: في الإرث بالولاء 158 فصل: في ميراث الجد مع الإخوة 161 فصل: في موانع الإرث وما يتبعها 168 فصل: في أصول المسائل وما يعول منها 190 فرع: في تصحيح المسائل 198 فرع: في المناسخات 204 كتاب الوصايا 213 فصل: في الوصية بزائد على الثلث 239 فصل: في بيان المرض المخوف والملحق به 250

فصل: في أحكام الوصية 269 فصل: في أحكام الوصية المعنوية 298 فصل: في الرجوع عن الوصية 315 فصل: في الوصاية 321 كتاب الوديعة 343 كتاب قسم الفيء وَالغنيمة 379 فصل: في الغنيمة 403 كتاب قسم الصدقات 431 فصل: في مقتضى صرف الزكاة وصفة من يأخذ منها 453 فصل: في حكم استيعاب الأصناف 463 فصل: في صدقة التطوع 477 فهرس الكتاب 487

كتاب النكاح

كِتَابُ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب النكاح هو فِعال من النُّكح بضم النون وسكون الكاف، وهو بضع المرأة، يقال: نكحها؛ أي: أصاب نكحها. وأصله في اللغة: الضم والاجتماع، ومنه: تناكحت الأشجار .. إذا تمايلت وتعانقت، وأطلق على الوطء؛ لإفضائه إلى الضم، والعرب تستعمله بمعنى الوطء والعقد جميعا، لكنهم إذا قالوا، نكح فلان فلانة أو بنت فلان أو أمته أو أخته. أرادوا: تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا: نكح زوجته أو أمته .. لم يريدوا إلا المجامعة. قال الثعالبي: وله مئة اسم، وقال ابن القطان: ألف اسم، ولأصحابنا في موضوعه الشرعي ثلاثة أوجه: أصحها: انه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وبهذا قال أحمد، وهو أقرب إلى الشرع؛ لأن أكثر ما ورد في القرآن بمعنى العقد، وفي (الترمذي)] 1089 [: (أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد). والثاني: أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد، وإليه ذهب أبو حنيفة، وهو أقرب إلى اللغة. والثالث: حقيقة فيهما بالاشتراك كالعين، وإنما ينصرف لأحدهما بقرينة. ويظهر أثر الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في: أن الوطء بالزنا هل يحرم ما حرمه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النكاح أو لا؟ عندنا: لا يحرمه، وعنده: يحرمه، وإذا علق الطلاق على النكاح عندنا يحمل على العقد؛ لأنه الحقيقة لا الوطء إلا إذا نوى، حكاه الرافعي في آخر (الطلاق) عن البوشنجي. والأصح في الأصول والضوابط: انه من العقود اللازمة، وقال في (المطلب): إنه المذهب، والذي يظهر أن لزومه من جهة المرأة، وفي الزوج وجهان؛ لقدرته على الطلاق، وهل هو عقد حل أو تمليك؟ وجهان بنى عليهما المتولي ما لو حلف أنه لا ملك له وله زوجة، والمختار في زوائد (الروضة) منها: عدم الحنث إذا لم يكن له نية؛ لأنه لا تفهم منه الزوجية. والأصل في مشروعيته قبل الإجماع من الكتاب قوله تعالى:} فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ {، وقوله:} وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ {، وقوله:} ومَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً {الآيات. ومن السنة أحاديث: منها قوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم] 1467 [، وقوله صلى الله عليه وسلم: تناكحوا تكثروا) رواه الشافعي بلاغا] أم 5/ 144 [. وفي (سنن النسائي)] سك 8863 [و (البيهقي (] 7/ 78 [و (المستدرك (] 2/ 160 [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء)، وفيه في (كتاب الزهد) لأحمد: (إني أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن). وقال صلى الله عليه وسلم: (من تزوج .. فقد أحرز ثلثي دينه، فليتق الله في الثلث الباقي) كذا في (الوسيط)، وفي (الإحياء): (فقد أحرز شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني) وكلا اللفظين ليس بثابت، لكن صحح الحاكم] 2/ 161 [: من رزقه الله امرأة صالحة .. فقد أعانه على شطر دينه). فالفرج واللسان لما استويا في إفساد الدين جعل كلا شطرا، ومن روى: (للفرج

هُوَ مُسْتَحَبٌ لِمُحْتَاج إِلَيْهِ يَجِدُ ُأهْبَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلثين) ... فلأن مفسدته أعظم؛ لأنها تسري إلى غيره، إذ لا يمكن الطاعة به والمعصية إلا باجتماع فرج آخر، بخلاف اللسان، فلذلك قوبل بالثلثين؛ لاحتياجه إلى غيره، بخلاف اللسان. وروى أحمد] 5/ 163 [وابن أبي شيبة وابن عبد البر عن عكاف بن وداعة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (ألك زوجة يا عكاف؟) قال: لا، قال: (ولا جارية؟) قال: لا، قال: (وأنت صحيح موسر؟) قال: نعم والحمد لله، قال: (فأنت إذن من إخوان الشياطين، إن كنت من رهبان النصارى .. فالحق بهم، وإن كنت منا .. فاصنع كما نصنع؛ فإن من سنتنا النكاح، شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم، ويحك يا عكاف .. تزوج) فقال عكاف: يا رسول الله؛ لا أتزوج حتى تزوجني من شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: (زوجتك على اسم الله والبركة كريمة بنت كلثوم الحميري). قال: (هو مستحب)؛ لما روى أبو يعلي الموصلي] 2748 [عن ابن عباس بإسناد حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (النكاح سنتي، فمن أحب فطرتي .. فليستن بسنتي). وروى أبو منصور الديلمي عن أبي سعيد، والداري والبغوي، وأبو داوود في (المراسيل): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك التزويج مخافة العيلة .. فليس منا). قال: (لمحتاج إليه يجد أهبته)؛ تحصينا لدينه وفرجه، وغضا لبصره، ولما فيه من بقاء النسل وحفظ النسب، والاستعانة على المصالح. وفي (الصحيحين)] خ 5065 - 1400م [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة .. فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع ... فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). و (الباءة) بالمد: مؤن النكاح، وبالقصر: نفس النكاح. و (الوجاء): قطع الشهوة.

فَإِنْ فَقَدَهَا .. اُسْتُحِبَّ تَرْكُهُ، وَيَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد ب (المحتاج إليه): الذي تتوق نفسه إليه وإن كان خصيا كما سيأتي عن (الإحياء)؛ فإنه استحبه للعنين ونحوه. و (الأهبة): مؤن النكاح، وأهبة الحرب: عدته، وسواء كان الواجد للأهبة متعبدا أم لا. ووجه عدم الوجوب قوله تعالى:} فانكحوا ما طاب لكم من النساء {علقه بالاستطابة، والواجب ليس كذلك، لكن يستحب أن لا يزيد على امرأة واحدة، إلا أن يحتاج إلى أكثر منها .. فيستحب ما يحتاج إليه؛ ليتحصن به. قال: (فإن فقدها .. استحب تركه)؛ لقوله تعالى:} وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله {. وفي (صحيح مسلم)] 2742 [: (اتقوا الله واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، وليس المراد تركهن، إنما المراد: التقوى فيهن؛ فإنهن مما لا بد منه. وعبارة المصنف هنا وفي (التصحيح) تقتضي: أن الترك مطلوب، والحديث اقتضى عدم طلب الفعل وهو أعم من طلب الترك، ولا يلزم من الأعم الأخص، وعبارة (المحرر) و (الشرح): (الأولى أن لا ينكح) فلو قال المصنف: فإن فقدها لم يستحب .. كان أحسن، لكنه قال في (شرح مسلم): (يكره له) وهي أبلغ من طلب الترك. قال: (ويكسر شهوته بالصوم)؛ للحديث المذكور، والأمر فيه بالصوم للإرشاد، ولأن فيه التزام مؤن وكلف لا يستطيعها، والله تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج. وخص الصوم بالذكر؛ ليخرج الكافور وقد صرح الأصحاب بالمنع منه، لكن قال الخطابي والروياني والبغوي في (شرح السنة): إنه يؤخذ من الحديث جواز المعالجة لقطع الباه بالأدوية، فإن لم ينقطع توقانه بالصوم لشدة غلمته .. تزوج.

فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ ... كُرِهَ إِنْ فَقَدَ الأُهْبَةَ، وَإِلاَّ .. فَلَا، لَكِنِ الْعِباَدَةُ أَفْضَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن لم يحتج ... كره إن فقد الأهبة)؛ لقوله تعالى:} وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله {، ولأنه يلتزم به ما لا يقدر على القيام بمقتضاه من غير ضرورة، وعليه حمل ما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: (خيركم بعد المئتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد) رواه أبو يعلى والخطابي في (كتاب العزلة). وعدم الحاجة: إما لعدم توقان نفسه، وإما لمرض أو عجز أو غير ذلك. قال: (وإلا ... فلا) أي: إذا لم يفقد غير المحتاج الأهبة .. لم يكره؛ لقدرته عليه، ومقاصد النكاح لا تنحصر في الجماع. قال: (لكن العبادة أفضل)؛ اهتماما بها، قال الشافعي رضي الله عنه وذكر الله تعالى عبدا أكرمه فقال:} وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين {و (الحصور): الذي لا يأتي النساء، ولم يندبه إلى النكاح، وهذه مسألة خلاف بيننا وبين الحنفية، فعنده النكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادة؛ لأنه يراه من العبادات لما فيه من تكثير النسل، وعندنا وجه مثله. ومذهبنا: أن التخلي للنوافل أفضل؛ لأنه عندنا من المباحات، والعبادة عارضة له بالقصد بدليل صحته من الكافر. وفي (فتاوي المصنف): إن قصد به طاعة من ولد صالح أو الإعفاف .. فهو من عمل الآخرة ويثاب عليه، وإلا .. فهو مباح، ويؤيده قول الماوردي في (كتاب النذر): ولو نذر التزوج فإن قصد به غض الطرف وتحصين الفرج .. كان قربة، وإن

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ .. فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ الأُهْبَةَ وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائمٍ أَو تَعْنِينٍ .. كُرِهَ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد التلذذ والاستمتاع .. كان مباحا ولم يلزم قطعا. وكان ينبغي للمصنف أن يقابل الاستمتاع بالتخلي للعبادة لا بالعبادة نفسها، هذا في حق الأمة، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فكان في حقه من العبادات قطعا؛ لنقل الشريعة التي لا يطلع عليها إلا النساء، ولإظهار محاسنه الباطنة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم مكمل الظاهر والباطن. وفسر الماوردي التخلي للعبادة بالاشتغال بالعلم. قال: (قلت: فإن لم يتعبد .. فالنكاح أفضل في الأصح)؛ لأن البطالة قد تفضي إلى الفواحش. والثاني: تركه أفضل؛ لما فيه من الخطر بالقيام بواجباته. ولنا وجه في الأصل: أنه إن خاف الزنا .. وجب عليه النكاح، قال المصنف: أو التسري، ووجه أنه فرض كفاية، وسيأتي في (السير) بيان معناه. وأوجب داوود العقد فقط مرة في العمر. قال: (فإن وجد الأهبة وبه علة كهرم أو مرض دائم أو تعنين .. كره والله أعلم)؛ لما فيه من التزام الخطر وعدم القدرة على الوطء فلا تحصل به فائدة من إقامة سنة النكاح، كذا جزما به، وفيه نظر؛ لأنه لم يرد فيه نهي يخصه، وعموم أدلة الترغيب تشمله. وجزم في (الإحياء) باستحبابه للعنين؛ فإن نهضات الشهوة قوية، قال: والمسموح لا ينقطع الاستحباب في حقه، بل يؤمر به كما يؤمر الأصلع بإمرار الموسى على رأسه، قال: ومن اجتمع له فوائد النكاح من النسل والتحصين وغيرهما وانتفت عنه آفاته من تخليط في الكسب وتقصير في حقهن .. استحب له، وعكسه العزوبة له أفضل، فإن اجتمعا .. اجتهد وعمل بالأحوط.

وَتُسْتَحَبُّ دَيِّنَهُ بِكِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ تذنيب: قال الزنجاني في (شرح الوجيز): سكت الأصحاب عن حكم النساء، ويغلب على الظن أن النكاح لهن أولى مطلقا؛ لأنهن يحتجن إلى القيام بأمورهن والستر عن الرجال ولا يجب عليهن المهر والنفقة. وقال في (التنبيه): ومن جاز لها النكاح من النساء، فإن كانت لا تحتاج إليه ... كره، وإن احتاجت إليه .. استحب، ولم يقيد الجمهور تبعا ل (المختصر) الاستحباب لهما بجواز تصرفهما، وقيده في (التنبيه) تبعا للإمام؛ ليخرج غيره، فالكراهة له عند عدم الحاجة ظاهرة، بل لا يجوز؛ لأن الولي إنما يتصرف له بالمصلحة. قال: (وتستحب دينة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه] خ 5090 - م 1466 [. قال الرافعي في (الأمالي): المراد ههنا ب (الدين) الطاعات والأعمال الصالحات والعفة عن المحرمات، وهذا مراد الفقهاء بقولهم: إن الدين من خصال الكفاءة. ومعنى (تربت): استغنت إن فعلت، أو افتقرت إن لم تفعل. قال (بكر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لجابر: (هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) متفق عليه من روايته، وهذا إذا لم يكن عذر، وفي الحديث: (عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير) رواه ابن ماجه] 1861 [. ومعنى (أطيب أفواها): ألين كلمة، و (أنتق أرحاما): أكثر أولادا.

نَسِيبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدتان: الأولى: قال في (الإحياء): كما يستحب نكاح البكر يستحب أن لا يزوج ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط؛ لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خديجة: (إنها أول نسائي). ولذلك زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب أكبر بناته بابن خالتها أبي العاص بن الربيع، واسمه لقيط بن عبد العزى وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة، ولم يكن تزوج قبلها غيرها، وقال عنه صلى الله عليه وسلم: (حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي). وزوج فاطمة بابن عم أبيها علي ولم يكن تزوج قبلها غيرها. وزوج رقية عتبة بن أبي لهب لوم يكن تزوج غيرها، ثم فارقها قبل الدخول لما أنزل الله تعالى:} تبت يدا أبي لهب وتب { ، ثم تزوجها عثمان ولم يكن تزوج قبلها غيرها، فلما ماتت زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أم كلثوم؛ ليبين للناس حل تزوج الأختين. الثانية: روى أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال: كان فيمن كان قبلكم رجل حلف لا يتزوج امرأة حتى يستشير مئة نفس، وأنه استشار تسعة وتسعين رجلا فاختلفوا عليه، فقال: بقي واحد وهو أول من يطلع من هذا الفج فآخذ بقوله ولا أعدوه، فبينا هو كذلك ... إذ طلع عليه رجل يركب قصبة فأخبره بقصته فقال له: النساء ثلاثة: واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك، فالبكر لك، وذات الولد عليك، والثيب لا لك ولا عليك، ثم قال: أطلق الجواد، فقال له: أخبرني بقصتك، فقال: أنا رجل من علماء بني إسرائيل، مات قاضينا فركبت هذه القصبة وتبالهت؛ لأخلص من القضاء. قال: (نسيبة) فتكره بنت الفاسق ومن لا يعرف لها أب؛ لقوله صلى الله عليه

لَيْسَتْ قَرَابَةٌ قَرِيبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلك: (تخيروا لنطفكم) رواه ابن ماجه] 1968 [والبيهقي] 7/ 133 [، وصححه الحاكم] 2/ 163 [. وروى الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم وخضراء الدمن). قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: (المرأة الحسناء في المنبت السوء). وقال أكثم بن صيفي: المناكح الكريمة مدارج الشرف. وقال ابن عبد البر: ينبغي أن تكون من بيت معروف بالدين والقناعة. قال: (ليست قرابة قريبة)؛ لأن مقصود النكاح اتصال القبائل لأجل التعاضد والمعاونة واجتماع الكلمة، وهو مفقود في نكاح القريبة، واستدل الرافعي له تبعا (للوسيط) بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنكحوا القرابة القريبة؛ فإن الولد يخلق ضاويا) أي: نحيفا، وذلك لضعف الشهوة غير أنه يجئ كريما على طبع قومه، والحديث المذكور قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلا معتمدا. قال الشيخ: فينبغي أن لا يثبت هذا الحكم؛ لعدم الدليل، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم عليا فاطمة رضي الله عنهما، وأنشد الزمخشري في (الفائق) على ذلك] من الطويل [: فتى لم تلده بنت عم قريبة .... فيضوى وقد يضوى رديد القرائب. وأنشدني له بعض فقهاء اليمن في سنة ستين وسبع مئة] من الخفيف [: إن أردت الإنجاب فانكح غريبا .... وإلى بعض الأقربين لا تتوصل. فانتقاء الثمار طيبا وحسنا .... ثمر غصنه غريب موصل. فجملة الأوصاف التي ذكرها المصنف أربعة وبقي منها:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تكون حسنة؛ لما روى الحاكم] 2/ 161 [عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النساء من تسر إذا نظرت، وتطيع إذا أمرت، ولا تخالف في نفسها ومالها). قال الماوردي: لكنهم كرهوا ذات الجمال البارع؛ فإنها تزهو بجمالها، أو كما قال بعض الأعراب] من البسيط [: ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا .... إلا وجدت به آثار منتجع وأن لا يكون لها ولد من غيره إلا لمصلحة، كما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة. وأن تكون وافرة العقل. وأن لا يكون لها مطلق يرغب فيها ويخشى من الفتنة. وأن لا تكون شقراء ذكره صاحب (الترغيب) أبو المفاخر سعيد بن أسعد من متأخري المراوزة في المئة السادسة، وقد أمر الشافعي رضي الله عنه الربيع أن يرد الغلام الأشقر الذي اشتراه له وقال: ما لقيت من أشقر خيرا، ذكره الآبري في (مناقبه) وقصته مع الأشقر الذي أضافه في عوده من اليمن مشهورة. ويستحب أن تكون ولودا، ذات خلق حسن، وأن تكون خفيفة المهر؛ لما روى الحاكم] 2/ 178 [عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا). وقال عروة: أول شؤم المرأة أن يكثر صداقها. ويستحب أن تكون بالغة، نص عليه، إلا أن تدعو إلى ذلك مصلحة أو حاجة كتزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة. ويستحب العقد في شوال، قال في (الأحياء): وكذلك يستحب له الدخول

وَإِذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا .. سُنَّ نَظَرُةُ إِلَيْهَا قَبْلَ الخِطْبَةِ وَإِنْ لَمْ تَاذَنْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه، وأن يكون العقد في المسجد، وأن يكون أول النهار؛ لحديث: (اللهم؛ بارك لأمتي في بكورها). قال: (وإذا قصد نكاحها .. سن نظره إليها قبل الخطبة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة وقد خطب امرأة: (انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) حسنه الترمذي] 1087 [وصححه الحاكم] 2/ 165 [. قيل معنى (يؤدم): يدوم، فقدم الواو على الدال. وقيل: هو من الأدم؛ فإن الطعام لا يطيب إلا به، حكى الماوردي الأول عن المحدثين والثاني عن اللغويين. وفي (سنن أبي داوود)] 2075 [و (ابن حبان)] 4042 [عن محمد بن مسلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ألقى الله في قلب رجل خطبة امرأة ... فلا بأس أن ينظر إليها) واستدل له البخاري] 2438 [بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (رأيتك في المنام في سرقة من حرير). وقيل: هذا الأمر مباح؛ لأنه أمر بعد الحظر وهو للإباحة، ومال إليه ابن الصلاح، وتؤيده رواية أبي داوود: (لا بأس أن ينظر إليها). وقال داوود: هذا النظر واجب؛ لأن الأمر بعد الحظر عنده للوجوب. وقيل: لا يحل له أن ينظر إلا حين تحرم الخطبة على خطبته بالركون إليه أو إجابته، وقيده الشيخ عز الدين بمن يرجو رجاء مؤكدا أن يجاب. قال: (وإن لم تأذن)؛ اكتفاء بإذن الشارع خلافا لمالك.

وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ، وَلَا يَنْظُرُ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا: ما روى البزار] 3714 [والطبراني] طس 915 [وأحمد] 5/ 424 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حرج أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها وإن كانت لا تعلم). ولأنها إذا علمت .. ربما تصنعت وتجملت بما ليس فيها، ففيه نوع غرور. قال: (وله تكرير نظره) إليها؛ ليتبين هيئتها، ولئلا يندم بعد النكاح، وإنما يكرر النظر حيث احتاج إليه، والظاهر أن ذلك مقيد بثلاث؛ لأن بها تندفع الحاجة، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (أريتك في ثلاث ليال) وسواء خشي الفتنة من ذلك أم لا كما قاله الروياني والإمام. وقال الجويني في (مختصره) والغزالي في (الخلاصة): لا يتأمل عند خوف الفتنة. قال: (ولا ينظر غير الوجه والكفين)؛ لأن غيرهما عورة، ولأنها المواضع التي تظهر من الزينة المشار إليها بقوله تعالى:} ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها {، وعلله الماوردي بأن في الوجه ما يستدل به على الجمال، وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن ونعومته. ويعم بالنظر ظاهر الكفين وباطنهما، وقيل: ومفصل اليدين. وقيل: إنما ينظر الوجه فقط، وهو الذي يفهمه كلام (الوجيز)، ولم يقمه الرافعي وجها، بل أوله وليس كذلك، بل هو مقتضى كلام جماعة من العراقيين. وقيل: ينظر ما ينظره الرجل من الرجل، ولا يجوز أن ينظر إليها حاسرة بإذنها ولا بغيره. ويستحب للمرأة أيضا أن تراه إذا أرادت نكاحه؛ لأنها يعجبها منه ما يعجبه منها. وجوز أبو حنيفة ومالك النظر إلى الوجه والكفين والقدمين. وقال الأوزاعي: ينظر منها المواضع التي هي سبب رغبته فيها. وقال داوود: ينظر جميع البدن إلا الفرج؛ لإطلاق الأحاديث.

وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبيرةٍ أَجْنَبِيةٍ، وَكَذَا وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَكَذَا عِنْدَ الأَمْنِ عَلَى الصًحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كانت المخطوبة أمة .. قال ابن الرفعة: مفهوم كلامهم أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها. وإذا تعذر النظر عليه .. ينبغي أن يبعث امرأة تنظرها وتصفها له، وهو مستثنى من النهي عن ذلك للحاجة. قال: (ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية) هذا لا خلاف فيه؛ لقوله تعالى:} قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم {. والمراد ب (العورة) ههنا: عورة الصلاة، وهو ما عدا الوجه والكفين، ولا فرق في ذلك بين العنين والخصي والمجبوب وغيرهم. قال: (وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة) بالإجماع، وقيل: إنما ينظر باطن الكف فقط. وليس المراد ب (الفتنة) المخوفة الجماع، بل ما يدعو إليه، أو إلى ما دونه من خلوة ونحوها مما يشق احتماله. قال: (وكذا عند الأمن على الصحيح)؛ لأن النظر إليهن مظنة الفتنة، وأجمع المسلمون على منعهن من أن يخرجن سافرات الوجوه، واللائق بمحاسن الشريعة الإعراض عن مواضع التهم. والثاني: لا يحرم ولكن يكره، واختاره الشيخ أبو حامد، وهو المنقول عن أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمين، ولعل من هذا دخول سفيان على رابعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد نقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن المرأة لا يلزمها ستر وجهها في طريقها، بل يندب، وعلى الرجل غض البصر للآية. واعترض على المصنف في تعبيره ب (الصحيح)؛ فإن الذي في (المحرر): أنه أولى الوجهين، ومراده أولى من حيث أن فيه حما للباب، لا أنه الصحيح في المذهب. وظاهر عبارة الكتاب و (الروضة) و (أصليهما): أن وجهها وكفيها غير عورة، بل ملحق بها في تحريم النظر، وهو محتمل، ويحتمل أن يكون ذلك عورة في النظر لا في الصلاة. وقال الماوردي: عورتها مع غير الزوج كبرى وصغرى، فالكبرى: ما عدا الوجه والكفين، والصغرى: ما بين السرة والركبة، فيجب ستر الكبرى في الصلاة والصغرى عن النساء وعن رجال المحارم. وشملت عبارة المصنف: الشابة والعجوز وهو كذلك، فما من ساقطة .. إلا ولها لاقطة، ولهذا ينتقض الوضوء بلمسها. وبنى الماوردي في (الشهادات) الخلاف على اختلاف العلماء في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة) قيل: لا تتبع نظر عينك نظر قلبك. فعلى هذا: لا يأثم بالنظر بغير شهوة ويبقى على عدالته، وهو قول جمهور المتقدمين. وقيل: لا تتبع النظرة الأولى التي وقعت اتفاقا نظرة أخرى عمدا، فعلى متعمد النظر إثم يخرج به عن العدالة.

وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: ما لا يجوز النظر إليه وهو متصل كالذكر وساعد الحرة وشعرها وظفرها وشعر العانة .. في تحريم النظر إليه بعد الانفصال وجهان: أحدهما: لا؛ لأن النظر إليه بعد الانفصال لا يخاف منه فتنة. وأصحهما: استمرار التحريم، وبه أجاب أبو علي الشبوي، ومفتي مرو، وفيما يحكى: أن أبا عبد الله الخضري سئل عن النظر إلى قلامة ظفر المرأة، فأطرق الشيخ متفكرا، وكانت تحته بنت أبي علي فقالت: سمعت أبي يقول: إن كانت قلامة يدها فله النظر إليها وإن كانت قلامة الرجل فلا. قال الرافعي: والتفصيل مبني على أن يدها ليست بعورة. وقال القاضي حسين: دم الفصد والحجامة من المرأة عورة. وفي (طبقات العبادي) عن بعض الأصحاب: أن المرأة إذا وصلت شعرها بشعر حرة .. يجب ستره، أو بشعر أمة ... فلا. وفي (فتاوي البغوي): لو أبين شعر الأمة أو ظفرها ثم عتقت .. ينبغي أن يجوز النظر إليه؛ لأنه حين الانفصال لم يكن عورة، والعتق لا يتعدى إلى المنفصل. وصوتها ليس بعورة على الأصح، لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة، وإذا قرع بابها فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها بأن تجعل ظهر كفها بفيها وتجيب كذلك، وقال القاضي: إن كان لها نغمة .. فهو عورة يحرم على الرجال استماعه، وهذا يوافق ما نقله صاحب (عوارف المعارف) عن أصحابنا عن اتفاقهم على تحريم سماع الغناء من الأجنبية. قال: (ولا ينظر من محرمه بين سرة وركبة) بالاتفاق، وهذا يعم المحرم من النسب والرضاع والمصاهرة. وقيل: لا ينظر بالمصاهرة والرضاع إلا إلى البادي في المهنة. و (المحرم) هنا: من حرمت مؤبدا بسبب مباح لحرمتها كما تقدم في (نواقض الوضوء).

وَيَحِلُّ مَا سِوَاهُ، وَقِيلَ: مَا يَبْدُو فِي الْمَهْنَةِ فَقَطْ. وَالأَصَحُّ: حَلُّ النَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ إِلَى الْأَمَةِ إِلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ َوركْبَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحل ما سواه) أي: ما سوى المذكور؛ لقوله تعالى:} ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ءابائهن {الآية، ولأن المحرمية معنى يوجب حرمة المناكحة أبدا فيكونا كالرجلين أو المرأتين. قال: (وقيل: ما يبدو في المهنة فقط)؛ لأنه لا حاجة إلى ما سواه. فتلخص أن النظر إلى ما يبدو في المهنة جائز بالاتفاق، وإلى ما بين السرة والركبة غير جائز بلا خلاف، وفيما بينهما وجهان: أصحهما: الجواز، وهل الثدي زمن الرضاع مما يبدو عند المهنة؟ فيه وجهان. ويجوز للمحرم الخلوة والمسافرة بها. و (المهنة) بفتح الميم: الخدمة، وحكى أبو ثور والكسائي كسرها، وأنكره الأصمعي وقال: لم يسمع إلا مفتوح الميم. قال: (والأصح: حل النظر بلا شهوة إلى الأمة إلا ما بين سرة وركبة)؛ لما روى ابن أبي شيبة] 2/ 135 [وغيره عن عمر رضي الله عنه: انه رأى أمة وعليها جلباب مقنعة به، فسألها: أعتقت؟ قالت: لا، قال: فما بال الجلباب؟! ضعيه عن رأسك، إنما الجلباب على الحرائر، فتلكأت فقام إليها بالدرة يضرب رأسها حتى ألقته قال البيهقي: والآثار فيه عن عمر رضي الله عنه صحيحة، وعلى هذا: يكره النظر إليها. والثاني: يحرم إلا ما يبدو في حال المهنة؛ إذ لا حاجة إليه دون غيره. والثالث: أنها كالحرة، وهو أرجح دليلا، واختاره الشيخ، وسيأتي في كلام المصنف ترجيحه ونسبته إلى المحققين، وقال ابن أبي عصرون: إنه المذهب. وإنما صحت صلاتها مكشوفة الرأس؛ لأن الشارع جعل عورتها في الصلاة كعورة الرجل، وأما تحريم النظر ... فلخوف الفتنة.

وَإِلَى صَغِيرَةٍ إِلَّا الْفَرْجَ، وَأَنَّ نَظَرَ الْعَبْدِ إِلَى سَيِّدَتِهِ وَنَظَرَ مَمْسُوحٍ كَالْنِّظَرِ إِلَى مَحْرَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق في الأمة بين القنة وأم الولد، والتي عرض لها مانع من الوطء قريب الزوال أم لا كالحائض والمرهونة والمزوجة، وفي المبعضة خلاف تقدم في (شروط الصلاة). قال: (وإلى صغيرة)؛ لأنها ليست في مظنة الشهوة ولم يزل السلف على ذلك. ومقابله: لا يحل؛ لأنها من جنس الإناث، حكاه في (الوسيط)، قال ابن الصلاح: ولم أره إلا فيه، وقائله يكاد أن يخرق الإجماع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامة في الصلاة بين الناس وهم ينظرون إليها. قال: (إلا الفرج)؛ لما روى الحاكم] 3/ 257 [بسنده إلى محمد بن عياض قال: رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغري وعلى خرقة وقد كشفت عورتي،، فقال: (غطوا عورته؛ فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير، ولا ينظر الله إلى كاشف عورته) وبهذا حزم الرافعي، ورد عليه في (الروضة) بأن القاضي جزم بجواره في الصغير، وصححه المتولي، والمسألة تقدمت في (شروط الصلاة). قال: (وأن نظر العبد إلى سيدته ونظر ممسوح كالنظر إلى محرم)، أما نظر العبد .. فلقوله تعالى:} أو ما ملكت أيمانهم {. وفي (سنن أبي داود)] 4103 [بإسناد جيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة ومعه عبد قد وهبه لها وعليها ثوب لا يستر جميع بدنها، فقال صلى الله عليه ويلم: (ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك) وهذا هو المنصوص، وظاهر الكتاب والسنة، وقيد البغوي في (تفسيره) الجواز بكون العبد عفيفا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنه كالأجنبي، لأن المحرمية لو ثبتت .. لاستمرت كما في الرضاع، وبهذا قال أبو إسحاق المروزي والإصطرخي والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن أبي عصرون، وصححه المصنف في مسودة له على (المهذب)، وحمل حديث فاطمة على أن العبد كان صغيرا، واختاره الشيخ، وكلام ابن الرفعة وابن الصلاح مائل إليه، وهو قول سعيد بن المسيب وطاووس ومجاهد والشعبي وأبي حنيفة. والخلوة في جميع كذلك كالنظر، وعلى الوجهين لا بد من استئذان العبد على سيدته في الأوقات الثلاثة؛ لقوله تعالى:} ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم {الآية. كل هذا في كامل الرق لها، فو كانت تملك بعضه ... فالظاهر: أنه كالاجنبي؛ تغليبا لجانب الحرية، وقد صرح الماوردي بذلك في (شروط الصلاة) فقال: لا يختلف أصحابنا في أنه كالأجنبي مع سيدته، وذكر الرافعي في الأمة المشتركة نحوه. وشملت عبارة المصنف: المدبر ومعلق العتق بصفة والمكاتب، فأما المدبر ومعلق العتق ... فهما كذلك بلا خلاف، وأما المكاتب .. ففي (المهمات): انه كالأجنبي كما صرح به الرافعي في عكسه؛ وهو ما إذا كاتب الرجل أمته فقال: لا يحل له النظر إليها، وبه صرح القاضي حسين، كما نقله عنه ابن الصلاح والمصنف في زوائد (الروضة)، ورأى ابن الرفعة في (المطلب) تخريج وجهين فيه. وذد ذهب إلى جواز نظره إليها أبو نصر ولد الأستاذ أبي القاسم القشيري، وهو المنقول عن النص. وأما حديث أم سلمة الذي رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي: (إذا كان

وَأَنَّ الْمُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي ... فلتحتجب منه) فقال الشافعي رضي الله عنه: ذلك مما عظم الله به أمهات المؤمنين وخصهن به دون غيرهن. وأما المسموح الذي ليس بعبد للمرأة سواء كان عبدا لغيرها أم حرا .. ففي جواز نظره لها وجهان: أحدهما: أنه كنظر الفحل إلى المحارم؛ لأنه من غير أولي الإربة، وإلى هذا ذهب الأكثرون، ولهذا صححه المصنف. والثاني: أنه كنظر الفحل إلى الأجنبية؛ لأنه يحل له أن يتزوج بها، وأما غير أولي الإربة .. فاختار المصنف: أنه المغفل في عقله الذي لا يشتهي النساء، وكذا فسره ابن عباس وغيره. و (الممسوح): هو الذي ليس له ذكر ولا انثيان، وهو محل الوجهين، أما الخصي الذي سلت أنثياه وبقي ذكره .. فهو كالفحل، وقال القاضي حسين: لا خلاف أنه لا يدخل على النساء من غير حجاب؛ لأن ضرره أكثر من ضرر الفحل. و (المجبوب): الذي ذهب ذكره وبقيت أنثياه كالفحل أيضا، قال الشيخ: لا نعلم خلافا في ذلك إلا ما يوهمه كلام ابن أبي عصرون وليس مرادا. والعنين والمخنث- وهو المتشبه بالنساء- والشيخ الهم كالفحل عند الأكثرين. وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: لا يحل للخصي النظر إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته، وكذا المخنث. قال: (وأن المراهق كالبالغ)؛ لقوله تعالى:} أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء {فلا جوز لها أن تبدي له زينتها كما لا يجوز لها أن تبديها للبالغ، وهذا معنى قوله: (المراهق كالبالغ) أنها مأمورة بالاحتجاب عنه، وأما هو .. فليس بمكلف لكن يؤمر أمر تأديب.

وَيَحِلُّ نَظَرُ رَجُلٍ إِلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ. وَيَحْرُمُ نَظَرُ أَمْرَدَ بَشَهْوَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني- وهو اختيار القفال وأبي عبد الله الزبيري-: أن له النظر كما يجوز له الدخول من غير استئذان إلا في الأوقات الثلاثة المشار إليها بقوله تعالى:} ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم {الآية. ولأن الحل ثبت فلا يرتفع إلا بسبب ظاهر وهو البلوغ، والأصحاب ألحقوه هنا بالبالغ كما ألحقوه به في جواز رميه إذا نظر إلى حرمة الغير، وفيما إذا صاح عليه فمات لا يضمن إذا كان متيقظا، ولم يلحقوه به في غالب الأبواب. ويجب على المرأة الاحتجاب عن المجنون قطعا؛ لأنه بالغ ذو شهوة، وقد يكون الخوف منه أكثر. وخرج ب (المراهق) غيره من الصبيان، فلا حجاب عنهم؛ لقوله تعالى} أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء {، قيل: لم يبلغوا أن يصفوا العورات. قال: (ويحل نظر رجل إلى رجل) أي: عند أمن الفتنة بلا شهوة وهذا لا خلاف فيه. قال: (إلا ما بين سرة وركبة)؛ فإنه عورة كما تقدم. قال: (ويحرم نظر أمرد بشهوة) بالإجماع، قال في (الكافي): وهو أعظم إثما من الأجنبية؛ إذ لا سبيل إلى حله، ولا يختص ذلك بالأمرد، بل النظر إلى الرجل والمحارم وإلى كل من تقدم ممن يجوز النظر إليه شرطه عدم الشهوة، ومع الشهوة حرام، ولا فرق عند الشهوة أن يكون معها خوف فتنة أو لا.

قُلْتُ: وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد ب (الشهوة): أن ينظر لقضاء وطر في الشهوة، أما من يحب النظر إلى الوجه الجميل فنظر ليتلذ به .. فهو حرام، وليس المراد به زيادة على ذلك من وقاع وغيره فلذلك زيادة في الفسق. ووقع في (البحر) و (الحاوي): أن المحبة لاستحسان الصورة: إن كانت تفضي إلى ريبة .. كرهت، وإن كانت لاستحسان صنع الله تعالى وبديع خلقه .. لم تكره، وكانت بالاستحباب أشبه. أه ووهذا لا يعتمد. قال: (قلت: وكذا بغيرها في الأصح المنصوص)؛ لأنه مظنة الافتتان. وفي (كامل ابن عدي)] 7/ 96 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الأمرد). والثاني- وهو اختيار الإمام-: أنه لا يحرم، وإلا ... لأمر بالاحتجاب كالنسوة، واستدل له الرافعي وغيره بأن وفدا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام حسن الوجه .. فأجلسه من ورائه وقال: (أنا أخشى ما أصاب أخي داوود) وكان ذلك بمرأى من الحاضرين، فدل على أنه لا يحرم، وهذا الحديث رواه أبو حفص بن شاهين بإسناد مجهول، قال الشيخ: وهو موضوع لا أصل له. وقوله (أخشى ما أصاب أخي داوود) معاذ الله أن يكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول:} واذكر عبدنا داوود ذا الأيد {فوصفه بالقوة في الدين ولم يحصل من داوود عليه الصلاة والسلام شيء من ذلك، وما يتوهمه العامة

وَالْأصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّ الْأمَةَ كَالحُرَّةِ، وَالْلهُ أَعْلَمُ. وَالْمَرْأَةُ مَعَ الْمرْأَةِ كَرَجُلٍ وَرَجُلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وينقله بعض المفسرين والقصاص كذب، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن داوود عليه الصلاة والسلام كان أعبد البشر). والنص الذي أشار إليه المصنف نقله الداركي، لكنه مقيد بحالة الشهوة، وهو يقتضي أن لا يحرم مطلقا لا كما ادعاه المصنف. وقيده القاضي حسين والمتولي والمصنف في (رياض الصالحين) و (التبيان) و (رؤوس المسائل) بكونه حسنا، ولم يقيدوا به النساء. و (الأمرد): الشاب الذي طر شاربه ولم تبد لحيته، ولا يقال لمن أسن ولا شعر بوجهه أمرد، ولا يقال جارية مرداء. قال: (والأصح عند المحققين: أن الأمة كالحرة والله أعلم)؛ لعموم} قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم {فيحرم النظر إليها مطلقا، ورب أمة أجمل من حرائر. قال في (الروضة): وهذا أرجح دليلا، واختاره الشيخ أبو حامد والجرجاني والقاضي أبو الطيب وابن أبي عصرون والشيخ. قال: (والمرأة مع المرأة كرجل ورجل)؛ لقوله تعالى} أو نسائهن {فيجوز لها عند أمن الفتنة أن تنظر إلى ما فوق السرة ودون الركبة، وعند الشهوة يحرم ذلك، وعند خوف الفتنة الوجهان اللذان ذكرهما الإمام في الرجل مع الرجل.

وَالْأَصَحُّ: تَحْرِيمُ نَظَرِ ذِمِّيِّةٍ إِلَى مُسْلِمَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: تحريم نظر ذمية إلى مسلمة)؛ لقوله تعالى:} أو نسائهن {والذمية ليست من نسائهن. وصح عن عمر رضي الله عنه أنه منع الذميات من دخول الحمامات مع المسلمات. والثاني: أنها كالمسلمة؛ لأن الجنس واحد فكانتا كالرجلين المسلم والذمي، وصححه الغزالي، وقال ابن القشيري إنه القياس، ويدل له ما رواه الشيخان] خ 1050 - م 903 [وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها: أن يهودية جاءت تسألها فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر، فأخبرت عائشة رضي الله عنها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليها. وإذا قلنا بالتحريم .. فهل تكون معها كالرجل الأجنبي أو ترى منها ما يبدو عند المهنة؟ وجهان: أشبههما عند الشيخين: الثاني. وإطلاق المصنف (النظر) يقتضي ترجيح الأول، وبه جزم القاضي والبغوي والمتولي وغيرهم، وعلى الأصح: لا تدخل الذمية الحمام مع المسلمات، ويحرم أيضا على المسلمة التكشف بحضرتها. وسائر الكافرات كالذمية، لكن لكن يستثنى ما إذا كانت الكافرة مملوكة للمسلمة .. فلا يحرم التكشف بحضرتها للحاجة كما أفتى به المصنف، وينبغي أن يلحق بها محارمها.

وَجَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى بَدَنِ أَجْنْبِيِّ سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ إِنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً. قٌلْتُ: الْأَصَحُّ: الْتَّحْرِيمُ كَهُوَ إِلْيْهَا، وَالْلَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إن الفاسقة مع العفيفة كالذمية مع المسلمة، وبه صرح صاحب (الترغيب) من متأخري المراوزة، وقال المتولي: إن التي تميل إلى النساء بالمساحقة لا يجوز لها أن تنظر إليهن. قال: (وجواز نظر المرأة إلى بدن أجنبي سوى ما بين سرته وركبته إن لم تخف فتنة)؛ لان عائشة رضي الله عنها نظرت إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، وأذن صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس أن تعتد عن ابن أم مكتوم، رواهما الشيخان] م 1480 - 36 [، وهذا صححه الغزالي والرافعي هنا في (الشرح) و (المحرر)، وليس كنظر الرجل إلى المرأة؛ لأن بدنها عورة في نفسه، ولذلك يجب ستره في الصلاة، لكن صرح المتولي بكراهة نظرها إلى وجهه وبدنه. قال: (قلت: الأصح: التحريم كهو إليها والله أعلم)؛ لقوله تعالى} وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن {. وفي (سنن أبي داوود)] 4109 [و (الترمذي)] 2778 [و (النسائي)] سك 9197 [عن أم سلمة: أنها كانت في بيت ميمونة ودخل عليهما النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن ابن أم مكتوم الأعمى فقال: (احتجبا منه) قالت: فقلنا يا رسول الله؛ إنه أعمى لا يبصرنا! قال: (أفعمياوان أنتما.؟! ألستما تبصرانه؟!) لكن قال أبو داوود: هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وأجاب في (شرح مسلم) عن حديث عائشة بأنها لم تنظر إلى وجوه الحبشة ولا إلى أبدانهم، وإنما نظرت إلى لعبهم وحرابهم، ولا يلزم منه تعمد النظر إلى البدن.

وَنَظَرُهَا إِلَى مَحْرَمِهَا كَعَكْسِهِ. ومتى حَرُمَ الْنَّظَرُ .. حَرُمَ الْمَسُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المسالة وجه ثالث: أنها تنظر إلى ما يبدو في المهنة فقط. كل هذا إذا لم تخش الفتنة، فإن خافتها ... لم يجز قطعا، لكن يستثنى من ذلك ما إذا قصدت نكاحه .. فلها النظر إليه لا محالة. ومرادهم بالمرأة: البالغة، وينبغي أن تكون المعصر على الخلاف في نظر المراهق إليها. قال: (ونظرها إلى محرمها كعكسه) أي: كنظر الرجل إلى محرمه، وقد تقدم، والخنثى على الأصح يؤخذ فيه بالاحتياط، فيجعل مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة، وعن القفال: يحكم فيه بالجواز؛ استصحابا لما كان في الصغر حتى يظهر خلافه، وبهذا قطع جماعة، قال الشيخ والمختار الأول، لكن جزم المصنف في (شرح المهذب) بأنه يحرم على الرجال والنساء النظر إليه إذا كان في سن يحرم فيه النظر إلى الواضح. قال: (ومتى حرم النظر .. حرم المس) بل أولى؛ لأنه أبلغ في إثارة الشهوة بدليل أنه لو لمس فأنزل .. بطل صومه، ولو أنزل بالنظر .. لم يفطر، وينتقض الوضوء بالمس دون النظر، فيحرم مس الأمرد كما يحرم نظره، ويحرم على الرجل ذلك فخذ الرجل بلا حائل كما يحرم النظر إليه، وهذا الضابط يرد عليه: العضو المبان من الأجنبية يحرم النظر إليه لا لمسه. وحلقة دبر الزوجة والأمة يحرم نظرهما لا مسهما كما صرح به الدارمي في (الإستذكار)، وفرج الزوجة يحرم نظره على وجه، ويجوز مسه بلا خلاف. وكان الأحسن أن يقول: وحيث حرم النظر .. حرم المس كعبارة (المحور) و (الروضة)؛ لأن (حيث) اسم مكان، والمقصود أن المكان الذي يحرم نظره ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحرم مسه، و (متى) اسم زمان لا يلزم منها المكان. ومفهوم عبارة الكتاب: أنه حيث جاز النظر .. جاز المس، وهو غير مطرد، فلا يجوز للرجل مس وجه الأجنبية وإن جوزنا نظره، ولا مس كل ما يجوز نظره من المحارم. مهمة: حاصل ما في (الروضة): أن جميع ما يجوز النظر إليه من المحارم .. يحرم مسه، حتى يحرم مس وجه الأم ويدها ورجلها، وهو غلط مخالف للإجماع؛ فهو في (شرح مسلم) في (باب غزو البحر) نقل الإجماع على حل ذلك، ونقل فيه الاتفاق على أن أم حرام كانت محرما للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد بين الشيخ شرف الدين الدمياطي أنها لم تكن محرما له بالاتفاق. وحمل الشيخ ما في (الروضة) على الشهوة، والذي في (شرح مسلم) على الحاجة والشفقة، والسلف الصالح لم يزالوا على إباحة ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ابنته فاطمة، والصديق قبل الصديقة. فرع: لا يجوز أن يضاجع الرجل الرجل ولا المرأة المرأة وإن كان كل واحد منهما في جانب الفراش؛ لما روى مسلم] 338 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفضي

وَيُبَاحَانِ لِفَصْدٍ وَحِجَامةٍ وَعِلَاجٍ. قُلْتُ: وَيُبَاحُ نَظَرُ لِمُعَامَلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل إلى الرجل في الثوب ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب). وهذا مشروط بما إذا كانا عاريين كما ذكره في (شرح مسلم)، وصرح به القاضي حسين والخوارزمي، فإن كانا لابسين أو أحدهما .. فلا بأس. وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين .. وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه وأخته وأخيه في المضجع؛ لعموم الأمر بذلك. قال: (ويباحان) يعني: النظر والمس (لفصد وحجامة وعلاج) وكذلك الختان والتوليد للحاجة الملجئة إلى ذلك، لكن يشترط حضور زوج أو محرم أو امرأة أخرى معها. والأصح في (الروضة): اشتراط فقد امرأة تداويها ورجل يداويه، وقال القاضي والمتولي: لا يجوز أن يكون ذميا مع وجود مسلم، وأقره في (الروضة)، وقيد في (الكافي) الطبيب بالأمانة .. فلا يعدل إلى غير الأمين مع وجوده. ثم أصل الحاجة كاف في نظر الوجه والكفين، ويعتبر في غير ذلك تأكدها وهو مبيح التيمم، وفي الفرج مزيد تأكد وهو ما لا يعد التكشف له هتكا للمروءة. قال: (قلت: ويباح نظر لمعاملة)؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك بسبب العهدة

وَشَهَادَةٍ وَتَعْلِيم ـــــــــــــــــــــــــــــ والمطالبة بالثمن وغير ذلك، وكذلك الإجارات وسائر المعاملات، وكذلك عكسه، ولا ينظر في المعاملة والشهادة والتعليم إلا الوجه فقط. قال: (وشهادة)؛ لأنه يحتاج إلى ذلك، ويلزمها الكشف عند الأداء أيضا إذا قلنا: لا بد في الشهادة عليها من المعاينة كما هو المذهب، فإن اكتفينا بتعريف عدلين – وهو الذي عليه العمل كما سيأتي في (الشهادات) - امتنع النظر حينئذ، وكذلك إذا عرفها في النقاب .. فإنه لا يفتقر إلى الكشف كما قاله الماوردي، وحكاه الرافعي في (الشهادات) عن صاحب (العدة). ومن الحاجة النظر إلى الفرج للشهادة على الولادة والزنا، والثدي للشهادة على الرضاع. وقيل: لا يجوز إلا في الزنا فقط؛ لأنه هتك حرمة نفسه، وقيل: عكسه؛ طلبا للستر والذي ذهب إليه الجمهور: أنه يستوعب الوجه بالنظر. وصحح الماوردي أنه ينظر إلى ما يعرفها به، قال: ولا يزيد على النظرة الواحدة إلا أن يحتاج إلى ثانية للتحقق .. فيجوز. كل هذا إذا لم يخف الفتنة، فإن خالفها .. امتنع عليه النظر، إلا أن تكون الشهادة متعينة عليه .. فإنه يضبط نفسه وينظر. قال: (وتعليم)، المراد: تعليم ما يجب تعليمه كقراءة (الفاتحة) وما يجب تعلمه من الصنائع المحتاج إليها. وإباحة النظر للتعليم انفرد به المصنف، وذكره في (شرح مسلم) أيضا في أحاديث الإسراء وهو مشكل؛ لأن تعليم (الفاتحة) وإن كان واجبا يمكن أن تعلمه من وراء حجاب، ويشترط مع ذلك فقد الجنس كما تقدم في العلاج، وإن كان لتعليم القطن والغزل ونحو ذلك .. فالنساء أعلم به. ويمكن أن يحمل كلام المصنف على ما إذا تعذر التعليم من وراء حجاب.

وَنَحْوِهَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْلّهُ أَعْلَمُ. وَلِلزَّوْجِ الْنَّظَرُ إِلَى كُلِّ بَدَنِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ونحوها) كأمة يريد شراءها .. فينظر إلى ما تشترط رؤيته على الأصح، وهو ما عدا ما بين السرة والركبة، وكل ما جاز للرجل نظره من المرأة للحاجة .. جاز لها منه أيضا إذا تحققت حاجتها، كما إذا باعته أو اشترت منه أو استأجرت منه أو آجرته؛ لأنها تحتاج إلى معرفته لتطالبه وغير ذلك. قال: (بقدر الحاجة والله أعلم)؛ لأن ما جاز للضرورة .. يتقدر بقدرها، وهي متفاوتة كما تقد. قال: (وللزوج النظر إلى كل بدنها)؛ لأنه محل استمتاعه، وكذلك عكسه، وكذلك السيد مع الأمة المباحة له؛ لما روى الأربعة والحاكم] 4/ 180 [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو أمتك) وإذا لم يحفظ عورته منها .. لم تحفظ عورتها منه. فإن كانت الأمة مرتدة أو مجوسية أو وثنية أو مزوجة أو مكاتبة أو مشتركة بينه وبين غيره .. حرم نظره إلى ما بين سرتها وركبتها، ولا يحرم ما زاد على ذلك على الصحيح. وجوز أصبغ بن الفرج من أصحاب مالك للزوج أن يلحس فرج زوجته بلسانه، لكن يستثنى حلقة الدبر كما تقدم. ويكره النظر إلى فرج نفسه وغيره بلا حاجة، وإلى باطنه أشد كراهة، وقيل: يحرم، حكاه الماوردي وغيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (النظر إلى الفرج يورث العمى) رواه ابن عدي] 2/ 75 [والبيهقي بإسناد ضعيف] 7/ 94 [. قال في (العدة): معناه أن الولد يولد أعمى، فعلى هذا: يخرج المموح، وقيل: الناظر يعمى فيعم المموح، وصحح هذا ابن الصلاح، وحسن إسناد الحديث، قال: وأخطأ من نسبه إلى الوضع، أشار بذلك إلى ابن الجوزي؛ فإنه ذكره في (الموضوعات).

فَصْلٌ: تَحِلُّ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يورث عمى القلب. وفي وجه ثالث في (شرح مسلم): أنه حرام على الرجل مكروه للمرأة، وخص الفارقي الخلاف بغير حالة الجماع فجوز النظر عند ذلك قطعا، والمعروف إطلاقه. تتمة: جميع ما تقرر محله إذا لم يكن بالزوجة مانع، كما إذا كانت معتدة من وطء شبهة .. فإنه يحرم عليه أن ينظر إلى ما بين سرتها وركبتها، ولا يحرم ما زاد على الأصح، وقال المتولي: يحرم عليه الخلوة بها. وكل هذا بالنسبة إلى الحياة، فإن ماتت .. صار الزوج كالمحرم في النظر كما أفاده في (شرح المهذب)، وأفاد الشيخ هنا عن أبي عبد الله ابن الحاج- وكان رجلا صالحا عالما- أنه كان يذكر: أن السنة العري عند النوم وينكر النوم في الثياب. قال: (فصل: تحل خطبة خلية عن نكاح وعدة) تصريحا وتعريضا بالإجماع. وتعبيره ب (الحل) يقتضي أنها غير مستحبة، وعزاه الرافعي للجمهور، وقال الغزالي: إنها مستحبة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف والخلف. وفي (صحيح ابن حبان)] 4065 [عن أم سلمة قالت: (لما وضعت زينب .. جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يخطبني).

لَا تَصْرِيحٌ لِمُعْتَدَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشبه أن يفصل بين من يستحب له النكاح فتستحب له الخطبة، ومن لا .. فلا؛ لأن حكم الوسيلة حكم المقاصد؛ ولا يكفي في الحل خلوها عما ذكر، بل لا بد من انتفاء موانع النكاح، وأن لا يسبقه غيره بخطبتها ويجاب. ولو كان تحته أربع .. حرم عليه أن يخطب، قال الماوردي في (الإقناع)، وقياسه: تحريم خطبة من يحرم الجمع بينها وبين زوجته، وكذلك ثانية السفيه، وثالثة العبد، لكن يرد على إطلاقه المطلقة ثلاثا؛ فلا يجوز لمطلقها أن يخطبها حتى تنكح زوجا غيره وتعتد منه. و (الخطبة) بكسر الخاء: التماس التزويج، وكانت عادة العرب إذا أرادوا تزويج امرأة .. أتوا إليها أو إلى أهلها يخطبون بكلام مشجع، واشتقاقها من الخطب وهو الشأن كبر أو صغر، وكسرت الخاء منه؛ لتدل على الهيئة. قال: (لا تصريح لمعتدة) سواء كانت عن وفاة أو طلاق، بائن أو رجعي أو شبهة أو وفاة بالإجماع، ولأن الله تعالى أباح التعريض فدل على تحريم التصريح، والمعنى فيه: أن في المرأة من غلبة الشهوة والرغبة في الأزواج ما قد يدعوها إلى الإخبار بانقضاء عدتها كاذبة، فلذلك حرم الله تعالى التصريح بخطبتها. والمواعدة سرا في الآية: الخطبة على الصحيح، قال الشافعي: ولم يرد ب (السر) ضد الجهر، إنما أراد الجماع، ومن قال من الظاهرية بجواز الخطبة علانية لا سرا .. فقد جاوز الحد، لكن يستثنى من إطلاقه صاحب العدة الذي يحل له نكاحها فيها؛ فله التصريح. وفي زوائد (الروضة) في (كتاب الحج) المحرم يستحب له ترك الخطبة، وفي (الكفاية) وجه بالتحريم حتى تجوز خطبة غيره عليه، واحتج في (شرح المهذب)

وَلَا تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ، وَيَحِلُّ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَكَذَا لِبَائِنٍ فِي الْأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للكراهة بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا يخطب)، قال: وعطف الخطبة على النكاح في الحديث عطف للمكروه على الحرام، وهو جائز. قال: وقول الفارقي: المراد خطبة العقد وهي الحمد لله ... إلى آخرها خطأ فاحش، ووافق الفارقي على ذلك صاحب (الانتصار)، ووجه بأنه مقدمة العقد، فكأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الإنكاح وما يتقدمه وإن كان المتعاطي له غيره كما يكره أن يخطب لغيره. ويكره أيضا للحلال خطبة المحرمة ولا يحرم، بخلاف خطبة المعتدة حيث حرمت؛ لأنها ربما كذبت في انقضاء عدتها إذ لا يعرف إلا من جهتها، بخلاف الإحرام؛ فإنه مشاهد مضبوط. قال: (ولا تعريض لرجعية)؛ لأن الرجعية زوجة أو في حكم الزوجة، وعلم من هذا أن التصريح من باب أولى، وهذا في غير صاحب العدة كما تقدم. قال: (ويحل تعريض في عدة وفاة)؛ لقوله تعالى:} ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء {؛ لأنها من تتمة قوله:} والذين يتوفون منكم {. والفرق بينه وبين التصريح: أن التصريح تتحقق به الرغبة والتعريض لا تتحقق به، وحكى وجه: أنها إن كانت بالحمل .. لم تخطب خشية من تكلف إلقائه. قال: (وكا لبائن في الأظهر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: (فإذا حللت .. فآذيني) متفق عليه] م 1480/ 36 [، ولأن سلطنة الزوج عنها قد انقطعت. والثاني: يحرم؛ لأن لصاحب العدة أن يتزوجها فأشبهت الرجعية، وسواء في ذلك البائن بدون الثلاث أو بفسخ. وقيل: إن كانت هي الفاسخة .. امتنع قطعا؛ لظهور كراهتها له فقد تكذب في العدة.

وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما البائن بالثلاث أو بثنتين من العبد وكل من ليس لصاحب العدة نكاحها كاللعان والرضاع. الأصح: أنها كالمتوفى عنها. وقيل: كالفسخ، فكان ينبغي أن يميز البائن باستيفاء العدد، ويعبر عنها بالمذهب؛ فإن الأصح: الجزم فيها بالجواز. والتعريض كقوله: رب راغب فيك، ومن يجد مثلك، وأنت جميلة، وإذا حللت فآذيني، والتصريح كقوله: أريد أن أتزوجك. وسواء الأقراء والأشهر، وقيل: يحرم في الأقراء قطعا. ثم من التعريض ما يحرم كقوله: عندي جماع يرضي من جومعت، ومباح وهو ما تقدم، وقيل: التعريض بالجماع تصريح بالخطبة. وحكم الجواب تصريحا وتلويحا كالخطبة إن حرمت .. حرم، وإلا .. فلا، قال الشيخ: ذكر الأصحاب التصريح بالخطبة والتعريض، ولم يذكروا الكناية وهي رتبة متوسطة بينه وبين التصريح، قال: والذي يظهر أنها ملحقة بالتصريح، فتحرم حيث يحرم؛ لأنها أبلغ من التعريض. قال: (وتحرم خطبة على خطبة من صرح بإجابته إلا بإذنه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا بإذنه) متفق عليه] خ 5142 - م 1408/ 38 [، ولما فيه من الإيذاء والتقاطع، وسواء كان الأول كفءا أو غير كفء، مسلما أو ذميا، وذكر الأخ في الحديث خرج مخرج الغالب. وقال ابن حربوبه: يختص التحريم بالخطبة على خطبة المسلم، وبه قال الأوزاعي، وبمثله أجابا في السوم على السوم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصرح بالإجابة: المجبر أو السيد، أو هي إن انتفى الإجبار والرق، أو السلطان في المجنونة، أما من عرض بإجابته كلا رغبة عنك .. فالجديد: الكراهة، والقديم: التحريم، ويحكى عن أبي حنيفة ومالك. فإذا أذن في الخطبة على خطبته .. جاز، ولنا وجه في السوم على السوم: أنه يحرم وإن أذن لا يأتي هنا؛ لأن هناك البيع موجود بعد الترك وهنا الخطبة بعده غير موجودة. واقتصاره على استثناء الإذن ليس للحصر، بل لو ترك أو طال الزمان بعد إجابته بحيث يعد معرضا .. لم تحرم؛ لان تركه يدل على إعراضه، وكذلك لو غاب مدة يحصل لها الضرر بها، أو رجعوا عن إجابته أو نكح من يحرم الجمع بينها وبين المخطوبة. ولا يخفى أن شرط الخطبة الأولى أن تكون جائزة، فإن كانت محرمة كالواقعة في العدة .. لم تحرم الخطبة عليها، قاله في (البحر)، لكن في زوائد (الروضة) عن الصيمري: أنه لو خطب خمس نسوة دفعة فأذن .. لم يحل لأحد خطبة واحدة منهن حتى يتركها الأول، أو يعقد على أربع فتحل الخامسة، وإن خطب كل واحدة وحدها فأذن .. حلت الخامسة دون غيرها، قال المصنف: والمختار: تحريم الجميع؛ إذ قد يرغب في الخامسة. وشرط الإذن المحرم أن يكون من معين، فلو أذنت لوليها أن يزوجها ممن شاء .. صح وحل لكل أحد أن يخطبها على خطبة الغير، نقله في (البحر) عن نص (الأم)،

فَإِنْ لَمْ يُجِبْ وَلَمْ يُرَدَّ .. لَمْ تَحْرُمْ فِي الْأَظْهَرِ. وَمَنِ اسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ .. ذَكَرَ مَساوِئَه بِصِدْقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واشترط القاضي في التحريم: أن يكون عالما بالنهي، فلو جهل .. جاز الهجوم. وإذا خطب من حرمت عليه الخطبة وتزوج .. آثم وصح النكاح؛ لأن المحرم الخطبة لا العقد، وقال مالك وداوود لا يصح النكاح؛ للنهي عنه. ويجوز أن يخطب من لم يعلم هل خطبت أم لا، ومن لم يعلم هل أجيب خاطبها أم لا، وهو قريب من العمل بالعام قبل البحث عن المخصص. قال: (فإن لم يجب ولم يرد .. لم تحرم في الأظهر)؛ لأنه لم يبطل حقا تقرر بينهما، ولأن فاطمة بنت قيس قالت: يا رسول الله؛ إن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال لها: (انكحي أسامة)؛ لأنها لم تجب واحدا من الأولين ولا ردته. والثاني: تحرم؛ لإطلاق حديث النهي. قال: (ومن استشير في خاطب .. ذكر مساوئه بصدق) بدليل خبر فاطمة بنت قيس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للخاطبين بما يكرهانه فقال: (أما أبو جهم .. فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية. فصعلوك لا مال له) والمراد: أن أبا جهم كثير الضرب للنساء كما جاء مصرحا به في رواية مسلم] 1480/ 47 [. وقيل: كنى به سوء الخلق، وقيل: عن كثرة السفر، وعن أبي بكر الصيرفي: أنه كنى به عن كثرة الجماع، واستبعد ذلك؛ لبعد اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الحالة من غيره، ثم لبعد ذكره عن خلقه وأدبه، ثم لأن المرأة لا ترغب عن الخاطب بذلك. ومعاوية المذكور في الحديث: هو ابن أبي سفيان على المشهور، وقيل: بل غيره. وليس ذكر هذا من باب الغيبة، بل من النصيحة، ولهذا قال في (الإحياء): يشترط قصد النصيحة لا الوقيعة، وإليه أشار المصنف بقوله (بصدق)، وقد روى البخاري تعليقا بصيغة جزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استنصح أحدكم أخاه .. فلينصح له). فإن حصل الغرض بذكر بعض المساوئ كقوله: لا خير لك فيه ونحوه .. لم يحل تعيينها، قاله في (الأذكار) و (الإحياء) وابن عبد السلام في (قواعده). تنبيهات: أحدها: لم يبين المصنف هل ذكر هذا واجب على المستشار أو مستحب، وبالوجوب صرح صاحب (الترغيب) والقفال في (الفتاوى) وابن عبد السلام وابن الصلاح وغيرهم، وفي (الإحياء) و (الرياض) ما ظاهره الوجوب أيضا، واختاره الشيخ، وحمل عليه كلام (المنهاج)، وعبارة (الشرح) و (الروضة): يجوز أن يصدق، وفي (المحرر): عليه أن يصدق، والمعتمد الوجوب، كمن علم بالمبيع عيبا .. فإنه يجب عليه ذكره. وحكم الاستشارة في المخطوبة كذلك. وأفهمت عبارة المصنف: أنه إذا لم يستشره .. لا يذكر ذلك، ومقتضى كلام ابن الصلاح: وجوب الذكر ابتداء من غير استشارة، ولا يبعد ذلك؛ فإنه قياس من يعلم

وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمبيع عيبا، وقد يفرق بأن الأعراض أشد حرمة من الأموال. الثاني: لو استشير في عيوب نفسه هل يجب عليه أن يذكرها، أو لا، أو يستحب؟ فيه نظر، وعموم كلام الشيخين يقتضي الذكر. الثالث: قال المصنف وغيره: الغيبة تباح بستة أسباب: التظلم، والاستفتاء، والاستعانة على إزالة المنكر، ولتحذير الناس من الشر، وأن يكون متجاهرا بالفسق أو البدعة، وللتعريف- إذا لم يعرف إلا بذلك- كقول المحدثين: سليمان الأحول، وواصل الأحدب، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وسليمان بن مهران الأعمش، وسلمة بن الفضل الأبرش، ومالك بن الحارث الأشتر، ونحو ذلك مما تدعو الضرورة إليه وليس فيه قصد الاستخفاف والأذى، وقد قال عبد الله بن مسعود لعلقمة: (أو تقول ذلك يا أعور). قال: (ويستحب تقديم خطبة قبل الخطبة) فيحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصي بتقوى الله ثم يقول: جئتكم خاطبا كريمتكم، ويخطب الولي كذلك ثم يقول: لست مرغوب عنه أو ما في معناه، وهذا متفق على استحبابها. قال: (وقبل العقد) أي: وأخرى قبل العقد؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد الله .. فهو أبتر). و (الأبتر): الناقص، وهذه آكد استحبابا من التي تقدمت. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام وداوود: لا يصح العقد إلا بها، وهما محجوجان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنكحتها بما معك من القرآن) ومل يذكر خطبة، وقال: (انكحي أسامة) ولم يذكر خطبة. وسواء خطب الزوج أو الولي أو أجنبي .. حصل الاستحباب. وتبرك الأئمة لخطبة النكاح بما روى الأربعة والحاكم] 2/ 182 [عن عبد الله بن مسعود قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: (الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله .. فلا مضل له، ومن يضلل .. فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا {،} يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون {،} يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا {) الآية. وكان أحمد إذا لم تذكر هذه الخطبة في عقد .. انصرف. وكان القفال يقول بعدها: أما بعد: فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا مؤخر لما قدم، ولا مقدم لما أخر، ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب قد سبق، وإن مما قضى الله وقدر أن خطب فلان ابن فلان فلانة بنت فلان على صداق كذا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم أجمعين. واستحب الشافعي للولي أن يقول ما قال ابن عمر: (أزوجك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فإن قاله قبل العقد ... فذاك، وإن قيد به الولي الإيجاب وقبل الزوج مطلقا أو ذاكرا له .. صح في الأصح.

وَلَوْ خَطَبَ الْوَلِيُّ، فَقَالَ الْزَّوْجُ: الْحَمْدُ لِلّهِ وَالْصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبِلْتُ .. صَحَّ الْنِّكَاحُ عَلَى الْصَّحِيحِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. قُلْتُ: الْصَّحِيح: لَا يُسْتَحَبُّ، وَالْلهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ طَالَ الْذِّكْرُ الْفاصِلُ .. لَمْ يَصِحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو خطب الولي، فقال الزوج: الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبلت .. صح النكاح على الصحيح)؛ لأن المتخلل من متعلقات الصيغة ومصالح العقد فلا يقطع الموالاة كالإقامة بين صلاتي الجمع. والثاني: لا يصح؛ لأنه تخلل بينهما ما ليس من العقد، وصححه الماوردي، وقواه الشيخ وقال: إنه قول جميع الأصحاب، ونسب الأول إلى الشيخ أبي حامد وخطأه فيه، وأما الرافعي .. فنسب الأول إلى المعظم. وقوله: (قبلت) مراده إذا قال: قبلت نكاحها؛ لأنه سيأتي أن الاقتصار على قبلت لا ينعقد به على الأصح. قال: (بل يستحب)؛ لأنه أمر ذو بال. قال: (قلت: الصحيح: لا يستحب والله أعلم)؛ لأنه لم يرد فيه توقيف، والخروج من الخلاف أولى، وهذا التصحيح مخالف لما في (الشرحين) و (الروضة)، فحاصل ما فيها استحباب ذلك، واقتصاره على الحمد لله والصلاة يقتضي أنه لو ضم إليه الوصية .. ضر؛ للطول، وهو مقتضى تصوير (الشرحين) و (الروضة)، لكن ذكرا بعد ذلك في (الشرحين) و (الروضة) استحبابه وهو بعيد. قال: (فإن طال الذكر الفاصل .. لم يصح)؛ لإشعاره بالإعراض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضبط القفال الطول بقدر ما لو كانا ساكتين فيه .. لخرج الجواب عن كونه جوابا. وأفهم قول المصنف: (الذكر): أن غيره من الكلام الأجنبي يبطل مطلقا ولو كان يسيرا وهو الأصح هنا، لكن صحح الشيخان في (باب الخلع): أنه لا يضر اليسير، ونقلاه في (الاستثناء في الطلاق) عن تصحيح الإمام. فائدة: روى الشيخ محب الدين الطبري والحسن بن عبد الله بن سهل العسكري أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح فاطمة رضي الله عنها: (الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب عقابه وسطواته، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، ودبرهم بحكمته، وأمرهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا، أوشح بها الأرحام، وأزال بها الآثام، وأكرم بها الأنام فقال عز من قائل:} وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا {، فأمر الله تعالى يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكن قضاء قدر، ولكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي، وقد أوجبته على أربع مئة مثقال من فضة إن رضي بذلك علي) فقال علي: رضيته عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (جمع الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شملكما، وأسعد جدكما، وأخرج منكما كثيرا طيبا قال جابر: فو الذي بعثه بالحق! لقد أخرج الله منهما كثيرا طيبا. تتمة: يستحب أن يدعى لهما بعد العقد فيقال: بارك الله لكل منكما في صاحبه وجمع بينكما في خير، ويكره أن يقال: بالرفاء والبنين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. و (الرفاء): الالتئام والاتفاق والبركة والنماء، وهو من قولهم: رفأت الثوب، والبنين: جمع ابن. ويستحب أن يأخذ الزوج بناصيتها أول ما يلقاها ويقول: بارك الله لكل منا في صاحبه، وأن يقول عند إرادة الجماع: (باسم الله .. اللهم؛ جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا). وفي (الإحياء): يكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر والأخيرة منه وليلة النصف؛ فيقال: إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي، ويقال: إنه يجامع، قال: وإذا قضى وطره فليمهل عليها حتى تقضي وطرها، قال: وفي الوطء ليلة الجمعة أجران، ويستحب ألا يترك الجماع عند قدومه من سفره، ولا يحرم وطء الحامل والمرضع.

فَصْلٌ: إِنَّمَا يَصِحُّ الْنِّكَاحُ بِإِيجَابٍ- وَهُوَ: زَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُكَ- وَقَبُولٍ؛ بِأَنْ يَقُولَ الْزَّوْج: تَزَوَّجْتُ، أَوْ نَكَحْتُ، أَوْ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: إنما يصح النكاح بإيجاب- وهو: زوجتك أو أنكحتك- وقبول؛ بأن يقول الزوج: تزوجت، أو نكحت، أو قبلت نكاحها أو تزويجها) أما اعتبار أصل الإيجاب والقبول .. فبالاتفاق كسائر العقود، وأما خصوص هذا اللفظ .. فلما سيأتي. ولا يشترط توافق الإيجاب والقبول في اللفظ بلا خلاف، وبهذا يتم كون (أو) في كلام المصنف للتخيير. وقول الزوج: تزوجت أو نكحت قائم مقام القبول، ويسمى قبولا، ونقل الوزير ابن هبيرة عن الأئمة الأربعة انعقاده بقبوله: رضيت نكاحها، قال الشيخ: ونقل ذلك يجب التوقف فيه، والذي يظهر أنه لا يصح، لكن عبارته تفهم وجوب إضافة الضمير إليها، فلو قال: قبلت النكاح أو التزويج ... لا يصح، وهو الذي في (الرافعي)، لكن نص في (الأم) على الصحة، وحكى الشيخ أبو حامد والمحاملي الاتفاق عليه، وجميع ما ذكره المصنف بالنسبة إلى صحة النكاح، أما المسمى .. فلا يلزم إلا إذا صرح به الزوج في لفظه، فإن لم يذكره .. وجب مهر المثل، صرح به الماوردي والروياني وابن يونس في (شرح التعجيز).

وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْزَّوْجِ عَلَى الْوَلِيِّ. وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ الْتَّزْوِيجِ أَوِ الإِنْكَاحِ. وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجوز تقدم لفظ الزوج على الولي)؛ لحصول المقصود تقدم أو تأخر، هذا فيما إذا قال: تزوجت أو نكحت؛ لأنه أحد شقي العقد فلا فرق بينه وبين إيجاب الولي في التقديم والتأخير، كما لو قال المشتري: اشتريت، فقال البائع: بعت، أما لفظ قبلت .. فلا يجوز تقديمه. قال: (ولا يصح إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الحج: (اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وليس في القرآن والسنة كلمة مستعملة في العقد غيرهما، ولأن النكاح نزع إلى العبادات؛ لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تتلقى من الشارع ولم يرد غيرها بين اللفظتين. وقال أبو حنيفة: ينعقد النكاح بلفظ التمليك والبيع والهبة والصدقة مع ذكر المهر، ولا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة. وقال مالك: ينعقد بسائر الألفاظ بشرط ذكر المهر. وقول المصنف: (لا يصح إلا بلفظ) ليس تكرارا مع قوله: (إنما يصح بإيجاب ...)؛ إلى آخره؛ لأن الكلام ثم في اشتراط الصيغة، وهنا في التعيين. قال: (ويصح بالعجمية في الأصح)؛ لأنه لفظ لا يتعلق به إعجاز فاكتفى بترجمته عند العجز كالتكبير، هذا إذا أتى بمعنى لفظ التزويج أو الإنكاح، سواء عرف العربية أم لا.

لَا بِكِنَايَةٍ قَطْعا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراده ب (العجمية): غير العربية من اللغات. والثاني: لا يصح؛ لأنه عدل عن الإنكاح والتزويج مع القدرة، فصار كما لو عدل إلى البيع والتمليك، ويحكى هذا عن أحمد، فعلى هذا: يصبر إلى أن يتعلم أو يوكل. والثالث: إن لم يحسن العربية ... انعقد، وإلا .. فلا. وفي (البسيط) وجه رابع فارق بين من يمكنه التعلم وبين غيره. وخامس في (التجريد) لابن كج عن الشيخ أبي حامد: إن أتى بلفظ صريح في ذلك اللسان .. جاز، وإلا ... فلا، وإذا صححنا فذاك إذا فهم كل منهما كلام الآخر، فإن لم يفهم وأخبره ثقة عن معنى اللفظ .. ففي الصحة وجهان في (الشرح) و (الروضة) من غير ترجيح، والقياس: المنع. ويشترط علم الشهود بلغة المتعاقدين على الصحيح. وقيل: ينعقد بمن لا يعرف لسانهما؛ لأنه ينقله إلى الحاكم. قال: (لا بكناية قطعا)؛ لأنه لا مطلع للشهود على النية، ولهذا لا ينعقد بها البيع المشروط فيه الإشهاد، فإن قال: نويت .. فهم شهود على إقراره بالعقد لا على نفس العقد.

وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ، فَقَالَ: قَبِلْتُ .. لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (قطعا) من زيادات المصنف على (المحرر) و (الروضة) ألحقها بخطه، وهي زيادة صحيحة لا يعترض عليها بأن في (المطلب) في (كتاب الطلاق) خلافا؛ فهو واه لا يعتد به، لكن يشكل على ما قطعوا به من عدم الصحة ما إذا قال: زوجتك بنتي ونويا معينة .. فإنه يصح مع أن الشهود لا إطلاع لهم على ما نوياه. ويتفرع على عدم انعقاده بالكناية: ما إذا كتب بالنكاح إلى غائب أو حاضر .. فإنه لا يصح. وقيل: يصح في الغائب، وليس بشيء؛ لأنه كناية. ولو خاطب غائبا بلسانه فقال: زوجتك بنتي، ثم كتب فبلغه الكتاب أو لم يبلغه وبلغه الخبر فقال: قبلت نكاحها .. لم يصح على الصحيح. وإذا صححنا في المسألتين .. فشرطه القبول على الفور، وأن يقع بحضرة شاهدي الإيجاب. وإذا استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة .. لم تكلف الكتابة، بل يشترط اللفظ على المذهب، وليس للمكتوب إليه اعتماد الخط على الصحيح. قال: (ولو قال: زوجتك، فقال: قبلت .. لم ينعقد على المذهب)؛ لأنه لم يوجد منه التصريح بواحد من لفظي النكاح والتزويج، والنكاح لا ينعقد بالكنايات. والثاني: يصح؛ لأن القبول ينصرف إلى ما أوجبه الولي فكان كالمعاد لفظا، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. وقيل: يصح قطعا، وقيل: لا يصح قطعا.

وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي، فَقَالَ: زَوَّجْتُكَ، أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: تَزَوَّجْهَا، فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ .. صَحَّ: وَلَا يَصِحُّ تَعْلِقُهُ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: قبلت النكاح أو قبلتها .. فخلاف مرتب وأولى بالصحة. قال: (ولو قال: زوجني، فقال: زوجتك، أو قال الولي: تزوجها، فقال: تزوجت .. صح)؛ لوجود الاستدعاء الجازم. وفي (الصحيحين) عن سهل بن سعد: أن الأعرابي الذي خطب الواهبة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: زوجنيها، فقال: (زوجتكها) ولم ينقل أنه قال بعد ذلك: قبلت، وهذا ظاهر المذهب، وقيل: فيه الخلاف في البيع. وتشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول على ما سبق في البيع، فلا يضر الفصل اليسير، ويضر الطويل وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول. وإذا وجد أحد شقي العقد من أحد العاقدين .. فلا بد من إصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر، فلو رجع عنه .. لغا العقد. وكذا لو أوجب ثم جن أو أغمي عليه .. لغا إيجابه وامتنع القبول. وكذا لو أذنت المرأة في تزويجها حيث يعتبر إذنها ثم أغمي عليها قبل العقد .. بطل إذنها. ويشترط وقوعه على الجزم، فلو كان هازلا .. فوجهان: رجح الغزالي و (الحاوي الصغير) عدم الصحة، والأصح في (الروضة): الانعقاد؛ لحديث: (ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد). ويشترط في كل من الزوجين أن يكون معينا. قال: (ولا يصح تعليقه) مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر .. فقد زوجتك؛

وَلَوْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَقَالَ: إِنْ كَانَ أُنْثى .. فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، أَوْ قَالَ: إِنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلُقَتْ وَاعْتَدَّتْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا .. فَالْمَذْهَبُ: بُطْلَانُهُ. ولَا تَوْقِيتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن البيع والمعاوضات لا تقبل التعليقات، فالنكاح مع اختصاصه بوجه الاحتياط أولى. ولو قال: زوجتك إن شاء الله .. فأطلق في (التلخيص) البطلان، ولا تبعد الصحة إذا أراد التبرك. قال: (ولو بشر بولد فقال: إن كان أنثى .. فقد زوجتكها، أو قال: إن كانت بنتي طلقت واعتدت فقد زوجتكها .. فالمذهب: بطلانه) ولو وافق ذلك الواقع في نفس الأمر؛ لفساد الصيغة. وقيل: وجهان كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. قال البغوي: ولو بشر ببنت فقال: إن صدق المخبر فقد زوجتكها .. صح، ولا يكون ذلك تعليقا، بل هو تحقيق كقوله: إن كنت زوجتي .. فأنت طالق، وتكون (إن) بمعنى (إذ)، قال: وكذا لو أخبر من له أربع نسوة بموت إحداهن، فقال لرجل: إن صدق المخبر فقد تزوجت بنتك، فقال ذلك الرجل: زوجتكها .. صح. قال الرافعي: وهذا الذي قاله البغوي يجب أن يكون مفروضا فيما إذا تيقن صدق المخبر، وإلا .. فلفظ (إن) للتعليق، وقال الشيخ: هو تعليق تيقن صدقه أم لا لصورة التعليق. قال: (ولا توقيته) سواء قيده بمدة مجهولة أو معلومة، وهو نكاح المتعة، سمي به لأن الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وسائر أغراض النكاح، وكان ذلك جائزا في ابتداء الإسلام لمن اضطر إليها كأكل الميتة، ثم حرمت عام خيبر، ثم رخص فيها عام الفتح، وقيل: عام حجة الوداع، ثم حرمت إلى يوم القيامة. وفي (الصحيحين)] خ 5115 - م 1406/ 21 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال كنت قد أذنت في الاستمتاع بهذه النسوة، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء .. فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا).

وَلَا نِكَاحُ الْشِّغَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعلم شيئا حل ثم حرم ثم حل ثم حرم إلا المتعة. وقال الحافظ المنذري: نكاح المتعة نسخ مرتين، ونسخت القبلة مرتين، وحرم لحوم الحمر الأهلية مرتين. فإذا وطئ في نكاح المتعة جاهلا بفساده .. فلا حد، وإن علم .. فلا حد أيضا على المذهب وحيث لا حد يجب المهر والعدة ويثبت النسب. ولو قال: نكحتها متعة، ولم يزد على ذلك .. فوجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): البطلان. قال: (ولا نكاح الشغار)؛ لما روى الشيخان] خ 5112 - م 1415 [وغيرهما عن عبد الله بن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار). والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، وفي رواية: (وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى). قال الأئمة: وهذا التفسير يجوز أن يكون مرفوعا، ويجوز أن يكون من عند ابن عمر رضي الله عنهما، وهو أعلم بتفسير الحديث من غيره. واختلفوا في علة البطلان، والمشهور: أنه التشريك في البضع؛ لأنه جعله مورد العقد وصداقا فأشبه تزويجها من رجلين، وقيل: لخلوه عن المهر. وعول الإمام على الخبر، وضعف المعنيين المذكورين. وهو بكسر الشين وبالغين المعجمتين، سمي به من قولهم: شغر البلد عن السلطان إذا خلا؛ لخلوه عن المهر، ويقال: لخلوه عن بعض الشرائط. وقيل: من قولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول؛ لأن كل واحد منهما كأنه يقول: لا ترفع رجل ابنتي ما لم أرفع رجل ابنتك.

وَهُوَ: زَوَّجْتُكهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنُتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وّاحِدَةٍ صَدَاقٌ لِلأُخْرَى فَيَقْبَلُ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلِ الْبُضْعَ صَدَاقاً. فَالْأَصَحُّ: الْصِّحَّة، ولَوْ سَمَّيَا مَالاً مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقاً .. ْ بَطَلَ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو: زوجتكها على أن تزوجني بنتك وبضع كل واحدة صداق للأخرى فيقبل)؛ لما تقدم في حديث ابن عمر. ومثله أن يقول: زوجتك بنتي وتزوجت بنتك أو أختك على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للأخرى، فيقول المخاطب: تزوجت على ما ذكرت. قال: (فإن لم يجعل البضع صداقا .. فالأصح: الصحة)؛ لأنه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد، وذلك لا يفسد النكاح، فعلى هذا: يصح النكاحان ولكل واحدة مهر المثل. والثاني: لا يصح؛ لمعنى التعليق والتوقف. وخص الإمام الوجهين بما إذا كانت الصيغة: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فيقبل الآخر ولم يذكر مهرا، فأما إذا قال: زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك .. فهذه يقطع فيها بالصحة، وضعفه الرافعي بأن هذا التفسير حاصل وإن ذكر المهر. قال: (ولو سميا مالا مع جعل البضع صداقا .. بطل في الأصح) سواء سميا لهما أم لأحدهما؛ لقيام معنى التشريك، وهذا منصوص (الأم). والثاني: يصح، وهو ظاهر نص (المختصر)؛ لأنه ليس على تفسير صورة الشغار لعدم خلوه عن المهر، وكان ينبغي التعبير ب (الأظهر)؛ فإن الخلاف قولان منصوصان. قال: (ولا يصح إلا بحضرة شاهدين) سواء كانت الزوجة مسلمة أو ذمية؛ لما

وَشَرْطُهُمَا: حُرِّيَّةٌ، وَذُكُورَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى الحسن مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، وفي رواية: (وما كان من نكاح على غير ذلك .. فهو باطل، فإن تشاجروا .. فالسلطان ولي من لا ولي له) رواها ابن حبان عن عائشة] 4075 [. ولا يصح ذكر الشاهدين إلا فيه، وكذا قال ابن حزم، واعتمد الشافعي رضي الله عنه على المرسل هنا؛ لاعتضاده بعمل أكثر أهل العلم، والمعنى فيه الاحتياط للأبضاع؛ لئلا تضيع بالجحود. ولا يشترط عندنا الإعلان، بل يستحب، وأن يحضره جمع من الصالحين زيادة على الشاهدين، واشترط مالك: الإعلان وترك التواصي بالكتمان دون الشهادة، واشترط ابن حزم: إما الإعلان أو الإشهاد. قال: (وشرطهما: حرية) فلا تنعقد بحضور عبدين؛ لأنه لا يثبت بهما عند الجحود. قال: (وذكورة) فلا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين ولا بأربع نسوة. وقال أبو حنيفة وأحمد: ينعقد بشهادة رجل وامرأتين. لنا: ما روى أبو عبيدة في (كتاب الأموال) عن الزهري قال: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق. والخنثى كالمرأة، لكن لو عقد بشهادة خنثيين ثم بانا رجلين .. فالأصح في زوائد (الروضة): الصحة، بخلاف نظيره من الصلاة؛ للتردد في النية، ويشكل على هذا ما قاله ابن الرفعة: إنه لو عقد على مشكل أو له ثم بان أن له ذلك .. لم يصح؛ لأن الشرط في النكاح تحقق الشروط حالة العقد كما قاله في (الروضة) في (باب الربا).

وَعَدَالَةٌ، وَسَمْعٌ، وَبَصَرٌ، وَفِي الْأَعْمَى وَجْهٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعدالة) فلا ينعقد بحضور الفاسقين خلافا لأبي حنيفة. لنا: قوله صلى الله عليه وسلم: (وشاهدي عدل)، وأيضا: فإن النكاح لا يثبت بشهادة الفاسقين .. فلا ينعقد بشهادتهما. قال: (وسمع، وبصر) كسائر الشهادات التي تتعلق بالسمع والبصر. قال: (وفي الأعمى وجه)؛ لأنه أهل للشهادة في الجملة، وهذا الوجه حكاه في (البحر) عن النص، فكان ينبغي أن يقول: وفي قول. واشترط في (المحرر): الإسلام والتكليف، فاكتفى المصنف عنهما بالعدالة، وأهمل المصنف تبعا ل (المحرر) شروطا: منها: النطق، فلا ينعقد بالأخرس على الأصح. ومنها: الرشد، فلا ينعقد بالمحجور عليه بسفه. ومنها: الضبط، فمن لا يضبط لغفلة أو نسيان .. لا يقبل وإن كان عدلا. ومنها: معرفة لسان المتعاقدين، فلا ينعقد بحضرة من لا يعرف لسانهما على الأصح كما تقدم. وفي انعقاده بشهادة المحرم وجهان: أصحهما: الانعقاد، لكن الأولى أن لا يحضر، قاله الرافعي في (سوالب الولاية). ومنها: أن لا يكون متعينا للولاية، فالولي المعين كالأب والجد والأخ المنفرد لو وكل غيره في الإيجاب ثم حضر شاهدا مع آخر .. لم يصح ولو اجتمعت فيه جميع الشروط. فإن قيل: ما الفرق بين تحمل الشهادة في النكاح وبين سائر الشهادات حيث لا تعتبر فيها الصفات المعتبرة إلا حال أداء الشهادة؟ فالجواب: أن سائر التحملات ليست بواجبة، بخلاف التحمل هنا؛ فإنه لما كان واجبا .. أشبه حالة الأداء في غيره.

وَالأَصَحُّ: انْعِقَادُهُ بِابْنَيِ الْزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا. وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورَيِ الْعَدَالَةِ عَلَى الْصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: انعقاده بابني الزوجين وعدويهما)؛ لأنهما أهل للشهادة في الجملة. والثاني: لا يصح؛ لتعذر إثباته بشهادتهما، واختاره الغزالي. والثالث: ينعقد بعدوى أحدهما دون عدويهما، واختاره العراقيون. والرابع: إن كان عدوا أو ابنا من طرف .. صح، أو من الطرفين ... فلا، ولا يختص بمن ذكره، بل الجدان كذلك، فلو حضر ابنا الزوج وابنا الزوجة .. قال الإمام: انعقد بإجماع الأصحاب، وقال ابن الرفعة: في النفس منه شيء، وفيه وجه في (التتمة) وهو يقوي توقف ابن الرفعة. فرع: ذمية أبوها مسلم ورقيقة أبوها حر يجوز للأب أن يكون شاهدا فيهما لا وليا. قال: (وينعقد بمستوري العدالة على الصحيح)؛ لأنها تعرف بالاجتهاد، والنكاح يجري بين أوساط الناس والعوام، فلو كلفوا بالعدالة الباطنة .. لطال الأمر وشق، بخلاف الحكم حيث لا يجوز بشهادة المستورين؛ لأنه تسهل على الحاكم مراجعة المزكين، والمراد: من عرف بها ظاهرا لا باطنا، أو من يجهل حاله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: المنع؛ لأن النكاح في حكم أداء الشهادة فلا بد من تحقق الشرط، قال الإمام في (الأساليب): وهو الوجه. هذا إذا كان العاقد غير حاكم، فإن كان حاكما .. لم يكف المستور؛ لسهولة البحث عليه، وهي طريقة في المذهب، جزم بها ابن الصلاح، والمصنف في (نكت التنبيه)، والشيخ؛ لأن فعل الحاكم ينبغي أن يصان عن النقض، ولأنه نائب الشرع في الأقوال والأفعال، وأيضا الحكم بالصحة لا يجوز بشاهدين مستورين. وصحح المتولي: أن الحاكم كغيره، وينبغي أن يتخرج ذلك على أن فعل الحاكم هل هو حكم أو لا؟ ومحل الخلاف في الانعقاد بالمستورين في الظاهر، وجواز الإقدام عليه، أما في الباطن .. فلا ينعقد إلا بعدلين على الصحيح، فليحترز من ذلك. فرع: تستحب إستتابة المستورين قبل العقد احتياطا، وكذا استتابة الولي المستور.

لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ. وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الْشَاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ .. فَبَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِبَيِّنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا مستور الإسلام والحرية) كما إذا كان في موضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والأرقاء بالأحرار ولا غالب، والفرق: سهولة الإطلاع عليهما بخلاف العدالة والفسق، وعن الشيخ أبي محمد تردد في مستور الحرية. وجزم القاضي أبو الطيب في أوائل (الأقضية) بالانعقاد بمستور الإسلام، وهو ظاهر إطلاق (التنبيه) حيث قال بجواز الانعقاد بشهادة مجهولين، وظن ابن الرفعة تفرده به فأوله، وليس كذلك. قال: (ولو بان فسق الشاهد عند العقد .. فباطل على المذهب)؛ لأنا إنما حكمنا بصحته في الظاهر، فإذا تحقق فواته .. بطل كما لو بان كافرا أو عبدا، وقيل: قولان: أصحهما: هذا. والثاني: لا يبطل اكتفاء بالستر يومئذ، ولم يرجح الرافعي شيئا من الطريقين، بل رجح البطلان من حيث الجملة. واحترز بقوله: (عند العقد) عما إذا تبين قبله .. فلا يضر، وينبغي تقييده بزمن يتأتى فيه الاستبراء المعتبر، وإلا .. فهو كتبينه حالة العقد، وعما إذا تبين في الحال ولم يعلم قدمه ولا حدوثه .. فلا يحكم بفساده؛ لجواز حدوث الفسق كما صرح به الماوردي. والمراد ب (البطلان): تبين البطلان كما عبر به في (المحرر)، لا أنه بطل بعد الصحة. قال: (وإنما يتبين) أي: الفسق (ببينة)؛ لأنها حجة شرعية ولا تحتاج هذه البينة إلى استفسار في المستور، وأما في العدل الظاهر .. فلا بد من الاستفسار.

أَوْ اتِّفَاقِ الْزَّوْجَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو اتفاق الزوجين) على أنهما كانا فاسقين، سواء قالا: لم نعلمه إلا بعد العقد، أو كنا نعلمه ونسيناه عند العقد، فأما لو قالا: علمنا فسقهما حينئذ أو علمه أحدهما .. فقال الإمام: يتبين البطلان بلا خلاف؛ لأنهما لم يكونا مستورين عند الزوجين وعليهما التعويل. ومثله لو اعترفا بوقوع العقد في إحرام أو عدة أو ردة أو بولي فاسق .. فإنا نتبين بطلانه، ولا مهر إلا إذا كان دخل بها فيجب مهر المثل، فلو نكحها بعد ذلك .. ملك ثلاث طلقات. ولو قالت المرأة: وقع العقد بلا ولي ولا شهود، وقال الزوج: بل بهما .. نقل ابن الرفعة عن (الذخائر): أن القول قولهما؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد، قال: وكان ينبغي تخريجه على دعوى الصحة والفساد إلا أن يقال: إنكارها الولي إنكار العقد بالكلية، والحق ما قاله في (الذخائر)، وهو المنصوص في (الأم) في (باب الدعوى في الشر والهبة). ومقتضى حصر المصنف: أنه لا يثبت بعلم القاضي، وليس كذلك، فسيأتي في (الأقضية) أن القاضي يقضي فيه بعلمه على المذهب. قال الشيخ: وينبغي أن يحمل ما أطلقه الأصحاب في تصادقهما على ما إذا كانا رشيدين؛ لأن الزوجة إذا كانت سفيهة .. فإقرارها بذلك يقتضي إسقاط المهر فلا تسمع.

وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ: كُنَّا فَاسِقَيْنِ. وَلَوِ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ .. فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: محل ما تقدم إذا لم يتعلق به حق الله تعالى، فلو كان طلقها ثلاثا ثم توافقا على فساد النكاح بهذا السبب أو غيره .. فلا يجوز أن يوقعا نكاحا جديدا من غير تحليل؛ لمكان التهمة، ولأنه حق لله تعالى فلا يسقط بقولهما، قاله الخوارزمي، وهو حسن. قال: (ولا لأثر لقول الشاهدين: كنا فاسقين)؛ كما لا أثر لقولهما ذلك بعد الحكم بشهادتهما، ولأنهما مقران على غيرهما، ونفى المصنف التأثير مطلقا ممنوع؛ فقد يظهر تأثيره فيما إذا حضرا عقد أختهما ونحوها ثم قالا ذلك وماتت وهما وارثاها .. فيؤثر قولهما في سقوط المهر قبل الدخول، وفي فساد المسمى بعده. قال: (ولو اعترف به الزوج وأنكرت .. فرق بينهما)؛ مؤاخذة له بقبوله، وهي على الصحيح فرقة فسخ، لا ينقص بها عدد الطلاق كما لو أقر الزوج بالرضاع. وقيل: فرقة طلاق بائن كما لو تزوج أمة ثم قال: كنت حال العقد واجدا طول حرة. واحترز ب (اعتراف الزوج) عما إذا اعترفت به الزوجة وأنكر؛ فإنه لا يفرق بينهما على الأصح، وهو أحسن من قول (الحاوي): أحد الزوجين، فعلى الصحيح: لو مات .. لم ترثه، وإن ماتت أو طلقها قبل الدخول .. فلا مهر؛ لإنكارها، وبعد الدخول .. لها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، وما ذكره من أنه لا مهر لها

وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِلَّا .. فَكُلُّهُ. وَيُسْتَحَبُّ الإِشْهَادُ عَلَى رِضَا المَرْأَةِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل الدخول .. هو فيما إذا لم يعطها الزوج ذلك، فإن أعطاها .. لم يكن له استرداده كما قرر الرافعي في نظيره من (كتاب الرجعة). قال: (وعليه نصف المهر إن لم يدخل بها، وإلا .. فكله)؛ لأنه لا يقبل قوله فيه. وحكى في (الروضة) وجها عن العراقيين: أنه يقبل قوله في المهر، فلا يلزمه قبل الدخول شيء، وبعده أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، ولا خلاف أنه إذا مات لا يرثها. قال: (ويستحب الإشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها)؛ احتياطا، ومراده ب (الرضا) الإذن. قال: (ولا يشترط)؛ لأن رضاها ليس من نفس النكاح، وإنما هو شرطه، وليس كالشهادة في النكاح؛ فتلك ركن فيه لا يصح إلا بها. وقال الشيخ عز الدين: ليس للحاكم أن يزوج امرأة حتى يثبت عنده إذنها، فلو أخبره واحد فزوجها به معتمدا عليه .. لم يصح، وإن ثبت من بعد أنها كانت أذنت.

فَصْلٌ: لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِإذْنٍ، وَلَا غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ، وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحا لِأَحَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفتى البغوي بأن رجلا لو قال للحاكم: أذنت لك فلانة في تزويجها مني، فإن وقع في نفسه صدقه .. جاز تزويجها به، وإلا .. فلا، ولا يعتمد تحليفه. تتمة: من مسائل الفصل: أنه لا يشترط إحضار الشاهدين، بل إذا حضرا بأنفسهما وسمعا الإيجاب والقبول .. صح، وإن لم يسمعا الصداق. قال: (فصل: لا تزوج امرأة نفسها بإذن، ولا غيرها بوكالة، ولا تقبل نكاحا لأحد). المرأة عندنا لا عبارة لها في النكاح إيجابا ولا قبولا، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بدون إذنه، ولا غيرها بولاية ولا بوكالة، ولا تقبل النكاح لا بولاية ولا بوكالة، ولا فرق بين الشريفة والدنيئة. وقال أبو حنيفة: تزوج البالغة العاقلة الحرة نفسها وابنتها الصغيرة، وتتوكل عن الغير، لكن لو وضعت نفسها تحت من لا يكافئها .. فلأوليائها الاعتراض. وقال مالك: الدنيئة تزوج نفسها دون الشريفة. لنا: قوله تعالى:} فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن {قال الشافعي رضي الله عنه: هي أصرح آية في اعتبار الولي، وإلا .. لما كان لعضله معنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسبب نزولها: أن معتقل بن يسار زوج أخته، فطلقها زوجها طلقة رجعية، وتركها حتى انقضت عدتها، ثم رام رجعتها فحلف أن لا يزوجها، قال: (ففي نزلت هذه الآية) رواه البخاري] 5130 [، زاد أبو داوود] 2080 [: (فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه) فلو كان لها تزويج نفسها .. لم يعاتب أخاها على الامتناع ولا أمر بالحنث. وقيل: إن الضمير راجع إلى الأزواج، واختاره الإمام فخر الدين في (تفسيره) وسبب النزول يرد عليه، وقوله تعالى:} الرجال قوامون على النساء {وقوله} فانكحوهن بإذن أهلهن {. وفي (سنن أبي داوود)] 2076 [و (الترمذي)] 1102 [و (ابن حبان)] 4074 [و (الحاكم)] 2/ 168 [عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها .. فنكاحها باطل ثلاثا، فإن دخل بها .. فلها المهر بما أصاب منها) وفي رواية: (بما استحل من فرجها). وأما حديث: (لا نكاح إلا بولي) .. فصححه أحمد وابن معين] مع 3/ 86 [والترمذي] 3/ 407 [وابن حبان] 4075 [والحاكم] 2/ 169 [وغيرهم. قال ابن العربي وصح عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تخطب وتقرر المهر ثم تقول: (اعقدوا؛ فإن المرأة لا تلي عقدة النكاح). واستدل المخالف بأن عائشة زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن، وهو محمول على أنها شهدت أسباب تزويجها، ثم أشارت على من ولي أمرها عند غيبة أبيها. ويستثنى من إطلاق المصنف: ما إذا وكل رجل امرأة في أن توكل رجلا في أن يزوج وليته .. فإنه يصح على النص، وكذا لو قال: وكلي عني من يزوجك أو أطلق في الأصح عند المصنف، واختار الشيخ وفاقا للمزني والقاضي حسين المنع في الصورتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والخنثى في جميع ذلك كالأنثى، فلو زوج الخنثى أخته ثم بان رجلا، صح كما جزم به ابن المسلم في (كتاب الخناثى)، وهو قياس ما سبق في الشاهدين. فرعان: أحدهما: كانت المرأة في موضع لا حاكم فيه وليس لها ولي .. فقيل: تزوج نفسها للضرورة، واختار المصنف أنها ترد أمرها إلى عدل وإن لم يكن مجتهدا، وهو ظاهر النص الذي نقله يونس بن عبد الأعلى. وقال صاحب (المهذب): تحكم فقيها مجتهدا، وصححه المصنف؛ بناء على جواز التحكيم في النكاح، سواء كان هناك حاكم أم لا، وسواء في ذلك السفر والحضر، وعلى كل تقدير: ليس قولا في تجويز النكاح بلا ولي. قال الشيخ: والذي رواه يونس ينبغي أن يتوقف فيه حتى يتحقق وروده عنه؛ فقد روى الدارقطني] 3/ 225 [والشافعي] شم 1/ 290 [: أن رفقة جمعتهم الطريق فيهم امرأة فولت أمرها رجلا فزوجها .. فجلد عمر رضي الله عنه الناكح والمنكح. الثاني: لا يشترط في العاقد علمه بجهة الولاية، فلو أذنت لحاكم في تزويجها من كفء، فزوجها ظانا أن لا ولي لها غير الحاكم، فبانت ابنته أو أخته .. صح، وكذا

وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، لَا الْحَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لو وكل زيد عمرا في تزويج هذه فقال: هي موليتي، فزوجها عمرو ظانا ذلك ثم بان أنها ابنة عمرو أو أخته .. صح. قال: (والوطء في نكاح بلا ولي يوجب مهر المثل)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (فإن دخل بها .. فلها المهر). وشملت عبارته: الوطء في القبل والدبر؛ لأن كلا منهما يقرر المهر. واقتصاره على (مهر المثل) يفهم: أنه لا يلزم معه أرش البكارة لو كانت بكرا، وهو كذلك كما صرح به في (شرح المهذب) في الكلام على البيع الفاسد؛ فإنه نقل ذلك عن النص والأصحاب، وفرق بينه وبين البيع الفاسد بأن إتلاف البكارة مأذون فيه في النكاح الفاسد كما في النكاح الصحيح، بخلاف البيع الفاسد؛ فإنه لا يلزم منه الوطء، لكن ينبغي أن يستثنى: ما إذا كان المتناكحان محجورا عليهما بالسفه كما سيأتي. قال (لا الحد)؛ لشبهة اختلاف العلماء وتعارض الأدلة، سواء صدر ممن يعتقد تحريمه أو إباحته، باجتهاد أو تقليد، لكن يعزر معتقد التحريم. وقال أبو بكر الصيرفي والإصطخري والفارسي: يجب الحد على معتقد التحريم محتجين بما روى ابن ماجة] 1882 [عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)، ولأن شارب النبيذ يحد مع الاختلاف في إباحته. وقياس إيجاب الحد: أن لا مهر، وبه صرح الرافعي، والحديث يرد عليهم؛ فإنه أثبت المهر، فيؤخذ منه سقوط الحد؛ فإنهما لا يجتمعان. ومحل الخلاف: إذا حضر العقد شاهدان، فإن لم يحضرا ولا حصل فيه إعلان .. فالحد واجب؛ لانتفاء الشبهة.

وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ إِنِ اسْتَقَلَّ بِالإِنْشَاءِ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلِةِ بِالْنِّكَاحِ عَلَى الْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحله أيضا: قبل الحكم بصحته، فإن حكم بصحته .. فلا حد قطعا، قاله الماوردي. ومحله أيضا: ما لم يحكم حاكم ببطلانه ويفرق بينهما، فإن كان ذلك .. وجب الحد جزما، وامتنع على الحنفي حينئذ الحكم بصحته. ولو رفع النكاح بلا ولي إلى قاض يصححه وحكم بصحته، ثم رفع إلينا، لم ينقض قضاؤه على الصحيح، وقال الإصطخري: ننقضه. وإذا طلق فيه .. لم يقع، فلو طلق ثلاثا .. لم يفتقر إلى محلل، وقال أبو إسحاق: يقع، ويفتقر إلى محلل؛ احتياطا للأبضاع. قال: (ويقبل إقرار الولي بالنكاح إن استقل بالإنشاء) كالأب في البكر؛ لأن من يملك الإنشاء يملك الإقرار إلا ما استثنى، والمراد: أن يكون حين الإقرار قادرا عليه. وقيل: إن كانت بالغة .. فلا بد من موافقتها كالوكيل إذا ادعى أنه أتى بما وكل فيه، وعلى هذا: لا تسمع الدعوى عليه، وعلى الأول وجهان. وعبارة (المحرر): إذا كان مستقلا بالإنشاء، وهو أحسن، وعبارة (المنهاج) يدخل فيها ما إذا استقل بالإنشاء، وزال ذلك بأن كانت ثيبا فادعى أنه زوجها وهي بكر .. فلا يقبل. قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يستقل به إما لعدم إجباره أو لكون الزوج غير كفء .. فلا يقبل؛ لعجزه عن الإنشاء إلا بإذنها. ولو أقر ولي السفيه بنكاحه .. لم يقبل؛ لأنه لا يستقل به. قال: (ويقبل إقرار البالغة العاقلة بالنكاح على الجديد) المراد: يقبل إقرارها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع تصديق الزوج بلا بينة؛ لأن النكاح حقهما، فيثبت بتصادقهما كالبيع وغيره، ولا فرق على هذا بين الثيب والبكر، ولا بين الغريبين والبلديين، وهذا مستثنى من قاعدة: من لا يملك الإنشاء لا يملك الإقرار. والقديم- وبه قال مالك- أنهما إن كانا غريبين .. ثبت النكاح، وإلا .. طولبا بالبينة؛ لسهولتها عليهما، وللاحتياط للنكاح. فعلى الجديد: هل يكفي إطلاق الإقرار؟ أو تفصل فتقول زوجتي به وليي بحضرة شاهدين عدلين ورضائي؟ إن كانت معتبرة الرضا .. وجهان: أصحهما: الثاني. ثم إذا أقرت وكذبها الولي فثلاثة أوجه: أصحها: يحكم بقولها؛ لأنها مقرة على نفسها. والثاني: لا؛ لانها كالمقرة على الولي. والثالث: يفرق بين العفيفة والفاسقة، ولا فرق على هذا الخلاف بين أن تفصل الإقرار وتضيف التزويج إلى الولي فيكذبها، وبين أن تطلق فيقول الولي: لا ولي لك غيري وما زوجتك، ويجري الخلاف أيضا في تكذيب الشاهدين إذا كانت قد عينتهما. والأصح: أنه لا يقدح تكذيبهما؛ لاحتمال النسيان والكذب، فإن قلنا: تكذيب الولي يمنع قبول إقرارها فكان غائبا .. لم ينتظر حضوره، بل تسلم للزوج في الحال

وَلِلأَبِ تَزْويجُ الْبِكْرِ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً بِغَيْرِ إِذْنِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ للضرورة، فإذا عاد وكذبها .. فهل يحال بينهما لزوال الضرورة أو يستدام؟ وجهان: رجح الغزالي الأول، وغيره الثاني. قال: (وللأب تزويج البكر صغيرة وكبيرة بغير إذنها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يزوجها أبوها) رواه الدارقطني] 3/ 240 [من رواية ابن عباس، وهو في (صحيح مسلم)] 1421 [بغير زيادة: (والبكر يزوجها أبوها). قال البيهقي: قال الشافعي رضي الله عنه: وهذه الزيادة لو ثبتت .. لكانت حجة في تزويج كل بكر، ولكنها غير محفوظة انفرد بها سفيان بن عيينة. وقول المصنف: (بغير إذنها) راجع إلى الكبيرة؛ فإن الصغيرة لا إذن لها، وقد يعود إليهما معا؛ لما نقل عن الإمام أحمد: أن المميزة تستأذن. قال الشافعي في القديم: (أستحب أن لا تزوج البكر الصغيرة حتى تبلغ فتستأذن) فعلة الإجبار عند الشافعي البكارة، وعند أبي حنيفة الصغر، وعند الشيخ وابن حزم مجموعهما. وشرط ولاية الإجبار: أن تكون غير موطوءة، وأن يزوجها من كفء موسر بمهر المثل وبنقد البلد، وأن لا يكون بينها وبين الأب عداوة ظاهرة كما قاله ابن كج وابن المرزبان، لكن جزم الماوردي والروياني في هذه الحالة بالإجبار؛ لأن الولي يحتاط لنسبه، وقال في (المطلب): إنه المذهب. فعلى هذا تكون الشروط خمسة، وعلى مقالة ابن المرزبان وابن كج تكون ستة. وأن لا يكون طرأ لها سفه بعد البلوغ؛ فإن الصحيح أن الذي يلي مالها الحاكم،

وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانِهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ثَيِّبٍ إِلا بِإِذْنِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى هذا: هو الذي يلي تزويجها، وهو الذي يقتضيه كلام الرافعي. قال: (ويستحب إستئذانها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والبكر تستأمر وإذنها صماتها) وأوجبه أبو حنيفة؛ لظاهر الأمر. قال في (الأم): ويكره للأب أن يزوجها ممن يعلم أنها تكرهه، فإن فعل وزوجها منه .. جاز ذلك عليها؛ فقد يجعل الله لها فيه خيرا كما اتفق لفاطمة بنت قيس لما كرهت أسامة أولا. فرع: إذا التمست البكر البالغة التزويج وقد خطبها كفء .. لزم الأب أو الجد إجابتها؛ تحصينا لها، كما يجب إطعام الطفل إذا استطعتم، فإن امتنع .. أثم ويزوجها السلطان؛ لما روى أحمد] 1/ 105 [والترمذي] 171 [وابن ماجة] 1486 [والحاكم] 2/ 162 [عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفءا). وفيه وجه: أنه لا تجب الإجابة ولا يأثم بالامتناع؛ لأن الغرض يحصل بتزويج السلطان، وأيضا: فإنها مجبرة من جهة الأب والجد فكيف يجبرهما على النكاح، والواجب عند الطلب أصل التزويج لا خصوص تزويجها بمن عينته. ولو التمست التزويج ولم تعين أحدا ولا خطبها أحد .. فالظاهر من كلام الغزالي: أنه يجب على الأب السعي في زواجها كما لو عينت كفءا. قال: (وليس له تزويج ثيب إلا بإذنها)؛ للحديث المتقدم. وفي (البخاري)] 5139 [عن خنساء بنت خذام بن خالد الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد نكاحها.

فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةٌ .. لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ. وَسَوَاءٌ زَالَتِ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية للنسائي] سك 5361: [أنها كانت بكرا، والصحيح الأول. وروى هو] 6/ 85 [وأبو داوود] 2093 [عن ابن عباس مرفوعا: (ليس للولي مع الثيب أمر) قال البيهقي في (خلافياته): رواته ثقات. ومن جهة المعنى: أن الثيب عرفت مقصود النكاح .. فلم تجبر، بخلاف البكر. قال: (فإن كانت صغيرة .. لم تزوج حتى تبلغ)؛ لأن الأب إنما يجبر البكر، والثيب يشترط في تزويجها الإذن، ولا يعتبر إلا بعد البلوغ إجماعا، فامتنع تزويجها قبله. وقال أبو حنيفة: تزوج؛ بناء على أن علة الإجبار عنده الصغر. قال الأصحاب: وإنما قلنا تبقى ولاية الأب عليها في المال؛ لأن علته موجودة وهي الصغر، وعلة الإجبار منتفية وهي البكارة؛ لكن يستثنى من ذلك المجنونة والأمة وسيأتي بيانهما. قال: (والجد كالأب عند عدمه)؛ لاشتراكهما في الولاية والتعصيب وولاية المال، وهل ألحق به قياسا أو لمشاركته له في الاسم؟ فيه وجهان في (الحاوي) و (البحر): أصحهما الأول، ولا تظهر لذلك فائدة حكمية. وفي قول: ليس له إجبار البالغة، واختاره ابن القاص وابن سلمة، وقد يزيد الجد على الأب، وذلك في تولي الطرفين كما سيأتي. قال: (وسواء زالت البكارة بوطء حلال أو حرام)؛ لأنها ثيب فشملها الخبر، ولذلك لا تدخل في عتق الأبكار ولا في الوصية لهن، وكذلك الحكم لو وطئت مجنونة أو مكرهة أو نائمة على الأصح. وعن القديم: أن المصابة بالزنا حكمها حكم الأبكار، لكن يرد على المصنف

وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهَا بِلَا وَطْءٍ كَسَقْطَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ عَلَى حَاشِيةِ الْنَّسَبِ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموطوءة بالشبهة؛ فإنه لا يوصف بحل ولا حرمة وحكمه حكم الوطء الحلال والحرام. قال: (ولا أثر لزوالها بلا وطء كسقطة في الأصح) بل حكمها حكم الأبكار؛ لأنها لم تمارس الرجال. والثاني: أنها كالثيب لزوال العذرة، وصححه المصنف في (شرح مسلم)، وذكر الرافعي في (باب القسم): أن الخلاف يجري فيما لو زالت بمرض. ونص في (الأم) على أنها لو زال حياؤها بخروج الأسواق ومخالطة الرجال ولم تزل بكارتها .. كان حكمها حكم الأبكار. وكالسقطة زوالها بإصبع، وحدة طمث، وطول تعنيث وهو: الكبر، وكل هذا مندرج في قوله: (بلا وطء)، فإن وطئت في الدبر فبكر في الأصح، فلو خلقت بلا بكارة .. كان لها حكم الأبكار بلا خلاف، قاله الماوردي والروياني والصيمري. ولو ادعت الثيوبة أو البكارة .. كان القول قولها؛ لأنها أعلم ولا تسأل عن سبب الثيوبة. ولو ذهبت بكارتها ثم عادت .. لا يكون لها حكم الأبكار، قاله أبو خلف الطبري في (شرح المفتاح). قال: (ومن على حاشية النسب كأخ وعم لا يزوج صغيرة بحال) بكرا كانت أو ثيبا؛ لأنهم ليسوا في معنى الأب والجد، ولم يرد نص في ذلك. وصحح الترمذي] 1109 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن). وقال أبو حنيفة: ينعقد موقوفا على إجازتها.

وَتُزَوَّجُ الْثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ بِصَرِيحِ الإِذْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويؤخذ من تنصيص المصنف على (الأخ والعم): أن من هو أبعد منهما كبنيهما والمعتق أولى بالمنع. فائدة: مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن الصغيرة إذا لم يكن لها ولي خاص .. لا تزوج حتى تبلغ. وعند أبي حنيفة: للقاضي تزويجها إذا نص له السلطان على الإذن في تزويج الصغار. وكان قضاة الشام يأذنون في ذلك الوقت للحنفية، لما كانت العادة أن لا يكون في هذه البلاد إلا قاض شافعي، فأذن ابن سناء الدولة قاضي دمشق مرة لحنفي في تزويج صغيرة فزوجها، فرفع الأمر إلى القاضي كمال الدين التفليسي الشافعي فنقضه، وصنف في ذلك تصنيفا، وصنف أبو شامة تصنيفا، في الرد عليه، وذكر عن الشيخ عز الدين أنه أفتى بعدم النقض، واستشكله الشيخ وصوب قول التفليسي وجزم بالقول بأنه لا يحل لشافعي أن يأذن في ذلك لحنفي. قال: (وتزوج الثيب البالغة بصريح الإذن) سواء زوجها أبوها أم غيره من الأولياء؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (الثيب أحق بنفسها من وليها)، وقوله: (ليس للولي مع الثيب أمر). وأشار بقوله: (بصريح الإذن) إلى أنها لو قالت: وكلتك بتزويجي .. لم يكف. قال الرافعي: والفرع ليس بمسطور، والذين لقيناهم من الأئمة لا يعدون ذلك إذنا، والذي قاله الرافعي أفتى به البغوي، ونقله صاحب (البيان) عن النص،

وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ سُكُوتُهَا فِي الْأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصوبه المصنف، والنص المذكور نقله البيهقي في (المبسوط). قال: (ويكفي في البكر سكوتها في الأصح)؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها). هذا إذا كانت بالغة، سواء علمت أنه إذن أم لا، خلافا لابن المنذر. والثاني: لا بد من صريح نطقها كالثيب، قال الإمام: وهو القياس. والثالث: لا حاجة إلى استئذانها، بل إذا عقد بحضرتها ولم تنكر .. كان ذلك رضا. تنبيهات: أحدها: أطلق المصنف والجمهور أن إذن البكر صماتها، وقيده ابن المنذر بما إذا علمت أن ذلك إذنها وهو حسن، لكن قال المصنف في (شرح مسلم): الذي عليه الجمهور أن ذلك لا يشترط. الثاني: محل الخلاف في غير المجبر، أما المجبر .. فالسكوت فيه كاف بلا خلاف، ويكفي السكوت أيضا إذا كان الولي حاكما نص عليه. وكذلك إذا حكمت البكر في التزويج- وجوزناه وهو الأصح- فقال لها المحكم: حكمتني لأزوجك من هذا؟ فسكت .. كفى ذلك كما لو استأذنها الولي فسكتت، نقله الرافعي في آخر (الدعاوى) عن (فتاوى البغوي) وأقره. وإذا اكتفيا بالسكوت .. حصل الغرض ضحكت أو بكت، إلا إذا كان مع ذلك صباح أو ضرب خد .. فلا يكون رضا. الثالث: جميع ما ذكره المصنف بالنسبة إلى تزويجها من كفء بمهر المثل، فإن كان من غير كفء .. ففي اشتراط التصريح بالإذن وجهان، وإذا كان بغير مهر المثل أو بغير نقد البلد .. فنقل في زوائد (الروضة) عن صاحب (البيان): أنه يكفي في رضاها السكوت كبيع مالها، لكنه حكى بعد ذلك عن (فتاوى البغوي) ما يخالفه.

وَالْمُعْتِقُ وَالْسُّلْطَانُ كَالْأخِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأوجه: أنه لا يكفي سكوتها في المسائل الثلاث. وقال الصيمري: ليس له تزويجها بشيخ هرم، ولا مقطوع اليدين والرجلين، ولا أعمى ولا زمن، ولا فقير وهي غنية، فإن فعل .. فسخ، قال العمراني: ويحتمل أنه ليس لها الفسخ. ولو قال: أزوجك من شخص ... كفى؛ لأن الأصح: أنه لا يشترط تعيين الزوج في الإذن، ذكره الرافعي بحثا، وصوبه المصنف. ولو أذنت ثم رجعت قبل التزويج .. لم يصح، فإن زوجها بعده وقبل العلم .. ففي صحته وجهان كنظير من الوكيل. قال: (والمعتق والسلطان كالأخ) فيزوجان البوالغ بإذنهن، ولا يزوجان الصغائر، خلافا لأبي حنيفة كما سبق في الأخ والم. لنا: قوله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب)، وقوله: (فإن تشاجروا .. فالسلطان ولي من لا ولي له).

وأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ أَبُّ ثُمَّ جَدُّ ثُمَّ أَبُوهُ، ثُمَّ أَخُّ لِأَبَوْيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ عَمِّ، ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ كَالإِرْثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأن المعتق أخرجها من الرق إلى الحرية فأشبه الأب في إخراجه لها إلى الوجود. ثم السلطان يزوج في ستة مواضع: عدم الولي الخاص، وعضله، وسيأتيان في هذا الفصل. وغيبته، وإحرامه، وإذا أراد الولي أن يتزوجها، وستأتي هذه الثلاثة في الفصل الذي بعده. والسادس: تزويج المجنونة، وسيأتي في الفصل الثالث. وقد جمع بعضهم خمسة في قوله] من الرجز [: خمس محررة تبين حكمها .... فيها يرد العقد للحكام فقد الولي وعضله ونكاحه .... وكذاك غيبته مع الإحرام قال: (وأحق الأولياء أب)، لأن من عداه يدلي به، كذا علله الرافعي، ويرد عليه المعتق والسلطان؛ فإنهما لا يدليان به. قال: (ثم جد)؛ لأنه كالأب عند عدمه. قال: (ثم أبوه)؛ لان له ولاية وعصوبة فقدم على من ليس له إلا عصوبة، وهو مع الجدة كالجد مع الأب. قال: (ثم أخ لأبوين أو لأب)؛ لأنه يدلي بالأب فكان أقرب. وقدم مالك الأخ على الجد كما يقدم عليه في (باب الولاء). قال: (ثم ابنه وإن سفل)؛ لأنه أقرب من العم. قال: (ثم عم، ثم سائر العصبة كالإرث)؛ لأن المأخذ فيهما واحد.

وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ فِي الأَظْهَرِ. وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ بِبُنُوَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراده بقوله: (كالإرث) بالنسبة إلى سائر العصبة فقط، فترتيبهم هنا كترتيبهم هناك، فيقدم بعد العم من الأبوين أو من الأب ابنه وإن سفل، ثم سائر العصبات، ولا يصح عوده إلى جميع ما ذكره؛ لأن الجد والأخ يستويان في الإرث، وهنا يقدم الجد، ثم يرد على إطلاق المصنف مسائل تأتي في خاتمة (كتاب العتق). قال: (ويقدم أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر)؛ لزيادة القرب والشفقة، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والمزني. والثاني- وهو القديم وبه قال أحمد-: أنهما سواء؛ لأن قرابة الأم لا مدخل لها في النكاح لأنه لا تفيد ولايته، بخلاف الميراث؛ فإن الأخ من الأم يرث. والجواب: أن إخوة الأم إذا لم تفد ولاية النكاح .. فهي توجب ترجيحا، كما أن العم لأبوين يقدم في الإرث على العم للأب وإن لم يكن العم للأم وارثا، ويجري الخلاف في ابني الأخ والعمين وابني العم إذا كان أحدهما من الأبوين والآخر من الأب. قال: (ولا يزوج ابن ببنوة) خلافا للأئمة الثلاثة والمزني. لنا: أنه لا مشاركة بينهما في النسب؛ لأنها تنسب إلى أبيها والابن إلى زوجها، والزوج لا ولاية له على امرأته، والأم لا تزوج نفسها فكذا من يدلي بها. واحتج المخالفون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد تزويج أم سلمة .. قالت لابتها عمر: قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجه، رواه النسائي] 6/ 81 [. والجواب: أنه كان صغيرا؛ لأنه ولد بأرض الحبشة في السنة الثانية من الهجرة، وزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمه كان في الرابعة فكان يومئذ ابن سنتين، ولو صح أن ابنها زوجها وأنه كان بالغا .. فيكون زوجها ببنوة العم؛ فإنه ابن ابن عم أبيها، على أن نكاح النبي صلى الله عليه وسلم لا يفتقر إلى ولي. وأجاب ابن الجوزي بأنه أراد عمر بن الخطاب، وهو ابن عمها، واسمه موافق لاسم ابنها فظن بعض الرواة أنه ابنها، قال: وما يروى من قول بعض الرواة: قم

فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمِّ أَوْ مُعْتِقاً أَوْ قَاضِيا .. زَوَّجَ به. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَسِيبٌ .. زَوَّجَ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَالإِرْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يا غلام فزوج أمك .. فباطل لا أصل له. قال: (فإن كان ابن ابن عم أو معتقا أو قاضيا .. زوج به) أي: بذلك الوصف لا بالبنوة، وكذا لو كان وكيلا لوليها؛ لأنا إنما قلنا: البنوة لا تقتضي الولاية، ولم نقل إنها مانعة، فإذا وجد معها سبب آخر يقتضي الولاية .. لم يمنعه، وهذه أسباب الولاية. وكذلك لو اتفق وطء بشبهة، أو نكاح مجوس أن يكون ابنها أخاها أو ابن أخيها أو ابن عمها. قال: (فإن لم يوجد نسيب .. زوج المعتق) يعني: إذا كان رجلا (ثم عصبته) سواء كان المعتق رجلا أو امرأة. قال: (كالإرث)؛ لما تقدم من أنه لحمة كلحمة النسب. والمراد: أن ترتيب عصبات العتق هنا كترتيب عصبات النسب، لكن يستثنى من ذلك جد النسب؛ فإنه أولى من الأخ. وأصح القولين هنا: أن أخ المعتق أولى من جده، وأن المرأة لا يزوجها ولدها، وابن المعتق يزوج، ويقدم على أبيه؛ لأن التعصيب له، والشقيق هنا يزوج قطعا. وقيل: قولان كما في النسب، وقيل: يستويان قطعا.

وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتِقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً، وَلَا يُعْتَبَرُ إِذْنُ الْمُعْتِقِّةِ فِي الْأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويزوج عتيقة المرأة من يزوج المعتقة ما دامت حية) فتجعل الولاية عليها تبعا للولاية على المعتقة، فيزوجها الأب ثم الجد على ترتيب الأولياء، ولا يزوجها ابن المعتقة، ويشترط في تزويجها رضاها إن كانت بكرا .. فالبسكوت، وإن كانت ثيبا .. فالبنطق كما في غيرها. وقيل: لا يزوجها إلا السلطان. وقيل: يزوجها ابن المعتقة في حياتها، ويقدم على الأب، وهذا هو القياس كما لو كانت ميتة، ويؤيده: أن الولاء يثبت لعصبة المعتق في حياته. وإطلاق المصنف يقتضي: أن العتيقة لو كانت كافرة والمعتقة مسلمة ووليها كافر .. لا يزوجها، وليس كذلك، فلو قال: يزوج عتيقة المرأة من له الولاء .. لاستقام. وحكم أمة المرأة كذلك، فيزوجها من يزوج سيدتها، فإن كانت السيدة كاملة .. اشترط إذنها نطقا ولو كانت بكرا؛ لأنها لا تستحيي من ذلك، وإن كانت صغيرة ثيبا .. امتنع على الأب تزويج أمتها إلا إذا كانت مجنونة. ويستثنى من إلحاقها بها صورتان: البكر البالغ: للأب إجبارها وليس له إجبار أمتها. والسيدة الكافرة: لا يزوج أمتها المسلمة من يزوجها. قال: (ولا يعتبر إذن المعتقة في الأصح)؛ لأنه لا ولاية لها ولا إجبار. والثاني: يشترط إذنها؛ لأن العصبات يزوجون بإدلائهم بها، فلا أقل من مراجعتها، واختاره الشيخ.

فَإِذَا مَاتَتْ .. زَوَّجَ مَنْ لَهُ الوِلَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى هذا: إن لم تأذن .. ناب السلطان عنها في الإذن، قال: ولا نعلم من أوجب إذنها إذا قلنا: الابن يزوج. قال: (فإذا ماتت) أي: المعتقة (.. زوج من له الولاء) فيقدم الابن ثم الأب ثم سائر العصبات على ترتيبهم في الولاء. وفي وجه: أن أب المعتقة هو الذي يزوجها وإن ماتت المعتقة؛ لأنه كان أولى بتزويج المعتقة فيستدام هذا الحكم وهو شاذ ضعيف. فرع: كان المعتق خنثى مشكلا .. ينبغي أن يزوجها أبوه بإذنه؛ ليكون قد زوجها وليه بتقدير الذكورة ووليها بتقدير الأنوثة. فرع: أعتق اثنان أمة .. اشترط في تزويجها رضاهما، إما أن يوكلا، أو يوكل أحدهما الآخر أو يباشرا العقد، ولو مات أحدهما عن ابنين أو أخوين .. كفي موافقة أحدهما للمعتق الآخر، ولو مات كل منهما عن ابنين أو أخوين .. كفى موافقة أحد ابني هذا أحد ابني ذاك. فرع: فيمن بعضها مبعض خمسة أوجه: أصحها: يزوجها مالك البعض ومعه وليها القريب، فإن لم يكن .. فمعتق بعضها، فإن عدم .. فالسلطان. والثاني: يكون معه معتق البعض. والثالث: معه السلطان. والرابع: يستقل مالك البعض.

فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ .. زَوَّجَ السُّلْطَانُ، وَكَذَا يُزَوِّجُ إِذَا عَضَلَ الْقَرِيبُ والْمُعْتِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والخامس: لا يجوز تزويجها اصلا؛ لضعف الملك والولاية بالتبعيض. قال: (فإن فقد المعتق وعصبته .. زوج السلطان)؛ لأنه ولي من لا ولي له، والمراد به: من له الولاية العامة، واليا كان أو قاضيا، في محل حكمه خاصة دون غيره. قال: (وكذا يزوج إذا عضل القريب والمعتق) واحدا كان أو جماعة مستوين؛ لأن التزويج حق عليه، فإذا امتنع من فعله .. فعله الحاكم كمن عليه دين وامتنع من أدائه، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع، ولم يصر أحد هنا إلى انتقال الولاية إلى الأبعد، بخلاف الغيبة؛ فإن فيها خلافا.

وَإِنَّمَا يَحْصَلُ الْعَضْلُ إِذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إِلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف في (الفتاوي): العضل كبيرة بإجماع المسلمين. أ. هـ. والذي اختاره الإمام في (النهاية) أنه لا يحرم إلا إذا لم يكن في الخطة حاكم. ثم إذا زوج الحاكم هل ذلك بطريق النيابة أو اولاية؟ فيه خلاف تظهر ثمرته في صور: منها: لو كانت ببلد وأذنت لحاكم بلد آخر والولي فيه، فإن قلنا بالولاية .. امتنع، أو بالنيابة .. جاز. ومنها: إذا زوجها بإذنها من غير كفء، إن قلنا: ولاية .. صح، أو نيابة .. فلا، قاله في (الترغيب). ومنها: إذا اكتفينا بالبينة على العضل فزوج القاضي، ثم قامت ببينة رجوعه .. قبل تزويجه، إن قلنا بالنيابة .. خرج على عزل الوكيل، وإن قلنا ولاية .. فعلى الخلاف في انعزال القاضي قبل علمه بعزله، قاله في (المطلب). قال: (وإنما يحصل العضل إذا دعت بالغة عاقلة إلى كفء وامتنع)؛ لأن إجابتها عليه حينئذ واجبة، فأما إذا دعت إلى غير كفء .. فله الامتناع، ولا يكون عضلا، وإذا حصلت الكفاءة .. فليس له الامتناع لنقصان المهر؛ لأنه محض حقها.

وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفْءاً وَأَرَادَ الأَبُ غَيْرَهُ .. فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز ب (البالغة) عن الصغيرة إذ لا اعتبار بالتماسها، ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوجها، قال البغوي: ولا يتحقق العضل حتى يمتنع بين يدي القاضي، وذلك بأن يحضر الخاطب والمرأة والولي ويأمره القاضي بالتزويج فيقول: لا أفعل أو يسكت، فحينئذ يزوجها القاضي. قال الرافعي: وكأن هذا فيما إذا تيسر إحضاره عند القاضي، فأما إذا تعذر بتعزز أو توار .. وجب أن يثبت بالبينة كسائر الحقوق، وفي (تعليق الشيخ أبي حامد) ما يدل عليه، وعند الحضور لا معنى للبينة؛ فإنه إن زوج وإلا .. عضل. ومحل تزويج الحاكم عند العضل إذا لم يتكرر، فإن تكرر ثلاثا .. صار كبيرة يفسق بها، فيزوج الأبعد تفريعا على أن الفاسق لا يلي، كذا قاله الشيخان، وفي اعتبارهما الثلاث مخالفة لما ذكراه في (الشهادات): أنه لا تضر المداومة على نوع واحد من الصغائر مع غلبة الطاعات عند الجمهور. قال: (ولو عينت كفءا وأراد الأب غيره .. فله ذلك في الأصح)؛ لأنه أكمل منها نظرا، والمراد: أنه عين كفءا غيره؛ لأنه لو أراد غير الكفء .. لا يجاب قطعا. والثاني: عليه أن يزوجها بمن عينته إعفافا لها، وهذا ظاهر نص (الأم)، واختاره الشيخ. والخلاف كالخلاف فيما إذا عينت الزوجة خادما في الابتداء والزوج غيره، والأصح: إجابة الزوج، وكالخلاف فيما إذا أراد الإمام التغريب إلى جهة وطلب الزاني جهة أخرى، والأصح: أن المتبع رأي الإمام كما سيأتي.

فَصْلٌ: لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقِ وَصَبِيِّ وَمَجْنُونٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: أفهم تمثيله ب (الأب): أن الخلاف في الولي المجبر، فأما غيره كالأخ إذا عين كفءا وعينت غيره .. فهي المجابة قولا واحدا؛ لأن إذنها كما هو شرط في أصل التزويج، كذلك هو شرط في تعيين من عينته. قال: (فصل: لا ولاية لرقيق)؛ لما فيه من النقصان وعدم تفرغه للبحث والنظر، ويجوز أن يتوكل لغيره في قبول النكاح بإذن سيده قطعا؛ وبغير إذنه على الأصح، ولا يصح توكيله في الإيجاب على الأصح عند الجمهور، وقد سبق هذا في (الوكالة). قال: (وصبي ومجنون)؛ لسلب نظرهما وبحثهما عن حال الأزواج واختيارهم، فإذا كان الأقرب صبيا .. زوجها الأبعد، ولا يخفى أن ذلك لا يتصور في الأب والجد.

وَمُخْتَلِّ الْنَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والجنون المطبق اتفق الأصحاب على أنه يسلب الولاية، وفي المتقطع وجهان: أصحهما في (أصل الروضة): أنه كذلك، فيزوج الأبعد يوم جنونه؛ لبطلان أهليته وزوال ولايته عن نفسه وماله. والثاني: لا يزيل الولاية؛ لأنه يشبه الإغماء من حيث إنه يطرأ ويزول، ولم يصحح الرافعي في (الكبير) شيئا، بل نقل الأول عن ابن كج والإمام والغزالي، وتصحيح الثاني عن البغوي، وجعله في (الشرح الصغير) الأشبه، وفي (التذنيب) الظاهر، وعلى هذا: تنتظر إفاقته على الأصح، وقيل: يزوج الحاكم. والخلاف جار في الثيب المتقطع جنونها، فعلى رأي: تزوج في حال الجنون، وعلى رأي: تنتظر إفاقتها لتأذن. ولو وكل المتقطع الجنون في إفاقته .. اشترط عقد وكيله قبل عود الجنون، وكذا إذا أذنت الثيب .. يشترط تقدم العقد على عود جنونها. قال: (ومختل النظر بهرم أو خبل) سواء كان الخبل جبليا أو عارضا، فلا ولاية له؛ للعجز عن اختيار الأكفاء، وعدم العلم بمواضع الحظ الواجب على الأولياء، وكذلك الحكم في أذى الآلام والأسقام الشاغلة عن النظر، نص عليه. فائدة: (الخبل): فساد في العقل، وهو بإسكان الباء الموحدة وتحريكها. و (الهرم) بالتحريك: كبر السن. روى ابن ماجه] 3436 [وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا الهرم) فاستثناه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اضمحلال طبيعي، وطريق إلى الفناء ضروري؛ فإن كل نقصان وفساد يدخل على المصباح له

وَكَذَا مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْصِّفَاتِ .. فَالْوِلَايَةُ لِلأَبْعَدِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق موصلة إلى العلاج، إلا النقص الداخل من جهة نقصان الزيت فليس له بدونه صلاح. قال: (وكذا محجور عليه بسفه على المذهب)؛ لأنه ممنوع من عقد النكاح لنفسه فلا يجوز أن يعقده لغيره. والطريقة الثانية: وجهان: أحدهما هذا. والثاني: يلي؛ لأنه كامل النظر في أمر النكاح، وإنما الحجر عليه؛ لأجل المال. والمراد ب (السفيه) هنا: من بلغ مبذرا، أو رشيدا ثم بذر وحجر عليه، فلو لم يحجر عليه ووجد التبذير المقتضي للحجر .. قال الرافعي: ينبغي أن لا يمنع، وإليه أشار المصنف بتقييده ب (الحجر)، وهو ظاهر نص (الأم)، فالسالب للولاية مجموع الأمرين: السفه مع الحجر. وخرج ب (السفه) حجر المرض وحجر الفلس، فلا يمنعان الولاية؛ لأن ذلك ليس بخلل فيه، بل لحق الغير. وتوكيل المحجور عليه بسفه في طرفي النكاح كتوكيل العبد، فيصح في القبول دون الإيجاب على الصحيح. قال: (ومتى كان الأقرب ببعض هذه الصفات) وهي: الرق والصبا والجنون واختلال النظر بهرم أو خبل وحجر سفه، وكذلك الفسق والكفر. قال: (.... فالولاية للأبعد)؛ لخروج الأقرب عن كونه وليا، ولأنه صلى الله

وَالإِغْمَاءُ إِنْ كَانَ لَا يَدٌومُ غالبا .. انْتُظِرَ إِفَاقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَدُومُ أَيَّاماّ .. انْتُظِرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى الحبشة يتزوج له أم حبيبة بنت أبي سفيان، زوجها منه خالد بن سعيد بن أبي وقاص كما قاله ابن إسحاق والشافعي] أم 5/ 16 [وآخرون، أو عثمان بن عفان كما قاله عروة والزهري وغيرهما، وكلاهما ابن عم أبيها، وكان أبوها كافرا حيا، وهذه القصة أجمع عليها أهل المغازي. وإذا ثبت ذلك في الكفر .. قسنا عليه الباقي، فإذا زالت الموانع .. عادت الولاية كما أفهمه لفظ (متى). هذا في المناسب، أما الولاء، فلو أعتق أمة ومات عن ابن صغير وأب .. لم يكن للأب تزويجها، نص عليه، كما حكاه في (الكفاية) في آخر (باب الولاء)، وبه جزم البغوي في (فتاويه). قال: (والإغماء إن كان لا يدوم غالبا .. انتظر إفاقته) كما ينتظر النائم، فلا يزوج غيره. قال: (وإن كان يدوم أياما .. انتظر)؛ لأنه قريب الزوال كالمرض العارض، فعلى هذا: قال البغوي وغيره: تنتظر إفاقته كالنائم، وقال الإمام: تعتبر مدته بالسفر، وترجع معرفته إلى أهل الخبرة، فإذا قالوا: أنه من القسم الثاني .. جاز تزويجها في الحال. وتعبيره ب (الأيام) يقتضي اعتبار ثلاث، وهو كذلك في (المحرر) تبعا للغزالي، والذي في (الروضة) و (الشرحين) يوما أو يومين فأكثر.

وَقِيلَ: الْوِلَايَةُ لِلأَبْعَدِ. وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: الولاية للأبعد) كالمجنون والسكران الذي سقط تمييزه بالكلية، فكلامه لغو، فإن بقي له تمييز ونظر .. فالمذهب: أنه لا يزوج وتنتظر إفاقته. قال الشيخ: لم يسلكوا بالإغماء هنا مسلكه في الوكالة؛ لأن الأكثرين فيها لم يفرقوا بين طويل المدة وقصيرها، وهنا اتفقوا على التفرقة بين ما يدوم وبين ما لا يدوم، والفرق بين البابين اختلاف المأخذ فيهما، فالوكالة جائزة؛ لضعفها تزول بالإغماء، وولاية النكاح ثابتة للولي قوية، ولا يزيلها اليسير منه، وإنما يزيلها ما يفوت النظر في حق المولى عليها، قال: ومن هذا يعلم أنه لا ينبغي أن يلحق بالوكالة غيرها من الولايات التي هي أقوى رتبة منها كولاية القضاء والإمامة العظمى ونحوهما، وإطلاق القول بأن الإغماء موجب للانعزال بعيد. قال: (ولا يقدح العمى في الأصح)؛ لا خلاف أن للأعمى أن يتزوج، وهل له أن يزوج بالولاية؟ فيه وجهان: أصحهما: نعم؛ لأن المقصود يحصل بالبحث مع الغير والسماع منه. وإنما لم تقبل شهادته فيما تحمله بعد العمى؛ لتعذر التحمل. واحتجوا له أيضا بأن شعيبا زوج ابنته من موسى عليهما الصلاة والسلام ولم يثبت ذلك. وقال الشيخ: الحق أنه لم يعم نبي أبدا، وإن ما حصل ليعقوب عليه الصلاة والسلام غشاوة وزالت، فعلى هذا: له أن يوكل. والثاني: أن العمى يمنع الولاية؛ لأنه نقص يؤثر في الشهادة فأشبه الصغر. وإذا قلنا يلي والصداق عين .. لم يثبت المسمى إن منعنا شراء الغائب، كذا قاله الشيخان في (البيع).

وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجري الخلاف في ولاية الأخرس الذي له كتابة أو إشارة مفهمة. وقيل: يزوج قطعا، فإن لم تكن مفهمة .. فلا ولاية له. قال: (ولا ولاية لفاسق على المذهب)؛ لأن الفسق نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية كالرق. وروى الشافعي] شم 1/ 220 [رضي الله عنه بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي مرشد) قال الشافعي: أراد ب (المرشد): العدل، قال أحمد: وهو أصح شيء في الباب، وبهذا قال أحمد في أصح الروايتين عنه. والقول الثاني: أنه يلي؛ لأن الفسقة لم يمنعوا من التزويج في عصر الأولين، وهذه أشهر الطرق كما قاله الرافعي. والطريق الثاني: القطع بالمنع، وهو قضية إيراد أبي علي بن أبي هريرة والطبري وابن القطان. والثالث: القطع بأنه يلي. والرابع: يلي الأب والجد فقط مع الفسق دون غيرهما، والفرق كمال شفقتهما وقوة ولايتهما. والخامس: عكسه، والفرق أنهما مجبران، فربما وضعاها تحت فاسق مثلهما، وغيرهما يزوج بالإذن، فإن لم ينظر لها .. نظرت لنفسها. والسادس: إن كان فسقه بشرب الخمر .. لم يل؛ لاضطراب نظره، وإن كان بسبب آخر .. يلي. والسابع: يلي المستثمر بفسقه دون المعلن. والثامن: يلي الغيور دون غيره. وفي (رحلة ابن الصلاح): أن إمام الحرمين قال بهذا التفصيل، وأن فخر الإسلام الشاشي قال: لا وجه له؛ إذ لو جاز هذا في الولاية .. لجاز في الشهادة،

وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقال: إذا كان الفاسق كريم النفس صدوق اللهجة .. تقبل شهادته ويلي القضاء، نعم؛ يستقيم على مذهب أبي حنيفة؛ فإن لهم في الشهادة هذا التقسيم. والتاسع: إن كان الفاسق رشيدا في دنياه .. ولي، وإن كان مبذرا .. فلا. وأطلق بعضهم الخلاف، وقيده المتولي بما إذا كان الفاسق غير محجور عليه، فإن كان محجورا عليه .. فلا. وأفتى الغزالي بأنه إذا أدى السلب إلى تزويج حاكم فاسق .. ولي، وإلا .. فلا، واستحسنه المصنف، واختاره ابن الصلاح، وقواه الشيخ تفريعا على انعزال القاضي بالفسق. وإذا قلنا: الفسق سالب .. زوج البعيد على الأصح، وقيل: السلطان. قال البغوي: وإذا تاب .. زوج في الحال، وقال المتولي نحوه في العضل. قال الرافعي: والقياس- وهو المذكور في (الشهادات) - اشتراط الاستبراء، وفي أصحاب الحرف الدنية كالكناس والحجام وجهان: قال المصنف: المذهب: القطع بأنهم يلون. والأصح: أن للفاسق أن يتزوج بنفسه. ويستثنى من إطلاق المصنف وغيره الإمام الأعظم؛ فإنه يزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة على الأصح؛ تفخيما لشأنه، كذا صححه الرافعي، وكأنه قلد فيه البغوي. وقال المتولي: إن الأصحاب منعوا ذلك في بنات نفسه وصححوه في بنات غيره؛ لأن مستنده في الغير الولاية العامة والفسق لا ينافيها، بخلاف الولاية الخاصة. قال: (ويلي الكافر الكافرة) ويجبرها وإن كانت صغيرة سواء زوجها من كافر أو مسلم؛ لأنه قريب ينظر بالمصلحة، وقال تعالى:} والذين كفروا بعضهم أولياء بعض {.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وشرط ولايته أن لا يرتكب محرما من دينه، فإن ارتكبه فكالفاسق. قال في (الدقائق): قوله: (الكافرة) أشمل من قول (المحرر): ابنته الكافرة؛ لأن أخته وغيرها كذلك، وخالف الحليمي فقال: لا يلي الكافر الكافرة إذا أراد المسلم أن يتزوج بها، بل يزوجه بها قاضي المسلمين، وصححه ابن يونس. وهل يزوج اليهودي النصرانية؟ قال الرافعي: يمكن أن يلحق بالإرث، ويمكن أن يمنع، وقال في (الكفاية): قطع أصحابنا بأنه لا يؤثر كالإرث، لكن لنا صورة يزوج فيها المسلم الكافرة وهو السيد؛ فإنه يزوج أمته إذا كانا كذلك على الأصح؛ لأنه يزوجها بالملك، وإن قلنا بالولاية .. فلا. وكذلك السلطان في نساء أهل الذمة إذا لم يكن لها ولي خاص، أو كان لها ولي وعضلها. والمرتد ليس له ولاية على أحد. ولا يزوج كافر مسلمة إلا أمته وأم ولده على وجه قاله الفوراني. ولو كان لنصرانية أخ يهودي وأخ نصراني وأخ مجوسي .. استووا في الولاية عليها كما يشتركون في ميراثها، وهل للقاضي أن يزوج المجوسية المجبرة؟ فيه وجهان في (طبقات العبادي): عن أبي بكر الفارسي الجواز، وعن أبي بكر المروزي المنع.

وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ الْزَّوْجَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإحرام أحد العاقدين أو الزوجة يمنع صحة النكاح)؛ لأن المحرم مسلوب العبارة في عقد النكاح استقلالا وولاية ووكالة في كل من طرفي الإيجاب والقبول، سواء كان في حج أو عمرة، صحيحا كان أو فاسدا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم] 1409 [من حديث عثمان. وروى الدارقطني] 3/ 261 [عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتزوج المحرم ولا يزوج). وروى مالك] 1/ 349 [: أن عمر رد نكاح رجل تزوج وهو محرم. وروى البيهقي] 5/ 66 [عن سعيد بن المسيب: أن رجلا تزوج وهو محرم .. فأجمع أهل المدينة على أنه يفرق بينهما. فمذهب الشافعي: أنه يحرم على المحرم عقد النكاح، ولا يصح منه، ولا فدية؛ لعدم حصول المقصود، وبه قال مالك وأحمد، ويفرق بينهما بغير طلاق. وقال أبو حنيفة والثوري: يصح نكاح المحرم ولا يحرم. لنا: الآثار المتقدمة. واحتج المخالف بما روى الشيخان] خ 1837 - 1410 [عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم).

وَلَا يَنْقُلُ الْوِلَايَةَ فِي الْأَصَحِّ، فَيُزَوِّجُ الْسُّلْطَانُ عِنْدَ إِحْرَامِ الْوَلِيِّ، لَا الْأَبْعَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوابه: أنه روى عن ابن عباس أيضا: أنه تزوجها وهو حلال فتعارضا وسقطا، وروى مسلم] 1411 [وغيره عنها: أنها قالت: (تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف). وقال أبو رافع: تزوجها وهو حلال، وكنت السفير بينهما، حسنه الترمذي] 841 [، وقال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس فيه، وعند الخصم: أن الراوي إذا وهمه بعض السلف .. لم يعمل بروايته، وأيضا ابن عباس إذ ذاك كان ابن ست سنين، وإن سلم .. فذاك من خواصه، أو يكون معنى قوله: (وهو محرم) أي: في الحرم أو في الشهر الحرام كقول الشاعر] من الكامل [: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما .... ودعا فلم أر مثله مخذولا أو أنه كان يرى أن من قلد هديه أو أشعره .. صار محرما فيحتمل أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. وقال ابن عبد البر: رواية: (أنه تزوجها وهو حلال) تواترت عن ميمونة، قال: ولا أعلم أحدا من الصحابة وافق ابن عباس على رواية أنه كان محرما. وسواء في ذلك الإحرام الصحيح والفاسد. وقيل: لا يمنع الفاسد، وينعقد بشهادة المحرم على الصحيح، وتصح الرجعة في الإجرام على الأصح، ومن فاته الحج .. لا يصح نكاحه قبل التحلل على الأصح في زوائد (الروضة)؛ لأنه محرم.\ قال: (ولا ينقل الولاية في الأصح)؛ لبقاء الرشد والنظر. والثاني: ينقلها إلى الأبعد كالجنون، فلا ينتظر تحلله ولو بقيت له ساعة، كما لا ينتظر بلوغ الصبي باستكمال السن وعتق العبد بوجود الصفة وإن بقيت له ساعة، لا جرم قال في (المطلب): هذا هو الذي يظهر رجحانه. قال: (فيزوج السلطان عند إحرام الولي، لا الأبعد) كما لو غاب.

قُلْتُ: وَلَوْ أَحَرَمَ الْوَلِيُّ أَوِ الزَّوْجُ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ .. لَمْ يَصِحَّ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال .. لم يصح والله أعلم) إذا وكل حلال حلالا بالتزويج ثم أحرم أحدهما أو أحرمت المرأة .. ففي انعزال الوكيل وجهان: أصحهما: لا ينعزل، حتى يجوز له التزويج بعد التحلل بالوكالة السابقة. وهل له التزويج قبل تحلل الموكل؟ المعروف في المذهب ما قاله المصنف من عدم الصحة، ونقل الغزالي في (الوجيز) فيه وجها لا يعرف لغيره، قال الشيخ: ومأخذه من جهة المعنى ظاهر؛ فإن الإحرام على الصحيح ليس بسالب، بل منزل منزلة الغيبة كما صرح به القاضي حسين. ووكيل الغائب إذا زوج في زمن غيبته .. يصح إذن المرأة في حال إحرامها كالتوكيل في النكاح. ولو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج .. صح على الأصح؛ لأنه سفير محض ليس إليه في العقد شيء. ولا خلاف أن وكيل المصلي يزوج، بخلاف وكيل المحرم؛ لأن عبارة المحرم غير صحيحة، وعبارة المصلي صحيحة، حتى لو زوجها في صلاته ناسيا .. صح النكاح والصلاة. فرع: هل للإمام أو القاضي أن يزوج بالولاية العامة في الإحرام؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها: لا. وصحح في (المرشد) الجواز. وثالثها: يجوز للإمام ولا يجوز للقاضي؛ لأن ولاية الإمام أعم، وجميع القضاة خلفاؤه، وفي منعه من ذلك ذريعة إلى منع سائر خلفائه. وإذا امتنع على الإمام والقاضي التزويج في حالة الإحرام فهل لنوابهم المحلين التزويج؟ فيه في (حلية الشاشي) وجهان.

وَلَوْ غَابَ الأَقْرَبُ إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ .. زَوَّجَ السُّلْطَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: والذي تلخص أن نائب الإمام يعقد ونائب القاضي كالوكيل فلا يعقد. قال: (ولو غاب الأقرب إلى مرحلتين .. زوج السلطان)؛ لأن الغائب ولي والتزويج حق عليه، فإذا تعذر استيفاؤه منه .. قام السلطان مقامه كما لو عضل، وتزويجه في هذه الحالة وحالة العضل وحالة التشاجر بطريق النيابة لا بطريق الولاية؛ لأن الولي لم يخرج عن ولايته، وولايته ثابتة مع غيبته بدليل أنه لو زوج في غيبته .. صح. وإن كان له وكيل .. لم ينعزل، ويصح تزويجه في غيبته بشرطه الآتي، والذي ذكره المصنف هو المشهور، وحكى عن ابن سريج: أن الغيبة تنقل الولاية للأبعد كالجنون، وهو بعيد. وفرق القاضي أبو حامد بين الملوك والأكابر فاعتبر مراجعتهم، والتجار وأوساط الناس فلم يعتبره. وصورة المسألة: أن يعرف مكانه، فإن لم يعرف أو لم يعرف موته وحياته .. زوجها السلطان؛ لأن نكاحها قد تعذر من جهته، فإذا انتهى الأمر إلى غاية يحكم فيها بموته وقسم تركته .. فلا بد من نقل الولاية إلى الأبعد. وقال أبو حنيفة وأحمد: إن كانت الغيبة منقطعة- وهي التي لا تصل القوافل إليها في السنة إلا مرة- نقلت الولاية إلى الأبعد، ومذهب مالك كمذهبنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: إنما يزوج القاضي إذا لم يكن للغائب وكيل حاضر، فإن نصب وكيلا في تزويج موليته .. امتنع على القاضي أن يزوج؛ لأن الاستنابة المنصوص عليها أولى من الشرعية، كذا ذكره ابن سراقة في (التلقين)، والعبادي في (أدب القضاء)، وجزم به في (البحر)، وفي (اللطيف) لابن خيران، وبه جزم الشيخ تبعا لشيخه ابن الرفعة ثم قال: وهذا لا يخفى أن محله إذا كان مجبرا، أو كانت قد أذنت له وهو غير مجبر. ويندب للحاكم أن يحضر عصباتها أو يستأذنهم أو يرد العقد إليهم؛ ليخرج من الخلاف. فرع: في (فتاوى البغوي): أن القاضي إذا زوج من غاب وليها ثم حضر بعد العقد بحيث يعلم أنه كان قريبا للبلد عند العقد .. تبين بذلك أن النكاح لم يصح، وفي (فتاوى القفال) و (القاضي) نحوه. فرع: زوج الحاكم في غيبة الولي، ثم قدم وقال: كنت زوجتها في الغيبة .. قال الأصحاب: يقدم نكاح الحاكم. ولو باع عبد الغائب في دينه فقدم وقال: كنت بعته في الغيبة .. نص الشافعي رضي الله عنه على أن بيع المالك مقدم، والفرق: أن السلطان في النكاح كولي آخر. ولو كان لها وليان فزوجها أحدهما في غيبة الآخر فقدم الغائب وقال: كنت زوجتها .. لم يقبل إلا ببينة، وهو في البيع نائب عن المالك فأشبه الوكيل، والوكيل لو باع بحضرة الموكل وقال: كنت بعته .. صدق بيمينه. والخلاف يجري فيما لو ادعى أنه أعتقه أو وقفه.

وَدُونَهُمَا .. لَا يُزَوِّجُ إِلَا بِإِذْنِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح في دعوى العتق ما حكاه الرافعي في اللقطة: قبول قوله. قال: (ودونهما .. لا يزوج إلا بإذنه في الأصح)؛ لأن الغيبة في المسافة القصيرة كالإقامة، ولو كان مقيما في البلد .. لم يزوجها الحاكم، فكذلك هنا. والثاني: يزوج؛ لئلا تتضرر بفوات الكفء الراغب كالمسافة الطويلة. والثالث: إن كان فوق مسافة العدوى زوج أو دونها استؤذن. فرع: الأصح: تصديق المرأة في غيبة وليها، ولا يشترط شهادة خبيرين بالباطن، وأما قول الشافعي رضي الله عنه: لا يزوج السلطان من ادعت غيبة وليها حتى يشهد اثنان بذلك، وأنها خلية من زوج وعدة .. فمحمول على الندب، وقال الشيخ عز الدين في (الفتاوى الموصلية): تعتمد إن كانت موثوقا بها، فغن كانت متهمة أو مجهولة .. لم تزوج حتى تثبت بالبينة الشرعية دون المجاهيل والفساق، وإن عجزت عن ذلك لكونها غريبة .. حلفت وزوجت. فلو ألحت في الطلب ورأى التأخير .. فوجهان أطلقهما في (الروضة)، وعبارة الرافعي: وجهان رواهما الإمام عن الأصوليين. والذي في (النهاية): أن هذا لا ينتهي إليه كلام الفقهاء، وإنما اختلف فيه أرباب الأصول، فذهب قدوتنا في الأصول إلى أنها تجاب، وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني إلى مقابله. أ. هـ. ومراده بقدوتنا: الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه، فإطلاق (الروضة) وجهين يوهم أنهما للأصحاب، وليس كذلك، إلا أن يكون نقلهما من خارج وهو بعيد. قال الشيخ: وينبغي أن يقال: إن القاضي إذا أداه اجتهاده إلى أن مصلحة المرأة

وَلِلْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ تفوت بالتأخير .. وجبت المبادرة، أو أن المصلحة التأخير .. تعين، فإن استوى الحال أو أشكل .. فهو موضع تردد. ومما تعم به البلوى: أن تحضر امرأة إلى قاض تطلب تزويجها وتقول: كنت زوجا لفلان فطلقني وانقضت عدتي أو مات .. فعن القاضي حسين- كما نقله عنه البغوي في (فتاويه) -: لا تزوج حتى تقيم حجة على طلاقه أو موته؛ لأنها أقرت بالنكاح لفلان. وفي (أدب القضاء) للزبيلي: أنه يسمع قولها ولا يمين عليها ولا بينة؛ لأنها مالكة لأمرها بالغة عاقلة، فلا تمنع التصرف في نفسها بعقد التزويج، فإن كانت صادقة .. فذاك، وإن ورد زوجها وادعى عدم الطلاق وحلف .. فسخنا النكاح ورددناها إليه بعد العدة إن كان الزوج دخل بها. فإن كان الزوج في البلد وليست بغريبة وادعت الطلاق أو الموت .. فلا يعقد القاضي إلا ببينة، قال الشيخ: ولا مخالفة بين كلام البغوي والزبيلي، فكلام البغوي فيما إذا ذكرت زوجا معينا، وكلام الزبيلي في الزوج المجهول. قال: (وللمجبر التوكيل في التزويج بغير إذنها) كما له مباشرة العقد بنفسه، هذا هو الأصح المنصوص. وفي وجه- حكاه الحناطي والقاضي أبو حامد-: يشترط إذنها، فعلى هذا: إن كانت صغيرة .. امتنع التوكيل بتزويجها، وعلى الصحيح يندب للولي استئذانها، ويكفي السكوت. وسكت المصنف عن شرط الوكيل هنا؛ استغناء بما ذكره في (كتاب الوكالة) وشرطه: أن يصح كونه وليا.

وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزِّوْجِ فِي الأَظْهَرِ، وَيَحْتَاطُ الْوَكِيلُ فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يشترط تعيين الزوج في الأظهر)؛ لأنه يملك التعيين في التوكيل، فيملك الإطلاق كما في البيع وسائر التصرفات، وشفقته تدعوه إلى أن لا يوكل إلا من يثق به. والثاني: يشترط؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الأزواج، ويجريان في إذنها للولي أن يزوجها ولم تعين له زوجا. فإن قيل: في زوائد (الروضة) في (باب الوكالة): إذا وكله أن يزوجه امرأة، ففي اشتراط تعيينها وجهان: الأصح: الاشتراط، وصحح هنا أنه لا يشترط تعيين الزوج، بل يصح ويحمل على الكفء بمهر المثل .. فالجواب: أن اعتناء الولي بدفع العار جوز إطلاق الإذن، بخلاف الأجنبي. ولا يشترط في التوكيل في التزويج ذكر المهر، لكن لو سمت قدرا .. لم يصح التزويج بدونه بغير إذنها، كما لو قال: زوجها في يوم كذا أو في المسجد فخالف .. لم يصح، وكذا لو قال الولي لرجل: زوج ابنتي من فلان على أن يضمنه فلان أو يرتهن بمهرها كذا فزوجها من غير ضمان ولا رهن .. لم يصح على المذهب كما في البيع. ولو وكل رجلا بتزويج ابنته فزوجها وبان موت الأب ولم يدر أكان بعد الموت أو قبله .. فوجهان: أصحهما: صحة العقد؛ بناء على تقابل الأصلين. قال: (ويحتاط الوكيل فلا يزوج غير كفء) هذا واجب عليه، فإن زوجها بغير كفء .. لم يصح في الأصح.

وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ إِنْ قَالَت لَهُ: وَكِّلْ .. وَكَّلَ، وَإِنْ نَهَتْهُ .. فَلَا، وَإِنْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي .. فَلَهُ الْتَّوْكِيلُ فِي الأَصَحِّ، فَلَوْ وَكَّلَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاح .. لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصِّحِيح ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يصح ولها الخيار، فإن كانت صغيرة .. خيرت إذا بلغت. ولو خطبها كفان وأحدهما أشرف فزوج الآخر .. لم يصح؛ لأنه خلاف الاحتياط الواجب عليه. قال: (وغير المجبر إن قالت له: وكل .. وكل) هذا لا خلاف فيه، وشمل كلام المصنف مسألتين: إحداهما: قالت: زوجني ووكل .. فله كل منهما. والثانية: اقتصرت على قولها: وكل بتزويجي .. فله ذلك، وهل له أن يزوجها؟ فيه وجهان: أصحهما: نعم؛ لأنه يبعد منعه مما له التوكيل فيه. ولو رجعت عن الإذن بعد التوكيل .. بطلت الوكالة. قال: (وإن نهته .. فلا)؛ لأنه غير مستقل، وادعى الإمام والبغوي: أنه لا خلاف فيه أيضا. قال: (وإن قالت: زوجني .. فله التوكيل في الأصح)؛ لأنه متصرف بالولاية، فأشبه الوصي والقيم يتمكنان من التوكيل بغير إذن، بل أولى منهما؛ لأنهما نائبان، وهو ولايته أصلية بالشرع، وإذنها في التزويج شرط في صحة تصرفه وقد حصل. والثاني: لا وهو قول ابن أبي هريرة؛ لأنه يتصرف بالإذن فلا يوكل إلا بالإذن كالوكيل. قال: (فلو وكل قبل استئذانها في النكاح .. لم يصح على الصحيح)؛ لأنه لا يملك التزويج بنفسه، فلأن لا يملك التوكيل فيه إلا بإذن أولى. والثاني: يصح؛ لأنه يلي تزويجها بشرط الإذن، فله تفويض ما له لغيره، فعلى هذا: يبقى موقوفا على الإذن، فإن أذنت له .. صح، ولو كانت أذنت له ولم يعلم فوكل .. فتنبغي الصحة كتصرف الفضولي، وتستثنى هذه من إطلاقهم.

وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ: زَوَّجْتُكَ بِنْتَ فُلِانٍ، وَلْيَقُلِ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزّوْجِ: زَوَّجْتُ بِنْتِي فُلانَاً، فَيَقُولُ وَكِيلُهُ: قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى المذهب: يستثنى ما لو لم يكن لها ولي سوى الحاكم فأمر رجلا بتزويجها قبل استئذانها .. فالأصح صحته؛ بناء على أن استنابته في شغل معين استخلاف، وهو الأصح. فرع: قالت: أذنت لك في تزويجي ولا تزوجني بنفسك .. قال الإمام: قال الأصحاب: لا يصح هذا الإذن؛ لأنها منعت الولي وجعلت التفويض للأجنبي، فأشبه الإذن للأجنبي ابتداء. قال: (وليقل وكيل الولي: زوجتك بنت فلان) مقصوده: بيان لفظ الوكيل في عقد النكاح، فإذا كان يزوج وكيل الولي من الخاطب فيقول: زوجت بنت فلان منك .. فيصح؛ لحصول الغرض المقصود، ولا يحتاج إلى تصريح بوكالة ولا بإشهاد، لكن يشترط- كما قال المتولي- علم الزوج بالوكالة، فإن لم يعلم .. اشترط التصريح بها. وأفاد بقوله: (بنت فلان) جواز الاقتصار على الاسم، وقال الجرجاني: لا بد من ذكر صفتها والرفع في نسبها إلى أن ينفي الاشتراك. قال: (وليقل الولي لوكيل الزوج: زوجت بنتي فلان) يعني موكله (فيقول وكيله: قبلت نكاحها له) فلو لم يقل له .. فعلى الوجهين المذكورين فيما إذا قال

وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزوج: قبلت، ولم يقل: نكاحها ولا تزويجها. ولو قال: زوجت بنتي منك، فقال: قبلت نكاحها لفلان .. لم ينعقد، وإن قال: قبلت نكاحها .. وقع العقد للوكيل، ولم ينصرف إلى الموكل بالنية. وأفهم قوله: (فيقول) أنه لا يجوز تقديمه على إيجاب الولي، والمعروف جوازه كما تقدم. وإذا جرى النكاح بين وكيلين فقال وكيل الولي: زوجت فلانة فلانا، فقال وكيل الزوج: قبلت نكاحها لفلان .. صح. وفي البيع: يجوز أن يقول البائع لوكيل المشتري: بعتك، ويقول الوكيل: اشتريت، وينوي موكله فيقع العقد للموكل وإن لم يسمه، وفرقوا بينهما بوجهين: أحدهما: أن الزوجين كالثمن والمثمن ولا بد من تسميتهما. والثاني: أن البيع يرد على المال وهو قابل للنقل من شخص إلى شخص، والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل النقل، ولهذا لو قبل النكاح بوكالة لزيد فأنكرها زيد .. لم يصح العقد، ولو اشترى لزيد بوكالة فأنكرها .. صح الشراء للوكيل. قال: (ويلزم المجبر تزويج مجنونة بالغة ومجنون ظهرت حاجته). أما المجنونة .. فحاجتها اكتساب المهر والنفقة، وقد يكون جنونها لشدة الشبق، وحاجة المجنون تظهر بأمارات التوقان، أو توقع الشفاء بقول عدلين من الأطباء، أو

لَا صَغِيرَةِ وَصَغِيرٍ. وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ وَغَيْرَهُ إِنْ تَعَيَّنَ إِجَابَةُ مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم متعهد محرم إن زاد ثمن أمة ومؤنتها على مؤن النكاح، نص عليه، واستشكله الرافعي بأن الزوجة لا يلزمها خدمته، فربما تمتنع أو لا تفي إن وعدت. ولا يقبل قوله في الحاجة من غير ظهور أمارة، وكان ينبغي للمصنف أن يقول: حاجتهما؛ فإنه لا فرق بينهما. وفي المجنون وجه: أن توقع الشفاء لا يكفي. واشتراط المصنف البلوغ في المجنونة إنما ذكره لأنه محل الحاجة، ولم يذكره في المجنون اكتفاء بما قبله وما بعده في الدلالة عليه. قال: (لا صغيرة ولا صغير) فلا يجب تزويجها؛ لعدم الحاجة إليه في الحال، فلو ظهرت الغبطة في تزويجهما .. ففي الوجوب احتمال للإمام، كما إذا طلب ماله بزيادة .. يجب البيع، والوجوب في الصغير أبعد؛ للزوم المؤن. والمراد ب (الصغيرة): البكر الصغيرة؛ فإن الثيب لا تزوج. قال: (ويلزم المجبر وغيره إن تعين) كأخ واحد أو عم واحد (إجابة ملتمسة التزويج) كالقضاء وأداة الشهادة، وقيل: لا يلزم المجبر؛ لأن المجبر لا يجبر، والصحيح الأول، واستشكله الحنفية علينا فقالوا: لو كانت البكر مجبرة للأب ما ملكت جبره. وأجاب الأصحاب بأن الغرض في النكاح إعفافها، فإذا أعربت عن حاجتها .. وجب على الناظر في أمرها رعاية مصلحتها، وإنما يكون ذلك بعد بلوغها، وكذلك

فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَإِخْوَةٍ وَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ .. لَزِمَهُ الإِجَابَةُ فِي الْأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعصر في وجه، وإنما يلزمه إذا عينت كفءا وطلبت التزويج منه كما أفهمه كلام الرافعي. قال: (فإن لم يتعين كإخوة وسألت بعضهم .. لزمه الإجابة في الأصح)؛ لئلا يتواكلوا فيتعطل الحق، وهما كالوجهين في الشهود إذا كانوا في واقعة وطلب من اثنين منهم الأداء، فإذا امتنع الجميع .. زوج السلطان بالعضل. وعلى الأصح: يأثم المسئول وحده، وعلى مقابله: يأثم الجميع كفرض الكفاية، وقيل: لا إثم؛ لحصول المقصود بالسلطان. فرع: إذا قبل الأب للصغير أو المجنون نكاحا بصداق من مال الابن، فإن كان عينا .. فذاك، ولا تعلق له بالأب، وإن كان دينا .. فالقديم: أن الأب ضامن للمهر بالعقد، والجديد: لا يكون ضامنا إلا أن يضمن صريحا، كما إذا اشترى لطفله شيئا .. فإن الثمن عليه لا على الأب. وإذا قلنا بالجديد فتبرع الأب بالأداء .. لم يرجع، وكذا لو ضمن صريحا وغرم، فقصد الرجوع هنا ينزل منزلة إذن المضمون عنه، فإن ضمن على قصد الرجوع وعزم على قصد الرجوع .. يرجع، وإلا .. فعلى الخلاف فيما إذا ضمن بغير إذن، وأدى بغير إذن. وإذا قلنا بالقديم فغرم .. قال الشيخ أبو علي: لا يرجع به على الابن، كما لا ترجع العاقلة على الجاني، ويحكى مثله عن القاضي حسين، واعترضه الإمام بأن الأب نصب للتصرف ورعاية المصلحة للابن فكيف يكون طريقا للضمان وليس كذلك العاقلة؟!. ولو شرط الأب أن لا يكون ضامنا .. فعن القاضي أنه يبطل العقد على القديم،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وهذا وهم من الآخذين عنه؛ فإن النكاح لا يفسد بمثل ذلك، ولعله قال: يبطل الشرط ويلزم الضمان. فرعان- ذكرا هنا استطردًا؛ لتعلقهما بالنظر والمصلحة-: أحدهما: يجب على الولي حفظ مال الطفل وصونه عن أساب التلف، قال الإمام والغزالي والرافعي: وعليه استنماؤه بما يصونه عن ذهابه في النفقة والزكاة ومؤن حفظه إن أمكن ذلك، وقال العراقيون: إن ذلك مستحب. قال الشيخ: وغالب الاستنماء بأحد شيئين: إما معاملة بحيلة، وفيها شبهة ينبغي للولي أن لا يفعلها؛ لأن رعاية مصلحة الصبي في الآخرة أولى من رعاية مصلحته في الدنيا، ومن مصلحته في الآخرة إطعامه الحلال الخالص عن الشبهة. الطريق الثاني: شراء ما فيه ربح، وهو جيد لكنه كثيرًا ما يكسد، فإن فرض طريق خال عن الضرر الأخروي والدنيوي .. وجب أو استحب، وإلا .. فالواجب الحفظ. قال الأصحاب: ولا تلزمه المبالغة في الاستنماء، والنهاية فيه بحيث يكد نفسه، وينبغي أن يحرص على معاملة من ماله حلال موثوق به مأمون، ويراعي المصلحة والغبطة في البيع له والشراء. الثاني: إذا تضجر الأب بحفظ مال الطفل والتصرف فيه .. رفع الأمر إلى القاضي لينصب قيمًا بأجرة، وله أن ينصب بنفسه، ذكره الإمام. ولو طلب من القاضي أن يثبت له أجرة على عمله .. فالذي يوافق كلام الجمهور: أنه لا يجيبه إليه غنيًا أو فقيرًا، إلا أنه إذا كان فقيرًا ينقطع عن كسبه .. فله أن يأكل منه بالمعروف كما سبق في (الحجر). وللإمام احتمال قطع به الغزالي: أنه يفرض له أجرة، وعلى هذا: لابد من تقرير القاضي، وليس له الاستقلال به، هذا إذا لم يكن هناك متبرع بالحفظ والعمل، فإن وجد متبرع وطلب الأب الأجرة .. فوجهان:

وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ .. اسْتُحِبَّ أَن يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ بِرِضَاهُمْ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: أنه لا يثبتها له. والثاني: يثبتها؛ لزيادة شفقته كما تقدم الأم في الرضاع في قول على المتبرعة. قال: (وإذا اجتمع أولياء في درجة) والحال أنها أذنت لكل منهم منفردًا، أو قالت: أذنت في فلان فمن شاء منكم فليزوجني منه. قال: (.. استحب أن يزوجها أفقههم)؛ لأنه أعلم بشرائط العقد، والمراد: الأفقه في هذا الباب. قال: (وأسنهم)؛ لأنه أخبر بالأمور لكثرة تجاربه، وفي الحديث: (كبر كبر) وجعل في (الشرح) و (الروضة) الورع بينهما، فيندب أن يعقد الأفقه ثم الأورع ثم الأسن برضا الباقين. قال: (برضاهم)؛ لتجتمع الآراء، ولئلا يتأذى بعضهم باستئثار بعض. ومن قوله: (برضاهم) يعلم أنه غير شرط، فلو زوجها غير الأفضل برضاها .. صح، ولا اعتراض لهم إذا زوجها بكفء، فإن كان بغير كفء .. لم يجز حتى يجتمعوا، فلو أذنت لواحد .. لم يزوج غيره، ولو قالت: زوجوني .. اشترط اجتماعهم في الأصح. ولو قالت: رضيت بفلان زوجًا أو رضيت أن أزوج .. فوجهان: أحدهما: ليس لأحد تزويجها؛ لأنها لم تأذن لجمعيهم إذنًا عامًا، ولا خاطبت واحدًا، فصار كقولها: رضيت أن يباع مالي. وأصحهما: يصح، ولكل واحد تزويجها؛ لأنهم متعينون شرعًا، والشرط رضاها وقد وجد. والذي قاله المصنف مفروض في النسب، فلو كانوا معتقين .. اشترط اجتماعهم على العقد، أو يوكلوا فيه واحدًا، فإذا عضل أحد المعتقين أو غاب أو مات ولم يترك عصبة .. زوج الحاكم والمعتق الثاني، فإن انفرد الحاكم دون المعتق أو المعتق دون

فَإِنْ تَشَاحُّوا .. أُقْرِعَ، فَلَوْ زَوَّجَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ .. صَحَّ فِي الأَصَحْ. وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ زَيْدًا وَالآخَرُ عَمْرًا؛ فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ .. فَهُوَ الصَّحِيحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاكم .. كان باطلاً؛ لأنه ليس لأحدهما إلا نصف الولاء، وعصبة المعتق كالأقارب اجتماعًا وانفردًا. قال: (فإن تشاحوا .. أقرع)؛ قطعًا للمنازعة، ولا تنتقل الولاية للسلطان. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن تشاجروا .. فالسلطان ولي من لا ولي له) .. فالمراد منه: إذا قال كل منهم للآخر زوجها أنت، فيصيروا جميعًا عاضلين، وههنا تنازع في التزويج لا تشاجر. كل هذا إذا اتحد الخاطب، فإن تعدد ورغب كل في زوج .. فالتزويج ممن ترضاه المرأة، فإن رضيتهما وتنازعوا في أحدهما .. أمر الحاكم بالتزويج من أصلحهما، كذا قاله البغوي، وجزم به في (الشرح الصغير)، لكن في (الحاوي) و (البحر) و (التتمة): أنهما عاضلان ويزوج السلطان وهو الذي يتولى القرعة بين الأولياء في التنازع، صرح به ابن كج، وقال ابن داوود: السلطان، فإن أقرع غيره جاز. قال: (فلو زوج غير من خرجت قرعته وقد أذنت لكل منهم .. صح في الأصح)؛ لأن القرعة لا تسلب ولاية البعض، إنما تقطع المنازعة. والثاني: لا يصح؛ لتظهر فائدة القرعة، وإلا .. كانت عبثًا، هذا إذا زوج بعد القرعة، فإن زوج قبلها .. صح قطعًا بلا كراهة، قاله في (الذخائر). واحترز بقوله: (وأذنت لكل منهم) عما إذا أذنت لأحدهم فزوج الآخر .. فإنه لا يصح قطعًا، وكذا لو أذنت للجميع على وجه الإجمال كما تقدم. قال: (ولو زوجها أحدهم زيدًا والآخر عمرًا؛ فإن عرف السابق .. فهو الصحيح)

وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ .. فَبَاطِلاَنِ، وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون الثاني باطلاً دخل بها أم لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة زوجها وليان .. فهي للأسبق منهما، وأيما رجل باع بيعًا من رجلين .. فهو للأول منهما) رواه الأربعة والحاكم وقال على شرط البخاري، وبهذا قال أكثر العلماء. وقال مالك: إن وجد نكاح الثاني قبل العلم بالأول واتصل بالدخول .. فهي له؛ لما روي: أن موسى بن طلحة زوج أخته يزيد بن معاوية بالشام، وزوجها أخوها يعقوب بن طلحة بالحسن بن علي بالمدينة، فدخل بها الحسن - وهو الثاني من الزوجين - ولم يعلم بما تقدم من نكاح يزيد .. فقضى معاوية بنكاحها للحسن بعد أن اجتمع معه فقهاء المدينة فصار حجة على من سواهم. وأجاب الأصحاب بعموم ما تقدم، وبأنه يجوز أن يكون معاوية استنزل يزيد عن نكاحه واستأنف عقدًا للحسن عليها، وبما روى البيهقي عن علي بن أبي طالب: أنه قضى في مثل ذلك بأنها للزوج الأول. هذا كله إذا كان كل واحد من الزوجين كفءًا، فإن لم يكونا مكافئين لها .. فلا نكاح، وإن كان أحدهما غير كفء .. فنكاح الكفء هو الصحيح وإن تأخر، نص عليه، وهو محمول على ما إذا لم يسقطوا الكفاءة. قال: (وإن وقعا معًا أو جهل السبق والمعية .. فباطلان) أما الأولى .. فلا إشكال فيها كما لو نكح أختين في عقد واحد، وأما الثانية فلأنهما إن وقعا معًا .. تدافعا، أو مرتبًا .. فلا اطلاع على السابق منهما، وأحكام الشرع إنما تترتب على ما علمت أسبابه. قال: (وكذل لو عرف سبق أحدهما ولم يتعين على المذهب) فيبطلان؛ لتعذر

وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ .. وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمضاء، وقيل: قولان: ثانيهما: التوقف كما في الحالة التي بعدها، فليس لأحدهما الاستمتاع بها، ولا لثالث نكاحها إلا أن يطلقاها أو يموتا، أو يطلقها أحدهما ويموت الآخر وتنقضي عدتها من آخرهما موتًا أو طلاقًا. وإذا قلنا بالبطلان .. ففي الانفساخ باطنًا وجهان، قال في (الروضة): ينبغي أن يقال: إن فسخ الحاكم .. نفذ باطنًا، وإلا .. فلا. قال: (ولو سبق معين ثم اشتبه .. وجب التوقف حتى يتبين)؛ لجواز التذكر، لأنا تحققنا صحة العقد، والهجوم على رفعه أو الحكم بارتفاعه لا معنى له، ولا يبالى بضررها طول عمرها، كزوجة المفقود والتي انقطع دمها بمرض؛ فإنها تصبر إلى سن اليأس مع الضرر. وإذا مات أحد الزوجين .. وقفنا من تركته ميراث زوجة، ولو ماتت هي .. وقفنا ميراث زوج بينهما حتى يصطلحا أو يتبين الحال. وفي النفقة حال التوقف وجهان: أصحهما عند الإمام: أنه لا يطالب واحد منهما بها؛ لتعذر الاستمتاع. والثاني - وبه أجاب ابن كج -: توزع عليهما بحسب حالهما، على الموسر نصف نفقة الموسرين، والمعسر نصف نفقة المعسرين، فإذا ظهر السبق لأحدهما .. رجع عليه الآخر بما أنفقه بإذن الحاكم، ويظهر أن يرجع عليها وهي ترجع على الزوج بتمام نفقتها عليه، والمسألة تقدم نظيرها في آخر (اللقيط)، وتأتي في (العدد) أيضًا.

فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ .. سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ - وَهُوَ قَبُولُ إِقْرَارِهَا بِالنُكَاحِ - فَإِنْ أَنْكَرَتْ .. حُلِّفَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن ادعى كل زوج علمها بسبقه) أي: بسبق نكاحه (.. سمعت دعواهما بناء على الجديد وهو: قبول إقرارها بالنكاح)؛ لئلا يتعطل حقاهما، فإن لم يقبل إقرارها .. فلا تسمع؛ إذ لا فائدة لذلك. قال: (فإن أنكرت .. حلفت) أنها لا تعلم السابق منهما، وتحلف يمينين عند البغوي، قال الشيخ: وهو الأصح، سواء حضرا وادعيا دفعة واحدة أو مرتين، وقال القفال والإمام والغزالي وغيرهم: إن حضرا .. كفت يمين واحدة، لكن اعتبر الإمام رضاهما بها، وستأتي الإشارة إلى هذا في (الدعاوى). فإن كانت خرساء أو معتوهة أو صبية، أو خرست بعد التزويج فأقرت بالإشارة بسبق نكاح أحدهما .. لزمها الإقرار ولا يمين عليها، ويفسخ النكاح على المنصوص.

وَإِنْ أَقَرَّتْ لأَحَدِهِمَا .. ثَبَتَ نِكَاحُهُ. وَسَمَاعُ دَعْوَى الآخَرِ وَتَحْلِيفُهَا لَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: هَذَا لِزَيْدِ بَلْ لِعَمْرِو، هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرِو؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ .. فَنَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإن أقرت لأحدهما .. ثبت نكاحه)؛ بناء على الجديد، وهو قبول إقرارها بالنكاح كما تقدم. قال: (وسماع دعوى الآخر وتحليفها له ينبني على القولين فيمن قال: هذا لزيد بل لعمرو، هل يغرم لعمرو؟ إن قلنا: نعم .. فنعم) وإن قلنا: لا .. فقولان؛ بناء على أن يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه كالإقرار أو كالبينة، وفيه قولان يأتيان في (الدعاوى) أظهرهما الأول. فعلى هذا: لا تسمع دعواه، لأن غايته أن تقر أو يحلف هو بعد نكولها، وهو كإقرارها ولا فائدة فيه. وإذا تركت الأصل المبني عليه واختصرت .. قلت: يندفع النكاحان، أو تسلم للأول أو الثاني؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها أوسطها، فإن سلمت للأول .. غرمت للثاني كما يغرم شهود الطلاق لو رجعوا، وفيه خلاف مذكور في موضعه.

وَلَوْ تَولَّى طرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجٍ بِنْتٍ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الآخَرِ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تولى طرفي عقد في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر .. صح في الأصح)؛ لقوة ولايته. والثاني: لا يصح؛ لأن خطاب الإنسان مع نفسه لا ينتظم، وإنما جوزناه له في البيع لكثرة وقوعه. وقد روى البيهقي مرفوعًا عن أبي هريرة وموقوفًا على ابن عباس: (أنه لا نكاح إلا بأربعة: خاطب وولي وشاهدين). فعلى الصحيح: يشترط الإتيان بشقي الإيجاب والقبول على الأصح، وقيل: يكفي أحدهما. وحكوا في البيع وجهًا: أنه يكتفى بالنية، ولا يأتي هنا؛ لأن الشاهدين لا اطلاع لهما عليها. وإن منعنا، فإن كانت بالغة .. زوجها السلطان بإذنها، ويقبل الجد للابن، وإن كانت صغيرة .. وجب الصبر إلى أن تبلع فتأذن، أو يبلغ الصغير فيقبل. وقال المصنف في (نكته) تبعًا لصاحب (البيان): للمسألة ثلاثة شروط: أن لا يكون أبو الولد من أهل الولاية. وأن يكون ابن الابن محجورًا عليه إما لصغر أو جنون أو سفه. وأن تكون بنت الابن بكرًا أو مجنونة. وشرط ابن معن في (التنقيب) وصاحب (الإستقصاء) أن يقول: وقبلت نكاحها بـ (الواو)، فإن ترك (الواو) .. لم يصح، وينبغي طرده في البيع وغيره. وإذا قلنا: له إجبار عبده الصغير، وأراد أن يزوجه أمته .. فهو كتولي الجد الطرفين.

وَلاَ يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ نَفْسَهُ بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ فِي دَرَجَتِهِ، فَإِنْ فُقِدَ .. فَالْقَاضِي. فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهَا .. زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنَ الْوُلاَةِ أَوْ خَلِيفَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يزوج ابن العم نفسه)؛ لما تقدم في الخبر، ولأن المعنى الذي جوز للجد أن يتولى الطرفين مفقود فيه. وقيل: يزوج نفسه، وهو قوي إذا نصت في الإذن عليه، ففي (البخاري): أن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم بنت قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم، قال: تزوجتك. وقد يجاب بأنه فعل صحابي معارض بمثله؛ ففي (سنن أبي داوود) عن عبد الملك بن عمير: أن المغيرة بن شعبة أمر رجلاً أن يزوجه امرأة، والمغيرة أولى بها منه. قال: (بل يزوجه ابن عم في درجته)؛ لأن الحق لهما فامتنع الزوج بقي الآخر. واحترز عمن لا يساويه في الدرجة كابني عم أحدهما لأبوين والآخر لأب؛ فيزوج الأول بخلاف العكس على المذهب. قال: (فإن فقد .. فالقاضي)؛ لعموم ولايته. وقيل: تنتقل الولاية للأبعد، فلا يزوجه القاضي. قال: (فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها .. زوجه من فوقه من الولاة) وكذا من هو مثله في بلده أو غيرها؛ لأن كل حاكم هي في بلده له أن يزوجها. قال: (أو خليفته)؛ لأن حكمه نافذ عليها، كذا جزم به الأصحاب، وحاول ابن الرفعة تخريج وجه فيه إذا قلنا: ينعزل بموته.

وَكَمَا لاَ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ تَوَلِّي الَطَّرَفَيْنِ .. لاَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلاً فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه بعيد: أن القاضي يزوج نفسه، ويقال: إن أبا يحيي البلخي ذهب إليه، وإنه حين كان قاضيًا بدمشق تزوج امرأة ولي أمرها من نفسه قال الشيخ: وهذا من غرائبه، ولا يعجبني فعل ذلك لو اعتقده الشخص؛ لأن الاعتقاد يعذر فيه بحسب الدليل، والاحتياط في العمل مطلوب، والخروج من الخلاف في ذلك سهل، ولذلك قال العبادي في (طبقاته): قال أبو سهل الصعلوكي: رأيت ولد يحيي البلخي من هذه المرأة يكدي بالشام. وفي الإمام الأعظم وجهان معروفان: أحدهما: أن له أن يتولى الطرفين؛ لأنه ليس فوقه من يزوجها. وأصحهما: المنع، فيزوجها القاضي منه بالولاية كما يزوج خليفة القاضي من القاضي. ولو أراد أحد هؤلاء تزويجها من ابنه الصغير .. فهو كتزويجها من نفسه. وحيث جوزنا لأحدهم التزويج من نفسه .. فذلك إذا سمته في إذنها، فأما إذا أطلقت الإذن وجوزناه .. ففيه وجهان حكاهما الحناطي. قال: (وكما لا يجوز لواحد تولي الطرفين .. لا يجوز أن يوكل وكيلاً في أحدهما، أو وكيلين فيهما في الأصح)؛ لأن فعل الوكيل كفعل الموكل. والثاني: يجوز؛ لوجود العدد، ومنهم من قال: يجوز للجد دون غيره. تتمة: قالت لابن عمها أو معتقها: زوجني، أو زوجني ممن شئت .. ليس للقاضي

فَصْلٌ: زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا، أَوْ بَعْضُ الأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ .. صَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تزويجه بها بهذا الإذن؛ لأن المفهوم منه التزويج بأجنبي. وإن قالت: زوجني من نفسك .. حكى البغوي عن بعض الأصحاب أنه يجوز للقاضي تزويجه إياها، قال: وعندي لا يجوز؛ لأنها إنما أذنت له لا للقاضي. قال المصنف: الصواب الجواز؛ لأن معناه: فوض إلى من يزوجك إياي. قال: (فصل: زوجها الولي غير كفء برضاها: أو بعض الأولياء المستوين برضاها ورضا الباقين .. صح)؛ لأن الكفاءة حق لها وللأولياء وقد رضوا بتركها، وليست بشرط في الصحة. واحتج له في (الأم) بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس - وهي قرشية - أن تنكح أسامة بن زيد، وزوج أباه بنت عمته زينب بنت جحش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الصحيحين): أن أبا حذيفة زوج مولاه سالمًا بابنة أخيه، وأن المقداد بن الأسود الكندي تزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. وفي (سنن الدارقطني): أن هالة أخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال رضي الله عنهم، وزوج أبو بكر أخته أم فروة بنت أبي قحافة الأشعث بن قيس، وهي تيمية قرشية والأشعث كندي، وليست كندة أكفاء لقريش، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج بناته من غيره ولا أحد يكافئه، إلا أن يقال: إن ذلك جائز للضرورة لأجل نسلهن، كما جاز لآدم عليه الصلاة والسلام تزويج بناته من بنيه. وأطلق المتولي كراهة تزويجها من غير كفء وقال ابن عبد السلام: يكره أن يزوجها من فاسق برضاها كراهة شديدة، إلا أن يخاف من فاحشة أو ريبة. وشمل قوله: (برضاها) إذا كانت مجبرة وسكتت وهو المذهب، وسواء في ذلك الرشيدة والسفيهة، فإذا رضيت بغير كفء .. صح؛ فإنه لم يحجر عليها إلا في المال خاصة، فلا يظهر لسفهها أثر ههنا كما صرح به في (الوسيط) في (فصل نكاح السفيه)، وكان بعض القضاة يتوقف فيه، ولا وجه لتوقفه. فائدة: كان زيد بن حارثة كلبيًا قضاعيًا، سبي وهو صغير، فابتاعه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج بها فأنعم عليه صلى الله عليه وسلم بالعتق، كما أنعم الله عليه يالإسلام، ثم زوجه بركة أم أيمن، فولدت له أسامة، ثم زوجه زينب بنت جحش بنت عمته، ثم طلقها فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم الناس انقطاع التبني المشار إليه بقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ}، ثم جبره الله تعالى بذكره في القرآن دون غيره من الصحابة. وروى أبو جعفر الطحاوي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم

وَلَوْ زَوَّجَهَا الأَقْرَبْ بِرِضَاهَا .. فَلَيْسَ لِلأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ. وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ .. لَمْ يَصِحُّ، وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ وَلَهُمُ الْفَسْخُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أمر زيدًا أن ينطلق إلى مكة ويأتي بابنته زينب وهي أكبر بناته، وأعطاه خاتمه، فجاء زيد إلى راعي غنم كان لها فأعطاه الخاتم، فلما رأته عرفته، فلما كان الليل خرجت مهاجرة فعرض لها هبار بن الأسود رضي الله عنه - وكان يومئذ مشركًا - فضرب هودجها ونخس الراحلة، وكانت حاملاً فأسقطت ولم تزل تهراق الدماء إلى أن ماتت بعد أعوام، فأردفها زيد وراءه إلى أن أتت المدينة. وأجاب الطحاوي بأن زيدًا حينئذ كان أخًا لها بحكم التبني؛ لأن ذلك كان قبل نزول (سورة الأحزاب). واستفيد من قصة زيد أيضًا ثبوت الرق على العرب، خلافًا لأبي حنيفة ومن وافقه. قال: (ولو زوجها الأقرب برضاها .. فليس للأبعد اعتراض)؛ لأنه محجوب عن الولاية، والمراد: إذا كان الأقرب بصفة الولاية، فإن لم يكن كما إذا كان الأب فاسقًا .. فالجد العدل هو الولي، والأب كالعدم. قال: (ولو زوجها أحدهم به برضاها دون رضاهم .. لم يصح)؛ لأنهم أصحاب حقوق في الكفاءة فاعتبر إذنهم كإذن المرأة، وهذا منصوص (الأم) و (المختصر). قال: (وفي قول: يصح ولهم الفسخ) نص عليه في (الإملاء)، ومنهم من قطع به؛ لأنها تزوجت بولي مرشد، وتضرر الباقين يقتضي الخيار كما لو اشترى معيبًا. ورأى الماوردي طريقة ثالثة وهي: أن العاقد إن كان عالمًا بأن الزوج غير كفء .. بطل، وإن لم يعلم إلا بعد العقد .. ثبت الخيار، فحمل النصين على حالين.

وَيَجْرِي الْقَوْلاَنِ فِي تَزْوِيجِ الأَبِ بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا .. فَفِي الأَظْهَرِ بَاطِلً، وَفِي الآخَرِ يَصِحُّ وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ، وَلِلصَّغيرَةِ إِذَا بَلَغَتْ. وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ .. لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند أبي حنيفة يلزم النكاح ولا اعتراض للآخرين، فخالف القولين جميعًا. قال: (ويجري القولان في تزويج الأب بكرًا صغيرة أو بالغة غير كفء بغير رضاها) هذه طريقة الجمهور، وفيه طريقة أخرى قاطعة بالبطلان، وطريقة أخرى تنزل القولين على الحالين المتقدمين: إن علم الولي عدم الكفاءة .. فالنكاح باطل، وإلا .. فصحيح. قال: (.. ففي الأظهر باطل)؛ لعدم الغبطة والمصلحة. قال: (وفي الآخر يصح وللبالغة الخيار)؛ لأن الحق لها فتختار إذا علمت. قال: (وللصغيرة إذا بلغت)؛ لأنه حق ثبت لها في الصغر فاستمر إلى البلوغ كثبوت حق القصاص. وحكى الإمام وجهًا: أنها لا تتخير، وعليها الرضا بعقد الأب، وهذا في تزويج المجبر، أما غيره .. فلا يزوج إلا بإذن. قال: (ولو طلبت من لا ولي لها أن يزوجها السلطان بغير كفء ففعل .. لم يصح في الأصح)؛ لأنه كالنائب عن أولياء النسب فلا يترك الحظ لهم، وإلى هذا ذهب الأكثرون. والثاني: يصح؛ إذ لا يلحقهم عار بذلك، وإلى هذا ذهب الشيخ أبو محمد والإمام والغزالي والعبادي والقاضي شريح الروياني والزبيلي في (أدب القضاء) وغيرهم، وقال في (الذخائر): إنه المذهب؛ لأن الحق لا يعدوها، واستدل له

وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ: سَلاَمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بحديث فاطمة بنت قيس؛ فإنها لم يكن لها ولي غيره صلى الله عليه وسلم. ورد هذا الاستدلال بأنه ليس في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام زوجها بولاية خاصة ولا ولاية عامة، بل أشار عليها، ولا يدرى من زوجها فوقفت الدلالة منه لذلك. وأفتى ابن الرفعة بأن المرأة إذا كانت تتضرر من عدم تزويجها بغير الكفء بأن قل الراغب فيها من الأكفاء أن الحاكم يزوجها من غير كفء، وإلا .. فلا. تنبيه: مراد المصنف من لا ولي لها أصلاً، أما التي لها ولي خاص .. فلا تزوج إلا من كفء قطعًا؛ لأنه نائب عنه في التصرف كما اقتضاه كلام الهروي في (الإشراف)، وصرح به غيره، ونقله في (الإستقصاء) عن (الإيضاح) للصيمري مقتصرًا عليه، وبه أجاب ابن الصلاح في (فتاويه)؛ لأن حق الغائب في الكفاءة وولايته باقيان، فلا يصح ذلك مع عدم إذنه. قال: (وخصال الكفاءة: سلامة من العيوب المثبتة للخيار)؛ لما قرر أن الكفاءة معتبرة شرع في بيانها. وهي في اللغة: التساوي والتعادل، يقال: فلان كفء فلان؛ أي: نظيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الشرع: ما يوجب عدمه عارًا، واستنبطها الشافعي رضي الله عنه من حديث بريرة. وخصالها المرعية خمس متفق عليها، أشار إليها الشيخ سراج الدين الأرمنتي بقوله [من الرجز]: شرط الكفاءة ستة قد حررت .... ينبيك عنها بيت شعر مفرد نسب ودين صنعة حرية .... فقد العيوب وفي اليسار تردد فأول خصالها: التنقي من العيوب المثبتة للخيار؛ لأن النفس تعاف من به تلك العيوب، ويختل بها مقصود النكاح. واستثنى البغوي منها التعنين، وقال: لا يتحقق فلا نظر إليه. وفي (تعليق الشيخ أبي حامد) وغيره التسوية بين التعنين وغيره، قال الرافعي: وإطلاق الجمهور يوافقه، وصوب في (المهمات) مقاله البغوي؛ فإن الرجل قد يعن عن امرأة دون امرأة، وفي نكاح دون نكاح وإن كانت المرأة واحدة على الأصح. وكلام الشيخ أبي حامد مخرج على الضعيف وهو الاكتفاء بما سبق في العنة، فمن به عيب .. ليس كفءًا لسليمة منه، وكذا لو اختلف عيباهما إلا أن يكون مجبوبًا – بالباء - وهي رتقاء .. فكالجنس الواحد. قال الشيخ تبعًا لشيخه ابن الرفعة: والذي أطلقه المصنف وغيره من السلامة من العيوب المثبتة للخيار هو بالنسبة إلى المرأة؛ لأن لها حظًا في جميع ذلك، أما الولي إذا كان غائبًا مثلاً ورضيت المرأة .. فلا ينبغي أن يطلق القول بأن السلامة من العيوب معتبرة في حقه؛ لأن المشهور أنها لو أرادت أن تتزوج بمجبوب أو عنين .. لم يكن له مع حضوره منعها، ولو أرادت أن تتزوج بمجنون .. كان له المنع، فينبغي أن تكون حالة الغيبة كذلك. وهذه الخصلة إنما تعتبر في الزوجين خاصة دون آبائهما، فابن الأبرص كفء لمن

وَحُرِّيَّةٌ، فَالرَّقِيقُ لَيْسَ كُفْءًا لِحُرَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبوها سليم، ذكره الهروي في آخر (الإشراف). وزاد القاضي الروياني على العيوب المثبتة للخيار العيوب المنفرة كالعمى والقطع وتشوه الصورة، قال: وهي تمنع الكفاءة عندي، وبه قال بعض الأصحاب واختاره الصيمري. قال: (وحرية، فالرقيق ليس كفءًا لحرة)؛ لأنها تتعير بكونها تحت عبد، ولهذا خيرت بريرة لما عتقت وزوجها رقيق. ولا فرق بين أن تكون حرة أصلية أو عتيقة؛ لأن العبد ليس بكفء لهما، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أدنى من الحر بقوله: (ويسعى بذمتهم أدناهم). ومن مسه الرق ثم عتق، أو لم يمسه ولكن مس أحد آبائه .. ليس كفءًا للحرة الأصلية، وكذلك من مس الرق أبًا أقرب في نسبه .. ليس كفءًا لمن مس الرق أبًا أبعد في نسبها. قال الرافعي: ويشبه أن يكون الرق في الأمهات مؤثرًا، ولذلك تعلق به الولاء، ووافقه ابن الرفعة، وفي كلام الماوردي ما يؤيده، لكن قال في زيادات (الروضة): المفهوم من كلام الأصحاب أنه لا يؤثر كما سيأتي في (النسب)، وبه صرح في (البيان) فقال: من ولدته رقيقة كفء لمن ولدته عربية؛ لأنه يتبع الأب في النسب، ويؤيده ما ذكره الشيخان في (باب الولاء): أنه لا ولاء عليه. والمدبر والمكاتب وأم الولد كالرقيق، وكذا من بعضه رقيق، وهل العبد كفء للمبعضة؟ فيه وجهان.

وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفْءًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (الحاوي): أصحهما على ما حكاه في (الكفاية) عن صاحب (الذخائر): أنه لا يكون كفءًا. غريبة: حكى القرطبي في تفسير قوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} عن أبي عمر بن عبد البر وأبي بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العامري البغدادي الحافظ: أن العبد أفضل من الحر، قال: ولعل هذا محمول على عبد أطاع الله وأطاع مولاه، وهو الذي له أجران، فهو أفضل من حر له أجر واحد. قال: (والعتيق ليس كفءًا لحرة أصلية)؛ لما سبق. وفي موالي قريش وجه: أنهم أكفاء لقريش، وكذا موالي كل قبيلة بالنسبة إليها، والصحيح المنع. قال الشيخ: وهذا لم يرد فيه دليل، لا سيما وقد يكون الخاطب أكبر من المرأة بكثير وقد مس الرق أحد آبائه، فالقول بأنه غير كفء لها لا يشهد له عرف ولا دليل، فينبغي التوقف فيه، وقد رأينا في هذا الزمان من يكون مسه الرق أو أحد آبائه وهو ملك أو كبير والمرأة دونه بكثير بحيث تفتخر به وهي حرة الأصل، فمنعه من تزويجها لا يساعده عرف ولا دليل. وقد نص الشافعي في (البويطي) على أن المعتبر في الكفاءة الدين وحده كما ذهب إليه مالك، وضعفه الأصحاب.

وَنَسَبٌ، فَالْعَجَمِيُّ لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ودليله ما رواه الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه .. فزوجوه، إلاَّ تفعلوا .. تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) قال: وينبغي لمن أراد العمل بهذا ومخالفة مشهور المذهب أن يراقب الله تعالى ولا يزوج إلا من يرضى دينه وأمانته؛ ليكون تابعًا للحديث. قال: (ونسب) اتفق الأصحاب على اعتباره؛ لأن العرب تفتخر بأنسابها أتم فخار. وفي (صحيح مسلم) عن واثلة بن الأسقع: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار) فهو صلى الله عليه وسلم خلاصة الخلق؛ فإنه ليس في ولد إسماعيل نبي غيره، فهو وحده أفضل من جميع الأنبياء الذين من نسل إبراهيم من غير إسماعيل، وهم خلق كثير، وإبراهيم خلاصة نسل نوح ونوح خلاصة نسل آدم، فهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم. وفي (الصحيحين): (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)؛ لأنه اجتمع له شرف النبوة والعلم والجمال والعفة وكرم الأخلاق والعدل ورئاسة الدنيا والدين. وإنما اعتبرت الأنساب؛ لأن الأصل إذا طاب .. طاب فرعه غالبًا كما قال الشيخ قطب الدين القسطلاني رحمه الله تعالى (من الطويل): إذا طاب أصل المرء طابت فروعه .... ومن عجب جاءت يد الشوك بالورد وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله .... ليظهر حكم الله في العكس والطرد قال: (فالعجمي ليس كفء عربية)؛ لشرف العربية عليه، لأن الله تعالى

وَلاَ غَيْرُ قُرَشِيٍّ قُرَشِيَّةً، وَلاَ غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ اصطفى العرب على غيرهم، والاعتبار في النسب بالأب، فالذي أبوه عجمي وأمه عربية ليس كفءًا للتي أبوها عربي والأم عجمية. قال: (ولا غير قرشي قرشية)؛ لفضل قريش على غيرها. قال: (ولا غير هاشمي ومطلبي لهما)؛ لما تقدم، وبنو هاشم والمطلب أكفاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نحن وبنو المطلب شيء واحد) رواه البخاري. وقيل: إن قريشًا بعضهم لبعض أكفاء كما أنهم يستوون في أهلية الإمامة، وبه قال أبو حنيفة. والجواب: أن اعتبار النسب في الكفاءة أضيق من اعتباره في الإمامة العظمى، ولهذا سووا بين قريش في الإمامة ولم يسووا بينها في الكفاءة. وقد جزم الرافعي والمصنف في الإمامة العظمى بأنه إذا لم يوجد قرشي مستجمع الشروط .. نصب كناني، فإن لم يكن .. فرجل من ولد إسماعيل، فإن تعذر .. انتقلنا إلى العجم. ويستثنى من إطلاق المصنف وغيره إذا تزوج هاشمي أمة بشروطه فأولدها بنتًا .. فهي هاشمية رقيقة. وقد جزم الشيخان بأن للسيد أن يزوج أمته برقيق ودنيء النسب، فعلى هذا: يزوج هذه كذلك وهو صعب، لا جرم صوب في (المهمات) مراعاة النسب فيها،

وَالأَصَحُّ: اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ. وَعِفَّةٌ، فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءً عَفِيفَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كما صرح به الشيخان حيث قالا: إن الأمة العربية بالحر العجمي على الخلاف في مقابلة بعض الخصال ببعض. قال: (والأصح: اعتبار النسب في العجم كالعرب)؛ قياسًا عليهم، فعلى هذا: الفرس أفضل من الترك؛ لسابقتهم إلى الإسلام، وبنو إسرائيل أفضل من القبط؛ لسلفهم وكثرة الأنبياء فيهم. والثاني: لا يعتبر النسب في العجم؛ لأنهم لا يعتنون بحفظ الأنساب ولا يدونونها، وعلى هذا: يستوي الفرس والترك والقبط، وهذا الوجه عليه الجمهور، والرافعي والمصنف تبعا البغوي في ترجيح الأول. وذكر الإمام: أن شرف النسب يثبت من ثلاث جهات: إحداها: الانتماء إلى شجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يعادله شيء، وعليه بنى عمر رضي الله عنه ديوان المرتزقة. والثانية: الانتماء إلى العلماء؛ فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم، وبهم ربط الله تعالى حفظ الملة. والثالثة: الانتماء إلى أهل الصلاح والتقوى، قال عز اسمه: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَلِحًا} فبين شرف هذا الانتساب، قال: ولا عبرة بالانتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب وإن كان الناس قد يتفاخرون بهم. وقال في (المهمات): الانتماء إلى عظماء الدنيا معتبر؛ إذ أقل مراتبه أن يكون كالحرفة، وأهل الحرف الشريفة لا يكافئها أهل الحرف الخسيسة. قال: (وعفة) وهي: الدين والصلاح والكف عما لا يحل ولا يجمل، قال تعالى: {وَمَن كَانَ غَنِيًا فَلْيَسْتَعْفِفْ}، وقال: {وَلِيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا}، قال ثعلب: معناه: يضبطوا أنفسهم بالصوم. وفي (البخاري): (من يستعفف يعفه الله). قال: (فليس فاسق كفء عفيفة)؛ لقوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُنَ}.

وَحِرْفَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن أبي داوود) بإسناد حسن: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله). وحكى ابن الصلاح في (طبقاته) عن أبي الحسن الجوري: أن الزاني والزانية لا يصح نكاحهما إلا ممن هو مثلهما، وأن الزنا لو طرأ على أحد الزوجين .. انفسخ النكاح. وأطلق الأصحاب: أن الفاسق ليس كفء عفيفة، قال في (المهمات): والذي يتوجه عند زيادة الفسق أو اختلاف نوعه عدم الكفاءة. قال الرافعي: ولا تعتبر الشهرة، فمن لم يشتهر بالصلاح كفء للمشهورة به، وإذا لم يكن الفاسق كفءًا للعفيفة .. فالمبتدع أولى أن لا يكون كفءًا للسنية. ولا فرق في اعتبار هذا الوصف بين المسلمين والكفار، حتى لا يكون الكافر الفاسق في دينه كفءًا للعفيفة في دينها منهم، قال ابن الرفعة ثم قال: والفسق والعفة يراعيان في الزوجين أنفسهما لا فيمن سلف من آبائهما، بخلاف الحرية؛ فإنها تراعى في النوعين، والفرق مطرد في أصل الدين حتى نقول: من كان أبوه كافرًا كفءً لمن كان أبوها مسلمًا خلافًا لأبي حنيفة؛ لأن فضيلة الدين لا تتعدى إلى الأبناء بخلاف فضيلة النسب. اهـ لكن في (الروضة): ليس من أسلم بنفسه كفءًا لمن لها أبوان في الإسلام في الأصح، ومن المعلوم: أن الكافر ليس كفءًا للمسلمة، ومن أسلم بنفسه ليس بكفء للتي لها أبوان أو ثلاثة في الإسلام، وقيل: كفء. وقيل: لا ينظر إلا إلى الأب الأول والثاني، فمن له أبوان في الإسلام كفء لمن لها عشرة آباء فيه؛ لأن الأب الثالث لا يذكر في التعريف فلا يلحق العار بسببه، والأول أصح. قال: (وحرفة) الحرفة: الصناعة وما يعانيه الإنسان من جهة الكسب؛ لأنه يتحرف إليها.

فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ لَيْسَ كُفْءً أَرْفَعَ مِنْهُ؛ فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيُمُ الْحَمَّامِ .. لَيْسَ كفْءً بِنْتٍ خَيَّاطٍ، وَلاَ خَيَّاطٌ .. بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ، وَلاَ هُمَا .. بِنْتَ عَالِمٍ وَقَاضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قالت عائشة: لما استخلف أبو بكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وقد شغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه. قال: (فصاحب حرفة دنيئة ليس كفء أرفع منه) استدلوا له بقوله تعالى: {وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} قيل: أراد سبب الرزق، فبعضكم يصل إليه بسهولة وبعضكم بمشقة. وقيل: لا تعتبر الحرفة حكاه الرافعي في كلامه على ألفاظ (الوجيز)، وحذفه من (الروضة)، واقتضى كلام الصيمري: أنه المذهب. وضبط الإمام الحرفة الدنيئة بكل ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة وسقوط النفس كملابسة القاذورات. قال: (فكناس وحجام وحارس وراع وقيم الحمام .. ليس كفء بنت خياط، ولا خياط .. بنت تاجر أو بزاز، ولا هما .. بنت عالم وقاض)؛ لأن العرف قاض بذلك، واحتجوا له بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (العرب أكفاء بعضهم لبعض، قبيلة لقبيلة، وحي لحي، ورجل لرجل، إلا حائك أو حجام) رواه ابن أبي حاتم في (علله) وأبو عمر في (التمهيد)، والبيهقي من طرق كلها ضعيفة باطلة لا يصح منها شيء، إلا أن العرب كانت تعير بمثل ذلك، قال الشاعر (من الرجز): لست براعي إبل ولا غنم .... ولا بجزار على ظهر وضم باتوا نيامًا وابن هند لم ينم

وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْيَسَارَ لاَ يُعْتَبَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي عد الرعي من الحرف الدنيئة إشكال لا يخفى؛ لأنه سنة الأنبياء في ابتداء أمرهم، وقد يقال: لا يلزم من ذلك أن يكون صفة مدح لغيرهم كما أن فقد الكتابة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم مُعجزة وفي حق غيره مَعْجَزة. وذكر في (الحلية): أنه تراعى العادة في الحرف والصناعات؛ لأن في بعض البلاد التجارة أولى من الزراعة، وفي بعضها بالعكس. و (البزاز): بائع البز، وهو الثياب، وقيل: متاع البيت خاصة. و (التاجر): الجالب من بلد إلى بلد. قال الشيخان: والحرف الدنيئة في الآباء والاشتهار بالفسق مما يعبر به الولد، فيشبه أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنيئة أو مشهورًا بفسق مع من أبوها عدل كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع من أبوها مسلم، والحق: أن يجعل النظر في حق الآباء دينًا وسيرة وحرفة من حيز النسب؛ فإن مفاخر الآباء ومثالبهم هي التي يدور عليها أمر النسب، قالا: وهذا يؤكد اعتبار النسب في العجم، ويقتضي أن لا تطلق الكفاءة بين غير قريش من العرب. اهـ والأشبه في (المهمات): الاعتبار بحال الزوجين في ذلك كما تقدم في ولد المعيب. قال: (والأصح: أن اليسار لا يعتبر)؛ لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به إلا أرباب الرعونات، وهو ظل زائل، وحال حائل، ومال مائل، ومما ينسب إلى الشافعي رحمه الله (من الكامل): ومن الدليل على القضاء وكونه .... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق وسئل محمد بن خفيف الزاهد عن علامة رضا الله تعالى عن العبد فقال: إدبار الدنيا عنه. وقال سفيان بن عيينة: الهم بالدنيا يسود القلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يعتبر اليسار في الكفاءة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أما معاوية .. فصعلوك لا مال له). وفي (سنن ابن ماجه) و (الترمذي) و (البيهقي) عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحسب المال والكرم التقوى). وصحح هذا القفال وسليم والفارقي والروياني، وقال القاضي: الناس في زماننا يعدونه من أفضل الخصال وأعظم الفضائل، ولكن عامة الأصحاب لا يعتبرونه. وتوسط الماوردي فقال: يعتبر في أهل القرى، وفي سكان البوادي وجهان. وقال ابن أبي الدم: إن كان في العرب .. لم يعتبر، وفي العجم وجهان؛ لأن العرب تتفاخر بالأنساب، والعجم بالأموال. وإذا اعتبرنا اليسار فوجهان: أحدهما: أن المعتبر اليسار بقدر المهر والنفقة، فإذا أيسر بهما .. فهو كفء لصاحبة الألوف. وأصحهما: لا يكفي ذلك، بل الناس أصناف غني وفقير ومتوسط، وكل صنف أكفاء وإن اختلفت المراتب. وبقيت أمور أخرى اختلف في اعتبارها في الكفاءة: منها: صحح الروياني أن الشيخ لا يكافئ الشابة، واختاره الشيخ، والأصح: أنهما كفآن، لكن الأولى للشيخ أن لا يتزوج شابة؛ لما روى البيهقي: أن شابة تزوجت شيخًا فقتلته، فرفعت القضية إلى عمر، فنادى الناسَ: (أيها الناس؛ لينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال) أي: شكله وتربه. ومنها: قيل: الجاهل لا يكافئ العالمة، والأصح: أنه كفؤها. ونقل صاحب (البيان) وابن الصلاح عن الصيمري: أن قومًا اعتبروا في الكفاءة البلد، فسكان الجبال ليسوا أكفاء لسكان مكة والمدينة والبصرة والكوفة. ونقل القاضي أبو بكر بن العربي وغيره عن طاووس: أنه كان لا يحضر نكاح سوداء

وَأَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لاَ يُقَابَلُ بِبَعْضٍ. وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةٌ، وَكَذَا مَعِيبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بأبيض، ولا بيضاء بأسود ويقول: هذا نهي عنه بقوله تعالى: {فَلَيُغَيرُنَ خَلْقَ اللهِ}. قال القاضي: وهذا وإن كان يحتمله اللفظ فهو مخصوص بما أنفذه النبي صلى الله عليه وسلم من نكاح مولاه زيد وكان أبيض بظئره بركة، وكانت سوداء، ثم أنكح أسامة وهو أسود فاطمة بنت قيس وكانت بيضاء، وكانت تحت بلال أخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية. قال: (وأن بعض الخصال لا يقابل ببعض) فلا تزوج سليمة من العيوب دنيئة في النسب بنسيب معيب، ولا حرة فاسقة بعبد عفيف، ولا عربية فاسقة بعجمي عفيف، بل صفة النقص مانعة من الكفاءة. ويقابل الأصح في كلام المصنف تفصيل للإمام؛ فإنه قال: السلامة من العيوب لا تقابل بسائر فضائل الزوج، وكذا الحرية والنسب، والأصح: أن العفة الظاهرة فيه لا تجبر دناءة نسبه. قال: والتنقي من الحرف الدنيئة يقابله الصلاح وفاقًا، واليسار إن اعتبرناه يقابل بكل خصلة، وللخلاف شبه باجتماع عبد فقيه وحر غير فقيه في الإمامة، والأصح: التسوية. وقال: (وليس له تزويج ابنه الصغير أمة)؛ لأنه مع الصغر لا يخاف عليه العنت. قال: (وكذا معيبة على المذهب) يعني: بعيب يثبت الخيار كالرتق والقرن والجذام والبرص والجنون؛ لأنه خلاف الغبطة، ولا يصح النكاح.

وَيَجُوزُ مَنْ لاَ تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجوز من لا تكافئه بباقي الخصال في الأصح)؛ لأنه متمكن من الخلاص بالطلاق بعد البلوغ، ولأنه قد تكون له مصلحة في ذلك، وأيضًا: فلا عار على الرجل في استفراش من دونه، وصرح الرافعي بأن له الخيار إذا بلغ. والثاني: لا، وهما كالقولين في تزويج البنت الصغيرة بمن لا يكافئها، لكن التصحيح مختلف. ولو قبل لابنه المجنون البالغ نكاح أمة .. جاز إن كان معسرًا ويخاف عليه العنت في الأصح. وقيل: لا يجوز؛ لأنه لا يخشى وطءًا يوجب حدًا أو إثمًا. تتمة: للسيد أن يزوج أمته برقيق ودنيء النسب، ولا يجوز أن يزوجها من مجذوم أو أبرص أو مجنون بغير رضاها، نص عليه، وكذلك لا يزوجها ممن به عيب يثبت الخيار، ولا بمن لا يكافئها بسبب آخر. ولو زوجها بمعيب برضاها .. لم يكن لها الامتناع من تمكينه، وله بيعها ممن به بعض تلك العيوب؛ لأن الشراء لا يتعين للاستمتاع، ثم هل لها الامتناع من تمكينه؟ وجهان، قال المتولي: أصحهما: يلزمها التمكين. قال في (المهمات): الصحيح: أنه لا يلزمها التمكين كما في (الشرح) و (الروضة) في (باب الاستبراء)، وسيأتي في تتمة ذلك الباب.

فَصْلٌ: لاَ يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ صَغِيرٌ، وَكَذَا كَبِيرٌ إِلاَّ لِحَاجَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: لا يزوج مجنون صغير)؛ لأنه لا يحتاج إليه في الحال، وبعد البلوغ لا يدرى كيف يكون الأمر، بخلاف الصغير العاقل؛ فإن الظاهر حاجته إلى النكاح بعد البلوغ، ولا نظر لحاجة التعهد والخدمة؛ فإن الأجنبيات يجوز أن يقمن بخدمته، هذا هو الصحيح. وفي وجه: يزوجه الأب أو الجد، وطرده الشيخ أبو محمد في الصغير العاقل الممسوح. قال: (وكذا كبير إلا لحاجة) فإذا لم تدع حاجة إليه .. لم يزوج؛ لما فيه من لزوم المهر والنفقة من غير حاجة تدعو إليه، وليس كالصغير؛ فإن له غاية يتوقع بعدها كماله، فلا يراعى في نكاحه إلا المصلحة، فإن كان بالمجنون حاجة إليه .. زوج، والحاجة تتوقع من وجهين: أحدهما: أن تظهر رغبته في النساء بأن يدور حولهن ويتعلق بهن وما أشبه ذلك، أو يشهد طبيبان عدلان - وقيل: واحد - بتوقع شفائه به. والثاني: أن يحتاج إلى امرأة تتعهده وتخدمه، ولا يوجد من محارمه من يقوم بذلك، فتكون مؤنة النكاح أخف من مؤنة شراء أمة. قال الرافعي: إذا لم تجب على الزوجة خدمة الزوج وتعهده فكيف تزوج منه لهذا الغرض؟! وربما تمتنع من ذلك ولا تفي إن وعدت. وأجاب بعضهم عن ذلك بأن طبعها يدعوها لخدمته، وفي الحديث: (النساء من

فَوَاحِدَةً. وَلَهُ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسفه السفهاء، إلا صاحبة القسط والسراج) أراد: إلا التي تخدم زوجها في وضوئه وسراجه. وإذا جاز التزويج منه .. تولاه الأب ثم الجد ثم السلطان دون سائر العصبات كولاية المال، وسكتوا عن الوصي، ونص في (الأم) في (باب الصداق) على أنه يزوجه؛ لأنه يلي المال، وبه صرح في (الشامل) في (كتاب الوصية). كل هذا في مطبق الجنون، أما المتقطع .. فلا يزوج أصلاً؛ لأنه إذا احتاج إليه .. تزوج بنفسه في يوم إفاقته، وألحق به الماوردي المغمى عليه. والمُخَبَّل كالمجنون في النكاح، وهو الذي في عقله خلل وفي أعضائه استرخاء، ولا حاجة به إلى النكاح غالبًا. قال: (فواحدة)؛ لأن الحاجة تندفع بها. قال: (وله تزويج صغير عاقل أكثر من واحدة) يعني: للأب والجد أو يزوج الصغير العاقل أربعًا على الصحيح؛ لأن المرعي في نكاحه المصلحة وقد تكون مصلحة وغبطة، وأما الوصي والقاضي .. فليس لهما ذلك على الصحيح؛ لانتفاء كمال شفقتهما، وفي (البيان) وجه: أن لهما ذلك كالأب. والثاني: لا يزاد على واحدة؛ لئلا تكثر المؤنة عليه مع حصول الكفاية بواحدة. وقيل: لا يزوج أصلاً، وعزاه في (الروضة) لـ (الإبانة)، وأنه صححه، والوجه المذكور ليس له في (الإبانة) ذكر فضلاً عن تصحيحه، بل فيها الجزم بالجواز، وحكاية وجهين في الزيادة على الواحدة. كل هذا إذا لم يكن ممسوحًا، فإن كان .. فنقل الرافعي عن المتولي منه تزويجه، وهو ظاهر.

وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌ إِنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ، وَلاَ تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ، وَسَوَاءً صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ، ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ أَوْ جَدٌّ .. لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويزوج المجنونة أب أو جد إن ظهرت مصلحة، ولا تشترط الحاجة) بالاتفاق، بخلاف المجنون؛ لأن النكاح يفيدها المؤن، والمجنون يغرم المهر والنفقة ولا يحصل له بذلك غني ولا عفاف. قال: (وسواء صغيرة وكبيرة، ثيب وبكر) أما البكر .. فبلا خلاف، وأما الثيب .. فعلى الأصح. وفي وجه: لا يزوج الثيب الصغيرة كالعاقلة. وفي وجه: لا يستقل الأب بتزويج الثيب البالغة، بل لابد من إذن السلطان نيابة عن إذنها، وسواء التي بلغت مجنونة ومن بلغت عاقلة ثم جنت بناء على أن من بلغ عاقلاً ثم جن .. فولاية ماله لأبيه، وهو الأصح، وإن قلنا: إنها للسلطان .. فكذا التزويج. ويشترط في البالغة إطباق جنونها، فإن كان متقطعًا .. فالراجح: أنها لا تزوج قبل الإفاقة كما تقدم في المجنون. قال: (فإن لم يكن أب أو جد .. لم تزوج في صغرها)؛ لعدم الحاجة في الحال، وغير الأب والجد لا يملك الإجبار.

فَإِنْ بَلَغَتْ .. زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ، لاَ لِمَصْلَحَةٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن بلغت .. زوجها السلطان في الأصح) كما يلي مالها. والثاني: يزوجها قريبها من أخ أو عم وغيرهما بشرط إذن السلطان نيابة عنها، فإن امتنع .. زوج السلطان بالعضل. وإذا زوجها السلطان في هذه الحالة .. راجع أقاربها، وهل هذه المراجعة واجبة أو مستحبة؟ رجح البغوي الوجوب، والصحيح: الاستحباب، وهو ظاهر نص (الأم) كما قاله في (البحر)، وجزم به هو والماوردي، وكذلك الرافعي في الكلام على تحريم الخطبة على الخطبة. والخلاف في وجوب المراجعة يجري فيما إذا كان المجنون ذكرًا وزوجه السلطان، قاله البغوي، ولم يتعرض له الرافعي. قال: (للحاجة) بأن تظهر عليها علامات غلبة شهوتها، أو يشهد بذلك أهل الخبرة كما تقدم. قال: (لا لمصلحة في الأصح) ككفايتها بالنفقة وغيرها، لأن تزويجها حينئذ يقع إجبارًا، وليس ذلك لغير الأب والجد. والثاني: نعم كالأب والجد. فرع: إذا جوزنا تزويج المجنونة فأفاقت .. لا خيار لها على المنصوص؛ لأن التزويج لها كالحكم لها وعليها، واختار المزني في غير (المختصر) أن لها الخيار.

وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ .. لاَ يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ، بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن حجر عليه بسفه .. لا يستقل بنكاح)؛ لئلا يفني ماله بمؤن النكاح، فلابد له من مراجعة الولي، وهذه المسألة ذكرها المصنف بعد هذا بقليل، وفي (باب الحجر) أيضًا. واحترز عن سيفه لا حجر عليه، وهو المهمل، فتزويجه كسائر تصرفاته، وفيها خلاف سبق في بابه. ولو بلغ رشيدًا ثم سفه ولم يعد الحجر عليه وشرطناه .. فتصرفه نافذ على الأصح إلى أن يحجر عليه. قال: (بل ينكح بإذن وليه)؛ لأنه مكلف صحيح العبارة، وإنما حجر عليه حفظًا لماله. وعن أبي الطيب ابن سلمة وغيره: أنه لا يأذن له الولي في النكاح؛ لأنه محجور عليه فأشبه الصبي، والمذهب الأول. قال: (أو يقبل له الولي) كما يتولى قبول البيع والهبة له. وهل يشترط فيه إذن السفيه؟ قال قائلون: لا؛ لأنه فوض إليه رعاية مصالحه، فإذا عرف حاجته .. زوجه كما يطعمه ويكسوه، وبهذا قال الشيخ أبو حامد والعراقيون.

فَإِنْ أَذِنَ وَعَيَّنَ امْرَأَةً .. لَمْ يَنْكِحَ غَيْرَهَا، وَيَنْكِحُهَا بِمَهْرٍ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ .. فَالْمَشْهُورُ: صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ الْمِثْلِ مِنَ الْمُسَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصحهما: نعم؛ لأنه حر مكلف. ثم إذا قبل له الولي النكاح .. فليقبل بمهر المثل أو أقل، فإن زاد .. صح بمهر المثل في الأصح. والولي هنا الأب ثم الجد إن بلغ سفيهًا، والقاضي أو منصوبه إن بلغ رشيدًا، وأما الوصي .. فكلام الغزالي في (الخلاصة) يمنع منه، والمفتى به: أن له التزويج بعد الجد كما صرح به الرافعي في (باب الوصية)، وهو المنصوص في (الأم) و (المختصر) في (باب ما يجوز للوصي أن يضعه في أموال اليتامى)، وبه صرح الشيخ أبو حامد والقاضي حسين والماوردي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والروياني وغيرهم. والذي وقع في زوائد (الروضة) هنا معترض. ثم إن المصنف أطلق نكاحه، وهو مقيد باحتياجه إليه؛ لئلا يتلف أمواله من غير حاجة، ولا يكتفى بقوله؛ لأنه قد يقصد إتلاف المال، خلافًا للإمام وهو أقيس؛ لأن احتياجه لا يعرف إلا من جهته وهو أعلم بحال نفسه، وكما لا يزوج امرأتين .. لا يجمع له بين أمتين للوطء وإن اتسع ماله، نص عليه. قال: (فإن أذن وعين امرأة .. لم ينكح غيرها)؛ لأن الإذن مقصور عليها. قال: (وينكحها بمهر المثل أو أقل)؛ مراعاة للإذن ومصلحته. قال: (فإن زاد .. فالمشهور: صحة النكاح)؛ لأن خلل الصداق لا يفسد النكاح، وفي قول مخرج: إنه باطل للمخالفة. قال: (بمهر المثل من المسمى) المراد: بقدر مهر المثل من الذي عينه، وتسقط الزيادة؛ لأنها تبرع من سفيه.

وَلَوْ قَالَ: انْكِحْ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُعَيِّنِ امْرَأَةً .. نَكَحَ بِالأَقَلِّ مِنَ الأَلْفِ وَمَهْرٍ مِثْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الصباغ: القياس أنه يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل في ذمته، ثم إذا أبطلنا الزائد فقط .. فينبغي أن يجري في الباقي قولا تفريق الصفقة، ولم يذكروه، وهذه المسألة نظير قول المصنف في (الصداق): (ولو نكح لطفل بفوق مهر المثل، أو أنكح بنتًا لا رشيدة، أو رشيدة بكرًا بلا إذن بدونه .. فسد المسمى، والأظهر: صحة النكاح بمهر المثل) فلينظر في الفرق بينهما، وسوى صاحب (التنبيه) بينهما في أوائل (الصداق)، وحكم ببطلان الزائد في المسألتين، وأقره عليه في (التصحيح). قال النشائي: وما جزم به الشيخ وجه، والأصح: بطلان الجميع والرجوع بمهر المثل، وسيأتي لها بسط في (الصداق). قال: (ولو قال: انكح بألف ولم يعين امرأة .. نكح بالأقل من الألف ومهر مثلها)، فإن نكح امرأة بألف وكان مهر مثلها ألفًا وأكثر .. فالنكاح صحيح

وَإِنْ أَطْلَقَ الإِذْنَ .. فَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَنْ تَلِيقُ بِهِ. فَإِنْ قَبِلَ لَهُ وَلَيَّهُ .. اشْتُرِطَ إِذْنُهُ فِي الأَصَحِّ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمسمى، وإن كان مهر مثلها أقل من ألف .. صح النكاح بمهر المثل وسقطت الزيادة؛ لأنها تبرع، ولا مجال للتبرع في مال السفيه. قال: (وإن أطلق الإذن .. فالأصح: صحته) كما لو أذن السيد لعبده في النكاح .. فيكفي الإطلاق. والثاني: لا يصح، بل لابد من تعيين امرأة أو نساء قبيلة أو من تقدير المهر؛ لأنا لو اعتبرنا الإذن المطلق .. لم نأمن أن ينكح من تستغرق ماله. قال: (وينكح بمهر المثل)؛ لأنه المأذون فيه، ومقتضاه: أنه لا ينكح بأكثر، وليس كذلك، بل يصح وتسقط الزيادة، ولو نكح بأقل .. صح بالمسمى. قال: (من تليق به) فلو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله .. فوجهان: اختيار الإمام والغزالي أنه لا يصح النكاح، بل يتقيد بموافقة المصلحة. فروع: أحدها: ذكر ابن كج تفريعًا على اعتبار الإذن المطلق وجهين فيما لو عين الولي امرأة فعدل إلى غيرها فنكحها بمثل مهر المعينة؛ لأنه لا غرض للولي في أعيان الزوجات. الثاني: قال له: انكح من شئت بما شئت .. نقل الشيخان عن بعضهم: أنه يبطل الإذن؛ لأنه رفع للحجر بالكلية، والذي نقلاه عن بعضهم جزم به الروياني في (البحر). الثالث: إذا اشتدت حاجة السفيه وخاف الوقوع في الزنا ولم يجد إلا امرأة لا ترضى إلا بأكثر من مهر مثلها .. قال الإمام: في جواز إنكاحها احتمال عندي. الرابع: قال ابن كج: الإذن للسفيه في النكاح لا يفيده جواز التوكل؛ لأنه لم يرفع الحجر إلا عن مباشرته. قال: (فإن قبل له وليه .. اشترط إذنه في الأصح)؛ لأنه حر مكلف فلابد من استئذانه.

وَيَقْبَلُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ .. صَحَّ النكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ: يَبْطُلُ. وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِلاَ إِذْنٍ .. فَبَاطِلٌ، فَإِنْ وَطِئَ .. لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْء، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يشترط كما يكسوه ويطعمه ويبيع له ويشتري بغير إذنه. قال: (ويقبل بمهر المثل فأقل)؛ نظرًا له كما في الشراء له. قال: (فإن زاد .. صح النكاح بمهر المثل) وتسقط الزيادة؛ لتبرعه بها. قال: (وفي قول: يبطل) كما لو اشترى له بأكثر من ثمن المثل، وهو كالخلاف في تزويج موليته بدون مهر المثل. قال: (ولو نكح السفيه بلا إذن .. فباطل) كما لو استقل بالبيع والشراء، ويفرق بينهما قبل الدخول وبعده. قال في (الدقائق): وهذه العبارة أولى من قول (المحرر): (ولو نكح السفيه بغير إذن الولي ...)؛ لأنه يدخل في عبارة الكتاب ما إذا استأذنه فمنعه وأذن الحاكم .. فإنه يصح قطعًا، مع أن الولي لم يخرج بمنعه مرة عن الولاية؛ لأنها صغيرة، والمسألة تقدمت قريبًا. والألف واللام في (السفيه) للعهد وهو: المحجور عليه، أما من طرأ سفهه .. فتصرفاته صحيحة ما لم يحجر عليه على الأصح، وكذا المتعاطي لموجبات الفسق ولم يحجر عليه ليس حكمه حكم السفيه كما أفتى به ابن الفركاح، وذكر أن المصنف أفتى بفساد النكاح وعدم وقوع الطلاق فيه، قال: وهذا سبيل إلى استباحة المطلقة ثلاثًا وعمل الناس على خلافه. قال: (فإن وطىء .. لم يلزمه شيء) كما لو اشترى شيئًا فأتلفه؛ وذلك لأن معاقدته والتسليم إليه تسليط على التصرف والإتلاف.

وَقِيلَ: مَهْرُ مِثْلٍ، وَقِيلَ: أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارته تشمل الحد والمهر، أما الحد .. فبلا خلاف للشبهة، وإن أتت بولد .. لحقه، وأما المهر .. فكذلك على الصحيح، واستشكله الرافعي؛ لأنه حق الزوجة وقد تزوج ولا شعور لها بحال الزوج فكيف يبطل حقها؟ وأجيب بأن حقها يبطل بتمكينها. ومقتضى إطلاق المصنف: أنه لا يلزمه شيء في الحال، ولا بعد فك الحجر، وهو المذهب، سواء علمت بسفهه أم لا؛ لتفريطها، ومرادهم: السقوط ظاهرًا، أما في الباطن .. فنص الشافعي على لزوم مهر المثل بعد فك الحجر عنه، وهو ظاهر منقاس. وصورة المسألة: أن تكون المرأة رشيدة، فإن كانت سفيهة .. وجب لها مهر المثل قطعًا كما لو تبايع سفيهان .. فإن كلاً منهما يضمن ما أتلفه لصاحبه. قال: (وقيل: مهر مثل)؛ لئلا يعرى الوطء عن عقر أو عقوبة. قال: (وقيل: أقل متمول) أي: عادة؛ رعاية لحق السفيه، ووفاء بحق التعبد؛ إذ به يتميز عن السفاح، ولأن الخلو عن المهر بالكلية من خصائص خير البرية صلى الله عليه وسلم.

ومَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ .. يَصِحُّ نِكَاحُهُ، وَمُؤَنُ النكَاحِ فِي كَسْبِهِ، لاَ فِيمَا مَعَهُ. وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلاَ إِذْنٍ سَيَّدِهِ بَاطِلٌ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ فرعان: أحدهما: إقرار السفيه بالنكاح .. قال البغوي لا يصح؛ لأنه ليس ممن يباشره، واستشكله الرافعي بإقرار المرأة، وجزم الرافعي في (أول الإقرار) بما قاله البغوي، على أن البغوي قد جزم هناك بالصحة عكس ما جزم به هنا، ثم إن هذا إنما يتأتى إذا لم يأذن الولي للسفيه فيه، فإن أذن له فيه .. لزم القول بصحته. وقال ابن الرفعة: قياس تزويجه له بغير إذنه أن يقبل إقراره عليه عند الحاجة، ولا يقبل عند عدمها وقت الإقرار، كالأب إذا أقر على البنت يقبل حالة البكارة دون الثيوبة. الثاني: إذا كان السفيه مطلاقًا .. سري جارية، فإن تبرم بها .. أبدلت له. وكثرة الطلاق أن يزوجه ثلاث نسوة على التدريج فيطلقهن، وقيل: امرأتين، ويحتمل أنه طلاق واحدة ثلاثًا بكلمة واحدة. قال: (ومن حجر عليه بفلس .. يصح نكاحه)؛ لصحة عبارته وثبوت ذمته، وهذه تقدمت في (الفلس). قال: (ومؤن النكاح في كسبه، لا فيما معه)؛ لأن الذي معه كالمرهون بحقوق الغرماء فلا يصرف إلى مؤن النكاح، فإن لم يكن له كسب .. ففي ذمته إلى أن ينفك الحجر. قال في (المطلب): فإن لم تعلم المرأة بفلسه ولا كسب له .. يشبه أن يثبت لها الخيار، خصوصًا إذا قلنا: إن لها الفسخ بالإعسار بالنفقة والمهر جميعًا؛ لأن ماله الموجود لأجل الغرماء كالمفقود في حقها. قال: (ونكاح عبد بلا إذن سيده باطل) سواء كان سيده ذكرًا أو أنثى، اتفق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي والأصحاب عليه، بل قال في (الأم): لا أعلم بين أحد لقيته - ولا حكي (لي) عنه - من أهل العلم اختلافًا في ذلك. وقال الرافعي: خلافًا لمالك حيث قال: يصح وللسيد فسخه، ولأبي حنيفة حيث قال: يقف على إجازة السيد. لنا: قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما عبد تزوج بغير إذن سيده .. فهو عاهر)، وفي رواية صححها الحاكم: (فنكاحه باطل)، وفي (سنن أبي داوود) و (الترمذي) من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عمر. وعبد الله بن محمد بن عقيل المذكور يحتج بحديثه هذا، وأما حديثه الذي رواه الأصوليون عن عبد الله بن أنيس أن جابر بن عبد الله رحل مسيرة شهر لسماعه .. فمردود؛ لتفرده به، واختلاف الناس في نسبه، قيل: جهني، وقيل: أنصاري، ومختلف في أنهما اثنان أو واحد، وفي أن جابرًا قدم عليه الشام أو مصر؟. وابن عقيل معروف بالاضطراب وسوء الحفظ، وتكلم فيه أبو زرعة وابن معين وابن مهدي وأبو حاتم، وإنما يثني عليه من المحدثين من يرى بهذا المذهب الخبيث الحرف والصوت لدسيسة في معتقده. واقتضى إطلاق المصنف: أن العبد إذا وطىء .. لم يلزمه شيء كالسفيه، وهو كذلك، إلا أن تكون المنكوحة أمة .. ففي لزومه خلاف؛ لأن الحق لغيرها.

وَبِإِذْنِهِ صَحِيحً، ولَهُ إِطْلاَقُ الإِذْنِ، وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ، وَلاَ يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجزم القاضي في (فتاويه) بنفي الحد عنه أيضًا. قال: (وبإذنه صحيح)؛ لمفهوم الحديث، وفهم المعنى الذي اقتضى منعه من ذلك، حتى لو أذنت المرأة لعبدها فيه فنكح .. صح على المشهور وإن لم يكن لها عبارة في النكاح، لكن يشترط أن يقع الإذن والسيد غير محرم كما تقدم. قال: (وله إطلاق الإذن، وله تقييده بامرأة أو قبيلة أو بلد، ولا يعدل عما أذن فيه) مراعاة له، وإذا أطلق الإذن .. فله أن يتزوج حرة أو أمة، وفي تلك البلد وغيرها، لكن للسيد منعه من الخروج إلى بلد أخرى، فإن قدر له مهرًا فزاد .. فالزيادة في ذمته يتبع لها إذا عتق. فروع: رجع السيد عن الإذن فتزوج العبد ولم يعلم .. فهو على الخلاف في الوكيل، ولو طلق بعدما نكح بإذن سيده .. لم ينكح أخرى إلا بإذن جديد، وهل له أن ينكح التي طلقها إذا كان الطلاق بائنًا؟ الذي يظهر: لا، فإن كان رجعيًا .. ففي استرجاعها بغير إذنه خلاف يأتي في بابه. ولو نكح نكاحًا فاسدًا .. فهل له نكاح أخرى؟ فيه خلاف مبني على أن الإذن هل

وَالأَظْهَرُ: أَنَهُ لَيْسَ لِلسَيِّدِ إِجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى الْنِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يشمل الصحيح والفاسد أو يختص بالصحيح. والمدبر ومعلق العتق كالقن، والمكاتب ينكح بالإذن، وقيل: قولان كتبرعه. قال: (والأظهر: أنه ليس للسيد إجبار عبده على النكاح)؛ لأنه يملك رفع النكاح بالطلاق، فكيف يجبر على ما يملك رفعه والسيد لا يملك منفعة بضعه؟! ولأن النكاح عقد يلزم ذمة العبد مالاً فلا يجبر عليه كالكتابة، وهذا هو الجديد وبه قال أحمد. والثاني- وهو القديم وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك-: له إجباره بالإكراه؛ لأنه مملوكه فأشبه الأمة، هذا إذا كان العبد بالغًا، فإن كان صغيرًا .. فطريقان: أظهرهما: طرد القولين، ولذلك أطلقه المصنف. والثاني: القطع بالإجبار نظرًا له دون الكبير، وسيأتي في (كتاب الرضاع) ما يوهم تصحيح إجبار الصغير في قوله: (ولو زوج أم ولده عبده الصغير) والحكم في المجنون كالصغير، ومحل الخلاف في غير المكاتب والمبعض؛ فإنهما لا يجبران قطعًا. قال في (المهمات): والذي رجحه الشيخان من عدم تزويج العبد الصغير مخالف لنص الشافعي والأصحاب والقياس الجلي، وربما جزما به في (باب التحليل) نقلاً عن الأئمة، ثم ذكر النص. قال: وأما القياس .. فلأنه يجوز عندنا للأب والجد تزويج الولد الصغير؛ لأنهما يليان أمره، فإذا جاز لمن يملك التصرف في المال .. جاز للسيد من أولى؛ لأنه يملك التصرف في رقبته.

وَلاَ عَكْسِهِ وَلَهُ إِجْبَارُ أُمَتِهِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا عكسه) يعني: إذا طلب العبد النكاح هل يجب على السيد إجابته؟ وجهان: أصحهما - وبه قال أبو حنيفة ومالك-: لا يجب؛ لأنه يشوش عليه مقاصد الملك وفوائده. والثاني: يجب - وبه قال أحمد - لأنه قد يكون في المنع توريط له في الحرام، وعلى هذا: إذا طلبه من السيد فلم يأذن له فيه .. رفع العبد الأمر إلى السلطان ليزوجه كما لو عضل عن نكاح موليته. فلو طلبه المكاتب .. ففيه القولان وأولى بالإجبار. قال: (وله إجبار أمته بأي صفة كانت) صغيرة أو كبيرة، بكرًا أو ثيبًا، عاقلة أو مجنونة، رضيت أو سخطت؛ لأن النكاح يرد على البضع وهو مملوك له وبهذا فارقت العبد. وتقدم في تتمة الفصل الذي قبل هذا: أنه لا يجوز أن يزوجها من مجذوم أو أبرص أو مجنون بغير رضاها. ويستثنى من إطلاقه المبعضة والمكاتبة، فلا يجبرهما السيد كما تقدم. وكذلك أمة المبعض لا تزوج؛ لأن مباشرة العقد منه ممتنعة؛ لأنه لا ولاية له ما لم تكمل الحرية، وإذا امتنعت مباشرته .. امتنعت إنابته غيره، وتزويجها بغير إذنه ممتنع فاستد باب تزويجها، كذا أفتى به البغوي وغيره. ولا يزوج السيد أمة مكاتبه ولا عبده، ولا يزوجهما المكاتب بغير إذن سيده، وبإذنه قولان كتبرعه. والأمة الوثنية والمجوسية يأتي حكمهما في أن السيد بماذا يزوج؟

فَإِنْ طَلَبَتْ .. لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا، وَقِيلَ: إِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ .. لَزِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا كان لعبده المأذون في التجارة أمة، فإن لم يكن على العبد دين .. جاز للسيد تزويجها بغير إذن العبد على الأصح؛ لأن الملك له ولم يتعلق به حق غيره، وإن كان عليه دين، فإن زوجها بإذن العبد والغرماء .. صح، وإن زوجها بإذنه دون إذنهم أو بالعكس .. لم يصح على الصحيح، وبيع السيد هذه الجارية وهبتها ووطؤها كتزويجها في حالتي وجود الدين وعدمه، وإذا وطئها بغير إذن الغرماء .. فهل عليه المهر؟ وجهان، قال المصنف: ولعل أصحهما الوجوب. وإن أحبلها .. فالولد حر والجارية أم ولد إن كان موسرًا، فإن كان معسرًا .. لم تصر أم ولد، بل تباع في الدين، فإن ملكها بعدُ .. فالحكم كما سبق في المرهونة، وكذا الحكم في استيلاد الجارية الجانية، وفي استيلاد الوارث جارية التركة إذا كان على المورث دين. قال: (فإن طلبت .. لم يلزمه تزويجها)؛ لما فيه من تفويت الاستمتاع عليه، ونقصان القيمة. قال: (وقيل: إن حرمت عليه .. لزمه)؛ إذ لا يتوقع منه قضاء الشهوة، ولابد من إعفافها. هذا إذا حرمت عليه مؤبدًا، فإن كان تحريمها لعارض بأن ملك أختين فوطئ إحداهما ثم طلبت الأخرى تزويجها .. لم تجب الإجابة؛ لأن تحريمها عارض، لكن تستثنى أمة القراض فليس للسيد تزويجها كما تقدم في بابه.

وإِذَا زَوَّجَهَا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لاَ بِاِلْوِلاَيَةِ؛ فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ وَفَاسِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشمل إطلاقه ما إذا كانت الأمة لامرأة، وفي (البيان): ينبغي أن يكون في إجبارها الخلاف فيما إذا كانت لرجل وهو لا يملك الاستمتاع بها. قال: (وإذا زوجها .. فالأصح: أنه بالملك لا بالولاية)؛ لأنه يملك الاستمتاع بها فتزويجه إياها تصرف في ذلك الاستمتاع المملوك له، والتصرف فيما يملك استيفاؤه ونقله إلى الغير يكون بحكم الملك، كاستيفاء المنافع ونقلها بالإجارة. والثاني: أنه بالولاية؛ لأن عليه النظر ورعاية المصلحة لها، حتى لا يجوز تزويجها من معيب بغير رضاها، ونظير الخلاف إقامة الحد على الرقيق للسيد هل يقيمه بالولاية على ملكه كولاية التزويج أو تأديبًا أو إصلاحًا كالفصد والحجامة؟ وجهان: أصحهما: الثاني. قال: (فيزوج مسلم أمته الكافرة) هذا تفريع على التزويج بالملك، ولهذا ذكره بـ (الفاء)، وفيه وجه: أنه لا يزوج كما لا يزوج ابنته الكافرة، وهو قول المزني والداركي وطائفة، وهو بناء على أنه يزوجها بالولاية. وعكسه إذا كان لكافر أمة مسلمة أم ولد .. قال ابن الحداد: يزوجها بحق الملك، والأصح: المنع؛ لأن حق المسلم في الولاية آكد؛ لأنه تثبت له الولاية على الكافرات بالجهة العامة، ولأن المسلم يملك الاستمتاع ببضع الكافرة فيملك تزويجها، بخلاف العكس. وتعبيره بـ (الكافرة) يشمل: المجوسية والوثنية، وفيهما وجهان مبنيان على العلتين: إن قلنا بالأولى .. فله تزويجها، وإن قلنا بالثانية .. فلا، وهو المذكور في (التهذيب)، والأول أصح عند الشيخ أبي علي، ولا ترجيح في (الشرح) ولا في (الروضة) لشيء من الوجهين، ولذلك عبر في (المحرر) بـ (الكتابية). قال: (وفاسق) هذا إذا سلبناه الولاية؛ لأنه يتصرف بالملك كالإجارة، فإن قلنا: بالولاية .. فلا، لكن يستثنى الإمام الأعظم على هذا القول؛ فالأصح: أنه يزوج مع ذلك.

وَمُكَاتِبٌ، وَلاَ يُزَوَّجُ وَلِيُّ عَبْدَ صَبِيِّ، وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومكاتب) تفريع على أنه يزوج بالملك، لكن لا يستقل به؛ لضعف ملكه. قال: (ولا يزوج ولي عبد صبي) وكذلك المجنون والسفيه على الأصح في الجميع؛ لما فيه من انقطاع أكسابه وفوائده عنهم. والثاني: يجوز؛ لأنه قد تقتضيه مصلحة، قال في (الدقائق): هذه العبارة أصوب من قول (المحرر): لا يجبر؛ لأنه لا يلزم من عدم إجباره منع تزويجه برضاه، والصحيح منعه، وبه قطع البغوي. قال: (ويزوج أمته في الأصح)؛ اكتسابًا للمهر والنفقة، هذا إذا ظهرت الغبطة. والثاني: المنع؛ لأنه قد تنقص قيمتها، وقد تحبل فتهلك. والثالث: يزوج أمة الصبية دون الصبي؛ لأنه قد يحتاج إليها بعد البلوغ. تتمة: أطلق المصنف (الأمة) والمراد: أمة يجوز له أن يزوجها لو كانت بالغة، فلو كانت مجوسية .. امتنع تزويجها عليه وعلى وليه، وكذا لو كان الصغير كافرًا وله أمة مسلمة .. لا يجوز لوليه تزويجها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة أعتق في مرض موته أمة .. قال ابن الحداد: لا يجوز لوليها تزويجها حتى يبرأ أو يموت وتخرج من ثلثه، وقال الجمهور: يجوز لوليها تزويجها؛ لأنها حرة في الظاهر كالموهوبة في المرض يتصرف المتهب فيها، وعلى هذا: النكاح صحيح ظاهرًا، فإن تحققنا بعد ذلك نفوذ العتق .. تحققنا نفوذ النكاح على الصحة، وإلا فإن رد الورثة أو أجازوا وقلنا: الإجازة عطية مبتدأة .. بان فساد النكاح، وإلا .. بانت صحته؛ اعتبارًا بما في نفس الأمر.

بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْنَّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يحرم من النكاح لم يبوب عليه في (المحرر) ولا على ما بعده إلى (الصداق)، بل جعلها فصولاً، والمصنف أخذ الترجمة من (التنبيه) وهي حسنة. والتحريم في العقد يطلق بمعنى عدم الصحة وهو المراد هنا، ويطلق بمعنى التأثيم مع الصحة كما في نكاح المخطوبة على خطبة الغير. والتحريم هنا محصور في أربعة أجناس: الأول: المحرمية، وهي الوصلة المانعة من النكاح على التأبيد، ولها ثلاثة أسباب: القرابة والرضاع والمصاهرة. والجنس الثاني: ما لا يقتضي التحريم بصفة التأييد. والثالث: رق المرأة. والرابع: الكفر. ودليل الباب: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} الآية. فقيل المحرم: العين، وقيل: الوطء، وقيل: العقد، وهو الصحيح، وأخذ ابن الرفعة منه تحريم الإقدام على العقود الفاسدة كما تقدم، وللأصحاب في ضبط القرابة عبارتان:

تَحْرُمُ الأُمَّهَاتُ، وَكُلُّ مّنْ وَلَدَتْكَ أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ فَهِيَ أمُّكَ. وَالْبَنَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَتَهَا أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدهَا فَبِنْتُكَ. قُلْتُ: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ إحداهما: قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: يحرم على الرجل أصوله وفصوله، وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول. فالأصول: الأمهات، والفصول: البنات، وفصول أول الأصول: الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت، وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول: العمات والخالات. قال الجوهري: قولهم: لا أصل له ولا فصل، قال الكسائي: الأصل الحسب، والفصل: اللسان. والثانية: عن تلميذه أبي منصور البغدادي يحرم نساء القرابة غير ولد الخؤولة والعمومة، وهو أوجز وأحسن؛ لتنصيصه على الإناث. قال: (تحرم الأمهات) هذا هو السبب الأول من الجنس الأول وهي القرابة، ويحرم بها سبع وهي المذكورات في الآية إلى قوله: {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} وابتدأ المصنف بما بدأ الله به. قال الواحدي: أكثر استعمال العرب في الآدميات الأمهات، وفي غيرهن من الحيوانات أمات بحذف الهاء، وجاء في الآدميات أمات بحذفها وفي غيرهن بإثباتها. قال: (وكل من ولدتك أو ولدت من ولدك فهي أمك) الأولى حقيقة، والثانية مجاز على الأصح. قال (والبنات، وكل من ولدتها أو ولدت من ولدها فبنتك) هو كالذي سبق. قال: (قلت: والمخلوقة من زناه تحل له) هذا هو أصح الأوجه، وبه قال مالك؛ لأنه لم يثبت لها شيء من أحكام البنوة من الميراث ونحوه بالإجماع، ولا يقدح في ذلك ما في (كتاب التبصرة) لأبي الحسن اللخمي، وفي (كتاب

وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأةِ وَلَدُهَا مِنَ الْزِّنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموال) لأبي عبيد عن أحمد بن نصر الداوودي المالكي: أن ولد الزنا يلحق الزاني إذا علم أنه منه. وعلى المذهب: يكره له من جهة الورع أن يتزوج بها خروجًا من الخلاف. والوجه الثاني: أنها تحرم عليه وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وزعم ابن القاص أنه المذهب. والثالث: يحرم إن تحقق أنها منه، واختاره الروياني وجماعة، ويحصل تيقن ذلك بأن يحبسها عنده من الزنا إلى الولادة. وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: إنما يكون ذلك بإخبار الصادق، وسواء طاوعته على الزنا أو أكرهها. والمنفية باللعان تحرم عليه إن كان قد دخل بالملاعنة؛ لأنها ربيبة امرأة مدخول بها، وكذا إن لم يدخل بها على الأصح؛ لأن انتفاءها عنه ليس قطعيًا؛ لأنه لو أكذب نفسه في النفي .. لحقته. قال المتولي: وعلى هذا: ففي وجوب القصاص بقتلها والحد بقذفها والقطع بسرقة مالها وقبول شهادته لها وجهان. قال: (ويحرم على المرأة ولدها من الزنا والله أعلم) وهذا مجمع عليه كما أجمعوا على أنه يرثها وترثه، ويتوارث ولداها بأخوة الأم، وهذه الزيادة داخلة في قول (المحرر) تحرم الأمهات.

وَالأَخَوَاتُ. وَبَنَاتُ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ. وَالْعَمَاتُ. وَالْخَالاَتُ. وَكُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذّكّرِ وَلَدَكَ فَعَمَّتُكَ، أَوْ أخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْكَ فَخَالَتُكَ. وَيَحْرُمُ هَؤُلاَءِ الْسَبْعُ بِالْرِضَاعِ أَيْضًا. وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْكَ، أوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْكَ، أَوْ مَنْ وَلَدَكَ، أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَكَ، أَوْ ذّا لَبَنِهَا فَأُمُّ رَضَاعٍ، وَقِسِ الْبَاقِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأخوات، وبنات الإخوة والأخوات، والعمات، والخالات)؛ للآية قال: (وكل من هي أخت ذكر ولدك فعمتك، أو أخت أنثى ولدتك فخالتك) فأخت الأب والأم حقيقة، وأخت الجد والجدة مجاز على الأصح، ولا تحرم بناتهن. قال: (ويحرم هؤلاء السبع بالرضاع أيضًا) وهو السبب الثاني من الجنس الأول، ويدل له قوله تعالى: {وَأُمَّهَتُكُمْ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرَّضَعَةِ} نص على الأم والأخت وقسنا الباقي عليهما، وفي (الصحيحين): (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) ويروى: (ما يحرم من النسب)، وقال داوود: لا يحرم إلا ما في القرآن. قال: (وكل من أرضعتك، أو أرضعت من أرضعتك، أو من ولدك، أو ولدت مرضعتك، أو ذا لبنها فأم رضاع) قوله: (من ولدك) يعني: بواسطة أو بغير واسطة، وقوله: (ذا لبنها) يعني: الفحل الذي لبن المرضعة منه. قال: (وقس الباقي) أي: باقي الأصناف المتقدمة من البنات والأخوات، فكل امرأة أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو أرضعت من ولدك بواسطة أو بغير واسطة .. فهي أمك، وكذلك كل امرأة ولدت المرضعة أو الفحل، وكل امرأة ارتضعت بلبنك أو بلبن من ولدته أو أرضعتها امرأة ولدتها أنت .. فهي بنتك، وكذلك بناتها من النسب والرضاع. وكل امرأة أرضعتها أمك أو ارتضعت بلبن أبيك .. فهي أختك، وكذلك كل امرأة ولدتها المرضعة أو الفحل.

وَلاَ تَحْرُمُ عَلَيْكَ مَنْ أَرْضَعَتْ أخَاكَ وَنافِلَتَكَ، وَلاَ أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِكَ وَبِنْتُهَا، ولاَ أُخْتُ أَخِيكَ بِنَسَبٍ وَلاَ رَضَاعٍ، وَهِيَ: أُخْتُ أَخِيكَ لأَبِيكَ لأُمِّهِ وَعَكْسُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخوات الفحل والمرضعة وأخوات من ولدها من النسب والرضاع عماتك وخالاتك، وكذلك كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك أو ارتضعت بلبن جد لك من النسب والرضاع. وبنات أولاد المرضعة والفحل من النسب والرضاع بنات أخيك وأختك. قال: (ولا تحرم عليك من أرضعت أخاك ونافلتك، ولا أم مرضعة ولدك وبنتها، ولا أخت أخيك بنسب ولا رضاع، وهي: أخت أخيك لأبيك لأمه وعكسه) صورته في النسب ما ذكره. وصورته في الرضاع: أن ترضعك امرأة ثم ترضع صغيرة أجنبية منك فلأخيك نكاحها. وقوله: (وعكسه) ليست في (المحرر) ولا في (الشرحين) ولا في (الروضة)، وصورتها: أخت أخيك لأمك لأبيه وهي صورة صحيحة، فهؤلاء أربع نسوة يحرمن في النسب، وفي الرضاع قد يحرمن وقد لا يحرمن. والضابط المبين لهذا: أن الرضاع ينتشر إلى الأصول والفروع ولا يسري إلى الحواشي فلذلك حلت هذه المسائل، واستثنيت من قولنا: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وعند التأمل لا يحتاج إلى استثنائها، بل ذلك الكلام على عمومه. وهذه المسائل صحيحة، ولذلك قال الرافعي في (الرضاع) ونقله في (الروضة) هنا عن المحققين: لا تستثنى الصور الأربعة؛ لأنها ليست داخلة في الضابط، ولهذا لم يستثنها الشافعي وجمهور الأصحاب، ولا استثنيت في الحديث الصحيح؛ لأن أم الأخ لم تحرم لكونها أم أخ، وإنما حرمت؛ لأنها أم أو حليلة أب ولو يوجد ذلك، وكذا القول في باقيهن. وأغرب الجيلي في (الإعجاز) في حكايته عن ابن القاص في (كتاب الوشائح): أنه جوز نكاح زوجة ابن البنت مستدلاً بان الله تعالى قال: {وَحَلَئِلُ أَبْنَائِكُمُ}

وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ أَوْ وَلَدَكَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن البنت ليس ابنًا بدليل قول الشاعر (من الطويل): بنونا بنو أبنائنا وبناتنا .... بنوهن أبناء الرجال الأباعد وقد نظم الشيخ علاء الدين القونوي الأربعة التي ذكرها الرافعي فقال (من الخفيف): أربع في الرضاع هن حلال .... وإذا ما انتسبن هن حرام جدة ابن وأخته ثم أم .... لأخيه وحافد والسلام قال: (وتحرم زوجة من ولدت أو ولدك من نسب أو رضاع) هذا هو السبب الثالث وهو المصاهرة، ودليله قوله تعالى: {وَحَلَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَبِكُمْ}، وقوله: {وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُم مِنَ النِسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَف}. وفي معنى حليلة الابن حلائل الأحفاد وإن سفلوا، وفي معنى زوجة الأب: زوجات الأجداد وإن علوا من قبل الأب والأم، وكان هذا في الجاهلية يسمى نكاح المقت قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَحِشَةً وَمَقْتًا}. ولا فرق في ذلك بين النسب والرضاع، وقوله تعالى: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَبِكُمْ} خرج به زوجة الذي يتبناه الإنسان كما كانت العرب تفعل، فلا تحرم. وقوله: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} هنا وفي الأختين المراد: ما وقع في أنساب العرب قبل الإسلام، وقد حفظ الله تعالى نسب سيد المرسلين من آدم إليه صلى الله عليه

وَأُمْهَاتُ زَوْجَتِكَ مِنْهُمَا، وَكَذَا بَنَاتُهَا إِنْ دَخَلْتَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم، فلم يزل محفوظًا عن السفاح وغيره مما نهى عنه، ولم يدخل فيه شيء إلا من نكاح صحيح كنكاح الإسلام. تنبيه: عبارة (المحرر): يحرم بالنكاح الصحيح أمهات الزوجة إلى آخره، قال في (الدقائق): الصواب حذف لفظ (الصحيح)؛ فإن التحريم يثبت بالنكاح الفاسد، وليس كما قال، بل الصواب إثباتها، فإن من تحرم بالعقد وهن الثلاثة الأول إذا أبانهن قبل الوطء .. لا يحرمن إلا بعقد صحيح. نعم؛ لو وطئهن في العقد الفاسد .. حرمن بالوطء فيه لا به، والعجب أنه صرح بهذا في (الروضة) تبعًا (للشرح). وأما الرابعة - وهي بنت الزوجة - فلا تحرم إلا بوطء أمها ولو في نكاح فاسد. قال: (وأمهات زوجتك منهما) يعني: من النسب والرضاع؛ لقوله تعالى: {وَأُمَّهَتُ نِسَائِكُمْ} وأمهاتها حقيقة من ولدتها وجداتها في معناها مجازًا. قال: (وكذا بناتها إن دخلت بها)؛ لقوله تعالى: {وَرَبَئِبُكُمُ الَّتِي فِي حُجُورِكُم مِن نِسَائِكُمُ الَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} وهذا القيد يرجع إلى الثاني فقط؛ لأنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجرور بالحرف والأول بالإضافة، وإذا اختلف العامل .. لم يجز الإتباع ويتعين القطع، وذكر الحجر جريًا على الغالب. وقال مالك: إنما تحرم إذا نشأت في حجره، وسواء بنت النسب والرضاع. والفرق من جهة المعنى بين الأم والبنت: أن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أم الزوجة عقب النكاح؛ لأنها التي ترتب أموره، فحرمها الشارع بنفس العقد حتى يتمكن من الخلوة بها ويسهل عليها ترتيب مصالحها، بخلاف البنت؛ فإنها لا تسعى في مصالح الأم فانتفى هذا الغرض. وفي وجه ضعيف عن الحسن بن محمد الصابوني: أن أمهات الزوجة لا يحرمن إلا بالدخول كالربيبة، وتستثنى المنفية باللعان؛ فإنها تحرم عليه وإن لم يدخل بأمها على الصحيح. قال الفقهاء: الربيبة مشتقة من التربية، قال في (شرح مسلم): وهو غلط؛ فإن شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية، قال: والصواب أنها مشتقة من الرب وهو الإصلاح؛ لأنه يقوم بأمورها ويصلح أحوالها. فرع: لا تحرم على الرجل بنت زوج الأم ولا أمه، ولا بنت زوج البنت ولا أمه، ولا أم زوجة الأب ولا بنتها، ولا أم زوجة الابن ولا بنتها، ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب وهو زوج الأم. قال المصنف: ولا ربيبة ولده سواء كان الولد ولد من أمها أم لا، أما بنت الربيب .. فحرام باتفاق الطرق إذا دخل بالأم.

وَمَنْ وَطِئَ امْرَأةً بِمِلِكٍ .. حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَحَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، وَكَذَا الْمَوْطُوْءَةُ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ - قِيلَ: أَوْ حَقِّهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن وطئ امرأة بملك .. حرم عليه أمهاتها وبناتها، وحرمت على آبائه وأبنائه) بالإجماع؛ لأن الوطء في ملك اليمين منزل منزلة عقد النكاح، ولهذا يحرم الجمع بين وطء الأختين في الملك كما يحرم الجمع في النكاح، ولا يحرم الجمع في الملك فقط. قال: (وكذا الموطوءة بشبهة في حقه)؛ لأن الوطء تصير به المرأة فراشًا فيثبت النسب وتجب العدة فتتعلق به حرمة المصاهرة كالنكاح. وحكي قول ضعيف: أن الوطء بالشبهة لا يثبت حرمة المصاهرة كالزنا. ولا فرق بين الشبهة بالنكاح الفاسد والشراء الفاسد ووطء الأمة المشتركة وجارية الابن، كل ذلك يثبت حرمة المصاهرة كما يثبت النسب ويوجب العدة، وكذا إذا ظنها زوجته أو ظنته زوجها فالشبهة في هذه المسائل كلها شاملة للطرفين الواطئ والموطوءة. فإن اختصت الشبهة بأحدهما .. فالآخر زان بأن ظنها زوجته وهي عالمة، أو كان يعلم وهي جاهلة أو نائمة أو مكرهة، أو مكنت العاقلة البالغة مجنونًا أو مراهقًا عالمة .. فوجهان: أصحهما: أن الاعتبار بالرجل فتثبت المصاهرة إذا اشتبه عليه كما يثبت النسب والعدة، ولا تثبت عليه كما لا يثبت النسب والعدة، ولهذا قال المصنف: (بشبهة في حقه)؛ فإنه يشمل التي في حقه فقط والشاملة لهما، ويخرج به ما إذا لم تكن في حقه بأن كانت في حقها فقط أو لم تكن شبهة أصلاً. وشرط الموطوءة أن تكون حية، فإن كانت ميتة .. لم تثبت حرمة المصاهرة بوطئها كما جزم به الرافعي في (الرضاع)؛ لأنها كالبهيمة، وكذا لو كان الواطيء خنثى .. لا تثبت المصاهرة بوطئه؛ لاحتمال كونه عضوًا زائدًا كما قاله أبو الفتوح. قال: (قبل: أو حقها) هذا هو الوجه الثاني: أنه تثبت المصاهرة في أيهما كانت الشبهة، وعلى هذا وجهان:

لاَ الْمَزْنِيُّ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: يختص بمن اختصت الشبهة به، فإن كان الاشتباه عليه .. حرمت عليه أمها وبنتها، ولا تحرم هي على أبيه وابنه، وإن كان الاشتباه عليها .. حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم عليه أمها وبنتها. والثاني: أنه يعم الطرفين كالنسب. تنبيه: ما رجحه من أنه لا أثر للشبهة في حقها صحيح بالنسبة إلى التحريم لا المهر، ولهذا قال في (الوسيط): لكن يرجع في وجوب المهر إلى الاشتباه عليها فقط، وفي (الحاوي الصغير): وفي المهر بشبهتها، فتقرر أن شبهة الواطيء وحده تثبت حرمة المصاهرة والنسب والعدة لا المهر، وشبهة الموطوءة وحدها توجب المهر فقط ولا تثبت المصاهرة ولا العدة ولا النسب، وشبهتهما معًا تثبت جميع ما تقدم. قال: (لا المزني بها) فلا يثبت الزنا حرمة المصاهرة؛ لأنها نعمة من الله امتن بها على عباده، فلا تثبت بالزنا كما لا يثبت به النسب، فيجوز للزاني نكاح أم من زنى بها وبنتها، ولابنه وأبيه نكاحهن. وقال أبو حنيفة وأحمد: يثبتها، وهي من أعظم مسائل الخلاف، وليس فيها حديث صحيح من جانبنا ولا من جانبهم، وبحث الشافعي فيها مع من باحثه نحو ورقتين، وبين أن لا دليل على التحريم. فروع: زنت المرأة ولها زوج .. لم يبطل نكاحها.

وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال علي والحسن: تبين من زوجها. وإذا زنت المرأة ولم تحبل .. حل لكل أحد نكاحها في الحال إذا كانت خلية. وقال أحمد: لا يباح نكاحها حتى تمضي لها ثلاثة أقراء. وإذا حملت من الزنا .. يجوز نكاحها خلافًا لأبي حنيفة ومالك، وسيأتي ذلك في فرع في (عدة الحامل). ومن تلوط بغلام .. لم تحرم على الفاعل أمه وابنته خلافًا لأحمد والشعبي كما نقله البخاري في (صحيحه). والوطء في النكاح وملك اليمين كما يوجب الحرمة يوجب المحرمية، فيجوز للواطيء الخلوة والمسافرة بأم الموطوءة وبنتها والنظر إليها. وفي وطء الشبهة وجهان أو قولان: أصحهما عند الإمام: كذلك، وعند الجمهور: المنع، وحكوه عن نص (الإملاء). قال: (وليست مباشرة بشهوة كوطء في الأظهر) فإذا لمس بشهوة أو قبل أو عانق أو فاخذ .. لا يكون كالوطء، حتى لا تثبت حرمة المصاهرة بها إذا وقعت بشبهة نكاح أو ملك، ولا تحرم الربيبة بها إذا وقعت في النكاح؛ لأنها لا توجب العدة فلا تثبت المحرمية، ولأن الله تعالى قال: {مِن نِسَائِكُمُ الَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} فشرط الدخول في التحريم. والثاني: نعم؛ لأنها استمتاع يوجب الفدية على المحرم فكانت كالوطء، وصححه الفوراني والبغوي والروياني، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء. وموضع القولين إذا جرى ذلك بشهوة، فإن كان بغيرها .. فلا أثر له عند الجمهور، ولهذا قيده المصنف بها، وهي زيادة على (المحرر) لابد منها. وأما النظر بشهوة .. فلا يثبت المصاهرة على المذهب، وقيل: قولان، وقيل:

وَلَوِ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةِ كَبِيرَةٍ .. نَكَحَ مِنْهُنَّ، لاَ بِمَحْصُورَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إن نظر إلى الفرج .. فقولان، وإلا .. فلا، ولا أثر للمباشرة الحرام كالزنا، فلا يتعلق بها شيء قطعًا. ولو استدخلت ماء زوجها أو ماء أجنبي بشبهة .. ثبتت المصاهرة كالنسب والعدة، لا الإحصان والتحليل والمهر في الأصح، واختلف كلام الرافعي في ثبوت الرجعة بذلك. قال: (ولو اختلطت محرم بنسوة قرية كبيرة .. نكح منهن)؛ تغليبًا لجانب الحل، وإعمالاً للأصل؛ لأنا لو حرمنا عليه النكاح منها .. لاستد عليه بابه، ولو سافر إلى بلدة أخرى لم نأمن أن تسافر إليها، وهذا كما إذا اختلط صيد مملوك بصيود مباحة غير محصورة .. فإنه لا يحرم الاصطياد، هذا إذا عم الالتباس، فإن أمكنه نكاح من لا يرتاب فيها .. فالظاهر أنه لا حجر. ولو اختلطت زوجته بأجنبيات .. لم يجز له وطء واحدة منهن بالاجتهاد، سواء اشتبهت بعدد محصور أم بغيره؛ لأن الوطء إنما يستباح بالعقد لا بالتحري، وقال في (شرح المهذب) في (باب الاجتهاد): لا خلاف فيه. وقوله: (نكح منهن) يفهم أنه لا ينكح الجميع، لكن حكى الروياني عن والده احتمالين: أحدهما: ينكح إلى أن تبقى واحدة. والثاني: إلى أن يبقى عدد محصور، ورجح المصنف في نظيره من الأواني الأول. قال: (لا بمحصورات) فلا ينكح واحدة منهن؛ احتياطًا للأبضاع مع انتفاء المشقة باجتنابهن، بخلاف الأولى.

وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبَدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ .. قَطَعَهُ كَوَطْءِ زَوْجَةِ ابْنِهِ بِشُبْهَةٍ. وَيَحْرُمُ جَمْعُ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (النهاية) قول بعيد: إنه يصح مع شدة الكراهة. وعلى الصحيح: لو نكح .. بطل في الأصح، وهذا التفصيل يأتي أيضًا فيما لو أراد الوطء بملك اليمين. و (المحصورات): ما لا يعسر عدهن بمجرد النظر، وقال الإمام: المحصورات ما سهل على الآحاد عدهن لا على الوالي؛ فإنه لا يعسر عليه حصر أهل أعظم بلاده. قال: (ولو طرأ مؤبد تحريم على نكاح .. قطعة كوطء زوجة ابنه بشبهة) فإذا وطيء زوجة أبيه بشبهة أو ابنه .. انفسخ النكاح، وكذا إذا وطيء أم امرأته أو عمتها .. انفسخ نكاح امرأته؛ لأن الطارىء هنا كالمقارن، وكما يمنع انعقاده في الابتداء يدفعه في الدوام. واحترز بطروئه على نكاح عما إذا طرأ على ملك كوطء الأب جارية ابنه .. فإنها تحرم على الابن أبدًا، ولا ينقطع على الابن ملكه إذا لم يوجد من الأب إحبال، ولا شيء عليه بمجرد تحريمها عليه؛ لأن مجرد الحل في ملك اليمين ليس بمتقوم، وإنما القصد الأعظم منه المالية وهي باقية. ويصح أن يقرأ (ابنه) بالنون وبالباء، وبهما ضبط المصنف بخطه، وكلاهما في (المحرر). قال: (ويحرم جمع المرأة وأختها). لما أنهى الكلام في التحريم المؤبد .. شرع في ذكر الجنس الثاني وهو ما لا يقتضي حرمة مؤبدة، وهو أنواع:

أَوْ عَمِّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: الجمع بين الأختين من النسب أو الرضاع، فيحرم الجميع بينهما بالإجماع المستند إلى قوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَد سَلَفَ} واستدل الرافعي له أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من جمع ماءه في رحم أختين) وهو غريب، وسواء كانتا من الأبوين أو من أحدهما ابتداء أو دوامًا. قال: (أو عمتها أو خالتها) سواء كان ذلك في الابتداء أو الدوام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها) متفق عليه. والمعنى فيه: أنه يؤدي إلى قطع الرحم، وفي بعض طرقه: (فإنكم إذا فعلتم ذلك .. قطعتم أرحامكم) والحكم ثابت ولو رضيت؛ لأن الطبع يتغير والقلوب بيد مقلبها. ولا فرق في العمة والخالة بين الحقيقتين وغيرهما كأخت أب الأب وأب الجد وإن علا، وأخت أم الأم وأم الجدة من جهة الأب والأم وإن علت، فيحرم الجمع بين المرأة وخالة أحد أبويها أو عمة أحد أبويها، ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة وداود وعثمان البتي، ولا عبرة بخلافهم. وفي (سنن أبي داود) عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين العمة والخالة، وبين العمتين والخالتين) وقد أشكل هذا على بعض العلماء حتى حمله على المجاز، وإنما المراد: النهي عن الجمع بين امرأتين إحداهما عمة الأخرى والأخرى خالة الأخرى، وعن امرأتين كل منهما عمة الأخرى، وامرأتين كل منهما خالة الأخرى. فأما الأولى .. فصورتها: أن يكون رجل وابنه تزوجا امرأة وابنتها، تزوج الرجل البنت وتزوج الابن الأم، فولد لكل منهما ابنة من هاتين الزوجتين فابنة الأب عمة ابنة الابن، وابنة الابن خالة ابنة الأب.

مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبِ، فَإِن جَمَعَ بِعَقْدٍ .. بَطَلَ، أَوْ مُرَتّبِاً .. فَالْثَانِي. وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ .. حَرُمَ فِي وَطْءٍ بِمِلْكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الجمع بين خالتين - وهي الثانية - فصورتها: رجل تزوج ابنة رجل وتزوج الآخر ابنته، فولدت لكل منهما ابنة، فابنة كل واحدة منهما خالة الأخرى. وأما الجمع بين العمتين - وهي الثالثة - فصورتها: أن يتزوج رجل أم رجل ويتزوج الآخر أم الآخر، فيولد لكل منهما ابنة، فابنة كل واحد منهما عمة الأخرى. قال: (ومن رضاع أو نسب)؛ لإطلاق الآية والخبر. وضابط من يحرم الجمع بينهما: كل شخصين لا يجوز لأحدهما أن يتزوج بالآخر لو كان ذكرًا؛ لأجل القرابة. واحترزوا بقولهم: (لأجل القرابة) عن المرأة وأمتها؛ فإنه يجوز الجمع بينهما وأيهما قدرت ذكرًا لم ينكح الأخرى، لكنه من غير القرابة، وعن المرأة وأم زوجها وزوجة ابنها، وعن المرأة وابنة زوجها؛ فإنه يجوز أن يجمع بينهما وإن كان لا يجوز لأحدهما أن ينكح الأخرى لو كان ذكرًا. قال: (فإن جمع بعقد .. بطل) أي: النكاحان بالاتفاق؛ إذ ليس تخصيص أحدهما بالبطلان أولى من الآخر. قال: (أو مرتبًا .. فالثاني)؛ لأن الجمع حصل به، هذا إذا علمت السابقة واستمر العلم، فإن لم يعلم أصلاً .. بطلا، وإن علم ثم اشتبه .. وجب التوقف كما في نكاح الوليين من اثنين. قال: (ومن حرم جمعهما بنكاح .. حرم في وطء بملك)؛ لأنه إذا حرم العقد ..

لاَ مِلْكُهُمَا، فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً .. حَرُمَتِ الأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الأُولَى كَبَيْعِ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فالوطء من باب أولى. وفي (الموطأ) عن عثمان رضي الله عنه: أنه سئل عن ذلك فقال: (أحلتهما آية وحرمتهما آية) يعني: قوله تعالى: {لَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ}، (قوله): {وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}، وكأنه توقف في ذلك، لكن انعقد عليه الإجماع. وذكر المصنف (ملك اليمين) ليس بقيد؛ فإنه لو كانت إحداهما بملك والأخرى بزوجية .. حرم أيضًا. قال: (لا ملكهما) فيجوز بالإجماع؛ لأنه قد يقصد بالملك غير الوطء، ولهذا يملك من لا تحل له كالأخت وغيرها. قال: (فإن وطىء واحدة .. حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى)؛ لئلا يحصل الجمع المنهي عنه. والمراد بـ (تحريم الأولى): أن يحرمها كما سيأتي، فلو اقتصر على قوله: حرمتها .. لم تحرم، وغلَّط أبو حامد من قال: تحرم بذلك، فلو خالف ووطىء قبل تحريم الأولى .. أثم ولا حد، والثانية مستمرة على تحريمها كما كانت، والأولى مستمرة على حلها، ولا يحرم الحرام الحلال. وعن أبي منصور بن مهران أستاذ الأودني: أنه إذا أحبل الثانية .. حلت وحرمت الموطوءة؛ لأن الثانية بذلك ترجح جانبها صيانة للولد، ولذلك قال الأصحاب: يستحب أن لا يطأ الأولى حتى يستبرىء الثانية، وكان ذلك للخروج من خلافه. واستغرب ابن الرفعة قول أبي منصور المذكور. قال: (كبيع)؛ لإزالة الملك، هذا إذا لزم، فإن كان في زمن الخيار .. ففيه خلاف منشؤه زوال الملك أم لا، واختار الإمام الاكتفاء به؛ لأنه لم يبق للبائع مستدرك، وإن كان الخيار للبائع .. لم يكف؛ لأن المذهب أنه يحل له الوطء وسواء باعها كلها أو بعضها؛ لأن المقصود شيء تحصل به حرمة الوطء. قال: (أو نكاح أو كتابة)؛ لإزالة الحل.

لاَ حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ، وَكَذَا رَهْنٌ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار المصنف بكاف التشبيه إلى أن الأسباب لا تنحصر في الثلاثة التي ذكرها، بل كذلك الوقف والإعتاق والهبة المقبوضة؛ لأنها تحرم الوطء. ولو قلنا ببقاء الملك للواقف أيضًا .. حصل التحريم، والإقراض أيضًا إزالة ملك؛ لأنه لو لم يفعل ذلك .. كان جامعًا بين أختين. قال: (لا حيض وإحرام) وكذا عدة عن وطء شبهة؛ لأنها أسباب عارضة لا تزيل الملك ولا الاستحقاق. قال: (وكذا رهن في الأصح)؛ لأن الراهن يملك الوطء بإذن المرتهن فدل على بقاء الحل. والثاني: يكفي؛ لأنه يمنع الاستمتاع، والخلاف في الرهن المقبوض، أما غير المقبوض .. فلا يكفي جزمًا. فروع: الأول: إذا حرمها بالأسباب المؤثرة فعاد الحل بأن باعها فردت عليه بعيب أو إقالة، أو زوجها فطلقت، أو كاتبها فعجزت .. لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها؛ لحدوث الملك، فإذا استبرأها فإن لم يكن وطىء الثانية بعد تحريم الأولى .. فله الآن وطء أيتهما شاء، وإن كان وطئها .. لم يجز وطء العائدة حتى يحرم الأخرى. الثاني: الوطء في الدبر كالقبل، فتحرم الأخرى به، وفي اللمس والقبلة والنظر بشهوة مثل الخلاف السابق في حرمة المصاهرة. الثالث: ملك أختين إحداهما مجوسية، أو أخته برضاع فوطئها بشبهة .. جاز وطء الأخرى؛ لأن الأولى محرمة. ولو ملك أمًا وبنتها ووطىء إحداهما .. حرمت الأخرى أبدًا، فلو وطىء الأخرى بعد ذلك جاهلاً بالتحريم .. حرمت الأولى أيضًا أبدًا، وإن كان عالمًا .. ففي وجوب الحد قولان: إن قلنا: لا .. حرمت الأولى أيضًا أبدًا، وإلا .. فلا.

وَلَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا أوْ عَكَسَ .. حَلَّتِ الْمَنْكُوحَةُ دُونَهَا. وَلِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ، وِلِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو ملكها ثم نكح أختها أو عكس .. حلت المنكوحة دونها)؛ لأن فراش النكاح أقوى من ملك اليمين، لأنه يملك به حقوقًا لا يملكها بفراش المملوكة كالطلاق والظهار والإيلاء واللعان وسائر الأحكام، وذلك دليل القوة، وسواء كانت أختها حرة أو أمة، وكذلك عمتها وخالتها. فإن قيل: لو اشترى زوجته .. انفسخ النكاح فهو أقوى؟ فالجواب: أن الملك نفسه أقوى من نفس النكاح، ولكن استفراش النكاح أقوى من استفراش الملك، وأيضًا الترجيح هناك في عينين وهنا في عين واحدة فلا تناقض. قال: (وللعبد امرأتان)، ومثله المدبر والمكاتب ومعلق العتق بصفة والمبعض؛ لما روى البيهقي عن الليث عن الحكم بن عتيبة: أنه قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ينكح العبد أكثر من اثنتين. وعن مالك ينكح أربعًا؛ لعموم الآية. وقال أحمد: مبعض النصف ينكح ثلاثًا، والنقل فيه عندنا عزيز، والصواب: أنه كالقن، صرح به أصحاب (الكافي) و (الحاوي) و (الرونق) و (اللباب). قال: (وللحر أربع فقط)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان: (أمسك أربعًا) صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، ولم يخالف في هذا إلا القاسمية أتباع القاسم بن إبراهيم والشيعة والزيدية فأجازوا له تسعًا؛ فإن مثنى وثلاث ورباع تسع، والنبي صلى الله عليه وسلم مات عن تسع، وقال تعالى: {لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. وعن بعض الظاهرية ثمانية عشر، وكلاهما شاذ؛ فقد أجمع أهل اللغة على أن من قال: جاء الناس مثنى وثلاث ورباع .. أن معناه: جاؤوا على أفراد هذه الأعداد، وقد تتعين الواحدة للحر، وذلك في كل نكاح توقف على الحاجة كنكاح الحر الأمة، ونكاح السفيه والمجنون.

فَإِنْ نَكَحَ خَمْسًا مَعًا .. بَطَلْنَ، أَوْ مُرَتِّبًا .. فَالْخَامِسَةُ. وَتَحِلُ الأُخْتُ، وَالْخَامِسَةُ فِي عِدَةِ بَائِنٍ لاَ رَجْعِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن نكح خمسًا معًا .. بطلن) وكذلك العبد إذا نكح ثلاثًا كما لو جمع بين أختين؛ لأنه ليست واحدة أولى من الأخرى، هذا هو المشهور، وفي (الذخائر): يبطل في واحدة وفي الباقي قولا تفريق الصفقة، فإن صححنا .. فله التعيين، قال الشيخ: وأظنه غلطًا. ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا كان فيهن أختان .. فيبطل نكاحهما، وفي الثلاث البواقي قولا تفريق الصفقة، والأظهر الصحة. ولو نكح سبعًا فيهن أختان .. بطل نكاح الجميع، وكذا لو نكح أربعًا أختين وأختين. قال: (أو مرتبًا .. فالخامسة)؛ لزيادتهم على العدد الشرعي. قال: (وتحل الأخت، والخامسة في عدة بائن)؛ لأنها أجنبية، وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز له نكاحها ما داما في العدة؛ لبقاء علقة النكاح. قال: (لا رجعية)؛ لأنها في حكم الزوجات. ملغزة: امرأة لها زوجان ويحل لها أن تتزوج، صورتها: امرأة تملك عبدًا وأمة زوجتهما فهما زوجان قد ملكتهما وهي تريد أن تتزوج. وامرأة اجتمع في عصمتها ثلاثة أزواج في ساعة واحدة ودخل بها منهم اثنان، صورتها: أنها طلقت وهي حامل فوضعت وعقب الطلاق، ثم تزوجت بثان فطلقها قبل الدخول، فتزوجت بثالث وأصابها. فائدتان: الأولى: قال الشيخ عز الدين: كان في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام: يجوز للإنسان أن يتزوج من غير حصر؛ تغليبًا لمصلحة الرجال، وفي شريعة عيسى

وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلاَثًا أَوِ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ .. لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه الصلاة والسلام لا يتزوج غير واحدة؛ تغليبًا لمصلحة النساء من عدم الشحناء، فراعت هذه الشريعة مصلحة النوعين بالعدد المخصوص. الثانية: كان الشيخ عماد الدين ابن يونس يجعل من موانع النكاح اختلاف الجنس ويقول: لا يجوز للآدمي أن يتزوج الجنية، وبه أفتى البارزي؛ لقوله تعالى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} وقال: {وَمِنْءَايَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةًّ}. وفي (الفتاوى السراجية) للحنفية: لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء لاختلاف الجنس. وفي (الغنية): سئل الحسن البصري عن التزويج بجنية فقال: يجوز بحضرة شاهدين. وفي مسائل جرت عن الحسن وقتادة كراهتها، ثم روي عن ابن لهيعة عن يونس عن الزهري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الجن). وعن زيد العمي أنه كان يقول: اللهم؛ ارزقني جنية أتزوج بها تصاحبني حيثما كنت. وفي المنع من تزويجها نظر؛ لأن التكليف يعمنا. قال القمولي: رأيت شيخًا كبيرًا وكان صالحًا يقول: إنه تزوج جنية. اهـ ورأيت أنا آخر من أهل الخير والدين أخبرني أنه تزوج منهم عشرًا، واحدة بعد أخرى. قال: (وإذا طلق الحر ثلاثًا أو العبد طلقتين .. لم تحل له حتى تنكح) زوجًا غيره. أما الحر .. فلقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، والمراد بالنكاح هنا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوطء؛ لما روى الشيخان وغيرهما: أن تميمة بنت وهب جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن رفاعة القرظي طلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) سمى الوطء عسيلة؛ تشبيهًا له بالعسل بجامع اللذة. وقيس العبد على الحر؛ لأنه استوفى العدد الذي يملكه من الطلاق، ولو عرضت الحرية بعد ذلك .. لم تؤثر. وروى مالك أن نفيعًا طلق امرأته طلقتين، فجاء إلى عثمان وعنده زيد بن ثابت فسأله فقالا: حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك، ونفيع كان مكاتبًا لأم سلمة. قال العلماء: والمعنى في مشروعية التحليل: التنفير من الطلقات الثلاث. وشملت عبارته: ما لو طلق زوجته الأمة ثلاثًا ثم اشتراها .. فلا تحل له بملك اليمين على الصحيح؛ لظاهر الآية، حتى يطأها زوج غيره، فلو وطئها السيد بعد انقضاء عدة المطلق ثم اشتراها أو أرادت الرجوع إلى مطلقها .. لا تحل له؛ لأنها لم تنكح زوجًا غيره. ولو حكم حاكم بصحة نكاح المطلق ثلاثًا من غير تحليل .. نقض على الصحيح، قاله الروياني وغيره. فرع: لا فرق بين أن يكون الطلاق الثلاث مجموعًا أو مفرقًا، فأما وقوع المفرقة .. فمجمع عليه، وكذلك المجموعة عند الجمهور، وخالف في ذلك من المتقدمين الحجاج بن أرطاة وطائفة من الشيعة، ومن المتأخرين من لا يعبأ به فقالوا: لا يقع

وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا حَشَفَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منها إلا واحدة؛ لما روى مسلم عن ابن عباس قال: (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فلو أمضيته عليهم، فأمضاه عليهم). فأخذ بظاهرة طاووس وبعض أهل الظاهر وقالوا: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثًا .. لا تقع إلا واحدة. وأجاب الجمهور عنه بأجوبة أصحها: أن معناه أنه كان في أول الأمر إذا قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، ولم ينو تأكيدًا ولا استئنافًا .. يحكم بوقوع واحدة؛ لعدم إرادة الاستئناف بذلك، فحمل على الغالب وهو إرادة التأكيد، فلما كان زمن عمر وكثر استعمال الناس هذه الصيغة، وغلبت إرادة الاستئناف بها .. حمل عند الإطلاق على الثلاث؛ عملاً بالغالب السابق إلى الفهم في ذلك العصر. ولا فرق في وقوع الثلاث بين أن يكون ذلك تنجيزًا أو تعليقًا وقد وجدت صفته، حلفًا كان أو غير حلف. قال الشيخ: وابتدع بعض الناس في زماننا فقال: إن كان التعليق على وجه اليمين لا يقع به الطلاق وتجب به كفارة اليمين، وهذه بدعة في الإسلام لم يقلها أحد منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا. ثم إن التحريم المضاف إلى الثلاث إذا وجدت متفرقة هل تضاف إلى الجميع أو إلى الأخيرة فقط؟ فيه خلاف حكاه المتولي، والذي أورده ابن داوود: الثاني. قال في (المطلب) في (كتاب الطلاق): وفائدته تظهر فيما إذا شهد عليه بالطلقة الثالثة فقط ثم رجع هل يجب عليه ثلث الغرم أو كله؟ وفيه في (الحاوي) وجهان، وستأتي الإشارة إلى هذا في (كتاب الرضاع). قال: (وتغيب بقبلها حشفته) يعني: أنه لا يكفي نكاحها زوجًا غيره حتى يدخل بها؛ لما تقدم في الحديث، ولم يخالف في ذلك إلا سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير فإنهما قالا: لا تحل بالعقد إذا لم يكن قصد به التحليل، وعكس الحسن البصري

أَوْ قَدْرُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: لابد من الإنزال فيها؛ لأن العسيلة لا تحصل إلا بذلك. والجمهور قالوا: هي اللذة الحاصلة بالجماع، والمعتبر في ذلك تغييب الحشفة؛ فإن به تناط الأحكام لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان .. فقد وجب الغسل) ويلتحق بالغسل سائر أحكام الوطء. وقال البغوي: إن كانت بكرًا .. فلابد من إزالة البكارة، ونقله المحاملي عن النص، وأقره الشيخان عليه. قال في (المطلب): الذي فهمته من كلام الشافعي والأصحاب: أنه لا فرق بين البكر والثيب. وقوله: (بقبلها) ليست في (المحرر) وهي زيادة لابد منها؛ فإن وطء الدبر لا يحلل. قال: (أو قدرها) فيقوم ذلك من المقطوع مقام الحشفة كما يقوم مقدار (الفاتحة) من القرآن مقامها عند العجز. قال الإمام: وعلى هذا .. فالمعتبر الحشفة التي كانت لهذا العضو المخصوص، فإن كان الباقي أقل من قدر الحشفة .. لم يحل, وإن بقي أكثر من قدرها .. كفى تغييب قدرها من هذا الشخص على الصحيح، وقيل: يشترط تغييب جميع الباقي. واستدخال ذكر النائم يحلل، واستدخال الماء لا يحلل، ولو لف على ذكره خرقة وأولج حلل على الصحيح. فإن قيل: مع النكاح والوطء لا يحصل الحل للأول حتى يطلق الثاني وتنقضي عدتها منه فكيف لم ينص على ذلك لا في الآية الكريمة ولا في الحديث ولا في كلام المصنف وغيره من الفقهاء؟ فالجواب: أن بالنكاح والوطء يرتفع التحريم من الطلاق الثلاث، ويخلفه التحريم إلى الطلاق لكونها زوجة الغير، ومن الطلاق إلى انقضاء

بِشَرْطِ: الاِنْتِشِارِ، وَصِحَّةِ الْنِكَاحِ، وَكَوْنِهِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ، لاَ طِفْلاً ـــــــــــــــــــــــــــــ العدة كسائر المعتدات عن غيره، فهما تحريمان غير تحريم الطلاق الثلاث لا يحتاج إلى النص عليهما. قال: (بشرط: الانتشار)؛ لأن ذوق العسيلة لا يكون إلا بذلك، وعن الشيخ أبي محمد وغيره: أنه لا يشترط، والمراد: سلامة العضو من العنة والشلل، وأن تكون له قوة الانتشار، وأما الانتشار بالفعل .. فلم يشترطه أحد. ولا فرق بين أن يكون قوي الانتشار أو ضعيفه فاستعان بإصبعه أو بإصبعها. قال: (وصحة النكاح) وفي الوطء في النكاح الفاسد قولان: أحدهما - وهو الصحيح -: أنه لا يفيد، وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ لأن إطلاق اسم النكاح ينصرف إلى الصحيح، والناكح نكاحًا فاسدًا لا يسمى زوجًا فلا يحصل به الحل. والثاني - ويحكى عن القديم -: أنه يحل كما يوجب المهر والعدة. وعلم من هذا الشرط: أن وطء الشبهة من غير عقد لا يحصل به الإحلال؛ لأنه لم يصدر عن عقد النكاح، وأنها لا تحل بوطء السيد، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وكونه ممن يمكن جماعه، لا طفلاً)؛ لأنه لا يتأتى منه ذوق العسيلة. وفي وجه يحكى عن القفال: أنه يكتفى بوطء الطفل، قال المصنف: وهو كالغلط المنابذ لقواعد الباب، قال الرافعي: وهما كالوجهين في اشتراط الانتشار، بل هما هما. واحترز بـ (الطفل) عن المراهق الذي يتأتى منه الجماع، فهو كالبالغ خلافًا لمالك، وفي (التتمة): أن للشافعي رضي الله عنه قولاً مثله، وهو بعيد جدًا.

عَلَى الْمَذْهَبِ فَيهِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق في البالغ بين أن يكون عاقلاً أو مجنونًا، حرًا أو عبدًا، فحلاً أو مسلول الأنثيين، مسلمًا أو ذميًا إذا كانت المطلقة ذمية. قال في (الروضة): ولا يشترط في تحليل الذمية للمسلم وطء ذمي، بل المجوسي والوثني يحللانها أيضًا للمسلم كما يحصنانها، صرح به إبراهيم المروروذي، ونازعه الشيخ في ذلك بأن الكتابي لا يحل له أن يتزوج وثنية، ومقتضاه: أن الوثني لا يتزوج كتابية فلا يحلها ولا يحصنها، قال: ولعل الذي قاله المروروذي على الوجه الضعيف. قال: (على المذهب فيهن) هو راجع إلى قوله: (بشرط الانتشار وصحة النكاح ونكاح الطفل) وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف في ذلك. فرعان: أحدهما: وطء الزوج الثاني في إحرامه أو إحرامها أو حيضها أو في نهار رمضان أو على ظن أنه يطأ أجنبية .. يفيد الحل، وأما وطؤه لها بعد ارتدادها أو ارتداده .. فالصواب المنصوص الذي عليه الجمهور: أنه لا يفيد الحل؛ لاختلال النكاح وإن فرض الرجوع إلى الإسلام. الثاني: قال جماعة من الأصحاب منهم الماوردي والغزالي: من لطائف الحيل الرافعة للغيرة والعار المحصلة للمقصود: أن يشتري عبدًا صغيرًا ويزوجها منه، ثم

وَلَوْ نَكَحَ بِشَرْطٍ إِذَا وّطِئَ طَلَّقَ أَوْ بَانَتْ أَوْ فَلاَ نِكَاحَ .. بَطَلَ، وَفِي الْتَطْلِيقِ قَوْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ تستدخل حشفة الصغير ولو مع حائل من ثوب أو غيره، ثم يملكها العبد ببيع أو هبة فينفسخ النكاح ويحصل التحليل. وهذا مبني على أصول مختلف فيها منها: حصول التحليل بوطء الصغير، ومنها: جواز إجبار العبد على التزويج، فإن لم نجوزه .. امتنع ذلك. قال: (ولو نكح بشرط إذا وطىء طلق أو بانت أو فلا نكاح .. بطل)؛ لأنه ضرب من نكاح المتعة، قال الشافعي في (الأم): ونكاح المحلل الذي يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنه - والله سبحانه وتعالى أعلم - ضرب من نكاح المتعة. وفي (سنن النسائي) و (الترمذي) من حديث ابن مسعود - وقال حسن صحيح -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله المحلل والمحلل له) وسماه محللاً وإن لم يحله؛ لأنه يعتقده ويطلب الحل منه، وأما طلب الحل من طريقه .. فلا يستحق اللعنة. قيل: ولم يذكر المرأة في اللعنة؛ لأن الغالب جهلها بذلك، قال في (المطلب): فإن علمت بذلك وفعلت .. لُعنت، وقال داوود: لا أبعد أن يكون المحلل مأجورًا إذا نوى بذلك حلها للأول؛ لأنه قصد إرفاق أخيه وإدخال السرور عليه، وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد. قال: (وفي التطليق قول): إنه يصح ويبطل الشرط ويجب مهر المثل؛ لأنه شرط فاسد قارن العقد فلم يبطل به كما لو نكحها بشرط أن لا يتزوج عليها، وإن لم يجر شرط ولكن كان في عزمه أن يطلقها إذا وطئها .. كره وصح العقد خلافًا لمالك وأحمد. ولو نكحها على أن لا يطأها إلا مرة أو على أن لا يطأها نهارًا .. فللشافعي في بطلان النكاح وصحته نصان، وقيل قولان، والمذهب: أنها على حالين، فالبطلان إذا شرطته الزوجة، والصحة إذا شرطه الزوج؛ لأنه حقه فله تركه، والتمكين حق عليها فليس لها تركه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجميع ما ذكرناه إذا شرطه في نفس العقد، فلو تواطا على شيء من ذلك قبل العقد وعقدا على هذا القصد بلا شرط .. فليس كالمشروط على الصحيح، وعن مالك وأحمد: أنه كالمشروط في العقد؛ لما يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لا أوتى بمحلل إلا رجمته) وهذا لم يصح عن عمر، ولا خلاف أنه لا يرجم، وما يروى عن عثمان وغيره: (لا نكاح إلا نكاح رغبة) لم يصح، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم موضوع. وقد كان عروة ابن الزبير لا يرى بأسًا بالتحليل إذا لم يعلم به الزوج، وهو قول القاسم وسالم وعطاء والشعبي، واستدل الشافعي لصحة نكاحه بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل). وروى هو والبيهقي عن ابن سيرين: أن امرأة طلقها زوجها ثلاثًا، وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد، فجاءته امرأة فقالت: هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة وتصبح فتفارقها؟ فقال: نعم، فكان ذلك، فقالت له امرأته: إنك إذا أصبحت .. فإنهم سيقولون لك: فارقها، فلا تفعل ذلك فإني مقيمة لك ما ترى فاذهب إلى عمر. فلما أصبح أتوه وأتوها فقالت: كلموه فأنتم جئتم به، فكلموه فأبى أن يطلقها، فمضى إلى عمر رضي الله عنه فقال: (الزم امرأتك، فإن رابوك بريب .. فائتني) وأرسل إلى المرأة التي مشت بذلك فنكل بها، ثم كان يغدو على عمر رضي الله عنه ويروح في حلة فيقول: (الحمد لله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح) وأما حديث: (ألا أخبركم بالتيس المستعار)؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: (هو المحلل) فرواه الدارقطني من طريق مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حبان: كان يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها، والصواب: ترك ما انفرد به، ورواه ابن عدي في (كامله) في ترجمة أبي صالح كاتب الليث بن سعد، واسمه عبد الله بن صالح، وقال الشيخ: إسناده حسن. ولما كانت إعارة التيس للضراب تدل على الدناءة والرذالة .. عيرت بها العرب، قال الشاعر (من الوافر): وشر منيحة تيس معار فلذلك شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. تتمة: إذا قالت المطلقة ثلاثًا: نكحني زوج آخر ووطئني وفارقني وانقضت عدتي منه .. قبل قولها عند الاحتمال وإن أنكر الزوج الثاني وصدق في أنه لا يلزمه إلا نصف المهر، وذلك لأنها مؤتمنة في انقضاء العدة، والوطء يعسر إقامة البينة عليه، ثم إن ظن صدقها .. فله نكاحها بلا كراهة، وإن لم يظنه .. استحب أن لا يتزوجها، وإن قال: هي كاذبة .. لم يكن له نكاحها، فإن قال بعده: تبينت صدقها .. فله نكاحها. قال الإمام: واتفق الأصحاب على أنها تحل له وإن غلب على ظنه كذبها إذا كان الصدق ممكنًا، فإن كذبها الزوج والولي والشهود .. لم تحل على الأصح.

فَصْلٌ: لاَ يَنْكِحُ مَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا، فَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا .. بَطَلَ نِكَاحُهُ. وَلاَ تَنْكِحُ مَنْ تَمْلِكُهُ أَوْ بَعْضَهُ. وَلاَ الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إِلاَ بِشُرُوطٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: لا ينكح من يملكها أو بعضها) هذا هو السبب الثالث من الموانع، وهو رق المرأة، وهو ضربان: رقيقة يملكها ورقيقة لا يملكها. الضرب الأول: مملوكته، فليس له نكاح من يملكها أو بعضها؛ لتناقض الأحكام، إذ الملك لا يوجب القسم، ولا تصح فيه أحكام النكاح من طلاق وظهار وإيلاء وغيرها، والنكاح يقتضي ذلك، وإذا تناقضت الأحكام .. لم يمكن الجمع. قال: (فلو ملك زوجته أو بعضها .. بطل نكاحه)؛ لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح، لأنه يملك به الرقبة والمنفعة، والنكاح لا يملك به إلا ضربًا من المنفعة، فسقط الأضعف بالأقوى، وهذا بخلاف ما لو استأجر شيئًا ثم اشتراه .. فإن الإجارة لا تنفسخ في الأصح؛ لأنه لا مناقضة بين ملك العين والمنفعة. قال: (ولا تنكح من تملكه أو بعضه)؛ لتضاد أحكام النكاح والملك، لأنها تطالبه بالسفر معها إلى الشرق؛ لأنه عبدها، وهو يطالبها بالسفر معه إلى الغرب؛ لأنها زوجته. قال: (ولا الحر أمة غيره إلا بشروط) هذا هو الضرب الثاني، فلا يتزوج الحر أمة غيره إلا بشروط ثلاثة فيه: فقد حرة تحته، وفقد طولها، وخوف العنت. وواحد في الأمة: أن تكون مسلمة.

أَنْ لاَ تَكُونَ تَحْتَهُ حُرَةٌ تَصْلُحُ لِلاسْتِمْتَاعِ، قِيلَ: وَلاَ غَيْرُ صَالِحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل في ذلك: قوله تعالى: {وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحَصَنَتِ الْمُؤْمِنَتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُم مِن فَتَيَتِكُمُ الْمُؤْمِنَتِ} إلى قوله تعالى: {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فقوله تعالى: (منكم) خطاب للأحرار، أما العبد .. فله نكاح الأمة كذلك، ولكونه غير واجد للطول، ولكون إرقاق ولده ليس عيبًا له، فلذلك قال المصنف: (ولا الحر)؛ ليخرج العبد. قال: (أن لا تكون تحته حرة تصلح للاستمتاع)؛ لأنه إذا كان كذلك .. لم يخش العنت، وروى البيهقي عن الحسن مرسلاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة) ورواه أيضًا عن علي وجابر موقوفًا. وإطلاق المصنف (الحرة) يشمل المسلمة والكتابية، وهو كذلك على الأصح، فإذا كانت تحته حرة .. منعت جواز الأمة؛ لأنه مستغن بها عن إرقاق ولده وهو غير خائف، وروى ابن ماجه عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أراد أن يلقى الله طاهرًا مطهرًا .. فليتزوج الحرائر). وقيل: إن الحرة الكتابية لا تمنع نكاح الأمة؛ لقوله تعالى: {الْمُحْصَنَتِ الْمُؤْمِنَتِ}. والجواب: أن ذكر المؤمنات في الآية جرى على الأعم؛ فإن الغالب أن المسلم إنما يرغب في المؤمنات، وأيضًا فالغالب أن من لا يقدر على طول المؤمنة .. لا يقدر على طول الكتابية. ومن هذا يعلم: أن المنع فيما إذا كانت تحته أقوى من المنع فيما إذا قدر عليها، فكلام المصنف على عمومه، لكن يستثنى من إطلاق المصنف أمة مكاتبه؛ فإنها ممتنعة عليه قطعًا، وقد ذكره المصنف في (باب الخيار والإعفاف) وعبارته: (وليس له نكاح أمة مكاتبه، فإن ملك مكاتب زوجة سيده .. انفسخ النكاح في الأصح). قال: (قيل: ولا غير صالحة) كما إذا كانت صغيرة أو هرمة، أو مجنونة أو مجذومة أو برصاء أو رتقاء، أو مفضاة لا تحتمل الجماع، أو بها عيب من العيوب

وَأَنْ يَعْجَزَ عَنْ حُرَّةٍ تَصْلُحُ، قِيلَ: أَوْ لاَ تَصْلُحُ. فَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَائِبَةٍ .. حَلَّتْ أَمَةٌ إِنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا، أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المثبتة للخيار، أو غائبة عنه .. فيمتنع نكاح الأمة على هذا حتى تبين الحرة بأن يطلقها طلاقًا بائنًا أو رجعيًا وتنقضي عدتها؛ لعموم الحديث المرسل المعتضد بأقوال الصحابة وغيرهم. وذكر الرافعي في (المحرر) أن هذا الوجه هو الأحوط. والوجه الثاني: أنه يحل له نكاح الأمة؛ لأنه لا يستغني بالحرة التي تحته، فوجودها كالعدم، وهذا هو الأصح عند القاضي أبي الطيب وتلميذيه صاحبي (المهذب) و (الشامل)، وليس في (الشرحين) ولا في (الروضة) ترجيح. قال: (وأن يعجز عن حرة تصلح) أي: للاستمتاع بها؛ لأنه يصبر بذلك غير خائف. والعجز إما لفقدها، أو لفقد صداقها، أو لم يرض به لقصور نسب ونحوه؛ لأن الطول في الآية فسره ابن عباس بالسعة والفضل، والمحصنات فيها هن الحرائر، والجمع فيهن في مقابلة الجمع في قوله: {مِنكُمْ}. ولم يعتبر أبو حنيفة هذا الشرط؛ لأنه لا يقول بالمفهوم. قال: (قيل: أو لا تصلح) كما إذا كانت صغيرة أو رتقاء أو مجذومة. قال: (فلو قدر على غائبة .. حلت أمة إن لحقه مشقة ظاهرة في قصدها، أو خاف زنًا مدته)؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِينِ مِنْ حَرَج}، والمشقة الظاهرة: أن

وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ .. فَالأَصَحُّ: حِلُّ أَمَةٍ فِي الأَولَى دُونَ الْثَانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينسب متحملها في طلب زوجة إلى الإسراف ومجاوزة الحد، وكذلك الحكم لو كانت الحرة التي قدر على نكاحها معتدة عن الغير. قال: (ولو وجد حرة بمؤجل أو بدون مهر المثل .. فالأصح: حل أمة في الأولى)؛ لأن ذمته تصير مشغولة في الحال. والثاني: لا؛ للقدرة على نكاح حرة. وقيد في (الشرح) و (الروضة) الخلاف بمن يتوقع القدرة على الوفاء، ومقتضاه: أنه إن لم يتوقعه .. حلت له بلا خلاف، وإطلاق المصنف يقتضي الخلاف في الحالين. قال: (دون الثانية)؛ لقدرته على الحرة كما لا يتيمم إذا وجد الماء بثمن بخس. والثاني: يجوز؛ لما فيه من المنة وهو بعيد، لأن المهر مما يتسامح به. وفهم من كلامه: أنها لو رضيت بلا مهر .. لا تحل له الأمة؛ لأنها إذا رضيت بالدون منعت الأمة ففي العدم أولى. فروع: لو وجد حرة لا ترضى إلا بأكثر من مهر مثلها .. فالأصح: أنه ينكح الأمة كما لو وجد المكفر الرقبة بثمن غال، وكما لو وجد الماء بأكثر من ثمن مثله .. تيمم.

وَأَنْ يَخَافَ زِنَاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يحل له نكاح الأمة؛ لأنه لا يعد بذلك فاقدًا، وتوسط الإمام والغزالي فقالا: إن كانت الزيادة يعد بذلها إسرافًا .. جاز، وإلا .. فلا. ولو كان له مال غائب، فإن خاف العنت في الحال أو لحقه مشقة ظاهرة في الخروج إليه .. فله نكاح الأمة، وإلا .. فلا، كذا قاله الغزالي، وأطلق الرافعي القول بأن له ذلك كما له أخذ الزكاة. ولو كان قادرًا بوجوب الإعفاف على ولده .. فالصحيح في (الروضة) هنا وفي (باب الخيار) في (الشرح): لا يتزوج الأمة، وإن كان لا يستطيع إلا ببيع مسكنه وخادمه .. فالأصح: جواز نكاح الأمة. ولو أقرض مهرها .. لم يجب القبول على المذهب؛ لاحتمال المطالبة في الحال، وكذا لو وهب له مال أو أمة .. لم يلزمه القبول، وحلت له الأمة. قال: (وأن يخاف زنًا)؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنكُمْ} والعنت: المشقة الشديدة، والمراد به هنا: الزنا؛ لأنه سبب المشقة والهلاك بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة، وليس المراد بالخوف منه أن يغلب على الظن وقوعه، بل أن يتوقع لا على سبيل الندور. قال الإمام: إنما يتحقق خوف العنت بغلبة الشهوة وضعف عصام التقوى، فإن غلبت الشهوة ورقت التقوى .. فخائف، وإن ضعفت وله دين أو حياء يمنعه .. فلا، وإن غلبت شهوته وقوي تقواه .. ففيه احتمالان للإمام: أصحهما: لا يجوز نكاح الأمة، وبه قطع الغزالي؛ لأنه لا يخاف الوقوع في الزنا، وإن كان ترك الوقاع يجر ضررًا أو مرضًا .. فله نكاح الأمة. ونكر المصنف (الزنا)؛ إعلامًا بأن المرعي فيه عموم العنت لا خصوصه، فلو خاف الزنا بأمة لقوة ميله إليها وحبه لها .. فليس له أن يتزوج بها إذا كان واجدًا للطول، خلافًا لما ذهب إليه بعض علماء المدينة؛ لأن العشق لا معنى لاعتباره هنا

فَلَوْ أَمْكَنَهُ تَسَرِّ .. فَلاَ خَوْفَ فِي الأَصَحِّ. وَإِسْلاَمُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه داء يهيج من البطالة وإدامة الفكر، وكم من إنسان ابتلي به وسلاه، وهذا الشرط يقتضي: أن المجبوب لا تحل له الأمة مطلقًا؛ إذ لا يمكنه الزنا، وبه صرح الإمام وغيره، وخالف الروياني فجوزها له، وللخصي عند خوف الوقوع في الإثم؛ لأن العنت هو المشقة. وأما الممسوح .. فصرح الشيخ عز الدين بأنه ينكح الأمة؛ بناء على أن الولد لا يلحقه، والعنين ليس له نكاحها جزمًا. قال: (فلو أمكنه تسر .. فلا خوف في الأصح)؛ لأمنه العنت. وصورة المسألة: أن يكون معه من المال ما لا يمكن أن يتزوج به حرة ويمكن أن يتسرى به. والثاني: يحل له نكاحها؛ لأنه لا يستطيع طول حرة. والثالث: يفرق بين أن تكون الأمة ملكه أم لا، وعبارة (المحرر): (فإن أمكنه تسر .. لم ينكح الأمة) وهي أحسن؛ فإنه لا يحسن جعل الوجهين في الخوف، فإن التسري المقدور عليه يمنع منه قطعًا. قال: (وإسلامها) فلا تحل للحر المسلم الأمة الكتابية، خلافًا لأبي حنيفة. احتج الأصحاب بأن الله تعالى شرط في نكاح الأمة الإسلام حيث قال: {فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُم مِن فَتَيَتِكُمُ الْمُؤْمِنَتِ}، ولأنه اجتمع فيها نقصان لكل منهما تأثير في المنع من النكاح، فامتنع على المسلم نكاحها كالحرة المجوسية والوثنية، وبهذا قال ابن عمر وابن مسعود والحسن ومجاهد والزهري ومالك والليث والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق. وهل يجوز أن تنكح أمة مسلمة لكافر؟ فيه وجهان:

وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ أَمَةٌ كِتَابيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحهما: الجواز؛ لحصول صفة الإسلام للمنكوحة. والثاني: المنع؛ لما فيه من إرقاق الولد المسلم للكافر، واستغنى المصنف عن هذا الوجه بإطلاقه، ويأتي وجه ثالث: إن كان الناكح عربيًا .. جاز؛ بناء على قول: إن العربي لا يرق فيؤمن المحذور. وبقي من الشروط: كونها غير موقوفة عليه، ولا موصىً له بخدمتها، ولا أمة مكاتبه كما تقدم، ولا أمة ولده كما سيأتي في تتمة الفصل التنبيه عليه. وقد تقدم أنه إذا أوصى بحمل دائمًا أو مطلقًا وحمل على العموم - وهو الظاهر - فإذا أعتق الوارث هذه الأمة .. امتنع على الحر الذي لا يخاف العنت أن يتزوج بها؛ لأجل إرقاق الولد، فإذا تزوج بها معسر خائف للعنت .. تصور فيها ولد رقيق بين حرين والحر بين رقيقين. صورته: إذا وطئ العبد جارية ولده .. ففي حرية الولد وجهان، كلام الرافعي يشعر بترجيح الحرية، ويتصور أيضًا فيما إذا وطئ العبد زوجته الأمة أو أمة لغيره على ظن أنها زوجته الحرة .. يكون الولد حرًا؛ مراعاة لظنه. فرع: من استجمع شروط نكاح الأمة ليس له نكاح أمة صغيرة لا توطأ على الأصح؛ لأنه لا يأمن بها العنت. قال: (وتحل لحر وعبد كتابيين أمة كتابية على الصحيح)؛ لتساويهما في الدين. والثاني: لا تحل له، كما لا ينكحها الحر المسلم، ومحل الوجهين إذا كان الحر الكتابي يخاف العنت ولم يجد طول حرة، وإلا .. فيمتنع عليه نكاح الأمة كما يمتنع على المسلم نكاح الأمة المسلمة، ولذلك يشترط في عقد الذمي ما يشترط في عقد

لاَ لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ في الْمَشْهُورِ. وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ كَرَقِيقَةٍ. وَلوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ، أَوْ نَكَحَ حُرَّةً .. لَمْ تَنْفَسِخِ الأَمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلم من الولي المرشد في دينه، وشهادة عدلين مسلمين، وانتفاء الموانع إلا في نكاحه الأمة الكتابية. قال: (لا لعبد مسلم في المشهور)؛ لأن المنع من نكاحها لكفرها، فيستوي فيه العبد والحر كالمرتدة والمجوسية. وفي قول: له نكاحها؛ لأنه لا تفاوت بينهما في الرق والحرية، وإنما يتفاوتان في الدين، وهو لا يمنع النكاح؛ لأن الحر المسلم ينكح الحرة الكتابية. قال: (ومن بعضها رقيق كرقيقة) فلا ينكحها الحر إلا عند اجتماع الشروط الأربعة المتقدمة؛ لأن إرقاق بعض الولد محذور كما أن إرقاق كله محذور. وإذا قدر على نكاحها هل له نكاح التي تمحضت رقيقة؟ تردد فيه الإمام؛ لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله، وهذا ظاهر على القول بأن ولد المبعضة ينعقد مبعضًا، أما إذا قلنا: ينعقد حرًا .. فيحتمل أن يقطع بالمنع. وحكى الرافعي عن بعض الأصحاب: أن المبعض كالرقيق ينكح الأمة مع القدرة على الحرة، ويجمع بينهما، وتبعه في (الوسيط) و (الحاوي الصغير)؛ لأن الذي فيه من الرق أخرجه عن الولاية والنظر للولد. فرع: أفتى القاضي حسين بأن من زوج أمته بواجد طول حرة فأولدها .. كانت أولادها أرقاء؛ لأن شبهة النكاح كالنكاح الصحيح. قال: (ولو نكح أمة بشرطه ثم أيسر، أو نكح حرة .. لم تنفسخ الأمة) أشار بهذا إلى أن الشروط الثلاثة الأول المعتبرة في نكاح الأمة إنما تعتبر في ابتداء النكاح دون دوامه، فلو نكح أمة ثم أيسر أو تزوج عليها حرة .. صح ولم ينفسخ نكاح الأمة؛

وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لاَ تَحِلُّ لَهُ أَمَةٌ حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ .. بَطَلَتِ الأَمَةُ، لاَ الْحُرَّةُ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوة الدوام، كما أن خوف العنت يشترط في الابتداء دون الدوام، وكذلك ابتداء الإسلام يمنع ابتداء السبي دون الدوام، وكذلك الإحرام والعدة والردة تمنع ابتداء النكاح دون دوامه. وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما: إذا تزوج حرة على أمة .. لم ينفسخ نكاح الأمة، وقال المزني: ينفسخ في الصورتين، وخالف أحمد في الثانية، وقال النخعي: إن كان له من الأمة ولد .. لم يفارقها، وإلا .. فارقها. قال: (ولو جمع من لا تحل له أمةٌ حرةً وأمةً بعقد .. بطلت الأمة) بلا خلاف؛ لفوات شرطه، فإن كان ممن يحل له نكاح الأمة .. فنكاح الأمة باطل قطعًا؛ لاستغنائه عنه، وفي نكاح الحرة طريقتان: أظهرهما عند الإمام: أنه على القولين، وصححه في (الشرح الصغير). وثانيهما: القطع بالبطلان؛ لأنه جمع بين امرأتين يجوز إفراد كل منهما دون الجمع، فأشبه الأختين، ومن قال بالأول .. فرق بأن الأختين ليس فيهما أقوى، والحرة أقوى. وفي (المعاياة) للجرجاني: يصح النكاحان، وغلطه ابن الصلاح، وقد سبق الجرجاني إليه القاضي أبو الطيب. قال: (لا الحرة في الأظهر) هما القولان في تفريق الصفقة، والجمع بين مسلمة ووثنية أو مُحَلَّة ومُحَرَّمة أو أجنبية ومحرَم كذلك، وإذا صح .. فبمهر المثل في الأصح. وصورة مسألة الكتاب أن يقول: زوجتك بنتي وأمتي بكذا، فيقول: قبلت نكاحهما، فلو قال: زوجتك بنتي بألف وزوجتك أمتي بمئة فقبل البنت ثم الأمة أو

فَصْلٌ: يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لاَ كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل البنت فقط .. صحت البنت قطعًا، ولو قدم الأمة في تفصيلهما إيجابًا وقبولاً .. صحتا حيث جازت الأمة؛ لقبول الحرة بعد صحة نكاح الأمة، ولو فصل الإيجاب وجمع القبول أو عكسه .. فكتفصيلهما، وقيل: كجمعهما. تتمة: لو جمع من تحل له الأمة بين أختين وأمة .. بطل نكاح الأختين، وفي الأمة الخلاف، ولو تزوج أمتين في عقد .. بطل نكاحهما قطعًا كالأختين. وجميع ما ذكرناه في أمة غيره أردنا به غير أمة ولده، وأما أمة ولده .. ففيها خلاف وتفصيل يأتي في (باب الخيار والإعفاف)، وأما أمة الأب .. فكأمة غيره؛ لأن الابن لا يجب له على أبيه حق الإعفاف، ولو استولدها .. لا تصير أم ولد كجارية الأجنبي، إلا أنها إذا ولدت منه كان الولد حر الأصل. وقيل: ينعقد رقيقًا ثم يعتق. قال: (فصل: يحرم نكاح من لا كتاب لها كوثنية ومجوسية) هذا هو الجنس الرابع من الموانع وهو الكفر، والكفار ثلاثة أصناف: صنف ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب كعبدة الأوثان والشمس والقمر والنجوم، والصور التي ينحتونها، وعباد البقر والخيل البلق، والمعطلة الذين لا يثبتون الخالق، والدهرية الذين ينسبون الأمور إلى الدهر، والزنادقة الذين يظهرون الدين وهم في الباطن معطلة كمن يقول بتدبير الطبائع الأربعة، والمانوية الذين يعتقدون أن النور يفعل الخير والظلمة تفعل الشر، الذين عناهم الشاعر بقوله (من الطويل): وكم لظلام الليل عندك من يد .... تخبر أن المانوية تكذب فهؤلاء لا تحل مناكحتهم بالاتفاق؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والوثنية: عابدة الوثن، وهو الصنم، وقيل: الوثن والصنم شيء واحد، وقيل: الصنم ما كان مصورًا والوثن غير مصور. هذا بالنسبة إلى اللغة، أما في الحكم .. فلا يختلف، وكذا كل من يعبد صورة من دون الله تعالى لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم. أما تحريم الوثنية على الكتابي .. ففيه وجهان في (الكفاية)، قال الشيخ: ينبغي إن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع أن يحرم، وإلا .. فلا حل ولا حرمة، فعلى التحريم يأثم بوطئها. الصنف الثاني: أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وسيأتي حكمهم. والثالث: المجوس، فيحرم على المسلم نكاح المجوسية؛ لأن الأصل في الكافرات تحريمهن لقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}، ثم خص الله منهن أهل الكتاب بقوله: {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواالْكِتَبَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، وفي المجوس للشافعي رضي الله عنه قولان: أشبههما: أن لهم كتابًا غير التوراة والإنجيل وقد نسوه وبدلوه، وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ الجزية منهم. والثاني: أنهم لا كتاب لهم، وقد روى البخاري: أن أمرهم أشكل على عمر رضي الله عنه حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين فأتى بجزيتها، وكان النبي صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال البحرين). قال الشيخ: وأهل البحرين مجوس، فلذلك اتفق العلماء على أخذ الجزية من المجوس وتقريرهم بها، وروي عن علي أنه قال: (كانوا أهل كتاب، فأراد ملكهم أن ينكح أخته، فسأل بعض علمائهم أن يجعل له في نكاحها شبهة، فقال: هذا دين أبينا آدم فنحن أحق به أن نحيي سنته، فنكح الملك أخته وأمسكوا عن الإنكار عليه خوفًا من سطوته، فأصبحوا وقد أسري بكتابهم). وهم لا يؤمنون بأحد من الأنبياء غير دوارست يدعون نبوته وينقلون عنه معجزات. ففي جانب الدم أقررناهم بالجزية حتى لا نبيح دماءهم بالشك، وهذا مجمع عليه، وفي النكاح والذبيحة حرمناهما؛ لأن أصلهما التحريم فلا يستباحان بالشك، وبهذا قال سبعة عشر صحابيًا، وعليه أكثر العلماء عملاً بالاحتياط، وبما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) رواه إلى هنا الشافعي في (مسنده) وأبو عبيد في (الأموال). وأما زيادة: (غير مناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم) فمشهورة بين الفقهاء، وهي في (طبقات ابن سعد) في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر، وممن قال تحل ذبيحتهم ومناكحتهم الشيخ أبو إسحاق المروزي، ونقله في كتاب (التوسط) عن المزني وهو غريب عنه، وقال به أبو عبيد بن حربويه والشيخ أبو حامد: وهذا ضعيف عند الأصحاب. وظاهر عبارة المصنف موافقة من قال: لا كتاب لهم، وأن المجوسية كالوثنية لا كتاب لها، وعبارة (المحرر): لا تحل مناكحة الكفار الذين لا كتاب لهم كعبدة الأوثان والشمس والزنادقة، وكذا مناكحة المجوس، فقوله: (وكذا مناكحة المجوس) يعني: لا تحل مناكحتهم، ولا يقتضي أنهم لا كتاب لهم.

وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ، لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ، وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتحل كتابية)؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ولا فرق بين أن تكون حربية أو ذمية، ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس وابن عمر؛ فإنهما حرماها، وقال ابن عمر لما سئل عنها: إن الله حرم المشركات، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله. وقال الإمامية والشيعة: لا يحل نكاحها إلا عند عدم المسلمة. لكن يستثنى النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الكتابية حرامًا عليه على الصحيح، وبه قطع العراقيون؛ تنزيهًا له عن المحال المشركة النجسة. قال: (لكن تكره حربية) أي: الكتابية الحربية؛ خوفًا من استرقاق الولد حيث لا يعلم أنه ولد مسلم، وهذه العلة نص عليها في (سير الواقدي) من (الأم)، ولما في الميل إليها من خوف الفتنة، بل نص في (الأم) على كراهة نكاح المسلمة المقيمة في بلاد الكفر؛ لأنها قد تسترق، وذكر في موضع آخر كراهة التسري أيضًا. وأغرب صاحب (الذخائر) وتبعه ابن الرفعة فنقلا عن (حلية الشاشي) وجهًا عن بعض العراقيين: أن الحربية لا تحل للمسلم، وهو وهم؛ فإن الشاشي إنما أخذه من (الحاوي)، وهو قال: وأبطل العراقيون نكاحها، وهذا الكلام إذا وقع في كتب العراقيين .. لا يريدون به إلا أصحاب أبي حنيفة كما نبه عليه الماوردي وغيره، فليس ذلك وجهًا في المذهب أصلاً، وسيأتي له نظير في (كتاب الخلع) في قوله: (وإن بدأ بصيغة تعليق كمتى أو متى ما أعطيتني .. فتعليق). قال: (وكذا ذمية على الصحيح)؛ لئلا تفتنه أو ولده، والكراهة فيها أخف من الكراهة في الحربية، وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة؛ لقوله تعالى: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}، {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}. والوجه الثاني: لا يكره نكاحها، وهو بعيد وإن قاله الإمام والمتولي، اللهم إلا أن يكون ذلك طريقًا لإسلامها فيستحب؛ لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه نكح نائلة بنت الفرافصة - بفتح الفاء الأولى وكسر الثانية - الكلبية وهي نصرانية فأسلمت وحسن إسلامها، وكانت أحظى نسائه. رواه البيهقي.

وَالْكِتَابِيَّةُ: يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَةٌ، لاَ مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْكِتَابِيَّةُ إِسْرَائِيلِيَّةً .. فَالأَظْهَرُ: حِلُّهَا إِنْ عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أن طلحة تزوج يهودية، وأن عبد الرحمن بن عوف تزوج يهودية، وتزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر أن يفارقها، قال: وهذا من عمر على سبيل التنزيه والكراهة. وقال القفال في (محاسن الشريعة): الحكمة في حل الكتابية للمسلم ما يرجى من ميلها إلى دين الزوج؛ فإن الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات. قال: (والكتابية: يهودية أو نصرانية) بالاتفاق، وهما الطائفتان المشهورتان عند العرب المشار إليهما بقوله تعالى: {أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَبُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا}، ولم يدخل المجوس فيهم وإن قلنا: إنَّ لهم كتابًا؛ لأنه غير مشهور. قال: (لا متمسكة بالزبور وغيره) يعني: من كتب سائر الأنبياء كصحف شيث وإبراهيم وإدريس عليهم الصلاة والسلام، فلا تحل مناكحتهم، واختلفوا في سببه، فقيل: لأنها لم تنزل عليهم بنظم يدرس ويتلى، وإنما أوحي إليهم معانيها. وقيل: لأنها كانت حكمًا ومواعظ من غير أحكام وشرائع، والأصح - وهو قول أبي إسحاق المروزي -: تقريرهم بالجزية كالمجوس. و (الزبور): كتاب داوود عليه الصلاة والسلام. وصحف شيث كانت خمسين صحيفة، وهو ابن آدم لصلبه، وكان من أجمل ولده وأفضلهم وأشبههم بأبيه وأحبهم إليه، وكان وصي آدم وولي عهده، وهو الذي ولد البشر كلهم، وإليه انتهت الأنساب، وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة، وعاش تسع مئة واثنتي عشرة سنة. قال: (فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية .. فالأظهر: حلها إن علم دخول قومها في ذلك الدين قبل نسخه وتحريفه)؛ اكتفاء بتمسكهم بذلك الدين لما كان حقًا كما يقرون بالجزية بلا خلاف.

وَقِيلَ: يَكْفِي قَبْلَ نَسْخِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والقول الثاني: المنع مطلقًا؛ لفقد نسب إسرائيل، بناء على أن الإسرائيلية أبيحت لفضيلتي النسب والدين، والأصح: أن إباحتها لفضيلة الدين فقط. فإذا لم يعلم أنهم دخلوا قبل التحريف أم بعده أو قبل النسخ أو بعده .. فيؤخذ فيهم بالاحتياط، فيقرون بالجزية وتحرم مناكحتهم وذبائحهم تغليبًا لحقن الدم، وبذلك حكمت الصحابة في نصارى العرب. قال الشيخ: وذكروا في (كتاب الجزية): أن اليهود والنصارى إذا ادعوا أنهم من بني إسرائيل يقرون؛ لأنه لا يعلم إلا من جهتهم، وقياسه اعتمادهم هنا أيضًا، وقد يمنع؛ لتشوف الشارع إلى حقن الدماء، بخلاف الأبضاع؛ لبنائها على الاحتياط. فعلى هذا: يمتنع الآن نكاح الذميات إلا أن يسلم منهم اثنان ويشهدان بصحة ما يوافق دعواهم ذلك. و (الإسرائيلية) منسوبة إلى إسرائيل الله، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وهو اسم أعجمي يقال فيه: إسرائل وإسرائيل، وتميم تقول: إسرائين بالنون، و (إسرا) بالعبرانية: عبد، و (إيل): اسم الله تعالى، فمعناه عبد الله. قال: (وقيل: يكفي قبل نسخه) أي: وبعد التحريف وإن دخلوا في المحرف؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يبحثوا. والصحيح: المنع؛ لأن الفضيلة التي لهم بطلت بالتحريف، وهل يُقر هؤلاء بالجزية؟ قال البغوي: لا، وقال غيره: نعم كالمجوس، قال الرافعي: وهو أولى للشبهة.

وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلاَقٍ، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: ومراده: أن قول غير البغوي أولى من قول البغوي. وقال في (الروضة): ويقرون بالجزية على الأصح، وأولى للشبهة، وكأنه حمله على أن هؤلاء أولى بالتقرير بالجزية من المجوس، وهذا غير متجه؛ لأن المجوس لا خلاف في تقريرهم، ولأن الشبهة شاملة لهم. وصورة المسألة: إذا دخلوا في المحرف، فإن دخلوا في الحق منه .. فكما قبل التحريف، فيحل جزمًا على هذا القول، وأما الذين دخلوا بعد التحريف والنسخ كالداخلين بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - وقيل: بعد نزول القرآن - فلا يناكحون، وفي المتهودين بعد بعثة عيسى عليه الصلاة والسلام وجهان: أصحهما: أن الحكم كذلك، ومن قال بالثاني .. بناه على أن شريعة عيسى هل نسخت جميع شريعة موسى أو بعضها؟ فالقائل بالبعض يحتج بقوله تعالى: {وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}. والمشهور: أن عيسى عليه الصلاة والسلام مقرر لشريعة التوراة إلا ما نسخ منها؛ لأنه من أنبياء بني إسرائيل. وقال الشافعي رضي الله عنه: كل شريعة نسخت التي قبلها، فشريعة عيسى نسخت شريعة موسى، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم نسخت جميع الشرائع. قال: (والكتابية المنكوحة كمسلمة في نفقة وقسم وطلاق)، وكذلك الظهار والإيلاء والعدة والسكنى والكسوة والإحداد والرجعة وغيرها؛ لأنها زوجة إلا أنه لا توارث بينهما، ولا تغسل الزوج إذا اعتبرنا النية في الغسل، ولا يحد قاذفها بل يعزر. قال: (وتجبر على غسل حيض ونفاس) المراد: أنها إذا طهرت من الحيض أو النفاس .. لم يكن له أن يطأها قبل الغسل، وله أن يأمرها بالاغتسال إن أمكن، وإن

وَكَذَا جَنَابَةٌ وَتَرْكُ أَكْلِ خِنْزيرٍ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يمكن .. فبالتيمم، وإن امتنعت .. أجبرها الزوج عليه؛ لأنه به يصل إلى حقه، والزوج ينوب عنها في النية، وهذا لا يختص بالذمية، بل الزوجة المسلمة والأمة كذلك؛ لأن التمكين من الوطء واجب عليهن، وهو متوقف على ذلك. وخرج الحليمي من نص الشافعي على إجبارها على الغسل أن للسيد إجبار أمته المجوسية والوثنية على الإسلام؛ لأن حل الاستمتاع يتوقف عليه، والمذهب خلافه؛ لأن الرق أفادها الأمان من القتل فلا تجبر كالمستأمنة، وليس كالاغتسال؛ فإنه لا يعظم الأمر فيه ولا يعسر عسر تبديل الدين. وقطع المتولي في غسل الذمية بأنه لابد من نيتها إباحة الاستمتاع، ورجحه في (التحقيق)، فإن لم تفعل .. غسلها الزوج، واستفاد ذلك وإن لم توجد منها النية للضرورة كما تجبر المسلمة المجنونة عليه. قال: (وكذا جنابة وترك أكل خنزير في الأظهر)، كما يجبرها على إزالة النجاسة ويمنعها من السكر. والثاني: لا إجبار، وصححه ابن المنذر في الذمية؛ لأن الجنابة لا تمنع الاستمتاع، وأطلق الجمهور القولين. وقيل: إن طال الزمن في الجنابة بحيث تعافها النفس .. أجبرت، وإلا .. فلا، وبهذا يحصل في المسألة ثلاثة أقوال. وفي إجبار المسلمة على الغسل من الجنابة القولان إذا لم يدخل وقت صلاة، فإن دخل .. أجبرت إن كانت بالغة، وأطلق البغوي القول بالإجبار. وله المنع من أكل ما يتأذى برائحته كالثوم والبصل والكراث غير المطبوخ على الأظهر، وقيل: قطعًا. وله المنع من شرب ما تسكر به، وفي القدر الذي لا يسكر القولان، ويجريان في منع المسلمة من هذا القدر من النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته.

وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يمنعها قطعًا؛ لأن ذلك القدر لا ينضبط، ويختلف باختلاف الأشخاص. وما ذكره المصنف من منع الذمية من لحم الخنزير محله فيمن تعتقد حله كالنصرانية، فإن كانت ترى تحريمه كاليهودية .. منعها منه قطعًا كالمسلمة، كذا جزم به الماوردي والروياني، وهو الصواب. وسيأتي في (باب الخيار والإعفاف): أن الزوج إذا وطىء زوجته المسلمة ليلاً وعلم أنها لا تغتسل وقت صلاة الصبح وتفوتها الصلاة .. عن الشيخ عز الدين: أنه لا يحرم عليه وطؤها، بل يطؤها ويأمرها بالاغتسال وقت الصلاة. قال: (وتجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها)؛ ليتمكن من الاستمتاع، قال في (الروضة) و (المحرر): (وهذا لا خلاف فيه) وليس كذلك؛ ففي (التنبيه) فيه القولان، وينبغي أن يكونا في غير النجاسة المغلظة؛ فإنه يجبرها على أن تغسل ذلك سبعًا وتتربه على الأصح، وقيل: على غسله مرة واحدة بغير تراب. وكذلك تجبران على التنظيف بالاستحداد وقلم الظفر وغسل الأوساخ وإزالة شعر الإبط إذا تفاحش شيء من ذلك؛ حتى يكسر التوقان، فإن كان لا يمنع إلا كمال الاستمتاع .. فقولان: أصحهما الإجبار. وله منعها من أكل سائر السموم قطعًا، ومن تعاطي ما يخاف منه مرض على الأصح، وله منعها من لبس جلد الميتة قبل الدباغ، وليس له منعها من لبس الحرير ولا الديباج ولا الحلي المباح لها، وللزوج منع زوجته الكتابية من البِيَع والكنائس. قال الرافعي: كما تمنع المسلمة من المسجد والجماعات، وقال القاضي حسين: له منعها من المساجد ومصلى الأعياد، وتأول قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) على أنه أراد المسجد الحرام، يعني: لا تمنعوهن الحج إذا أردنه، أو أراد ما إذا كانت عجوزًا شوهاء.

وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الأَظْهَرِ. وَإِنْ خَالَفَتِ السَّامِرَةُ الْيَهُودَ، وَالصَّابِئُونَ النَّصَارَى فِي أَصْلِ دِينِهِمْ .. حَرُمْنَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتحرم متولدة من وثني وكتابية)؛ لأنها ليست من أهل الكتاب، وهذا متفق عليه عندنا، وبه قال أحمد. قال: (وكذا عكسه في الأظهر)؛ تغليبًا للتحريم كالمتولد بين المأكول وغيره. والثاني - وبه قال مالك -: أنها تحل؛ لأن الانتساب إلى الأب والأب كتابي. وقال أبو حنيفة: يحل الولد سواء كان الأب كتابيًا أو الأم تبعًا لخير الأبوين دينًا، كما لو كان أحد الأبوين مسلمًا يحكم بإسلام الولد. وفرق الأصحاب بأن الإسلام يعلو ويغلب سائر الأديان، وسائر الأديان تتقاوم، ولا يغلب بعضها بعضًا، والكفر كله ملة واحدة، وجميع ما تقدم من المنع جزمًا إذا كانت الأم كتابية، وعلى أحد القولين إذا كان الأب كتابيًا محله في الصغير المتولد منهما، أما إذا بلغ وتدين بدين الكتابي من الأبوين .. فنص الشافعي رضي الله عنه على أنه تحل مناكحته وذبيحته. فائدة: قال الشيخ في قوله صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي كتبه إلى قيصر: (أسلم .. تسلم، وأسلم .. يؤتك الله أجرك مرتين) هذا يدل على أن قيصر كان على دين عيسى عليه الصلاة والسلام حين كان حقًا قبل التبديل والنسخ، وإلا .. لم يكن له أجره مرتين لو أسلم، ويدل على أنه وأصحابه أهل كتاب؛ لأنه خاطبهم بـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَبِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية. قال: (وإن خالفت السامرة اليهود، والصابئون النصارى في أصل دينهم .. حرمن، وإلا .. فلا)، السامرة طائفة من اليهود الذين أضلهم السامري واسمه:

وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيُّ أّوْ عَكْسُهُ .. لَمْ يُقَرَّ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى بن ظفر، فعبدوا العجل لما غاب عنهم موسى عليه الصلاة والسلام العشرة أيام التي بعد الثلاثين، وهم ينكرون نبوة كل نبي بعد موسى، ويرون أنه يحرم عليهم الخروج من أرض الأردن وفلسطين، وبيدهم توراة مخالفة لتوراة اليهود، ويعظمون نابلس، وهم الآن مخالفون لليهود في أشياء كثيرة، فلذلك قال الشيخ: الذي يظهر وينبغي أن يفتى به تحريم مناكحتهم كالمجوس، واختلف قول الشافعي رضي الله عنه فيهم، وهو محمول على التفصيل الذي ذكره المصنف. وأما الصابئون فقسمان: أحدهما: يعتقدون الكواكب، وهم أقدم من النصارى بكثير، كانوا في زمن إبراهيم عليه السلام. والثانية: طائفة من النصارى نسبتهم إليه كنسبة السامرة إلى اليهود، والكلام في هؤلاء كالكلام في السامرة، وأما القسم الأول .. فبعيدون من النصارى؛ لأنهم يقولون: إن الفلك حي ناطق، وإن الكواكب السبعة هي المدبرة، واستفتى القادر بالله الفقهاءَ فيهم، فأفتاه الإصطخري بقتلهم، فبذلوا للقادر أموالاً عظيمة فتركهم، وكان القادر سيء السيرة في خلافته، ولم تطل مدته. وفصل المقال أن الصابئة إن وافقوا النصارى في أصولهم ولم يخالفوهم إلا في الفروع وقد دخلوا في دينهم قبل التبديل .. أقروا بالجزية، وحلت ذبيحتهم ومناكحتهم، وإلا .. فلا. وأما المبتدعة من أهل الإسلام إذا كفرناهم .. فالذي يظهر أن أولادهم مسلمون ما لم يعتقدوا بعد بلوغهم ذلك الاعتقاد؛ لأنهم ولدوا على الإسلام بين المسلمين ظاهرًا، وحكم اعتقاد الآباء لا يسري إليهم. قال: (ولو تهود نصراني أو عكسه .. لم يقر في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}، ولأنه أحدث دينًا باطلاً بعد اعترافه ببطلانه فلم يقر

فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً .. لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ .. فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ. وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ إِلاَّ الإِسْلاَمُ، وَفِي قَوْلٍ: أَوْ دِيْنُهُ الأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه كردة المسلم، وفي (معجم الطبراني) بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما نصراني أسلم ثم تنصر .. فاضربوا عنقه). والثاني: يقر بالجزية على ما انتقل إليه؛ لتساوي الدينين في التقرير بالجزية، وليس كالمسلم يرتد؛ لأنه ترك دين الحق، وصحح هذا في (الشرح الصغير) تبعًا للشيخ أبي حامد والبغوي، وهو نصه في (المختصر). وبنى المتولي وغيره القولين على أن الكفر ملة واحدة أو ملل، إن قلنا: ملل .. لم يقر، وإن قلنا: ملة واحدة .. أقر كما يقر المسلم إذا انتقل من مذهب إلى مذهب. قال: (فإن كانت امرأة .. لم تحل لمسلم) كالمسلمة إذا ارتدت تفريعًا على أنها لا تقر، وكذا لا تحل ذبيحتها ولا ذبيحته لو كان رجلاً، أما إذا قلنا: بالتقرير .. فتحل الذبيحة والمناكحة. قال: (فإن كانت منكوحته .. فكردة مسلمة) فتنجز الفرقة قبل الدخول، وتتوقف على انقضاء العدة بعده. قال: (ولا يقبل منه إلا الإسلام)؛ لظاهر الآية. قال: (وفي قول: أو دينه الأول)؛ لأنه كان مقرًا عليه، فنأمره بالإسلام فإن أبى ورجع إلى الأول .. ترك، لا أنا نخيره بينهما. وقيل: يجوز أن يدعى إلى أحدهما، ولا يكون ذلك أمرًا بالكفر، بل إجبار على حكم الله تعالى كالدعاء إلى الإسلام أو الجزية، فإن أبى الإسلام على الأول أو الإسلام وما كان عليه على الثاني .. فالأشبه في (الروضة) و (أصلها): أنه يلحق بالمأمن. وقيل: يقتل في الحال كالمسلم يرتد، وقال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه .. فاقتلوه) وصححه في (الذخائر)، وجزم به الماوردي في (السرقة) وقواه الشيخ.

وَلَوْ تَوَثَّنَ .. لَمْ يُقَرَّ، وَفِيمَا يُقْبَلُ الْقَوْلاَنِ. وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ .. لَمْ يُقَرَّ، وَيَتَعَيَّنُ الإِسْلاَمُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ. وَلاَ تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لأَحَدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو توثن .. لم يقر) هذا لا خلاف فيه؛ لأن أهله لا يقرون عليه، سواء كان المتوثن يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا. قال: (وفيما يقبل القولان): أحدهما: الإسلام وهو الصحيح؛ لأن فضيلة الدين الذي كان عليه قد بطلت بالانتقال عنه فلا يرجع إليه، والذي انتقل إليه لا يمكن التقرير عليه فلم يبق إلا الإسلام. والثاني: الإسلام أو الدين الذي كان عليه، وهنا قول ثالث: إنه يقنع منه بالإنتقال إلى دين يساوي الأول الذي انتقل عنه كما لو كان يهوديًا فتنصر الآن، أو نصرانيًا فتهود الآن. وإذا قلنا بالأصح - وهو أنه لا يقبل منه إلا الإسلام فامتنع منه - فعلى ما اختاره الشيخ: ليس إلا السيف، وعلى ما قال الرافعي والمصنف: الأشبه أنه يبلغ المأمن. وإذا توثن مجوسي .. لم يقر على التوثن جزمًا، وفي القناعة منه بالعود إلى التمجس القولان، وقياس القول الثالث أنه يقنع منه بالتهود أو التنصر؛ لأن كلاً منهما خير من التمجس، قاله الرافعي تفقهًا، وجزم به في (الروضة). قال: (ولو تهود وثني أو تنصر .. لم يقر)؛ لأنه دخل فيه بعد التبديل والنسخ. قال: (ويتعين الإسلام كمسلم ارتد)؛ لأنه كان غير مقرر فلم يزدد بالانتقال تقريرًا وتشبيهه بالانتقال ناطق بأنه إذا امتنع من الإسلام بعد الاستتابة .. قتل في الحال. قال: (ولا تحل مرتدة لأحد) لا لمسلم؛ لأنها كافرة غير مقرة، ولا لكافر؛ لبقاء علقة الإسلام فيها، ولأنها أسوأ حالاً من الوثنية؛ لعدم تقريرها على دينها،

وَلَوِ ارْتَدَّ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ .. تَنجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ .. وُقِفَتْ؛ فَإِنْ جَمَعَهُمَا الإِسْلاَمُ فِي الْعِدَّةِ .. دَامَ النِّكَاحُ، وَإِلاَّ .. فَالْفُرْقَةُ مِنَ الرِّدَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من علل ذلك بأن القصد من النكاح الدوام، وهذه العلة يرد عليها من تحتم قتله؛ فإن نكاحه يصح. قال: (ولو ارتد زوجان أو أحدهما قبل دخول .. تنجزت الفرقة)؛ لأنه انتقال من دين إلى دين يمنع ابتداء النكاح، فأشبه إسلام أحد الزوجين غير الذميين، ولا فرق بين أن يرتدا معًا أو أحدهما قبل الدخول. وردة السكران كردة المفيق، وردة المغلوب على عقله بغير السكر لا تفسخ نكاحًا. قال: (أو بعده .. وقفت؛ فإن جمعهما الإسلام في العدة .. دام النكاح، وإلا فالفرقة من الردة)؛ لأنه اختلاف دين طرأ بعد المسيس فلا يوجب الفسخ في الحال كإسلام أحد الزوجين الكافرين. وحكى ابن المنذر عن مالك وأبي حنيفة الانفساخ بمجرد الردة. قال الشيخ: والذي يقتضيه الدليل عدم الانفساخ ولو بعد العدة؛ فقد ارتد خلق في خلافة الصديق رضي الله عنه، وعادوا إلى الإسلام ونساؤهم معهم ولم ينقل أن أحدًا منهم أمر بتجديد النكاح، ولا استفصل النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه أحدًا ارتد وعاد إلى الإسلام هل عاد بعد انقضاء العدة أو قبلها، لا جرم قال داوود: لا يقطع الارتداد النكاح مطلقًا، لكن رد عليه الأصحاب بقوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وهذه كافرة، ولأن المسلمة لا تقر على نكاح الذمي، فلأن لا يجوز تقريرها على نكاح المرتد أولى. فرع: هرب الزوج المرتد واعتدت المرأة فجاء مسلمًا وادعى أن إسلامه كان قبل إتيانه

وَيَحْرُمُ الْوطْءُ فِي التَّوَقُّفِ وَلاَ حَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بشهر، وذلك الوقت قبل مضي عدة زوجته وقد انقضت عدتها، فأنكرت إسلامه إلا في وقت خرجت فيه من العدة .. فالقول قولها مع يمينها، وعليه البينة، نقله البيهقي في (المبسوط) عن (النص). قال: (ويحرم الوطء في التوقف)؛ لاحتمال انقضاء العدة قبل اجتماعهما في الإسلام. قال: (ولا حد)؛ لأنه يدرأ بالشبهة، وتجب العدة، وهما عدتان من شخص واحد، فهو كما لو طلق امرأته ثم وطئها في العدة، واجتماعهما في الإسلام هنا بمثابة الرجعة هناك، يستمر النكاح إذا جمعهما الإسلام في الحالات التي يحكم فيها بثيوت الرجعة هناك. تتمة: إذا طلقها في زمن التوقف أو ظاهر منها أو آلى .. توقفنا، فإن جمعهما الإسلام قبل انقضائها .. تبينا صحتها، وإلا .. فلا، وليس للزوج أن ينكح أختها ولا أربعًا سواها في زمن التوقف، ولا أن ينكح أمة؛ لاحتمال إسلامها. ولو طلقها ثلاثًا في مدة التوقف أو خالعها .. جاز له ذلك؛ لأنها إن لم تعد إلى الإسلام .. فقد بانت بالردة، وإلا .. فبالطلاق أو الخلع. * ... * ... * خاتمة في (فتاوى القفال): إذا قال لامرأته: يا كافرة، فإن أراد شتمها .. لم تبن منه، وإن لم يكن على وجه الشتم ونوى فراقه منها لأنها كافرة .. بانت منه، كذا قاله، وفيه نظر. وفي (الشرح) و (الروضة) قبيل (الصداق) عن (فتاوى البغوي): أنه إذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان تحته مسلمة وذمية لم يدخل بهما فقال للذمية: أسلمت وللمسلمة تنصرت، فأنكرتا، فإن كان قبل الدخول .. ارتفع نكاحهما بزعم الزوج؛ لأن المسلمة بزعمه مرتدة، والذمية بإنكارها الإسلام كذلك، فإن صدقتاه وقالت المسلمة: عدت إلى الإسلام .. استمر النكاح بعد الدخول والله أعلم.

بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَسْلَمَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ .. دَامَ نِكَاحُهُ، أَوْ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ فَتَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ .. تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ وَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ .. دَامَ النِّكَاحُ، وَإِلاَّ .. فَالْفُرْقَةُ مِنْ إِسْلاَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب نكاح المشرك (المشرك): الكافر على أي ملة كان، وهو المراد هنا، فكل مشرك كافر، وكل كافر مشرك. وقد يطلق المشرك على الكافر الذي ليس بكتابي، فيكون أخص من الكافر، ومنه قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ وَالْمُشْرِكِينَ}. قال: (أسلم كتابي أو غيره وتحته كتابية .. دام نكاحه) بالإجماع، ولأنه يجوز له نكاح الكتابية في الإسلام ابتداء فدوامه أولى، سواء أسلم استقلالاً أو تبعًا، ولا فرق بين اليهودي والنصراني والمجوسي والوثني. قال: (أو وثنية أو مجوسية فتخلفت قبل دخول .. تنجزت الفرقة) المراد: إذا أسلم وتحته مجوسية أو وثنية أو غيرهما ممن لا يجوز نكاحها من الكافرات وتخلفت هي، فإن كان قبل المسيس .. تنجزت الفرقة؛ إذ لا عدة، فتصير كما لو تأخر إسلام المدخول بها حتى انقضت عدتها. قال: (أو بعده وأسلمت في العدة .. دام النكاح)؛ لاجتماعهما على الإسلام في العدة. قال: (وإلا .. فالفرقة من إسلامه) قال الشافعي: لا نعلم في ذلك خلافًا، وقال

وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَأَصَرَّ .. فَكَعَكْسِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَا مَعاً .. دَامَ النِّكَاحُ، وَالْمَعِيَّةُ بِآخِرِ اللَّفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن شبرمة: إن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة الآخر .. فهي امرأته، وإن أسلم بعد انقضاء العدة .. فلا نكاح بينهما، كذا أورده صاحب (المهذب) وغيره. قال في (المطلب): ولا يحضرني من خرجه، ورواه في (الكفاية) عن عبد الله سمرة، وهذه الفرقة فرقة فسخ لا طلاق. قال: (ولو أسلمت وأصر .. فكعكسه) إن كان قبل الدخول .. تنجزت الفرقة، حكى ابن المنذر فيه الإجماع، أو بعده وأسلم في العدة .. دام النكاح، وإلا .. فالفرقة من إسلامها، ولا فرق هنا بين الكتابي وغيره، ولهذا لم يقيده بخلاف الزوجة. قال: (ولو أسلما معًا .. دام النكاح) على أي كفر كانا، سواء بعد الدخول أو قبله، حكى ابن المنذر وابن عبد البر فيه الإجماع. وروى أحمد وأبو داوود والترمذي: أن رجلاً جاء مسلمًا، ثم جاءت امرأته مسلمة، فقال: يا رسول الله؛ إنها أسلمت معي، فردها عليه صلى الله عليه وسلم. قال: (والمعية بآخر اللفظ) أي: بآخر كلمة الإسلام؛ لأن بها يحصل الإسلام، وإذا طلقها زمن التوقف في العدة .. فهو موقوف، ومثله الظهار والإيلاء، وإن قذفها .. وقف إسقاط الحد أو التعزيز باللعان، ولو نكح أختها المسلمة أو أربعًا سواها .. لم يصح، وقيل بقولي وقف العقود. وإن وطئها في العدة ولم يسلم الثاني .. وجب المهر، وإن أسلم .. فالأصح: لا يجب، هذا ملخص مذهب الشافعي، وهو أظهر الروايتين عن أحمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك: إن سبق الرجل .. عرض عليها الإسلام في الحال، فإن أسلمت .. استمر النكاح، وإلا .. انفسخ، وساعدنا فيما إذا سبقت المرأة إلى الإسلام. وعند أبي حنيفة: إذا أسلم أحدهما وهما في دار الإسلام .. يعرض الإسلام ثلاثًا على المتخلف منهما، فإن أبى .. فرق بينهما، وتكون الفرقة طلاقًا إن كان الإباء من الزوج، وفسخًا إن كان من الزوجة، وإن كانا في دار الحرب .. وقف إلى انقضاء ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، فإن لم يجتمعا في الإسلام حتى انقضت .. حصلت الفرقة، وتستأنف العدة إن كانت مدخولاً بها. وإذا دخل الذي أسلم منهما دار الإسلام والمتخلف في دار الحرب .. حصلت الفرقة في الحال؛ لاختلاف الدارين، وكذا لو كانا في دار الإسلام فالتحق الكافر بدار الحرب، قال: وكذلك لو التحق الذمي بدار الحرب ناقضًا للعهد وامرأته في دار الإسلام .. حصلت الفرقة بينهما. وكذلك لو كان الزوجان في دار الحرب فدخل الزوج دار الإسلام وعقد الذمة لنفسه والمرأة في دار الحرب .. تحصل الفرقة بينهما، ولا فرق عنده بين ما قبل المسيس وما بعده. واحتج أصحابنا على مالك بالقياس على إسلام الزوجة، وعلى أبي حنيفة بأن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما يمر الظهران - وهي معسكر المسلمين - وامرأتاهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمكة، وهي يومئذ دار حرب، ثم أسلمتا من بعد وأقر النكاح، رواه الشافعي عن جماعة من أهل العلم وأهل المغازي وغيرهم. وروى مالك عن ابن شهاب: أنه بلغه أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل هربا كافرين إلى الساحل حين فتحت مكة، وأسلمت امرأتاهما بمكة وأخذتا الأمان لزوجيهما، فقدما بعد نحو شهر وأسلما، فرد النبي صلى الله عليه وسلم امرأتيهما إليهما. واحتجت الحنفية بحديث زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها هاجرت وتخلف زوجها أبو العاصي بن الربيع كافرًا بمكة ثم أسلم فردها عليه بنكاح جديد، فدل على وقوع الفرقة بينهما. والجواب: أن في سنده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، وقيل: إنه لم يسمع من عمرو بن شعيب. وروي: أنه ردها إليه بالنكاح الأول، وهذه رواية ابن عباس، وهي الصحيحة، وتكلم الترمذي فيها؛ لأنها أشكلت عليه وقال: لعلها من قبل حفظ داوود بن الحصين، وقيل في توجيهه: إنها لما هاجرت .. لم ينقطع النكاح، ولم يكن موقوفًا على انقضاء العدة؛ لأن ذلك الحكم لم يكن شرع حتى نزلت آية تحريم المسلمات على المشركين بعد صلح الحديبية، فلما نزلت الآية .. توقف نكاحها على انقضاء عدتها، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى جاء أبو العاص وأظهر إسلامه، فلم يكن بين توقف نكاحها على انقضاء العدة وبين إسلامه إلا اليسير وإن كان بين ذلك وهجرتها ست سنين، هذا هو الصواب. ومنهم من تأوله على أنه سبب النكاح الأول، ولا حاجة إلى هذا التأويل مع ما تقرر.

وَحَيْثُ أَدَمْنَا .. لاَ تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْعَقْدِ لِمُفْسِدٍ هُوَ زَائِلٌ عِنْدَ الإِسْلاَمِ وَكَانَتْ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الآنَ. وَإِنْ بَقِيَ الْمُفْسِدُ .. فَلاَ نِكَاحَ؛ فَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحٍ بِلاَ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ، وَفِي عِدَّةٍ هِيَ مُنْقَضِيةٌ عِنْدَ الإِسْلاَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحيث أدمنا .. لا تضر مقارنة العقد لمفسد هو زائل عند الإسلام وكانت بحيث تحل له الآن)؛ تنزيلاً لحال الإسلام منزلة ابتداء العقد عليها؛ لئلا يخلو العقد عن شرطه في الحالتين جميعًا. قال ابن عبد البر: ولأن عامة الصحابة أسلموا بعد التزويج وأقروا على النكاح الأول، ولم تعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام، وهذا إجماع. قال (وإن بقي المفسد .. فلا نكاح)؛ لأنه لا يجوز له ابتداء نكاحها الآن فلا تقرير، بل يندفع النكاح. قال: (فيقر على نكاح بلا ولي وشهود) لما ذكر ضابطًا لما يدوم وما لا يدوم .. خرج عليه مسائل: منها: التقرير على النكاح الذي وقع في الشرك بلا ولي ولا شهود، ولا يعرف فيه خلاف إلا عن زفر؛ فإنه قال: إذا أسلموا .. لا يقرون عليه، وجمهور العلماء على خلافه؛ لأن كون العقد وقع كذلك أمر قد مضى، والمرأة مضى عليها ما سميت به زوجة عندهم، وهي الآن بحالة يحل له ابتداء العقد عليها، وهذا كاف في الإدامة، وكذلك الحكم لو قهر حربي حربية على الوطء أو طاوعته ثم أسلما واعتقدا ذلك نكاحًا، وقال القفال: لا يقران عليه؛ إذ لا أقل من صورة العقد. قال: (وفي عدة هي منقضية عند الإسلام)؛ لانتفاء المانع، وكذا لو أجبر البكر غير الأب والجد كما صرح به في (المحرر)، أو أجبرت الثيب. وضابطه: أن يكون الآن بحيث يجوز له ابتداء نكاحها، وتقدم لها ما تسمى به زوجة عندهم.

وَمُؤَقَّتٍ إِنِ اعْتَقَدُوهُ مُؤَبَّدًا، وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الإِسْلاَمَ عِدَّةُ شُبْهَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بـ (المنقضية) عن الباقية فلا تقرير؛ لبقاء المفسد، وصرح بها في (المحرر)، وخصه في (الرقم) بعدة النكاح وقال: إذا نكح معتدة عن شبهة ثم أسلما والعدة باقية .. يقران على النكاح؛ لأن الإسلام لا يمنع دوام النكاح. قال الرافعي: ولم يتعرض لهذا الفرق أكثرهم، والإطلاق يوافق اعتبار التقرير بالابتداء، يعني فيكون الأصح في عدة الشبهة إذا لم تكن مقتضية عدم التقرير، وبذلك يصح إطلاق (المنهاج)، والعمل بعموم منطوقه ومفهومه في الطرفين، وكلام المصنف فيما بعده يفهمه. قال: (ومؤقت إن اعتقدوه مؤبدًا)؛ لأن مقصود النكاح الدوام، فإن اعتقدوه مؤقتًا .. فلا يقر، سواء أسلما بعد تمام المدة أو قبلها؛ لأن بعد المدة لا نكاح في اعتقادهم، وقبلها يعتقدونه مؤقتًا، ومثل ذلك لا يبتدأ في الإسلام. قال: (وكذا لو قارن الإسلام عدة شبهة على المذهب) وإن كان لا يجوز نكاح المعتدة؛ لأن عدة الشبهة لا تقطع نكاح المسلم، فغيره أولى. وصورة المسألة: أن تطرأ عدة الشبهة بعد العقد؛ لأنه تقدم أنها إذا كانت مقارنة للعقد والإسلام .. لا تقر، والأصح هنا التقرير، فهذه غير تلك.

لاَ نِكَاحُ مَحْرَمٍ. وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَحْرَمَ أَسْلَمَتْ وَهُوَ مُحْرِمٌ .. أُقِرَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يندفع النكاح في هذه أيضًا كما لا يجوز ابتداء نكاح المعتدة، ونسب هذا إلى القفال. قال: (لا نكاح محرم) سواء كان من نسب أو رضاع أو مصاهرة؛ فإنه لا يقر عليه بالإجماع، وإطلاق المصنف يقتضي أنا نقرهم إذا اقتضى شرعنا تقريرهم وإن اعتقدوه فاسدًا، وهذا هو الصحيح ولا مبالاة باعتقادهم الفساد؛ لأنه لا حكم له، وإنما الرخصة في نكاح اعتقدوا صحته والإسلام لا يجيزه للمسلمين، فنقرهم عليه رفقًا بهم وترغيبًا لهم في الإسلام. قال: (ولو أسلم ثم أحرم ثم أسلمت وهو محرم .. أقر على المذهب)؛ لأن عروض الإحرام لا يؤثر كما في أنكحة المسلمين، ولأن الإمساك استدامة للنكاح فجاز مع الإحرام كالرجعة. والقول الثاني: المنع؛ إلحاقًا للدوام بالابتداء. وأشهر الطريقين: أن المسألة على قولين. والطريقة الثانية: القطع بالمنع، كما لو أسلم وتحته أمة وهو موسر لا يجوز إمساكها، فحينئذ يعترض على المصنف بتعبيره بـ (المذهب)؛ لاقتضائه ترجيح طريقة القطع، والشيخان لم ينقلاها فضلاً عن ترجيحها، إنما حكاها الإمام عن صاحب (التقريب) والصيدلاني، لكن تعبيره بـ (ثم) أحسن من تعبير الرافعي

وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً وَأَمَةً وَأَسْلَمُوا .. تَعَيَّنتِ الْحُرَّة، وَانْدَفَعَتِ الأَمَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ (الواو)؛ للتصريح ببطلان إحرامه قبل إسلامه. وأشار بقوله: (ثم أسلمت) إلى موضع الخلاف وهو ترتيبهما، فلو أسلما معًا ثم أحرم .. أقر بلا خوف، ولو قارن إحرامه إسلامها هل يقر جزمًا أو على الخلاف؟ قال الشيخ: لم أر فيه نقلاً، والأقرب الثاني. قال: (ولو نكح حرة وأمة وأسلموا) أي: الزوج والحرة والأمة (.. تعينت الحرة، واندفعت الأمة على المذهب) سواء نكحهما معًا أو مرتبًا؛ لأنها لا تجتمع معها في النكاح إعطاء للدوام حكم الابتداء، وهو مخالف لما تقدم من جواز الإمساك في العدة والإحرام الطارئين؛ لأن نكاح الأمة بدل يعدل إليه عند تعذر الحرة، والأبدال أضيق حكمًا من الأصول، فلذلك غلبنا شائبة الابتداء. ويقابل المذهب قولان بناء على أنه ابتداء أو استدامة، فتلخص أنه متى أسلم وتحته أمة أو أسلمت معه أو جمعهما الإسلام في العدة، فإن كان ممن يحل له نكاح الأمة .. أمسكها، وإلا .. اندفعت. قال: (ونكاح الكفار صحيح على الصحيح)؛ لقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}، وقوله وتعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ}. وفي (الصحيحين) وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين الزانيين) والإحصان لا يحصل بالنكاح الفاسد، ولأنهم لو ترافعوا إلينا .. لم نبطله قطعًا، ولم نفرق بينهم. وتعبير المصنف بـ (الصحة) معترض؛ فإن الصحة حكم شرعي ولم يرد به الشرع، وعبارة (الروضة) و (أصلها): محكوم له بالصحة. قال الشيخ: والتحقيق أن يقال: إن وقعت على وفق الشرع .. فصحيحه قطعًا، وإلا .. فمحكوم بصحتها رخصة إن اتصلت بالإسلام.

وَقِيلَ: فَاسِدٌ، وَقِيلَ: إِنْ أَسْلَمَ وَقُرِّرَ .. تَبَيَّنَّا صِحَّتَهُ، وإِلاَّ .. فَلاَ. فَعَلَى الصَّحِيحِ: لَوْ طَلَّقَ ثَلاَثًا ثُمَّ أَسْلَمَ .. لَمْ تَحِلَّ إِلاَّ بِمُحَلِّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: فاسد)؛ لعدم اعتنائهم بالشروط، لكن نقررهم بعد الإسلام رخصة خشية التنفير. قال: (وقيل: إن أسلم وقرر .. تبينا صحته، وإلا .. فلا) وهذا يسمى: قول الوقف، وعزي لابن الحداد والقفال والإمام؛ إذ لا يمكن القول بالصحة لمخالفتها للشرع، ولا بالفساد لأنهم يقرون عليها بعد الإسلام، فالوجه التوقف، فجملة ما في المسألة ثلاثة أوجه سماها الغزالي أقوالاً. ثم الخلاف مخصوص بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الإسلام، لا في كل عقودهم على الصواب في (الروضة)، فلو عقدوا عقدًا على وفق الشرع .. صح بلا خلاف. قال: (فعلى الصحيح: لو طلق ثلاثًا ثم أسلما .. لم تحل إلا بمحلل)؛ لظهور أثر الصحة، وإن قلنا بفسادها .. فالطلاق في النكاح الفاسد لا يحتاج إلى محلل، ثم لا فرق في هذا الحكم بين أن يعتقدوا وقوع الطلاق أم لا كما تعتقد النصارى، فلو طلقها في الشرك ثلاثًا ثم تزوجها فيه بلا محلل ثم أسلما .. رد نكاحهما على النص. ولو نكحت المطلقة في الشرك زوجًا آخر ثم أسلمت .. حلت به للأول، ولو طلق

وَمَنْ قُرِّرَتْ .. فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الإِسْلاَمِ .. فَلاَ شَيءَ لَهَا، وَإِلاَّ .. فَمَهْرُ مِثْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الشرك طلقة أو طلقتين ثم أسلما .. حسب ذلك عليه. قال: (ومن قررت .. فلها المسمى الصحيح) هذا كلام مستأنف لا تعلق له بالتفريع السابق، وجهه: أنه إذا حكم على النكاح بالصحة .. ثبت المسمى، وهذا على القول الصحيح، أما على قول الفساد .. فيحتمل أن يقال بمثل ذلك، ويحتمل وجوب مهر المثل، ويحتمل أن لا يجب شيء. قال: (وأما الفاسد كخمر، فإن قبضته قبل الإسلام .. فلا شيء لها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما قبله) سواء كانت معينة أم في الذمة؛ لانفصال الأمر بينهما وانتهاء النكاح إلى انقطاع الطلبة، سواء قبضته برضاها أم بإجبار قاضيهم. وظاهر إطلاق المصنف: جريانه في كل فاسد، وليس كذلك، فلو أصدقها حرًا مسلمًا استرقوه ثم أسلما قبل قبضه أو بعده .. لا يقر بيدها، ولها مهر المثل. قال الرافعي: وقياس ما سبق أن يخرج من يدها ولا ترجع بشيء كما تراق الخمر المقبوضة، لكن فرق صاحب (الكافي) بأن الفساد في الخمر لحق الله تعالى، وهنا لحق المسلم فلا يجوز العفو عنه، وأيضًا فإنا نقرهم في حال الكفر على الخمر دون الأسير. وألحق الشافعي رضي الله عنه في (الأم) بالأسير مكاتب المسلم وأم ولده وعبده، وبه جزم ابن يونس في (شرح التعجيز)، قال: لأن المبطل قائم، وهو يدفع إبهام الرافعي حيث اقتصر على الحر. قال: (وإلا .. فمهر مثل)؛ لأنها لم تقبضه، ولم ترض إلا بالمهر، والمطالبة بالخمر في الإسلام ممتنعة، فترجع إلى مهر المثل، ويجعل كما لو نكح على خمر. وفي قول: لا شيء لها؛ لأنها رضيت بالخمر فلا تطالب بشيء.

وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ .. فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهَرِ الْمِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن قبضت بعضه .. فلها قسط ما بقي من مهر المثل)؛ لأن الفاسد لا يجوز تسليمه، وليس كما لو كاتب الذمي عبده على عوض فاسد وقبض بعضه ثم أسلما؛ حيث يسلم المكاتب ما بقي من الفاسد؛ ليحصل العتق بالصفة، ثم يلزمه تمام قيمته، ولا يحط منها قسط المقبوض في الكفر؛ لأن العتق يتعلق بأداء آخر النجوم وقد وقع في الإسلام، فكان بمثابة ما لو كاتب المسلم على عوض فاسد .. يحصل العتق بوجود الصفة، ويجب على المكاتب القيمة والتقسيط على المسمى إذا كان جنسًا واحدًا غير متعدد كزق خمر ظاهر. فإن تعدد - كما لو أصدقها زقي خمر وقبضت أحدهما - فقيل: يعتبر العدد، وقيل: الوزن، وقيل: القدر وزنًا، وقيل: كيلاً وهو الصحيح الأقيس، أو خنزيرين .. فقيل: يعتبر العدد، والأصح: القيمة بتقدير المالية. وإن سميا جنسين فأكثر كزقي خمر وكلبين وثلاثة خنازير وقبضت جنسًا .. فقيل: ينظر إلى الأجناس، فكل جنس ثلث، وقيل: إلى الأعداد فكل واحد سبع، والأصح: إلى القيمة، وقيل: يقدر الخمر خلاً والكلب شاة والخنزير بقرة، وقيل: شاة، والأصح: تقدير المالية عند من يراها. فرع: نكحها تفويضًا، واعتقادهم أن لا مهر بحال، ثم أسلما ولو قبل المسيس .. فلا مهر؛ لسبق استحقاق وطء بلا مهر، كذا قاله الشيخان هنا، وذكرا في (الصداق) فرعًا قبل (فصل: في بيان مهر المثل) ظاهره يخالف هذا.

وَمَنِ انْدَفَعَتْ بِإِسْلاَمٍ بَعْدَ دُخُولٍ .. فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إِنْ صُحِّحَ نِكَاحُهُمْ، وَإِلاَّ .. فَمَهْرُ مِثْلٍ، أَوْ قَبْلَهُ وَصُحِّحَ، فَإِنْ كَانَ الاِنْدِفَاعُ بِإِسْلاَمِهَا .. فَلاَ شَيءَ لَهَا، أَوْ بِإِسْلاَمِهِ .. فَنِصْفُ مُسَمَّىً إِنْ كَانَ صَحِيحاً، وَإِلاَّ .. فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ. وَلَوْ تَرَافَعَ إِلَيْنَا ذِمِّيٌّ ومُسْلِمٌ .. وَجَبَ الْحُكْمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن اندفعت بإسلام بعد دخول .. فلها المسمى الصحيح إن صحح نكاحهم)؛ لاستقراره بالدخول كما لو طلقها. قال: (وإلا .. فمهر مثل)، لأجل الدخول. قال: (أو قبله) أي: قبل الدخول (وصحح، فإن كان الاندفاع بإسلامها .. فلا شيء لها)؛ لأن الفراق جاء من جهتها. والثاني: لها مهر المثل؛ لأنها محسنة بالإسلام وكان من حقه أن يوافقها، فإذا امتنع .. نسب الفراق إلى تخلفه. قال: (أو بإسلامه .. فنصف مسمىً إن كان صحيحًا، وإلا .. فنصف مهر مثل) كالطلاق قبل الدخول، فإن لم يكن مسمىً .. وجبت المتعة، أما إذا لم نصحح أنكحتهم .. فلا مهر لها؛ لأن المهر لا يجب في النكاح الفاسد بلا دخول. قال: (ولو ترافع إلينا ذمي ومسلم) أي: في نكاح غيره (.. وجب الحكم) بلا خلاف، سواء كان المسلم طالبًا أو مطلوبًا؛ لأنه لا يمكن رد المسلم إلى حاكم أهل الذمة، ولا يمكن تركهما متنازعين، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وكذا حكم المعاهد والمسلم.

أَوْ ذِمِّيَّانِ .. وَجَبَ في الأَظْهَرِ، وَنُقِرُّهُمْ عَلى مَا نُقِرُّ لَوْ أَسْلَمُوا، ونُبْطِلُ مَا لاَ نُقِرُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو ذميان .. وجب في الأظهر) وبه قال أبو حنيفة والمزني وجمهور الأصحاب؛ لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ}، ولأنه يجب الذب عنهم كالمسلمين، فوجب الحكم بينهم. والثاني - وبه قال مالك، ونسب إلى القديم -: لا يجب، لكن لا نتركهم على النزاع، بل نحكم أو نردهم إلى حاكم ملتهم؛ لقوله تعالى: {فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}، وقال ابن عباس: إنها منسوخة بالآية الأولى. وقيل: يجب الحكم في حقوق الله تعالى، والقولان في غيرها؛ لئلا تضيع، وقيل: عكسه، والأصح: طردهما في الجميع. وإن كانا مختلفي الملة كيهودي ونصراني .. وجب الحكم على المذهب؛ لأن كلاً لا يرضى بملة صاحبه، وقيل بالقولين. ولو ترافع معاهدان .. لم يجب الحكم قطعًا وإن اختلفت ملتهما؛ لأنهم لم يلتزموا حكمنا، ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض. وقيل: هما كالذميين. وقيل: إن اختلفت ملتهما .. وجب، والمذهب الأول. ولو ترافع ذمي ومعاهد .. فكالذميين، وقيل: يجب قطعًا، وإن ترافع مسلم وذمي أو معاهد .. وجب قطعًا، لكن يستثنى من إطلاقهم ما إذا ترافعوا إلينا في شرب الخمر .. فإنهم لا يحدون وإن رضوا بحكمنا؛ لأنهم لا يعتقدون تحريمه، كذا قاله الرافعي في (باب حد الزنا)، وأسقطه من (الروضة)، وقال الإمام: إنه ظاهر المذهب، وخرج فيه قول لا يعتد به. قال: (ونقرهم على ما نقر لو أسلموا، ونبطل ما لا نقر) هذا ضابط تقدمت أكثر صوره، فيقر على امرأة نكحها بلا ولي ولا شهود، وفي عدة قد انقضت عند الترافع لا على ذات عدة باقية، ولا يحكم لها بنفقة. ولو تبايعوا بيوعًا فاسدة وتقابضوا ثم تحاكموا إلينا .. لم ننقض ما فعلوا، وإن لم

فَصْلٌ: أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ .. لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ، وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتقابضوا .. نقض عليهم، وإن تحاكموا إلى حاكم لهم فألزمهم التقابض ثم ترافعوا إلى حاكمنا .. أمضى ذلك على الصحيح. تتمة: قال المتولي: لو لم يترافع المجوس إلينا ولكن علمنا فيهم من نكح محرمًا .. فالصحيح - وبه قال أبو حنيفة -: أنه لا يتعرض لهم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم عرفوا من حال المجوس أنهم ينكحون المحارم وما تعرضوا لهم. وحكى الزبيري قولاً: إن الإمام إذا عرف ذلك .. فرق بينهما، كما لو عرف أن المجوسي ينكح مسلمة أو مرتدة. قال: (فصل: أسلم وتحته أكثر من أربع وأسلمن معه أو في العدة أو كن كتابيات .. لزمه اختيار أربع) فقط (ويندفع من زاد)؛ لأن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أمسك أربعًا، وفارق سائرهن) رواه الترمذي، وصححه الحاكم وابن حبان. زاد ابن ماجه: (فلما كان زمن عمر .. طلق نساءه وقسم ماله، فقال له عمر: لترجعن في مالك وفي نسائك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال). ووقع في (الوسيط) و (النهاية): أنه ابن غيلان، والصواب: أنه غيلان بن سلمة، وفي (مختصر ابن الحاجب): ابن عيلان بالعين المهملة، وهو أكثر وهمًا. وفي (سنن أبي داوود): أن قيس بن الحارث أسلم وعنده ثمان نسوة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا منهن بنت أبي سفيان. وروى الشافعي والبيهقي عن نوفل بن معاوية أنه قال: أسلمت وتحتي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خمس نسوة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فارق واحدة وأمسك أربعًا) فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر منذ ستين سنة ففارقتها، وعاش نوفل بن معاوية مئة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية وستين في الإسلام كحكيم بن حزام وحسان بن ثابت. وفي (سنن أبي داوود) و (ابن ماجه) عن فيروز الديلمي أنه قال: أسلمت وتحتي أختان، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (اختر أيتهما شئت). وسواء عقد عليهن معًا أو مرتبًا اختار الأوائل أو الأواخر، ووجهه كما قاله الشافعي رضي الله عنه: أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل في ذلك، ولولا أن الحكم يعم الحالين .. لما أطلق، وحمل الخصوم له على الأوائل بعيد، وحملهم الإمساك على تجديد العقد أبعد؛ لمخالفته ظاهر اللفظ؛ فإن الإمساك صريح في الاستقرار، ولأنه لو كان كذلك .. لم يجعل الاختيار إليه بل إليهن؛ لافتقار النكاح لرضاهن. هذا كله في الحر، أما العبد .. فيختار اثنتين، هذا حكم الرجل، وأما المرأة إذا نكحت زوجين في الكفر ثم أسلموا .. فيأتي في خاتمة الباب. فائدة: قال ابن الجوزي: أسلم ستة من ثقيف كل على عشر نسوة، مسعود بن معتب الثقفي، ومسعود بن عمرو بن عمير، وعروة بن مسعود، وسفيان بن عبد الله، وغيلان بن سلمة، وأبو عقيل مسعود بن عامر، وأشرت إلى ذلك في (المنظومة) بقولي (من الرجز): غريبة أودعها أبو الفرج .... كتاب تلقيح فهوم من درج أسلم من ثقيف ستة نسق .... كل على عشر نساء اتسق وهم كما قد قال مسعودان .... لعمرو مع معتب فرعان أبو عقيل عروة سفيان .... وبعدهم أشهرهم غيلان

فَإِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ .. تَعَيَّنَّ. وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمٌّ وَبِنْتُهَا كِتَابِيَّتَانِ، أَوْ أَسْلَمَتَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا .. حَرُمَتَا أَبَدًا، أَوْ لاَ بِوَاحِدَةٍ .. تَعَيَّنَتِ الْبِنْتُ - وَفِي قَوْلٍ: يَتَخَيَّرُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ معجم غين وبعين لا تسم .... ولا تقل هو ابن غيلان تهم ووقع الأمران لابن الحاجب .... بخطه وكشط كل واجب قال: (فإن أسلم معه قبل الدخول أو في العدة أربع فقط .. تعين) فيقرر نكاحهن ويندفع نكاح المتخلفات؛ لتأخر إسلامهن عن إسلامه قبل الدخول وعن العدة. وابتداء عدة المفارقات تحسب من وقت اختلاف الدين على الأصح، وقيل: من الاختيار. ولو أسلم أربع ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، ثم أسلمت الأخريات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج .. اختار أربعًا من الأوليات والأخريات كيف شاء، فإن ماتت الأوليات أو بعضهن .. جاز له اختيار الميتات منهن. ولو قبل الكافر لابنه الصغير أكثر من أربع نسوة ثم أسلم وأسلمن معه .. اندفع نكاح الزائدات على أربع، لكن الصبي ليس من أهل الاختيار، والولي لا يقوم مقامه فيه، فإن سبيله التشهي، فيوقف إلى أن يبلغ، وتكون نفقتهن في ماله؛ لأنهن محبوسات لأجله، وكذا لو أسلم الرجل وجن قبل أن يختار. قال: (وإن أسلم وتحته أم وبنتها كتابيتان، أو أسلمتا، فإن دخل بهما .. حرمتا أبدًا) البنت بالدخول والأم بالعقد على البنت إن صححنا أنكحتهم، وإلا .. فبالدخول بها، ولكل منهما المسمى الصحيح إن صححنا أنكحتهم، وإلا .. فمهر المثل. قال: (أو لا بواحدة .. تعينت البنت) ويندفع نكاح الأم؛ لأن نكاح البنت يدفع نكاح الأم ولا عكس. قال: (وفي قول: يتخير) كما لو أسلم وتحته أختان، فإن اختار البنت .. استقرت وحرمت الأم مؤيدًا، وإن اختار الأم .. لم يتأبد تحريم البنت حتى يدخل بالأم، فإن فارقها قبل الدخول .. فله نكاح البنت، والخلاف مبني على صحة

أَوْ بِالْبِنْتِ .. تَعَيَّنَتْ، أَوْ بِالأُمِّ .. حَرُمَتَا أَبَدًا، وَفِي قَوْلٍ: تَبْقَى الأُمُ. أَوْ تَحْتَهُ أَمَةٌ وَأَسْلَمَتْ أَوْ فِي الْعِدَّةِ .. أُقِرَّ إِنْ حَلَّتْ لَهُ الأَمَةُ، فَإِنْ تَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ .. تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنكحتهم وفسادها، إن صححنا .. تعينت البنت، وإلا .. تخير، ومن الأصحاب من بناه على أن الاختيار ابتداء أو استدامة. وإنما صوروا المسألة في الكتابيتين؛ لأن فيما عداهم يرتفع النكاح باختلاف الدين؛ لوقوعه قبل المسيس. قال: (أو بالبنت .. تعينت)؛ لأنه لم يدخل بأمها، والعقد عليها لا يحرم البنت، ويحرم نكاح الأم على التأييد؛ لأنها حرمت بالدخول بالبنت، والعقد عليها أيضًا إن قلنا بصحة أنكحتهم، ولا مهر لها عند ابن الحداد، ولها نصفه عند القفال إن صححنا أنكحتهم. قال: (أو بالأم .. حرمتا أبدًا) البنت بالدخول بالأم والأم بالعقد على البنت، هذا على القول بالصحة، وللأم مهر المثل بالدخول، قاله البغوي، قال في (المطلب): ويشبه أن يكون بناه على قول الوقف، أما إذا قلنا بالصحة .. فيظهر أن يكون لها المسمى إن كان صحيحًا؛ لحدوث البطلان بعد استقراره بالدخول. قال: (وفي قول: تبقى الأم) فله إمساكها؛ إذ لا مفسد لها بخلاف البنت للدخول بالأم، وهذا تفريع على قولي الوقف والفساد. قال: (أو تحته أمة وأسلمت معه أو في العدة .. أقر إن حلت له الأمة) كأن كان عبدًا أو حرًا معسرًا خاشيًا للعنت؛ لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها فيقر عليها، ولا يقر إن لم تحل له الأمة. قال: (فإن تخلفت قبل دخول .. تنجزت الفرقة) كتابية كانت أو غيرها؛ لأنها تبين بالتخلف كالحرة إذا تخلفت؛ إذ نكاح الأمة الكتابية غير جائز للمسلم، أما إذا عتقت في العدة .. فإنه يستمر. قال الماوردي: ولو أسلم من تحل له الأمة على أمة فطلقها طلاقًا رجعيًا ثم أيسر قبل انقضاء عدتها .. فله أن يراجعها بالاتفاق؛ لأن الرجعية زوجة.

أَوْ إِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ .. اخْتَارَ أَمَةً إِنْ حَلَّتْ لَهُ اجْتِمَاعِ إِسْلاَمِهِ وَإِسْلاَمِهِنَّ، وَإِلاَّ .. انْدَفَعْنَ. أَوْ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ .. تَعَيَّنَتْ وَانْدَفَعْنَ، وَإِنْ أَصَرَّتْ فَأنْقَضَتْ عِدَّتُهَا .. اخْتَارَ أَمَةً، وَلَوْ أَسْلَمتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ .. فَكَحَرَائِرَ؛ فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو إماء وأسلمن معه أو في العدة .. اختار أمة إن حلت له عند اجتماع إسلامه وإسلامهن) أشار إلى مسألتين: إحداهما: إذا أسلم ومعه إماء .. فلا يختار إلا واحدة بلا خلاف إن كان حرًا، فإن كان عبدًا .. فله أن يختار اثنتين؛ لأن له أن يبتدىء نكاحهما. الثانية: أن يسبق إسلامه إسلامهن أو بالعكس، والحال أنهما بعد الدخول، ثم يجتمعا في حال العدة، والحكم كما تقدم في الأمة الواحدة. ولو أسلم وتحته ثلاث فأسلمت معه واحدة وهو معسر خائف من العنت، ثم أسلمت الثانية في عدتها وهو موسر، ثم أسلمت الثالثة وهو معسر خائف .. فيندفع نكاح الثانية؛ لفقدان الشرط عند اجتماع إسلامها وإسلامه، ويتخير بين الأولى والثالثة. قال: (وإلا .. اندفعن) يعني: إذا لم يسلمن .. فإنه لا يختار منهن شيئًا؛ إذ نكاح الأمة الكتابية ممتنع. قال: (أو حرة وإماء وأسلمن معه أو في العدة .. تعينت واندفعن)؛ لفوات شرط التقرير، سواء أسلم الإماء قبلها أو بعدها، أو بين إسلام الزوج والحرة؛ لأن القدرة على الحرة يمنع اختيار الأمة. قال: (وإن أصرت وانقضت عدتها .. اختار أمة)؛ إذ ظهر أنها بانت باختلاف الدين، فصار كما لو لم يكن في نكاحه حرة. قال: (ولو أسلمت وعتقن ثم أسلمن في العدة .. فكحرائر؛ فيختار أربعًا)؛ لأنهن التحقن بالحرائر الأصليات في العدة.

وَالاِخْتِيَارُ: اخْتَرْتُكِ، أَوْ قَرَّرْتُ نِكاحَكِ، أَوْ أَمْسَكْتُكِ، أَوْ ثَبَّتُّكِ. وَالطَّلاَقُ اخْتِيَارٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والاختيار: اخترتك، أو قررت نكاحك، أو أمسكتك، أو ثبتك)؛ لمجيء لفظ الاختيار والإمساك في الحديث، والباقي في معناه، وكذلك: قررت عقدك أو أمسكت نكاحك أو حبستك على النكاح. ولو قال لأربع: أريدكن، ولأربع: لا أريدكن .. قال المتولي: يحصل التعيين بذلك، قال الرافعي: وقياس ما سبق حصول التعيين بمجرد قوله: أريدكن. وسكت المصنف عن ألفاظ الفسخ، قال الماوردي: ويصح بالصريح كفسخت نكاحها أو رفعته أو أزلته، وبالكناية كصرفتها أو أبعدتها، قال: والفسخ يجري مجرى الطلاق، فلهذا صح بالكناية. قال: (والطلاق اختيار)؛ لتوقف وقوعه على ثبوت النكاح، هذا في الطلاق المنجز، أما إذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق .. ففي وجه: لا يجوز؛ لأن الطلاق اختيار للنكاح، وتعليق الاختيار ممتنع. والأصح: الجواز؛ تغليبًا للطلاق، والاختيار يحصل ضمنًا. وإذا كان تحته ثمان وطلق أربعًا .. انقطع نكاحهن بالطلاق، واندفع نكاح الباقيات بالشرع. ولو قال لواحدة: فسخت نكاحك، فإن أراد به الطلاق .. فهو اختيار للنكاح، وإن أراد به الفراق بلا طلاق أو أطلق .. فهو اختيار للفراق.

لاَ الظِّهَارُ وَالإِيلاَءُ فِي الأَصَحِّ. وَلاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ وَلاَ فَسْخٍ. وَلَوْ حَصَرَ الاِخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ .. انْدَفَعَ مَنْ زَادَ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا الظهار والإيلاء في الأصح)؛ لأن الظهار وصف بالتحريم، والإيلاء حلف على امتناع من الوطء، وكل منهما بالأجنبية أليق منه بالزوجة. والثاني: أنهما تعيين للنكاح؛ لأنهما تصرفان مخصوصان بالنكاح فأشبها الطلاق. قال: (ولا يصح تعليق اختيار ولا فسخ)؛ لأن الاختيار عبارة عن ميل القلب وشهوته، وذلك لا يقبل التعليق؛ لأنه قد يوجد وقد لا يوجد، وقد يدوم وقد لا يدوم، ولهذا لما كان شرط البيع الرضا .. لم يصح تعليقه، ويطل بيع الحصاة والمنابذة والملامسة. وحكى أبو الفرج السرخسي وجهًا: أن تعليق الاختيار والفسخ يجوز تشبيهًا بالطلاق؛ فإن كل واحد منهما سبب الفراق، والصحيح الأول. فرع: الصحيح: أن الوطء لا يكون اختيارًا؛ لأن الاختيار في هذا الباب إما ابتداء نكاح أو استدامة، وكلاهما لا يصح إلا بالقول كالرجعة، فإذا وطىء وجعلناها اختيارًا .. كان مختارًا للأوليات، وعليه المهر للبواقي، وإن لم نجعله اختيارًا .. اختار أربعًا، ويغرم المهر للباقيات. قال: (ولو حصر الاختيار في خمس .. اندفع من زاد)؛ لأنه يزول به بعض الإبهام، كما لو أبهم الطلاق بين أربع نسوة ثم قال: التي أردتها بالطلاق إحدى هاتين .. فإنه تتعين به الأخريات للزوجية وإن لم يحصل به تعيين المطلقة.

وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَنَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَخْتَارَ، فَإِنْ تَرَكَ الاِخْتِيَارَ .. حُبِسَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ .. اعتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ، وذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعليه التعيين)؛ لئلا يمسك أكثر من أربع، ولدفع الضرر عنهن؛ فإن كلاً تعلم أنها منكوحة أو مفارقة. قال: (ونفقتهن حتى يختار)؛ لأنهن في حبسه. قال: (فإن ترك الاختيار .. حبس)؛ لأنه حق واجب عليه امتنع منه بعد المطالبة فيحبس كغيره من الحقوق، فإن أصر ولم يغن فيه الحبس .. عزز بما يراه الإمام من ضرب وغيره. وعن ابن أبي هريرة: لا يضم الحبس إلى الضرب، ولكن يشدد عليه الحبس، والمنصوص خلافه. كل هذا بعد إمهاله مدة النظر وهي ثلاثة أيام فما دونها، وإنما لم يطلق عليه كالمولى؛ لأنه خيار تشهٍّ، ولهذا لا يوكل به، ولا يتولاه ولي ولا وارث. قال: (فإن مات قبله) أي: قبل الاختيار (.. اعتدت حامل به) أي: بوضع حملها؛ لعموم: {وَأُوْلتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، ولأنها إن كانت زوجة .. فهي عدة وفاة، وإن كانت مفارقة .. فهي عدة فراق. قال: (وذات أشهر وغير مدخول بها بأربعة أشهر وعشر)؛ لأن كلاً منهن إن كانت زوجة .. فعدتها ذلك، وإن لم تكن زوجة .. فالمدخول بها عدتها ثلاثة أشهر، وغير المدخول بها لا عدة عليها، فبمضي أربعة أشهر وعشر يقطع بالبراءة.

وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالأَكْثَرِ مِنَ الأَقْرَاءِ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وذات أقراء بالأكثر من الأقراء وأربعة أشهر وعشر)؛ لأنها إن كانت زوجة .. فعليها أربعة أشهر وعشر، وإن لم تكن زوجة .. فعليها ثلاثة أقراء، فأوجبنا أقصى الأجلين؛ احتياطًا واستصحابًا للحرمة حتى يتحقق المبيح. قال: (ويوقف نصيب زوجات حتى يصطلحن)؛ لأنا نعلم أن فيهن أربع زوجات، وقد جهلنا عينهن، فوجب التوقف، فيوقف الربع أو الثمن عائلاً أو غير عائل. وقال ابن سريج: لا يوقف، ويوزع عليهن، لأن البيان غير متوقع، وكلهن معترفات بالإشكال وعدم المزية، ومال إليه الإمام. وإطلاق المصنف يقتضي: أنه لا فرق بين أن يصطلحن على التساوي أو التفاضل، وهو كذلك؛ لأن الحق لا يعدوهن، لكن تستثنى مسألتان: إحداهما: لو كان فيهن محجور عليها .. فلا يجوز لوليها أن يصالح على أقل مما في يدها، وقيل: لا ينقص عن الربع. والثانية: الصلح بالتفاوت على غير التركة؛ فإنه لا يجوز كما قاله الرافعي في (باب الصلح). تتمة: محل ما ذكره المصنف إذا علمنا استحقاق الإرث، فلو أسلم على ثمان كتابيات، فأسلم معه منهن أربع .. فالأصح: أنه لا يوقف شيء، بل تقسم التركة بين غيرهن من الورثة؛ لأن استحقاق الزوجات غير معلوم، ووجه مقابله: أن استحقاق غيرهن غير معلوم، قال الرافعي: وهو قريب من القياس.

فَصْلٌ: أَسْلَمَا معًا .. اسْتَمَرَّتِ النَّفَقَةُ. وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ .. فَلاَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا .. لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ فِي الْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: المختار المقيس هو الأول؛ لأن سبب الإرث في سائر الورثة موجود، وشككنا في المزاحم والأصل عدمه، وإرث الزوجات لم نتحققه والأصل عدمه، ويجري الوجهان فيما لو كان تحته مسلمة وكتابية فقال: إحداكما طالق، ومات قبل البيان. قال: (فصل: أسلما معًا .. استمرت النفقة)؛ لدوام النكاح والتمكين، ومراده استمرار الأمر على ما كان عليه، فإذا كانت النفقة واجبة .. استمرت. قال: (ولو أسلم وأصرت حتى انقضت العدة .. فلا)؛ لأنها ناشز بالتخلف ممتنعة من التمكين فلا نفقة لها على كل تقدير، هذا في الوثنية كما قاله في (المحرر)، وأما الكتابية .. فلها النفقة قطعًا. قال: (وإن أسلمت فيها .. لم تستحق لمدة التخلف في الجديد)؛ لإساءتها بالتخلف والامتناع عما هو فرض عليها. والقديم: تستحقها؛ لأنها ما أحدثت شيئًا، والزوج هو الذي أسلم، وتبينا بالآخرة أنها كانت زوجة، كذا أطلقه الأصحاب، ولم يفصلوا بين أن يكون التخلف لعذر أم لا. وينبغي إذا تخلفت لصغر أو جنون أو إغماء ثم أسلمت عقب زوال المانع .. أن تستحق، وتعليلهم يرشد إليه.

وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوَّلاً فَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَصَرَّ .. فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا ارْتَدَّتْ .. فَلاَ نَفَقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قلنا بالجديد فاختلفا فقال: أسلمت اليوم، فقالت: من عشرة أيام .. فالقول قوله؛ لأن الأصل استمرار كفرها وبراءة ذمته عن النفقة. ولو اختلفا في سبق الإسلام فقال الزوج: أسلمت أولاً فلا نفقة لك، وقالت: بل أسلمت أولاً .. فوجهان: أصحهما: أنها المصدقة؛ لأن النفقة كانت واجبة وهو يدعي مسقطًا، فأشبه ما إذا ادعى عليها النشوز وهي تنكره. والثاني: القول قوله؛ لأن الأصل براءة ذمته. قال: (ولو أسلمت أولاً فأسلم في العدة أو أصر .. فلها نفقة العدة على الصحيح)؛ لأنها أدت فرضها فلا تسقط به نفقتها كما لو صامت شهر رمضان. وفي قول أو وجه: لا نفقة لها؛ لأنها التي أحدثت المانع من الاستمتاع، ومال إليه الإمام والغزالي. وفرق المتولي بين هذه وبين ما إذا سبقت إلى الإسلام قبل الدخول، حيث يسقط المهر وإن كانت محسنة بالإسلام بأن المهر عوض العقد، والعوض يسقط بتفويت العاقد المعقود عليه وإن كان معذورًا كما إذا باع طعامًا ثم أكله وهو مضطر إليه، والنفقة في مقابلة التمكين، وإنما يسقط بالتعدي، ولا عدوان من جهتها. قال: (وإذا ارتدت .. فلا نفقة)؛ لإساءتها ونشوزها، والمراد: لا نفقة لها في زمن ردتها وإن أسلمت في أثناء العدة، وسيأتي في (النفقات): أنها لو ارتدت فغاب الزوج فأسلمت في غيبته .. عادت نفقتها، بخلاف ما إذا نشزت ثم تابت في غيبته .. فالكلام هناك في عودة النفقة واستمرارها، وهنا في نفقتها زمن الردة وهي غير مستحقة لنشوزها.

وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنِ ارْتَدَّ .. فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن أسلمت في العدة) أي: لا فرق في سقوط نفقتها مدة الردة بين أن تعود إلى الإسلام في العدة أو لا. قال: (وإن ارتد .. فلها نفقة العدة)؛ لأنها ممكنة والمانع منه. تتمة: إذا ارتدا معًا .. قال البغوي: لا نفقة لها، قال الرافعي: ويشبه أن يجيء فيه وجهان كتشطير المهر بردتهما قبل الدخول .. ففي وجه: يجب نصف المهر كما لو ارتد الزوج، وفي وجه: لا يجب شيء كما لو ارتدت هي. وفرق ابن الرفعة بأن المهر كان ثابتًا بالعقد والأصل بقاؤه، فلذلك يشطر ولا كذلك النفقة؛ فإن الكلام فيها في المستقبل، والأصل: عدم الوجوب بالعقد فسقطت. * ... * ... * خاتمة نكحت في الكفر زوجين ثم أسلموا، فإن ترتب النكاحان .. فهي للأول، فإن مات الأول ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون جواز التزويج بزوجين .. ففي جواز التقرير وجهان، قال في زوائد (الروضة): ينبغي أن يكون أصحهما: التقرير، وإن وقع النكاحان معًا .. لم تقر مع واحد منهما، سواء اعتقدوا جوازه أم لا، وفيما إذا اعتقدوا جوازه وجه: أن المرأة تختار أحدهما، كما لو أسلم على أختين والله أعلم.

بَابُ الْخِيَارِ وَالإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالآخَرِ جُنُونًا أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا، أَوْ وَجَدَهَا رَتْقَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد إنما جعله المصنف بابًا لأن فيه أحكامًا مستقلة بعيدة الانتظام بما قبلها، وهو أولى من جعله في (المحرر) فصلاً، لكن لا مناسبة لجعل هذه الثلاثة في باب، لا جرم أنه في (الروضة) أفرد كلاً منها بباب. والذي ذكره المصنف في هذا الباب من أسباب الخيار ثلاثة: العيب والتغرير والعتق، وبقي الإعسار بالمهر والنفقة، وما إذا وجد أحدهما الآخر رقيقًا على ما جزم به المصنف، وعد الماوردي في غير هذا الموضع ما إذا وجدت كسبه حرامًا كالتصوير ولا يمكنه إلا منه. وذكر الرافعي في (باب الخلع) قولين في أن النكاح هل يقبل الفسخ بالتراضي؟ أحدهما: نعم كالبيع. والثاني: لا؛ لأن وضعه على الدوام والتأبيد، وإنما ينفسخ لضرورة تدعو إليه، وأسقطه من (الروضة)، وأنكر عليه ابن الرفعة وجود هذا الخلاف، وليس كذلك، بل هو ثابت في غيره. قال: (وجد أحد الزوجين بالآخر جنونًا أو جذامًا أو برصًا، أو وجدها رتقاء

أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ وَجَدَتْهُ عِنُينًا أَوْ مَجْبُوبًا .. ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النُكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أو قرناء، أو وجدته عنينًا أو مجبوبًا .. ثبت الخيار في فسخ النكاح). العيوب المثبتة للخيار منها ما يشترك فيه الرجال والنساء وهو ثلاثة: الجنون متقطعًا كان أو مطبقًا، ولا يلتحق به الإغماء. و (الجذام) بالذال المعجمة، وهي علة صعبة يحمر منها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر - نسأل الله تعالى العافية وذريتنا وجميع المسلمين - ويتصور ذلك في كل عضو لكن في الوجه أغلب. و (البرص) وهو: بياض يكون بالجلد تذهب به دمويته، وعلامته: أن يعصر المكان فلا يحمر؛ لأنه ميت، ولا يلتحق به البهق؛ لأنه بياض على غير هذا الوجه. والذي يختص به: الجب والعنة. فـ (الجب): أن يقطع الذكر بحيث لا يبقى منه ما يمكن به الجماع. و (العنة): امتناع الوقاع لضعف في القلب أو الكبد أو الدماغ أو الآلة فيمتنع الانتشار. والمختص بها: الرتق والقرن. فـ (الرتق): انسداد محل الجماع باللحم، وهذه يخرج بولها من ثقبة ضيقة كإحليل الرجل. و (القرن): عظم في الفرج يمنع الجماع، وقيل: لحم ينبت فيه، والدائر على ألسنة الفقهاء في القرن تحريك الراء، وهو في كتب اللغة بالتسكين، وهما جائزان، فالفتح على المصدر وهو هنا أحسن؛ لكون قرائنه مصادر وهي الرتق والبرص ونحوهما. وقال أبو حنيفة: لا يفسخ النكاح بشيء من هذه العيوب، إلا أن المرأة إذا وجدت زوجها مجبوبًا أو عنينًا .. ترفع أمرها إلى الحاكم حتى يفرق بينهما بطلقة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وساعدنا على قولنا مالك وأحمد. واستدل الأصحاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار، فلما دخل بها .. رأى بكشحها - وهو الجنب - بياضًا، فردها على أهلها وقال: (دلستم عليَّ) رواه الحاكم وقال: هي أسماء بنت النعمان الغفارية، وقال ابن باطيش: العالية بنت ظبيان، فثبت في البرص بالنص، وفي الباقي بالقياس عليه. والشافعي لم يذكر هذا الحديث؛ فإنه مرسل وعلى تقدير صحته فيحتمل أنه ردها بطلاق لا فسخ، وإنما ذكر بسند صحيح إلى عمر: (أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص - وفي رواية: أو قرن - فإن كان دخل بها .. فلها الصداق بمسه، وهو له على وليها). ولأن المقصود الأعظم من النكاح الاستمتاع بالجماع، وهذه العيوب تمنعه، أما الجب والعنة والرتق والقرن .. فواضح، وأما الجنون .. فلأنه لا يمكن معه في غالب الأحوال، والجذام والبرص منفران أشد نفرة لما يخشى من العدوى التي أجرى الله تعالى بها العادة غالبًا، قال الشافعي: هما فيما يزعم أهل الطب والتجارب يعديان. وفي (صحيح البخاري): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد). وفي (صحيح مسلم): أنه صلى الله عليه وسلم قال لمجذوم وفد ثقيف: (ارجع، فقد بايعناك) وما ثبت عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) إنما أراد به على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وقد يجعل الله ذلك سببًا لحدوث ذلك، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يورد ممرض على مصح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في الطاعون: (من سمع به بأرض .. فلا يقدمن عليه). وأخذ صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة وقال: (كل ثقة بالله وتوكلاً عليه) فأعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك بتقدير العزيز العليم. فجملة العيوب سبعة، الممكن فرضه في كل واحد من الزوجين خمسة، وأما غير هذه العيوب كالعمى والزمانة وقطع الأطراف والبله - وهو غلبة السلامة على الصدر - فلا يثبت بها الخيار، وقد أجمعوا على ثبوته بها في البيع؛ لفوات المالية، وعن الشيخ زاهر السرخسي: أن البخر والصنان إذا لم يقبلا العلاج يثبتان الخيار؛ لأنهما يورثان النفرة. قال الرافعي: ويجري الخلاف فيما إذا وجدها عذيوطة أو وجدته عذيوطًا. والعذيوط: الذي يتغوط عند الإنزال. وأثبت القاضي حسين وغيره الخيار بالاستحاضة والقروح السيالة، وألحق المتولي بالجنون الإغماء الدائم، وكذلك المرض المزمن الذي لا يمكن زواله ويتعذر معه الجماع كما جزم به ابن الرفعة. ونقل الرافعي في (الديات) عن الأصحاب: أن المرأة إذا لم تحتمل الوطء إلا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإفضاء لضيق منفذها .. لا يجوز للزوج وطؤها، فعلى هذا يختار به ويكون ككبر آلة الرجل بحيث لا تحتمله المرأة. وعدَّ الخفافُ في (الخصال) من عيوب الرجل: كونه مشعر الإحليل؛ لأن ذلك يمنع لذة المرأة. وقال القاضي حسين: إذا تزوجها ظانًا أنها مسلمة فبانت كتابية .. ثبت له الخيار. قال ابن الرفعة: وقد استشكل بعضهم تصوير فسخ المرأة بالعيب؛ لأنها إن علمت به .. فلا خيار لها، وإن لم تعلم به .. فالتنقي من العيوب شرط في الكفاءة، فلا يصح النكاح إذا عدم التكافؤ، قال: وهذه غفلة عن قسم آخر، وهو ما إذا أذنت له في التزويج من معين أو من غير كفء وزوجها الولي منه بناء على أنه سليم .. فالمذهب صحة النكاح كما صرح به الإمام في (باب الوكالة) و (المرابحة)، ويثبت الخيار بذلك. فروع: ليس للزوج إجبار الرتقاء على شق الموضع، فإن فعلت هي وأمكن الوطء .. فلا خيار، قال الرافعي: كذا أطلقوه، ويمكن أن يأتي فيه الخلاف المذكور فيما إذا اطلع

وَقِيلَ: إِنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على عيب المبيع بعد زواله، والذي بحثه الرافعي هنا هو المنقول في (البحر) و (الحاوي). وإذا جبت زوجها هل يثبت لها الخيار؟ وجهان: أحدهما: لا كما لو عيب المشتري المبيع قبل القبض. وأصحهما: نعم كما لو خرب المستأجر الدار المستأجرة؛ لأن المرأة بالجب لا تصير قابضة لحقها كالمستأجر لا يصبر قابضًا لحقه بالتخريب، والمشتري بالتعييب قابض لحقه. وإنما يثبت الخيار بهذه العيوب عند الجهل دون العلم إلا في العنة؛ ففيها كلام يأتي. وإذا اختلفا في وجود العيب أو في العلم به .. صدق من ينفيه إلا أن يقيم المدعي شاهدين ذكرين عليه، وقيل: إن اختلفا قبل الدخول في العلم به .. صدق من يدعي العلم. قال: (وقيل: إن وجد به مثل عيبه .. فلا)؛ لتساويهما، فإن كانا من جنسين .. فلكل واحد منهما الخيار، إلا إذا كان الرجل مجبوبًا والمرأة رتقاء .. فهما كالجنس الواحد، وحكى البغوي طريقة قاطعة بأنه لا خيار؛ لأنه وإن فسخ لا يصل إلى مقصود الوطء. والصحيح فيما إذا كانا من جنس واحد: ثبوت الخيار لكل واحد منهما؛ لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه، فيمنعه ذلك من الاستمتاع.

وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا .. فَلاَ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ .. تَخَيَّرَتْ إِلاَّ عُنَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار المصنف بـ (المثلية) إلى أن الخلاف فيما إذا تساويا في القدر والمحل والفحش، فإن كان في أحدهما أكثر وأفحش .. ثبت الخيار للآخر بلا خلاف. هذا في غير الجنون، أما إذا كانا مجنونين .. فلا يمكن الخيار لواحد منهما، قاله الرافعي، ومنعه ابن الرفعة بأن الجنون المتقطع يثبت الخيار كالمطبق، فيثبت له في حال إفاقته، وظاهر كلام الرافعي أنه أراد المطبق فلا يرد عليه. قال: (ولو وجده خنثى واضحًا .. فلا في الأظهر)؛ لأنه لا يفوت مقصود النكاح. والثاني - ويعزى إلى القديم -: يثبت الخيار؛ لتنفيره الطبع. وقوله: (واضحًا) من زياداته على (المحرر)، ولابد منها؛ لإفادة أن نكاح الخنثى المشكل باطل؛ فإنه لم يذكره في غير هذا الموضع، وإنما أهملها (المحرر) للعلم بأن الخنثى المشكل لا يصح نكاحه، والأصح: أن محل القولين إذا اتضح بقوله، فإن اتضح بعلامة .. فلا خيار. قال: (ولو حدث به عيب .. تخيرت) أما قبل الدخول .. فبلا خلاف، وكذا بعده على الأصح؛ لأنها تتضرر بصحبته، فتعين ذلك طريقًا لإزالة الضرر وفي حدوث الجب بعد الدخول وجهان، ويقال: قولان: أصحهما: أنه يثبت لها الخيار؛ لأنه يورث اليأس من الجماع. والثاني: أنه كالعنة. قال: (إلا عنة بعد الدخول)؛ لأن مقصود النكاح قد حصل لها من المهر وثبوت الحصانة ولم يبق إلا التلذذ، وهو شهوة لا يجبر الزوج عليها، ولأنها ترجو زوال عنته.

أَوْ بِهَا .. تَخَيَّرَ فِي الْجَدِيدِ. وَلاَ خِيَارَ لِلْوَلِيِّ بِحَادِثٍ، وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ، وَيَتَخَيَّرُ بِمُقَارِنِ جُنُونٍ، وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ فِي الأَصَحِّ. وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بها .. تخير في الجديد) كما يثبت لها إذا حدث العيب به. وفي القديم: لا تتخير به، وبه قال مالك؛ لأنه لا تدليس منها، وهو متمكن من التخلص بالطلاق غير مضطر إلى الفسخ، ولهذا لو أعتق العبد وتحته أمة .. لا خيار له على المذهب، بخلاف الزوجة إذا عتقت تحت رقيق. قال: (ولا خيار للولي بحادث) أي: بالزوج؛ لأن حق الأولياء في الكفاءة إنما يراعى في الابتداء دون الدوام، لأن المرأة لو رغبت في نكاح عبد .. كان لأوليائها المنع، ولو عتقت تحته ورضيت بالمقام معه .. لم يكن لهم الفسخ. قال: (وكذا بمقارن جب وعنة)؛ لاختصاصهما بالضرر، ولأنه لا عار يلحق الولي بذلك. وفي وجه: أن للأولياء الخيار بجميع العيوب المقارنة. فإن قيل: العنة لا تثبت إلا بعد العقد فكيف صورتها؟ قيل: يمكن تصويرها بما إذا تزوجها وعنَّ عنها ثم طلقها وأراد تجديد نكاحها. قال: (ويتخير بمقارن جنون) وإن رضيت المرأة؛ لأن الأولياء يتعيرون به، ولا نعلم في ذلك خلافًا. قال: (وكذا جذام وبرص في الأصح)؛ لأن فيهما نقصًا ظاهرًا، وقد تتعدى العلة إليها أو إلى نسلها. والثاني: لا خيار للولي؛ لأن الضرر في الجذام والبرص خاص بصحبة من تعافه النفس، وهذا المعنى يختص بها. قال: (والخيار على الفور) كخيار العيب في البيع. والمراد: أن المطالبة به، والرفع إلى الحاكم على الفور، ولا ينافي ذلك ضرب المدة للعنين؛ فإنها حينئذ تتحقق، فإن أخرت بلا عذر .. بطل حقها. وقيل: وفي قول: تمتد إلى ثلاثة أيام.

وَالْفَسْخُ قَبْلَ دُخُولِ يُسْقِطُ الْمَهْرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل في قول: إلى أن ترضى، أو تمكن كما في خيار العتق. والفرق على المذهب: أن الأمة تحتاج إلى النظر، وهنا النقصان تحقق بالاطلاع على العيب فاستغني عن النظر، فإذا قال: علمت العيب ولم أعلم أنه يثبت الخيار .. فالمشهور: أنه على القولين في نظيره من خيار العتق. قال: (والفسخ قبل دخول يسقط المهر) سواء كان بمقارن أو حادث، وسواء كان العيب فيه أو فيها؛ لأن شأن الفسخ ترادُّ العوضين، وقد رجع البضع إليها سالمًا، فيرجع عوضه إليه سالمًا. وكما يسقط المهر لا متعة أيضًا؛ لأن الفسخ رافع للعقد من أصله، قال الشيخ: ولسنا نريد بالرفع من أصله أن نتبين عدم وقوعه، فهذا لا يتوهمه فقيه، ولكن المراد: أن الشرع سلط العاقد على رفع أحكامه، وجعله كأن لم يكن. فرع: المفسوخ نكاحها بعد الدخول لا نفقة لها في العدة ولا سكنى إن كانت حائلاً بلا خلاف، وإن كانت حاملاً، فإن قلنا: نفقة المطلقة الحامل للحمل .. وجبت هنا، وإن قلنا بالأظهر – أنها للحامل - لم تجب. وأما السكنى .. فلا تجب على المذهب، وبه قطع الجمهور، وقيل بطرد القولين، وقال ابن سلمة: إن كان الفسخ بعيب حادث .. وجبت، وإلا .. فلا. وإذا لم نوجب السكنى فأراد أن يسكنها حفظًا لمائه .. فله ذلك، وعليها الموافقة، قاله أبو الفرج السرخسي.

وَبَعْدَهُ .. الأَصَحُّ: أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إِنْ فُسِخَ بِمُقَارِنِ، أَوْ بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِىءُ، وَالْمُسَمَّى إِنْ حَدَثَ بَعْدَ وَطْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبعده .. الأصح: أنه يجب مهر المثل إن فسخ بمقارن)؛ لأنه استمتع بمعيبة وهو إنما بذل على ظن السلامة ولم تحصل، فكأن العقد جرى بلا تسمية. والثاني: المسمى؛ لأن الدخول جرى في عقد صحيح مشتمل على تسمية صحيحة، فأشبه الردة بعد الدخول وهو مخرج منها، فكان ينبغي أن يعبر بالنص لذلك. قال: (أو بحادث بين العقد والوطء جهله الواطىء)؛ لأنه كالمقارن للعقد، فيكون الواجب أيضًا مهر المثل على المنصوص، ويجعل اقترانه بالوطء المقرر للمهر كاقترانه بالعقد. قال: (والمسمى إن حدث بعد وطء)؛ لأنه تقرر بنفس الوطء. والحاصل: أن الوطء مضمون بلا خلاف، إما بالمسمى على قول وإما بالمهر على قول، وهو في رد الجارية المبيعة بعيب غير مضمون، وقد اشتركا في الفسخ بالعيب، وفرقوا بينهما بأن الوطء معقود عليه في النكاح فوجب بدله بكل حال، والوطء في البيع غير معقود عليه، وإنما العقد على الرقبة، والوطء منفعة ملكه فلم يقابل بعوض. فإن قيل: الفسخ إن رفع العقد من أصله .. فليجب مهر المثل بكل حال، أو من حينه .. فالمسمى كذلك، فما وجه التفصيل؟ فأجاب الشيخ بأن اختيارنا هنا وفي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإجارة أنه يرفعه من حين حدوث سببه لا من أصل العقد ولا من حين الفسخ؛ ليستقيم التفصيل المذكور، لأن المعقود عليه هنا المنافع، وهي لا تقبض حقيقة إلا بالاستيفاء، بخلاف البيع؛ فإن القبض فيه مقرر قطعًا، وفسخه بالردة والرضاع والإعسار من حينه. فروع: طلق زوجته قبل الدخول، ثم اطلع على عيب بها .. لم يسقط حقها من نصف المهر. ولو اطلع أخدهما على عيب الآخر بعد موته .. فهل له الفسخ بالعيب؟ وجهان: أصحهما: لا، ويتقرر المسمى بالموت، ولو لم يفسخ بالعيب حتى زال .. ففي ثبوت الخيار وجهان. وإذا رضي أحد الزوجين بعيب الآخر فازداد .. فلا خيار على الصحيح؛ لأن رضاه بالأول رضىّ بما يحدث منه ويتولد، وفيه وجه، كذا قاله الشيخان، ومحله إذا لم يكن الحادث أفحش، كما إذا كان في اليد فحدث في الوجه .. فإن الشافعي رضي الله عنه نص على ثبوت الخيار، كذا نقله الماوردي، وخص الوجهين بغير هذه الحالة كما إذا كان في إحدى اليدين فانتقل إلى الأخرى. وقال في (المهمات) قد قالوا في (الرهن): إذا شرطا وضعه في يد فاسق فزاد فسقه .. كان لكل منهما الخيار في إزالة يده عنه، فاعتبروا الزيادة هناك ولم يعتبروها هنا.

وَلَوِ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ بَعْدَ وَطْءٍ .. فَالْمُسَمَّى. وَلاَ يَرْجِعُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي الْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو فسخ بعيب فبان أن لا عيب فهل يحكم ببطلان الفسخ واستمرار النكاح؟ وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): بطلان الفسخ؛ لأنه بغير حق. ولو قال: علمت عيب صاحبي ولم أعلم أن العيب يثبت الخيار .. فقولان كنظيره في عتقها تحت عبد. وقيل: لا خيار هنا قطعًا؛ لأن الخيار بالعيب مشهور في جنس العقود. قال: (ولو انفسخ بردة بعد وطء .. فالمسمى)؛ لاستقراره قبل وجودها، والردة لا تستند إلى ما تقدم، ولا فرق بين ردته وردتها. قال: (ولا يرجع الزوج بعد الفسخ بالمهر على من غره في الجديد)؛ لئلا يجمع بين العوضين، وبهذا قال أبو حنيفة، واستدل له الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها ...) الحديث، قال: فإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصداق للمرأة بالمسيس في النكاح الفاسد بكل حال ولم يرده به عليها وهي التي غرته لا غيرها .. فكذلك في النكاح الصحيح الذي الزوج فيه بالخيار أولى أن يكون للمرأة. والقديم - وبه قال مالك -: أن له الرجوع عليه؛ لما روي عن عمر أنه قال: (أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص .. فلها صداقها، وذلك لزوجها غرم على وليها). ومحل القولين في عيب مقارن للعقد، أما الحادث بعده إذا فسخ .. فلا رجوع بالمهر بحال؛ لأنه لا تدليس منه. وخص المتولي الخلاف بما إذا كان المغروم مهر مثل، فإن كان المسمى .. فلا يرجع به قولاً واحدًا؛ لأنه في مقابلة الوطأة الأولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: ما ذكره البغوي: أنه لا فرق بين المسمى ومهر المثل، وخصه الدارمي بغير الحاكم، فالحاكم لا رجوع عليه قطعًا. وصور في (التتمة) التغرير منها بأن تسكت عنه ويظهر للولي معرفة الخاطب بحالها، وصوره غيره بأن تعقد بنفسها ويحكم حاكم بصحته. والمراد بـ (الزوج): الزوج الفاسخ؛ ليخرج المجبر على الفسخ؛ فإن عليه المسمى ولا يرجع به على الغار قطعًا، ثم لا يخفى أن كلامه فيما إذا أدى المهر، أما قبله .. فلا يرجع بشيء؛ لأنه لم يغرم شيئًا.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْعُنَّةِ رَفْعٌ إِلَى حَاكِمٍ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُيُوبِ فِي الأَصَحِّ. وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَينَةٍ عَلَى إِقْرَارِهِ، وَكَذَا بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط في العنة رفع إلى حاكم)؛ لأنه أمر مجتهد فيه فأشبه الفسخ بالإعسار، ولأنه يحتاج إلى الدعوى، ولا يكون إلا عند حاكم، وهذا لا خلاف فيه. وتعبير المصنف بـ (العنة) أنكره في (التحرير) على الفقهاء فقال: وما يقع في كتب الأصحاب من قولهم: (العنة) يريدون التعنين ليس بمعروف في اللغة، وإنما العنة الحظيرة من الخشب لحفظ الإبل والغنم. اهـ وما قاله فيه نظر؛ فإن شيخه ابن مالك قال في (مثلثه): (العُنة) بالضم: العجز عن الجماع، فاستقام ما قاله الأصحاب، ونقل أبو عبيد عن الأموي أنه يقال: امرأة عنينة، وهي التي لا تريد الرجال. قال: (وكذا سائر العيوب في الأصح)؛ لما قلناه. والثاني: أنه ينفرد بالفسخ كفسخ البيع. قال: (وتثبت العنة بإقراره) أي: عند الحاكم كسائر الحقوق التي يؤاخذ المكلف بإقراره بها. قال: (أو بينة على إقراره)؛ إذ لا تمكن إقامة البينة على نفس العنة، إذ لا مطلع للشهود عليها. قال: (وكذا بيمينها بعد نكوله في الأصح)؛ لأنها قد تبين لها عنته بقرائن الأحوال وطول الممارسة، بخلاف الشهود؛ فإنهم لا يعرفون ما تعرف منه، وهذا كما إذا ادعت أنه نوى الطلاق ببعض الكنايات وأنكر ونكل تحلف المرأة. والثاني - وبه قال أبو إسحاق -: لا ترد اليمين عليها؛ لأن الامتناع من الجماع قد

وَإِذَا ثَبَتَ .. ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون لعجز، وقد يكون لأمر آخر لا اطلاع لها عليه، وعلى هذا قيل: يقضي عليه بالنكول، وتضرب المدة من غير يمينها. وقيل: لا ترد عليها، ولا يقضي بنكوله. وقيل: لا يحلف الزوج ولا يشرع أصلاً؛ بناء على أن اليمين لا ترد عليها، وهو ضعيف. ويستثنى من إطلاق المصنف وغيره: الأمة إذا تزوجت حرًا بشرطه، ثم ادعت عنته المقارنة للعقد لتتمكن بذلك من الفسخ .. لم تسمع دعواها؛ لأن ثبوت ذلك يؤدي إلى إبطال النكاح من أصله لانتفاء شرطه وهو خوف العنت، وإذا كان النكاح باطلاً .. لم تصح الدعوى؛ للزوم الدور، كذا ذكره الجرجاني في (المعاياة)، والمحب الطبري في (ألغازه). قال: (وإذا ثبت .. ضرب القاضي له سنة)؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه وغيره: أن عمر رضي الله عنه أجل العنين سنة، وتابعه العلماء، لأن تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فيزول في الشتاء، أو برد فيزول في الصيف، أو يبوسة فيزول في الربيع، أو رطوبة فيزول في الخريف، فإذا مضت السنة ولا إصابة .. علمنا أنه عجز خلقي. وحكى ابن المنذر عن أبي عبيد أنه قال: إن الداء لا يسجن في البدن أكثر من سنة حتى يظهر. قال في (المطلب): وهذا التعليل يخدشه ما إذا عنَّ عن امرأة دون امرأة، وعن المأتي المعتاد دون غيره .. فإن الحكم ثابت، ولو كان لمضي الفصول أثر .. لأثَّر مطلقَا، قال: وقد يقال في الجواب عنه: إن النفس قد يتغير ميلها إلى بعض الأشياء دون بعض بحسب اختلاف الفصول، وسواء في ذلك الحر والعبد على المشهور؛ لأن الأمور الجبلية لا تختلف في الحال فيها بين الأحرار والأرقاء، فأشبهت مدة الحيض والرضاع.

بِطَلَبِهَا، فَإِذَا تَمَّتْ .. رَفَعَتْهُ إِلَيْهِ؛ فَإِنْ قَالَ: وَطِئْتُ .. حُلَّفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (كتاب ابن بشرى) عن نص الشافعي: أن العبد له نصف سنة كقول مالك، وهو غريب. وأول هذه المدة من يوم المرافعة وضرب القاضي؛ لأنها مجتهد فيها، بخاف مدة الإيلاء؛ فإنها من وقت اليمين للنص. وقال أهل الظاهر: لا يؤجل العنين ولا يفرق بينهما؛ لأن امرأة عبد الرحمن بن الزبير قالت: إنما معه مثل هدبة الثوب ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما. والجواب: أن عبد الرحمن أنكر ذلك، وصح عنه أنه قال: أعركها عرك الأديم. قال: (بطلبها)؛ لأنه حق لها فلا يكون إلا بسؤالها، ويكفي فيه قولها: أنا طالبة حقي على موجب الشرع، فلو سكتت وحمل على الدهش أو الجهل .. نبهت. وعلم من هذا: أن الولي لا ينوب عنها في ذلك، سواء كانت عاقلة أم مجنونة. قال: (فإذا تمت .. رفعته إليه)؛ لأن مدار الباب على الدعوى والإقرار والإنكار واليمين، ولابد في ذلك من المرافعة. وقيل: إن لها الفسخ عقب المدة من غير رفع إلى الحاكم. ومقتضى كلامه: أن الرفع على الفور، وصرح الماوردي والروياني بأن ذلك غير لازم، بخلاف الفسخ بالعيب؛ لأن تمكينها الزوج من نفسها في العيوب رضًا يمنع الفسخ، بخلاف العنة. قال: (فإن قال: وطئت .. حلف)؛ لأنه تتعذر إقامة البينة عليه، والأصل سلامة الشخص ودوام النكاح، فإذا حلف .. بقيت معه وانتهت الخصومة، سواء كان قبل مضي السنة المضروبة أو بعدها، وسواء كان صحيح الأعضاء أو خصيًا أو مقطوع بعض الذكر وأمكنه الجماع بالباقي. قال أبو إسحاق: إن كان خصيًا أو مقطوع بعض الذكر .. صدقت المرأة بيمينها. هذا إذا كانت ثيبًا، فإن كانت بكرًا .. فالقول قولها مع يمينها إذا شهد ببكارتها الآن أربع نسوة؛ لأن الظاهر معها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يقبل قولها بلا يمين إذا شهد أربع نسوة، والصحيح الأول؛ لاحتمال أنه لم يبالغ وأن البكارة عادت. قاعدة: نقل الشيخان هنا عن الأئمة: أن الزوجين إذا اختلفا في الإصابة .. فالقول قول نافي الوطء؛ أخذًا بأصل العدم إلا في ثلاثة مواضع: هنا، وإذا طالبته في الإيلاء بالفيئة أو الطلاق فقال: قد أصبتها، وفيما إذا قالت: طلقتني بعد المسيس فلي كمال المهر، وقال الزوج: بل قبله وليس لك إلا الشطر .. فالقول قوله؛ للأصل، وعليها العدة؛ مؤاخذة بقولها، ولا نفقة ولا سكنى، وللزوج نكاح بنتها وأربع سواها في الحال. فلو أتت بولد من محتمل .. ثبت النسب، ويقوى به جانبها، فيرجع إلى تصديقها، ويطالب الزوج، بالنصف الثاني، ولابد من يمينها على ما ذكره الإمام والعبادي؛ لأن ثبوت النسب لا يورث يقين الوطء. ويمكن أن يجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا ظهرت البكارة، وهذه الصورة هي محل الاستثناء من تصديق النافي، فإن لاعن الزوج ونفى الولد .. فقد زال المرجح، فنعود إلى تصديقه ويستمر الأمر على ما سبق. وأورد في (المهمات) على حصرهما أربع مسائل: الأولى: الفرع الآتي بعد ورقة عن البغوي: إذا تزوجها بشرط البكارة فوجدها ثيبًا فقالت: كنت بكرًا فزالت البكارة عندك، فقال: بل كنت ثيبًا .. فالقول قولها بيمينها؛ لدفع الفسخ. ولو قالت: كنت بكرًا فافتضضتني .. فالقول قولها بيمينها؛ لدفع الفسخ، وقوله: (بيمينه) لدفع كمال المهر. الثانية: إذا قال لطاهر: أنت طالق للسنة، وقالت: ما وطئتني في هذا الطهر فوقع الطلاق، وقال: بل وطئت فيه فلم يقع .. قال إسماعيل البوشنجي: قضية

فَإِنْ نَكَلَ .. حُلِّفَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المذهب تصديقه؛ لأصل بقاء النكاح. الثالثة: إذا ادعت المطلقة ثلاثًا نكاح زوج آخر ووطأه وفراقه وانقضاء عدته مع إمكان ذلك وكذبها الزوج الثاني .. فإنها تصدق؛ لتحل للزوج الأول كما تقدم. الرابعة: إذا عتقت الأمة تحت عبد وقلنا يمتد خيارها إلى الوطء فادعاه وأنكرت المرأة .. ففي المصدق منهما وجهان حكاهما الرافعي من غير ترجيح، وعلل تصديق الزوج أن الأصل بقاء النكاح، وينبغي ترجيحه كما في مسألة البوشنجي. اهـ وخامسة: إذا قال رجل: هذا ابني من هذه المرأة .. استحقت عليه مهر المثل، ولا يحمل ذلك على استدخال الماء. وسادسة: إذا ادعت الوطء وقد وجدت الخلوة فأنكر .. صدقت في قول. قال: (فإن نكل .. حلفت) كغيرها، قال الشيخان: وفيه الخلاف السابق، ونازعهما الشيخ في ذلك.

فَإِنْ حَلَفَتْ أَوْ أَقَرَّ .. اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ، وَقِيلَ: يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الْقَاضِي أَوْ فَسْخِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن حلفت أو أقر .. استقلت بالفسخ) كما يستقل بالفسخ من وجد بالمبيع تغيرًا وأنكر البائع كونه عيبًا وأقام المشتري على ذلك بينة عند القاضي، لكن يشترط بعد حلفها أو إقراره أن يقول القاضي: ثبتت العنة أو حقَّ الفسخُ فاختاري على الأصح، وهو وارد على المصنف. قال: (وقيل: يحتاج إلى إذن القاضي أو فسخه)؛ لأنه محل نظر واجتهاد، فإما أن يفسخ وإما أن يأذن لها فيه بخصوصه، وإذا فسخت ولم يقل القاضي: نفذته، ثم رجعت .. لم يبطل الفسخ في الأصح، قال الرافعي: ويشبه أنهما مفرعان على الاستقلال بالفسخ، أما إذا فسخت بإذنه .. فإذنه كالتنفيذ. والذي رجحه الرافعي والمصنف من استقلالها بالفسخ تبعا فيه المتولي وغيره، والذي نص عليه في (الأم) ورجحه العراقيون: أنها لا تستقل به، وبه جزم الرافعي في اختلاف المتبايعين. قال الشيخ: ويجب تأويل كلام (المنهاج) على أن المراد: استقلت بالفسخ بعد حكمه، فالحاصل ثلاثة أوجه: أحدها: أنها بمجرد الإقرار بين يدي الحاكم أو حلفها أنه لم يطأ تستقل بالفسخ كما هو ظاهر كلام المصنف.

وَلَوِ اعْتَزَلَتْهُ أَوْ مَرِضَتُ أَوْ حُبِسَتْ فِي الْمُدَّةِ .. لَمْ تُحْسَبْ، وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا بِهِ .. بَطَلَ حَقُّهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني - وهو الصحيح -: استقلالها بشرط أن يكون القاضي حكم بتمكينها من الفسخ. والثالث: أنها لا تستقل أصلاً، بل لابد من تعاطي القاضي الفسخ بنفسه، أو الإذن لها فيه. قال: (ولو اعتزلته أو مرضت أو حبست في المدة .. لم تحسب)؛ لأن عدم الوطء حينئذ يضاف إليها، وهذا من فقه الإمام؛ لأن المهلة إنما يظهر أثرها إن كان الزوج مخلى معها. فلو قال الزوج: لا تمهدوا لي عذرًا؛ فإني لم أستشعر في نفسي قدرة في المدة .. قلنا: لا تعويل على ذلك؛ فإن للنفس نهوضًا في ممارسة المرأة كما لها ركود في التعزب. واحترز المصنف عن حبسه أو مرضه؛ فإنه لا يمنع احتساب المدة، وهو ما حكاه الرافعي عن ابن القطان، وأسقطه في (الروضة)، وفيه نظر، وكذلك حيضها لا يمنع الاحتساب، وفي سفره وجهان: أصحهما: أنه لا يمنع أيضًا؛ لئلا يدافع بذلك. وإذا عرض ما يمنع الاحتساب في بعض المدة وزال .. قال الرافعي: القياس أن يستأنف السنة، أو ينتظر مضي ذلك الفصل من السنة الأخرى، قال ابن الرفعة: وفيه نظر؛ لأن ذلك يستلزم الاستئناف، لأن ذلك الفصل لا يأتي إلا في سنة أخرى، قال: ولعل المراد أن يخلى بينها وبينه في ذلك الفصل فقط قدر تلك المدة. قال: (ولو رضيت بعدها به .. بطل حقها) كسائر العيوب، وهذا بناء على أنه فوري، وفيه الوجه المتقدم. وقوله: (بعدها) زيادة على (المحرر)، وهي حسنة؛ فإنها إذا رضيت في أثناء المدة أو قبل ضربها .. لم يبطل حقها في الجديد، ولها الفسخ بعد المدة؛ لأنها

وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضيت بإسقاط حقها قبل ثبوته فلم يسقط كالعفو عن الشفعة قبل البيع، وهذا بخلاف النفقة إذا أعسر بها الزوج ورضيت به .. كان لها الفسخ؛ لتجدد الضرر، وكذا في الإيلاء، وفي الإجارة إذا انهدمت الدار فلم يفسخ في الحال ورضي به .. كان له الفسخ بعده؛ لتجدد الضرر، ولا يسقط الحق بالرضا. قال: (وكذا لو أجلته على الصحيح) أي: زمنًا آخر بعد المدة فيبطل حقها بهذا التأخير؛ لأنه على الفور. والثاني: لها العود إلى الفسخ متى شاءت كإمهال رب الدين بعد حلول الأجل. فروع: الأول: إذا فسخت بالعنة فهل لها كل المهر أو نصفه أو لا شيء .. أقوال أصحها ثالثها؛ لأنه فسخ قبل الدخول. الثاني: إذا ادعت امرأةُ الصبي والمجنون العنة .. لم تسمع دعواها ولم تضرب مدة؛ لأن المدة والفسخ يعتمدان إقرار الزوج أو يمينها بعد نكوله، فقولهما ساقط. ونقل المزني أنه إن لم يجامعها الصبي .. أجِّل، ولم يثبته عامة الأصحاب قولاً، وقالوا: غلط المزني، وإنما قال الشافعي: إن لم يجامعها الخصي .. أجِّل. الثالث: إذا ادعت الإصابة وأقامت شاهدًا واحدًا على مشاهدتها أو على إقراره بها .. حلفت معها؛ لأن مقصودها المال، ولو ادعاها الزوج وأقام بها شاهدًا واحدًا .. لم يحلف معه.

وَلَوْ نَكَحَ وَشُرِطَ فِيهَا إِسْلاَمٌ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ، أَوْ غَيْرُهُمَا فَأُخْلِفَ .. فَالأَظْهَرُ: صِحَّةُ النِّكَاحِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو نكح وشرط فيها إسلام، أو في أحدهما نسب أو حرية، أو غيرهما فأخلِف .. فالأظهر: صحة النكاح)؛ لأن خلف الشرط في البيع لا يوجب فساده، والبيع عرضة للفساد بالشروط الفاسدة، فالنكاح أولى، وهذا هو الجديد، وبه قال أبو حنيفة والمزني. والثاني - وهو قديم وجديد -: أن النكاح لا يصح؛ لأن النكاح يعتمد الصفات والأسماء دون التعيين والمشاهدة، فيكون اختلاف الصفة كاختلاف العين. والقولان فيما إذا شرطت حريته فبان عبدًا مفروضان فيما إذا كان السيد أذن له في النكاح، وإلا .. لم يصح النكاح؛ لعدم الإذن، وفيما إذا شرط حريتها فخرجت أمة مفروضان فيما إذا أذن السيد في نكاحها، وكان الزوج ممن يحل له نكاح الأمة، فإن فقد أحد هذين الشرطين .. لم يصح النكاح بلا خلاف. وصحح في (أصل الروضة) فيما إذا شرط حريتها فبانت أمة ثبوت الخيار إذا كان حرًا دون ما إذا كان عبدًا. وقوله: (أو غيرهما) أي: سواء كان وصف كمال أو نقص، أو خال عنهما كعلم وشباب وجمال وطول ويسار وبياض وبكارة وأضدادها.

ثُمَّ إِنْ بَانَ خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ .. فَلاَ خِيَارَ، وَإِنْ بَانَ دُونَهُ .. فَلَهَا الْخِيَارُ، وَكَذَا لَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونص الشافعي في (الأم) على أنه لا خيار للزوج إذا شرط شيئًا من ذلك، قال: ومن شرط ذلك: فقد ظلم نفسه. اهـ والظاهر: أن الخيار يختص باختلاف شروط الكفاءة لا مطلقًا. واحترز بما إذا شرط الإسلام فيها عن شرطه فيه وهي مسلمة؛ فلا يصح جزمًا إذا أخلف، ولو شرطت حريته فخرج مبغضًا .. فالذي يظهر أنه كما لو خرج عبدًا. قال: (ثم إن بان خيرًا مما شرط .. فلا خيار)؛ لأنه أفضل كما لو شرط أنها كتابية فخرجت مسلمة، أو أمة فكانت حرة، أو ثيب فبانت بكرًا. قال: (وإن بان دونه .. فلها الخيار)؛ للخلف، وعبارته تشمل ما إذا بان دون الشرط مطلقًا. والأظهر في (الروضة) و (الشرح الصغير) - وهو مقتضى ما في (الكبير) -: أنها إذا شرطت نسبًا شريفًا في الزوج فبان خلافه، إن كان نسبه دون نسبها .. فلها الخيار، وإن رضيت هي .. فلأوليائها الخيار؛ لفوات الكفاءة، وإن كان نسبه مثل نسبها أو فوقه إلا أنه دون المشروط .. فقولان: أصحهما: لا خيار لها؛ لأنها لا تتعير به. والثاني: يثبت للتغرير وطمعها في زيادة شرفه، ولولا ذلك .. لما اشترطته، فلا فرق بين أن يكون فوق نسبها أو لا، وكذلك لو شرطت أن يكون فقيهًا أو طبيبًا أو نحو ذلك، واختار الشيخ ما اقتضته عبارة الكتاب من ثبوت الخيار مطلقًا وفاقًا لما أطلقه المزني والقاضي أبو الطيب، وحمل عبارة المصنف على العموم. قال: (وكذا له في الأصح)؛ قياسًا على البيع فثبت له إن كان دون نسبه،

وَلَوْ ظَنَّهَا مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ .. فَلاَ خِيَارَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا .. ففيه القولان. والثاني: المنع؛ لأن النكاح بعيد عن الخيار، وإنما جرى الخلاف هنا لإمكان الفراق بالطلاق، ولأنه لا يتضرر ولا يتعير بدناءة نسب الزوجة. فرع: تزوجها بشرط البكارة فوجدت ثيبًا وقالت: كنت بكرًا فزالت البكارة عندك، وقال: كنت ثيبًا .. أفتى البغوي بأن القول قولها بيمينها؛ لدفع الفسخ، ولو قالت: كنت بكرًا فافتضضتني .. فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ، والقول قوله بيمينه لدفع كمال المهر؛ يعني: إذا طلق أو فسخ، أو قلنا: إن النكاح باطل وكان لم يدخل بها حتى لا يطالب بالشطر ولا بالجميع. وأما إذا ظن بكارتها فإذا هي ثيب .. فقال الغزالي: لا يبعد إثبات الخيار؛ لأن النفرة هنا أعظم مما سيأتي بعده. قال: (ولو ظنها مسلمة أو حرة فبانت كتابية أو أمة وهي تحل له .. فلا خيار في الأظهر) أي: في الصورتين؛ لأن النكاح بعيد عن الخيار، والظن لا يثبت الخيار كما لو ظن العبدَ المبيعَ كاتبًا. والثاني: يثبت؛ لأن ظاهر الدار الإسلام والحرية. وقيل: يثبت بإخلاف ظن الإسلام دون الحرية، وهو النص فيهما. والفرق: أن ولي الكافرة كافر، وللكافر علامة يتميز بها، فخفاء الحال عن الزوج إنما يكون بتلبيس الولي، وولي الرقيقة لا يتميز عن ولي الحرة فلا تغرير، بل الزوج هو المقصر.

وَلَوْ أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْءًا فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ أَوْ حِرْفَتِهِ .. فَلاَ خِيَارَ لَهَا. قُلْتُ: وَإِنْ بَانَ مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا .. فَلَهَا الْخِيَارُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَتَى فُسِخَ بِخُلْفٍ .. فَحُكْمُ الْمَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارُ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ، وَالْمُؤَثِّرُ تًغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أذنت في تزويجها بمن ظنته كفءًا فبان فسقه أو دناءة نسبه أو حرفته .. فلا خيار لها)؛ لأنه لم يجر شرط، والتقصير منها ومن الولي حيث لم يبحثا، وحكى الإمام الاتفاق عليه، وليس هذا كظن السلامة من العيب؛ لأن الظن هناك ينبني على أن الغالب السلامة، وهنا لا يمكن أن يقال: إن الغالب كفاءة الخاطب. قال: (قلت: وإن بان معيبًا أو عبدًا .. فلها الخيار والله أعلم) أما المعيب .. فكما سبق، وأما العبد .. فلأن نقص الرق مؤثر في حقوق النكاح؛ لما لسيده من منفعة منها بالخدمة، ولا يلزمه إلا نفقة المعسرين، ولما يلحق الولد من العار برق الأب، وهذه الزيادة كان تركها أولى؛ فإن المعيب قد علم من أول الباب ثبوت الخيار به. وأما العبد .. فبناه على ما نقله في زوائد (الروضة) عن (فتاوى ابن الصباغ)، وبه جزم الماوردي في (الإقناع)، لكنه مخالف لنص (الأم) و (البويطي)؛ فإنه قال فيهما: وإذا تزوج العبد المرأة ولم يذكر لها الحرية ولا غيرها فقالت: ظننتك حرًا .. فلا خيار لها. قال: (ومتى فسخ بخلف .. فحكم المهر والرجوع به على الغارِّ ما سبق في العيب) فإن كان قبل الدخول .. سقط المهر، أو بعده .. وجب مهر المثل على الأصح، ولا يرجع الزوج على الغار على الأظهر. وكذا الحكم في النفقة والكسوة في مدة العدة، وكذا السكنى على ما سبق عند قول المصنف: (والفسخ قبل الدخول يسقط المهر). قال: (والمؤثر تغرير قارن العقد) بأن كان مشروطًا فيه؛ لأن الشروط إنما تؤثر

وَلَوْ غُرَّ بِحُرُيَّةِ أَمَةٍ وَصَحَّحْنًاهُ .. فَالْوَلَدُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُرُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في العقود إذا ذكرت في صلبها، وأما التغرير السابق .. فلا يؤثر في صحة العقد ولا في الخيار على الصحيح. وفي وجه: أن السابق كالمقارن، وقد سبق في ذلك في (نكاح المحلل)، واستدل له الإمام بنص الشافعي على أن التغرير من الأمة يثبت هذه الأحكام، فاقتضى أن التغرير لا يراعى ذكره في العقد. قال: (ولو غُرَّ بحرية أمة وصححناه .. فالولد قبل العلم حر) وإن كان الزوج عبدًا؛ لاعتقاد حريتها، فاعتبر ظنه كما لو وطىء أمة الغير على ظن أنها زوجته الحرة، وخالف القفال فقال: حديث النفس لا تتغير به الأحكام، كذا نقله عنه ابن الصلاح في (رحلته). ولا فرق في ذلك بين أن يجيز العقد أو يفسخه؛ لاستوائهما في الظن، والمشهور: أنه ينعقد حرًا وعن أبي علي ينعقد رقيقًا ثم يعتق على المغرور. وقال أبو حنيفة: إن كان الزوج عبدًا .. فأولاده أرقاء. واحترز المصنف بقوله: (فالولد قبل العلم حر) عن الولد الحاصل بعد العلم؛ فإنه رقيق. وقوله: (وصححناه) قيد مضر؛ فإن الولد حر، صححنا النكاح أو أفسدناه؛ للتعليل السابق.

وَعَلَى الْمَغْرُورِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَارُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعلى المغرور قيمته لسيدها)؛ لأنه فوت ماليته على السيد بظنه. وفي قول أو وجه: لا شيء عليه؛ لأنه لم يتلف مالاً، وإنما منع المالية والمغرور معذور في ظنه الحرية. وإذا أوجبنا القيمة، فإن كان المغرور حرًا .. فهي في ماله، وإن كان عبدًا .. فالأصح: أنها تتعلق بذمته؛ لأنه لا جناية منه. والثاني: تتعلق برقبته. والثالث: بكسبه. وتعتبر القيمة يوم الولادة؛ لأنه أول أحوال إمكان التقويم، وعن أبي حنيفة: تعتبر يوم المحاكمة، حتى لو ماتوا قبله .. لم يجب شيء. لكن يستثنى ما إذا كان الزوج عبدًا، وما إذا كانت هي الغارَّة وكانت مكاتبة وقلنا: قيمة الولد لها كما قاله الرافعي في آخر المسألة الرابعة؛ لأنه لو غرم .. لرجع عليها. واستثنى البارزي في (التمييز) ما إذا كان السيد أبًا للزوج، ولا يستثنى؛ فإن الأصح في (باب العتق) من (الشرح) و (الروضة) لزوم القيمة أيضًا، خلافًا للشيخ أبي علي. قال: (ويرجع بها على الغارُ)؛ لأنه لم يدخل في العقد على أنه يضمنها، وادعى الإمام فيه الإجماع، وفيه قول حكاه ابن خيران وابن الوكيل: أنه لا رجوع

وَالتَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لاَ يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا بَلْ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْها .. تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــ كالمهر، ثم إنما يرجع إذا غرم، وقيل: له الرجوع قبله. قال: (والتغرير بالحرية لا يتصور من سيدها)؛ لأنه إذا قال: هي حرة، أو زوجتها على أنها حرة .. عتقت، وخرجت الصورة عن أن يكون نكاح غرور، وكذا قاله الشيخان، واعترضهما ابن الرفعة بأن هذا يفهم أنه صريح في إنشاء العتق، وفيه نظر إن لم يقصده به، لأن هذه صيغة وصف لا إنشاء، فكيف يجعل إنشاء من غير قصد؟! ثم ما ذكروه من عدم التصوير من السيد ممنوع، فذلك ممكن في صور كما إذا رهنها وهو معسر ثم أذن له المرتهن في تزويجها، وكذا لو كانت جانية وهو مفلس أو محجور عليه بفلس وأذن له الغرماء، وكذا لو كان اسمها حرة، أو كان مكاتبًا وزوجها منه بإذن السيد، أو زوجها المشتري قبل القبض وقلنا: لا ينفذ عتقه حينئذ. وصوره الجيلي بأن يقول السيد: هذه أختي، وفيه نظر؛ فإنه لا يدل على الحرية؛ لجواز كونها ملكه وهي أخته، وإن كان يغلب على الظن حريتها .. فهو من قبيل ظن الحرية من غير شرط. قال: (بل من وكيله أو منها)؛ لانتفاء المحذور المذكور، وقد يكون منها ومن الوكيل جميعًا، وهو يدخل في عبارة المصنف؛ لأن (أو) لا تمنع الجمع ولا غيره، فإذا غرا جميعًا .. فالرجوع عليهما، وفي كيفيته وجهان: أحدهما: يرجع بالجميع على من شاء منهما. وأقربهما: يرجع بالنصف على الوكيل في الحال، وعليها بعد العتق. قال: (فإن كان منها .. تعلق الغرم بذمتها) فتطالب به إذا عتقت؛ لأنه لا مال لها

وَلَوِ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيْتًا بِلاَ جِنَايَةٍ .. فَلاَ شَيْءً فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحال، ولا يتعلق بكسبها؛ لأن السيد لم يأذن في ذلك، ولا برقبتها؛ لأن ذلك إنما يكون في بدل المتلفات ولم يوجد منها إتلاف، هذا هو المذهب المشهور. وعن الموفق بن طاهر حكاية وجه غريب: أن حق الرجوع يتعلق برقبتها؛ لأنها متسببة في التفويت. واستثنى في (الأم) و (المختصر) المكاتبة؛ فإنه يرجع عليها في الحال لأنه كجنايتها. وسكت المصنف عما إذا كان التغرير من الوكيل؛ لوضوحه وعما إذا كان من السيد ولا شيء له؛ لأنه الذي أتلف. قال: (ولو انفصل الولد ميتًا بلا جناية .. فلا شيء فيه)؛ إذ لا قيمة له في ذلك الوقت، قال الرافعي: وحكينا فيما إذا وطئ الغاصب أو المشتري منه الجارية

وَمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ مَنْ فِيهِ رِقٌ .. تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المغصوبة عن جهل بالتحريم وأحبلها وانفصل الولد ميتًا وجهًا: أن قيمته تجب لو كان حيًا؛ لأن الظاهر الحياة، فليجر هنا قال القَمُولي: وهو ظاهر النص هناك، واختاره جماعة. فرع: الأصح: أن خيار الغرور على الفور كخيار العيب، وقيل: تجري فيه الأقوال التي سنذكرها في خيار العتق. قال البغوي: وإذا أثبتنا الفسخ .. انفرد به من له الخيار، ولا يفتقر إلى الحاكم كخيار عيب المبيع، قال الرافعي: لكن هذا الخيار مختلف فيه، فليكن كخيار عيب النكاح. قال: (ومن عتقت تحت رقيق أو من فيه رق .. تخيرت في فسخ النكاح). من أسباب الخيار حدوث عتق المنكوحة، فإذا عتقت الأمة تحت عبد .. ثبت لها الخيار؛ لما روى البخاري ومسلم وغيرهما: أن بريرة عتقت .. فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيها ثلاث سنين، وكان زوجها عبدًا، قال ابن عباس: كان عبدًا أسود يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة، وأنه كلم العباس ليكلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم. قال لشيخ: وأنا أعجب من قول ابن عباس هذا مع ما جاء في قصة الإفك من قول علي: سل الجارية .. تصدقك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أي بريرة ...) كذا في (البخاري) وغيره في جميع طرق حديث الإفك، واحتمال كون بريرة هذه أخرى بعيد، وقصة الإفك قبل الفتح بزمان طويل، وابن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح، وأبوه قبل الفتح في نوبة الأسارى، فلعل بريرة كانت تخدم عائشة قبل شرائها إياها، أو أنها اشترتها وتأخر عتقها إلى بعد الفتح، أو دام حزن زوجها عليها هذه المدة الطويلة. وأجمع أهل النقل على أن النبي صلى الله عليه وسلم خيرها، وأنها اختارت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسها، وشفع عندها النبي صلى الله عليه وسلم فيه فقال: (زوجك وأبو ولدك) فقالت: يا رسول الله؛ أتأمرني؟ قال: (لا، ولكني أشفع) قالت: لا حاجة لي فيه. ولذلك أجمعوا على أن الأمة إذا عتقت تحت رقيق .. تخيرت، وإذا عتقت تحت من فيه رق .. ملحق به؛ لأن نقص الرق باق، وأكثر أحكام الرق جارية عليه، ولا فرق بين قليل الرق وكثيره. ومفهوم كلام المصنف: أنها إذا عتقت تحت حر لا خيار لها، وهو كذلك عندنا وعند الجمهور، وقال أبو حنيفة: لها الخيار. لنا: أن الكمال الحادث لها حاصل للزوج، فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم، وقال البخاري: رواية من روى أن زوجها كان عبدًا أصح من رواية من روى أنه كان حرًا. وشملت عبارة المصنف المكاتب والمدبر ومعلق العتق بصفة، وهو كذلك، واحترز بها عما إذا عتقا معًا؛ فإنه لا خيار لها، لأنه وقت عتقها كان حرًا، ولو كان الزوج طلقها رجعيًا ثم عتقت في العدة .. فلها الفسخ، لدفع سلطنة الرجعة وتطويل الانتظار. تنبيهان: أحدهما: يستثنى من إطلاق المصنف إذا زوج أمته بعبد غيره وقبض الصداق وأتلفه ثم أعتقها في مرض موته، أو أوصى بإعتاقها وعتقت قبل الدخول وهي ثلث ماله .. فليس لها خيار العتق؛ لأنها لو فسخت النكاح .. لوجب رد مهر المثل من تركة السيد، ولو رد ذلك .. لما خرجت هي من الثلث، وإذا بقي الرق في البعض .. لم يثبت لها الخيار، فإثبات الخيار يؤدي إلى عدم إثباته فيمتنع من أصله، وكذا الحكم لو لو يتلف الصداق وكانت الأمة ثلث ماله مع الصداق.

وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: لو عتق بعدها وقبل اختيارها الفسخ .. مقتضى عبارته ثبوت الخيار لها، والأظهر: سقوطه، ولو مات .. انقطع خيارها، ولم يذكروه؛ لوضوحه. وظاهر إطلاقه أنه لا يحتاج في هذا الفسخ إلى حاكم، وهو كذلك؛ لثبوته بالنص، وفي (التلقين) لابن سراقة: يفسخه الحاكم إذا اختارت فراقه. قال: (والأظهر: أنه على الفور) كخيار العيب في البيع والشفعة. والثاني: يمتد ما لم يمسها أو يختاره؛ لأن بريرة كان زوجها يطوف ويترضاها ويستشفع إليها فلم تختره، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قربك .. فلا خيار لك) رواه أبو داوود. وفي (سنن النسائي) عن عمرو بن أمية الضمري عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت .. فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها)، ورواه الشافعي في (الأم) عن ابن عمر وشقيقته حفصة، وأنها أفتت بذلك، ثم قال: وبهذا نأخذ، قال ابن عبد البر: لا أعلم لهما مخالفًا من الصحابة، ولهذا قال المحاملي في (المجموع): إن هذا هو الصحيح، وقال ابن الصباغ: إنه ظاهر السنة، ورجحه صاحب (البيان) وابن أبي عصرون وابن عبد السلام، واختاره الشيخ. فعلى هذا: إذا قال الزوج: أصبتها وأنكرت .. ففي المصدق منهما وجهان حكاهما ابن كج، ولم يرجح الشيخان منهما شيئًا، قال في (المهمات): والأقيس تصديق الزوج. والثالث: أن خيارها يمتد ثلاثة أيام؛ لما روي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لبريرة بالخيار ثلاثًا) كذا استدل به ابن الرفعة، ولأنه يحتاج إلى تأمل، وهي مدة مغتفرة شرعًا، وابتداؤها من العلم بالخيار. وعلى المذهب وغيره: تستثنى الصغيرة والمجنونة؛ فإن خيارهما يتأخر إلى زوال المانع، وفي كونه على الفور إذ ذاك الأقوال الثلاثة، وله الوطء في حال صغرها وجنونها على الصحيح، ولا يختار الولي فسخًا ولا إجازة؛ لأنه خيار شهوة.

فَإِنْ قَالَتْ: جَهِلْتُ الْعِتْقَ .. صُدِّقَتُ بِيَمِينِهَا إِنْ أَمْكَنَ، بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَائِبًا، وَكَذَا إِنْ قَالَتْ: جَهِلْتُ الْخِيَارَ بِهِ فِي الأَظْهَرِ، فَإِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ وَطْءٍ .. فَلاَ مَهْرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن قالت: جهلت العتق .. صدقت بيمينها إن أمكن بأن كان المعتق غائبًا)؛ لأن ظاهر الحال يصدقها، فإن كانت معه في بيته ويبعد خفاء العتق عليها .. فالمصدق الزوج. وعبارة (المحرر) و (الروضة): صدقت إن لم يكذبها ظاهر الحال، وهي أحسن؛ فإن الإمكان موجود في الحالتين. قال: (وكذا إن قالت: جهلت الخيار به في الأظهر)؛ لأن هذا لا يعلمه إلا الخواص. والثاني: لا تصدق، ويبطل الخيار كالمشتري إذا قال: لم أعلم أن العيب يثبت الخيار في المبيع. فإن ادعت الجهل بالفور .. قال الغزالي: لا تعذر، قال الرافعي: ولم أرها لغيره. نعم؛ ذكرها العبادي في (الرقم) فقال: إن كانت قديمة الإسلام وخالطت أهله .. لم يقبل، وإلا .. فقولان، قال في (المهمات): وقياس نظائر المسألة الفرق بين من يخفى عليه ذلك أو لا. قال: (فإن فسخت قبل وطء .. فلا مهر)؛ لأن الفسخ من جهتها، وفي (سنن البيهقي) عن ابن عباس أنه قال: (لا يجمع عليه فراقها وذهاب ماله). وشبهه الماوردي بما إذا قال لزوجته قبل الدخول: أنت طالق إن شئت، فقالت: شئت .. فإنها تطلق ولا مهر لها، وهذا وجه ضعيف، وكما لا يجب هنا مهر .. لا متعة.

وَبَعْدَهُ: بِعِتْقٍ بَعْدَهُ .. وَجَبَ الْمُسَمَّى، أَوْ قَبْلَهُ .. فَمَهْرُ مِثْلٍ، (وَقِيلَ: الْمُسَمَّى)، وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةً .. فَلاَ خِيَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من مجموع ما تقدم: أن للزوج الوطء قبل الفسخ، ولا خلاف فيه. قال: (وبعده: بعتق بعده) أي: بعد الوطء (.. وجب المسمى)؛ لاستقراره بالوطء، ونقل الإمام الاتفاق عليه. وصورة المسألة: أمة تزوجت بعبد ثم عتقت، فاختارت الفسخ بعد أن دخل بها .. فالمسمى قد وجب واستقر بالدخول المتقدم على العتق، فلا يتغير حكمه. قال: (أو قبله .. فمهر مثل، (وقيل: المسمى) صورتها: أمة متزوجة بعبد، فعتقت ولم تعلم بالعتق حتى وطئت، ثم علمت ففسخت .. ففيه وجهان لا ترجيح فيهما في (الشرحين): أحدهما: يجب مهر المثل؛ لأن الفسخ يستند إلى حالة العتق، فكأنه وطء في نكاح فاسد. والثاني: يجب المسمى، واختاره جماعة؛ لأنه فسخ بسبب طارئ، ولأن المهر للسيد لا لها، وهو بالإعتاق محسن إليها، فينبغي أن لا ترد بالإعتاق إلى مهر المثل. قال: (ولو عتق بعضها أو كوتبت أو عتق عبد تحته أمة .. فلا خيار). أما في الأولى .. فلبقاء أحكام الرق عليها، خلافًا للمزني. وصورة عتق بعضها: أن يكون المعتق معسرًا، وإلا .. فالموسر يعتق عليه الجميع. وأما الثانية: فلكمال الرق، وكذا لو دبرت أو علق عتقها أو استولدت، والمزني مخالف في المسألتين. واحترز بقوله: (كوتبت) عما إذا زوجت بعبد وهي مكاتبة فعتقت تحته؛ فإنه يثبت لها الخيار كما نقله أبو الفرج الزاز في (تعليقه). وإذا عتق العبد وتحته أمة .. فلا خيار على المشهور؛ لأن المعتمد الحديث،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس الرجل كالمرأة، ولأن الحر لو تزوج امرأة فبانت أمة .. فلا خيار له، والمرأة لو تزوجت رجلاً فبان عبدًا لها الخيار، والدوام كالابتداء. تتمة: يحل للزوج جميع الاستمتاعات كالقبلة والمعانقة والمضاجعة والمفاخذة واللمس والنظر، والوطء على أي حالة كانت قائمة أو قاعدة أو مضطجعة، ويستثنى النظر إلى الفرج؛ فإنه منهي عنه كما تقدم، والإتيان في الدبر حرام ملعون فاعله، وفي العزل عن الزوجة أربعة أوجه: أصحها: الجواز، لكن يكره كراهة تنزيه، والأولى تركه على الإطلاق، ولا يحرم في السرية بلا خلاف صيانة للملك. وقيل: يحرم في الزوجة مطلقًا، وقيل: يحرم بغير إذن، وقيل: يحرم في الحرة دون غيرها. قال الرافعي: والاستمناء باليد نقل عن أحمد الترخيص فيه، وذكر القاضي ابن كج أن فيه توقفًا في القديم، والمذهب الظاهر: تحريمه؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ملعون من نكح يده) واحتج له أيضًا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ} إلى قوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وهذا مما وراء ذلك. ويجوز أن يستمني بيد زوجته وجاريته كما يستمتع بسائر بدنهما، ولا بأس أن يطوف على إمائه بغسل واحد، لكن يستحب أن يخلل بين كل وطأتين وضوءًا وغسل الفرج، ولا يتصور ذلك في الزوجات إلا بإذنهن، وأما حديث (الصحيحين): (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه بغسل واحد) فمحمول على إذنهن.

فَصْلٌ: يَلْزَمُ الْوَلَدَ إِعْفَافُ الأَبِ وَالأَجْدَادِ عَلَى الْمَشَهُورِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره أن يطأ واحدة بحضرة أخرى، وأن يكونا متجردين، وأن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته وأمته. وتسن ملاعبة الزوجة إيناسًا وتلطفًا ما لم يترتب عليه مفسدة، ويستحب أن لا يعطلها، وأن لا يطيل عهده بالجماع من غير عذر، وأن لا يترك ذلك عند قدومه من سفره. والسنة أن يقول عند الجماع: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. ولا يكره الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها، ويحرم على الزوجة والأمة تحريمًا غليظًا أن تمتنع إذا طلبها للاستمتاع الجائز، ولا يكره وطء المرضع والحامل، ويكره أن تصف المرأة امرأة أخرى لزوجها من غير حاجة. وقال في (الإحياء): يكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر والأخيرة منه وليلة نصفه؛ فيقال: إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي. وأفتى ابن عبد السلام بأنه لا يحل للمرأة أن تستعمل دواء يمنع الحبل، وكذا أفتى به الشيخ عماد الدين بن يونس، قال: ولو رضي به الزوج. ويجوز له وطء زوجته وأمته في الموضع الذي يعلم أنه يدخل عليه وقت الصلاة ويخرج ولا يجد ما يغتسل به، ولا يمنعه من ذلك علمه بأنها لا تغتسل عقبه وتؤخر الصلاة عن وقتها. وكره أحمد الوطء في السفينة؛ لأنها تجري على كف الرحمن. قال: (فصل: يلزم الولد إعفاف الأب والأجداد على المشهور)؛ لقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وفي ترك الإعفاف تعريض للزنا، وذلك غير لائق بحرمة الأبوة، ولأنه

بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَهْرَ حُرَّةٍ، أَوْ يَقُولَ: اِنْكِحْ وَأُعْطِيَكَ الْمَهْرَ، أوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإذْنِهِ وَيُمْهِرَ، أوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً أوْ ثَمَنَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ من حاجاته المهمة، فوجب على الولد القيام به كالنفقة والكسوة. وعن ابن خيران تخريج قول: إنه لا يجب، وبه قال أبو حنيفة والمزني، لأنه من التلذذ كأكل الفاكهة والحلوى، وكما أن الابن لا يجب إعفافه بالاتفاق. وحكى الدارمي وجهًا: أنه يجب إعفاف الأب دون الجد، وعلى المذهب: المراد الأجداد من الجهتين وإن علوا. ولو كان الأب كافرًا .. ففي وجوب إعفافه وجهان: أصحهما: يجب كما تجب نفقته، فكل من وجبت نفقته .. وجب إعفافه. وقيل: لا تجب نفقة الكافر؛ إذ لا حرمة له. ولا يجب إعفاف الأم، قال الإمام: بل لا يتصور؛ إذ لا مؤنة عليها في النكاح. قال ابن الرفعة: وحكى من لا يوثق به فيه وجهًا، أشار بذلك إلى الجيلي ولم ينصفه في ذلك؛ فقد حكى الوجه المذكور الجرجاني في (الشافي)، لكنه غريب، والفرق على المشهور: أن إعفاف الأب إكرام، وإعفافها اكتساب فلم يجب عليه. لكن يستثنى من إطلاق المصنف الأب الرقيق؛ فإنه لا يجب إعفافه. ومن اجتمع له أصلان وقدر على إعفافهما .. وجب، أو على إعفاف أحدهما فقط .. قدم العصبة، وإن كان كأب أب الأب على أب الأم، فإن استويا كأب أم الأب وأب أب الأم .. أقرع، وقيل: يقدمُ القاضي باجتهاده. ومن له فرعان .. لزم الأقرب، فإن استويا .. فالوارث كابن الابن مع ابن البنت، فإن استويا .. وزع عليهما، وفي (البحر) و (الحاوي): يجب على البنين، فإن تعذر .. فعلى البنات. قال: (بأن يعطيه مهر حرة، أو يقول: انكح وأعطيك المهر، أو ينكح له بإذنه وبمهر، أو بملكه أمة أو ثمنها) هذه الطرق الخمسة كل منها يحصل به المقصود،

ثُمَّ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يلزمه تسليم الصداق إليه، بل يقول: أنا أسوقه إلى الزوجة، ولا فرق بين أن تكون الحرة المنكوحة مسلمة أو كتابية. وعلم من قوله: (يملكه) أنه ليس له إنكاحه الأمة وهو الأصح، والمراد: يملكه أمة تحل له بأن لا تكون موطوءة الابن ولا مجوسية، ولابد أن تكون ممن تعفه، فلا تكفي الصغيرة، ولا العجوز الشوهاء، كما ليس له أن يعطيه في النفقة طعامًا فاسدًا لا ينساغ. والتخيير بين هذه الخصال الخمس للمُطلَقِ التصرفِ، أما غيره .. فعلى وليه أن لا يبذل إلا أقل ما تندفع به الحاجة، إلا أن يلزمه الحاكم بغيره، وللابن أن لا يسلم المهر أو الثمن إلا بعد عقد النكاح أو الشراء. قال: (ثم عليه مؤنتهما) كذا بخط المصنف بالتثنية، والمراد: الأب والتي أعفه بها من زوجة أو أمة، ويقع في بعض النسخ كما في (المحرر) بالإفراد، وهو أحسن؛ لأن مؤنة الأب ذكرها في (كتاب النفقات)، ولأنه لا يلزم من إعفاف الأب وجوب نفقته؛ لأنه قد يكون قادرًا على النفقة دون النكاح، وفي هذه الحالة: الأصح: وجوب إعفافه، وقيل: لا يجب؛ لأن النفقة إذا سقطت .. سقط الإعفاف. والمراد بـ (المؤنة) النفقة والكسوة، وقال البغوي: لا يلزمه الأدم ولا نفقة

وَلَيْسَ لِلأَبِ تَعْيِينُ الْنِكَاحِ دُونَ الْتَسْرِّي، وَلاَ رَفِيعَةٍ. وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى مَهْرٍ .. فَتَعْيِينُهَا لِلأَبِ. وَيَجِبُ الْتَّجْدِيدُ إِذَا مَاتَتْ أَوْ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ أَوْ فُسِخَ بِعَيْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخادم؛ لأن فقدهما لا يثبت الخيار. قال الرافعي: وقياس قولنا: إنه يتحمل ما لزم الأب لزومهما؛ لأنهما يلزمان الأب مع إعساره، وأما فطرتهما .. فتقدمت في بابها. وتلزمه مؤنة مستولدة أبيه، غير أنه لا يلزم إلا بمؤنة واحدة، فلو كان للأب زوجتان .. أنفق على واحدة فقط، وقيل: لا يلزمه شيء؛ لأن المستحقة لم تتعين، حكاه الرافعي في (النفقات)، وعلى الصحيح: تقسم النفقة بينهما، وقال ابن الرفعة من عند نفسه: يظهر أن تتعين الجديدة؛ لئلا يثبت لها الخيار. قال: (وليس للأب تعيين النكاح دون التسري، ولا رفيعة) أي: بجمال أو شرف أو يسار؛ لأن ذلك قد يضر بالولد، والحاجة تندفع بغيرها كما أنه ليس له تعيين مفاخر الأطعمة والملبوس. قال: (ولو اتفقا على مهر .. فتعيينها للأب)؛ لأنه مطلق التصرف غير محجور عليه، ولأنه لا غرض للابن في تعيينها، وغرض الأب ظاهر. قال: (ويجب التجديد إذا ماتت أو انفسخ بردة أو فسخ بعيب) كما لو دفع إليه النفقة فسرقت منه، وكذلك الحكم إذا انفسخ نكاحها برضاع، بأن أرضعت التي كان نكحها صغيرة، كانت زوجة له فصارت أم زوجته، أو فسخت بعيبه، وفي وجه بعيد: لا يجب التجديد؛ لأن الإعفاف عقد مواساة، فلو قلنا بتكررة .. لشق، وخرج عن موضوع المواساة. وإطلاق المصنف يقتضي: أنه لا فرق بين ردته وردتها، والصواب: تخصيصه بردتها، أما ردته .. فكطلاقه بغير عذر، بل أولى.

وَكَذَا إِنْ طَلَّقَ بِعُذْرٍ فِي الأَصَحِ. وَإِنْمَا يَجِبُ إِعْفَافُ فَاقِدِ مَهْرٍ مُحْتَاجٍ إِلَى الْنِكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن طلق بعذر في الأصح) ولو تكرر مرارًا كما في الموت، وحكم الخلع حكم الطلاق. والعذر: شقاق، أو نشوز، أو ريبة ونحوها. والثاني: المنع؛ فإن الأب قصد قطع النكاح، فإن طلق بغير عذر .. لم يجب التجديد؛ لأنه المفوت على نفسه، وبه صرح في (المحرر)، وحذفه المصنف؛ اكتفاء بالمفهوم. والثالث: يجب التجديد مطلقًا؛ لأن تكليفه إمساك واحدة فيه عسر. وموضع الخلاف إذا لم يكن مطلاقًا، فإن كان .. لم يجب التجديد اتفاقًا، ولكن يسريه جارية، ويسأل القاضي الحجر عليه في الإعتاق. ثم إذا كان الطلاق بائنًا .. وجب التجديد في الحال، وإن كان رجعيًا .. فبعد انقضاء العدة. قال: (وإنما يجب إعفاف فاقد مهر) حرة؛ لأن القادر عليه مستغن عن الابن، ويلتحق به القادر على تحصيله بكسب أو غيره، قال الرافعي: وينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور في النفقة. قال: (محتاج إلى النكاح)؛ لغلبة شهوته لا لخدمته، فإن ذلك يجب بلا خلاف، ولا يحل له طلب الإعفاف إلا إذا صدقت شهوته بحيث يخاف العنت، أو يضر به التعزب، ويشق عليه الصبر، قال الإمام: ويحتمل أن يشترط خوف العنت كما في نكاح الأمة، لكن الأول أظهر.

وَيُصَدَّقُ إِذّا ظَهَرَتِ الْحَاجَةُ بِلاَ يَمِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان تحته عجوز أو شوهاء أو رتقاء لم تندفع الحاجة بها .. وجب إعفافه. قال: (ويصدق إذا ظهرت الحاجة)؛ لأنها لا تعلم إلا من جهته. قال: (بلا يمين)؛ لأن تحليفه في هذا المقام لا يليق بحرمته. فروع: حيث وجب الإعفاف .. استوى فيه الابن والبنت كالنفقة، وإذا قلنا: لا يجب الإعفاف .. فللأب المحتاج أن ينكح أمة، وإن أوجبناه .. فوجهان: أحدهما: يجوز؛ لأنه غير مستطيع طول حرة وخائف العنت. وأصحهما: المنع؛ لأنه مستغن بمال ولده، فإن قلنا بالأول .. حصل الإعفاف بأن يزوجه أمة. هذا كله في الإعفاف لأجل قضاء الشهوة، فلو احتاج الأب إلى النكاح لأجل الخدمة بسبب مرض .. قال ابن الرفعة: فإعفافه واجب على الابن كما يجب عليه شراء الدواء ونحوه له؛ لأن ذلك من جملة كفايته، ويشبه أن لا يكون في ذلك الخلاف في وجوب الإعفاف لأجل الشهوة، قال الشيخ: والذي قال صحيح، لكنه لا يسمى إعفافًا. وإذا أيسر الأب بعد تمليك الابن الجارية له أو تمليك الصداق .. لم يكن للابن استرداده اتفاقًا، قال المحاملي: كما لو دفع إليه النفقة في وقت حاجته ثم أيسر.

وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ: وَطْءُ أَمَةِ وَلَدِهِ - وَالْمَذْهّبُ: وُجُوبُ مَهْرٍ لاَ حَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحرم عليه وطء أمة ولده)؛ لأنها لا زوجة ولا ملك يمين. وشكلت عبارته أمة الابن والبنت والأحفاد، وهي أحسن من تعبير (المحرر) بـ (أمة الابن). قال: (والمذهب: وجوب مهر لا حد) سواء كانت موطوءة الابن أم لا؛ لشبهة الملك؛ ففي (سنن أبي داوود) و (ابن ماجة) عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) وظاهر اللفظ ليس مرادًا؛ لاستحالة ملك المالكين، ولأنه لا يملك ذات الابن، وإنما المراد: التشبيه، وهذا معنى قولنا: شبهة الملك؛ أي: أن ملك الولد يشبه ملك الأب، فهو كحقيقة الملك، بل أقوى. وعن الإصطخري تخريج قول في وجوب الحد، والصحيح: أنه يعزر لحق الله تعالى لا لحق الابن، وقيل: لا يعزر. وعلى المذهب: هو كوطء الشبهة، فعليه المهر للابن، فإن كان موسرًا .. أخذ منه وإن كان معسرًا .. ففي ذمته إلى أن يوسر، وقيل: إن كان معسرًا .. لم يثبت في ذمته، والصحيح الأول. وكما يسقط الحد ويجب المهر للشبهة .. تثبت المصاهرة، فتحرم الجارية على الابن أبدًا، ويستمر ملكه عليها إذا لم يوجد من الأب إحبال، ولا شيء على الأب بتحريمها؛ لأن مجرد الحل في ملك اليمين غير متقوم، وإنما المقصود الأعظم فيه المالية، وهي باقية، فأشبه ما إذا اشترى جارية فخرجت أخته من الرضاع .. لا رد، وله تزويجها وتحصيل مهرها، بخلاف ما لو وطئ زوجة أبيه أو ابنه بالشبهة .. فإنه يغرم المهر؛ لأنه فوت الملك والحل جميعًا، ولأن الحل هناك هو المقصود. كل هذا إذا لم تكن الأمة موطوءة الابن، أو موطوءته ولم يكن أحبلها، فإن كانت مستولدته .. وجب على الأب الحد بوطئها بلا خلاف. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه المهر إذا وطئ جارية ابنه بكل حال.

فَإِنْ أَحْبَلَ .. فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، فّإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةَ الابْنِ .. لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةَ الأَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: قال القاضي حسين: إذا قلنا: المهر يجب على الأب، فوطئها في مجالس مكررة .. لاتتداخل؛ لأنه حق آدمي، ولا خلاف أنه إذا وطئها وطأة واحدة لا يتكرر مهرها بتكرر الإيلاجات، ولو وطئها في مجلس واحد مرارًا .. ففيه وجهان: أحدهما: يتكرر كما في مجالس. والثاني: لا يجوز أن يفرق بين المجلس الواحد والمجالس في الغرامات، ألا ترى أن المحرم لو تسربل وتقمص في مجلس واحد .. لزمه فدية واحدة، وإن كان في مجالس .. لزمه فديات، وهكذا الحكم في أحد الشريكين إذا وطىء الجارية المشتركة، وفي السيد إذا وطىء مكاتبته. أما إذا وطىء امرأة بشبهة أو في النكاح الفاسد في مجلس واحد أو مجالس .. فيلزمه مهر واحد، والفرق: أن الشبهة هنا متحدة، وفي تلك المسائل متعددة، بدليل أنه يأثم بكل وطأة إذا كان عالمًا، والواطىء بالشبهة لا يأثم. قال: (فإن أحبل .. فالولد حر نسيب) كما لو وطىء جارية أجنبي بشبهة، وهذا تفريع على الصحيح، وهو أنه لا حد، ولذلك عطفه بـ (الفاء)، أما إذا قلنا: يحد .. فالولد رقيق غير نسيب. قال: (فإن كانت مستولدة الابن .. لم تصر مستولدة الأب)؛ لأنها لا تقبل النقل، وهذا لا خلاف فيه.

وَإِلاَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهَا تَصِيرُ، وَأَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا مَعَ مَهْرٍ، لا َقِيمَةَ وَلَدٍ فِي الأَصَحِّ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فالأظهر: أنها تصير) وبه قال أبو حنيفة؛ للشبهة التي اقتضت انتفاء الحد ووجوب المهر. والثاني - وبه قال المزني -: لا تصير أم ولد لأنها ليست ملكًا له وقت الإحبال. وفي قول: إن كان موسرًا .. نفذ، وإلا .. فلا كاستيلاد أحد الشريكين. هذا إذا كان الأب حرًا، فإن كان رقيقًا أو مكاتبًا أو مبعضًا .. فإن الاستيلاد لا يثبت؛ إذا لا شبهة له في ماله، وسيأتي في تتمة (أمهات الأولاد) حكم ذلك. قال: (وأن عليه قيمتها مع مهر) كما إذا استولد أحد الشريكين الجارية المشتركة .. يجب عليه نصف القيمة مع نصف المهر، وإنما وجب المهر مع القيمة؛ لأنهما وجبا بشيئين مختلفين: المهر بالإيلاج والقيمة بالاستيلاد. والثاني: لا تلزمه القيمة، وهما مبنيان على القولين في الاستيلاد، إن ثبت .. غرم، وإلا .. فلا. وما أطلقه من وجوب المهر محله إذا تأخر الإنزال عن مغيب الحشفة، فإن حصل الإنزال مع تغييبها .. فقد اقترن موجب المهر بالعلوق، فينبغي أن ينزل المهر منزلة قيمة الولد كما قاله الإمام، وأقره الشيخان. وإذا اختلفا في القيمة .. فالقول قول الأب الغارم، ولو كانت بكرًا فافتضها .. لزمه مع ذلك أرش بكارتها؛ لأنه استهلك عضوًا من بدنها، قاله الماوردي. قال: (لا قيمة ولد في الأصح)؛ لأنه التزم قيمتها، والولد جزء منها فاندرج، ولأن القيمة إنما تجب بعد انفصاله، وذلك واقع في ملكه. والثاني: يجب كوطء الشبهة، والخلاف ينبني على أن ملك الأم ينتقل قبل العلوق أو بعده، فإن قلنا بعده .. وجبت قيمة الولد. وقيل: إن أثبتنا الاستيلاد .. لم تجب قيمة الولد، وإلا .. وجبت، والخلاف إذا انفصل حيًا، فإن انفصل ميتًا .. فلا شيء قطعًا.

وَنِكَاحُهَا، فَلَوْ مَلَكَ زَوْجَةَ وَالِدِهِ الَّذِي لاَ تَحِلُّ لَهّ الأَمَةُ .. لَمْ يَنْفَسِخِ الْنِكَاحُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ونكاحها) أي: يحرم على الحر نكاح جارية ابنه، أوجبنا الإعفاف أو لم نوجبه، خاف العنت أم لا؛ لأن له فيها شبهة تسقط الحد فلم يحل له نكاحها كالأمة المشتركة بينه وبين غيره. وقيل: يجوز بناء على عدم ثبوت استيلاد أمة ولده، أو على عدم وجوب الإعفاف، وقطع الأكثرون بالأول بناء على مقابلهما. هذا إذا كان الوالد حرًا، فإن كان رقيقًا .. فله أن ينكح جارية ابنه؛ لأنه لا يجب إعفافه ولا نفقته، وإذا استولد الرقيق جارية ابنه .. لم تصر أم ولد. قال: (فلو ملك زوجة والده الذي لا تحل له الأمة .. لم ينفسخ النكاح في الأصح). صورة المسالة: أن يكون والده نكحها حيث يجوز له نكاح الأمة، ثم ملكها الابن والأب بحيث لا يحل له ابتداء نكاح الأمة .. فلا ينفسخ النكاح في الأصح؛ لأن الأصل في النكاح الثابت الدوام، وللدوام من القوة ما ليس للابتداء، وقد سبق أن النكاح الطارىء على نكاح الأمة لا يرفعه.

وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ، فَإِنْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ .. انْفَسَخَ الْنِكَاحُ فِي الأَصَحِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يمتنع كما يمتنع نكاح أمة نفسه، وهذا صححه الفارقي، وزيفه الإمام، ونسبه لبعض الخلافيين وقال: لست أعده من المذهب. واحترز بقوله: (زوجة والده الذي لا تحل له الأمة) عما إذا ملك زوجة والده العبد .. فإن النكاح لا ينفسخ جزمًا؛ لأن العبد يجوز له أن يتزوج بأمة ولده كما تقدم، وإنما الوجهان إذا كان الأب حرًا وهو معسر خائف للعنت، فمسألة الكتاب فرد من أفراد نكاح أمة الولد، ونكاح أمة الولد أخص من نكاح مطلقة الأمة. قال: (وليس له نكاح أمة مكاتبه)؛ لأن له فيها حق الملك كأمة ابنه، والمراد: المكاتب كتابة صحيحة. قال: (فإن ملك مكاتب زوجة سيده .. انفسخ النكاح في الأصح)؛ لأن تعلق السيد بمال المكاتب فوق تعلق الأب بمالك الابن، فحدوث ملك المكاتب يقرب مما إذا ملك زوجة نفسه. والثاني: لا ينفسخ؛ لأنه كالأجنبي من السيد. فإن قيل: إذا ملك أبا سيده لم يعتق عليه .. فلم تنزلوه منزلة ملك نفسه؟ فالجواب: أن الملك قد يجتمع مع القرابة في بعض الصور، والملك والنكاح لا يجتمعان. تتمة: يجوز نكاح جارية ابنه من الرضاع، ونكاح جارية أبيه وأمه قطعًا؛ لعدم وجوب الإعفاف.

فَصْلٌ: السَّيِّدُ بَإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لاَ يَضْمَنُ مَهْرًا وَنَفَقَةً فِي الْجَدِيدِ، وَهُمَا فِي كَسْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: السيد بإذنه في نكاح عبده لا يضمن مهرًا ونفقة في الجديد)؛ لأن الإذن إنما يدل على التمكين، وليس فيه تصريح بالتزام، هذا هو المنصوص في (الأم). والقديم: أنهما على السيد؛ لأن الإذن في النكاح يتضمن الالتزام، وهل يجبان على السيد ابتداء، أو على العبد ثم يتحملهما السيد؟ فيه وجهان: أصحهما عند أبي الفرج الزاز - وهو الراجح في (الشرح الصغير) - الثاني. فعلى الأول: لا تتوجه المطالبة على العبد، ولو أبرأته .. كان لغوًا، ولو أبرأت السيد .. سقط. وعلى الثاني: للمرأة مطالبتها بهما جميعًا، ولو أبرأت العبد .. برىء السيد. قال القاضي حسين: ويجريان في كل دين لزم العبد بإذنه كما لو أذن له في ضمان غيره، أو في التمتع بالحج. وإذا قلنا بالجديد .. فلا مطالبة على السيد أصلاً إلا بالتمكين من الاكتساب على ما سيأتي. ولو أذن بشرط الضمان .. لم يلزمه، ولو ضمن قبل العقد .. كان ضمان ما لم يجب، وإن ضمن بعد العقد .. صح في المهر المعلوم، ولا يصح في النفقة. قال: (وهما في كسبه)؛ لأنهما من لوازم النكاح، وكسب العبد أقرب شيء يصرف إليهما، فالإذن في النكاح إذن في صرف مكاسبه إلى مؤناته، وهل يتعلقان مع الكسب بذمة العبد؟ وجهان: أصحهما: نعم، وظاهر كلام المصنف خلافه، والتعلق بذمة العبد هنا أقوى منه في دين التجارة؛ لأن الغرض هنا له، وهناك للسيد.

بَعْدَ الْنِكَاحِ الْمُعْتَادِ وَالْنَّادِرِ. فَإِنْ كَانَ مَاذُوناً لَهُ فِي تِجَارَةٍ .. فَفِيمَا بِيَدِهِ مِنْ رِبْحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بعد النكاح) يعني: الذي يكسبه بعد النكاح، فيعد النكاح ظرف للكسب؛ لأن الأكساب التي قبله وإن كانت باقية .. فهي خاصة بالسيد كسائر أمواله، فلو كان المهر مؤجلاً .. صرف إليه مما يكسبه بعد حلول الأجل، لا من المكتسب قبله، وهذه الصورة تستثنى من إطلاق المصنف. وطريق الصرف إلى المهر والنفقة: أن ينظر في الحاصل كل يوم فيؤدي منه النفقة إن وفى بها، فإن فضل شيء .. صرف إلى المهر، وهكذا كل يوم حتى يتم المهر، وما فضل بعد ذلك للسيد، ولا يدخر للنفقة، هكذا رتب الرافعي. وفي (الوسيط) يكتسب للمهر أولاً ثم للنفقة، وهذه المسألة تقدم في (باب الضمان) الفرق بينها وبين نظيرها منه. قال: (المعتاد) وهو الذي يحصل من صنعة وحرفة واحتطاب واحتشاش واصطياد. قال: (والنادر) كالهبة والوصية، وهذا بناء على أن النادر يدخل في المهايأة، وهو الصحيح. والثاني: لا يتعلق به؛ بناء على عدم دخوله. قال: (فإن كان مأذونًا له في تجارة .. ففيما بيده من ربح)؛ لأنه من جملة كسبه. والأصح: أنهما يتعلقان بجميع الربح الحاصل في يده قبل النكاح والحادث بعده، ولهذا أطلقه، بخلاف الكسب، وذلك أن العبد إذا كان مأذونًا وفي يده مال فأطماع المعاملين تمتد إلى ما في يده، وإذا أذن له في النكاح .. كأنه التزم صرف ما في يده إلى مؤناته، ولهذا تعلق برأس المال كما سيأتي. وقيل: يختصان بالربح الحاصل بعد النكاح، فلو كان المأذون مكتسبًا .. فقد سكت الرافعي في (الشرح) عن حكمه، وهو يدخل في إطلاق (المحرر) و (المنهاج)، ويقتضي أنهما يتعلقان بالربح والكسب جميعًا، وهو الظاهر، ويحتاج إلى ذلك؛ فإنه قد لا يكفي أحدهما ويتكمل من الآخر.

وَكَذَا رَاسُ مَالٍ فِي الأَصَحِّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا وَلاَ مَاذُونًا لَهُ .. فَفِي ذِمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ: عَلَى الْسَّيِّدِ. وَلِلسَّيِّدِ الْمُسَافَرَةُ بِهِ وَيَفُوتُ الاسْتِمتَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا رأس مال في الأصح)؛ لأنه دين لزمه بعقد مأذون فيه، فكان كدين التجارة. والثاني: لا يتعلق برأس المال؛ لأنه لم يحصل بكسبه، فهو كرقبته. قال: (فإن لم يكن مكتسبًا ولا مأذونًا له .. ففي ذمته)؛ لأنه دين لزمه برضا مستحقه فتعلق بذمته كبدل القرض. قال: (وفي قول: على السيد)؛ لأن الإذن في النكاح لمن هذا حاله التزام للمؤنات. قال الشيخ: كذا وجهوه، وهو يشبه توجيه القول القديم، ولا يناسب قواعد الشافعي في الجديد، والرافعي في (الشرح) تردد في كونهما قولين أو وجهين، وجزم في (المحرر) بأنهما قولان، وتبعه عليه المصنف. والظاهر: أنهما قولان غير القولين المصدر بهما الجديد والقديم، أما الأول .. فبلا شك؛ لاختلاف علته وعلة الجديد، وأما الثاني .. فلا يتجه إلا على القديم. وفي قول ثالث: يتعلق برقبته كأروش الجنايات. قال: (وللسيد المسافرة به)؛ لأنه مالك لرقبته فيقدم حقه، كما لو أراد أن يسافر بالأمة المزوجة .. فله ذلك، وللعبد أن يسافر بزوجته معه، وحينئذ فعليه أن يخليه للاستمتاع بها كالحضر، قال البغوي: ويكون الكراء في كسبه، فلو لم تخرج الزوجة معه، أو كانت رقيقة فمنعها سيدها .. سقطت نفقتها، وإن لم يطالبها الزوج بالخروج .. فالنفقة بحالها. قال: (ويفوتُ الاستمتاع) أنَّى ودَّع يفوت الاستمتاع بسبب السفر، وعبارة

وَإِذَا لَمْ يُسَافِرْ بِهِ .. لَزِمَهُ تَخْلِيَتَهُ لَيْلاً لِلاسْتِمْتَاعِ، وَيَسْتَخْدِمُهُ نَهَارًا إِنْ تَكَفَّلَ الْمَهْرَ وَالْنَّفَقَةَ، وَإِلاَ .. فَيُخْلِيهِ لِكَسْبِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (المحرر): (وإن فات الاستمتاع) وهي أحسن، وبالجملة: لا حاجة إلى ذكر ذلك؛ فإنه معلوم من الأول، ولذلك لم يذكرها الشافعي في (المختصر). وعبارة المصنف تقتضي: أن له المسافرة به وإن لم يتكفل المهر والنفقة؛ لأن شرط التكفل في استخدامه نهارًا، ولم يذكرها فيما إذا سافر به، والحكم في الحالين سواء كما صرح به الرافعي وغيره. قال: (وإذا لم يسافر به .. لزمه تخليته ليلاً للاستمتاع)؛ لأنه مقصود النكاح، ولاقتضاء العرف ذلك، كما يلزمه تخليته في أوقات راحته وأكله وشربه، وصرح الماوردي بأن السيد إذا كان معاشه ليلاً كالحارس .. يلزمه تخليته نهارًا كما جزموا به في (القسم). والمراد بتخليته ليلاً على العادة في الفراغ من الخدمة كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وسيأتي في نظيره من الأمة. كل هذا إذا لم تكن الزوجة في بيت سيده، فإن كانت .. لم تلزمه تخليته بالليل؛ لأنه متمكن من الاستمتاع بها في منزله، ذكره الشيخ أبو حامد والماوردي. قال: (ويستخدمه نهارًا إن تكفل المهر والنفقة) المراد بتكفلهما: التزامهما وأداؤهما، وليس على حقيقة ضمان الديون، وحق المهر والنفقة متعلق بالكسب، وإنما السيد بالتزامه منعه من ذلك. كل هذا في السيد الموسر، فلو كان معسرًا .. فالمتجه: أن التزامه لا يفيد؛ لتفويت حق الزوجة بذلك. وقوله: (تكفل المهر والنفقة) كذا هو بغير باء؛ لأن تكفل متعد بنفسه، وهو في (المحرر) معدى بـ (الباء). قال: (وإلا .. فيخليه لكسبهما)؛ لوجوبهما عليه؟، وتعلقهما بكسبه.

وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ بِلاَ تَكَفُّلٍ .. لَزِمَهُ الأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِ وَكُلِّ الْمَهْرِ وَالْنَفَقَةِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ والنَّفَقَةُ. وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَوَطِىءَ .. فَمَهْرُ مِثْلٍ فِي ذِمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ: فِي رَقِبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن استخدمه بلا تكفل .. لزمه الأقل من أجرة مثل وكل المهر والنفقة)؛ لأن أجرته إن زادت .. كان له أخذ الزيادة، وإن نقصت .. لم يلزمه إتمام النفقة. والمراد: استخدمه نهارًا؛ فإن حقه في استمتاعه ليلاً لا بدل له، فلو استخدمه ليلاً ونهارًا .. ضمن زمان نهاره دون ليله. قال: (وقيل: يلزمه المهر والنفقة) أي: كمالهما وإن زادت على أجرة المثل؛ لأنه ربما كسب ذلك اليوم ما يفي بالجميع، ورجحه الماوردي. وعلى الوجهين: المراد قدر نفقة الاستخدام، وقيل: نفقة مدة النكاح وإن امتدت؛ لأنه ربما كان يكتسب ما يفي بجميع ذلك. واحترز باستخدام السيد عما إذا استخدمه أجنبي .. فإنه لا يلزمه غير أجرة المثل بالاتفاق. قال الرافعي: وإذا اختصرت الخلاف في استخدام السيد .. حصلت ثلاثة أوجه فيما إذا استخدمه يومًا: أحدها: كمال المهر ونفقة العمر. والثاني: المهر ونفقة اليوم. والثالث - وهو الأصح -: أنه لا تلزمه إلا أجرة المثل كالأجنبي. وصورة المسألة: أن تكون أجرة المثل أقل. قال: (ولو نكح فاسدًا ووطىء .. فمهر مثل في ذمته)؛ لحصوله برضا المستحق كما لو اشترى بغير إذن السيد وأتلف. قال: (وفي قول: في رقبته)؛ لأنه إتلاف، فبدله في رقبته كديون الإتلافات، وموضع الخلاف إذا مكنته برضاها وهي مالكة لأمرها، فلو تزوج الحرة ووطئها مكرهة أو نائمة .. تعلق برقبته قولاً واحدًا، ذكره صاحب (الكافي)، ولم يقف ابن الرفعة

وَإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ .. اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا وَسَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ على نقل فيه، إنما استنبطه من تعليلهم للصحيح. نعم؛ يستثنى من إطلاق المصنف ما لو أذن له السيد في النكاح الفاسد .. فإنه يتعلق بكسبه، كما قال الرافعي: إنه القياس؛ لأنه فعل ما أذن له فيه. قال: (وإذا زوج أمته .. استخدمها نهارًا، وسلمها للزوج ليلاً)؛ لأن السيد يملك من أمته منفعتين: منفعة الاستمتاع ومنفعة الاستخدام، فإذا زوجها عقد على إحدى منفعتيها، وبقيت المنفعة الأخرى فيستوفيها في وقتها وهو النهار، وهذا كما إذا أجر أمة .. يسلمها إلى المستأجر نهارًا، ويمسكها لاستيفاء المنفعة الأخرى في وقتها وهو الليل، فلو أراد السيد أن يمسكها نهارًا بدلاً عن الليل .. لم يجز له ذلك؛ لأن الليل وقت الاستراحة والاستمتاع، وعليه التعويل في القسم بين النساء، اللهم إلا أن تكون حرفة الزوج والسيد ليلاً. كل هذا إذا أمكن استخدامها، فإن امتنع لزمانه أو مرض .. فالظاهر أن عليه التسليم مطلقًا، ويحتمل خلافه. وظاهر عبارته: أنه يسلمها من الغروب، وفي (مختصر البويطي): أنه يسلمها بعد فراغ الخدمة، وهو بعد ثلث الليل، وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: يسلمها إذا فرغت من الخدمة بحكم العادة، وهو حسن؛ لأن تحكيم العادة هو الذي اختاره المصنف فيما إذا استأجر للخدمة. فإن قيل: صحح المصنف أن السيد لا يجوز له أن ينظر إلى أمته المزوجة وأن يخلو بها، فكيف يبيح له استخدامها؟ فالجواب: أنه لا يلزم من الاستخدام النظر ولا الخلوة. كل هذا في غير المكاتبة، أما المكاتبة .. فجزم الماوردي بأنها كالحرة تسلم ليلاً ونهارًا. وسكتوا عن المبعضة، والقياس: إن كانت مهايأة .. فهي في نوبتها كالحرة،

وَلاَ نَفَقَةَ عَلَى الْزَّوْجِ حِينَئِذٍ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أخْلَى فِي دَارِهِ بَيْتًا وَقَالَ لِلزَّوْجِ: تَخْلُو بِهَا فِيهِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الأَصَحِّ. وَلِلسِّيِّدِ الْسَفَرُ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي نوبة السيد كالقنة، وإن لم تكن مهايأة .. فللسيد أن يمتنع من تسليمها فيهما نهارًا. قال: (ولا نفقة على الزوج حينئذ في الأصح)؛ لعدم التمكين التام. والثاني: تستحق تمام النفقة؛ لحصول التسليم الواجب، ويروى هذا عن المزني في (المنثور)، ونص (البويطي) يقتضيه. والثالث - وبه قال ابن أبي هريرة وأحمد بن ميمون الفارسي، وإليه ذهب الماوردي وابن الصباغ والغزالي-: يجب قسط النفقة لتشطير الزمان. وأفاد المصنف بقوله: (حينئذ) أنه إذا سلمها ليلاً ونهارًا .. وجبت النفقة كلها، والأصحاب متفقون على ذلك، وأجرى الأول والثالث فيما إذا سلمت الحرة نفسها ليلاً واشتغلت عن الزوج نهارًا. قال المصنف: والصحيح: الجزم في الحرة بأنه لا يجب شيء بحال. وأما المهر .. فقال الشيخ أبو حامد: لا يجب تسليمه كالنفقة، وقال القاضي أبو الطيب: يجب؛ لأن التسليم الذي يتمكن معه من الوطء حصل، وليس كالنفقة؛ فإنها لا تجب بتسليم واحد، وهذا هو الأصح في (الروضة) و (الشرح الصغير). قال: (ولو أخلى في داره بيتًا وقال للزوج: تخلو بها فيه .. لم يلزمه في الأصح)؛ لأن الحياء والمروءة يمنعانه من ذلك، وعلى هذا: فلا نفقة على الزوج. والثاني: تلزم الزوج إجابة السيد إلى ما قال؛ ليدوم به السيد على ملكه مع تمكن الزوج من الوصول إلى حقه، وعلى هذا: فتلزمه النفقة، والخلاف في (المحرر) و (الكتاب) وجهان، وفي (الشرح) و (الروضة) قولان، وهو الصواب. فإن قلنا بالأظهر وكانت محترفة فقال الزوج: دعوها تحترف للسيد في بيتي وسلموها ليلاً ونهارًا .. لم يجز له ذلك في الأصح. قال: (وللسيد السفر بها)؛ لأنه مالك للرقبة، وملكها مقدم على ملك المنفعة، كذا علله الرافعي، وأورد على تعليله تقديم المستأجر، وأجيب بأن المنفعة

وَلِلزَّوْجِ صُحْبَتُهَا. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْسَّيِّدَ لَوْ قَتَلَهَا أَوْ قَتَلَت نَفْسَهَا قَبْلَ دُخَولٍ .. سَقَطَ مَهْرُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا خاصة لا تقتضي يدًا وحيلولة بينها وبين السيد. لكن يستثنى ما إذا كانت مرهونة أو مستأجرة أو مكاتبة .. فيوقف ذلك على رضا من له الحق. والموصى بمنفعتها للموصى له المسافرة بها على الأصح؛ لأن استحقاقه لا فرق فيه بين الليل والنهار، فإذا تزوجها .. سافر بها بغير إذنه، وكذلك إذا تزوجت اللقيطة ثم أقرت بالرق لشخص وصدقها .. فإن إقرارها مقبول، إلا فيما يؤدي إلى إبطال حق وجب عليها كما تقدم في بابه. قال: (وللزوج صحبتها) أي: إذا سافر السيد بها .. لم يمنع الزوج من مصاحبتها ليستمتع بها في وقته؛ لأن السفر كالحضر، لكنه لا يكلف ذلك؛ لأن الحق في الاستمتاع له لا عليه. قال: (والمذهب: أن السيد لو قتلها أو قتلت نفسها قبل دخول .. سقط مهرها)؛ لانقطاع النكاح قبل الدخول من جهة المستحق، فأشبه الردة قبل الدخول. والثاني: لا يسقط شيء من المهر؛ لأنها فرقة حصلت بانتهاء العمر فكانت كالموت، وسيأتي في الباب الذي بعده أن هذا مستثنى من استقرار المهر بموت أحد الزوجين. وحاصل المذهب: أن النص فيما إذا قتل الأمة سيدها قبل الدخول سقوط جميع

وَأَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، أَوْ قَتَلَ الأَمَةَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَاتَتْ .. فَلاَ كَمَا لَوْ هَلَكتَا بَعْدَ دُخُولٍ. وَلَوْ بَاعَ مُزُوَّجَةً .. فَالْمَهْرُ لِلبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهرها، وفيما إذا قتلت الحرة نفسها قبل الدخول أنه لا يسقط شيء من المهر، فقيل: قولان بالنقل والتخريج. والأصح: السقوط في الأمة وعدمه في الحرة على وفق النصين، والفرق: أن الحرة كالمسلمة إلى الزوج بالعقد بدليل أن له منعها من السفر، والأمة لا تصير مسلمة بالعقد بدليل أن للسيد أن يسافر بها، فلا يستقر مهرها إلا بالدخول، وأيضًا فإن الحرة إذا قتلت نفسها .. غنم زوجها ميراثها فجاز أن يغرم مهرها، وفي قتل الأمة لا ميراث له. قال: (وأن الحرة لو قتلت نفسها، أو قتل الأمة أجنبي أو ماتت .. فلا). أما الحرة .. فلانتهاء العمر، ولأنه يأخذ الميراث في مقابلة المهر، وأما الأمة إذا قتلها أجنبي أو ماتت .. فلأنه لم يحصل من المستحق ما يقتضي إسقاط شيء فلم يسقط. قال: (كما لو هلكتا بعد دخول) فإنه لا يسقط بلا خلاف، وهذا لا يختص بقتل الحرة نفسها، بل لو قتلها الزوج أو أجنبي أو ماتت .. لم يسقط بالاتفاق أيضًا. قال: (ولو باع مزوجة .. فالمهر للبائع)؛ لوجوبه بالعقد، فحصل في ملكه، سواء كان مسمى صحيحًا أو فاسدًا، وليس للبائع ولا للمشتري حبسها؛ لأنها خرجت عن تصرف البائع، والمشتري لا يملك المهر.

فَإِنْ طُلِقَتْ قَبْلَ الْدُخُولِ .. فَنِصْفُهُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا في النكاح الصحيح، فلو أنكحها فاسدًا ثم باعها ووطئها الزوج .. فمهر مثلها للمشتري؛ لأنه وجب بالوطء الواقع في ملكه، وإن وطىء قبل البيع .. فهو للبائع، وكذلك إذا فوضها ثم جرى الفرض أو الدخول بعد البيع .. فالمفروض أو مهر المثل للمشتري على الأصح؛ لوجوبه في ملكه. فائدة: علم من كلام المصنف دوام النكاح مع البيع، وأنه لا يكون طلاقًا، وهي مسألة اختلف الصحابة فيها إذا كان المشتري غير زوجها، فقال ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وأنس وجابر وآخرون: إن بيعها طلاق، واحتجوا بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ النِسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ} فيقتضي أن كل مزوجة ملكتها يمينتا تحل لنا، ومن ضرورة ذلك انفساخ نكاح زوجها بملكنا إياها. وتعجب الناس من ابن عباس كيف يقول بذلك وهو يروي حديث بريرة؟! ويعلم أن نكاحها استمر قطعًا حتى اختارت نفسها بنص النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال ابن خزيمة: إن الشخص قد يكون عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ويغفل عنه فيقول بخلافه، وحاول الناس الاعتذار عنه بأنه إنما يقول ذلك إذا اشتراها رجل بحيث يدخل في ذلك، وهو اعتذار حسن إن كان مذهب ابن عباس يوافقه. والأكثرون قالوا: لا يكون بيع الأمة المزوجة طلاقًا ولا فسخًا، وممن قال ذلك عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعامة أهل العلم مستدلين بحديث بريرة، واستمرار نكاحها حتى اختارت نفسها، وحملوا المحصنات التي ملكت أيماننا في الآية الكريمة على المسبيات إذا ملكناهن .. انفسخ نكاح أزواجهن الكفار. وفرق الإمام بين هذه والمسبية بأن السبي يغير صفتها، وهذه لم تتغير صفتها وإنما تبدل المالك، وفرق غيره بأن السبي يزيل ملك الكافر فأزال نكاحه. قال: (فإن طلقت قبل الدخول .. فنصفه له)؛ لأنه ملكه بالعقد المتقدم في ملكه.

وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ .. لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو زوج أَمتَه بعبده .. لم يجب مهر)؛ لأن السيد لا يجب له على عبده دين، ولذلك لو جنى عليه أو أتلف ماله .. لا يجب له أرش ولا ضمان، لا في الحال ولا بعد العتق، لكن هل نقول: وجب ثم سقط أو لم يجب أصلاً؟ وجهان: أشهرهما: الثاني، وهما كالخلاف في القصاص بقتل الابن. وفائدة الخلاف تظهر في المفوضة، فإن قلنا: لم يجب شيء .. وجب لئلا يخلو النكاح عن المهر، وإن قلنا: وجب ثم سقط .. فلا، كما إذا استوفاه. واحترز بـ (عبده) عن مكاتبه؛ فإنه معه كالأجنبي، وأما المبعض .. فالظاهر أنه يجب عليه بقسط ما فيه من الحرية. وعلم من عبارته صحة النكاح، وفي (الشرح الصغير): أنه لا خلاف فيه، وحكى في (الكبير) في (كتاب الرضاع) وجهًا: أن النكاح لا يصح، وكذا حكاه الإمام هناك. وقوله: (عبده بأمته) لغة تميم وأزد شنوءة، واللغة الفصحى: زوَّج عبده أمته؛ فالعرب لا يقولون: تزوجت بها، وإنما يقولون: تزوجتها، قال الله تعالى: {فَلَمَا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَكَهَا}. واستدل للغة الأخرى بقوله تعالى: {وَزَوَّجْنَهُم بِحُورٍ عِينٍ}؛ فإن مجاهدًا قال: معناه: أنكحناهم. والجواب: أن المراد: قرناهم بهن وليس من عقد التزويج، وقد نبه المصنف على بعض ذلك في (باب زكاة الفطر) من (تحريره).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: حكى الرافعي والمصنف في استحباب ذكر الصداق في هذا العقد قولين، الجديد: استحبابه، قال الشيخ كمال الدين النشائي: وهو الحق، ونوزع في ذلك بأن في نسخة والده التي هي أتقن نسخ (الرافعي): أن الجديد عدم الاستحباب، وهو الصواب الذي عليه المحققون. وتتلخص في ذكر المهر أقوال: أحدها: الوجوب، وهو غريب حكاه البيهقي عن القديم. والثاني: الاستحباب، وهو في (الإملاء)، وفي القديم أيضًا. والثالث: عدم الاستحباب، وهو الجديد الراجح. الثاني: أن الوطء هنا خلا عن المهر والعقوبة، وذلك في مسائل منها هذه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: إذا أعتق المريض أمة هي ثلث ماله وتزوج بها ومات وطالبت بالمهر .. فيجب لها منه بقسط ما عتق، ويبطل النكاح بخروجها عن كونها الثلث؛ فإن الاعتبار بالثلث بعد قضاء الدين، وإذا لم تخرج من الثلث .. رق بعضها، وحينئذ لا يصح تزويجها للحر، فأما إذا عفت عن المهر .. فيصح النكاح، وإن لم يدخل بها .. صح أيضًا ولا مهر. ومنها: إذا فوضت الكافرة بضعها لكافر، واعتقادهم أنه لا مهر للمفوضة ودخل بها ثم أسلما .. فلا شيء لها، ذكره الرافعي في (نكاح المشركات). ومنها: إذا وطىء المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن مع الجهل بالتحريم وطاوعته، وقياسه يأتي في عامل القراض والمستأجر ونحوهما. ومنها: وطء النبي صلى الله عليه وسلم من خصائصه أنه لا يجب عليه مهر وإن لم يكن العقد بلفظ الهبة. ومنها: إذا استرق الكافر مسلمًا وجعله صداق امرأته وأقبضها إياه ثم أسلما .. فإن الحر ينزع من يدها، وقد جنح الرافعي في بحثه إلى أنه لا يجب مهر كما إذا أصدقها خمرًا وأقبضها ثم أسلما، وهو على ما نقوله خال عن العقر والعقوبة؛ لأن الحر لا يكون صداقًا، ولا يقر في أيديهم. ومنها: إذا تزوج السفيه رشيدة بلا إذن ووطىء .. فلا مهر على الأصح كما تقدم. ومنها: إذا وطىء العبد جارية سيده بشبهة، أو وطىء سيدته بشبهة. ومنها: إذا وطئت حربية بشبهة .. فإنه لا يضمن بضعها كما لا يضمن مالها، وكذلك إذا وطئت ميتة بشبهة، ذكرهما الرافعي في آخر (الردة)، وكذلك إذا وطىء مرتدة وماتت على ردتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ملغزة: أتعرفُ من قد باع في مهر أمه .... أباهُ فوفَّاها بذاكَ صداقَها صورتها: عبد تزوج حرة؛ فأولدها ولدًا ذكرًا، ثم طلقها؛ فتزوجها مولاه، وطالبته بصداقها فأعسر به، ولم يكن له مال سوى العبد، فدفعه لها في صداقها، فوكلت ابن العبد في بيع أبيه. تتمة: يستحب لمن ملك أمة أن يعتقها ويتزوجها؛ ليؤتى أجره مرتين، فإذا قال لها: أعتقتك على أن تنكحيني، أو على أن أنكحك .. لم تعتق إلا بالقبول، وأصح الروايتين عن أحمد: أنها تعتق وتصير زوجة بالمخاطبة التي جرت بينهما إن حضرهما شاهدان، وعندنا: يجب عليها قيمتها للسيد؛ لأنه لم يعتقها مجانًا، إنما أعتقها على عوض فاسد، سواء وفت بالنكاح المشروط أم لا. وقال أبو حنيفة: إن وفت .. فلا قيمة عليها، وعن مالك: لا قيمة عليها بحال. فإذا لم يأمن السيد وفاءها بالنكاح ولم يرد العتق مجانًا .. فقال ابن خيران: طريقه أن يقول: إن كان في علم الله أني أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك .. فأنت حرة، فإن رغبت وجرى النكاح بينهما .. عتقت وحصل الغرض، وإلا .. استمر الرق. وقال صاحب (التقريب): إن يسر الله بيننا نكاحًا .. فأنت حرة قبله بيوم، وقال أكثر الأصحاب: لا يصح في هذه الصورة، ولا يحصل العتق؛ لأنه في حال النكاح شاك في أنها حرة أو أمة، واختار الشيخ ما قالاه وفاقًا للغزالي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة زوج أمته ثم قال: كنت محجورًا علي أو مجنونًا وأنكر الزوج، فإن لم يعهد للسيد ما يدعيه ولا بينة .. فالقول قول الزوج مع يمينه، وكذا لو قال: زوجتها وأنا محرم، أو قال: لم تكن ملكي يومئذ ثم ملكتها. ولو ادعت المنكوحة - وهي ممن يعتبر إذنها - أنها زوجت من غير إذن .. ففي (فتاوى البغوي): لا يقبل قولها بعد ما دخلت عليه وأقامت معه، كأنه جعل الدخول بمنزلة الرضا. أما إذا عهد بالسيد المزوج جنون أو حجر أو قال: زوجتها وأنا صبي .. فأيهما يصدق بيمينه؟ قولان خرجهما الشيخ أبو زيد: أظهرهما عند الشيخ أبي علي وغيره: أن المصدق الزوج؛ لأن الغالب جريان العقد صحيحًا، ولأنه صح ظاهرًا والأصل دوامه. وسأل شيخنا الشيخ جمال الدين شيخه الشيخ شرف الدين البارزي عما إذا ثبت على الغائب دين وباع الحاكم عليه أعيانًا من ماله فلما قدم .. قال: كنت قد وقفتها أو أعتقت العبد أو بعته، فهل يصدق بيمينه وينقض بيع الحاكم؛ لأنه لم يصدر منه ما ينافي اعترافه، أو لا، كما لو باشر بنفسه أو بوكيله؛ لأنه متهم؟ فأجاب: لا يقبل قوله: إنه أعتق أو وقف أو باع بلا بينة؛ لأنه متهم في ذلك، والأصل بقاء الملك، ولأنه يؤدي إلى عدم استقرار حكم الحاكم، هذا لفظه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمسألة نقل فيها الرافعي هنا عن أبي علي السنجي عن نص الشافعي: أنه يصدق المالك وينقض البيع ويرد الثمن على المشتري، بخلاف ما لو باعه بنفسه أو وكيله ثم ادعى ذلك .. فإنه لا يقبل؛ لأنه سبق منه ما يناقضه. وفي (الحاوي) في (باب بيع اللقيط): لو وجد عبدًا وعرفه سنة وملكه، ثم باعه الواجد، ثم حضر المالك فذكر أنه كان قد أعتقه قبل البيع .. نص الشافعي على أن القول قوله. وفي (الكفاية) في (النكاح): لو زوج الحاكم في غيبة الولي ثم قدم وقال: كنت زوجتها في الغيبة .. قال أصحابنا: نكاح الحاكم مقدم، وهذا بخلاف ما لو غاب مالك العبد فباعه السلطان في وفاء دين الغائب ثم حضر وقال: إنه كان باعه في الغيبة .. نص الشافعي على أن بيع المالك أولى، فتخلص أن جواب البارزي خلاف المنصوص، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في (كتاب الإقرار) في قول المصنف: (وليكن المقر به في يد المقر) والله أعلم بالصواب.

كتَابُ الصَّدَاقِ

كتاب الصداق

كِتَابُ الصَّدَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصداق هو المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء، سمي صداقًا لإشعاره بصدق رغبة باذله، ويجوز فتح صاده وكسرها، ويقال: صدقة بفتح الصاد وضم الدال، وبضم الصاد وإسكان الدال، ولفظه مأخوذ من الصَّدق بالفتح، وهو الشديد الصلب، فكأنه أشد الأعواض ثبوتًا من حيث إنه لا يسقط بالتراضي. وله عشرة أسماء نطق الكتاب العزيز بستة منها: الصداق والنحلة والفريضة والأجر والطول والنكاح، قال تعالى: {وَليَسْتَّعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا}، ووردت السنة بالمهر والعقر والعليقة والحباء، وسيأتي ذكره عند قول المصنف: (إذا توافقوا على مهر في السر وأعلنوا زيادة) وقال مهلهل (من المنسرح): أنكحها فقدها الأراقم من .... جنب وكان الحباء من أدم وصحفه ابن دريد مع جلالته. والتعبير بـ (العليقة) وقع في (البحر) و (الروضة) وغيرهما، وقال القاضي عياض والهروي وابن الأثير: العلاقة، والجمع العلائق. والأصل فيه من الكتاب: قوله تعالى: {وَءَاتُوا النِسَاءَ صَدُقَتِهِنَّ نِحْلَة} أي: عطية من الله مبتدأة، والمخاطب بذلك الأزواج عند الأكثرين، وقيل: الأولياء؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذونه. ويسمى نحلة؛ لأن المرأة تستمتع بالزوج كاستمتاعه بها أو أكثر، فكأنها تأخذ الصداق من غير مقابل. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (أدوا العلائق) قالوا: يا رسول الله؛

تَسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ إِخْلاَؤُهُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما العلائق؟ قال: (ما تراضى به الأهلون) رواه الدارقطني والبيهقي. وقال صلى الله عليه وسلم: (أول ما يسأل عنه المؤمن من ديونه صداق زوجته) وقال: (من ظلم زوجته صداقها .. لقي الله يوم القيامة وهو زان). وانعقد الإجماع عليه. قال: (تسن تسميته في العقد) وإن لم يجب كنكاح عبده بأمته؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه عقد نكاحًا إلا وسمى فيه صداقًا، ولأنه أدفع للخصومة والمنازعة. وفي (الصحيحين) في حديث الواهبة: (هل عندك من شيء تصدقها؟) قال: لا، قال: (فالتمس ولو خاتمًا من حديد). وقال المتولي: يكره إخلاء النكاح عنه. قال: (ويجوز إخلاؤه منه)؛ لقوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}. وفي (سنن أبي داوود) و (الحاكم) و (ابن حبان) عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النكاح أيسره) وقال لرجل: (أترضى أن أزوجك فلانة؟) قال: نعم، فقال لها: (أترضين أن أزوجك فلانًا؟) قالت: نعم، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرض صداقًا، فدخل بها فلم يعطها شيئًا، فلما حضرته الوفاة .. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أعطها شيئًا، وقد أعطيتها سهمي بخيبر، وكان له سهم فيها، فأخذته فباعته بمئة ألف.

وَمَا صَحَّ مَبِيعًا .. صَحَّ صَدَاقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان الصواب أن يقول: إخلاؤه منها؛ أي: من التسمية كما عبر به في (الروضة) وغيرها؛ لأن النكاح لا يخلو من المهر، لكن تستثنى أربع مسائل لا يجوز فيها إخلاؤه عن التسمية: إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف، أو مملوكة لغير جائز التصرف. وإذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها ولم تفوض. والوكيل عن الولي من غير صورة التفويض .. الصحيح: أنه لا يجوز له إخلاؤه عنه. وإذا كان الزوج غير جائز التصرف، وحصل الاتفاق على مسمى هو بعض مهر مثلها .. فتتعين التسمية. قال: (وما صح مبيعًا .. صح صداقًا) قل أو كثر؛ لقوله تعالى: {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولو خاتمًا من حديد)، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وهي اسم لخمسة دراهم. وعبارة (التنبيه): (ما جاز أن بكون ثمنًا .. جاز أن يكون صداقًا) وهو أحسن؛ لأن الصداق أشبه بالثمن. ومراد المصنف: أن كل ما يجوز أن يجعل عوضًا في البيع ثمنًا أو أجرة .. يجوز أن يجعل صداقًا، فإذا تزوج امرأة على أن يرد عبدها الآبق أو جملها الناد، فإن كان موضعه معلومًا .. جاز، وإن كان مجهولاً .. لم يصح على الصحيح، ويجب مهر المثل؛ لأن الجعالة عقد جائز احتملت الجهالة فيها لذلك، فإن رده في صورة الجهل .. فله أجرة المثل، ولها عليه مهر المثل. واحترز المصنف عما لا يتقوم كحبة الحنطة ونواة التمر؛ فإنه لا يصح به، لكن يرد عليه ما أورده ابن الرفعة على (التنبيه) من جعل رقبة العبد صداقًا لزوجته الحرة، وجعل الأب أم ابنه صداقًا عن ولده، وجعل أحد أبوي الصغيرة صداقًا لها؛ فإنه لا يصح في جميع ذلك وإن كانت أعيانًا تباع ولا ترد، فإن هذه الأمور يصح إصداقها في الجملة، وإنما امتنع ذلك لمانع آخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن لا يزيد على صداق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، وذلك حمس مئة درهم خالصة، وأما أم حبيبة فأصدقها عنه النجاشي أربع مئة دينار؛ إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والمستحب أن لا ينقص عن عشرة دراهم، وقدره أبو ثور وأبو حنيفة ومالك بنصاب السرقة، وهو عند الأول خمسة، والثاني عشرة، والثالث ثلاثة. واحتج أصحابنا بما روى الدارقطني: (ولو قضيبًا من أراك) وبأن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضيت من نفسك ومالك بنعلين؟) قالت: نعم، فأجازه، رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وتزوج عبد الرحمن بخمسة دارهم كما تقدم، وتزوجت امرأة بكف من طعام فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم صداقًا، رواه أبو داوود. وروى ابن السكن في (سننه الصحاح) والبيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استحل بدرهم .. فقد استحل) أي: طلب الحل، قال عروة بن الزبير: أول شؤم المرأة أن يكثر صداقها. واستحب العلماء كلها ترك المغالاة فيه، ولم يقولوا: عن المغالاة فيه مكروهة، بل خلاف الأولى؛ لقوله تعالى: {وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} وعمر رضي الله عنه - مع ما كان ينهى عنه من المغالاة - تزوج أم كلثوم بنت علي على أربعين ألفًا، وتزوج طلحة أم كلثوم بنت أبي بكر بمئة ألف، وتزوج مصعب بن الزبير ابنتها عائشة بنت طلحة فأصدقها ألف ألف درهم، فقال عبد الله بن هشام السلولي (من الكامل): أبلغ أمير المؤمنين رسالة .... من ناصح لك لا يريد دفاعا بضع الفتاة بألف ألف كامل .... وتبيت سادات الجيوش جياعا ثم تزوجها بعده عمر بن عبد الله بن معمر التميمي فأصدقها مئة ألف دينار، وكانت

وَإِذَا أَصْدَقَ عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ .. ضَمِنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ، وَفِي قَوْلٍ: ضَمَانً يَدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من أجمل نساء قريش، روى لها الجماعة، وذكرها ابن حبان في (الثقات). ولما حضرت عليًا الوفاة .. قال لزوجته أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا آمن أن يخطبك هذا الطاغية بعد موتي - يعني معاوية - فإن كان لك في الرجال حاجة .. فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل بن الحارث عشيرًا. فلما مات وانقضت عدتها كتب معاوية إلى مروان أن يخطبها له، وبذل لها مئة ألف دينار، فلما خطبها .. أرسلت إلى المغيرة بن نوفل تخبره بذلك، فتزوجها المغيرة. فائدة: بوب النسائي للتزويج على الإسلام، وروى فيه عن أنس فقال: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان الصداق بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة، فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمتَ .. نكحتكَ، فأسلم، فكان الصداق بينهما الإسلام. فرع: يجوز جعل القصاص الواجب له عليها أو على عبدها صداقاً لها، بخلاف ترك الشفعة وحد القذف؛ لأن ذلك لا يقابل بعوض، وأسقط من (الروضة) مسألة العبد، وجزم الرافعي بها قبل (الديات)، وفرع عليها ما إذا طلق قبل الدخول .. هل يرجع بنصف أرش الجناية أو بنصف مهر المثل. قال: (وإذا أصدق عينًا فتلفت في يده .. ضمنها ضمان عقد) كالمبيع في يد البائع؛ لأن الصداق مملوك بعقد معاوضة. قال: (وفي قول: ضمان يد)؛ لأنه لا ينفسخ النكاح بتلفه فكان كالمستعار والمستام، والقول بضمان العقد جديد، وهو اختيار المزني، وبضمان اليد قديم، وقد أطال الأصحاب في مأخذ القولين؛ فإن الصداق فيه مشابهة العوض كثمن

فَعَلَى الأَوَّلِ: لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المبيع، ويقول: زوجتك بكذا كما يقول: بعتك بكذا، وترد بالعيب كما يرد المبيع والثمن، ولها أن تحبس نفسها لتستوفيه كما يحبس البائع المبيع. ولو مهرها شقصًا .. ثبت للشريك الشفعة عندنا، وهذه كلها أحكام الأعواض، وبها رجحوا القول به، وقالوا: الصحيح: أنه عوض، وأنه مضمون ضمان عقد، وفيه مشابهة النحلة الخالية عن العوض؛ لأنه يجوز إخلاء النكاح عنه إجماعًا، ولا يفسد النكاح بفساده، ولا ينفسخ بردة، واستمتاع كل من الزوجين مقابل بمثله، وتمسكوا بقوله تعالى: {نِحْلَةً}. والمصنف فرض المسألة فيما إذا أصدقها عينًا، وكذا في (الشرح) و (الروضة)، والخلاف لا يختص بالعين، ولكن أكثر ما يظهر أثره فيها. وموضع الخلاف حيث أمكن تقويم الصداق، فإن لم يمكن .. فهو مضمون ضمان عقد قطعًا، كذا ذكره الشيخان في أوائل (الصداق الفاسد) في فرع: لو أصدقها عبدًا أو ثوبًا غير موصوف .. فالتسمية فاسدة، ويجب مهر المثل قطعًا، وإن وصفها .. وجب المسمى. قال: (فعلى الأول: ليس لها بيعه قبل قبضه) كالمبيع، وإن قلنا بضمان اليد .. جاز، وبه قال أبو حنيفة. وذكره البيع مثال، ولو عبر بالتصرف .. كان أعم، وقياس إلحاقه بالبيع نفوذ العتق كما في البيع، لكن يرد عليه ما لو كان دينًا .. فإنه يجوز الاعتياض عنه على الصحيح، فلو قال: بيعها - يعني العين - لسلم منه.

وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ .. وَجَبَ مَهْرُ مِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تلف في يده .. وجب مهر مثل) يعني: إذا تلف الصداق المعين في يده، فإن قلنا: إنه مضمون ضمان عقد .. انفسخ عقد الصداق، ويقدر عود الملك إليه قبل التلف، حتى لو كان عبدًا .. كان عليه مؤنة تجهيزه، كالعبد المبيع يتلف في يد البائع، ولها عليه مهر المثل؛ لأن النكاح مستمر، والبضع كالتالف فيرجع إلى بدله، كما لو رد المبيع بعيب وقد تلف العوض في يد البائع .. يلزمه بدله، إما المثل وإما القيمة، وكما لو هلك الثمن في يد المشتري بعد ما قبض المبيع وتلف عنده .. فإنه يجب على المشتري بدل المبيع من المثل أو القيمة. وإن قلنا: مضمون ضمان يد .. فالصداق الذي تلف تلف على ملك الزوجة، حتى لو كان عبدًا .. كان عليها تجهيزه، ولا ينفسخ الصداق على هذا القول، ولكن بدل ما وجب على الزوج تسليمه يقوم مقامه، فيجب لها عليه مثل الصداق إن كان مثليًا، وقيمته إن كان متقومًا، ويروى هذا عن أبي حنيفة وأحمد. ولو طالبها الزوج بالقبض فامتنعت .. ففي بقاء الصداق مضمونًا عليه وجهان: أصحهما: الضمان كما أن البائع لا يخرج عن عهدة المبيع بهذا القدر. لكي يستثنى ما لم طالبته بالتسليم فامتنع .. فإنه ينتقل إلى ضمان اليد، كذا نص عليه في (البويطي)، وجزم به الماوردي، وصحح الشيخان خلافه، والمعتمد الأول.

وَإِنْ أَتَلَفَتْهُ .. فَقَابِضَةٌ. وَإِنْ أَتَلَفَهُ أَجْنَبِيٌ .. تَخَيَّرَتْ عَلَى اَلْمَذْهَبِ، فَإِنْ فَسَخَتِ اَلصَّدَاقَ .. أَخَذْت مِنَ الَزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلِ، وَإِلاَّ .. غَرَّمَتِ اَلْمُتْلِفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن أتلفته .. فقابضة)؛ لأنها أتلفت حقها، ويبرأ الزوج، وهذا على القولين، كذا أطلقه الشيخان، ويجب تقييده بما إذا كانت أهلاً للقبض، فإن كانت غيره رشيدة .. فلا؛ لأن قبضتها غير معتد به، ولهذا لو وجب للمجنون قصاص على إنسان فوثب إليه فقتله .. لا يكون مستوفيًا للقصاص على الأصح. وتقدم في إتلاف المشتري وجه: أنه ليس قبضًا. قال الرافعي: فالقياس مجيئه هنا، وحكاه ابن الرفعة وجهًا مستقلاً، فتغرم وتأخذ مهر المثل، وذكر المصنف في (زوائده) هناك: أنه لو كان المبيع عبدًا فقتله المشتري لصياله عليه .. لم يكن قبضًا على الأصح، فينبغي أن يستثنى هذا أيضًا من إطلاقه هنا. قال: (وإن أتلفه أجنبي .. تخيرت على المذهب) كما يتخبر المشتري على الأصح إذا أتلف الأجنبي المبيع. قال: (فإن فسخت الصداق .. أخذت من الزوج مهر مثل)؛ لأنه المرد الشرعي، أما إذا قلنا بضمان اليد .. فلا تخيير. قال: (وإلا) أي: وإن لم يفسخ (... غرمت المتلف) بكسر اللام؛ لأنه المتعدي، وقرار الضمان عليه، ولها على قول ضمان اليد تغريم الزوج أيضًا، والزوج يرجع على المتلف، وعلى قول ضمان العقد ليس لها مطالبة الزوج. هذا إذا كان الأجنبي بحيث يضمنه بالإتلاف، فإن لم يضمنه كقصاص وجب له على العبد ونحو ذلك .. فلا تخيير، بل هو كالآفة، ولها على الزوج مهر المثل، وكذا ينبغي إذا قتله الإمام قصاصًا أو لحرابة ونحوه.

وَإِنْ أَتَلَفَهُ اَلْزَّوْجُ .. فَكَتَلَفِهِ وَقِيلَ: كَأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ أَصْدَقَ عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ عَبْدٌ قَبْلَ قَبْضِهِ .. أَنْفَسَخَ فِيهِ لاَ فِي اَلْبَاقِي عَلَى اَلْمَذَهبِ، وَلَهَا اَلْخِيَاُر، فَإِنْ فَسَخَتْ .. فَمَهْرُ مِثْلِ، وَإِلاَّ .. فَحِصَّةُ الْتَّالِفِ مِنْهُ. وَلَوْ تغَيبَ قَبْلَ قبْضِهِ .. تَخَيَّرَتْ عَلَى اَلْمَذْهَبِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن أتلفه الزوج .. فكتلفه) ينفسخ الصداق جزمًا، ويرجع بمهر المثل. قال: (وقيل: كأجنبي) فتتخير، وصححه في (الشرح الصغير)، والخلاف ينبني على أن إتلاف البائع كتلفه أو كإتلاف الأجنبي، والأصح: الأول. قال: (ولو أصدق عبدين فتلف عبد قبل قبضه .. انفسخ فيه لا في الباقي على المذهب) هو الخلاف في تفريق الصفقة في الدوام، هذا على ضمان العقد، أما على ضمان .. اليد فيرجع إلى قيمة التالف، ولا ينفسخ في شيء. وتقدم في (البيع) في نظير هذه الصورة: أن هذا إذا لم يقبض الآخر، فإن كان قد قبض وهو باق .. فأولى بعدم الانفساخ، وإن تلف بعد قبضه .. فأولى، لعدمه أيضًا، فيظهر مجيئه هنا. قال: (ولها الخيار)؛ لعدم سلامة المعقود عليه. قال: (فإن فسخت .. فمهر مثل) هذا على ضمان العقد، وعلى مقابلة: تأخذ قيمة العبدين. قال: (وإلا .. فحصة التالف منه) يعني: إذا لم يفسخ .. فالواجب لها حصة قيمة التالف من مهر المثل على قول ضمان العقد، وقيمة التالف على القول الآخر، هذا إذا تلف بافة سماوية، فإن أتلفته هي .. جعلت قابضة لقسطه من الصداق، وإن أتلفه أجنبي .. تخيرت. قال: (ولو تعيب قبل قبضه) كعمى العبد ونسيان الحرفة ونحوها (... تخيرت على المذهب) هذا على القولين معًا كما صرح به الغزالي وغيره.

فَإِنْ فَسَخَتْ .. فَمَهْرُ مِثْلِ، وَإِلاَّ .. فَلاَ شَيْءَ. وَاَلْمَنَافِعُ اَلْفَائِتَةُ فِي يَدِ اَلزَّوْجِ لاَ يَضْمَنُهَا وَإِنْ طَلَبَتَ اَلْتَسْلِيمَ فَأَمْتَنَعَ عَلَى ضَمَانِ اَلْعَقْدِ، وَكَذَا اَلْتِي اَسْتَوْفَاهَا بِرُكُوبِ وَنَحْوِهِ عَلَى اَلْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن فسخت .. فمهر مثل) هذا ظاهر على ضمان العقد، وأما على ضمان اليد .. فيرجع إلى قيمته. قال: (وإلا .. فلا شيء) لها كما لو رضي المشتري بعيب المبيع، وعلى ضمان اليد: لها أرش النقصان. فروع: الأول: إذا أطلعت على عيب قديم .. فلها الخيار بلا خلاف، فإن فسخت .. فلها مهر المثل أو قيمة العين سالمة، وإن أجازت وقلنا بضمان اليد .. فلها الأرض، وفيه تردد للقاضي حسين. الثاني: أصدقها دارًا فانهدمت في يده ولم يتلف من النقض شيء .. فالحاصل نقصان صفة، وإن تلف بعضه أو كله باحتراق أو غيره فهل الحاصل نقصان صفة كأطراف العبد أو نقصان جزء كأحد العبدين؟ فيه وجهان: أحصهما: الثاني. الثالث: زاد الصدق في يد الزوج، فإن كانت الزيادة متصلة كالسمن وتعلم الصنعة .. تبعت الأصل، وإن كانت منفصلة كالثمرة والولد كسب الرقيق، فإن استمر العقد وقبضت الأصل .. فالزوائد لها، وإن هلك الأصل في يد الزوج وبقيت الزوائد أو ردت الأصل بعيب .. ففي الزوائد وجهان: أصحهما: لها. قال: (والمنافع الفائتة في يد الزوج لا يضمنها وإن طلبت التسليم فامتنع على ضمان العقد) كما لو اتفق ذلك من البائع، فإن قلنا بضمان اليد .. فيضمنها بأجرة المثل من وقت الامتناع، كذا قاله الرافعي، وعند الغزالي لا يضمنها على القولين إلا إذا قيل: إنها تضمن ضمان المغصوب، ويكون الأقصى. قال: (وكذا التي استوفاها بركوب ونحوه على المذهب)، بماء على أن جنايته كالآفة، وهو الأصح، فإن قلنا: إنه كالأجنبي .. ضمنها بأجرة المثل، وفيه بحث

وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَقْبِضَ اَلْمَهْرَ اَلْمُعَيَّنَ وَاَلْحَالَّ لاَ اَلْمُؤَجَّلَ، فَلَوْ حَلَّ قَبْلَ اَلتَّسْلِيمِ .. فَلاَ حَبْسَ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لابن الصلاح وابن الرفعة مع الرافعي. قال: (ولها حبس نفسها لتقبض المهر المعين والحال) كما يثبت للبائع حق الحبس، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع، فإذا طلب منها تسليم نفسها وقد أخر تسليم الصداق لعذر أو لغير عذر .. لم تلزمها الإجابة إلا أن يسلمها الصداق بتمامه في الصورتين المذكورتين، وهما إذا كان معينًا أو دينًا حالاً، كيلاً يفوت عليها. قال: (لا المؤجل)؛ لأنها رضيت بالتأخير فليس لها حبس نفسها. قال: (فلو حل قبل التسليم .. فلا حبس في الأصح)؛ لأنها رضيت أولاً بكونه في ذمته، ووجب عليها التسليم قبل القبض فلم ترتفع بحلول الحق. والثاني: أن لها الحبس؛ لاستحقاقها المطالبة بعد الحلول كما في الابتداء. قال في (المهمات): والذي صحه من رجحان عدم الحبس في هذه الصورة خلاف المذهب المنصوص، والصواب: أن لها الحبس كما رجحه في (الشرح الصغير)، وللمسألة نظيران: أحدهما: إذا باع بثمن مؤجل وحل قبل التسليم .. فالأصح أنه لا يمكن من الحبس. والثاني: إذا اشترى سلعة بثمن مؤجل وأفلس ولم يتفق للحاكم بيعها حتى حل الأجل .. ففي جواز الرجوع فيها وجهان، قال في زوائد (الروضة): أصحهما في (الوجيز): الجواز. ولو كان بعضه مؤجلاً وبعضه حالاً .. ففي (الحاوي) وغيره: لها الامتناع لقبض الحال، والظاهر أنه ليس لها الحبس؛ لأنها رضيت بتأجيل بعضه، وقال ابن

وَلَوْ قَالَ كُلِّ: لَا أُسَلِّمُ حَتَّى تُسَلَّمَ .. فَفِي قَوْلِ: يُجْبَرُ هُوَ، وَفِي قَوْلِ: لاَ إِجْبَارَ، فَمَنْ سَلِّمَ .. أُجْبِرِ صَاحِبهٌ، وَالأَظْهَرُ يُجْبَرَانِ؛ فَيُؤْمَرُ بِوَضْعِهِ عِنْدَ عَدْلِ، وَتُؤْمَرُ بِاَلْتَّمْكِينِ، فَإِذَا سَلَّمَتْ .. أَعْطَاهَا اَلْعَدْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاح: إذا قبضت البعض ليس لها أن تمتنع، ويكون كما لو كان بعضه مؤجلاً وتستثنى صور لا حبس فيها: أحدها: الأمة الزوجة إذا باعها السيد .. فإن المهر يبقى له كما تقدم، ومع ذلك لا حبس له. الثانية: إذا كانت كذلك وأعتقها. الثالثة: إذا زوج السيد أم ولده ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث .. فليس له حبسها. الرابعة: أعتقها وأوصى لها بصداقها .. فليس لها حبس نفسها لاستيفائه؛ لأن الاستحقاق ههنا بالوصية لا بالنكاح، ذكره الرافعي في نكاح الإماء. قال: (ولو قال كل: لا أسلم حتى تسلم .. ففي قول: يجبر هو)؛ لأن استرداد الصداق ممكن دون البضع. قال: (وفي قول: لا إجبار، فمن سلم .. أجبر صاحبه)؛ دفعًا للضرر عنهما. قال: (والأظهر يجبران، فيؤمر بوضعه عند عدل، وتؤمر بالتمكين، فإذا سلمت .. أعطاها العدل)؛ لأن كل واحد منهما قد استحق التسليم، فأجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه حقه، قال الإمام: فلو سلمت نفسها فلم يأت .. فالذي أراه أن على العدل تسليم الصداق إليها. فلم سلم إليها فهم بالوطء فامتنعت .. فالوجه: استرداد الصداق منها، وهذه الأقوال سبق مثلا في البيع.

وَلَوْ بَاَدَرْتْ وَمَكَّنَتْ .. طَالَبَتْهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَا .. اَمْتَنَعَتْ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَإِنْ وَطِئ. َ. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهناك قول رابع: أن البائع يجبر على التسليم أولاً، وهنا لا يمكن الابتداء بالمرأة، وهي نظيره هنا؛ لأن منفعة البضع إذا فاتت .. تعذر استدراكها، بخلاف المال. وموضع القول الأول إذا كانت متهيئة للاستمتاع، فإن كانت محبوسة أو ممنوعة بعذر أخر كمرض .. لم يلزم تسليم الصداق، وسيأتي الكلام في الصغيرة. واستشكل ابن الرفعة وضع الصداق عند عدل على القول الأظهر؛ لأن العدل إن كان نائبًا عنها في القبض - كما قال الجيلي - فال الأمر إلى إجبار الزوج وهو القول الأول، وإن لم يكن نائبًا عنها - فقد أجبر أولاً. ويمكن أن يجاب بأنه نائب عنهما كما هو مقتضى كلام الأصحاب فيما إذا أخذ السلطان الدين من الممتنع .. فإن المأخوذ يملكه الغريم، وتبرأ ذمة المأخوذ منه. فرع: لولى غير المكلفة منع تسليمها حتى تقبض، وله تسليمها قبله إن رآه مصلحة، وعن مالك لا يجوز ما لم تقبض أقل ما يصلح أن يكون صداقًا. قال: (ولو بادرت ومكنت .. طالبته) على كل قول؛ لبقاء حقها. قال: (فإن لم يطأ .. امتنعت حتى يسلم)، ولها العود إلى الامتناع، وتصير كمن لم تمكن إلى أن تسلم الصداق. قال: (وإن وطئ .. فلا) كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع قبل قبض الثمن .. ليس له بعد ذلك أخذه وحبسه. وقال أبو حنيفة: لها العود إلى الامتناع، وعندنا وجه مثله.

وَلَوْ بَادَرَ وَسَلَّمَ .. فَلْتُمَكِّنَ، فَإِنِ أمْتَنَعَتْ بِلاَ عُذْرٍ .. اُسْتَرَدَّ إِنْ قُلْنَا .. إِنَّهُ يُجْبَرُ. وَلَوِ اَسْتَمْهَلَتْ لِتَنَظًّفِ وَنَحْوِهِ .. أُمْهِلَتْ مَا يَرَاهُ فَاضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا وطئها مطاوعة، فإن أكرهها .. فلها الامتناع بعده على الأصح، كما لو غصب المشتري المبيع قبل تسليم الثمن .. يجوز للبائع رده إلى حبسه. والثاني: لا؛ لأن البضع بالوطء كالتالف، فأشبه ما إذا غصب المشتري المبيع قبل تسليم الثمن وتلف عنده. قال: (ولو بادر وسلم .. فلتمكن)؛ لأنه فعل ما عيليه. قال: (فإن امتنعت بلا عذر .. استرد إن قلنا: إنه يجبر)؛ لأن الإجبار شرطه التمكين؛ فإن قلنا: لا يجبر .. فوجهان: أحصهما: لا يسترد؛ لأنه تبرع بالمبادرة وسلم، فلا يتمكن من الرجوع كما لو عجل المال المؤجل. والثاني: له الاسترداد؛ لأنه لم يحصل على العوض. قال: (ولو استمهل لتنظف ونحوه .. أمهلت)؛ لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف، وهذا الإمهال واجب على الأصح، وقيل: مندوب؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تطرقوا النساء ليلاً، حتى تمشط الشعثة، وتستحد المغيبة) متفق عليه [خ 5246 - م 715/ 181]:، فإن امتنع الزوج الغائب من طروق امرأته معافصة مع تقدم الصحبة .. فلأن يمتنع ذلك في ابتداء الحال أولى. والثاني: لا تمهل، كما لو سلم المشتري الثمن لا يمهل البائع. وقيل: تمهل قطعًا، قاله العراقيون. قال: (ما يراه قاض) من يوم أو يومين أو أقل؛ لأنه أمر مجتهد فيه.

وَلاَ يُجِاوِزُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، لاَ لِيَنْقَطِع حَيْضٌ. ولاَ تُسَلَّمُ صَغِيرَةٌ وَلاَ مِرِيضَةٌ حَتَّى يَزْولَ مَانِعُ وَطْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يجاوز ثلاثة أيام)؛ لأنها أقل الكثير وأكثر القليل، ولأن الحاجة تحصل بها، ومنهم من قدرة بما يحتاج إليه عادة؛ لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. وتدخل فيها الليالي المشتملة عليها كخيار الثلاث، ولا نقول ثلاثة أيام وثلاث ليال كمسح الخف؛ فهي بالخيار أشبه. ولا خلاف أنها لا تمهل لتهيئة الجهاز والتسمين ونحو ذلك. هذا إذا لم يظهر تعنتها في الاستمهال، فإن ظهر ذلك .. فيشبه عدم إجابتها، وتأثم بذلك. قال: (لا لينقطع حيض)؛ لأنه يستمتع بها من فوق الإزار من غير وطء كالقرناء والرتقاء، وتردد الإمام فيه إذا خشيت المواقعة، وقال المتولي: إن كان زمن حيضها لا يزيد على ثلاثة أيام .. أمهلت، وقال الغزالي: إذا علمت من عادته أن يغشاها في الحيض .. فلها الامتناع من مضاجعته والنفاس كالحيض. قال: (ولا تسلم صغيرة ولا مريضة حتى يزول مانع وطء)؛ لأن العادة لم تجر بتسليم مثلها. ومقتضى عبارته: أن التسليم في هذه الحال حرام، والمجزوم به الكراهة في الصغيرة، ولا يجوز للزوج وطؤها إلا إلى الاحتمال، فلو قال الزوج: سلموا إلى الصغيرة أو المريضة ولا أقربها إلى أن يزول ما بها .. قال الغزالي: لا يجاب، وقال البغوي: يجاب في المريضة دون الطفلة. لكن تستثنى المرأة النحيفة الجبلة، فليس لها أن تمتنع بهذا العذر؛ لأنه لا شيء يتوقع زواله، فكانت كالرتقاء.

وَيَسْتَقِرُّ اَلْمَهْرُ بِوَطْءٍ وَإِنْ حَرُمَ كَحَائِضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: لم يذكر المصنف محل التسليم، وهو منزل الزوج كما قال في (التنبيه) في آخر (كتاب النكاح)، هذا إذا لم ينتقل إلى بلد آخر، فإن انتقل .. لم يجب عليها التسليم، بلم الواجب عليها في هذه الحالة التمكين، فلو تزوج ببغداد امرأة بالكوفة، ثم انتقل إلى الموصل وطلب إحضارها .. فمؤنة التسليم من الكوفة إلى بغداد عليها، ومن بغداد إلى الموصل عليه كما نقله الشيخان عن (مجرد الحناطي) وأقراه. وللزوج أن يمتنع من تسلم الصغيرة؛ لأنه تزوج للاستمتاع لا للحضانة، وليس له في المريضة الامتناع على أقيس الوجهين. ولو اختلف الزوج وأبو الزوجة فقال أحدهما: هي صغيرة لا تحتمل الجماع، وقال الآخر: تحتمله .. فهل القول قول منكر الاحتمال أو تعرض على أربع نسوة أو رجلين من المحارم؟ وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): الثاني. وقيل: يكتفى بقول امرأة واحدة سلوكًا به مسلك الخبر، حكاه في (الكفاية). ولو قال الزوج: زوجتي حية فسلمها إلى، وقال الأب: ماتت .. فالقول قول الزوج. قال: (ويستقر المهر بوطء وإن حرم كحائض)، وكذلك النفساء والوطء في

وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الإحرام ونهار رمضان؛ لأن وطء الشبهة يوجب المهر ابتداء، فالوطء في النكاح أولى أن يقرر المهر الواجب، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن أصابها .. فلها المهر بما استحل من فرجها). وكذا يتقرر بالوطء في الدبر على الأصح، لا بالمباشرة فيما دون الفرج، ولا باستدخال المني على الصحيح فيهما. فرع: اشترت الحرة زوجها بعد الدخول والصداق باق .. سقط على الصحيح؛ إذ لا يجب للسيد على عبده شيء، وبهذا أجاب القفال لما سئل في المنام عن هذه المسألة، فهذا يستثنى، وكذا إذا كان الواطئ أو الموطوءة خنثى مشكلاً؛ لاحتمال زيادة العضو، قاله البغوي، لكن تقدم أنه لا يصح نكاح الخنثى المشكل. قال: (وبموت أحدهما)؛ لإجماع الصحابة على ذلك، ولأنها نهاية النكاح فكانت كآخر مدة الإجارة، وانتهاء العقد كاستيفاء المعقود عليه في إيجاب البدل، وما جزم به المصنف هو المعروف.

لاَ بِخَلْوَةٍ فِي اَلْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الرافعي عن صاحب (التتمة) وجهين فيه أسقطهما من (الروضة). ويستثنى من كون الموت مقررًا: ما إذا قتل السيد الأمة، أو قتلت نفسها قبل الدخول كما تقدم في الباب قبله، ثم إن الموت إنما يقرر إذا كان النكاح صحيحًا، فإن كان فاسدًا .. لم يقرر مهرًا إجماعًا. قال: (لا بخلوه في الجديد) سواء استمتع بها معانقة أو تقبيلاً أم لا؛ لقوله تعالى: {وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ولا مسيس، ولقوله تعالى: {وكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ}، وقال ابن عباس: الإفضاء هنا: الوطء، وقول الفراء: إنه الخلوة .. مردود بقول ابن عباس. والقديم .. وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد-: أن الخلوة كالوطء في تقرير المهر وإيجاب العدة؛ لما روي عن عمر وعلي أنهما قالا: (إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا .. فلها الصداق كاملاً، وعليها العدة). ومحل القولين في النكاح الصحيح، أما الفاسد .. فلا تقرر الخلوة فيه مهرًا إجماعًا كما تقدم.

فصل: نَكَحَهَا بِخَمْرِ أَوْ حُرِّ أَوْ مَغْصُوبٍ .. وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: على القديم: هل يشترط في تقرير المهر بالخلوة أن لا يكون هناك مانع شرعي بهما أو بأحدهما كالحيض والنفاس وصوم الفرض والإحرام؟ فيه وجهان: أظهرهما: أنه يشترط، وجزم المتولي بمقابلة، ويشترط أن لا يكون مانع حسي كرتق أو قرن فيها، أو جب أو عنة فيه قطعًا. وعلى الجديد: ولو اتفقا على الخلوة وادعت الإصابة .. لم يرجح جانبها، وكان القول قوله مع يمينه، فلو أقامت بينه على إقراره بالوطء .. سمعت، ويقبل فيها شاهد وامرأتان، ولا خلاف أنها لو أتت بولد .. لحقه. قال: (فصل) عقده للصداق الفاسد وله أسباب: عدم المالية، وتفريق الصفقة، والشرط، وتفريط الولي، والمخالفة. وقد تقدم: أن إخلاء النكاح عن تسمية المهر صحيح بلا خلاف، أما إذا عقده على مهر فاسد .. ففي انعقاده خلاف: الجديد: الصحيح الانعقاد، ويجعل كأنه أخلاه عنه. والقديم: يفسد النكاح بفساد الصداق؛ لأنه لما ذكره .. جعله ركنًا فيه فيفسد بفساده. قال: (نكحها بخمر أو حر أو مغصوب .. وجب مهر مثل)؛ لأنها لم ترض بإتلاف بضعها من غير بدل، ولم يسلم لها .. فوجب بدله. وذكر المصنف ثلاثة أمثلة: الخمر والحر وهما ليسا بمال، والمغصوب مال، ولكنه لا يمكنه تصحيح العقد فيه؛ لعدم ملك الزوج له، وعجزه عن نقله إلى غيره، ونبه به على أن ما لا يقدر على تسليمه كالآبق والمرهون في معناه.

وَفِي قَوْلٍ: قِيمَتُهُ، أَوْ بِمَمْلْوكٍ وَمَغْصُوبٍ .. بَطَلَ فِيهِ وَصَحَّ فِي اَلْمَمْلُوكِ فِي اَلأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والقول بوجوب المهر جديد، وبه قال أبو حنيفة، والقول بوجوب بدل الصداق الفاسد قديم، وبه قال أحمد. قال: (وفي قول: قيمته)؛ لأن ذكر العوض يقتضي قصده. والمراد بـ (القيمة): التقدير، فيقدر الرق في الحر، والعصير في الخمر، والخلاف ينبني على أنه مضمون في يد الزوج ضمان عقد أو ضمان يد. واختلفوا في محل القولين في الحر فقيل: مطلقًا، والأصح: أنهما فيما إذا قال: أصدقتك هذا العبد على ظن أنه رقيق، أو مع العلم بأنه حر، أما إذا قال: أصدقتك هذا الحر .. فالعبارة فاسدة، ويجب مهر المثل قطعًا. والتعبير بـ (القيمة) فيه تساهل؛ فإن الخمر لا قيمة لها، والمغصوب قد يكون مثليًا، فلو عبر بالبدل .. كان أولى، والعجب أن الرافعي أنكر على الغزالي تعبيره بـ (القيمة) ثم وقع فيه في (المحرر) فوافقه المصنف. وتصويرهم المسألة بالخمر أو الخنزير يقتضي أن محلها فيما كان مقصودًا، فأما غير المقصود كالدم والحشرات .. فلا يأتي ذلك فيه، وينبغي أن تكون كالمفوضة، وهو قياس ما ذكروه في (الخلع): أنه إذا خالعها على ذلك .. يقع رجعيًا؛ لأنه لا يقصد بحال، فكأنه لم يطمع في شيء، لكنهم صرحوا هنا بأنه لا فرق، وعلى هذا: يحتاج للفرق بينه وين الخلع. وحيث وجب مهر المثل لفساد التسمية .. استقر بالموت أو الدخول. هذا كله في غير أنكحة الكفار، فأما في أنكحتهم .. فهو صحيح إذا اعتقدوه صحيحًا كما تقدم. قال: (أو بمملوك ومغصوب .. بطل فيه وح في المملوك في الأظهر) كما إذا باع خلاً وخمرًا، أو عبده حرًا، وقد تقدم في (البيع) بيانه.

وَتَتَخيَّرُ؛ فَإِنْ فَسَخَتْ .. فَمَهْر مِثْلٍ، وَفِي قَوْلِ: قِيمَتُهُمَا، وَإِنْ أَجَازَتْ .. فَلَهَا مَعَ اَلْمَمْلُوكِ حِصَّةُ اَلْمَغْصُوبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا، وَفِي قَوْلٍ: تَقْنَعُ بِهِ. وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ ثَوْبَهَا بِهَذَا اَلْعَبْدِ .. صَحَّ اَلْنَكَاحُ، وَكَذَا اَلْمَهْرُ وَالْبَيْعُ فِي اَلأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتتخير) هي؛ لأن المسمى بتمامه لم يسلم لها. قال: (فإن فسخت. فمهر مثل، وفي قول: قيمتها) هما القولان المتقدمان، وكذلك يأتي هذان القولان إذا قلنا بمقابل الأظهر وهو: عدم الصحة في المملوك أيضًا. قال: (وإن أجازت .. فلها مع المملوك حصة المغصوب من مهر مثل بحسب قيمتهما، وفي قول: تقنع به) ولا شيء لها غيره، وهما القولان في أن الإجازة عند تفريق الصفقة بالقسط أو بالجميع، وقد تقدما في (البيع). فرع: أصدقها عبدًا أو ثوبًا ولو يصفه .. فالتسمية فاسدة والواجب مهر المثل. وقال الأئمة الثلاثة: يجب عبد أو ثوب وسط وتصح، وإن وصف العبد والثوب .. صحت التسمية ووجب المسمى. قال: (ولو قال: زوجتك بنتي وبعتك ثوبها بهذا العبد .. صح النكاح)؛ لأنه لا يفسد بفساد الصداق. قال: (وكذا المهر والبيع في الأظهر) هما القولان السابقان في تفريق الصفقة في الحكم، والمسألة تقدمت في آخر (المناهي) حيث قال: (أو بيع ونكاح .. صح النكاح، وفي اليوم والصداق القولان).

وَيُوَزَّعُ اَلْعَبْدُ عَلَى اَلْثَّوْبِ وَمَهْرِ اَلْمِثْلِ. وَلَوْ نَكَحَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأّبِيهَا أَلْفًا أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفا .. فَالْمَذْهَبُ: فَسَادُ اَلصَّدَاقِ وَوُجُوبُ مَهْرِ اَلْمِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة المسألة: أن يكون وليًا على مالها أو وكيلاً، وأن يكون الثوب معينًا. وأفهمت عبارة المصنف أن صورة المسألة: أن يكون من أحد الطرفين عرض ومن الآخر نقد، فلو كانا نقدين كما لو كان لها مئة درهم فقال: زوجتك بنتي وملكتك هذه الدراهم بهاتين المئتين .. فالعقد والصداق باطلان على النص؛ لأنه من قاعدة: (مد عجوة ودرهم)، وأن كان من أحدهما ذهب .. فهو جمع بين بيع وصرف. وكلام المصنف هنا وفي (البيع) يقتضي أن النكاح صحيح بلا خلاف، وليس كذلك، بل فيه وجه بناء على القول المخرج: أنه يفسد بفساد الصداق. قال: (ويوزع العبد على الثوب ومهر المثل) فإذا كان مهر المثل ألفًا والثوب يساوي ألفًا والعبد يساوي ألفًا .. فنصف العبد صداق ونصفه ثمن مبيع، فإن طلقها قبل الدخول .. رجع إليه نصف الصداق وهو ربع العبد، وإن فرضت ردة أو فسخ .. رجع إليه جميع الصداق وهو نصف العبد. ولو نلف العبد قبل القبض .. يسترد الثوب ولها مهر المثل في الأظهر، ونصف قيمة العبد في القول الآخر. ولو وجد الزوج بالثوب عيبًا ورده .. استرد نصف العبد. ولو وجدت العبد معيبًا وردته .. استردت الثوب وترجع بمهر المثل في الأصح، وينصف القيمة في الثاني. وإذا قلنا بالتوزيع .. فشرطه: أن تكون حصة النكاح مهر المثل، فإن كانت أقل ... وجب مهر المثل بلا خلاف كما ذكره في (شرح المهذب) في (باب تفريق الصفقة). قال: (ولو نكح بألف على أن لأبيها ألفًا أو أن يعطيه ألفًا .. فالمذهب: فساد الصداق ووجوب مهر المثل) نقل المزني عن الشافعي:: أنه نص في الأولى على فساد

وَلَوْ شَرَطَ خِيَارًا فِي اَلْنَّكَاحُ .. بَطَلَ اَلْنَّكَاحُ، أَوْ فِي اَلْمَهْرِ .. فَالأَظْهَرُ: صِحَّةُ اَلْنَّكَاحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصداق، وفي الثانية على صحته، فاختلف الأصحاب فيهما في ذلك على طرق: المذهب منها: فساد الصداق في الصورتين، ويجب مهر المثل كما يفسد بشرط الاستحقاق، وعلى هذا: مهم من غلط المزني في نقله الصورة الثانية، ومنهم من تأوله. والطريق الثاني: فساد الصداق في الأولى دون الثانية، جريًا على ظاهر النص. والفرق: أن قوله: (على أن لأبيها ألفًا) فيه شرط عقد في عقد، فأشبه ما إذا قال: بعتك بكذا على أن تهب لفلان كذا، وفي الصورة الثانية المشروط الإعطاء معطوفًا على الألف الأول، فيشعر بأن الصداق ألفان، والزوج نائب عنها في دفع أحد الألفين إلى الأب، أو الأب نائب عنها في القبض. والطريق الثالث: أن الصورتين على قولين، وجه الفساد فيهما ما تبين، ووجه الصحة: أن الألفين ملتزمان في مقابلة البضع، وهي المالكة له فتستحقهما، وتلغو الإضافة إلى الأب. وقيل: إن شرطة الزوج .. فسد، أو هي ... فلا. هذا إذا قرئ (يعطيه) بالياء آخر الحروف، فإن قرئ بالتاء ثالثة الحروف .. فهو وعد هبة منها لأبيها. قال: (ولو شرط خيرا في النكاح .. بطل النكاح)؛ لأن مبناه على اللزوم، فشرط ما يخالف مقتضاه يمنع صحته، وقال أبو حنيفة: يصح النكاح ويلغو الشرط. قال: (أو في المهر، فالأظهر: صحة النكاح)؛ لأن فساد الصداق لا يؤثر فيه. والثاني: يبطل النكاح، وفي سببه وجهان: أحدهما: فساد الشرط وتأثيره في فساد العوض، وهذا القائل يقول بفساد النكاح بجميع الشروط الفاسد والأعواض الفاسدة.

لاَ اَلْمَهْرِ. وَسَائِرُ اَلْشُّرُوطِ إَنْ وَافَقَ مُقْتَضَى اَلْنِّكَاحِ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ .. لَغَا، وَصَحَّ اَلْنِّكَاحُ وَاَلْمَهْرُ. وَإِنْ خَالَفَ وَلَمْ يُخِل َّبَمَقْصُودِهِ اَلأَصْلِيِّ كَشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا .. صَحَّ اَلْنِّكَاحِ وَفَسَدَ اَلْشَّرْطُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أن سبب الفساد: أن الصداق أحد العوضين، والخيار في احد العوضين يتداعى إلى الثاني، فكأنه شرط الخيار في المنكوحة. قال: (لا المهر)؛ فإن الأصح أنه يفسد ويجب مهر المثل؛ لأن الصداق لا يتمحض عوضًا، بل فيه معنى النحلة فلا يليق به الخيار، والمرأة لم ترض بالمسمى إلا بشرط الخيار. والثاني: يصح ويثبت فيه الخيار؛ لأن الصداق عقد مستقل بنفسه فالمقصود منه المال، فلا يبطل بشرط الخيار كالبيع، وعلى هذا: ففي ثبوت الخيار وجهان: أصحهما: الثبوت، وبه قال أبو حنيفة. قال: (وسائر الشروط) أي: باقيها (إن وافق مقتضى النكاح أو لم يتعلق به غرض .. لغًا، وصح النكاح والمهر) الشرط في النكاح إن لم يتعلق به غرض .. فهو لغو محض كنظيره من البيع، وإن وافق مقتضى العقد .. لم يؤثر في النكاح ولا في الصداق كما إذا شرط أن يقسم لها أو ينفق عليها، أو يسترى أو يتزوج عليها إن شاء، أو يسافر بها، أو لا تخرج إلا بإذنه، فهذا لا يؤثر في صحة النكاح، ولأنه غير مناف له، بل هو مؤكد له، ويصح المهر؛ الصحة الشرط. قال: (وإن خالف ولم يخل بمقصوده الأصلي كشرط أن لا يتزوج عليها أو لا نفقة لها .. صح النكاح)؛ لأنه لا يمنع المقصود وهو الاستمتاع، ولأن فساد العوض لا يؤثر فيه، ففساد الشرط أولى، وقيل: يبطل بناء على البطلان بفساد الصداق. قال: (وفسد الشرط)؛ لأنه مخالف لموجب العقد، وقال أحمد: إن شرط ما ينفعها .. صح الشرط، فإن لم يف .. فلها الخيار.

وَاَلْمَهْرُ، وَإِنْ أَخَلَّ كَأَنْ لاَ يَطَأَ أَوْ يُطَلِّقَ .. بَطَلَ اَلنِّكَاحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحتج الأصحاب بقوله صلي الله عليه وسلم: (وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) متفق عليه [خ 251 - م 1504/ 8]. وأما صحة النكاح .. فهو المشهور؛ لأن فساد العوض لا يؤثر فيه، ففساد الشرط أولى، وحكي وجه أو قول: أنه يبطل النكاح وأغرب الترمذي فحكى في (جامعة) [3/ 434] عن الشافعي: أن من تزوج امرأة بشرط أن لا يخرج بها من بلدها ... أنه يلزمه الشرط كمذهب أحمد. قال: (والمهر)؛ لبطلان ما شرطه، وهو يقتضي سقوط ما يقابله إن كان الشرط له وهو مجهول، والمجهول إذا أسقط من المعلوم .. يصير الباقي مجهولاً، أو ضم ما يقابله إن كان الشرط لها ولا قيمة له، والمجهور إذا ضم إلى المعلوم يصير الكل مجهولاً، وإذا فسد .. وجب مهر المثل؛ دفعًا للضرر، سواء زاد على ما في العقد أو نقص، ولأنه يتاثر بالشرط الفاسد فيكون الواجب مهر المثل. وقال ابن خيران: إن زاد المسمى والشرط لها كأن لا يتزوج عليها أولا يتسرى أو لا يطلق أن تخرج متى شاءت، أو نقص والشرط عليها كترك النفقة والقسم .. وجب المسمى، كذا نقل الرافعي هذا الوجه، وعكسه في (الروضة) وهو وهم لا يساعده عليه المعنى. قال: (وإن أخل كأن لا يطأ أو يطلق ... بطل النكاح).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الأول .. فملنافاته لمقصود العقدز وأما الثاني: فسبق في (التحليل)، ومثلها إذا شرط أن لا يطأ في السنة إلا مرة. ويستثنى من الأول: الميؤوس من احتمالها الوطء إذا شرط الزوج تركه في صلب العقد .. لا يضر كما أفنى به البغوي، وقياسه: لو كان الزوج ممسوحًا وشرط ذلك .. لا يضر، وإذا صححنا النكاح .. أثر الشرط في الصداق كسائر الشروط الفاسدة. فروع: نكحها على ألف إن لم يخرجها في البلد، وعلى ألفين إن أخرجها .. فالصداق فاسد، والواجب مهر المثل أخرجها أو لم يخرجها. وإن تزوجها على أن لا ترث منه، أو على أن لا يرث منها، أ, على أن لا يتوارثا، أو على أن النفقة على غير الزوج .. بطل النكاح على المشهور. ولو زوج أمته عبد غيره بشرط أن يكون الأولاد بين السيدين .. صح النكاح وبطل

وَلَوْ نَكَحَ نِسْوَةَ بِمَهْرٍ .. فَاَلأَظْهَرُ: فَسَادُ اَلْمَهْرِ، وَلِكُلِّ مَهْرُ مِثْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرط، نص عليه في (الإملاء)، وفي قول: يبطل النكاح. قال: (ولو نكح نسوة بمهر) هذا يتصور عند اتحاد الولي بأن يكون له بنات بنين، أو إخوة أو أعمام أو معتقات، ويتصور مع تعدد الولي بأن وكل أولياء نسوة رجلاً .. فالنكاح صحيح جزمًا. قال: (فالأظهر: فساد المهر)؛ لأن كل واحدة تجهل ما يخصها في الحال فلم يصح. والثاني - وبه قال أبو حنيفة وأحمد: أن الصداق يصح؛ لأن الجملة معلومة، والتفصيل يعلم بالتوزيع، وإذا علمت الجملة والتفصيل .. كفى ذلك لصحة العقد، كما لو باع عبيدًا له أو شقصًا وعبدًا .. يجوز وإن كانت حصة كل واحد مجهولة. ولو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم .. يصح وإن كانت الجملة مجهولة. وجوابه: أن المالك هناك واحد وهو عقد واحد، وهنا المالك متعدد، والزوجات كالعاقدين، وتعد العاقد يوجب تعدد العقد، والصداق مجهول في كل عقد فيفسد، وعلى هذا: فيوزع المسمى على مهر أمثالهن، وقيل: على عدد رؤوسهن، وضعفه الإمام. ويجري القولان فيما لو خالع نسوة على عوض واحد .. هل يفسد العوض؟ وأما البينونة .. فتحصل قطعًا. وقال: (ولكل مهر مثل)؛ لجهالة المذكور، هذا هو الصحيح. وقيل: يوزع المسمى على مهور أمثالهن، ولكل واحدة ما يقتضيه التوزيع،

وَلَوْ نَكَحَ لِطِفْلٍ بِفَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ، أَوْ نَكَحَ بِنْتًا لاَ رَشِيدَةً، أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلاَ إِذْنٍ بِدْوِنِه .. فَسَدَ اَلْمُسَمَّىَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون الحاصل لهن على هذا القول كالحاصل إذا قلنا بصحة المسمى. ويستثنى من جريان الخلاف ما لو زوج امتيه بعبد على صداق واحد .. فإنه يصح الصداق جزمًا؛ لاتحاد المستحق فكان ذلك كبيع عبدين بثمن. ونظير المسالة: ما إذا كاتب عبيدًا بعوض واحد، والنص فيها الصحة. ولو اشترى عبيدًا لملاك لكل عبد بثمن واحد صفقة .. فالنص فيها: البطلان. والأصح: طرد القولين فيهما، وقيل بتقرير النصين. والفرق: أن البيع معاوضة محضة، وفساد العوض يلغيه بالكلية، وفي الكتابة شائبة التعليق، ففساد العوض لا يلغيها بالكلية، بل إذا أدى المسمى .. عتق بالصفة، وقد تقدمت مسألة البيع فيه ومسألة الكتابة تأتي في بابها. قال: (ولو نكح لطفل بفوق مهر مثل، أو نكح بنتًا لا رشيدة، أو رشيدة بكرًا بلا إذن بدونه .. فسد المسمى)؛ لأن تصرف الأب بخلاف الغبطة لا يصح، وهو بالزيادة في الأول والنقص في الثاني، والمجنون في ذلك كالطفل، وقال الأئمة الثلاثة: يصح بالمسمى.

وَاَلأَظْهَرُ: صِحَّةُ اَلْنِّكَاحِ بِمَهْرِ مِثْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا: القياس على ما لو باع مالهما بدون ثمن المثل. وقوله: (بنتًا) ضبطه المصنف بخطه بالباء الموحدة ثم بالنون ثم بالتاء المثناة من فوق، وعبارة (المحرر): ابنته الصغيرة أو المجنونة، فعبر عنه في الكتاب بقوله: (لا رشيدة)، وهو يشمل البالغة العاقلة غير الرشيدة؛ فإن إذنها بدون مهر المثل غير معتبر، غير أن هذا التركيب لا يستقيم من جهة العربية؛ فإن من قواعدهم: أن (لا) إذا دخلت على مفرد وهو صفة لسابق .. يجب تكرارها نحو: {إنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ ولا بِكْرٌ} {زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ}. ومقتضى كلام المصنف الفساد فيما إذا كانت الزيادة من مال الأب أيضًا، وهو أحد احتمالي الإمام؛ لأنه يدخل في ملك الابن ثم يكون متبرعًا بالزيادة. والاحتمال الثاني - وبه قطع الغزالي والبغوي، وبه جزم في (الحاوي الصغير) -: أنه لا يفسد الصداق، ويجب المسمى سواء كان عينيًا أو دينًا، والظاهر الأول، وبه قطع المارودي وغيره؛ لأنه يدخل تبعًا لا مقصودًا. والذي ذكره المصنف هنا من تصحيح بطلان الجميع صحح في (كتاب النكاح) في الكلام على المولى عليه أن الزائد على مهر المثل فقط يبطل، وكذلك وقع الموضعان في (الشرح الصغير) و (الروضة) و (المحرر). قال: (والأظهر: صحة النكاح بمهر مثل) كما في سائر الأسباب المفسدة للصداق، وفيما إذا أصدقها عينًا وجه: أنه تصح التسمية في قدر مهر المثل. والثاني: لا يصح النكاح؛ لأنه على خلاف المصلحة كتزويجها من غير كفء. هذا إذا كان مهر مثلها يليق به، فلو نكح له شريفة يستغرق مهر مثلها ماله .. فقياس ما صححوه في السفينة: أنه لا يصح هنا أيضًا، لأنه على خلاف المصلحة.

وَلَوْ تَوَافَقْوا عَلَى مَهْرِ سِرّاً وَأَعْلَنُوا زِيَادَةَ .. فَاَلْمَذْهَبُ: وُجُوبُ مَا عُقِدَ بِهِ. وَلَوْ قَالَتْ لِوليِّهَا: زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ .. بَطَلَ اَلْنِّكَاحَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: أصدق رشيد زوجة نقدًا في ذمته، فعوضها أبوه عوضًا من غير إذنه .. قال ابن الصلاح: يصح ويقدر انتقال الملك إليه، ثم منه إلى الزوجة، وبمثله أجاب صاحب (البيان). قال: (ولو توافقوا على مهر سرًا وأعلنوا زيادة .. فالمذهب: وجوب ما عقد به)، لأن الصداق يجب بالعقد فوجب ما عقد به. روى أحمد [2/ 182] وأبو داوود [2122] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء قبل عصمة النكاح .. فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح .. فهو لمن أعيطه). والثاني: أن المهر مهر السر اعتبارًا بتراضيهم واصطلاحهم. وللشافعي في المسألة نصان منزلان على هذا حيث قال: مهر السر، أراد إذا جرى العقد بألف في السر ثم ذكروا في العلن ألفين تجملاً، وحيث قال: مهر العلانية .. أراد ما إذا تواعدوا أن يكون المهر ألفًا ولم يعقدوا في السر، ثم عقدوا في العلانية، فيكون المهر ما عقد به العقد. وقيل: قولان مطلقًا. وقيل: يفسد المسمى ويجب مهر المثل، والخلاف كالخلاف في أن الاصطلاح الخاص هل يقضي على الاصطلاح العام. وقال ابن المنذر: قال الشافعي: المهر مهر العلانية إلا أن يكون شهود المهرين واحدًا .. فيثبتون على أن المهر مهر السر، فتستثنى الصورة من إطلاقهم. قال: (ولو قالت لوليها: زوجني بألف فنقص عنه ... بطل النكاح) كما لو قالت: زوجني من زيد فزوجها من عمرو، وأفهم البطلان من باب أولى إذا زوجها بلا مهر، أو زوجها مطلقًا وسكت عن المهر، سواء زوجها بنفسه أو بوكيله.

فَلَوْ أَطْلَقَتَ فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ اَلْمِثْلِ .. بَطَلَ، وَفِي قَولٍ: يَصحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ. قُلْتُ: اَلأَظْهَرُ: صَحَّةُ اَلْنِّكَاحِ فِي الصُّورَتَينِ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَالله أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو أطلقت فنقص عن مهر المثل ... بطل)؛ لأن الإطلاق يقتضي مهر المثل عرفًا، فكأنها قيدت به. قال: (وفي قول: يصح بمهر مثل) كسائر الأسباب المفسدة للمهر، وهذا الوجه صححه في (اصل الروضة) والرافعي لم يصححه، بل حكي قولين. قال: (قلت: الأظهر: صحة النكاح في الصورتين بمهر مثل والله أعلم) وهذه طريقة العراقيين. فرع: خطب الصغيرة من أبيها كفآن أحدهما بمهر المثل والثاني بأزيد، فزوجها الولي الأول، فهل يصح على قولنا: إنه لا يصح إذا زوجها بدون مهر المثل؟ فيه وجهان: أصحهما في (البحر): المنع؛ لأن النكاح على هذا القول معتبر بالبيع. وجزم الإمام بالصحة إذا رأى المصلحة في ذلك، وهو الأظهر. تتمة: قال الولي للوكيل زوجها من شاءت بكم شاءت، فزوجها برضاها بغير كفء بدون مهر المثل .. صح، ولو قال: زوجها بألف، فزوجها بخمس مئة برضاها .. قال المتولي: الصحيح صحة النكاح؛ لأن المهر حقها، وقيل: لا يصح؛ لأنه باشر غير ما وكل فيه. ولو جاء رجل وقال: أنا وكيل فلان في قبول نكاح فلانة بكذا، وصدقه الولي والمرأة وجرى النكاح وضمن الوكيل الصداق، ثم إن فلانًا أنكره وصدقناه باليمين ... فهل يطالب الوكيل بشيء من الصداق؟ وجهان:

فَصْلٌ: قَالَتْ رَشِيدَةٌ: زَوِّجْنِي بِلاَ مَهْرٍ، فَزَوَّجَ وَنَفَى اَلْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ .. فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: لا؛ لأن مطالبة الأصيل سقطت، والضامن فرعه. وأصحهما - وهو محكي عن نصه في (الإملاء) -: أنه يطالب بنصف الصداق؛ لأن المال ثابت عليهما بزعمه، فصار كما لو قال: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنه، فأنكر عمرو .. يجوز لزيد مطالبة الضامن. قال: (فصل: قالت رشيدة: زوجني بلا مهر، فزوج ونفى المهر أو سكت .. فهو تفويض صحيح) التفويض: إخلاء النكاح عن المهر، وأصل التفويض: أن يجعل الأمر إلى غيره ويكله إليه، وقيل: هو الإهمال، ومنه: لا يصلح الناس فوضى وسميت مفوضة؛ لتفويضها أمرها إلى غيرها بلا مهر، أو لأنها أهملت المهر، ومفوضة بفتح الواو؛ لأن الولي فوض أمرها إلى الزوج. والتفويض ضربان: تفويض بضع وتفويض مهر، فتفويض المهر: أن تقول المرأة: زوجني

وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ: زَوَّجْتُكَهَا بِلاَ مَهْرٍ. وَلاَ يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بما شئت، أو على ما يشاء الخاطب أو فلان، والتفويض الصيح أن يكون من المستحق الرشيد كما فرضه المصنف. وقول قالت الرشيدة: زوجني وسكتت عن المهر .. فوجهان: أحدهما - وبه جزم الإمام -: أن هذا ليس بتفويض؛ لأن النكاح يعقد غالبًا بمهر فيحمل الإذن على العادة، فكأنها قالت: زوجني بمهر المثل، فتستحقه بالعقد، قال في (الشرح الصغير): وهذا هو الظاهر. والثاني: أنه تفويض صحيح، وهذا هو الصواب المنصوص في (الأم) كما قاله في (المهمات). قال: (وكذا لو قال سيد أمة: زوجتكها بلا مهر)؛ لأنه المستحق للمهر فأشبه الرشيدة، وكذا لو قال: زوجتكها وسكت عن ذكر المهر كما نص عليه في (الأم) أيضًا. قال: (ولا يصح تفويض غير رشيدة)؛ لأن التفويض تبرع، فإذا قالت

وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لاَ يَجِبُ شَيءٌ بِنَفْسِ اَلْعَقْدِ، فَإِنْ وَطِئَ .. فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَيُعْتَبَرُ بِحَالِ اَلْعَقْدِ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ السفيهة لوليها: زوجني بلا مهر .. كان إذنها في عدم المهر غير معتبر، ويستفيد به الولي جواز التزويج، ولو أذنت الحرة لوليها في التزويج على أن لا مهر لها في الحال ولا عند الدخول ولا غيره، فزوجها الولي كذلك .. فوجهان: أحدهما: بطلان النكاح. وأصحهما: صحته، وعلى هذا: هل هو تفويض فاسد فيجب مهر المثل، أو يلغي النفي في المستقبل ويكون تفويضًا صحيحًا؟ وجهان، وبالأول قال أبو إسحاق؛ لأنه شرط فاسد، والشرط الفاسد في النكاح يوجب مهل المثل. قال: (وإذا جرى تفويض صحيح .. فالأظهر: أنه لا يجب شيء بنفس العقد)؛ لأنه لو وجب به .. لتنصف بالطلاق، ولأن المهر حقها فإذا رضيت بأن لا يثبت .. وجب أن لا يثبت، كما أنها إذا رضيت بأن لا يبقى .. لا يبقى. والثاني: يجب لها مهر المثل؛ لأنه لو لم يجب .. لما استقر بالموت. قال: (فإن وطئ .. فمهر مثل)؛ لأن البضع حق الله تعالى، ولأنه لا يباح، بالإباحة، فيصان عن التصور بصورة المباحات. وفيه وجه مخرج: أنه لا يجب بالوطء مهر؛ لحصول الإذن من مالك البضع كما إذا أذن الراهن للمرتهن ف يوطء المرهونة. وهناك قول: إنه لا مهر، لكن هذا الوجه ههنا كان أن يكون خارقًا للإجماع. والفرق بينه وبين المرهونة: أن وطء المرهونة من غير عقد، وهذا في عقد، لكن يستثنى ما تقدم في آخر الباب الذي قبله ويأتي في تتمة هذا الفصل: أن الكافر لو نكح كافرة تفويضًا ثم أسلما .. فلا شيء لها بالوطء. قال: (ويعتبر بحال العقد في الأصح)؛ لأن العقد هو الذي يقتضي الوجوب عند الوطء.

وَلَهَا قَبْلَ اَلْوَطْءِ مُطَالَبَةُ اَلْزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ مَهْرًا، وَحَبْسُ نَفْسِهَا لِيَفْرِضَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يعتبر مهر المثل بحالة الوطء؛ لأنه وقت الوجوب، وهذا صححه في (الروضة) و (الشرح الكبير)، والذي صحه هنا تبع فيه (المحور) و (الشرح الصغير). قال: (ولها قبل الوطء مطالبة الزوج بأن يفرض مهرًا)؛ لأن خلو النكاح عن المهر خاص بالنبي صلي الله عليه وسلم، ولتكون على ثب مما تسلم نفسها به، وهذا تفريع على أن لا مهر بالعقد، فإن أوجبناه به .. فالأصح: أن لها طل بالفرض؛ ليتقرر الشطر، فلا يسقط لو طلقها قبل المسيس، وخالف هذا المطالبة بوطأة واحدة، حيث لم يكن لها ذلك في الأصح وإن كانت تقرر المهر؛ لأن الزوج يقدر على الفرض متى شاءت، بخلاف الوطء، وكلام الشيخ كالصريح في مطالبته بأي مهر كان لا مهر المثل، وهذا هو القول القديم. والجديد: الصحيح أنها تملك أن تطالبه بمهر المثل، فلو زاد المصنف لفظه المثل .. لاستقام. وهنا سؤال وهو: أنا إذا قلنا: يجب مهر المثل بالعقد .. فما معنى المفوضة؟ وإن قلنا: لم يجب شيء .. فكيف تطلب ما لم يجب لها؟ لا جرم استشكله الإمام وقال: من طمع أن يلحق ما وضعه على الإشكال بما هو بين .. طلب مستحيلاً، والمطلع على الحقائق هو الله سبحانه. قال: (وحبس نفسها ليفرض) فتصل إلى حقها.

وَكَذَا لِتَسْليمِ اَلْمَفْرُوضِ فِي اَلأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ اَلزِّوْجُ لاَ عِلْمُهَا بِقَدْرِ مَهْرِ اَلْمِثْلِ فِي اَلأَظْهَرِ. وَيَجُوزُ فَرْضُ مُؤَجَّلٍ فِي اَلأَصَحِّ، وَفَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ: لاَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا لتسليم المفروض في الأصح) كما لها ذلك في المسمى في ابتداء العقد، وكذا صححه في زوائد، (الروضى) تبعًا لـ (المحرر)، وهو الذي أورده الغزالي. والثاني: لا؛ لأنها سامحت بالمهر فاكيف تليق بها المضايقة؟! قال: (ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج)؛ لأن الحق لها، فإذا لم ترض به .. فكأنه لم يفرض، وغذا لم تطلب ففرض لها أقل من مهر مثلها .. ففي (النهاية): لا يثبت، وإن فرض لها مهر مثلها .. احتمل أني ثبت، ويظهر أن يقال: لا يثبت ما لم تطلب؛ لأن طلبها منزل منزلة القبول في العقود. قال: (لا علمها بقدر مهر المثل في الأظهر) فيصح مع الجهل اكتفاء بالتراضي، وهذا منصوص (الأم). والثاني: يشترط كالعوض في البيع، فلابد من العلم بالبدل، ورجح القاضي الروياني اعتبار علم الزوجين، والجمهور على خلافه. هذا فيما قبل الدخول، أما بعده .. فلا يصح إلا مع علمها بقدره قولاً واحدًا، لأنه ههنا قيمة مستهلك، قاله الماوردي. قال: (ويجوز فرض مؤجل في الأصح) كما يجوز تأجيل المسمى ابتداء. والثاني: لا؛ لأن الأصل مهر المثل، ولا مدخل للتأجيل فيه فكذلك في بدله. قال: (وفوق مهر مثل) سواء كان من جنسه أم لا؛ لأن الأمر إلى تراضيهما، أما النقص .. فلا خلاف في صحته، قاله الإمام. قال: (وقيل: لا إن كان من جنسه)؛ لأن مهر المثل هو الأصل فلا يزاد البدل عليه، وهذا ضعيف.

وَلَوِ اَمْتَنَعَ مِنَ اَلْفَرضِ أَوْ تَنَازَعًا فِيهِ .. فَرَضَ اَلْقَاضِي نَقْدَ اَلْبَلَدِ حَالاًّ. قَلْتُ: وَيَفْرِضُ مَهْرَ مِثْلٍ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِهِ، وَالله أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو امتنع من الفرض أو تنازعًا فيه ... فرض القاضي)؛ قطعًا للنزاع، وهذا من القاضي نيابة قهرية أثبتها له الشارع استيفاء للحق من الممتنع. قال: (نقد البلد) كما في قيم المتلفات. قال: (حالاً)؛ لأن القاضي ليس له أن يفرض مؤجلاً وإن فرعنا على جواز تأجيل الفرض بتراضيهما؛ لأن منصب القاضي إلزام الغير فلا يليق به التأجيل، وليس هذا كبيع القاضي مال الطفل بمؤجل إذا رأى المصلحة فيه؛ لأن هذا إلزام من القاضي كإلزام الممتنع، كذا ذكره الإمام عن المحققين وهو محمول على الغالب، فلو جرت العادة في ناحية بفرض الثياب وغيرها .. فعن الصميري: أنه يفرضها، وقياسه: أنه لو جرت عادة نسائها بالتأجيل .. جاز أن يؤجله، وهو مقتضى كلام صاحب (البحر). فرع: إذا زوج القاضي امرأة لا ولي لها سواه .. هل له أن يزوجها بمؤجل؟ هذا الفرع يتوقف فيه القضاة، وعمل الناس على الجواز كماي بيه ما لها بالنسيئة للمصلحة، وليس المقصود بالتزويج المهر، بل المؤن، وقد صرح في (البيان) بجواز تزويجها بالعرض. قال: (قلت: ويفرض مهر مثل)؛ لأنه لا موجب للزيادة عليه ولا ينقص عنه كما في قيم المتلفات. قال الرافعي: لكن الزيادة والنقص اليسير الذي يقع في محل الاجتهاد لا اعتبار به. وإذا فرض القاضي .. لم يتوقف لزومه على رضاها؛ فإنه حكم منه، وحكم القاضي لا يفتقر لزومه إلى رضا المتخاصمين. قال: (ويشترط علمه به والله أعلم)؛ ليتحقق ما يفرضه، فلا يزيد عليه ولا ينقص عنه.

وَلاَ يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيَّ مِنْ مَاِلهِ فِي اَلأَصَحِّ. وَاَلْفَرْضُ اَلصِّحِيحُ كَمُسَمَّىَ؛ فَيَشَطَّرُ بِطَلاَقٍ قَبْلَ وَطءٍ، َوَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطءٍ .. فَلاَ شَطْرَ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُمَا .. لَمْ يَجِبْ مَهْرُ اَلْمِثْلِ فِي اَلأَظْهَرِ. قُلْتُ: اَلأَظْهَرُ: وُجُوبُهُ، وَالله أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يصح فرض أجنبي من ماله في الأصح)؛ لأنه تعيين لما يقتضيه العقد وتصرف فيه فلا يليق بغير المتعاقدين، إلا إذا فرضت وكالة أو ولاية. والثاني: يصح؛ لأن للأجنبي أن يؤدي الصداق عن الزواج بغير إذنه فكذا يجوز أن يفرض، وعلى هذا: لها مطالبة الأجنبي بالمفروض، ويسقط طلبها عن الزوج، ولو طلقها قبل المسيس .. عاد نصف المفروض إلى الزوج على الأصح. قال: (والفرض الصحيح كمسمى؛ فيتشطر بطلاق قبل وطء) سواء كان الفرض من الحاكم أو الزوجين؛ لعموم قوله تعالى: {وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}. واحترز بـ (الصحيح) عن الفاسد كفرض الخمر؛ فإنه يلغى ولا يؤثر في تشطير مهر المثل، بخلاف التسمية الفاسدة في العقد؛ فإنها تشطره. وعند أبي حنيفة: يسقط المفروض بالطلاق وتجب المتعة. قال: (وإن طلق قبل فرض ووطء .. فلا شطر)؛ لمفهوم الآية، وهذا تفريع على الأصح أنه لا يجب بالعقد، فإن قلنا: يجب به .. فقيل: يتشطر به، والأصح يسقط إلى المتعة. قال: (وإن مات أحدهما قبلهما) أيك قبل الوطء والفرض (... لمي جب مهر المثل في الأظهر)؛ قياسًا على الفرقة بالطلاق، وبهذا قال مالك. قال: (قلتك الأظهر: وجوبه والله أعلم) وبه قال أحمد؛ لأن الموت بمثابة الوطء في تقرير المسمى، فكذلك في إيجاب المهر في صورة التفويض، وهذا هو الحق، وقيل: إن الشافعي رجع إليه. وأصل الخلاف: أن النبي صلي الله عليه وسلم قصى في بروع بنت واشق - وقد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نكحت بلا مهر فمات زوجها - بمهر نسائها وبالميراث، لكن في رواية اضطراب، قيل: معقل بن يسار، وقيل: ابن سنان، وقيل: رجل من أشجع، فلذلك تردد الشافعي، لكنه قال: إن ثبت الحديث .. قلت به. والحديث في (سنن أبي داوود) [2107] بإسناد مجموع على صحته: أن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم قصى في بروع بنت واشق بذلك، وزوجها هلال بن مروان، وحسنة الترمذي [1145] ورواه بن ماجه [1891]، وصححه ابن حيان [4100] والحاكم [2/ 180] وابن حزم والبيهقي [7/ 244] وغيرهم. قال الحاكم: لو حضرت الشافعي .. قمت على رؤوس أصحابه وقلت: قد صح الحديث فقل به. لكن روايته عن معقل بن يسار تصحيف، والصواب: معقل بن سنان الأشجعي، والقصة كانت فيهم. قال الشيخ: وأنا أدين الله تعالى بأن لها الصداق، ولا أعتقد قولاً سواء. ووقع في (الكفاية) تبعًا (للوسيط) أن عليًا لم يقبل هذا الحديث وقال: كيف تقبل في ديننا قول أعرابي بوال على عقبيه، ومعاذ الله أن يقول على ذلك، ومعقل شهد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فتح مكة، وكان يحمل لواء قومه ذلك اليوم، وبعثه النبي صلي الله عليه وسلم ونعيم بن مسعود إلى أشجع يأمرهم بحضور المدينة لغزو مكة. قال الجوهري: يروع بنت واشق بفتح الياء، وأصحاب الحديث يقولونها بكسرها، والصواب الفتح؛ لأنه ليس في كلام العرب فعول إلا خروع وعتود اسم واد. أهـ وقد جاء فعول أيضًا في عتور بالراء اسم لواد خشن، وذرود اسم لجبل معروف، ذكرهما في (العباب).

فَصّلٌ: مَهْرُ اَلْمِثْلِ: مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا، وَرُكْنُهُ اَلأَعْظَمُ نَسَبٌ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال المتولي: لو نكح كافر على أن لا مهر لها وترافعا إلينا .. حكمنا فيه حكمنا بين المسلمين. وقال أبو حنيفة: إن اعتقدا أن النكاح لا يخلو عن المهر .. فكذلك، وإن جوزا خلوه عن المهر .. فلا مهر لها، لا بالعقد ولا بالدخول. وإذا أبرأت المفوضة قبل الفرض والدخول من المهر، فإن قلنا بوجوبه بالعقد .. صح الإبراء إن كان مهر المثل معلومًا لها، وإن كان مجهولاً .. فلا في الأصح. ولو قالت أسقطت حقي من طلب الفرض .. لم يسقط. ولو أبرأته من المتعة قبل الطلاق .. فهو إبراء عن الشيء قبل وجوبه، وإن أبرأته بعده .. فهو إبراء عن مجهول. ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير فأبرأه من المسمى .. فهو لغة؛ لأن الواجب غيره، وإن أبرأته عن مهر المثل وهي عاملة به .. صح، ولو تيقنت أن مهرها لا ينقص عن ألف ولا يزيد على ألفين، وترددت فيما بينهما ورغبت في البراءة .. فينبغي أن تبرئه من ألفين. قال: (فصل: مهر المثل: ما يرغب به في مثلها) لما كانت الحاجة تمس إلى معرفته في المفوضة تفويضًا صحيحًا وتفويضًا فاسدًا، وفي تسمية الصداق الفاسد، وفيما إذا نكح نسوة على صداق واحد .. وذكره وعقب ذلك وأن كان يحتاج إلى معرفته في غير ذلك. قال: (وركنه الأعظم نسب)؛ لأن المهر تقع به المفاخرة فكان كالكفاءة في النكاح، فأما في العرب .. فيعتبر قطعًا، وأما في الهجم .. فقال القفال والعبادي: النكاح، فأما في العرب .. فيعتبر قطعًا، وأما في العجم .. فقال القفال والعبادي: لا يعتبر فيهم؛ لعدم اعتنائهم بحفظ الأنساب، وظاهر كلام الأكثرين أنه يعتبر هنا وإن لم يعتبر هناك.

فَيْرَاعَى أَقْرَبَ مَنْ تُنْسَبُ إَلْى مَنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَأَقْرَبُهُنَّ، أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبِ، ثُمَّ بَنَاتُ أُخِ، ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ. فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ اَلْعَصَبَةِ أَوْ لَمْ يَنْكِحْنَ أَوْ جُهِلَ مَهْرُهُنَّ .. فَأَرْحَامُ كَجَدَّاتِ وَخَالاَتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فيراعى أقرب من تنسب إلى من تنسب إليه) فينظر إلى نساء عصباتها، وهن اللواتي ينتسبن إلى من تنسب هذه كالأخوات وبنات الإخوة والعمات وبنات الأعمام، ولا ينظر إلى ذوات الأرحام كالبنات والأمهات، بخلاف ما تقدم في (الحيض) أن المبتدأة ترد إلى عادة نساء عشيرتها من الأبوين على الأصح؛ لأن ذلك أمر يرجع إلى الخلفة والجبلة، والأب والأم يشتركان فيه. قال: (وأقربهن: أخت لأبوين ثم لأب) يعني: أنه يراعي في ناء العصبة قرب الدرجة، وأقربهن الأخوات من الأبوين، لأن المدلي بجهتين مقدم على ذي الجهة، ولم يحك الشيخان فيه خلافًا، لكن حكى المارودي فيه وجهين وهو ظاهر؛ لأن الأنوثة لا مدخل لها هنا في الابتداء. قال: (ثم بنات أخ، ثم عمات كذلك) أي: لأبوين ثم لأب، وهو أحسن من قول (المحرر): ثم بنات الإخوة كذلك ثم العمات؛ لخروج عمات الأم من عبارة (المصنف) صريحًا، ولم يذكر بنات العم كذلك؛ أي: لأبوين ثم لأب، ولابد منه، وهكذا بنات أولاد العم. قال: (فإن فقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جهل مهرهن .. فأرحام كجدات وخالات)؛ لأنهن أولى بالاعتبار من الأجانب، وتقديم القربى فالقربى من الجهات، ولذلك تقدم القربى، فالقربى من الجهة الواحدة كالجدات. وقال في (الحاوي) و (البحر): تقدم الأم ثم الأخت لأم ثم الجدات ثم الخالة ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخوال، فلو لم يكن في القرائب إلا واحدة أو

وَيُعْتَبَرُ سِنِّ وَعَقْلٌ وَيَسَارٌ وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ وَمَا اَخْتَلفَ بِهِ غَرَضٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثنتان ... توقف ابن الرفعة في اعتبارها، فغن كن ثلاثًا ... اعتبرن. ولا يتعذر اعتبار نساء العصبة بموتهن، بل يعتبر وإن كن ميتات، وإنما يعذر بفقدهن من الأصل، أو لأنهن لم ينكحن، أو جهل مهرهن كما قال المصنف. فإن تعذر الاعتبار بذوي الأرحام أيضًا ... اعتبر مثلها من النساء الأجانب، وكذا إن لم يكن نسب المرأة معلومًا. ويعتبر مهر العربية بعربية مثلها، أو الأمة بأمه مثلها، وينظر إلى شرف السيد وخسته، ومهر العتيقة بعتيقة مثلها، وفي وجه: تعتبر المعتقة بنساء الموالي. قال: (ويعتبر سن وعقل ويسار وبكارة وثيوبة وما اختلف به غرض) من الصفات المرغوب فيها، وإنما اعتبر اليسار هنا على الصحيح، لأن الرغبة في الموسرة أكثر لتوقع الرفق بها وانتفاع الأولاد بمالها، وقيل: لا يعتبر اليسار كالكفاءة، وهو بعيد. وكذا تعتبر الكفاءة والعفة والجمال أكثر، وليس كما ي الكفاءة؛ فإن المرعى هنا التحرز عما يوجب عارًا. وكذا يعتبر ما يرغب فيه من الأوصاف كالعلم والفصاحة والصراحة، فالصريح: الذي كون أبواه عربيين، والذي أبوه عربي دون أمه هجين، وعكسه مقرف، والمذرع: الذي أمه أشرف من أبيه، وهو بفتح الذال المعجمة والراء. قال الشاعر [من الطويل]: إذا باهلي تحته حنظلية .... له ولد منها فذاك المذرع فباهله أرذل القبائل، وحنظلة أكرم قبيلة من تميم، ولذلك يقال لها: حنظلة الأكرمون. وينظر مع ذكرنا إلى البلد، فيعتبر مهر نساء عصباتها في تلك البلدة، فإذا كان نساء عصباتها ببلدتين هي في إحداهما .. اعتبر بعصبات بلدها، فإن كن كلهن في بلدة أخرى .. فالاعتبار بهن لا بأجنبيات بلدها، كذا في (الشرحين) و (الروضة) تبعًا (للمهذب) وغيره.

فَإِنِ اَخْتَصَّتُ بِفَضْلٍ أَوْ نُقِصَ .. زيدَ أَوْ نُقِصَ لَائِقٌ بِاَلْحَالَ. وَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ .. لَمْ تَجِبْ مُوَافَقَتُهَا. وَلَوْ خَفَضْنَ لِلْعَشِيرَةِ فَقَطْ .. اعْتُبِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المارودي وابن الصباغ: إنما تعتبر العصبة إذا كن ببلدها، وإلا .. لم يعتبرن؛ لأنه قيمة متلف فيعتبر محل الإتلاف. قال: (فإن اختصت بفضل أو نقص .. زيد أو نقص لائق بالحال) والرأي في ذلك إلى الحاكم؛ لأنه يحتاج إلى فطنة ومعرفة ممن يعرف ذلك ويرجع إليه فيه. قال: (ولو سامحت واحدة .. لم تجب موافقتها)؛ لأن ذلك لغرض خاص فلا يقصى به على العموم، كما لو سمح شخص ببيع نوع من ماله بدون قيمته .. لم يجعل ذلك قيمة يرجع إليها، اللهم إلا أن يكون ذلك لنقص دخل في النسب أوجب قلة الرغبات. قال: (ولو خفضن للعيرة فقط .. أعتبر) يعني: إذا جرت عادتهن بمسامحة العشيرة دون غيرهم .. خفننا مهر هذه في حق العشيرة دون غيرهم، وكذا إذا كن يخففن إذا كان الزوج شريفًا .. خفف في حق الشريف دون غيره. وعن الشيخ أبي محمد: أنه لا يلزم التخفيف في حق العشيرة والشريف، كما أن قيم الأموال لا يختلف بين أن يكون المتلف صديقًا أو قريبًا أو غيرهما. وقيل: مهر المثل للواجب بالعقد يجوز أن يختلف دون الواجب بالإتلاف. والمراد بـ (العشيرة) الأقارب كما قالوه في الوصية، وكما يعتبر فيها ما سبق ... يعتبر بحال الزوج أيضًا في اليسار والعلم والعفة والنسب؛ لأن مهر المثل يختلف باختلاف الخاطب؛ فإن الشريف والعالم يسامح في مهره، ويرغب فيه ما لا يرغب في غيره، وقد صرح بذلك صاحب (الكافي) و (الاستقصاء) وابن يونس والفارقي

وَفِي وَطْءِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَهْرُ مِثْلٍ يَوْمَ اَلْوَطْءِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ .. فَمَهْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهم، فعلى هذا: إذا وجد في النساء مثل صفتها وصفة زوجها .. اعتبر، وإلا .. فلا يعتبر بها. فروع: مهر المثل إنما يجب حالاً من نقد البلد وإن رضيت بالتأجيل، فإن كن ينكحن بالعرض .. قوم ووجبت قيمته من نقد البلد، وفي (البيان) عن الصميري: إن اعتدن به .. قضى لها به، وإن كن ينكحن بمؤجل كله أو بعضه .. لم يؤجله الحاكم، بل ينقص ما يليق بالأجل، قال الماوردي: إلا إذا وجب لها مهر المثل فلم تطلبه حتى مضي قدر أجلهن .. فيجب قدر مؤجلهن حالاً. وتقادم العهد لا يوجب سقوط مهر المثل، كما لا تسقط قيم الأموال وإن احتيج فيها إلى معرفة الصفات وعسر الوقوف عليها إذا تقادم العهد، وعن أبي حنيفة أنه يسقط. قال: (وفي وطء نكاح فاسد مهر مثل يوم الوطء) كالوطء الشبهة، ولا يعتبر يوم العقد؛ فإنه لا حرمة للعقل الفاسد، ولا يجب به شيء، وإنما يجب ما يجب بالإتلاف، فينظر إلى يوم الإتلاف، وأراد المصنف بهذا التنبيه على أنه ليس كالمفوضة، لأن المفوضة عقدها صحيح، والعقد هنا فاسد. قال (فإن تكرر .. فمهر)؛ لأنه وطء في نكاح فاسد، فهو شبهة واحدة كما أن الوطآت في النكاح الصحيح لا توجب إلا مهرًا واحدًا، ويدل له عموم قوله صلي الله عليه وسلم: (فإن مسها .. فلها المهر بما استحل من فرجها) ولم يفرق بين مرة ومرات. وعن المزني: القياس أن لكل وطء مهرًا. والمراد بـ (التكرار) كما تقدم في (الحج): أن يحصل بكل مرة قضاء الوطر مع تعدد الأزمنة، فلو كان ينزع ويعود والأفعال متواصلة ولم يقض الوطر إلا آخرًا .. فهو وقاع واحد بلا خلاف.

فِي أَعْلَى اَلأَحْوَالِ .. قُلْتُ: وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءٌ بِشُبْهَةَ وَاحِدَةٍ .. فَمَهْرٌ، فَإِنْ تَعَدَّدَ جِنْسُهَا .. تَعَدِّدَ اَلْمَهْرُ، وَلَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ عَلَى زِنًا .. تَكَرَّرَ اَلْمَهْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (في أعلى الأحوال) يعني: إذا لو يجب إلا مهر واحد واختلفت أحوال الوطآت .. اعتبر أعلى أحوالها؛ لأنه لو لم يوجد غلا الوطأة الواقعة في تلك الحال .. لوجب ذلك المهر، فالوطآت الباقية إذا لم تقتض زيادة لا توجب نقصانًا، فينظر في ذلك إلى الجمال والسن والسمن ونحوها. قال: (قلت: ولو تكرر وطء بشبهة واحدة .. فمهر)؛ لاتحادها كالإيلاجات في الوطأة الواحدة، وهذا لا شك فيه إذا ظنها زوجته أو أمته واستمر يطأ على ذلك الظن، ومحله: ما لم يؤد المهر، فإن أداه قبل الوطء الثاني .. وجب مهر جديد، قاله الماوردي وغيره. لكن يستثنى ما لو وطئ حربية بشبهة .. فإنها لا تستحق مهرًا وإن تكرر؛ لأن ما لها غير مضمون بالإتلاف فكذا منفعة بضعها، وقد تقدم هذا ف يخلو عن عقر وعقوبة. قال: (فإن تعدد جنسها .. تعدد المهر)؛ لتغايرها كما إذا وطئ بشبهة فزالت ثم وطئ بشبهة أخرى. قال: (ولو كرر وطء مغصوبة أو مكرهة على زنا .. تكرر المهر) فيجب بكل وطء مهر؛ لأن الوجوب هنا بالإتلاف وقد تعدد، ومن أصحابنا من قال: عليه مهر واحد كثر الوطء أو قل؛ لأنه سبب واحد. والمسألة مفروضة فيما إذا كان عالمًا ووجب المهر لكونها مكرهة، فإن كان جاهلاً .. لم يجب إلا مهر؛ لأن الجهل شبهة واحدة مطردة فأشبهت الوطء في نكاح فاسد مرارًا. فإن وطئها مرة عالمًا ومرة جاهلاً .. وجب مهران، ولو أدعت الإكراه ونازعها .. ففي المصدق منهما قولان سبقا في (الغصب).

وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ اَلأَبِ وَاَلشِّريكِ وَالسَّيٌدِ مُكَاتَبَةَّ .. فَمَهْرٌ، وَقِيلَ: مُهُورٌ، وَقِيلَ: إِنِ أَتَّحَدَ اَلْمَجْلِسُ .. فَمَهْرٌ، وَإِلاَّ .. فَمُهُورٌ، وَاَلله أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تكرر وطء الأب والشريك والسيد مكاتبة .. فمهر)؛ لأن الشبهة واحدة وهي وجوب الإعفاف، وهي شاملة لجميع الوطآت. وقيد الرافعي التعدد في وطء الأب بما إذا لمي حصل بالأول إحبال؛ لأنه إذا أحبلها وقلنا: تصير مستولد .. فالوطء حصل في ملكه. قال: (وقيل: مهور)؛ لتعدد الإتلاف في ملك الغير مع العلم بحقيقة الحال. قال: (وقيل: إن اتحد المجلس .. فمهر، وإلا .. فمهور والله أعلم)؛ لأن اختلاف المجلس كاختلاف السبب، وفي كل سبب مهر كفدية المرض وفدية الأذى، وإذا اتحد السبب .. اتحد المسبب، كمن حلق جميع رأسه .. تجب عليه فدية واحدة وإن كان في كل جزء منها فدية، وهذا اختاره القاضي والبغوي، ورجحه الشيخ. تتمة: وطء الشريك المشتركة، السيد المكاتبة مرارا كوطآت جارية الابن، كذا أطلقه الشيخان، وهو في المكاتبة مقيد بشرط نص عليه في (الام)، وهو: أنه لا يجبر، فتختار الصداق، فإن خيرت فعاد السيد فأصابها .. فلها مهر أخر، وكذا كلما خيرت فاختارته .. تكرر صداقها، كنكاح المرأة نكاحًا فاسدًا يلزمه مهر واحد، فإذا فرق بينهما وقضي بالصداق ثم وطئها في نكاح آخر فاسد .. فلها صداق آخر.

فَصْلٌ: اَلْفُرْقَةُ قَبْلَ وَطْءٍ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبهَا .. كَفَسْحِةِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ اَلْمَهْرَ، وَمَا لاَ كَطَلاَقٍ وَإِسْلاَمِه وَرِدَّتِهِ وَلعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أَمِّهِ أَوْ أُمَّهَا ... يُشَطَّرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل) عقده لتشطير المهر بالطلاق، وقد تقدم في (باب الخيار)، وإنما أعاده توطئة لما بعده. قال: (الفرقة قبل وطء منها أو بسببها .. كفسخة بعيبها تسقط المهر)؛ لأنها إن كانت هي الفاسخة .. فهي المختارة للفرقة، وإن كان هو الفاسخ بعيبها فكأنها هي الفاسخة كما إذا أسلمت بالمباشرة أو التبعية، أو ارتدت، أو فسخت النكاح بعتق أو عيب، أو أرضعت زوجة أخرى له صغيرة، أو فسخ النكاح بعيبها. قال: (وما لا كطلاق وإسلامه وردته ولعانه وإرضاع أمه أو أمها .. يشطره) الأصل في تشطير الطلاق قبل الدخول قوله تعالى: {وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} واتفق العلماء على ذلك، لكن عند مالك لا تملك الزوجة بالعقد إلا النصف، وعندنا تملك الجميع، فالطلاق عنده قاطع للسبب وعندنا قاطع للملك. ولما كان الطلاق فرقة من جهة الزوج .. قيس عليها ما في معناها، فمن ذلك: إسلام الرجل، وردته، ولعانه، وإرضاع أمه أو أمها. واندرج في قوله: (طلاق) الخلع، وتطليقها نفسها بتفويضه، وإذا علقه على دخولها فدخلت، أو طلقها بعد مدة الإيلاء بطلبها. وينبغي أن يجب على مباشر الإسلام مهر المثل؛ لأنه أفسد نكاح غيره بإسلامه وإن كان واجبًا عليه كما في نظيره من الرضاع الواجب. وأغرب الماوردي فقال: إذا قال لها قبل الدخول: أنت طالق إن شئت فشاءت .. فلا مهر لها؛ لوقوع الطلاق بمشيتها، وقياسه، الطرد في كل فعل من جهتها علق به طلاق.

ثُمَّ قَيِلَ: مَعْنَى اَلتَّشْطِيرِ: أَنَّ لَهُ خِيارَ اَلرُّجُوعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم لا فرق بين أن يكون الطلاق من الزوج وحده - كما ذكرنا - أو منه معها، أو مع غيرها كالخلع فهو وإن تم بها .. فالمغلق فيه جانب الزوج؛ لأن المقصود الأصلي فيه الفراق وهو مستقل به. وفسخ النكاح بسبب إعسار الزوج بالصداق .. صرح الرافعي في (باب المتعة) وجماعة فيه بأنه فرقة من جهتها حتى يسقط الجميع قبل الدخول، وشراؤها زوجها يسقط الجميع على الأصح، وشراؤه زوجته يشطر على الأصح. وإذا طلق المفوضة قبل الدخول والفرض .. فلا تشطير كما سبق، وإن طلقها بعد الفرض .. يشطر. وأما غير المفوضة .. فكل صداق واج بورد عليه الطلاق قبل الدخول شطره، سواء فيه المسمى الصحيح في العقد والمفروض بعده ومهر المثل إذا جرت تسمية فاسدة في العقد ابتداء؛ لشمول قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}. وعند أبي حنيفة: لا يتشطر المفروض بعد العقد، ولا مهر المثل الواجب بالتسمية الفاسدة. وإذا خالع زوجته المدخول بها ثم نكحها في العدة وطلقها قبل الدخول في النكاح الثاني .. يتشطر المهر عندنا. وقال أبو حنيفة: يجب جميعه. وأفاد المصنف بتعبيره بـ (الإرضاع): أن المعتبر الفعل، فلو دبت زوجته الصغيرة وارتضعت من أمه .. لم تستحق الشطر؛ لانفساخ النكاح بفعلها، فلو أرضعت ابنته الزوجة وهي صغيرة، أو أرضعته بنت الزوجة وهو صغير .. كان الحكم كذلك، فلو قال: فلو أرضعت أم أحدهما أو ابنته الآخر .. كان أحسن. قال: (ثم قيل: معنى التشطير: أن له خيار الرجوع) يعني: في النصف، إن شاء .. تملكه، وإن شاء .. تركه كالشفيع يثبت له حق الشفعة بالشراء، وبهذا قال أبو حنيفة؛ لأن الشخص لا يدخل في ملكه شيء بغير اختياره سوى الإرث؛ فلابد بعد الطلاق من اختيار التملك.

وَاَلْصَّحِيحُ: عَوْدُةُ بِنَفْسِ اَلْطَّلاَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورد الأصحاب ذلك بأن الإنسان لو أخذ صيدًا لينظر إليه - لا ليتملكه - ملكه بالحوز من غير اختيار التملك، قاله صاحب (البيان). قال: (والصحيح: عودة بنفس الطلاق)؛ قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي: فلكم نصف ما فرضتم، ولأن ما يؤثر في كل الصداق كالردة والفسخ بالعتق والعيب يؤثر بنفسه ولا يتعلق بالاختيار، فكذلك ما يؤثر في النصف. والثالث: لا يرجع إليه بقضاء القاضي. وحكي العبادي: أن أبا الفضل القاشاني الزاهد كحاه قولاً قديمًا، ومنهم من حكاه وجهًا، وأنكر جمهور الأصحاب كونه قولاً أو وجهًا. وموضع الخلاف إذا لم يعرض مانع، فإن عرض .. توقف الملك على ما يتوافقا عليه كما سيأتي في كلام المصنف، لكن تستثنى صور لا يرجع فيها الزوج. إذا أدى الصداق عن ابنه البالغ .. فإنه لا يرجع النصف إلى الأب كما لو أداه عنه أجنبي. وإذا أدى عنه الولي الذي يتولى الطرفين الصداق .. فالراجع بالفرقة المؤدي على الأصح. وإذا أسلم العبد الصداق من كسبه ثم طلق قبل الدخول .. فإن النصف يعود للسيد، وإن عتق ثم طلق قبله .. فالعبرة بمالكه عند الفراق لا عند ملك الزوجة الصداق على الأصح.

فَإِنْ زَادَ بَعْدَهُ .. فَلَهُ. وَإِنْ طَلَّقَ وَاَلْمَهْرُ تَالِفٌ .. فَنِصْفُ بَدَلِهِ مِنِ مِثْلِ أَوْ قِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن زاد بعده .. فله) هذا تفريع على الصحيح، ولذلك أشار إليه بـ (الفاء). وأما على الوجه الأول .. فالجميع للزوجة كما لو حدثت بل الطلاق. هذا في الزيادة المنفصلة، فإن كانت متصلة وقلنا: يملك النصف بالطلاق .. فالنصف مع الزيادة له، وإن قلنا: لا يملك إلا بالاختيار .. فوجهان: أشبههما: أن له أن يرجع فيه من غير رضاها؛ لأن هذه زيادة حدثت بعد تعلق حق الزوج به، فصار ككبر الأشجار في الشقص المشفوع بعد البيع وقبل علم الشفيع؛ فإن هذه الزيادة لا تمنع الأخذ وإن حدث فيه نقصان. فإن قلنا: يملك بالاختيار، فإن شاء .. أخذه ناقصًا ولا أرش له، وإن شاء تركه وأخذ نصف قيمته صحيحًا، وإن قلنا: يملك بنفس الطلاق، فإن وجد منها تعد بأن طالبها برد النصف فامتنعت .. فله النصف مع أرش النقص. وإن تلف الكل والحالة هذه .. فعليها الضمان، وإن لم يوجد عدوان .. فظاهر النص - وبه قال العراقيون والروياني -: أنها تعزم أرش النقصان إذا نقصن، وجميع البدل إذا تلف؛ لأنه مقبوض عن معاوضة كالمبيع في يد المشتري بعد الإقالة، وفي (الأم) نص يشعر بأنه لا ضمان، وبه قال المراوزة؛ لأنه في يدها بلا تعد فأشبه الوديعة. فرع: إذا كان الصداق دينًا .. سقط نصفه بمجرد الطلاق على الصحيح، وعند الاختيار على الثاني، ولو أدى الدين والمؤدى باق ... فهل لها أن تدفع قدر النصف من موضع آخر؛ لأن العقد لم يتعبلق بعينه أو يتعين حقه فيه لتعينه بالدفع؟ وجهان: أصحهما الثاني. قال: (وإن طلق والمهر تالف .. فنصف بدله من مثل أو قيمة) الذي سبق كان في التغيير بعد الطلاق، وهذا في التغيير قبله، فإذا طلق والمهر تالف .. وجب للزوج

وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا، فَإِنْ قَنِعَ بِهِ، وِإِلاَّ .. فَنِصْفُ قِيمَتِهِ سِلِيِمًا. وَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهَا .. فَلَهُ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلاَ خِيَارٍ. فَإِنْ عَابَ بِجِنَايَةِ وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا .. فَاَلأَصَحُّ: أَنَّ لّهُ نِصْفَ اَلأَرْشِ. وَلَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ نصف مثله إن كان مثليًا، ونصف قيمته إن كان متقومًا؛ لأنه لو كان باقيًا .. لأخذ نصفه، فإذا فات .. رجع بنصف بدله كما في الرد بالعيب في المبيع وغيره، فإن اختلفت قيمته من حين العقد إل حين قبضه .. فالمعتبر الأقل، وسيأتي في كلام المصنف. قال: (وإن تعيب في يدها، فإن قنع به، وإلا .. فنصف قيمته سليمًا) كالمبيع يتعيب عند البائع .. فيتخير المشتري بين أن يقنع به بلا أرش أو يفسخ ويأخذ الثمن، والاقتصار على نصف القيمة محمول على المتقوم، فإن كان مثالثًا .. وجب مثل نصفه. قال: (وإن تعيب قبل قبضها .. فله نصفه ناقصًا بلا خيار)، لأنه نقص من ضمانه على قول ضمان اليد، ولم يدخل في ضمانها، سواء قلنا بضمان اليد أو بضمان العقد، ولا فرق بين أن يكون الصداق بعد في يده، أو قبضته معيبًا بالعيب الحادث بعد العقد ثم طلقها. قال: (فإن عاب) أي: صار ذا عيب (بجناية وأخذت رأشها .. فالأصح: أن له نصف الأرش) أي: مع نصف العين؛ لأن الأرش بدل الفائت، ولو بقي الصداق بحاله .. لأخذ نصفه. والثاني: لا شيء له من الأرش؛ لأن الفوات كان من ضمان الزوج، وهي أخذت الأرش بحق الملك، فلا يعتبر في حقه، ويجعل ما أخذته كزيادة منفصلة، وهذا قول القاضي حسين. والتقييد بـ (أخذ الأرش) لا حاجة إليه؛ لأنها لو عفت عنه .. أخذ منها نصفه على قياس ما قالوه في هبة الصداق. قال: (ولها زيادة منفصله) سواء حصلت في يدها أو في يد الزوج؛ لأن الطلاق إنما يقطع الملك من حينه لا من أصله.

وَخِيَارٌ فِي مُتَّصِلَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والزيادة المنفصلة كاللبن والثمرة والكسب والولد في غير الجواري، أما الجواري .. فليس له الرجوع في نصف الأم بسبب التفريق بين الأم والولد، ويرجع إلى القيمة. فإن قيل: جوزتم الرد بالعيب على الصحيح وإن لزم منه التفريق، فهلا كان هنا كذلك؟! فالجواب: أنه لو امتنع في البيع .. لتضرر ببقاء المعيب في ملكه، والأرش بلا يجبره من كل وجه، والقيمة هنا دافعة للضرر من كل وجه، وإذا منعنا التفرقة بين الأم والولد في سائر الحيوان .. امتنع هنا أيضًا. قال: (وخيار في متصلة) كالسمن وتعلم القرآن أو الصنعة، فلا يستقل الزوج بالرجوع إلى عين الصداق، ولكن الخيار لها، وهذا مما فارق فيه الصداق غيره؛ فإن الزيادة المتصلة لا تمنع الرجوع في جميع الأبواب إلا هنا؛ لأن عود الملك بالطلاق ابتداء ملك لا على سبيل الفسخ، ولهذا لو سلم العبد الصداق من كسبه ثم عتق وطلق .. عاد النصف إليه لا إلى السيد بخلاف غير هذا الباب. تنبيه: هذا الخيار ليس على الفور، ولكن إذا طلبه الزوج .. كلفت اختيار أحدهما على الفور، والزوج لا يجزم بدعواه في القيمة ولا في العين، بل يطالبها بحقه عندها، فإن منعت .. قال الإمام: لم يكف حبسها، بل تحبس العين عنها إن كان حاضرة، فإن أصرت، فإن كان نصف القيمة أقل من نصف العين .. باع الحاكم ما يفي بالواجب، فإن تعذر .. باع الكل وأعطاها الفاضل، وإن ساوت نصف القيمة نصف

فَإِنْ شَحَّتْ .. فَنِصْفُ قِيمَةٍ بِلاَ ِزيَادَةٍ، وَإِنْ سَمَحَتْ .. لَزِمَهُ اَلْقَبُوُل. وَإِنْ زَادَ وَنَقَصَ كَكِبَرِ عَبْدٍ وَطْولٍ نَخْلَةٍ وَتَعَلّمِ صَنَعَةٍ مَعَ بَرَصٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ العين .. فللإمام احتمالان: أظهرهما - وهو ما ذكر الغزالي - أنه يعطي نصف العين، ولكن لا يملكها ما لم يقض القاضي به، والزيادة بارتفاع الأسواق لا أثر لها في منع الرجوع. قال: (فإن شحت .. فنصف قيمة بلا زيادة)؛ لأن الزيادة غير مفروضة، ولا يمكن الرد بدونها، فجعل المفروض كالهالك، وليس له إجبارها على العين. ثم إنما يمتنع الاستقلال بالرجوع إذا كان بسبب عارض كالطلاق، فإن كان الرجوع بسبب مقارن للعقد كالفسخ بعيبه أو عيبها .. فإنه يعود بزيادة إلى الزوج، ولا حاجة إلى رضاها على الأصح كفسخ المبيع بالعيب. قال: (وإن سمحت) أي: بالزيادة (لزمه القبول)، لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز. والثاني: لا؛ لما فيه من المنة. والجواب: أنه تابع لا تعظم المنة فيه. مهمة: إذا امتنع الرجوع إلى نصف عين الصداق .. رجع إلى نصف قيمة الجملة بغير زيادة ولا نقص، ولا يقال يرجع بقيمة النصف، ووقع في كلام لغزالي: بقيمة النصف، وهو تساهل في العبارة، والصواب ما ذكرنا؛ لأن التشقيص عيب، هذه عبارة (الروضة)، وهي قريبة من عبارة (الرافعي)، والذي أنكره على الغزالي جزم به إمامه في (النهاية) فقال: يرجع بقيمة النصف، وعلله بأنه لم يفته إلا ذلك، والذي قاله هو القياس الذي لا يتجه غيره، إلا أن الشافعي في (الأم) عبر بنصف القيمة كما قال الرافعي، ذكر ذلك في مواضع كثيرة من هذا الباب، وتعليل الرافعي بان الشتقيص عيب تعليل صحيح، ثم ذكر للمسألة نظائر. قال: (وإن زاد ونقص ككبر عبد طول نخلة وتعلم صنعة مع برص) كبر العبد زيادة ونص بسبب واحد؛ فالكبر ينقص قيمته من جهة أن الصغير أقبل للتأديب.

فَإِنِ اَتَّفَقَا .. فَنِصْفُ اَلْعَيْنِ، وَإِلاَّ .. فَنِصْفُ اَلْقِيمَةَ. وَزِرَاعَةْ اَلأَرْضِ نَقْصٌ، وَحَرْثُها زِيَادَةٌ. وَحَمْلُ أَمَةٍ وَبَهِيمَةَ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ، وَقِيلَ: اَلْبَهِيمَةُ زِيَادَةٌ. وَإِطْلاَعُ نَخْلٍ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبعد عن الغوائل، ويصلح للقرب من الحرم، والكبير أقوى على الشدائد والأسفار، وأحفظ لما يستحفظه، وطول النخلة أيضًا كذلك ينقص ثمرها ويزيد حطبها، وتعلم الصنعة مع البرص زيادة ونقص بسببين، ففي كلا القسمين يثبت لكل منهما الخيار، فللزوج أن لا يقبل العين لنقصانها ويعدل إلى نصف القيمة، وللزوجة أن لا تبدل العين وتعدل إلى نصف القيمة. قال: (فإن اتفقا .. فنصف العين)، وحينئذ لا شيء لأحدهما على الآخر. قال: (وإلا .. فنصف القيمة)؛ طلبًا للعدل، ونفيًا للضرر والضرار. قال: (وزراعة الأرض نقص)؛ لأنها تستوفى قوتها. قال: (وحرثها زيادة) مراده: إذا كانت معدة للزراعة؛ لدلالة تقدم ذكر الزراعة عليه، فإن كانت الأرض معدة للبناء أو العمارة .. فحرثها نقصان محض. قال: (وحمل أمة وبهيمة زيادة ونقص) أما الزيادة .. فلتوقع الولد، وأما النقص .. فللضعف في الحال والخطر عند الولادة. قال: (وقيل: البهيمة زيادة)؛ إذ لا يخاف عليها من الولادة. والأصح: أنه كما ف يالجواري نقص من وجه وزيادة من وجه؛ لأنه لا يحمل عليها حاملاً ما يحمل عليها حائلاً، ولأن لحم الحامل أراد، قال الرافعي: لأنه ضرب مرض، وهذا ينفعنا فيما سيأتي في (الأضاحي): أنه عيب فيها. قال: (وإطلاع نخل زيادة متصلة) فيمتنع الرجوع القهري؛ لحدوثه على ملكها، فإن رضيت المرأة بأن يأخذ نصف النخل مع نصف الطلع .. أجبر عليه، وليس له طلب نصف القيمة، ومنهم من نزل الطل منزلة الثمرة المؤبرة. وظهور النور في سائر الأشجار كبدو الطلع في النخل، وانعقاد الثمار مع تناثر النور كالتأبير في النخل.

وَإِنْ طَلَّقَ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ .. لَمْ يَلْزَمْهَا قَطْفُهُ، فَإِنْ قُطِفَ .. تَعَيَّنَ نِصْفُ اَلْنَّخْلِ وَلَوْ رَضِيَ بِنِصْفِ اَلْنَّخْلِ وَتَبَقْيِهِ اَلَثَّمَرِ إِلَى جَذَاذِهِ .. أُجْبِرِتْ فِي اَلأَصَحِّ، وَيَصِيرُ اَلْنَّخْلُ فِي يَدِهَا، وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ .. فَلَهُ اَلِامْتِنَاعُ وَاَلْقِيمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن طلق وعليه ثمر مؤبر .. لم يلزمها قطفة)؛ لأنه ملكها فتمكن من إيقائه إلى الجذاذ، فلو طلقها وقد استجد .. لزمها جذاذة ليأخذ نصف الشجر. قال: (فإن قطف .. تعين نصف النخل)؛ لزوال المانع، هذا إذا بادرت به أو قالت: اقطفه ليرجع، ولم يمتد زمن القطف، ولم يحدث به نقص في الشجر بانكسار سعف وأغصان. قال: (ولو رضي بنصف النخل وتبيقية الثمر إلى جذاذه .. أجبرت في الأصح، ويصبر النخل في يدها) كسائر الأشجار المشتركة. والثاني: لا تجبر، ورجحه المتولي، وأشار إلى ترجيحه الإمام الغزالي؛ لأنها قد لا ترضى بيده ودخوله البستان، قال الإمام: ولأنه لابد من تنمية الثمار بالسقي، ولا يمكن تكليفها السقي: لأنه نفعه غير مختص بالثمر، بل ينتفع به الشجر أيضًا، ولا يمكن تكليفها ترك السقي؛ لتضرر الشجر، ولمن قال بالأول أن يقول: حكم السقي هنا حكمه فيما إذا اشترك اثنان في الشجر وانفرد أحدهما بالثمر في غير الصداق. قال: (ولو رضيت به) أي: برجوعه في نصف الشجر وترك ثمرها إلى الجذاذ (... فله الامتناع والقيمة) أي: طلب القيمة؛ لأن حقه في شجرة خالية، وليس لها تكليفه تأخير الرجوع إلى الجذاذ؛ لأن حقه ناجز في العين أو القيمة. ولو قال: أؤخر الرجوع إلى الجذاذ .. فلها الامتناع؛ لأن نصيبه يكون مضمونًا عليها، كذا وجهوه، وهو تفريع على أن النصف الراجع إليه يكون مضمونًا عليها، وفيه خلاف سبق. ولو قال: أرجع ويكون نصيبي وديعة عندك، وقد أبرأتك عن ضمانه .. فوجهان لهما التفات إلى إبراء الغاصب مع بقاء المغصوب في يده.

وَمَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ أَوْ لَهَا .. لَمْ يَمْلِكُ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو الاِخْتِيارِ. وَمَتَى رَجَعَ بِقِيمَةِ اَلْنِّصْفِ أَعْتُبِرَ اَلأَقَلُّ مِنْ يِوْمَيِ اَلإصَدَاقِ وَاَلْقَبْضِ. وَلَوْ أَصْدَقَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ .. فَاَلأَصَحُّ: تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: أصدقها حليًا فكسرته، أو انكسر في يدها فأعادته حليًا ثم طلقها، فإن كان على غير هيئة الأولى .. فزيادة من وجه ونقص من وجه آخر، فإن اتفقا على الرجوع في نصفه .. جاز، وإن اختلفا .. تعين نصف القيمة، وإن أعيد على هيئته الأولى فهل يرجع في نصف العين بغير رضاها أو برضاها؟ وجهان: أصحهما الثاني. قال: (ومتى ثبت خيار له) أي: لنقصان الصداق (أو لها) أي: لزيادته، أو لهما لاجتماع الأمرين (... لم يملك نفه حتى يختار ذو الاختيار)؛ إذ لو لم يكن كذلك .. لبطلت فائدة التخيير، وليس هذا على الفور، لكن إذا طالب الزوج .. كلفت اختيار أحدهما على الفور كما تقدم، ولا يعين الزوج في الطلب عينًا ولا قيمة، بل يطالب بحقه. قال: (ومتى رجع بقيمة النصف .. اعتبر الأقل من يومي الإصداق والقبض)؛ لأنه إن كان يوم الإصداق أقل .. فالزيادة على ملكها لا تعلق للزوج بها، وإن كانت قيمة يوم القبض أقل .. فما نقص قبل ذلك فهو من ضمانه، فكيف ترجع عليها؟! والذي اعتبره المصنف هنا وافق فيه (المحرر) وذكره في (الشرح الصغير)، وقال في (المهمات): وليس هو المفتى به. والصواب: اعتبار يوم القبض كما جزم به الرافعي في (الزكاة المعجلة)، ونص عليه الشافعي في مواضع متعددة، لكن يستثنى ما لو تلف في يدها بعد الطلاق وقلنا: إنه مضمون عليها .. فتعتبر قيمة يوم التلف؛ لأن الرجوع وقع في عين الصداق، ثم تلف تحت يد ضامنة. وجميع ما ذكر المصنف في المتقوم، أما المثلى .. فالرجوع إلى نصف مثله. قال: (ولو أصدق تعليم قرآن وطلق قبله .. فالأصح: تعذر تعليمه)؛ لأنها صارت محرمة عليه، ولا تؤمن التهمة والوقوع في الخلوة المحرمة، ويعسر إحضار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محرم معها بأجرة وبغير أجرة، وليس كسماع الحديث من المرأة؛ لأنا لو لم نجوزه .. لضاع، والتعليم له بدل يرجع إليه، وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، وهو أحسن من قول (الحاوي): وبانت؛ فإن الطلاق الرجعي فيه كالبائن، ولو عبر بـ (الفراق) .. كان أعلم؛ ليشمل الفسخ والانفساخ. والوجه الثاني: لا يتعذر التعليم؛ لإمكان ذلك من وراء حجاب من غير خلوة، والصحيح المنصوص في (المختصر): الأول، وقد تقدم في أول النكاح من زيادات المصنف إباحة النظر للتعليم. قال الشيخ: ولعل الجمع بين الكلامين أن التعذر هنا من جهة الاختلاف في النصف المشروط؛ لاختلاف القرآن صعوبة وسهولة، وصوبه في (المهمات)، فلذلك تعين المصير إلى البدل، أما إذا كانت آيات يسيرة يمكن تعلمها في مجلس واحد بحضور محرم من وراء حجاب .. فلا يتعذر كما صرح به الإمام، لا سيما إذا مست الحاجة إليه؛ لتوقف الصلاة عليه. واحترز بقوله: (قبله) عما إذا طلقها بعد التعليم، فإن كان بعد الدخول .. فذاك، وإن كان قبله .. فيرجع عليها بنصف أجرة التعليم. كل هذا إذا كان الفرض أن يعلمها بنفسه، فإن كان في الذمة .. فلا يتعذر بلاطقها، بل يستأجر امراة أو محرمًا يعلمها.

وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ بَعْدَ وَطْءٍ، وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجب مهر مثل بعد وطء، ونصفه قبله)؛ جريًا على القاعدة، وهذان الوجهان مفرعان على الأصح وهو: تعذر التعليم. فروع: صرح المتولي بأنه لا كراهة في إصداق تعليم القرآن، ويشترط كونه قدرًا فيه كلفة كما تقدم في (كتاب الإجارة). ولو أصدق ذمية تعليم قرآن .. صح إن توقع منها الإسلام، وإلا .. فسد. ولو نكح مسلمة أو ذمية على تعليم التوراة أو الإنجيل .. لم يجز؛ لأن ما في أيديهم مبدل لا يجوز الاشتغال به، والواجب مهر المثل. وإذا كان الزوج لا يحسن قراءة ما شرط تعليمهن فإن كان الشرط أن يعلمها بنفسه .. لم يصح في الأصح، وإن شرط أن يتعلم ثم يعلمها .. لم يصح؛ لأن التعليم متعلق بعينه، والأعيان لا تقبل التأجيل. وإن أرادت أن تقيم غيرها مقامها في التعليم .. لم يجبر الزوج على ذلك في الأصح؛ لاختلاف الناس في الفهم والحفظ، وإن أصدقها تعليم ولدها .. لم يصح الإصداق كما لو شرط الصداق لولدها، كذا في (الشرح) و (الروضة)، واختار الشيخ جوازه. وإن أصدقها تعليم غلامها .. قال البغوي .. لا يصح كالولد، وقال المتولي: يصح، وهو الأصح. وحكم تعليم الفقه والعلم والشعر المباح حكم تعليم القرآن.

وَلَوْ طَلَّقَ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ .. فَنِصْفُ بَدَلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسئل المزني: هل يجوز النكاح على تعليم الشعر؟ فقال: يجوز إن كان مثل قول أبي الدرداء [من الوافر]: يريد المرء أن يؤتى مناه ... ويأبى الله إلا ما أراد يقول المرء: فائدئتي ومالي ... وتقوى الله أفصل ما استفادا وإن كان الشعر محظورًا كالهجو والفحش .. لم يصح. وإن نكح امرأة على أن يرد عبدها الآبق أو بعيرها الناد، إن كان الموضع معلومًا .. جاز، وإلا .. فلا على الصحيح، ويجب مهر المثل. ولو نكحها على خياطة ثوب معلوم .. جاز، وله أن يأمر بالخياطة إن التزم في الذمة، وإن نكح على أن يخيطه بنفسه فعز بأن سقطت يده أو مات أو تلف الثوب .. فقولان: أظهرهما: يرجع إلى مهر المثل. والثاني: أجرة الخياطة. قال: (ولو طلق وقد زال ملكها عنه .. فنصف بدله) وهو المثل إن كان مثليًا، أو القيمة إن كان متقومًا كما لو تلف ولا يملك الزوج نقض ذلك التصرف. وأفهم أنه إذا لم يزل ملكها عنه أن الحكم بخلافه، والأمر كذلك إذا لم تحصل فيه زيادة، أو تعلق به حق لازم كما لو رهنته وأقبضته .. فيمتنع الرجوع، ويتعين نصف بدله، بخلافهما إذا أوصت به أو وهبته ولم يقبضه .. فله الرجوع على الأصح. فرع: روي المزني عن الشافعي أنه لو أصدقها عبدًا فدبرته ثم طلقها قبل الدخول .. لم يرجع في نصفه؛ لأنه قربة لها فيه غرض، فكان كالزيادة المتصلة التي لا تؤثر في القيمة، فمن الأصحاب من قطع به، ومنهم من قطع بعدم الرجوع، ومنهم من حكى قولين: إن قلنا: التدبير وصية .. رجع، أو عتق بصفة .. فلا.

فَإِنْ كَانَ زَالَ وَعَادَ .. تَعَلَّقَ بِاُلْعَيْنِ فِي اَلأَصَحٌ. وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ لَهُ نِصْفَ بَدَلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: المنع مطلقًا، سواء كانت المرأة موسرة أو معسرة، وخص أبو إسحاق وغيره الخلاف بما إذا كانت موسرة بالقيمة، فإن كانت مفلسة .. فله الرجوع إلى نصفه قطعًا. فإن قيل: إذا باع عبدًا بثوب وتقابضًا، ودبر المشتري العبد، ثم وجد البائع بالثوب عيبًا .. الأصح أن ذلك لا يمنع الرجوع، وكذلك لا يمنع رجوع الواهب فيه على الأصح، وينتقض التدبير فيهما، فلم لا كان الصداق كذلك؟ فالجواب: أن استحقاق الفسخ في البيع والهبة سابق على التدبير، بخلاف الطلاق؛ فإن سلطنة الزوج على الرجوع بالطلاق متأخرة عن التدبير، فلذلك لم يتسلط عليه، بخلاف البائع والواهب. قال: (فإن كان زال وعاد .. تعلق بالعين في الأصح)؛ لأن حقه لا يختص بالعين، بل يتعلق بالبدل، فالعين العائدة أولى من البدل وكأنه لم يزل. والثاني: يتعلق حقه بالبدل وكأنه لم يعد. والفرق على الأصح بين هذا وبين هبة الوالد لولده: أن ح الأب انقطع بزوال ملك الولد ولم يعد، وحق الزوج لم ينقطع بدليل أنه يرجع إلى البدل فعاد بالرجوع. وحاصله: أن حق الزوج في العين والمالية، وحق الأب في العين فقط. قال:) ولو وهبته لم ثم طلق .. فالأظهر: أن له نصف بدله)؛ لأنه ملك جديد حصل لو قبل الطلاق فلا يمنع الرجوع المستحق بالطلاق كما لو انتقل إليه من أجنبي أو وهبته منه. والثاني - وهو نصه في القديم، وبه قال الأئمة الثلاثة والمزني والبغوي:- لا يرجع عليها بشيء؛ لأنها عجلت له ما يستحقه بالطلاق، كمن عجل الزكاة

وَعَلَى هَذَا، لَوْ وَهَبَتْهُ اَلْنِّصْفَ .. فَلَهُ نِصْفُ اَلْبَاقِي وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهٍ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفُ اَلْبَاقِي، وَفِي قَوْلٍ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلَّهِ أَوْ نِصْفِ اَلْبَاقِي وَرُبْعِ بَدَلِ كُلِّهٍ. وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ .. لَمْ يَرْجِع عَلَيْهَا عَلَى اَلْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يطالب بها عند الحول، وكالمديون إذا عجل الدين .. لا يطالب به عند حلوله. والتبعير بـ (نصف بدله) وقع في (الروضة) أيضًا، والصواب: بدل نصفه كما عبر به فيما سيأتي. وقيل: إن وهبت قبل القبض .. لم يرجع قطعًا، والمذهب: طرد القولين، سواء قبضت أم لا. قال: (وعلى هذا: لو وهبته النصف .. فله نصف الباقي وربع بدل كله)؛ لأن الهبة وردت عل الجملة فتشيع. قال: (وفي قوله: نصف الباقي)؛ لأنه استحق النصف بالطلاق، وتنحصر هبتها في نصيبها، وهذان القولان يعبر عنهما بقولي الحصر والإشاعة. قال: (وفي قول: يتخير بين بدل نصف كله أو نصف الباقي وربع بدل كله)؛ لأنه لابد من الإشاعة، وهي تقضي إلى تبعيض حقه، وهذه الأقوال هي التي في (الزكاة) إذا أصدقها أربعين شاة فأخرجت منها واحدة للزكاة ثم طلقها قبل الدخول، أما إذا قلنا: هبة الجميع تمنع الرجوع .. فهنا أيضًا ثلاثة أقوال: أصحها - وبه قال أبو حنيفة:- لا يرجع بشيء، وحقه هو الذي يعجله. والثاني: تنزل الهبة على خالص حقها، ويرجع الزوج بجميع النصف الباقي. والثالث - وبه قال المزني -: يرجع عليها بنصف الباقي عندها، ويجعل النصف الموهوب مشاعًا، فكأنها عجلت نصف حقه ووهبت منه نصف حقها الحاصل لها، فحصل في المسألة خمسة أقوال. قال: (وإن كان دينًا فأبرأته .. لم يرجع عليها على المذهب)؛ لأنها لم تأخذ

وَلَيْسَ لِوَلىِّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ عَلَى اَلْجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه مالاً، ولم تتحصل على شيء، فأشبه ما إذا شهد شاهدان بدين على إنسان وحكم به حاكم، ثم أبرأ المحكوم له المحكوم عليه عن الدين، ثم رجع الشاهدان .. فإنهما لا يغرمان للمحكوم عليه شيئًا. والثاني: يرجع، وهو مرتب على القولين في الهبة للعين، ولم يرجح الرافعي في (شرحيه) شيئًا من الطريقين. فرعان: أحدهما .. وهبته صداقها وهو دين عليه، أو أبرأته منه على أن يركمها ولا يتزوج عليها .. أفتى ابن الصلاح بأنه لا يصح، سواء قلنا: إنه إسقاط أو تمليك. الثاني: قال الغزالي: إنما يصح الإبراء إذا كان عن طيب نفس منها، أما إذا أساء إليها وضيق عليها بسوء الخلق فاضطرت إلى إبرائه طلبًا للخلاص .. فإنه لا يصح باطنًا؛ لأنه إبراء لا عن طيب نفس، وطيبة النفس من طيبة القلب، والقلب قد يريد ما لا تطيب به النفس كما يريد الحجامة والنفس تكرهها، وطيب النفس: أن تسمح بذلك لا لدفع ضرر عنها. قال: (وليس لولى عفو عن صداق على الجديد) كسائر الديون، والحقوق التي للمولى عليه ليس للولي إسقاطها. والقديم: أن له ذلك، وهو مذهب مالك بشروط سنذكرها. والأصل في هذا الحكم قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ومعنى الآية: أن الصداق قبل الدخول ينصف بالطلاق، إلا أن تعفو الزوجة وتبرع بحقها، فيعود جميع الصداق إلى الزوج. وفيمن بديه عقدة النكاح قولان: الجديد: أنه الزوج، وبه قال أبو حنيفة، ويروى عن علي رضي الله عنه، والمعنى: أو يعفو الزوج عن حقه فيخلص لها جميع الصداق ولا يتنصف. والقديم: أن الذي بيده عقدة النكاح الولي، والمعنى: إلا أن تعفو المرأة أو وليها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن لم تكن هي أهلاً للعفو، وإلى هذا ذهب مالك. وسببه: أن الولي ينظر بالمصلحة، وقد تكون المصلحة في عفوه، فالصداق على هذا القول إما أن ينتصف عند عدم العفو، وإما أن يكون كله للزوج بعفوها أو عفو الولي، ويروي عن ابن عباس ما يوافق القديم، ووجه بأن أول الآية خطاب للأزواج، فلو كان المراد بالذي بيده عقدة النكاح (هم) ... لما عدل عن الخطاب إل الغيبة، بل قال: إلا أن يعفون أو تعفوا أنتم. وينبني على الخلاف مسائل: منها: لو ادعى الزوج تسليم الصداق المولي، وسيأتي قبيل وليمة العرس. تتمة: للقديم خمس شروط: أن يكون أبًا أو جدًا، وأن تكون بكرًا عاقله صغيرة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون قبل الدخول، وأن يكون الصداق دينًا، هذا هو المذهب تفريعًا على القديم. وفي وجه: له العفو عن الثيب والمجنونة والبالغة المحجور عليها والرشيدة، وقبل الطلاق إن رآه مصلحة، وعن العين أيضًا، والصحيح الأول.

فصل: لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةُ إِنْ لَمْ يَجِبْ شَطْرُ مَهْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو زوجها الأب ومات .. ففي صحة عفو الجد وجهان؛ لأن الصداق لم يثبت به لكنه ولي. ولو خلعها الولي على نصف الصداق وجوزنا العفو .. صحت المخالعة، قاله المتولي وغيره، وفي (الوسيط) في صحة الخلع مع صحة العو وجهان، والأول أشبه. ولو زوج ابنه السفيه أو الصغير أو السفيهة بمهر فيرجع إليه بانفساخ النكاح برضاع أو ردة المرأة قبل الدخول، أو ابنه الكبير السفيه فعاد المهر إليه بذلك أو نصفه بالطلاق .. لم يجز للأب والجد العفو عنه قولاً واحدًا. قال: (فصل: لمطلقة قبل وطء متعة) المتعة بضم الميم: من التمتع، وهو الانتفاع، والمراد هنا: المال الذي يدفعه الرجل إلى المرأة عند الفراق. وآيات المتعة في القرآن خمس: ثلاث في القرة وآيتان في الأحزاب. قال المصنف في (الفتاوى): إن وجوب المتعة مما يغفل عن العمل بها، ولا تعرفها النساء، فينبغي تعريفهن وإشاعة حكمها؛ ليعرفن ذلك. قال: (إن لم يجب شطر مهر) × لقوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ}. وهل وجبت بالعقد أو الطلاق؟ فيه قولان: أصحهما - وهو الجديد - الثاني. واحترز بـ (المطلقة) عن المفارقة بالموت فلا متعة لها بالإجماع؛ لأن النكاح قد انتهى نهايته فلا إيذاء فيه.

وَكَذَا لِمَوْطُوءَةٍ فِي اَلأَظْهَرِ، وَفُرْقُةِّ لاَ بِسَبَبِهَا كَطَلاَقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن مالك رحمه الله: أن المتعة مستحبة؛ لقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى المُحْسِنِينَ}. والجواب: أنه تعالى قال: {حَقًا عَلَى المُتَّقِينَ}، ولأنها لو لم تجب .. لخلا بعضها عن البدل، وأما التي وجب لها شطر مهر بتسمية في العقد صحيحة كانت أو فاسدة أو فرض بعد العقد في المفوضة .. فلا متعة لها؛ لمفهوم الآية، ويكفيها شطر المهر، وحكى إلكيا الطبري فيه الإجماع؛ لأن الله تعالى لم يجعل لها سواه بقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وقد صرح بهذه في (المحرر) فحذفه المصنف اكتفاء بالمفهوم. وحكى المرعشي قولاً في التي فرض لها ولم يدخل بهاك أنها تستحق المتعة. وفي (صحيح البخاري) [5257]: أن النبي صلي الله عليه وسلم لما فارق الجنونية قبل مسها قال لأبي أسيد الساعدي: (أكسها رازقيتين). قال الجوهري: والرازقية ثياب كتان بيض. قال: (وكذا لموطوءة في الأظهر)؛ لعموم: {ولِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}، ولخصوص: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} وكان قد دخل بهن، وفي الآية تقديم وتأخير؛ أي: فتعالين أسرحكن وأمتعكن. وفي (سنن البيهقي) [7/ 257]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر زوج فاطمة بنت قيس أن يمتعها) لكن في إسناده عبد الله بن عقيل، وقد تقدم ما فيهز وفيه [7/ 257] بإسناد صحيح عن ابن عمر: (أن لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر). والثاني - وهو القديم، وبه قال أبو حنيفة -: لا متعة لها؛ لأنها إذا لم تجب عند وجوب شطر المهر .. فعند جميعه أولى. وعن أحمد روايتان كالمذهبين، فعلى القديم: لا متعة إلا لمطلقة واحدة، وعلى الجديد: لكل مطلقة متعة إلا واحدة. قال: (وفرقة لا بسببها كطلاق) في إيجاب المتعة كما إذا ارتد أو أسلم أو لا عن، أو وطئ أبوه أو ابنه زوجته بشبهة، أو أرضعت أمه أو ابنته زوجته الصغيرة.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تَنْقُصَ عَنْ ثَلاَثِينَ دِرْهَمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة ذلك: أن تكون أمة زوجها سيدها بالتفويض لعبد، والأصح: أن الزوج لا يرجع على المرضعة في هذه الصورة بما غرفه من المتعة، والخلع وإن كان يتم بها .. فهو كالطلاق على المشهور، سواء كان معها أو مع أجنبي، وكذا لو طلقت نفسها بتفويضه، أو علق بفعلها ففعلت، أو طلق المولى بطلبها، وفيها وجه. ولو ارتد معًا .. فلا متعة على الأصح، وكل فرقة منها أو بسبب فيها لا متعة فيها، كردتها وإسلامها وفسخها بإعساره أو عتقها أو تغريره أو عيبه أو فسخه بعيبها. ولو كانت ذمية صغيرة تحت ذمي فأسلم أحد أبويها وانفسخ النكاح .. فلا متعة كما أسلمت بنفسها. ولو اشترى زوجته .. فلا متعة على الأظهر، وقال أبو إسحاق: إن استدعاء الزوج .. وجبت، وإن استدعاء السيد .. فلا. ويستوي في المتعة المسلم والذمي، والحر والعبد، والحربية والذمية، وهي في كسب العبد ولسيد الأمة كالمهر. قال: (ويستحب أن لا تنقص عن ثلاثين درهمًا) رواه البيهقي عن ابن عمر [7/ 224] قال الرافعي: وعن ابن عباس أيضًا - وهو منصوص (المختصر)، ونقل غيره عن النص -: أنه يمتعها خادمًا أو مقنعة، وإلا .. فقدر ثلاثين درهمًا، وليس ذلك اختلاف قول، بل أعلاه خادم، وللمعسر مقنعة، وللمتوسط ثلاثون درهمًا، والواجب ما تراضيا عليه. والمراد بالمقنعة ههنا: التي لا تبلغ ثلاثين درهمًا. واستشكل في (شرح التعجيز) إطلاق الثلاثين؛ فإن من النساء من يكون هذا المقدار مهر مثلها، ومقتضى إطلاق الشيخين: أنه لا فرق في ذلك بين الغني

فَإِنْ تَنَازَعَا ... قَدَّرَهَا اَلْقَاضِي بِنَظَرِهِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا، وَقِيلَ: حَالَهُ، وَقِيلَ: حَالَهَا، وَقِيلَ: أَقَلَّ مَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفقير، ولا شك في إضرار الفقير بذلك، وجرت عادة الحكام بتقدير عشرة دراهم، وذلك قريب. وقال أبو بكر الخفاف في (الخصال): لم يقل الشافعي بالاستحسان إلا في ست مواضع: تقرير الصداق بالخلوة، وكتاب القاضي إلى القاضي، وأن الشفعة ثلاثة أيام، والتحليف بالمصحف، وأن المتعة ثلاثون درهمًا، استحسان مراسيل سعيد بن المسيب. قال: (فإن تنازعا ... قدرها القاضي بنظره)؛ لاختلافها فاختلاف العادات. قال: (معتبر حالهما)؛ لقوله تعالى: {مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فيعتبر حال الرجل في اليسار والإعسار، والزوجة في اللائق بها وفي نسبها وصفاتها، وإلى هذا ذهب الغزالي وطائفة. قال: (وقيل: حاله) كالنفقة، وظاهر الآية يدل له، وهو قول أبي إسحاق. قال: (وقيل: حالها)؛ لأنه كالبدل عن المهر، وهو مخالف لظاهر القرآن. وحكي الماوردي وجهين فيما يعتبر به حالها: أحدهما: في السن والنسب والجمال كمهر المثل. والثاني: بما سبق من جهازها من يسار وإعسار، وهو بعيد. قال: (وقيل: أقل مال) كما أنه يجوز أن يكون صداقًا. فرع: حكى عصام بن يوسف عن المزني عن الشافعي أنه قال - إذا طلقها ثم مات قبل أن يمتعها-: إن متعتها في جميع المال، وإن المكاتب إذا عتق ولم يعطه سيده شيئًا حتى مات .. يعطى من الثلث، قال أبو إسحاق المروزي: لأن إيتاء المكاتب قربه الله تعالى، والمتعة حق آدمي فقدمت من رأس المال.

فصل: اَخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَهْرٍ أَوْ صِفَتِهِ ... تَحَالفَاَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعصام المذكور حنفي، إمام من أئمة مذهبه، معروف كما صرح به العبادي في (الطبقات). تتمة: هل يجوز أن تزيد المتعة على نصف مهرها؟ وجهان: أحدهما - ويحكى عن صاحب (التقريب) -: لا؛ لأنها بدل عن شطر المهر فلا يزاد عليه. وأصحهما: نعم؛ لإطلاق الآية، وهذا ما أروده المتولي والبغوي وغيرهما. وحكى الحناطي وجهًا ثالثًا: أن تنقص عن شطر الصداق كماي حط التعزيز عن الحد. وقال أبو حنيفة: تقدر المتعة بثلاثة أثواب: درع وخمار ومقنعة، إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك. وعن أحمد رواية: أنها تتقدر بما تجزئ فيه الصلاة، وفي رواية: يقدرها الحاكم. قال: (فصل اختلفا في قدر مهر أو صفته: تحالفا) كما في البيع, ولا فرق بين أن يكون الاختلاف بعد الدخول أو قبله، سواء كانت الزوجية باقية بينهما أو انقطعت، لأن الصداق عقد مستقل، وأثر التحالف إنما يظهر فيه لا في النكاح. وعند أبي حنيفة: إن كان قبل الدخول .. فالقول قولها في قدر المهر، وقول الزوج فيما زاد. وعند مالك: يتحالفان، ويفسخ النكاح؛ بناء على أصله: أن فساد الصداق يوجب فساد العقد.

وَيَتَحَالَف وَارِثَاهُمَا، وَوَارِث وَاحِدٍ وَالآَخَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أحمد: القول قول الزوج، إلا أن يدعي ما يستنكر ومحل ما ذكره في العين إذا كان الزوج يدعي الأقل، فلو أدعى الأكثر كما لو قال: بألفين، وقالت بل بألف .. فلا تحالف؛ لأنه معترف لها بما تدعيه وزيادة، ويبقى الباقي في يده كما هو الصحيح في المسألة. ومحله أيضًا في الاختلاف في المسمى، فلو حصل في مهر المثل لفساد التسمية ونحوه واختلفا في مقداره ... فلا تحالف، بل يصدق الزوج بيمينه؛ لأنه غارم، والأصل براءة ذمته عما زاد. والكلام في كيفية اليمين، وفيمن يبدأ به كما تقدم في (البيع)، لكن المنصوص هنا: البداءة بالزوج، لقوة جانبه بعد التحالف ببقاء البضع له، فهو كالبائع؛ إذ يرجع المبيع إليه. وقيل: يبدأ بالمرأة؛ لأنها كالبائع، والزوج كالمشتري. وقيل: يبدأ الحاكم بأيهما شاء؛ لتساويهما. وقيل: يقرع بينهما والخلاف في الاستحباب، وقيل: في الاستحقاق. قال: (ويتحالف وأرثاهما، ووارث واحد والآخر)؛ لأن الصداق كعقد مستقل بنفسه، وأثر التحالف يظهر فيه لا في النكاح، فإذا حلف الزوجان .. حلفا على البت في النفي والإثبات، والوارث على نفي العلم في النفي، وعلى البت في الإثبات، كما هو شأن اليمين على فعل الغير، فيقول وارث الزوج: والله لا أعلم أن مورثي نكحها بألف، إنما نكحها بخمس مئة، ويقول وارث الزوجة: والله لا أعلم أنه نكح مورثتي على خمس مئة، وإنما نكحها بألف، هذا هو المشهور.

ثُمَّ يُفْسَخُ اَلْمَهْرُ وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوِ أَدَّعَتْ تَسْمِيَةَّ وَأَنْكَرَهَا .. تَحَالَفًا فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: أحسن بعض الشارحين فقال: في الوارث عندي أنه يحلف على البت فيهما؛ لأن من قطع بألف .. قطع بأنه غير ألفين، فلا معنى لقوله: لا أعلم أنه نكحها بألفين مع قوله: ولقد نكحها بألف. وكأنه أراد بن ابن داوود، وهو أبو بكر الصيدلاني، فهو قال في (شرحه للمختصر) ذلك. قال: (ثم يفسخ المهر ويجب مهر المثل) هذا أثر التحالف؛ لأن الصداق عقد مستقل، وهو الذي ينفسخ، وأما النكاح .. فلا تطرق إليه. قال الرافعي: وقد سبق في (البيع) وجه: أنه ينفسخ بنفس التحالف، فليجيء هنا مثله، وليكن القول فيمن يتولى الفسخ وفي الانفساخ باطنًا على ما سبق في (البيع)، وقد صرح بجميع هذا الحناطي، وسواء في الرجوع إلى مهر المثل زاد ما تدعيه المرأة أم لا. وقال ابن خيران وابن الوكيل: إن كان مهر المثل زائدًا .. فليس لها إلا ما ادعته، والصحيح الأول، هذا في الظاهر، وأما في الباطن، فإن قلنا: لا ينفسخ .. لم يخف ما يحل لها. قال: (ولو ادعت تسمية وأنكرها .. تحالفا في الأصح)؛ لأنه يقول: الواجب مهر المثل، وهي تدعي مسمى، فحاصله: الاختلاف في قدر المهر. والثاني: يصدق الزوج؛ لأن الأصل عدم التسمية. قال الرافعي: وإنما يحسن وضع هذه المسالة إذا ادعت أكثر من مهر المثل، وقد صرح به في (البحر) قال ابن الرفعة: بل يحسن الإيراد وإن أدعت قدر مهر المثل إذا كان من غير نقد البلد؛ لاختلاف الغرض بأعيان الأموال.

وَلَوِ اَدَّعتْ نِكَاحًا وَمَهْرَ مِثْلٍ فَأَقَّرَّ بِالَنَّكَاحِ وَأَنْكَرَ اَلْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ .. فَالأَصَحُّ: تَكْلِفُهُ اَلْبَيَانَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أنكرت التسمية وادعاها الزوج .. فهل القول قولها أو يتحالفان؟ القياس: مجيء الوجهين، ولو ادعى أحدهما التفويض والآخر التسمية، فإن أوجبتا المهر في التفويض بالعقد .. فهو كما لو ادعى أحدهما السكوت والآخر التسمية، وإلا .. فالأصل عدم التسمية من جانب وعدم التفويض من جانب، ولو ادعى أحدهما التفويض والآخر أنه لم يجر للمهر ذكر .. فيشبه أن يكون القول قول الثاني. والصواب: أن الزوج إذا مات وادعت على الوارث أن الزوج سمى لها ألفًا فقا الوارث: لا أعلم كم سمى .. لم يتحالفا، بل يحلف الوارث على نفي العلم، ثم يقضي لها بمهر المثل. قال: (ولو ادعت نكاحًا ومهر مثل فأقر بالنكاح وأنكر المهر أو سكت .. فالأصح: تكليفه البيان) فلا يسمع إنكاره، لاعترافه بما يقتضي المهر. والثاني: لها المهر بيمينها؛ لأن الظاهر معها، وبه جزم الإمام، وقال مشايخ طبرستان: القول قول الزوج، وعليها البينة.

فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا وَزَادَتْ .. تَحَالَفًا، وَإِنْ أَصَرَّ مُنْكِرًا .. حَلَفَتْ وَقُضِيَ لَهَا .. وَلَوِ اَخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِىُّ صَغِيَرةٍ أَوْ مَجْنُونَةِ ... تَحَالَفَا فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكي الغزالي ثالثًا: وهو التحالف، وأنكروه عليه. قال: (فإن ذكر قدرًا وزادت .. تحالفًا، وإن أصر منكرًا .. حلفت وقصي لها). قال الروياني: رأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون بهذا، وهو القويم؛ أي: المستقيمن وظنه ابن الرفعة بالدال فقال: فالجديد إذن خلافه. قال: (ولو اختلف في قدره زوج وولى صغيرة أو مجنونة .. تحالفًا في الأصح)؛ لأن الولي هو المالك للعقد المستوفي لصداق، فكان اختلافه مع الزوج كاختلاف البالغة مع الزوج، ولأن إقراره في النكاح مقبول فيه وفي الصداق، فإذا قبل إقراره .. لم يبعد تحلفه، هذا هو الذي نص عليه في (الأم)، وهو المفتى به كما سيأتي في (باب الدعاوى) في عدم تحليف الولي. وقد يقال: الذي رجحه المصنف هنا لا ينافى ما قاله هناك؛ لأن حلفه هناك على استحقاق الصبي، فهو حلف للغير فلم تقبل النيابة هنا، على أن العقد وقع هكذا فهو حلف لنفسه، والمهر يثبت ضمنًا فافترق البابان، ولهذا: إذا حلف هنا .. إنما يحلف على فعل نفسه، كما لو اختلف المشتري ووكيل البائع في الثمن .. فإنهما يتحالفان. والوجه الثاني المقابل لكلام المصنف: لا تحالف؛ لأن اليمين لا تجري النيابة فيها، فعلى هذا: توقف إلى بلوغها فيتحالفان. ويجوز أن يحلف الزوج ويوقف يمينها إلى بلوغها، وهذا الوجه نقله في (الكفاية) عن ابن سريج وأبي إسحاق، وهو سهو؛ فإن الذي ذهبا إليه الأول. وإن قلنا: يحلف الولي .. فذلك إذا ادعى زيادة على مهر المثل، والزوج معترف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمهر المثل، وأما إذا أدعى الزوج نكاحها بدون مهر المثل .. فلا تحالف؛ لأنه يثبت مهر المثل وإن نقص الولي. ولو ذكر الزوج قدرًا يزيد على مهر المثل وادعى الولي زيادة عليه .. لم يتحالفا؛ كيلا يرجع الواجب إلى هر المثل، بل يأخذ الولي ما يقوله الزوج، والخلاف الذي ذكرناه في اختلاف الزوج وولي الصغيرة يجري فيما إذا اختلفت المرأة وولي الزوج الصغير، وفيما إذا اختلف وليًا الزوجين الصغيرين. ولو بلغت الصغيرة قبل التحالف .. حلفت هي ولا يحلف الولي، وادعى البغوي الاتفاق عليه، وقال القاضي أبو الطيب: يحلف الولي، وصححه المتولي والفارقي. وجميع ما ذكرناه في هذه المسألة هو فيما يتعلق بإنشاء الولي، أما ما لا يتعلق به بأن ادعى على رجل أنه أتلف مال الطفل وأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين .. فوجهان: أحدهما: أن الولي يحلف اليمين المردودة؛ إتمامًا للخصومة، واستخراجًا لحق الصبي.

وَلَوْ قَالَتْ: نَكَحَنِي يَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ، وَيَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ، وَثَبَتَ اَلْعَقْدَانٍ بِإِقْرَارَه أَوْ بِبَيِّنَةٍ .. لَزِمَهُ أَلْفَانٍ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَطَاهَا فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهَما .. صُدَّقَ بِيَمِيِنِهِ وَسَقَطَ اَلَشَّطْرُ، وَإِنْ قَالَ: كَانَ اَلْثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظِ لاَ عَقْدًا .. لَمْ يُقْبَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصحهما: المنع، لأنه لا يتعلق بتصرف الولي وإنشائه، وعلى هذا: فلا يقضى بالنكول، بل يتوقف إلى أن يبلغ الصبي فلعله يحلف. وفي وجه: لا تعرض اليمين عليه، ويتوقف في أصل الخصومة. قال: (ولو قالت: نكحني يوم كذا بألف، ويوم كذا بألف، وثبت العقدان بإقراره أو ببينة .. لزمه ألفان)؛ لإمكان ثبوت الألفين بأن يطأها في اليوم الأول ثم يخلعها ثم ينكحها في اليوم الثاني، ولا يحتاج إلى التعرض لتخلل الفرقة ولا لحصول الوطء؛ لأن كل عقد منهما ثبت مسماه، والأصل بقاؤه، كذا قالوه، والتحقيق: أنه يلزمه الألف ونصفها؛ لأن الأصل عدم الدخول في الأول، اللهم إلا أن يثبت الدخول فيه .. فيصح ما قالوه. قال: (وإن قال: لم أطأها فيهما أو ف أحدهما .. صدق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم الوطء. قال: (وسقط الشطر) أي: في النكاحين أو في أحدهما؛ لأن ذلك فائدة تصديقه. ولو ادعى رجل أنه اشترى منه كذا يوم الخميس بألف، ثم يوم الجمعة بألف وطالبه بالثمنين، .. لزمه الثمنان إذا ثبت العقدان كما في المهرين. قال: (وإن قال: كان الثاني تجديد لفظ لا عقدًا .. لم يقبل)؛ لمخالفة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر، وهل له تحليف المرأة على نفي ذلك؟ وجهان: أصحهما: له ذلك؛ لإمكانه. فرع: في (فتاوي البغوي): رجل أراد أن يزوج ابنه امرأة، فخطبها لابنه وتوافقا على العقد، فقبل أن يعقد، أهدى لها أبو الزوج شيئًا ثم مات المهدي قبل العقد، ثم نكحها ابنه ثم طلقها قبل الزفاف واسترجع الهدايا .. قال: يكون ميراثًا بين الجميع؛ لأن الأب إنما أهدى لأجل العقد، ولم يعقد في حياته فيكون ميراثًا لورثة الأب، وفي استرجاع الهدايا نظر. فائدة: قال ابن الخل في (توجيه التنبيه): يجوز لولى المحجورة إذا تزوجت أن يصوغ لها الذهب والفضة حليًا وإن نقصت بذلك قيمته وتلف جزء منه، وأن يصيغ لها الثياب ويقطعها؛ لما فيه من المنفعة للمولى عليه في رغبة الأواج في الوصلة بها. وفي (قضاة مصر) لابن زولاق عن أبي عبدي بن حربويه وابن الحداد: أنهما منعًا ذلك بأزيد من قدر صداقها كما يقوله مالك، وعمل الناس على الأول. ووقع في (الفتاوى) هل لولي المحجورة أن يبيع عقارها ليشتري لها شورة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا علم أو غلب على ظنه أنه لا يرغب فيها إلا بذلك؟ وأجي فيه بالجواز. وفيه أيضًا نظر. تتمة: من صور التنازع بين الزوجين: أن يختلفا في أداء المهر، فالقول قولها مع يمينها، سواء كان الاختلاف قبل الدخول أو بعده، خلافًا للمالك رحمه الله فيما بعد الدخول. ولو اتفقا على قبض مال وقال الزوج: دفعته صداقًا، وقالت: بل هدية .. فقد أطلق مطلقون أن القول قول الزوج مع يمينه؛ لأنه أعرف بكيفية إزالة ملكه ونيته. وفصل مفصلون فقالوا: إن كان الاختلاف في اللفظ فقال الزوج: ذكرت عند الدفع أنه صداق، وقالت: بل قلت: إنه هدية .. فالجواب هكذا، أما إذا اتفقا على أنه لم يجر لفظ واختلفا في نيته. لم يلتف إلى ما تقوله، والقول قوله بلا يمين. قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا بناء على أن المعاطاة لا تكفي في الهدايا، والأصح: الاكتفاء بها، فعلى الصحيح: يجب أن تقبل دعواها، وأن يحتاج الزوج إلى اليمين. ثم لا فرق بين أن يكون المقوض من جنس الصداق أو من غير جنسه، ولا بين الطعام وغيره. وعنم أبي حنيفة: أن القول فيما لا يدخر قولها، وعنه: أن القول في الإطعام قولها، عن مالك مثله. ولو ادعى الزوج دفع الصداق إلى ولي الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة .. فالدعوى مسموعة، وإن ادعى دفعه إلى ولي البالغة الرشيدة .. لم تسمع الدعوى عليها، إلا أن يدعي إذنها، ولا فرق بين البكر والثيب. وفي البكر وجه آخر: أنه تسمع دعواه عليها من غير أن يدعي إذنها. قال المتولي: والمسألة تنبني على القاعدة المتقدمة: أن الأب هل له أن يعفو عن

فصل: وَلِيمَةُ اَلْعُرْسِ سُنَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صداقها أو لا؟ فإذا جوزنا له العفو .. جاز له أن يقبض وعند أبي حنيفة: له أن يقبض صداقها ما لم يوجد منها تصريح بالنهي عن قبضه. ومما يتعلق بكتاب الصداق: أصدقها جارية، ثم وطئ الجارية عالمًا بالحال، فإن كان بعد الدخول .. فعليه الحد، ولا يقبل قوله: لم أعلم أنها ملكتها بالدخول إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، وإن كان قبل الدخول .. فلا حد، وعللوه بشيئين: أحدهما: لا يبعد أن تخفي مثل هذه الأحكام على العوام. والثاني: اختلاف العلماء؛ فإن مالكًا رحمه الله قال: لا تملك قبل الدخول إلا نصف الصداق، فإن كان عالمًا بأنها تملك جميع الصداق بالعقد .. فعلى التعليل الأول: يحد، وعلى الثاني: لا. وحيث قلنا: يحد فأولدها .. فالولد رقيق، وعليه المهر إن كانت مكرهة، وحيث لا يحد .. فالولد نسيب حر، وعليه قيمته يوم سقوطه. وإذا خالع زوجته المدخول بها، ثم نكحها في العدة وطلقها قبل الدخول في النكاح الثاني .. يتشطر المهر عندنا. وقال أبو حنيفة رحمه الله: يجب جميعه. قال: (فصل: وليمة العرس سنة)؛ لثبوتها عن النبي صلي الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، ففي (السنن الأربعة) عن أنس: (أن النبي صلي الله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتمر). وفي (الصحيحين) [خ 4213 - م 1365/ 84] عنه: (أنه عليه الصلاة والسلام جعل وليمتها التمر والسمن والأقط).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيهما عنه [خ 2048 - م 1427/ 79]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) وصرفنا عن الوجوب قوله صلي الله عليه وسلم: (ليس في المال حق سو الزكاة)، ولأنها لا تختص بالمختاجين فأشبهت الأضحية، وأمره صلي الله ليه وسلم بها محمول على تأكد الندب. وهي في اللغة: الطعام المتخذ للعرس. وقال الماوردي: إصلاح الطعام واستدعاء الناس لأجله، ولفظها من الولم وهو الجمع؛ لأن الزوجين يجتمعان، وهي تقع على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من إملاك وختان وغيرهما، لكن استعمالها على الإطلاق في الإملاك أشهر، وفي غيره بقيد، يقال: وليمة الختان وغيره. ويقال لوليمة الختان: إعذار بالعين المهملة والذال المهجمة، ولدعوة الولادة: عقيقة، ولسلامة امرأة عن اطلق: خرس- بضم المعجمة - وقيل: الخرس: طعام الولادة، ولقدوم المسافر: نيقعة - بالنون - تصنع له، وقيل: هو يصنعها، ولإحداث البناء: وكيرة، ولما يتخذ في امصيبة: وضيمة - بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة - وللإملاك: ملاك، قاله أبو داوود. وسمى في (الكفاية) طعام الإملاك: الشندخي، ولختم القرآن: حذاق، ولغير سبب: مآدبة. ولم يعد الأصحاب الوليمة للأخوة، وينبغي أن تكون سنة؛ لما روي البخاري عن أنس قال: آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري وقال له: (أولم ولو بشاة). والجواب: أن هذه قطعة من حدي، وتمامه: قال أنس: لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة .. آخى النبي صلي الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه سعد أن يناصفه أهله وماله، وكان له امرأتان، فقال له

وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ: وَاجِبَهٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، قال: فأتى السوق، فربح شيئًا من أقط وشيئًا من سمن، فرآه النبي صلي الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة فقال: (ميهم؟) قال: تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (ما سقت إليها؟) قال: وزن نواة من ذهب، قال: (أولم ولو بشاة). لكن بوب عليه ابن حبان والحافظ الطبري في (الأحكام) (باب الوليمة للإخوة)، وذكرا حديث أنسن، وعلم ما فيه. ولم يتكلم الأصحاب على استحباب الوليمة للتسري، والظاهر استحبابه، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما اصطفى صفية واختلى بها .. قال الصحابة وهم يأكلون: هل هي من أمهات المؤمنين أو من الإماء؟ فقالوا: إن حجبها .. فهي من أمهات المؤمنين، فلما حجبها .. علموا أنها منهن، فدل على أن الوليمة كانت مشروعة لكل منهما، لكن لم ينقل أنه أو لم على مارية. ومراد المصنف بـ (العرس): الدخول، لكنه في (الشرح) عبر بـ (الإملاك)، وفسره في (اصل الروضة) بالنكاح، ووليمة الإملاك غير وليمة العرس كما صرح به الشافعي في (الأم). قال: (وفي قول أو وجه: واجبة)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: (أولم) وظاهر الأمر الوجوب، ولأنه عليه الصلاة والسلام ما تركها في حضر ولا سفر. وقيل: فرض كفاية إذا أظهرها الواحد في عشيرته ظهورًا منتشرًا ... سقط فرضها عمن سواه، وإلا .. حرجوا بتركها أجمعين. وتردد المصنف في كون لخلاف قولاً وجهًا تبع فيه الرافعي، والصواب: أنه قول كما صرح به الماوردي وصححه الجرجاني، وقال في (المهذب): إنه المنصصو، وهو ظاهر نص (الأم) و (المختصر). وأما غيرها من الولائم .. فالمذهب:: القطع بنديها، وطرد المتولي فيها قول الوجوب.

وَاَلإِجَابَةُ إَلَيْهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: كِفَايَةِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ. وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوْ تُسَنُّ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَخْصِّ اَلأَغْنِيَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو نكح أربعًا هل يولم لكل واحدة وليمة أو تكفيه عن الجميع واحدة أو يفصل بين العقد الواحد والعقود؟ فيه نظر. وفي (رحلة ابن الصلاح) عن الفراوي ففيه الحرم: أن وليمة العرس ليلاً أصوب؛ لأنها في مقابلة نعمة ليلية، قال تعالى: {فَإذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} وكان ذلك ليلاً. قال: (والإجابة إليها فرض عين)؛ لما روي الشيخان [خ 5173 - م 1429/ 96] عن ابن عمر: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس .. فليأتها). وفي (صحيح مسلم) [1429/ 98]: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة .. فليجب). ونقل ابن عبد البر وغيره فيه الإجماع. قال: (وقيل: كفاية)؛ لأن المقصود ظهور الحال، وتمييز النكاح عن السفاح، وذلك يحصل بحضور البعض. قال: (وقيل: سنة)؛ لأنه تمليك مال فلم يجب كغيره، والخبر محمول على تأكد الاستحباب، وهما بعيدان؛ لما تقدم. وموضع الخلاف إذا قلنا: لا تجب الوليمة، فإن أوجبناها .. وجبت الإجابة جزمًا، والمذهب في سائر الولائم غير وليمة العرس: استحباب الإجابة، وبالوجوب أجاب الشيخ أبو حامد والمحاملي، وقال صاحب (البيان): إنه الأظهر، واختاره الشيخ؛ لعموم الأحاديث الصحيحة؛ ففي (صحيح مسلم) [1429/ 98]: (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب)، وفي (سنن أبو داوود) [3731]: (عرسًا كان أو غيره). قال: (وإنما تجب أو تسن بشرط ألا يخص الأغنياء)؛ لما روى مسلم مرفوعًا [1432/ 107]: (شر الطعام طعام الوليمة؛ يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة .. فقد عصى الله ورسوله). فقوله: (يدعى إليها) جملة حالية مقيدة بسببها، ويخرج عن التخصص بأن

وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي اَلْيَوْمِ اَلأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمِ ثَلاثَةَ .. لَمْ تجَبِ ْفِي اَلثَّانِي، وَتُكَرَهُ فِي اَلْثَالِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يدعو جميع عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته، أغنياءهم وفقراءهم، فلو فرض أن أهل عشيرته كلهم أغنياء كلهم أغنياء أو كان فقيهًا فدعا الفقهاء وكلهم أغنياء .. جاز، ولم يكن ذلك من التخصيص المكروه. قال: (وأن يدعوه في اليوم الأول)؛ لما روى الأربعة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (الوليمة في اليوم الأول حق، وفي الثاني معروف، وفي الثالث رياء وسمعة). قال الشيخ: يمكن أن يجعل قوله: (يدعوه) شرطًا ثانيًا، و (في اليوم الثالث) شرطًا ثالثًا، لأن الرافعي قال: من الشروط أن يخصه بنفسه بالدعوة، أو بأن يبعث إليه غيره، فأما إذا فتح باب الدار ونادى: ليحضر من يد أو بعث رسوله ليحضر من شاء، أو دعا إنسانًا وقال له: أحضر معك من شئت فقال لغيره: احضر .. فلا تجب الإجابة ولا تستحب؛ لأن الامتناع في هذه الحالة لا يورث التأذي والوحشة. فلو أولم في يوم مرتين، فإن كان بسببين .. فلكل حكم، وإن كان بسبب واحد .. فالظاهر: أن الثانية كاليوم الأول. قال: (فإن أولم ثلاثة .. لم تجب في الثاني) بلا خلاف، بل يستحب له أن يجيب، وهو دون الاستحباب في اليوم الأول إن قلنا بندبه؛ لوصف النبي صلي الله عليه وسلم الثاني بالمعروف. قال الشيخ: وظاهر هذا الكلام أنه سواء كان المدعو في اليوم الثاني هو المدعو في اليوم الأول أو غيره، وليس في كلام أصحابنا تعرض لذلك. وقال أصحاب مالك: لا بأس للموسر أن يولم سبعة أيام. قال: (وتكره في الثالث)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم وصفها فيه بالرياء والسمعة، وهما منهي عنهما شرعًا؛ قال صلي الله عليه وسلم: (من راءى ....

وَأَنْ لاَ يُحْضَرِهُ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ. وَأَنْ لاَ يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَتَأَذَى بِهِ أَوْ لاَ تَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ راءى الله به، ومن سمع .. سمع الله به) والذي قاله المصنف هو المعروف في (الشرحين) و (الروضة) و (المحرر) وغيرها، لكنه في (تصحيح التنبيه) أقر الشيخ على أنه خلاف الأولى. قال: (وأن لا يحضره لخوف أو طمع في جاهه)؛ فإن ذلك ليس من صنيع المتقين، وكذلك إذا كان يحضره ليعاونه على باطل أو ظلم، وإنما يجب أو يستحب إذا كان للتقرب أو التودد المطلوب بين عموم الناس. وقال في (الإحياء): ينبغي أن يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة؛ لتكون من أمور الآخرة، ولا يقصد قضاء الشهوة فتكون من أمور الدنيا، ويقصد إكرام أخيه بذلك وزيارته؛ ليكون من المتحابين المتزاورين في الله. قال: (وأن لا يكون ثم من يتأذى به أولا تليق به مجالسته)، فإن كان .. فيعذر في التخلف، وأشار في (الوسيط) إلى وجه فيه، ومستند من لم يجعل ذلك عذرًا عموم الحديث، وليس من الأعذار شبعه ولا انقباضه، ولا كون الداعي عدوه، ولا أن يكون هناك عدو له، ولا كثرة الزحام، بل يحضر، فإن وجد سعة وإلا ... عذر في الرجوع .. فروع: إذا اعتذر المدعو إلى صاحب الدعوة فرضي بتخلفه .. زال الوجوب وارتفعت كراهة التخلف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو دعاه اثنان فصاعدًا .. أجاب الأسبق، فغن جاء معًا .. أجاب الأقرب رحمًا، ثم الأقرب دارًا كما في الصدقة. روى أحمد [5/ 408] وأبو داوود [3750]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا اجتماع داعيان .. فأجب أقربهما إليك بابًا، فإن أقربهما غليك بابًا أقربهما إليك جوازًا، وإن سبق أحدهما .. فأجب الذي سبق). وأقل الوليمة للمتمكن شاة، وبه يشعر قوله صلي الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة). قال الجرجاني: وهي كشاة العقيقة في الأوصاف، فإن لم يتمكن .. اقتصر على ما قدر عليه كما أولم صلي الله عليه وسلم على صفية بسويق وتمر، وكان في السفر كما تقدم. ولا يتعين في الضيافة وغيرها من الولائم طعام، بل الخيرة إلى المضيف والمولم، وينبغي أن يعمل ما يليق بمنصبه وحاله. وشرط المدعو: أن يكون بالغًا عاقلاً حرًا مسلمًا لا عذر له، والعبد إذا أذن له سيده .. لزمته الإجابة، والمكاتب إن أضر الحضور بكسبه .. لم يلزمه، وإن لم

وَلاَ مُنْكَرٌ فَإِنْ زَالَ بِحُضُورِهِ .. فَلْيَحْضُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يضر .. لزمه، والسفيه تلزمه الإجابة. قال: (ولا منكر) كشرب الخمر والملاهي؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يقعدان على مائدة يدار عليها الخمر) حسنة الترمذي [2801] وصححه الحاكم [4/ 288]. ودخل في إطلاق المصنف: إذا كان هناك من يضحك بالفحش والكذب، وبه صرح في (الأحياء)، وجعل في (شرح مسلم) من الأعذار أن يكون هناك آنية ذهب أو فضة، وقيد صاحب (التعليقة) المسألة بالموضع الذي يجلسون يه دون غيره من موضع آخر من الدار. قال: (فإن زال بحضوره .. فليحضر)؛ إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، فغن علم قبل حضوره أنه لا يزول بحضوره وهولا يقدر على إزالته .. فالأصح: تحريم الحضور. وقيل: إنه خلاف الأولى، كما لو كان يفعل المنكر إلى جوار داره لا يلزمه الانتقال ولا سد أذنيه، إنما ينكر بقلبه، وعلى هذا جرى بعض العراقيين، قال المصنف: وهو خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب (التنبيه) ونحوه ممن ذكره. وإذا قلنا بالأصح فلم يعلم به حتى حضر أو لم يوجد إلا وهو حاضر .. نهاهم، فإن لم ينتهوا .. فليخرج، وفي جواز القعود وجهان: أصحهما: التحريم، فإن لم يمكنه الانصراف كما لو كان ليلاً وخشي على نفسه .. جاز القعود مع إنكاره بقلبه ولا يسمع، فإن سمع من غير قصد .. لم يأثم. وإن كانوا يشربون النبيذ المختلف في حله .. قال ابن كج والرافعي والمصنف: لم ينكره؛ لأنه مجتهد فيه، قال الشيخ: والصواب عندي أنه ينكره؛ لضعف دليل

وَمِنَ اَلْمُنْكَرِ: فَرْشُ حَرِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أباحته، ولذلك حده الشافعي رضي الله عنه، وأي إنكار أعظم من الحد؟! هذا إذا كان الحاضرون ممن يعتقد إباحته، فإن كانوا يعتقدون تحريمه .. فكالمنكر المجتمع على تحريمه. قال: (ومن المنكر: فرش حرير)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم نهى أن يجلس عليه، رواه البخاري [5837]. أما على القول بأن ذلك حرام على الرجال والنساء فظاهر، ومن يقول: فراش الحرير جائز للنساء، فإن كانت الدعوة لهن فليس ذلك بمنكر عنده في حقهن، وإن كان الدعوة للرجال فهو المنكر في حقهم، ولا يكفي أن يحضر ولا يجلس عليه؛ لأن فرشه هناك إعداد للاستعمال المحرم فيجب إنكاره. قال الشيخ: وكان شيخنا ابن الرفعة أيام زينة المحمل لا يشق المدينة ولا ينظر إلى زينتها، لأنه كان يفتي بتحريم ذلك. فإن قيل: سيأتي في (كتاب السير): أنه إنما ينكر ما أجمع على تحريمه، وفراش الحرير مختلف فيه، فكيف جعلوه هنا منكرًا؟ فالجواب: أنهم أرادوا هنا أنه منكر يمتنع معتقد تحريمه من الحضور لأجله، ويكون عذرًا في تحلفه، وليس المراد أنه ينكر على غيره، وعلى هذا يحمل إطلاق الأصحاب. وخرج بـ (الفرش) ستر الجدر به، وهو حرام على النوعين، فلو حذف المصنف لفظ الافتراش .. كان أولى، ولو قال المصنف: (وفرش غير حلال) كما قاله الغزالي .. كان أولى؛ ليشمل فرش جلود النمور؛ لأنه حرام كما صرح به الحليمي وابن المنذر وغيرهما، وليشمل المغصوب والمسروق.

وَصُوَرُ حَيوَانٍ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ سَتْرٍ أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: ستر الجدران بغير الحرير م الثياب والأكسية ونحوها مكروه؛ لما روى مسلم [2107] عن عائشة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة واللبن). وفي (سنن البيهقي) [7/ 227] عن ابن عباس: (لا تستروا الجدران بالثياب). قال الشافعي: ولا أكره للمدعو في هذه الحالة أن يدخلها، وقد كرهه بعضهم؛ لما فيه من الخيلاء، واقتصر عليه المصنف في (الروضة) في آخر (صلاة الخوف)، وحكى عن الشيخ نصر المقدسي التحريم. قال: (وصور حيوان على سقف أو جدار أو وسادة أو ستر أو ثوب ملبوس) سواء كان الحيوان كبيرًا أو صغيرًا، آدميًا أو غيره؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إن البيت الذي فيه الصور والتماثيل لا تدخله الملائكه). وقالت عائشة رضي الله عنه: قدم النبي صلي الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت على صفة لي سترًا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمر بنزعها، متفق عليه [خ 2105 - م 2107/ 90]. وفي رواية لمسلم [2107/ 96]: (قالت: فقطعنا منه وسادتين، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يرتفق بهما). وعن أبي هريرة: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلي الله عليه وسلم فعرف صوته وهو خارج فقال: (ادخل) فقال: إن في البيت سترًا فيه تماثيل، فاقطعوا رؤوسها واجعلوه بطًا أو سائد، رواه أبو داوود [4155] والترمذي [2806] والنسائي [8/ 216] والبيهقي [7/ 270] واللفظ له، وقال الترمذي: حسن صحيح. وفيما علق عن الإمام الإشارة إلى وجه في الستور والوسائد المنصوبة: أنه لا يرخص فيها، والصحيح خلافه كما قاله المصنف.

وَيَجُوزُ مَا عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطِ وَمِخَدَّةٍ وَمَقْطُوعِ اَلْرَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراد المصنف بـ (الوسادة): المنصوبة، وهي التي يتكأ عليها، قال الرافعي: وفي معناها: الطبق والخوان والقصعة، وقد صرح به في (الإحياء)، وأما المخدة .. فيأتي حكمها. قال في (الجواهر): ولا فرق بين أن تكون الصورة على ما استعمل لزينة أو انتفاع كستر باد أهنج أو باب أو بشخانه لوقاية حر أو برد عند الجمهور. قال: (ويجوز ما على أرض وبساط ومخدة)؛ لقما تقدم من حديث أبي هريرة. وفي (الصحيحين) [خ 5954 - م 2107/ 92] عن عائشة قالت: (قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام على سهوة لي فيه تماثيل، فلما رآه .. هتكه، قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسائد). قال الشيخ: وهذا لا دليل فيه؛ لجواز أنه لما قطع .. زالت كيفية الصور، وحديث: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة) يشمل ذلك، والمراد: ملائكة التبرك، لا ملائكة قبض الروح والحفظة بالاتفاق. قال: (ومقطوع الرأس)؛ لأنه ليس على صورة حيوان ولا هـ ذات روح، والذي ورد النهي عنه هو التصوير، ولا شك أنه حرام في ذلك كله. وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه؟ فيه وجهان، وبالتحريم قال الشيخ أبو محمد، وبالكراهة قاتل صاحب (التقريب) والصيدلاني،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجحه الإمام والغزالي في (الوسيط). ولو كانت الصور في الممر دون موضع الجلوس .. فلا بأس بالدخول والجلوس، ولا تترك إجابة الدعوة بهذا السبب، وكذا لا بأس بدخول الحمام الذي على بابه الصور، كذا قاله الأصحاب. قال الشيخ: ولعل هذا محمول على من لا يقدر على إزالتها، أما من يقدر على إزالتها .. فينبغي أن يجب عليه ذلك، فإن تركه .. أثم بتركه، وليس في كلام الأصحاب مخالفة لذلك، ولا يلزم من ذلك تحريم الدخول كما قالوه، وفي صورة حيوان لم يشاهد مثله كإنسان له جناح طائر وطائر له وجه إنسان وجهان: أحدهما: قول القاضي أبي حامد: لا يحرم. والثاني - وبه جزم المتولي -: المنع، ولا فرق بين أن يكون للصورة بروز وظل أو لا، وخصه بعضهم بما إذا كان له بروز، وقال في (شرح مسلم): أجمعوا على منع ما كان له ظل، ووجوب تغييره، وحيث قلنا: لا يحرم .. فهو مكروه. وتستثنى لعب البنات؛ لما روى مسلم [2440] عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلعب بهن عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، ونقل القاضي عياض جوازه عن

وَصْوَرِ شَجَرٍ، وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلماء، وتابعه في (شرح مسلم)؛ لأنه يقصد بها أن تألف البنات التربية وتدبير المنزل. ولما ولي الاصطخري حسبة بغداد .. أزال سوق المنكر، وأبقى سوق اللعب لذلك. ويستثنى ما إذا كان الإناء متخذًا على شكل صورة كما إذا كان رأس المجمرة على شكل طائر .. فهو حرام يجب كسر قدر الصورة منه. ولا يجوز لبس الثياب التي عليها صورة حيوان للرجال ولا للنساء، قاله الشيخ أبو محمد، قال الرافعي: ولعله أولى بالمنع من الصور التي على الستور المعلقة. قال: (وصور شجر)؛ لما روى البخاري [2225] ومسلم [2110/ 100] عن ابن عباس: أنه لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من صور صورة عذب، وكلف أن ينفخ الروح فيها، وليس بنافخ) .. أتاه رجل مصور فقال: ما أعرف صنعة غيرها، قال ابن عباس: إن لم يكن بد .. فصور الأشجار. وفي (شرح الجويني) وجه: أن صور الأشجار مكروهة؛ لأن منهم من كان يعبد الأشجار أيضًا. قال الأصحاب: ولا بأس بتصوير الشمس والقمر وكل ما لا روح فيه، قال الشيخ: وعندي ان تصوير الشمس مكروه؛ لأنها عبدت من دون الله. قال: (ويحرم تصوير حيوان)؛ لما في (الصحيحين) [خ 2105 - م 2107/ 96] وغيرهما: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلفتم). وقال صلي الله عليه وسلم: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله). والأحاديث في تحريم التصوير كثيرة، ولما في ذلك من مضاهاة خلق الله تعالى، وسواء عمل لها رأس أم لا، خلافًا لأبي حنيفة، ولا خلاف في تحريمه على الحيطان والسقوف، ولا يستحق فاعلها أجرة.

وَلاَ تَسْقُطُ إِجَابَةٌ بِصَوْمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي نسج الثياب المصورة وجهان، جوزه أبو محمد؛ لأنها قد لا تلبس، ورجح الإمام والغزالي المنع، اختاره الشيخ، وصححه المصنف في (الروضة). وطرد المتولي الوجهين في التصوير على الأرض ونحوها، وصحح المصنف التحريم على الأرض وغيرها، قال الشيخ: وهو كما قال، ولذلك أطل في (المنهاج)، وليس لمن قال بذلك دليل يعتمد. فائدة: سئل الشيخ عن الجلوس والمشي على بساط فيه أشكال حروف المعجم، وربما انتظمت منها كلمات مفهومة المعنى مثل: بركة وسعادة والعز الدائم ونحو ذلك .. فقالك يحرم المشي والجلوس عليها؛ لأن هذه الحروف ينتظم منها كلام رب العالمين، وكلام سيد المرسلين صلي الله عليه وعليهم أجمعين، وكلام الملائكة المقربين، والأذكار المطلوبات، والكلمات الواجبات والمندوبات، وقد قال الفقهاء: الورقة التي فيها اسم الله تعالى لا يجوز أن تجعل كاغدًا لفضة ونحوها. أهـ. وفي (فتاوي قاضي خان): يكره الجلوس والمشي عليها وإن كانت أحرفًا متقطعة. قال: (ولا تسقط إجابة بصوم)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى طعام .. فليجب، فإن كان مفطرًا .. فليطعم، وإن كان صائمًا .. فليصل) رواه مسلم [1431] من رواية أبي هريرة. معنى (يصل): يدع، وقيل: المراد: الصلاة الشرعية، وفي رواية لابن السني [489]: (فليدع لهم بالبركة).

فَإِنْ شَقَّ عَلَى اَلْدَّاعِي صَوْم نَفْلٍ .. فَاَلْفِطْرُ أَفْضَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يدعو بما رواه مسلم [2042] عن عبد الله بن بشر: أن أباه أضاف النبي صلي الله عليه وسلم فقال) اللهم؛ أغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيها رزقتهم). ولا يكره أن يقول: إني صائم، كما إذا شتمه إنسان فليقل: إني صائم، حكاه القاضي أبو الطيب في (تعليقه) عن الأصحاب. قال: (فإن شق على الداعي صوم نقل .. فالفطر أفضل)؛ جبرًا لخاطر أخيه المسلم، ويقضي يومًا مكانه ندبًا، لما روى الدارقطني [2/ 177] والبيهقي [4/ 177] والبيهقي [4/ 226] من رواية إبراهيم بن عبيد قال: صنع أبو سعيد الخدري طعامًا، ودعا النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، فقال رجل ممن حضر معه: إني صائم، فقال صلي الله عليه وسلم: (تكلف أخوك المسلم وتقول: إني صائم!! أفطر واقض يومًا مكانه). فإذا لم يشق صومه .. فالأفضل إتمامه، وأما الفرض .. فيحرم الفطر فيه بالاتفاق. وأشعرت عبارة المصنف بأن المفطر يأكل، والأصح: أنه لا يجب؛ لما صح من قوله صلي الله عليه وسلم: (فإن شاء ... أكل، وإن شاء .. ترك) وقيل: يجب، واختاره المصنف في (تصحيحه). وحكي الماوردي ثالثًا: أنه فرض كفاية، وهو حسن. وحيث وجب .. فتكفي لقمة واحدة؛ لحصول ما ينطبق عليه الاسم، صرح به البغوي والإمام وغيرهما، ولمن حضر أن يأكل إلى حد الشبع، وتحرم الزيادة عليه، فإن أكل أكثر من شبعه .. لم يضمن الزيادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقي من الشروط: أن يدعوه مسمل، فإن دعاه ذمي .. فهل هو كالمسلم أولاً يجب قطعًا؟ طريقان: أصحهما: الثاني، ولا يكون الاستحباب في إجابته كالاستحباب في إجابة دعوة المسلم؛ لأنه قد يرغب عن طعامه لنجاسته وتصرفه الفاسد. وتكره مخالطة الذمي وموادته. ومنها: أن لا يكون الداعي فاسقًا؛ لما روى البيهقي في (الشعب) [5803] عن عمران بن حصين: (أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن الإجابة لطعام الفاسقين). ومنها: أن لا يكون أكثر ماله حرامًا، فهذا تكره إجابته كما تكره معاملته، فإن علم أن عين الطعام حرام .. حرمت إجابته. ومنها: أن يقصده بالدعوة كما تقدم. وأن لا يكون المدعو تعين عليه حق كأداء شهادة أو صلاة جنازة. وأن [لا] يخالف عن ذهابه ضياع مال أو تلفه. وأن لا يكون المدعو قاضيًا. وأن لا يكن الداعي امرأة والمدعو رجلاً، فلا يجيبها إذا أفضى الحال إلى خلوة محرمة. قال في زوائد (الروضة): قال إبراهيم المروروذي: لو دعته أجنبية وليس لها هناك محرم له ولا لها ولم تخل به، بل جلست في بيت وبعثت بالطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر في دارها .. لم يجبها مخافة الفتنة، قال الشيخ: وهذا هو الصواب، إلا أن يكون الحال على خلاف ذلك كما كان سفيان الثوري وأضرابه يزورون رابعة العدوية، ويسمعون كلامها، وكان الشافعي يأتي إلى السيدة نفيسة ويسمع عليها

وَيَاكُلُ اُلْضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلاَ لَفْظٍ، وَلا َيَتَصَرَّفُ فِيهِ إِلاَّ بِاَلأَكْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، فإذا وجدت امرأة كرابعة ونفيسة ورجل كسفيان والشافعي .. لم يكره لهم ذلك. قال: (ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ) اكتفاء بقرينة الحال، وفي (سنن أبي داوود): أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول .. فذلك إذن له). وفي وجه بعيد: لابد من لفظ، وفي وجه آخر: إن دعاه إلى بيته .. لم يحتج إلى لفظ، وإلا .. وجب. ومحل الأول إذا لم ينتظر غيره، فإن كان ينتظره .. لم يأكل ما لم يحضر أو يأذن لفظًا، إلا إذا جعلنا المعاطاة بيعًا. وأفهمت عبارته: أنه ليس للأراذل الأكل مما قدم للأماثل من الأطعمة النفيسة المخصوصة بهم، وبذلك صرح الشيخ عز الدين. وأفاد قوله: (مما) أنه لا أكل الجميع، وبه صرح ابن الصباغ، ولابد من النظر في ذلك إلى العرف. قال: (ولا يتصرف فيه إلا بالأكل)؛ لأنه المأذون فيه عرفًا، فلا يجوز أن يحمل معه شيئًا، ولا أن يطعم هره ولا سائلاً إلا بإذن، لكن يجوز أن يلقم بعض الضيفان بعضًا ما لم يفاوت بينهم في الأطعمة كما تقدم. وهل يملك الضيف ما يأكله؟ وجهان، قال القفال: لا، بل هو إتلاف بإذن

وَلَهُ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رَضَاهُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المالك، وللمالك أن يرجع ما لم يأكل، واختاره ابن الصباغ، وقال الإمام: إنه الأصح وظاهر المذهب. وقال الجمهور: يملكه، لكن بم يملكه؟ فيه وجوه: أحدها: بالوضع بين يديه، وهو بعيد. وثانيها: يأخذه بيده، وكل لقمة حصلت في يده ملكها. وثالثها: بوضعه في فيه، وصححه القاضي. ورابعهما: بالمضغ. وخامسها: بالازدراد، يتبين حصول الملك قبله، ورجحه المتولي. وسادسها: بهما، وتظهر فائدة الأوجه في الرجوع. قال: (وله أخذ ماي علم رضاء به)، لأن مدار الباب على طيب النفس، فمتى علم ذلك بالقرائن .. كفى، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال، وبمقدار الأموال، وحال المضيف والدعوة، فإن تردد في وقوعه في حال المسامحة .. فوجهان: أظهرهما: أنه يحرم. قال الغزالي: وإذا علم رضاه .. فينبغي مراعاة العدل والنصفة مع الرفقة، فلا ينبغي أن يأخذ إلا ما يخصه أو ما يرضى به رفيقه عن طوع لا عن حياء. ولا يجوز التطفل، وهو إتيان الإنسان طعامًا لم يدع إليه، إلا إذا كان بينه وبين صاحب الدار انبساط وعلم أنه لا يكره ذلك، فإن تبع المدعو غيره .. لم يمنعه ولم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يأذن له، بل يعلم به الداعي، ويستحب له أن يدعوه إن لم يكن فيه ضرر، وهذا التابع للضيف اسمه عند العرب: ضيفن. وتحرم زلة الصوفية، وهو حملهم ما أحضر لهم للأكل إلى بيوتهم مع تناولهم قدر كفايتهم، إلا أن يؤذن لهم في ذلك، وإذا تكرر التطفل .. ردت به شهادته؛ لأنه يأكل محرمًا إذا كانت دعوة رجل بعينه فأما إن كان طعام سلطان أو رجل يتشبه بالسلطان فيدعو الناس .. فهذا مباح ولا بأس به. ومن آداب الضيف: أن لا يخرج إلا برضا صاحب الدار وإذنه، ويسن للمضيف أن يشيعه عند خروجه إلى باب الدار، وينبغي للضيف أن لا يجلس في مقابلة حجرة النساء وسترهن، ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي خرج منه الطعام. ويستحب أن يكون على المائدة البقل، وإذا دخل الضيف .. عرفه صاحب المنزل القبلة الماء وموضع الوضوء. ومن آداب الأكل: أن يغسل يديه قبله وبعده، وغسل الإمام مالك يديه قبل الطعام قبل القوم، وغسلهما بعده بعدهم وقال: هو أولى، ويقول في ابتدائه: باسم الله، والأولى أن يضم إليها: الرحمن الرحمي، وقال الغزالي: يقول مع اللقمة: الأولى باسم الله، ومع الثانية: باسم الله الرحمن، ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم. ويستحب أن يسمى كل من الأكلين من كبير وصغير وطاهر وحائض وجنب، فإن سمى واحد منهم حصل أصل السنة؛ لأنها سنة على الكفاية، ويتسحب الجهر بها، فإن تركت في أوله .. استحبت في أثنائه فيقول: باسم الله أوله وآخره. وأن ينوي بأكله وشربه التقوي على طاعة الله، وأن يدعو لصاحب الطعام إن كان ضيفًا فيقول: أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة، وذكركم الله فيمن عنده. ويكره أن يأكل متكئًا، وقيل: إنه ليس من عادة العرب، وأن يأكل مما يلي أكيله، وأن يأكل من وسط القصعة وأعلى الثريد ونحوه، وأن يأكل قائمًا، ولا بأس بذلك في الفواكه، ويكره أن يعيب الطعام، وأن يقرن بين تمرتين ونحوهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يأكل ويشرب باليمين إلا لعذر، وأن يأكل بأصابعه الثلاث، قال الغزالي: ويبدأ بالملح ويختم به، ولا يكره الأكل على المائدة وإن كان بدعة. ويكره أن يتنفس في الإناء، وأن ينفخ فيه، ولا يكره الشرب قائمًا، وحملوا النهي الوارد فيه على حالة السير، كذا قاله الرافعي، واختار المصنف أن الشرب قائمًا خلاف الأولى. ويستحب أن يطيل مضغ القمة، ولا يهوي بيده إلى غيرها حتى يبتلعها، ولا يقطع اللحم، ولا يوضع على الخبز إلا ما يؤكل به، ولا ينفخ الطعام الحار، ويأكل التمر وترًا، ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق. ويستحب أن يأكل اللقمة الساقطة ما لم تتنجس ويتعذر تطهيرها، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه أو يلعقها. ويكره أن يفعل ما يستفذره غيره، فلا ينفض يده في القصعة، ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه، ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل ولا عكسه. وينبغي التحدث على الطعام بما لا إثم فيه، ويكره أن يذكر عليه شيئًا من المستقذرات، وأن يبصق أو يتمخط في تلك الحالة إلا لضرورة. ولا يكره غسل اليد بالأشنان والنخالة ونحوها؛ ففي (سنن أبي داوود) [317]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر امرأة أن تجعل في الماء ملحًا ثم تغسل به الدم). والأولى أن لا يأكل الإنسان وحده، وأن لا يرتفع عن مؤاكلة الغلام والصبيان والزوجة، وأن لا يتميز على جلسائه بنوع إلا لحاجة كدواء ونحوه، وأن يمد الأكل مع رفقته ما دام يظن لهم حاجة إلى الأكل، وأن يؤثرهم بفاخر الطعام. ويستحب الترحيب بالضيف، وحمدًا لله تعالى على حصوله ضيفًا عنده، وسروره به، وثناؤه عليه، وفي (الصحيحين) [خ 6018 - م 47]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فليكرم ضيفه).

وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ فِي اَلإِمْلاَكِ، وَلاَ يُكْرَهُ فِي اَلأَصَحِّ، وَيَحِلُّ اَلْتِقَاطُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أكل القثاء بالرطب؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم فعله، واستدل به على جواز الجمع بين طعامين. والشراب بثلاثة أنفاس يحصل له فيها عشر حسنات: تسمية الله تعالى في الابتداء ثلاثًا، وحمده سبحانه في الآخر ثلاثًا، وإبانته القدح عن فيه مرتين، وتنفيسه مرتين؛ امتثالاً للأمر. وإذا شرب .. تناوله الأمين فالأيمن، ويكون الساقي آخرهم شربًا. قال: (ويحل نثر سكر وغيره في الإملاك) قال الماوردي: أجمع عليه الأصحاب في العرس والختان. وفي (سنن البيهقي) [7/ 287] عن عائشة: (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا تزوج .. نثر تمرًا). و (النثر) بالثاء المثلثة: مصدر نثر ينثر، ومعناه: الرمي متفرقًا، و (غير السكر) كالجوز واللوز، والزبيب وفي معناه، حكى في (البحر): أن أعرابيًا تزوج فنثر الزبيب ثم أنشأ يقول [من الطويل]: ولما رأيت السكر العام قد غلا ... وأيقنت أني لا محالة ناكح نثرت على عرسي الزبيب لرفقتي ... وقلت: كلوا أكل الحلاوة صالح وألحق المسعودي بذلك نثر الدراهم والدنانير، وسكت عنه الأكثرون قال: (ولا يكره في الأصح)؛ لأنه لم يرد فيه نهي مخصوص، لكنه خلاف الأولى بسبب أنه يورث العداوة والوحشة، وربما أخذه من غيره أحب إلى صاحب التثار. والثاني: يكره للنهي عن أسباب التقاطع، وهذا منصوص (الأم)، وقال: الصميري: يستحب والالتقاط مكروه، وهو مذهب بعيد، ولمي قل أحد بتحريمه. قال: (ويحل التقاطه)؛ لأن مالكه إنما نثره لمن يأخذه.

وَتَرْكُهُ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتركه أولى) المراد: ترك المذكور من النثر والالتقاط، إلا إذا عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولم يقدح الالتقاط في مروءته. قال البيهقي: وليس في إباحتهما حديث صحيح، والذي في (البخاري) [2474]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة). قال: وجميع ما ورد من الرخصة فيه ضعف نحو قول معاذ: أن النبي صلي الله عليه وسلم حضر إملاك رجل من أصحابه، فجيء بأطباق عليها فاكهة وسكر - وفي رواية: عليها وز ولوز وتمر - فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (انتبهوا) فقالوا: يا رسول الله؛ لأنك نيهت عن النهبى! فقال: (إنما نهيتكم عن نهبي العساكر، أما العرسان ... فلا، خذوا على اسم الله) قال: فجاذبنا وجاذبناه. وممن كرهه مالك، وممن لم يكرهه أبو حنيفة وابن المنذر، وعن أحمد روايتان، وقال ابن سيرين: أدركت قومًا صالحين إذا أتوا بالسكر وضعوه وكرهوا النثار. وعلى كل حال: ومن التقطه .. ملكه بالأخذ على الأصح؛ اعتبارًا بالعادة. وقيل: لا؛ لأنه لم يوجد لفظ تمليك، فعلى هذا: للناثر الاسترجاع، قال ابن كج: ما لم يخرج به من المنزل، وعليه الغرم إن أتلفه. ومن وقع في حجره شيء منه، فإن بسطه لذلك .. لم يبطل حقه في الأصح، فيمتنع على غيره أخذه، وإن سقط من حجره قبل أن يقصد أخذه أو قام فسقط .. بطل اختصاصه، ومن لم يأخذه عادة ولا يرغب فيه .. لا اختصاص له به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: لم يتعرض الفقهاء لوقت وليمة العرس، والصواب: أنها بعد الدخول، قال الشيخ: وهي جائزة قبله وبعده، ووقتها موسع من حين العقد كما صرح به البغوي، والظاهر: أنها تنتهي بانتهاء مدة الزفاف للبكر سبعًا وللثيب ثلاثًا، وبعد ذلك تكون قضاء. وقد بوب البيهقي (باب وقت الوليمة)، وأسند فيه عن أنس: (أن النبي صلي الله عليه وسلم بنى بامرأة، ثم أرسله فدعا رجالاً إلى الطعام) وظاهره: أنه بعد الدخول، ورواه البخاري [5170] في تفسير (سورة الأحزاب) عنه، وصرح بأنه أو لم على زينب صبيحة بنائه بها، وفي (الصحيحين) [خ 2235 - م 1365/ 84]: (أنه لما اصطفى صفيه لنفسه وبنى بها .. صنع حيسًا في نطع صغير، ثم دعاهم فأكلوا). ... خاتمة النقوط المعتاد في الأفراح .. قال الشيخ نجم الدين البالسي: إنه كالدين، لدافعه أن يطالب به القابض، قال: ولا أثر للعرف في ذلك؛ فإنه مضطرب، فكم يدفع النقوط ثم يستحي أن يطالب به. ***

كتاب القسم والنشوز

كتاب القسم والنشوز

كِتَابُ اَلْقَسْمِ وَاَلْنُّشُوزِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب القسم والنشوز (القسم) بفتح القاف وسكون السين: مصدر سمت الشيء أقسمه قسمًا، والقسم بالكسر: النصيب، ويفتحها وفتح السين: اليمين. و (النشوز): الارتفاع عن أداء الحق، من النشز وهو المكان المرتفع، نشزت المرأة تنشز نشوزًا، إذا استصعبت على بعلها وأبغضته، ونشز بعلها: إذا أضر بها وجفاها. ولما كان النكاح مشتركًا بين الزوجين .. اقتضى ثبوت حق لكل منهما على الآخر وإن تفاوتًا فيه. وحصر المصنف الترجمة في القسم الذي هو من جهة الزوج والنشوز الذي هو من جهة المرأة، ولم يتعرض لعشرة النساء، وهو مقصود الباب؛ لأن النكاح مناط حقوق الزوج على الزوجة كالطاعة والمعاشرة في السكن، وحقوق الزوجة على الزوج كالمهر والنفقة والمعاشرة بالمعروف، قال تعالى: {ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، ومن المعاشرة بالمعروف القسم، وفائدته العدل والتحرز عن الإيذاء والإيحاش بترجيح البعض. قال الشافعي رضي الله عنه: وجماع المعروف بين الزوجين: الكف عن المكروه، وأن يوفى كل واحد حق صاحبه ببشر وطلاقة وجه من غير قطوب وعبوس، وأن لا يمطل كل واحد منهما فيما عليه، فأيهما مطل .. فمطل الغني ظلم. والأفضل: أن يكون الحرص على أداء الحق أكثر من الحرص على استيفائه؛ لأن

يَخْتَصُّ اَلْقَسْمُ بِزَوْجَاتٍ. وَمَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ .. لَزِمَهُ عِنْدَ مَنْ بَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤدى يقضي فرضًا، والمستوفي مخير في استيفاء حقه. والمشهور: أن القسم كان واجبًا على رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال الاصطخري: كان يقسم لهن تفضلاً. قال: (يختص القسم بزوجات)، لقوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا} أي: في القسم الواجب: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أشعر ذلك بأنه لا يجب القسم في ملك اليمين، ولو كانت له مستولدات أو إماء .. فلا قسم لهن، بل هو من خصائص النكاح، لكن يستحب أن لا يعطلهن، وأن يسوى بينهن، وإن كان معهن نساء فلا قسم بينهن وبين النساء. وحكي القاضي أبو حامد وجهًا: أنه يلزمه القسم بينهن، ويحرم إعراضه عنهن، قال الرافعي: ويمكن أن يأتي مثله في الواحدة. وأورد عل المصنف: الرجعية؛ فإنها زوجة ولا قسم لها، وكذا الموطوءة بشبهة في زمن العدة، والجواب: تعارض المانع والمقتضي. قال: (ومن باتت عند بعض نسوته .. لزمه عند من بقي)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا كانت عند رجل امرأتان فلم يعدل بينهما .. جاء يوم القيامة وشقه ماثل) وفي رواية: (ساقط) رواه الأربعة عن أبي هريرة، وصححه الحاكم [2/ 186] وابن حبان [4207]. فإذا سوى في الظاهر .. لم يؤاخذ بزيادة ميل القلب إلى بعضهن؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقسم لنسائه ويعدل ويقول: (اللهم؛ هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك) رواه الأربعة وصححه الحاكم [2/ 187] من رواية عائشة، ولعلها اختصت بسماعه لعلمها أنه صلى الله عليه وسلم كان يعينها أكثر من غيرها، وكان صلي الله عليه وسلم أشد حياء ومكارم من أن يقول ذلك لغيرها من النساء. ومراد المصنف: أن القسم لا يجب ابتداء، بل الواجب التسوية بينهن، وهذا

وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ أَوْ عَنٍ اَلْوَاحِدَةِ .. لَمْ يَاثَمْ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يُعَطِّلَهُنَّ. وَتَسْتَحِقُّ اَلْقَسْمَ مَرِيضَةٌ وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنٌفَسَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى وجوب القسم؛ فإنه لا يجب ابتداء ويكتفى بداعية الطبع عن إيجاب الشرع، لكن كلام المصنف يقتضي أن القسم إنما يجب إذا بات عند واحدة منهن، وليس كذلك، بل يجب عند إرادة ذلك. ولا يجوز تخصيص واحد بالبداءة بها إلا بقرعة على الأصح، ومتى كانت زوجتان .. كفت قرعة واحدة، وفي لاث يحتاج إلى قرعتين، وفي أربع يحتاج إلى ثلاث، فإذا لم يفعل ذلك .. عصى. قال: (ولو أعرض عنهن أو عن الواحدة .. لم يأثم)؛ لأن السكن والاستمتاع حقه كسكني المستأجر الدار المستأجرة، ولا حرج على الإنسان في أن لا يستوفى حقه، وعن أبي حنيفة: أن عليه أن يبيت عندها في كل أسبوع أربع ليال. قال: (ويستحب أن لا يعطلهن)؛ خوفًا من حدوث مفسدة من ذلك، بل يستحب أن يبيت عندهن ويحصنهن، وأدنى الدرجة أن لا يخلي كل أربع ليال عن ليلة، فأبو حنيفة يوجبه والشافعي يندبه. ويستحب أن يسوي بوجبه والشافعي يندبه. ويستحب أن يسوي بينهن في سائر الاستمتاعات. قال في (الجواهر): والأولى أن يناما في فراش واحد إذا لم يكن لأحدهما عذر في الانفراد، لاسيما إذا عرف حرصها على ذلك. أهـ. وسيأتي في (النفقات) عند قول المصنف: (وكذا فراش للنوم) وعن الخطابي ما يخالف هذا. ويستحب لكل من الزوجين استعمال الطيب عند الغيشان، لكن يكون طيب الرجل خفي اللون. قالك (وتستحق القسم مريضة ورتقاء وحائض ونفساء) وكذلك كل من كان بها عذر شرعي أو طبعي، لأن هذه المعاني إنما تمنع الوطء، والمقصود من القسم الأنس والسكن والتحرز عن التخصيص الموحش. وكذلك يقسم للمولى عنها والمظاهر منها والمحرمة والمجنونة التي لا يخالف

لا ناشزه ـــــــــــــــــــــــــــــ منها، ويجب القسم على الصبي والمريض والمجنون والمحبوس في موضع يصلن إليه فيه، فإن لم يكن ذلك .. سقط القسم عنه، ومن له امرأتان ببلدين .. عليه أن يقسم لهما إما بأن يحضرهما إليه أو يمشي إليهما. قال: (لا ناشزة) بأن خرجت من مسكنه بغير إذنه، أو أراد الدخول عليها فأغلقت الباب ومنعته، أو أدعت عليه الطلاق، أو امتنعت عن التمكين .. فلا قسم لها كما لا نفقة، وإذا عادت إلى الطاعة .. لم تستحق القضاء. وامتناع المجنونة كامتناع العاقلة إلا أنها لا تأثم. وأشار بـ (الناشزة) إلى من في معناها ممن لا تستحق النفقة كالأمة إذا سلمت للزوج ليلاً، والحرة إذا سلمت في بعض الزمان دون بعض أو سافرت بإذنه في حاجتها، والصغيرة، والمعتدة عن وطء الشبهة، إذ لا تجوز الخلوة بها، قال في (الجواهر): كذا جزموا به.

فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِمَسْكِنٍ .. دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيوتِهِنَّ، وَإِنِ اَنْفَرَدَ .. فَاَلأَفْضَلُ الَمْضِئُّ إِلَيْهِنَّ، وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ، وَاَلأَصَحُّ: تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إِلَى بَعْضِ وَدْعَاءِ بَغْضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتي في (العدد) وجه: أنه يجوز الاستمتاع بها من غير وطء، ومقتضى هذا: استحقاقها، لأنهم ألحقوا استحقاق القسم باستحقاق النفقة، وفي وجوب نفقتها على الزوج خلاف، لكن تستثنى صورتان منها: المجنونة التي يخاف منها لا يجب القسم لها، ونفقتها واجبة إذا لم يظهر منها نشوز ولا امتناع. وإذا أراد السفر بجميع نسائه فتختلف واحدة لمرض بها .. فإنه لا قسم لها وتستحق النفقة، قاله الماوردي وغيره. قال: (فإن لم ينفرد بمسكن .. دار عليهن في بيوتهن، وإن انفرد .. فالأفضل المضي إليهن) كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم، وصيانة لهن عن الخروج. قال: (وله دعاؤهن) وعليهن الإجابة، ومن امتنعت منهن .. فهي ناشزة، لمخالفة الأمر، قال في (الحاوي): إلا أن تكون ذات قدر وخفر ولم تعتد البروز .. فإنه لا تلزمها إجابته وعليه أن يقسم لها في بيتها، وفي (النهاية) إشارة إليه. قال: (والأصح: تحريم ذهابه إلى بعض ودعاء بعض)؛ لحصول الوحشة بذلك، قال الرافعي: فلو فعل ذلك بقرعة ليدعو من خرجت القرعة لها إلى منزله .. وجب أن يجوز، واستشكله الشيخ. والثاني: يجوز كما لو أراد أن يسافر ببعضهن، وأجاب الأولون بأن المسافرة إنما تكون بقرعة.

إَلاَّ لِغَرَضٍ كَقْرْبِ مَسْكَنٍ مَنْ مَضَى إِلَيْهَا أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا. وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمْسْكَنٍ وَاحِدة وَيَدْعٌوَهُنَّ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَجْمَعَ بَنْيَ ضَرَّنَيْنِ فِي مَسْكَنٍ إَلاَّ بِرِضَاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا لغرض كقرب مسكن من مضى إليها أو خوف عليها)؛ لأن ذلك قرينة تصرف عنه الميل إليها والأذى عرفًا، ويستثنى أيضًا إذا كانت التي يدعوها عجوزًا، والتي يمضي إليها شابة، وكذا إذا حصل التراضي بذلك. قال: (ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة ويدعوهن إليه)؛ لما في ذلك من التخصيص، وعلى هذا: لا تلزمهن الإجابة، فإن أجبن، فإن أجبن .. قال ابن داوود: فلصاحبة المنزل المنع وإن كان ملكه؛ لأن حق السكنى لها. قال: (وأن يجمع بين ضرتين في سمكن إلا برضاهما). شرع المصنف يتكلم في مكان القسم وزمانه وقدره، فأما مكانه .. فلا يجمع بين ضرتين فأكثر في مسكن إلا برضاهما ولو ليلة؛ لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف، فإن رضينا بذلك .. جاز، لكن يكره أن يطأ إحداهما بحضرة الأخرى، فإنه بعيد عن المروءة، ولو طلب .. لم تلزمها الإجابة، ولا تصير بالامتناع ناشزًا، ثم إذا رجعنا عن الرضا .. كان لهما ذلك، نص عليه، وذلك لأن اجتماعهما في مسكن واحد يولد الوحشة بينهما. وقوله: (إلا برضاهما) عائد إلى المسألة والتي قبلها؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له، وفي الحديث شاهد لأن المريض لا يسقط عنه القسم، وكذلك من كان في معناه ممن له عذر كما تقدم. وقال الماوردي والروياني: يحرم أن يجمع بين زوجة وسرية في مسكن واحد، واحتجا له بأن حفصة أنكرت من رسول الله صلي الله عليه وسلم خلوته بمارية القبطية في ببيتها فاعتذر إليها. وأما الجمع بين الإماء في مسكن .. فجائز بلا خلاف.

وَلَهُ أَنْ يُرَتَّبَ اَلْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةِ وَيَومُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا. وَاَلأَصْلُ اَللَّيْلُ، وَاَلْنَهَارُ تَبَعّ، فَإِنْ عَمِلَ لَيْلاً وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِس .. فَعَكْسُهُ. وَلَيْسَ لِلأَوَّلٍ دُخُولٌ فِي نَوْبَةِ عَلَى أُخْرَىَ لَئِلاً إَلاَّ لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا اَلْمَخُوفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وله أن يرتب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها) أشار بهذا إلى زمان القسم، فله أن يرتبه على الليلة واليوم الذي يليها وهو أولى؛ لأن أول الأشهر الليالي، ويجوز أن يعكس ذلك، والخبر يدل له، ولا يجب الدخول عند صاحبة النوبة من الغروب، بل المرجع فيه إلى العرف الغالب. قال: (والأصل الليل)؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ}، وقال: {وجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا}، وقال: {خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا}، ولأن الليل غالبًا محل الاستمتاع، ولذلك إذا زوج السيد أمته .. لزمه أن يسلمها للزوج ليلاً. قال: (والنهار تبع)؛ فإنه وقت التردد والانتشار في الحوائج. قال: (فإن عمل ليلاً وسكن نهارًا كحارس .. فعكسه) فيكون عماد القسم في حقه النهار؛ لأن نهاره كليل غيره. كل هذا في المقيم، أما المسافر الذي معه الزوجات .. فعماد القسم في حقه وقت النزول ليلاً كان أو نهارًا، قليلاً كان أو كثيرًا؛ لأن الخلوة حينئذ تتأتى، فلو أراد أن يبدل الأصل بالتابع لكونه تارة يعمل نهارًا ويستريح ليلاً وتارة عكسه .. فالأصح: المنع؛ لتفاوت الغرضين. قال: (وليس للأول) وهو الذي عماد القسم في حقه الليل (دخول في نوبة على أخرى ليلاً)؛ لأن في فعل ذلك إبطالاً لحق صاحبه اليوم. أما الثاني - وهو الذي عماد القسم في حقه النهار - فيجوز له أن يدخل ليلاً إلى غير صاحبة النوبة لوضع متاع ونحوه. قال: (إلا لضرورة كمرضها المخوف) ولو كان مظنونًا على الأصح، وكذا إن

وَحِينَئِذٍ إَنْ طَالَ مَكْثُهُ .. قَضَي، وَإِلاَّ .. فَلاَ، وَلَهُ اَلْدُخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت منزولاً بها من باب أولى، وكذلك الحريق وشدة الطلق. قال: (وحينئذ: إن طال مكثه .. قضي) أي: من نوبتها مثله؛ لأن حق الآدمي، لا يسقط بالعذر، وضبط القاضي المكث بثلث الليل، وزيفه الإمام وضبطه بما لو نسب إلى الليلة .. كان جزأها، والأشبه: الرجوع فيه إلى العرف. قال: (وإلا ... فلا)؛ لأنه لا فائدة لصحابه القسم في دخوله الزمان اليسير، هذا إذا لم يجامع، فإن جامع .. فقيل: يقضي ليلة كاملة؛ لأنه أفسد عليها ليلتها فلا تحسب عليها. وقيل: يدخل في نوبة المجامعة فيجامع. والأصح: أنه يقضي قدر زمن الجماع لا نفس الجماع، فعلى هذا: إن فرض الجماع في لحظة يسيرة، فلا قضاء. ولو فارق المظلومة بطلاق أو غيره .. فقد تعذر القضاء وبقيت الظلامة في ذمته، ونقل الرافعي عن المتولي أنه إذا قسم لواحدة فلما جاءت نوبة الأخرى طلقها قبل توفيته حقها .. عصى؛ لأنه منعها حقها، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعيًا، قال المصنف: والنقل ليس مختصًا بالمتولي، بل مشهور حتى في (التنبيه). قال: (وله الدخول نهارًا لوضع متاع ونحوه)؛ لقول عائشة: (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هي يومها فبينت عندها) رواه أبو داوود والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وحكي الغزالي وجهًا: إن النهار كالليل لا يدخل فيه إلا لضرورة، وأفهم كلام المصنف أن الدخول لضرورة أولى بالجواز.

وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَطْولَ مُكْثُهُ - وَاَلْصَحِيحُ: أَنَهُ لاَ يَقْضِي إِذَا دَخَلَ لِحَاجِةٍ، وَأَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنِ اَسْتِمْتَاع، وَأّنَّهُ يَقْضِي إِذَا دَخَلَ بِلاَ سَبَبٍ - وَلاَ تَجِبُ تَشْوِيَهٌ فِي اَلإِقَامَةِ نَهَارًا، وَأَقْلُّ نُوَبِ اَلْقَسْمِ لَيَّلَةِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وينبغي أن لا يطول مكثه)؛ لأنه زائد على قدر الحاجة، وكذلك لا يعتاد الدخول على واحدة في نوبة غيرها، قال ابن الرفعة: ومقتضى هذا أنه لا يأثم بذلك إذا فعله ولا قضاء عليه بسببه، وفي (المهذب): إنه يجب عليه القضاء إذا طال؛ لأنه يزيل الإيواء المقصود، ونص عليه في (الأم). قال: (والصحيح: أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة)؛ لأنه في ذلك مشقة. والثاني: أن النهار كالليل، فيقضي إذا طال. قال: (وأن له ما سوى وطء من استمتاع)؛ لحديث عائشة المتقدم، ويحمل المسيس فيه على الجماع. والثاني: لا يجوز ذلك؛ لأنه يحصل به السكن فأشبه الوطء، ولأنه يدعو إليه، ثم هل يتصف الوطء في النوية بالتحريم؟ قال الإمام: اللائق بالتحقيق القطع بالإباحة، ورف التحريم إلى إيقاع لا إلى ما وقعت المعصية بسببه، والمراد: أن تحريم الوطء ليس لعينه، بل لأمر خارج. قال: (وأنه يقضي إذا دخل بلا سبب)؛ لتعديه، وهذا يقتضي الوجوب وإن قل، لكن سبق في الليل أنه لا يقضي ما تعدى فيه بزمن يسر، فهذا أولى. والوجه الثاني: لا حجر بالنهار، حتى لا يقضي مطلقًا؛ لأن النهار تابع. قال: (ولا تجب تسوية في الإقامة نهارًا)؛ لأنه وقت التردد والانتشار، فقد يقل في يوم ويكثر في آخر، والضبط فيه عسر، بخلاف الليل، هذا فيمن عماد القسم في حقه الليل، وغير يعكسه. قال: (واقل نوب القسم ليلة) أشار بهذا إلى مقدار القسم، وأقله ليلة، وليست في (المحور)، فلا يجوز تبعيضها على الأصح، لأنه ينغص العيش ويبطل

وَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ ثَلاَثًا، وَلاَ زِيَادَةَ عَلَى اَلْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستئناس، ولأن أجزاء الليل يعسر ضبطها. والثاني - حكاه ابن كج - أنه يجوز أن يقسم لكل واحد بعضًا؛ لأن العدل حاصل بذلك. وحكي الإمام وجهًا ثالثًا: أنه يجوز أن يقسم لكل واحدة ليلة ونصفًا، ولا يجوز لكل واحدة بعض ليلة؛ لحصول الأنس إذا انضم البعض إلى الليلة الكاملة، بخلاف ما إذا كان وحده. والظاهر: أن الخلاف عند فقد التراضي، فإن رضوا .. جاز قطعًا، وعليه يحمل طوافه صلي الله عليه وسلم على نسائه في ليلة واحدة، وإلا .. فهو مشكل على ما رجحوه، إلا إذا قلنا: إن القسم لم يكن عليه صلي الله عليه وسلم واجبًا، وقد يكون القسم أقل من ليلة، وذلك في المسافر؛ إن المعتبر فيه أوقات النزول كما تقدم. قال: (وهو أفضل)؛ اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم، وليقترب عهده بهن كلهن، ولذلك قال ابن المنذر: لا يجوز سواه. قال: (ويجوز ثلاثًا) نص عليه؛ لأنها مدة قريبة، وإذا جاز في الثلاث .. ففيما دونهما أولى، سواء ارتضين بذلك أم لا. وفي وجه عن الشيخ أبي إسحاق: لا تجوز الزيادة على ليلة إلا برضاهن. قال: (ولا زيادة على المذهب) وهو نصه في (الأم)؛ لأن في ذلك إيحاشًا وهجرًا للباقيات، وعن (الإملاء): أنه يقسم مياومة ومشاهره ومسانهة، فحملوه على ما إذا رضين به؛ فإن الحق لهن، ولم يجعلوه قولاً، ومنهم من أثبت في جواز الزيادة قولين أو وجهين. وإذا قلنا بالجواز .. فإلى كم؟ عن صاحب (التقريب): لا تجوز الزيادة على سبعة؛ لأنها مدة مستحقة في زفاف البكر، وعن الشيخ أبي محمد وغيره: ما لم يبلغ أربعة أشهر مدة تربص المولى، وقيل: لا تقدير، بل هو إلى اختياره، حكاه الغزالي، قال الإمام: ولا يجوز على هذا إلى خمس سنين.

وَاَلْصَّحِيحُ: وُجُوبُ قُرْعَةٍ لِلاِبْتِدَاءِ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ. وَلاَ يُفَضِّلُ فِي قَدْرِ نَوْبَةِ، لَكِنْ لِحُرَّةٍ مَثْلاً أَمَهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والصحيح: وجوب قرعة للابتداء)؛ تحرزًا من الترجيح بلا مرجح. قال: (وقيل: يتخير)؛ لأنه يجوز له الإعراض عنهن جميعًا، هذا إذا لم يرضين، فإن رضين من غير قرعة .. جاز قال: (ولا يفضل في قدر نوبة)؛ لأن القسم شرع للعدل وترك الجور، فلا تفضل امرأة على امرأة فيه وإن فضلت بخصال شريفة كإسلام ونسب وعلم ودين، فيسوى بين المسلمة والكتابية والشريفة وغيرها، والصالحة والطالحة، ولا يجوز التفضيل إلا بشيئين إليهما المصنف: أحدهما: الحرية. والثاني: تجدد النكاح. قال: (لكن لحرة مثلاً أمة)؛ لقول سلمان بن يسار: من السنة إذا تزوج الحرة على الأمة .. قسم للحرة ليلتين للأمة ليلة .. رواه الدارقطني عن علي، ولا يعرف له مخالف، وبه قال أبو حنيفة. وعن مالك: أنه يسوي بينهما وعبارة المصنف تقتضي جواز أن يجعل لها ليلتين وللحرة أربعًا، وليس كذلك، بل الشرط ليلة لها وللحرة ليلتان، ولا تجوز الزيادة على ذلك لئلا يزاد القسم على ثلاث أو ينقص عن الليلة وهما ممتنعان، وكأن المصنف استغنى عنه بما تقدم، كل هذا إذا استحقت الأمة النفقة كما تقدم. واجتماع الحرة والأمة في نكاح يتصور في العبد، وفي الحر إذا تزوج الأمة بشرطه ثم أيسر وتزوج حرة، وفي اللقيطة إذا أقرت بالرق بعد تزويجها، وفيمن تحته حرة لا تصلح للاستمتاع وجوزنا للنكاح الأمة. وصرح في (المطلب) بأن المبعضة والمكاتبة والمدبرة كالفئة، ولو لم تعلم الأمة بالعتق حتى مرت عليها أدوار وهم يقسم لها قسم الإماء .. قال الماوردي: يسوى من حين العلم، ولا يقضي لها ما مضى، وقال ابن الرفعة: القياس أن يقضي لها.

وَتَخْتَصُّ بِكْرٌ جَدِيدَةٌ عِنْدَ زِفَافٍ بِسَبْعٍ بِلاَ قَضَاءٍ، وَثَيْبٌ بِثَلاَثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتخص بكر جديدة عند زفاف بسبع بلا قضاء، وثيب بثلاث) هذا هو السبب الثاني من سببي التفضيل، وهو تجدد النكاح، فيقتضي تخصيص الجديدة بزيادة مبيت عند الزفاف لما في (الصحيحين) [خ 5213 - م 1461/ 44] عن أنس قال: (السنة إذا تزوج البكر على الثيب .. أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب على البكر .. أقام عندها ثلاثًا). قال أنس: ولو شئت أن أرفعه إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم .. لرفعته، وهو في (التتمة) مرفوع، وكذا رواه الدارقطني [3/ 283] والبيهقي [7/ 302] وابن حبان [4205]، ولأن المقصود منه أن ترتفع الوحشة وتحصل الألفة والأنس. وخصت البكر بزيادة لأن حياءها أكثر، والثلاث مدة متغفرة في الشرع، والسبع لأنها أيام الدنيا وما زاد عليها يتكرر، وهذا التخصيص واجب على الزوج، وحكي الحناطي في وجوبه قولين، والمذهب الأول؛ حتى قال المتولي: لو خرج في بعض تلك الليالي بعذر أو أخرج .. قصى عند التمكن. وتجب الموالاة بين السبع والثلاث؛ لأن الحشمة لا تزول بالمفرق، فلو فرق .. ففي الاحتساب به وجهان، وظاهر كلام الجمهور: المنع، وسواء كانت ثيوبة الجديدة بنكاح أو زنا أو وطء شبهة، ولو حصلت بمرض أو وثبة .. فعلى الوجهين في استئذانها في النكاح. والأمة في ذلك كالحرة على الصحيح في استحقاق السبع والثلاث؛ لأن مقصوده ارتفاع الحشمة وحصول المباسطة، ولا تختلف بالرق والحرية. والثاني - وبه قال ابن أبي هريرة: أنها تستحق نصف ما تستحقه الحرة كالقسم في دوان النكاح، وعلى هذا: ففي كيفية التشطير وجهان: أحدهما: يكمل المنكسر، فثبت للبكر أربع وللثيب ليلتان.

وَيُسَنُّ تَخْيَيِرُهَا بَيْنَ ثَلاَثٍ بِلاَ قَضَاءٍ، وَسَبْعٍ بِقَضَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشبههما: أن للبكر ثلاث ليال ونصفًا وللثيب ليلة ونصفًا، والاعتبار بحالة الزفاف، فلو نكحها وهي أمة وزفت إليه وهي حرة .. فلها حق الحرائر، وإن عتقت بعد الزفاف .. فلها حق الإماء. قال: (ويسن تخييرها) يعني: الثيب (بين ثلاث بلا قضاء، وسبع بقضاء) كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم فغنه قال لها: (ليس بك هوان على أهلك، إن شئت .. سبعت لك وسبعت لنسائي، وإن شئت .. ثلث لك ودرت) رواه الشافعي [1/ 260] وغيره. فإن اختارت السبع وأجابها .. قضي السبع للباقيات، وإن أقام بغير اختيارها .. لم يقض إلا الأربع الزائدة على المذهب. ولو التمست أربعًا أو خمسًا أو ستًا .. لم يقض إلا ما زاد على الثلاث، ولو التمست البكر عشرًا .. لم تجب إجابتها، فإن أجابها .. لم يقض إلا ما زاد على السبع. ولو في حق جديدة ثم طلقها رجعيًا ثم راجعها .. فليس لها حق الزفاف؛ لأنها باقية على النكاح الأول وقد وفى حقه، وإن أبانها ثم جدد نكاحها .. فقولان أو وجهان: أظهرهما: تحدد الحق. فروع: الأول: نص في (الأم) على أن حق الزفاف لا فرق فيه بين أن تكون له زوجة أخرى أم لا؛ لعموم الأحاديث، وقال في (شرح المسلم): إنه المختار الأقوى، ونقله ابن عبد البر عن جمهور العلماء، وقال البغوي: إنما يثبت إذا كان في نكاحه أخرى، فإن لم تكن أو كانت وكان لا يبيت عندها .. لم يثبت حق زفاف الجديدة،

وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ .. فَنَاشِزَهٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعتمد المفتي به: الأول. الثاني: قال في (المختصر): لا ينبغي أن يتخلف بسبب الزفاف عن الجامعات وعيادة المرضى وتشييع الجنازة وإجابة الدعوات وسائر أعمال البر التي كان يقوم بها، هذا في النهار، وأما في الليل .. فلا يخرج؛ لأن هذه مندوبات والمقام عندها واجب. قال في (البحر): قصد الشافعي بما ذكره الرد على أهل مكة؛ فإنهم لا يخرجون في أسبوع الزفاف البتة لجماعة ولا غيرها ويعيرون من يخرج لها، ويتعبر أهل المرأة به، فخاف الشافعي أن يظن ظان أن ذلك سنة مشروعة فبين أنه ليس كذلك، بل هو عادة، والمستحب أن لا يتخلف عن شيء من الطاعات. والثالث: قال الماوردي: إذا كانت له عادة في تلك الأيام بالتطوع بالصوم .. فالأولى أن يفطر؛ لأنها أيام بعال كما قال عليه الصلاة والسلام في أيام التشريق. الرابع: قال في (الأم): لو كان له أربع نسوة فترك القسم لإحداهن أربعن ليلة .. قسم لها عشرًا، قال الأصحاب: صورته: أن يبيت عند الثلاث عشرًا عشرًا ويعطل العشر الرابعة فلا يبيت عند واحدة فيها، أما إذا وزع الأربعين على الثلاث بالسوية فحصة كل واحدة ثلاث عشرة وثلث .. فيقسم للرابعة مثل ذلك. قال: (ومن سافرت وحدها بغير إذنه .. فناشزة) فلا قسم لها سواء كانت لحاجته أو حاجتها، وهذا لا شك فيه، لكن يستثنى من ذلك ما إذا كان السفر مع الزوج كما ذكره الرافعي في (قسم الصدقات). وإذا كانت أمة فسافرت بها السيد بعد أن بات عند احرة ليلتين .. فإنه لا يسقط حقها

وَبِإِذْنِهِ لِغَرضهِ .. يَقْضِي لَهَا، وَلِغَرضِها .. لاَ فِي اَلْجَدِيدِ. وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ .. حَرْمَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ من القسم، بل على الزوج قضاء ما فات عند التمكن؛ لأنه حصل بغير اختيارها. وإذا خربت البلد ولم تمكنها الإقامة فيه، أو أشرف المنزل على السقوط والزوج غائب وخرجت بسبب ذلك .. فلا تكون ناشزًا كما سيأتي في (العدد). قال: (وبإذنه لغرضه .. يقضي لها)؛ لأن نفقتها واجبة. قال: (ولغرضها .. لا في الجديد)؛ لأنها غير ممكنة، وخارجة عن قبضته مقبلة على شأنها، وفي هذه الحالة الأصح: لا نفقة لها. وفي القديم يقضي لها؛ لأنها سافرت بإذنه فكانت كالمسافرة معه أو في حاجته، وفي (المحرر) أطلق أنها إذا سافرت بإذنه .. سقطت نفقتها في الجديد، واستدرك عليه في (الدقائق) بأن محله إذا سافرت لغرضها، فإن كان لغرضه .. لم تسقط قطعًا كما في (المنهاج). أهـ وقد صرح في (المحرر) في (كتاب النفقات) بالتفصيل. قال: (ومن سافر لنقلة .. حرم أن يستصحب بعضهن) بقرعة أو بغيرها، كما لا يجوز أن يفعل ذلك في الحضر، فإن فعل .. قضى في الأصح، وقيل: لا إن أقرع. ولو نقل بعضهن بنفسه وبعضهن بوكيله .. قضى في الأصح إن أقرع، وإلا وجب قطعًا، والمراد بالوكيل هنا: المحرم، فإن كان أجنبيًا .. امتنع عليها السفر

وَفِي سَائِرِ اَلأَسْفَارِ اَلْطَّوِيلَةِ - وَكَذَا اَلْقَصِيرَةُ فِي اَلأَصَحِّ - يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ، وَلاَ يَقْضِي مُدَّةَ سَفَرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معه، وفي الاكتفاء في هذا السفر بالنسوة الثقات نظر، والظاهر جوازه معهن؛ لأنه سفر واجب. قال: (وفي سائر الأسفار الطويلة - وكذا القصيرة في الأصح - يستصحب بعضهن بقرعة) أما الطويلة .. فلأن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرًا .. أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها .. خرج بها معه، رواه الشيخان [خ 2594 - م 2770] وغيرهما، وأما القصيرة .. فلعموم الخبر وغلبة الحاجة إلى استصحاب بعضهن فيه .. والثاني - واختاره البغوي -: أنه ليس له أن يستصحب بعضهن معه بقرعة في السفر القصير؛ لأنه في حكم الإقامة، وليس للقيم أن يخصص بعضهن بالقرعة، فإذا سافر بواحدة بغير قرعة .. عصى وقضى للباقيات. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يقضي. وظاهر إطلاق المصنف: أنه لا يشترط أن يكون السفر مباحًا، لكن نقل الشيخان عن الغزالي اشتراط كونه مرخصًا وتوقفًا فيه، ولا وجه للتوقف؛ فقد صرح به القفال في (محاسن الشريعة)، وصرح الرافعي بجريان الخلاف في سفر التفرج، وأسقطه من (الروضة). ويستثنى من إطلاقه ما إذا زنى وغربه الإمام .. فإنه يمنع من استصحاب زوجة معه كما نقله الرافع هناك عن البغوي. قال: (ولا يقضي مدة سفره)؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قضاه، والمعنى فيه: أن المستصحبة وإن فازت بصحبته فقد لحقها من تعب السفر ومشتقه، ما يقابل ذلك، والمقيمة وإن فاتها الاستمتاع به فقد ترفهت بالإقامة، فتقابل الأمران فاستويا. ومراد المصنف بـ (السفر): الذهاب، أما الإياب .. فسيذكره.

فَإِنْ وَصَلَ اَلْمَقْصِدَ وَصَارَ مُقِيمًا .. قَضَى مُدَّةَ اَلإِقَامِةِ، لاَ اَلْرُّجُوعِ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن وصل المقصد وصار مقيمًا .. قضى مدى الإقامة) المراد بصيرورته مقيمًا: أن ينوي الإقامة المؤثرة فيه إما عند وصوله أو في أول سفره، سواء أقام بالفعل أم لا، وإلا .. لم يصر مقيمًا بمجرد وصوله في الأصح. وكذا الحكم لو نوى الإقامة المؤثرة قبل وصوله المقصد، فلو أقام في مقصد أو غيره بغيرنية .. فقال الإمام: إن أقام يومًا .. لم يقضه. قال الرافعي: والأقرب قول البغوي: إن زاد على مقام المسافرين .. قضى الزائد. ولو أقام لشغل ينتظره .. ففي القضاء خلاف كالترخص، والذي ذكره المصنف محله إذا كان مقيمًا عندها، فإن اعتزلها مدة الإقامة .. لم يقض كما جزم به الماوردي. قال: (لا الرجوع في الأصح) كما لا يقضي مدة الذهاب. والثاني: يقضيها؛ لأن سفره الأول انقطع بالإقامة، والرجوع في معنى سفر جديد بلا قرعة، ومحل الوجهين إذا صار مقيمًا، فإن رجع من فوره .. فلا قطعًا. فروع: هل يلزمهن ركوب البحر إذا كان الغالب السلامة؟ خرجه في (المطلب) على وجوب ركوبه للحج إذا تعين طريقًا، إلا أن يقال: حق الله مبني على المساهلة، بخلاف حق الآدمي. ولو سافر باثنتين بالقرعة .. عدل بينهما، فإن ظلم إحداهما .. قضى لها في

وَمَنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا .. لَمْ يَلْزَمِ اَلْزَّوْجَ اَلْرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ .. بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا، وَقِيلَ: يُوَالِيهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ السفر، فإن لم يتفق .. قضى في الحضر من نوبة التي ظلم بها. ولو كانت إحدى المستصحبتين جديدة .. لم يقضن حق زفافهما، ولو نكح في الطريق جديدة .. قضى حق زفافها، ثم يسوي بينهما وبين المستصحبات. ولو كان في نكاحة ثلاث، فبات عند ثنتين عشرين ثم فارق إحداهما .. يبيت عند المظلومة عشرًا، وقال المتولي: خمسًا، لأنه إنما يقضي العشر من حقهما، وقد بطل حق إحداهما. ولو كان تحته زوجتان ظلم ثم نكح ثالثة .. قضى للمظلومة من نوبة المظلوم بسببها. قال: (ومن وهبت حقها .. لم يلزم الزوج الرضا)، لأن الاستمتاع بها حقه، وهي لا تملك إسقاط حقه. قال: (فإن رضي ووهبت لميعنة .. بات عندها ليلتهما)؛ لأن سودة وهبت يومها لعائشة، فكان صلي الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، متفق عليه [خ 5212 - م 1463]. وعلم من تعليقه الحكم برضى الزوج: أنه لا عبرة برضا الموهوب لها ولا عدمه، بل يكتفي قبول الزوج، وليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له إلا هذه. وأشار بقوله: (ليلتيهما) إلى أن يقسم كلاً في وقتها كما كان. قا: (وقيل: يواليهما)؛ لأنه أسهل، والمقدار لا يختلف، قال ابن الرفعة: إنما يتجه ما قاله الأصحاب في هذه المسألة إذا كانت ليلة الواهبة متأخرة، فإن كانت

أَوْلَهُنَّ .. سَوَّى، أَوْلَهُ .. فَلَهُ اَلْتَخْصِيصُ، وَقِيلَ: يُسَوِّي. ـــــــــــــــــــــــــــــ متقدمة وأراد تأخيرها .. اتجه الجواز قطعًا، وإليه ترشيد علة الثاني بأن فيه تأخير حق من تليها. قال: (أولهن .. سوى) بالاتفاق، وتصير الواهبة كالعدم، وكذلك إذا أسقطت حقها مطلقًا. قال: (أو له .. فله التخصيص)؛ لأن الحق له فيضعه حيث يشاء، وعلى هذا: ينظر، هل الليلتان متصلتان أو لا كما سبق؟ قال الإمام: وله على هذا أن يسوي بينهن كما لو أطلقت الهبة. قال: (وقيل: يسوي) فيجعل الواهبة كالمعدومة؛ لأن في التخصيص وحشة، قال في (الشرح الصغير): وهذا هو الأشبه. تتمة: لا يجوز أن تأخذ بحقها عوضًا لا من الزوج ولا من الضرة، فإن أخذت .. لزمها رده، وتستحق القضاء على الصحيح؛ لأنها لم يسلم لها العوض. وحكى أن كج وجهًا: أنها لا تستحق القضاء. وإنما لم يجز أخذ العوض على هذا الحق؛ لأنه ليس بعين ولا منفعة، وهو حق لازم بالنكاح، ويتجدد بتجدد الزمان، فلا يتخيل وجه أبي إسحاق فيه القائل بجواز بيه حق التحجر وما في معناه من حد القذف وحق الشفعة والرد بالعيب، لأن تلك الحوق تسقط بالإسقاط، وهذا لا يسقط بالإسقاط. قال الشيخ: وقد عمت البلوى في هذا الزمان بالنزول عن الوظائف، ولا شك أنها لا تشبه حق القسم؛ لما قلناه. والذي استقر عليه رأيه: أن بذل العوض فيه جائز وأخذه حلال؛ لإسقاط الحق لا لتعلق حق المنزل له بها، بل يبقى الأمر في ذلك إلى نظار الوظيفة يفعل فيها ما تقتضيه المصلحة شرعًا، فلو شرط النازل حصولها للمنزول له .. لم يجز، ولو اتفق الثلاثة ورضي الناظر بالمنزول له أو الأجنبي ببذل العوض من غير شرط .. جاز،

فصل: ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِها .. وَعَظَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستنبط ذلك من هذه المسألة ومن خل الأجنبي، وستأتي الإشارة إليها هناك. وأما النزول على جهة التبايع وأن يكون المنزل له يترتب له حق في مقابلة العوض .. فباطل؛ لما فيه من الغرر في بذل المال في مقابلة شيء غير موثوق به. قال: (فصل: ظهرت أمارات نشوزها .. وعظها) الوحشة والشقاق بين الزوجين قد يظهر سببه، وذلك إما أن تنشز المرأة وتتعدى، أو بان يتعدى الرجل، وقد لا يظهر، ويشكل الحال في أن المعتدي أيهما أو كلاهما؟ فهذه ثلاثة أحوال: الأول: أن تتعدى هي، قال الله تعالى: {واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ} فجعل الله تعالى معاقبتها في النشوز بثلاثة أشياء: وعظها وهجرها وضر بها، وهي مرتبة على أحوالها الثلاثة التي ذكرها المصنف: إن خاف .. عظها، وإن أبدت نشوزًا .. هجرها، وإن أقامت عليه .. ضربها، ويكون هذا مضمرًا كالمضر في آية الحرابة. وقيل: للزوج أن يجمع بين الثلاثة، وأن يفرق بينها على حسب اجتهاده كما يجتهد الحاكم في التعزيزات، سواء تحقق النشوز أو خافه. وقيل: إن تحقق النشوز .. فالحكم كذلك، وإن خافه .. اقتصر على الوعظ. وقيل: على الترتيب، يعظها أولاً، فإن لم تتعظ .. هجرها، فإن لم تنزجر .. ضربها. وفي قوله تعالى: {تَخَافُونَ} تأويلان: أحدهما: تظنون الظن الغالب، وهو أن يستدل على نشوزها بما تبديه من سوء فعلها وأذاها لبعلها. والثاني: العلم يعبر عنه بالخوف كما قال أبو محجن رضي الله عنه [من الطويل]: ولا تدفنني في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

بِلاَ هَجْرٍ. فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ وَلَمَ يَتَكَرَّرْ .. وَعَظَ وَهَجَرَ فِي اَلْمَضْجِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وظهور الأمارات إما بالقول بأن كان يعتاد منها الكلام الحسن أو التلبية إذا دعاها فتغير ذلك بضده، وإما بالفعل كالعبوسة والإعراض بعد أن كانت بخلاف ذلك. و (النشوز): معصية الزوج، والامتناع من طاعته امتناعًا خارجًا عن حد الدلال، وتعصي عليه بحيث يحتاج في ردها إلى الطاعة إلى تعب. و (الوعظ): التذكير بعواقب الأمور، وهو أن يقول لها: اتقي الله في الحق الواجب عليك؛ واحذري العقوبة، ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم. وليس من النشوز الشتم وبذاءة اللسان، لكن تستحق به التأديب من الزوج لا الحاكم في الأصح؛ لتأكد الوحشة بالرفع إليه. قال: (بلا هجر) وكذلك لا يضربها في هذه الحالة؛ لجواز أن لا يكون نشوزًا، ولعلها تبدي عذرًا أو تنوب، وحسن أن يبرها أو يستميل قلبها بشيء؛ ففي (الصحيحين) [خ 5184 - م 1468/ 60] (المرأة ضلع عوجاء، إن أقمتها .. كسرتها، وإن تركتها .. استمعت بها على عوج فيها). و (الهجر): ضد الوصل، والتهاجر: التقاطع، وما أحسن ما أنشده الحافظ الذهبي في (مشتبه النسبة) عن بعض مشايخه [من الطويل]: ألا قد هجرنا الهجر واتصل الوصل .. وبانت ليالي البين واشتمل الشمل فسعدى نديمي والمدامة ريقها .. ووجنتها روضي وتقبيلها النقل قال: (فإن تحقق نشوز ولم يتكرر .. وعظ وهجر في المضجع) فله أثر ظاهر في تأديب النساء، وإنما لم يضرب في هذه الحالة؛ لأن الجناية لم تتأكد؛ فقد يكون ما اتفق لها لعارض قريب الزوال، وحسن أن يذكر لها ما في (الصحيحين) [خ 3237 - م 1436/ 120]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا باتت المرأة هاجرة فراش

وَلاَ يَضْرِبُ فِي اَلأَظْهَرِ. قُلْتُ: اَلأَظْهَرُ: يَضْرِبُ، وَالله أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ زوجها .. لعنتها الملائكة حتى تصبح). وفي (الترمذي) [1161] عن أم سلمة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قالك (أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها .. دخلت الجنة). واحترز بـ (الهجران في المضجع) عن الهجران في الكلام، فذلك حرام فيما زاد على ثلاثة أيام؛ للحديث الصحيح: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام). وفي (سنن أبي داوود) [4878]: (فمن هجره فوق ثلاث فمات .. دخل النار). وفيه [4879] عن أبي خراش السلمي - وليس له سواه -: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من هجر أخاه سنة .. فهو كسفك دمه). قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر شرعي بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور ... لم يحرم، وسيأتي في كتاب الأيمان) ما وقع في ذلك لليف وللعلماء في تفسير الهجر في المضجع أقوال: أشهرها: أن لا يضاجعها في الفراش. والثاني: ترك الوطء. والثالث: ترك الكلام. والرابع: أن يقول لها هجرًا، أي: إغلاظًا في القول. والخامس: أن يربطا بالهجار، وهو حبل يربط به البعير الشارد. قال: (ولا يضرب في الأظهر)؛ لأن الجناية لم تتأكد. قال: (قلت: الأظهر: يضرب والله أعلم)؛ لقوله تعالى: {واضْرِبُوهُنَّ}، وصححه أيضًا في (الروضة) و (التصحيح).

فَإِنْ تَكَرَّرَ .. ضَرَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن تكرر .. ضرب) بلا خلاف، قال الرافعي: وهو ضرب تأديب وتعزيز، وقدره مبين في بابه، وينبغي أن لا يكون مبرحًا ولا مدميًا، وأن لا يقع على الوجه والمهالك، وإذا أفضى إلى تلفز. وجب الغرم؛ لأنه يتبين أنه إتلاف لا إصلاح. وقال في (البحر): يضربها بمنديل ملفوف أو بيده، لا بسوط ولا عصا، وإباحة الضرب في هذه الحالة ولاية من الشرع للزوج لأخذ حقه. قال الشيخ عز الدين: وليس لنا موضع يضرب المستحق من منع حقه غير هذا والعبد إذا منع حق سيده؛ لأن الحاجة ماسة إلى ذلك فيهما لتعذر إثبات ذلك بسبب عدم الاطلاع عليه. وإنما يجوز ضربها إذا علم أنه يصلحها أو ظنه، فإن علم عدم إفادته .. لم يجزكما سيأتي في (التعزيز). وله ضربها إذا منعته ما عدا الجماع من الاستمتاعات كالمعانقة والمضاجعة؛ إذ الأصح: سقوط نفقتها بذلك، وإذا وجد الضرب من الزوج فادعت عدم التعدي والنشوز وادعى أنه بسبب نشوزها .. فمن المجاب؟ قال في (المطلب): يحتمل أن يقال: القول قولها فيه؛ لأن الأصل عدم عصيانها، لكن يعارضه: أن الأصل عدم ظلم الزوج فيكون القول قوله، قال: وهذا الذي يقوى في ظني، لأن الشرع جعله وليًا في ذلك، والولي يرجع إليه في مثل ذلك. فرع: ضرب زوجته بسوط عشر ضربات فصاعدًا على التوالي فماتت .. نظر، إن قصد في الابتداء العدد المهلك .. وجب القصاص، وإن قصد تأديبها بسوطين أن ثلاثة ثم بدا له المجاوزة .. لم يجد×؛ لأنه اختلط العمد بشبهه، حكاه الرافعي في (الفروع المنثورة) قبيل (الديات) عن البغوي وأقره.

فَلَوْ مَنَعَهَا حَقَّهَا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ .. أَلْزَمَهُ اَلْقَاضِيِ تَوْفِيَتَهُ، فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقّهُ وَأَذَاهَا بِلاَ سَبَبٍ .. نَهَاهُ، فَإِنْ عَادَ .. عَزَّرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: الأولى للزوج ترك الضرب؛ لما روى الشافعي [1/ 261] وأبو داووك [2139] والنسائي [سك 9122] وابن ماجه [1985] من حديث إياس بن عبد الله: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لا تربوا إماء الله) فجاءه عمر فقالك يا رسول الله؛ ذئر النساء على أزواجهن، فأذن النبي صلي الله عليه وسلم في ضربهن، فطاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن، فقال النبي صلي الله ليه وسلم: (لقد طاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم). قال ابن الصباغ: هذا محمول على ضرب غير الناشز، وأطلقه لما ظهر منهن النشوز، ويحتمل ان يكون نهى عن ذلك استحبابًا. وقوله: (ذئر) معناه: تجرأن ونشزن. قيل: سمع أبو حنيفة صوت امرأة يضربها زوجها وهي تصيح، فقال: صدقة مقبولة وحسنة مكتوبة، فقال له رجل من أصحابه: كيف ذلك؟ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (أدب الجاهل صدقة عليه) وأنا أعرفها جاهلة. قال: (فلو منعها حقها كقسم ونفقة .. ألزمه القاضي توفيته). لما أنهى الكلام في الحال الأول - وهو عدوان المرأة - عقبة بالحال الثاني - وهو عدوان الزوج - فإن منعها حقها .. ألزمه القاضي توفيته كسائر الممتنعين من أداء الحقوق. قال: (فإن أساء خلقه وآذاها بلا سبب .. نهاه)؛ لأن إساءة اخلق بين الزوجين كثيرة أو غالبة، ولو عزر عليها أولاً .. أدى ذلك إلى وحشة شديدة، فاقتصر في ابتدائها على النهي عسى أن يلتئم الحال بينهما. قال: (فإن عاد ... عزره)؛ لإساءته: وإنما يعزره إذا طلبته الزوجة؛ لأنه حقها، ولم يتعرض الأكثرون للحيلولة بينهما إلا الغزالي؛ فإنه قال: يحال بينهما إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يعود إلى الطاعة، وتبعه (الحاوي الصغير)، وأما الروياني فصرح بالمنع منها .. فإن كان لا يمنعها شيئًا من حقوقها، ولكنه يكره صحبتها لكبر أو مرض ونحوه، ولا يدعوها لفراشه، أو يهم بطلاقها .. فلا شيء عليه، وحسن أن تسترضيه ببعض حقها من القسم أو النفقة كما فعلت سودة، ونزل في ذلك قوله تعالى: {وإنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا} الآية. ووقع في (النهاية): أنه عليه الصلاة والسلام طلقها فقالت: راجعني وقد وهبت نوبتي لعائشة. فائدة: (الخلق) بضم اللام وإسكانها: الدين والطبع والسجية، وحقيقته: أنه صورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق للصورة الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصافها ومعاينها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة. روى ركانة بن عبد يزيد: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لكل دين خلق، وخلق هذا الدين الحياء). وروي الترمذي [1162] عن أبي هريرة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم). وما أحسن قول شيخنا الشيخ برهان الدين القيراطي رحمه الله [من البسيط]: بمكارم الأخلاق كن متخلقًا .. ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي وانفع صديقك إن صدقت صداقة .. وادفع عدوك (بالتي) (فإذا الذي)

وَإِنْ قَالَ كُلَّ: إِنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدِّ .. تَعرَّفَ اَلْقَاضِي اَلْحَالَ بِثِقَةٍ يَخْبُرُهُمَا وَمَنَعَ اَلَظَّالِمِ، فَإِذَا اَشْتَدَّ اَلْشَّقَاقُ .. بَعَثَ حَكَمًا مَنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن قال كل: إن صاحبه متعد .. تعرف القاضي الحال بثقة يخبرهما ومنع الظالم) عن الظلم، أشار إلى الحال الثالث، وهو أن ينسب كل واحد منهما الآخر إلى التعدي وسوء الخلق وقبح السيرة، والقاضي لا يعرف ذلك، فيتعرف حالهما من ثقة في جوارهما خبير بشأنهما. فإن لم يكن .. أسكنهما بجنب ثقة يفحص عن حالهما وينهيه إليه، فإذا تبين له الظالم منهما .. منعه من ذلك. قال الرافعي: كذا أطلقوه، وظاهر كلامهم الاكتفاء فيه بقول واحد كالرواية دون الثبوت بالشهادة، فإن لم يمتنع .. أحال بينهما حتى يرجعا عن عداوتهما. قال: (فإن اشتد الشقاق .. بعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها)؛ لقوله تعالى: {وإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} الآية. وروي الترمذي والنسائي: أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فكان إذا دخل عليها .. تقول: أين عتبة بن ربيعة بن شيبة بن ربيعة بن الوليد بن عتبة! أين الذين كانت أعناقهم كأباريق الفضة، ترد الماء أنوفهم قبل شفاههم، فألحت عليه في ذلك، فدخل يومًا وهي تقول ذلك، فقال: على يسارك إذا دخلت النار، فشدت عليها ثيابها وأتت عثمان بن عفان فذكرت له ذلك، فأرسل ابن عباس ومعاوية، فرأى ابن عباس التفريق بينهما، وقال معاوية: ما كنت لأفرق بينهما، فأتياهما فواجدهما قد اصطلحا. والأصح: أن هذا البعث واجب، والمنصوص: أنه يستحب، وكذلك كونه

وَهْمَا وَكِيلاَنِ لَهْمَا، وَفِي قَوْلٍ: مُوَلَّيَانِ مِنَ اَلْحَاكِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أهله وأهلها مستحب، والمأمور بإنفاذ الحكمين في الآية الكريمة ولاة الأمور: السلطان والقاضي وغيرهما ممن له الولاية الشرعية إذا ترافع إليه الزوجان. و (الشقاق) مأخوذ من الشق، وهو الناحية، كأن كل واحد منهما في ناحية عن الآخر، ولا يحتاج في بعثها إلى رضا الزوجين، فإن لم يكن لهما أهل .. فمن الجيران الأقرب، فإن كان الحاكم قريب أحدهما .. فله أن يذهب بنفسه. قال: (وهما وكيلان لهما)؛ لأن البضع حق الزوج والمال حقها، وهما رشيدان فلا يولى عليهما، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، وأختاره المزني. قال: (وفي قول: موليان من الحاكم) وبه قال مالك، واختاره ابن المنذر والقاضي أبو الطيب وصاحبا (المهذب) و (البيان) وابن أبي عصرون وغيرهم؛ لأن الله تعالى سماهما حكمين. وصح عن علي رضي الله عنه: أنه جاء رجل وامرأة ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فأمرهم علي رضي الله عنه فبعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أتجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما على فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة .. فلا، فقال علي: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به. واحتج بهذا الأثر للقول الأول؛ لأنه اعتبر رضاهما وإقرارهما، وللقول الثاني؛ لأنه جعل الجمع والتفريق إلى الحكمين، رواه النسائي [سك 4661] والدارقطني [3/ 295] والبيهقي [7/ 305].

فَعَلَى اَلأَوَّلِ: يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا. فَيُوَكِّلُ حَكَمَهُ بِطَلاَقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ، وَتُوَكِّلُ حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ وَقَبْولِ طَلاَقٍ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فعلى الأول: يشترط رضاهما. فيوكل حكمه بطلاق وقبول عوض خلع، وتوكل حكمها ببذل عوض وقبول طلاق به)؛ لأن هذا قضية كونهما وكيلين، فإن لم يرضيا ولم يتفقا على شيء .. أدبهما القاضي، واستوفى للمظلوم حقه، وعلى القول الثاني: لا يشترط رضا الزوجين في بعث الحكمين. وإذا رأى حكم الزوج أن يطلق .. طلق مستقلاً بذلك؛ لأنها ولاية شرعية، أو نيابة شرعية أقامه الشارع فيها مقام الزوج، ولا يزيد على طلقة واحدة، فإن داما على الشقاق .. زاد إلى أن يستوفى الطلاق الثلاث، وإن رأى الخلع وساعده حكم المرأة .. تخالعا وإن لم يرض الزوجان. ولو رأى الحكمان أن تترك المرأة بعض حقها من قسم ونفقة، أو أن لا يتسرى، أو أن لا ينكح عليها غيرها .. لم يلزم ذلك بلا خلاف، وإن كان لأحدهما على الآخر مال متعلق بالنكاح أو غير متعلق .. لم يجز للحكمين استيفاؤه من غير رضا صاحبه بلا خلاف. تتمة: يشترط في المبعوثين التكليف قطعًا، وتشترط العدالة والحرية والإسلام على المذهب، ويشترط الاهتداء إلى ما هو المقصود من بعثهما، وتشترط الذكورة إن قلنا: حكمان، ولا يشترط فيهما الاجتهاد وإن قلنا: حكمان. ولا يجوز الاقتصار على حكم واحد على الأصح، وبه قطع ابن كد والمتولي، ولو اختلف رأي الحكمين .. بعث آخرين حتى يجتمعا على شيء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة وكل رجلاً فقال: إذا أخذت مالي منها فطلقها أو خالعها أو خذ مالي ثم طلقها .. لم يجز تقديم الطلاق على أخذ المال، قال أبو الفرج الزاز: وكذا لو قال: خالعها على أن تأخذ مالي منها. ولو قال: خذ مالي وطلقها. فهل يشترط تقديم أخذ المال؟ وجهان: أصحهما عند البغوي: نعم، ولو قال: طلقها ثم خذ .. جاز تقديم أخذ المال؛ لأنها زيادة خير. والله سبحانه وتعالى أعلم * * *

كتاب الخلع

كتاب الخلع

كِتَابُ اَلْخُلْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الخلع اشتقاقه من الخلع وهو: نزع الثوب؛ لأن كل واحد من الزوجين لباس الآخر، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ولذلك سمي الخلع افتداء. وروي البخاري [5273] وغيره: أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج يومًا إلى صلاة الصبح فرأى حبيبة بنت سهل الأنصارية فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس - ومعناه. لا أنا أوافقه ولا هو يوافقني - فلما دخل ثابت المسجد .. قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: (هذه حبيبة تذكر ما شاء الله أن تذكر) فقالت حبيبة: كل ما أعطانيه عندي، فقال صلي الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: (خذ الحديقة وطلقها تطليقة). فإن قيل: ليس في الحديث رضا ثابت بالطلاق ولا جريان لفظ الخلع .. فالجواب: أن المجلس كان متعددًا، فذكر النبي صلي الله عليه وسلم ذلك في مجلس على سبيل الإشارة، ثم في مجلس أمره، وبذلك يجمع بين الروايات؛ لأن القصة واحدة، قال أبو داوود: وهو أول خلع في الإسلام. ولا فرق في جوازه بين أن يجري على الصداق أو بعضه، أو على مال آخر أقل منه أو أكثر. وعن أحمد: لا يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطى لها. ويصح الخلع في حالتي الشقاق والوفاق، وخصه ابن المنذر وبعض العلماء بحالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشقاق، ففي (سنن النسائي) [6/ 186]: أن ثابتًا كان قد ضرب زوجته فكسر يدها. ولو زنت المرأة فمنعها الزوج بعض مالها فافتدت بمال .. صح الخلع وحل له الأخذ، وحمل عليه قوله تعالى: {ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} الآية. وفي قول: لا يجوز ولا يستحق فيه العوض، والأصح: أن الخلع مكروه؛ لما فيه من قطع النكاح الذي طلب الشرع دوامه، ولما روى النسائي [6/ 168] وغيره عن أبي هريرة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (المختلعات هي المنافقات) إلا في حالتين: إحداهما: أن يخافا - أو أحداهما - أن لا يقيما حدود الله التي افترضها في النكاح. فإن قيل: الآية تدل بمفهومها على المنع عند عدم الخوف .. فالجواب: أن ذكر الخوف فيها خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب وقوعه في حالة الشقاق. الحالة الثانية: أن يحلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء لابد له منه فيخالع ثم يفعل المحلوف عليه؛ لأنه وسيلة إلى التخلص من وقوع الثلاث. قال الشيخ: دخلت يومًا على انب الرفعة فقال: جاءتني فتيًا في رجل حلف لابد أن يفعل كذا في هذا الشهر، ثم خالع قبل فراغه .. فكتبت عليها: أنه يتخلص، ثم تبين لي أن خطأ، ودخل البكري فوافق على التخلص، فبينت له أنه خطأ، ودخل القمولي فوافق على التخلص فبينت له أن خطأ. قال: وأخذت أنا أبحث معه في ذلك وأجنح إلى التخلص وهو لا يلوي إلا على كونه خطأ، وأن الصواب: أنه ينتظر، فإن لم يفعل حتى انقضى الشهر .. تبين وقوع الطلاق المحلوف به قبل الخلع وبطلان الخلع، ثم سألت الباجي عن ذلك ولم أذكر له ما قاله ابن الرافعة فقال: لا يخلصه الخلع؛ لأنه تمكن من فعل المحلوف عليه ولم يفعل.

هُوَ فُرْقَةَ بِعِوَضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم رأيت في (الرافعي) في آخر (الطلاق): أنه لو قال: إن لم تخرجي الليلة من هذه الدار فأنت طالق فخالع ما أجنبي من الليل وجدد النكاح ولم تخرج .. لم يقع الطلاق؛ لأن الليل كله محل اليمين، ولم يمض الليل وهي زوجة له حتى يقع الطلاق، وأنه لو كان بين يديه تفاحتان فقال لزوجته: إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم .. فأنت طالق، ولأمته إن لم تأكلي هذه الأخرى اليوم .. فانت حرة، فاشتبهت تفاحة الطلاق وتفاحة العتق .. فذكر طريقين عن بعض الأصحاب في الخلاص ثم قال: فلو خالع زوجته ذلك اليوم وباع الأمة ثم جدد النكاح واشترى الأمة خلص. وظاهر هذين الفرعين مخالف لما قاله ابن الرفعة والباجي. قال: (وهو فرقة بعوض) كذا فسره ابن عباس واشتهر على ألسنة حملة الشرع. و (الفرقة): ضد الاجتماع، و (العوض): واحد الأعواض. وفرقة النكاح بين الزوجين: قد تكون بطلاق، وقد تكن بفسخ، وعلى كلا التقديرين: إما أن تك ن بعوض وإما أن تكون بغيره، فالطلاق بغير عوض معروف ولا يسمى خلعًا، والفسخ بغير عوض عروف أيضًا ولم يسموه خلعًا، والطلاق العوض هو الذي يسمى بذلك. ومراد المصنف بذلك: العوض الواجب سواء ذكر أم لم يذكر؛ ليتناول ما لو اختلعا من غير ذكر مال .. فإنها تبين بمهر المثل على الأصح. وكان ينبغي أن يقولك مقصود؛ ليخرج الدم ونحوه، وزاد ابن الرفعة: يرجع إلى الزوج؛ لأن الرافعي نقل في آخر (تعليق الطلاق) عن القفال: أنه لو علق الطلاق على البراءة مما لها عليه. وكان الطلاق بائنًا، وإن علق الطلاق على البراءة مما لها

بلَفْظِ طَلاَقٍ أَوْ خُلْعٍ. شَرْطُةُ: زَوْجٌ يَصِحُّ طَلاَقُهُ، فَلَوْ خَالَعَ عَبْدٌ أَوْ مَحْجُور عَليْهِ بِسَفَهِ .. صَحَّ وَوَجَبَ دَفْعُ اَلْعِوَضِ إِلَى مَوْلاَهُ وَوَلِيِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على غيره .. كان رجعيًا، ولهذا عبر في (المحرر) بقوله: الفرقة بين الزوجين على عوض يأخذه الزوج، وفي (الشرح) بنحوه. قال: (بلفظ طلاق أو خلع) قدم لفظ الطلاق؛ لأنه ثبت بنص الحديث المتقدم، وورد فيه أيضًا لفظ الفرقة مع ذكر العوض، وكل طلاق فرقة ولا ينعكس. لكن حصر المصنف ممنوع؛ لأنه سيأتي حصوله بلفظ المفاداة، وبصرائح الطلاق، وبلفظ الفسخ مع النية، وبكنايات الطلاق مع النية إلا أن يجاب بأن مراده بلفظ الطلاق: ما أدى معناه لا الطاء واللام والقاف، ويصح بالاستيجاب والإيجاب كما ذكره الأكثرون. قال: (شرطه: زوج يصح طلاقه) فلا يصح خلع الصبي والمجنون، والمكره، ولا خلع الأب عن ابنه الغير خلافًا لمالك. ومراده بـ (الشرط): ما لا بد منه؛ لأن الزوج ركن لا شرط، وكونه ينفذ طلاقه شرط فيه. وشملت عبارته الأعمى، لكن حكى الشيخان في (كتاب البيع): أنه إذا خالع على عين مال .. لا يثبت المسمى. قال: (فلو خالع عبد أو محجور عليه بسفه .. صح)؛ لأن كلاً منهما يصح طلاقه بلا عوض فبعوض أولى، سواء كان بمهر المثل أم بدونه، بإذن الولي والسيد أم بغيرهما، بالعين أم في الذمة. قال: (ووجب دفع العوض إلى مولاه ووليه) كسائر أمواله، ويملكه السيد قهرًا. وظاهر عبارته: أنها لا تبرأ بتسليم العوض إليه مطلقًا، واستثنى في (الحاوي) و (الشامل) و (البحر) ما إذا بادر الولي فأخذه منه .. فيبرأ حينئذ، هذا إذا لم يأذن لها الولي والسيد في الدفع، فإن أذنا .. جاز ويبرأ به في الأصح. فإن سلمت إلى السفينة بدون إذن الولي والعوض دين .. رجع الولي عليها به وهي

وَشَرْطُ قَابِلِهِ: إِطْلاَقُ تَصَرُّفِهِ فِي اَلْمَالِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ على السفينة بما قبض، فإن تلف في يده .. تلف عليها ولا شيء لها بعد رشده، وفيما بينه وبين الله تعالى وجهان. وفي نظيره من شرائه وجه: أنه يطالب بعد رشده فيظهر مجيئه هنا، أو على عين فليأخذها الولي منه، فإن تركها عالمًا بها فتلفت .. ففي ضمانه وجهان، أو جاهلاً .. رجع عليها بمهر المثل. والدفع إلى العبد كالدفع إلى السفينة إلا أن ما هلك في يد العبد يطالبه المختلع بضمانة إذا عتق، وإذا كان العبد مأذونًا في التجارة ولم يؤذن له في قبض ذلك ولا نهي عنه .. فهل يستفيد قبضه بحكم الإذن في التجارة فتبرأ به الذمة؟ فيه وجهان في (الحاوي). لكن يستثنى من (العبد) المكاتب .. فيجب التسليم إليه؛ لاستقلاله، وكذا المبعض المهايئ إذا قلنا بدخول الكسب النادر في المهايأة وخالع في نوبة نفسه، وإلا دفعت إليه ما يخص حريته. ويستثنى ما إذا قال السفينة أو العبد لزوجته: إن دفعت إلى ألفًا فأنت طالق .. ففي (الحاوي) و (البحر): تدفع إليه دون وليه ولا ضمان عليها، وعلى الولي أخذه منه، فإن أهمل .. لم يغرم، ويلزمها بدله. والفرق بين هذا وبين ما تقدم: أن ما في الذمة ملكه قبل الدفع وهنا لا يملك إلا به، ولأنها لو دفعت إلى وليه. لم تطلق. قال: (وشرط قابله: إطلاق تصرفه في المال) هذا هو الركن الثاني وهو باذل المال في مقابلة البضع، ويسمى قابلاً، لأنه في منزلة المشتري، وسواء فيه الزوجة والأجنبي؛ لأن المال هو المقصود، وكذلك شرط ملتمسه؛ لأنه تبرع. هذا إذا قلنا: الخلع طلاق، فإن قلنا: فسخ. فلا بد من قيد الزوجية؛ إذ خلع الأجنبي على قول الفسخ لا يصح؛ لأن الفسخ من غير علة لا ينفرد به الرجل فلا يصح

فَإِنِ اَخْتَلَعَتْ أَمَةٌ بِلاَ إِذْنِ سَيِّدٍ بِدَيْنِ أَوْ عَيْنِ مَالِهِ .. بَانَتْ، وَلِلزِّوْجِ فِي ذِمَّتِهَا: مَهْرُ مِثْلِ فِي صُورَةِ اَلْعَيْنِ - وَفِي قَوْلٍ: قِيمَتُهَا - وَفِي صُورَةِ اَلْدَّيْنِ: اَلْمُسَمَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ طلبه منه، وسيأتي هذا من كلام الرافعي في موضعه. قال: (فإن اختلعت أمة بلا إذن سيد بدين أو عين ماله .. بانت) أما في الدين فلا خلاف فيه إلا شيئًا في (الجيلي)، وفي العين هو المشهور كالخلع على عوض فاسد كالخمر والمغصوب. وفي قول: يقع الطلاق رجعيًا كالسفيه، والصحيح الأول؛ لوجود أهليتها، وإنما المنع لحق السيد. وعلى القولين: محل ذلك إذا نجز الطلاق، فإن قيده بتمليك تلك العين .. لم تطلق، وسواء ملكها السيد العين وقلنا: إنها تملك أم لا؛ لأنها لا تملك التصرف، ولو أجازه السيد بعد ذلك .. لم ينفذ؛ لأنه وقع فاسدًا. قال: (وللزوج في ذمتها: مهر مثل في صورة العين)؛ لأنه المراد حينئذ، ويتبع ذلك بعد العتق، ولا مطالبة له الآن قطعًا. قال: (وفي قول: قيمتها) أي: إن كانت متقومة، وإلا .. فمثلها، ولو عبر بالبدل كما عبر به الرافعي .. كان أولى. قال: (وفي صورة الدين: المسمى)؛ لأنه لا ضرر فيه على السيد.

وَفِي قَوْلٍ: مَهْرُ اَلْمِثْلِ. وَإِنَ أَذِنَ وَعَيَّنَ عَيْنًا لَهُ أَوْ قَدَّرَ دَيْنًا فَامْتَثَلَتْ .. تَعَلَّقَ بِاَلْعَيْن وَبِكَسْبِهَا فِي اَلْدَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: مهر المثل) كما لو تزوج العبد بغير إذن السيد، وهذا هو الأصح في (المحرر)، ولم ينبه المصنف عليه، وحقيقة القولين ترجع إلى أن الخلع فاسد كما في العين أو صحيح. هذا كله في القنة، أما المبغضة إذا خالعت على ما ملكته ببعضها الحر .. فإنه يجوز وتكون كالحرة، أو على ما يملكه السيد .. لم يجز وتكون كالأمة، وإن خالعت على الأمر ين .. تفرقت الصفقة. والمكاتبة جعلها في (الروضة) كالأمة إذا خالعت بغير إذنه، فإن كان بإذنه .. فالأصح في (الروضة) هنا وفي (التصحيح): أنه بإذنه كهو بغير إذنه. وصحح في (باب الكتابة) تبعًا لـ (الشرح) أنه على قولي التبرعات. لكنه نقل المنع في (الكفاية) عن النص فلا تناقص في كلام الرافعي، وغايته: أنه ذكر أن النص خلاف المصحح. ولو اقتصر في (الروضة) على ذكر النص .. وافق (الرافعي)، لكن زاد أنه المذهب .. فتناقض، ثم أخذ منه في (تصحيح التنبيه)، كذا نبه عليه الشيخ عز الدين النشائي وقال: إنه من أغاليط (الروضة)، والسعيد من عدت غلطاته. قال: (وإن أذن وعين عينًا له أو قدر دينًا فامتثلت .. تعلق بالعين وبكسبها في الدين) كما إذا أذن لعبده في النكاح، وكذلك يتعلق بما في يدها من مال التجارة إن

وَإِنْ أَطْلَقَ اَلإِذْنَ .. اَقْتَضَى مَهْرَ مِثْلٍ مِنْ كَسْبِهَا. وَإِنْ خَالَعَ سَفِيهَةّ، أَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ .. طَلُقَتْ رَجْعِيًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ كان كما تقدم في الصداق، فإن زادت على المأذون .. فالزيادة يطالب بها عبد العتق. قال: (وإن أطلق الإذن) أي: لم يذكر عينًا ولا دينًا (... اقتضى مهر مثل من كسبها) وكذا مما في يدها من مال التجارة؛ لأن العوض في الخلع كالمهر في النكاح، والمهر في نكاح العبد يجب على هذا الوجه فكذلك هنا. هذا إذا وافقت امرأة، فلو خالفت فزادت عند إطلاقه على مهر المثل أو على العين في صورة التعيين. تعلقت الزيادة بذمتها بعد العتق، فإن لم يكن لها كسب ولا بيدها مال التجارة في هذه المسألة والتي قبلها .. ثبت العوض في ذمتها إلى أن تعتق؛ لأن الطلاق بعد وقوعه لا يرتفع، والزوج لم يوقعه مجانًا، وهي من أهل الالتزام، ولا سبيل إلى التزام السيد به؛ لأن إذنه لا يقتضيه فتعين ثبوته في الذمة. قال: (وإن خالع سفيهة، أو قال: طلقتك على ألف فقبلت .. طلقت رجيعًا)؛ لعدم ثبوت المال فإنها لا تتصرف فيه، سواء خالعت بعين أو بدين بإذن الولي أو بدونه؛ لأنها إنما تتصرف في مالها لضرورتها دون أغراضها. هذا إذا كان يعد الدخول، فإن كان قبله .. وقع بائنًا، قاله المصنف في (نكت التنبيه). فلو قال لسفيهة ورشيدة: طلقتكما على ألف فقبلا .. بانت الرشيدة بمهر المثل في الأصح، وطلقت السفيهة رجعياً.

فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ .. لَمْ تَطْلُقْ ـــــــــــــــــــــــــــــ مراد المصنف: السفيهة المحجور عليها بالسفه لا من سفهت بعد رشدها ولم يعد الحجر عليها؛ فإن هذه تصرفها صحيح. تحقيق: صورة خلع السفيهة: أن تأتي بصيغة الخلع كقولها: خالعني على كذا، أو تقول: خالعتك على كذا ونحوه. أما إذا قال لها: إن أبرأتني من كذا فأنت طالق فأبرأته .. فلا طلاق ولا براءة؛ لأنه تعليق على صفة ولم توجد. وكثيرًا ما يلتبس هذا بخلع السفيهة، ويفتي به من لا تحقيق لديه، فتراه وقد سقط في يديه. ولو قال لها: إن أبرأتني من صداقك فأذن لها أبوها في البراءة منه وقال: هي رشيدة في هذا دون غيره فأبرأت ... فالصواب: لا يقع طلاق ولا براءة؛ لأنه طلاق معلق على ما لم يحصل. قال: (فإن لم تقبل .. لم تطلق)؛ لأن الصيغة تقتضي القبول فأشبه الطلاق المعلق. فرع: خلع المرتدة المدخول بها موقوف إن أسلمت في العدة بأن صحته، وإلا .. فلا؛ لانقطاع النكاح بالردة. وكذا لو ارتد الزوج بعد الدخول ثم خالع أو أسلم أحدهما بعد الدخول ثم خالعها، وسيأتي قبيل الفصل الثاني حكم من خالعت وارتدت.

وَيَصِحُّ: اَخْتِلاَعُ اَلْمَرِيضَةِ مَرَضَ اَلْمَوتِ، وَلاَ يُحْسَبُ مِنَ اَلْثُلُثِ إِلاَّ زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ، وَرَجْعِيَّةٍ فِي اَلأَظْهَرِ، لاَ بَائِنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويصح: اختلاع المريضة مرض الموت)؛ لأنه صرف مال في عرض مقصود، فهو كما لو نكح المريض أبكارًا بمهور أمثالهن وهو مستغن عنهن .. فإن ذلك جائز وينفق عليهن نفقة الموسرين. قال: (ولا يحسب من الثلث إلا زائدة على مهر مثل)؛ لأن الزائد تبرع كالوصية له، ولا يكون كالوصية للوارث؛ فإنه خرج بالخلع عن الإرث خلافًا لأبي حنيفة. قال: (ورجعية في الأظهر)؛ لأنها في حكم الزوجات فيصح الخلع ويثبت المال. والثاني: لا يصح؛ لزوال الملك، وعدم الحاجة إلى الافتداء. وقيل: يصح خلعها بالطلقة الثالثة دون الثانية فتحصل البينونة الكبرى. وإذا قلنا: لا يصح خلع الرجعية .. وقع رجيعًا إذا قبلت كالسفيهة، لكن يستثنى ما لو عاشرها معاشرة الأزواج بلا وطء وانقضت الأقراء أو الأشهر وقلنا: إنه يلحقها الطلاق ولا يراجعها .. فينبغي أن لا يصح خلعها، لأنها بائن إلا في الطلاق. قال: (لا بائن)؛ فإنه لا يصح خلعها بالإجماع، لأن الزوج لا يملك بضعها حتى يزيله.

وَيَصِحٌّ عِوَضُهُ قَلِيلاً وَكَثِيرًا دَيْنًا وَعْينًا وَمَنْفَعَةّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: قالت: طلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق واحدة وطالق ثانية وطالق ثالثة، فإن أراد بالعوض الأولى .. لم تقع الثانية والثالثة؛ لأنها بانت بالأولى، وإن أراد بالعوض الأولى والثانية .. لم تقع الثالثة، وإن أراد به الثالثة .. طلقت ثلاثًا، لأن الخلع بالثالثة موقع لما تقدمها، قاله الماوردي. قال: (ويصح عوضه قليلاً وكثيرًا دينًا وعينًا ومنفعة)؛ لعموم قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، ولما تقدم من افتداء الربيع بجميع مالها وأجازه عثمان، ولأنه عقد على منفعة البضع فجاز بما ذكرناه كالنكاح، لكن يشترط أن يكون معلومًا. وفي (الإحياء): أنه تكره الزيادة على المهر كمذهب أحمد؛ جمعًا بين الأدلة، وضابطه: ما جاز أن يكون صداقًا .. جاز هنا، وما لا .. فلا. فلو خالعها على حضانة ولده مدة معلومة .. جاز، أو على إرضاعه .. فكذلك، سواء كان الولد منها أو من غيرها، ويشبه أن يكون الجمع بينهما واستتباع أحدهما إذا انفرد كما في (الإجارة). فرع: خالعها على ما في كفها ولا شيء فيه .. ففي (الوسيط): يقع رجعيًا ولا شيء عليها، وهو شاذ مردود.

وَلَوْ خَالَعَ بِمَجْهُولٍ أَوْ خَمْرٍ ... بَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أبي حنيفة: يقع بائنًا وتلزمها ثلاثة دراهم. وقال ابن الصباغ وصاحب (البيان) و (المستظهري): تبين بمهر المثل، ورجحه المصنف. قال الرافعي: ويشبه أن يكون الأول فيما إذا كان عالمًا بالحال، والثاني إذا ظن في كفها شيئًا، وهو قد نقل عن (فتاوي البغوي): أن المراة إذا اختلعت نفسها على بقية صداقها فخالعها عليه ولم يكن بقى لها شيء .. أنها تبين بمهر المثل، فلذلك قال في (المهمات): الصواب: التسوية. ولو قال: خالعتك على ما في هذا البيت من المتاع فتبين أه لا شيء فيه .. وجب مهر المثل قولاً واحدًا. قال: (ولو خالع بمجهول) كأحد العبدين (أو خمر .. بانت)؛ ملا تقرر من أن العوض لابد أن يكون معلومًا متمولاً، فعند عدمه لا يصح العوض المسمى ولكن

بِمَهْرِ اَلْمِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ: بِبَدَلِ اَلْخَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تحصل البينونة؛ لأن الخلع إما فسخ أو طلاق وكلاهما لا يفسد بفساد العوض. ومذهب الأئمة الثلاثة: أنها تبين منه في المسألتين ولا شيء عليها. قال: (بمهر المثل)؛ إذ لا مرد سواه، ولأن قضية فساد العوض ارتداد العوض الآخر، والبضع لا يرتد بعد حصول الفرقةز قال: (وفي قولك ببدل الخمر) هما القولان فيما إذا أصدقها خمرًا أو خنزيرًا وقد تقدمًا. وأشار بالتمثيل بالخمر إلى النجس المقصود، فخرج الذي لا يقصد كالدم؛ فإنه يقع رجعيًا، لأنه لم يطمع في شيء. قال الرافعي: وقد يتوقف في هذا؛ فإن الدم قد يقصد لأغراض. تنبيهات: أحدها: الخلع على ما لا يقدر المختلع على تسليمه وما لا يتم ملكه عليه كالخلع على الخمر والخنزير في جريان القولين. ولو خالعها على عين فتلفت قبل القبض أو خرجت مستحقة، أو معيبة فردها، أو وجد فيها صفة تخالف الصفة المشروطة .. اطرد القولان في أن الرجوع إلى مهر المثل أو بذل المذكور. الثاني: الفساد في المسألتين مختص بالعوض، أما الخلع .. فصحيح والبينونة حاصلة. وفي وجه ضعيف: لا تطلق مع الجهل وسائر فساد العوض بناء على أنه فسخ، وأنه لابد من ذكر العوض، وقيل: يقع رجعيًا. الثالث: محل البينونة في صورة المجهول إذا لم يكن فيه تعليق أو علق بإعطاء مجهول يمكن إعطاؤه مع الجهالة، أما إذا قال: إن أبرأتني عن صداقك أو من دينك وهو مجهول فأبرأته .. لم تطلق؛ لأن البراءة لم تصح فلم يحصل المعلق عليه الطلاق.

ولهما التوكيل، ففلو قال لوكيله: فلو قال لوكيله. خالعها بمئة .. لم ينقص منها، وإن أطلق .. لمي نقص عن مهر مثل، فإن نقص فيهما .. لم يطلق، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع: يستثنى خلع الكفار على الخمر ونحوه؛ فإنه قابل للعوض عندهم فيكون الخلع به صحيحًا كما في أنكحتهم، حتى لو حصل إسلام بعد قبض الخمر. فلا شيء له، أو قبل قبضه .. وجب مهر المثل. قال: (ولهما التوكيل)؛ لأنه عقد معاوضة كالبيع. وقال الجويني: لا يصح التوكيل إذا سمت الخمر كما إذا وكله بأن يبيع أو يشتري الخمر، وهو قوي. قال: 0فلو قال لوكيله: خالعها بمئة .. لم ينقص منها) شيئًا، لأنه دون المأذون فيه، وأفهم جواز الزيادة عليها وهو كذلك إن كان من الجنس كمئة وعشرة قطعًا، وكذا من غير كمئة، وثوب في الأصح. قال: (وإن أطلق .. لم ينقص عن مهر مثل) كما لو أطلق الإذن في البيع .. لا ينقص عن ثمن مثله. وصورة الإطلاق أن يقول: خالع لي بمال، وكذا لو لم يذكر مالاً وقلنا: مطلق الخلع يقتضي المال. قال: (فإن نص فيهما .. لم يطلق) المراد: أنه نقص في المقدر عنه وفي المطلق عن مهر المثل، فاتفق الأصحاب على أنه لا يقع الطلاق فيهما؛ لأن ذلك كمخالفة النص، وهذا الذي صححه في (المحرر) تبعًا للخوارزمي وصاحب (الذخائر) واختاره الشيخ.

وَفِي قَوْلٍ: يَقَعُ بَمَهْرِ مِثْلٍ. وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا: أَخْتَلِعْ بِأَلْفٍ فَاَمْتَثَلَ .. نَفَذَ، فَإِنْ زَادَ فَقَالَ: اَخْتَلَعْتُهَا بِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهَا بِوَكَالَتِهَا .. بَانَتْ وَيَلْزَمُهَا مَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: اَلأَكْثَرُ مِنْهُ وَمِمَّا سَمَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: يقع بمهر مثل)؛ لأن الخلل وقع في العوض فلا يرتد به الطلاق كما لو خالعها الزوج على عوض فاسد، وهذا هو الذي صححه في (الروضة) و (تصحيح التنبيه)، وملخص ما في المسألة خمسة أقوال: أصحها: أن الخلع باطل والطلاق غير واقع. والثاني: ينفذ بمهر المثل والثالث: يتخير بين المسمى ومهر المثل. والرابع: يتخير بين المسمى، وإلا .. امتنع الطلاق. قال: (ولو قالت لوكيلها: اختلع بألف فامتثل .. نفذ)؛ لوقوعه كما أمر به، وأفهم أنه إذا خالع بما دونه .. صح من باب أولى، وهل يتسلط الوكيل على تسليم الألف من غير إذن جديد؟ وجهان. قال: (فإن زاد فقال: اختلعها بألفين من مالها بوكالتها .. بانت)؛ لأن الطلاق يقع مع فساد الخلع كما يقع مع صحته. وقال المزني: لا يقع الطلاق؛ للمخالفة كما إذا زاد وكيل الرجل، وخطأه المارودي وغيره، وجعله الإمام قولاً مخرجًا. وحكى الحناطي قولاً ثالثًا: إنه يقع رجعيًا ولا مال بحال. قال: (ويلزمها مهر مثل)؛ لأنه المرجوع إليه عند فساد العوض، سواء كان زائدًا على ما سمت للوكيل أم ناقصًا. قال: (وفي قول: الأكثر منه ومما سمت)؛ لأن مهر المثل إن كان أكثر .. فهو المرجوع إليه عند فساد المسمى، وإن كان الذي سمته أكثر .. فقد رضيت به.

وَإِنْ أَضَافَ اَلْوَكِيلُ اَلْخُلْعَ إِلَى نَفْسِهِ .. فَخُلْعُ أَجْنَبِيِّ وَاَلْمَالُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. فَالأَظْهَرُ: أِنَّ عَلَيْهَا مَا سَمَّتْ وَعَلَيْهِ اَلْزِّيَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هكذا أطلق هذا القول الأكثرون، وحرره المراوزة والرافعي فاستثنوا منه ما إذا زاد مهر المثل على ما سماه الوكيل .. فلا تجب زيادة على ما سماه؛ لأن الزوج رضي به، ولو زاد مسماها على ما سماه الوكيل .. أوجبوا مسماها لرضاها. وفي قول ثالث: إنه إذا زاد الوكيل .. فالمرأة بالخيار، إن شاءت .. أجازت ما سمي الوكيل، وإن شاءت .. ردت وعليها مهر المثل، وقيل: أكثر الأمرين. وفي قول رابع - حكاه الحناطي -: يقع الطلاق رجعيًا. قال: (وإن أضاف الوكيل الخلع إلى نفسه .. فخلع أجنبي والمال عليه) هذا تفريغ على صحة خلع الأجنبي وهو الأصح، أما إذا لم يصححه .. فظاهر كلامهم: إنه لا يجب شيء أيضًا. قال الشيخ: ويحتمل أن يقال: هو هنا وكيل وقد أضاف إلى نفسه فبطلت الإضافة وبقي التصرف بالوكالة كما لو لم يضف إلى نفسه، ويجب مهر المثل أو الأكثر على القولين. قال: (وإن أطلق .. فالأظهر: أن عليها ما سمت)؛ لأنها لم ترض بأكثر منه. قال: (وعليه الزيادة)؛ لأن اللفظ مطلق والصرف إليه ممكن وكأنه افتقداها بما سمت وتبرع بزيادة من عنده. والثاني: عليه أكثر الأمرين من مهر المثل وما سمت؛ لأنه عقد لها فأشبه ما إذا

وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ ذِمِّيًا وَعَبْدًا وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ .. وَلاَ يَجُوزُ تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي قَبْضِ اَلْعِوَضِ. وَاَلأَصَحُّ: صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ اَمْرَأَةَ لِخُلْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلاَقِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أضاف إليها، فإن بقي شيء مما سماه الوكيل .. فلى الوكيل، فإن أضاف ما سمته إليها والزيادة إليه .. وجب كذلك جزمًا. قال: (ويجوز توكيله ذميًا) أي: بوكيل المخالع سواء كان وكيل الزوجة أو الزوج؛ لأن الذمي قد يخالع المسلمة ويطلقها وذلك إذا أسلمت الزوجة وتخلف الزوج فخالعها في العدة ثم أسلم .. فإنه يحكم بصحة الخلع. وتعبيره بـ (الذمي) يخرج الحربي وليس كذلك؛ فإنه يصح كما ن عليه في (المختصر)، فلو عبر بالكافر .. كان أحسن. قال: (وعبدًا ومحجورًا عليه بسفه) مكاتبًا كان العبد أو غيره، لأنه لا يتعلق بالوكيل هنا عهدة، وكل من العبد والسفيه لو خالع لنفسه .. صح فجاز أن يكون وكيلاً عن غيره، وعلى هذا: لا يشترط إذن السيد والولي. قال: (ولا يجوز) أي: لا يصح (توكيل محجور عليه في قبص العوض)؛ لعدم أهليته لذلك، فإن فعل .. كان مضيعًا لماله وتبرأ الذمة بالدفع إيه، كذا أطلقه المتولي، ولم يتعقبه الرافعي بتقييد، وهو مقيد بما إذا كان معينًا أو غير معين وعلق الطلاق به، فإن خالع بمال في ذمتها .. لم يصح القبض. قال: (والأصح: صحة توكيله امرأة لخلع زوجته أو طلاقها)؛ لأنه لو قال لامرأته: طلقي نفسك فطلقت .. جاز ووقع الطلاق، وذلك إما تمليك أو توكيل. إن كان توكيلاً .. فذاك، أو تمليكًا .. فكما يجوز أن تتملك الطلاق يجوز أن توكل فيه. والثاني: لا؛ لأن المرأة لا تستقل بالطلاق فلا توكل فيه، لكن يستثنى ما إذا أسلم على أكثر من أربع ثم وكل امرأة في طلاق بعضهن .. فإنه لا يصح على الأصح؛

وَلَوْ وَكَّلاَ رَجُلاً .. تَوَلَّى طَرَفًا، وَقِيلَ: طَرَفَيْنِ. فَصْلٌ: اَلْفرْقَةُ بِلَفْظِ اَلْخُلْعِ طَلاَقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لتضمنه الاختيار للنكاح، ولا يصح توكيلها فيه فكذا اختيار الفراق، ولا خلاف أنه يجوز أن توكل المرأة امرأة في اختلاعها. قال: (ولو وكلا رجُلا .. تولى طرفًا) كسائر العقود. قال: (وقيل: طرفين)؛ لأن الخلع يكفي فيه اللفظ من جانب والإعطاء من جانب، كما إذا علق على الإعطاء .. فأعطت. وعلى هذا: ففي الاكتفاء بأحد شقي العقد خلاف كبيع مال ولده من نفسه. تتمة: قالت: اختلعني بما استصوبته فاختلعها على مال في ذمتها أو على صداق لها في ذمة الزوج .. جاز، ولو اختلعها على عين مال من أموالها .. لم يجز؛ لأن الإذن ينصرف إلى الذمة في العادة لا إلى الأعيان، كما إذ قالك اشتر لي عبدًا بما شئت .. ينصرف إلى ما في الذمة لا إلى العين. قال: (فصل: الفرقة بلفظ الخلع طلاق) فتنقص العدد؛ لأنه لفظ لا يملكه غير الزوج فوجب أن يكون طلاقًا كما لو قال: أنت طالق على ألف، ولأن الله تعالى ذكره بين طلاقين في قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية، فدل على أنه ملحق بهما. واختار هذا القول صاحب (التهذيب) وقال في (النهاية): إن الفتوى عليه، ونقله المحب الطبري في (أحكامه) عن أكثر أهل العلم. وروى ابن أبي شيبة [4/ 84] عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه قضي به. وروي الدارقطني (4/ 45] بسند ضعيف: (أن النبي صلي الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة).

وَفِي قَوْلٍ: فَسْخُ لاَ يَنْقُصُ عَدَدًا. فَعَلَى اَلأَوَّلِ: لَفْظُ اَلْفَسْخِ كِنَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز عن الفرقة بلفظ الطلاق إذا كان بلا عوض؛ فإنه طلاق بالاتفاق، وموضع الخلاف إذا لم يقصد بالخلع الطلاق، فإن قصده .. كان طلاقًا قطعًا، قاله الشيخ أبو حامد وغيره من العراقيين. قال: (وفي قول: فسخ لا ينقص عددًا) فيجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر؛ لأنها فرقة حصلت بمعاوضة فكيون فسخًا كما لو اشترى زوجته، ولأنه فرقة بتراضي الزوجين فوجب أن يكون فرقة فسخ، وهذا هو القديم المنصور في الخلاف، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية، واختاره الشيخ أبو حامد وأبو الطيب والقفال وابن خزيمة وابن المنذر والشيخ وآخرون. وعلى هذا: يكون لفظ الخلع صريحًا فيه، وهو مذهب ابن عمر واب عباس وطاووس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور وداوود وأصحابه، وإليه ذهب أحمد، وأفتى به الشيخ تاج الدين الفزاري وولده. والقول الثالث: إنه ليس بشيء، أي: لا تحصل به فرقة طلاق ولا فسخ كسائر حكايات الطلاق، وهذا نص عليه في (الأم)، وقال الإمام والروياني: إنه ظاهر المذهب. قال: (فعلى الأول: لفظ الفسخ) كقوله: فسخت نكاحك بألف (كناية) أي: في الطلاق، ولأنه لم يرد في القرآن العظيم ولم يستعمل عرفًا فيه فلا يكون صريحًا. وليس المراد أنه كناية في الخلع، فإن اللفظ لا يكنى به عن لفظ آخر، بل المراد: أنه كناية في الفرقة بعوض، وهي التي يعبر عنها بلفظ الخلع، ويحكم عليها بأنه طلاق. وهي التي وردت في امرأة ثابت بن قيس، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر لفظ الخلع، وإنما ذكر الفرقة، وإنما ورد لفظ الفسخ من كلام ابن عباس وغيره واشتهر في ألسنة العلماء.

وَاَلْمُفَادَاةُ كَخُلْعٍ فِي اَلأَصَحِّ. وَلَفْظُ اَلْخُلْع صَرِيحٌ، وَفِي قَوْلٍ: كِنَايَةٌ. فَعَلَى اَلأَوَّلِ: لَوْ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالِ .. وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ فِي اَلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمفاداة كخلع في الأصح)؛ لورود القرىن به، قال الله تعلى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ولفظه فديتك بألف. والثاني: أنه كناية، وبه قطع بعضهم؛ لأنه لم يتكرر في القرآن ولم يشتهر اشتهار الخلع ولا شاع في ألسنة حملة الشرع. قال: (ولفظ الخلع صريح) أي: في الطلاق فلا يفتقر إلا نية؛ لاشتهاره في ذلك، وعلى هذا فتصير صرائح الطلاق أربعة، والمراد مع ذكر المال، فإن لم يذكر المال معه .. كان كناية على الأصح. قال: (وفي قول: كناية) تفتقر إلى النية، ونص عليه في (البويطي) و (الأم) في مواضع. قال القاضي حسين والإمام والغزالي: إنه ظاهر المذهب، ولأن صرائح الطلاق منحصرة في ألفاظ ليس هذا منها، ويؤيده ما رجحه المصنف أن الاشتهار لا يقتضي الصراحة، وهذا هو الراجح نقلاً ودليلاً. قال: (فعلى الأول: لو جرى بغير ذكر مال .. وجب مهر مثل في الأصح)؛ لاطراد العرف بجريان الخلع على مال، ولأنه لو جرى على خمر ونحوه .. أوجب المال فكذا عند الإطلاق كالنكاح.

وَيَصِحُّ بِكِنَايَاتِ اَلْطَّلاَقِ مَعَ اَلْنَيةِ وَبِاَلْعَجَمِيَةِ. وَلَوْ قَالَ: بَعْتُكِ نَفْسَكِ بِكَذَا، فَقَالَتِ: اَشْتَريْتُ .. فَكِنَايَةُ خُلْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يجب؛ لأنه لم يذكر ولم يلتزم فيقع رجيعًا، وهو ما أورده البغوي، وهذا لا يختص بالأول، بل ولو قلنا بالثاني ونوى الخلع .. فكذلك، فإن لم ينو .. لغًا، وإذا نوى بالخلع عددًا، فإن جعلناه طلاقًا .. صح، أو فسخًا .. لغًا؛ لأن الفسخ لا يتعدد. قال: (ويصح بكنايات الطلاق مع النية) سواء جعلناه طلاقًا أو فسخًا، فإن نوى الطلاق أو الفسخ .. وقع ما نواه، ولا بد من نية الزوجين معًا، فإن لم ينويا أو أحدهما .. لم يصح. قال: (وبالعجمية) وكذا سائر اللغات كغيره من العقود، ولا يأتي فيه الخلاف المتقدم في النكاح؛ لانتفاء اللفظ المتعبد به. قال: (ولو قال: بعتك نفسك بكذا، فقالت: اشتريت .. فكناية خلع) أشار إلى أن ألفاظ البيع والشراء والإقالة كنايات في الخلع، سواء جعل طلاقًا أو فسخًا كما لو قال: بعت نفسك منك بكذا فقالت: اشتريت أو قبلت، أو قال: أقلتك بكذا فقالت: انقلت، وهذا مستثنى من قاعدة: (ما كان صريحًا في بابه ووجد نفادًا في موضوعه .. لا يكون كناية في غيره). وقال القاضي في (الأسرار): هو صريح فيه إذا جعلناه فسخًا. قال الرافعي: وبيع الطلاق بالمهر من جهة الزوج وبيع المهر بالطلاق من جهة الزوجة يعبر بهما عن الخلع فيكونان كنايتين أيضًا. وعن أبي عاصم العبادي: أن بيع الطلاق مع ذكر العوض صريح. ورأى إسماعيل البوشنجي أن ينزل قوله: بعتك طلاقتك بذا منزلة قوله: ملكتك طلاقك بكذا، حتى لو طلقت في المجلس .. لزم المال ووقع الطلاق، قال: إن نويا مجرد بيع الطلاق وشرائه من غير إيقاع منهما من غير نية الطلاق منه .. فهو تصرف فاسد والنكاح باق بحالة.

وَإِذَا بَدَأَ بِصَيغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطلَّفْتُكِ، أَوْ خَالَعْتُكِ بِكَذَا وَقُلْنَا: اَلْخُلْعُ طَلاَقٌ .. فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبِ تَعْلِيقِ، فَلَهُ اَلْرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا، وَيُشْتَرَطُ قَبْولُهَا بِلَفْظٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وإسماعيل البوشنجي إمام غواص من المتأخرين، لقيه من لقيناه، توفى المذكور بهراة سنة ست وثلاثين وخمس مئة. قال: (وإذا بدأ بصيغة معاوضة كطلقتك، أو خالعتك بكذا وقلنا: الخلع طلاق .. فو معاوضة)؛ لأنه يأخذ مالاً في مقابلة ما يخرج عن ملكه. قال: (فيها شوب تعليق)؛ لأن وقوع الفراق ترتب على قبول المال أو بدله، كما يترتب الطلاق المعلق بالشرط عليها، ولكن المغلب المعاوضة. واحترز بقوله: (وقلنا: الخلع طلاق) عما إذا قلنا: فسخ؛ فهو معاوضة محضة من الجانبين لا مدخل للتعليق فيه، بل هو كابتداء المبيع. وقوله: (بدأ) هو بالهمزة بمعنى: ابتدأ، وهو المراد هنا، وأما بترك الهمز .. فبمعنى: ظهر، وقولهك (شوب) سيأتي التنبيه عليه. قال: (فله الرجوع قبل قبولها)؛ وتغليبًا لحكم المعاوضات كالبيع، ولم يخالف في ذلك إلا العبادي في (الزيادات)؛ فغنه لم يجوز له الرجوع؛ رعاية لمعنى التعليق. قال: (ويشترط قبولها بلفظ) كقولها: قبلت واختلعت أو ضمنت لك. قال ابن الرفعة: هذا إذا قلنا: المعاطاة لا ينعقد بها البيع ونحوه، فإن قلنا: ينعقد .. فقد يقالك يكفي أن تأتي ببدل على القبول والرضا مطلقًا. وقد يقالك لا يكفي؛ لأن قوله: (طلقتك على ألف) يقتضي إثبات ألف في الذمة، والمعاطاة إنما هي موضوعة للأعيان، فالمبذول حينئذ غير ما تعلق به الطلاق فلا يقع، لكن ظاهر قوله: (بلفظ) أنه لا يكفي إعطاؤها المال من غير لفظ فيما إذا قال: أنت طالق على ألف فأعطته على الفور، وقد قال ابن الصباغ والمتولي والروياني: يقع به الطلاق؛ لأنه طلقها على ألف فكيف حصلت له .. وقع بها الطلاق.

غَيْرِ مُنْفَصِلٍ. فَلَوِ اخْتَلَفَ إِيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلْتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسهِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثَاً بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الأَلْفِ .. فَلَغْوٌ. وَلَوْ قَالَ: طلّقْتُكِ ثَلاَثاً بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ .. فَالأَصَحُّ: وُقُوعُ الثَّلاَثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكلام الصيدلاني يقتضي أن ذلك منصوص للشافعي، واستغربه في (الجواهر)، وجوز أن يكون مفرعاً على صحة المعاطاة. قال: (غير منفصل) فلو تخلل زمن طويل أو اشتغلت بكلام آخر ثم قبلت .. لا يصح ولا يقع الطلاق، وهذا يسمى مجلس التواجب، ومثله مذكور في البيع في الاتصال بين الإيجاب والقبول، وهو أقصر من مجلس الخيار الذي في البيع. لكن هل يشترك في الخلع من الاتصال ما يشترط في البيع، أو يكون أوسع قليلاً لما فيه من جهة التعليق؟ كلام الأكثرين يشير إلى الأول، وفي كلام بعضهم ما يشير إلى الثاني، والمرجع في جميع ذلك إلى العرف، ولا يضر الفصل اليسير جزماً. قال: (فلو اختلف إيجاب وقبول كطلقتك بألف فقبلت بألفين وعكسه، أو طلقتك ثلاثاً بألف فقبلت واحدة بثلث الألف .. فلغو) كنظيره من البيع. وفي (الشامل): لو قال: أنت طالق بألف فقبلت بألفين .. صح ولا يلزمها إلا الألف؛ لأنه لم يوجب إلا ألفاً. قال: (ولو قال: طلقتك ثلاثاً بألف فقبلت واحدة بألف .. فالأصح: وقوع الثلاث)؛ لأنها وافقت في العوض، وقبولها إنما يحتاج إليه للمال، وأصل الطلاق وعدده يستقل به الزوج، بخلاف ما لو باع عبدين بألفٍ فقبل أحدهما بالألف .. فالأصح: أنه لا يصح؛ لأن الملك مقصود المشتري والطلاق لا يدخل في ملك المرأة، هكذا علله الرافعي وغيره. قال الشيخ: ولك أن تقول: وإن لم يدخل الطلاق في ملكها .. فلها غرض في أن لا تحصل البينونة الكبرى؛ لتتمكن من الرجوع إليه من غير محلل، فكان ذلك الغرض كالملك مقصوداً لها.

وَوُجُوبُ أَلْفٍ. وَإِنْ بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقِ كَمَتَى أوْ مَتَى مَا أَعْطَيتِني .. فَتَعْلِيقٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظاً وَلاَ الإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الحداد: لا يقع إلا واحدة؛ لأن الطلاق كالمعلق بقولها، وهي لم تقبل إلا واحدة فلم يقع غيرها، كما أنها لو لم تقبل شيئاً .. لم يقع شيء. وقال المتولي: لا يقع شيء؛ لأن الإيجاب والقبول لم يتفقا فلا تصح المعاوضة كالبيع. قال: (ووجوب ألف) أي: والأصح: أنه تجب ألف؛ لأن الإيجاب والقبول متعلقان به وواردان، عليه، وقال ابن سريج: يجب مهر المثل ويفسد العوض؛ لاختلاف الصيغة. قال: (وإن بدأ بصيغة تعليق كمتى أو متى أعطيتني .. فتعليق) أي: محض من جانبه لا نظر فيه إلى شبهة المعاوضة؛ لأنه من صرائح ألفاظ التعليق، فلا يقع الطلاق من غير تحقق الصفة كسائر التعليقات. ولهذا: لو جن عقبه .. لم تبطل بجنونه ولو كان معاوضة محضة .. لبطل بطرآن الجنون قبل تمامه، وإنما سوى بين (متى) و (متى ما)؛ لأن (ما) صلة للتأكيد، ومثلها (أي وقت) و (أي حين) و (أي زمان). قال: (فلا رجوع له) أي: قبل الإعطاء كما لا يرجع عن التعليق إذا خلا عن العوض في نحو: إن دخلت الدار .. فأنت طالق. قال: (ولا يشترط القبول لفظاً ولا الإعطاء في المجلس) فإن أعطته أكثر .. وقع الطلاق قطعاً. ونقل المارودي عن بعض أئمة العراق: أنها لا تطلق، ومراده: بعض الحنفية فظنه ابن يونس بعض العراقيين منا فحكاه وجهاً، وهو وهم نبه عليه ابن الرفعة، والعجب أنه وقع له نظير ذلك فيما تقدم في قوله: (لكن تكره حربية) ... كما تقدم التنبيه عليه.

وَإِنْ قَالَ: إِنْ، أَوْ إِذَا أَعْطَيْتِني .. فَكَذَلِكَ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ إِعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: (متى): تقتضي الفور في النفي، وتقتضي التراخي في الإثبات، وسببه: دلالتها على أي زمان كان مما دخلت عليه، فإذا قال: متى لم تعطني ألفاً فأنت طالق فمضى زمن يمكن فيه الإعطاء فلم تعطه .. طلقت، قاله المارودي وغيره. قال: (وإن قال: إن، أو إذا أعطيتني .. فكذلك) أي: لا يحتاج إلى القبول في المجلس ولا رجوع له؛ إلحاقاً بـ (متى) في هذين الحكمين. وفي (التهذيب) وجه: أنه يجوز الرجوع قبل الإعطاء، وهو الذي أورده صاحب "المهذب". ومذهب أحمد: أن كلمة (إن) بمثابة (متى) في أنه لا يشترط تعجيل الإعطاء، وهو وجه لبعض الأصحاب. هذا حكم (إن) المكسورة، وأما المفتوحة .. فإنها تطلق في الحال بائناً، قاله المارودي. قال: وكذلك الحكم في (إذ)؛ لأنها لما مضى من الزمان. قال: (لكن يشترط إعطاء على الفور)؛ لأن ذكر العوض قرينة تقتضي التعجيل، وإنما تركت هذه في نحو (متى)؛ لأنها صريحة في جواز التأخير شاملة لجميع الأوقات، و (إن) و (إذا) بخلافها. والمراد بـ (الفور): مجلس التواجب، وهو ما يرتبط فيه الإيجاب بالقبول، كما نبه عليه في (المحرر)، وقيل: يكفي الإعطاء قبل التفرق. قال في (التتمة): ومحل الفور في الحرة، فأما الأمة .. فلا، بل أي وقت أعطته .. طلقت؛ لأنها لا يد لها في الغالب ولا ملك، وإذا أعطته من كسبها .. طلقت ووجب رده للسيد وعليها مهر المثل إذا عتقت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ لو قال للأمة: إن أعطيتني زق خمر فأنت طالق .. وجب الفور، وأنكر ابن الرفعة مقالته وقال: لا فرق بين الحرة والأمة. فائدة: في (الكفاية): أن (مهما) كـ (متى)، قال الشيخ: (ومقتضاه: أنه إذا قال: مهما أعطيتني ألفاً فأنت طالق .. يجوز التراخي، وفي (النهاية) ما يقتضيه أيضاً، قال: وفيه نظر؛ لأن (متى) اسم زمان و (مهما) اسم شرط لا دلالة لها على الزمان، ولا تستعمل إلا مع عود ضمير عليها كقوله تعالى: {مهما تأتنا به من آية}، أو مع فعل مفرع للعمل كقوله: مهما أعطيتني أعطيتك مثله، فعمومها في ذلك الشيء في زمان الفعل المتعلق به، فالتركيب الذي قلنا: إنه مقتضى كلامه .. لا يجوز عند النحاة، وإذا قاله عامي .. ينبغي أن يشترط الفور، لأن وقوع الطلاق معه محقق وبدونه مشكوك فيه، والأصل استمرار العصمة) اهـ ويشير إلى هذا قول الزمخشري في تفسير الآية: إن هذه الكلمة من عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية فيضعها غير موضعها، ويحسب (مهما) بمعنى (متى ما) ويقول: مهما جئتني أعطيتك، وهذا من وضعه لا من كلام واضع العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر {مهما تأتنا به من آية} بمعنى الوقت، فيلحد في آيات الله تعالى وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الحبو بين يدي الناظر في (كتاب سيبويه). فرع: قال لزوجته: إن أبرأتني من صداقتك فأنت طالق فأبرأته عالمة به .. وقع بائناً، وكذا

وَإِنْ بَدَأَتْ بِطَلَبِ طَلَاقٍ فَأَجَابَ .. فَمُعَاوَضَةٌ مَعَ شَوْبِ جَعَالَةٍ فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ. وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله القاضي حسين والخوارزمي، هذا إذا علما قدر الصداق، فإن لم يعلما .. وقع رجعياً. ولو قال: إن طلقتني فأنت بريء من صداقي فطلقها هل يقع رجعياً أو بائناً بمهر المثل؟ وجهان: جزم بالأول القاضي حسين في (تعليقه)، وأفتى بالثاني، كذا نقله الرافعي بعد أن قرر في الباب الرابع الأول؛ لأن الجديد: أن تعليق الإبراء لا يصح، فطلاق الزوج طمعاً في البراءة من غير لفظ صحيح في الالتزام لا يوجب عوضاً، وأفتى الغزالي أيضاً بالثاني، وكذلك ابن الصلاح، وجزم به صاحب (الكافي)، وقال ابن أبي الدم: إنه الحق. قال: (وإن بدأت بطلب طلاق فأجاب .. فمعاوضة)؛ لأنها تملك البضع بما يبذله من العوض، سواء كان (من) بصيغة تعليق مثل: إن طلقتني أو متى طلقتني فلك ألف: أم لا كطلقني بألف. قال: (مع شوب جعالة)؛ لأن الزوج يستقل بالطلاق كما أن المجعول له يستقل بالعمل، وهي تبذل المال في مقابلة الطلاق كما يبذل الجاعل المال في مقابلة العمل، وكل منهما إذا وقع .. حصل الغرض. وعبر المصنف بقوله: (شوب) وفي (المحرر): شائبة، وهو يرى أن (شوب) أصوب فلذلك عبر به، وقد تقدم في (الصلح) مثله لكن قال: التعبير بشائبة تصحيف، والصواب: أنه تحريق. قال: (فلها الرجوع قبل جوابه)؛ لأن هذا حكم المعاوضات والجعالات جميعا. قال: (ويشترط فور لجوابه) أي: في مجلس التواجب في الصيغ الثلاث.

وَلَوْ طَلَبَتْ ثَلَاثاً بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ وَاحِدَةً بِثُلُثِهِ .. فَوَاحِدَةٌ بِثُلُثِه. ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدمة؛ جرياً على قاعدة التعليقات، فإن طلق متراخياً .. فهو مبتدئ لا يستحق به عوضاً، ويقع رجعياً. تنبيه: سكوته عن تطابق الإيجاب والقبول هنا يدل على أنه لا يشترط وهو كذلك، فلو قالت: طلقني بألف فقال: طلقتك بخمس مئة .. وقع بها على الصحيح، كما لو قال: رد عبدي بألف فقال: أرده بخمس مئة ورده .. لا يستحق إلا خمس مئة. قال: (ولو طلبت ثلاثاً بألف) أي: وهو يملك الثلاث عليها (فطلق واحدة بثلثه .. فواحدة بثلثه) سواء أعاد ذكر المال أو اقتصر على الطلاق، كما لو قال: رد عبيدي الثلاثة ولك ألف فرد واحداً .. استحق ثلث الألف، وهذا مخالف لكون اختلاعها معاوضة، فلو قال المصنف: لكن لو طلبت .. لنبه على ذلك، ووقوع الواحدة بثلث الألف لا يختص بهذه الصورة بل لو اقتصر على قوله: طلقتك واحدة .. وقعت الواحدة واستحق ثلث الألف، وليس كما إذا قال الزوج: طلقتك ثلاثاً على ألف فقبلت واحدة بثلثه؛ حيث لا يقع شيء، لأن ما أتى به الزوج صيغة معاوضة فجرى عليه أحكام المعاوضات، وليس فيه شبه من الجعالة .. فلم تجر عليه أحكامها. وحكى الشيخ أبو علي وجهاً: أنها إذا سألت الثلاث فطلق واحدة .. لا يقع عليه شيء، وغلط قائله. وفي وجه ثالث: تقع واحدة بمهر المثل. وفي رابع: تقع واحدة بثلث مهر المثل. وصورة المسألة: إذا كان يملك الثلاث، فإن لم يملك إلا واحدة .. فسيأتي في كلام المصنف، فالمسألة مذكورة هنا لأجل اختلاف السؤال والجواب بالنسبة إلى حقيقة العقد وما فيه من الشوائب، وهناك لأجل العدد المسؤول، واختلاف السؤال

وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ .. فَلَا رَجْعَةَ، فَإِنْ شَرَطَهَا .. فَرَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب فيه بالنسبة إلى تقابل العوضين، ولا فرق عندنا بين أن يقول: بألف، أو: على ألف، أو: ولك ألف. وعكس المسألة: لو قالت: طلقني واحدة بألف فطلق ثلاثاً .. استحق الألف، وعلى الأصح: لو طلقها طلقتين .. استحق ثلثي الألف. وإن طلق طلقة ونصفاً فهل يستحق ثلثي الألف أو نصفه؟ وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): الثاني، فجزم الشيخان هنا بوقوع طلقتين وصرحا في (باب عدد الطلاق) في هذه الصورة بوقوع طلقة، كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق واحدة ونصفاً .. فلا تقع إلا واحدة؛ لأن الطلاق بعوض كهو قبل الدخول. والصحيح في المسألة المذكورة: أن الخلع فاسد كما صرحا به في آخر الفصل الرابع، فيكون الوجهان في أن يستحق ثلثي مهر المثل أو نصفه. قال: (وإذا خالع أو طلق بعوض .. فلا رجعة) سواء كان العوض صحيحاً أو فاسداً، جعلناه فسخاً أو طلاقاً؛ لأن الله تعالى ذكر الطلاق بغير عوض وشرع معه الرجعة، ثم ذكره بعوض ولم يذكر بعده رجعة وجعله فدية، والافتداء إنما يكون بالخلاص والاستنقاذ؛ لأنها ملكت بضعها بالخلع كما ملك الزوج بضعها بالنكاح، وملك الزوج العوض في مقابلته، هذا قول جمهور العلماء. وجوز أبو حنيفة للمخالع الرجعة كما أن العتق يوجب الولاء والعوض فيه لا يمنع، فكذلك العوض في الطلاق لا يمنع الرجعة. والجواب: أن الولاء لازم للعتق وليس فيه ما يمنع مقصوده، والرجعة تمنع مقصود الطلاق البائن. قال: (فإن شرطها .. فرجعي ولا مال)؛ لأن شرط المال والرجعة متنافيان فيسقطان ويبقى مجرد الطلاق.

وَفِي قَوْلٍ: بَائِنٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ فَأَجَابَ: إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ حَتِّى انْقَضَتِ الْعِدَةُ .. بَانَتْ بِالْرِّدَّةِ وَلَا مَالَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا .. طَلُقَتْ بِالْمَالِ. وَلاَ يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ بَيْنَ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: بائن بمهر المثل) كما إذا طلق حاملاً بشرط أن لا عدة عليها، ولا نفقة لها .. فإنه يفسد الشرط وتبين بمهر المثل، واختار هذا المزني والإمام والغزالي، وفي المسألة طريقة قاطعة بالأول رجحها الأكثرون. وعند أبي حنيفة وأحمد: يصلح الخلع ويثبت المسمى. قال: (ولو قالت: طلقني بكذا وارتدت فأجاب: إن كان قبل دخول أو بعده وأصرت حتى انقضت العدة .. بانت بالردة ولا مال)؛ لانقطاع النكاح بالردة في الحالين، هذا إذا أجابها بعد الردة، فإن أجابها قبلها .. طلقت ووجب المال، فلو وقعا معاً .. فيظهر أنها تبين بالردة. قال المتولي: ومثله لو سألته فارتد. قال: (وإن أسلمت فيها .. طلقت بالمال)؛ لأنا تبينا صحة الخلع. قال: (ولا يضر تخلل كلام يسير بين إيجاب وقبول) يعني: في هذا الباب، سواء كان الكلام منه أو منها؛ لأنه لا يعد في العرف معرضاً عما هو فيه.

فَصْلٌ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَوْ وَلِي عَلَيْكِ كَذَا وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ .. وَقَعَ رَجْعِيٌّ قَبِلَتْ أَمْ لاَ، وَلاَ مَالَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراده بـ (الإيجاب والقبول): الاستيجاب والإيجاب، لكن يغتفر في البيع ما لا يغتفر في النكاح، ويغتفر في الخلع ما لا يغتفر في البيع. وضابط الفصل اليسير: ما لا يشعر بالإعراض، وقال القاضي حسين: يرجع فيه إلى العرف. تتمة: خلع المرتدة بعد الدخول موقوف، فإن عادت إلى الإسلام قبل انقضاء العدة .. تبينا صحة الخلع ولزوم المال المسمى، وإن أصرت إلى انقضائها .. بان بطلانه، وكذا الحكم لو ارتد الزوج بعد الدخول، أو ارتدا معًا ثم جرى الخلع، وكذا لو أسلم أحد الوثنيين ثم تخالعا. وأطلق المتولي: أنه لا يصح الخلع بعد تبديل الدين؛ لأن الملك كالزائل. قال: (فصل: قال: أنت طالق وعليك أو ولي عليك كذا ولم يسبق طلبها بمال .. وقع رجعي) أي: وهو رجعي (قبلت أم لا، ولا مال)؛ لأنه أوقع الطلاق وعطف عليه جملة يخبر فيها: أن له عليها كذا، ولم يحصل منها سبق استدعاء لذلك، ولا ما يقتضي التزامًا، فتلغو هذه الجملة ولا يتأثر بها الطلاق وهذا بخلاف ما لو قالت: طلقني وعلي ألف فطلقها .. حيث يقع الطلاق بائنًا بالألف على الصحيح؛ لأن الذي يتعلق بالمرأة من هذا العقد التزام المال فيحمل اللفظ منها عليه، والزوج ينفرد بالطلاق، فإذا لم يأت بصيغة المعاوضة .. حمل كلامه على ما ينفرد به. وما أطلقه المصنف والأصحاب قيده المتولي بما إذا لم يشتهر استعمال ذلك في الالتزام عرفًا، فإن اشتهر .. كان إيجابًا صحيحًا.

فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُكِ بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ .. فَكَهُوَ فِي الأَصَحِّ. وإِنْ سَبَقَ .. بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ كَذَا .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا، فَإِذَا قَبِلَتْ .. بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن قال: أردت ما يراد بطلقتك بكذا وصدقته .. فكهو في الأصح) أي: يقع بائنًا بذلك المسمى، ويكون المعنى: ولي عليك عوضًا عنه؛ لأن ذلك لا ينحط عن الكنايات في اقتضاء العوض. والثاني: أن توافقهما على ذلك لا يؤثر؛ لأن اللفظ لا يصلح للالتزام. واحترز بقوله: (ووافقته) عما إذا لم توافقه .. فلا يلزمها المال قطعًا، سواء قبلت أم لا، ويقع الطلاق ظاهرًا مؤاخذة له. وقوله: (كهو) تقدم أنه ضعيف في الصناعة. قال: (وإن سبق) أي: طلبها بمال (بانت بالمذكور)؛ لأنه لو اقتصر على قوله: طلقتك .. كان كذلك، فقوله: (وعليك ألف) إن لم يكن مؤكدًا .. لا يكون مانعًا. وصورته: أن تقول: طلقني بألف، فإذا قال: أنت طالق وعليك ألف .. بانت بالألف، ويؤيد كون هذه صورة المسألة أن الضمير في سبق عائد إلى طلبها بمال. ثم ما جزم به من البينونة محله إذا قصد جوابها، فإن قال: قصدت به ابتداء الطلاق دون الجواب ليروم الرجعة .. فالقول قوله بيمينه ويقع رجعيًا، قاله الإمام. وإن سكت عن التفسير .. فالظاهر: أنه يجعل جوابًا كما لو قال البائع: بعت بكذا فقال: اشتريت. ولو ادعى سبق طلبها فأنكرت .. صدقت في عدم المال ولا رجعة له مؤاخذة له بقوله. قال: (وإن قال: أنت طالق على أن لي عليك كذا .. فالمذهب: أنه كطلقتك بكذا، فإذا قبلت) أي: في مجلس التواجب (.. بانت ووجب المال)؛ لأن

وَإِنْ قَالَ: إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَضَمِنَتْ عَلَى الْفَوْرِ .. بَانَتْ وَلَزِمَها الأَلْفُ، وَإِنْ قَالَ مَتَى ضَمِنْتِ، فَمَتى ضَمِنَتْ .. طَلُقَتْ، وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الأَلْفِ .. لَمْ تُطَلَّقْ، وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ .. طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ أَوْ عَكْسُهُ .. بَانَتْ بِأَلْفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (على) للشرط فجعل كونه عليها شرطًا، فإذا ضمنت في الحال .. وقع الطلاق وجرى ذلك مجرى قوله: أنت طالق على ألف، هذا هو الصواب المعتمد. ويقابل المذهب قول الغزالي: إنه يقع رجعيًا ولا يثبت المال؛ لأن الصيغة صيغة شرط، والشرط في الطلاق يلغو إذا لم يكن من مقتضياته كما إذا قال أنت: طالق على أن لك علي كذا. قال: (وإن قال: إن ضمنت لي ألفًا فأنت طالق، فضمنت على الفور .. بانت ولزمها الألف)؛ لوجود الشرط والعقد المقتضي للإلزام إيجابًا وقبولاً. والمرادبـ (الفور): مجلس التواجب كما تقدم، فلو قالت: شئت أو قبلت بدل ضمنت .. لم يقع؛ لأن الضمان المعلق عليه لم يوجد، وليس المراد هنا الضمان المحتاج إلى أصالة؛ فذلك عقد مستقل مذكور في بابه، ولا التزام في المبتدأ؛ لأن ذلك لا يصح إلا في النذر، وإنما المراد هنا: التزام بقبول على سبيل العوض، ولذلك لزم؛ لأنه في ضمن عقد لا عقد مستقل. قال: (وإن قال: متى ضمنت، فمتى ضمنت .. طلقت)؛ لأن هذا اللفظ صريح في التراخي لا يحتمل سواه بدليل أنه لو قال: متى أعطيتني الساعة .. كان محالاً. قال: (وإن ضمنت دون الألف .. لم تطلق)؛ لعدم الصفة المعلق عليها. قال: (ولو ضمنت ألفين .. طلقت)؛ لأنها طابقت وزادت، بخلاف ما لو قال: طلقتك على ألف فقبلت بألفين؛ لأنها صيغة معاوضة فيشترط فيها توافق الإيجاب والقبول. قال: (وإن قال: طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفًا، فقالت: طلقت وضمنت أو عكسه .. بانت بألف)؛ لأن أحدهما شرط في الآخر فيعتبر اتصاله، فهما قبول واحد

وَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا .. فَلاَ. وَإِذَا عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ .. طَلُقَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فاستوى تَقَدُّمُ أحدهما وتأخيره. وقال الماوردي: يشترط تقدم الضمان؛ لأنه جعله شرطًا في الطلاق والشرط مقدم على المشروط، فإن طلقت قبل الضمان .. لم تطلق. قال ابن الرفعة: وهو يوافق قوله فيما إذا قال: إن أحببت فراقي فأمرك بيدك، فلا بد أن تقول: أحببت فراقك ثم تطلق نفسها، فلو طلقت نفسها قبل ذلك .. لم ينفذ. وأفهمت عبارة المصنف: أنه لا بد من قبولها على الفور في الأصح. وقيل: يكفي مجلس العقد المعتبر في خيار المجلس في البيع. وقيل: لها أن تطلق نفسها متى شاءت. قال الرافعي: ولم يختلفوا في اشتراط الضمان في المجلس، واشتراط فيه دون التطليق مشكل؛ فإنه مجرد وعدٍ لا التزام فيه. قال: (وإن اقتصرت على أحدهما .. فلا)؛ لأنه فوض إليها التطليق في المجلس وجعل له شرطًا فلا بد من التطليق وشرطه. قال: (وإذا علق بإعطاء مال فوضعته بين يديه .. طلقت) سواء قبضه الزوج أم لا؛ لأنه إعطاء عرفًا، ولهذا يقال: أعطاني فلم آخذ، ومنه خرجوا المعاطاة في البيع. وقيل: لا بد من التسليم والتسلم؛ لأن ذلك مدلوله لغة. وسكت المصنف عما إذا تناوله منها بيده؛ فإن ذلك لا يخفى حكمه، كما لا يخفى أن ما وضع بين يديه شرطه أن يكون متمكنًا من أخذه، فلو تعذر عليه ذلك بحبس أو جنون .. لم تطلق.

وَالأَصَحُّ: دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَقْبَضْتِنِي .. فَقِيلَ: كَالإِعْطَاءِ، وَالأَصَحُّ: كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ فَلاَ يَمْلِكُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: قال: (إن أعطيت زيدًا ...) فهي صفة محضة، فمتى أعطته .. طلقت. ولو قال: إن جئتني بألف فأنت طالق .. حكى أبو ثور عن الشافعي أنه مثل: إن أعطيتني فتختص بالمجلس، وقال أبو حنيفة: لا تختص، قال الصيدلاني: ولعله مذهبنا؛ إذ مقتضاه أن تفارق المجلس ثم تجيء به. ولو قال: متى أعطيتني ألفًا فأنت طالق فبعثت به على يد وكيل لها وقبضه الزوج .. لم يقع الطلاق؛ لأن الشرط إعطاؤها، وكذا لو أعطته عن الألف عوضًا، أو كان لها عليه ألف درهم فتقاصا، ولو حضرت بنفسها وقالت لوكيلها الحافظ لمالها: سلمه إليه فسلمه إليه .. وقع الطلاق. ولو قال: أنت طالق إذ أعطيتني ألفًا، فـ (إذ) ظرف لما مضى .. فتطلق في الحال بائنًا؛ لاعترافه، ولها مطالبته بالألف إذا أنكرت ذلك. ولو قال: أنت طالق أن أعطيتني – بالفتح – طلقت في الحال، فإن طالبت بألف عند إنكارها الخلع .. لزمه ردها، قالهما الماوردي. قال: (والأصح: دخوله في ملكه) أي: قهرًا بمجرد الوضع؛ لأن التطليق يقتضي الوقوع عند الإعطاء، ولا يمكن إيقاعه مجانًا، فإذا ملكت العوض بوقوع الطلاق .. فمن ضرورته دخول العوض في ملك الزوج؛ لأن ملك العوضين متقارنان. والثاني: لا يدخل في ملكه؛ لأن حصول الملك من غير لفظ تملك من جهتها بعيد، فيرد المعطى ويرجع إلى مهر المثل، قال الغزالي: وهو منقاس لكنه غريب. قال: (وإن قال: إن أقبضتني .. فقيل: كالإعطاء) فيأتي فيه ما سبق؛ لأن ذكره يشعر بقصد تحصيله. قال: (والأصح: كسائر التعليق فلا يملكه)؛ لأنه صفة محضة، بخلاف الإعطاء؛ فإنه إذا قيل: أعطاه عطية .. فهم منه التمليك، وإذا قيل: أقبضه .. لم يفهم منه ذلك.

وَلاَ يُشْتَرَطُ لِلإِقْبَاضِ مَجْلِسٌ. قُلْتُ: وَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يشترط للإقباض مجلس)؛ لأنه صفة محضة كالتعليق بدخول الدار، وقيد المتولي قول الأصحاب: (الإقباض لا يقتضي التمليك) بما إذا لم يسبق منها التماس، فإن سبق كطلقني بألف فقال: إن قبضت منك ألفًا فأنت طالق .. فهو كالإعطاء، قال في (الروضة): وما قاله متعين، وقال في (الشرح الصغير): لا خلاف فيه. قال الشيخ: والذي قاله الرافعي والمصنف هنا من أنه لا يشترط للإقباض مجلس هو المعتمد، والذي صرحا به قبل ذلك بنحو ورقة من عدم اشتراطه يجب تأويله. قال: (قلت: ويقع رجعيًا) كما لو قال: إن دخلت الدار. قال: (ويشترط لتحقق الصفة أخذ بيده منها ولو مكرهة والله أعلم) هذان الحكمان وهم رحمه الله تعالى فيهما، أما اشتراط الأخذ بيده .. فلم يذكره في (الشرح) و (الروضة) إلا في: (إن قبضت منك) لا في (أقبضتني)، وكأن المصنف أخذ ذلك من (أقبضتني) من تصريح الرافعي فيها بأنه لا يكفي الوضع بين يديه، لكن قال ابن الرفعة: لم أر اشتراط القبض في (إن أقبضتني) لغير الغزالي، والذي في كتب الأصحاب: أن ذلك في صيغة (إن قبضت منك) وبينهما فرق، بل صرح الإمام بأنه لا يشترط فقال: وإذا قال: إن أقبضتني فجاءت به ووضعته بين يديه .. فهذا إقباض، ولا يشترط في تحقق الإقباض أن يقبضه. وأما حكمه بالوقوع فيما إذا أخذه منها مكرهة .. فسهو أيضًا؛ لأن المسألة ليست مفروضة في التعليق بالقبض، إنما هي في التعليق بالإقباض. وعلى هذا فإن فرض الإكراه من أجنبي .. فلا شك في عدم وقوع الطلاق؛ لأن الإقباض؛ الاختياري لم يوجد منها، والإقباض بالإكراه الملغى شرعًا لا اعتبار به، وإن كان من الزوج .. فالحق عدم الوقوع أيضًا، أما التعليق بالقبض .. فإن الصفة وجدت فيه فيترتب عليها مقتضاها ولا أثر لكونها مكرهة. واحترز بقوله: (منها) عما إذا قبضه من وكيلها .. فلا يقع شيء.

وَلَوْ عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ، فَأَعْطَتْهُ لاَ بِالصِّفَةِ .. لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ بِهَا مَعِيبًا .. فَلَهُ رَدُّهُ وَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: قِيمَتُهُ سَلِيمًا. وَلَوْ قَالَ: عَبْدًا .. طَلُقَتْ بِعَبْدٍ، إِلاَ مَغْصُوبًا فِي الأَصَحِّ، وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو علق بإعطاء عبد ووصفه بصفة سلم، فأعطته لا بالصفة .. لم تطلق)؛ لعدم وجود المعلق عليه. قال: (أو بها) أي: بالصفة (معيبًا .. فله رده) أي: إذا اختار؛ فإن له خيار الرد بالعيب كما في البيع والسلم لأن الإطلاق يقتضي السلامة. والثاني: لا يرده بل يأخذ أرش عيبه. قال: (ومهر مثل) يعني: إذا رده كان له ذلك؛ لفساد العوض. قال: (وفي قول: قيمته سليمًا) وهو مبني على أن بدل الخلع في يد الزوجة مضمون ضمان عقد أو ضمان يد، وقد تقدم. وصورة مسألة الكتاب: إن تعلق بالإعطاء كما مثل المصنف، بخلاف ما إذا قال لامرأته: طلقتك أو خالعتك على عبد صفته كذا فأعطته عبدًا بتلك الصفة وكان معيبًا .. فله الرد والمطالبة بعبد سليم؛ لأنه إذا خالعها أو طلقها على عبد موصوف .. يثبت العبد الموصوف في الذمة، فإذا سلمته وخرج معيبًا .. رده وطالب بالسليم كما في عقد السلم، وهنا لم يثبت في الذمة شيء، وإنما يعلق الطلاق بالإعطاء وتعين ذلك العبد بالسليم فكان كما لو تعين في العقد، وهذه الصورة كمسألة الكتابة الآتية في بابها حيث قال: (وإن خرج معيبًا .. فله رده وأخذ بدله). قال: (ولو قال: عبدًا .. طلقت بعبد، إلا مغصوبًا في الأصح، وله مهر مثل) المراد أنه قال: إن أعطيتني عبدًا .. فأنت طالق ولم يصفه ولم يعينه، فأعطته أيَّ عبد كان .. طلقت إذا كان مملوكًا لها؛ لوجود الصفة، ولا يملكها الزوج؛ لأن المجهول لا يصلح عوضًا فوجب الرجوع إلى عوض البضع وهو مهر المثل. وفي وجه: يقع الطلاق رجعيًا؛ لأنها لم تسأله الطلاق بعوض. وعلى المذهب: لا فرق بين أن يكون العبد المعطى سليمًا أو معيبًا، ولا بين القن والمدبر والمعلق العتق بصفة، فلو أعطته مكاتبًا .. لم يقع الطلاق، وإن أتت

وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ .. فَلَهُ أَلْفٌ، وَقِيلَ: ثُلُثُهُ، وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَتِ الْحَالَ .. فَأَلْفٌ، وَإِلاَّ .. فَثُلُثُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعبد مغصوب أو مشترك بينها وبين غيرها أو قال: إن أعطيتني ألف درهم فأتت بدراهم مغصوبة .. فوجهان: أصحهما: لا يقع الطلاق؛ لأن الإعطاء يعتمد التمليك، وهذا لا يمكن تمليكه فلا يجزىء. والثاني: يكون الحكم كما لو أتت بما تملكه فيقع الطلاق، ويرجع إلى مهر المثل؛ لأن الزوج لا يملك المدفوع، ولو كان ملكًا لها .. فلا معنى لاعتبار الملك. قال الرافعي: وهذان الوجهان يطردان في العبد المرهون والمستأجر من غيره، وطردهما في المستأجر ينبغي أن يكون تفريعًا على منع بيعه، ويكون الصحيح وقوع الطلاق به وعدم طرد الوجهين فيه، وبذلك صرح المصنف في (الروضة). ولو قال: إن أعطيتني هذا العبد المغضوب فأعطته .. وقع على الأصح؛ لأن التصريح بالغصب يدل على أنه لم يقصد ملكه. ولو قال: إن أعطيتني هذا الحر فأنت طالق .. فثلاثة أوجه: أصحها: يقع الطلاق بائنًا بمهر المثل. والثاني: لا يقع. والثالث: يقع رجعيًا، وكان حق المصنف أن يقول: طلقت بكل عبد؛ لأجل الاستثناء بعده؛ فإنه لا يكون إلا من عام. قال: (ولو ملك طلقة فقط فقالت: طلقني ثلاثًا بألف، فطلق الطلقة .. فله ألف، وقيل: ثلثه، وقيل: إن علمت الحال .. فألف، وإلا .. فثلثه) وجه ما صححه المصنف والجمهور: أنه حصل بالواحدة مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى، وهذا منصوص (المختصر)، وبه قطع جماعة. واعترض عليه المزني فقال: ينبغي أن لا يستحق الألف؛ توزيعًا للمسمى على العدد المسؤول كما لو كان يملك الثلاث، والحرمة لم تثبت بتلك الطلقة، بل بها وبما قبلها، وهذا كما قال الشافعي: السكر لا يحصل بالقدح الأخير بل به وبما

وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ بِمِئَةٍ .. وَقَعَ بِمِئَةٍ، وَقِيلَ: بِأَلْفٍ، وَقِيلَ: لاَ يَقَعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قبله، فيكون حكم ما قبله في التحريم حكمه، وكما قال فيما إذا فقأ عين الأعور: لا يجب إلا نصف الدية؛ لأن العمى إنما حصل به وبما قبله. ووافق المزنيَّ على ذلك طائفةٌ فقالوا: يلزمها ثلث الألف، سواء علمت المرأة ما بقي من الطلاق أم لم تعلم، وأولوا النص. وقال ابن خيران والإصطخري: نصه محمول على أن الخلع فسخ، قال الرافعي: وهذا الكلام غير مخمر؛ فإن الخلاف في أن الفراق على مال فسخ أو طلاق موضعه إذا لم يجر لفظ الطلاق، وهنا المسؤول الطلاق، والجواب بالطلاق. وعن ابن سريج وابي إسحاق أنهما توسطا فقالا: إن كانت عالمة أنه لم يبق إلا واحدة .. استحق تمام الألف، وهو المراد من النص، وإن لم تكن عالمة .. فتوزع كما قاله المزني. ونقل الحناطي قولاً رابعًا: إن المسمى يبطل ويرجع إلى مهر المثل. وخامسًا: إنه لا شيء له؛ لأنه لم يطلقها كما سألت. قال: (ولو طلبت طلقة بألف، فطلق بمئة .. وقع بمئة)؛ لأنه قادر على الطلاق بغير عوض فأولى أن يقدر عليه ببعض العوض المبذول، وقد رضي به فلا يزاد عليه. قال: (وقيل: بألف)؛ لأنه لا يحتاج إلى قبول الألف، بل يكفي أن يطلقها؛ لأنه لو اقتصر على قوله: أنت طالق .. كفى واستحق الألف، فيعمل بذلك ويلغو قوله: بمئة. قال: (وقيل: لا يقع)؛ لأن الجواب لم يوافق الخطاب، فأشبه ما إذا قال: أنت طالق بألف فقبلت بمئة .. لا يقع. تنبيه: أهمل المصنف من (المحرر) قوله هنا: ولو قالت طلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق ثلاثًا .. وقع الثلاث واستحق الألف، ولو أعاد ذكر الألف فقال: أنت طالق ثلاثًا بألف .. فكذا على الأظهر. اهـ

وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ .. بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ: بِالْمُسَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الأولى: فبالقياس على الجعالة، وقال أبو حنيفة: لا يستحق شيئًا. وأما الثانية: فكما لو لم يقل بألف؛ لأنه بمعناه. ثم هل الألف التي يستحقها الزوج في مقابلة الثلاث أو في مقابلة واحدة؟ فيه وجهان. قال الشيخان: ولا تتعلق بهذا الخلاف فائدة حكمية، قال في (المهمات): بل له فائدتان: إحداهما: إذا وكل وكيلاً في طلاق زوجته طلقتين مجانًا وواحدة بما شاء من العوض فسألته طلقة على ألف فأوقع ثلاثًا، فإن قلنا: الألف في مقابلة الواحدة .. وقع الثلاث، وإن قلنا: الألف في مقابلة الثلاث .. فلا تقعان، وأما الباقية .. فالأصح: تقع بثلث الألف. والثانية: إذا أذنت لشخص في وفاء ما يخص الطلقة المسؤول عليها، أو ضمن شخص عن المرأة ذلك، أو أبرأ الزوج زوجته عنه. قال: (ولو قالت: طلقني غدًا بألف، فطلق غدًا أو قبله .. بانت)؛ لأنه إن طلق في الغد .. فقد حصل المقصود، أو قبله .. فقد حصَّله وزيادة، فأشبه ما إذا قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثًا به، فإن طلق بعده .. وقع رجعيًا؛ لأنه خالف ما ذكرته، فكان مبتدئًا. قال: (بمهر المثل)؛ لأنه سلم في الطلاق، والطلاق لا يثبت في الذمة، وإذا فسدت الصيغة .. يرجع بمهر المثل. قال: (وقيل في قول: بالمسمى) أشار إلى أن في المسألة طريقين: أصحهما: القطع بما تقدم. والثانية: فيها قولان: أحدهما: مهر المثل.

وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ اّلدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلفٍ، فَقَبِلَتْ وَدَخَلَتْ .. طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ بِالْمُسَمَّى، وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ: بِمَهْرِ الْمِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: ببدل المسمى كالقول فيما إذا خالع على خمر أو مغصوب. ومقتضى كلام المصنف: أنه لا فرق بين أن يعلم فساد الخلع أم لا، لكن القاضي حسين والبغوي والمتولي خصوه بالجاهل، فإن علم فساده .. وقع رجعياً إن لم يذكر مالاً، فإن ذكر .. فمبتدئ، وضعفه الإمام وقال: لا حاصل له، والذي قطع به الأصحاب البينونة بمهر المثل، سواء علم الفساد أم جهله. قال: (وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق بألف، فقبلت ودخلت .. طلقت على الصحيح)؛ لوجود المعلق عليه. والثاني: لا تطلق؛ لأن المعاوضات لا تقبل التعليق فيمتنع ثبوت المال، وإذا لم يثبت .. لا تطلق؛ لارتباطه بالمال. وفي قوله: (فقبلت) إشارة إلى اشتراط القبول على الفور، وفيه احتمال للقفال: أنها بالخيار بين أن تقبل في الحال أو عند وجود الصفة. قال (بالمسمى)؛ تجويزاً للاعتياض عن الطلاق المعلق كما يجوز عن المنجز. قال: (وفي وجه أو قول: بمهر المثل)؛ لأن المعاوضات لا تقبل التعليق، فيفسد العوض دون الطلاق؛ لقبوله التعليق، وإذا فسد العوض .. وجب مهر المثل. وترددُ المصنف في أنه وجه أو قول تبع فيه (المحرر)، وعبارة (الشرح) و (الروضة) ترجيح أنه وجه، والصواب: أنه قول كما في (الحاوي) و (التهذيب) وغيرهما، وهو منسوب إلى رواية الربيع. واقعة: في (فتاوى ابن الصلاح): رجل طلق زوجته طلقة رجعية ثم حضر إلى العاقد ليكتبها ويراجعها فقال له- وهو لا يعلم بتقدم الطلاق-: قل لها: خالعتك على ما في صداقك، فقال لها ذلك فقالت: قبلت وهو يريد الطلقة الماضية لا إنشاء طلقة أخرى.

وَيَصِحُ اخْتِلاَعُ أَجْنَبِيٍّ، وَإِنْ كَرِهَتْهُ الزَّوْجَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: الخلع باطل وله مراجعتها في العدة، والقول قوله في دعواه أن الخلع وقع كذلك. قال: (ويصح اختلاع أجنبي، وإن كرهته الزوجة) كما يصح التزام المال لعتق السيد عبده، وقد يكون له فيه غرض بأن كان الزوج ظالماً بإمساكها أو يسيء عشرتها أو يمنع حقوقها فأراد المختلع تخليصها. وصحة الخلع مع الأجنبي مفرع على أنه طلاق؛ فإن الطلاق أمر يستقل به الزوج فجاز أن يسأله الأجنبي على مال كما إذا قال: ألق متاعك في البحر وعليَّ كذا، فأما إذا قلنا: إنه فسخ .. فلا، وإلى صحة خلع الأجنبي ذهب جمهور العلماء، ومنعه أبو ثور محتجاً بأن بذل المال لغرض غيره سفه. وأجيب بأنه قد يكون له غرض بأن يراهما لا يقيما حدود الله، أو لرغبة الأجنبي في نكاحها وقد يستنكر ذلك، ويجاب عنه بأن سعد بن الربيع قال لعبد الرحمن بن عوف: انظر أي زوجتيَّ شئت أنزل لك عنها، فإذا فرض مثل هذا بقصد صالح .. فلا بأس به، ولم يعد الأصحاب قول أبي ثور هذا وجهاً في المذهب؛ لضعف مستنده وإن كانت العادة عد قوله وجهاً. وأخذ الشيخ من خلع الأجنبي جواز أن يبذل الرجل مالاً لمن بيده وظيفة يستنزله به عنها إما لنفسه أو لغيره، ويحل له أخذ العوض ويسقط حقه منها، ويبقى الأمر في ذلك إلى ناظر الوظيفة يفعل فيها ما تقتضيه المصلحة شرعاً. فلو شرط النازل حصولها للمنزول له .. لم يجز، فإن فرض أن الذي بيده الوظيفة ليس أهلاً لها .. كان أخذه العوض حراماً؛ لأنه يجب عليه الخروج عنها مجاناً.

وَهُوَ كَاخْتِلاَعِهَا لَفْظاً وَحُكْماً. وَلِوَكِيلِهَا أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما النزول بغير عوض بل على سبيل الهبة .. فيجوز أخذاً من هبة سودة نوبتها كما تقدم. وأما النزول على جهة التتابع وأن يكون المنزول له يترتب له حق في مقابلة العوض .. فباطل؛ لما فيه من الغرر من بذل المال في مقابلة شيء غير موثوق به. قال: (وهو كاختلاعها لفظاً وحكماً) فيكون من جانب الزوج معاوضة فيها شوب تعليق، ومن جانب الأجنبي معاوضة فيها شوب جعالة، فلو قال له: طلق امرأتك ولك عليَّ كذا أو على كذا فطلق .. وقع بائناً ولزمه المال، وكذا لو قال: بهذا العبد أو بهذا الثوب. ولو قال هو للأجنبي: طلقتُ امرأتي ولي عليك كذا .. وقع الطلاق رجعياً، ولو اختلعها عبد بيت المال في ذمته كما لو اختلعت الأمة نفسها، ولو اختلعها سفيه .. وقع رجعياً، لكن يرد على قوله: (وحكماً) ثلاث صور: إحداها: تحريمه؛ فإنها إذا سألت ذلك في الحيض لا يحرم بخلاف الأجنبي، وقد ذكره المصنف في الطلاق. الثانية: لو قال الأجنبي: طلقها على هذا المغصوب أو على هذا الخمر أو على عبد زيد هذا فطلق .. وقع رجعياً، بخلاف ما إذا التمست المرأة ذلك كما نقله الشيخان عن البغوي. الثالثة: لو كان له امرأتان فخالعه الأجنبي عنهما بألف من ماله .. صح بالألف قطعاً وإن لم يفصل حصة كلٍ منهما؛ لأن الألف تجب للزوج وحده على الأجنبي وحده، بخلاف الزوجتين إذا اختلعتا .. فإنه يجب أن يفصل ما تلتزمه كل منهما، قاله الماوردي. قال: (ولوكيلها أن يختلع له) أي: لنفسه بالصريح أوبالنية فيكون خلع أجنبي والمال عليه كوكيل المشتري، فإن صرح بالوكالة أو نواها .. فلها. وسكت المصنف عما إذا لم يصرح بنيابة ولا استقلال، قال الإمام: والذي أطلقه الأصحاب أنه يقع رجعياً، ثم تردد في الوقوع، وليس لنا خلع بخمر ومغصوب ونحوه

وَلأَجْنَبِيٍّ تَوْكِيلُهَا فَتَتَخَيَّرُ هِيَ. وَلَوِ اخْتَلَعَ رَجُلٌ وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا كَاذِباً .. لَمْ تُطَلَّقْ. وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ فَيَخْتَلِعُ بِمَالِهِ، فَإِنِ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلاَيةٍ .. لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ بِاسْتِقْلاَلٍ .. فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقع فيه الطلاق رجعياً ولا مال إلا هذه الصورة. قال: (ولأجنبي توكيلها فتتخير هي) فإن شاءت .. خالعت استقلالاً، وإن شاءت .. بالوكالة، فإن أطلقت .. فالظاهر وقوعه عنها. قال: (ولو اختلع رجل وصرح بوكالتها كاذباً .. لم تطلق)؛ لأنه مربوط بالمال وهو لم يلتزمه في نفسه، وكذب في إضافة الالتزام إليها، فأشبه ما إذا خالعها فلم تقبل. قال: (وأبوها كأجنبي فيختلع ماله)؛ لأنه إذا جاز ذلك للأجنبي .. فجوازه للأب أولى؛ لوفور شفقته، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة. قال: (فإن اختلع بمالها وصرح بوكالة أو ولاية .. لم تطلق) كما لو بان كذب مدعي الوكالة في الاختلاع. قال: (أو باستقلال .. فخلع بمغصوب) فيقع الطلاق بمهر المثل في الأظهر، وببدل المسمى في قول، وقيل: يكون رجعياً. تتمة: إذا اختلعها الأب بصداقها أو البراءة منه أو على أو الزوج بريء من الصدق، أو قال للزوج: طلقها وأنت بريء من صداقها .. فالمنصوص: أن الطلاق يقع رجعياً ولا يبرأ الزوج ولا يلزم الأب شيء، وقيل: لا يقع الطلاق أصلاً كالوكيل الكاذب.

فَصْلٌ: ادَّعَتْ خُلعاً فَأَنْكَرَ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ بِكَذَا فَقَالَتْ: مَجَّاناً .. بَانَتْ وَلاَ عِوَضَ. وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ عِوَضِهِ، أَزْ قَدْرِهِ وَلاَ بَيِّنَةَ .. تَحَالَفَا وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: ادعت خلعاً فأنكر .. صدق بيمينه)؛ لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الخلع، فإن أقامت بينة .. فلابد من رجلين، ولا مطالبة له بالمال؛ لأنه ينكره، فإن عاد واعترف بالخلع .. قضي له بالعوض؛ لأن الطلاق لزمه وهي معترفة به، قال الماوردي. قال: (وإن قال: طلقتك بكذا فقالت: مجاناً .. بانت ولا عوض) أما البينونة .. فلإقراره، وأما عدم العوض .. فكما لو قال لعبده: أعتقك بألف فأنكر .. ثبت العتق دون المال، فلو أقام شاهداً وحلف معه أو شاهداً وامرأتين .. فإن المال يثبت، قاله العمراني. وقوله: (بانت) ظاهره أنه لا نفقة لها، والمنقول وجوبها إلى آخر العدة، فلو عادت واعترفت بعد اليمين بما ادعاه .. لزمها دفعه إليه، قاله الماوردي. قال: (وإن اختلفا في جنس عوضه، أو قدره ولا بينة .. تحالفا) كما في نظيره من البيع، وكذا اختلافهما في نوع وصفة. قال: (ووجب مهر مثل)؛ لأنه تعذر رد البضع إليه فرجع إلى بدله وهو مهر المثل كما لو وقع التحالف بعد تلف المبيع، وأما البينونة .. فواقعة، وأثر التحالف في العوض خاصة. وقيل: يجب الأول منه ومما ادعاه، وقيل: الأكبر منه ومما ادعته. وقيل: إن كان ما يدعيه الزوج أقل من مهر المثل .. لا يجب له مهر مثل بل الذي يدعيه، فإن أقام كل منهما بينة على ما يدعيه .. تساقطتا، وقيل: يقرع، وقيل: يعمل بأكبرهما. وقال شارح (التعجيز): إنما يوجب النزاع في القدر التحالف إذا ادعت الأكثر،

وَلَوْ خَالَعَ بِأَلْفٍ وَنَوَيَا نَوْعاً .. لَزِمَ، وَقِيلَ: مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوْ قَالَ: أَرَدْنَا دَنَانِيرَ، فَقَالَتْ: بَلْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوساً .. تَحَالَفَا عَلَى الأَوَّلِ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلاَ تَحَالُفٍ عَلَى الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا .. فلا؛ لحصول مقصودها بزيادة، وهذا حكاه الرافعي عن ابن الصباغ تخريجاً. قال: (ولو خالع بألف ونويا نوعاً .. لزم)؛ إقامة للمنوي مقام الملفوظ، وهذا بخلاف البيع؛ فإنه لا يصح، لأنه يحتمل في الخلع ما لا يحتمل في البيع، فإذا كان في البلد نقد غالب .. نزل عليه، وإلا .. بطلت التسمية. ولو لم يذكر جنساً بل قال: خالعتك على ألف .. فكإبهام النوع، وبهذا صور الشيخ مسألة الكتاب؛ لتؤخذ الأُولى منها بطريق الأَولى. قال: (وقيل: مهر مثل)؛ لفساد التسمية كما يفسد البيع، ولا فرق بين أن يتواطأ عليه قبل العقد أم لا على الأصح في زوائد (الروضة). قال: (ولو قال: أردنا) أي: بالألف التي أطلقناها (دنانير، فقالت: بل دراهم أو فلوساً .. تحالفا على الأول) أي: على قولنا في التي قبلها: إنهما لو عينا نوعاً .. لزم، فإذا حلفا .. وجب مهر المثل. وعلى الثاني- وهو وجوب مهر المثل في التي قبلها-: يجب مهر المثل بلا خلاف؛ لأنهما لو اتفقا على الإرداة .. وجب مهر المثل فلا أثر للتنازع. قال: (ووجب مهر المثل بلا تحالف على الثاني)؛ لأن هذا نزاع في القصد والنية ولا مطلع عليها، وإذا امتنع التحالف ووقع الاختلاف .. صار العوض مجهولاً فيجب الرجوع إلى مهر المثل. تتمة: له امرأتان اسم كل منهما فاطمة فقالت له إحداهما: خالعني على ألف فقال الزوج: خالعت فاطمة على ألف، فقالت: قبلت، ثم اختلفا فقال الزوج: إنما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أردت الأخرى وقالت: بل أرتني .. فالقول قول الزوج مع يمينه؛ لأنه لم يعينها ولا في اللفظ دلالة عليها. ... خاتمة إذا اختلعت المرأة نفسها على معين أو في الذمة ولها صداق في ذمته .. لم يسقط صداقها بالخلع، سواء قبل الدخول أو بعده، سواء كان بلفظ الخلع أو المفاداة. وقال أبو حنيفة: المخالعة تسقط الصداق الثابت في ذمة الزوج. لنا: أن هذه فرقة بين الزوجين لا توجب سقوط الثابت في الذمة كالفرقة بالرضاع، وقياساً على سائر الديون.

كتَابُ الطَّلَاقْ

كتاب الطلاق

كِتَابُ الطَّلاَقِ يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ التَّكْلِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الطلاق هو في اللغة: حل القيد والإطلاق، يقال: ناقة طالق، أي: مرسلة ترعى حيث شاءت. وفي الشرع: اسم لحل قيد النكاح، وهو لفظ جاهلي ورد الشرع باستعماله يقال: طلقت المرأة بفتح اللام على الأصح- ويجوز ضمها- تطلُق بالضم فيهما فهي طالق وطالقة. قال الأعشى في (ديوانه)] 216 [من (الطويل): أجارَتَنا بِينِي فإنك طالقة .... كذاك أمور الناس غاد وطارقة والأصل فيه من الكتاب العزيز قوله:} الطَّلَقُ مَرَّتَانِصلى {. وقوله:} يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ {. ومن السنة النبوية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها) رواه ابن عساكر] 3/ 204 [وغيره، وروى الحاكم] 2/ 196 [والدارقطني] 4/ 35 [وأبو داوود] 2171 [والحافظ المنذري] 2/ 719 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق). وفي (الصحيحين)] خ 3331 - م 1468 [حديث: (المرأة خلقت من ضلع إن أقمتها .. كسرتها، وإن تركتها .. استمتعت لها على عوج فيها وكسرها طلاقها) ولا خلاف بين المسلمين فيه. قال: (يشترط لنفوذه التكليف) فلا يقع طلاق الصبي ولا المجنون تنجيزاً ولا تعليقاً؛ لأن عبارتهما غير معتبرة، والقلم مرفوع عنهما فلا يلزمهما حكم.

إِلاَّ السَّكْرَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الترمذي)] 1191 [موقوفاً: (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه). وكذلك الحكم في كل زائل العقل، لكن قد يتصور طلاق النائم والمغمى عليه والمجنون فيما إذا علق طلاقها في حال التكليف بصفة فوجدت وهو غير مكلف. ويشترط الاختيار، فلا ينفذ من المكره كما سيأتي. قال: (إلا السكران) فإنه ينفذ طلاقه في الأظهر؛ لإجماع الصحابة على مؤاخذته بالقذف، وهذا الاستثناء من زيادته على (المحرر) و (الشرحين). قال في (الروضة): كذا اقتصر عليه الغزالي وغيره، وقد يورد عليه السكران؛ فإنه يقع طلاقه على المذهب وهو غير مكلف كما قاله أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول، ولكن مرادهم أنه غير مخاطب حال السكر، ومرادنا هنا: أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد. اهـ وما قاله عن الأصوليين فيه نظر، فجمهورهم على أنه مكلف وهو المنصوص،

وَيَقَعُ بِصَرِيحِهِ بِلاَ نِيَّةٍ، وَبِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وبه صرح الجويني والقاضي حسين في (باب الأذان)، وابن الصباغ والجرجاني وابن أبي عصرون وصاحب (الإستقصاء) وغيرهم في هذا الباب، فالصواب: حذف هذا الاستثناء. قال: (ويقع بصريحه بلا نية) حتى لو قال: لم أنو به طلاقاً .. لم يقبل بالإجماع، واحتج له الخطابي بقوله تعالى:} وَلاَ تَتَّخِذُ?اءَايَتِ الله هُزُواًج {، ولأنا لو لم نقل بذلك .. لتعطلت الأحكام، ولم يخالف في ذلك إلا داوود؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (الأعمال بالنيات). فإن قيل: قول الغزالي: (لا بد من قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق) كيف يجمع بينه وبينقولهم: الصريح لا يحتاج إلى نية؟ .. أجاب الشيخ بأنه لا منافاة بين الكلامين؛ فإنه احترز بـ (قصد اللفظ) عن سبق اللسان ومن جريان اللفظ من النائم والعجمي الذي لا يعرف مدلوله. وقوله: (لمعناه) يريد به المعنى الذي وضع له، وليس المراد اشتراط نية الطلاق كما في الكناية، بل إذا قال: أنت طالق .. فيه ثلاثة أشياء: النظق بالحروف وكونها مستعملة في معناها وقصد إيقاع الطلاق. فقصد إيقاعه لا يشترط وهو الذي يحتاج إليه في الكناية دون الصريح، وقصد اللفظ لا بد منه، واستحضار معناه شرط أيضاً وهو المراد بقوله: (لمعنى الطلاق) أي: مستعملاً لمعناه لا من حيث إرادة الإيقاع بل قصد أن ينطق بهذا اللفظ مستعملاً له في معناه. نعم؛ يستثنى المكره، فصريح الطلاق كناية في حقه، إن نوى به .. وقع، وإلا .. فلا على الأصح. قال: (وبكناية بنية)؛ لما روى البخاري] 5254 [عن عائشة: أن ابنة الجون لما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم .. قالت: أعوذ بالله منك، قال: (لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك) فكان ذلك طلاقاً لها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أراد الفراق، فإن لم ينوه .. لم يقع بالإجماع. ووقع في (الوسيط) في أول (كتاب النكاح): أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها .. علمها نساؤه أن تقول له ذلك عند لقائه، وقلن: هذه كلمة تعجبه، فاتفق ما اتفق وهذه الزيادة في (طبقات ابن سعد)] 8/ 144 [بإسناد ضعيف. وروى الشافعي] أم 7/ 236 [عن مالك بلاغاً: أن رجلاً على عهد عمر يطوف إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال: من أنت؟ قال: أنا الذي أمرت بحملي إليك، فقال: أَنشدك برب هذا البيت هل أردت بحبلك على غاربك الطلاق؟ فقال لو استحلفتني على غير هذا المكان .. ما صَدَقْتُك، أردت الفراق، فقال عمر: هو ما أردت، بانت منك امرأتك. ومن (الصحيحين)] خ 4418 - م 2769 [: أن كعب بن مالك قال لامرأته: الحقي بأهلك حتى يقضي الله ما يشاء، ولم يقع به طلاق؛ لأنه لم ينوه، فكذا بقية الكنايات. وعن ابن سيرين ومالك: أن الطلاق يقع بمجرد النية من غير احتياج إلى لفظ، ويرد عليهما ما في (الصحيحين)] خ 2528 - م 127 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به) فهذا الحديث حجة لعدم المؤاخذة بذلك في كل ما له متعلق في الخارج. وأما ما لا متعلق له في الخارج من أعمال القلوب .. فمنها ما يؤاخذ به قطعاً ولا يندرج تحت الحديث. قال الشيخ: وكثير من الناس يغلطون فيه ويجرون القسمين مجرىً واحداً، حتى رأيت شيخنا الشيخ علم الدين العراقي صنف كتاباً في المؤاخذة بالعزم، وذكر من القرآن أربع مئة وخمسين موضعاً يدل له، وأكثرها مما هو من أعمال القلوب.

فَصَرِيحُهُ: الطَّلاَقُ، وَكَذَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهات: أحدها: المراد بالكناية: ما احتمل معنيين فصاعداً، وهي في بعض المعاني أظهر، كذا قاله الرافعي في آخر الركن الرابع. الثاني: يستثنى السكران؛ فإنه لا يقع طلاقه بالكناية، قاله في (المطلب) ونوزع فيه. الثالث: لنا طلاق يقع على زوج من غير لفظ صريح ولا كناية، وهي: إذا اعترف الزوج بفسق شاهدي العقد وأنكرته المرأة كما تقدم. وكذلك إذا زوج الأمة ثم قال: نكحتها وأنا واجد طَول حُرة .. فإنه يجعل طلاقاً، بخلاف ما إذا ادعت المرأة زوجية رجل فأنكر .. لم يكن طلاقاً على الأظهر، ولم يحل لها نكاح غيره، كذا في (فتاوى القفال). قال: (فصريحه: الطلاق)؛ لإجماع العلماء عليه، المراد: ما اشتق من لفظه من فعل واسم فاعل واسم مفعول. قال: (وكذا الفراق والسراح على المشهور)؛ لورودهما في القرآن وتكررهما على ألسنة حملة الشرع. وفي (مراسيل أبي داوود)] 220 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى:} الطَّلَقُ مَرَّتَانِصلى {قيل: أين الثالثة يا رسول الله؟ قال:} أَوْ تَسْرِيُح بِإِحْسَنٍ {فسماه الشارع طلاقاً وهذا هو الجديد. والثاني: أنهما كنايتان؛ لاستعمالهما فيه وفي غيره كالحرام، وهذا قديم، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر، فلو قال الكافر: لم أرد بالطلاق معناه .. لم يسمع.

كطلقتك وأنت طالق ومطلقة ويا طالق، لا أنت طلاق والطلاق في الأصح ... ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: تقدم أن لفظ الخلع مع ذكر المال صريح، وكذا إن يذكر معه المال على مقتضى تفريغ الأكثرين وإن كان في (الروضة) خلافه، فكان ينبغي أن يذكره هنا كما فعل في (المحرر). الثاني: تستثنى مسألتان لا يكون لفظ الطلاق فيهما صريحاً مع النية: إحداهما: لو لقن كلمة الطلاق بلغة لا يعرفها ولم يعلم أن معناها الطلاق ولكن نوى بها قطع النكاح .. فإنه لا يقع، كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها وقال: أردت بها الطلاق. والثانية: العجمي إذا قال: أنت طالق وقال: أردت بهذه اللفظة مدلولها بالعربية .. لا يقع على الأصح؛ لأنه لا يعلم معناها، وهذا غريب لفظ أريد به معناه ولا ينفذ؛ لجهله بأن الكلمة موضوعة لذلك المعنى. قال: (كطلقتك وأنت طالق ومطلقة) أي: بتشديد اللام (ويا طالق) ومثله يا مطلقة، فصراحة (طلقتك) و (أنت طالق) بالإجماع، وأما (أنت مطلقة) و (يا طالق) .. فعن أبي حنيفة: أنهما ليسا بصريح، وعندنا وجه مثله، لكن صراحة (يا طالق) محله فيمن لم يكن اسمها، فإن كان اسمها طالق .. فهو كناية. قال: (لا أنت طلاق والطلاق في الأصح) بل هما كنايتان؛ لأن المصادر غير موضوعة للأعيان، لكنها قد تجيء بمعنى اسم الفاعل كقوله تعالى:} قُلْ أَرَيَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً {أي: غائراً، قال الشاعر (من الطويل): فأنت طلاق والطلاق عزيمة .... ثلاثاً ومن يخرق أعق وأظلم فبيني بها أن كنت غير رفيقة .... فما لامرىء بعد الثلاثة مقدم والوجه الثاني: أنهما صريحان كيا طالق، وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ لأن لفظ الطلاق لا يطلق كيف ما فرض إلا للفراق، فإذا جرى على خلاف المألوف .. فالاعتبار بأصل الكلمة، ويجريان في (أنت طلقة) وفي (أنت الفراق والسراح).

وترجمة الطلاق بالعجمية صريح على المذهب. وأطلقتك وأنت مطلقة كناية. وَلَوِ اشْتَهَرَ لَفَّظُ الطَّلاَقِ كَالْحَلاَلِ أَوْ حَلاَلُ اللهِ عَلَىَّ حَرَامٌ .. فَصَرِيحٌ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وترجمة الطلاق بالعجمية صريح على المذهب) وكذا سائر اللغات؛ لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغة. والثاني: ليست صريحة؛ لأن اللفظ الوارد في القرآن عربي. قال: (وأطلقتك وأنت طالق) أي: بإسكان الطاء فيهما وتخفيف اللام (كناية)؛ لعدم الاشتهار، وقيل: صريح؛ لتقارب الإطلاق والتطليق كالإكرام والتكريم. قال: (ولو اشتهر لفظ الطلاق كالحلال أو حلال الله علىَّ حرام .. فصريح في الأصح)؛ لغلبة الاستعمال وحصول الفهم، ونظيره: أنت علي حرام، والحرام يلزمني، وعليَّ الحرام، ووافق ابن الرفعة الرافعي في ذلك. قال: (قلت: الأصح: أنه كناية والله أعلم)؛ لأنها لم تتكرر في القرآن ولا على ألسنة حملة الشرع، هذا عليه الأكثرون، وهو منصوص (الأم) والبويطي، وللخلاف التفات إلى أن الاصطلاح الخاص هل يقضى به كالاصطلاح العام؟ وأصله مسألة صداق السر والعلانية. قال الروياني: كان القفال يقول إذا استفتي عن هذه المسألة: إذا سمعت غيرك حلف بهذا ما كنت تفهم منه؟ إن فهمت منه الصريح .. فصريح لك، واختار هذا الأستاذ أبو إسحق وكثير من فقهاء خراسان، ومما تعم به البلوى: عليّ الطلاق والطلاق يلزمني. وفي (شرح الكفاية) للصيمري: أن ذلك صريح، وهو الصواب المفتى به في هذا الزمان؛ لاشتهاره في معنى التطليق. وأفتى الشيخ الطوسي تلميذ محمد بن يحيى وابن الصلاح بعده بأنه لا يقع بذلك شيء؛ لخروج اللفظ عن صيغة الاشتراط.

وَكِنَايَتُهُ كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ، بَتَّةٌ، بَتْلَةٌ، بَائِنٌ، اعْتَدِّي، اسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (البحر) عن (المنثور) للمزني: إن نوى .. كان طلاقاً، وإلا .. فلا. قال: (وكنايته كأنت خلية) أي: من الزوج، فعيلة بمعنى فاعلة؛ أي: خالية، وجعلت كناية؛ لاحتمال أنها خالية من غيره. والكناية تنقسم إلى خلية وحفية، فالخلية: التي يكثر استعمالها في الفراق وهذه منها، والحفية بعد ذلك. قال: (برية) أي: من عصمتي وزوجيتي. قال: (بتة) أي: مقطوعة الوصلة من نكاحي. وفي الحديث: أن ركانة بن عبد يزيد طلق زوجته سهيمة بنت عويمر البتة، فاستحلفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت إلا واحدة فجعلها واحدة، ثم طلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان، رواه الشافعي (شم 1/ 153) والراقطني] 4/ 33 [وأبو داوود] 2189 [والترمذي] 1177 [وابن ماجه] 2501 [والحاكم] 2/ 199 [وقال: صحيح، وقال البخاري وأحمد: إنه مضطرب الإسناد. وفي (شرح أدب الكاتب): أن سيبويه قال: لا يجوز إلا البتة بالألف واللام، وأجاز الفراء بتة بغير ألف ولام. قال (بتلة) أي: متروكة النكاح، ومنه نهي عن التبتل. والمرأة البتول: المنقطعة عن الرجال التي لا شهوة لها فيهم، وبها سميت مريم أم المسيح عليهما السلام، وسميت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى. قال: (بائن) أي: مفارقة من البين وهو الفراق. وبائن هي اللغة الفصيحة كطالق، ويجوز في لغة قليلة بائنة. قال: (اعتدي، استبرئي رحمك) هذان اللفظان يحتاجان لإضمار؛ لأن الاستعداد والاستبراء من آثار الطلاق فذكرهما يقتضي إضمار الطلاق لاستحالة وجودهما بدونه وكأنه قال: اعتدي واستبرئي؛ لأني طلقتك، وسواء المدخول بها وغيرها.

اَلْحَقِي بِأَهْلِكِ، حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، لاَ أَنْدَهُ سَرْبَكِ، اعْزُبِي، اغْرُبَي، دَعِينِي، وَدِّعِينِي، وَنحْوِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن لم يدخل بها .. لم يقع به طلاق وإن نوى. قال: (اِلحقي بأهلك) سواء كان لها أهل أم لا؛ لحديث كعب بن مالك المتقدم، وهو بكسر الهمزة وفتح الحاء. قال: (حبلك على غاربك) أي: خليت سبيلك بالطلاق كما يخلى البعير بالصحراء بإلقاء زمامه على غاربه، وهو ما تقدم من الظهر وارتفع من العنق. قال: (لا أنده سربك) أي: تركتك فلا أهتم بشأنك؛ لأني طلقتك. ومعنى (أنده) أزجر، و (السرب) بفتح السين: الإبل. وكان هذا طلاقهم في الجاهلية، كانوا إذا قال أحدهم ذلك لامرأته .. بانت منه، لكنها الآن كناية خفية؛ لقلة استعمالها، وألحق بها ابن الصباغ قوله لها: سلام عليك؛ لأنه يستعمل عند الفراق، ولذلك قالها إبراهيم عليه لأبيه؛ لأنها تحية مفارق، ولذلك قال النقاش: حليم خاطب سفيهاً مثل:} وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَماً {. قال: (اعزبي، اغربي) الأولى بعين مهملة وزاي؛ أي: ابعدي، والثانية بمعجمة وراء مهملة؛ أي: صبري غريبة مني وفيه معنى البعد. قال: (دعيني) أي: اتركيني. قال: (ودِّعيني) من الوداع. قال: (ونحوها) أشار به إلى أن ألفاظ الكنايات لا تنحصر في ذلك، فمنها: أنت كالميتة، واستتري، وتقنعي، وتجرعي، وابعدي، واذهبي، وتجردي، وتزودي، واخرجي، وسافري. ومنها: لفظ العفو والإبراء، فإذا قال: عفوت عنك، أو أبرأتك، ونوى الطلاق .. وقع، ولا تكاد ألفاظها تنحصر. وقال جد الروياني: إذا قال: أوقعت الطلاق في قميصك أو ثوبك .. كان كناية.

وَالإِعْتَاقُ كِنَايَةُ طَلاَقٍ وَعَكْسُهُ، وَلَيْسَ الطَّلاَقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعد ابن القاص منها: أغناك الله؛ لقوله تعالى:} وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلَاً مِّن سَعَتِهِج {. واحترز بقوله: (ونحوها) عما لا إشعار له بالطلاق ككلي واشربي، فلا يقع به طلاق وإن نواه؛ لأن مثل ذلك لا يعبر به عنه، وعما إذا أضاف إلى الكناية ما يدل على المراد كقوله: أنت بائنة بينونة لا تحلي لي أبداً .. فإنه لا يخرجه بذلك عن الكناية، بخلاف ما تقدم في (الوقف) أنه إذا قال: تصدقت بكذا .. كان كناية فإن زاد: لا يباع ولا يوهب .. فالأصح: صراحته. وعلم من إطلاق المصنف أن الكنايات لا تلحق بالصرائح بسؤال المرأة الطلاق، ولا بقرينة اللجاج والغضب؛ لأن اللفظ محتمل في نفسه، وقد يقصد المتكلم باللفظ خلاف ما تشعر به القرينة، وألحق مالك وأحمد الكنايات بالصرائح بذلك. قال: (والإعتاق كناية طلاق وعكسه)؛ لأن كلاً منهما وضع لإزالة الملك فناب أحدهما مناب الآخر، فصريح العتق كناية في الطلاق بلا خلاف. وأما صرائح الطلاق وكناياته .. فهي عندنا كناية في العتق، فإذا قال لأمته: أنت طالق أو طلقتك ونوى العتق .. عتقت، خلافاً لأبي حنيفة إلا في قوله: لا ملك لي عليك، أو لا سلطان؛ فإنه يوافق على أنهما كناية في العتق. ويستثنى لفظ الاعتداد واستبراء الرحم فلا يعتق بهما العبد؛ لاستحالة معناهما في حقه بخلاف الأمة، وكذلك يستثنى إذا قال لعبده أو أمته: أنا منك حر، أو أعتقت نفسي ونوى العتق .. فالأصح: لا عتق بخلاف الزوجة؛ لأن الزوجية تشمل الجانبين، بخلاف الرق؛ فإنه يختص بالمملوك. ولو وكل سيد الأمة زوجها في عتقها فطلقها أو أعتقها وقال: أردت به الطلاق والعتق معاً .. وقعا ويصير كإرادة الحقيقة والمجاز باللفظ الواحد. قال: (وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه)؛ لأن كل واحد منهما وجد نفاذاً في موضوعه فلا يعمل في غيره بالنية.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَىَّ حَرَامٌ، أَوْ حَرَّمْتُكِ وَنَوَى طَلاَقاً أَوْ ظِهَاراً .. حَصَلَ، أَوْ نَوَاهُمَا .. تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ- وَقِيلَ: طَلاَقٌ، وَقِيلَ: ظِهَارٌ- أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا .. لَمْ تَحْرُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: أنت علي حرام، أو حرمتك ونوى طلاقاً أو ظهاراً .. حصل) أي: ما نواه فيهما؛ لأن التحريم ينشأ عن الطلاق وعن الظهار بعد العود، فصحت الكناية عنهما من باب إطلاق المسبب على السبب. وفي وجه: لا يقع به الطلاق إذا قلنا: إنه صريح في اقتضاء الكفارة، فإن قال: أنت حرام ولم يقل: عليَّ .. فهو كناية بلا خلاف، وإن قال: أنت علي كالميتة أو الدم أو الخنزير أو الخمر .. فكما لو قال: أنت علي حرام. قال: (أو نواهما .. تخير وثبت ما اختاره)؛ لاستحالة توجه القصد إلى الظهار واللاق، وللإمام احتمال أن لا يقع واحد منهما. هذا إذا نواهما دفعة، فإن نواهما مرتباً .. فعن ابن الحداد: إن تقدم الظهار .. حصلا، أو الطلاق .. فالظهار موقوف، فإن راجع .. فصحيح والرجعة عود، وإلا .. فلغو. وقال الشيخ أبو علي: لا فرق بين أن ينويهما دفعة أو مرتباً، ووافقه على ذلك الرافعي في (الشرح الصغير)، وكذلك أطلق في (المحرر) وتبعه المصنف. قال: (وقيل: طلاق)؛ لأنه أقوى إذ هو يزيل الملك. قال: (وقيل: ظهار)؛ لأن الأصل بقاء النكاح، والتصريح بهذين الوجهين من زوائد المصنف على (المحرر)؛ فإنه جعل التخيير أظهر ولم يذكر مقابله. ووجه رابع: يثبت ما أقر به أولاً، فإن قال: أردت الطلاق والظهار .. وقع الطلاق، وإن قال: أردت الظهار والطلاق .. لزمه الظهار. قال: (أو تحريم عينها .. لم تحرم)؛ لأن الأعيان لا توصف بذلك. وفي (سنن النسائي)] 6/ 151 [عن ابن عباس: أن رجلاً قال له: إني جعلت امرأتي علي حراماً فقال: كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا:} يَأَيُّهَا اَلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَ اللهُ لَكَصلى {الآية.

وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَكَذَا إِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فِي الأَظْهَرِ، وَالثَّانِي: لَغْوٌ. وَإِنْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقَهَا .. ثَبَتَ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ لاَ نِيَّةَ .. فَكَالزَّوْجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك الحكم لو نوى تحريم فرجها أو وطئها، وكذا لو قال لها: الحل منك علي حرام. قال: (وعليه كفارة يمين)؛ لقوله تعالى:} قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْج {. وروى النسائي] سك 8857 [عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم مارية على نفسه .. أنزل الله تعالى الآية. وقاس الشافعي تحريم الزوجة على تحريم الأمة. والمراد: مثل كفارة اليمين، وليست هذه يميناً، وما وقع في (الوسيط) من كونها يميناً خلاف الصواب؛ لأن اليمين لا تنعقد إلا باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته. ثم هل تجب الكفارة في الحال أو بعد الوطء؟ وجهان: أصحهما: الأول؛ لأن الله تعالى فرضها دون شرط الإصابة. قال: (وكذا إن لم تكن نية في الأظهر)؛ لعموم ما تقدم من تحريم مارية. وفي (الصحيحين)] خ 4911 - م 1473 [عن ابن عباس: أنه كان يقول: في ذلك كفارة يمين وقال:} لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {، ولأن لفظة التحريم صريحة في وجوب الكفارة فلا معنى للنية. وروى البيهقي] 7/ 351 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت الآية أمر كل من حرم على نفسه ما كان حلالاً أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم). قال: (والثاني: لغو)؛؟ لأنه لو كان صريحاً .. لما انصرف إلى غيره بالنية. وفي قول: يجب في الأمة دون الزوجة للآية. قال: (وإن قاله لأمته ونوى عتقها .. ثبت)؛ إذ الأعمال بالنيات، وهذا لا خلاف فيه. قال: (أو تحريم عينها أو لا نية .. فكالزوجة) فلا تحرم، وعليه كفارة يمين في الأولى وكذا في الثانية على الأظهر.

وَلَوْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ أَوِ الطَّعَامُ أَوِ الْعبْدُ عَلَيَّ حَرَامٌ .. فَلَغْوٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا في أمة تحل له، فإن كانت محرمة عليه على التأييد كالأخت .. لم يلزمه شيء؛ لصدقه في وصفها، وإن كانت معتدة أو مرتدة أو مجوسية أو مزوجة أو صائمة أو حائضاً أو نفساء .. فثلاثة أوجه: أحدها: أن الجواب كذلك. الثاني: تجب الكفارة. والثالث: أن التحريم إن كان سريع الزوال كالصوم والحيض والنفاس .. وجبت، وإن كان بطيئه كالنكاح والعدة .. لم تجب. ويجري الخلاف فيما إذا قال لزوجته وهي متصفة بشيء من هذه الصفات التي يمكن اتصافها به كعدة الشبهة والإحرام، ولو خاطب الرجعية به .. لم يلزمه شيء. قال: (ولو قال: هذا الثوب أو الطعام أو العبد علي حرام .. فلغو) لا يتعلق به كفارة ولا غيرها؛ لما روى الترمذي] 3054 [عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إني إذا أصبت اللحم .. انتشرت للنساء وأجد شهوة، وإني حرمته على نفسي، فأنزل الله تعالى:} يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَتِ مَآ أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ {وقال: حسن غريب. وحكى ابن الصلاح في (طبقاته) عن أبي عبيد علي بن الحسين بن حربويه: أنه أوجب الكفارة على من حرم ذلك، وسوى بينه وبين تحريم البضع من الزوجة. فروع: قال: كل ما أملكه حرام علي، وله زوجات وإماء ومال، ونوى تحريمهن أو أطلق وجعلناه صريحاً، أو قال لأربع زوجات: أنتن علي حرام .. اكتفى في الجميع بكفارة واحدة على المذهب. ولو قال لزوجته: أنت حرام مراراً ونوى تحريم عينها أو لم ينوه، فإن كان في مجلس .. كفته كفارة واحدة، أو مجالس وأراد التأكيد .. فكذلك، وإن أراد الاستئناف .. فالأصح: أن عليه لكل مرة كفارة، وإن أطلق .. ففي تعددها قولان.

وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ: اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: متى ما قلت لامرأتي: أنت علي حرام فإني أريد الطلاق، ثم قال لها ذلك بعد مدة .. فالأصح: أنه كما لو ابتدأ؛ لاحتمال أن نيته تغيرت. ولو قال: انت طالق ثلاثاً أوْ لا- بإسكان الواو- لم يقع شيء كما لو قال: هل أنت طالق. ولو قال: أنت طالق أوَّلاً- بتشديد الواو- وهو يعرف العربية .. طلقت، والمعنى: أنت أوَّلةٌ في الطلاق. ولو قال: لست لي بزوجة .. فوجهان: أحدهما: لا يقع شيء. وأصحهما: أنه كناية. ولو قال: أنت طال ولم ينطق بالقاف .. طلقت؛ حملاً على الترخيم، وقال البوشنجي: ينبغي أن لا تطلق وإن نوى. حادثة: سئل الشيخ عن رجل قا لزوجته: الطلاق يلزمني ما تكوني لي يا امرأة، فقال: تطلق بذلك الطلاق الذي حلف، إن كان ثلاثاً .. فثلاث، وإن كان واحدة .. فواحدة. ونظير المسألة: ما أفتى به ابن الصلاح أنه لو قال لجماعة عند سفره: اشهدوا عليَّ أني إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج ولا هي لي بامرأة .. فأجاب بأن هذا في الظاهر إقرار بزوال الزوجية بعد سنة، فيحكم بصحته ظاهراً ولها التزوج بعد انقضاء عدتها، وأما باطناً فيتوقف على أن يكون نوى الطلاق بذلك، أو وجد منه سبب من أسباب الفرقة. قال: (وشرط نية الكناية: اقترانها بكل اللفظ)؛ لأنها إذا قارنت البعض .. فالذي قارنته غير مستقل بالإفادة. وقيل: يشترط اقترانها بأوله؛ إذ بذلك يعرف قصده من اللفظ ويلحق بالصريح،

وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ بِطَلاَقٍ لَغْوٌ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ. وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُلُول، فَإِنْ فَهِمَ طَلاَقَةُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ .. فَصَرِيحَةٌ، وَإِنِ اخْتَصَّ بِهَا فَطِنُونَ .. فَكِنَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يضر أن تعزب في آخره، وهذا رجحه في (الشرح الصغير)، ونقل ترجيحه في (الكبير) عن الإمام والغزالي، وهو المفتى به خلاف ما وقع في الكتاب، ولم يتعرضوا لاقترانها بوسط اللفظ كما إذا اقترنت بالتاء من أنت وبالياء من بائن. وقضية ما ذكره الرافعي عن المتولي من تشبيه الخلاف هنا بالخلاف في الجمع بين الصلاتين: أن يأتي خلاف هنا أيضاً في الاكتفاء بها في الوسط كما هو في الجمع بين الصلاتين، وبه صرح في (التتمة) و (البيان). قال: (وإشارة ناطق بطلاق لغو) وإن أفهم بها كل أحد؛ لأن عدوله عن العبارة إلى الإشارة يوهم أنه غير قاصد للطلاق. قال: (وقيل: كناية)؛ لحصول الإفهام بها كما كتب. وفي ثالث: إن وقعت جواباً للسؤال بأن قالت: طلقني فأشار بيده اذهبي ونوى .. كان كناية، وإلا .. فلا. قال: (ويعتد بإشارة الأخرس في العقود والحلول)؛ لما تقدم في البيع، وسواء أمكنه الكتابة أم لا، وقيل: إن أحسنها .. فكإشارة الناطق. ودخل في الحلول والفسوخ ما أشبهها من الطلاق والعتاق ونحو ذلك، وكذلك يعتبر في الأوقارير والدعاوى، وقد تقدم ما يستثنى من ذلك. قال: (فإن فهم طلاقه بها كل أحد .. فصريحة، وإن اختص بها فطِنون .. فكناية) كما في لفظ الناطق، فإذا لم يفهم .. فلا اعتبار بها قطعاً، ومن الأصحاب من جعل إشارته صريحة مطلقاً. و (الفطنون) جمع فطن وهو: الفاهم، وضده الغبي، ومن الأمثال الشهيرة: البطنة تذهب الفطنة. وإذا كتب الأخرس الطلاق .. فالأصح: أنه كناية في حقه؛ لاحتمال تجربة القلم.

وَلَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ طَلاَقاً، وَلَمْ يَنْوِهِ .. فَلَغْوٌ، وَإِنْ نَوَاهُ .. فَالأَظْهَرُ: وُقُوعُهُ، فَإِنْ كَتَبَ: إِذَا بَلَغَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .. فَإنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو كتب ناطق طلاقاً، ولم ينوه .. فلغو)؛ إذ لا لفظ ولا نية ويحتمل تجربة القلم، وقيل: تطلق ويكون ذلك صريحاً؛ لأن الكتابة أحد الخطابين. وصورة مسألة الكتاب: أن لا يتلفظ بما كتبه، فإن تلفظ بها واقترنت به نية .. طلقت جزماً قال: (وإن نواه. ز فالأظهر: وقوعه)؛ لأنها قويت بالنية. والثاني: لا؛ لأنه فعل من قادر على القول فلم يقع بها الطلاق كإشارته، وقطع بهذا قوم، وبالأول آخرون، فكان ينبغي أن يعبر بـ (المذهب)، لكن المصحح طريقة القولين، والأصح: طردهما في الغائب والحاضر. وضابط المكتوب عليه: كل ما ثبت الخط عليه من كاغد ولوح ورَقٍّ وثوب وحجر وعظم ونحوه، سواء كتب بحبر أو مداد أو غيرها، أو نقر صورة الأحرف في خشب أو حجر، وكذا لو خط على الأرض. فلو رسم صورة الحروف في الماء والهواء .. فليس ذلك بكتابة على المذهب، وقال الإمام: لا يمتنع أن يلحق ذلك بإشارة القادر، ونازعه الرافعي فيه. قال: (فإن كتب: إذا بلغك كتابي فأنت طالق .. فإنما تطلق ببلوغه) وكذا إذا جاءك ووصل إليك؛ لأنه تعليق، لكن المراد ببلوغه على صفته، ووراء ذلك أحوال: أحدها: أن يصل وقد انمحى جميع ما فيه بحيث لا تمكن قراءته .. فلا تطلق على الصحيح. الثاني: أن ينمحي ويبقى أثره بحيث تمكن قراءته .. فتطلق. الثالث: أن يصل بعض القرطاس دون بعض، فإن كات الضائع موضع الطلاق .. لم تطلق؛ لأن الذاهب مقصود الكتاب فلم ينطلق الاسم على الباقي، أو لأن الكتاب اسم لجميع أجزائه ولم يأتها جميعه.

وَإِنْ كَتَبَ: إِذَا قَرَاتِ كِتَابِي- وَهِيَ قَارِئَةٌ- فَقَرَأَتْهُ .. طَلَقَتْ، وَإِنْ قُرِىءَ عَلَيْهَا .. فَلاَ فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِىءَ عَلَيْهَا .. طَلَقَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه: يقع؛ لأن الكتاب قد جاء. وقيل: إن كتب إذا بلغك كتابي هذا الكتاب .. لم تطلق، وإلا .. طلقت. وإن كان الذاهب السوابق واللواحق كالبسملة والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. فالأصح: الوقوع أيضاً. فروع: كتب: إذا أتاك طلاقي فأنت طالق. ز طلقت، وإن أتاها غيره .. فلا، وإن كتب: إذا أتاك نصف كتابي فأتاها كله .. ففي الوقوع وجهان، أصحهما عند المصنف: نعم. ولو ادعت أن كتابه وصل إليها بالطلاق فأنكر الكتابة .. صدق بيمينه، فإن أقامت بينة أنه خطه .. لم تسمع إلا أن يراه الشاهد يكتبه ويحفظه معه بحيث لا يغيب عنه إلى حين الشهادة؛ لاحتمال التزوير. قال: (وإن كتب: إذا قرأت كتابي- وهي قارئة- فقرأته .. طلقت)؛ لوجود المعلق عليه، سواء تلفظت بذلك أم لا، بل يكفي فهم ذلك، وهذا ميل للمعنى لا للفظ وهو يخالف ما سيأتي، فإن قرأت بعضه .. فكما لو وصل إليها بعض الكتاب دون بعض. قال: (وإن قرئ عليها .. فلا في الأصح)؛ لأنها لم تقرأه. والثاني: نعم؛ لأن المقصود علمها بما فيه كالتعليق بررؤية الهلال، وهذا بخلاف القاضي إذا كتب إليه من ولاه إذا قرأت كتابي فانت معزول- وهو يحسن القراءة- فقرىء عليه .. فإنه ينعزل في الأصح؛ لأن المقصود إعلامه بالحال، والفرق: أن العادة في الحكام أن تقرأ عليهم المكاتيب. قال: (وإن لم تكن قارئة فقرىئ عليها .. طلقت)؛ لأن القراءة في حق الأمية محمولة على الاطلاع بخلاف القارئة. وقيل: لا تطلق كالتعليق بالمستحيل.

فَصْلٌ: لهُ تَفْوِيضُ طَلاَقِهَا إِلَيْهَا. وَهُوَ تَمْلِيكٌ فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: جميع ما تقدم إذا كان الزوج يعلم حالها، فإن لم يعلم هل هي قارئة أو أمية .. فأقوى احتمالي الرافعي انعقاد التعليق على قراءتها بنفسها؛ نظراً إلى حقيقة اللفظ، وعلى هذا فترد هذه الصورة على المصنف. قال: (فصل: له تفويض طلاقها إليها) بالإجماع، هذا في تفويض التنجيز، أما تفويض التعليق فلا يصح؛ لأنه يمين، واليمين لا تدخلها النيابة. وصورة التفويض الصحيح: أن يقول لها: طلقي نفسك أو طلقي نفسك إن شئت. قال: (وهو تمليك في الجديد)؛ لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة قوله: ملكتك. قال: (فيشترط لوقوعه تطليقها على الفور)؛ لأن شأن التمليك القبول على الفور، وأتى المصنف ب (الفاء)؛ ليدل على أن الأحكام مفرعة على الجديد، وهو الذي عليه الجمهور. وقال ابن القاص وغيره: يكفي في الفور أن تقع في مجلس التخاطب، ونص عليه الشافعي ما لم يعرض قاطع من موته أو جنونه أو رجوعه أو التشاغل عنه بقول أو فعل. وقال ابن المنذر: لها أن تطلق متى شاءت. كل هذا إذا لم يقل لها: طلقي نفسك متى شئت، فإن قاله .. طلقت متى شاءت، وكذلك إذا صرح بلفظ التوكيل بأن قال لها: وكلتك في طلاق نفسك .. فالصحيح: أنه لا يشترط الفور.

وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي بِألْفٍ فَطَلَّقتْ .. بَانَتْ وَلَزِمَهَا الأَلْفُ. وَفِي قَوْلٍ: تَوْكِيلٌ، فَلاَ يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الأَصَحِّ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا خِلاَفُ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ: لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا. وَلَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي .. لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ. وَلَوْ قَالَ: أَبِينِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: أَبَنْتُ وَنَوَيَا .. وَقَعَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن قال لها: طلقي بألف فطلقت .. بانت ولزمها الألف) ويكون تمليكاً بعوض كالبيع، ويعتبر فيها جواز التصرف كالخلع. قال: (وفي قول: توكيل) كما لو قال لأجنبي: طلقها. قال: (فلا يشترط فور في الأصح) أي: في قبوله أو تطليقها كما في توكيل الأجنبي. والثاني: يشترط؛ لما فيه من شائبة التمليك، وهذا احتمال للقاضي حسين لا وجه محقق. قال: (وفي اشتراط قبولها خلاف الوكيل) أي: المتقدم في بابه، ويأتي الوجه الفارق بين صيغة الأمر كطلقي نفسك وبين صيغة العقد كوكلتك في طلاق نفسك. قال: (وعلى القولين: له الرجوع قبل تطليقها)؛ لأنه إما توكيل أو تمليك لم يتصل به قبول، وإذا صح الرجوع فطلقت قبل علمها به .. فوجهان في (الحاوي) كوكيل القصاص. قال: (ولو قال: إذا جاء رمضان فطلقي .. لغا على التمليك) كما إذا قال: ملكتك هذا العبد إذا جاء رأس الشهر، وعلى مقابله: يصح كما لو قال لأجنبي: طلقها إذا جاء رمضان أو بعد شهر ونحوه. قال: (ولو قال: إبيني نفسك فقالت: أبنت ونويا) أي: هو التفويض إليها وهي تطليق نفسها بذلك (.. وقع)؛ لأن الكناية مع النية كالصريح. قال: (وإلا .. فلا) يعني إذا لم ينويا أو لم ينو أحدهما .. لم يقع، أما إذا لم ينو الزوج .. فلأنه لم يفوض الطلاق إليها، وأما إذا لم تنو هي .. فلأنها ما امتثلت. وعن أبي حنيفة: تكفي نية الزوج، ولا حاجة لنيتها.

وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي فَقَالَتْ: أَبَنْتُ وَنَوَتْ، أَوْ أَبِينِي وَنَوَى فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ .. وَقَعَ. وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي وَنَوى ثَلاَثاً فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ وَنَوَتْهُنُّ .. فَثَلاَثٌ، وَإِلاَّ .. فَوَاحِدَةٌ فِي الأَصَحِّ. لَوْ قَالَ: ثَلاَثاً فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ .. فَوَاحِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: طلقي فقالت: أبنت ونوت) أي: نفسها (أو أبيني ونوى فقالت: طلقت .. وقع) كما لو قال: بع فباع بلفظ التمليك، وقال ابن خيران وابن حربويه: لا يقع للمخالفة. تنبية: عبر في (المحرر) عن الأولى بقوله: طلقي نفسك، وفي الثانية بأبيني نفسك، وهي تقتضي اعتبار النفس فيهما، وحذفها المصنف؛ لينبه على أنه ليس بشرط، وهو الأصح في (الكفاية) و (تعليق القاضي حسين)، ونقله عن النص؛ لأن تقديره: طلقت نفسي. وأفهمت عبارته أيضاً: أن التخالف في الصريح لا يضر من باب أولى كما لو قال: طلقي نفسك فقالت: سرحت، ولا خلاف فيه. قال: (ولو قال: طلقي ونوى ثلاثاً فقال: طلقت ونوتهنّ .. فثلاث)؛ لأن اللفظ يحتمل وقد نوياه. قال: (وإلا .. فواحدة في الأصح) المراد: إذا لم تنو هي العدد. والأصح: واحدة؛ لأن صريح الطلاق كناية في العدد وهي لم تنو عدداً. والثاني: ثلاث، وكأنه فوض إليها أصل الطلاق وتولى بنفسه قصد العدد. ومحل الوجهين إذا نوى هو الثلاث ولم تنو هي عدداً، أما إذا لم ينو واحد منهما أو نوت هي دونه .. فواحدة لا يتجه غيره. قال: (ولو قال: ثلاثاً فوحدت أو عكسه .. فواحدة) أما الأولى .. فلأن ما أوقعته داخل في المفوض إليها، وقال مالك: لا يقع شيء. وأما في الثانية .. فلآن من ملك إيقاع طلقة تقع الطلقة إذا طلق ثلاثاً، كما لو لم يملك الزوج إلا واحدة فقال أنت طالق ثلاثاً.

فَصْلٌ: مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ طَلاَقٌ .. لَغَا. لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلاَقٍ بِلاَ قَصْدٍ .. لَغَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: في (فتاوى البغوي): لو قال: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدة فراجع .. فلها أن تطلق ثانية وثالثة. ولو قال: طلقي نفسك ثلاثاً فقالت: طلقت ولم تذكر عدداً ولا نوته .. فالمذهب: وقوع الثلاث، وفيه احتمال للإمام: أنه يقع واحدة، وغذا كان التفويض أو تطليقها بكناية .. فالقول قول الناوي مثبتاً كان أو نافياً، قاله المتولي وغيره. قال ابن الرفعة: صورة المسألة: أن يقع الاختلاف بينها وبين الوارث فتقول: إنها نوت ليحرمها الإرث، فلو كان الزوج هو المدعي .. واخذناه بدعواه؛ لأنه حق عليه إلا أن يبدي عذراً كما لو قال: هذا ملكي وملك من اشتريت منه ثم ظهر مستحقاً .. فإنه يرجع بالثمن. قال: (فصل: مر بلسان نائم طلاق .. لغا)؛ لرفع القلم عنه، فلو استيقظ وقال: أجزت ذلك الكلام أو أوقعته فلغو أيضاً، خلافاً لأبي حنيفة في أوقعته. والمبرسم والمغمى عليه كالنائم، وكأن المصنف يستغني عن هذا باشتراط التكليف في أول الباب. ولو تلفظ بالطلاق ثم قال: كنت حينئذ صبياً أو نائماً .. قال أبو العباس الروياني: يصدق بيمينه، قال في (الروضة): وفي تصديق النائم نظر بخلاف الصبي. قال: (ولو سبق لسانه بطلاق بلا قصد .. لغا) كاليمين بالله تعالى، وكذلك إذا تلفظ بالطلاق حاكياً كلام غيره، وكذا الفقيه إذا كرر لفظ الطلاق في تصويره ودرسه، وكذلك إذا ظن طهارتها من الحيض فقال أنت الآن طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق.

وَلاَ يُصَدَّقُ طَاهِراً إلاَّ بِقَرِينَةٍ. وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقاً فَقَالَ: يَا طَالِقْ، وَقَصَدَ النِّدَاءَ .. لَمْ تُطَلَّقْ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقاً أَوْ طَالِباً فَقَالَ: يَا طَالِقُ، وَقَالَ: أَرَدْتُ النِّدَاءَ فَالْتَفَّ الْحَرْفُ .. صُدِّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يصدق ظاهراً إلا بقرينة)؛ لأن الظاهر الغالب أن البالغ العاقل لا يتكلم بكلام إلا ويقصده، فإذا قال: طلقتك ثم قال: سبق لساني وإنما أردت طلبتك .. فالنص: أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه، وعن الماوردي وغيره: أن هذا في المتهم، فإن ظنت صدقه بأمارة فلها القبول ولا مخاصمة، ولمن سمعه وعرف الحال أن لا يشهد عليه. ونقل الشيخان عن أبي العباس الروياني في (الفروع المنثورة): أن من سمع لفظ طلاق من رجل وتحقق أنه سبق لسانه إليه .. لم يكن له أن يشهد عليه بمطلق الطلاق، ويؤيد ذلك نص الشافعي فيمن سمع رجلاً سبق لسانه إلى كلمة كفر أنه لا يحل له أنه يشهد عليه بذلك. قال: (ولو كان اسمها طالقاً فقال: يا طالق، وقصد النداء .. لمتطلق)؛ لأنه صرفه عن معناه، وكون اسمها كذلك قرينة تسوغ تصديقه. وكذلك الحكم لو كان له عبد اسمه حر أو معتوق فناداه بذلك قاصداً النداء .. لم يعتق. قال: (وكذا إن أطلق في الأصح)؛ لأن الظاهر إرادة الاسم. والثاني: تطلق؛ لصراحة اللفظ، وهما يقربان من القولين فيما إذا كرر أنت طالق ولم يقصد تأكيداً ولا تكرراً. وضبط المصنف (يا طالقْ) بتسكين القاف، وكأنه يشير إلى أنه إذا قال: يا طالقُ بالضم .. لا تطلق؛ لأنه يرشد إلى العلمية، وإن قال: يا طالقاً بالنصب .. تعين صرفه إلى التطليق، وينبغي في الحالين أن لا يرجع إلى دعوى خلافه. قال: (وإن كان اسمها طارقاً أو طالباً فقال: يا طالق، وقال: أردت النداء فالتف الحرف .. صدق) أي: ظاهراً؛ لأنها قرينة واضحة فيصدق جزماً، وخالف

وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلاَقٍ هَازِلاً أَوْ لاَعِباً، أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً؛ بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ نَكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ .. وَقَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما إذا قال: أنت طالق وهو يحل وثاقها وقال: أردت الطلاق من الوثاق؛ فإن في تصديقه خلافاً. قال: (ولو خاطبها بطلاق هازلاً أو لاعباً، أو وهو يظنها أجنبية؛ بأن كانت في ظلمة، أو نكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم .. وقع) أما وقوع طلاق الهازل .. فحكى ابن المنذر فيه الإجماع، وأما ما عداه .. فمقيس عليه. وروى أيو داوود] 2188 [والترمذي] 1184 [والحاكم] 2/ 198 [كلهم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة). قال البغوي في (شرح السنة): وخص الثلاث؛ لتأكد أمر الفرج، ولأن البيع وسائر التصرفات تنعقد بالهزل على الأصح وإن كان ظاهر الحديث يقتضي المنع فيما سوى الثلاث. وظاهر إطلاق المصنف: أنه يق ظاهراً وباطناً، وهو كذلك في الهازل، خلافاً للإمام، فإنه قال: يدين كالجاد. وأما في الثانية .. ففي (الروضة): أن في الوقوع باطناً وجهين بناهما المتولي على البراءة من المجهول، إن قلنا: لا يصح .. لم تطلق باطناً. اهـ وهو يقتضي ترجيح المنع. والهزل واللعب في كلام الفقهاء واللغويين كالمترادف. وقال في (الفائق): الهزل واللعب من وادي الاضطراب، والذي يشهد له الاستعمال: أن الهزل يخص الكلام واللعب أعم، وقد يقال: الهزل قصد اللفظ دون المعنى بأن يختار التلفظ بالكلمة ولا يرضى بمعناها.

وَلَوْ لَفَظَ عَجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ .. لَمْ يَقَعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ مهمة: في (البسيط): أن واعظاً طلب شيئاً من الحاضرين فلم يعطوه فقال متضجراً منهم: طلقتكم ولم يعلم أن زوجته فيهم، ثم تبين أنها فيهم .. فأفتى الإمام بطلاقها، وفي القلب منه شيء. قال الرافعي: ينبغي أن لا تطلق؛ لأنه عام يقبل الاستثناء بالنية، فأشبه استثناء بعض من سلم عليهم بالنية فإنه إذا لم يعلم أنها فيهم مقصوده غيرها. وفق المصنف بأن المسلم علم بوجود المستثنى فاستثناه، وهنا بخلافه، فإفتاء الإمام عجيب؛ فإنه لم يقصد بلفظ الطلاق معناه، وأيضاً النساء لا يدخلن في خطاب الرجال عند الجمهور إلا بدليل، فلا تطلق لهذا إلا لما قاله الرافعي. اهـ والحق: أن مسألة الواعظ ومسألة ما إذا خاطبها وهو يظنها أجنبية واحدة، فإما أن يقال بالوقوع فيهما أو لا فيهما، ثم يرد على الشيخين أنهما نقلا عن الروياني أنه لو قال: كل امرأة لي في السكة طالق وزوجته .. فيها تصحيح: أنها تطلق ولم يتعقباه بنكير. وعن (فتاوى الغزالي): لو زاحمته امرأة فقال: تأخري يا حرة فبانت أمته: أنها لا تعتق وهما نظير مسألة الواعظ. قال: (ولو لفظ عجمي به بالعربية ولم يعرف معناه .. لم يقع) كما لو لقن كلمة الكفر وهو لا يعرف معناها فتكلم بها .. لا يحكم بكفره. قال المتولي: هذا إذا لم يكن له مع أهل ذلك اللسان اختلاط، فإن كان .. لم يصدق في الحكم ويدين باطناً. وقال في (الإستقصاء): يصدق في أنه لا يعرف معناها مطلقاً، والمسألة في (الشرحين) و (الروضة) و (المحرر) مصورة بما إذا تلفظ بذلك بعد التلقين، وتعبير المصنف يقتضي أنه لا فرق. والمراد بـ (العجمية): لغة لا يعرفها، لا خصوص لغة.

وَقِيلَ: إِنْ نوَى مَعْنَاهَا .. وَقَعَ. وَلاَ يَقَعُ طَلاَقُ مُكْرَهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: إن نوى معناها) أي: عند أهل تلك اللغة (.. وقع)؛ لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه، واختاره الماوردي. قال: (ولا يقع طلاق مكره)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) رواه أبو داوود] 2187 [وابن ماجه] 2046 [، وصححه الحاكم] 2/ 198 [. قال الشافعي وأبو عبيد والخطابي والقتبي: (الإغلاق): الإكراه، وبالقياس على الردة بالإكراه. وفي (سنن البيقهي)] 7/ 357 [: أن رجلاً على عهد عمر تدلى من جبل يشتار عسلاً فأمسكت امرأته الحبل وقالت: طلقني ثلاثاً وإلا قطعته، فذكرها الله والإسلام فأبت، فطلقها ثلاثاً، ثم أخبر بذلك عمر فقال: (ليس هذا بطلاق) ووافقه علي وابن عباس وابنه عبد الله وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهم من الصحابة فصار إجماعاً، واحتج له البخاري بحديث: (الأعمال بالنيات) أراد: ان المكره طلق لفظاً من غير نية. وحكى القاضي قولاً إنه يقع؛ لعموم قوله تعالى:} فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ {والمراد: من أكره بغير حق، أما المكره بحق .. فيقع طلاقه كإكراه القاضي المولى بعد المدة، واستشكله الرافعي وابن الرفعة بأنه لا يؤمر بالطلاق عيناً بل به أو الفيئة، ولأن القاضي لا ينتهي في ذلك إلى صفة الإكراه من القتل أو القطع، ولذلك أسقط مسألة المولى من (الشرح الصغير) و (المحرر)، وأيضاً القاضي هو المطلق على المولى على الأصح، لكن يستثنى ما إذا نوى المكره حال التلفظ الطلاق .. فإنه يقع على الأصح كما تقدم. وأما إذا أكرهه غيره على طلاق زوجة نفسه .. فيقع على الأصح؛ لأنا إنما سلبناه حكم لفظه لدفع الضرر عنه، وليس في إيقاع الطلاق ضرر عليه، ومن الأصحاب من قال: لا يقع؛ لعموم الإكراه. ولو نذر عتق عبد بعينه وامتنع من عتقه فأكره عليه .. نفذ، قاله في (البحر)، وجعله إكراهاً بحق.

فَإِنْ ظَهَرَ قَرِينَةُ اخْتِيَار؛ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلاَثٍ فَوَحَّدَ، أَوْ صَرِيحٍ أَوْ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فَكَنَى أَوْ نَجَّزَ، أَوْ عَلَى طَلَّقْتُ فَسَرَّحَ، أَوْ بِالْعُكُوسِ .. وَقَعَ. وَشَرْطُ الإِكْرَاهِ: قُدْرَهُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلاَيِةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَظَنُّهُ أَنَّهُ امْتَنَعَ .. حَقَّقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن ظهر قرينة اختيار؛ بان أكره على ثلاث فوحد، أو صريح أو تعليق فكنى أو نجز، أو على طلقت فسرح، أو بالعكوس) بأن أكره على واحدة فثلث، أو على أن يلطق بكناية فصرح، أو على أن ينجز فعلق، أو على أن يقول: سرحتها فقال: طلقتها. قال: (.. وقع)؛ لأن مخالفته تشعر باختياره فيما أتى به. وكذا إذا أكره على طلاق إحدى امرأتيه فطلق واحدة معينة .. فالمذهب: الوقوع، خلافاً للقاضي حسين، ويجريان فيما إذا قال: اقتل أحدهما وإلا قتلتك. قال: (وشرط الإكراه: قدرة المكرِهِ على تحقيق ما هَدَّد به بولايةٍ أو تغلُّبٍ، وعجز المكرَهُ عن دفعه بهرب أو غيره، وظنه أنه إن امتنع .. حققه)؛ لأنه لا يتحقق العجز عن الدفع إلا بهذه الأمور الثلاثة. والتهديد بقتل الولد أو الوالد إكراه على الأصح، لا بقتل ابن العم ونحوه على الصحيح، وأمرُ السلطانِ هل هو إكراه؟ فيه قولان: أرجحهما لا، إلا أن يعلم بالعادة أنه متى خولف أوقع الفعل .. ففيه خلاف. قال ابن الرفعة: والقياس أنه كالإكراه. وتعبير المصنف بـ (الظن) يقتضي أنه لا يشترط التحقق وهو الأصح. وكان ينبغي أن يقول: قدرة المكره عاجلاً فلو قال: لأقتلنك غداً .. فليس بإكراه. وأهمل من الشروط: أن لا يكون المهدد به مستحقاً عليه فلو قال وَليُّ القصاص للجاني: طلقها وإلا اقتصصت منك .. لم يكن إكراهاً، كذا جزم به الرافعي، وحكى الدارمي فيه وجهين.

وَيَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ قَتْلٌ، وَقِيلَ: قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ. وَلاَ تُشْتَرَطُ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحصل الإكراه بتخويف بضرب شديد أو حبس أو إتلاف مال ونحوها)؛ فإنه يعد في العرف إكراهاً، وذلك كشتم الوجيه وصفعه، وهي من زياداته على (المحرر). والمراد: ان ذلك يختلف باختلاف الناس، ومداره على العرف الشائع، لكنهأطلق الحبس وهو مقيد بالطويل كما نقله في (الشامل) عن النص، وصحح في (الروضة) أن إتلاف المال ليس بإكراه، والصواب ما في الكتاب؛ فإنه المنصوص، لكنه يختلف باختلاف الناس، فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم إكراهاً. قال: (وقيل يشترط القتل)؛ لحرمة النفس. قال: (وقيل: قتل أو قطع أو ضرب مخوف)؛ لإفضائها إلى الهلاك، هذه الأوجه الثلاثة هي الموجودة للمتقدمين من العراقيين وغيرهم، ووراءها أربعة أخرى: أحدها- وهو الأرجح عند الإمام-: لا يحصل إلا إذا خوفه بما يسلب الاختيار، ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى النار والشوك ولا يبالي. والثاني- وهو المختار عند القاضي-: تشترط عقوبة بدنية يتعلق بها قود؛ ليخرج عنه أخذ المال والحبس المؤبد. والثالث: تشترط عقوبة شديدة تتعلق ببدنه، فيدخل فيه الحبس الطويل، وكذا النفي من البلد؛ لشدة مفارقة الوطن. والرابع- وهو الأصح في (الروضة) -: لا يشترط سقوط الاختيار سقوط الاختيار، بل إذا أكرهه علىفعل يُؤْثِر العاقل الإقدام عليه حذراً مما يهدد به .. حصل الإكراه، فينظر فيما طلب منه وما هدد به، فقد يكون الشيء إكراهاً في مطلوب دون مطلوب وشخص دون شخص. قال: (ولا تشترط التورية بأن ينوي غيرها) أو يقول عقب اللفظ: إن شاء الله.

وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَهَا بِلاَ عُذْرٍ .. وَقَعَ. وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ .. نَفَذَ طَلاَقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلاً وَفِعْلاً عَلَى الْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وضابطه: ان ينوي ما لو صرح به .. لقبل ولم يقع الطلاق، وليس منحصراً في أن ينوي غيرها كما توهمه عبارة المصنف. وأصل (التورية) من وراء، كأنه جعل البيان وراء ظهره وأعرض عنه. قال: (وقيل: إن تركها بلا عذر .. وقع)؛ لإشعاره بالاختيار. والأصح: المنع؛ لأنه مجبر على اللفظ، ولا نية له تشعر بالاختيار، فإن ترك التورية لدهشة أو نحوها .. فلا تؤثر قطعاً واندفع الطلاق. فرع: أمسك السلطان شخصاً بسبب غيره وطالبه به فقال: لست من أزليائه، أو لا أعرف موضعه، أو طلب منه مالاً فقال: ليس عندي شيء فلم يتركه حتى يحلف بالطلاق فحلف كاذباً .. قال القفال وغيره: يقع الطلاق؛ لأنه لم يكرهه، بل هو متوصل به إلى دفع الطلب عنه، بخلاف ما إذا قال له اللصوص: لا نتركك حتى تحلف بالطلاق أنك لا تذكر ما جرى أو لا تخبر بنا أحداً فحلف ثم أخبر بما جرى لا يقع؛ لأنهم أكرهوه على الحلف بالطلاق. قال الروياني: والفتوى عندي أنه يحلف ويوري ولا يقع الحنث. قال: (ومن أثم بمزيل عقله من شراب أو دواء .. نفذ طلاقه وتصرفه له وعليه قولاً وفعلاً على المذهب)؛ لما قدم أن شرط المطلق التكليف إلا السكران أخذ في بيان ذلك، فمن تعدى بتعاطي ما يزيل عقله من مسكر أو دواء مجنن أو غير ذلك كإلقاء نفسه من شاهق .. وقع طلاقه؛ لأنه عاص بسبب الزوال فيجعل كأنه لم يزل، ويكون كالصاحي، ويجعل زوال العقل لكونه تعدى كعدم الزوال. أما السكران .. فلما تقدم في أول الباب من إجماع الصحابة عليه، واستدل له الشافعي بحديث: (رفع القلم عن ثلاث) قال: والسكران ليس في معنى واحد من هؤلاء، وبأنه يجب عليه قضاء الصلاة والصوم وغيرهما، والقلم غير مرفوع عنه بخلاف المجنون.

وَفِي قَوْلٍ: لاَ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأورد عليه النائم؛ فإنه يقضي ولا ينفذ طلاقه، وأجيب بأنه غير عاص بتأخير الصلاة. قال الشافعي: وهو قول أكثر من لقيت من المفتين. وأما المتعدي بالتداوي .. فلأنه في معناه، واحترز به عمن أوجر خمراً أو أكره على شربها، أو لم يعلم أنه من جنس ما يسكر، أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي .. فإنه لا يقع طلاقه ولا يصح تصرفه. قال الرافعي: ولك أن تقول: في التداوي بالخمر خلاف، فإن جرى في الدواء المزيل للعقل قليله وكثيره .. فالمذكور هنا جواب على جواز التداوي، ويمكن ان يقدر تخصيص الخلاف بالقدر الذي يزيل العقل. وتصوير هذه الصورة فيما إذا ظن أن القدر الذي يتناوله لا يزيل العقل وبذلك صرح بعضهم، وإن لم يجر الخلاف في الدواء فسببه: أن الطبع يدعو إلى الخمر فاحتيج إلى الزجر، بخلاف الدواء. والتعبير بـ (الشراب) يتناول الخمر والنبيذ، بخلاف اقتصار (المحرر) على الخمر. قال: (وفي قول: لا)؛ لاختلال نظره فأشبه المجنون، واختاره المزني وابن سريج وأبو طاهر الزيادي وأبو سهل الصعلوكي وابنه سهل. والأصح: الوقوع، وبه قال أبو حنيفة، وعن أحمد روايتان كالقولين، وعن مالك قولان. قال: (وقيل: عليه) كالقتل دون ماله كالاتهاب والاحتطاب؛ تغليظاً عليه. فائدة: السكر: عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة متصاعدة من المعدة على معادن الفكر، واختلفت عبارة الأصحاب في حده: فعن الشافعي: السكران: الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم.

وَلَوْ قَالَ: رُبُعُكِ أَوْ جُزْؤُكِ أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُكِ أَوْ ظُفْرُكِ طَالِقٌ .. وَقَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن المزني: الذي لا يفرق بين الأرض والسماء وبين أمه وامرأته. وقيل: الذي يفضح بما كان يحتشم منه. وقيل: من يتمايل ماشياً ويهذي في كلامه. وقيل: الذي لا يعلم ما يقول. والأقرب الرجوع فيه إلى العادة، فإذا انتهى إلى حالة يقع عليه اسم السكران .. فهو موضع الكلام، ولم يرتض الإمام هذه العبارات، بل قال: له ثلاثة أحوال: - أن تعتريه هزة وطرب، ولا يستولي عليه الخمر ولا يزول عقله في هذه الحالة. والثانية: نهاية السكر أن يصير طافحاً ويسقط كالمغمى عليه، لا يتكلم ولا يكاد يتحرك. والثالثة: متوسطة بينهما، وهي: أن تختلط أحواله ولا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقى تمييز وفهم، فهذه في نفوذ الطلاق فيها الخلاف، وفي الأولى ينفذ لا محالة. وأما الثانية .. فالأظهر عند الإمام- وهو الذي ذكره الغزالي-: أنه لا ينفذ. وقيل: على الخلاف، قال الرافعي: وهو أوفق؛ لإطلاق أكثرهم. قال: (ولو قال: ربعك أو بعضك أو جزؤك أو كبدك أو شعرك أو ظفرك طالق .. وقع) فيما عدا الشعر والظفر بالإجماع، وبالقياس على العتق. قال ابن الرفعة: وكان بعض مشايخي يستشكل قياسه عليه؛ لأنه ميغوض لله تعالى والعتق محبوب لديه. وعدد المصنف الأمثلة؛ ليشير إلى أنه لا فرق بين الجزء الشائع والمعين، وأما إذا أضاف الطلاق إلى ما ينفصل كالشعر والسن والظفر .. فكذلك على المشهور. وفي قول: لا تطلق كما لا يبطل الوضوء بلمسه، وبناه في (البحر) على أن فيه روحاً أم لا، وهو يقوي ما حاوله الرافعي من طرد الوجه في الظفر. ولو أضاف إلى عضو زائد .. وقع كالأصلي، وشرط الوقوع: دوام الاتصال،

وَكَذَا دَمُكِ عَلَى الْمَذْهَبِ, لاَ فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ, وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو التصقت أذنها بعد انفصالها ثم أضاف الطلاق إليها .. لم يقع؛ بناء على أن الزائل العائد كالذي لم يعد. وحيث حكمنا بالوقوع هل نقول: وقع على ما سماه ثم سرى إلى باقيها، أو وقع على الجملة ابتداء؟ وجهان, أشبههما: الأول, وتظهر فائدتهما فيما لو قال لمقطوعة يمين: يمينك طالق كما سيأتي. ولو قال سِمَنُك طالق .. جزم القاضي والبغوي والمتولي والغزالي بأنه يقع، وهو المجزوم به في (الشرح الصغير)، ووقع في (الكبير) و (الروضة): أنه لا يقع, والمنقول المعتمد: الوقوع، ونُسَخُ (الرافعي) في ذلك مضطربة. ولو قال: اسمك طالق .. لم تطلق, قال المتولي: إلا أن يريد بالاسم ذاتها ووجودها. ولو قال: حسنك طالق .. لم تطلق على الصحيح. قال: (وكذا دمك على المذهب)؛ لأن به قوام البدن كالروح, بخلاف غيره الفضلات كالريق. والثاني: لا, كالدمع والعرق. قال: (لا فضلة كريق وعرق)؛ لانها غير متصلة اتصال الخلقة فلا يلحقها حل ولا تحريم، وإنما البدن وعاء لها، وفيهما وجه ضعيف، ويجريان في سائر الفضلات كالبول والمخاط, وفي الأخلاط كالبلغم والمِرَتَيْن. وفي الشحم تردد للإمام, وميله إلى عدم الوقوع, والأقرب عند الرافعي الوقوع, وعبر في (الروضة) ب (طلقت في الأصح) فأشعر بوجهين ليسا في (الشرح). قال: (وكذا مني ولبن في الأصح) فاشعر بوجهين ليسا في (الشرح). والثاني: الوقوع؛ لأن أصل كل واحد منهما الدم, والظاهر في الإضافة إلى الدم الوقوع.

وَلَو قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ: يَمِمينُك طَالِقٌ .. لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَاَ .. طَلُقَتْ, وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلاَقاً .. فَلاَ, وَكَذَا إِنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتْهُ إِلَيْهَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ .. أشْترِطَ نِيِّةُ الطَّلاَقِ, وَفِي الإضَافَةِ الْوَجْهَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشمل التعبير بـ (المني) ما لو قال: جنينك طالق, والحكم كذلك على الصحيح؛ فإنه مني منعقد. قال: (ولو قال لمقطوعة يمين: يمينك طالق .. لم يقع على المذهب)؛ لأنا وإن جعلنا البعض عبارة عن الكل فلا بد من دخول المضاف إليه؛ لتنتظم الإضافة, فإذا لم تكن .. لغت الإضافة كما لو قال لها: ذكرك طالق. والطريق الثاني: تخريجه على الخلاف, فإن جعلناه من باب التعبير بالبعض عن الكل .. وقع, أو من باب السراية .. فلا. ولو قال: أنت طالق إلا يدك .. طلقت؛ لأنها لا تتبعض. قال: (ولو قال: أنا منك طالق ونوى تطليقها .. طلقت) خلافاً لأبي حنيفة وأحمد. لنا: أن على الزوج حجراً من جهتها، فلا ينكح أختها ولا أربعاً سواها, فإذا أضاف الطلاق إلى نفسه .. أمكن حمله على هذا السبب, ومن الأصحاب من زعم أن الرجل معقود عليه وهو ضعيف؛ لأنها لا تستحق من منافعه شيئاً. قال: (وإن لم ينو طلاقاً .. فلا)؛ لأن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله فشرط فيه ما شرط في الكناية. قال: (وكذا إن لم ينو إضافته إليها في الأصح)؛ لأن محل الطلاق المرأة دون الرجل, واللفظ مضاف إليه فلا بد من النية الصارفة. والثاني: يقع الطلاق؛ لأنه وجد اللفظ وقصده فيقع ويحل محله. وقال: (ولو قال: أنا منك بأئن .. اشترط نية الطلاق)؛ لأنه كناية. قال: (وفي الإضافة) أي: نية الإضافة إليها (الوجهان) أي: في قوله: أنا منك طالق, وقد عرف تقريرهما.

وَلَوْ قَالَ: اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْكِ .. فَلَغْوٌ, وَقِيلَ: إِنْ نَوَى طَلاَقَهَا .. وَقَعَ. فَصْلٌ: خِطَابُ الأَجْنَبِيَّةِ بِطَلاقٍ, وَتَعْلِقُهُ بِنكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: هذه الصورة كان المصنف مستغنياً عنها بما قبلها؛ لأنه إذا شرطت النية في: أنا منك طالق – وهي من الصرائح – اشترطت في: أنا منك بائن بطريق أولى .. فالجواب: أنه صرح به للتفصيل في الكنايات بين القريبة والبعيدة. وأيضاً: فإذا لم ينو طلاقاً في قوله: أنا منك طالق .. فيه خلاف, ولا خلاف في اشتراط النية في: أنا منك بائن؛ لكونه كناية. قال: (ولو قال: استبرئي رحمي منك .. فلغو)؛ لأن اللفظ غير منتظم في نفسه, والكناية شرطها: أن تحتمل معنيين فصاعداً، وهي في بعض المعاني أظهر. قال: (وقيل: إن نوى طلاقها .. وقع) , ويكون المعنى: استبرئي الرحم التي كانت لي, ورجحه البغوي فيما لو قال لها: انا معتد منك. تتمة: قال المتولي: لو قال لرجل: طلق امرأتي فقال: طلقتكَ ونوى وقوعه عليها .. لم تطلق؛ لان النكاح لا تعلق له به, بخلاف المرأة مع الزوج. ولو قال: مالي طالق .. قال جد الروياني: إن لم ينو التصدق به .. لم يلزمه شئ, وإن نواه .. فالأصح: يلزمه التصدق, وفيه وجهان: أحدهما: يتصدق بجميعه. والثاني: يتخير بينه وبين كفارة يمين. قال: (فصل: خطاب الأجنبية بطلاق, وتعليقه بنكاح وغيره لغو) أما المنجز .. فبالإجماع, وأما المعلق .. فاحتج له ابن عباس بقوله تعالى: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} الآية.

وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ تَعلِيقِ الْعَبْدِ ثَالِثةً كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الْدَّارَ .. فَأنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً, فَيَقَعْنَ إِذَا عَتَقَ أَوْ دَخَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق إلا بعد نكاح) رواه الأربعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, وقال الترمذي: حسن صحيح, وقال الحاكم [2/ 419]: إنه أصح شيء ورد في الباب. وروى الدارقطني [4/ 19]: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن أمي عرضت علي قرابة لها أتزوجها فقلت: هي طالق إن تزوجتها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس) فتزوجها, وبهذا قال جماعة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار. وقال شريك: النكاح عقد والطلاق حَل, ولا يكون الحل إلا بعد العقد, وتعليق العتق بالملك كتعليق الطلاق بالنكاح, فلا فرق. وقال مالك: إن عمم بان قال: كل امرأة أتزوجها طالق .. لم يقع, وإن خص بمحصورات أو بامرأة معينة .. وقع. وقال أبو حنيفة: يقع عمم أو خصص, وعن أحمد روايتان كالمذهبين. قال: (والأصح: صحة تعليق العبد ثالثة كقوله: إن عتقت أو إن دخلت الدار .. فأنت طالق ثلاثاً, فيقعن إذا عتق أو دخلت بعد عتقه)؛ لأنه ملك أصل الطلاق فاستتبع الصفة, ولأن مطلق النكاح يفيد الطلقات الثلاث غير أن الرق مانع من تنجيز الثالثة, ولا يلزم من منعه من تنجيزها منعه من تعليقها, كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة ويملك تعليقه. والثاني: لا يصح تعليقها؛ لأنه لا يملك تنجيزها منعه من تعليقها, كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة ويملك تعليقه. والثاني: لا يصح تعليقها؛ لأنه لا يملك تنجيزها. وأورد الشيخ زين الدين الكتناني على هذه المسألة: أن الراجح فيما إذا ملك نصاباً وتوقع حصول نصاب من غيره فعجل عنه: عدم الجواز, فيحتاج إلى الفرق, والجامع أن ملك الأصل أقيم مقام ملك الفرع, والنكاح أولى, ويمكن الفرق بأن

وَيَلْحَقُ رَجْعيَّةَ لاَ مُخْتَلَعَةً. وَلَوْ عَلّقَ بِدُخُولِ فَبَانَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ .. لَمُ يَقَعْ إِنْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْنُونَةِ, وَكَذا إنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الأَظْهَرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ التعجيل عن النصاب المتوقع فيه صحة إخراج الزكاة قبل سببها وهو النصاب وشرطها وهو الحول, وهنا إذا صححنا التعليق .. فإنما صححناه بعد وجود سببه وهو النكاح وانتفاء شرطه وهو الحرية, أو وجود مانعه وهو الرق. قال: (ويلحق رجعية)؛ لبقاء ولايته عليها؛ لأنها في عصمته ولذلك ترثه ويرثها. وحكى الجيلي وجهاً – وعزاه إلى (الوسيط) -: أنه لا يلحقها, وأنكره عليه ابن الرفعة, والعجب أن الروياني حكاه في (الظهار) وهو مثل الطلاق. قال: (لا مختلعة)؛ لأنه ليست زوجة, وبهذا قال كافة العلماء. وقال أبو حنيفة: يلحقها صريح لفظ الطلاق, ولا تلحقها الكناية, ولا مرسل الطلاق بأن يقول: كل امرأة لي طالق, وبه قال ابن مسعود وأبو الدرداء, واحتجوا بما روى أبو يوسف في (أماليه) بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة) والحديث موضوع, ويروى بإسناد ضعيف موقوفاً على أبي الدرداء. قال: (ولو علق بدخول فبانت ثم نكحها ثم دخلت .. لم يقع إن دخلت في البينونة)؛ لان اليمين انحلت بذلك الدخول, ولأنه تعليق سبق هذا النكاح فلا يؤثر كما لو علق طلاقها بالنكاح. وقوله: (فبانت) أحسن من قول (المحرر): فبانت بالطلاق؛ فإن التقييد بالطلاق مضر, وبينونتها بالفسخ كالطلاق كما جزم به الرافعي في (الردة). قال: (وكذا إن لم تدخل في الأظهر)؛ لأنه لا جائز أن يريد النكاح الثاني؛ لأنه يكون تعليق طلاق قبل نكاح, فتعين أن يريد الأول, والأول قد أرتفع, والثاني يقع؛ لأن التعليق والصفة وجدا في الملك, وتخلل البينونة لا يؤثر؛ لأنه ليس وقت الإيقاع ولا وقت الوقوع.

وَفِي ثَالِثٍ: يَقَعُ إِنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلاثٍ. وَلَوْ طَلَّقَ دُونَ ثَلاَثٍ وَرَاجَعَ أوْ جَدَّدّ وّلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ .. عَادَتْ بِثَلاَثٍ. وَلِعَبْدٍ طَلْقَتَانِ فَقَطْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي ثالث: يقع إن بانت بدون ثلاث)؛ لأن العائد الباقي من الطلاق فتعود بصفتها وهي: التعليق بالفعل المعلق عليه. ولا يقع إن أبانها بثلاث؛ لأنه أستوفى ما علق من الطلاق, وهذه الطلقات جديدة. وتجري الأقوال في عود الإيلاء والظهار, فإن قلنا بالأول وكانت الصفة مما لا يمكن إيقاعه في البينونة كقوله: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً .. فيتخلص إذا أبانها ثم نكحها, ولا يقع في النكاح الثاني. قال: (ولو طلق دون ثلاث وراجع أو جدد ولو بعد زوج .. عادت ببقية الثلاث). أما إذا جدد قبل أن تتزوج بغيره أو تزوجت بغيره ولم يدخل بها .. فبالإجماع تعود بما بقي, وإن تزوجت بغيره ووطئها الزوج .. فالحكم كذلك عندنا وعند مالك وأحمد؛ لما روى البيهقي [7/ 364]: أن عمر سئل عمن طلق امرأته طلقتين فانقضت عدتها وتزوجت غيره وفارقها ثم تزوجها الأول فقال: (هي عنده على ما بقى من الطلاق) , ووافقه على ذلك علي وأبي بن كعب وعمران بن حصين, ولا مخالف لهم. وقال أبو حنيفة: إذا دخل بها زوج آخر .. عادت بالثلاث, ويهدم الزوج ما بقى من طلقات الزوج الأول؛ لأن ذلك روي عن ابن عمر وابن عباس. وأشار المصنف بقوله: (ولو بعد زوج) إلى أنه موضع الخلاف, لكن كان ينبغي أن يقول: (وإصابة) كما عبر به في (المحرر). قال: (وإن ثلث .. عادت بثلاث) بالإجماع؛ لأنه نكاح مستقل ثبت أحكامه. قال: (ولعبد طلقتان فقط) سواء كانت الزوجة حرة أو أمة؛ لأن الاعتبار في الطلاق بالزوج؛ لأنه المالك له.

وَلِلْحُرِّ ثَلاَثٌ. وَيَقَعُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ, وَيَتَوَراَثَانِ فِي عِدَّةِ رَجْعِيَّ لاَ بَائِنٍ, وَفِي الْقَدِيمِ: تَرِثْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى البيهقي [7/ 369]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطلاق بالرجال والعدة بالنساء) لكن قال ابن الجوزي: الصواب: أنه من كلام ابن عباس. وقال عمر رضي الله عنه: (العبد يطلق طلقتين وتعتد الأمة بقرئين). وروى الدارقطني مرفوعاً [4/ 39]: (طلاق العبد اثنتان). والمبعض كالقن, قاله الرافعي في أثناء الباب. لكن قد يملك العبد الثالثة, وصورته: أن يطلق الذمي طلقتين ثم يحارب ويسترق ثم يريد نكاحها ... فالأصح: أنها تحل له ويملك عليها الثالثة؛ لأنها لم تحرم عليه بالطلقتين, وطرآن الرق لا يمنع الحل الثابت. وقيل: لا تحل؛ لأنه رقيق طلق طلقتين. قال: (وللحر ثلاث) وإن كانت الزوجة أمة؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن قوله تعالى: {الطلاق مرتان} فأين الثالثة؟ فقال: {أو تسريح بإحسان} , وعمومها يشمل الأمر, ولأن الطلاق مشروع بحالة الزوج ةفاعتبر بجانبه. واعتبره أبو حنيفة بالنساء كالعدة, واختاره ابن سريج في (كتاب الودائع). قال: (ويقع في مرض موته) كما يقع في صحته, وحكى في ذلك الإجماع, لكن نقل خلافه عن الشعبي. قال: (ويتوارثان في عدة رجعي) بالإجماع أيضاً؛ لبقاء آثار الزوجية. قال: (لا بائن)؛ لانقطاع العصمة وكما لا يرثها لو ماتت قبله بالاتفاق. قال: (وفي القديم: ترثه)؛ لأنه متهم بدفع الإرث, كما يحجب القاتل؛ لأنه متهم بجلب الإرث, وبهذا قال الأئمة الثلاثة مستدلين بأن عبد الرحمن بن عوق طلق زوجته تماضر الكلبية في مرض موته .. فورثها عثمان, رواه مالك في (الموطأ) [2/ 571].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن داود والماوردي: فصولحت من ربع الثمن على ثمانين ألف دينار, وقيل: دراهم. فإن قيل: اتفقوا على أن أسباب التوارث أربعة: القرابة والنكاح والولاء والإسلام, وتوريث المبتوتة خارج عن ذلك .. فالجواب: أنه داخل في سبب النكاح, وهذا القديم منصوص عليه في الجديد أيضاً, كما نقله سليم في (المجرد) , والمحاملي في (المجموع) , وإنما ترث عليه بشروط: أحدها: كون الزوجة وارثة, فلو طلق المسلم زوجته الذمية في المرض فأسلمت في العدة, أو الحر زوجته الرقيقة فعتقت, أو العبد امرأته ثم عتق ومات الزوج في هذه الصورة .. لم ترث. الثاني: عدم اختيارها, فلو اختلعت أو سألت, أو قال: أنت طالق إن شئت فشاءت, أو اختاري نفسك فقالت: اخترت, أو علق الطلاق بفعلها الذي لا ضرورة لها به ولا حاجة ففعلته .. فليس بفارٍّ, ولا ترثه. الثالث: كون البينونة في مرض مخوف ومات بسببه, فإن برئ منه .. فلا قطعاً, أو بسبب فسيأتي. الرابع: كونها بالطلاق, فلو فسخ نكاحها بعيبها في المرض .. فليس بفارٍّ على الصحيح. ولو قذفها في الصحة أو في المرض ولاعنها المرض .. لم يكون فارّاً, نص عليه. الخامس: كونه منجزاً, فلو علق طلاقها بصفة تحتمل أن توجد في الصحة والمرض,. ولم يتعلق بفعله كقوله: إذ قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت طالق فقدم أو جاء وهو مريض .. فقولان: أصحهما – وبه جزم العراقيون -: أنه ليس بفارٍّ. ثم إلى متى ترثه؟ فيه أقوال: أحدها: ترثه في أي وقت مات. والثاني: إن مات قبل أن تنقضي العدة .. ورثت, وإن مات بعده .. لم ترث. والثالث: إن مات قبل أن تتزوج .. ورثته, وإن تزوجت .. لم ترث.

فَصْلٌ: قَالَ: طَلَّقْتُكِ, أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ, وَنَوَى عَدَدَاً .. وَقَعَ, وَكَذَا الْكِنَايِةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: مات بسبب آخر بأن قتل في ذلك المرض .. قال المتولي وابن الصباغ: ترث, وقطع صاحب (المهذب) وغيره بانها لا ترث, وحكاهما الروياني قولين, وهذا يلتفت إلى أصل تقرر في (كتاب الوصية). ولو أبان في مرض موته أربع نسوة ونكح أربعاً ثم مات .. فالإرث للجميع على الأصح في القديم. وقيل: للأوليات, وقيل: للأخريات. ولو طلق امرأة ونكح أخرى .. فلا وجه إلا توريثهما. ولو أقر في المرض أنه أبانها في الصحة .. لم يجعل فارّاً على الصحيح. قال: (فصل: قال: طلقتك, أو أنت طالق, ونوى عدداً .. وقع) سواء المدخول بها أو غيرها؛ لأن اللفظ صالح له وللوحدة, فتصرف بالنية إلى العدد؛ لأن الأعمال بالنيات. وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يقع بقوله: (أنت طالق) إلا واحدة وإن نوى العدد؛ لأنه صريح في الوحدة, فلم يجز أن يجعل كناية في الثلاث؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون اللفظ الواحد صريحاً وكناية في حالة واحدة بخلاف نية الكناية. وأجيب بأن المصدر مضمر فيه وهو محتمل للعدد؛ لانه يفسر بأعداد المصادر فيقال: أنت طالق ثلاث تطليقات. قال: (وكذا الكناية) أي: إن نوى لها عدداً .. وقع وقبل منه؛ لحديث ركانة المتقدم؛ فإنه دل على أنه لو أراد الزيادة على الواحدة .. لوقعت. ويشترط في نية العدد: اقترانها بكل اللفظ, فإن نوى في أثنائه .. فعلى ما تقدم في نية أصل الطلاق, قاله المتولي وغيره.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى عَدداً .. فَوَاحِدَةٌ, وَقِيلَ: الْمَنْوِيُّ. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ وَنَوَى عَدَداً .. فَالْمَنْوِيُّ, وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ, وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من قوله: (عدداً) أن الواحدة تقع من غير نية؛ لانها لا تسمى عدداً. قال: (ولو قال: أنت طالق واحدة ونوى عدداً .. فواحدة)؛ لان المنوي مناقض للملفوظ به, والنية مع اللفظ الذي لا يحتمل لا تعمل. وضبط المصنف بخطة (واحدة) بالنصب ولا يختص به, بل الرفع والجر والسكون مثله, والتقدير في الجر: أنت ذات واحدة أة متصفة بواحدة, أو يكون المتكلم لاحناً, واللحن لا يمنع الحكم. قال: (وقيل: المنْوي)؛ لان الأعمال بالنيات, وكأنه صيرها متوحدة منه بالطلاق الذي أوقعه, وهذا هو الصحيح في (الروضة) , وكلام الرافعي مشعر به؛ فإنه نقل الأول عن الغزالي وحده, والثاني عن البغوي وغيره. وفي وجه ثالث: إن بسط النية على جميع اللفظ .. فواحدة, أو على أنت طالق فقط .. فالمنوي, ويلغو ذكر الوحدة, وهو مشكل. ولو قال: أنت واحدة – بالخفض أو بالسكون على الوقف – فلا يبعد جريان الخلاف فيه. قال: (قلت: ولو قال: أنت واحدة) أي: بالرفع (ونوى عدداً .. فالمنوي)؛ حملاً للتوحيد على التوحيد عن الزوج بالعدد المنوي, والمطلقة تتوحد مرة بطلقة ومرة بأكثر فاعتبرت النية. قال: (وقيل: واحدة والله أعلم)؛ لأن السابق إلى الذهن من أنت واحدة أنها طالق واحدة كما لو قال: أنت طالق, والخلاف جار في أنت طالق واحدة بالرفع, لكنهم لم يفرقوا في هذه المسائل بين من يعرف النحو وغيره, وللفرق اتجاه.

وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ .. لَمْ يَقَعْ, أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ثَلاَثٍ .. فَثَلاَثٌ, وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ, وَقِيلَ: لاَ شَيء ْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أراد أن يقول: أنت طالق ثلاثاً فماتت قبل تمام طالق .. لم يقع)؛ لان الطلاق إنما يقع بآخر اللفظ, وآخره لم يصادف زوجية. واختلفوا في إعراب ثلاثاً من قوله: (أنت طالق ثلاثاً) , فقيل: منصوب بالتفسير والتمييز؛ قال الإمام: وهذا جهل بالعربية, وإنما هو صفة لمصدر مذكر محذوف؛ أي: طالق طلاقاً ثلاثاً كقوله: ضربت زيداً شديداً؛ أي: ضرباً شديداً. قال: (أو بعده قبل ثلاث .. فثلاث)؛ لأنه كان قاصداً الثلاث عند قوله: (أنت طالق) وهذه اللفظة مع قصد الثلاث تقتضي إيقاع الثلاث, وأيضاً قوله: (ثلاثاً) مبين للمراد من الطلاق بدليل أنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثاً .. وقع الثلاث, ولا تبين بقوله: أنت طالق فقط حتى تقع واحدة. قال: (وقيل: واحدة) أي بقوله (أنت طالق) ولا تقع الثلاث؛ لوقوع لفظ الثلاث بعد خروجها عن محل الطلاق كما لو جن الزوج قبل قوله: ثلاثاً. قال: (وقيل: لا شيء) وبه قال أبو حنيفة؛ لأن الكلام الواحد لا يفصل بعضه عن بعض, وقد طرأ الموت قبل تمامه فيلغو. وردتها وإسلامها إذا لم يكن مدخولاً بها كموتها قبل قوله: ثلاثاً, وكذا لو أخذ شخص على فيه ومنعه أن يقول: ثلاثاً. فروع: قال: أنت طالق ملئ البيت أو البلد أو السماء أو الأرض, أو مثل الجبل, أو أكبر الطلاق أو أعظمه أو أطوله أو أعرضه .. فطلقة. ولو قال: عدد التراب .. قال الإمام: تقع واحدةٌ, وقال البغوي: ثلاث, والخلاف ينبني على أن التراب جمع أو اسم جنس, والأكثرون على الثاني, فيتجه وقوع طلقة, وهو الراجح عند المصنف في قوله: (أنت طالق بعدد شعر إبليس).

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ .. فَثَلاَثٌ, وَإِلاَّ: فَإِنْ وَإِلاَّ قَصَدَ تَاكِيداً .. فَوَاحِدَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: أنت طالق ألواناً من الطلاق ورجع إلى نيته, فإن لم ينو شيئاً .. وقعت واحدة. ولو قال: أنت طالق وزن درهم أو درهمين أو ثلاثة أو أحد عشر درهماً ولم ينو عدداً .. لم يقع إلا طلقة. ولو قال: أنت طالق وزن درهم أو درهمين أو ثلاثة أو أحد عشر درهماً ولم ينو عدداً .. لم يقع إلا طلقة. وقيل: يعتبر تعدد الصنجة, ففي خمس وعشر وعشرين وخمسين ومئة طلقة, وفي ثلاثة وسبعة طلقتان, وفي ثلاثة عشر وخمسة وثلاثين ثلاث. ولو قال: أنت طالق لا قليل ولا كثير .. وقع الثلاث. ولو قال: أنت طالق لا كثير ولا قليل .. وقعت طلقة, قاله في (المطارحات) , وعلله بأنه لما قال: لا قليل .. وقع الكثير وهو الثلاث, ثم أراد أن يرفعه بعد وقوعه فلم يرتفع, وفي الثانية بقوله: لا كثير .. وقع القليل وهو واحدة, وقوله بعد ذلك: (ولا قليل) رفع له والطلاق لا يرتفع. قال: (ولو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وتخلل فصل .. فثلاث)؛ لأن كل واحدة من هذه الألفاظ موقعه للطلاق, سواء قصد التأكيد أم لا؛ لأن التأكيد لا يكون مع الفصل, فلو قال أردت التأكيد وكررت قولي الأول .. لم يقبل في الحكم, ويدين فيما بينه وبين الله تعالى, وفرقوا بينه وبين ما إذا أقر في مجلس بألف ثم في مجلس آخر بألف وقال: أردت الأول حيث يقبل بأن الإقرار إخبار, والمخبر عنه لا يتعدد بتعدد الخبر, والطلاق إيقاع وإنشاء, وإذا تعددت كلمة الإيقاع .. تعدد الواقع. والمراد بـ (الفصل): أن يسكت فوق سكته التنفس. قال: (وإلا) أي: وإن لم يتخلل فصل (فإن قصد تأكيداً .. فواحدة) المراد: قصد تأكيد الاول بالأخيرين؛ لأن التأكيد معهود في كل اللغات, ووقع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً, والتكرار أعلى درجاته؛ لان التأكيد فيه لفظي. والدرجة الثانية: التأكيد بالنفس أو بالعين.

أَوِ اسْتِئْنَافاً .. فَثَلاَثٌ, وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالثة بنحو: رأيت القوم أجمعين, والتأكيد فيهما معنوي. وقال أبو حنيفة: لا تسمع منه إرادة التأكيد, بل تقع عليه الثلاث, واستدل عليه الأصحاب بقياسه على الإقرار؛ فإنه وافق فيه على قبول قوله: أردت التأكيد. قال: (أو استئنافاً .. فثلاث)؛ لتكرر اللفظ بالنية, وهل يتعلق التحريم بالأخيرة أو بالمجموع. فيه خلاف تقدم. قال: (وكذا إن أطلق في الأظهر) وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ لان كل لفظة موقعة لطلقة لو أنفردت, فإذا اجتمعت .. اجتمع حكمها. والثاني: لا يقع إلا واحدة؛ لأن التأكيد والاستئناف محتملان فيؤخذ باليقين. وقوله: أنت طالق أنت مفارقة أنت مسرحة كقوله: أنت طالق أنت طالق, وقيل: تقع ثلاث طلقات, وهذا الحكم يأتي في تكرر الكنايات كقوله: اعتدي اعتدي اعتدي كما حكاه الرافعي في (الفروع المنثورة) في الصريح والكناية عن القاضي شريح الروياني ثم قال: ولو كانت الألفاظ مختلفة ونوى بها الطلاق .. وقعت بكل لفظة طلقة, ويأتي أيضاً في السؤال والجواب, فلو قالت له: طلقني طلقني طلقني فقال: طلقتك أو قد طلقتك .. ففي (الرافعي) في السطر الثاني في (التعليقات) عن البوشنجي: إن نوى الثلاث .. وقعن, وإلا .. فواحدة. ومثل الأصحاب التأكيد بقولهم: أنت طالق مرتين أو ثلاثاً, ولم يتعرضوا لما إذا زاد على ثلاث وقال: أردت بالجميع التأكيد, وقال ابن عبد السلام: إن العرب لم تؤكد أكثر من ثلاث مرات, وفي (البرهان) للإمام ما يشهد له. وعلى هذا: يتجه أن لا تسمع منه إرادة التأكيد في الرابعة؛ لأن اللفظ لا يصلح له. وفي (فتاوي الغزالي): لو قال: أنت طالق وكرر ذلك أربع مرات ينوي التكرار وقال في الرابعة: إن شاء الله .. رجع إلى الجميع؛ فإن الكلام ما دام متصلاً برابطة

وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأكِيداً وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافاً أَوْ عَكَسَ .. فَثِنْتَانِ, أَوْ بِالثَّالِثَةِ تَأكِيدَ الأُولَى .. فَثَلاَثٌ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: أنَتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ .. صَحَّ قَصْدُ تَأكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ, لاَ الأَوَّلِ بِالْثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ التكرار كالجملة الواحدة, وهذا كقوله: أنت طالق واحدة واثنتين وثلاثاً إن شاء الله. اه وهذا يقتضي جواز الاستثناء في الرابعة؛ فإن الاستثناء كالتأكيد. قال: (وإن قصد بالثانية تأكيداً) أي: تأكيد الأولى (وبالثالثة استئنافاً أو عكس .. فثنتان)؛ عملاً بقصده فيهما. والمراد بقوله: (عكس) أي: أراد بالثالثة تأكيد الثانية وبالثانية الاستئناف, وبقي ما لو قصد بالثانية الاستئناف ولم يقصد بالثالثة شيئاً, أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئاً .. فثلاث في الأظهر, وقيل: ثنتان. قال: (أو بالثالثة تأكيد الأولى .. فثلاث في الأصح)؛ لتخلل الفصل. والثاني: يقبل ويحتمل الفصل اليسير. قال: (ولو قال: أنت طالق وطالق وطالق .. صح قصد تأكيد الثاني بالثالث)؛ لاستوائهما, ويكون حرف العطف الثاني تأكيداً لحرف العطف الأول كما أن المتعاطفين كذلك. قال: (لا الأول بالثاني)؛ لان الواو الأولى لم يتقدم لها مثلها فيقول: هي مؤكدة لواو سابقة فتعين أنها عاطفة, والعطف يقتضي المغايرة, وعطف الشيء على نفسه وإن كان واقعاً في كلام العرب .. فهو قليل, بخلاف التأكيد فإنه كثير. وعلم من عبارته: أنه لو قصد تأكيد الأول بالثالث .. كان أولى بعدم الصحة؛ للفصل وعدم الاستواء. والحكم في العطف بـ (الفاء) و (ثم) كالعطف بـ (الواو) , فإن اختلف الحرف كقوله: وطالق فطالق .. فإنه تقع الثلاث.

وَهَذِهِ الصُّوَرُ فِي مَوْطُوءَةٍ, فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا .. فَطَلْقَةٌ بِكْلِّ حَالٍ, وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ: إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ .. فَثِنْتَان فِي الأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهذه الصور في موطوءةة, فلو قالهن لغيرها .. فطلقة بكل حال)؛ لأنها تبين بالأولى فلا يقع ما بعدها. وفي وجه أو قول قديم: أنه كما لو قاله للمدخول بها؛ لان الكلام الواحد لا ينفصل بعضه عن بعض فأشبه ما إذا قال: أنت طالق ثلاثاً. والفرق على المذهب: أن (ثلاثاً) تفسير لما أراده ببقوله: أن طالق, وأما العطف والتكرار .. فليس متعلقاً بالأولى. قال: (ولو قال لهذه) أي: غير المدخول بها (إن دخلت فأنت طالق وطالق فدخلت .. فثنتان في الأصح)؛ لأنهما معلقان بالدخول ولا ترتيب بينهما. والثاني: لا تقع إلا واحدةٌ فقط كالمنجز وهو الأقيس كما لو قال في التنجيز: أنت طالق وطالق. والثالث: إن أخر الجزاء كصورة الكتاب .. فثنتان, وإن عكس كقوله: أنت طالق وطالقإن دخلت الدار .. فواحدة, ولو قال ذلك لمدخول بها .. وقع ثلاثاً بالدخول قطعاً. وبنى القاضي والمتولي الوجهين الأولين على أن (الواو) للجمع أو الترتيب؟ إن قلنا: للجمع .. وقعت الثلاث, أو الترتيب .. فواحدة. أما إذا عطف ب (ثم) .. فلا يقع بدخول غير المدخول بها إلا واحدة؛ لان (ثم) للتراخي, سواء قدم الشرط أو أخره. فرع: قال لغير المدخول بها: أنت طالق أحد عشر طلقة طلقت ثلاثاً, وإن قال: إحدى وعشرين طلقة .. فوجهان, الأصح: واحدة؛ لانه معطوف كأنه قال: واحدة وعشرون, بخلاف أحد عشر؛ فإنه مركب.

وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ أَوْ مَعَهَت طَلْقَةٌ .. فَثِنْتَان, وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ .. فَثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ, وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي طَلقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مَعَ .. فَطَلْقَتَانِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال لموطوءة: أنت طالق طلقة مع أو معها طلقة .. فثنتان)؛ لأن المعية تقتضي وقوعهما, فتقع طلقتان على المدخول بها, لكن هل يقعان معاً أو متعاقبين؟ فيه وجهان: أصحهما أولهما. قال: (وكذا غير موطوءة في الأصح) هذا مرتب على الخلاف السابق إن قلنا: تقع الطلقتان مترتبتين .. وقع على غير المدخول بها واحدة؛ لانها بانت بالأولى, ولإن قلنا: تقعان معاً .. وقعتا كما لو قال لها: أنت طالق طلقتين. قال: (ولو قال: طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة .. فثنتان في موطوءة)؛ لأن مضمون هاتين الطلقتين إيقاع طلقة تسبقها طلقة فكأنه قال: طلقتان. قال: (وطلقة في غيرها)؛ لأن بها تحصل البينونة فلم تصادف الثانية نكاحاً. قال: (ولو قال: طلقة بعد طلقة أو قبلها طلقة .. فكذا في الأصح) فتقع ثنتان في موطوءة وواحدة في غيرها, أما الواحدة في غيرها .. فلما سبق, وأما الثنتان في الموطوءة .. فلأنه وصف الطلقة التي أوقعها بأنها بعد طلقة, أو بأن قبلها طلقة, ومضمون ذلك إيقاع طلقة تسبقها طلقة فتقعان متعاقبين, ثم في كيفيته وجهان: أصحهما: تقع المضمنة ثم المنجزة. والثاني: عكسه ويلغو قوله: (قبلها). ويقابل الأصح وجه: أنه تقع في الموطوءة واحدة؛ لجواز أن يكون المعنى قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة؛ أي: وقعت قبل ذلك, وفي غيرها .. قيل: لا شئ, وقيل: ثنتان. قال: (ولو قال: طلقة في طلقة وأراد مع .. فطلقتان)؛ لقصده وصلاحية اللفظ, فإن (في) تستعمل بمعنى (مع) قال تعالى: {ادخلوا في أمم} , {في عبادي} , {في أصحاب الجنة}. (ذكرته في ملأ خير منهم).

أَوِ الظَّرْفَ أَوِ الْحِسَابَ أَوْ أَطْلَقَ .. فَطَلْقَةٌ, وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي طَلْقَةٍ .. فَطَلْقةٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ مَعِيَّةً .. فَثَلاَثٌ, أَوْ ظَرْفاً .. فَوَاحِدَةٌ, أَوْ حِسَاباً وَعَرَفةُ .. فَثِنْتَانِ, وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ .. فَطَلْقَةٌ, وَقِيلَ: ثِنْتَانِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الغزالي: والاحتمال البعيد مقبول في الإيقاع وإن لم يقبل في نفي الطلاق. قال: (أو الظرف أو الحساب أو أطلق .. فطلقة) أما الأولى .. فلأن ذلك مقتضاه في المسألتين, وأما الثالثة .. فلأن اللفظ المأتي به على سبيل الإيقاع ليس إلا واحدة. قال: (ولو قال: نصف طلقة في طلقة .. فطلقة بكل حال) سواء نوى المعية أو الظرف أو الحساب أو أطلق, كذا في النسخة التي بخط المصنف. ولا يصح قوله: (بكل حال)؛ فإنه إذا قصد به المعية .. تقع طلقتان, وكذلك عكسه طلقة في نصف طلقة إذا أراد المعية .. تقع طلقتان, والصواب: نصف طلقة في نصف طلقة كما هو في (الروضة) و (المحرر) وكثير من نسخ (المنهاج)؛ ليتم قوله: (فطلقة بكل حال) , وكذلك هو مخرج في النسخة التي بخط المصنف لكن بغير خطه. قال: (ولو قال: طلقة في طلقتين وقصد معية .. فثلاث)؛ لما تقرر في قوله: (طلقة في طلقة) قال: (أو حساباً وعرفه .. فثنتان)؛ لان ذلك مقتضاه فيه, وعند أبي حنيفة: لا تقع إلا واحدة. قال: (وإن جهله وقصد معناه) أي: عند أهل الحساب (.. فطلقة)؛ لأن ما لا يعلم لا تصح إرادته. قال: (وقيل: ثنتان)؛ لانه موجبه في الحساب وقد قصده, وشبههما الأصحاب بالوجهين فيما إذا أتى العجمي بلفظ الطلاق وقال: أردت به ما يريد العربي وهو لا يعرف معناه.

وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئاً .. فَطَلْقَةٌ, وَفِي قَوْلٍ: ثِنْتَانِ إِنْ عَرَفَ حِسَاباً. وَلَوْ قَالَ: بَعْضَ طَلْقَةٍ .. فَطَلْقَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجريان فيما لو قال: طلقها مثل ما طلق زيد وهو لا يدري كم طلق زيد, وكذا لو نوى عدد طلاق زيد. قال: (وإن لم ينو شيئاً .. فطلقة) سواء عرف الحساب أو جهله؛ لأنه الأقل والزائد مشكوك فيه. ثم الإمام صور المسألة بالموطوءة ولم يتعرض لغيرها, قال ابن الرفعة: فيتجه أن يجئ في وقوع ما زاد على الواحدة الخلاف في قوله: (طلقة مع طلقة). قال: (وفي قول: ثنتان إن عرف حساباً)؛ لانه الاستعمال المشهور في الأعداد والحالف عارف به. وفي وجه ثالث: تقع ثلاث؛ لتلفظه بها. قال: (ولو قال: بعض طلقة .. فطلقة) سواء أبهمه أو عينه كنصف أو ربع؛ لان الطلاق لا يتبعض, وحكى ابن المنذر فيه الإجماع, ولم يخالف فيه إلا داوود. ووقوع الطلقة هنا – قال الإمام والغزالي-: من باب التعبير بالبعض عن الكل, ومقتضى كلام الرافعي: ترجيح كونه بطريق السراية كما هو الراجح في تبعيض المحل, وللخلاف فائدتان: إحداهما: إذا قال: أنت طالق ثلاث طلقات إلا نصف طلقة, فإن جعلناها من باب السراية .. أوقعنا ثلاثاً وهو الأصح؛ لان السراية في الإيقاع لا في الرفع. والثانية: إذا قالت: طلقني ثلاثاً على ألف فطلقها طلقة ونصفاً .. قيل: تستحق ثلثي الألف؛ لأنه أوقع طلقتين بناء على أنه من باب التعبير بالبعض عن الكل. وقيل: نصف الألف وهو الأصح كما تقدم في بابه؛ لانه أوقع نصف الثلاث, وهذا صريح في أن الراجح السراية. ثم المشهور: أمن وقوع الطلقة لا يفتقر إلى نية, وحكى الرافعي وجعين في أنه صريح, أو كناية عن العبادي وأقره.

أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ .. فَطَلْقَةٌ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفَ مِنْ طَلْقَةٍ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ قَوْلَهُ: نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ, وَثَلاَثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ, أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو نصفي طلقة .. فطلقة)؛ لان ذلك طلقة, وكذلك الحكم في ربعي طلقة وثلثيها. قال: (إلا أن يريد كل نصف من طلقة) فتقع طلقتان؛ تكميلاً للبعضين. قال: (والأصح: أن قوله: نصف طلقتين طلقة)؛ لأنها نصفهما. والثاني: طلقتان؛ لانه أضاف النصف إلى طلقتين فيكون النصف من هذه والنصف من هذه, فيقع من كل طلقة نصفها ويكمل كما لو أقر بنصف عبدين. ولو قال: عليَّ نصف درهمين .. فدرهم بالاتفاق. قال: (وثلاثة أنصاف طلقة, أو نصف طلقة وثلث طلقة طلقتان) المسألتان معطوفتان على (الأصح) , أما الأولى .. فوقع فيها طلقة ونصف وكمل, ووجه مقابلة فيها – وهو طلقة واحدة:- أن الأجزاء المذكورة مضافة إلى طلقة واحدة فتلغو الزيادة ويصير كأنه قال: نصفي طلقة أو ثلاثة أنصاف طلقة أو ثلاثة أثلاثها, وضابط الخلاف أنا هل ننظر إلى المضاف أو المضاف إليه؟ وأما المسألة الثانية .. فلأنه أضاف كل جزء إلى طلقة, وعطف البعض على البعض فاقتضى ذلك التغاير, ووجه مقابلة فيها – وهو وقوع طلقة:- أن الطلقة وإن كررت فهي محتملة للتأكيد والأجزاء, والمضاف يتبع المضاف إليه, فلو قال: ثلاثة أنصاف الطلاق .. فقال المتولي: تقع ثلاث طلقات, وتنصرف الألف واللام إلى الجنس, وحكى الحناطي وجهين: أحدهما: هذا, والثاني: طلقة. وجميع ما ذكره المصنف ما لم يزد على أجزاء طلقتين كخمسة أثلاث وسبعة أرباع, فإن زاد كسبعة أثلاث أو تسعة أرباع .. فإن الخلاف يكون في طلقة أو ثلاث, قاله في زوائد (الروضة).

وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ .. فَطَلْقَةٌ. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْتُ عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلاثَاً أَوْ أَرْبَعاً .. وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ, فَإنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلًّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ .. وَقَعَ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ, وَفِي ثَلاَثٍ وَأرْبَعٍ ثَلاَثٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: نصف وثلث طلقة .. فطلقة)؛ لأن مجموع النصف والثلث لا يزيد عليها, وكذلك لو قال: نصف وثلث وسدس طلقة, وهذا معطوف على الأصح أيضاً, ويقابله طلقتان. واقعة: قال: أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من طلقة .. قال القاضي: وقعت هذه المسألة بنيسابور, فافتى فيها الشيخ أبو المعالي بوقوع طلقتين, ومدركه ظاهر, وأفتى فيها الفقيه أبو إبراهيم بوقوع ثلاث؛ لأنه لما قال: أقل من طلقتين .. كأنه قال: طلقة وشيئاً, ولما قال: أكثر من طلقة .. وقعت أيضاً طلقتان, فيكون المجموع ثلاث طلقات وشيئاً فتقع الثلاث. اهـ وصوب شيخنا في (الطبقات) و (الكوكب) الأول. قال: (ولو قال لأربع: أوقعت عليكن أو بينكن طلقة أو طلقتين أو ثلاثاً أو أربعاً .. وقع على كلٍ طلقةٌ)؛ لانه إذا وزع عليهن .. أصاب كل واحدة منهن طلقة أو بعض طلقة وتكمل, وفيه وجه: أنه يوزع وإن لم يقصده. ولو قال: خمساً أو ستاً أو سبعاً أو ثماني .. فطلقتان إلا أن يريد التوزيع, ولو قال: تسعاً .. فثلاث مطلقاً. قال: (فإن قصد توزيع كل طلقة عليهن .. وقع في ثنتين ثنتان, وفي ثلاث وأربع ثلاث)؛ عملاً بقصده, وعند الإطلاق لا يحمل اللفظ على هذا التقدير؛ لبعده عن

وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ .. لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِراً فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُكِ مَعَهَا, أَوْ أَنْتِ كَهِيَ؛ فَإِنْ نَوَى .. طَلَقَتْ, وَإِلاَّ .. فّلاَ, وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرُ ذَلِكَ لاِمْرَأَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفهم, ووقع في (المحرر): في ثلاث ثلاث وفي أربع أربع, وكذا في (الشرح) , وغيِّرها في (الروضة) بعبارته هنا. قال في (الدقائق): وذلك غلط؛ لسبق قلم أو من الناسخ, والصواب ما في (المنهاج). قال: (وإن قال: أردت ببينكن بعضهن .. لم يقبل ظاهراً في الأصح)؛ لأن ظاهر اللفظ يقتضي الشركة. والثاني: يقبل؛ لأنه إذا كانت الطلقة بينهن .. كان الطلاق بينهن. ومحل الخلاف إذا قال: أوقعت بينكن كما قاله المصنف, فإن قال: عليكن .. لم يقبل قطعاً, قاله الإمام والبغوي, لكن نازع الرافعي فيه وطرد الخلاف. قال: (ولو طلقها ثم قال لأخرى: أشركتك معها, أو أنت كهي؛ فإن نوى .. طلقت, وإلا .. فلا؛ لأن اللفظ التشريك كنايةٌ, هذا في التنجيز بلا خلاف. أما لو علق طلاق امرأة بدخول الدار ونحوه ثم قال لأخرى: أشركتك معها .. روجع, فإن قال: قصدت أن الأولى لا تطلق حتى تدخل الأخرى .. لم يقبل, وإن قال: أردت إذا دخلت الأولى طلقت الثانية .. قبل؛ لأنه كناية, وإن قال: أردت تعليق طلاق الثانية بدخولها نفسها كما في الأولى .. ففي صحة هذا التشريك وجهان, أصحهما: الصجة؛ لأنه جائز في تنجيز الطلاق فكذا في تعليقه, كذا ذكره الشيخان في باب الإيلاء). قال: (وكذا لو قال آخرُ ذلك لامرأته) يعني: إذا قال واحد لإمرأته: أنت طالق فقال غيره لزوجته: أشركتك معها أو أنت كهي, فإن نوى .. وقع, وإلا .. فلا؛ لأن الإشراك يحتمل أن يكون في الطلاقة وغيره, فإذا نوى الطلاق .. وقع, وإلا .. لم يقع.

فَصْلٌ: يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال لواحدة من نسائه: أنت طالق عشراً فقالت: يكفيني ثلاث فقال: الباقي على صواحباتك .. لا يقع عليهن الطلاق؛ لأنه لم يخاطبهن به, كذا قاله المتولي, ونقله في (الروضة) عن البغوي، ونقل في مسائل منثورة تتعلق بالصريح والكناية: أنه إذا نوى .. وقع، وإن قالت: تكفيني واحدة فقال: الباقي لضرتك .. وقع الثلاث عليها وعلى الضرة طلقتان إذا نوى، ونقله عن البغوي أيضاً. قال: (فصل: يصح الاستثناء)؛ لأنه معهود في الكتاب والسنة قال تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس}. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة إلا لأحد ثلاثة). واتفقوا على أنه صحيح معتبر في الأقارير وسائر الأيمان في الأعداد وغيرها وإن كان النحاة مختلفين في الاستثناء من العدد. وهو ينقسم في الاستعمال إلى متصل ومنقطع, فالمتصل: إخراج بعض من كل بإلا, أو بإحدى أخواتها وهي: غير وسوى وخلا وعدا وحاشا وليس ولا يكون, وهو المراد هنا. وأما المنقطع كقوله: عندي ثوب إلا درهم .. فليس مقصوداً هنا, وإطلاق لفظ الاستثناء عليه مجاز. ولفظ الاستثناء يقع في عرف الشرع على التعليق بمشيئة الله تعالى كقوله: أنت طالق إن شاء الله, فأما التعليق بمشيئة غير الله والتعليق بسائر الأفعال .. فلا يكاد يطلق عليه استثناء في الشرع.

بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ, وَلاَ يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ولا تبعد في اللغة تسمية كل تعليق استثناء؛ فإنه تثنية عن الإطلاق. قال: (بشرط اتصاله) أشار إلى أنه لا تكفي فيه النية, بل لابد فيه من اللفظ عند القدرة عليه, ولابد من اتصال لفظه بلفظ المستثنى منه بإجماع أهل اللغة, فالسكوت الطويل المؤذن بالإعراض يبطله, وقد تقدم عن الإمام أن الاتصال المشروط هنا أبلغ مما يشترط بين الإيجاب والقبول؛ لأنه يحتمل بين كلامي الشخصين ما لا يحتمل بين كلام الشخص الواحد, ولذلك لا ينقطع الإيجاب والقبول بتخلل كلام يسير في الأصح, وينقطع به الاستثناء على الصحيح, كذا في (الروضة) و (الشرح) ههنا, وجزماً في (البيع) بأن تخلل الكلام يضر, ولم يفرقا بين قليل وكثير, وما صححه الشيخان هنا من أن الكلام اليسير يقدح في الاستثناء يخالفه قولهم: إنه لو قال: أنت طالق ثلاثاً يا زانية إن شاء الله .. فإن الاستثناء يصح. وما حكياه في (كتاب الإقرار) عن صاحبي (العدة) و (البيان) أنه لو قال: له علي ألف أستغفر الله إلا مئة .. يصح كما إذا قال: ألف يا فلان, قال المصنف: وفيه نظر. وفي (الوسيط) وغيره عن ابن عباس تجويز الاستثناء المنفصل, ثم اختلفوا فقيل: إلى سنة, وقيل: إلى شهر, وقيل: أبداً, وهو الذي يقتضيه كلام الأكثرين في النقل عنه كالشيخ أبي إسحاق وإمام الحرمين وصاحب (المعتمد) وغيرهم, واستدل له بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف واستثنى .. فله ثُنْيَاه) وبقول العباس: إلا الإذخر؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال: (إلا الإذخر). قال: (ولا يضر سكتة تنفس وعيٍّ) وكذلك عروض السعال وانقطاع الصوت؛ لأنه يعد في العادة متصلاً.

قُلْتُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْويَ الاِسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الأصَحِّ, وَاللهُ أعْلَمُ. وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (قلت: يشترط أن ينوي الاستثناء قبل فراغ اليمين في الأصح والله أعلم). قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه إذا لم ينو بالاستثناء رفع اليمين .. لا يكون مستثنياً. وفيما يشترط اقتران النية به أوجه: أحدها: أول اللفظ المستثنى منه, فلو قال: أنت طالق ثلاثاً من غير قصد استثناء, ثم بدا له عنده آخره أن يقول: إلا واحدة أو إلا أن يشاء الله متصلاً .. لم يصح الاستثناء وتقع الثلاث. والثاني: يكفي اقترانه بلفظ الاستثناء, ولا يشترط اقترانه باللفظ المستثنى منه, قال الإمام: ولا وجه له, وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع على بطلانه, ونسبه ابن الصباغ إلى الأكثرين, وصححه الماوردي في الاستثناء بالمشيئة. والثالث – وهو الذي صححه المصنف هنا وفي (التصحيح) وزوائد (الروضة) -: أنه يشترط وجوده في أثناء اللفظ المستثنى منه, وهو الذي نص عليه في (البويطي) صريحاً, ووجهه: أن اليمين إنما تعتبر بتمامها, فإذا نوى الاستثناء قبل تمام اللفظ بالطلاق .. امتنع نفوذه كما في الابتداء. وقوله: (قبل فراغ اليمين) صادق على ثلاث صور: أن يوجد في أول اليمن فقط, أو في أثنائها, أو في آخرها, وأن الخلاف جار في الجميع, وهو صحيح. قال: (ويشترط عدم استغراقه)؛ لأن المستغرق باطل بالإجماع كما حكاه الإمام فخر الدين والآمدي, وإن كان في (المدخل) لابن طلحة المالكي الأندلسي قول بصحته, فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً .. بطل الاستثناء وطلقت ثلاثاً. فإن قيل: لم لا بطل ما جاء منه الفساد – وهو الاستغراق – وتقع طلقتان؛ لان المستثنى جمع بين ما يجوز وما لا يجوز, فيخرج على تفريق الصفقة .. فالجواب: أن ذلك لم يذهب إليه أحد كما قاله ابن الرفعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من كلام المصنف: أنه يصح استثناء الأكثر, وهو كذلك. فإن قيل: يرد على فساد استثناء المستغرق نحو: أنت طالق إن شاء الله؛ فإنه يرفع جميع الطلاق الذي أوقعه وهذا معنى الاستثناء .. فالجواب: أن هذا خرج بالنص فبقى ما عداه على الأصل. فروع: الأول: قال: كل امرأة لي غيرك أو سواك طالق ولم يكن له إلا المخاطبة .. لم يقع الطلاق كما جزم به الخوارزمي في (كتاب الإيمان) , ويؤيد ما نقله الشيخان عن القفال وأقراه أنه لو قال: النساء طوالق إلا عمرة ولا زوجة له سواها .. لم تطلق. ولو كانت امرأته مع نسوة فقال: طلقت هؤلاء إلا هذه وأشار إلى زوجته .. لم تطلق زوجته, قال الشيخ: والذي استقر عليه رأيي أنه إن قدم (غير) فقال: كل امرأة لي غيرك طالق .. لم تطلق, وإن أخرها فقال: كل امرأة لي طالق غيرك ولا امرأة له غيرها .. طلقت, قال: وكذلك أقول في قوله: إلا أنت. واختار ابن الرفعة أنه إن قال: غيرك بالفتح .. فهو استثناء مستغرق يوقع الطلاق, وإن قال: غيرُك أو غيرِك على الصفة .. لم تطلق. الثاني: قال: أنت طالق طلقتين إحداهما لا تقع عليك .. فوجهان: أصحهما: تقع طلقتان. والثاني: واحدة كقوله: اثنتين إلا واحدة, وبهذا جزم الماوردي, ويرد عليه: أنه استثناء بغير أداة استثناء, ومثله لم يعهد. الثالث: إذا قدم المستثنى على المستثنى منه بأن قال: أنت إلا واحدة طالق ثلاثاً .. قال في (المهذب): عندي أنه يصح وتقع طلقتان, ونقل عن بعض الأصحاب – وعنى به الماوردي: أنه لا يصح الاستثناء, والمشهور الأول؛ ففي (الروضة) في أوائل (كتاب الأيمان): لو قال: لفلان علي إلا عشرة دراهم مئة درهم .. صح الاستثناء, وفيه وجه ضعيف.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً إِلاَّ ثِنْتَيْنِ وَوَاِحدَةٌ .. فَوَاحِدَةٌ, وَقِيلَ: ثَلاَثٌ, أَو ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً .. فَثَلاَثٌ, وَقِيلَ: ثِنْتَانِ. وَهنِيَّ مِنْ نَفْي إِثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ, فَلَو قَالَ: ثَلاَثاً إِلاَّ طَلْقَةً .. فَثِنْتَانِ, أَوْ ثَلاثَاً إِلاَّ ثَلاثاً إِلاَّ اثْنَتَيْنِ .. فَثِنْتَانِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين وواحدة .. فواحدة, وقيل: ثلاث) هذا الخلاف ينبني على أنه إذا عطف بعد العدد على بعض في المستثنى أو المستثنى منه هل يجمع بينهما. فيه وجهان: أحدهما: يجمع؛ لأنه لو قال: علي درهم ودرهم .. لزمه درهمان. والأصح: المنع؛ لان الجملتين المعطوفتين تفردان بالحكم وإن كانت الواو للجمع؛ لأنه لو قال: لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق .. لا تطلق إلا طلقة, فوقوع الطلقة مفرع على عدم الجمع في المستثنى؛ إذ لو جمع .. لصار ثلاثاً إلا ثلاثاً فيستغرق فتقع الثلاث. والقائل بالثاني ينظر إلى الجمع ويوقع الثلاث؛ لكونه مستغرقاً. قال: (أو ثنتين وواحدة إلا واحدة .. فثلاث, وقيل: ثنتان) هو أيضاً ينبني على الأصل المذكور, فعلى الجمع: تكون الواحدة مستثناة من الثلاث فتقع طلقتان, وعلى مقابلة: لا يجمع وتكون الواحدة مستثناة من الواحدة فتقع الثلاث, فلو قال: واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة فثلاث قطعاً؛ لأنا إن جمعنا .. فقد استثنى ثلاثاً من ثلاث, وإلا .. فقد استثنى كل واحدة من واحدة. قال: (وهي من نفي إثبات) بالاتفاق. قال: (وعكسه) هذه خالفه فيها أبو حنيفة, ووافقه الإمام في (المعالم) , وفي (الحاصل) و (المنتخب) اختار مذهب الشافعي. قال: (فلو قال: ثلاثاً إلا ثنتين إلا طلقة .. فثنتان)؛ لأن المعنى ثلاثاً تقع إلا ثنتين لا تقع إلا طلقة تقع. قال: (أو ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا اثنتين .. فثنتان)؛ لأنه لما عقب الاستثناء

وَقِيلَ: ثَلاَثٌ, أَوْ خَمْساً إِلاَّ ثَلاَثاً .. فَثِنْتَانِ, ثَلاَثٌ, أَوْ ثَلاَثاً إِلاَّ نِصْفَ طَلْقَةٍ .. فَثَلاَثٌ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالاستثناء .. خرج الأول عن أن يكون مستغرقاً, وكأنه استثنى ثلاثاً إلا اثنتين من ثلاث, فكأنه قال: ثلاثاً إلا واحدة. قال: (وقيل: ثلاث) ويبطل الاستثناء الأول؛ لاستغراقه, فيصرف الثاني إلى أصل الكلام. وضابط جريان هذا الخلاف: أ، يتعدد الاستثناء ويكون الأول مستغرقاً للمستثنى منه دون الثاني كقوله: عشرة إلا عشرة إلا أربعة. قال: (أو خمساً إلا ثلاثاً .. فثنتان, وقيل: ثلاث) أشار به إلى ما إذا زاد على العدد المملوك هل ينصرف الاستثناء إلى الملفوظ به؛ لأنه لفظ فيتبع به موجب اللفظ, أو إلى المملوك؛ لأن الزيادة عليه لغو لا عبرة بها؟ وجهان, أصحهما: الأول, ومنه يعلم مأخذ الوجهين في مسألة الكتاب. قال: (أو ثلاثاً إلا نصف طلقة .. فثلاث على الصحيح)؛ لانه إذا استثنى نصف طلقة .. بقى نصفها فكملت. والثاني: تقع ثنتان ويجعل استثناء النصف كاستثناء الجميع, كما أن إيقاع النصف كإيقاع الجميع. فروع: قال: أنت طالق نصف طلقة إلا نصف طلقة وقعت طلقة. وإن قال: طلقة ونصف إلا طلقة ونصف .. فالقياس وقوع طلقتين. ولو قال لنسوته الأربع: أربعتكن طوالق إلا فلانة .. قال القاضي والمتولي: لا يصح هذا الاستثناء؛ لأن الأربع ليست صيغة عموم, وإنما هي اسم لعدد معلوم خاص, فقوله: (إلا فلانة) رفع للطلاق عنها بعد التنصيص عليها, فهو كقوله: أنت

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ, أَوْ إِنْ لَمْ يَشَأ اللهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ,, لَمْ يَقَعْ,. ـــــــــــــــــــــــــــــ طالق طلاقاً لا يقع عليك, وقد تقدم في (الإقرار): أن الاستثناء صحيح من المعين على الوجه الشاذ في ذلك الباب [و] هو المنقول هنا عن القاضي والمتولي فطريقهما واحد, والمعتمد: صحة الاستثناء في المذكورات. قال: (ولو قال: أنت طالق إن شاء الله, أو إن لم يشأ الله وقصد التعليق .. لم يقع). أما الأولى .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف ثم قال: إن شاء الله .. فقد استثنى) رواه الأربعة وصححه الحاكم, وهو عام في الطلاق والأيمان. وفي (معرفة الصحابة) لأبي موسى الأصبهاني من رواية معدي كرب مرفوعاً: (من أعتق أو طلق واستثنى .. فله ثنياه). وروى الطبراني والدارقطني [4/ 35] عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا معاذ؛ ما خلق الله شيئاً على وجه الأرض أحب إليه من العتاق, ولا خلق الله تعالى شيئاً أبغض إليه من الطلاق, فإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله .. فله استثناؤه ولا طلاق عليه) وبهذا قال مالك وأحمد. والجواب: ضعف الحديث؛ فإنه من رواية حميد بن مالك اللخمي, وهو منكر الحديث. وأما المسألة الثانية .. فلأن عدم المشيئة محال, فأشبه ما إذا قال: إن جمعت بين السواد والبياض. ونظير قول المصنف: (إن شاء الله): متى شاء الله وإذا شاء الله فأنت طالق, وكذا بإسقاط (الفاء) على الأصح. ولو قال: أنت طالق لو شاء الله .. فعن القفال أنه أستقر رأيه على أن يقع, وأجاب ابن القاص بعدم الوقوع.

وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ, وَعِتْقٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَكْلِّ تَصَرُّفٍ. وَلَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ إِنْ شَاءَ اللهُ .. وَقَعَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بـ (قصد التعليق) عما إذا سبق الكلمة إلى لسانه لتعوده بها, أو لقصد التبرك بذكر الله تعالى, أو إشارة إلى أن كل شيء بمشيئة الله تعالى .. وقع الطلاق والعتق. قال: وكذا يمنع انعقاد تعليق كما إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله؛ لعموم قوله (من حلف) , ولأن التعليق بالمشيئة يمنع الطلاق المنجز فالمعلق أولى. قال: زعتق تنجيزاً وتعليقاً كأنت حر إن شاء الله, أو أنت حر إن دخلت الدار إن شاء الله , خلافاً لمالك وأحمد؛ لعموم من أعتق أو طلق واستثنى .. فله ثنياه. قال: (ويمين) كقوله: والله لأفعلن إن شاء الله؛ لما روى الشيخان [خ5242 - م1654] في حديث سليمان بن داوود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو قال: إن شاء الله .. لم يحنث). قال: (ونذر) كقوله: لله علي كذا إن شاء الله. وحكى الشيخان في (كتاب الأيمان) وجهين في تعقيب اليمين بالمشيئة هل يمنع الانعقاد أو لا؟ والأصح: ما صححاه هنا من عدم الانعقاد, وكذلك يمنع الظهار على المشهور كما حرره في (المهمات). قال: وكل تصرف أي: حقه الجزم كالبيع والإقرار والإجارة, وكذلك يمنع انعقاد نية الوضوء والصلاة والصوم وغيرها من العبادات إذا قصد التعليق. قال: (ولو قال: يا طالق إن شاء الله .. وقع في الأصح) ويكون الاستثناء لغواً؛ لأن الاستثناء إنما يعتاد ويعمل في الأفعال دون الأسماء, ولذلك لا يقال: يا أسود إن شاء الله. والثاني: يصح؛ لأنه إنشاء في المعنى كقوله: طلقتك أو أنت طالق, والخلاف راجع إلى أنَّا هل نراعي الوضع في الاستثناء أو المعنى المراد باللفظ ونقيمه مقام الموضوع؟

وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ .. فَلاَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: قال: يا طالق أنت طالق ثلاثاً إن شاء الله .. وقعت طلقة بقوله: يا طالق فقط, ولو قال: أنت طالق ثلاثاً يا طالق إن شاء الله .. فقيل: تقع طلقة بقوله: يا طالق, وقيل: ثلاث؛ بناء على أن النداء يدخله الاستثناء, وقيل: لا يقع شيء. قال في [الشرح] و [الروضة]: يشبه أن يكون الأول أظهر. قال: (وإن قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله .. فلا في الأصح)؛ لأن معناه إلا أن يشاء الله عدم تطليقك .. فلا يقع شيء؛ لأن المشيئة لا اطلاع لنا عليها. والثاني: يقع؛ لأنه أوقعه وشككنا في الرافع فصار كما لو قال: أنت طالق إلا أن يشاء زيد, فمات زيد ولم تعلم مشيئته .. فإنه يقع الطلاق, وهذا رجحه العراقيون, وقال الروياني وصاحب (الكافي): إنه المذهب, ورجحه القاضي البغوي والماوردي. فروع: الأول: قال: حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله .. نقل الرافعي عن (التهذيب): أن الاستثناء يرجع إلى عمرة على الأصح, وقيل: إليهما. اهـ والذي في (التهذيب): لو قال حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله .. لا تطلق واحدة منهما. ولو قال: حفصة طالق وعمرة طالق إن شاء الله .. طلقت حفصة, ولا تطلق عمرة؛ لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه, وقيل: إليهما, والأول أصح. الثاني: عن القفال لو قال: أنت طالق واحدة ثلاثاً إن شاء الله من غير واو) .. لم يقع شئ؛ لأن الواحدة المتقدمة عائدة في الثلاث, والاستثناء عائد إلى جميع الكلام. الثالث: لو قال: علي الطلاق لا أفعل الشيء الفلاني إلا أن يسبقني القضاء والقدر ثم فعله وقال: قصدت إخراج ما قدر منه على اليمين .. أفتى ابن الصلاح بعدم الوقوع.

فَصْلٌ: شَكَّ فِي طَلاَقٍ .. فَلاَ، أَوْ فِي عَدَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: فعل شيئاً ثم قال: والله ما فعلته إن شاء الله أو حلف بالطلاق أنه ما فعل ثم قال: إن شاء الله .. صرح المتولي بأنه لا يحنث، فإذا لم يفعل شيئاً شاء الله أنه لم يفعله؛ إذ لا يقع شيء إلا بمشيئة الله تعالى، وبهذا أفتى البارزي، وصوبه في (المهمات) هنا وفي (الدعاوى)، واستشهد له بقول الأصحاب: إن الحاكم لو حلفه على نفي الغصب فقال: والله ما غصبت إن شاء الله .. كان ناكلاً وتعاد اليمين، فلولا أن الاستثناء ينفع في الماضي .. ما جعلوه ناكلاً. قال: (فصل: شك في طلاق .. فلا) إذا شك هل طلق أم لا؟ لا يقضى عليه بوقوعه بالإجماع، سواء استوى الطرفان أو رجح أحدهما بغير دليل، ولأن الأصل بقاء النكاح فاستصحب كما يستصحب أصل الطهارة عند الشك، وأستدل له الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً). قال في (المطلب): ولا يختلف الأصحاب في أنه لا يحرم عليه وطئها في هذه الحالة. قال: (أو في عدد .. فالأقل)؛ لأنه المتيقن، والأصل عدم الزائد. وقال مالك: يأخذ بالأكثر كما إذا تحقق النجاسة في ثوب ولم يعرف قدرها .. فإنه يأخذ بالأكثر ويغسله كله. وأجاب الأصحاب بأنه ليس للنجاسة قدر معلوم حتى يستصحب أصل العدم فيما عداه، وقد تحققنا التحريم فوجب استصحابه إلى أن يتيقن الطهارة، وهنا عدد الطلاق من واحدة أو اثنتين معلوم فيستصحب أصل العدم فيما سواه، ونظير الطلاق من

وَلاَ يَخْفَى الْوَرَعُ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَاباً .. فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرِأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ .. لَمْ يُحْكَمْ بِطَلاَقِ وَاحِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النجاسة أن يتحققها في طرف من الثوب ويشك في إصابتها طرفاً آخر .. فلا يجب غسل الطرف المشكوك فيه. قال: (ولا يخفى الورع) أي: في الصورتين وهو الأخذ بأسوء التقديرين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) رواه أحمد [1/ 200] والترمذي [2518] والنسائي [8/ 327] عن الحسن بن علي مرفوعاً، ففي الأولى يراجع إن كان له الرجعة، وإلا .. فيجدد النكاح إن كان له رغبة، وإلا .. فينجز طلاقها، وأما في هذه .. فالورع أن يبتدئ إيقاع طلقتين لا إيقاع ثلاث. و (الورع): الكف عن المحارم والتخرج منها، هذا أصله، ثم استعير للكف عن المباح والحلال. وفي الحديث: (ملاك الدين الورع). جاء رجل إلى أبي حنيفة رحمه اله فقال: لا أدري أطلقت امرأتي أم لا، فقال له: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك طلقتها، فتركه ثم جاء إلى سفيان الثوري فسأله فقال: اذهب فراجعها فإن كنت طلقتها .. فقد راجعتها، وإلا .. فلا تضرك المراجعة، فتركه وجاء إلى شريك فقال: اذهب فطلقها ثم راجعها، فتركه وجاء إلى زفر فسأله فقال: هل سألت أحداً؟ قال: نعم وقص عليه القصة، فقال قي جواب أبي حنيفة: الصواب ما قال لك، وقال في جواب سفيان: ما أحسن ما قال لك، فلما انتهى إلى قول شريك .. ضحك ملياً ثم قال: لأضربن لهم مثلاً: رجل يشك في ثوبه هل أصابته نجاسة .. فقال له أبو حنيفة: ثوبك طاهر حتى تستيقن، وقال سفيان: اغسله فإن كان نجساً .. فقد طهرته، وإلا .. فقد زدته طهارة، وقال شريك: بُلْ عليه ثم اغسله. قال: (ولو قال: إن كان ذا الطائر غراباً .. فأنت طالق، وقال آخر: إن لم يكنه فامرأتي طالق وجهل .. لم يحكم بطلاق واحد)؛ لأن الأصل بقاء النكاح وشككنا في رافعه كما إذا سمعنا صوت حدث بين اثنين ثم قام كل منهما إلى الصلاة .. لم يكن

وَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ .. طَلُقَتْ إِحْدِاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ. وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ جَهِلَهَا .. وُقِفَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للآخر أن يعترض عليه، وكذلك لو وقع التعليقان منهما في العتق، فأيهما ملك العبد الآخر فاجتمعا عنده .. منع من التصرف فيهما، ويؤمر بالتعيين، وعليه البحث عن طريق البيان. وقيل: إنما يمتنع التصرف في المشتري دون الأول، فلو باع أحدهما عبده واشترى الآخر .. ففي (البسيط): لم أره مسطوراً، والقياس: نفوذ التصرف فيه، أما على طريقة العراقيين .. فيعتق الثاني بلا شك. وقول المصنف: (يكنه) وصل الضمير بخبر كان، وهو اختيار شيخه ابن مالك، والجمهور على اختيار الانفصال. قال: (وإن قالهما رجل لزوجتيه .. طلقت إحداهما)؛ لأنه لا بد فيه من أحد الوصفين، إذ ليس بين النفي والإثبات واسطة، وعليه أن يجتنبهما إلى أن يتيقن تحريم إحداهما كما لو طلق إحداهما على التعيين ثم التبست. قال: (ولزمه البحث والبيان)؛ لجواز أن يكون عنده علم منه، هذا حيث أمكنه، فلو طار ولم يعلم حاله .. لم يلزمه جزماً. فرع: عن البوشنجي لو قال: أنت طالق بعدد كل شعرة على جسد إبليس .. فقياس مذهبنا: أنه لا يقع؛ لأنا لا ندري هل على جسده شعر أم لا، والأصل عدمه. وعن بعض الحنفية: أنه تقع عليه طلقة، قال المصنف: وهو القياس، وليس هذا تعليقاً على صفة شككنا فيها، بل هو تنجيز طلاق وربط لعدده بشيء شككنا فيه، فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد، والواحدة ليست بعدد بل أقل العدد اثنان، فالمختار وقوع طلقة. قال: (ولو طلق إحداهما بعينها ثم جهلها .. وقف حتى يتذكر) وذلك على سبيل

وَلاَ يُطَالَبُ بِبَيَانٍ إِنْ صَدَّقْنَاهُ فِي الْجَهْلِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَقَالَ: قَصَدْتُ الأَجْنَبِيَّةَ .. قُبِلَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَقَالَ: قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً .. فَلاَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجوب؛ لأن إحداهما حرمت بالطلاق والأخرى بالاشتباه، كما لو اشتبهت محرمة بغيرها في عدد محصور .. فإنه يمتنع نكاحها. قال: (ولا يطالب ببيان إن صدقناه في الجهل)؛ لأن الحق لهما فإن كذبتاه وبادرت إحداهما فقالت: أنا المطلقة .. لم يُقنع منه بقوله: نسيت أو لا أدري، بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها، فإن نكل .. حلفت وقضي لها. قال: (ولو قال لها ولأجنبية: إحداكما طالق، وقال: قصدت الأجنبية .. قبل في الأصح) أي: بيمينه؛ لتردد الكلمة بينهما واحتمالهما معاً فإذا عين الأجنبية .. صار كقوله لها: أنت طالق، وكذا إذا خاطب زوجته وأمته وقال: أردت الأمة. والثاني: لا يقبل منه وتطلق الزوجة؛ لأنه أرسل الطلاق بين محله وغير محله، فينصرف إلى محله لقوته، كما إذا أوصى بطبل وله طبل حرب وطبل لهو .. نزلت الوصية على طبل الحرب؛ تصحيحاً لها، والطلاق أقوى وأولى بالنفوذ من الوصية. ولو قال ذلك لزوجته ورجل أو دابة ثم قال: أردت الرجل أو الدابة .. لم يقبل. وأفهم قوله: (قصدت الأجنبية) أنه لو لم تكن له إرادة .. تطلق الزوجة، وكذلك نقله الشيخان عن (فتاوى البغوي) وأقراه. قال في (المطلب): وفيه نظر؛ لما سبق في تعليل الأصح. ولو قال لأم زوجته: ابنتك طالق ثم قال: أردت البنت التي ليست لي زوجة .. صدق، حكاه الرافعي في آخر الباب. قال: (ولو قال: زينب طالق، وقال: قصدت أجنبية .. فلا في الأصح)؛ لأنه صرح باسم زوجته، فالظاهر انصرافه إليها، بخلاف المسألة قبلها؛ فإن قوله: (إحداكما) يتناولهما تناولاً واحداً ولم يوجد منه تصريح باسم زوجة ولا إشارة بالطلاق إليهما، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى.

وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً .. طَلُقَتْ، وَإِلاَّ .. فَإِحْدَاهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ فِي الأُولَى، وَالتَّعْيِينُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُعْزَلاَنِ عَنْهُ إِلِى الْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ، وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ لَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يصدق بيمينه كالصورة السابقة؛ لأن التسمية محتملة، والأصل بقاء النكاح. وفرق البوشنجي فقال: إن قال: زينب طالق، ثم قال: أردت الأجنبية .. قبل، وإن قال: طلقت زينب، ثم قال ذلك .. لم يقبل ولم يرتض الرافعي الفرق. ولو كان تحته امرأتان إحداهما بنكاح فاسد فقال: إحداكما طالق ثم قال: أردت التي نكاحها فاسد .. ففيه الخلاف المتقدم. قال: (ولو قال لزوجتيه: إحداكما طالق وقصد معينة .. طلقت)؛ لأن اللفظ صالح لهما، فإذا صرفه بالنية إلى إحداهما .. انصرف. قال: (وإلا) أي: وإن لم يقصد واحدة بعينها (.. فإحداهما)؛ لأنه لم يقصد معينة، وقال مالك: تطلقان، وأغرب الإمام فخر الدين فقال: لا تطلق إحداهما مطلقاً؛ لأن الطلاق معين فيستدعي محلاً معيناً. وقوله: (وإلا .. فإحداهما) يشمل ثلاث صور: ما إذا نوى إحداهما لا بعينها، وما إذا أطلق، وما إذا نواهما معاً، وبالثالثة صرح الإمام كما نقله الرافعي عنه. قال: (ويلزمه البيان في الأولى، والتعيين في الثانية) أي: على الفور؛ لتمييز الزوجة من المطلقة، وإطلاق الأصحاب يقتضي وجوب ذلك من غير طلب من الزوجتين. قال ابن الرفعة: ولا وجه لإيجابه قبل الطلب، لأن الحق لهما لا يعدوهما، وحق الله فيه الانعزال عنهما وقد أوجبناه. قال: (ويعزلان عنه إلى البيان والتعيين)؛ لأن الزوجة اشتبهت بالمطلقة، واجتمع الحل والحرمة، فغلب جانب التحريم احتياطاً للأبضاع فامتنع الجمع. قال: (وعليه البدار لهما) أي البيان والتعيين؛ لما في ترك ذلك من تطويل العدد على المطلقة، فلو أخر بلا عذر .. عصى وعذر.

وَنَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ، وَيَقَعُ الطَّلاَقُ بِاللَّفْظِ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُعَيِّنْ .. فَعِنْدَ التَّعْيِينِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بَيَاناً ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقتضى كلام المصنف: أنه لا يمهل إذا استمهل، وقال ابن الرفعة: يمهل ثلاثة أيام كمن أسلم على أكثر من أربع نسوة، وهذا القياس صحيح فيما إذا عين ونسي أو أبهم، فإن عين ولم يدَّعِ النسيان .. فلا وجه للإمهال. هذا في الطلاق البائن، أما الرجعي .. فلا يلزم فيه بيان ولا تعيين في الحال على الأصح في (أصل الروضة) و (الشرح الصغير)، وينبغي أن يكون محله مع بقاء العدة، فإن انقضت .. لزمه في الحال؛ لحصول البينونة، وتعليلهم يرشد إليه. قال: (ونفقتهما في الحال)؛ لأنهما محبوستان عنده بعقد النكاح. والمراد بـ (الحال): حال التوقف إلى البيان كما عبر به في (الشرحين) و (الروضة)، ولا يسترد الذي أنفقه على التي بانت مطلقة؛ لأنه لا تقصير من جهتها، قال الإمام: وهي من النوادر؛ لأنها نفقة لبائن. قال: (ويقع الطلاق باللفظ) أما في المعينة المبينة .. فبلا خلاف، وأما في المبهمة .. فوجهان: أصحهما: كذلك؛ لأن لفظ الإيقاع قد وجد منجزاً فلا بد من الحكم بالوقوع، لكن محله غير معين، فإذا عينه .. عمل لفظ الإيقاع من حينئذ، كما لو أعتق في مرضه ثم مات وأقرعنا بينهم يتبين بخروج القرعة أنهم كانوا أحراراً يوم العتق. قال: (وقيل: إن لم يعين .. فعند التعيين)؛ لأنه لو وقع قبله .. لوقع لا في محل والطلاق معين فيستدعي محلاً معيناً، فكأن الزوج أوجب الطلاق والتزمه ولم يوقعه فلزمه إتمامه وحصلت الحيلولة لذلك، وأما العدة .. فمن حين الطلاق؛ لأنه وقت وقوعه وكذا في المبهمة في الأصح. وقيل: من التعيين، وهو الراجح في (أصل الروضة)، وقيل: بطرده في المعينة. قال: (والوطء ليس بياناً) أي: للمعينة المنوية قطعاً؛ لأن الطلاق لا يقع بالفعل، فتبقى المطالبة بحالها.

ولَاَ تَعْيِيناً، وَقِيلَ: تَعْيِينٌ. وَلَوْ قَالَ مُشِيراً إِلَى وَاحِدَةٍ: هَذِهِ الْمُطَلَّقّةُ .. فَبَيَانٌ، أَوْ أَرَدْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ، أَوْ هَذِهِ بَلْ هّذِهِ .. حُكِمَ بِطَلاَقِهَما ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تعييناً) أي: للموطوءة للنكاح كما لو كانت المطلقة المعينة. قال: (وقيل: تعيين) أي: للطلاق في غير الموطوءة؛ لأن التعيين يحصل بالاختيار والوطء دال عليه كوطء المبيعة في زمن الخيار يجعل فسخاً، وفرق الأول بأن ملك النكاح لا يحصل بالفعل، ابتداء فلا يتدارك بالفعل، بخلاف ملك اليمين. والذي رجحة المصنف تابع فيه (المحرر)، وقال في (الروضة): إنه المختار، والذي عليه الأكثرون- وهو ظاهر المذهب كما قاله الماوردي وغيره-: الثاني، فعلى هذا: في سائر الاستمتاعات وجهان. قال: (ولو قال مشيراً إلى واحدة: هذه المطلقة .. فبيان)؛ عملاً بقوله؛ إذ لا يعلم إلا من جهته. قال: (أو أردت هذه وهذه، أو هذه بل هذه .. حكم بطلاقهما)؛ لأنه أقر للأولى ثم رجع بإقراره للثانية فقبلنا إقراره دون رجوعه، فالوقوع بإقراره لا بقوله: إحداكما. ونبه بقوله: (أردت هذه) على أنه أراد أولاً واحدة بعينها ولم يبهم الطلاق بينهما. ومثل بـ (الواو) وبـ (بل) للتنبيه على أنه لا يسمع منه الإضراب عن الأولى؛ لتعينها. ولو عطف بـ (الفاء) أو بـ (ثم) .. قال القاضي وصاحباه البغوي والمتولي: تطلق الأولى فقط؛ لاقتضاء الحرفين الترتيب، واعترض الإمام بأنه اعترف بطلاق الثانية أيضاً فليكن كقوله: (هذه وهذه)، وقوى الرافعي الاعتراض، وقال المصنف: قول القاضي أظهر. ولو قال: هذه أو هذه .. استمر الإبهام وطولب بالبيان، كل هذا فيما إذا نوى معينة، فإن أبهم فطولب بالتعيين فأشار لواحدة فقال: هذه المطلقة .. فإنها تتعين ويلغو ذكر غيرها، سواء عطف غيرها بـ (الفاء) أو (ثم) أو (الواو)؛ لأن التعيين

وَلَوْ مَاتَتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ بيَانٍ وَتَعْيِينٍ .. بَقِيَتِ الْمُطَالَبَةُ لِبَيَانِ الإِرْثِ. وَلَوْ مَاتَ .. فَالأَظْهَرُ: قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ لاَ تَعْيِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس اختياراً، بل هو إنشاء اختيار، سواء قلنا: الطلاق من اللفظ أو التعيين، كل هذا في الظاهر، أما في الباطن .. فالمطلقة من نواها، قاله الإمام. قال: (ولو ماتتا أو إحداهما قبل بيان وتعيين) والحال أن الطلاق بائن (.. بقيت المطالبة لبيان الإرث)؛ لأنه قد ثبت إرثه في إحداهما بيقين، فيوقف من مال كل منهما نصيب زوج، هذا إذا كان كل منهما بصفة الوراثة، فإن كانت إحداهما كتابية والأخرى والزوج مسلمين .. فالأصح: المنع، صرح به الرافعي في (نكاح المشرك)، واستدركه في (الكفاية) هنا. وقيل: إذا ماتتا .. سقط التعيين، وإن ماتت إحداهما .. تعين الطلاق في الأخرى بناء على الوقوع عند التعيين ولا وقوع بعد الموت وهو بعيد. قال: (ولو مات) أي: قبل البيان أو التعيين (.. فالأظهر: قبول بيان وارثه لا تعيينه)؛ لأن البيان إخبار وقد نقف على مراد مورثه منه أو من غيره، والتعيين اختيار شهوة فلم نلحقه به كما لو أسلم على عشر ومات قبل الإخبار، وكما أنه لا ينوي لو أتى مورثه بكناية. والثاني: يقبل فيهما كما في الرد بالعيب وحق الشفعة واستحقاق النسب. والثالث: المنع مطلقاً؛ لأن حقوق النكاح لا تورث، ولأن الإرث لا يختلف بزوجة أو زوجتين، والذي صححه المصنف هنا صححه في (تصحيح التنبيه) أيضاً، وعبارة (المحرر) لا تعطي ذلك، وعبارة (الشرح) و (الروضة) تقتضي خلافه كما بينه في (المهمات). وإذا ماتت إحداهما ثم مات الزوج ثم الأخرى وعين الوارث الأولى للطلاق .. قبل قطعاً؛ لأنه عليه لا له، وإن عين الأولى للنكاح أو مات الزوج بعد موتهما .. ففيه القولان، وإذا قلنا: يقوم أو لا يقوم فقال: لا أعلم، فإن مات الزوج قبلهما .. وقف ميراث زوجة حتى يصطلحا أو يصطلح ورثتهما بعد موتهما.

ولَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ ذّا الطَّائِرُ غُرَاباً فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلاَّ فَعَبْدِي حُرٌ وَجُهِلَ .. مُنِعَ مِنْهُمَا إِلَى الْبَيَانِ، وَإِنْ مَاتَ .. لَمْ يُقْبَلْ بيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ، بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؛ فَإِنْ قَرَعَ .. عَتَقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: إن كان ذا الطائر غراباً فامرأتي طالق وإلا فعبدي حر وجهل .. منع منهما إلى البيان) فلا يستخدم العبد ولا يستمتع بالمرأة؛ لأنه علم زوال ملكه عن أحدهما فأشبه طلاق إحدى الزوجتين. ولو كانت الزوجات الحالف بطلاقهن أربعاً .. حرم عليه نكاح سواهن. قال الماوردي: ويسقط عنه القسم؛ لتحريمهن عليه، وكذلك يحرم على العبد أن يتصرف في نفسه تصرف الأحرار، وعليه نفقة الزوجة والعبد إذا لم يكن له كسب، فلو أراد الكسوب أن يكتسب وأراد السيد أن يستخدمه وينفق عليه .. ففي المجاب منهما وجهان. وفي وجه: يقرع بينهما كما سيأتي عند موت الحالف، وجميع ما تقدم من الأمر بالبيان والتعيين والحبس والتعزير عند الامتناع يأتي مثله هنا. قال: (وإن مات .. لم يقبل بيان الوارث على المذهب)؛ لأنه متهم في إخباره بالحنث في الطلاق ليرق العبد وسقط الإرث للزوجة، ولأن للقرعة مدخلاً في العتق فقدمت على الرجوع إلى الوارث. والمصنف أطلق الخلاف تبعاً لـ (المحرر) وغيره، وخصه السرخسي بما إذا عين الوارث الحنث في المرأة، أما إذا عكس .. فيقبل مطلقاً؛ لإضراره بنفسه، واستحسنه الرافعي، وقال في (الروضة): إنه متعين وإنَّ غير السرخسي قاله أيضاً. قال: (بل يقرع بين العبد والمرأة)؛ رجاء خروج القرعة على العبد، فإنها مؤثرة في العتق، وهي وإن لم تؤثر في الطلاق لكن هذا كما لو شهد رجل وامرأتان في سرقة .. فإنه يصغى إليها؛ لتأثيرها في الضمان وإن لم تؤثر في القطع. قال: (فإن قرع) أي خرجت القرعة للعبد (.. عتق) هذا إذا كان التعليق في الصحة أو في المرض وخرج من الثلث.

أَوْ قَرَعَتْ .. لَمْ تَطْلُقْ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَرِقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو قرعت .. لم تطلق) خلافاً لأبي ثور؛ لأن القرعة لا مدخل لها في الطلاق بدليل ما لو طلق إحدى امرأتيه .. فإنه لا يقرع بينهما، بخلاف العتق فإن النص ورد به. قال: (والأصح: أنه لا يرق) بل يبقى مبهماً؛ لأن القرعة لم تؤثر فيمن خرجت له ففي غيره أولى. والثاني: يرق؛ لأنه مقروع، وقال شارح (التعجيز): إن جمهور النقلة قطعوا به، وقال الروياني: إنه ظاهر المذهب، وعلى هذا يزول الإشكال. وعلى الأول قال ابن أبي هريرة: إن القرعة تعاد إلى أن يخرج عليه. قال الإمام: وعندي يجب أن يخرج القائل بهذا عن أحزاب الفقهاء، ومن قال به .. فليقطع بعتق العبد وليترك تضييع الزمان من إخراج القرعة. قال الرافعي: وهذا قويم ولكن الحناطي عزى هذا إلى ابن أبي هريرة وهو زعيم عظيم من الفقهاء لا يتأتى إخراجه من أحزابهم، وكان الشيخ يستأنس له بما اتفق في أمر عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج القدح عليه فزادوا الإبل عشراً عشراً. وكذلك ما يرويه المفسرون في قصة يون عليه السلام من أن أهل السفينة اقترعوا ثلاثاً وهي تقع عليه. وقوله: (يرق) ضبطه المصنف بفتح أوله وكسر ثانيه وهو الصواب. تتمة: قال لزوجاته الأربع وقد جلسن صفاً: الوسطى منكن طالق، قال البوشنجي: فيه وجهان: أحدهما: لا يقع شيء، وبه قال أصحاب أبي حنيفة؛ إذ ليس للأربع وسطى. والثاني: يقع الطلاق على الوسطين. قال المصنف: كلا الوجهين ضعيف، والمختار ثالث وهو أنه تطلق واحدة من

فَصْلٌ: اُلطَّلاَقُ: سُنِّيٌ وَبِدْعِيٌّ، وَيَحْرُمُ اُلْبِدْعِيُّ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: طَلاَقٌ فِي حَيْضِ مَمْسُوسَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوسطيين ويعينها الزوج، والذي اختاره المصنف تفقهاً هو الصواب المنصوص في (الأم) في (أبوب الكناية). قال: (فصل: الطلاق سني وبدعي) اتفق العلماء على انقسامه إلى ذلك؛ لأنه يقع تارة حلالاً وتارة حراماً، ولهم في تفسير ذلك اصطلاحان: أحدهما: أن السني: ما لا يحرم إيقاعه، والبدعي: ما يحرم، وعلى هذا فلا قسم سواهما. والثاني- وهو المشهور-: أن السني: طلاق مدخول بها ليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة، والبدعي: طلاق مدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه ولم يبن حملها، وعلى هذا يخرج عن القسمين طلاق غير المدخول بها وطلاق الحامل والصغيرة والآيسة فيكون الطلاق ثلاثة أقسام. وقد قسم العلماء الطلاق إلى واجب كطلاق المولي وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه، وإلى مستحب كما إذا كانت حالتهما غير مستقيمة أو لم تكن عفيفة أو سيئة الخلق أو فيها بذاءة على أهله، وإلى محظور كطلاق البدعة، وإلى مكروه وهو عند استقامة الحال. قالوا: وليس فيه مباح، وأشار الإمام إلى وجوده فيما إذا كان لا يهواها ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير حصول استمتاع .. فإنه لا يكره طلاقها. قال: (ويحرم البدعي)؛ لحصول الضرر به بسبب طول العدة. قال: (وهو ضربان: طلاق في حيض ممسوسة) وهو مجمع عليه بسبب أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء .. أمسكها، وإن شاء ..

وَقِيلَ: إَنْ سَأَلتْهُ .. لَمْ يَحْرُمْ- وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ لاَ أَجْنَبِيٍّ فِي اُلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ طلقها قبل أن يجامعها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) رواه مسلم [1471]. وهذه المرأة .. قال المصنف وابن باطيش: اسمها آمنة بنت غفار. والنفاس كالحيض، قاله الرافعي هنا، وكلامه في (باب الحيض) يخالفه، والمسألة ذكرها المصنف هناك. ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض: الحامل إذا حاضت .. لا يحرم طلاقها فيه على الأصح، وسيأتي في كلام المصنف: (وإذا قال: أنت طالق مع آخر حيضك ....) وطلاق المولي إذا طولب به فطلقها حائضاً .. قال الإمام والغزالي وغيرهما: لا يكون حراماً؛ لأنها راضية. قال الرافعي: ويمكن أن يقال بتحريمه؛ لأنه أخرجها بالإيذاء إلى الطلب، وهو غير ملجئ؛ لتمكنه من الفيئة. فلو طلق الحاكم عليه، إذا قلنا به .. فلا شك في عدم تحريمه، وإذا رأى الحكمان الطلاق في الحيض .. ففي (شرح مختصر الجويني): أنه لا يحرم ثم لا يخفى أن مرادهم الطلاق المنجز، فلو علق بدخول الدار مثلاً فدخلت في الحيض .. لا يكون بدعياً خلافاً للقفال، ويمكن أن يقال: إذا وجدت الصفة باختياره .. أثم بإيقاعه في الحيض، وإلا .. فلا. قال: (وقيل: إن سألته .. لم يحرم)؛ لرضاها بتطويل العدة، والأصح: التحريم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما أنكر الطلاق في الحيض .. لم يستفصل. قال: (ويجوز خلعها فيه) ويكون سنياً؛ لإطلاق قوله تعالى: } فلا جناح عليهما فيما افتدت به {، ولأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الإذن لثابت بن قيس في الخلع على مال من غير استفصال عن حال زوجته. قال: (لا أجنبي في الأصح)؛ لأنها لم ترض بذلك. والثاني- وهو احتمال الإمام-: أنه غير بدعي؛ لأن المال يشعر بالضرورة.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتش طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِكِ .. فِسُنِّيٌّ فِي اُلأَصَحِّ، أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يَطَاهَا فِيهِ .. فَبِدْعِيٌّ عَلَى اُلْمَذْهَبِ. وَطَلاَقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئ فِيهِ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ، فَلَوْ وَطِئَ حَائِضاً وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا .. فَبِدْعِيٌّ فِي اُلأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: أنت طالق مع آخر حيضك .. فسني في الأصح)؛ لاستعقابه الشروع في العدة. والثاني: أنه بدعي؛ لاقترانه بالحيض، وصححه الروياني، ولو أتى بـ (في) بدل (مع) فهي كـ (مع) عند الجمهور. وقال المتولي في آخر الحيض: بدعي قطعاً، وفي آخر الطهر: سني قطعاً، وألحق في (الكافي) لفظة (عند) بهما. قال: (أو مع آخر طهر لم يطأها فيه .. فبدعي على المذهب)؛ بناء على أن الطهر المحتوش بدمين، فإن جعلناه الانتقال .. فوجهان: أصحهما: أنه سني. وعلى المصحح: تستثنى الصورتان من تحريم الطلاق في الحيض؛ نظراً إلى المعنى، وهو التطويل في الثانية ومنعه في الأولى. وقال ابن سريج: يقع في الصورتين بدعياً أخذاً بالأغلظ. قال: (وطلاق في طهر وطئ فيه من قد تحبل ولم يظهر حمل) هذا الضرب الثاني من البدعي، واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: (ثم إن شاء طلقها قبل أن يمسها) ولأنه ربما يندم على الطلاق لو ظهر الحمل؛ فإن الإنسان قد يطلق الحائل ولا يطلق الحامل. واحترز بقوله: (من قد تحبل) عن الصغيرة والآيسة، وهل طلاقهما سني أو لا سنة فيه ولا بدعة؟ مبني على الاصطلاحين واستدخالهما ماءه كطلاقه فيحرم طلاقها في ذلك، وكذلك لو وطئها في الدبر على الأصح. قال: (فلو وطئ حائضاً وطهرت فطلقها .. فبدعي في الأصح)؛ لاحتمال العلوق في الحيض، وكون البقية مما دفعته الطبيعة أولاً وتهيأ للخروج. والثاني: لا يكون بدعياً؛ لأن لبقية الحيض إشعاراً بالبراءة.

وَيَحِلُّ خُلْعُهَا، وَطَلاَقٌ مَنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا. وَمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيّاً .. سُنَّ اُلرَّجْعَةُ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ .. طَلَّقَ بَعْدَ طُهْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة المسألة: أن يطلقها قبل أن يمسها، وأشار المصنف إلى ذلك بتعبيره بـ (الفاء). قال: (ويحل خلعها) يعني أن هذه الصورة تستثنى من التحريم في طهر جامعها فيه كمخالعتها في الحيض، وفي كونه سنياً خلاف من الاصطلاحين. قال: (وطلاق من ظهر حلمها) فيحل لزوال الندم وعدم تطويل العدة، وحصره البدعي في الصورتين ممنوع؛ فإنه لو قسم لإحدى زوجتيه ثم طلق الأخرى قبل أن يوفيها حقها منه .. كان حراماً، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعياً. قال: (ومن طلق بدعياً .. سن له الرجعة)؛ لحديث ابن عمر، وقال مالك: تجنب لأنها توبة والتوبة واجبة. لنا: القياس على ما إذا طلقها في طهر جامعها فيه؛ فإنه وافق فيها على أنها لا تجب مع أنه حرام، ثم لا يخفى أنه إنما سن له الرجعة إذا لم يستوف عدد طلاقها. وقال الإمام: المراجعة وإن كانت مستحبة لا نقول تركها مكروه. قال في (الروضة): في هذا نظر، وينبغي أن يقال: مكروه؛ للحديث الصحيح الوارد فيها، ولدفع الإيذاء. ومقتضى إطلاقهم استحباب الرجعة ما بقيت العدة، وقيده الماوردي والروياني ببقية تلك الحيضة التي طلقت فيها، قالا: فإن طهرت منها سقط الاستحباب؛ لأنها صارت إلى طهر لا يحرم طلاقها فيه فلم يؤمر بارتجاعها، ووافقهما على ذلك شارح (التعجيز). ثم إذا راجع هل يرتفع الإثم؟ حكى المصنف عن شيخه الكمال سلار رواية وجهين، ونقل في (تعليقه) على (الوسيط) أن جماعة من مشايخه قالوا: يرتفع؛ لأنها كفارة له، ولأنه رجوع عن المعصية؛ لأنها توبة وهي تجب ما قبلها. قال: وهو ظاهر، وبه يتقوى مذهب مالك. قال: (ثم إن شاء .. طلق بعد طهر)؛ لحديث ابن عمر.

وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ .. وَقعَ فِي اُلْحَالِ، أَوْ لِلسُّنَّةِ .. فَحِينَ تَطْهُرُ، أَوْ لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .. وَقَعَ فِي اُلْحَالِ، وَإِنْ مُسَّتْ .. فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ .. فَفِي اُلْحَالِ إِنْ مُسَّتْ فِيهِ، وَإِلاَّ .. فَحِينَ تَحِيضُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال لحائض: أنت طالق للبدعة .. وقع في الحال)؛ لاتصال طلاقها بالبدعة وكذلك النفساء. قال: (أو للسنة .. فحين تطهر) أي: تشرع في الطهر، ولا يتوقف ذلك على الاغتسال؛ لوجود الصفة قبله. نعم؛ يرد عليه ما لو وطئها في آخر الحيض واستدام إلى انقطاعه، فإنها لا تطلق؛ لاقتران الطهر بالجماع، وكذا لو لم تستدم بناء على أصح أنه بدعي. ولا بد من تقييد الطهر بأن تشرع في العدة، وإلا .. فقد تطهر ولا تشرع في عدته كوطء الشبهة في دوام زوجيته، وحينئذ لا يقع طلاقه فيه؛ لأنه بدعي، بل يتأخر وقوعه إلى طهر تشرع به في عدته. قال: (أو لمن في طهر لم تمس فيه أنت طالق للسنة .. وقع في الحال)؛ لوجود الصفة، والمراد: لم يمسها هو فيه، أما لو مسها أجنبي بشبهة .. فلاكما تقرر. قال: (وإن مست) أي: وطئها هو (.. فحين تطهر بعد حيض)؛ لوجود الصفة أيضاً. قال: (أو للبدعة .. ففي الحال إن مست فيه، وإلا .. فحين تحيض)؛ لما تقرر. وقال المتولي: بظهور الدم، فإن انقطع لدون أقله .. بان عدمه. وقال الرافعي: يشبه أن يجي فيه الخلاف في (إن حضت) هل تطلق بالظهور أو بمضي أقله؟ فائدة: اللام إن دخلت على ما يتكرر ويتعاقب كـ (للسنة) ولـ (رمضان) .. فهي للتأقيت، أي: إذا جاء ذلك .. فأنت طالق، وإلا .. فللتعليل كلرضي زيد فتطلق في الحال وإن

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ اُلطَّلاَقِ أَوْ أَجْمَلَهُ .. فَكَلِلسُّنَّةِ، وَطَلْقَةً قَبِيحَةً أَوْ أَقْبَحَ اُلطَّلاَقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكّلِلبِدْعَةِ، أَوْ سُنِّيِّةً بِدْعِيَّةً، أَوْ حَسَنَةً قَبِيحَةً .. وَقَعَ فِي اُلْحَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سخط، سواء نوى التعليل أم لا على الصحيح، فإن نوى التأقيت .. لم يقبل في الأصح وَيُدَيَّنُ. فرع: قال لمن لا سنة لها ولا بدعة كصغيرة: أنت طالق للسنة .. طلقت في الحال، وحمل على التعليل وكذا للبدعة، قيل: ينتظر زمنهما، وقيل: لا تطلق؛ لتعليقه بمحال، وهو يطرد في قوله للسنة. قال: (ولو قال: أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلاق أو أجمله .. فكللسنة)؛ لأن الأولى بالمدح ما وافق الشرع، وهذا عند الإطلاق، فإن قال: أردت طلاق البدعة؛ لأنه في حقها أحسن لسوء خلقها كأن كان في زمن البدعة .. قبل؛ لأنه أغلظ عليه، أو للسنة .. دُيِّنَ ولا يقبل ظاهراً. قال: (وطلقة قبيحة أو أقبح الطلاق أو أفحشه .. فكللبدعة)؛ لأن الأولى بالذم ما خالف الشرع، وهذا عند الإطلاق، فإن قال: أردت به السني؛ لقبحه في حقها لحسن خلقها .. دُيِّنَ ولم يقبل ظاهراً. قال: (أو سنية بدعية، أو حسنة قبيحة .. وقع في الحال)؛ لأنه وصف الطلاق بوصفين متضادين فيلغوان ويبقى أصل الطلاق، ولأن إحدى الحالتين حاصلة لا محالة فيقع الطلاق موصوفاً بما يناسب تلك الحالة وتلغو الصفة، هذا إذا كانت المخاطبة ذات أقراء. ولو قال: أنت طالق كالثلج أو كالنار .. وقع في الحال والصفة لغو، قاله المتولي. وقال أبو حنيفة: إن قصد التشبيه بالثلج في البرودة والنار في الحرارة والإحراق .. طلقت زمن البدعة، وإن قصد كالثلج في البياض والنار في الإضاءة. طلقت سنياً.

وَلاَ يَحْرُمُ جَمْعُ اُلطَّلَقَاتِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، أَوْ ثَلاَثاً لِلسُّنَّةِ، وَفَسَّرَ بِتَفْرِيقِهَا عَلَى اُلأَقْرَاءِ .. لَمْ يُقْبَلْ إِلاَّ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ اُلْجَمْعِ، وَاُلأَصَحُّ: أَنَّهُ يُدَيَّنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة .. طلقت طلقتين في الحال، فإذا حصلت في الحالة الأخرى .. وقعت الثالثة، فلو ادعى إرادة العكس .. قبل على المذهب. قال: (ولا يحرم جمع الطلقات)؛ لأن عويمراً العجلاني لما لاعن امرأته عند رسول صلى الله عليه وسلم طلقها ثلاثاً، رواه الشيخان (خ5259 - م 1492)، ولو كان حراماً .. لأنكره (عليه الصلاة والسلام)، وقد تقدم في (باب ما يحرم من النكاح) ما يتعلق بهذه المسألة. وسكت المصنف عن الكراهة، وظاهر ثبوتها، وفي ((الذخائر)): لا كراهة في الجمع. وقال أبو حنيفة ومالك: جمع الطلقات بدعة. ثم الأفضل تفريقها على الأقراء إن كانت ذات أقراء. وعلى الأشهر: إن كانت كذلك ليتمكن من الرجعة، أو التجديد إن ندم. قال: (وإن قال: أنت طالق ثلاثاً، أو ثلاثاً للسنة، وفسر بتفريقها على الأقراء .. لم يقبل) أي: ظاهراً؛ لأن دعواه تقتضي تأخر الطلاق، ومقتضى لفظه تنجيزه. قال: (إلا ممن يعتقد تحريم الجمع) فتقبل منه ظاهراً؛ لأن الظاهر من حاله أنه لاا يقصد ارتكاب محظور في معتقدة. وفي وجه: يقبل مطلقاً؛ إذ الأعمال بالنيات. قال: (والأصح: أنه يُدّيَّنُ) أي: في الصورتين، ومعناه- كما قال الشافعي-: أن له الطلب وعليها الهرب، فيقال للمرأة: أنت بأن للثلاث في الظاهر، وليس لك مطاوعته وتحرم عليك الخلوة به، ولك أن تطلبي من الحاكم أن يحكم عليه بالفرقة وتتزوجي، إلا إذا غلب على ظنك صدقة بقرينه، فإن استوى عندها الأمران ... كره لها

وَيُدَيَّنُ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرْدتُ إِنْ دَخَلْتِ أَوْ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ. وَلَوْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، أَوْ كُلُّ اُمْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ بَعْضَهٌنَّ .. فَاُلصَّحِيحُ: أَنَّهُ لاَ يٌقْبَلُ ظَاهِراً إِلاَ بِقَرينَةٍ بأَنْ خَاصَمَتْهُ وَقَالَتْ: تَزَوَّجْتَ، فَقَالَ: كُلُّ اٌمْرَأةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ: أَردْتُ غَيْرَ اُلْمُخَاصِمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تمكينه، ويقال له: لا يمكنك منها، ولك ذلك فيما بينك وبين الله إن كنت صادقاً، فإن ادعى عليها تصديقه ... ففي تحليفه وجهان. والوجه الثاني: لا يُدّيَنُ؛ لأن اللفظ لا يشعر به، بخلاف قوله: أردت الطلاق من وثاق؛ لأنه منتظم لغة، ومعنى التديين: أن يكله إلى دينه. قال: (ويُدَيَّنُ من قال: أنت طالق، وقال: أردت إن دخلت أو إن شاء زيد)؛ لأنه لو صرح به، لانتظم، وهذا بخلاف قوله: أردت إن شاء الله فإنه لا يدين؛ لأن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم الطلاق جملة فلابد فيه من اللفظ، والتعليق بالدخول ومشيئة زيد لا ترفعه، لكن تخصصه بحال دون حال، وشبهوه بالنسخ لما كان رفعاً للحكم لم يجز إلا باللفظ، والتخصيص يجوز بالقياس كما يجوز باللفظ، وسوَّى الغزالي والقفال بين المسائل الثلاث في أنه يدين. وذكر الماوردي: أنه لو حلف لا كاتبت فلاناً ولا كلمته ولا رأيته ولا عرفته ولاا أعلمه، ونوى بـ (الكتابة) عقد الكتابة، وبـ (ما ضربته) ما ضربت رأيه، وبـ (ما كلمته) ما جرحته، وبـ (ما عرفته) ما جعلته عريفاً، وبـ (ما أعلمته) ما قطعت شفته العليا .. حمل على ما نوى. وكذا لو حلف ما أخذت له جملاً ولا بقرة ولا ثوراً ولا عنزاً، نوى بـ (الجمل) السحاب، وبـ (البقرة) العيال، وبـ (الثور) القطعة من الأقط، وبـ (العنز) الأكمة السوداء .. حمل على ما نوى. قال: (ولو قال: نسائي طوالق، أو كل امرأة لي طالق، وقال: أردت بعضهن .. فالصحيح: أنه لا يقبل ظاهراً إلا بقرينه بأن خاصمته وقالت: تزوجت، فقال: كل امرأة لي طالق، وقال: أردت غير المخاصمة) عملاً بالقرينة؛ لأنها توجب الظن، بل العلم عند قوم، فإن انتفت .. لم يقبل ظاهراً؛ لأنه خلاف الظاهر.

فَصْلٌ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا، أَوْ فِي غُرَّتِهِ، أَوْ أَوَّلِهِ .. وَقَعَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الوكيل: وغيره يقبل في الظاهر مطلقاً؛ لأن اللفظ محتمل للعموم والخصوص، فإذا ادعى إرادة أحدهما .. قبل. والثالث: يقبل في الأولى عزل واحدة دون الثانية، وقد تقدم في (فصل الاستثناء) الكلام على كل امرأة لي غيرك طالق. تتمة: قال: أنت طالق إن. فوضع إنسان يده على فيه وقطع كلامه، وادعى بعد ذلك أنه أراد تعليق الطلاق بصفة .. قبل قوله بيمينه؛ لأن بعض الكلام يستدل به على الباقي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن عبادة: (كفى بالسيف شا) فمنعه جبريل من إتمام الكلام وكان مقصوده أن يقول: كفى بالسيف شاهداً. قال المتولي: وإنما حلفناه؛ لأن من الجائز أنه أراد أن يذكر قرينه يتعجل معها الطلاق مثل قوله: إن كنت دخلت الدار أو كلمت زيداً وكانت فعلت ذلك. قال: (فصل: قال: أنت طالق في شهر كذا، أو في غرته، أو أوله .. وقع بأول جزء منه) إما برؤية الهلال في أول ليلة منه بعد الغروب، وإما باستكمال ما قبله؛ لأن الشهر اسم لما بين الهلالين، وقد جعله ظرفاً فوقع في أول جزء منه كما لو قال: إن دخلت الدار .. فإن الحكم يترتب على دخول أول جزء منها، فلو رئي الهلال قبل الغروب .. لم تطلق حتى تغرب، ولو رئي بعده بساعة .. تبين وقوعه عند الغروي، وكذا لو قال: في رأس الشهر أو في ابتدائه أو في استقباله أو في دخوله. فلو قال وهو في رمضان: أنت طالق في رمضان طلقت في الحال، فلو قال: في أول رمضان .. ففي أوله من السنة القابلة.

أَوْ فِي نَهَارهِ، أَوْ أَوَّلِ يَوْم مِنْهُ .. فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْم مِنْهُ. أَوْ آخِرِهِ .. فَبِأخِرِ جُزْءٍ مِنَ اُلشَّهْرِ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ النّصْفِ الآخِرِ. وَلَوْ قَالَ لَيْلاً: إِذاَ مَضَى يَوْمٌ .. فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ، أَوْ نَهَاراً .. فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: في سلخ شهر كذا أو عند انسلاخه ... فالصواب: أنها تطلق في آخر جزء منه، ولو قال: أنت طالق شعبان أو قال: رمضان - من غير ذكر شهر- قال ابن سراقة: وقع ساعة تكلم. قال: (أو في نهاره، أو أول يوم منه .. فبفجر أول يوم منه)؛ لأن الفجر أول اليوم وأول النهار الشرعي. قال: (أو آخره .. فبآخر جزء من الشهر)؛ لأنه المفهوم من اللفظ. قال: (وقيل: بأول النصف الآخر) وهو أول جزء من ليلة السادس عشر، أو كله آخر الشهر، فيقع أوله كما في أول الشهر إذا قال: أنت طالق في شهر كذا. وفي ((المهذب)) وجه اقتضت عبارته ترجيحه: أنه يقع في أول اليوم الآخر من الشهر. ولو قال: أنت طالق أول آخر الشهر .. فثلاثة أوجه: أصحها: تطلق في أول اليوم الآخر منه، سواء كان كاملاً أو ناقصاً. وثانيها: تطلق أول النصف الآخر وهو ليلة السادس عشر. والثالث: أول اليوم السادس عشر. قال: (ولو قال ليلاً: إذا مضى يوم .. فبغروب شمس غده)؛ إذ به يتحقق مضي اليوم. قال: (أو نهاراً .. ففي مثل وقته من غده)؛ لأن اليوم حقيقة في جميعه متواصلاً كان أو متفرقاً. قال الرافعي: كذا أطلقوه، وفيه تلفيق اليوم، وهو خلاف ما صحح في نظيره من الاعتكاف أن من نذر اعتكاف يوم .. لم يجز تفريق ساعاته على الأصح؛ أي: فينبغي.

أَوِ اٌليَومُ؛ فَإِنْ قَالَهُ نَهَاراً .. فَبِغُرُوبِ اٌلشَمْسِ، وَإِلاَّ .. لَغَا. وَبِهِ يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ. أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي اٌلْحَالِ مُسْتَنِداً إِلَيْهِ .. وَقَعَ فِي اٌلْحَالِ، وَقِيلَ: لَغْوٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جريان الوجهين هنا، وهو عجيب؛ فإن صورة الاعتكاف فيما إذا تخلل بينهما زمان بلا اعتكاف، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في بابه. قال: (أو اليوم) أي: إذا مضي اليوم فأنت طالق (فإن قاله نهاراً .. فبغروب الشمس)؛ لأجل التعريف فيصرف إلى اليوم الذي هو فيه. وصورة مسألة الكتاب أن يقول: إذا مضي اليومُ .. فأنت طالق برفع اليوم، وأمال إذا قال: أنت طالق اليومَ بالنصب أو النهار أو الشهر أو السنة .. فإنها تطَلق في الحال ليلاً كان أو نهاراً؛ لأنه أوقعه وسمى الزمان بغير اسمه فغلبت التسمية. قال: (وإلا .. لغا) أي إذا قاله في الليل .. فهو لغو لا يقع به شيء، وفي (التتمة): أنها تطلق. قال: (وبه يقاس شهر وسنة) أي: في التعريف والتنكير، فإن قال في ابتداء الهلال: إذا مضي شهر .. طلقت بمضي الشهر تم أو نقص، وإن قاله ليلاً .. طلقت في نظيره من ليلة الحادي والثلاثين، أو نهاراً .. ففي نظيره من نهار الحادي والثلاثين، وإن عرف الشهر .. فيمضي بقية الشهر الذي هو فيه بالهلال وإن قلت. وكذا الكلام في السنة، فإن نكرها .. اعتبر مضي اثني عشر شهراً بالأهلة إذا لم ينكسر شيء من الشهور، فلو قال: أنت طالق نصف النصف الأول من الشهر .. طلقت عند طلوع الفجر يوم الثامن؛ لأن نصف النصف سبع ليال ونصف وسبعة أيام ونصف، والليل سابق النهار في الوجود فيقابل ليلة بنصف يوم، فيكون ثمان ليال وسبعة أيام نصفها، وسبع ليال وثمانية أيام نصفها. قال: (أو أنت طالق أمس وقصد أن يقع في الحال مستنداً إليه .. وقع في الحال)؛ لأنه أوقعه في الحال وأسنده إلى زمان سابق فيثبت ما يمكن ثبوته ويلغو ما لا يمكن، وكذلك الشهر الماضي. قال: (وقيل: لغو)؛ لأنه لما أوقع طلاقاً مسنداً فإذا لم يمكن إسناده .. وجب

أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ وَهِيَ اٌلآن مُعْتَدَّةٌ .. صُدَّقَ بِيَمِيِنِهِ، أَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ فِي نِكَاحِ آخَرَ؛ فَإِنْ عُرِفَ .. صُدَّقَ بِيَمِيِنهِ، وَإِلاَّ .. فَلاَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أن لا يقع، أما إذا قال: لم أوقع في الحال وإنما أردت إيقاعه أمس .. فالمذهب المنصوص: الوقع في الحال، وحكي الربيع قولاً: إنه لا يقع شيء كما لو قال: إن طرت. قال: (أو قصد أنه طلق أمس وهي الآن معتدة .. صدق بيمينه)؛ لظهور ما ادعاه، ثم إن صدقته .. فعدتها من الوقت الذي ذكره، ويبقي النظر في أنه هل كان يخالطها أو لا؟ وإن كذبته .. فمن الإقرار. قال: (أو قال: طلقت في نكاح آخر؛ فإن عرف) أي: النكاح السابق أو قامت عليه بينة (.. صدق بيمينه)؛ لظهور ما ادعاه. قال (وإلا .. فلا) لبعده، وكذا لو قال: أردت أن زوجاً آخر طلقها في نكاح سابق، فإن عُرف ناكح سابق وطلاق منه أو قامت به بينة وصدقته في إرادته .. فذاك، وإن كذبته وقالت: إنما أنشأت طلاقي .. صدق بيمينه، فإن قال: لم أوقع الطلاق في الحال، بل أردت إيقاعه في الماضي .. فالمنصوص الذي قطع به الأكثرون: وقوعه في الحال. وبقي من أحوال المسألة .. ما إذا لم ترد شيئاً أو تعذر معرفة مراده كموت أو خرس .. فالأصح: وقوعه في الحال؛ لأنه يعم جميع احتمالات لفظه. فروع: قال: أنت طالق قبل أن تخلقي .. قال الصيمري: تطلق إذا لم تكن له إرادة، وإذا قال: أنت طالق بين الليل والنهار .. قال القفال: لا تطلق ما لم تغرب الشمس، قال المصنف: هذا إذا قاله نهاراً، فإن قاله ليلاً .. فبطلوع الفجر. وإذا قال: أنت طالق يوماً ويوماً ولم ينو شيئاً .. فواحدة، وقال البوشنجي: المفهوم منه وقوع ثلاث آخرهن في اليوم الخامس.

وَأَدَوَاتُ اٌلتَّعْلِيقِ: (مَنْ) كَمَنْ دَخَلَتْ، وَ (إِنْ)، وَ (إِذَا)، وَ (مَتَى)، وَ (مَتَى مَا)، وَ (كُلَّمَا)، وَ (أَيُّ)، وَكَـ (أَيَّ وَقْتِ دَخَلْتِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن قال: أردت طلقة يثبت حكمها في يوم دون يوم أو يقع في يوم دون يوم .. فواحدة. ولو قال: أنت طالق في شهر فبل ما قبله رمضان .. طلقت في القعدة، وإن قال: في شهر قبل ما بعد رمضان .. ففي جمادي الآخر، وإن قال: بعد ما قبل بعده رمضان .. ففي شعبان، أو قبل ما بعد قبله رمضان .. ففي شوال، وقد نظم بعض الفضلاء في المسألة بيتين فقال [من الخفيف]: ما يقول الفقيه أيده الله ... ولا زال عنده إحسان في فتيَ علق الطلاق بشهر ... فبل ما قبل قبله رمضان فأجابه الشيخ جمال الدين بن الحاجب المالكي فقال: هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه؛ لأن (ما) بعد (قبل) الأولي قد يكون قبلين وقد يكون بعدين وقد يكونا مختلفين، فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون قبله قبل، وقد يكون قبله بعد صارت ثمانية. وقاعدة ذلك: أن كلما اجتمع معك قبل وبعد .. تلغيها، فلا يبقي إلا ما جميعه قبل أو جميعه بعد فالأول هو الشهر الرابع من رمضان وهو الحجة، والثاني الرابع قبله وهو جماد الآخر، وقبل ما بعد بعده رمضان شعبان، وبعد ما قبل قبله شوال. قال: (وأدوات التعليق: (من) كمن دخلت، و (إن) و (إذا) و (متى) و (متى ما) و (كلما) و (أي) وكـ (أي وقت دخلت) هذه الصيغ منها ما هو موضوع للتعليق وهي (إن) التي هي أم الباب- وكان ينبغي للمصنف تقديمها- والباقي في معناها؛ لما فيها من العمود، فـ (إذا) و (متى) و (متى ما) ظروف، و (م) فيها معنى الشرط

وَلاَ يَقتَضِينَ فَوْراً إِنْ عَلَّقَ بِإِثُبَاتِ فِي غَيْرِ خُلْعِ إَلاَّ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ غالباً، و (كل) في (كلما) منصوب على الظرفية، ومثل بـ (أي وقت) إشارة إلي إضافتها إلى اسم الزمان كـ (حين وساعة ويوم وزمان). وتستعمل أيضاً في التعليق من غير إضافة إلى اسم زمان نحو: أي رجل كلمته، وهو بحسب ما يضاف إليه من زمان ومكان وحال. وظاهر كلامه: حصرها في السبعة كما صرح به ابن الرفعة وغيره وليس كذلك؛ فإن من الأدوات (إذما) على مذهب سيبويه و (ما) الشرطية و (مهما) و (أيان) و (إذا ما) و (أياً ما) كقوله تعالى: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، و (أين) و (حيثما) لتعميم الأمكنة. قال: (ولا يقتضين فوراً إن علق بإثبات) كإن دخلت الدار؛ لأن القصد التعليق ب متى وجد من غير دلالة على فورية ولا تراخ. قال: (في غير خلع)؛ فإنها تفيد الفورية في بعض صيغه كـ (إن) و (إذا)، واقتضاء الفور في الخلع ليس من وضع الصيغة، بل من أن المعاوضة تقتضي ذلك؛ لأن القبول لابد أن يكون غير متراخ عن الإيجاب. قال: (إلا أنت طالق إن شئت) وكذا إذا شئت فإنه يعتبر الفور في المشيئة؛ لأنه تمليك على الصحيح، بخلاف متى شئت. حادثة: قال رجل لزوجته: طلقتك إن دخلت الدار، أو أن دخلت الدار .. طلقتك، قال الكندي: عرضت هذه المسألة بدمشق منسوبة إلي الجامع الكبير لمحمد بن الحسن وليست مذكورة في كتب الشافعية ثم أجاب فيها بأن (طلقتك إن دخلت الدار) تطلق في الحال من غير تعليق، وأما (إن دخلت الدار .. طلقتك) فلا تطلق إلا عند دخول الدار. قال الشيخ: أخطا الكندي فيما قال، والصواب: أن الطلاق في الأولي يقع عند دخول الدار لا قبله، وفي الثانية لا يقع أصلاً إلا أن ينوي بقوله: طلقتك معني أنت طالق فيقع عند وجود الشرط.

وَلاَ تَكْرَاراً إِلاَّ (كُلَّمَا). وَلَوْ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ، أَوْ عَلَّقَ طَلاَقَهَا بِصِفَةِ فَوُجِدَتْ .. فَطَلْقَتانِ، أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ طَلاَقِي فَطَلَّقَ .. فَثَلاَثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تكراراً)، بل إذا وجد مرة .. انحلت اليمين ولم يؤثر وجودها ثانياً. قال: (إلا (كلما))؛ فإنها تقتضيه وضعاً واستعمالاً دون سائر الأدوات، وهذا هو الأصح. والثاني: أن (متى) و (متى ما) كـ (كلما). والثالث: أن (متى ما) كـ (كلما) دون (متى) والوجهان ضعيفان. وشمل إطلاقه إذا قيد ما لا يقتضي التكرار بالأبد كقوله: إن خرجت أبد الآبدين فأنت طالق .. فهي باقية على معناها من عدم التكرار كما صرح به الرافعي في (كتاب الأيمان). قال: (ولو قال: إذا طلقتك فأنت طالق، أو علق طلاقها بصفة فوجدت .. فطلقتان) واحدة بالتنجيز وأخرى بالتعليق مع الصفة. قال الشيخ: وقول الأصحاب: التعليق مع الصفة تطليق لا يعنون به أنهما جزاء علة، بل الموقع التعليق؛ لأنه فعل المطلق والصفة شرط له، وبذلك صرح في (النهاية) في (باب التدبير). ويشهد له وقوع الطلاق فيها إذا قال: إن طلقتك فأنت طالق ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت، ولا فرق في مسألة الكتاب بين أن يوقع الطلاق بصريح أو كناية؛ لأن الشرط وجود الطلاق وهو يوجد بكل منهما. والمراد بقوله: (طلق) أي: بنفسه، فلو وكل فطلق وكيله .. لم تطلق إلا طلقة الوكيل. قال: (أو كلما وقع طلاقي فطلق) أي: طلقة (.. فثلاث في ممسوسة)؛ لأن (كلما) تقتضي التكرار، فتقع الأولي بالتنجيز وثانية بوقوع المنجزة وثالثة بوقوع الثانية، كذا قالوه وهو ظاهر إذا قلنا: المعلول يتأخر عن العلة في الزمان، فإن

وَفِي غَيْرِهَا طَلْقَةٌ. وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ: إِنْ طَلَّقْتُ وَاحِدَهً فَعَبْدٌ حُرٌ، وَإِنْ ثِنْتَتٌينِ فَعَبْدَانِ، وَإِنْ ثَلاثً فَثَلاَثٌ، وَإِنْ أَرْبَعاً فَأَرْبَعٌ، فَطَلَّقَ أَرْبعاً مَعاً أَوْ مُرَتَّباً .. عَتَقَ عَشَرَةٌ، وَلَوْ عَلَّقَ بِ (كُلَّمَا) .. فَخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى اُلصَّحيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قلنا: معه .. وقعت طلقتان, هذا كله في التعليق على الوقوع. فلو قال: كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها .. وقعت المنجزة وأخري؛ لحصول التطبيق المعلق عليه، هذا هو الصحيح، وفي قول منسوب للبويطي: تقع ثلاث. ثم إذا قلنا بالصحيح .. لا تنحل اليمين؛ لاقتضاء اللفظ التكرار، لكن لا يظهر لذلك فائدة هنا؛ لأنه إذا طلقها أخرى كان مستوفياً للثلاث، ولا تعود اليمين بعد ذلك علي المذهب. قال: (وفي غيرها طلقة)؛ لأنها بانت بالأولى فلم يبق محل للطلاق، ولا فرق هنا بين أن يطلق هو أو وكيله. والمراد بـ (غير الممسوسة): من كانت حين وجود الصفقة كذلك. قال: (ولو قال وتحته أربع: إن طلقت واحدة فعبد حر، وإن ثنتين فعبدان، وإن ثلاثاً فثلاثاً، وإن أربعاً فأربع، فطلق أربعاً معاً أو مرتباً .. عتق عشرة) بلا خلاف؛ لأن بطلاق الأولى يعتق عبد وبالثانية عبدان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة، والعبيد الذين يعتقون مبهمون فتعيينهم إلى الزواج. قال: (ولو علق بـ (كلما) .. فخمسة عشر على الصحيح)؛ لأن في الأربعة أربعة آحاد واثنان مرتين وثلاثة مرة وأربعة مرة. وعلى هذا: لو قال: كلما صليت ركعة فعبد حر وهكذا إلى العشرة فصلى عشرة .. عتق سبعة وثمانون عبداً، وإن علق بـ (إن) .. فخمسة وخمسون، ووراء ما ذكره المصنف أوجه: أحدها: أنه يعتق عشرة، قاله ابن القطان وغلطه الأصحاب.

وَلَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلِ .. فَاُلْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ عَلَّقَ بِـ (إِنْ) كَإِنْ لَمْ تَدْخُلي .. وَقَعَ عِنْدَ اٌلْيَاسِ مِنَ اُلدُّخُولِ، أَوْ بِغَيْرِهَا .. فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ اُلْفِعْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: ثلاثة عشر بتطليق واحدة عبد وتطليق ثانية؛ لأن فيه تطليق واحدة وثنتين فيعتق أربعة، وبتطليق ثالثة أربعة؛ لأن فيه تطليق واحدة وثلاث، وبتطليق الرابعة خمسة؛ لأن فيه أربعة وواحدة. والثالث: سبعة عشر؛ لأنه جعل في تطليق الثالثة صفة أخرى وهو طلاق ثنتين هما الثانية والثالثة فيعتق بهما عبدان مع الخمسة عشر. والرابع: عشرون، وبه قال الحنيفة، وتكرر الثلاث في الأربعة مع سلوكه مسلك القائل بسبعة عشر. وظاهر عبارة المصنف: اشتراط ذكر (كلما) في الأربع، وبه صرح الرافعي والأصحاب، والصواب: اشتراطه في التعليق الأول والثاني فقط؛ لأن الثلاثة والأربعة لا يتصور فيها التكرار، فإذا أتى بـ (كلما) في الأولى والثانية وبـ (إن) في الثالثة والرابعة .. فالأصح: أنه يعتق خمسة عشر، وقيل: سبعة عشر، وقيل: عشرة. أو (كلما) في الأولى فقط .. فالصحيح: ثلاثة عشر، وقيل: عشرة، وحكى في ((التنبيه)) في هذه الأوجه المتقدمة في التي قبلها، ورجع خمسة عشر، وهو سهو أو سبق قلم. أو (كلما) في الأولى والثالثة .. فكما في الأولى فقط بزيادة ستة عشر، وقيل: أربعة عشر وقيل: عشرة. أو في الثانية والثالثة .. فكما في الثانية فقط بزيادة سبعة عشر. قال: (ولو علق بنفي فعل .. فالمذهب: أنه إن علق بـ (إن))؛ كإن لم تدخلي .. وقع عند اليأس من الدخول، أو بغيرها .. فعند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل) إذا علق الطلاق بنفي فعل كالدخول والضرب وسائر الأفعال كقوله: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق ومضى زمان يمكنها فيه أن تدخل فلم تدخل .. لم يقع الطلاق، وإنما يقع إذا حصل اليأس من الدخول.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْتِ أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي بِفَتْحِ (أَنْ) .. وَقَعَ فِي اٌلْحَالِ. قُلْتُ: إِلاَّ فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ .. فَتعْلِيقٌ فِي اٌلأَصَحِّ، وَاُللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: إذا لم تدخلي فأنت طالق ومضى زمان يمكنها فيه أن تدخل فلم تدخل .. طلقت، وهذا هو المنصوص في اللفظين، وللأصحاب فيه طريقان: أحدهما: التسوية بين اللفظين؛ لاستعمال كل منهما بمعنى الآخر، ومنهم من نقل وخرج فقيل: لا يقع الطلاق فيهما إلا عند اليأس كما في طرق الإثبات، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. والثاني: يقع إذا مضى زمان يمكن فيه الفعل؛ لأن الطلاق يقع بأول حصول الصفة، وأصحهما تقرير النصين. والفرق: أن حرف (إن) يدل على مجرد الاشتراط لا إشعار له بالزمان، و (إذا) ظرف زمان نازل منزلة (متى) في الدلالة على الأوقات، ثم لليأس أسباب: أحدهما: الموت فيحكم بالطلاق قبيله. والثاني: الجنون المتصل بالموت فيحكم بالطلاق قبيل الجنون. والثالث: الفسخ المتصل بالموت فنتبين الطلاق قبيله إذا كان الطلاق رجعياً، وأما البائن .. فلا يقع؛ للدور. قال: (ولو قال: أنت طالق أن دخلت أو أن لم تدخلي بفتح (أن) .. وقع في الحال) فعلت أو لم تفعل؛ لأن (أن) للتعليل لا للتعليق، وضبط المصنف (أن) بالفتح في الموضعين وفيه نظر؛ لأن المفتوح لا يفتح. قال: (قلت: إلا في غير نحوي .. فتعليق في الأصح والله أعلم)؛ لأن الظاهر أنه يقصده فيحمل عليه، وهو لا يعرف المفتوحة من المكسورة. والثاني: يحكم بوقوع الطلاق في الحال؛ لأن ذلك مقتضى اللفظ فلا يعتبر من غير قصد إلا أن لا يكون الرجل ممن لا يعرف اللغة وقال: قصدت التعليق .. فيصدق بيمينه.

فَصْلٌ: عَلَّقَ بِحَمْلٍ؛ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ .. وَقَعَ، وَإَلاَّ: فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ اُلتَّعْلِيقِ .. بَانَ وُقُوعُهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَع سِنِينَ، أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَتْ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ بهِ مِنْهُ .. فَلاَ، وَإِلاَّ .. فَاُلأَصَحُّ: وُقُوعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: في اعتراض الشرط على الشرط ثلاثة أوجه: أصحها عند الشيخين – وهو المنصوص-: يشترط تأخر المتقدم وعكسه، فإذا قال: إن أكلت إن شربت فأنت طالق .. لم تطلق حتى يتقدم شربها على أكلها؛ لأن الشرط الثاني قيد في الأول فلابد من تقدمه، والمراد بالتقدم: أن لا يتأخر. والوجه الثاني: عكسه. والثالث: لا يشترط إلا وجود الشرطين كيف كان، ومستنده جعل الجواب لهما كما قاله الأخفش، وما صححه الشيخان في هذا الباب خالفاه في (أبواب التدبير) فصححا الثاني. قال: (فصل: علق بحمل) أي: قال: إن كنت حاملاً .. فأنت طالق. قال: (فإن كان حمل ظاهر .. وقع) أي: في الحال؛ لوجود الشرط، لأن الحمل يعامل معاملة المعلوم. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن حمل ظاهر (فإن ولدت لدون ستة أشهر من التعليق .. بان وقوعه) لأنا تبينا أنها كانت حاملاً حين التعليق. قال: (أو لأكثر من أربع سنين، أو بينهما ووطئت وأمكن حدوثه به منه .. فلا)؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ولأنه يحتمل أن يحدث من الوطْء ظاهراً. قال: (وإلا) أي: وإن لم يطأها البتة أو وطئه وبين الوطء والوضع دون ستة أشهر (.. فالأصح: وقوعه)؛ لتبين الحمل ظاهراً، وكذلك يثبت النسب. والثاني: لا يقع؛ لأن الأصل بقاء النكاح.

وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِذَكَرٍ فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا .. وَقَعَ ثَلاَثٌ، أَوْ إِنْ كانَ حَمْلُكِ ذَكَراً فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا .. لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إذا لم يكن الحمل ظاهراً عند التعليق .. فينبغي أن يفرق بين الزوجين إلى أن يستبرأها ويمنع الزوج من وطئها، وهل هذا التفريق واجب والاستمتاع حرام أم لا؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم؛ تغليباً للتحريم في موضع التردد. وأصحهما: أنهما مستحبان؛ لأن الأصل عدم الحمل وبقا النكاح، وبماذا يستبرؤها؟ فيه أوجه: أصحها: بحيضة، والثاني: بطهر، والثالث: بثلاثة أطهار. فلو قالت: أنا حامل وصدقها .. قال القفال: نحكم بالطلاق، وإن كذبها .. لم تطلق حتى تلد ولو شهد القوابل بحملها؛ لأن الطلاق لا يثبت بقول النساء. قال: (وإن قال: إن كنت حاملاً بذكر فطلقة أو أنثى فطلقتين فولدتهما .. وقع ثلاث)؛ لتحقق الصفتين وذلك بطريق التبيين. وتعبير المصنف هنا بـ (أو) لا يستقيم، والصواب (الواو)؛ لأن التصوير في الجمع بين التعليقين، أي: قال: إن كنت حاملاً بذكر .. فطلقة، وإن كنت حاملاً بأنثى .. فطلقتين، فإن ولدت ذكراً أو ذكرين أو ذكوراً .. بان وقوع طلقة، وإن ولدت أنثى أو أنثيين أو إناث .. بان وقوع طلقتين، وإن ولدت خنثى .. بان وقوع طلقة وتوقف الأخرى إلى أن يتضح حاله. وعن القاضي أبي الفتوح: أنه يحتمل أن لا يقع بولادة الخنثى شيء فتجعل المسألة ذات وجهين. قال: (أو إن كان حملك ذكراً فطلقة، أو أنثى فطلقتين فولدتهما .. لم يقع شيء)؛ لأن قضية اللفظ كون جميع الحمل ذكراً أو أنثى، فلو أتت بذكرين أو أنثيين .. فالأشبه في (الرافعي) الوقوع؛ لأن المفهوم من اللفظ حصر الحمل في جنس الذكر أو الأنثى. والثاني: لا يقع شيء؛ لاقتضاء التنكير التوحيد.

أَوْ إِنْ وَلَدْتِ فَأَنتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتِ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا .. طَلُقَتْ بِالأَوَّلِ, وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي. وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَلِدَتِ فَوَلَدَتْ ثَلَاثًا مِنْ حَمْلٍ .. وَقَعَ بِالأَوَّلَيْنِ طَلْقَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثِ, وَلَا تَقَعُ بِهِ ثَالِثَةُ عَلَى الْصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتنقضي العدة في جميع الصور بالوضع, وأما الوقوع فمن اللفظ, والصواب التعبير هنا بـ (الواو) أيضًا. قال: (أو إن ولدت فأنت طالق فولدت اثنين مرتبًا .. طلقت بالأول)؛ لوجود الصفة, سواء وضعت حيًا أو ميتًا, ذكرًا أو أنثى. قال: (وانقضت عدتها بالثاني) ولا يقع به طلاق ولا بما بعده لو ولدت أكثر من اثنين, وهذا مشروط بما إذا كانا من حمل واحد كما سنذكره في المسألة عقبها, أو حملين وكان الثاني لاحقًا به بأن تضعه لأقل من أربع سنين من وقت الطلاق, وقيل: من انقضاء العدة. قال: (وإن قال: كلما ولدت فولدت ثلاثًا من حمل .. وقع بالأولين طلقتان وانقضت بالثالث, ولا تقع به ثالثة على الصحيح)؛ لأنها في عدة الطلاق السابق, ووقت انفصال الثالث وقت انقضاء العدة, ولو وقع .. لوقع في تلك الحالة؛ لأنه متعلق بالولادة ولا يجوز وقوعه في حال انقضاء العدة, ولهذا لو قال: أنت طالق مع موتي .. لم يقع إذا مات؛ لأنه وقت انتهاء النكاح, هذا هو المنصوص في عامة كتبه. والثاني- وهو منصوص (الإملاء) -: تقع بالثالث طلقة ثالثة وتعتد بالأقراء؛ لأن هذا الطلاق لا يتأخر عن انقضاء العدة فيكفي ذلك لنفوذ الطلاق المبني على سرعة النفوذ. واحترز بـ (الثلاثة) عما إذا ولدت أربعًا وانفصلوا على التعاقب؛ فإنها تطلق ثلاثًا بولادة ثلاثة وتنقضي عدتها بالرابع بلا إشكال.

وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: كُلَمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْانَ مَعًا .. طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا, أَوْ مُرَتَّبًا .. طَلُقَتِ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا, وَكَذَا الأُولَى إِنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا, وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً, وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَينِ, وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمِا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال لأربع) أي: حوامل منه (كلما ولدت واحدة فصواحبها طوالق) كذا ضبطه المصنف بخطه, وهو حسن كضاربة وضوارب, واللغة الأخرى صواحبات وعليه ما روي: (إنكن صواحبات يوسف). قال: (فولدن معًا .. طلقن ثلاثًا ثلاثًا)؛ لأن لكل واحدة منهن ثلاث صواحب, وعدتهن بالأقراء؛ لأن الطلاق وقع بالولادة والعدة عقيب الطلاق. ثم إن التعليق بالولادة كيف كان إنما يقع فيه المعلق بانفصال جميع الولد, قال ابن كج: وإنما يقع بما بان فيه خلق آدمي, فإن لم يبن فيه خلق آدمي .. لم تطلق. وتعبيره بـ (كلما) تبع فيه (المحرر) و (الروضة) , وهو يوهم اشتراط أداة التكرار, وليس كذلك؛ فـ (أيتكنّ) مثلها, بل لو مثل بها .. كان أولى. قال: (أو مرتبًا .. طلقت الرابعة ثلاثًا, وكذا الأولى إن بقيت عدتها, والثانية طلقة, والثالثة طلقتين, وانقضت عدتهما بولادتهما)؛ لأن الأولى إذا ولدت .. وقعت على كل واحدة من الأخريات طلقة, ولا يقع عليها شيء؛ لأن المعلق بولادة كل واحدة منهن طلاق الأخريات, فإذا ولدت الثانية .. انقضت عدتها وبانت هي, وتقع على الأولى بولادتها طلقة وعلى كل واحدة من الأخريين طلقة أخرى إن بقيتا في العدة, فإذا ولدت الثالثة .. انقضت عدتها ووقعت على الأولى الطلقة الثانية إن بقيت في العدة وعلى الرابعة طلقة ثالثة, فإذا ولدت الرابعة .. انقضت عدتها عن ثلاث طلقات ووقعت ثالثة على الأولى. وقوله: (عدتهما) هو مثنى راجح إليهما, أي: بأن امتدت أقراؤهما أو تأخر وضع ثاني توأميهما إلى أن وضعت الرابعة, فإن لم يبق بان انقضت بين ولادة الثانية والثالثة .. طلقت فقط, أو بين الثالثة والرابعة .. فطلقتان. وقوله: (وانقضت عدتهما بولادتهما) أي: إن لم يتأخر ثاني توأميهما إلى ولادة الرابعة, وإلا .. طلقتا ثلاثًا ثلاثًا.

وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ الأُولَى وَتَطْلُقُ الْبَاقِياتُ طَلْقَةً. وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا .. طَلُقتِ الأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا- وَقِيلَ: طَلْقَةٌ- وَالأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ. وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: لا تطلق الأولى وتطلق الباقيات طلقة طلقة)؛ لأن الثلاث عند ولادة الأولى صواحبها فطلقن وخرجن عن كونهن صواحبها فلا تطلق بولادتهن, وكذا بعضهن مع بعض, كذا وجهه الرافعي, واعترض عليه بأن قائله- وهو ابن القاص- لم يوجهه بهذا, بل وجهه- كما قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ- بأنهن خرجن بالولادة عن كونهن صواحبات؛ لحصول البينونة, إذ الثانية لما ولدت .. انقضت عدتها فلم تكن الأولى ولا الباقيات صواحبات لها, وكذلك التي بعدها, وهذا التعليل هو الصواب, ومن قال بالأول .. قال: ما دمن في العدة .. فهن زوجات وصواحب, ولهذا لو حلف بطلاق زوجاته .. دخلت الرجعية فيه. قال: (وإن ولدت ثنتان معًا ثم ثنتان معًا .. طلقت الأوليان ثلاثًا ثلاثُا) طلقة بولادة من ولدت معها وثنتان بولادة الأخريين, ولا يقع على الأخريين شيء بولادتهما. قال: (وقيل: طلقة والأخريات طلقتين طلقتين) هذا الخلاف مبني على الأول. وبقي من أقسام المسألة: ما إذا ولدت ثلاثة معًا ثم الرابعة .. فتطلق الرابعة ثلاثًا قطعًا, وتطلق كل واحدة من الثلاث على جواب ابن الحداد ثلاثًا اثنتين بولادة اللتين ولدتا معًا وثالثة بولادة الرابعة إن بقين في العدة. ولو ولدت اثنتان مرتبًا ثم ثنتان معًا .. وقع على الأولى ثلاث بولادتهن وعلى كل واحدة من الباقيات طلقة بولادة الأولى, فإذا ولدت الثانية .. انقضت عدتها ووقعت على كل واحدة من الأخريين طلقة أخرى, فإذا ولدت الأخريان .. انقضت عدتهما ولا يقع على كل واحدة منهما شيء بولادة صواحبها على الصحيح. قال: (وتصدق بيمينها في حيضها إذا علق طلاقها به)؛ لأنها أعرف به وهي مؤتمنة عليه, قال الله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} وتتعذر إقامة البينة عليه فإن الدم وإن شوهد لا يعرف أنه حيض, كذا علله الرافعي, وهو خلاف ما صرح به في (الشهادات) كما سيأتي بيانه, وسواء وافق ذلك عادتها أم

لَا فِي وِلَدَتِهَا فِي الأَصَحِّ, وَلَا يُصَدِّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ خالف, فلو قال لها: قد حضت فأنكرت .. طلقت؛ لإقراره. واحترز بقوله: (علق به طلاقها) عما إذا علق به طلاق ضرتها, وسيأتي. قال: (لا في ولادتها في الأصح)؛ لإمكان إقامة البينة على ذلك, بخلاف الحيض؛ فإنه يتعذر. والثاني: يصدق؛ لعموم الآية فإنه يتناول الحبل والحيض, وإلى هذا ذهب أبو حنيفة, ورجحه القاضي أبو حامد وابن الحداد والقاضي أبو الطيب في (شرح الفروع) , وإذا قلنا به .. فهو بالنسبة إلى الطلاق خاصة, وأما في لحوق الولد به .. فلا يصدق إلا بتصديقه أو شهادة أربع نسوة عدول يشهدن به. ولو قال: إن ولدت فأنت طالق وعبدي حر فقالت ولدت وكذبها .. وقع الطلاق دون العتق. قال: (ولا يصدق فيه في تعليق غيرها)؛ لأنه لا سبيل إلى تصديقها بغير يمين, ولو حلفناها .. لكان التحليف لغيرها؛ فإنه لا تعلق لها بالخصومة, والحكم للإنسان بحلف غيره محال. وأورد ابن الرفعة على هذا: أن الإنسان يقبل قوله فيما لا يعلم إلا من جهته من غير يمين, ويقضى بذلك على غيره, كما لو قال: أنت طالق إن شاء زيد فقال: زيد شئت .. فإنه يصدق في ذلك بغير يمين ويقع الطلاق, وليس عدم القبول لكونها متهمة في حق الضرة, بل لأن قولها غير مقبول في حق غيرها حتى لو قال لأجنبية: إن حضت فامرأتي طالق فقالت حضت وكذبها .. لا تطلق امرأته.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَقَعُ, وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً .. طَلُقَتْ فَقَطْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: إن حضتما فأنتما طالقتان فزعمتاه وكذبهما .. صدق بيمينه ولا يقع) , والمراد: لا يقع على واحدة منهما؛ لان طلاق كل واحدة معلق بشرطين: حيضهما وتصديق الزوج لهما ولم يوجدا, قال في (الشامل): إلا أن يقيما البينة على الحيض .. فيقع عليهما. قال في (الكفاية): وفيه وقفة؛ لان الطلاق لا يثبت بشهادتهن. وقوله: (فزعمتاه) يقتضي أنهما لو قالتا على الفور حضنا .. يقبل, وليس كذلك؛ فإن التعليق يقتضي حيضًا مستأنفًا وهو يستدعي زمنًا, ولأجل ذلك قال في (الوسيط): ثم قلن: حضنا. وفي قوله: (فزعمتاه) استعمال الزعم وهو مثلث الزاي للقول الصحيح, والأكثر انه إنما يستعمل فيما لم يقم دليل على صحته أو قام دليل على بطلانه, قال الله تعالى:} زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا {,} فقالوا هذا لله بزعمهم {. قال: (وإن كذب واحدة .. طلقت فقط)؛ لوجود الشرطين في حقها, أما ثبوت حيض ضرتها .. فبتصديقه, وأما حيضها .. فبيمينها, ولا تطلق المصدقة إذ لم يثبت حيض صاحبتها؛ لتكذبه. فروع: الأول: قال الرافعي: إذا قال: إن حضت حيضة فأنت طالق .. لا يقع الطلاق حتى تحيض وتطهر؛ لأنه علقه بتمام الحيض, وحينئذ فيقع سنيًا. فلو قال: إن حضت فأنت طالق .. طلقت بالشروع في الحيض, وقيل: لا تطلق حتى يمضي يوم وليلة, وحينئذ يتبين وقوعه من حين رأت الدم, فقوله: (سنيًا)

وَلَوْ قَالَ: (إِنْ) أَوْ (إِذَا) أَوْ (مَتَى طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا) فَطَلَّقَهَا .. وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: غير بدعي, وتصحفت على ابن الرفعة فظنها (تبينا) فاعترض بذلك على الرافعي. الثاني: قال: إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان .. فثلاثة أوجه: أصحهما: يلغى قوله: حيضة, فإذا ابتدأ بهما الدم .. طلقتا. والثاني: إذا تمت الحيضتان .. طلقتا. والثالث: لا تطلقان وإن حاضتا. ويجري الخلاف فيما لو قال: إن ولدتما ولدًا, فغن قال: ولدًا واحدًا .. فهو محال لا يقع به الطلاق, واستشكل الحكم في (المهمات). الثالث: قال: إن حضت نصف حيضة .. فأنت طالق- وكانت عادتها ستة أيام- فإذا مضت ثلاث .. قضي بوقوع الطلاق, ووقع في (الرافعي) إسقاط لفظة (نصف) وذكره في (الروضة) على الصواب. الرابع: قال: إن رأيت الدم فأنت طالق .. فوجهان: أصحهما: يختص بدم الحيض, وعلى هذا: فلا تعتبر حقيقة الرؤية, بل العلم كما في رؤية الهلال. وإن قال: إن رأيت دمًا فأنت طالق فاستحيضت أو نفست .. طلقت وإن رعفت أو بطت جرحها. الخامس: قال لها في أثناء حيضها: إن حضت فأنت طالق .. فالأصح أنها لا تطلق حتى تطهر ثم تحيض, كما لو قال- والئمار مدركة-: إذا أدركت الثمار .. فأنت طالق؛ فإن معناه إدراك لاحق. وقيل: إذا استمر الدم بعد التعليق ساعة .. طلقت ويكون دوام الحيض حيضًا. قال: (ولو قال: (إن) أو (إذا) أو (متى طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا) فطلقها .. وقع المنجز فقط)؛ لأنه لو وقع المعلق .. لمنع وقوع المنجز, وإذا لم

وَقِيلَ: ثَلَاثٌ, وَقِيلَ: لَا شَيْءَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ يقع المنجز .. بطل شرط المعلق فاستحال وقوع المعلق, ولا استحالة في وقوع المنجز فيقع, وقد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب. وشبه هذا بما إذا أقر الأخ بابن للميت .. فإنه يثبت نسبه ولا يرث, وبهذا قال أبو زيد المروزي وصاحب (التلخيص) , واختاره ابن الصباغ والمتولي والشريف ناصر العمري, وإليه ذهب أبو حنيفة والغزالي في آخر عمره, وقال الرافعي في (شرحيه): يشبه أن تكون الفتوى به أولى, وقال في (المحرر): إنه أولى الأوجه, لا جرم صححه في (الكتاب) و (التصحيح). قال في (المطلب): وكان شيخنا الشريف عماد الدين يختاره, وهذه مسألة عظيمة الخطب أفردها بالتصنيف المتولي والغزالي وفخر الإسلام الشاشي وإلكيا الهراسي وصاحب (الذخائر) والقاضي عماد السكري وأبو الغنائم الفارقي وآخرون. قال: (وقيل: ثلاث) اختلفوا فيه, فالذي في (المحرر) و (الشرحين): أنه المنجز, وتتم الثلاث من المعلق, فغذا نجز واحدة .. وقعت اثنتان من المعلق, وإن نجز ثنتين .. وقعتا واحدة من المعلق, فعلى هذا: يشترط أن يكون مدخولًا بها, وهذا الذي اختاره ابن الصباغ لا ما نقله الرافعي عنه من وقوع طلقة. وقيل: تقع الثلاث المعلقة, وعلى هذا سواء كانت مدخولًا بها أم لا, واختار هذا الوجه الإمام أبو بكر الإسماعيلي وأبو عبد الله الختن. قال: (وقيل: لا شيء) لا في المعلق ولا المنجز؛ لأنه يلزم من وقوع الطلاق عدم وقوعه فلم يقع, وبهذا قال المزني وابن الحداد وابن سريج- وبه اشتهرت

وَإِنْ قَالَ إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْكِ أَوْ آلَيْتُ أَوْ لَاعَنْتُ أَوْ فَسَخْتُ بِعَيْبِكِ فَأَنتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ .. فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ وَطِئَ .. لَمْ تَقَعْ قَطْعًا. وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا .. اشْتُرِطَتْ مَشِيئَتُهَا عَلَى الْفَورِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة السريجية- والقفالان وأبو حامد القاضي والشيخ والقاضيان أبو الطيب والروياني- وقال بعد اختياره له لا وجه لتعليم العوام المسألة لفساد الزمان- والشيوخ أبو حامد وأبو علي وصاحب (المذهب) والغزالي في (الوسيط) , ونقله صاحب (الإفصاح) عن نص الشافعي, وهو مذهب زيد بن ثابت, واختاره كثير من المتقدمين والمتأخرين. وعلى هذا: قال الشيخ تقي الدين القشيري: طريق حل الدور أن يقول: إن لم يقع عليك طلاقي .. فأنت طالق, فيصير الطلاق لازمًا للتقصير ولازمهما واقع, قال الشيخ: وفيه نظر؛ لانا نمنع صحة التعليق الثاني إذا صححنا الأول وإنما يكون الطلاق لازمًا للنقيضين إذا علق على كل منهما بكلمة واحدة. قال: (وإن قال: إن ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت بعيبك فأنت طالق قبله ثلاثًا ثم وجد المعلق به .. ففي صحته الخلاف) فعلى وقوع المنجز يصح, وعلى اللغو لا يصح, وأما الثلاثة المعلقة على ذلك .. فلا تقع؛ لئلا تبين فتلغو هذه الأمور. قال: (ولو قال: إن وطئتك مباحًا فأنت طالق قبله ثم وطئ .. لم تقع قطعًا)؛ لأنها لو طلقت .. خرج الوطء عن كونه مباحًا, ولا يجيء فيه الخلاف, بل موضع الخلاف إذا انسد بتصحيح الدور باب الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية, وهنا لم ينسد. قال: (ولو علقه بمشيئتها خطابًا) أي: بأن قال: إن شئِت أو إذا شئت (.. اشترطت مشيئتها على الفور)؛ لأن ذلك استدعاء لجوابها, فهو في معنى التفويض وهو تمليك, ولأنه استبانه لرغبتها فكان جوابها كالقبول في العقود. والمراد بـ (الفور): مجلس التواجب كما في (الروضة) هنا وفي (الخلع).

أَوْ غَيْبَةً أَوْ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيِّ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشيئَتِهِ: شِئْتُ كَارِهًا بِقَلْبِهِ .. وَقَعَ, وَقِيلَ: لَا يَقَعُ بَاطِنًا. وَلَا يَقَعُ بَاطِنًا. وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيِّةٍ وَصَبِيِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إذا شاءت في المجلس .. طلقت؛ لأن حريم العقد تقوم مقامه كما في القبض في الصرف والسلم. هذا إذا علق بصيغة (إن) أو (إذا) , أما إذا قال: متى شئت .. فلا يشترط الفور كما تقدم. قال: (أو غيبة أو بمشيئة أجنبي .. فلا في الأصح) يعني: إذا علق الطلاق بمشيئة زوجته لا على وجه الخطاب كقوله: زوجتي طالق إن شاءت, فإن عللنا بأنه خطاب واستدعاء جواب فلا خطاب هاهنا .. فلا يشترط الفور, وإن عللنا بأنه تمليك .. فتشترط المبادرة إذا بلغها الخبر, ومال الإمام إلى أن الفور لا يشترط في هذه المسألة وقال: الصيغة بعيدة عن قصد التمليك إذا لم يكن على قصد الخطاب, ويقابل الأصح: إن كانت حاضرة .. فعلى الفور, أو غائبة .. فتبادر إذا بلغها. أما إذا علق بمشيئة أجنبي فقال له: إن شئت فزوجتي طالق, فغن عللنا بأنه خطاب واستدعاء جواب .. فشرطه الفور هنا أيضًا, وغن عللنا بالتمليك .. فلا, وفي هذه الخلاف أيضًا, والصحيح: انه لا يشترط الفور. قال: (ولو قال: المعلق بمشيئته: شئت كارهًا بقلبه .. وقع) أي: ظاهرًا وباطنًا؛ لوجود المعلق عليه وهو لفظ المشيئة. قال: (وقيل: لا يقع باطنًا) كما لو علق بحيضها فقالت: حضت وهي كاذبة. وفي (الشرح) و (الروضة) في أول (باب الإقرار) ما يوهم ترجيح هذا, لكن استثنى الشيخ أبو محمد في (الفروق) ما إذا قال: إن شئت بقلبك فشاء كارهًا .. لم يقع. قال: (ولا يقع بمشيئة صبية وصبي) قال الرافعي: بلا خلاف؛ لأنه لا اعتبار بمشيئتهما في التصرفات, وكما قال للصغيرة: طلقي نفسك فطلقت .. لم يقع.

وَقِيلَ: يَقَعُ بِمَشِيئَةِ مُمَيِّزٍ. وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ. ولَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَاَّ أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً .. لَمْ تَطْلُقْ, وَقِيلَ: تَقَعُ طَلْقَةً, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: يقع بمشيئة مميز)؛ لان مشيئته معتبرة في اختيار الأبوين؛ أما غير المميز والمجنونةُ .. فلا يقع بقبولهما بلا خلاف. ولو علق بمشيئة اخرس فأشار .. وقع, أو ناطق فخرس .. فكذلك على الصحيح. قال: (ولا رجوع له قبل المشيئة) كسائر التعليقات وإن تضمن تمليكًا, كما لا يؤثر الرجوع في قوله: إن أعطيتني ألفًا .. فأنت طالق وإن كانت معاوضة. قال: (ولو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا أن يشاء زيد طلقة فشاء طلقة .. لم تطلق)؛ لأنه أخرج مشيئة زيد واحدة عن أحوال وقوع الطلقات فلا يقع شيء كقوله: إلا أن يدخل زيد الدار, وكذا لو شاء طلقتين أو ثلاثًا, فغن من شاء ذلك .. شاء الواحدة وزيادة. قال: (وقيل: تقع طلقة)؛ لأن المفهوم من ذلك, إلا أن يشاء واحدة .. فتقع ويكون الإخراج من وقوع الثلاث لا من أصل الطلاق. وفيه وجه ثالث: أنه تقع طلقتان, وتقديره: إلا أن يشاء عدم وقوع واحدة فيقع الباقي. كل هذا إذا أطلق, فغن أراد بعض هذه المحامل .. قبل, وفي بعضه خلاف. ولو قال: أنت طالق شئت أو أبيت .. طلقت في الحال, ولو اختلفا في المشيئة فقالت: شئت وكذبها, فإن قلنا: إن المعلق عليه اللفظ .. فالقول قوله, وإن قلنا: ما في النفس .. فالقول قولها؛ لأنه لا يعرف إلا من جهتها, حكاه في (الذخائر). وكالتعليق بالمشيئة كل تعليق بأمر باطن كما إذا قال: إن أضمرت حبي أو بغضي فأنت طالق فقالت أحبك أو أبغضك .. فالمعتبر فيه اللفظ فيقع الطلاق به. وفي (شرح المختصر) للجويني الجزم بأنه لا يقع الطلاق إذا علقه على محبتها أو

وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ نِاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا ... لَمْ تَطْلُقْ فِي الأَظْهَرِ, ... ـــــــــــــــــــــــــــــ بغضها إياه ونحو ذلك فقالت: أنا أحبك أو أبغضك وكذبها, وفرق بينه وبين الحيض بأنها مؤتمنة. قال: (ولو علق بفعله ففعل ناسيًا للتعليق أو مكرهًا ... لم تطلق في الأظهر). قال في (الروضة): هذا هو المختار؛ للحديث الحسن: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) , والمختار عمومه فيعمل به إلا ما خص بدليل كغرامة المتلفات. أهـ. والحديث بهذا اللفظ لم يوجد والمشهور فيه: (إن الله وضع عن أمتي) , وفي رواية: (وضع لي عن أمتي) ولأن المكره على الطلاق لا يقع طلاقه فكذا المكره على الصفة. والقول الثاني – وبه قال ابن المنذر: إنه مشهور مذهب الشافعي, وبه كان يفتي ابن عبد السلام وابن الصلاح وقاضي ابن رزين؛ لأن الإكراه لا ينافي التكليف. وتوقف جماعة في الفتوى بعدم تحنيثه, منهم القاضي الماوردي تبعًا لشيخه القاضي أبي القاسم الصيمري, والصيمري تبع فيه شيخه أبا الفياض البصري, وإليه ذهب أبو حامد شيخ المراوزة؛ لأن استعمال التوقي أحوط من فرطات الإقدام, وتوقف فيه ابن الرفعة في آخر عمره, جانحين إلى أن ذلك من خطاب الوضع الذي لا فرق فيه بين العامد والناسي, وكان الشيخ يميل إليه إلى تاسع شوال سنة أربع وخمسين فجزم بعدم الحنث. قال ابن الصباغ: والقولان كالقولين فيما إذا أكره الصائم على الأكل هل يفطر؟ وهذا البناء يقتضي ترجيح عدم الحنث؛ إذ الراجح عدم الفطر, لكن يستثنى ما إذا صرح بذلك فقال: لا أدخل الدار عامدًا ولا ناسيًا فدخل ناسيًا ... فإنه يحنث بلا

أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْليقِهِ وَعَلِمَ بِهِ ... فَكَذَلِكَ, وَإِلَّا ... فَيَقَعُ قَطْعًا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف, كذا نقله في زوائد (الروضة) عن القاضي حسين, وجزم به الرافعي في (كتاب الأيمان). قال: (أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه) كما إذا علقه على فعل امرأته أو أجنبي, والمبالي بالتعليق هو الذي يشق عليه الحنث. قال: (وعلم به ... فكذلك) أي: فيكون على القولين إذا فعله ناسيًا أو مكرهًا, ولا بد من شرط ثالث وهو: قصد الحث أو المنع كما قرره الإمام وابن الصباغ وجرى عليه في (الشرح). قال: (وإلا ... فيقع قطعًا) يعني: إذا علق الحالف على فعل غيره, فإن لم يكن للمعلق على فعله شعور بالتعليق ولم يقصد الزوج إعلامه أو كان ممن لا يبالي بتعليقه كقدوم الحجيج أو السلطان ... يقع الطلاق إذا وجد الفعل مع الإكراه والنسيان؛ لأنه ليس فيه حينئذ حث ولا منع, فالطلاق فيه معلق بصورة الفعل, ومنهم من أجرى فيه القولين السابقين في الإكراه وكأنه لا فعل له. وإن كان المعلق بفعله عالمًا بالتعليق وهو ممن يبالى بتعليقه وقصد المعلق بالتعليق منعه ففعله ناسيًا أو مكرهًا أو جاهلًا ... ففيه القولان, فاشتمل كلام المصنف على ثلاث صور: إذا كان لا يعلم ولا يبالي, أو يبالي وهو يعلم, أو لا يعلم وهو يبالي, وهذه كثيرة الوقوع في (الفتاوى) , وصرح فيها في (المهمات) بوقوع الحنث, قال: إلا أن فيه نظرًا؛ فإنه كيف يقع على الجاهل قطعًا ولا يقع بفعل الناسي على الصحيح مع أن الجاهل أولى بالمعذرة من الناسي؟ وقد بحث الشيخ علاء الدين الباجي والشيخ زين الدين الكتناني في درس قاضي القضاة ابن بنت الأعز في هذه المسألة, وكان ابن الكتناني مصممًا على ما اقتضته عبارة (المنهاج) والباجي على مقابله. قال الشيخ: والصواب: أن كلام (المنهاج) محمول على ما إذا قصد الزوج مجرد التعليق ولم يقصد إعلامه ليمتنع كعبارة (الشرح) و (الروضة). أما إذا كان المعلق بفعله عالمًا بالتعليق وهو ممن يبالى بتعليقه وقصد المعلق

ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتعليق منعه ففعله ناسيًا أو مكرهًا ... ففيه القولان, فمحل القطع بالوقوع ما إذا لم يقصد الإعلام والحث أو المنع, وأما إذا قصد ... فإن الخلاف يطرقه سواء كان جاهلًا أم علم ثم نسي كما صرح به الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين وتلميذه سليم في (المجرد) واقتضاه كلام المحاملي والقاضي أبو الطيب والجرجاني وغيرهم. وقال الشيخ تقي الدين بن رزين: الغالب أن الحالف على فعل مستقبل من أفعال من يرتدع بيمينه بقصد الحث والمنع بقصد التعليق على الفعل مطلقًا فيقع في الصورة كلها, وأما من يحلف على فعل نفسه ... فلا يمتنع وقوع طلاقه بالنسيان والجهل إلا عند قصد الحث والمنع, وهذا منه تفرقة بين فعل غيره وفعل نفسه. تتمة: الحلف على غلبة الظن كما إذا حلف بالله أو بالطلاق على نفي فعل وقع جاهلًا بوقوعه أو ناسيًا كما إذا حلف أن زيدًا ليس في الدار وكان فيها ولم يعلم أو علم ونسي, إن قصد الحالف أن الأمر كذلك في ظنه أو فيما انتهى إليه علمه ولم يقصد أن الأمر كذلك حقيقة ... لم يحنث. وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر أو أطلق ... ففي وقوع الطلاق والحنث قولان: الراجح هنا: الوقوع والحنث كما صرح به ابن الصلاح وغيره, واختار البغوي وشيخه القاضي حسين الحنث في الطلاق دون اليمين بالله تعالى. ووقفت على فتوى لشيخنا جمال الدين في ذلك فقال فيها: طريقة الجمهور أنه لا فرق في مسائل الإكراه والنسيان بين الحلف بالله والحلف بالطلاق, وخالف القاضي حسين فأجاب بالحنث في الطلاق دون غيره, والمعروف أنه لا فرق بين أن ينسى في المستقبل فيفل المحلوف عليه أو ينسى فيحلف على ما لم يفعله أنه فعله أو بالعكس, وممن صرح بذلك الرافعي في أثناء (تعليق الطلاق).

فصلٌ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ ... لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ, فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: هَكَذَا ... طَلُقَتْ فِي إِصْبَعَيْنِ وَفِي ثَلاَثٍ ثَلاَثًا, فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالإِشَارَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ ... صُدِّقَ بِيَمِيِنِه ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: قال: أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث ... لم يقع عدد إلا بنية)؛ لأن الطلاق لا يتعدد إلا بقصد أو لفظ, ولم يوجد واحد منهما. قال: (فإن قال مع ذلك: هكذا ... طلقت في إصبعين طلقتين وفي ثلاث ثلاثًا)؛ لأن الإشارة صريحة في العدد, وفي الحديث الصحيح [خ 1908 – م1080]: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه وعقد بإبهامه في الثالثة) وأراد تسعة وعشرين فدل على أن اللفظ مع الإشارة يقوم مقام اللفظ بالعدد. قال الإمام: هذا إذا أشار إشارة مفهمة للطلقتين أو الثلاث, وإلا ... فالإنسان قد يعتاد الإشارة بإصبعه في الكلام. واحترز بقوله: (مع ذلك هكذا) عما إذا قال: أنت هكذا وأشار بأصابعه الثلاثة ولم يقل طالق ... فقال القفال: إن نوى الطلاق ... وقع الثلاث, وإن لم ينو الطلاق ... لم تطلق كما لو قال: أنت ثلاثًا ولم ينو الطلاق, وقال غيره: ينبغي أن لا تطلق وإن نوى, وصححه المصنف وفاقًا لصاحب (المهذب) , وكذلك قطع به الروياني وحكى في قوله: أنت الثلاث ثلاثة أوجه: أصحها: لا يقع شيء. والثاني: تقع الثلاث. والثالث: تقع واحدة. قال: (فلو قال: أردت بالإشارة المقبوضتين ... صدق بيمينه)؛ لأنه محتمل, وعن الشيخ أبي حامد لا يقبل ويدين. وإن قال: أردت واحدة فقط ... لم يقبل في الأصح؛ لأن الإشارة صريحة في

وَلَوْ قَالَ عَبْدُ: إَذّا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتْينِ, وَقَالَ سِيِّدُهُ: إِذّا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ بِهِ ... فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا لاَ تَحْرُمُ بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ, وَتَجْدِيدُ النّكَاحِ قَبْلَ زَوْجٍ, وَإِنْ نَادَى إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتُهُ الأُخْرَى فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ– وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ– لَمْ تْطُلِق الْمُنَادَاةُ وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الأَصَحِّ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ العدد, وعن صاحب (التقريب): يقبل؛ لأن الإشارة كناية فيه. قال: (ولو قال عبد: إذا مات سيدي فأنت طالق طلقتين, وقال سيده: إذا مت فأنت حر فعتق به) أي: عتق جميعه بموت السيد (... فالأصح: أنها لا تحرم بل له الرجعة وتجديد النكاح قب الزوج)؛ لأن وقوع الطلقتين وعتق العبد معلقان بالموت فوقعا معًا, والعتق كما لم يتقدم الطلاق لم يتأخر, فإذا وقعا معًا ... غلب حكم الحرية, كما لو أوصى لأم ولده أو لمدبرة ... فإن الوصية تصح؛ لأن العتق واستحقاق الوصية يتقاربان فجعل كما لو تقدم العتق. والثاني: أنها تبين بالطلقتين؛ لأن العتق لم يتقدم على الطلقتين, والمعلول مع علته فغلب جانب التحريم, قال الإمام: وهو غاية في الضعف. ولا خلاف أنه لو قال: أنت طالق طلقتين في آخر جزء من حياة سيدي, وقال سيده: إذا مت فأنت حر ثم مات السيد ... أنه لا يراجع. واحترز بقوله: (عتق به) عما إذا عتق بعضه ... فإنها تبين بالطلقتين؛ لأن المبعض كالقن في عدد الطلاق. قال: (وإن نادى إحدى زوجتيه فأجابته الأخرى فقال: أنت طالق – وهو يظنها المناداة – لم تطلق المناداة) بلا خلاف؛ لأنه لم يخاطبها به, بل ظنه ولا عبرة بالظن البين خطؤه. قال: (وتطلق المجيبة في الأصح)؛ لأنه خاطبها به. والثاني: لا؛ لانتفاء قصدها. ومأخذ الخلاف تغليب الإشارة أو العبارة, فول قال: علمت أن التي أجابتني غير المناداة وقصدت طلاقها ... فإنها تطلق فقط.

وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنِصْفٍ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً ... فَطَلْقَتَانِ. وَالْحَلِفُ بِالطَّلاًقِ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ؛ فَإِذَا قَالَ: إِنْ حَلَفَتُ بِطَلاَقكِ فَأَنْتِ طَاِلقٌ, ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ تَخْرُجِي أَوْ إِنْخَرَجْتِ أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا قُلْتِ فَأَنْتِ طَالْقٌ ... وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ, وَيَقَعُ الآخَرُ إِنْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ, ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو علق بأكل رمانة وعلق بنصف فأكلت رمانة ... فطلقتان)؛ لأنه صدق أنها أكلت نصف رمانة وأكلت رمانة. وفي وجه: لا تقع إلا طلقة؛ لأن قوله: (نصف رمانة) يفهم الاقتصار عليه. وكلام المصنف محله إذا علق بـ (إن) كما مثل به في (المحرر) ونحوها مما لا يقتضي تكرارًا, فإن علق بـ (كلما) ... طلقت ثلاثًا؛ لأنها أكلت رمانة ونصف رمانة مرتين. ولو قال: إن أكلت رمانة فأنت طالق فأكلت نصفي رمانتين ... لم يحنث؛ لأن نصفي رمانتين ليسا رمانة, وكذلك إذا أكلت ألف حبة من ألف رمانة ومجموع ذلك يزيد على رمانة. قال: (والحلف بالطلاق: ما تعلق به حث أو منع أو تحقيق خبر) كذا حده ابن سريج وتبعه عليه الجمهور؛ لأن الحلف بالطلاق فرع الحلف بالله تعالى, والحلف بالله مشتمل على ذلك, وقد مثل المصنف الأقسام الثلاثة. قال: (فإذا قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق, ثم قال: إن لم تخرجي أو إن خرجت أو إن لم يكن الأمر كما قلت فأنت طالق ... وقع المعلق بالحلف) أي: في الحال (ويقع الآخر إن وجدت الصفة) أي: والعدة باقية. والحث والمنع سواء كانا لنفسه أو لغيره, فـ (إن لم تخرجي) حث لها على الخروج, ومثله إ لم أخرج, وكذا إن لم يخرج زيد وقصد حثه وهو ممن يبالى بيمينه, و (إن لم يكن الأمر كما قلت) تحقيق خبر. قلت: والفرق بين العهد والميثاق واليمين: أن العهد: إلزام والتزام سواء كان فيه يمين أم لم يكن, والميثاق: العهد المؤكد باليمين, واليمين: ما فيه حث أو منع أو تحقيق خبر.

وَلَوْ قَالَ: إِذّا طَلَعتِ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الحاجُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ ... لَمْ يَقَعِ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ [اسْتِخْبَارًا]: أَطَلَّقْتَهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ ... فَإِقْرَارٌ بِهِ, ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: إذا طلعت الشمس أو جاء الحاج فأنت طالق ... لم يقع المعلق بالحلف)؛ لخلوه عن الحث والمنع والتحقيق, بل إذا وجدت الصفة ... وقع الطلاق, وكذا إذا قال: إن حضت أو إن طهرت, هذا هو الصحيح. وفي وجه: أن أنواع التعليق كلها حلف, وما جعلنا التعليق به حلقًا كإن خرجت أو غير حلف كإذا طلعت الشمس سواء فيه التعليق بـ (إن) أو بـ (إذا) على الصحيح. وقيل: هو بـ (إن) حلف فيهما وبـ (إذا) توقيت فيهما, ولهذا مثل المصنف الأول بـ (إن) والثاني بـ (إذا). فرعان: أحدهما: قال: إن حلفت بطلاقك ... فأنت طالق, ثم أعاد هذا القول ثانيًا وثالثًا ورابعًا, فإن كانت المرأة مدخولًا بها ... وقع بالمرة الثانية طلقة وانحلت اليمين الأولى, ثم يقع بالثالثة طلقة بحكم اليمين الثالثة وتنحل الثانية, وتقع بالرابعة ثالثة وتنحل الثالثة, وتكون الرابعة يمينًا منعقدة حتى يقع بها الطلاق. وإذا حلف بطلاقها في نكاح آخر, إن قلنا: يعود الحنث بعد الطلاق الثلاث وإن لم يكن مدخولًا بها ... وقعت طلقة بالمرة الثانية وبانت بها وتنحل اليمين. الثاني: قال لامرأتيه: إن حلفت بطلاقكما ... فأنتما طالقتان, وأعاد هذا القول مرارًا, فإن دخل بهما ... طلقتا ثلاثًا ثلاثًا, وإن لم يدخل بواحدة منهما ... طلقتا طلقة طلقة بائنًا, وفي عود الحنث الخلاف, وإن دخل بإحداهما ... طلقتا جميعًا بالمرة الثانية وبانت غير المدخول بها, وبالمرة الثالثة لا تطلق واحدة منهما؛ لأن شرط الطلاق الحلف بهما ولا يصح الحلف بالبائن. قال: (ولو قيل له [استخبارًا]: أطلقتها؟ فقال: نعم ... فإقرار به) أ]: فإن كان

فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَاضِيًا وَرَاجَعْتُ ... صُدِّقَ بِيَمِيِنِه. وَإِنْ قِيلَ ذّلِكَ الْتِمَاسًا لإِنْشَاءٍ فَقَالَ: نَعَمْ ... فَصَرِيحٌ, وَقِيلَ: كِنَايَةٌ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ كاذبًا ... فهي زوجته في الباطن؛ لأن قوله: (نعم) مقدر فيه نظير الاستفهام فتقديره (نعم طلقتها) فهو إقرار بطلاق سابق, و (نعم) صريح في الجواب, ولهذا لو قال الحاكم للمدعى عليه: أعليك ألف لهذا؟ فقال: نعم ... كان مقرًا. قال: (فإن قال: أردت ماضيًا وراجعت ... صدق بيمينه)؛ لأنه أحد محتملي اللفظ. ولو قال: جددت نكاحها ... فعلى ما تقدم فيما إذا قال: أنت طالق أمس وفسره بذلك. قال: (وإن قيل ذلك التماسًا لإنشاء فقال: نعم ... فصريح)؛ لما تقدم. واستشكل بعضهم كون (أطلقتها) التماسًا؛ فإنه غير صالح له, وهو يشكل على حصره الصريح في ثلاثة ألفاظ أول الباب. قال: (وقيل: كناية)؛ لأن (نعم) ليست معدودة من صرائح الطلاق, قال ابن القاص: وعلى هذا: لا تفتقر إلى نية, وليس لنا كناية لا تفتقر إلى نية إلا هذه. هذا إذا اقتصر على (نعم) , فإن قال: نعم طلقت ... فهو صريح قطعًا. والمصنف تبع (المحرر) في حكاية هذا وجهًا وهو في (الشرح) و (الروضة) قول, وقيل: ليس صريحًا قطعًا؛ لأن (نعم) متعينة للجواب. ولو جهل حال السؤال ... فالظاهر: أنه يحمل على الاستخبار؛ لأن الإنشاء لا يستفهم عنه. تتمة: قيل له: ألك زوجة؟ فقال: لا ... لم يقع به طلاق وإن نوى؛ لأنه كذب محض. ولو قيل: أطلقت زوجتك؟ فقال: قد كان بعض ذلك ... لم يكن إقرارًا بالطلاق؛ لاحتمال التعليق, أو الوعد بالطلاق, أو خصومة تؤول إليه, ولو فسر بشيء من ذلك ... قبل. وإن كان السؤال عن ثلاث ففسر بواحدة ... قبل, فإن لم يفسر بشيء ... قال

فصلٌ: عَلَّقَ بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ ... لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ أَكَلَا تَمْرًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ: إِنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ, فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا ... لَمْ يَقَعْ إَلَّا أَنْ يَقْصِدّ تَعْيِينًا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ المتولي: إن كان السؤال عن ثلاث ... لزمه الطلاق؛ لأن للطلاق بعضًا, وإن كان عن واحدة ... لم يلزمه شيء. قال الرافعي: وفي كل من الطرفين توقف لا يخفى. قال المصنف: الصواب: أنه لا يقع شيء وإن كان السؤال عن الثلاث. وفي (فتاوى القاضي حسين): لو قال له رجل: فعلت كذا فأنكر فقال: إن كنت فعلت كذا ... فامرأتك طالق فقال: نعم, وكان قد فعله ... لم يقع الطلاق, وجعله البغوي استدعاء طلاق, فيكون كما لو قيل له: طلقت امرأتك مستدعيًا منه طلاقها فقال: نعم. قال: (فصل: علق بأكل رغيف أو رمانة فبقي لبابة أو حبة ... لم يقع)؛ لأنها لم تأكل كل الرغيف ولا كل الرمانة. وقال القاضي حسين: إن أكلته إلا فتاتًا ... لم يحنث, وقال الإمام: إن بقي قطعة تحس ولها موقع ... لم يحنث. وكذا لو حلف لا يشرب ماء هذا الكوز فشربه إلا جرعة ... لم يحنث؛ لما ذكرناه. قال: (وإن أكلا تمرًا وخلطا نواهما فقال: إن لم تميزي نواك فأنت طالق, فجعلت كل نواة وحدها ... لم يقع) وكذا لو خلط الدراهم ونحوها؛ أخذًا باللفظ دون العرف خلافًا للإمام والغزالي. قال: (إلا أن يقصد تعيينًا) أي: التمييز الذي يحصل به التعيين من نواها لنواه؛ لتعذر ذلك.

وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلَّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسِاكِهَا فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ بِأَكْلِ بَعْضِ وَرَمْيِ بَعْضٍ ... لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ اتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَصْدُقِيِني فَأَنْتِ طَالِقٌ, فَقَالَت: سَرَقْتُ مَا سَرَقْتُ ... لَمْ تَطْلُقُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو كان بفهمها تمرة فعلق ببلعها ثم برميها ثم بإمساكها فبادرت مع فراغه بأكل بعض ورمي بعض ... لم يقع)؛ لأنه لم يحصل أكلها ولا رميها ولا إمساكها. ولا يشترط الإتيان هنا بـ (ثم) , وإنما يشترط تأخير يمين الإمساك فلو تقدمت أو توسطت ... حنث. وقوله: (فبادرت بأكل بعض ورمي بعض) لا حاجة إليهما, بل يحتاج إلى المبادرة بأحدهما فقط. ونظير المسألة: إذا كانت واقفة في ماء فقال: إن أقمت في هذا الماء فأنت طالق, وإن خرجت فأنت طالق, فإن كان الماء جاريًا ... لم تطلق؛ لأن ذلك الماء قد فارقها بجريانه, وإن كان واقفًا ومكثت فيه أو خرجت مختارة ... طلقت, وإن أخرجت في الحال مكرهة ... فلا. ولو قال: إن لم تخرجي من هذا النهر الآن فأنت طالق ... طلقت إن لم تخرج في الحال, سواء كان فيه ماء أو لم يكن؛ لأنه اسم لمكان جريان الماء. وإذا كان في يدها كوز من الماء فقال: إن قلبت هذا الماء فأنت طالق وإن تركتيه فأنت طالق وإن شربتيه أو غيرك فأنت طالق ... فطريق الخلاص: أن تأخذ خرقة وتبلها بذلك الماء حتى ينشف فلا يقع الطلاق. ويقرب من هذا ما روي عن الشافعي في رجل دفع إلى زوجته كيسًا مملوءًا مربوطًا وقال: إن فتحته أو كسرتي ختمه أو خرقته أو فتقته ... فأنت طالق, وإن لم تفرغيه ... فأنت طالق فما الحيلة في الخلاص؟ فقال: هذا كيس فيه سكر أو ملح فتضعه في الماء حتى يذوب ثم تعطيه فارغًا. قال: (ولو اتهمها بسرقة فقال: إن لم تصدقيني فأنت طالق, فقالت: سرقت ما سرقت ... لم تطلق)؛ لأنها صادقة في أحد الإخبارين قال البغوي في (الفتاوى): فإن قال: إن لم تعلميني بالصدق ... لم تتخلص بذلك.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا .. فَالْخَلاَصُ: أَنْ تَذْكُرَ عَدَداً يُعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تَنْقُصُ عَنْهُ، ثُمَّ تَزِيدُ وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى تَبْلُغَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تَزِيدُ عَلَيْهِ. وَالصُّورَتَانِ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفاً ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة قبل كسرها .. فالخلاص: أن تذكر عدداً يعلم أنها لا تنقص عنه، ثم تزيد واحداً واحداً حتى تبلغ ما يُعلم أنها لا تزيد عليه). ومثله: إن لم تخبريني بعدد ما في البيت من الجوز، أما إذا قال: إن لم تعديه اليوم فأنت طالق .. فوجهان: أحدهما: كقوله: إن لم تخبريني بعدده. والثاني: يجب أن تبتدئ من الواحد وتزيد إلى أن تنتهي إلى اليقين. قال الإمام: هذا اللفظ يتبادر إلى الفهم منه التعريف والتعيين فينبغي أن يحمل عليه، فلا يخلص من الحنث إلا به. وتعبيره ظاهر في أنها لا تحتاج لذكر الواحدة؛ لأنها ليست عدداً، وبه صرح ابن الرفعة وغيره. قال: (والصورتان فيمن لم يقصد تعريفاً) المراد: صورة التهمة في السرقة وصورة عد الحب، أما إذا قصده .. فلا يحصل البر بما سبق؛ لأن التعريف لم يحصل بذلك كما تقدم في نظيره من مسألة التمر. فإن قيل: كيف يجمع بين هذه المسألة وبين ما إذا قال: من أخبرتني منكن بقدوم زيد فهي طالق فأخبرته وهي كاذبة .. فإن الطلاق يقع؛ لأن الخبر يصدق على الأعم من الصادق والكاذب، فينبغي أن يكتفي في الجواب عن عدد الرمانة بأي عدد قالته كما إذا قالت قدم زيد ولم يقدم؟ فالجواب: أن المعلق عليه في مسألة الإخبار بقدوم زيد نفس قولها: قدم زيد، وهو أعم من الصادق والكاذب، والمعلق عليه في الرمانة الإخبار بعددها، ولها عدد في علم الله تعالى وفي علم العباد، فإن أخبرت بغيره .. أخبرت بخلاف الواقع.

وَلَوْ قَالَ لِثَلاَثٍ: مَنْ لَمْ تُخّبِرْنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيّلَةِ، فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ: سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأُخْرَى: خَمْسَ عَشْرَةَ-أَيْ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ- وَثَالِثَةٌ: إِحْدَى عَشْرَةَ، أَيْ: لِمُسَافِرٍ .. لَمْ يَقَعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال لثلاث: من لم تخبرني بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة، فقالت واحدة: سبع عشرة، وأخرى: خمس عشرة_ أي: يوم الجمعة_ وثالثة: إحدى عشرة، أي: لمسافر .. لم يقع). قال في (الدقائق): ولا خلاف في المسألة، وقول (المحرر): (قيل: لا يقع) يوهم خلافاً ونفي المصنف الخلاف مردود؛ ففي (البحر) عن أصحابنا: تطلق من عدت خمس عشرة وإحدى عشرة؛ للعادة. ثم لا بد من تقييد المسألة بما إذا لم يرد أحد هذه الأيام، فإن أراده .. فالحلف على ما أراد، وكان ينبغي أيضاً أن يفرق بين من كان في يوم جمعة أو سفر أو غيره، ولم أر من تعرض له. فروع: البشارة أخص من الخبر؛ لأنها الخبر السار الصدق الأول، فإذا قال: إن بشرتني بكذا فأنت طالق، فأخبرته به أولاً .. طلقت، فلو عرف ذلك بمشاهدة أو إخبار أجنبي ثم أخبرته به .. لم تطلق. وفيه وجه: أنها لا تختص بالخبر الأول فيكون كما قال: إن أخبرتني بكذا. فلو قال لزوجتيه أو زوجاته: من بشرتني منكما أو منكن بكذا فهي طالق، فبشرتاه على الترتيب .. طلقت الأولى دون الثانية على الصحيح. ووقع في (الوسيط) في الفرع الرابع من فروع متفرقة ذكرها إرسالاً: أنه لو قال: إن بشرتماني فأنتما طالقتان فبشرتاه على الترتيب .. طلقت الأولى، وهذا لا وجه له، ولم يوافقه أحد من الأصحاب، بل ينبغي في هذا أن لا تطلق واحدة منهما؛ لانتفاء بشارتهما معاً. وتحصل البشارة بالكتابة كالقول.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ حِينٍ .. طَلُقَتْ بِمُضَيِّ لَحْظَةٍ. وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ أَوْ قَذْفِهِ .. تَنَاوَلَهُ حَيّاً وَمَيْتاً, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أرسلت البشارة فبشره قال القاضي والبغوي: لا تطلق. ويَشْهدُ لأن المبشر هو المرسل قوله تعالى: {وبشرناه بإسحاق}، وقول أبي موسى لأبي بكر وعمر وعثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، ويشهد لأنها من الرسول قول الملائكة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: {إنا نبشرك بغلام عليكم}. قال: (ولو قال: أنت طالق إلى حين أو زمان أو بعد حين .. طلقت بمضي لحظة)؛ لأن الحين والزمان يقعان على المدة الطويلة والقصيرة، قال الله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون}، وقال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} قيل: أراد سبعة أشهر، وقيل: أربعين سنة، وقيل: مئة وعشرين سنة، وقيل: ست مئة سنة وهو الذي بين عيسى ونبينا محمد صلى الله عليهما وسلم. وقد يطلق الحين على السنة قال الله تعالى: {تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها} أي: كل سنة، وإلى هذا ذهب مالك، وهو يرى في الأيمان والأحكام أعم الأسماء، والشافعي يأخذ بأقلها، وجعله أبو حنيفة ستة أشهر اعتباراً بوقت إطلاعها وجذاذها. وذكروا في الأيمان أنه إذا حلف لأقضين حقك إلى حين .. أنه لا يحنث بلحظة للشك في المراد، والفرق: أن الطلاق إنشاء، ولأقضينك وعد، فيرجع فيه إليه. وإن قال: إذا مضى حقب أو عصر فأنت طالق .. قال الأصحاب: تطلق بمضي لحظة، واستبعده الإمام والغزالي؛ لأن العصر زمان يحوي أمماً، فإذا انقرضوا .. انقرض العصر كما يقال: عصر الصحابة، والدهر قريب من العصر، وإيقاعه على اللحظة لا وجه له. قال: (ولو علق برؤية زيد أو لمسه أو قذفه .. تناوله حياً وميتاً)؛ لصدق الاسم، سواء كان مستيقظاً أو نائماً، وسواء كان الرائي عاقلاً أو مجنوناً،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحياً أو سكراناً، ولو رأته مكرهة .. ففيه قولا حنث المكره، ولو رأته مختارة وقد أحصر مكرهاً .. حنث قطعاً. ولو قاله لعمياء .. فهو تعليق بمستحيل. والمعتبر: رؤية شيء من بدنه وإن قل، قال المتولي: إلا أن ترى يده أو رجله وقد أخرجهما من كوة .. فإنها لا تطلق؛ لأنه لا يصدق عليه أنها رأته، وقيل: تشترط رؤية الوجه. وتكفي رؤيته في ماء صاف أو زجاج شفاف في الأصح، ولو رأت مثاله في المرأة أو في الماء الصافي .. لم تطلق، وفيه احتمال للإمام بعيد، ولو رأته في المنام .. لم تطلق قطعاً. قال القاضي: ولو حلف لا ينظر إلى وجه نفسه فرآه في المرأة .. حنث؛ لأنه لا يتصور إلا كذلك. وأما مسألة اللمس .. فإنها تطلق بمس شيء من بدنه بلا حائل، فلو لم تلمسه ولكن لمسها .. فالذي يظهر أنه لا طلاق وإن كان الملموس كاللامس في نقض الوضوء؛ لأن الحكم فيه منوط بالتقاء البشرتين، ويشكل عليه حديث عاصم حمي الدبر المتقدم في (باب الوضوء). وأم الشعر والظفر .. فقال الإمام: الوجه القطع بعدم الطلاق وإن أثبتنا خلافاً في النقض، قال الرافعي: والأشبه مجيء الخلاف. والقذف أيضاً يحصل وإن كان المقذوف ميتاً؛ لأنه كقذف الحي إطلاقاً وحكماً. قال: فإن قال: إن قذفتك في المسجد .. فالمعتبر كون القاذف فيه؛ لأن المقصود هتك حرمة المسجد، وهتكها إنما يحصل إذا كان القاذف والمقول فيه دون عكسه. فإن قال: أردت العكس .. قبل منه ظاهراً في الأصح، فإن قال: فيهما: في الدار .. سئل عن مراده.

بِخِلاَفِ ضَرْبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: الأول: علق برؤيتها أو رؤية غيرها الهلال .. ففيه أربعة أوجه: أصحها: أن الرؤية تحمل على العلم للعرف الشرعي. والثاني: تحمل على حقيقتها اللغوية وهي المعاينة، فلا تطلق حتى تعاينه. والثالث: إن كان التعليق باللغة العربية .. حمل على العلم، وإن كان بالعجمية .. حمل على المعاينة. والرابع: يحمل على العلم في حق الأعمى دون البصير. والرؤية في الليلة الثانية والثالثة كهي في الأولى، ولا أثر لها في الليلة الرابعة؛ فإنه لا يسمى فيها هلالاً، وقال المتولي: إنما يكون هلالاً في الليلة الأولى والثانية. ويعتبر أن تكون الرؤية بعد غروب الشمس، فلا أثر لرؤيته قبله على الصحيح. ولو قال: إن رأيت الهلال ببصرك فأنت طالق .. لم يحنث برؤية غيرها قطعاً، ولا باستكمال العدد. الثاني: قال لزوجته: إن أريتني من كلم الله وكلمه الله فأنت طالق .. ففي (فتاوى) صاحب (البيان): أنها تريه نفسها أو غيرها من بني آدم؛ لقوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم} الآية، أو قال: تريه السماء؛ لقوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} الآية. الثالث: قال: إن رأيت عيناً فأنت طالق، فرأت فرداً من أفراد العيون بأي معنىً كان .. طلقت. فإن قيل: لم لا حملتم المشترك هاهنا على جميع معانيه؟ فالجواب: أن النكرة في سياق الشرط كهي في سياق النفي، فقوله: (إن رأيت عيناً) في معنى: (لا رأيت عيناً إلا طلقت)، فمتى رأت فرداً من الأفراد .. وجدت الصفة. قال: (بخلاف ضربه) فإنه لا يتناول إلا الحي؛ لأن القصد من الضرب ما يتألم به المضروب، فإنه ضربه ضرباً لا يؤلمه .. لم تطلق على الأصح هنا، وسيأتي في

وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ إِنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاع مَا تَكْرَهُ .. طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفِيْهاً، أَوِ التَّعْلِيقَ .. اعْتُبِرَتِ الصِّفَةُ، وَكَّذَا إِنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي الأَصَحِّ. وَالسَّفَهُ: مُنَافٍ إِطْلاَقَ التَّصَرُّفِ. وّالْخسِيسُ: قِيلَ: مَنِ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لاَئِقٍ بِهِ بُخْلاً ـــــــــــــــــــــــــــــ (كتاب الأيمان) عند ذكر المصنف المسألة. قال: (ولو خاطبته بمكروه كيا سفيه يا خسيس، فقال: إن كنت كذلك فأنت طالق؛ إن أراد مكافأتها بإسماع ما تكره .. طلقت وإن لم يكن سفيهاً، أو التعليقَ .. اعتبرت الصفة) كما هو سبيل التعليقات، (وكذا إن لم يقصد في الأصح)؛ مراعاة للفظ، فإن العرف لا يكاد ينضبط في مثل هذا. قال: (والسفه: مناف إطلاق التصرف) وعبر عنه في (الروضة) و (الشرح) بما يوجب الحجر، وهو من تفقه الرافعي حملاً له على الشرعي، لكن من بلغ رشيداً ثم سفه في دينه .. لا حجر عليه وهو سفيه. قال: (والخسيس: قيل: من باع آخرته بدنياه) قاله العبادي، قال: وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره، وهو في اللغة: الدنيء والمرذول. قال: (ويشبه أن يقال: هو من يتعاطى غير لائق به بخلاً)؛ لاقتضاء العرف ذلك، وهذا من تفقه الرافعي، وهو حسن، فإن وقع تردد في وجود الصفة .. لم تطلق. تتمة: قال المتولي: (البخيل) من لا يؤدي الزكاة ولا يقري الضيف. ومقتضى هذا أنه لو أتى بأحدهما .. لم يكن بخيلاً مع أن العرف يقتضي الثاني فقط. قال: و (القواد): الذي يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينه وبينهم. قال الرافعي: ويشبه أن لا يختص بالأهل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (القرطبان): الذي يعرف من يزني بزوجته ويسكت عنه. و (الديوث): الذي لا يمنع الناس من الدخول على أهله. و (القحبة): البغي والقليل الحمية الذي لا يغار على أهله ومحارمه. و (السفلة) بكسر السين: من يتعاطى الأفعال الدنيئة ويتعودها غالباً، ونقل ابن المبارك عن سفيان: السفلة: قوم يتطيلسون، ويأتون أبواب القضاة والسلاطين يطلبون الشهادات، قال ابن الأعرابي: هم الذين يأكلون الدنيا بالدين. و (الأحمق) قال ثعلب: من لا ينتفع بعقله، وقال الجوهري: هو القليل العقل، وقال أبو المحاسن وأبو العباس الرويانيان: هو الذي نقص عن مراتب أمثاله نقصاً بيناً بلا سبب من مرض وغيره، وقال صاحب (المهذب) و (التهذيب): من يفعل القبيح مع علمه بقبحه. وقيل: من يحضر المناطحة بالكباش والمناقرة بالديكة. والفرق بين الرقاعة والحماقة: أن الرقاعة حمق مع رفعة وعلو مرتبة، والحمق بعكسه فلا يقال للأحمق إذا كان وضيعاً رقيع. قال الشافعي: أحمق الناس من تواضع لمن لا يشكره، ورضي بشكر من لا يعرفه، ورغب في مودة من لا ينفعه. خاتمة في (فتاوى القاضي حسين): لو قال: إن لم أحط جميع ما في الدنيا في حجرك فأنت طالق .. طريقه: أن يضع المصحف في حجرها؛ لقوله تعالى: {وَلَا رَطبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}، وتوقف فيه الرافعي. وفي (فتاوى الغزالي): إذا قال: إن سافرت فأنت طالق .. يحنث بالسفر القصير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (فتاوى المصنف): لو حلف أن فلاناً يعرف أين يسكن إبليس إن قصد فطنته وحذقه .. لم يحنث. ووقع في زمن ابن الصباغ ببغداد أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق على سائر المذاهب .. فأجاب فيها بوقوع الطلاق في الحال، وأجاب القاضي أبو الطيب بعدم وقوعه؛ لأنه لا يكون وقوع ذلك على المذاهب كلها. ولو قال: إن كان في كمي دراهم أكثر من ثلاثة فأنت طالق، فكان في كمه أربعة .. لا تطلق؛ لأن الزائد غير دراهم، كذا أجاب به الشافعي فقال السائل: آمنت بمن فوهك هذا العلم فأنشد [من المتقارب]: إذا المعضلات تصدين لي .... كشفت حقائقها بالنظر ولو قال: من تشتهي كذا فهي طالق .. تعلق الشهوة في الحال دون المستقبل. ولو حلف بالطلاق لَيجرَّنَّ غريمه على الشوك ولا نية له، فماطله مطالاً بعد مطال .. برَّ، وعلى هذا: لو حلف ليضربنَّها حتى تموت فضربها ضرباً مؤلماً. ولو قال: إن سرقت ذهباً فأنت طالق، فسرقت مغشوشاً .. طلقت على الصحيح. وفي (زيادات أبي عاصم العبادي): لو قال: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق، أو إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق .. لم تطلق، نص عليه الشافعي والأصحاب؛ لقوله تعالى: {لَقَد خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ}. وكذا لو قال: إن لم أكن أحسن من القمر وكان أسود زنجياً. قال الرافعي: ولو قال: أضوأ من القمر .. فلا أعلم جزابهم فيه، وأنه لو قال: لا آخذ من مال صهري شيئاً فطلق زوجته وأخذ من ماله .. لم يحنث؛ لأنه الآن ليس بصهره.

فهرس الكتاب كتاب النكاح 7 فصل: في الخطبة 36 فصل: في أركان النكاح 48 فصل: في عاقد النكاح 64 فصل: في موانع ولاية النكاح 85 فصل: الكفاءة 116 فصل: في تزويج المحجور عليه 133 باب ما يحرم من النكاح 152 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 180 فصل: في نكاح من تحلّ ومن لا تحل من الكافرات 189 باب نكاح المشرك 205 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه 218 فصل: في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت مع زوجها أو ارتدت 227 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 230 فصل: في الإعفاف ومن يجب له 265 فصل: في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 276 كتاب الصداق 295 فصل: في الصداق الفاسد 313 فصل: في التفويض 326 فصل: في ضابط مهر المثل 334 فصل: فيما يسقط المهر وما يشطره 341

فصل: في أحكام المتعة 358 فصل: في التحالف عند التنازع في المهر 362 فصل: في الوليمة 371 كتاب القسم والنشوز 397 فصل: في حكم الشقاق بين الزوجين 416 كتاب الخلع 429 فصل: في صيغة الخلع 446 فصل: في الألفاظ الملزمة للعوض 459 فصل: في الاختلاف في الخلع أو عوضه 473 كتاب الطلاق 479 فصل: في تفويض الطلاق للزوجة 496 فصل: في اشتراط القصد في الطلاق 499 فصل: في بقية شروط أركان النكاح 511 فصل: في تعدد الطلاق بنية العدد 517 فصل: في الاستثناء 530 فصل: في الشك في الطلاق 539 فصل: في الطلاق السني والبدعي 549 فصل: في تعليق الطلاق بالأوقات 557 فصل: في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 567 فصل: في الإشارة للطلاق بالأصابع 582 فصل: في أنواع من التعليق 587 فهرس الكتاب 597

كتاب الرجعة

كِتابُ الرَّجْعَةِ شَرْطُ المُرْتَجِعِ: أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الرجعة هي المرة من الرجوع، وفتح رائها أفصح من الكسر عند الجوهري، وعند الأزهري الكسر أكثر. وهي في الشرع: الرد إلى النكاح بعد طلاق غير بائن على وجه مخصوص، وذكرها بعد الطلاق موافق لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}؛ لأن الرد الرجعة باتفاق المفسرين، وقوله تعالى: {فِي ذَلِكَ} أي: في العدة، وكان هذا في صدر الإسلام في حق كل مطلقة حتى خص الله تعالى الطلاق في ثلاث، بقوله {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} الآية. وأما اشتراط إرادة الإصلاح .. فخرج مخرج الغالب أو الواقع؛ لأن كل مراجع- سواء قصد الخير أو الشر - مزيل لما تشعث من النكاح، وقال الشافعي: المراد إصلاح الطلاق بالرجعة، وفسره عطاء بن أبي رباح بالإصلاح في الدين، والبغوي قال: فلا تصح الرجعة إلا لمن أراد بها صلاح دينه وتقوى دينه، وهذا مذهب تفرد به. ويدل لها من السنة قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: (مره فليراجعها)، وقوله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فقال لي: راجح حفصة؛ فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داوود [2277] وابن ماجه [2016] من حديث ابن عمر بإسناد حسن. وأجمعت الأمة على جوازها. قال: (شرط المرتجع: أهلية النكاح بنفسه): لأنها كإنشاء النكاح، قال في

وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ .. فَلِلْوَلِّي الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النكِّاحِ. وَتَحْصُلُ بِرَاجَعْتُكِ وَرَجَعْتُكِ وَارتَجَعْتُكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الدقائق): وإنما قال: (بنفسه): ليحترز عن الصبي والمجنون؛ فإنهما أهل للنكاح بوليهما لا بأنفسهما، ويدخل فيه السكران والعبد، فالسكران تصح رجعته على المذهب كما سبق في (الطلاق)، وتصح رجعة العبد بغير إذن سيده على الصحيح، وتصح أيضًا رجعة السفيه؛ لأنهما من أهل النكاح بأنفسهما وإن كان شرطهما إذن الولي والمولى. اهـ وأورد عليه المحرم؛ فإنه يراجع في الأصح وليس له أهلية النكاح. فرع: من تحته حرة وأمة إذا طلق الأمة .. تصح رجعته لها مع أنه إذ ذاك ليس أهلًا لنكاح الأمة، كذا نقله في زوائد (الروضة) عن المروروذي، لكن جزم في (المطلب) بالمنع؛ لأنه ليس بأهل للعقد عليها حينئذ، والصحيح ما في (الروضة). ولو عتقت الرجعية تحت عبد .. فالظاهر أن له الرجعة قبل اختيارها، وليس للمرتد رجعة كما ليس له ابتداء نكاح. قال: (ولو طلق فجن .. فللولي الرجعة على الصحيح حيث له ابتداء النكاح)؛ لأنه قائم مقامه، هذا بناء على جواز التوكيل في الرجعة، وهو الصحيح. ومقتضى عبارة المصنف: أن مقابل الصحيح وجه ضعيف، ولا حقيقة له، إنما هو بحث للرافعي جزم به الجيلي، لكنة ذكره في (المحرر) فتابعه المصنف. قال: (وتحصل براجعتك ورجعتك وارتجعتك)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: (فليراجعها) ولا خلاف في صراحة هذه الالفاظ إذا وصلها باسم المرأة أو ضميرها أو إشارة إليها، فإن عري عن ذلك كقوله: راجعت وارتجعت .. لم يكف، والصحيح: أنه لا يشترط أن يضيف إلى النكاح أو إلى الزوجية أو نفسه، بل يستحب فيقول: إلى نكاحي، أو إلى زوجيَّتي، أو اليَّ.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ الرَّدَّ وَالإِمْسَاكَ صَرِيحَانِ، وَأَنَّ التَزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ كِنَايَتَانِ. وَلْيَقُلْ: رَدَدْتُهَا إِلَيَّ أَوْ إِلَى نِكَاحِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أن الرد والإمساك صريحان) أما الرد .. فلقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}، وقوله صلى الله عليه وسلم لوكانة: (ارددها)، وأما الإمساك .. فلقوله تعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}. والثاني: أنهما كنايتان؛ لأنهما لم يشتهرا اشتهار الصرائح، وفي (المهمات): أنه الصواب المنصوص، وضعف ما صححه المصنف. وفي الإمساك وجه ثالث: أنه لغو؛ لان معنى الإمساك الاستدامة، قال الله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}، ولأنه يحتمل إرادة الإمساك باليد وفي البيوت. قال: (وأن التزويج والنكاح كنايتان)؛ لعدم استعمالهما في الرجعة. والثاني: أنهما صريحان: لأنهما صالحان لابتداء العقد والحل، فلأن يصلحا للتدارك أولى. والثالث: أنهما لغو؛ لعدم الإشعار بذلك. كل هذا إذا قال: تزوجتك أو نكحتك وحده، فلو جرى العقد على صورة الإيجاب والقبول .. اطرد الخلاف. وظاهر كلام (الشرح الكبير): أنها تحل؛ لأنه آكد في الإباحة، وقال المصنف في (فتاويه): إنه الصحيح. وفي صحة الرجعة بغير العربية من جميع اللغات طرق: أصحها: الصحة مطلقًا كنكاح. قال: (وليقل: رددتها إلي أو إلى نكاحي)؛ ليكون صريحًا، إذ قد يفهم منه الرد إلى أهلها بسبب الفراق، وعبارة (المحرر): وينبغي أن يقول كذا، وظاهرها عدم الوجوب، وأن الصراحة غير متوقفة على ذلك، وهذا هو الشهور الذي اقتضاه

وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الإِشْهَادُ، فَتَصِحُّ بِكِنَايَةٍ. وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام الجمهور كما قاله في (الكفاية) و (المهمات). قال الشيخ تاج الدين الفزاري: سألني الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن قول المرتجع: راجعتها إلى عقد نكاحي، وهي لم تخرج عن النكاح؛ فإنها زوجته في جميع الأحكام، حتى في الوطء عند أبي حنيفة؟ فأجبته بأن معناه: أنها رجعت إلى النكاح الكامل الذي لم تكن فيه مقارنة البينونة بانقضاء العدة، فاستحسنه. قال: (والجديد: أنه لا يشترط الإشهاد)، وبه قال أبو حنيفة: لأن الرجعة في حكم استدامة النكاح السابق، ولذلك لا يحتاج إلى الولي ورضا المرأة. وفي (سنن أبي داوود) [2179] و (ابن ماجه) [2025] و (البيهقي) [7/ 373] بإسناد حسن: أن عمران بن حصين رضي الله عنهما سئل عمن راجع امرأته ولم يشهد فقال عمران: (راجعَ في غير سنة فليُشهدِ الآن) فلو كان الإشهاد شرطًا .. لما كان للإشهاد على ما سبق معنى، وإنما يستحب الإشهاد على الإقرار بالرجعة؛ لأنهما قا يتنازعان فلا يصدق على ما سيأتي. والقديم - وهو منصوص في (الأم)، وبه قال مالك -: يشترط؛ لقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} و {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، ومثار الخلاف: أن الرجعة في حكم الاستدامة أو الابتداء، وعن أحمد روايتان كالقولين، وحيث لم نوجبه .. يستحب بالاتفاق. قال: (فتصح بكناية) بناء على أنه لا يشترط الإشهاد؛ لأنه يستقل به كالطلاق، ولهذا أتى به ب (الفاء)، فإن قلنا: يشترط .. لم تصح بها كالنكاح. قال: (ولا تقبل تعليقًا)؛ لأنها إما ابتداء عقد .. فلا تقبله كالنكاح، أو استدامة .. فكذلك كاختيار من أسلم على أكثر من أربع، سواء علق بمدة أو قدوم أو بمشيئة الله تعالى أو غيره فلو قال: راجعتك إن شئت فقالت: شئت .. لم تصح، ولو فتح الهمزة أو أتى ب (إذ) .. صح، قاله في (الروضة)، ولم يفرق بين نَحويَّ وغيره، والمتجه التفصيل.

وَلَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ .. وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ طُلِّقَتْ بِلَا عِوَضٍ لَمْ تَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِهَا، بَاقِيَةٍ فِي الْعِدَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تحصل بفعل كوطء) وإن قصد به الرجعة؛ لأنه يوجب العدة فكيف يقطعها، وفي وجه: تصح بالوطء والقبلة والمباشرة بشهوة قياسًا على وطء البائع الجارية المبيعة في زمن الخيار؛ فإنه يكون فسخًا، والفرق أن الملك يحصل بالفعل كالغنيمة والسبي بخلاف النكاح، هذا في القادر، وأما الأخرس .. فتصح منه الإشارة المفهمة. قال: (وتختص الرجعة بموطوءة) فغيرها لا رجعة لها؛ إذ لا عدة لها، والرجعة إنما تكون في العدة. ودخل في عبارته: الموطوءة في الدبر وهو الأصح، بناء على الصحيح أنه يوجب العدة، لكنه تخرج من استدخلت ماء الزوج، والأصح: وجوب العدة بذلك كما ستأتي في بابها، وتخرج ذات الخلوة أيضا؛ فالمذهب أنه لا عدة عليها، فإن أوجبناها بها .. فالأصح ثبوت الرجعة، وكان صواب العبارة: تختص الموطوءة بالرجعة كما تقدم غير مرة. قال: (طُلِّقت) فإن فسخ نكاحها .. فلا رجعة؛ لأن الله تعالى أناطها بالطلاق فاختصت به. قال: (بلا عوض) فالتي طلقت به بانت وملكت نفسها. ودخل في الضابط: إذا كان الطلاق بالإجبار بحق كطلاق المولي، وما إذا طلقت نفسها بتمليك الزوج، وما إذا قال لغير المدخول بها: إن وطئتك فأنت طالق ثم وطئها .. فإن له الرجعة. قال: (لم تستوف عدد طلاقها) بالإجماع. قال: (باقية في العدة) فإن انقضت .. تعذرت مراجعتها بالاتفاق، لكن يستثنى ما إذا خالطها المطلق كالأزواج من غير وطء وقلنا ببقاء العدة .. فإنه لا رجعة لها بعد انقضاء الأقراء كما سيأتي في (العدد). وكلام المصنف يشمل الطلاق المبهم، والأصح: أنه لا رجعة فيه؛ لأن الرجعة

مَحَلٍّ لِحِلٍّ، لَا مُرْتَدَّةٍ. وَإِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنْكَرَ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ لِمُدَّةِ إِمْكَانٍ، وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ .. فَالْأَصَحُّ: تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تقبل التعليق فلا تقبل الإبهام، فإذا طلق إحدى امرأتيه ثم قال قبل التعيين أو التبيين: راجعت المطلقة .. لم تصح، خلافًا لأبي علي بن أبي هريرة. قال: (محل لحل، لا مرتدة) كابتداء النكاح، وقال المزني: إذا راجع في العدة .. فهي موقوفة: إذ اجتمعا في الإسلام .. تبينَّا صحتها، وإلا .. فلا. وعلم من مجموع كلامه أنه لا يشترط علم المرأة ولا رضاها، ولا رضي وليها ولا علمه ولا العميد إن كانت أمة، وهو كذلك، لكن يستحب الإعلام. قال: (وإذا ادعت انقضاء عدة أشهر وأنكر .. صدق بيمينه)؛ لأن اختلافهما راجع إلى اختلافهما في وقت الطلاق. ولو اختلفا في أصله .. كان القول فيه قول الزوج، فكذلك إذا اختلفا في وقته؛ لأن القاعدة: أن من قبل قوله في شيء .. قبل قوله في صفته، ولو انعكست الصورة فأدعى الانقضاء وقال: طلقتك في رمضان، فقالت: في شوال .. صدقت بيمينها؛ لأنها غلظت على نفسها. قال: (أو وضع حمل لمدة إمكان، وهي ممن تحيض لا آيسة .. فالأصح: تصديقها بيمين)؛ لأنها مؤتمنة على ذلك، ولأن إقامة البينة على الولادة قد تعسر أو تتعذر. والثاني: لا تصدق وتطالب بالبينة؛ لأنها مدعية، والغالب أن القوابل يشهدن بالولادة، ولا فرق في ذلك بين الولد الحي والميت، والكامل والناقص، وكذلك المضغة إذا اكتفينا بها كما هو المذهب. وحيث صدقناها فكذبها .. حلفت، فإن نكلت .. حلف وله الرجعة. وسكت المصنف عن الصغيرة؛ لأنه لا يقع الاختلاف معها إذ لا حكم لقولها.

وَإِنِ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ .. فَإِمْكَانُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ الإِمْكَانِ، أَوْ سَقْطٍ مُصَوَّرٍ .. فَمِئَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن ادعت ولادة تام .. فإمكانه) أي: أقل إمكانه (ستة أشهر ولحظتان) كما استنبطه علي رضي الله عنه من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} رواه مالك في (الموطأ) [2/ 825]، ورجع عثمان ومن حضر إلى قوله فصار إجماعًا. وروى العتبي: أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر، قال ابن الرفعة: وولد الحسين لستة أشهر من ولادة أخيه الحسن، وهذا خلاف ما قاله الجمهور؛ لأن الحسن ولد في نصف شهر رمضان سنة ثلاث، وولد الحسين في شعبان سنة أربع. ثم لا بد من لحظتين من حين إمكان اجتماع الزوجين، لحظة للإنزال ولحظة للوضع. قال: (من وقت الإمكان) أي: من إمكان اجتماع الزوجين بعد النكاح؛ لأن النسب يثبت بالإمكان. قال: (أو سقط مصور .. فمئة وعشرون يومًا ولحظتان) لحظة للوطء ولحظة للإسقاط ومئة وعشرون يومًا لمقامه في الجوف؛ لما روى الشيخان [خ 3208 - م2643] عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم يجمع خلقه ي بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد). وأما ما رواه مسلم [2645] بلفظ: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة .. بعث الله إليها ملكا فصورها) الحديث .. فحديث ابن مسعود أصح منه؛ لاتفاتهما على إخراجه، أو أن بعض الأمر كذا وبعضهم كذا، أو أن هذا من الترتيب الإخباري كأنه قال: أخبركم بكذا ثم أخبركم بكذا.

أَوْ مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ .. فَثَمَانُونَ، يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ. أَوْ انْقِضَاءَ أَقْرَاءٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً وَطُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ .. فَأَقَلُّ الإِمْكَانِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، أَوْ فِي حَيْضٍ .. فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلَحْظَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعبير المصنف أحسن من قوله في (الروضة): أربعة أشهر؛ فإن العدد لا بد منه قطعًا، ثم ما ذكره الشيخان هنا هو المشهور، وذكرا في (باب العدد) في الكلام على عدة الأمة أن الولد يتصور في ثمانين يومًا، وهو كذلك في (الشامل) و (الحاوي) وكثير من كتب العراقيين. قال: (أو مضغة بلا صورة .. فثمانون يومًا ولحظتان) أي: من إمكان الوطء؛ لحديث ابن مسعود المتقدم، وإنما يحكم بها إذا شهد القوابل أنها أصل آدمي. قال: (أو انقضاء أقراء، فإن كانت حرة وطلقت في طهر .. فأقل الإمكان اثنان وثلاثون يومًا ولحظتان) بأن تطلق وقد بقي لحظة وهي قرء ثم تحيض يومًا وليلة ثم تطهر خمسة عشر يومًا وذلك قرءان، ثم تحيض يومًا وليلة ثم تطهر خمسة عشر وذلك قرء ثالث، ثم تحيض لحظة يتبين بها تمام الطهر. قال الرافعي: وإنما يتصور ذلك إذا كان الطلاق تعليقًا بآخر جزء من الطهر، وفي وجه: لا تعتبر اللحظة الأولى، وقولٍ: إنه لا يحكم بانقضاء العدة بمجرد الطعن في الحيض آخرًا، بل يشترط يوم وليلة، فتعتبر ثلاثة وثلاثون يومًا ولحظة. وإذا قلنا: أقل الحيض يوم فقط .. نقص من المدة المذكورة ليلتان، وجاءت الأوجه المتقدمة، ولا يخفى أن اللحظة الثانية ليست من العدة، بل لاستيقان انقضائها، فلا تصح الرجعة فيها، وكلام المصنف يوهم خلافه. هذا كله في طهر غير المبتدأة، أما إذا طلقت المرأة قبل أن تحيض ثم حاضت وقلنا بالصحيح أن القرء هو المحتوش .. فأقل الإمكان في حقها ثمانية وأربعون يومًا ولحظة. قال: (أو في حيض .. فسبعة وأربعون ولحظة) بأن تطلق في أخر جزء من

أَوْ أَمَةً وَطُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ .. فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، أَوْ حَيْضٍ .. فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ وَلَحْظَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحيض ثم تطهر خمسة عشر، ثم تحيض يومًا وليلة ثم تطهر خمسة عشر، ثم تحيض يومًا وليلة وتطهر خمسة عشر، ثم تطعن في الحيض، وفي لحظة الطعن ما ذكرناه في المطلقة في الطهر، ولا حاجة هنا إلى تقدير لحظة في الأول؛ لأن اللحظة هناك تحب قرءًا. وسها في (الوسيط) و (الوجيز) فقال: ولحظتان، ووقع ذلك في كلام الماوردي وغيره. فرع: الطلاق في النفاس كالطلاق في الحيض في هذا الحكم بناء على أن الدم الذي تراه نجعله حيضًا وهو الأصح، فإذا قال لها: إن ولدت فأنت طالق وطلقت بالولادة فأقل زمن يصدق فيه سبعة وأربعون يومًا ولحظة كما لو طلقت في الحيض، وإن لم نجعله حيضًا .. لم يصدق فيما دون اثنين وتسعين يومًا ولحظة، منها ستون للنفاس، هكذا ذكره البغوي، ولم يعتد المتولي بالنفاس قرءًا، واعتبر مضي مئة وسبعة أيام ولحظة، وهي مدة النفاس ومدة ثلاثة أطهار وحيضتين، واللحظة للطعن. قال: (أو أمة وطلقت في طهر .. فستة عشر يومًا ولحظتان) وذلك بأن تطلق وقد بقي لحظة من الطهر وهو قرء، ثم تحيض يومًا وليلة ثم تطهر خمسة عشر يومًا وذلك قرءان، ثم تحيض لحظة يتبين فيها تمام الطهر، وهذا كما تقدم. قال: (أو حيض .. فأحد وثلاثون ولحظة) أي: للطعن في الثالثة بأن تطعن في آخر جزء من الحيض ثم تطهر خمسة عشر، ثم تحيض يومًا وليلة ثم تطهر خمسة عشر، ثم لحظة كما تقدم. وهذا في الذاكرة، فلو لم تتذكر هل كان طلاقها في الحيض أو الطهر فالصواب: أن يحمل أمر ها على الحيض؛ لأنا نشك في انقضاء العدة، والأصل دوامها، كذا قاله الصيمري وغيره.

وَتُصَدَّقُ إِنْ لَمْ تُخَالِفْ عَادَةً دَائِرَةً، وَكَذَا إِنْ خَالَفَتْ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ وَطِئَ رَجْعِيَّةً وَاسْتَانَفَتِ الأَقْرَاءَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ .. رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المارودي: يحمل أمرها على أقل الحالين، وهو أن يكون الطهر فتنقضي عدتها باثنين وثلاثين ولحظتين، وقول شيخه أصوب مما قال. قال: (وتصدق) أي: حرة كانت أو أمة (إن لم تخالف عادة دائرة)؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}، ولأنه لا يعرف إلا من جهتها فصدقت عند الإمكان، فإن كذبها الزوج .. حلفت، فإن نكلت .. حلفه وثبت له الرجعة. قال: (وكذا إن خالفت في الأصح) بأن كانت عادتها الدائرة فوق ذلك؛ لأن العادة قد تتغير وهي مؤتمنة. والثاني: (لا تصدق للتهمة، وهو المنصوص في (الأم) و (البويطي) في (كتاب العدد)، ورجحه الإمام فيه، وقال والده: إنه المذهب، وقال الروياني: إنه الاختيار في هذا الزمان. لا جرم صوبه في (المهمات)؛ لمخالفة الأصل الظاهر، أما الأصل .. فعدم انقضاء العدة، وأما الظاهر .. فمخالفة العادة، وهذا في النقص عن العادة، فإن مضى الزمن المعتاد وادعت عدم الانقضاء .. ففي أخر (العدد) من (الشرح و (الروضة) نقلًا عن الإمام وغيره: أنها تصدق وجهًا واحدًا ثم أبدى الإمام احتمالًا؛ لأنا لو صدقناها .. لربما تمادي ذلك إلى سن الإياس، وفية إجحاف بالزوج، ونقل الرافعي عن (حلية الروياني) أنها إذا قالت: انقضت عدتي .. فواجب أن يسألها عن حالها كيف، وكيف الطهر، ويحلفها عند التهمة؛ لكثرة الفساد، والذي في (حلية الروياني): الاختيار أن يسألها إلى أخره، ولم يذكر لفظة الوجوب. قال: (ولو وطئ رجعية) أي: بشبهة أو غيرها (واستأنفت الأقراء من وقت الوطء .. راجع فيما كان بقي)؛ لأن الرجعة تختص بعدة الطلاق وإن كانت العدة من

وَيَحْرُمُ الاِسْتِمْتَاعُ بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزوج، فإذا مضى قرء ثم وطئها .. استأنفت عدة لهذا الوطء، فإذا وقع بعد مضي قرأين .. بقية الرجعة في قرء واحد، وإن كان بعد قرء .. بقية الرجعة في قرأين. وحكي الرافعي وجهًا في (باب تداخل العدتين): أن عدة الطلاق تنقطع بما طرأ من الوطء، وسقط باقيها، وتتمحض العدة الواجبة عن الوطء. قال: وقياسه أن لا تثبت الرجعة في البقية، لكن الإجماع صد عنه، ثم ذكر بعد أسطر ما يخدش حكاية الإجماع. تنبيه: لو قال: استأنفت العدة كان أعم؛ ليشمل ما لو كانت من ذوات الأشهر، وما لو أحبلها بالوطء .. فإن عدتها الوضع. والأصح في (الروضة): أن له الرجعة قبل الوضع، ويمكن أن يقال: إن قوله: (واستأنفت) ب (الواو) فيه تنبيه على الحامل؛ فإنها لا تستأنف. قال: (ويحرم الاستمتاع بها) ولو بلمس أو نظر بشهوة أو بغيرها؛ لأن النكاح يبيح الوطء فيحرمه الطلاق لأنه ضده، وبهذا قال مالك، وأباح أبو حنيفة وطأها، وعن أحمد روايتان كالمذهبين. احتج أبو حنيفة بتسميته بعلًا، وبأنه يطلق، وهو منقوض بالمظاهر وزوج الحائض. واستدل الشافعي [1/ 203] بما رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي بمسكن حفصة، وكانت طريقه إلى المسجد، فكان يسلك الطريق الآخر. من أدبار البيوت كراهة أن يستأذن عليها حتى يراجعها. قال ابن الرفعة: ومن حرم الوطء .. بناه على أنه لا تحصل به الرجعة، فإن قلنا: تحصل -كما حكاه مجلي – فيتجه أن لا يحرم كما في طلاق إحدى زوجتيه وقلنا: إن الوطء يكون تعيينًا.

فَإِنْ وَطِئَ .. فَلَا حَدَّ، وَلَا يُعَزَّرُ إِلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ لَمْ يُرَاجِعْ، وَكَذَا إِنْ رَاجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَصِّحُ إِيلَاءٌ وَظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَلِعَانٌ وَيَتَوَارَثَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن وطئ .. فلا حد) على الصحيح ولو علم التحريم؛ لاختلاف العلماء في إباحته. وقيل: إن علم التحريم .. حد مؤاخذة له باعتقاده. قال: (ولا يعزو إلا معتقد تحريمه)؛ لإقدامه على ما يعلم أنه ممتنع عليه، فإن كان جاهلًا أو ممن يعتقد الإباحة .. لم يعزر، وهذا يخالف قولهم: إن الإنكار لا يكون في المختلف فيه، والتعزير أبلغ إنكارًا. قال: (ويجب مهر مثل إن لم يراجع)؛ لأنه لم يكن له وطؤها، ولئلا يخلو الوطء عن عقر وعقوبة. قال: (وكذا إن راجع على المذهب) هذا هو المنصوص، ونص فيما إذا ارتدت فوطئها في العدة ثم أسلمت .. أن لا مهر لها. فقيل: فيهما قولان، والأصح: تقريرهما، والفرق أن أثر الطلاق لا يرتفع بالرجعة، بل نقص العدد به باق، فيكون ما بعد الرجعة وما قبل الطلاق كعقدين، وأثر الردة يرتفع بالإسلام، فيكون الوطء مصادفًا للعقد الأول. فإن قيل: إيجاب مهر يؤدي إلى إيجاب مهرين في عقد واحد .. فالجواب: أن هذا المهر وجب بوطء الشبهة دون العقد. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا أوجب المهر غير الشافعي، وشبهته قوية؛ لأنها محرمة عليه إلا برجعة، وقد أجمعوا على أن الموطوءة بشبهة لها مهر المثل. قال: (ويصح إيلاء وظهار وطلاق ولعان ويتوارثان)؛ لأن الرجعية زوجة في هذه الأحكام الخمس، وهي التي عناها الشافعي بقوله: في خمس؛ أي: من كتاب الله، المواد هذه الأحكام. فلو قال: زوجاتي طوالق .. طلقة الرجعية على المنصوص، وأما خلعها .. ففيه

وَإِذَا ادَّعَى وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ رَجْعَةً فِيهَا فَأَنْكَرَتْ؛ فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الاِنْقِضَاءِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، َوَقَالَ: رَاجَعْتُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَتْ: بَلِ السَّبْتِ .. صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، أَوْ عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَتْ: انْقَضَتِ الْخَمِيسَ، فَقَالَ: السَّبْتَ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ .. فَالأَصَحُّ: تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَي؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قولان: أصحهما: صحته، ثم لا حكم لإيلائه وظهاره حتى يراجع. ومسألتا الإرث والطلاق مكررتان في الكتاب، وأغرب صاحب (البيان) فحكي وجهًا عن المسعودي: أن الإيلاء منها لا يصح. وفي (البحر) وجه: أنه لا يصح الظهار. وفي (الجيلي) وجه: أنه لا يصح الطلاق، وعزاه ل (البسيط) وليس فيه، والمختار في (الروضة) هنا أن الرجعية لا يطلق فيها ترجيح هل هي زوجة أو لا كالقولين في (النذر)؟ هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز؟ وفي (الإبراء) هل هو إسقاط أو تمليك؟ والذي قاله في (النذر) و (الإبراء) مخالف لما قاله في بابيهما. قال: (وإذا ادعى والعدة منقضية رجعة فيها فأنكرت، فإن اتفقا على وقت الانقضاء كيوم الجمعة، وقال: راجعت يوم الخميس فقالت: بل السبت .. صدقت بيمينها) أي: أنها لا تعلمه راجع يوم الخميس؛ لأن وقت انقضاء العدة متفق عليه، والاختلاف قبله، والأصل أنه ما راجع، وقيل: هو المصدق؛ لأن الرجعة تتعلق به، وقيل: السابق بالدعوى. قال: (أو على وقت الرجعة كيوم الجمعة، وقالت: انقضت: الخميس، فقال: السبت .. صدق بيمينه)؛ لأن وقت الرجعة متفق عليه، والأصل أن العدة لم تنقض قبله. الثاني: أنها المصدقة بيمينها؛ لأنها مصدقة في دعوى انقضاء العدة. والثالث: يصدق السابق بالدعوى، فإن ادعيا معًا .. سقط هذا الوجه. قال: (وإن تنازعا في السبق بلا اتفاق .. فالأصح: ترجيح سبق الدعوي) فإن

فَإِنِ ادَّعَتِ الاِنْقِضَاءَ ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً قَبْلَهُ .. صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، أَوْ ادَّعَاهَا قَبْلَ انْقِضَاءٍ فَقَالَتْ: بَعْدَهُ .. صُدِّقَ. قُلْتُ: فَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا .. صُدِّقَتْ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَتَى ادَّعَاهَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ، .. صُدِّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قالت هي أولًا: انقضت، ثم قال الزوج: راجعتك قبل انقضاء العدة .. فهي المصدقة بيمينها، وإن قال الزوج أولًا: راجعتك قبل انقضاء عدتك ثم قالت: بعد انقضائها .. فهو المصدق، فمن سبقت دعواه .. رجح قوله؛ لاستقرار الحكم بقوله: والثاني: أن القول قول الزوج استبقاء للنكاح؛ لأن الأصل بقاء الزوجية. والثالث: أن القول قولها؛ لأنها تخبر عما لا مطلع عليه إلا من جهتها، والزوج متمكن من الإشهاد. والرابع: يقرع بينهما ويقدم قول من خرجت قرعته. قال: (فإن ادعت الانقضاء ثم ادعى رجعة قبله .. صدقة بيمينها)؛ لأنها إذا قالت: انقضت عدتي .. فلا بد من تصديقها، ولا التفات إلى قوله بعد التصديق. قال: (أو ادعاها قبل انقضاء فقالت: بعده .. صدق)؛ لأنه يملك الرجعة، وقد صحت في الظاهر فلا يقبل قولها في إبطالها. قال: (قلت: فإن ادعيا معًا .. صدقة والله أعلم) المراد أنها تصدق بيمينها؛ لأن انقضاء العدة لا يعلم إلا من جهتها، والزوج يمكنه الإشهاد على الرجعة ولم يترجح سبق حتى يتقدم به. وقيل: القول قوله، وقيل: يقرع. وحاصل الخلاف في المسألة والتي قبلها خمسة أوجه، والمراد ب (سبق الدعوي) عند الحاكم. قال ابن عجيل اليمني وغيره: فلو قالا: لا نعلم سبقًا ولا ترتيبًا .. فالأصل بقاء العدة وولاية الرجعة. قال: (ومتى ادعاها والعدة باقية .. صدق)؛ لقدرته على الإنشاء. وعن صاحب (التقريب) أن القول قولها؛ لأن الأصل عدم الرجعة، وهو بعيد جدًا

وّمَتَى أَنْكَرَتْهَا وَصُدِّقَتْ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ .. قُبِلَ اعْتِرَافُهَا. وَإِذَا طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ: وَطِئْتُ فَلِي الرَّجْعَةُ وَأَنْكَرَتْ .. صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْمَهْرِ، فَإِنْ قَبِضَتْهُ .. فَلَا رُجُوعَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقتضى إطلاق المصنفة تصديقه بلا يمين. وفصل الماوردي فقال: إن لم يتعلق به قبل الرجعة حق لها .. فلا يمين عليه، وإن تعلق به كما لو كان وطئها قبل إقراره بالرجعة فطالبته بالمهر فأنكر وجوبه وادعى الرجعة قبله .. حلف. تنبيه: هذا إذا اختلفا ولم تنكح زوجًا غيره، فإن نكحت ثم اختلفا وادعى الرجعة، فإن أقام بينة .. فهي زوجته، سواء دخل بها الثاني أم لا، وإن لم تقم بينة .. سمعت دعواه عليها؛ لتحليفها على الصحيح، ولا يقبل إقرارها له، وفي سماع دعواه على الزوج الثاني وجهان. قال: (ومتى أنكرتها وصدقت ثم اعترفت .. قبل اعترافها)؛ لأنها جحدت حقًا ثم اعترفت به، واستشكله الإمام؛ لأن قولها الأول، يقتضي تحريمها عليه، فقبول نقيضه مشكل، وقد قالوا: أنها إذا ادعت أخوة الرضاع أو النسب ثم أكذبت نفسها .. لم يقبل منها، وقاموا تأبيد الحرمة. قال: (وإذا طلق دون ثلاث وقال: وطئت فلي الرجعة وأنكرت .. صدقت بيمين)؛ لأن الأصل عدم الدخول، فعلى هذا: لا رجعة له، ولا نفقة لها ولا سكني، ولها أن تنكح، لكن هو ليس له أن ينكح أختها ولا أربعًا سواها حتى يمضي زمن عدتها. قال: (وهو مقر بالمهر، فإن قبضته .. فلا رجوع له)؛ لإقراره به لها. هذا إذا كان دينًا، فإن كان الصداق عينًا وامتنع الزوج من قبول النصف. ففي (شرح المفتاح) لأبي منصور أنه يقال له: إما أن يقبله، وإما أن يبرئها منه، ومراده

وَإِلاَّ .. فَلَا تُطَالِبُهُ إِلاَّ بِنِصْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن القاضي يتلطف به في ذلك، لا أنه يجب، والبراءة من الأعيان لا تصح، والحق أن نصف العين المقبوضة حينئذ في حكم عين أقر بها لشخص فأنكر .. فيأتي فيها الخلاف المشهور. قال: (وإلا) أي: وان لم تكن قبضته) .. فلا تطالبه إلا بنصف)؛ لأنه الذي استحقته بالعقد، فإذا أخذت ثم عادت واعترفت بالدخول فهل لها أخذ النصف الثاني أو لا بد من إقرار مستأنف من الزوج؟ وجهان. تتمة: طلق زوجته الأمة واختلفا في الرجعة .. فكل موضع قبلنا فيه قول الزوج إذا كانت حرة فكذا هنا، وحيث قبلنا قول المرأة فهنا القول قول السيد، قاله المتولي وابن الصباغ، وهو قول أبي يوسف ومحمد، واختاره الشاشي، وقواه المصنف. وقال البغوي: المعتبر تصديقها، ولا أثر لقول السيد، وهو قول الأئمة الثلاثة، قال في (المهمات): وهو مذهب الشافعي المنصوص في (الأم) و (البويطي) وهو الصواب. * * * خاتمة لو كانت المرأة صبية أو معتوهة فقال الزوج بعد انقضاء عدتها: راجعتها فيها .. لم يصدق إلا ببينة، سواء صدقة وليها أم لا، وسواء كان الولي أبًا أم غيره. ولو كانت صحيحة فعرض لها مرض أذهب عقلها ثم قال بعد انقضاء عدتها: كنت راجعتها فيها .. لم يقبل، فإن أفاقت وصدقته .. قبل وكانت زوجته.

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء

كِتَابُ الإِيلَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الإيلاء هو مصدر آلي يولي إيلاء؛ أي: حلف. والأليَّة بتشديد الياء: اليمين، وجمعها ألايا، قال تعالى: {وَلَا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} وهو الصديق رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: (من يتأل على الله .. يكذبه).وقال الشاعر [من الطويل]: قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن سبقت منه الألية برت وقال آخر [من الوافر]: وأكذب ما يكون أبو المثنى ... إذا آلى يمينًا بالطلاق وقال الشافعي: سمعت ممن أرضى من أهل العلم أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بالظهار والإيلاء والطلاق، فأقر الله تعالى الطلاق طلاقًا، وحكم في الإيلاء والظهار بحكمهما. واختلف أصحابنا هل عمل بكونه طلاقًا في أول الإسلام على وجهين: أصحهما: لا. وافتتح الكتاب في (المحرر) بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}. وقرأ أبي وابن عباس (للذين يقسمون). وإنما عدي ب (من) وهو معدىً ب (على)؛ لأنه ضمن معنى البعد، كأنه قيل:

هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا مُطْلَقًا، أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يبعدون من نسائهم مولين أو مقسين، ويجوز أن يراد: لهم من نسائهم كقولك: لي منك كذا، والإيلاء الشرعي حرام للأبد أو هو غير ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة لما آلى من نسائه شهرًا. قال: (هو حلف زوج) من حر أو عبد مسلم أو ذمي، فخرج بالزوج: السيد؛ فلا يصح إيلاؤه من الأمة، ومن قاله لأجنبية ثم تزوجها .. فالأصح لا يكون موليًا كما سيأتي. قال: (يصح طلاقه) خرج الصبي والمجنون، ودخل السكران لصحة طلاقه. والمراد: من يصح طلاقه في الجملة؛ ليدخل ما إذا قال: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا، وفرعنا على انسداد باب الطلاق؛ فإنه زوج لا يصح طلاقه، ومع ذلك يصح إيلاؤه، وتستوي في الإيلاء حالة الرضا والغضب: لإطلاق الآية. وعن مالك: يختص بحالة الغضب كما قاله ابن عباس. قال: (ليمتنعن من وطئها) أي: في القبل، فلو حلف على تركه في الدبر أو فيما دون الفرج .. لم يكن موليًا. ولو قال: إلا في الحيض أو النفاس .. قال السرخسي: لم يكن موليًا، وفي (فتاوى البغوي) و (الذخائر) أنه مول، وكذا إذا قال: إلا في شهر رمضان، أو إلا في المسجد، لكنة إذا أفاء في الحيض ونخوه .. سقطت المطالبة في الحال. قال: (مطلقًا، أو فوق أربعة أشهر)؛ لما في ذلك من الإضرار بها، وخرج بالامتناع عن الوطء الامتناع عن الاستمتاع فليس بإيلاء. وقوله: (مطلقًا) يريد ما إذا أطلق الحلف، ولم يقيده بمدة، وفي معناه ما إذا أكده بقوله: أبدًا، وأما التقييد بالأربعة أشهر .. فلأن المرأة يعظم ضررها إذا زادت على ذلك؛ لأنها تصبر عن الزوج أربعة أشهر، وبعد ذلك يفنى صبرها.

وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا، أَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَللهِ عَلَىَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ .. كَانَ مُولِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ روى البيهقي [9/ 29] عن عمر: أنه خرج مرة في الليل فسمع امرأة تقول [من الطويل): تطاول هذا الليل واسود جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه فو الله لولا الله أني أراقبه ... لحُرك من هذا السرير جوانبه مخافة ربي والحياء يصدني ... وأكرم بعلي أن تنال مراتبه فقال عمر لابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن الزوج؟ وروي أنه سال النساء فقلن: تصبر شهرين، وفي الثالث يقل صبرها، وفي الرابع ينفذ صبرها فكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يحبسوا رجلًا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر. وقولها: (من هذا السرير) أرادت نفسها؛ لأنها فراش الرجل، فهي كالسرير الذي يجلس عليه. ولأن الله تعالى لما جعل للمولي التربص أربعة أشهر دل على أن حكم الإيلاء يتعلق بما فوقها، حتى لو حلف لا يطأ أربعة أشهر ولحظة .. كان موليًا آثمًا، غير أنه لا تظهر فيه أحكام الإيلاء. وعن أبي حنيفة: أن الأربعة الأشهر كما فوقها، لكن يرد على الصنف أنه لو قال: لا أطؤك حتى أموت أو تموتي أو يموت فلان .. فإنه يكون موليًا لحمول الياس ولم يذكر فوق أربعة أشهر. ولو قال: والله لا أصبتك أربعة أشهر، فإذا مضت فو الله لا أصبتك أربعة أشهر، وكرر ذلك مرارًا .. فالأصح أنه لا يكون موليًا وسيأتي. قال: (والجديد: أنه لا يختص بالحلف بالله تعالى وصفاته، بل لو علق به طلاقًا أو عتقًا، أو قال: إن وطئك فلله عليَّ صلاة أو صوم أو حج أو عتق .. كان موليًا)؛ لأن ذلك يسمى يمينًا، فيتناوله إطلاق الآية. والقديم: الاختصاص؛ لآن المعهود في الجاهلية في الأيمان الاختصاص بالله تعالى، والشرع إنما غير حكمة لا صورته.

وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ .. فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ، فَإِنْ نَكَحَهَا .. فَلَا إِيلَاءَ. وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنّاءَ , أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ .. لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأورد على اعتبار الحلف صورة يكون فيها الإيلاء بغير حلف، وهي: إذا فرعنا على صحة الظهار المؤقت وهو الصحيح فزاد على أربعة أشهر فقال: أنت علي كظهر أمي سنة مثلًا .. فالأصح أنه يكون موليًا. وشرط انعقاده على الجديد: أن يلزمه شيء إذا وطئ بعد أربعة أشهر، فلو كانت اليمين تنحل قبل ذلك بأن قال: إن وطئتك فلله علي صوم هذا الشهر مثلًا .. فليس بمول. ولو قال: إن وطئتك فلله علي صوم هذه السنة، فإن كان الباقي منها أكثر من أربعة أشهر .. فهو مول، وإلا .. فلا. قال: (ولو حلف أجنبي عليه) أي: على ترك الوطء) .. فيمين محضة) بأن قال لأجنبية: والله لا أطؤك، فإذا وطئها قبل المدة أو بعدها .. كأن عليه كفارة، وعبارة (المحرر): غير الزوج، وهي أحسن؛ لشمولها السيد. قال: (فإن نكحها .. فلا إيلاء) ولا تضرب له مدة لأن الإيلاء يختص بالزوجات؛ لقوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ}، ولا ينعقد بخطاب الأجنبية كالطلاق. وفي وجه ضعيف: إن نكحها وقد بقي من المدة أكثر من أربعة أشهر: ضربت، وإن قال: إن تزوجتك فو الله لا أطؤك .. فكتعليق الطلاق قبل النكاح. قال: (ولو آلى من رتقاء، أو قرناء، أو آلى مجبوب .. لم يصح على المذهب)؛ لأنه لم يتحقق منه قصد الإضرار والإيذاء لامتناع الأمر في نفسه، ولأنه يمين على ترك ما لا يقدر، عليه فلم يصح كما لوحلف لا يصعد السماء. وقيل: يصح؛ لعموم الآية، وقياسًا على الظهار، وسيأتي في بابه الفرق بينهما. ومجموع ما في المسألة طرق: أصحها: قولان. والثانية: القطع بالبطلان.

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَهَكَذَا مِرارًا .. فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالثة: القطع بالصحة، فلو عبر بالأظهر .. علم أن الأرجح طريقة القولين. وصورة المسألة: أن يكون المانع موجودًا عند الإيلاء، فلو طرأ بعده لم يبطل على المذهب؛ لأن العجز عارض. والمراد ب (المجبوب): من لم يبق له قدر الحشفة، فإن بقي قدرها .. صح إيلاؤه، والأشل كالمجبوب. وأفهم بمثيله بالمانع الحسي صحة الإيلاء من المريض المذفف والخصي والعنين وهو كذلك. قال: (ولو قال: والله لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر، وهكذا مرارًا .. فليس بمول في الأصح)؛ لأنه بعد الأربعة لا تمكن مطالبته بموجب اليمين الأولى لانحلالها، ولا بموجب الثانية؛ لأن مدة المهلة لم تمض، وبعد الثمانية لا يمين، وكل منهما يمين منفردة فتعطى حكمها. كما لو اشتري أو سقًا كثيرة في صفقات على صورة العرايا .. فإنه يجوز. قال الإمام: وهذا الحالف يأثم إثم الإيذاء لا إثم الإيلاء. والوجه الثاني: يكون موليًا؛ لتضررها بذلك كما لو كانت الثمانية بيمين واحدة. وظاهر كلامه أن صاحب هذا الوجه يعطيه أحكام الإيلاء، وليس كذلك، إنما هو في الإثم فقط لقصد الإضرار بها، أما المطالبة .. فلا تتصور كما قاله المصنف في (نكت التنبيه). وقوله: (وهكذا مرارًا) لا حاجة اليه؛ فإن قوله: (أربعة أشهر فإذا انقضت في اشبه لا وطئتك أربعة أشهر) كاف في جريان الوجهين، وموضع الخلاف إذا وصل اليمين كما ذكره المصنف، فإن حلف لا يجامعها أربعة أشهر ثم أعاد اليمين بعد مضي تلك المدة وهكذا مرارًا .. فإنه لا يكون موليًا بلا خلاف، قاله في (البسيط). وصورة المسألة: أن يكون ذكر اسم الله تعالى، فإن قال: والله لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت .. لا وطئتك .. قال ابن الرفعة: هذه يمين واحدة، فاشتملت

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً .. فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ حُكْمُهُ. وَلَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِي الأَرْبَعَةِ كَنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فَمُولٍ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ على أكثر من أربعة فيكون موليًا وجهًا واحدًا. قال: (ولو قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر، فإذا مضت فو الله لا وطئتك سنة .. فإيلاءان لكل حكمه)، فتطالبه بعد أربعة أشهر بموجب اليمين الأولى، فإذا أخرت حتى مضى الشهر الخامس .. فلا مطالبة: لانحلالها، وتضرب مدة اليمين الثانية بعد الخمسة، سواء فاء في الأولى أو لا، ولا فرق في عدم المطالبة بعد مضي الخامس بين أن يعلم ثبوت حقها في الطلب فتتركه، أو لا يعلم حتى تنقضي المدة. وقوله: (سنة) موافق (للشرح) و (الروضة)، وفي (المحرر): ستة أشهر، والجميع صحيح، لكن الأحسن قراءة ما في الكتاب بالتاء المثناة من فوق؛ أي: ستة أشهر؛ ليوافق ما في (المحرر). قال: (ولو قيد بمستبعد الحصول في الأربعة كنزول عيسى صلى الله عليه وسلم .. فمول)؛ لأن الغالب عدم حصوله في الأربعة فتتضرر بقطع الرجاء. ونظير نزول عيسى بن مريم: خروج يأجوج ومأجوج والدجال، وطلوع الشمس من مغربها وكذلك حتى يقدم فلان من مكة والغالب إنما يأتي مع الحاج والمدة بينهما أكثر من أربعة أشهر، وقيل: ينتظر، فإن مضت أربعة أشهر ولم يوجد .. بان كونه موليًا فتطالبه الآن. واحترز عما يتحقق عدم وقوعه: إما مطلقًا كالمستحيلات عادة مثل صعود السماء، أو عقلًا كالجمع بين الضدين، وأما في الأربعة أشهر مثل: حتى تقوم الساعة .. فإنه يكون في ذلك موليًا. وعيسى صلى الله عليه وسلم اسم سرياني فلذلك لم ينصرف، وهو بالسريانية أيسوع، حوله العرب إلى عيسى، وجمعة عيسون بفتح السين، والنسبة إليه عيسوي.

وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا .. فَلَا، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الأَصَحِّ. وَلَفْظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ. فَمِنْ صَرِيحِة: تَغْيِيبُ ذَكَرٍ بِفَرْجٍ، وَوَطْءٌ، وَجِمَاعٌ، وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما خبر نزوله .. ففي (الصحيحين) [خ 3448 - م155/ 242] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها). وفي (صحيح مسلم) [2937/ 110]: (أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأنه يقتل الدجال بباب لُدّ، وأنه يصلي وراء إمام منا تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة (وجاء: أنه يتزوج بعد نزوله، ويولد له، ويدفن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (وإن ظن حصوله قبلها .. فلا)، بل يكون عقد يمين كوجود الأمطار في وقت غلبة المطر، ومجيء زيد من القرية وعادته المجيء للجمعة، أو مجيء القافلة وعادتها المجيء غالبًا كل شهر، وهكذا ما علم حصوله كذبول البقل وجفاف الثوب وتمام الشهر ونحوه. قال: (وكذا لو شك في الأصح)؛ لاحتمال وجوده في الأربعة وبعدها على السواء مثل: حتى يدخل زيد الدار، أو يمرض فلان، أو يقدم وهو على مسافة قريبة والشك حاصل في قدومه .. فلا نحكم الآن بإيلاء؛ لأنه لم يتحقق قصد المضارة، فإن قال: حتى أموت أو تموتي .. كان موليًا كما تقدم. فلو وطئ قبل وجود المعلق به .. وجبت الكفارة قطعًا: ولو وجد المعلق به قبل الوطء .. ارتفعت اليمين. ولو قال: حتى تحبلي وهي آيسة أو صغيرة .. فمول، وإن كانت من ذوات الأقراء .. فكالوجهين في التعليق بدخول الدار. قال: (ولفظه صريح وكناية. فمن صريحه: تغييب ذكر بفرج، ووطء، وجماع، وافتضاض بكر)؛ لأنها ألفاظ مشتهرة في العرف لا تحتمل غير الجماع، لكن لو قال: أردت الاجتماع في المكان والوطء بالقدم .. دُيِّن. وقيل: لفظ الوطء والجماع كنايتان، وهو شاذ.

وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغَشْيَانًا وَقِرْبَانًا وَنَحْوَهَا كِنَايَاتٌ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما افتضاض البكر، فإن قال: لم أرد به جماعًا .. فالأصح أنه يدين. ومن ألفاظه الصريحة التي لا تقبل التأويل ولا التدين: اللفظ المركب من (النون) و (الياء) و (الكاف). وتعبيره ب (الذكر) يوهم الجميع، وهو لو أراد جميع الذكر .. لم يكن موليًا؛ إذ لا ضرر عليها لحصول مقصودها بتغييب الحشفة، كذا قاله الجيلي، واستحسنه ابن الرفعة، قال: فكان الأحسن التعبير بالحشفة، ثم ذكر لكلامه احتمالين: أحدهما: قاله في (الكفاية)؛ لأن المراد: أن لا أغيب شيئًا من المسمى. والذكر يطلق على بعضه؛ لحديث: (من مس ذكره .. فليتوضأ). والثاني - قاله في (المطلب) -: أنهم عبروا بالذكر عن الحشفة؛ لأنها المعتبرة في ترتب الأحكام، وجمع في (الروضة) بين العبارتين فقال: لا أغيب في فرجك ذكري أو خشفتي. قال: (والجديد: أن ملامسة ومباضعة ومباشرة وإتيانًا وغشيانًا وقربانًا ونحوها) كالإفضاء واللمس والمباعلة والدخول (كنايات)؛ لأن لها حقائق غير الجماع، ولم تشتهر فيه اشتهار الألفاظ السابقة. والقديم: أنها صرائح؛ لاستعمالها في العرف والشرع بمعنى الجماع، قال تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ}، (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا)، {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ}. وقيل: الإتيان وما بعده كنايات قطعًا، والقربان بكسر القاف، وأجاز ابن طريف في الأفعال ضمها، وأما الإصابة .. فصريحة عند الجمهور، وقيل على القولين. ولو قال: لا مجتمع رأسي ورأسك على وسادة، أو لا يجتمعان تحت سقف .. فكناية قطعًا.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ .. زَالَ الإِيلَاءُ. وَلَوْ قَالَ فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ظَاهَرَ .. فَمُولٍ، وَإِلَّا .. فَلَا ظِهَارَ وَلَا إِيلَاءَ بَاطِنًا، وَيُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ: عَنْ ظِهَارِي إِنْ ظَاهَرْتُ .. فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يُظَاهِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: إن وطئتك فعبدي حر، فزال ملكه محنه .. زال الإيلاء)؛ لأنه صار بحال لا يلزمه بالوطء شيء. ودخل في قوله: (فزال ملكه) ما لو مات أو أعتقه أو باعه بيعًا لازمًا، وخرج عنه ما إذا دبره أو كاتبه أو استولدها .. فإن ملكه لم يزل، فلو زال ملكه عنه ثم عاد .. ففي عود الإيلاء قولا عود الحنث، كذا قاله الشيخان: وظاهر نص (الأم) ترجيح عود الإيلاء. قال: (ولو قال: فعبدي حر عن ظهاري وكان ظاهر) أي: وعاد قبل ذلك (فمول)؛ لأنه كان له أن يعتق أي عبد شاء، وفي أي وقت شاء، فتعين عليه ذلك العبد، وذلك مشق، فصار كالتزام أصل العتق، فعلى هذا: إذا وطئ في مدة الإيلاء أو بعدها .. عتق عن الظهار في الأصح، وقيل: لا؛ لأنه تأدى به لازم الإيلاء، والعتق لا يتأدى به حقان. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن ظاهر) .. فلا ظهار ولا إيلاء باطنًا) أما الأول .. فلكونه كذب في كونه مظاهرًا. وأما الثاني .. فلأنه علق على الوطء عتقًا عن الظاهر، والفرض أنه لا ظهار، فلا عتق إذا لم توجد الصفة المعلق عليها المعتق. قال: (ويحكم بهما ظاهرًا)؛ لإقراره بظهار سابق، فيحكم به ككل حق أقرَّ به، ويحكم بأنه مول. قال: (ولو قال: عن ظهاري إن ظاهرت .. فليس بعول حتى يظاهر)؛ لأنه لا يعتق العبد لو وطئها قبل الظهار، ولا يناله محذور، فإذا ظاهر .. صار موليًا؛ لأن المعتق حينئذ يحصل لو وطئ.

أَوْ إِنْ وَطِئْتُكِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ .. فَمُولٍ، فَإِنْ وَطِئَ .. طَلَقَتِ الضَّرَّةُ وَزَالَ الإِيلَاءُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: وَاللهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ .. فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ، فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا. فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ .. زَالَ الإِيلَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: في كونه موليًا في الحال قولان؛ لأن العتق يتعلق بأمرين: الوطء والظهار، والوطء مقرب منه، فعلى المذهب: لو وطئ في مدة الإيلاء أو بعدها .. عتق العبد؛ لوجود الظهار والوطء بعده، ولا يقع عن الظهار اتفاقًا؛ لسبق الظهار، وقيل: لعدم خلوصه عنه. قال: (أو إذ وطئتك فضرتك طالق .. فمول) أي: من المخاطبة؛ لما يلحق من طلاق الضرة عند الوطء. قال: (فإن وطئ) في المدة أو بعدها) .. طلقت الضرة)؛ لوجود المعلق عليه طلاقها. قال: (وزال الإيلاء)؛ لأنه لا يترتب عليه شيء بوطئها بعد ذلك. قال: (والأظهر: أنه لو قال لأربع: والله لا أجامعكن .. فليس بمول في الحال)؛ لأن الكفارة إنما تجب بوطء الجميع كما لو حلف لا يكلم زيدًا وعمرًا وخالدًا، وهو ممكن من وطء ثلاث بلا ضرر. والثاني: نعم، كقوله: لا جامعت واحدة منكن، وبه قال الأئمة الثلاثة؛ لأنه ما من واحدة إلا ووطؤها يقرب من الحنث، وقرب الحنث محذور كالحنث. قال: (فإن جامع ثلاثًا .. فمول من الرابعة)؛ لأنه يحنث بوطئها، وسواء وطئ الثلاث في النكاح أو بعد البينونة، فينعقد الإيلاء؛ لأن اليمين تشمل الحلال والحرام. ولو وطئها في الدبر .. فكذلك في الأصح. قال: (فلو مات بعضهن قبل وطء .. زال الإيلاء)؛ لتحقق امتناع الحنث، لأن أسم الوطء يقع مطلقة على ما في الحياة، وقيل: يتعلق الحنث والبر بوطء المي 00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ .. فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ إِلَى سَنَةٍ إِلَّا مَرَّةً .. فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بعضهم إلى وجه ثالث فارق بين ما قبل الدفن وبعده، ولا أثر لموت بعضهن بعد وطئها. قال: (ولو قال: والله لا أجامع كل واحدة منكن .. فمول من كل واحدة) أي: على حيالها كما لو أفردها بالايلاء، فتضرب المدة ولكل منهن حق المطالبة إذا انقضت. وظاهر كلام المصنف أنه لو وطئ واحدة .. لا يرتفع الإيلاء في الباقيات، وهو وجه رجحه الإمام. والأصح عند الأكثرين: انحلال اليمين وزوال الإيلاء؛ لأنه حلف أن لا يطأ واحدة وقد وطئها. وبقي من صور المسالة: لا أجامع واحدة منكن، فإن أراد الامتناع عن كل واحدة .. فمول منهن، أو من واحدة معينة .. فمول منها فقط، ويقبل منه ذلك ظاهرًا على الصحيح، وإن أطلق .. فالأصح الحمل على التعميم. قال: (ولو قال: لا أجامعك إلى سنة إلا مرة .. فليس بمول في الحال في الأظهر)؛ لأنه لا يلزمه بالوطء في الحال شيء لاستثنائه الوطء مرة. والثاني: أنه مول في الحال؛ لأن الوطأة الأول إن لم يتعلق بها حنث .. فهي مقربة منه، فإذا مضت السنة ولم يطأ .. انحل الإيلاء، لكن هل تلزمه كفارة؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم؛ لأن اللفظ يقتضي أن يفعل مرة. والثاني - وهو الأصح في زوائد (الروضة) -: لا؛ لأن مقصوده أن لا يزيد على مرة، ولو وطئ ثم نزع ثم أولج ثانيًا .. لزمته الكفارة بالإيلاج الثاني على الأصح. ونظير المسألة: إذا قال: إن كنت أملك إلا مئة فأنت طالق وكان يملك دون المئة .. فقيل: تطلق، وقيل: وجهان، وفي المسالة بحث تقدم في بابي (الإقرار) و (الطلاق).

فَإِنْ وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .. فَمُولٍ. فَصْلٌ: يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن فروعها: لو كانت له أمة فحلف لا يبيعها إلا بألفين ثم أعتقها .. ففي حنثه الوجهان. قال: (فإن وطئ وبقي منها أكثر من أربعة أشهر .. فمول) من ذلك الوقت؛ لحصول الحنث ولزوم الكفارة لو وطئ، وأن بقي أربعة أشهر فما دونها .. لم يكن موليًا، بل حالف فقط، وعلى القول الثاني: يطالب بعد مضي المدة، فأن وطئ .. فلا شيء عليه؛ لأن الوطأة الأولى مستثناة، وتضرب المدة ثانيًا إن بقي من السنة مدة الإيلاء، وعلى هذا القياس: لو قال: إلا عشر مرات مثلًا .. فعلى الأظهر: ليس موليًا إلا إذا وطئ ذلك العدد وبقيت مدة الإيلاء. تتمة: لو قال: والله لا أصبتك في هذا البيت .. لم يكن موليًا؛ لأن بقاءها في البيت إلى انقضاء العدة غير محقق، ولأنه متمكن من وطئها بلا ضرر يلحقه بأن يطأها في غيره، بخلاف قوله: إن وطئتك .. فعبدي حر؛ فإنه مول في الجديد مع أنه متمكن من بيعه، لأن بيعه ضرر لأنه قد لا يباع بثمن مثله. ويتجه أن لا يأتي في (لا أصبتك في البيت) الوجه الذي حكاه المتولي فيما إذا قال: لا وطئتك حتى أخرجك من المبلد، ويمكن الفرق في الإخراج من البلد كلفة بخلاف البيت. قال: (فصل: يمهل أربعة أشهر)؛ للآية المتقدمة، قال الشافعي: وهو حق للزوج كالأجل في الدين المؤجل حق للمدين، وسواء الحر والعبد؛ لأنه أمر جبلي كالعنة. وألحقه أبو حنيفة بالعدة فأقتصر على شهرين، والاعتبار عنده برق الزوج، وعند

مِنَ الإِيلَاءِ بِلَا قَاضٍ، وَفِي رَجْعِيَّةٍ مِنْ الرَّجْعَةِ. وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ فِي الْمُدَّةِ .. انْقَطَعَتْ، فَإِذَا أَسْلَمَ .. اسْتُؤْنِفَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك برق الزوجة، والمراد بضربها: أن الزوج يمهل إلى مضيها، وهذا في غير الرجعية كما سيأتي. قال: (من الإيلاء) من وقت المرافعة؛ لأنه مول من حين الحلف. وشمل إطلاقه ما لو إلى من واحدة غير معينة ثم عينها .. فإن ابتداء المدة من حين اليمين على الأصح، وقيل: من التعيين. قال: (بلا قاض)؛ لأنها بائنة بالنص والإجماع، بخلاف العنة؛ فإنها مجتهد فيها. قال: (وفي رجعية من الرجعة)؛ لأنها شرعت للمهلة في وقت يحل له فيه الوطء، وفي العدة لا يحل له ذلك. فلو آلى من زوجته ثم طلقها طلاقة رجعيًا .. انقطعت المدة، فإذا راجعها .. حسبت في حقها من الرجعة لا من وقت اليمين؛ لأنها عادت إلى صلب النكاح، ولا ينحل الإيلاء بالطلاق الرجعي. قال: (ولو ارتد أحدهما بعد دخول في المدة .. انقطعت) أي: المدة، فلا يحسب زمن الردة منها؛ لأن المرأة تحرم بها، فلا وقع؛ لامتناعه من الحرام، ولا خلاف في الانقطاع بردتها؛ لأن المانع منها. وفي ردته وجه: أنها لا تمنع الاحتساب كمرضه. واحترز بقوله: (بعد دخول) عما قبله؛ فإن النكاح ينقطع لا محالة. قال: (فإذا أسلم .. استؤنفت) بناء على وجوب الموالاة في المدة؛ لأن قوله تعالى: {أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} يقتضي أربعة متوالية، فوجب استئنافها كصيام الشهرين في الكفارة. وقيل: يبني: لأن النكاح رجع لحالته الأولى، ومحل الاستئناف إذا كانت اليمين على الامتناع من الوطء مطلقًا، أو كان قد بقي من مدة اليمين ما يزيد على أربعة أشهر، فإن كان أقل من ذلك .. فلا معنى للاستئناف.

وَمَا مَنَعَ الْوَطْءَ وَلَمْ يَنْحَلَّ بِنِكَاحٍ؛ إِنْ وُجِدَ فِيهِ .. لَمْ يَمْنَعِ الْمُدَّةَ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ، أَوْ فِيهَا وَهُوَ: حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ .. مَنَعَ، وَإِنْ حَدَثَ فِي الْمُدَّةِ .. قَطَعَهَا، فَإِذَا زَالَ .. اسْتُؤْنِفَتْ، وَقِيلَ: تُبْنَى. أَوْ شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وما منع الوطء ولم ينحل بنكاح؛ إن وجد فيه) أي: في الزوج) .. لم يمنع المدة كصوم وإحرام ومرض وجنون)؛ لأنها ممكنة والمانع منه، ولذلك استحقت النفقة، وهو المقصر بالإيلاء وقصده المضارة، وأشار بالأمثلة إلى أنه لا فرق فيه بين المانع الشرعي والحسي وقال المزني: يمنع حبسه احتساب المدة، وغلطه الجمهور، وقيل: محمول على ما إذا حبس ظلمًا. فرع: طلب الزوج امرأته وهناك مانع شرعي يختص به كصومه الواجب وإحرامه .. فالأصح: أنه يحرم عليها التمكين، صرح به الغزالي وغيره، وستأتي الإشارة إلى هذا عند قول المصنف: (وإن عصى بوطء). قال: (أو فيها) أي: في الزوجة (وهو: حسي كصغر ومرض .. منع) فلا يطالبه بالفيئة لا بالفعل ولا بالقول؛ لأن المطالبة تكون بالمستحق، وهي لا تستحق الوطء حينئذ. قال: (وإن حدث في المدة .. قطعها)، ولأن وجود المانع منها ينفي أن يقصد الإضرار. والمراد ب (الصغر) و (المرض): المانعان من إيلاج الحشفة. قال: (فإذا زال) أي: المانع في المدة) .. استؤنفت)؛ لأن المطالبة مشروطة بالإضرار أربعة أشهر متوالية ولم توجد. قال: (وقيل: تبنى)، لأنه لم ينقطع النكاح، فصارت كما لو وطئت في المدة بشبهة وحبلت منه .. تبنى بعد الرجوع على ما مضى، وأختاره الإمام والغزالي. قال: (أو شرعي كحيض وصوم نفل .. فلا) أما الحيض .. فلأنه لو منع لامتنع

وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الأَصَحِّ. فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلَّا .. فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب المدة غالبا: إذ لا تخلو المدة عن حيض غالبا، ولهذا لا يقطع المتتابع في صوم الشهرين، والنفاس كالحيض عند الرافعي والمصنف سر للبغوي؛ لأنه يشاركه في أكثر الأحكام. ورجح الماوردي أن النفاس كغيره من الأعذار: لأنه نادر، ومقتضى كلام الشيخ أبي حامد وأتباعه القطع به، وبه جزم الجرجاني والمحاملي والمتولي وصاحب (الإستقصاء)، وابن الرفعة في (الكفاية) ثم قال في آخر الفصل: وفيه وجه ادعى البغوي أنه الأصح، وأما صوم النفل .. فلأنه متمكن فيه من وطئها. قال: (ويمنع فرض في الأصح)؛ لعدم تمكنه فيه من الوطء. والثاني: لا؛ لتمكنه ليلًا، والاعتكاف كالصوم فرضًا ونفلًا. قال (فإن وطئ في المدة) فذاك؛ أي وينحل الإيلاء، ولا يطالب بعد ذلك بشيء. قال: (وإلا) أي: وإن لم يطأ) .. فلها مطالبته بأن يفيء أو يطلق)؛ لظاهر الآية. وفي (البخاري) عن ابن عمر: (إذا آلى الرجل من امرأته .. لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء). و (الفيئة): الجماع، سميت بذلك من فاء إذا رجع. وروى الدارقطني [4/ 61] والبيهقي [7/ 376] عن سهيل بن أبي صالح قال: سألت اثنتي عشرة نفسًا من الصحابة عن الرجل يولي فقالوا كلهم: ليس عليه شيء حتى تمضي عليه أربعة أشهر فيوقف، فإن فاء وإلا .. طلق. وقال أبن حنيفة: تطلق بمضي المدة من غير طلب؛ لأنه كان طلاقًا في الجاهلية، إلا أن الله تعالى جعل المخلص منه المدة. وكلام المصنف يفهم أن لها توجه الطلب نحو الفيئة وحدها، وهو الصواب المنصوص، وجزم به الرافعي قبل هذا.

وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا .. فَلَهَا المُطَالَبَةُ بَعْدَهُ. وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِقُبُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل الشيخان عن الإمام هنا أنه ليس لها أن توجه الطلب نحو الفيئة وحدها، بل يجب أن تكون مترددة. كل هذا إذا لم تكن اليمين بالطلاق، أو كانت به وجوزنا له أن يولج، فإن منعناه .. طولب بالطلاق فقط، وظاهره: أن المطالبة للمرأة مطلقًا، وليس لسيد الأمة ولا لولي الصبية والمجنونة المطالبة، وهو كذلك؛ إذ لا مدخل لذلك تحت الولاية، وحسن أن يقول الحاكم للزوج: اتق الله بالفيئة أو الطلاق، وإنما يضيق عليه إذا بلغت أو أفاقت وطلبة. ثم المراد: طلقة رجعية، فتخلص بذلك؛ لأنها توجب البينونة بعد انقضاء العدة، وتوجب تحريمها على الزوج في الحال. وقال أبو ثور: تقع الطلقة بائنًا؛ لأنها فرقة شرعت لإذالة الضرر، فكانت كفرقة العنة. وفرق الأصحاب بأن تلك فرقة فسخ وهذه فرقة طلاق. قال: (ولو تركت حقها .. فلها المطالبة بعده)؛ لأن الضرر يتجدد فأشبه الرضا بالإعسار، بخلاف الرضا بالعنة؛ فإن ضررها في حكم خصلة واحدة فأشبه الرضا بالعيب. قال: (وتحصل الفيئة بتغييب حشفة)؛ لأن سائر أحكام الوطء تتعلق بذلك، وكذلك قدرها من المقطوع، ولا فرق بين أن يطأها في حالة تباح له أو لا، ولا بين أن يكون مختارًا أو مكرهًا، ولا بين أن يكون الزوج عاقلًا أو مجنونًا على المنصوص، ولا بين البكر والثيب. وقال البغوي: إذا كانت غوراء - وهي التي بكارتها في صدر فرجها - توقفت الفيئة على إذالتها، وهذا هو المنصوص. قال: (بقبل) فلا تحصل بالتغييب في الدبر، وهذه مما تستثنى من مساواة القبل الدبر، وهي من زياداته على (المحرر)، وهي معترضة؛ لأنه إذا حلف على ترك الوطء .. حنث بالوطء فيه، وإذا حنث .. انحلت اليمين، فلا تبقى معه مطالبة، كما

وَلَا مُطَالَبَةَ إِنْ كَانَ بِهَا مَانِعُ وَطْءٍ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَانِعٌ طَبْعِيٌّ كَمَرَضٍ .. طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ: إِذَا قَدَرْتُ .. فِئْتُ، أَوْ شَرْعيٌّ كَإِحْرَامٍ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لو طالبته فلم يف إلا بعد انقضاء المدة المحلوف عليها .. فإن مطالبتها تسقط. وينبغي أن يكون فرض المسالة فيما إذا حلف على ترك الوطء في القبل، ولو استدخلت ذكره لم ينحل يمينه، والأصح: حصول الفيئة به وإذا وطئ بعده حنث. قال: (ولا مطالبة إن كان بها مانع وطء كحيض ومرض) وكذلك النفاس وإحرامها وصومها واعتكافها المفترض؛ لأن المطالبة تكون بالمستحق، وهي لا تستحق الوطء حينئذ، ولأنه في هذه الحالة معذور. والمراد ب (المرض): الذي لا يمكن معه الوطء، ومثله حبسها حيث لا وصول إليها. فإن قيل: كيف يجمع بين قولهم: إن طلاق المولي في الحيض غير بدعي وأنه لا تسمع المطالبة، وأقرب ما يمكن فرضه فيه ما إذا تقدمت المطالبة في زمن النقاء ولم يف مع تمكنه حتى طرأ الحيض ... فإنه لا تعد مطالبته بانطلاق حينئذ. قال في (البسيط): والعجب أن الحيض يمنع المطالبة ولا يقطع المدة. قال: (وإن كان به مانع طبعي كمرض .. طولب بأن يقول: إذا قدرت .. فئت)؛ لأن به يندفع الأداء الذي حصل باللسان، وليس المراد المطالبة بذلك عينًا، بل به أو الطلاق، وزاد الشيخ أبو حامد عليه: وندمت على ما فعلت، وجري على ذلك كثير من العراقيين والمراوزة، والظاهر أن مرادهم التأكيد والاستحباب كما صرح به القاضي أبو الطيب، واعتبر في (التنبيه) أن يقول: لو قدرت .. لفئت. قال ابن الرفعة: ولم أر لغيره إلا فيما لا يرجى وطؤه كالمجبوب، وهذه تسمى فيئة اللسان، فإن حبس ظلمًا .. فهن كالمريض، وإن حبس في دين يقدر على أدائه .. أمر بالأداء أو الفيئة بالوطء أو الطلاق. قال: (أو شرعي كإحرام .. فالمذهب: أنه يطالب بطلاق) إذالة للضرر، بناء على أنه إذا أراد الوطء والحالة هذه .. كان لها الامتناع، وهو الأصح كما تقدم.

فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ .. سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يقنع منه بفيئة اللسان. والطريق الثاني: يقال له: أنت المفرط بالإيلاء، فإن فئت .. عصيت وأفسدت عبادتك، وإن طلقت .. ذهبت زوجتك، وإن أبيت .. طلقنا عليك. وشبه ذلك بما إذا غصب لؤلؤة ودجاجة فابتلعت الدجاجة اللؤلؤة .. يقال له: إن لم تذبح الدجاجة .. غرمناك اللؤلؤة، فإن ذبحتها .. غرمت الدجاجة. والمراد بغرم الدجاجة: أنه يلزمه رد لحمها مع أرش النقص، ولا يلزمه مثل الحيوان ولا قيمته. ثم محل الخلاف في الصوم إذا لم يستمهل، فإن استمهل إلى الليل وأبدى الضرر .. أمهل، وكذا لو كان يتحلل عن إحرامه في ثلاثة أيام ورأينا إمهاله ذلك، صرح به الإمام في الثانية. قال: (فإن عصى بوطء) أي: بالوطء في الدبر) .. سقطت المطالبة)؛ لانحلال اليمين. وفهم من تصريحه بالعصيان أنها ليس لها تمكينه، وهو كذلك: لأنها معاونة على معصية كما تقام قريبًا، فعلن هذا: يؤمر بالطلاق ليس إلا كما صححه المصنف إذالة للضرر عنها، وقيل: يقنع منه بفيئة اللسان، وعلى الوجهين: إذا وطئ .. فقد وفاها حقها وإن كان حرامًا. قال: (وإن أبى الفيئة والطلاق .. فالأظهر: أن القاضي يطلق عليه طلقة) بسؤالها أو سؤال وكيلها؛ لأنه حق لمعين تدخله النيابة فناب الحاكم فيه عن الممتنع، كما يزوج عن العاضل ويستوفي الحق من المماطل وكان وكيله طلقها؛ لأن الطلاق يقبل النيابة، بخلاف الوطء، وإنما يطلق عليه إذا امتنع بحضرته من الفيئة والطلاق، ولا يشترط بعد ذلك حضوره وقت الطلاق. ولو شهد عليه شاهدان أنه آلى من زوجته وامتنع بعد مضي المدة من الفيئة والطلاق .. لم يطلق عليه، بل لا بد من الامتناع بين يديه كما في العضل، فإن تعذر

وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ إحضاره لتمرد أو توار .. حكم عليه بالعضل. والقول الثاني: لا يطلق عليه: لأن الطلاق لمن أخذ بالساق، بل يلجئه بالحبس والتعزيز إلى أن يفيء أو يطلق؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} فأضافه إلى الأزواج. ونهم من قوله: (طلقة) أنه لو زاد عليها .. لم تقع الزيادة، وإنما لم يقيدها بالرجعية ليشمل ما لو لم يمكنه ذلك كما إذا كانت قبل الدخول، أو مستكملة لعدد الطلاق. واحترز بقوله: (أبى الفيئة والطلاق) عما إذا أبى الفيئة وحدها .. فإنه يأمره بالطلاق. وكيفية طلاقه أن يقول: أوقعت على فلانة من فلان طلقة، أو حكمت في زوجته بطلقة، فإن قال: أنت طالق، ولم يقل من فلان .. لم يقع. وكيفية الدعوي عند القاضي: أن يدعى عليه الإيلاء، وأن مدته قد انقضت من غير وطء، ويطلب منه دفع الضرر بالخروج عن موجب الفيئة أو الطلاق. قال: (وأنة لا يمهل ثلاثة): لأن المدة التي أمهله الله تعالى لا يزاد عليها إلا بقدر التمكن في العادة، فالصائم حتى يفطر، والجائع حتى يشبع، والناعس حتى ينام وذلك يحصل بيوم فما دونه. وقيل: يمهل ثلاثة؛ لأنها مدة قربية، وعلى هذا: فظاهر كلام الشافعي والأصحاب أن إنظاره واجب. وحكي الماوردي في ذلك وجهين: أظهرهما: أنه مستحب، وفي وجه ثالث: لا يمهل أصلًا كما لا يمهل في الفيئة باللسان بالاتفاق: لقدرته عليها في الحال. وفائدة الإمهال: أنه إذا طلق القاص في مدته .. لم يقع، ويخالف ما إذا أمهل المرتد فقتله القاضي أو غيره .. فإنه يكون هدرًا: لأنه لا عصمة له، والقتل الواقع لا مدفع له، وأما الطلاق .. فهو قابل للرد.

وَأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ .. لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنة لو وطئ بعد مطالبة .. لزمه كفارة يمين) أي: إذا كان حلف بالله تعالى لحنثه، وبهذا قال الأئمة الثلاثة. والثاني: لا يلزمه؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} فأوجب ذلك سقوط حكم الدنية كما سقط حكمها في المحارب إذا تاب قبل القدرة. ووقع في (الشرح الكبير) ترجيح هذا، وكأنه سهو من الناسخ: لتصريحه في (الصغير) بخلافه، ولذلك أصلحه في (الروضة). وأفهم قوله: (بعد المطالبة) أنه لو وطئ بعد المدة بدون بطالبة .. لا يكون كذلك، ولم يتعرض له في (الروضة). وفي (الكفاية) عن القاضي: أنه مرتب على ما بعد الطلب، وأولى بعدم السقوط. تتمة: قالت المرأة يعد انقضاء المدة: أصابني، وقال: ما أصبتها .. فليس لهذا الاختلاف معنى؛ لأن المطالبة حقها، فلو أنها رجعت بعد ذلك وقالت: ثم يصبني .. لم يسمع قولها؛ لأنها أقرت بوصولها إلى حقها، كمن أقر باستيفاء حقه من إنسان ثم قال: ما استوفيته .. لم يقبل منه ذلك، كذا نقله الشيخان عن المتولي وأقراه. * * * خاتمة طلق الحاكم على المولى، ثم تبين أنه وطئ بعد ذلك .. نتبين أن الطلاق لم يقع، وكذلك لو ثبت أنه طلق قبل طلاق الحاكم .. لم يقع طلاق الحاكم، ولو وقع طلاق الزوج والحاكم معًا .. نفذ الطلاقان؛ لأن كل واحد فعل ما له فعله. وقيل: لا يقع تطليق القاضي، فإن قيل: إذا باع الحاكم مال الغائب، وباعة الغائب في ذلك الوقت لآخر .. قدم بيع المالك، فهلا كان ههنا كذلك؟ فالجواب: أن تصحيح البيعين لا يمكن، ورجحنا. بيع المالك؛ لأنه الأصل، والقاضي نائبه، ووقوع طلاقهما ممكن فأوقعتاهما.

كتاب الظهار

كتاب الظهار

كِتَابُ الظِهَارْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الظهار لفظه مشتق من الظهر، وسمي ظهارًا لتشبيه الزوجة بظهر الأم، وخص الظهر لأن المركوب يسمى ظهرًا؛ لحصول الركوب عليه، وقيل: هو من العلو، قال تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أي: يعلوه. وكان طلاقًا في الجاهلية، وقيل: كان أحدهم إذا كره امرأة ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر، فتبقي لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره، فنقل الشارع حكمه إلى تحريمها بعد العود ووجوب الكفارة، وأبقي محله وهو الزوجية. وهو حرام كبيرة اتفاقًا؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} ويخف قوله: أنت على حرام؛ فإنه مكروه وإن كان إخبارًا بما لم يكن، لان في الظهار الكفارة العظمى وهى أنما تجب في المحرم كالقتل والفطر في رمضان، وفي لفظ التحريم كفارة يمين، واليمين والحنث ليسا بمحرمين. والأصل في الباب: أول سورة (المجادلة)، وسببها: أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت ثعلبة - على اختلاف في اسمها ونسبها- فاشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمت عليه) فقالت: انظر في أمري؛ فإني لا أصبر عنه، فقال صلى الله عليه وسلم (حرمت عليه) وكررت وهو يقول: (حرمت عليه) فلما أيست .. اشتكت إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى الآيات رواه أبو داوود [2209] وابن ماجه [2063] وابن حبان [4279]. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: (مريه أن يعتق رقبة) فقالت: أي رقبة! والله لا نجد رقبة وما له خادم غيري، فقال: (مريه فليصم شهرين متتابعين) فقالت: والله يا رسول الله؛ ما يقدر على ذلك، إنه ليشرب في اليوم كذا وكذا مرة، قال: (فمريه أن يطعم ستين مسكينًا) فقالت: أنى له ذلك.

يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَلَوْ ذِمِّيٌّ وَخَصِيٌّ. وَظِهَارُ سَكْرَان كَطَلاَقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسورة (المجادلة) في كل آية منها اسم الله مرة أو مرتين أو ثلاثًا, وليس في القرآن سورة تشابهها في ذلك وهي نصف القرآن عددًا، وعشره باعتبار الأجزاء. قال: (يصح من كل زوج)؛ لأن الله تعالى أناط حكمه بالنساء، ومطلقه ينصرف إلى الزوجات فلا يصح من الأمة وأم الولد، خلافًا لمالك، ولا من الأجنبية، سواء أطلقه أو علقه بالنكاح، خلافًا لأبي حنيفة ومالك, ولا يصح من الزوجة, فلو قالت لزوجها: أنت علي كظهر أمي وأنا عليك كظهر أمك .. لم يكن شيئًا. قال: (مكلف) فلا يصح من الصبي والمجنون والنائم والمغمى عليه ومن زال عقله بسبب يعذر فيه، وكان ينبغي أن يزيد: مختارًا. قال: (ولو ذمي)؛ لعموم الآية، وإنما صرح به مع دخوله فيما سبق لخلاف أبي حنيفة ومالك؛ فإنهما قالا: لا يصح ظهاره، واحتج الأصحاب بأنه زوج يصح طلاقة فصح ظهاره كالمسلم، ويتصور منه الإعتاق عن الكفارة بأن يرث عبدًا مسلمًا، أو يسلم عبده، أو يقول لمسلم: أعتق عبدك المسلم عن كفارتي إن جوزناه، وإلا .. فما دام كافرًا لا يباح له الوطء, وكذا الصوم؛ لقدرته على إذالة المانع. والحربي في ذلك كالذمي، فلو عبر بـ (كافر) كان أعم. وكان الأحسن أن ينصب (الذمي) وما بعده على حذف كان واسمها كقوله: (ولو خاتمًا من حديد) لكن المصنف يستعمل ذلك كثيرًا بالرفع كما تقدم التنبيه عليه في شروط الصلاة. قال: (وخصي) ومثله المجبوب والعنين وغيرهم كالطلاق، ولا يجيء هنا الخلاف المذكور في (الإيلاء)؛ لأن الإيلاء يختص بالجماع فلا ينعقد عند تعذره. والظهار يحرم جملة الاستمتاعات، وبعض الاستمتاعات موجود مع وجود هذه العوارض فأثر فيه الظهار. وزاد في (المحرر): وعبد؛ لأجل خلاف مالك فيه أيضًا, وعلله بأنه لا يتأتى منه الإعتاق، ونحن نقول: إنه عاجز فيعدل إلى الصوم. قال: (وظهار سكران كطلاقه) فيأتي فيه الخلاف المتقدم في بابه.

وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَىَّ أَوْ مِنِّى أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّى .. صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَوْلُهُ: جِسْمُكِ أَوْ بَدَنُكِ أَوْ نَفْسُكِ كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ قَوْلَهُ: كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا .. ظِهَارٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وصريحه أن يقول لزوجته:) أي: التي يقع الطلاق عليها (أنت علي أو مني أو معي أو عندي كظهر أمي) أما (أنت علي) .. فلأن أوس بن الصامت ظاهر بها، وحكى ابن المنذر الإجماع على صراحتها, وأما (أنت مني) و (معي) .. ففي معناها، وتغاير الصلات لا يضر؛ لتقارب معانيها, وكذلك: أنت عندي أو لي كظهر أمي. قال: (وكذا: أنت كظهر أمي .. صريح على الصحيح) ولا يضر ترك الصلة كما أن قوله: (أنت طالق) صريح وإن لم يقل مني. والثاني: أنه كناية؛ لاحتمال أن يريد أنها على غيره كظهر أمه، ولو أتى بصريح وقال: أردت غيره .. لم يقبل، وفية وجه؛ لأنه حق الله تعالى. قال: (وقوله: جسمك أو بدنك أو نفسك كبدن أمي أو جسمها أو جملتها صريح)؛ لاشتمالها على الظهر , وكذا لو قال لها: جملتك وذاتك كظهر أمي، وكذا لو قال: كرجل أمي، ومثله الفرج والشعر, وقطع به بعضهم في الفرج وبعضهم في الجميع. قال: (والأظهر: أن قوله: كيدها أو بطنها أو صدرها .. ظهار)؛ لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهار. والثاني –وهو القديم-: المنع؛ لأنه ليس على صورة الظهار المعهود. قال الرافعي: والخلاف شبيه بالخلاف في أن الإيلاء هل يختص باليمين بالله تعالى؟ فعلى الجديد: لا يختص؛ اتباعًا للمعنى، وعلى القديم يختص؛ اتباعًا للمعهود. وقال أبو حنيفة: إن شبهها بعضو يحرم النظر إليه كالفرج والفخذ .. كان ظهارًا، وإلا .. فلا.

وَكَذَا كَعَيْنِهَا إِنْ قَصَدَ ظِهَارًا، وإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً .. فَلَا، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: رَاسُكِ أَوْ ظَهْرُكِ أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا كعينها إن قصد ظهارًا)؛ لأنه كالصدر والبطن. قال: (وإن قصد كرامة .. فلا)؛ لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة والإعزاز، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وكذا إن أطلق في الأصح)؛ لاحتمال الكرامة. والثاني - واختاره القاضي والبغوي، وقوة كلام (الشرح الصغير) تقتضي -: أنه ظهار؛ لأن اللفظ صريح في التشبيه ببعض أعضاء الأم. وحقيقة نية الظهار لم يتعرض لها الشيخان هنا، ونقلا عن (الشامل) في (كتاب الطلاق): أن ينوي أنها كظهر أمه في التحريم. قال: (وقوله: رأسك أو ظهرك أو يدك علي كظهر أمي ظهار في الأظهر) بالقياس على الطلاق. والثاني: لا يصح؛ لأنه مخالف لظهار الجاهلية، وهو قديم. وقال المتولي وغيره: إنه مخرج، فحينئذ لا يحسن التعبير عنه بالأظهر وإن كان فيه جناس لفظي. وكان ينبغي أن يمثل أيضا بالجزء الشائع كالنصف والثلث: ليعلم أنه لا فرق بينه وبين المعين، وإنما خص هذه الأعضاء بالذكر لينبه على أن الأعضاء الباطنة كالكبد والقلب لا يكون بذكرها مظاهرًا، وهو كذلك في (الرونق) و (اللباب). قاعدة: قال القمولي وابن المرحل وغيرهما: لا يزيد البعض على الكل إلا في مسألة واحدة في هذا الباب، وهي قوله: أنت كأمي؛ فإنه لا يكون ظهارًا وإن قال: كظهرها .. كان ظهارًا. قلت: قد يكون البعض أزيد من الكل في مسائل:

وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ ظِهَارٌ. وَالْمَذْهَبُ: طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَحْرَمٍ لَمْ يَطْرَا تَحْرِيمُهَا, لاَ مُرْضِعَةٍ وَزَوْجَةِ ابْنٍ. وَلَوْ شَبَّهَ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَبِأَبٍ وَمُلاَعَنَةٍ .. فَلَغْوٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: الروشن إذا سقط كله .. فيه نصف الضمان، وفي بعضه .. كله كما سيأتي في (الجنايات). ومنها: الإنسان فيه ديات كثيرة، وفي جميعه دية واحدة. ومنها: من له جدار في درب غير نافذ .. له رفع جميع الجدار، وليس له أن يفتح فيه بابًا. ومنها: على القديم المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديته, ثم إن زادت .. صارت على النصف، ففي أصبعين: عشرون، وفي ثلاثة: ثلاثون، وفي أربع: عشرون. قال: (والتشبيه بالجدة) أي: من الجهتين وإن بعدت (ظهار)؛ لأن لها ولادة، وتشارك الأم في العتق وسقوط القصاص ووجوب النفقة، وقيل: على الخلاف في الأخت، والخلاف فيها كالخلاف في أن الجد هل له ولاية الإجبار على النكاح؟ وهل له الرجوع فيما وهب لولد ولده؟ قال: (والمذهب: طرده) أي: طرد هذا الحكم (في كل محرم لم يطرأ تحريمها) كالأخت والخالة والعمة؛ لأنه شبهها بمحرمة القرابة أبدًا فأشبهت الأم. والثاني: المنع؛ للعدول عن المعهود في الجاهلية. قال: (لا مرضعة وزوجة ابن)؛ فإن التشبيه بهما ليس ظهارًا بلا خلاف؛ لأنهما دون الأم في التحريم لاحتمال إرادة الحالة التي كانت حلالًا له فيها؛ والأصح: أن الحكم في سائر المحارم كذلك، إلا: أن تكون المرأة حلالًا ثم تصير محرمًا كالمرضعة وابنتها المولودة قبل أن ترضع, ويتحرر من الخلاف في المسألة سبعة أقوال أو أوجه: أصحها: ما ذكره المصنف. وعند مالك وأحمد: التشبيه بجميعهن ظهار. قال: (ولو شبه بأجنبية ومطلقة وأخت زوجة وباب وملاعنة .. نلغو) أما ما عدا الأب والملاعنة .. فلأنهن لا يشبهن الأم, وأما الأب ومثله الابن والغلام ونحوه ..

وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي الأُخْرَى .. َفَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهَرَ .. صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا. وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ فُلاَنَةَ وَفُلاَنَةُ أَجْنَبِيَّةٌ، فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ .. لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ, فَلَوْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ مِنْهَا .. صَارَ مُظَاهِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه ليس محلًا للاستحلال , وأما الملاعنة .. فليس تحريمها لحرمتها، وكذا لو شبهها بمجوسية أو مرتدة أو بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو قال: أنت علي كظهر أبي وأمي .. كان ظهارًا. وعبارة المصنف أنكرها ابن عصفور على الفقهاء فقال: إن تعدية شبه بـ (الباء) لحن لا يوجد في كلام من يوثق بعربيته، وإنما المسموع تعديته بنفسه، ورد عليه ابن مالك بقول عائشة: شبهونا بالحمير والكلاب، ونص على جوازه صاحبا (المحكم) و (العباب) وغيرهما. قال: (ويصح تعليقه كقوله: إن ظاهرت من زوجتي الأخرى .. فأنت علي كظهر أمي، فظاهر .. صار مظاهرًا منهما)؛ لأنه كان طلاقًا, والطلاق يصح تعليقه على الشروط، ولأنه يشبه الطلاق من حيث إنه يتعلق به التحريم ويشبه اليمين من حيث تعلق الكفارة, ومن هذا التشبيه اختلفوا: هل نسلك به مسلك الطلاق أو مسلك اليمين؟ وتظهر فائدة ذلك فيما إذا ظاهر من زوجته ثم قال: أشركتك معها ونوى الظهار، فإن غلبنا الطلاق .. كان مظاهرًا، وإن غلبنا اليمين .. فلا، لكنهم صححوا هنا أن المغلب شائبة الطلاق، وفي الظهار المؤقت شائبة الأيمان حيث صححوا تأقيته، فيحتاج إلى الفرق. قال: (ولو قال: إن ظاهرت من فلانة وفلانة أجنبية، فخاطبها بظهار .. لم يصر مظاهرًا من زوجته)؛ لعدم صحة الظهار من الأجنبية. وقوله: (وفلانة أجنبية) إخبار عن الواقع، لا أنه من تتمة كلام المظاهر. قال: (إلا أن يريد اللفظ) أي: يريد التعليق على الإتيان بهذا اللفظ، فيصير مظاهرًا من زوجته بلا خلاف؛ لوجود الصفة. قال: (فلو نكحها وظاهر منها .. صار مظاهرًا) من زوجته الأخرى؛ لتحقق الشرط.

وَلَوْ قَالَ: مِنْ فُلاَنَةَ الأَجْنَبِيَّةِ .. فَكَذَلِكَ, وَقِيلَ: لاَ يَصِيرُ مُظَاهِرًا وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْهَا وَهِىَ أَجْنَبِيَّةٌ .. فَلَغْوٌ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ، أَوْ نَوَى الطَّلاَقَ، أَوِ الظِّهَارَ، أَوْ هُمَا, أَوِ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ, وَالطَّلاَقَ، بِكَظَهْرِ أُمِّي .. طَلَقَتْ وَلَا ظِهَارَ، أَوِ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ, وَالظِّهَارَ بِالْبَاقِي .. طَلُقَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: من فلانة الأجنبية .. فكذلك) أي: إذا خاطبها بظهار .. لم يصر مظاهرًا من الزوجة، وإن نكحها وظاهر منها .. صار. ويحمل قوله: (الأجنبية) على التعريف لا الشرط. قال: (وقيل: لا يصير مظاهرًا وإن نكحها وظاهر)؛ لأنها إذا نكحت خرجت عن كونها أجنبية. قال: (ولو قال: إن ظاهرت منها وهي أجنبية .. فلغو)؛ لأنه شرط الظهار في حال كونها أجنبية، وما دامت بتلك الصفة .. لا يصح منها الظهار، فقوله في هذه الصورة: (وهي أجنبية) من تتمة كلام المظاهر. قال: (ولو قال: أنت طالق كظهر أمي ولم ينو، أو نوى الطلاق، أو الظهار، أو هما، أو الظهار بأنت طالق، والطلاق بكظهر أمي .. طلقت ولا ظهار) أما الأولى .. فوجه وقوع الطلاق فيها إثباته بلفظ الصريح. وأما الثانية- وهي ما إذا نوى الطلاق بكلامه - فوجه وقوع الطلاق فيها ظاهر. وأما الثالثة - وهي ما إذا قصد بالجميع الظهار - فحصول الطلاق لوجود لفظ الصريح. وأما الرابعة .. فلأنه لم ينو به الظهار، وإنما نواه بالمجموع. وأما الخامسة - وهي ما إذا نوى الظهار بـ (أنت طالق) و (الطلاق) - (كظهر أمي) - فلان (كظهر أمي) خرج عن الصراحة بذلك. قال: (أو الطلاق بأنت طالق، والظهار بالباقي .. طلقت)؛ لوجود اللفظ الصريح.

وَحصَلَ الظِّهَارُ إِنْ كَانَ طَلاَقَ رَجْعَةٍ. فصْلٌ: عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إِذَا عَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحصل الظهار إن كان طلاق رجعة): لأن الظهار يصح مع الرجعي وقد أتى به مع النية. وفي وجه ضعيف: أنه لا ظهار كالبائن. بقي ما لو أراد عكس الأخيرة وهي الظهار بأنت طالق والطلاق بالباقي .. فإنها تطلق تتمة: قال: أنت علي كظهر أمي حرام .. كان مظاهرًا، نص عليه. قال المتولي: ثم إن لم ينو بقوله: (أنت علي حرام) شيئًا .. كان توكيدًا للظهار، وكذا إن نوى تحريم عينها، ومقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى يدخل في مقتضى الظهار وهو الكبرى، وإن نوى بالحرام الطلاق .. فقد عقب الظهار بالطلاق فلا يكون عائدًا. قال: (فصل: على المظاهر كفارة إذا عاد)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وهل سبب الوجوب العود فقط؛ لأنه الجزء الأخير , أو الظهار؛ لأنه المنكر والزور والعود شرط له، أو وجب بمجموع الأمرين؟ فيه أوجه لم يرجح الشيخان منها شيئًا. والثالث: هو الموافق لترجيحهم أن كفارة اليمين تجب بالخلف والحنث جميعًا، وينبني على ذلك جواز تقديمها على الظهار أو العود. وحاصل المذهب: جواز تقديمها على العود دون الظهار.

وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إِمْكَانِ فُرْقَةٍ- فَلَوِ اتَّصَلَتْ بِهِ فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ .. فَلَا عَوْدَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن ابن أبي هريرة: أنها تجب بثلاثة أسباب: عقد النكاح والظهار والعود، فلا يجوز تقديمها على الظهار. وظاهر نص الشافعي - وبه جزم الرافعي في الكفارة -: أنها على التراخي ما لم يطأ، وبعد الوطء فيها الخلاف في قضاء الفائتة بغير عذر. قال: (وهو) أي: العود (أن يمسكها بعد ظهاره زمن إمكان فرقة)؛ لأن تشبيهها بالأم يقتضي أن لا يمسكها زوجة، فإذا أمسكها زوجة .. فقد عاد فيما قال؛ لأن العود للقول مخالفته، يقال: قال قولًا ثم عاد له؛ أي: خالفه ونقضه، هذا هو الجديد. وعن القديم قولان: أحدهما: أنه العزم على الوطء؛ لأن كلمة (ثم) للتراخي، وبهذا قال مالك وأحمد. الثاني: أنه الوطء, وبه قال أبو حنيفة. وقال داوود: هو تكرر اللفظ. لنا: أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر أوس بن الصامت بالكفارة .. لم يسأله هل جامع أو عزم عليه أو أعاد مثل ما قال أولًا، الأصل عدم ذلك، ولأن الله أوجب الكفارة قبل المسيس، فدل على أن العود سابق عليه. كل هذا في الظهار المؤبد والمطلق, أما المؤقت .. فالعود فيه بالوطء في المدة لا بالإمساك على الصحيح كما سيأتي. قال: (فلو اتصلت به فرقة بموت) أي: موته أو موتها (أوفسخ) أي: بسببه أوسببها منه أو منها (أو طلاق بائن أو رجعي ولم يراجع أو جن) أي: الزوج) .. فلا عود) أي: ولا كفارة؛ إذ لم يوجد العود الذي هو سبب الوجوب أوشرطه, وصور في (الوسيط) الطلاق بقوله: أنت علي كظهر أمي أنت طالق.

وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ لاَعَنَهَا فِي الأَصَحِّ بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ظِهَارَهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ رَاجَعَ, أَوِ ارْتَدَّ مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ، لاَ الإِسْلَامِ، بَلْ بعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الرفعة: ولم أره لغيره، وينبغي أن يكون عائدًا بقوله: أنت؛ لإمكان أن يقول: كظهر أمي طالق. قال: (وكذا لو ملكها أو لاعنها في الأصح) المراد: إذا اشتري زوجته على الاتصال .. لا يصير بذلك عائدًا على الأصح؛ لأنه لم يمسكها على النكاح. والثاني: يكون عائدًا؛ لأنه نقلها من حل إلى حل فكان إمساكًا لها، فلا يطؤها حتى يكفر, فلو اشتغل بأسباب الشراء كالمساومة وتقرير الثمن .. فهو عائد على الأصح, وأما إذا لاعنها عقب الظهار .. فوجه كونه ليس عائدًا بذلك: أن كلمات الشهادات كلها موقعة للفراق، وإنما طال الكلام كما لو قال: يا فلانة بنت فلان بن فلان أنت طالق، ويقابل الأصح في اللعان أنه يصير عائدًا؛ لتوقف الفرقة على ذلك. قال: (بشرط سبق القذف ظهاره في الأصح) فلو قدم الظهار ثم قذف ثم لاعن .. فالأكثرون على أنه عائد؛ لأن الكلمات بمجموعها موضوعة للفرقة، وإذا اشتغل بما يوجب الفراق .. لم يفترق الحال بين أن يطول أو يقصر. وشرط الإمام وصاحب (التهذيب) على هذا سبقَ المرافعة إلى الحاكم أيضًا، وجزم به في (الروضة) و (الشرح الصغير). والثاني: لا يشترط سبق القذف، فلو قذف عقب الظهار واشتغل بالمرافعة وأسباب اللعان .. فلا عود: لأن الاشتغال به شروع في أسباب الفرقة. قال: (ولو راجع، أو ارتد متصلًا ثم أسلم .. فالمذهب: أنه عائد بالرجعة، لا الإسلام, بل بعده) أشار إلى مسألتين: إحداهما: إذا طلقها رجعيًا عقب الظهار أو تظاهر من رجعية ثم راجعها .. ففي كونه عائدًا قولان:

وَلاَ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ. وَيَحْرُمُ قَبْلَ التَكْفِيرِ وَطْءٌ, وَكَذَا لَمْسٌ وَنَحْوُهُ بِشَهْوَةٍ ِفي الْأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أظهرهما: نعم؛ لأن العود الإمساك، والرجعة إمساك. والثاني: لا حتى يمسكها بعد الرجعة زمانًا تمكن فيه المفارقة؛ لأن العود هو الإمساك على النكاح فيستدعي تقدمه. والطريقة الثانية: عود قطعًا. المسألة الثانية: ظاهر وارتد على الاتصال ثم أسلم .. فهل يكون عائدًا بالإسلام، أو لا بد من مضي زمن بعده يسع الفرقة؟ وجهان مرتبان على الرجعة، وأولى بعدم العود؛ لأن المقصود من الرجعة الاستباحة، والإعلام لا يقصد إلا للرجوع إلى الحق. قال: (ولا تسقط الكفارة بعد العود بفرقة)؛ لاستقرار ذلك كالدين لا يسقط بعد ثبوته، وشمل كلامه فرقة الطلاق وموت أحدهما وفسخ النكاح. قال: (ويحرم قبل التكفير وطء)؛ لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، وقال: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، ولم يتعرض له في الإطعام؛ فيحمل المطلق على المقيد. وحسن الترمذي [1199]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن ظاهر: (لا تقربها حتى تكفر). هذا في الظهار المطلق، أما المقيد .. فيحرم الوطء فيه إلى أن يكفر أو تنقضي المدة، فإذا انقضت .. حل؛ لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته، وسواء فيه الوطأة الأولى وما بعدها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لمن ظاهر ثم وطئ: (لا تقربها حتى تكفر) وقال له: (ما حملك على ذلك؟) قال: رأيت خلخالها في القمر، رواه أبو داوود [2216] والترمذي [1199] وا بن ماجه [2065]. قال الروياني: وإخراج الكفارة بعد الوطء قضاء وقبله أداء، كالصلاة في وقتها وبعده. قال: (وكذا لمس ونحوه بشهوة في الأظهر) تغليظًا عليه: لأنها قد تدعو إلى

قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: الجَوَازُ, وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَصِحُّ الظِّهَارُ المُؤَقَّتُ مُؤَقَّتًا , وَفيِ قَوْلٍ: مُؤَبَّدًا, وَفيِ قَوْلٍ: لَغْوٌ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: أَلأَصَّحُ: أَنَّ عَوْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ, بَلْ بِوَطْءٍ فِي المُدَّةِ، وَيَجِبُ النَّزْعُ بِمَغِيبِ الحَشَفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوطء وتفضي إليه، ولعموم قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} قال: (قلت: الأظهر: الجواز والله أعلم)؛ لبقاء الزوجية، ولأنه وطء محرم لا يحل بالملك فأشبه الوطء في الحيض. ويفهم من هذا التعليل إلحاقها بالحائض في التمتع بما تحت الإذار، وهو أقوى احتمالي الإمام، والذي صححه المصنف نقله الرافعي عن الأكثرين، وأما نظره إليها بلا شهوة .. فجائز قطعًا. قال: (ويصح الظهار المؤقت) كقوله: أنت علي كظهر أمي شهرًا أو يومًا، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن سلمة بن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمه إن غشيها حتى يمضي رمضان ثم غشيها في نصفه، رواه أبو داوود [2208] , وصححه الحاكم [2/ 203]، ولأن قول المنكر والزور موجود فيه فصح كالظهار المطلق. قال: (مؤقتًا) أي: ويكون مؤقتًا تغليبًا لشبه اليمين. قال: (وفي قول: مؤبدًا) تغليبًا لشبه الطلاق. قال: (وفي قول: لغو)؛ لأنه لم يؤبد التحريم فأشبه التشبيه بمن لا تحرم على التأبيد، وظاهر هذا أنه لا إثم فيه، وليس كذلك، بل هو آثم به. قال (فعلى الأول) أي: صحته مؤقتًا (الأصح: أن عوده لا يحصل بإمساك، بل بوطء في المدة)؛ لأن الحل منتظر بعد المدة، أما إذا قيل تتأبد .. فالعود فيه كالعود في الظهار المطلق. وأفهمت عبارة المصنف أن الوطء نفسه عود، وهو الأصح، وقيل: يتبين به العود، وينبني عليهما حل الوطء، فعلى الأول يحل دون الثاني، فلو لم يطأ حتى مضت المدة .. فلا شيء عليه. قال: (ويجب النزع بمغيب الحشفة) كما في قوله: إن وطئتك .. فأنت طالق.

وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ عَلَىَّ كَظَهْرِ أُمِّي .. فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ، فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ .. فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، وَفِي الْقَدِيمِ: كَفَّارَةٌ. وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ .. فَعَائِدٌ مِنَ الثَّلَاثِ الأُوَلِ. وَلَوْ كَرَّرَ فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَاكِيدًا .. فَظِهَارٌ وَاحِدٌ، أَوِ اسْتِئْنَافًا .. فَالأَظْهَرُ: التَّعَدُّدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال لأربع: أنتن علي كظهر أمي .. فمظاهر منهن)؛ لوجود لفظة الصريح. قال: (فإن أمسكهن .. فأربع كفارات)؛ لوجود الظهار والعود في حق كل واحدة منهن. قال: (وفي القديم: كفارة)؛ لما روى البيهقي [7/ 383]: أن عمر سئل عن رجل ظاهر من أربع نسوة فقال: (عليه كفارة واحدة) وبه أجاب عروة بن الزبير والحسن البصري وربيعة ومالك. ومأخذ الخلاف: أن المغلب في الظهار شبه اليمين أو الطلاق، إن غلبنا الطلاق .. لزمت أربع، وإلا .. فواحدة، كما لو حلف لا يكلم جماعة. قال: (ولو ظاهر منهن بأربع كلمات متواليات .. فعائد في الثلاث الأول)؛ لأنه بظهار الثانية عائد في الأولى، وبظهار الثالثة عائد في الثانية، وبظهار الرابعة عائد في الثالثة، فإن فارق الرابعة عقب ظهارها .. فعلية ثلاث كفارات، وإلا .. فأربع. ولو قال لأربع نسوة: أنتن علي حرام وقصة تحريم أعيانهن .. فالقول في تعدد الكفارة واتحادها كما في الظهار. قال: (ولو كرر في امرأة متصلًا وقصد تأكيدًا .. فظهار واحد) كالطلاق، فيلزمه كفارة إن أمسكها عقب المرات، لا إن فارقها في الأصح. قال: (أو استئنافًا .. فالأظهر: التعدد) كما في الطلاق. والثاني - وهو القديم -: تلزمه كفارة واحدة للجميع كما لو كرر اليمن في الشيء الو احد مرات، ولأن اللفظ الثاني لم يؤثر في التحريم فلم يتعلق به حكم، فصار كظهار الأجنبية.

وَأَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي الأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المسألة طريقة أخري قاطعة بالتعدد. كل هذا إذا تواصلت الكلمات، فإن تفاصلت، فإن كفر عن الأول قبل أن يأتي بالثاني .. لزمه أن يكفر عنه أيضًا، وان أراد التأكيد .. فالأصح أنه لا يقبل. قال: (وأنه بالمرة الثانية عائد في الأولى)؛ لأنه كلام آخر فاشتغاله به عود. والثاني: لا يجعل عائدًا؛ لأن الظهارين من جنس واحد، فما لم يفرغ من الجنس لا يجعل عائدًا، فإذا قلنا بالتعدد ففارق عقب الأخيرة .. لزمه كفارة لما قبلها، ويكون بالثانية عائدًا إلى الأولى، وقيل: لا. وموضع الخلاف إذا لم يكفر، فان كفر ثم ظاهر .. فلا خلاف في التعدد. تتمة: سكت المصنف عما إذا أطلق ولم يقصد تأكيدًا ولا استئنافًا، وفية القولان كما في الطلاق. قال الرافعي: لكن الأظهر هنا: المصير إلى الاتحاد، وفي (الشامل (و (التتمة (القطع به، والفرق بينهما: أن الطلاق أقوي؛ لأنه مزيل للملك. * * * خاتمة الظهار المؤقت يخالف المطلق في ثلاث صور: إحداها: أن العود فيه بالوطء. الثانية: أن الوطء الأول حلال. الثالثة: أذ التحريم بعد الوطأة الأولى يمتد إلى التكفير أو انتهاء المدة على ما قاله الرافعي تبعًا للبغوي، لكن ظاهر النص خلافه، وهو ظاهر القرآن وقول العراقيين. * * *

كتاب الكفارة

كتاب الكفارة

كِتَابُ الْكَفَّارَةِ يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الكفارة لفظها مأخوذ من الكفر وهو الستر: لأنها تستر الذنب، ومنه الكافر؛ لأنه يستر الحق، وسمي الزارع كافرًا لأنه يستر البذر. وافتتح الباب في (المحرر) بقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}. والكفارة تشرع فيما فيه إثم فتكفره، وفيما فيه صورة مخالفة وانتهاك وإن لم يكن فيه إثم كقتل الخطأ. واختلف العلماء هل الكفارات الواجبة بسبب يأثم به جوابر للخلل الواقع أو زواجر كالحدود والتعزيرات؟ فرجح ابن عبد السلام وغيره الأول؛ لأنها عبادات وقربات لا تصح إلا بنية. وخصالها ثلاث: العتق والصيام والإطعام أو الكسوة، ولا مدخل للعتق في فدية الحج. والمراد الكفارة هنا: ما للعتق فيه مدخل، ومعظم المقصود به كفارة الظهار، وكذلك لا مدخل للإطعام في كفارة القتل على الأظهر. ثم منها ما تترتب خصالها وهي كفارة الظهار والجماع في نهار رمضان، ومنها ما جمع فيه بين الترتيب والتخيير وهي كفارة اليمين. قال: (يشترط نيتها)؛ لأنها حق مالي تجب تطهيرًا كالزكاة، والأعمال بالنيات، لكن نص الشافعي على أن إخراج المرتد يسقطها، وأن إعتاق الكافر وإطعامه عن كفارته يحزئ، وهو يدل على أن اللفظ كاف، فينوي الكافر بالإعتاق والإطعام التمييز دون التقرب، قال الرافعي: كما في قضاء الأيون، وما جزم به من وجوب النية في أداء الدين مسألة مهمة، والحكم فيها صحيح، صرح به الإمام

لاَ تَعْيِينُهَا. وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الْظِّهَارِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحمد بن يحيى والشيخ عز الدين، وأهمله في (الروضة). وأشار بقوله: (نيتها) إلى أنه لا يكفي نية المعتق الواجب؛ لأنه قد يجب بالنذر، بل لا بد من نية الكفارة، فإن نوى المعتق الواجب بالظهار أو القتل .. كفى. وسكت المصنف عن اشتراط مقارنة النية التكفير، والأصح عنده وعند الرافعي: اشتراط ذلك، والذي نص عليه الشافعي في (الأم) و (المختصر) جواز التقديم، وهو مقتضى إلحاق الجمهور الكفارة بالزكاة، لا جرم رجحه المصنف في (شرح المهذب) في (قسم الصدقات) وقال: إنه الصواب. وفرق بينها وبين الصلاة بأن الكفارة والزكاة تدخلهما النيابة فتدعو الحاجة إلى التقديم، بخلاف الصلاة. وأفهمت عبارته أنه لا يشترط التعرض لنية الفرضية، وهو كذلك؛ لأنها لا تكون إلا فرضًا. قال: (لا تعيينها) كما لا يجب تعيين المال المزكى، فلو كان عليه كفارة ظهار وكفارة قتل أو عتق كفارة وعتق نذر فأعتق عبدين بنية الكفارة عنهما .. أجزأه عنهما، لكن لو نوى غير ما عليه .. لم يجزئه، سواء تعمد أو أخطأ؛ لأنه لم يكفر عما عليه، فهو كما لو أخطأ في تعيين الإمام في الصلاة، بخلاف ما لو أخطأ في الحدث .. فإنه يصح؛ لأن بارتفاعه يرتفع غيره، فلو كان عليه ثلاث كفارات فأعتق عن واحدة، ثم أعسر فصام شهرين عن واحدة، ثم عجز فأطعم عن الثالثة ولم يعين شيئًا منها .. أجزأه ما أتى به عنها كلها، ولو قال لعبديه: أحدكما حرٌ عن ظهاري .. أجزأه وتعين. قال: (وخصال كفارة الظهار: عتق وقبة)؛ للنص والإجماع. قال: (مؤمنة) ولو بإسلام الأبوين ككفارة القتل حملًا للمطلق هنا على المقيد هناك كما حمل الشافعي مطلق قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} على مقيد: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، ووافقنا مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز إعتاق الكافرة إلا في كفارة القتل، واختاره المزني وقال: ما أطلقه الله تعالى .. فهو مطلق.

بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ. فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحتج الشافعي على التقييد بحديث معاوية بن الحكم: أنه سال النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه عتق رقبة فهل تعتق عليه هذه الجارية؟ فقال لها رسول الله ملى الله عليه وسلم: (أين الله؟) قالت: في السماء، فقال: (من أنا؟) فقالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أعتقها فإنها مؤمنة) ولو كان يجزئه غير المؤمنة .. لقال: أعتق أي رقبة شئت. قال: (بلا عيب يخل بالعمل والكسب) كذا عبر الرافعي، وكأنه يحترز ب (الإخلال بالعمل) عن نقص الذات، وب (الكسب) عن المعاني كالمجنون، أو يكون من عطف الأعم على الأخص. وعبارة (الروضة) و (البحر) وغيرهما: يضر بالعمل إضرارًا بينًا. وإنما اشترط ذلك ليتفرغ العبد بالعتق للعبادة وإلى وظائف الأحرار، وإنما يحصل، ذلك إذا استقل وقام بكفاية نفسه، وإلا .. فيصير كلًا على الناس. واحتج الشافعي عاين ذلك بالإجماع، وخلاف داوود حدث بعد الشافعي، فإنه جوز عتقها مع كل عيب؛ لأن اسم الرقبة يقح على ذات العيب كما يقع على السليمة. قال: (فيجزئ صغير)؛ لأنه يرجى كبره كالمريض، بخلاف الهرم، وخالف الغرة حيث لا يجزئ فيها الصغير: لأنها حق آدمي، لكن المستحب أن لا يعتق إلا البالغ للخروج من الخلاف؛ فإن مالكًا يقول: لا يجزئ إلا من صام وصلى، يعني يذلك بعد البلوغ، وأحمد يقول: لا بد أن يكون بالغًا، وروي عنه أنه قال: يشترط أن يستقل بنفسه، وكأنه يريد بذلك المميز. وظاهر عبارة المصنف إجزاء الرضيع وابن يوم، وهو كذلك. فإن قيل: كيف يجزئ ولا يعرف بطش يديه ولا مشي رجليه ولا إبصار عينيه ولا سماع أذنيه؟ فالجواب: أنا نحكم بذلك بناء على السلامة، فإن تبينا خلاف ذلك .. نقضنا الحكم، وقد يجاب عن هذا بأنه يموت قبل الإحاطة بسلامته

وَأَقْرَعُ وَأَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ، وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ، وَأَخْشَمُ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وضدها، والأصل شغل الذمة، فإن عورض بأن الأصل السلامة .. أمكن أن يجري فيه الخلاف فيما إذا تعارض أصلان أو أصل وظاهر. وأفهمت عبارته أيضا أنه لا يجزئ إعتاق الجنين، وهو كذلك، وقيل: إن انفصل لدون ستة أشهر من حين العتق .. تبين الإجزاء. قال: (وأقرع)؛ لأن ذلك لا يخل بالعمل. و (الأقرع): الذي ذهب شعر رأسه من داء، وبذلك لقب الأقرع بن حابس الصحابي، وكان مع ذلك أعرج وضي الله عنه. قال: (وأعرج يمكنه تباع مشي)؛ لان ذلك لا يخل بمقصود العمل. وقوله (وأعرج) كذا هو في غالب النسخ بواو العطف، وهو في نسخة المصنف بغير واو، وهو أولى؛ ليدل، على إحدى الصفتين من باب أولى. قال: (وأعور)؛ لما قلناه، قال في (الروضة): محل هذا إذا لم يضعف نظر السليمة، فإن ضعف وأضر بالعمل إضرارًا بينًا .. لم يجزئ، قاله في (الأم). وفي (الحاوي): إن منع ضعف البصر الخط وإثبات الوجوه القريبة منه .. منع، وإلا .. فلا. وأفهمت عبارته عدم. الاكتفاء بالأعمى، لكن لو أعتقه ثم أبصر .. فوجهان في (كتاب الأضحية) أصحهما المنع. قال: (وأصم، وأخشم، وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع رجليه): لأن هذه الأشياء لا تضر بالعمل إضرار بينًا. في (الأصم): الذي استد سمعه، وكان في الأشراف جماعة كذلك، كعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعبد الله بن يزيد بن هرمز وأبان بن سليمان. و (الأخشم): الذي لا يشم بسبب داء يصل إلى الخيشوم وهو أقصى الأنف. وجعل ابن أبي هريرة أصابع الرجلين على التفصيل الآتي في أصابع اليدين.

لَا زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا. قُلْت: أَوْ أُنْمَلَةِ إبْهَامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا هَرِمٌ عَاجِزٌ، وَمَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجزئ الأخرس إذا أفهمت إشارته، فإن جمع بين الصمم والخرس .. لم يجزئ. ويجزئ فاقد الأسنان خلافًا لأبي حنيفة. ويجزئ العنين والخصي والمجبوب، والأمة الرتقاء والقرناء، والأبرص والمجذوم، وضعيف البطش، ومن لا يحسن صنعة، وضعيف الرأي، ومن به كوع - وهو اعوجاج في اليد من جهة الإبهام - ومقطوع الأذنين، والفاسق وولد الزنا، وغيرهما أولى. قال: (لا زمن وفاقد رجل) وكذا أشلها؛ لأنه يضر بالعمل إضرارًا بينًا. قال: (أو خنصر وبنصر من يد)؛ لأنه تضعف منفعة نصف الكف وهو ضرر بين، ولا يضر فقد أحدهما من يد والآخر من يد أخري. قال: (أو أنملتين من غيرهما) يعني: من الإبهام والسبابة أو الوسطى؛ لأن فقدهما مضر. وعبارته توهم أنه لا يضر فقد أنملتين من الخنصر والبنصر من يد، وليس كذلك، بل كل إصبع ضر فقدها .. ضر فقد أنملتين منها. وعبارة (المحرر): وفقد أنملتين من إصبع كفقد تلك الإصبع. قال: (قلت: أو أنملة إبهام والله أعلم) فلا تجزى،! لأن منفعتها تعطلت فأشبه قطعها. وني الأنملة تسع لغات تقدمت في زكاة النقد. قال: (ولا هرم عاجز) أي: عن العمل والكسب؛ لأنه يصير كلًا على الناس. قال: (ومن أكثر وقته مجون)؛ لعدم حصول المقصود منه، فإن كان الجنون مطبقا .. منع مطلقًا: وإن كان أقل .. أجزأ، وكذا لو تساويا في الأصح، قال الماوردي: فلو كان زمن جنونه أقل لكنه لا يقدر على العمل إلا بعد حين .. لم

وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى، فَإِنْ بَرَئَ .. بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجزئ، قال في (الروضة): وهو حسن. ويجزئ المغمى عليه وهو الأصح، ويجزئ الأحمق وهو الذي لا ينتفع بعقله. قال: (ومريض لا يرجئ) كذي السل أو الدق أو الفالج أو الاستسقاء. قال: (فإن برىء .. بان الإجزاء في الأصح)؛ اعتبارا بما في نفس الأمر. والثاني: لا؛ اعتبارًا بما ظنه المكلف، وكما إذا حج عن المعضوب ثم بان شفاؤه .. فإنه لا يجزئ على الأصح. وترجيح الشيخين الإجراء تابعا فيه الإمام والغزالي، وكلام المصنف في (التنقيح) يقتضي تفرد الغزالي به، ونقل عن الماوردي القطع الثاني، قال: وهو قوي؛ لعدم جزم النية بأنه مرجو الزوال. والتردد في النية قادح، ويشهد لصحته ما سبق في إعتاق الأعمى ثم أبصر، والفرق بين هذا وبين ما إذا أعتق حملًا ثم وضعته بصفة الإجراء أنه لا يجزئ كما تقدم أن الجنين مشكوك في وجوده، فلم يكن له حكم الأحياء، بخلاف المريض الذي عتق ثم شفي؛ فإن الأصل استمرار الحياة وتعلق الأحكام به. وأما العبد الذي وجب قتله .. قال القفال: إن أعتقه قبل أن يقدم للقتل .. أجزأه، ولم يفرق، بين متحتم القتل وغيره، وصرح القاضي بإجزاء عتق متحتم القتل عن الكفارة، وقال الصيمري: الأشبه: أنه لا يجزئ كمريض لا يرجي برؤه. ولو أعتق حاملًا إلا حملها .. لم يصح الاستثناء ويعتق الحمل تبعًا. قال: (ولا يجزئ شراء قريب بنية كفارة)؛ لأن عتقه مستحق بجهة القرابة، فأشبه ما إذا دفع إليه النفقة الواجبة ونوي بها الكفارة، وعن الأودني: إذا اشتراه بشرط الخيار وأعتقه عن الكفارة .. جاز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه).

وَلاَ أُمِّ وَلدٍ وَذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقبول الهبة والوصية _ إذا قلنا يملك بهما –كالشواء، وكذا لو ورثه ونوى أو أشترى المكاتب من يعتق على سيده ثم عجزه السيد ونوي عتق قريبه عن الكفارة، فلو قال المصنف: تملك قريب .. كان أشمل؛ فإن هبته وإرثه وقبول الوصية كذلك. قال: (ولا أم ولد) قال الروياني: بالإجماع، وعلله غيره بأنها استحقت العتق بالإيلاد فلا تجزئ عن غيره كما لو باع الفقير طعامًا ثم سلمه إليه عن الكفارة، فإذا أعتقها عن الكفارة .. نفذ العتق تطوعًا. قال: (وذي كتابة صحيحة) خلاف لأبي ثور. لنا: أنه يعتق بسبب الكتابة بدليل استتباع المكسب، وأما المكاتب كتابة فاسدة .. فالمذهب إجزاؤه، قاله في (الروضة) وخالف في (التنقيح) فقال: الذي أطلقه الشافعي والجمهور المنع مطلقًا، وليس كما قال: فقد حكي الرافعي في (باب الكتابة) الإجزاء في الفاسدة عن النص. قال: وفي إجزاء إعتاق عبده المغصوب عن الكفارة إذا علمت حياته أوجه: أصحها: نعم. وثانيها: لا، وإليه ذهب معظم العراقيين. والثالث: قال الماوردي: إن قدر على الخلاص بهرب .. أجزأ، وإلا ... فالإجزاء موقوف كالغائب إذا علمت حياته، قال المصنف: وهذا قوي جدًا. وأما العبد الآبق .. فقال، بعضهم: فيه الخلاف الذي في المغصوب، وقطع جماعة بإجزائه، قال المصنف: وهو الصواب. وفي العبد الذي انقطع خبره قولان بالنقل والتخريج، أظهرهما: لا يجزئ، وتجب فطرته عملًا بالاحتياط في المسألتين؛ لأن الأصل بقاء الملك، والأصل شغل الذمة بالكفارة. وصحح الشيخان عدم إجزاء عتق الموصئ بمنفعته والمستأجر، وقال في (المهمات): كيف يستقيم ذلك وهما كالمريض والمجنون المنتظر الإفاقة. والعتق في هذه الصور وأمثالها نافذ وإن منعنا الإجزاء عن الكفارة.

وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ كَفَّارَةً .. لَمْ يَجُزْ. وَلَهُ ... تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ، وَإِعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ عَنْ كُلٍّ نِصْفُ ذَا ونِصْفُ ذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وأطلقا جواز عتق العبد المرهون حيث نفذناه، وكذا إن لم ننفذه في الحال ونفذناه بعد الانفكاك باللفظ السابق، وما أطلقاه من الجواز هنا قيده المصنف في (كتاب الرهن) بعتقه عن كفارته، فإن أعتقه عن كفارة غيره .. لم يعتق؛ لأنه بيع كما أفتى به القاضي حسين. قال: (ويجزئ مدبر ومعلق بصفة)؛ لأن ملكه عليهما تام، بدليل نفوذ جميع تصرفاته فيهما، ومحل جواز عتق المعلق بصفة إذا نجز عتقه عن الكفارة، أو علقه بصفة توجد قبل الصفة الأولى، فلذلك احترز عنه المصنف. قال: (فإن أراد جعل العتق المعلق كفارة .. لم يجز) مثاله: قال: إن دخلت الدار .. فأنت حر، ثم قال: إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي، فدخل .. عتق ولا يجزئ عن الكفارة، لأنه مستحق بالتعليق الأول. قال: (وله تعليق عتق الكفارة بصفة) كما إذا قال: إن دخلت الدار فأنت حر عن كفارتي فدخلها .. عتق عنها؛ لأن المأمور به تحرير رقبة، وقد وجد بالتعليق مع وجود الصفة، هذا هو المشهور، وحكى الدارمي فيه وجهين. ويشترط كونه عند التعليق بصفة الإجراء، فلو قال لمكاتبه: إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي فعجز .. عتق ولم يجزئ عن الكفارة، وكذا لو قال لعبده الكافر: إذا أسلمت. وسكتوا عن النية هنا، وقال المتولي: تشترط عند التعليق على الأصح، قال.: ولا خلاف أنه لو علق المعتق بصفة من غير نية ثم نوى بعدُ إما عند وجود الصفة أو قبله .. أنه لا يجزئ عن الكفارة. قال: (وإعتاق عبديه عن كفارتيه عن كل نصف ذا ونصف ذا)؛ لتخليص الرقبتين من الرق، سواء اتفق جنس الكفارتين أو اختلف، كذا نص عليه، وقال الشيخ أبو حامد: إنه لا خلاف فيه

وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ عنْ كَفَّارَةٍ فَالأَصح الإجْزَاءُ إِنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا وَلَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ لَمْ يُجْزِ عَنْ كَفَّارَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكي الإمام والغزالي وجهًا: أنه لا يجزئ، وعلى المذهب: في كيفية وقوع المعتق وجهان: أحدهما: يعتق نصف كل واحد منهما عن كفارة كما صرح به. والثاني: يعتق كل عبد عن كفارة ويلغو تعرضه للنصف. ولم يتعرضوا لثمرة هذا الخلاف، وقد تظهر فيما إذا ظهر أحدهما معيبًا أو مستحقًا ونحو ذلك، إن قلنا بالأول .. لم يجزئ واحد منهما عن كفارتيه، أو بالثاني .. بقي عليه كفارة وبرئ من واحدة. قال: (ولو أعتق معسر نصفين عن كفارة .. فالأصح: الإجراء إن كان باقيهما حرًا)؛ لحصول المقصود، وهو إفادة الاستقلال. وقيل: يجزئه مطلقًا، ونقله في (الشامل) عن الأكثرين تنزيلًا للأشقاص منزلة الأشخاص، كما لو ملك نصف عبدين .. يلزمه صاع في الفطرة. وقيل: لا يجزئه مطلقًا؛ لأنه مأمور برقبة، ونصفا رقبة ليسا في معنى رقبة في بر ولا حنث، فكذا هنا؛ لأن ما أمر بصرفه إلى واحد في الكفارة لا يجوز صرفه إلى اثنين كمد الطعام، وكما لا يجزئ نقصان في الأضحية، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك. أمأ. اذا كان باقيهما رقيقًا .. فيمتنع. واحترز ب (المعسر) عن الموسر إذا أعتق النصف .. فإنه يجزئ؛ لسريانه إلى باقيهما، وقد يقال: لا يظهر للتقييد ب (المعسر) فائدة، وغالب كتب الأصحاب قيدوه بذلك؛ فإن الموسر إذا أعتق نصفي عبدين باقيهما حر .. أجزأه بلا خلاف، إلا أن يقال في الموسر: يجزئ بلا خلاف، والتقييد ب (المعسر) لأجل الخلاف. وأفهم قوله: (إن كان باقيهما) أنه لو كان باقي أحدهما فقط حرًا .. لا يجزئ، وليس كذلك، بل الظاهر الإجراء؛ لحصول المقصود من تخليص رقبة كاملة. قار: (ولو أعتق بعوض .. لم يجز عن كفارة)؛ لعدم خلوص النية، سواء كان

وَالإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ؛ فَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِكَ عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ .. نَفَذَ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ العوض على العبد كأعتقتك على أن ترد علي دينارًا، أو على أجنبي كما إذا قال له غيره: أعتق عبدك عن كفارتك ولك علي كذا فيعتقه عنها، والأصح: لا يستحق عليه عوضًا وفي وجه .. يجزئه ويسقط العوض عن العبد كالأجنبي، وقيل: إن قدم ذكر الكفارة على العوض .. أجزأه ولا عوض، وإن عكس .. لم يجزئه. وأما إذا التمس هو من غيره أن يعتق عبده عن كفارته ففعل .. جاز، سواء التمس ذلك بعوض أم مجانًا، قال الشافعي: ويكون كشراء مقبوض أو هبة مقبوضة. قال: (والإعتاق بمال كطلاق به) فيكون من المالك معاوضة فيها شوب تعليق، ومن المستدعي معاوضة بشوب جعالة كما سبق في (الخلع). وعقد له في (المحرر) فصلًا وقال: إنه دخيل في الباب، لكن جرت عادة جماعة بذكره هنا فتبعهم. قال: (فلو قال: أعتق أم ولدك على ألف فأعتق .. نفذ ولزمه العوض) ويكون ذلك افتداء من المستدعي منزلًا منزلة اختلاع الأجنبي. وأشار بقوله: (فأعتق) إلى أنه أعتقها متصلًا، فإن أعتقها بعد فصل طويل ... وقع المعتق عن المالك، ولا شيء على المستدعي. وقيل: لا يلزمه العوض، حكاه في (البسيط) في (كتاب المعتق). فلو زاد: عني فقال: أعتقها عنك .. نفذ ولغا قوله: عنك؛ لأنها لا تقبل النقل، ولا تستحق العوض على الصحيح. قال: (وكذا لو قال: أعتق عبدك على كذا) أي: ولم يقل عنك لا عني (فأعتق في الأصح) فيكون ابتداء كأم الولد. والثاني: لا يستحق، بخلاف استدعاء إعتاق المستولدة أو الطلاق؛ فإن ذلك افتداء؛ لأنه لا يمكن انتقال الملك فيهما.

وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ .. عَتَقَ عَنِ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَقِبَ لَفْظِ الإِعْتَاقِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن قال: اعتقه عني على كذا ففعل .. عتق عن الطالب وعليه العوض) عملًا بالتزامه، فإن قال: مجانًا .. فلا شيء عليه. وإن لم يشترط عوضًا ولا نفاه .. فهل يقتضي عوضًا؛ وجهان: أصحهما: أن قال عن كفارتي .. اقتضى، وإن قال: عني ولا عتق عليه .. أطلق السرخسي أنه لا شيء، وخرجه الإمام على أن الهبة هل تقتضي الثواب وسواء نفي العوض أو شرطه يعتق عن الطالب. وصورة جميع ما ذكره المصنف إذا لم يكن الطالب ممن يعتق عليه العبد، فإن كان .. لم يعتق عن الطالب: لأنه لو كان أجنبيًا منه .. احتاج إلى تقدم الملك على الإعتاق، وهنا الملك يوجب العتق، فالتمليك بعده بالإعتاق لا يصح فيصير دورًا، قاله القاضي حسين في (فتاويه). قال: (والأصح: أن يملكه عقب لفظ الإعتاق ثم يعتق عليه) فيكون العتق مرتبًا على الملك في لحظة لطيفة، ثم قال الأكثرون: يملكه عقب الفراغ من لفظ الإعتاق على الاتصال، وعن الجويني: يملكه مع آخر جزء من آخر اللفظ، ويقابل الأصح أوجه: أحدها: يملكه بالاستدعاء ويعتق بالإعتاق. والثاني: بالشروع في الإعتاق ويعتق بتمامه. والثالث: يملكه ويعتق معًا عند تمام اللفظ بناء على أن الشرط مع المشروط، وهذا الخلاف راجع إلي وقت الملك لا إلى أصله؛ فإنه يدخل في ملكه بلا خلاف، فلا عتق فيما لا يملكه ابن آدم، وإنما الخلاف متى يحصل الملك. فرعان: أحدهما: قال: أعتق عبدك عني على كذا ففعل، ثم ظهر بالعبد عيب .. لم يبطل العتق، بل يرجع المستدعي بأرش العيب، ثم إن كان عيبًا يصح الإجزاء عن الكفارة .. لم تسقط به الكفارة.

وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لَا بُدَّ مِنْه .. لَزِمَهُ الْعِتْقُ. وَلَا يَجِبُ بَيْعُ ضَيْعَةٍ وَرَاسِ مَالٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِه، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: قال الخوارزمي: لو قال لغيره: أطعم ستين مسكينًا مدًا مدًا من الحنطة عن كفارتي، إن نوى الكفارة عنه وفعل .. أجزأه على الأصح، ولا يختص بالمجلس، وكذا الكسوة. قال: (ومن ملك عبدًا أو ثمنه فاضلًا عن كفاية نفسه وعياله نفقة وكسوة وسكنى وأثاثًا لا بد منه .. لزمه العتق)؛ لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}. وهذا واجد، ثم هل تتقدر النفقة والكسوة بمدة؟ قال الرافعي: لم يذكروه، فيجوز اعتبار مدة العمر الغالب، ويجوز اعتبار سنة، ويؤيده قول البغوي: يترك له ثوب الشتاء وثوب الصيف، قال في (الروضة): الصواب الثاني والله أعلم. والذي نص عليه الشافعي والجمهور: أن من حل له أخذ الزكاة والكفارات .. فقير، يكفر بالصوم، ومن لا يحل له الأخذ .. غني. قال: (ولا يجب بيع ضيعة ورأس مال لا يخضل دخلهما عن كفايته)؛ لأن المصير إلى المسكنة أشد من مفارقة الدار والعبد المألوفين. وقيل: يلزمه؛ لأنه واجد، حكاه الرافعي وغيره، وأسقط في (الروضة). و (الضيعة) بفتح الضاد المعجمة: العقار، وفي الحديث: (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا). والظاهر أن مراد الفقهاء: ما يستغله الإنسان ولا يسكنه. ولو كان له ماشية تحلب .. فهي كالضيعة. وسبق في (الحج) و (قسم الصدقات) أن كتب الفقيه لا تباع في الحج، ولا تمنع أخذ الزكاة فيجب استثناؤها هنا.

وَلَا مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الأَصَحِّ, وَلَا شِرَاءٌ بِغَبْنٍ. وَأَظْهَرُ الأَقْوَالِ: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ بِوَقْتِ الأَدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسبق في (الفلس) أن خيل الجندي والمرتزق تبقى له، وقياسه هنا كذلك. قال: (ولا مسكن وعبد نفيسين ألفهما في الأصح)؛ لأن المألوف شهي. والثاني: يلزمه البيع والإعتاق كالثوب النفيس يجد بثمنه ثوبًا يليق به وعبدًا يعتقه، أما إذا لم يكونا مألوفين .. فإنهما يباعان قطعًا، لكن يرد عليه ما لو كان المسكن المألوف واسعًا يكفيه بعضه وتحصل رقبة بباقيه .. فإنه يلزمه العتق. وكان ينبغي التعبير بالخادم؛ لأن الأمة كذلك، لا سيما إن احتاج إليها للوطء. ولو كان ماله غائبًا أو حاضرًا ولم يجد رقبة .. لم يجز الصوم في كفارة القتل وجماع رمضان، بل يصبر؛ لأنهما على المتراخي، وكذا كفارة اليمين كما سيأتي في بابها، وفي الظهار وجهان: أصحهما: وجوب الصبر. قال: (ولا شراء بغبن) أي: وإن قل كالماء للطهارة، واختار البغوي لنفسه الوجوب إذا وجد ثمن الغالي، وفرق بينه وبين التيمم بتكرره بخلاف الكفارة. وليس المراد أنه يجوز العدول إلى الصوم، بل عليه الصبر إلى وجود ها بثمن المثل، صرح به الماوردي في (باب التيمم). قال: (وأظهر الأقوال: اعتبار اليسار بوقت الأداء) كالوضوء والتيمم والقيام وا لقعود في الصلاة. والثاني: الاعتبار بوقت الوجوب كالحد، فإنه لو زنى وهو حر فرق أو عكسه .. أقيم عليه الحد اعتبارًا بحالة الزنا. قال القاضي: وهذا ينبني على أن المغلب عليها شائبة العقوبة، والأول على أن المغلب فيها العبادة. والثالث: الأغلظ من الوجوب إلى الأداء. وقيل: أغلظ الحالين لا ما بينهما، وعلى الأظهر قال الإمام: إذا اعتبرنا الوجوب حال الأداء .. ففي التعبير عن الواجب قبل الأداء غموض، فلا يتجه إلا أن يقال:

فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عِتْقٍ .. صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ تَتَابُعٍ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الواجب أصل الكفارة ولا يعين خصلة، أو يقال: يجب ما يقتضيه حال الوجوب، فإن تبدل الحال .. تبدل الواجب. قال: (فإن عجز عن عتق .. صام شهرين متتابعين)؛ للآية فلو تكلف الإعتاق بالاستقراض وغيره .. أجزأه على الأصح؛ لأنه ترقى إلى الرتبة العليا. ولو شرع المعسر في الصوم ثم أيسر .. لم يلزمه الإعتاق، خلافا لأبي حنيفة والمزني وبعض الأصحاب. ولو صام ثم بان أنه ورث رقبة ولم يعلم بها .. اعتد بصيامه اعتبارًا بظنه لا بما في نفس الأمر، ولو نسيها في ملكه ثم صام .. لم تجزئه للفرق بين الجاهل والناسي. قال: (بالهلال)؛ لأنها الأشهر الشرعية. قال: (بنية كفارة) أي: كل ليلة من الليل؛ لما تقدم في (كتاب الصيام) في ذلك. وشرطها التبييت؛ لأنه صوم واجب، ولا يجب تعيين جهة الكفارة عن ظهار أو قتل أو غيرهما كما تقدم، وعن مالك: تكفي نية صوم الشهرين في الليلة الأولى كما يقول في شهر رمضان، فلو كان عليه كفارتان فصام أربعة أشهر عما عليه من الكفارة .. أجزأه. قال: (ولا تشترط نية تتابع في الأصح) اكتفاء بالتتابع الفعلي، ولأن التتابع شرط في العبادة فلا يجب بنية فيها كستر العورة في الصلاة. والثاني: تشترط في كل ليلة كنية الجمة بين الصلاتين. والثالث: تشترط في الليلة الأولى؛ لأن التمييز يحصل به. تنبيهان: أحدهما: يشترط وقوع النية بعد فقد الرقبة، فلو نوى قبل طلبها ثم طللبها فلم يجدها .. وجب تجديدها، قاله الروياني.

فَإِنْ بَدَأَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ .. حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الأَوَّلَ مِنَ الثَالِثِ ثَلَاثِينَ. وَيَزُولُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَكَذَا بِمَرَضٍ فِي الْجَدِيدِ، لَا بِحَيْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: إنما يصح صوم الشهرين إذا ابتدأ بهما في وقت يعلم دوامهما، فلو ابتدأ الصوم في وقت يعلم دخول ما يقطعه في أثنائه كشهر رمضان أو يوم النحر .. لم يجزئه، وبهذا صرح في (المحرر) وأهمله المصنف. قال: (فإن بدأ في أثناء شهر .. حسب الشهر بعده بالهلال وأتم الأول من الثالث ثلاثين)؛ لتعذر الرجوع فيه إلى الهلال، وفي وجه: يحسب الشهران بالعدد، فإن ابتدأ به في أول الهلال .. صام شهرين هلاليين نَقَصَا أو تَمَّا. قال: (ويزول التتابع بفوات يوم بلا عذر) ولو كان اليوم الأخير كما إذا أفسد صومه أو نسي النية في بعض الليالي، وهل يفسد ما مضى أو ينقلب نفلًا؛ فيه القولان في التحريم بالظهر قبل الزوال ونظائره. ولو وطئ المظاهر ليلًا في الشهرين .. عصى ولم ينقطع التتابع، وقال أبو حنيفة: ينقطع، وقال المتولي: ولو وطئها ناسيًا .. لم يبطل تتابعه. ولو أفطر ظانًا غروب الشمس فأخطأ أو على أن الفجر لم يطلع فأخطأ .. انقطع المتتابع؛ لتفريطه، وفي وجه حكاه والد الروياني: لا ينقطع للعذر. قال: (وكذا بمرض في الجديد)؛ لأنه أفطر باختياره والمرض لا ينافي الصوم فأشبه ما إذا أجهده الصوم فأفطر. والمراد: مرض يجوز له الفطر في الصوم الواجب. والقديم: لا يقطع المتتابع كالحيض، وعلم منه أن خوف المرض قاطع من باب أولى. قال: (لا بحيض)؛ لأنه ليس باختيارها ولا يخلو منه شهران غالبًا والتأخير إلى اليأس خطر، وهذا إذا لم تعتد الانقطاع شهرين فأكثر، فإن اعتادت ذلك .. لزمها الصوم في زمن لا يتخلله حيض، ويقطع تتابعها الحيض حينئذ. والنفاس كالحيض لا يقطع التتابع على الصحيح، وقيل: يقطعه لندرته، وهو ظاهر نصوص الشافعي.

وَكَذَا جُنُونٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ صَوْم ِبَهَرمٍ، أَوْ مَرَضٍ .. قَالَ الأَكَثُرونَ: لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، أَوْ خَافَ زِيَادَةَ مَرَضِ .. كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتينَ مِسْكِينًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (تعليقة البغوي): إذا أفطرت بعذر النفاس ينظر، إن شرعت في الصوم في وقت تكمل لها تسعة أشهر في حالة الصوم .. وجب الاستئناف، وإن شرعت في الشهر السادس فولدت قبل تمام التسع .. لم يجب؛ لأنها معذورة، لأن الغالب أن الوضع يكون في تسعة أشهر. أه وهذا يتعين القول به. فإن قيل: طروء الحيض إنما يتصور في كفارة القتل وفي الجماع في نهار رمضان إذا أوجبناها على المرأة، أما كفارة الظهار .. فلا؛ لأنها لا تجب على النساء، فلم ذكره المصنف؟ فالجواب: أنه يتكلم في مطلق الكفارة، وأيضًا فقد يتصور من المرأة بأن تصوم عن قريبها الميت أو العاجز عن كفارة الظهار بناء على القديم المختار. قال: (وكذا جنون على المذهب)؛ لعدم الاختيار، ولمنافاته الصوم كالحيض. والثاني: أنه كطروء المرض. والإغماء ملحق بالجنون، وقيل كالمرض، وبهذا صرح جمهور الأصحاب. والفطر بالسفر وفطر الحامل والمرضع خوفًا على الولد .. قيل: كالمرض، وقيل: يقطع قطعًا، وفي (البحر) وجه: أنه يبطل في حق المرضع دون الحامل، فإن أفطرتا خوفًا على أنفسهما .. فهو كالمرض، وفي (الروضة) عن (تجريد المحاملي) أنه: لا يقطع قطعًا، والذي فيه الجزم بأنه كالمرض. قال: (فإن عجز عن صوم بهرم، أو مرض .. قال الأكثرون: لا يرجى زواله، أو لحقه بالصوم مشقة شديدة، أو خاف زيادة مرض .. كفر بإطعام ستين مسكينًا)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}، ومن ذكر غر مستطيع. ودخل في المشقة الشديدة شدة الشبق، وقد صرح بها المصنف في كفارة الوقاع. ولا فرق في المسكين بين الكبير والصغير والرضيع والفطيم.

أَوْ فَقِيرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقابل قول الأكثرين رأي الإمام والغزالي؛ فإنهما قالا: لا يجوز بمرض بدون شهرين في غالب الظن، قال في زوائد (الروضة): والأصح ما قاله الإمام، وقد وافقه عليه آخرون، فلو كان لا يرجى زواله فأطعم ثم برئ .. قال الرافعي: يشبه أن يلحق بما إذا أعتق عبدًا لا يرجئ زوال مرضه ثم برئ، قال ابن الرفعة: وتشبيهه بالمعضوب إذا استناب في الحج ثم بري أقرب. وقوله: (بإطعام) راعى فيه لفظ القرآن، والمراد: تمليكهم، وفي الحديث: (أطعم النبي صلى الله عليه وسلم الجدة السدس) أي: ملكها، فلو غداهم وعشاهم بذلك .. لم يجزئ كما في الزكاة، ويظهر ذلك في التمر وفي الخبز على القول بإجزائه. كل هذا إذا كان واجدًا للطعام، فإن لم يجد .. استقرت الكفارة في ذمته كما ذكره المصنف في الوقاع. وعطف المصنف المرض على الهرم من عطف العام على الخاص، وقد استحسنوا قول جالينوس: المرض هرم عارض، والهرم مرض طبيعي، وفي الحديث: (إن الله لم يضع داء .. إلا وضع له دواء إلا الهرم). قال: (أو فقيرًا): لأنه أشد حاجة من المسكين، فلو كان بعضهم فقيرًا وبعضهم مسكينًا .. جاز إجماعًا، ولا فرق في ذلك بين السائل والمتعفف، فلو دفعها إلى مسكين واحد في ستين يومًا .. لم يجزئ، خلافًا لأبي حنيفة. فرع: دفع الطعام إلى الإمام فتلف في يده قبل تفرقته .. لم يجزئه على ظاهر المذهب،

لاَ كاَفِرًا، وَلاَ هَاشِميًّا وَمُطلِبيًّا، سِتِّينَ مُدًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف الزكاة؛ فإن الإمام لا يد له على الكفارة بخلاف الزكاة، قاله في (البحر)، والذي قاله القاضي هنا أنه يبرأ ويجزئه. قال: (لا كافرًا) خلافًا لأبي حنيفة أيضًا، سواء في ذلك الذمي وغيره؛ لأنها صدقة واجبة. قال: (ولا هاشميًا ومطلبيًا)؛ لاغتنائهما بخمس الخمس، ولذلك لا يجوز الدفع لمواليهم، ولا لمن تلزمه نفقته، ولا إلى عبده ومكاتبه كزكاة المال، وصرفها إلى الأقارب الذين لا تلزم نفقتهم أولى. قال: ولو صرف إلى عبد بإذن سيده وسيده مسكين .. جاز؛ فإنه صرف إلى سيده، ويجوز صرفها إلى المجنون والصغير، لكن يقبض لهما وليهما، ويجور للمرأة صرفها إلى زوجها المسكين، ولها في ذلك أجران. قال: (ستين مدًا) قياسًا على كفارة وقاع رمضان؛ لأن الأعرابي الذي جامع فيه أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرقًا فيه خمسة عشر صاعًا فقال: (خذ هذا فأطعم عنك ستين مسكينًا) فيخص كل مسكين مد، وكفارة الظهار مثلها. وأجابوا عن الحديث الذي رواه أبو داوود عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع إلى ستين مسكينًا وسقًا من تمر وهو ستون صاعًا بأنه محمول على الجواز جمعًا بين الخبرين، قال ابن الرفعة: وفية نظر؛ لوروده في معرض بيان الواجب، وقد قال ابن بشكوال: الواقعة واحدة، فسلمة بن صخر هو المجامع في نهار رمضان وهو المظاهر. وشملت عبارة المصنف ما لو فاوت بينهم فملَّك واحدًا مدين وآخر نصف مد وهو لا يجزئ جزمًا، فلو قال: مدًا مدًا .. سلم من ذلك. ولو أعطاهم ستين صاعًا وقال: ملكتكم هذا بالسوية أو أطلق فقبلوه .. جاز، خلافًا للإصطخري. واستشكل في (المهمات) الإجراء في هذه الحالة؛ لأن الكيل ركن في قبض المكيل، وسيأتي في (كفارة اليمين) عن الماوردي أنه لو أعطاهم ثوبًا مشتركًا بينهم

ممَّا يَكُونُ فِطْرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ من غير قطع .. لم يجزئ، وهو موافق لما قاله الإصطخري. قال: (مما يكون فطرة) المراد: من الجنس المخرج فيها؛ لقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وهو غالب قوت البلد، فلا يجزئ الدقيق والسويق والخبز ولا اللحم، ويجزئ اللبن كما صححه الشيخان في (زكاة الفطر)، وصحح المصنف هنا في (التصحيح) أنه لا يجزئ، وهو خلاف المذكور في سائر كتبه. تتمة: اختار الروياني جواز الخبز فيعطى لكل مسكين رطلان، وبه قال الأنماطي وابن أبي هريرة والصيرفي وأبي حنيفة وأحمد، وبه أفتى الصيمري، وأبو ثور في كفارة اليمين خاصة، وقال ابن خيران: يعطى كل مسكين رطلا خبز وقليل أدم، وهذه المقالة أسقطها من (الروضة)، وهي في (الشرح). ولو دفع مدًا إلى مسكين ثم استرده منه. ودفعه إلى آخر وهكذا حتى استوعب الستين .. كره وأجزأه. * * * خاتمة إذا عجز عن الفصال الثلاث .. استقرت الكفارة في ذمته على الأصح، وإن عجز عن العتق والصوم ولم يملك إلا ثلاثين مدًا أو مدًا واحدًا .. لزمه إخراجه بلا خلاف؛ إذ لا بدل له، وإن وجد بعض مد .. ففيه احتمالان للإمام، قال المصنف: وينبغي أن يجزم بوجوب إخراجه. وإذا اجتمع عليه كفارتان ولم يقدر إلا على رقبة .. أعتقها عن إحداهما وصام عن الأخرى إن قدر، وإلا .. أطعم.

كتاب اللعان

كتاب اللعان

كِتَابُ اللِّعَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب اللعان لفظه مأخوذ من اللعن وهو الإبعاد عن الخير، وسمي المتلاعنان بذلك لما يعقب اللعان من الإثم والإبعاد؛ لأن أحدهما كاذب فيكون ملعونًا، وقيل: لأن كلًا منهما يبعد عن صاحبه بتأبيد الحرمة. وهو في الشرع: كلمات معلومة جعلت حب للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق به العار، سمي لعانًا لقول الرجل: علي لعنة الله أن كان من الكاذبين، واختير لفظه على لفظ الغضب والشهادة وإن كانا موجودين في لعانهما: لأن اللعنة متقدمة في الآية، ولقوة جانب الرجل لتقدمه، ولأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا ينعكس. والصحيح: أنها أيمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في امرأة هلال بن أمية: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن) وقيل: شهادات، وقيل: يمين في شوب شهادة، وقيل: عكسه. وليس في الأيمان ما يتعدد إلا اللعان والقسامة، وليس منها ما يكون من جانب المدعي إلا فيهما، وذلك رخصة على خلاف القياس للحاجة إليه. والأصل في قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآيات. وسبب نزولها: أن هلال بن أمية قذف زوجته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن السحماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك) فقال: يا رسول الله؛ إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكرر ذلك فقال هلال: والذي بعثك بالحق! إني لصادق،

يَسْبِقُهُ قَذْفٌ. وَصَرِيحُهُ الزِّنَا؛ كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ: زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الجلد، فنزلت الآيات. وروي: أن عويمرًا العجلاني قال: يا رسول الله؛ أرأيت أحدنا إذا وجد مع امرأته رجلًا ما يصنع؟! إن قتله .. قتلتموه، فكيف يفعل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنًا فاذهب فأت بها)، فتلاعنا عنده صلى الله عليه وسلم، كل ذلك في (الصحيح)، ولهذا جعل بعضهم هذا سبب نزول الآية، ومن قال بالأول .. حمل هذا على أن المراد: أن حكم واقعتك تبين بما أنزل في هلال. قال: (يسبقه قذف)؛ لترتب اللعان عليه، فلا يجوز أن يلاعن من غير سبق قذف، وفي عبارة المصنف نظر؛ لأنه إن أراد أن من شرطه أن يسبقه قذف .. فقد قال الأصحاب: يشترط في اللعان تقدم القذف أو نفي الولد، فكان ينبغي أن يذكرهما معًا، وإن أراد أن سببه قذف يسبقه .. فقد قال الشيخان: إن سببه القذف أو نفي الولد، فكان ينبغي ذكرهما. قال: (وصريحة الزنا؛ كقوله لرجل أو امرأة: زنيتَ أو زنيتِ، أو يا زاني أو يا زانية) ألفاظ القذف ثلاثة: صريح وكناية وتعريض؛ لأن اللفظ المأتي به إن لم يحتمل معنى سوى القذف .. فهو صريح، وإن احتمله فإما أن يفهم منه القذف بوضعه أم لا، والأول هو الكناية، والثاني التعريض، وذلك محرم أجماعًا، فأما صراحة لفظ الزنا .. فلتكرره وشهرته، وكذلك اللفظ المركب من النون والياء والكاف. ولو قال للمرأة: يا زاني وللرجل يا زانية .. كان قذفًا على المشهور كما سيأتي في نظيره من العتق. ولو قال لخنثى: زنى ذكرك وفرجك .. كان صريحًا، ولو ذكر أحدهما .. فالمذهب: أنه كإضافته إلى اليد.

وَالرَّمْيُ بِإِيلاَجِ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ أَوْ دُبُرٍ صَرِيحَانِ. وَزَنَأتَ فِي الْجَبَلِ كِنَايَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال لامرأة: وطئك رجلان في حالة واحدة .. قال في (الحاوي): يعزر ولا حد؛ لاستحالته، وخروجه من القذف إلى الكذب المريح، فيعزر، للأذى، كذا في زوائد (الروضة). وقال في (المهمات): يجب عليه الحد: لاحتمال أن يطأ أحدهما في القبل والآخر في الدبر، فإن صرح بمحل واحد .. فمسلم. قال: (والرمي بإيلاج حشفة في فرج مع وصفه بتحريم أو دبر صريحان)؛ لاشتهار ذلك عرفًا، ففي الإيلاج في الفرج لا بد من وصفة بالحرمة؛ لأنه قد يكون حلالًا وقد يكون حرامًا، والإيلاج في الدبر لا يكون إلا حرامًا سواء وصف به الرجل أو المرأة، فلذلك قيد المصنف الأول وأطلق الثاني. وأما قوله: يا لوطي .. فقال الرافعي: إنه كناية؛ لاحتمال إرادة أنه على دين قوم لوط عليه السلام، وقال في (الروضة): ينبغي أن يقطع بأنه صريح؛ لبعد هذا الاحتمال، وبه قطع صاحب (التنبيه)، فالصواب: الجزم بصراحته، وقال في (التصحيح): الصواب: أنه كناية. ولو رماه بإتيان البهيمة .. فهو قذف إن قلنا: يوجب الحد. قال: (وزنأت في الجبل) أي: بالهمزة (كناية) وكذلك زنأت في السلم. الزنء في الجبل: الصعود فيه، قالت منفوسة بنت زيد الخيل ترقص ولدها [من الرجز]: أَشبه أبا أمك أو أَشبه عمل .... ولا تكونن كهلَّوف وَكَل يصبح في مضجعه قد انجدل .... وأرق إلى الخيرات زَنأً في الجبل وعمل: اسم رجل، وهو خاله، والهِلَّوف: الثقيل الجافي العظيم الجثة، والوكل: الذي يتكل على غيره في أموره. وقيل: إن كان قائل ذلك من غير أهل العربية .. فليس بقذف، وإلا .. كان قذفًا،

وَكَذَا زَنَأتَ فَقَطْ فِي الأَصَحِّ. وَزَنَيْتِ فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، وَلَهَا: يَا خَبِيثَةُ، وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، وَلِقُرَشِيِّ: يَا نَبَطِيُّ وَلِزَوْجَتِهِ: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ، فَإِنْ أَنْكَرَ إِرَادَةَ قَذْفٍ .. صُدِّقَ بِيَمِيِنِه ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو قال: ونأت في البيت وهمز .. فهو قذف على الصحيح عند القاضي والبغوي. وقال غيرهما: إن لم يكن للبيت درج يصعد إليه منها .. كان قذفا قطعًا، وإن كان .. فوجهان. قال: (وكذا زنأت فقط في الأصح) إذا همز؛ لأن ظاهره الصعود، وكذلك لو قال: يا زاني في الأصح والثاني: أنه قذف والثالث: إن عرف معناه .. فليس بقذف إلا بنية، وإلا .. فقذف. قال: (وزنيت في الجبل صريح في الأصح) كما لو قال: في الدا ر. والثاني: أنه كناية، قاله في (التلخيص)؛ لأن الياء قد تقام مقام الهمزة. والثالث: صريح في العالم باللغة دون غيره. قال: (وقوله: يا فاجر يا فاسق، ولها: يا خبيثة وأنت تحبين الخلوة، ولقرشي: يا نبطي، ولزوجته: لم أجدك عذراء كناية) إن أراد به النسبة إلى الزنا .. كان قذفًا، وإلا .. فلا. قال: (فإن أنكر إرادة القذف .. صدق بيمينه): لأنه أعرف بمراده، وإذا عرضت اليمين عليه .. ليس له أن يحلف كاذبًا دفعًا للحد، وإن خلي ولم يحلف .. فالأشبه: أنه يجب عليه الإظهار في الكناية، وفيما إذا قذف سرًا ليستوفي منه الحد وتبرأ ذمته، كمن قتل نفسًا ظلمًا .. فإن عليه إظهار ذلك لوليه؛ ليقتص أو يعفو، وهذا قول من يوجب الحد بينه وبين الله تعالى، أما إذا قذفه بحيث لا يسمعه أحد .. فسيأتي في (باب حد القذف). و (النبطي): منسوب إلى الأنباط، وهم قوم ينزلون البطائح بين العراقين،

وَقَوْلُهُ: يَا ابْنَ الْحَلاَلِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ وَنَحْوُهُ .. تَعْرِيضٌ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإنْ نَوَاهُ. وَقَوْلُهُ: زَنَيْتُ بِكِ إِقْرَارٌ بِزِنًا وَقَذْفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والجمع أنباط، سموا بذلك لأنهم يستنبطون الماء؛ أي: يخرجونه من الأرض. وكذلك الحكم لو قال لها: يا فاسقة، أو فلانة لا ترد يد لامس، أو للرجل: نذل، فإن أراد النسبة إلى الزنا .. كان قذفًا. تنبيهان: أحدهما: قوله لقرشي: يا نبطي، كذا في (المحرر) و (الروضة) وبعض نسخ (الشرح) الصحيحة، أو لعربي: يا نبطي، وكذا قاله الشافعي وغيره وهو أشمل؛ لأنه ربما يوهم قصره على القرشي، وقوله للنبطي: يا قرشي، وللتركي: يا هندي وبالعكس كذلك، ولو قال لعلوي: لست ابن علوي، ثم قال: أردت أنه ليس من أصله، بل بينه وبينه آباء ولم يصدقه المقذوف .. فالقول قول المقذوف، فإن نكل .. حلف القاذف وعزر ولم يحد. الثاني: تقييد قوله: (لم أجدك عذراء) بزوجته يفهم أن الأجنبي ليس كذلك، والمقطوع به أنه مثله، فلا يظهر للتقييد بالزوج فائدة، والأصحاب أطلقوا المسألة، ويظهر أنها مصورة فيمن لم يعلم لها تقدم افتضاض مباح، فإن علم فليس بشيء جزمًا. قال: (وقوله: يا ابن الحلال، وأما أنا فلست بزان ونحوه .. تعريض ليس بقذف وإن نواه)؛ لأن النية إنما تؤثر حيث احتمل اللفظ المنوي وههنا لا دلالة في اللفظ ولا احتمال، وما يفهم ويتخيل منه .. فهو من قرائن الأحوال، كمن حلف لا يشرب له ماء من عطش ونوي أن لا يتقلد له منّة؛ فإنه إن شربه من غير عطش .. لا يحنث، وفي وجه: أن هذه الألفاظ كناية، إذا انضمت إليها النية .. كانت قذفًا اعتمادًا على الفهم وحصول الإيذاء، وإلى هذا ذهب جماعة من العراقيين، وهو ظاهر النص. وعن مالك وأحمد أنها صريحة في حال الغضب، وربما أطلق النقل عن مالك، وعندنا لا يختلف الحكم بذلك. قال: (وقوله: زنيت بك إقرارٌ بزنًا وقذف)، سواء قاله لامرأته أو أجنبية فيجب

وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: زَنَيْتُ بِكَ أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي .. فَقَاذِفٌ وَكَانِيَةٌ، فَلَوْ قَالَتْ: زَنَيْتُ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي .. فَمُقِرَّةٌ وَقَاذِفَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه حد الزنا والقذف، وتقدم حد القذف؛ لأنه حق آدمي، فإن رجع .. سقط حد الزنا دون حد القذف. قال: (ولو قال لزوجته: يا زانية، فقالت: زنيت بك أو أنت أزنى مني .. فقاذف وكانية) أما كونه قاذفًا .. فلأنه أتى بلفظ الصريح، وأما هي فليست بمصرحة؛ لأن الجواب محتمل، فإن أرادت حقيقة الزنا وأنها زنت قبل النكاح .. فهي مقرة على نفسها مصدقة للزوج وقاذفة له، وإذ أرادت أنها زنت ولم يزن هو .. كأنها تقول: زنيت بك قبل النكاح وهو مجنون أو نائم .. فيسقط عنه حد القذف ويثبت عليها حد الزنا بإقرارها ولا تكون قاذفة، ولو قالت: أردت أني لم أزن لأني لا يجامعني غيره، وإنما يجامعني هو في النكاح، فإن كان ذلك زنًا .. فهو زان أيضًا، فتصدق بيمينها ولا حد عليها وعلى الزوج حد القذف، فإن نكلت .. حلفت واستحق حد القذف. وأما قولها: (أنت أزنى مني) .. فليس بقذف إلا أن تريده؛ لاحتمال أن تريد أنه أهدي إلى الفجور وأحرص عليه منها، أو أنه لم يجامعها غيره فإن كانت زانية .. فهو أزنى منها. قال: (فلو قالت: زنيت وأنت أزنى مني .. فمقرة وقاذفة) سواء قالته جوابًا له أو مبتدئة؛ لأن كلمة المبالغة وإن كانت تقتضي الاشتراك في الأصل والاختصاص بالزيادة ولكن قولها: (أنت أزنى مني) خارج مخرج الذم والمشاتمة، ومثل ذلك لا يحتمل في وضع اللسان كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف إذ قال لإخوته: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا}. ولو قال لغيره: أنت أزنى الناس أو أزنى من الناس أو يا أزنى الناس .. لم يكن قاذفًا إلا أن يريده، كذا نص عليه الشافعي والأصحاب وخالفهم صاحب (الحاوي: فقال: الصحيح أنه قذف صريح، وأما الجمهور فقالوا: هذا ظاهرة نسبة الناس كلهم إلى الزنا وأنه أكثر زنًا منهم، وهذا متيقن البطلان، قالوا: فلو فسو وقال: أردت ذلك .. لم يكن قذفًا: لتحقق كذبه.

وَقَوْلُهُ: زَنَى فَرْجُكِ أَوْ ذَكَرُكَ قَذْفٌ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ قَوْلَهُ يَدُكَ وَعَيْنُكَ، وَلِوَلَدِهِ: لَسْتَ مِنَّي أَوْ لَسْتَ ابنِي .. كِنَايَةٌ، وَلِوَلَدِ غَيْرِهِ: لَسْتَ ابْنَ فُلاَنٍ .. صَرِيحٌ إِلاَّ لمَنَفْيِّ بِلِعَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرعان: أحدهما: قال لامرأته: يا زانية بنت الزانية .. وجب حدان، فإن حضرتا وطالبتاه .. بُدئ بحد الأم؛ لأنه واجب بالإجماع، وقذف الزوجة مختلف فيه والزوج متمكن في إسقاطه باللعان، بخلاف حد أمها، وقيل: يبدأ بحد البنت؛ لأن حدها أسبق كالقصاص، وقيل: يقرع بينهما. الثاني: قذف امرأة رجل فقال له الرجل: صدقت .. قال البندنيجي في (المعتمد): لا نص فيها للشافعي، والذي يأتي على مذهبه أنه إن نوى بتصديقه القذف .. كان قاذفًا، وإلا .. فلا، وجعله أبو ثور قذفًا مطلقًا. وقال أبو حنيفة: ليس بقذف مطلقًا بناء على أصله: أن القذف لا يكون بالكناية. قال: (وقوله: زنى فرجك أو ذكرك قذف) بإلاتفاق: لأنه آلة ذلك العمل. قال: (والمذهب: أن قوله: يدك وعينك، ولولده: لست مني أو لست ابني .. كنايةٌ، ولولد غيره: لست ابن فلان .. صريح إلا لمنفي بلعان) أما الأولى .. فلأن المقصود من زنا هذه الأعضاء اللمس والمشي والنظر. وفي (الصحيحين) [خ 6243 - م2657/ 21]: (العينان تزنيان واليدان تزنيان) فلا يصرف الزنا الحقيقي إلا بالإرادة، ولهذا لو نسب ذلك إلى نفسه .. لم يكن إقرارًا بالزنا قطعًا. والطريقة الثانية: حاكية لوجهين أو لقولين، ووجه من قال: إنه قذف - وبه قال مالك - أنه أضاف الزنا إلى عضو منه، فأشبه ما إذا أضافه إلى الفرج. وقيل: إن قال: يداك أو عيناك .. فكناية قطعًا؛ لمطابقة لفظ الحديث، وإلا فوجهان لو قال: زنى بدنك - بالنون - فأصح الوجهين - وبه قال أبو حنيفة -: أنه صريح في القذف لإضافته الزنا إلى الجملة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الثانية: وهي إذا قال لابنه اللاحق به ظاهرًا: لست ابني أو لست مني .. فالنص أنه كناية لا يكون قاذفًا إلا أن يريد القذف. ولو قال لأجنببي: لست ابن فلان .. فالنص أنه قاذف لأمه، وفيه طرق: المذهب: تقرير النصين: لأن الأب يحتاج إلى تأديبه، وهذا ضرب منه، بخلاف الأجنبي. والثاني: فيهما قولان: أحدهما: صريح فيهما، وأقيسهما: كناية. فعلى المذهب: إذا قال ذلك .. نستفسره، فإن قال: أردت أنه من زناّ .. فقاذف، وإن قال: لا يشبهني خلقًا وخلقًا .. صدق بيمينه إن طلقها، فإن نكل .. حلفت واستحقت حد القذف، ول أن يلاعن لإسقاطه على الصحيح، وإن قال: أردت أنه من وطء شبهة .. فلا قذف. ولو قال رجل لأخيه: لست أخي .. فالظاهر أن كناية، وأما ولد غيره المنفي باللعان، فإن قال له: لست ابن فلان الملاعن .. فإنه لا يكون قاذفًا لأمه؛ لأنه ملاعن محتمل فيسأل، فإن قال: أردت تصديق الملاعن في أن أمه زانية .. فالظاهر أنه كناية، فهو قاذف، وإن أراد أن الملاعن نفاه أو أنه منفي شرعًا أو لا يشبهه خلقًا وخلقًا .. صدق بيمينه، فإذا حلف .. قال القفال يعزر للإيذاء، وإن نكل .. حلفت الأم أنه أراد قذفها واستحقت الحد عليه. هذا إذا لم يستلحقه النافي، فإن استلحقه ثم قال له. قائل ذلك .. فالظاهر أنه قاذف، فيحد من غير أن يسأل عن مراده، فإن ادعى احتمالًا ممكنًا كقوله: لم يكن ابنه حين نفاه .. قبل قوله بيمينه ولا حد. فروع: النسبة إلى سائر الكناية غير الزنا والإيذاء بسائر الوجوه لا يتعلق، به حد قذف، ويجب فيه التعزير، وكذا لو قال لها: زنيت بفلانة أو زنت بك، وسواء في القذف عندنا حالة الرضا والغضب.

وَيُحَدُ قَاِذفُ مُحْصَنِ، وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ. وَالْمُحْصَنُ: مُكَلَّفٌ، حُرٌ، مُسْلِمٌ، عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن القطان: لو قال له: يا بغيًا، أو لها: يا قحبة .. لم يكن قذفًا إلا أن ينويه؛ لأنه ليس بصريح، ومقتضى كلام المصنف في آخر (طلاق) (الروضة) أنه صريح، وبه جزم ابن عبد السلام، وأفتى بأن قوله: يا مخنث صريح للعرف. وفي (شرح الكفاية) للصيمري: أنه لو قال: يا مأبون .. كان كناية، وبه أفتى المصنف، وكذا قوله: يا سائب إن كان يطلق في العرف للنسب إلى الزنا. وقوله: يا قواد .. الأصح: أنه كناية في قذف زوجته، وقيل: صريح؛ لجريان العادة بالقذف به، وقيل: صريح في حق العامي. وفي (التهذيب): أن قوله للمرأة: يا قوادة كنايةٌ، وفية نظر؛ لأنه لا إشعار له بقذفها نفسها، ولو قال يا عاهر .. ففي كونه صريحًا وجهان. قال: (ويحد قاذف محصن)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. وشمل إطلاقه من ليس له وارث، والأصح أنه يحد سواء قذفه حيًا ثم مات أو قذفه ميتًا، فإن الإمام يحده نيابة عن المسلمين، وله أن يعفو عنه أيضًا، وسيأتي هذا عند قول المصنف: (وحد القذف يورث). قال: (ويعزر غيره) كالعبد والذمي والصبي والزاني؛ للايذاء، وإنما لم يحد: لأن الله تعالى خص، الحد بالمحصن، ومراد المصنف: أن قاذف غير المحصن يعزر كما عبر به في (المحرر) لا غير قاذف المحصن؛ فإن الثاني يشمل من لم يقذف أصلًا. قال: (والمحصن: مكلف، حر، مسلم، عفيف عن وطء يحد به)؛ لأن الله تعالى شرط فيه الإحسان وهو الكمال، وأضداد ما شرطنا نقص. قال صلى الله عليه وسلم: (من أشرك بالله .. فليس بمحصن) وإنما جعل

وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ عَلَى اَلْمَذْهَبِ، لاَ زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ وَأَمَةِ وَلَدِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ بِلاَ وَلِيَّ فِي الأَصَحِّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ الكافر محصنًا في حد الزنا؛ لأن حده إهانه له والحد له إكرام، وأما اعتبار العفة عن وطء يحد به .. فلأن من زنى لا يتعير به، وشمل ذلك ما إذا وطئ جارية زوجته أو أحد أبويه، ووطء المرتهن المرهونة عالمًا بالتحريم، وكذا إذا أولج في دبر، خلافًا للبغوي. قال في (البسيط): وهذا كالأصل في الصفات وباقيها كالتتميم، ولهذا أخره المصنف على طريقة الترقي. واحترز عما لا يوجب الحد كوطء المملوكة المحرمة بالرضاع، أو الجارية المشتركة، أو جارية الابن، لكن يرد عليه وطء زوجته في دبرها؛ فإنه يبطل الإحسان ولا يحد به على الأصح، وكذلك وطء المحرم المملوكة كما سيأتي. ولا يشترط في ثبوت العفة البحث عنها على الأصح، بل يحصل باشتهار الخير والعفاف، وقيل: لا بد من البحث كالعدالة، والفرق أن القاذف عاص بالقذف فغلظ عليه بالحد يظاهر الإحصان، بخلاف الشهادة. قال: (وتبطل العفة بوطء محرم مملوكة على المذهب) كأخته أو عمته بنسب أو رضاع؛ للدلالة على قلة مبالاته، بل غشيان المحارم أشد من مباشرة الأجنبيات. قال: (لا زوجته في عدة شبهة وأمة ولده ومنكوحته بلا ولي في الأصح)؛ لأنه وطء يثبت به النسب، ولا يتعلق به الحد فأشبه الوطء الحرام الواقع في الملك. والثاني: تبطل العفة؛ لوقوعه في غير الملك كالزنا، ولأن الشبهة تسقط الحد عن الواطىء، فكذلك يسقط حد القذف عن القاذف، وقول الأصحاب: (إن وطء أمة ولاه لا يبطل الحصانة) يجب تقييده بغير المستولدة والموطوءة؛ فإنا إذا حددناه به ..

وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ .. سَقَطَ الْحَدٌ، أَوِ ارْتَدَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبطلنا به حصانته، ووطء الجارية المشتركة بين الواطىء وغيره من هذا القبيل. وقوله: (بلا ولي) تبع فيه (المحرر)، وفي (الشرح) و (الروضة) بلا ولي ولا شهود، والذي في الكتاب أصوب، ومثله الوطء في المتعة والشغار. وعلم من ذلك أن مقدمات الزنا كالمراودة عليه والقبلة واللمس لا يقدح في الإحصان بحال، وللشيخ أبي محمد فيه احتمال، قال الإمام: ليس بشيء. ووطء الزوجة في الحيض وفي الإحرام أو الاعتكاف أو قبل تكفير الظهار .. لا يبطل العفة، وقيل: وجهان. قال: (ولو زنى مقذوف) أي: قبل أن يحد له) .. سقط الحد)؛ لأن الإحسان لا يستيقن ولكن يظن، وطروء الزنا يخدش الظن السابق، فأشبه ما إذا شهد شاهدان ظاهرهما العدالة ثم ظهر فسقهما قبل الحكم. والمراد: أن زناه ثبت بإقراره أو ببينة؛ لأن ظهور ذلك يدل على تكرره منه، فإن عمر رضي الله عنه حمل إليه زان فقال: والله ما زنيت قبلها فقال له: (كذبت إن الله لا يفضح عبده بأول معصية). كذا استدل به الرافعي، وهو في (البيهقي) [8/ 276] بإسناد جيد، لكن القصة في سارق لا في زان، هذا هو الجديد. ونقل عن القديم أن قاذفه يحد، وإليه ذهبت طائفة من الأصحاب، واختاره المزني وابن سريج والإمام؛ لأن الذنب الطارئ بعد وجوب الحد لا يمنع من إقامته كما لو ارتد المقذوف أو نقصت قيمة المسروق. وحكم الوطء المحرم المسقط للإحصان كما بيناه إذا طرأ بعد القذف حكم الزنا، وإذا أقر المقذوف ثم رجع عن الإقرار .. لا يقبل رجوعه في حق القاذف، ولا يلزمه حد القذف؛ لأن رجوعه إنما أفاد درأ الحد عنه لا ثبوته على القاذف بعد سقوطه. قال: (أو ارتد .. فلا) نص الشافعي في المسألة المتقدمة على سقوط الحد،

وَمَنْ زَنَى مَرَّةّ ثُمَّ صَلُحَ .. لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي هذه على عدمه، واعترض المزني عليه، وأخذ الجمهور بالنصين، ومنهم من خرج من كل مسألة في الأخرى وجهًا. والفرق: أن الزنا يكتم ما أمكن، فإذا ظهر .. فالغالب سبق مثله، والردة عقيدة والعقائد لا تخفى غالبًا، فإظهارها لا يدل على سبق الإخفاء، والحكم لا يختص بطروء الردة، بل صدور السرقة من المقذوف أو القتل بعد القذف أو قبلة يؤثر؛ لأن فقدان ذلك ليس من شرط الإحصان، وإنما ذكر المصنف الردة ليفهم أن ما عداها من باب أولى فرع: لو لم تقم بينة .. فليس للقاذف إحلاف المقذوف على أنه لم يزن في الأظهر؛ لأن شريك بن السحماء سئل فأنكر فلم يحلفه النبي صلى الله عليه وسلم. قال الرافعي: ومقابلة موافق لقول الأكثرين، ويعضده قول القاضي حسين: لو قذف ميتًا وأراد تحليف ورثته أنهم لا يعلمونه زانيًا .. فله ذلك في الأصح، فعلى هذا: إن نكل المقذوف .. حلفه القاذف وسقط حد القذف، ولا يحد المقذوف للزنا على الأصح؛ لأن الزنا لا يثبت بعدلين فكيف يثبت باليمين المردودة. قال: (ومن زنى مرة ثم صلح .. لم يعد محصنًا) ولو أقام مئة عام، ولو لازم العدالة وصار من أورع خلق الله تعالى وأزهدهم؛ لأن العرض إذا انثلم لا يسد بالتوبة، فلأجل ذلك لا يحد قاذفه ولكن يعزر للإيذاء، واستثكل بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويؤيده عود أهلية الشهادة، وسواء قذفه بذلك الزنا أم بزنًا بعده قال الإمام: هذا ظاهر إذا قذفه بذلك الزنا أو أطلق، أما إذا قذفه بزنًا بعده .. فيظهر أنه يحد إذا ظهرت التوبة وقبلت الشهادة قبل الزنا الذي رماه به. ويجري هذا الخلاف فيما إذا زنى كافر ثم أسلم أو رقيق ثم عتق وصلحت سريرتهما فقذفا بزنًا آخر، بخلاف ما إذا وطئ؛ الصبي أو المجنون على صورة الزنا .. فإن قاذفهما يحد بعد البلوغ والإفاقة.

وَحَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ، وَالأَصَحُ: أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحد القذف يورث) كسائر الحقوق، ولو قال: وموجب القذف .. كان أحسن؛ فإن تعزيره أيضًا يورث. ولا فرق بين أن يكون له وارث خاص أم لا على الأصح، ويحده الإمام نيابة عن المسلمين كما تقدم. وشمل كلامه ما إذا قذف عبدًا ومات العبد قبل الاستيفاء، والأصح: يستوفيه السيد لا على سبيل الإرث، ولكنه أخص الناس به، فما ثبت له في حياته .. يكون له بعد وفاته بحق الملك كمال المكاتب. وعلم من تعبيره بالإرث أنه لا يرثه الكافر والرقيق، فلو مات المقذوف مرتدًا قبل استيفاء الحد فهل يسقط أو للوارث استيفاؤه؟ قال ابن أبي الدم: لم أر فيه نقلًا. قال: (ويسقط بعفو)؛ لما روى الشيخان عن أبي ضمضم أنه كان إذا أصبح تصدق بعرضه، والمخالف في ذلك أبو حنيفة، ولو عفا عن بعضه .. لم يسقط شيء منه كما صححه الرافعي في (كتاب الشفعة). وكذلك التعزير يسقط بالعفو كما في (الروضة)، ولم يتعرض له الرافعي، وهو مخالف لما صححه في (باب التعزير) من أن للإمام أن يستوفيه مع العفو. ولو قذف إنسانًا ثم ورثه .. سقط الحد ولا يتصور نظيره في القصاص؛ لعدم الميراث. وفي (فتاوى الحناطي): لو عفا وارث المقذوف عن الحد على مال .. سقط الحد ولا يجب المال على الأظهر، وأنه لو اغتاب شخصًا ثم سأل التحليل من وراثه .. لم يؤثر تحايله. قال: (والأصح: أنه يرثه كل الورثة) كالمال والقصاص، فيقدم من تقدم في (الإرث). والثاني: جميعهم غير الزوجين؛ لارتفاع النكاح بالموت. والثالث: رجال العصبات فقط؛ لأنه لدفع العار فاختص بهم. والرابع: رجال العصبة سوى البنين كالتزويج.

وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ .. فَلِلْبَاقِي كُلُهُ. فَصْلٌ: لَهُ قَذْفُ زَوْجَةِ عَلِمَ زِنَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد: أنه يثبت جميعه لكل واحد لا أنه يثبت لكل واحد حد كامل، وإلا .. لزم تعاده بتعدد الورثة، فيثبت لكل واحد على جهة البدل عكس القصاص؛ فإنه يثبت لهم مبعضًا، ولذلك صرح الماوردي بأن لبعض الورثة طلب الحد مع غيبة الباقين أو صغيرهم، بخلاف القصاص. قال: (وأنه لو عفا بعضهم .. فللباقي كله) كولاية التزويج وحق الشفعة. والثاني: يسقط جميعه كالقصاص، ورد بأنه لا بدل لهذا، بخلاف القصاص. والثالث: يسقط نصيب العافي ويستوفي الباقي؛ لأنه قابل للتقسيط، بخلاف القصاص، وهل يجري هذا الخلاف في عفو بعض المسلمين إذا لم يكن له وراث خاص؛ فيه نظر. تتمة: قذف عبدًا .. ثبت له التعزير دون سيده؛ لأن السيد لا يملك عرضه، ولو قذفه المولى .. عزره القاضي: لتصرفه فيما ليس له، وفي وجه: ليس له طلب التعزير، بل يقال للسيد: لا تعد، فإن عاد .. عزره. قال: (فصل) هذا معقود لأحكام قذف الزوجة خاصة، وهو كغيره في ألفاظه، صرائحه وكناياته ووجوب الحد به، لكنه قد يباح أو يجب، وله أن يسقطه باللعان. وروي مسلم [1660] عن أبي هريرة قال: حدثني أبو القاسم - ولفظ البيهقي [8/ 10]: أبو القاسم نبي التوبة- صلى الله عليه وسلم قال: (من قذف مملوكًا بريئًا مما قال .. أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال). قال: (له قذف زوجة علم زناها) كما إذا رأى ذلك عيانًا.

أَوْ ظَنَّهُ ظَنّاَ مُؤَكَّدًا كَشَيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةِ بِأَنْ رَآهُمَا فِي خَلوَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن أبي داوود): أن هلال بن أمية جاء أهله عشاء فرأى بعينه وسمع بأذنه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكره النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء به، فنزلت الآية، لكن الأولى له أن يلاعن، لكن صرح الشيخ عز الدين في هذه الحالة بوجوب الملاعنة دفعًا للحد عن ظهره. قال: (أو ظنه ظنًا مؤكدًا كشياع زناها بزيد مع قرينة بأن رآهما في خلوة)؛ لأن الظن مع هذه القرينة تلحقه بالعلم، فلا بد من الشيوع مع القرينة، فلو تجردت الاستفاضة عن القرية .. لم يجز اعتمادها؛ إذ قد تستند إلى خبر كاذب، وعن الداركي أنها تكفي، وبه أجاب القاضي حسين، ورجحه الماوردي، ووجهة بأنها أقوى من خبر الو احد، وقد جعلت في القسامة لوثًا، ويجوز له الحلف على القتل بها فيجعل من شواهد القذف. ولو أخبرته الزوجة بزناها ووقع في قلبه صدقها .. جاز اعتماده وقذفها وإن كانت فاسقة؛ لأنه من باب المؤاخذة لا من باب الإخبار، وذلك أبلغ في الظن من خبر العدل؛ لأن شأنها الكتمان لا سيما من الزوج. ولو سمعه ممن يثق به .. فله اعتماده إن لم يكن من أهل الشهادة. وذكر الإمام والغزالي وغيرهما: أنه لو رآها معه مرات في محل الريبة .. كان كالاستفاضة مع الرؤية مرة، وكذا لو رآها معه تحت شعار على هيئة منكرة. وما لم يكن هناك ولد .. لا يجب على الزوج القذف، بل يجوز أن يستر عليها ويفارقها بغير لعان. ولو أمسكها .. لم يحرم؛ لما روى أبو داوود [2042] والنسائي [6/ 67] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا نبي الله؛ إن لي امرأة لا ترديد لامس، قال: (طلقها) قال: إني أحبها، فقال: (أمسكها). قيل: معنى: (لا ترديد لامس) تجيب من أرادها، وخاف النبي صلى الله عليه وسلم إن أوجب عليه طلاقها أن تتوق نفسه إليها فيقع في الحرام، وقيل: معناه أنها تعطي من ماله من يطلب منها، وهذا أشبه.

وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ .. لَزِمَهُ نَفْيُهُ. وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إِذَا لَمْ يَطَا، أَوْ وَلَدتَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْوَطْءِ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ لَمِا بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَسْتَبْرِىْء بِحيَضْةٍ حَرُمَ الْنَّفْيُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أحمد: لم يكن ليأمره بإمساكها وهي تفجر، وقد قال علي وابن مسعود: إذا جاءكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فظنوا به الذي هو أهدى وأتقى. قال: (ولو أتت بولد علم أنه ليس منه .. لزمه نفيه)؛ لأن ترك النقي يتضمن الإلحاق، ولا يجوز له استلحاق من ليس منه، كما لا يجوز له نفي من هو منه. وفي وجه ضعيف: أنه يجوز؛ لأن اقتحام اللعان شهرة وفضيحة يصعب احتمالها على ذوي المروءات. قال: (وإنما يعلم إذا لم يطأ، أو ولدته لدون ستة أشهر من الوطء أو فوق أربع سنين)؛ لأن الحمل لا يكون في أقل من ستة أشهر ولا أكثر من أربع سنين فيلزم أن يكون من غيره، لكن يرد عليه ما لو استدخلت ماءه .. فلا يحل له النفي وان كان يعلم أنه لم يطأ، ولو طهرت من الحيض ولم يطأها في ذلك الطهر ورآها تزني وأتت بولد يمكن أن يكون من الزاني .. فقال العراقيون يجب عليه قذفها ولعانها ونفيه وسيأتي. قال: (فلو ولدته لما بينهما ولم يستبرىء بحيضة .. حرم النفي) ولا عبرة بريبة يجدها في نفسه أو شبهة تخيل إليه فسادًا، ففي (سنن أبي داوود) و (النسائي) و (ابن ماجه) و (ابن حبان) و (الحاكم) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة أدخلت في قوم من ليس منهم .. فليست من الله في شيء، ولم يدخلها جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه .. احتجب الله عنه، وفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة). فرع: لو رأى فيه شبهًا بغيره .. فقيل: له نفيه باللعان؛ لأن للشبه أثرًا في النسب، فيجوز القذف والنفي به، والصحيح: أنه ليس له النفي؛ لما روى مسلم [1500] عن

وِإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرِ مِنَ الاِسْتِبْرَاءِ .. حَلَّ النَّفْيُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ وَطِئَ وَعَزَلَ .. حَرُمَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أعرابي فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال: (هل لك من إبل ... (الحديث، والرجل المذكور: ضمضم بن قتادة العجلي، ذكره عبد الحق وزاد فيه زيادة حسنة، قال: كانت المرأة من بني عجل، فقدم المدينة عجائز من قومها فسئلن عن المرأة التي ولدت الغلام الأسود فقلن: كان في آبائها رجل أسود. قال: (وإن ولدته لفوق ستة أشهر من الاستبراء .. حل النفي في الأصح)؛ لأن الاستبراء أمارة ظاهرة على انه ليس منه لكن المستحب أن لا يفيه: لأن الحامل قد ترى الدم. والثاني: إذ رأى بعد الاستبراء مخيلة الزنا .. جاز النفي، بل يلزمه؛ لأن الغالب على الظن في هذه الحالة أنه ليس منه، وإن لم ير شيئًا .. لم يحز، وفي (أصل الروضة): أن هذا أصح الأوجه، وهو الأصح في (الشرح الصغير) تبعًا للغزالي والعراقيين. والثالث: جوز النفي، سواء وجدت ريبة أم لا، ولا يجب بحال؛ للاحتمال. تنبيهان: أحدهما: هل يحسب ابتداء المدة من طروء الدم أو من انقطاعه؟ لم أر من ذكره، والظاهر الأول؛ لأنه الدال على البراءة. الثاني: قوله: (من الاستبراء) تبع فيه (المحرر)، وصحح في (الروضة) أن الاعتبار في الستة أشهر من حين يزني الزاني بها: لأن مستند اللعان زناه، فإذا ولدت لدون ستة أشهر من حين زنى ولأكثر من ستة أشهر من الاستبراه .. تبين أن ليس من ذلك الزنا، وهذا واضح، وكان ينبغي له هنا أن يزيده على (المحرر) كما فعل في (الروضة). قال: (ولو وطئ وعزل .. حرم) أي: النفي (على الصحيح)؛ لأن الماء قد

وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَل كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنَ الزِّنَا .. حَرُمَ النَّفْيُ، وَكَذَا الْقَذْفُ وَالِّلعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسبق من غير إحساس به، ولأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال: (لا عليكم أن لا تفعلوا، ما كتب خلق نسمة كائنة إلا ستكون)، ولأن أحكام الوطء متعلقة بالإيلاج دون الإنزال، وعلى هذا: له نفيه بد عوى الاستبراء والحلف. ويقابله احتمال للغزالي: أنه يجوز؛ لأنه إذا احتاط فيه .. كان كمن لم يطأ، ولأنه يغلب على الظن بذلك أنه ليس منه، وهذا أحد المواضع التي جعل المصنف فيها قول الغزالي وجهًا. وسكت عما لو كان يطأ فيما دون الفرج، والأصح: لا يلحقه؛ لانتفاء الإيلاج، وقيل: يلحقه: لإمكان سبق الماء. ويجريان فيما لو ادعى الوطء في الدبر، وقد تناقض فيه تصحيح الشيخين، فصححا في (النكاح) أنه يلحقه، وفي (باب الاستبراء) أنه لا يلحقه. قال: (ولو علم زناها وأحتمل كون الولد منه ومن الزنا .. حرم النفي)؛ لقيام الاحتمال، وقه أمرنا بإلحاق الولد بالفراش فلا يجوز الهجوم على سبب الإمكان، كذا قاله الشيخان تبعًا للإمام، والذي نص عليه الشافعي في (أحكام القرآن (الجواز، وهذا النص محمول على ما إذا تساوى الاحتمالان، فإن غلب احتمال كونه منه .. فالتحريم ظاهر، وبه جزم الماوردي، وعلية ينزل كلام المصنف. وإن كان احتمال كونه من الزنا أغلب .. ففي زوائد (الروضة) عن الماوردي الجزم بجواز النفي، ويظهر أن فيه الخلاف. قال: (وكذا القذف واللعان على الصحيح)؛ لأن نسبتها إلى الزنا يعير به الولد، وقد تطلق فيه الألسنة فيتضرر به. والثاني: يجوز انتقامًا منها وتعويضًا لها للحد كما إذا لم يكن من ولد، وهذا قال الإمام: إنه القياس، فأثبته الشيخان وجها.

فَصْلٌ اللِّعَانُ: قَوْلُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ هَذِهِ مِنَ الزِّنَا، فَإِنْ غَابَتْ .. سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قوله: ليس هذا الولد مني لا ينتفي عنه بذلك، بل لا بد من بيان سبب النفي فيقول: وإنه من الزنا، هذا الذي نص عليه المعنى، وهو منصوص (الأم) ووقح للرافعي والمصنف فيه اضطراب في مواضع بينها في (المهمات). قال: (فصل) عقده لثمرة اللعان وصفته وأحكامه. فأما ثمرته .. فعدها الغزالي أربعة: نفي النسب، وقطع النكاح، ودفع عقوبة القذف، ودفع عار الكذب فيه. واعترض عليه بأن من ثمرته: تأبد التحريم، ووجوب حد الزنا عليها، وسقوط حد قذف الزاني بها عن الزوج، وسقوط حصانتها في حقه إذ لم تلاعن هي، وبشطر الصداق قبل الدخول، واستباحة نكاح أختها ونحوها، وأربع سواها في عدتها. قال: (اللعان: قوله أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا يدل لاعتبار العدد قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} الآية وكررت لتأكد الأمر، ولأنها أقيمت مقام أربع شهود من غيره ليقام عليها الحد، ولذلك سميت شهادات وهي في الحقيقة أيمان، وإنما اعتبر تسمية ما رماها به لأنه المحلوف عليه، وتكفي الإشارة إليها ولا يحتاج إلى التسمية معها على الصحيح، وقيل: يجب الجمع بين الاسم والإشارة، وظاهر عبارة (الروضة) و (الشرحين) اعتبار زوجتي هذه، وهو المنقول في (التتمة) و (تعليق البدنيجي). قال: (فإن غابت) أي: من البلد أو المجلس لحيض أو نفاس أو غيرهما) .. سماها ورفع نسبها بما يميزها) عن بقية نسائه إن كان له غيرها؛ دفعًا للاشتباه.

وَالْخَامِسَةَ: أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبيِنَ فِيمَا رَمَاهَا به مِنَ الزِّنَا. وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَنْفيهِ .. ذَكَرَهُ فِي الْكَلِمَاتِ فَيَقُولُ: وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ أَوْ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي. وَتَقُولُ هِيَ أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمِانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَاَدةِ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ غَضَبِ بِلَعْنِ، وَعَكْسُهُ أَوْ ذُكِرَا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ .. لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا) للآية، وإن قذفها برنيتين ذكرهما في اللعان. قال: (وإن كان ولد ينفيه .. ذكره في الكلمات) أي: الخمس المعهودات (فيقول: وإن الولد الذي ولدته، أو هذا الولد من زنًا ليس مني)؛ لأن كل مرة بمنزلة شاهد ولو اقتصر على قوله: (من زنًا) .. لم يكف عند كثيرين؛ لأنه قد يعتقد الوطء بالشبهة وفي النكاح الفاسد زنا، والأصح في (أصل الروضة) و (الشرح الصغير): الاكتفاء به؛ حملًا للفظ على حقيقته. قال: (وتقول هي: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا) وهو المحلوق عليه، وأفهم سكوتها عن لفظ الولد أنها لا تحتاج إليه وهو المشهور؛ لأنه لا يتعلق به في لعانها حكم. قال: (والخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) للآية، والقول في تعريفه حاضرًا أو غائبًا كما تقدم. وغضب الله إرادة الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وإنما خص اللعن بجانبه والغضب بجانبها؛ لأن جريمة الزنا أقبح من جناية القذف منه، ولذلك تفاوت الحدان. قال: (ولو بدل لفظ شهادة يحلف ونحوه، أو غضب بلعن وعكسه، أو ذكرا قبل تمام الشهادات .. لم يصح في الأصح) أما الأول .. فلأن الله تعالى أمر بلفظ الشهادة، فلا يكفي الإتيان بغيرها كما إذا أتى الشاهد بغير لفظ أشهد، ووجه مقابله:

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ: أَمْرُ الْقَاضِي، وَتَلْقِينُ كَلِماتِهِ، وَأَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَاُنَها عَنْ لِعَانِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن اللعان عندنا يمين، ولفظ القسم والحلف صريح في لفظ اليمين، ولفظ الشهادة كناية، فكان الصريح أولى. وأما إذا أبدل لفظ اللعن بالغضب وعكسه .. فوجه عدم الصحة عدوله عن المنصوص عليه، ووجه مقابلة القياس. وأما ذكر اللعن أو الغصب قبل الكلمات الأربع أو في أثنائها .. فوجه عدم الصحة فيها مخالفة الآية، ووجه مقابله أن المقصود من اللعان التغليظ وقد حصل، وأصل هذه المسائل: أن المراعى لفظ نظم التنزيل أو المعنى. وقوله: (بدل لفظ شهادة بحلف) عبارة مقلوبة، وصوابه: لفظ حلف بشهادة؛ لأن (الباء) تدخل على المتروك كما تقدم. قال: (ويشترط فيه) أي: في اللعان (أمر القاضي)؛ لأنه يمين ولا يعتد بها قبل استحلاف القاضي وإن غلب فيه معنى الشهادة فهي تؤدي عنده. قال: (وتلقين كلماته) فيقول له في كل مرة: قل كذا، فلو ابتدأ الملاعن بها .. لم يعتد بها دون إحلاف القاضي، وعطف المصنف التلقين على الأمر يقتضي أنهما متغايران، وليس كذلك، بل الأمر هو التلقين، ولهذا اقتصر في (الروضة) على الأمر إلا أن يكون أراد بتلقين الكلمات أنه لا يكتفى بتلقين أولها، وهو كذلك، فلا بد من تلقينه جميع الكلمات ولو كان فقيهًا عارفًا بها، ويحتمل أن يكون أراد بالأمر قوله (قل) ف (أشهد) إلى آخره تلقين. وتشترط الموالاة بين الكلمات الخمس على الأصح، ولا يثبت شيء من أحكام اللعان إلا إذا تمت الكلمات الخمس. ولو حكم حاكم بالفرقة بأكثر كلمات اللعان .. لم ينقذ حكمه؛ لأنه غير جائز بالإجماع، فلا ينقذ كسائر الأحكام الباطلة. قال: (وأن يتأخر لعانها عن لعانه)؛ لأن لعانها لإسقاط الحد، وإنما يجب الحد عليها بلعان الزوج فلا حاجة بها إلى أن تلتعن قبله. وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز الابتداء بلعانها.

وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ. وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَفِيمَنْ عَرَفَ العَرَبِيَّةَ وَجْهٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويلاعن أخرس بإشارة مفهمة أو كتابة) كالبيع والنكاح والطلاق وغيرها، بل أولى؛ لأن مما تدعو الضرورة إليه. وقال أبو حنيفة: لا يصح قذفه ولعانه، ثم المفهوم من كلام الأئمة تعريضًا وتصريحًا تصحيح لعانه بالإشارة وحدها وبالكتابة وحدها، وذكر المتولي أنه إذا لاعن بالإشارة .. أشار بكلمة الشهادة أربع مرات ثم بكلمة اللعن، وإن لاعن بالكتابة .. كتب كلمة الشهادة وكلمة الل ن ويشير إلى كلمة الشهادة أربع مات، ولا يكلف أن يكتب أربع مرات. ومقتضى التصحيح بالكتابة المجردة تكرير كتابة كلمة الشهادة، وأما قول الغزالي في (الوجيز): عليه أن يكتب مع الإشارة أو يورد اللفظ عليه ناطق فيشير بالإجابة .. فبم يقله أحد من الأصحاب، وإنما قال الإمام: لو قال به قائل .. لكان قريبًا. ولو لاعن أخرس بالإشارة ثم عاد نطقه وقال: لم أرد اللعان بإشارتي .. قبل قوله فيما عليه، فيلحقه النسب والحد، ولا يقبل فيما له ترتفع الفرقة والتحريم المؤبد. فإن قال: لم أرد ال1ف أصلًا .. لم يقبل، كذا حكاه الشيخان، وهو خلاف المنصوص .. فالنص أنه لا يحد ولا ترد إليه. ومقتضى إطلاق المصنف وغيره: أن الخرساء تلاعن كالجل الأخرس، والذي نص عليه الشافعي أنها لا تلاعن، والفرق أن بالرجل ضرورة لنفي الولد ودفع الحد، وليس بالمرأة ضرورة، لكن قال ابن القطان يعد حكاية النص: الأشبه بأصولنا أنها تلاعن كما لو ادعى عليها بيع أو شراء. قال: (ويصح بالعجمية)؛ لأنه إما يمين أو شهادة وكلاهما باللغتين سواء، ويجب أن يراعي ترجمة الشهادة واللعن والغضب. والمراد ب (العجمية): ما عدا العربية من اللغات. قال: (وفيمن عرف العربية وجه) أنه لا يلاعن إلا بالعربية كتكبيرة الإحرام،

وَيُغَلَّظُ بِزَمَانٍ، وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ، وَمَكَانٍ، وَهوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأن العربية هي التي ورد الشرع بها فلا يقوم غيرها مقامها مع القدرة على النطق بها، وبهذا أجاب العراقيون. وقال في (المطلب): إنه الأشيه، والرافعي تابع البغوي في ترجيح الأول. ويستحب أن يحضر أربعة ممن يحسنها، ويكفي القاضي إن لم يحسنها مترجمان، وقيل في قول: يشتط من جانب الرجل أربعة. قال: (ويغلط بزمان، وهو بعد عصر جمعة)؛ لأن يوم الجمعة أشرف أيام الأسبوع، والماد بعد صلاة عصره؛ لأن المقصود من اللعان الزجر والردع فاعتبر فيه الوقت الذي يكون اليمين فيه أغلط وهو بعد العصر، قال تعالى: {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله}. قال ابن يونس: أجمع المفسرون على أن الماد صلاة العصر. وفي (الصحيحين) [خ 2369 - م 108] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين عويمر العجلاني وامأته بعد العصر) ولأن ساعة الإجابة فيه بعد العصر كما رواه أبو داوود [1041] والنسائي [3/ 99] وصححه الحاكم [1/ 279]، ولكن روى مسلم [853]: أنها من حين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة، وصوبه في آخر (باب صلاة الجمعة) من (الروضة)، وفيه مخالفة لما قاله هنا. كل هذا إذا لم يتأكد الطلب، فإن تأكد .. فعصر غيره، وقال في (الترغيب): لا يختص بيوم الجمعة، بل يوم العيدين وعرفة وعاشوراء وشهري رجب ورمضان وغيرها من الأوقات الشريفة كذلك. ومقتضى إطلاقهم: أنه لا فرق بين المسلم والكافر، فيغلظ على الذمي بالزمان عندنا لا عندهم، وبه صرح البندنيجي وغيره. قال: (ومكان، وهو اشرف بلده) أي: بلد اللعان؛ لأن الردع يحصل بذلك.

فَبِمَكَّةَ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَالْمَدِينَةِ: عِنْدَ الْمِنبَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة: لا يغلظ بالزمان والمكان والجمع، ويروى عن أحمد مثله. قال: (فبمكة: بين الركن والمقام) ويسمى الحطيم؛ لأنه أشرف بقاع المسجد، وكان الناس يتعهدون فيه التحليف في الأمور العظام، وسيأتي في أخر (كتاب الرضاع) حديث المرأة التي حلفت هناك فابيض ثدياها. قال: (والمدينة: عند المنبر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته عند المنبر، رواه البيهقي. وصح: أن ما بين قبر النبي صلي الله عليه وسلم ومنبره روضة من رياض الجنة. وروى الحاكم وابن ماجه عن أبي هريرة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:) لا يحلف عند منبري عبد ولا أمة يمينًا آثمة ولو على سواك رطب ... إلا وجبت له النار). ووقع في (المهمات) تصحيف السواك بالشراك بالشين المعجمية والراء، وهو سبق قلم. وروى مالك وابن حيان عن جابر: أن النبي صلى عليه وسلم قال: (من حلف على منبري هذا يمينًا آثمة .. تبوأ مقعده من النار). والمراد بـ (عند المنبر) مما يلي القبر الشريف كما صرح به الرافعي قبيل (الباب الثالث). وعبارة المصحف كعبارة الشافعي؛ أي: في (البويطي) والقديم، وقال في موضع آخر: على المنبر، وللأصحاب في صعوده أوجه: أصحها: يصعد، كذا في (الروضة)، ونقل الرافعي تصحيحه عن البغوي. والثاني: لا؛ لأن منبره صلي الله عليه وسلم شريف، وأحد المتلاعنين كذاب قطعًا، فتره عن صعود الكذب.

وَبَيْتِ الَمَقْدِسِ: عِنْدَ الصّخْرةِ، وَبِغَيْرِهَا: عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ، وَحَائِضٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَذِميٌ بِبِيَعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: يتخير الحاكم بين أن يلاعن عنده أو عليه. والرابع: إن كان الخلق كثيرًا .. لاعن عليه، وإلا .. فعنده. قال: (وبيت المقدس: عند الصخرة)؛ لأنها أشرف بقاعه، وكانت قبلة الأنبياء عليهم السلام، وفي (سنن ابن ماجه): (الصخرة من الجنة). كل هذا لمن كان في المساجد الثلاثة، أما من كان في غيرها .. فلا يجوز نقله إليها كما جزم به الماوردى في (باب موضع اليمين). قال: (وبغيرها) أي: غير المساجد الثلاثة (عند منبر الجامع)؛ لأنه أشرف بقاعها، وطرد المتولي في صعوده الخلاف السابق، وقيل: لا تختص بالمنبر؛ لأنه لا مزية لبعض الجامع على بعض، ويخالف المدينة لشرف تلك البقعة. قال: (وحائض بباب المسجد) وكذلك الجنب؛ لأنهما ممنوعان من المكث فيه، والباب أقرب إلي الموضع الشريف، فيلاعن الزوج في المسجد وينسبها كما تقدم، فإذا فرغ خرج الحاكم أو نائبه إليها. هذا إذا رأى الحاكم تعجيل اللعان، فإن رأى تأخيره إلى انقطاع الدم والاغتسال .. جاز وهى في الجنب أولى، بل لو قيل بوجوبه على القول بأن التغليظ بالمكان واجب .. لم يبعد. ومثل في (التنبيه) بالجنب؛ ليعلم أن الحائض من باب أولى، لكن تستثنى الحائض الذمية؛ فإنها تلاعن في المسجد على الأصح، وكذلك الذمي الجنب، ومرادهم بالمسجد: الجامع. قال: (وذمي ببيعة وكنيسة) فـ (البيعة) بكسر الباء للنصارى، و (الكنيسة) لليهود؛ لأنهم يعظمون ذلك كما يعظم المسلمون المساجد، ولأن المقصود الزجر، والمستأمن كالدمى، وقطع الماوردي بأنه لا يحلف بموسى وعيسى كما لا يحلف المسلم بمحمد صلي الله عليه وسلم، وادعى ان التحليف بذلك محظور.

وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجٌوسِيّ فِي اٌلأَصَح، لاَ بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِى، وَجَمْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا بيت نار مجوسي في الأصح)؛ لأن المجوس يعظمونه والمقصود الزجر عن الكذب. والثاني: لا يأت الحاكم بيت نارهم؛ لأنه لم يكن له حرمة في سريعة قط، بخلاف البيعة والكنيسة، ولأن أهل الذمة يعظمون أماكنهم المقصودة بالعبادة، والمجوس يعظمون النار لا محلها، فيلاعن بينهم في المسجد أو في مجلس الحكم، والأول أصح؛ لأن دخول الحاكم إليه لا لتعظيمه. وأما من لا ينتحل دينًا كالدهرية ــ بضم الدال ــ والزنديق الذي لا يتدين بدين وعابد الوثن .. فلا يشرع في حقه تغليظ في الأصح؛ لأنهم لا يعظمون شيئًا، وحسن أن يحلف بالذي خلقه ورزقه فيقول: أشهد بالله الذي خلقني ورزقني، ويقول اليهودي: أشهد بالله الذي أنزل التوراة علي موسى، والنصراني: أشهد بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. قال: (لا بيت أصنام وثنى)؛ لأنه لا أصل له في الحرمة، ودخوله معصية، بخلاف البيع والكنائس فإنها موضوعة في الابتداء للطاعة بخلاف بيوت الأصنام، وقد امتنع النبي صلي الله عليه وسلم من دخول بيت مدارس اليهود كما جاء في (صحيح البخاري) وغيره. وصورة مسألة الكتاب في زمن الهدنة والأمان، وإلا .. فأمكنة الأصنام مستحقة الهدم. قال: (وجمع) أي: من الأعيان والصلحاء؛ لقوله تعالى: {وَليَشْهَد عذَاَبَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ اٌلْمُؤمِنِينَ}، ولأن ذلك أعظم للأمر، وقد حضر اللعان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد وهم من أحداث

أَقَلُهُ أَرْبَعَةٌ. وَالتغْلِيظَاتُ سُنةٌ لاَ فَرْضٌ عَلَي الْمَذْهَبِ. وَيُسَن لِلْقَاضِي وَعْظُهُمَا، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابة، فاستدل به الشافعي على أنه حضر جمع كثير فإن العادة أن الأحداث لا يحضرون المجالس العظام إلا تابعين للرجال. قال: (أقله أربعة)؛ لأن اللعان سببه درء الحد لا يثبت إلا بأربعة. قال ابن الرفعة في (حاشية الكفاية): ومن هنا يظهر لك اعتبار كونهم من أهل الشهادة، وقد ذكر ذلك الماوردى. قال: (والتغليظات سنة) كسائر الأيمان. قال: (لا فرض علي المذهب) فإن الزمان والمكان لم ذكرا في الآية فأما ترك التغليظ بالزمان .. فجائز قطعًا، وأما بالمكان .. ففيه قولان: أصحهما: أنه مستحب كالزمان، وقيل: التغليظ باللفظ مستحب وبغيره واجب. والفرق أن قوله: (واللهِ) مشتمل علي جميع الصفات، بخلاف الزمان والمكان؛ فإن اسم الله تعالى لا يشمل ذلك. قال: (ويسن للقاضي وعظهما) بأن يقول ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم لهلال بن أمية: (عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) ويقرأ عليهما: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا). ويذكر لهما ما في حديث المعراج: أن النبي صلي الله عليه وسلم مر بنسوة معلقات بثديهن، فسأل جبريل حالهن فقال: (إنهن اللاتي ألحقن أزواجهن من ليس منهم).

وَيُبَالِغُ عِنْدَ الخَامِسَةِ، وَأَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمِينِ. وَشَرْطهُ: زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صلي الله عليه وسلم: (اشتد غضب الله على امرأة أدخلت في قوم من ليس منهم). قال: (ويبالغ عند الخامسة) بالتخويف والزجر؛ لما روى أبو داوود عن ابن عباس: أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر رجلًا أن يضع يده علي فيه عند الخامسة وقال: إنها موجبة، بفعل ذلك بالرجل والمرأة، فإن أبيا إلا إتمام اللعان .. لقنهما الكلمة الخامسة، ويعيد الوعظ عند وضع اليد علي الفم، وفي كتب العراقيين: أن واضع اليد يأتي من ورائه. قال: (وأن يتلاعنا قائمين) فيقوم الرجل عند لعانه والمرأة جالسة، ثم تقوم هي عند لعانها ويقعد الرجل، فـ (قائمين) حال من المجموع لا من كل واحد. ولو قال: عن قيام .. لكان أوضح؛ لما روى ابن عباس في قصة هلال بن أمية: أنه قام فشهد ثم قامت فشهدت، رواه البخاري {4747}، ولأن قيامه أبلغ في الردع، ولذلكقال القاضي والمتولي: إذا لاعن وهو قاعد لا يعتد به إلا أن يكون عاجزًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قم واشهد أربع شهادات ....). قال: (وشرطه: زوج يصح طلاقه) أي: في الجملة؛ ليشمل من انسد عليه باب الطلاق بالدور عند من يراه، فأما غير الزوج .. فلا يصح لعانه لأجل القذف؛ لأن الله تعالى لم يجعل له مخرجًا منه إلا بالبينة فقال: (والذين يرمون المحصنت ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) ويفارق الزوج فإنه محتاج إلى القذف لما يلحقه من الضرر من لحوق النسب الفاسد والعار، فجعل له المخرج منه بالبينة واللعان تخفيفًا عنه، ولا ضرر علي الأجنبي من زنا الأجنبية، بل هو مأمور بالستر. وشمل إطلاقه الرجعية؛ فإنه يلاعن منها لبقاء حكم الزوجية. وخرج بـ (الزوج) السيد فلا يلاعن أمته ولا أم ولده على المعروف.

وَلَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ وَطْءٍ فَقَذَفَ وَأَسْلَمَ فِي العِدَّةِ .. لَاعَنَ، وَلَو لَاعَنَ ثمَّ أَسْلمَ فِيهَا .. صَحَّ، أَوْ أَصَرَّ .. صَادَفَ بَيْنُونَةً. وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ: فُرْقَةٌ، وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أحمد عن الشافعي أنه قال يلاعن المستولدة وجري علية ألمحاملي في (اللباب)، وحمل الأصحاب قول أحمد على أنه أراد بأبي عبد الله مالك بن أنس. فإن قيل: يصح لعان غير الزوج في صورتين: البائن لنفى الولد كما سيأتي، والموطوءة بنكاح فاسد أو شبهة فإنها تلاعن لنفى النسب .. فالجواب: أن المراد بالزوج: من له علقة النكاح فلا يردان. واحترز بـ (يصح طلاقه) عن الصبي والمجنون والمكره، ودخل في عمومه: السكران والذمي والرقيق والسفيه والمحدود فى القذف؛ فإنه يصح لعانهم لعموم الآية. قال: (ولو ارتد بعد وطء فقذف وأسلم في العدة .. لاعن)؛ لدوام النكاح. قال: (ولو لاعن ثم أسلم فيها .. صح)؛ لتبين وقوعه في صلب النكاح. قال: (أو أصر) أي: إلى انقضاء العدة) .. صادف بينونة)؛ لأن الزوجية انقطعت بالردة فلا يندفع به حق القذف في الأصح. هذا إذا كان القذف في حال الردة، فإن كان قبلها .. صح اللعان، كما لو قذف في حال الزوجية ثم أبانها .. فإن له الملاعنة، فإن كان هناك ولد ونفاه باللعان .. نفذ، وإلا .. بينا فساده، ولم يندفع بذلك حد القذف عنه في الأصح. قال: (ويتعلق بلعانه: فرقة)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ثم قال: (لا سبيل لك عليها) رواه الشيخان. وفي (سنن أبي داوود) [2244]: (المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا. قال: (وحرمة مؤبدة) فلا يحل له نكاحها ولا وطؤها بملك اليمين لو كانت أمة فاشتراها على المذهب. قال: (وإن أكذب نفسه) فلا يفيدهما ذلك عود النكاح ولا رفع تأبيد الحرمة؛

وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ، وَوُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا، وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانٍ. وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى نَفْىِ مُمْكَنٍ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ العَقْدِ، أَوْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ، أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ .. لَمْ يَلْحَقْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهما حق له وقد بطلا فلا يتمكن من عودهما، بخلاف الحد ولحوق النسب؛ فإنهما يعودان لأنهما حق عليه فلرمه بتكذبيه نفسه. وأما حدها .. فهل يسقط بإكذابه نفسه؟ قال ابن الرفعة: لم أره مصرحًا به، لكن في كلام الإمام ما يفهم سقوطه في ضمن تعليل. وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا أكذب نفسه وحد .. زال تحريم العقد، وحلت له بنكاح جديد. وقال سعيد بن جبير: إذا أكذب نفسه .. عادت زوجة كما كانت، وقال ابن المسبب: إن أكذب نفسه وهي في العدة .. حلت له، وإلا .. فلا تحل أبدًا. قال: (وسقوط الحد عنه) للآية، هذا بالنسبة إليها، أما بالنسبة إلى الزاني .. فكذلك إن سماه في اللعان، فإن لم يسمه فيه .. لم يسقط عنه حده في الأصح، وكان ينبغي أن يعبر بالعقوبة بدل الحد؛ ليشمل حد القذف والتعزيز. قال: (ووجوب حد زناها)؛ لقوله تعالى: {ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد} إلى أخره، وهذا إذا كان القذف بزنا أضافه إلى الزوجة وكانت مسلمة، خلافًا لأبى حنيفة وأحمد، فإن قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجية ولا عن لأجل نفي النسب .. بقي وجوب الحد عليها، وفي معارضة لعانه بلعانها وجهان. وأما إذا كانت ذمية .. فالنص أنها لا تجبر على اللعان، ولا تحد إذا امتنعت حتى ترضى بحكمنا، فإذا رضيت .. حكمنا في حقها بما نحكم به في حق المسلمة. قال: (وانتفاء نسب نفاه بلعان)؛ لما روى الشيخان عن ابن عمر أن رجلًا لاعن امرأة وانتفى من ولدها .. ففرق رسول الله صلي الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بالمرأة، ويتعلق بلعانها أيضًا ما تقدم في أول الفصل. قال: (وإنما يحتاج إلى نفي ممكن منه، فإن تعذر بأن ولدته لستة أشهر من العقد، أو طلق في مجلسه، أو نكح وهو بالمشرق وهي بالمغرب .. لم يلحقه)؛

وَلَهُ نَفْيُهُ مَيتًا. والنَّفْيُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَدِيدِ وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لا يجوز أن يكون منه فلا يحتاج في نفيه إلى لعان. كل هذا في الولد التام، فإن لم تلده تامًا .. اعتبر مضي المدة المذكورة في (باب الرجعة). ومن صور التعذر ما يأتي في (باب العدة): إذا كان الزوج صغيرًا لا يمكن العلوق منه، وكذا الممسوح على المذهب ومسلول الأنثيين على وجه. قال: (وله نفيه ميتًا)؛ لأن النسب لا ينقطع بالموت بدليل الإرث، وقولهم: مات ولد فلان وهذا قبرابن فلان، فاحتيج إلى نفيه بعد الموت كما في حال الحياة، ولو مات الولد بعد النفي .. جاز له استلحاقه كما في حال الحياة ويستحق إرثه، وللإمام تردد في الإرث للتهمة، وأجيب بأن التهمة لا تمنع النسب بدليل أنه لو كان له أخ يعاديه فأقر بابن .. فإنه يلحقه ويسقط به إرث الأخ، ومسألة استلحاق الميت تقدمت في (الإقرار)، فلو استلحقه ثم نفاه .. فلا ينتفي عنه جزمًا. قال: (والنفي على الفور في الجديد)؛ لأنه شرع لدفع ضرر محقق فكان على الفور كالرد بالعيب وخيار الشفعة، وفي القديم قولان: أحدهما: يجوز إلى ثلاثة أيام؛ لأن أمر النسب خطر لاحتياجه إلى نظر وتأمل. والثاني: له النفي متى شاء، ولا يسقط إلا بإسقاطه. والمراد بـ (النفي) ههنا: أن يأتي إلى الحاكم فيقول: هذا الولد أو الحمل ليس مني مع الشرائط المعتبرة، ثم يلاعن بعد ذلك إذا أمره الحاكم. قال: (ويعذر) أي: في تأخير اللعان (لعذر) من مرض أو حبس أو حفظ مال، أو كان غائبًا ولم يمكنه أن يسير أو يبعث إلى الحاكم، أو لم يجد الحاكم، أو بلغه الخبر ليلًا فأخره حتى أصبح، أو كان جائعًا أو عاريًا فأكل أو لبس أو نحو ذلك .. لم يبطل حقه، ولكن إن أمكنه الإشهاد .. فعليه أن يشهد، وإلا .. قبل منه، او فقيهًا .. فلا، أو عاميًا .. فكجهل الأمة الخيار بالعتق. ولو قال: لم أعلم أن لي النفي .. فألحقها في (التنبيه) بالتي قبلها، وأقره عليه

وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ. مَنْ أَخَّرَ وَقَالَ: جَهِلْتُ الْوِلَادَةَ .. صُدْقُ بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا، وَكَذَا الْحَاضِرً فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ فِيهَا. فَلَوْ قِيلَ لَهُ: مُتِّعْتَ بِوَلَدِكَ، أَوْ جَعَلَهُ اللهُ لَكَ وَلَدًا صَالِحًا فَقَالَ: آمِينَ، أَوْ نعَمْ .. تَعَذَّرَ نَفْيُهُ، وَإِنْ قَالَ: جَزاكَ اللهَ خَيْرًا أَوْ بَارَكَ اللهَ عَلَيْكَ .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ في التصحيح، وبه صرح الجرجاني وغيره من العراقيين. ثم إن هذا لا يختص بقول الفورية كما يوهمه كلامه، بل لو أخر على قول الثلاث بعذر .. لم يسقط، قاله الفار قي وغيره. قال: (وانتظار وضعه) ليلاعن على يقين؛ لاحتمال أن يكون ريحًا فينفش، هذا إذا لم يقيم بنة على بينة على زناها، فإن أقامها .. قال الشافعي: لا يلاعن حتى تضع، فلو قال: علمته ولدًا ولكن أخرت لعله يموت فأكفى اللعان .. فالأصح: أنه يلحقه، ويبطل حقه على الأصح المنصوص. قال: (ومن أخر وقال: جهلت الولادة .. صدق بيمينه إن كان غائبًا)؛ لأنه ادعى ما يوافق الظاهر، إلا أن يستفيض ويشتهر، فلو قال: لم أصدق المخبر .. فكما سبق في (الشفعة). قال: (وكذا الحاضر في مدة يمكن جهله فيها)؛ لأن دعواه توافق الظاهر، أما التي لا يمكن .. فلا يصدق فيها، ويختلف ذلك بالمحلة والبلد وغيرهما. قال: (فلو قيل له: متعت بولدك، أو جعله الله لك ولدًا صالحًا فقال: أو نعم .. تعذر نفيه)؛ لأن ذلك يتضمن الرضا به، وإذا لحقه .. لم يكن له نفيه. قال: (وإن قال: جزآك الله خيرا أو بارك الله عليك .. فلا)؛ لأنه يحتمل أن يقابل التحية بذلك. وصورة المسألة: أن يقول ذلك وهو متوجه إلى الحاكم، أو في حالة يعذر فيها بالتخلف كالليل ونحوه، أو يكون المهنئ هو المخبر الأول.

وَلَهُ اللَّعَانُ مَعْ إِمْكَانِ بَيِّنَةٍ، وَلَهَا لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنَا. فَصْلٌ: لَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ وَإِنْ عَفَتْ عَنِ الْحَدِّ وَزَالَ النِّكَاحُ، وَلِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ وَإِنْ زَالَ النِّكَاحُ وَلَا وَلَدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وله اللعان مع إمكان بينة بزناها)؛ لأن كل واحد منهما حجة، وظاهر القرآن يدل على أن تعذر البينة شرط؛ لقوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} ولكن صدنا عن ذلك الإجماع وإن نقل الماوردي فيه خلافًا شاذًا لبعض العلماء. قال: (ولها لدفع حد الزنا)؛ لقوله تعالى: {ويدرؤا عنها العذاب} الآية، ومقتضى عبارة المصنف أنه لا يلزمها ذلك، وهو مشكل، والصواب ما قاله الشيخ عز الين: أن الدفع واجب عليها إذا لاعنها كاذبًا، ولا يحل لها النكول؛ كيلا يكون عونًا على جلدها أو رجمها وفضيحة أهلها. تتمة: قال الطبري في (العدة): لو لاعن لنفى ولد فمات فوضعت أخر لدون ستة أشهر من ولادة الأول .. لحقاه، أما الثاني .. فلأنه لم ينفه، وليس لوارثه ذلك، وأما الأول .. فلأنه إذا لحقه الثاني لحقه الأول؛ لأنهما حمل واحد. قال: (فصل: له اللعان لنفي ولد وإن عفت عن الحد وزال النكاح)؛للحاجة إلى ذلك، لأن نفي النسب هو المقصود من شرع اللعان، والمراد: أنه يلاعن للنفي مستقلًا وإن سقط عنه حد القذف. وقال أبو حنيفة: لا يلاعن بعد البينونة؛ لقوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم) ولا زوجية. قال: (ولدفع حد القذف وإن زال النكاح ولا ولد)؛ لحاجته إلى إظهار الصدق والانتقام منها، ثم إذا لاعن القاذف هل نقول وجب الحد ثم سقط باللعان أو لم يجب أصلًا؟ فيه احتمالان.

وَلِتَعْزِيرِهِ، إِلَّا تَعْزِيرَ تَادِيبٍ لِكَذِبٍ كَقَذْفِ صَغِيرةٍ لَا تُوطَأُ. وَلَوْ عَفَتْ عَنِ الْحَدِّ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلَا وَلَدَ، أَوْ سَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ الْحَدِّ أَوْ جُنَّتْ بَعْدَ قَذْفِهِ .. فَلَا لِعَانَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولتعزيره) المراد: تعزير التكذيب الواجب على القاذف كقذف زوجته الذمية أو الأمة أو الصغيرة الممكن جماعها، فله إسقاطها باللعان لدفع عار الكذب عنه؛ لأنه إذا صلح لدفع الأعلى .. فلما دونه أولى، ولا حد إذ لا إحصان. قال: (إلا تعزير تأديب لكذب) هذا هو النوع الثاني من نوعى التعزير المتعلق بالقذف، وهو واجب على قاذف يعلم كذبه ظاهرًا، فيعزر لا تكذيبًا له ولكن تأديبًا؛ لئلا يعود إلى السب والإيذاء. قال: (كقذف صغيرة لا توطأ) أو ظهر صدقه بقذف كبيرة ثبت زناها بالبينة أو إقرارها فتعزر تأديبًا، ففي الصغيرة لا يلاعن؛ لإسقاطه وإن كبرت وطالبته، وفيه وجه. وفي الثابتة الزنا لا يلاعن على المذهب، وقيل: يلاعن، وقيل: قولان، وقيل: إن كان ثم ولد .. لاعن، وإلا .. فلا، والمراد من هذا: أنه لا يشترط اجتماع ثمرات اللعان، بل منها ما يجوز له اللعان وحده كالنفي المجرد وكذا دفع عار الكذب عنه. قال: (أو سكتت عن طلب الحد أوجنت بعد قذفه .. فلا لعان في الأصح) أي: في المسائل الخمس. أما الأولىـ وهي ما إذا قذف زوجته فعفت عن الحد ولم يكن هناك ولد ــ فالأصح: لا لعان؛ لأن اللعان إنما يفعل لغرض مهم وهو نفي الولد ودفع الحد، وهما معدومان هنا، وقيل: له اللعان؛ لغرض قطع النكاح والفرقة المؤبدة ودفع عار الكذب وإثبات حد الزنا. وأما الثانية ــ وهي ما إذا أقام بينة على زناها أو صدقته ولا ولدـ فإنما انتفى اللعان فيها على الأصح لبيان صدقه ظاهرًا.

وَلَو أَبَانَها أو مَاتَت ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُطلَقٍ, أَو مُضَافٍ إلَى مَا بَعدَ النِّكَاحِ .. لاَ عَنَ إن كَانَ وَلَدٌ يَلحَقُهُ, فَإن أضَافَ إلَى مَا قبلَ نِكَاحِهِ .. فَلا لِعَانَ إن لَم يَكُن وَلَدٌ, وَكَذَا إن كَانَ في الأصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الثالثة – وهي إذا سكتت فلم تطلب الحد – فوجه الأصح فيها: أنه لا نسب والحد غير مطلوب, وإنما يصار إلى اللعان إذا أرهقت الضرورة إليه, ووجه مقابله: أن الحد ثابت علبه في ظاهر الحكم, ولها المطالبة متى أرادت فله إسقاطه. وأما الرابعة والخامسة .. فلأن الحد غير مطلوب, وإنما يلاعن عند الضرورة إليه, ووجه الجواز: أن الطلب لم يندفع فيحاج إلى رفعه. قال: (ولو أبانها) أي: بثلاث أو خلع أو فسخ أو انقضاء عدة رجعية. قال: (أو ماتت ثم قذفها بزنا مطلق, أو مضاف إلى ما بعد النكاح .. لا عن إن كان ولد يلحقه)؛ للحاجة إلى نفيه كما في صلب النكاح, خلافًا لأبي حنيفة وأحمد. وقوله: (أو مضاف إلى ما بعد النكاح) لا يأتي في الميتة, ولهذا لم يذكرها في (الشرح) ولا في (الروضة) , والأحسن أن تقرأ (بانت) بالباء الموحدة؛ لكون البينونة في الثانية غير المنسوبة إلى الزوج برضاع أو فسخ منها ونحو ذلك, ولم يتعرض الشافعي في (المختصر) لغيرها, ولا يمكن إدخال الميتة فيه؛ لأنها بانت بالموت, لكن عبارة (المحرر): ماتت الزوجة أو بانت منه بطلاق وغيره. قال: (فإن أضاف إلى ما قبل نكاحه) بأن قال بعد بينونتها: زنيت قبل أن أنكحك, أو قال ذلك لها في حال زوجتيها. قال:) .. فلا لعان إن لم يكن ولد) وعليه الحد؛ لأنه كان يمكنه أن يطلق القذف ولا ينسبه إلى ما قبل الزوجية. والثاني: له اللعان كما لو أطبق, وهذا عزاه في (الشرح الصغير) إلى الأكثرين وهو الأقوى, وعلى هذا: يندفع الحد عنه, ولم يصحح في (الكبير) شيئًا.

لَكِن لَهُ إن شَاءُ قَذفٍ وَيلاَعِنُ, وَلاَ يَصِحُّ نَفيُ أَحَدِ تَوأَمَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لكن له إن شاء قذف ويلاعن) أي: لنفي النسب؛ لضرره إليه, فإن لم يفعل .. حد. قال: (ولا يصح نفي أحد توأمين)؛ لأن الله تعالى لم يجر العادة بأن يجتمع في الرحم ولدان من ماء رجلين؛ لأن الرحم إذا اشتمل على المني انسد فمه فلا يقبا منيًا أخر, فإن كثرت مادة المني .. جاء منه ولدان أو أكثر, وإذا كان كذلك .. فلا يتبعض التوأمان لحوقًا وانتفاء, فإذا نفى أحدهما .. لحقاه, وكذا لو نفاهما ثم استلحق أحدهما .. لحقاه. و (التوأمان): الزلدان في بطن, أحدهما: توأم, يقال: أتأمت المرأة إذا ولدت اثنين في بطن, فهي متئم, والجمع توائم. تتمة: قال المتولي: ليس لغير النافي استلحاق المنفي باللعان إن كان اللحوق بسبب نكاح صحيح, فإن كان بسبب وطء شبهة أو بنكاح فاسد .. جاز. قال: وإذا قتل النافي المنفي وقلنا: يجل القصاص فاستلحقه .. حكم بثبوت النسب وسقوط القصاص. قال: وإذا أسلم النافي ثم استلحق .. حكم بإسلام الولد, وسلم إليه ما تركه من الميراث. خاتمة ادعت على زوجها القذف, فأنكر فأقامت به بينة .. فله أن يلاعن فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما أثبت علي من رميي إياها بالزنا, وهل يسقط عنه الحد الذي قامت به البينة بلعانه؟ فيه خلاف.

كتاب العدد

كتاب العدد

كِتَابُ الْعِدَدِ عِدَّةُ النِّكَاحِ ضَربَانِ: الأوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِفُرقَةِ حَيٍّ بِطَلاَقٍ أو فَسخٍ, وَإنمَا تَجِبُ بَعدَ وَطءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب العدد واحدها عدة, وهي في الشرع: اسم لمدة معدودة تتربص بها المرأة؛ لتعرف براءة الرحم, وذلك يحصل بالولادة والأقراء والأشهر, واشتقاقها من العدد, وشرعت صيانة للأنساب وحفظًا لها من الاختلاط رعاية لحق الزوجين والولد, والمغلب فيها التعبد. والأصل فيها: الإجماع والآيات والأخبار الآتية في الباب. قال: (عدة النكاح ضربان)؛ لأنها قد تتعلق بالنكاح ووطء الشبهة, وهي المشهورة باسم الاستبراء, فلذلك عقبها به. قال: (الأول متعلق بفرقة حي بطلاق أو فسخ)؛ بقوله تعالى: {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} والفسخ في معنى الطلاق, وكذلك اللعان صرح به في (المحرر) و (الروضة) , وحذفه المصنف؛ لدخوله في الفسخ, ولئلا يوهم أن فرقته ليست فرقة فسخ, لكن يرد عليهما وطء الشبهة. وخرج بقوله: (وإنما تجب بعد الوطء) فإن طلقت قبله .. لم تجب؛ لقوله تعالى: إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} , وسواء كان الوطء في حال الصبا أو بعده, وسواء كان الواطئ مختارًا أو مكرهًا, عاقلًا أو مجنونًا, في القبل أو الدبر, وفي الدبر وجه. وضبط المتولي الوطء بكونه لا يوجب الحد على الواطئ, ليدخل وطء الشبهة

أو استِدخَالِ مَنِّيهِ وَإن تَيَّقَنَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ, لاَ بِخَلوَةٍ فِي الجَدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنكاح الفاسد, قال: حتى إن المجنون لو زنى بعاقلة .. يجب عليها العدة؛ لأن الجنون أبلغ في العذر من الغلط, وكذا المراهق إذا زنى بامرأة .. عليها العدة, وكذا المكره على الزنا؛ لأنا جعلناه عذرًا في إسقاط الحد فصار الماء محترمًا. قال: (أو استدخال منيه) فيقوم مقام الدخول في وجوب العدة, وكذا في ثبوت النسب؛ لأنه أقرب إلى العلوق من تغييب الحشفة, ولا اعتبار بقول الأطباء: إن المني إذا ضربه الهواء .. لا ينعقد منه ولد؛ فإن الله على كل شيء قدير. وفي وجه: أن الاستدخال لا يوجب العدة؛ إعراضًا عن النظر إلى شغل الرحم, وإدارة للحكم على الإيلاج. وحكى الماوردي عن الأصحاب: أن شرط وجوب العدة ولحوق النسب باستدخال ماء لزوج: أن يوجد الإمزال والاستدخال معًا في الزوجية, فلو أنزل ثم تزوجها فاستدخلت الماء .. لم تجب العدة ولم يلحق الولد. ولو أنزل وهي زوجة ثم أبانها واستدخلت .. لم تجب ولم يلحق. اهـ ويشترط أن يكون إنزاله الماء يسبب محترم, فلو أنزله بزنا فاستدخلته زوجته .. لم تجب العدة, واستدخالها مني من تظنه زوجًا كوطء الشبهة, قاله الرافعي هنا, وفيه نظر؛ فإن الاعتبار في وجوب العدة بالاشتباه عليه لا عليها. قال: (وإن تيقن براءة الرحم) هذا متعلق بقوله: (بعد وطء) أي: وإن تيقنا أن الوطء غير شاغل للرحم كوطء صبي في سن لا يولد له أو طفلة لا تحبل؛ لعموم قوله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} فيكفي جريان سبب الشغل وهو الإيلاج؛ لظهوره, لا الشغل وهو المني؛ لخفائه. قال: (لا بخلوة في الجديد)؛ للآية المتقدمة, سواء باشرها فيما دون الفرج أم لا؛ لأن القصد من العدة معرفة البراءة, وهي منتفية مه انتفاء المظنة, وفي القديم قولان: أحدهما: أن الخلوة توجبها؛ لقول عمر وعلي: إذا أغلق بابًا وأرخي سترًا .. فلها الصداق كاملًا وعليها العدة.

وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقرَاءٍ ثَلاَثَةٌ – وَالقَرءُ: الطُّهرُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنها ترجيح قول مدعي الوطء. وزوجة الممسوح لا عدة عليها بناء على الأصج: أن الولد لا يلحقه. قال: (وعدة حرة ذات أقراء ثلاثة)؛ لقوله تعالى {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} , وسواء في ذلك المختلعة وغيرها؛ لما روى أبو داوود والحاكم والبيهقي [7/ 450] عن ابن عمر أنه قال: (عدة المختلعة عدة المطلقة) وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن يسار والزهري والشعبي وجماعة. وأما ما رواه عكرمة عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة .. فجوابه: أن عبد الرازق [11858] أرسله عن معمر, وبه قال أحند وابن اللبان الفرضي, وأجاب البيهقي [7/ 450] بأن ظاهر القرآن في عدة المطلقات يتناولها وغيرها, فهو أولى. وشملت عبارة المصنف: ما إذا شربت دواء حتى حاضت, وهو كذلك, كم تسقط الصلاة عنها به. وروي عن سعيد بن منصور عن ابن عمر: أنه سئل تشرب الدواء ليرتفع حيضها حتى تطوف وتنفر .. فلم ير بذلك بأسًا, وبعث لهن ماء الأراك. قال: (والقرء: الطهر)؛ لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}؛ أي: في زمن عدتهن كقوله تعالى: {ونَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ}. وقال صلى الله عليه وسلم لما طلق ولده امرأته وهي حائض: (مره فليراحعها) إلى أن قال: (ثم إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فدلت الآية والخبر على الإذن في الطلاق في العدة, ومعلوم: أن الطلاق في الحيض حرام. واقتدى الشافعي في ذلك بزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وابن عباس وعائشة

إن طُلِّقَت طَاهِرًا .. انقَضَت بِالطَّعنِ في حَيضَةٍ ثَالِثَةٍ, أَو حَائِضًا .. فَفِي رَابِعَةٍ, وَفي قَولٍ: يُشتَرَطُ يَومٌ وَلَيلَةٌ بَعدَ الطَّعنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنهم, واستدل الماوردي وغيره من العراقيين بأن الله تعالى أثبت الهاء فيها, والهاء إنما تثبت في جمع المذكر دون جمع المؤنث, فقال: ثلاث حيض وثلاثة أطهار, وهو استدلال ضعيف. وكان الشافعي يرى أولًا أنه الحيض, وأبة عبيد القاسم بن سلام يرى أنه الطهر, فتناظرا فلم يزل كل واحد منهما يقرر قوله حتى انتحل كل منهما مذهب الآخر, وهذا يقتضي أن يكون للشافعي قول جديد أو قديم يوافق مذهب أبي حنيفة. واختلف أهل اللغة فيه, فقبل: إنه حقيقة في الطهر مجاز في الحيض, وقيل عكسه, والأصح عندنا: أنه مشترك بينهما, وحكى ابن الحاجب فيه إجماع أهل اللغة, والمشهور عندهم: فتح قافه, ويجوز ضمها, ومن جعل الفتح للطهر والضم للحيض لا تحقيق عنده. قال: (فإن طلقت طاهرًا .. انقضت بالطعن في حيضة ثالثة)؛ لأن بعض الطهر وإن قل يصدق عليه اسم قرء. قال: (أو حائضًا .. ففي رابعة)؛ لأن الظاهر أن الذي ظهر فيكون الطهر قبله قد كمل, فانقضت العدة بالثلاثة الأقراء. وروي ذلك عن عائشة وزيد بن ثابت وعثمان وابن عمر, ولأن الشيئين وبعض الثالث يطلق عليها أشياء, قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} والمراد شوال وذو القعدة وبعض ذي الحجة, فلا فرق في الاعتداد بالبقية بين أن يكون قد جامعها فيه أو لم يجامعها, فإن قيل: إطلاق الثلاث على ذلك مجاز .. قلنا: يتعين الحمل عليه هنا؛ لأن المنع من الطلاق في الحيض إنما كان لئلا تطول عدتها, وسواء جامعها في ذلك الطهر أم لا. قال: (وفي قول: يشترط يوم وليلة) أي: (بعد الطعن) في الحيضة الثالثة؛ لجواز أن يكون ذلك دم فساد فلا تنقضي بالشك, والأصح: أنا نتبين بذلك الانقضاء لا أنه من نفس العدة, فلا تصح فيه الرجعة ويصح نكاحها غيره.

وهَل يُحسَبُ طُهرُ مَن لَم َتِحض قِرءًا؟ قَولاَنِ؛ بِنَاءً عَلى أَنَّ القَرءَ انِتَقالٌ مِن طُهرٍ إلَى حَيضٍ, أَم طُهرٌ مَحتَوَشٌ بِدَمينِ؟ والثَّانِي: أَظهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن رأت الدم لعادنها .. انقضت, وإلا .. فبمضي يوم وليلة تحكيمًا للعادة. وعلى الصحيح: لو انقطع لدون بوم وليلة ولم يعد حتى مضت خمسة عشر .. تبين عدم الانقضاء. تنبيه: قوله: (فإن طلقت طاهرًا .. انقضت بالطعن في حيضة ثالثة) محمول على ما إذا بقي من الطهر بعد وقوع الطلاق بقية, أما إذا لم يبق بأن انطبق آخر لفظ الطلاق على آخر الطهر – ويتصور ذلك بأن يقول: أنت طالق في آخر طهرك أو يقع ذلك اتفاقًا- فالأصح/ أنه لا يعتد به, ولم يذكر المصنف حكم النفاس, وظاهر عبارة (الشرح) و (الروضة) في (باب الحيض) وفي اجتماع عدتين: أنه لا يحسب. قال: (وهل يحسب طهر من لم نحض قرءًا؟ قولان؛ بناء على أن القراء انتقال من طهر إلى حيض, أو طهر محتوش بدمين) أشار إلى أن في المراد ب (الطهر) المفسر به القرء قولين: أحدهما: أنه الانتقال من الطهر إلى الحيض؛ أخذا من قولهم: قرأ المجم إذا طلع, وقرأ إذا غاب, وقد يقال: قرأ إذا انتقل من برج إلى برج. والثاني: المعتبر طهر محتوش بدمبن لا مجرد الانتقال من الطهر إلى الحيض, وفي هذه الحالة يحصل معنى الجمع والضم. وحكاية الخلاف قولين تابع فيه (المحرر) وهو في (الشرح) و (الروضة) وجهان, وقالا في الكلام السمي والبدعي: إنه قولان, وقيل: وجهان من غير ترجيح. قال: (والثاني: أظهر)؛ لأن في القرء معنى الجمع, قال الرافعي: لكنه يخالف ما قاله الأكثرون فيما إذا قال لمن لم تحض قط: أنت طالق في كل قرء طلقة ..

وَعِدَّةُ مُستَحَاضَةٍ: بِأقرَائِهَا المرَدُودَةِ إليهَا. وَمُتَحيِّرَةٍ: بِثَلاَثَةِ أَشهُرٍ فِي الحَالِ, وَقِيلَ: بَعدَ اليَأس ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها تطلق في الحال, ثم أجاب باحتمال أن ترجيحهم في هذا المعنى يخصها لا لرجحان القول بأن القرء هو الانتقال, وثمرة القولين تظهر في صغيرة اعتدت بالأشهر فحاضت في أثنائها, وفيما إذا قال: أنت طالق في آخر طهرك, أو وقع ذلك اتفاقً. و (المحتوش) بفتح الواو: الذي اكتنفه دمان, وعبر المصنف (بدمين) ليشمل ما بين الحيض والنفاس, إلا أن تعبيره في الأزل بالحيض دون الدم يقتضي أن النفاس لا يكون كذلك. وعلم من قوله: (من طهر إلى حيض) أن الانتقال من الحيض إلى الطهر ليس بقرء, ولا خلاف فيه, والفرق – كما قال المتولي – أن الحيض لا يدل على براءة الرحم؛ فإن الغالب أن الحامل لا تحيض, ومقصود العدة البراءة, ثم إنهم لا يعنون على القولين بالطهر المحتوش أم يكفي الانتقال؟ قال: (وعدة مستحاضة: بأقرائها المردودة إليها) فالمعتادة ترد إلى عادتها والمميزة إلى التمييز والمبتدأة إلى الأقل أو الغالب, قال الرافعي: وشهرها ثلاثون يومًا, ويمكن اعتبار بالأهلة, وأشار إليه مشيرون. قال: (ومتحيرة: بثلاثة أشهر في الحال)؛ لأن للمرأة في كل شهر حيضًا وطهرًا غالبًا, وصبرها إلى سن اليأس فيه مشقة عظيمة, ولأنها مرتابة فدخلت في قوله تعالى: {إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} , ويخالف الاحتياط في العبادات؛ لأن المشقة فيها لا تعظم. قال: (وقيل: بعد اليأس)؛ لأنها متوقعة الحيض ما لم تيأس, وقيل: بعد

وَأُمٍّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةِ وَمَن فِيهَا رِق: بِقَرأَينِ, وَإِن عَتَقَت فِي عِدَّةِ رَجعَيةٍ .. كَمَّلَت عِدَّةَ حُرَّةٍ فِي الأظهَرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أربع سنين, وقيل: بعد تسعة أشهر, وهذا مفرغ على وجوب الاحتياط عليها؛ وهو الصحيح. كل هذا إذا لم تحفظ دورها, فإن حفظته .. اعتدت بثلاثة أدوار منه, سواء كان أكثر من ثلاثة أشهر أو أقل؛ لاشتماله على ثلاثة أطهار. وكذا لو شكت في قدر أدواره لكن قالت: أعلم أنها لا تجاوز سنة مثلًا .. أخذت بالأكثر, وتجعل السنة دورها, قاله الدارمي, ووافقه في (شرح المهذب) ثم قال: والعمل على ما قاله الجمهور من الاعتداد بثلاثة أشهر, وقد ينازع في تسميتها متحيزة في هاتين الصورتين. قال: (وأم ولد ومكاتبة ومن فيها رق: بقرأين)؛ لما تقدم في الطلاق من قول عمر رضي الله عنه: (العبد يطلق تطليقتين, وتعتد الأمة بقرأين). وأما حديث: (تعتد الأمة بقرأين) فضعيف ولا يعتد بقول الإمام والغزالي: إنه صحيح؛ فقد قال الدارقطني [4/ 39]: إنه منكر غير ثابت, ولأن الأمة على النصف من الحرة في القسم والحد فكذا هنا, لكن القرء لا يتبعض فكمل الثاني كما في الطلاق, وسواء طلقت أو وطئت في نكاح فاسد أو في شبهة نكاح, فلو وطئت في شبهة ملك .. استبرأت بقرء. فإن قيل: الأمور الجبلية لا يختلف فيها الحال بين الحرائر والإماء .. فجوابه: أن العدة شرعت لتيقن براءة الرحم بحيضة, وذلك يحصل بحيضة, ولكن احتيط في أمرها فزيد في الحرة في الاحتياط ما لم يزد في الأمة, فكان في الأمة قرءان وفي الحرة ثلاثة. قال: (وإن عتقت في عدة رجعية .. كملت عدة حرة في الأظهر)؛ لأن الرجعية كالمنكوحة في أكثر الأحكام, وكأنها عتقت قبل الطلاق. والثاني: تتم عدة أمة؛ نظرًا لوقت الوجوب.

أَو بَينُونَةٍ .. فَأَمَةٍ فِي الأظهَرِ. وَحُرَّةٍ لَم تَحِض أَو يَئِسَت: بِثَلاثَةِ أَشهُرٍ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بينونة .. فأمة في الأظهر)؛ لأن البائن كالأجنبية. والثاني: تتم عدة حرة اعتبارًا بوجود الكاملة قبل تمام الناقصة, وقيل: تتم عدة الحرائر بائنًا كانت أو رجعية – وبه قال المزني – لأنه وجب سبب العدة الكاملة في أثناء العدة الناقصة فينتقل إليها كما لو رأت الدم في خلال الأشهر, وإنما اعتبرت بالهلال؛ لأن المواقيت الشرعية تدور عليه, فالخلاف كله ثلاثة أقوال: - تتم عدة حرة مطلقًا. - أمة مطلقًا. - التفصيل بين البائن والرجعية, ولا ترجيح في (المحرر) فيها ولا في (الشرح). والذي رجحه العراقيون وغيرهم: أنها تكمل عدة حرة مطلقًا, وهو منصوص (الأم) , ويترجح بأن الاحتياط للعدة مطلوب شرعًا, أما إذا عتقت مع الطلاق بأن علق طلاقها وعتقها على شيء واحد .. فتجب عدة حرة بلا خلاف, قاله الماوردي. واحترز المصنف عن التي عتقت في عدة الوفاة .. فالأصح: أنها تكمل عدة الإماء, ولا ترد على المصنف؛ لأن كلامه في فراق الحي. قال: (وحرة لم تحض أو يئست: بثلاثة أشهر)؛ لقوله تعالى: {واللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ واللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: فعدتهن كذلك, فحذف المبتدأ والخبر من الثاني لدلالة الأول عليه. ودخل في قوله: (لم تحض) الصغيرة والكبيرة التي لم تحض ولم تبلغ سن اليأس كبنت ثلاثين سنة, وعدتها بالأشهر بلا خلاف, وقد أهملها (المحرر) وكثيرون, ففي عبارة المصنف ثلاثة فوائد: موافقة القرآن, والإختصار, وبيان مسألة مهمة, قاله في (الدقائق). ويدخل في عبارته أيضًا رابعة وهي التي ولدت ولم تر دمًا ولا نفاسًا, فهل هي كمن انقطع حيضها بلا سبب أو تعتد بثلاثة أشهر؟ الأصح: ثلاثة أشهر. وإذا كانت المجنونة ممن تحيض وعرف حيضها .. فعدتها به, وإلا .. فكالمتحيرة, وما وقع في (الشرح) و (الروضة) من أن المجنونة تعتد بالأشهر .. مردود.

فَإِن طُلِّقَت فِي أَثنَاءِ شَهرٍ .. فَبعدَهُ هِلاَلاَنِ وَتُكمِلُ المُنكَسِرَ ثَلاثِينَ, فَإِن حَاضَت فِيهَا .. وَجَبَتِ الأقرَاءُ, وَأمَةٍ: بِشَهرٍ وَنِصفٍ, وفي قَولٍ: شَهرَانِ, وَفِي قَولٍ: بِثَلاثًةٍ. وَمَنِ انقَطَعَ دَمُهَا لِعِلَّةٍ كَرَضَاعٍ وَمَرَض ٍ .. تَصبِرُ حَتَّى تَحِيضُ, أَو تَيأَسَ .. فَبِالأشهُرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن طلقت في أثناء شهر .. فبعده هلالان وتكمل المنكسر ثلاثين) سواء كان المنكسر كاملًا أو ناقصًا, وقال ابن بنت الشافعي: إذا انكسر شهر .. انكسر الجميع فتعتد بتسعين يومًا, وقد تقدم في (السلم) فيه إشكال مشهور يأتي هنا. قال: (فإن حاضت فيها .. وجبت الأقراء)؛ لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل فانتقلت إليه كالمتيمم إذا وجد الماء في أثناء التيمم, لكن يشكل على هذا ما لو استطاع الرقبة في الكفارة وهو أثناء الصوم كما تقدم. وإذا قلنا بوجوب الأقراء .. فهل يحسب ما مضى في حق الصغيرة قرءًا أو لا؟ الصحيح: عدم الاحتساب كما صرح به في (تصحيح التنبيه). قال: (وأمة: بشهر ونصف)؛ لإمكان التوزيع بخلاف الأقراء, وكما أنها تعتد عن الوفاة بشهرين وخمس ليال. قال: (وفي قول: شهران)؛ لأنها بدل عن القرأين. قال: (وفي قول: بثلاثة)؛ لعموم الآية, ولأنه أقل زمان يظهر فيه الاستبراء؛ فإن الولد يتخلق في ثمانين يومًا ثم يتبين الحمل بعد ذلك, وما يتعلق بالطبع لا يختلف في الحكم بين الحرائر والإماء كما تقدم, وصححه المحاملي وسليم والروياني, وهو أقيس والأول أحوط, وعن أحمد ثلاث روايات كالثلاثة أقول. قال: (ومن انقطع دمها لعلة كرضاع ومرض .. تصبر حتى تحيض) ي: فتعتد بالأقراء (أو تيأس .. فبالأشهر) ولا تبالي بطول المدة؛ لأن الله تعالى لم يجعل الاعتداد بالأشهر إلا للتي لم تحض والآيسة, وهذه ليست واحدة منهما, ولأنها ترجو عود الدم فأشبهت من انقطع دمها لعارض أو مرض. وقد تقدم ما رواه مالك [2/ 572] والبيهقي [7/ 419] عن حبان بن منقذ: أنه طلق

أَو لاَ لِعِلَّةٍ .. فَكَذَا في الجَدِيدِ, وَفِي القَدِيمِ: تَتَربَصُ تِسعَةَ أشهُرٍ, وَفِي قَولٍ: أَربَعَ سِنِينَ ثُم تَعتَدُّ بِالأشهُرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ امرأته طلقة واحدة, وكانت لها بنية صغيرة ترضعها فتباعد حيضها, فمرض حبان فقيل له: إنك إن مت ورثتك فمضى إلى عثمان وعنده علي وزيد رضي الله عنهم, فسأله عن ذلك فقال لعلي وزيد: ما تريان؟ قالا: ترى أنها إن ماتت .. ورثتها وإن من .. ورثتك؛ لأنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من اللائي لم يبلغن المحيض, فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها فعاد إليها الحيض فحاضت حيضتين, فمات حبان قبل انقضاء الثالثة فورثها عثمان رضي الله عنهم. قال: (أو لا علة .. فكذا في الحديد)؛ لأن الأشهر شرعت للتي لم تحض والتي أيست وهذه غيرهما, ولأنها ترجو عود الدم فلم تعتد بالأشهر قبل سن اليأس كالتي انقطع دمها لعارض. قال: (وفي القديم: تتربص تسعة أشهر)؛ ليعرف فراغ الرحم لأن الغالب أن الحمل لا يمكث في البطن أكثر من ذلك, ثم تعتد بثلاثة أشهر, وإلى هذا ذهب مالك وأحمد, مستدلين بأن ابن عمر قضى به بين المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليه أحد, قال البارزي: وقد أفتيت به لما فيه من دفع الضرر الشديد عن النساء بالصبر إلى اليأس لا سيما الشواب, ولأن المستحاضة المتحيرة التي أمرناها بالاحتياط تعتد بثلاثة أشهر. قال: (وفي قول: أربع سنين)؛ لأنها أكثر مذة الحمل, وهذا قديم أيضًا, وخرج على القديم قول: أنها تتربص ستة أشهر, وحاصل القديم: أنها تصبر مدة الحمل لكن غالبه أو أكثره أو أقله. قال: (ثم تعتد بالأشهر) أي: على كل قول من أقوال القديم تعبدًا كما تعتد المعلق طلاقها على الولادة مع تحقق براءة الرحم.

فَعلَى الجَديِدِ: لَو حَاضَت بَعدَ اليَأسِ فِي الأشهُرِ .. وَجَبَ الأِقرَاءُ, أَو بَعدَهَا .. فَأقَوالٌ: أظهَرُهَا: إن نَكَحَت .. فَلا شَيءَ, وَإلاَّ .. فَالأقرَاءُ. وَالُمعتَبَرُ: يَأسُ عَشِيرَتَهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فعلى الجديد: لو حاضت بعد اليأس في الأشهر .. وجب الأقراء)؛ للقدرة على الأصل قبل تمام البدل, ويحسب ما مضى قرءًا بلا خلاف, وعلى القديم: إإذا حاضت في أثناء التربص أو الأشهر .. انتقلت إلى الأقراء, أو بعد ذلك .. فأوجه: أصحها: الثالث: إن كان بعد أن نكحت .. استمر النكاح, أو قبله .. انتقلت إلى الأقراء, فهو قريب من تفريع الجديد غير أن الخلاف هنا وجوه. قال: (أو بعدها .. فأقوال: أظهرها: إن نكحت .. فلا شيء, وإلا .. فالأقراء)؛ لتعلق حق الزوج, وللشروع في المقصود كالمتيمم إذا رأى الماء بعد الشروع في الصلاة. والثاني – واختاره البغوي -: تنتقل إلى الأقراء مطلقًا؛ لأنه بان أنها ليست آيسة, بخلاف الصغيرة؛ فإنها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن. والثالث: المنع مطلقًا؛ لانقضاء العدة ظاهرًا, كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر .. فإنه لا يلزمها شيء؛ لأنا لو ألزمنهاها الانتقال إلى الحيض, وبهذا فارقت الآيسة إذا حضت بعد الأشهر. قال: (والمعتبر: يأس عشريتها) أي: أقاربها من الأبوين؛ لتقاربهن من الأبوين؛ لتقاربهن طبعًا وخلقًا, وقيل: الاعتبار بنساء العصبات كمهر المثل, وهو بعيد. وقيل بنساء بلدها؛ لأن للأهوية تأثيرًا في الأمزجة والطباع. فعلى الأول: إذا اختلفت عادة عشيرتها .. اعتبر بأقل عادة امرأة منهم, قاله في (المطلب) , وقيل: أكثرها عادة, قال في (الذخائر): وهو القياس.

وَفي قَولٍ: كُلُّ النِسَاءِ. قُلتُ: ذَا القَولُ أَظهَرُ, وَالله أعلَمُ. فَصلٌ: عِدَّةُ الحَامِل بِوَضعِهِ بِشَرطِ نِسبَتِهِ إلَى ذِي العِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: كل النساء) للاحتياط وطلب اليقين, قال الإمام: ولا يمكن طوف العالم والفحص عن سكان الأقاليم, وإنما المراد ما يبلغنا خبره ويعرف. قال: (قلت: ذا القول أظهر والله أعلم) وصححه الرافعي أيضًا في شرحه, وإليه ميل الأكثرين فلو لم تكن لها قرابة أو تعذر معرفة حالهن .. فالاعتبار عند صاحب (الكافي) بجميع النساء. تتمة: المراد بكل النساء: نساء عصرها, لا من تقدم كما صرح به القاضي والمتولي والفوراني, وسواء وافقهن من تقدمهن أم لا, وعلى الأصح: الأشهر أنه اثنان وستون سنة, وقيل: ستون, وقيل: خمسون, وقيل: سبعون. قال السرخسي: وحكي أن امرأة حاضت تسعين سنة, ويقرب منه ما حكاه الماوردي: أن امرأة من بني تميم عاودها الدم بعد اليأس كما كان يعاودها في زمن الشبيبة وكان سنها نحو سبعين سنة, فأفتى بأنه حيض يلزمها أحكامه. والخامس: خمسة وثمانون, والسادس: في (البيان): أن العربية إلى الستين وغيرها إلى الخمسين, وأسقطه من (الروضة) , وهو في (الشرح) , قال الماوردي: وهذا قول لا يتحقق. قال: فصل: عدة الحامل بوضعه) سواء الحرة أو الأمة, بفراق حي أو ميت؛ لقوله تعالى: {وأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. قال: (يشترط نسبته إلى ذي العدة) زوجًا كان أو غيره, فتعتد زوجة المسلول الأنثيين الباقي الذكر بوضعه على الأصح كما تقدم.

وَلَوِ احتِمَالًا كَمَنفِىِّ بِلِعَانٍ. وَانفِصَالٍ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِى تَوأَمَينِ , ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو احتمالا كمنفى بلعان) فإذا لاعن الحامل ونفى الحمل ثم وضعته .. أنقضت العدة به وإن أنتفي الحمل عنه فى الظاهر , لأنه يمكن أن يكون كما تزعمه , والقول العدة قول المرأة إذا تحقق الإمكان , ولهذا: لو استلحقه .. لحقه. ولو حذف قوله: (بلعان) .. كان أولى , فإنه إذا أنتفي بغير لعان كما لو أتت به لأكثر من أربع سنين فادعت أنه راجعها أو وطئها بشبهة وأنكر .. فإن العدة تنقضي بوضعه. وأشار ب (الكاف) إلى عدم انحصار المحتمل في الملاعن , كما لو علق طلاقها بولادتها فأتت بولدين بينهما أكثر من ستة أشهر .. فالثاني منتف عنه , وتنقضي العدة به. وكذلك إذا أتت بولد لأكثر من أربع سنين ولم يحدث لها فراش ولا وطء شبهة .. فهو منتف عنه , وتنقضي به العدة كما نقله الإمام عن الأئمة , لكن قال الرافعي: الأشهر خلافه. واحترز بقوله: (احتمالا) عما لا يحتمل ذلك , كما إذا مات الصبي الذي لا يلحقه الولد وامرأته حامل .. فعدتها بالأشهر كما سيأتي , وكذلك الممسوح ومن وضعته لدون ستة أشهر من العقد. قال: (وانفصال كله) فلا تنقضي بخروج بعض الولد , لأنه لا تحصل به براءة الرحم , ولأن الله تعالى قال: {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهذه لم تضع حملها , وكذلك تبقى سائر أحكام الجنين في الذي خرج بعضه دون كنفي توريثه , وسراية العتق إليه من الأم , وعدم إجزائة في الكفارة، ووجوب الغرة عند الجناية على الأم وتعيينها في البيع والهبة ونحو ذلك , وذكر الشيخان في الغرة ما يخالف ما قالاه هنا , وقال ابن أبى الدم: لو فصل بين أن يخرج معظمه فيكون كالمنفصل وبين أن يكون معظمه مجتنا فكالمتصل .. لم يبعد. قال: (حتى ثاني توأمين) , لأنه حمل واحد فشملتهما الآية، وله الرجعة قبل وضع الثاني.

وَمَتى تَخَلَّلَ دُونَ سِتَّةِ أشهُرٍ .. فَتوأَمَانِ. وَتنَقَضِي بِمَيتٍ لاَ عَلَقَةٍ , وَبِمُضغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدمِيِّ خَفِيَّةٌ أخبَرَ بِهَا القَوَابِلُ , ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومتى تخلل دون ستة أشهر .. فتوأمان) فتستمر الأحكام الثابتة في العدة إلى وضعه لأن ذلك أقل مده الحمل. فرع: يصح نكاح الحامل من الزنا بلا خلاف، وهل له وطئها قبل أن تصح؟ وجهان: أصحهما: نعم، إذ لا حرمه له، ومنعه أبن داوود وأبو حنيفة ومالك مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:) لا تسق، بمائك زرع غيرك) رواه الحاكم [2/ 56] وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو داوود [2151] والترمذي [1131] بلفظ: (لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الأخر أن يسقى ماءه زرع غيره). فإذا وطئها وطلقها قبل الوضع .. شرعت في العدة من حين الطلاق إن كانت من ذوات الأشهر، وإن كانت من ذوات الأقراء، فإن لم تكن ترى الدم أو رأته وقلنا: إنه ليس بحيض .. أعتدت بالأقراء بعد الوضع، وإن رأته وقلنا: إنه حيض .. ففي الاعتداد به وجهان: أصحهما: نعم. قال: (وتنقضي بميت)، لإطلاق الآية. قال: (لا علقه)، لأنها لا تسمى حملا. قال: (وبمضغه فيها صوره أدمى خفيه أخبر بها القوابل) أي: تنقضي بذلك، لحديث سبيعة الأسلمية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألها عن صفة حملها، ونقل أبن المنذر فيه الإجماع. ويحكى: أن الإصطخرى توقف فيه، فصب القوابل عليها ماء فظهرت الصورة فيه. والقوابل – جمع قابله – وهى: التي تتلقى الولد عند وضعه.

فَإِن لَم تَكُن صُورَهٌ وَقُلنَ: هِيَ أَصلُ أَدَمىٍّ .. انقَضَت عَلَى المَذهَبِ. وَلَو ظَهَر فِي عِدَّةٍ أَقرَاءٍ أَو أَشهُرٍ حَملٌ لِلزَّوجِ .. أَعَتَدَّت بِوَضعِهِ. وَلَوِ ارتَابَت فِيهَا .. لَم تَنكِح حَتَّى تَزُولُ الرِّيبَةُ، أو بَعدَها أو بَعدَ نِكاحٍ أستَمَرَّ إِلاَ أَن تَلِدَ لِدُونِ سِتَةِ أشهُرٍ مِن عَقدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن لم تكن صوره) أي: بينه ولا خفيه (قلن: هي أصل أدمى .. أنقضت على المذهب)؛ لأن براءة الرحم تحصل برؤية الدم فهذا أولى، والنص أنه لا تجب به الغرة ولا تصير به الأمة أم ولد، وسيأتي الفرق بين ذلك. فلو شك فيها القوابل .. لم يثبت شيء من الأحكام على المشهور المنصوص، وحكي القاضي وجها في انقضاء العدة به. ولو أختلف الزوجان فيما وضعته، فادعت أنه مما تنقضي به العدة وخالفها الزوج .. صدقت بيمينها، لأنها مصدقه فى أصل السقط فكذا في صفته. قال: (ولو ظهر في عدة أقراء أو أشهر حمل للزوج .. أعتدت بوضعه)، لأنهما يدلان على البراءة ظاهرا، والحمل يدل عليها قطعا , وكذلك الحكم لو ظهر الحمل بعد العدة .. فإنها تعتد به كما صرح به الصيمري، وعبارة المصنف قاصرة عن هذه الصورة. قال: (ولو ارتابت فيها) أي: لم يظهر الحمل بأمارة وإنما أحست بحركة أو ثقل فيها، أي: في العدة التي بالأشهر أو الأقراء) .. لم تنكح حتى تزول الريبة) إما بمضي زمن يزعم النساء أنها لا تلد فيه، أو غير ذلك، فإن نكحت في الريبة .. بطل وإن تبين وقوعه بعد العدة، للتردد في انقضائها، وهو مشكل على ما باع مال أبيه على ظن حياته. قال: (أو بعدها) أي: بعد تمام الإقراء أو الأشهر (أو بعد نكاح أستمر) أي: النكاح للحكم بانقضاء العدة ظاهرًا ولثبوت حق الزوج. قال: (إلا أن تلد لدون ستة أشهر من عقده) فإنه يحكم ببطلانه، لتحقق أنها كانت حاملا يوم العقد.

أَو بَعدَهَا وَقَبلَ نِكاَحٍ .. فَلتَصبِر حَتَّى تَزولُ الرِّيبَةُ, فَإن نَكَحَت .. فَالَمذهَبُ: عَدَمُ إبطَالِهِ في الَحالِ, فَإن عُلِمَ مُقتَضِيهِ .. أبطَلنَاهُ. وَلو أَبَانَهَا فَوَلَدَت لأربَعِ سِنينَ .. لحَقِهَ, ُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بعدها وقبل النكاح .. فلتصبر حتى تزول الريبة) احتياطًا وورعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). وعبارة المصنف تقتضي وجوب الصبر, وبه صرح الجويني في (السلسلة) , وقال الإمام: إن بلغت مبلغًا يقال فيه: إنها حامل .. لم يجز لها أن تنكح حتى تزول الريبة. وعبارة (المحرر) و (الشرحين) و (الروضة) والجمهور الأولى, وفي (التنبيه): ويكره نكاح المرتابة بالحمل. قال: (فإن نكحت) أي: ولم تصبر إلى زوال الريبة) .. فالمذهب: عدم إبطاله في الحال)؛ لأن العدة قد انقضت في الظاهر وتعلق بها حق الزوج الثاني فلا ينقض الحكم بانقضائها بمجرد الشك. قال: (فإن علم مقتضيه .. أبطلناه) أي: حكمنا ببطلانه؛ لتبين فساده وهذا أصح الطرق. والطريقة الثانية: أنه على قولين مبنيين على وقف العود. والثالثة: القطع ببطلان النكاح مع الريبة؛ بل لو راجعها الزوج قبل زوال الريبة .. وقفت الرجعة, فإن بان حمل .. صحت الرجعة, وإلا .. بطلت, نص عليه. وقال الشيخ أبو محمد: لا يختلف المذهب فيه, وليس هذا الوقف كالوقف في القديم؛ فإن ذلك وقف في نفس الأمر, وههنا العقد صحيح غير أنه يرتفع بمعنى ظهر في الثاني. قل: (ولو أبانها فولدت لأربع سنين .. لحقه)؛ لقيام الإمكان , فإن الحمل قد يبلغ ذلك.

أِو لِأكثَرَ .. فَلاَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مالك: هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق, حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة, تحمل كل بطن أربع سنين. وروى الشافعي عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد القرشي أنه قال: أراني سعيد بن المسيب رجلًا وقال: إن أبا هذا غاب عن أمه أربع سنين, فولدته وله ثنايا. وذكر جماعة أن منظور بن زيان وهرم بن حيان ولد كل منهما لأربع سنين. وقيل: إن أبا حنيفة رضي الله عنه حملت به أمه ثلاث سنين, والضحاك بن مزاحم حملت به أمه ستة عشر شهرًا, وهذا إذا وجد في الأعيان كثيرًا .. ففي العامة أكثر. واستدل له الرافعي بأن عمر أمر المرأة المفقود أن تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة, قال: وإنما قدرها بذلك؛ لأنها نهاية مدة الحمل. وقال المزني: أكثر مدته سنتان, وهو مذهب أبي حنيفة. وعن الزهري وربيعة والليث: أكثر مدته سبع سنين. وعن مالك ثلاث زوايا: أربع سنين, وخمس سنين, وسبع سنين. واستشكل الشيخ عز الدين الإلحاق في هذه المدة من كثرة الفساد في هذا الزمان, والحكم لا يختص بالبائن, بل الرجعية كذلك كما سيأتي. تنبيه: أطلق الشافعي ولأصحاب المسألة, واعترض منصور النميمي في المستعمل فقال: إذا لحقه الولد الذي أتت به لأربع سنين من وقت الطلاق .. لزم أن تكزن مدة الحمل أكثر من أربع سنين؛ لتقدم العلوق على الطلاق, فينبغي أن يقال: أربع سنين من وقت إمكان العلوق قبيل الطلاق. قال الرافعي: وهذا تقويم, وفي الإطلاق تساهل, وقال في الشرح الصغير: إنه الحق, وانتصر في (المطلب) للأصحاب ورد كلام منصور بكلام فيه قصور. قال: (أو لأكثر .. فلا)؛ لعدم الإمكان, وهذه تقدمت في (باب اللعان).

ولوَ طَلَّقَ رَجعِيًا .. حُسِبَت المُدَّةُ مِن الطَلاقِ, وَفي قَولٍ: مِنَ انصِرَامِ العِدَّةِ. وَإن نَكَحَت بَعدَ العِدَّة َفَولَدَت لِدُونِ سِتَّةِ أشهُرٍ .. فَكَأنها لَم تَنكِحَ, وَإن كَانَ لِسِتَّة .. فَالوَالِدِ الثَانِي .. وَلَو نَكَحَت فِي العِدَّةِ فَاسِدًا فَولَدَت للِإمكَانِ مِن الأول .. لحَقِهَ وَانقَضَت بِوَضعِهِ, ثُمَّ نَعتَدُّ للثَانِي, ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو طلق رجعيًا .. حسبت المدة من الطلاق)؛ لأنها كالبائن في تحريم الوطء, فكذلك في أمر الولد. قال: (وفي قول: من انصرام العدة)؛ لأنها كالمنكوحة في غالب الأحكام من لحوق الإيلاء والظهار والإرث فكذلك في لحوق الولد, وقال أبو إسحق: يلحقه الولد من الرجعية أبدًا. قال السرخسي: سئل أبو إسحاق عن ولد الرجعية إلى متى يلحق؟ فقال: إلى ثلاثة آلاف سنة, أراد بذلك المبالغة في التأييد. قال: (وإن نكحت بعد العدة فولدت لدون ستة أشهر) أي: من النكاح الثاني) .. فكأنها لم تنكح) فيكون الحكم كما سبق, إن ولدت لأربع سنين فأكثر .. لم يلحق, أو لأقل من ذلك .. لحق, وحيث لحق .. فنكاح الثاني باطل, وإلا .. فصحيح. قال: (وإن كان لستة .. فالولد للثاني) ولو أمكن كونه من الأول لأن الفراش الثاني أقوى؛ لتأخره, ولأن صح ظاهرًا ولو ألحقنا الولد بالأول لبطل النكاح؛ لوقوعه في العدة. قال: (ولو نكحت في العدة فاسدًا فولدت للإمكان من الأول .. لحقه وانقضت بوضعه, ثم تعتد للثاني) إذا نكحت المرأة في العدة, فإن وطئها الزوج علمًا بالتحريم .. فهو زان لا يؤثر وطوءه في العدة, وإن جهل التحريم لظنه انقضاء العدة أو أن المعتدة لا يحرم نكاحها .. انقطعت به العدة لمصيرها فراشًا للثاني, ودعوى الجهل بتحريم المعتدة لا تقبل إلا من قريب العهد بالإسلام, ودعوى الجهل بكونها معتدة تقبل من كل احد, ثم إذا فرق بينهما .. تكمل عدة الأول ثم تعتد للثاني, والحكم في لحوق الولد كما سبق.

أَوْ لِلإِمْكَانِ مِنَ الثَّانِي .. لَحِقَهُ، أَوْ مِنْهُمَا .. عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا .. فَكَالإِمْكَانِ مِنْهُ فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (في العدة فاسدًا) تعبير ناقص؛ لأن النكاح في العدة لا يكون إلا فاسدًا. وعبارة (المحرر) محررة؛ فإنه قال: ولو نكح فاسدًا بأن نكح في العدة، أما إذا نكح بعد الانقضاء وهو يظن بقاءها عند العقد .. فخرجه في (المطلب) على ما إذا باع مال أبيه على ظن حياته .. فيصح. قال: (أو للإمكان من الثاني) بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين من طلاق الأول) .. لحقه) أي: لحق الثاني؛ لما تقدم، وهذا إذا كان طلاق الأول بائنًا، فإن كان رجعيًا .. فقولان لا ترجيح فيهما: أحدهما: كذلك، وهو ظاهر عبارة المصنف. والثاني: يعرض على القائف. قال: (أو منهما .. عرض على القائف، فإن ألحقه بأحدهما .. فكالإمكان منه فقط) فيأتي ما تقدم، فإن كان الملحق به هو المطلق .. فقد انقضت عدة الطلاق واستقبلت عدة الآخر بالأقراء. واحترز بقوله: (ألحقه بأحدهما) عما إذا ألحقه بهما أو اشتبه الأمر عليه أو لم يكن قائف .. فينتظر بلوغه وانتسابه بنفسه. وبقي من أقسام المسألة ما إذا لم يمكن من واحد منهما بأن كان لدون ستة أشهر من وطء الثاني وأكثر من أربع سنين من طلاق الأول .. فإنه لا يلحق بواحد منهما، وسكت المصنف عنه؛ لوضوحه. تتمة: إذا كانت ترى الدم على الحمل وقلنا: إنه حيض .. لم تنقض به عدتها عن صاحب الحمل؛ لأن المقصود من الأقراء معرفة البراءة، وهذه الأقراء ما دلت على براءة الرحم.

فَصْلٌ: لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ مِنْ جِنْسٍ؛ بِأَنْ طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا أَوْ عَالِمًا فِي رَجْعِيَّةٍ .. تَدَاخَلَتَا؛ فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنَ الْوَطْءِ، وَتَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلاَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل البيهقي [7/ 422] لأن الحامل تحيض بقول عائشة: كنت قاعدة أغزل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، فنظرت إليه صلى الله عليه وسلم فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورًا فبهت، فنظر النبي صلي الله عليه وسلم وقال: (ما لكِ يا عائشة؟) قلت: يا رسول الله؛ نظرت إليك فجعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورًا، فلو رآك أبو كبير الهذلي .. لعلم أنك أحق بشعره، قال: (وما يقول أبو كبير؟) قلت: يقول [من الكامل]: ومبرأ من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة ودار مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... لمعت كبرق العارض المتهلل فوضع النبي صلى الله عليه وسلم ما في يده وقام وقبل بين عيني وقال: (يا عائشة؛ جزاك الله عني خيرًا) وكذا رواه الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب [13/ 252] بسند فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى، وهو من غرائب حديثه. قال: (فصل: لزمها عدتا شخص من جنس؛ بأن طلق ثم وطئ في عدة أقراء أو أشهر) أي: ولم تحبل من ذلك (جاهلًا) بأن ظنها زوجته الأخرى، أو نسي الطلاق أو نسي التحريم. قال: (أو عالماَ في رجعية .. تداخلتا) أي: العدتان (فتبتدئ عدة من الوطء، وتدخل فيها بقية عدة الطلاق)؛ لأن مقصود عدة الوطء والطلاق واحد فيندرج فيها ما بقي من عدة الطلاق، وقدر تلك البقية يكون مشتركًا واقعًا عن الجهتين جميعًا، فتجوز له الرجعة في تلك البقية لا بعدها، وكذا له تجديد النكاح، وفي مسألة النكاح وجهان آخران:

فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا حَمْلًا وَالأَخْرَى اَقْرَاءً .. تَدَاخَلَتَا فِي الأَصَحِّ؛ فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ، وَيُرَاجِعُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنَ الْوَطْءِ .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: عن الحليمي أن البقية تسقط، ويتمحض الجميع للوطء، وزيفة الإمام بأن عدة النكاح أقوى فقطع الأقوى بالأضعف محال. قال الرافعي: وقياس قوله أن لا رجعة في البقية، ولكن الإجماع صد عنه. والوجه الثاني: أن الباقي من عدة الطلاق يبقى متمحضًا للطلاق، ولا يوجب الوطء إلا ما وراء ذلك إلى تمام ثلاثة أقراء. وحكي ابن يونس وجهًا ثالثًا: أنه تكفي بقية العدة الأولى، ويسقط حكم الوطء من الاعتداد. قال: (فإن كانت إحداهما حملًا والأخرى أقراء) هذا قسيم قوله: (من جنس)؛ إذ هذه جنسان بأن طلقها وهي حائل ثم وطئها في الأقراء وأحبلها، أو طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع. قال:) .. تداخلتا في الأصح)؛ لأنهما من جنس واحد فأشبها المتجانستين. والثاني: لا تداخل؛ لأن التداخل يليق بالمتفقات، بدليل أن الحدود تأبى التداخل في المتفقات منها دون المختلفات. قال: (فتنقضيان بوضعه)؛ لأن ذلك فائدة التداخل. قال: (ويراجع قبله) أي: قبل الوضع، سواء طرأ الحمل على الوطء أو عكس. أما الأول .. فبالاتفاق؛ لأنها في عدة طلاق رجعي والحمل لا يتبعض. وأما الثانية .. فعلى الأصح؛ لأنها في عدة الطلاق وغن لزمها عدة أخرى. قال: (وقيل: إن كان الحمل من الوطء .. فلا) أي: فلا رجعة بناء على أن عدة الطلاق قد سقطت، وهي الآن معتدة من الوطء، والأصح: نعم؛ لأنها في عدة الطلاق وإن وجبت عليها عدة أخرى، وكذا الخلاف في النفقة، وقيل: يجب قطعًا.

أَوْ لِشَخْصَيْنِ؛ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطُلِّقَتْ .. فَلَا تَدَاخُلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: قيد في (التنقيح) والتصحيح) تداخل العدتين بما إذا كانت لا ترى الدم على الحمل، أو رأته ولم تجعله حيضًا، قال: فأما إذا رأته وقلنا: إنه حيض .. ففي (الشرح) و (الروضة): أن الأقراء الباقية من العدة الأولى لا تدخل في الحمل، بل تنقضي العدة الأولى بفراغها، سواء تقدمت أو تأخرت، وتكون الرجعة دائرة معها، وهذا التقييد وقع في بعض شروح (الحاوي)، فاغتر به الشيخ جمال الدين وهو وهم؛ فإن هذه الصورة مفرعة على المرجوح، وهو عدم التداخل في صورة الحمل كما هو في (الشرح) و (الكفاية) و (نكت التنبيه). قال: (أو لشخصين؛ بأن كانت في عدة زوج أو شبهة فوطئت بشبهة أو نكاح فاسد، أو كانت زوجة معتدة عن شبهة فطلقت .. فلا تداخل) بل تعتد عن كل واحد منهما بعدة كاملة خلافًا لأبي حنيفة. لنا: ما روى مالك [2/ 536] عن عمر والبيهقي [7/ 441] عن علي أنهما قالا: إذا كان على المرأة عدتان من شخصين .. لا تتداخلان، ولا مخالف لهما من الصحابة إلا ما نقل عن ابن مسعود ولم يثبت. ولأنهما حقان مقصودان لآدميين .. فلا يتداخلان كالدينين. وشرط عدم التداخل: أن تكونا من شخصين محترمين، فلو طلق حربي زوجته فوطئها في عدته حربي آخر بشبهة، أو نكحها ووطئها ثم أسلمت مع الثاني، أو دخلا بأمان وترافعا إلينا .. فالنص أنه لا يجتمع عليها عدتان، بل تكفيها واحدة من يوم وطئها الثاني، فمن الأصحاب من أخذ بهذا النص، ومنهم من قطع بوجوب عدتين كالمسلمين، ومنهم من جعل المسألة على قولين. وقول المصنف: (أو نكاح فاسد) يشمل هذه الصورة، ويقتضي أنه لابد من عدتين ولا ترجيح في (الشرح) ولا في (الروضة) فيها.

فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ .. قَدَّمَتْ عِدَّتَهُ، وَإِلاَّ: فَإِنْ سَبَقَ الطَّلاَقُ .. أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ ثُمَّ اسْتَانَفَتِ الأُخْرَى، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ، فَإِذَا رَاجَعَ .. انْقَطَعَتْ وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَلاَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا. وَإِنْ سَبَقَتِ الشُّبْهَةُ .. قَدَّمَتْ عِدَّةَ الطَّلاَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن كان حمل .. قدمت عدته) سواء كان سابقًا أم لاحقًا؛ لأن عدة الحمل لا تقبل التأخير، فإن كان الحمل للمطلق .. انقضت به عدته ثم تعتد للشبهة بالأقراء بعد النفاس، وله الرجعة قبل الوضع، قال الروياني: إلا في حال اجتماع الواطئ بها. وإن كان الحمل للشبهة .. انقضت به عدتها، ثم تكمل بقية عدة الطلاق ولو في النفاس على الصحيح، وله الرجعة فيها لا فيما قبل الوضع على ما صححه البغوي والماوردي وغيرهما. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن حمل (فإن سبق الطلاق .. أتمت عدته)؛ لتقدمها، ولكونه من وطء في نكاح صحيح، بخلاف الوطء في النكاح الفاسد. قال: (ثم استأنفت الأخرى)؛ لعدم التزاحم، وتشرع في الإتمام ثم الاستئناف عقب وطء الشبهة إذا لم يكون من الثاني إلا وطء شبهة كما في الصورة الأولى، فلو نكح فاسدًا ووطئ كما في الصورة الثانية .. فزمن استفراشه لا يحسب عن واحد من العدتين، وإنما يحسب من التفريق، وقيل: من آخر وطأة. قال: (وله الرجعة في عدته) يعنى: إن كان الطلاق رجعيًا؛ لأنها زوجة في عدة طلاق رجعي. قال: (فإذا راجع .. انقطعت) أي: عدته (وشرعت في عدة الشبهة، ولا يستمتع بها حتى تقضيها)؛ لأنها معتدة عن غيره. هذا كله إذا كان الطلاق رجعيًا، فإن كان بائنًا .. فهل له تجديد النكاح؟ فيه وجهان، قوة كلام الرافعي تقتضي ترجيح الجواز، كما يجوز له رجعتها، لأنها في عدته. قال: (وإن سبقت الشبهة .. قدمت عدة الطلاق)؛ لأن سببها أقوى لتعلقها بالنكاح.

وَقِيلَ: الشُّبْهَةِ. فَصْلٌ: عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ بِلاَ وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ .. فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: إِنْ كَانَتْ بَائِنًا .. انْقَضَتْ، وَإِلاَّ .. فَلَا ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: الشبهة)؛ لسبقها ثم تعتد من الطلاق. تتمه: لو طرأ وطء شبهة على عدة شبهة .. قدمت الأولى بلا خلاف، ولو نكح امرأة نكاحًا فاسدًا ووطئها غيره بشبهة وفرق بينهما لظهور فساد النكاح .. قال البغوي: قدمت عدة الشبهة بلا خلاف؛ لأن عدته من الوطء، وتلك من التفريق فقدمت لتقديم سببها، وليس للفاسد قوة الصحيح، ولو طلق ومضى قرءان فنكحت فاسدًا ودام الفراش إلى سن الإياس ثم فرق .. فتكمل الأولى بشهر ثم تعتد للفاسدة بثلاثة أشهر. قال: (فصل: عاشرها كزوج بلا وطء في عدة أقراء أو أشهر .. فأوجه: أصحها: إن كانت بائنًا .. انقضت، وإلا .. فلا) إذا طلق زوجته وهجرها أو غاب عنها .. انقضت عدتها بمضي الأقراء أو الأشهر، ولو لم يهجرها بل كان يطؤها، فإن كان ذلك الطلاق بائنًا .. لم يمنع انقضاء العدة؛ لأن وطأة زنا لا حرمة له، وإن كان رجعيًا .. فلا تشرع في العدة ما دام يطؤها؛ لأن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة بما يشغل الرحم، وإن كان لا يطؤها ولكن يخالطها ويعاشرها معاشرة الأزواج .. ففي انقضاء العدة أوجه: وجه الأصح: أن مخالطة البائن محرمة لا تؤثر في العدة كوطئها في الدبر، وفي الرجعية الشبهة قائمة وهو بالمعاشرة والمخالطة مستفرش لها، فلا يحسب زمن استفراشه من العدة، كما لو نكحت غيره في العدة .. لا يحسب زمن استفراشه عن العدة. والثاني: لا تنقضي مطلقًا؛ لأنها بالمعاشرة كالزوجة. والثالث: عكسه؛ لأن هذه المخالطة لا توجب عدة فلا تمنعها.

وَلاَ رَجْعَةَ بَعْدَ الأَقْرَاءِ وَالأَشْهُرِ. قُلْتُ: وَيَلْحَقُهَا الطَّلاَقُ إِلَى انْقِضَاءِ العِدَّةِ، وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ .. انْقَضَتْ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ وَوَطِئَ .. انْقَطَعَتْ مِنْ حِينَ وَطِئَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بالمعاشرة: الخلوة، وكذلك النوم معها، ولا يضر دخول دار وهي فيها من غير خلوة. قال الإمام: ولو مضى من العدة مدة ثم حصلت خلوة .. فالذي مضى لا ينقطع، ولكن لا يحسب زمن الخلوة منها، ولو كان يخلو بها ليلًا ويفارقها نهارًا .. لم تحسب الأوقات المتخللة بين الخلوات من العدة. قال: (ولا رجعة بعد الأقراء والأشهر) أي: وإن لم نحكم بانقضاء العدة؛ رعاية للاحتياط من الجانبين، كما لو وطئ الرجعية بعد مضي قرء من وقت الطلاق .. تعتد بثلاثة أقراء من وقت الوطء، ولا تجوز الرجعة في القرء الثالث. قال في (المهمات): المعروف في المذهب المفتى به: أن الرجعة تثبت كما أفتى به البغوي وجزم به شيخ القاضي حسين، وقد وقع للرافعي والمصنف هذا الوهم، وتبعهما ابن الرفعة عليه بزيادة، وبقيت صورة سكتوا عنها وهي إذا قلنا: لا تنقضي العدة فماتا أو أحدهما هل يحكم بالتوارث؟ فيه نظر. قال: (قلت: ويلحقها الطلاق إلى انقضاء العدة)؛ لأنه مقتضى الأخذ بالاحتياط. قال: (ولو عاشرها أجنبي .. انقضت والله أعلم)؛ لأنه لا شبهة له، قال الإمام: لا نعرف خلافًا أنها لو كانت تخالط الأجانب تنقضي عدتها وإن تعرضت لسخط الله تعالى. والمصنف ههنا أطلق الانقضاء بمعاشرة الأجنبي، وفي (الروضة) و (أصلها): أن محل ذلك إذا كانت بغير شبهة، فإن كانت بشبهة .. فيجوز أن يمنع الاحتساب كما سبق؛ لأنها في زمن الوطء خارجة عن العدة، لكن يرد على إطلاقه ما لو طلق زوجته الأمة فعاشرها السيد .. فإن فيه الخلاف السابق، حتى لا تنقضي في الرجعية. قال: (ولو نكح معتدة بظن الصحة ووطئ .. انقطعت من حين وطئ)؛ لأن النكاح الفاسد لا حرمة له، ولا تجعل المرأة فراشًا ما لم يوجد الوطء، وهذه المسألة

وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ: مِنَ العَقْدِ. وَلَوْ رَاجَعَ حَائِلًا ثُمَّ طَلَّقَ .. اسْتَانَفَتْ، وَفِي القَدِيمِ: تَبْنِي إِنْ لَمْ يَطَا، أَوْ حَامِلًا .. فَبِالْوَضْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدمت في الفصل قبله في قوله: (في نكاح فاسد)، ذكرت هناك لتصور عدتين من شخصين، وهنا لبيان وقت انقضاء العدة الأولى، فإن لم يطأ .. لم تنقطع، وقيل: إن خلا بها وعاشرها .. انقطعت وإن لم يطأ. والأرجح في (حين): الفتح؛ لأن بعدها فعل مبني، ويجوز كسرها على الأصل. قال: (وفي قول أو وجه: من العقد)؛ لأنها بالعقد معرضة عن العدة، ورجح في (الشرحين) كونه وجهًا، وجزم به في (الروضة). وأفهم قوله: (من العقد) انها سواء زفت إليه أم لا، وقيل: يشترط الزفاف، قال في (الروضة): ومن أيِّ وقت نحكم بانقطاع العدة؟ فيه أربعة أوجه: أصحها: من حين الوطء. والثاني: من الخلوة وإن لم يطأ. والثالث: من الزفاف. والرابع: من العقد. قال: (ولو راجع حائلًا) أي: ووطئها (ثم طلق .. استأنف)؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} وهذه مطلقة، وبهذا قال أبو حنيفة والمزني؛ لأنها بالرجعة عادت إلى النكاح الذي مسها فيه، فالطلاق الثاني طلاق في نكاح وجد فيه المسيس فصار كما لو ارتدت بعد المسيس ثم أسلمت ثم طلقها .. فإنها تستأنف، وهو كالخلاف في عود الحنث. قال: (وفي القديم: تبني إن لم يطأ)؛ لأنها حرمت عليه بالطلاق الأول، ولم يمسها في العقد الجديد فصار كما إذا أبانها ثم جدد نكاحها وطلقها قبل أن يمسها .. فإنها تبني، والشيخان تبعا ابن الصباغ في نسبة هذا القول إلى القديم، والشافعي نص على القولين في الجديد. قال: بأو حاملًا .. فبالوضع) المراد: إذا راجع حاملًا ثم طلقها ثانية قبل الولادة .. انقضت عدتها بالولادة وطئها أم لا؛ لعموم الآية.

فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ .. اسْتَانَفَتْ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَطَا بَعْدَ الْوَضْعِ .. فَلاَ عِدَّةَ. وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً ثُمَّ نَكَحَهَا ثَمَّ وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ .. اسْتَانَفَتْ وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو وضعت ثم طلق .. استأنفت)؛ لأنه طلاق في نكاح وجد فيه المسيس، فيوجب العدة، والوضع وجد في صلب النكاح، والعدة لا تنقضي بما يوجد في صلب النكاح. قال: (وقيل: إن لم يطأ بعد الوضع .. فلا عدة) فتنقضي عدتها بالوضع وإن كانت تحت الزوج. هذا كله إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها، فلو طلقها ولم ير بضعها ثم طلقها أخرى .. فالمذهب: أنها تبني على العدة الأولى؛ لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة، فصارت كما لو طلقها طلقتين معًا، وقال ابن خيران والإصخري والقفال: في وجوب الاستئناف القولان. وقيل: إن كان الطلاق رجعيًا .. ثبت قولًا واحدًا، وإن كان بائنًا .. فقولان. قال: (ولو خالع موطوءة ثم نكحها) أي: في العدة (ثم وطئ ثم طلق .. استأنفت ودخل فيها البقية) أي: بقية العدة السابقة؛ لأنهما من شخص واحد، ولو قال المصنف: ولو أبانها .. كان أعم. واقتضى كلامه تصحيح نكاح المختلعة، وهو المذهب، وفي (المهذب) عن المزني أنه لم يجوزه له كما لا يجوزه لغيره، واستغربه الرافعي. وقال ابن سريج: إذا نكحها .. لا تنقطع العدة ما لم يطأها كما لو نكحها أجنبي في العدة جاهلًا. والصحيح: أنها تنقطع بنفس النكاح؛ لأن زوجته لا يجوز أن تكون معتدة منه، وعلى هذا: فإذا طلقها بعد التجديد .. نظر، إن كانت حاملًا .. انقضت عدتها بوضع الحمل، وإن كانت حائلًا، فإن دخل بها .. استأنفت العدة قطعًا، وإن لم يدخل بها .. بنت على العدة السابقة، ولا يلزمه إلا نصف المهر؛ لأن هذا نكاح جديد طلق فيه قبل المسيس فلا تتعلق به العدة وكمال المهر، بخلاف ما سبق من الرجعية؛ فإنها تعود بالرجعة إلى النكاح، وفي قول لا يعرف إلا في (التنبيه): أنها تستأنف وبه قال أبو حنيفة.

فَصْلٌ: عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَا: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَاليهَا، وَأَمَةٍ: نِصْفُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: طلق زوجته الأمة ثم اشتراها .. انقطعت العدة في الحال على ظاهر المذهب، وحلت له وتبقى بقية العدة عليها حتى يزول ملكه، فحينئذ تقضيها، حتى لو باعها أو أعتقها .. لا يجوز تزويجها حتى تنقضي بقية العدة، قاله المتولي. وقال ابن سريج: لا تنقطع حتى يطأها، ومن الأصحاب من قال: تسقط بقية العدة على الإطلاق. قال: (فصل: عدة حرة حائل لوفاة وإن لم توطأ .. أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها) هذا هو الضرب الثاني من العدة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}. وكانت هذه العدة في ابتداء الإسلام سنة؛ لقوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} ثم نسخت. ويستوي فيها الصغيرة والكبيرة، وذات الأقراء وغيرها، والمدخول بها وغيرها أخذًا بإطلاق الآية. وإنما قال: (بلياليها) للتنبيه على معنى الآية، وهذا الحكم لا يختص بالحائل، بل لو كانت حاملًا والحمل غير لاحق بالزوج .. فالحكم كذلك. والمعتبر في المدة الأشهر الهلالية، وتكمل المنكسر بالعدد، وقيل: إذا انكسر شهر .. اعتبر الجميع بالعدد كما تقدم. قال: (وأمة: تصفها) وهو شهران وخمس ليال؛ لأن العدة أمر ذو عدد فوجب أن لا تساوي فيه الأمة الحرة كالحدود، وحكي أبو حامد قولًا غريبًا: أنها كالحرة؛

وَإِنْ مَاتَ عَنْ رَجْعيَّةٍ .. انْتَقَلَتْ إِلَى وَفَاةٍ، أَوْ بَائِنٍ .. فَلَا. وَحَامِلٍ: بِوَضْعِهِ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الولد يكون نطفة أربعين يومًا وعلقة كذلك ومضغة كذلك، ثم تنفخ فيه الروح ويتحرك، فاعتبر أن تعتد المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر ليتبين الحمل بذلك ويتحرك، وهذا لا فرق فيه بين الحرائر والإماء، وقد سبق أنه لو وطىء أمة على ظن أنها زوجته الحرة .. اعتدت عدة حرة، فينبغي أن يكون هنا مثله. وأما المبعضة .. فالظاهر أنها كالقنة، ويحتمل أن يأتي فيها خلاق كما قالوه في حد الزنا والقذف. فرع: عدة الوفاة وغيرها تختص بالنكاح الصحيح، فلو نكح فاسدًا، فإن مات قبل الدخول .. فلا عدة، وإن جرى دخول ثم مات أو فرق القاضي بينهما .. فتعتد للدخول كما تعتد عن وطء الشبهة. قال: (وإن مات عن رجعية .. انتقلت إلى وفاة) بالإجماع حتى يلزمها الإحداد ولا تستحق النفقة. ثم بقية عدة الطلاق هل تسقط أو تدخل في عدة الوفاة؟ قال الرافعي: سقطت بلا خلاف، وحكى ابن الرفعة فيه خلافًا عن مجلي. قال: وتظهر فائدته في سقوط النفقة، وفي وجوب الإحداد وقصر المدة وطولها. قال: (أو بائن .. فلا أي: لا تنتقل إلى عدة الوفاة حائلًا كانت أو حاملًا، بل تكمل عدة الطلاق، لأنها ليست بزوجته. قال الرافعي: ولها النفقة إن كانت حاملًا، وتبعه المصنف على ذلك. والمجزوم به في المذهب: أن الحامل المتوفى عنها لا تستحق النفقة، سواء قلنا: هي لها أو للحمل، وسيأتي بيانه في النفقات. قال: (وحامل: بوضعه)، لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، وروى أحمد [5/ 116] والدارقطني [3/ 302]: أن أبي بن كعب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذه الآية للمطلقة أو للمتوفى عنها زوجها؟ قال: (لهما).

بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، فَلَوْ مَاتَ صَبِيٌّ عَنْ حَامِلٍ .. فَبِالأَشْهُرِ، وَكَذَا مَمْسُوحُ، إِذْ لاَ يَلْحَقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَلْحَقُ مَجْبُوبًا بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الشافعي [1/ 244]: أن سبيعة الأسلمية وضعت حملها بعد وفاة زوجها سعد بن خولة عام حجة الوداع بنحو من نصف شهر، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (قد حللت فانكحي من شئت)، ولفظ مسلم [1485]: (وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال) وقال البخاري [491]: بأربعين ليلة. قال الشافعي: ولولا حديث سبيعة .. لكان الأخذ بأقصى الأجلين قريبًا من القواعد. وقال الحسن والأوزاعي: لا تنقضي حتى تظهر من النفاس، ورد عليها بظاهر الآية وحديث سبيعة. قال: (بشرطه السابق) وهو أن تضع الحمل بتمامه، وأن يكون منسوبًا إليه ولو احتمالًا. قال: (فلو مات صبي عن حامل .. فبالأشهر)، لأن الولد منفي عنه. قال: (وكذا مسموح، إذ يلحقه على المذهب)، لأن العادة لم تجر بذلك. ويحكى عن الإصطخري والقاضي حسين وأبي الطيب أنه يلحقه، لأن معدن الماء الصلبُ وهو والمجرى باقيان. وحكي أن أبا عبيد حربويه قلد قضاء مصر، فحكم في مثل هذا بلحوق الولد، فحمله الحصى على كتفيه وطاف به الأسواق وقال: انظروا إلى قاض يلحق أولاد الزنا بالخدام. قال: (ويلحق مجبوبًا بقي أنثياه)، لأنهما أوعية المني وفيهما قوة محلية للدم، وإنما الذكر آلة توصل الماء إلى الرحم بواسطة الإيلاج. قال: (فتعتد به) أي: زوجة المجبوب بوضع الحمل، لأنه يلحقه، وصرح الشيخان في أول الباب بأنه لا تجب عليها عدة الطلاق، إذ لا يتصور منه دخول وعلى هذا: يلغز بهذه فيقال: امرأة تعتد عن وفاة زوج ولا تعتد عن طلاقه.

وَكَذَا مَسْلُولٌ بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ عِلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ أَوْ تَعْيِينٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَا .. اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ، وَكَذَا إِنْ وَطِىءَ وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ، أَوْ أَقْرَاءٍ وَالطَّلاَقُ رَجْعِيٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا مسلول بقي ذكره على المذهب)، لبقاء آلة الجماع، وقد يبالغ في الإيلاج فيلتذ وينزل ماء رقيقًا. وقيل: لا يلحقه، لجريان العادة بذلك، فلا تنقضي به العدة، وقيل: إن قال أهلا الخبرة: لا يولد له .. لم يلحقه وإلا لحقه، وفي وجه آخر لم يعتمده الجمهور وهو: أنه إن كان مسلول اليمنى .. لم يلحقه وإن بقيت اليسرى، لأن قال: إنها للمني واليسرى للشعر. ونقل [الزوزني] في (جمع الجوامع): أن أبا بكر بن الحداد كان فقيد الخصية اليمنى، فكان لا ينزل وكانت لحيته طويلة، وكان كثير العبادة يصوم يومًا ويفطر يومًا، ويقرأ كل يوم ختمة، ويوم الجمعة ختمتين، ولد في اليوم الذي مات فيه المزني، ومات بمصر لأربع بقين من المحرم سنة [344]. والأنثيان: الخصيتان، واحدهما: خصية، ولفظهما لا يجمع ولا مفر لهما من لفظهما، وفي الصحاح: أن سعيد بن عثمان الزوائدي لقب بذلك، لأنه كان له ثلاث خصيات. قال: (ولو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل بيان أو تعيين، فإن كان لم يطأ .. اعتدتا لوفاة)، لأن كلًا منهما تحتمل أن تكون مفارقة بالموت كما تحتمل أن تكون مفارقة بالطلاق، فلا بد من الأخذ بالاحتياط، هذا إذا لم يكن حمل، فإن كان .. فالعدة بوضعه. قال: (وكذا إن وطىء) أي: كلًا منهمت (وهما ذواتا أشهر، أو أقرأ والطلاق رجعي) لما تقدم، فإن وطىء إحداهما فقط أو كانت إحداهما حاملًا فقط .. عمل فيهما بالاحتياط.

وَإِنْ كَانَ بَائِنًا .. اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلاَثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ: مِنَ الْمَوْتِ، والأَقْرَاءُ: مِنَ الطَّلاَقِ. وَمَنْ غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ حَتَّى تَتَيَقَّنَ مَوْتَهُ أَوْ طَلاَقَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (والطلاق رجعي) قيد في ذوات الأقراء، واحترز به عما إذا كانا حاملين .. فإن عدتهما بوضع الحمل. قال: (وإن كان بائنًا) .. اعتدت كل واحدة بالأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها)، لأن كل واحدة وجبت عليها عدة، واشتبهت عليها بعدة أخرى فوجب أن تأتي بذلك، لتخرج مما عليها بيقين، كما أشكلت عليه صلاة من صلاتين .. فالواجب عليه أن يأتي بهما. قال: (وعدة الوفاة: من الموت) بالاتفاق. قال: (والأقراء: من الطلاق) هذا على الصحيح، حتى لو مضى قرء من الطلاق ثم مات الزوج .. فعليها الأقصى من عدة الوفاة ومن قرأين من أقرائها. والثاني: من حين الموت، لأن الحقيقة الفرقة به تحصل، وعلى هذا: فيجب أن تكون الأقراء كلها بعد الموت، وهذا في الطلاق البائن، فإن كان رجعيًا .. فالرجعية تنتقل إلى عدة الوفاة إذا مات زوجها وهي في العدة. ولو أسلم على ثمان نسوة ومات قبل أن يختار .. لزم كلا منهن الاعتداد بأقصى الأجلين، وهل ابتداء الأقراء من إسلامه أو موته؟ فيه وجهان: أصحهما: الثاني. قال: (ومن غاب وانقطع خبره ليس لزوجته نكاح حتى تتيقن موته أو طلاقه) الغائب عن زوجته إن لم ينقطع خبره وكان يأتي كتابه أو يعرف مكانه .. فنكاحه على زوجته مستمر، وينفق الحاكم عليها من ماله إن كان له في بدل الزوجة مال، وإن لم يكن .. كتب إلى حاكم بلده ليطالبه بحقها. وإن انقطع خبره ولم يوقف على حاله حتى يتوهم أو يظن موته .. فالقول الجديد: أنه لا يجوز للمرأة أن تنكح زوجًا آخر حتى تتيقن موته أو طلاقه وتعتد، واستدل له بما

وَفِي الْقَدِيمِ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَتَنْكِحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى الدارقطني [3/ 312] والبيهقي [7/ 445] عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان) لكنه حديث ضعيف لا يحتج به. وروى الشافعي [1/ 303] عن علي أنه قال: هذه المرأة ابتليت فلتصبر، قال الشافعي: وبه نقول، وبأنه لا يحكم بموته مع انقطاع الخبر في قمة ماله وعتق أم ولده فكذلك في فراق زوجته، وبأن النكاح معلوم متيقن فلا يزال إلا بيقين. واستدل الشافعي بحديث الرجل يجد الشيء في الصلاة فال صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) ثم قال: فيقين الطهارة لا يرتفع إلا بيقين الحدث، فكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا يزيله إلا بيقين الموت أو الطلاق. قال: (وفي القديم: تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح) وبهذا قال مالك وأحمد، ويروى عن عمر وعثمان وابن عباس. وروى الشافعي والبيهقي [7/ 445 - 446]: أن رجلًا من الأنصار خرج يصلي مع قومه العشاء فسبته الجن ففقد، فانطلقت امرأته إلى عمر رضي الله عنه فقصت عليه القصة، فسأل عنه قومه فقالوا: نعم خرج يصلي العشاء ففقد، فأمرها أن تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرًا، فلما مضت المدة .. أتته فأخبرته فأمرها أن تتزوج، فتزوجت. فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر، فقال عمر: يغيب أحكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته؟! فقال له: إن لي عذرًا يا أمير المؤمنين، قال: وما عذرك؟ قال: خرجت أصلي العشاء فسبتني الجن، فلبثت فيهم زمنًا طويلًا، فغزاهم جن مؤمنون فقاتلوهم فظهروا عليهم فسبوا منه سبايا وسبوني معهم، فقالوا: نراك رجلًا مسلمًا ولا يحل لنا سباؤك، فخيروني بين المقام عندهم وبين القفول إلى أهلي، فاخترت أهلي، فأقبلوا معي، أما الليل .. فليسوا يحدثوني، وأما النهار .. فعصار ريح أتتبعها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال له عمر رضي الله عنه: فما كان طعامهم؟ قال: الفول وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما كان شرابك فيهم؟ قال: الجدف -وهو ما لم يخمر من الشراب- قال: فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته. وعن أبي حنيفة: أنها تصبر حتى يبلغ عمر الزوج مائة وعشرين سنة، ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح. والتربص: التأني والتأخير، قال الشاعر [من الطويل [: تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يومًا أو يموت حليلها وسواء فيما ذكرناه المفقود في جوف البلد وفي السفر وفي القتال ومن انكسرت سفينته ولم يعلم حاله وإن أمكن حمل انقطاع الخبر على شدة البعد والإيغال في الأسفار. وإذا قلنا بالقديم .. فهل يحتاج في مدة التربص إلى ضرب القاضي؟ مقتضى كلام الرافعي: اعتبار ذلك، وحكم القاضي بموته. وإذا حكم الحاكم بالفرقة .. هل ينفذ ظاهرًا أو باطنًا فقط. وجهان نص عليهما في (أصل الروضة). تنبيهان: أحدهما: المراد باليقين: الطرف الراجح لا القطع، فلو ثبت ذلك بعدلين .. كفى. ولو أخبر عدل بموته .. لم يكف ظاهرًا، وقال القفال يجل لها أن تتزوج فيما بينها وبين الله تعالى، لأن ذلك خبر وليس شهادة، وسيأتي في الشهادات الاكتفاء بالاستفاضة في الموت وهي لا تفيد اليقين. الثاني: الزوجة إذا انقطع خبرها هل ينكح أختها أو أربعًا سواها. الظاهر: أن

فلو حَكَمَ بِالْقَدِيمِ قَاضٍ .. نُقِضَ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيْتاَ .. صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الأَصَحِّ. ويَجِبُ الإِحْدَادُ عَلَى مُعْتًدَّةٍ وَفَاةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حكمها كغيبة الرجل، والظاهر: أن أم الولد كالزوجة. قال: (فلو حكم بالقديم قاض .. نقض على الجديد في الأصح)، لمخالفته القياس الجلي، لأنه لا يجوز أن يكون حيًا في ماله وميتًا في حق زوجته. والثاني: لا ينقض كما في سائر المجتهد فيه، وصححه القاضي الروياني. قال: (ولو نكحت بعد التربص والعدة فبان ميتًا .. صح على الجديد في الأصح)، لأنه صادفها خلية عن الزوج. والثاني: المنع، لفقد العلم بالصحة حالة العقد. وبنى الرافعي الخلاف على ما لو باع مال أبيه على ظن حياته فبان ميتًا، ومقتضى البناء تصحيح الصحة، وإن قلنا بالقديم .. صح النكاح ظاهرًا وباطنًا. وإذا ظهر المفقود، فإن قلنا بالجديد .. فهي زوجته بكل حال، فإن نكحت .. لم يطأها المفقود حتى تنقضي عدة النكاح، وإن قلنا بالقديم .. ففي نكاحه وميراثه منها ست طرق مشهورة. قال: (ويجب الإحداد على معتدة وفاة). (الإحداد): مأخوذ من الحد، وهو المنع، لأنها تمنع الزينة ونحوها، يقال: امرأة حاد، ولا يقال: حادة. والأصل فيه: ما روى مسلم [148/ 58] عن عائشة وحفصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا). قال الأئمة: (إلا على زوج) مستثنىً من قوله: (لا يحل)، وظاهره لا يقتضي

لًا رَجْعِيَّةٍ، ويُسْتَحَبُّ لِبَائِنٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا الجواز، لكن أجمعوا على انه أراد الوجوب، وأنه استثنى الواجب من الحرامـ وقال ابن المنذر: لم يخالف في ذلك إلا الحسن البصري، فإنه انفرد عن الناس بقوله: الإحداد ليس بواجب، قال: والسنة يستغنى بها عن كل قول. وروى مسلم] 1489 [: أن زينب ابنة النحام جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحُلها - وهو بضم الحاء - فقال صلى الله عليه وسلم: (لا) مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقو: لا، ثم قال: (إنما هي أربعة أشهر وعشر) زاد عبد الحق فيه أنها قالت: يا رسول الله، إني أخشى أن تفقأ عينها، قال:) وإن انفقأت). ولا فرق في الوجوب بين المسلمة والذمية إذا كان زوجها مسلمًا أو ذميًا، ولا بين الحرة والأمة، ولا بين المكلفة وغيرها، والولي يمنعها مما يمنع منه المكلفة. واختار الروياني في (الحلية) مذهب أبي حنيفة أنه لا إحداد على غير المكلفة، واختار ابن المنذر أنه إحداد على الذمية كمذهب أبي حنيفة أيضًا، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤمن بالله واليوم الآخر) وهو لازم حربويه على قوله في الخطبة على الخطبة وفي السوم على السوم. وخرج بقيد الزوجية في الحديث أم الولد والمعتدة من وطء الشبهة أو نكاح فاسد .. فلا إحداد عليهن قطعًا، لعدم الزوجية. قال: (لا رجعية)، لبقاء أكثر أحكام النكاح فيها، بل نقل أبو ثور عن الشافعي استحبابه، ومن الأصحاب من قال: الأولى أن تتزين بما يدعوه إلى رجعتها، وينبغي تخصيصه بمن ترجو عوده. قال: (ويستحب لبائن) وبه قال مالك، سواء كانت بخلع أو استيفاء طلاق، لأن النص إنما ورد في المتوفى عنها، وليست البائن في معناها، ولأنها مجفوة بالطلاق فلا يناسبها التفجع، بخلاف المتوفى عنها. قال: (وفي قول: يجب) وبه قال أبو حنيفة، لأنها بائن معتدة عن نكاح فأشبهت المتوفى عنها، وهذا قديم، والأول جديد، وعن أحمد روايتان كالقولين.

وَهُوَ: تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ وإِنْ خَشُنَ، وَقِيلَ: يَحِلُّ مًا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ ويُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ، وَكَذَا إِبْرَيسَمٌ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمفسوخ نكاحها بعيب ونحوه على القولين، وقيل: لا يجب قطعًا. قال: (وهو) أي: الإحداد (ترك لبس مصبوغ لزينة وإن خشن) فـ (لزينة) متعلق بـ (مصبوغ) أي: إن كان المصبوغ مما يقصد للزينة كالأحمر والأصفر، وكذبك الأزرق الصافي والأخضر الصافي .. حرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب) رواه أبو داوود [2296] والنسائي [سك 5699] عن أم سلمة. قال: (وقيل: يحل ما صبغ غزله ثم نسج) كالبرود، ففي (الصحيحين) [خ 5343 - م 938] عن أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) وهو - بفتح العين وسكون الصاد المهملتين -: برود يعصب غزلها، أي: يجمع ويشد، ثم يصبغ ثم ينسج، والصحيح: لا فرق، لأن المحذور ميل النفوس إليها بالزينة وهو موجود في الحالتين. قال: (ويباح غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان) كالدبيقي والبندقي، لأن نفاستها لصنعتها لا للزينة بها. قال: (وكذا إبريسم في الأصح) ليس للشافعي في الإبريسم نص، لكن لأصحابه فيه وجهان: أصحهما: أنه كالقطن والكتان إذا لم تحدث فيه زينة ونفاسة في ذاته .. فيجوز المنسوج منه على اللون الأصلي. والثاني: يحرم واختاره القفال وأتباعه والغزالي وجماعة، لأنه إنما حرم عليها للزينة فالتحقت بالرجال، فعلى هذا: لا تلبس العتابي الذي أكثره حرير. ومحل الخلاف مع بقاء لونه الأصلي، فإن صبغ .. فكما سبق. وأما الخز - وهو الثوب الذي لحمته حرير وسداه من صوف - فقد نص الشافعي والأصحاب على جواز لبسه، لا ستتار الإبريسم بالصوف، قال الروياني: يمنع من لبس القرقوبي والمقانع بطراز الذهب.

وَمَصْبُوغٌ لاَ يُقْصَدُ لِزِينَةٍ. وَيَحْرُمُ حَلْيُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَكَذَا لُؤْلُؤٌ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومصبوغ لا يقص به لزينة) كالأسود الكحلي، بل في (الحاوي) وجه يلزمها لبس السواد في الإحداد، فلو كان الصبغ مترددًا بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق، فإن كان براقًا صافي اللون .. حرم، وإن كان كدرًا .. فلا بأس. ويحرم المطرز إذا كان الطراز كثيرًا، وإلا .. فأوجه: ثالثها: إن ركب بعد النسج .. حرم، وإن رقم معه .. فلا. قال: (ويحرم حلي ذهب وفضة) سواء كان كبيرًا كالخلخال والسوار، أو صغيرًا كالخاتم والقرط، لما روى أبو داوود والنسائي بإسناد حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتوفى عنها زوجها لا تبلبس الحلي ولا تكتحل ولا تختصب). و (الحَلي) بفتح الحاء وإسكان اللام، جمعه: حُلي، بضم الحاء وكسر اللام، ومراد المصنف المفرد، وهو كل ما يتزين به من ذهب وفضة أو جوهر، وإنما حرم ذلك، لأنه يزيد في حسنها، ومن هذا ما أنشده الثعالبي عن بعضهم من] الطويل [: وما الحَلْيُ إلا زينَةٌ لنقيصةٍ .... يُتمِّمُ من حسنٍ إذا الحسنُ قصَّرا فأمَّا إذا كانَ الجمالُ موقَّرًا .... كحُسنكِ لم يحتجْ إلى أن يزوَّرا وقال الإمام والغزالي: يجوز لها التختم بخاتم الفضة كالرجال، والأصح: المنع. وقال الماوردي والروياني: يحرم عليها لبس الحلي من الصفر والنحاس والرصاص المموه بذهب أو فضة إذا كان مشابهًا لهما بحيث يخفى على الناظر إلا بعد شدة تأمل، وكذا لو كانت ممن جرت عادتهن التحلي بمثله. وأطلق المصنف حرمة الحلي من غير فرق بين الليل والنهار، وفي (الشرح) و (الروضة) عن بعض الأصحاب: أنها لو كانت ليلًا وتنزعه نهارًا .. جاز لكنه يكره لغير حاجة، فلو فعلته لإحراز المال .. لم يكره. قال: (وكذا لؤلؤ في الأصح)، لأن الزينة فيه ظاهرة، قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} وتردد فيه الإمام، لأنه يباح للرجل، وهذا الموضع مما جعل المصنف فيه تردد الإمام وجهًا.

وَطِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوبٍ وَطَعَامٍ وَكُحْلٍ، وَاكْتِحَاٌل بِأَثْمِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وطيب في بدن وطعام وثوب وكحل)، لقولة صلي الله عليه وسلم: (ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو إظفار) رواه مسلم [983]، زاد النسائي [5689]: (ولا تمتشط) ومعناه: أن تتخذ لها مشطا من طيب، وإنما حرم الأكل لأنة مس وزيادة. وضابط الطيب المحرم: كل ما حرم علي المحرم، وتفصيل ذلك سبق في (كتاب الحج). ويحرم عليها أن تدهن بما فيه طيب ظاهر كدهن اللبان والبنفسج والغالية، وأما الدهن الذي لأطيب فيه كالزيت والسمن .... فيحرم في الرأس واللحية إن كانت، ويجوز في غيرهما كالإحرام. ويحرم أن تكتحل بما فيه طيب، واستثني ابن رافعة حالة طهرها من الحيض، للحديث السابق، وذكره الرافعي أيضا، وأسقطة من (الروضة). وقال في (شرح مسلم):الرخصة في القسط والأظافر هما نوعان من البخور، وليس من مقصود الطيب، ورخص لها فيه لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيب، وكان الشافعي رضي الله عنه إنما لم يستثنه لأنة لم ير حديث أم عطية، والظاهر أنة يحرم علي المحرمة ذلك إذا انقطع حيضها، بخلاف المحتدة، لأنة يزيل الشعر ولا زينة فيه، وأيضا فالعدة قد يطول زمنها فرخص لها فيه لقطع الرائحة الكريهة، بخلاف المحرمة. قال: (واكتحال بأثمد):هو مرفوع، أي: ويحرم اكتحال باثمد، للحديث السابق، لان فيه جمالا وزينة للعين، وسواء في ذلك البيضاء والسوداء علي الأصح، للإطلاق الخبر، وحكي المأسر جسي عن بعض أصحاب جوازه للسوداء. لكن يرد علي مصنف الكحل الأصفر وهو الصبر، فأنة يحرم علي السوداء، وكذا الابيض علي الأصح. و (الاثمد) بكسرة الهمزة والميم: الكحل الأصبهاني.

إِلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ، وَإسْفِيذَاجٌ، وَدِمَاٌم، وَخِضَاُب بِحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ. وَيَحِلُّ تَجْمِيلُ فِرَاش وَأَثَاثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا لحاجة كرمد) فإنه يرخص فيه بحسب الحاجة، ومع ذلك تكتحل به ليلا وتمسحه نهارا، فان دعت ضرورة إلي استعماله نهارا، فان دعت ضرورة إلي استعماله نهارا .... جازا، لما روي أبو داوود [2299] والترمذي عن أم سلمة: أنها كانت حادة علي أبي سلمة فجعلت في عينها صبرا، فدخل عليها رسول الله صلي الله علية وسلم فقال: ما هذا يا أم سلمه فقالت: هو صبر ولا طيب فيه، قال: (به يشب الوجه-أي: يوقده ويحسنه-فلا تجعليه إلا بالليل وامسحيه نهارا). فإذا دعت إليه ضرورة في النهار ... فإنها تعذر، وكل هذا يعارضه ما رواه عبد الحق في حديث زينب بنت النحام المتقدم، فأنة يدل علي عدم الجواز مطلقا. قال: (واسفيذاج ودمام وخضاب بحناء ونحوه) كالزعفران والورس، لما في ذلك من زينة. و (الاسفيذاج) معروف يعمل من الرصاص، وهو بكسر الفاء واعجام الذال كما ضبطه المصنف بخطه، وفي (الدقائق) بفتحها وكسرها، وفي (الروضة) بالضم فقط. و (الحناء) بالمد والهمز معروف، وإنما يحرم الخضاب به إذا كان فيما يظهر كالوجه واليدين والرجلين، وقال الماوردي والروياني: يجوز لها ذلك فيما تحت الثياب لكن يكره لغير الحاجة، وقال ابن يونس: يستوي في المنع من الحناء جميع البدن، ويحرم عليها تطريف أصابعها ونقش يديها. وقول (واسيفذاج): هو مرفوع، وكذلك ما بعده عطفا علي قوله: (يحرم). قال: (ويحل تجميل فراش وأثاث)، لأنة لا يتعلق بالبدن، ومن هنا يعلم مخالفة العدة في الإسلام لعدة الجاهلية.

وَتَنْظِيفٌ بِغَسْلِ رَاسِ، وَقَلْمِ، وَإِزَالَةِ وَسَخ. قُلْتُ: وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ وَحَمَّامٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ. وَلَوْ تَرَكَتِ الأَحْدَادَ .. عَصَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد (بالفراش):ما يرقد علية من نطع ووسادة ونحو ذلك، وإما ما يتغطي به من لحاف وغيره .. قال ابن الرفعة: الأشبة أنة كالثياب، لأنة لباس. وتعتد في بيتها وان كان أحسن المنازل، ولها أن تزيد أولادها بالحلي والمصبوغ، لان المحرم عليها ما يزيدها حسنا وتشوف الرجال إليها وهذه الأمور لا تقتضي ذلك. وقال (وتنظيف بغسل الرأس، وقلم، وإزالة وسخ) علله الرافعي بأنة ليس من الزينة، وهو خلاف ما قاله في (الجمعة) من انه زينة، وكأنهم أرادوا هنا الزينة الداعية للجماع لا مطلقا، لا مطلقا بخلاف زينة الصلاة. أما إزالة الشعر الذي يتضمن الزينة ... فالمتجه فيه المنع، وسيأتي بيانه ... قال) قلت: يحل امتشاط)، لما روي أبو داوود [2299] أن: النبي صلي الله علية وسلم قال لام مسلمة: (امتشطي) قالت بأي شي؟ قال: (بالسدر). أما الامتشاط بالطيب والدهن ... فحرام، وعلية حمل قولة صلي الله علية وسلم: (ولا تمتشط). قال صلى الله عليه وسلم (وحمام إن لم يكن فيه خروج محرم)، لان ذلك ليس من الزينة في شي، وهذا القيد لم يذكره في) الروضة)، فالحكم مبني علي جواز دخول الحمام بلا ضرورة، والمرجح عند المنصف جوازه، ومنعه ابن أبي هريرة، واقتصر علية الرافعي في (السير)، وعلية جري الغزالي في) الإحياء)، وسيأتي في (الجزية) بيانه (1). قال: (لو تركت الأحداد ... عصت) أي: المكلفة بترك ما وجب عليها، ويعصي ولي غير الكلفة بذلك، وهذا كان المصنف يستغني عنه بما تقدم بوجوب الإحداد.

وَانْقَضَتْ عِدَّتُها كَمَا لَوْ فَارَقَتِ الْمَسْكَنَ. وَلَوْ بَلَغَتْهَا الوَفَاةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ ... كَانَتْ مُنْقَضِيَةً. وَلَهَا الاحْدَادُ عَلَي غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ، وَاللهُ اَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وانقضت عدتها كما لو فارقت المسكن) أي: بلا عذر ..... فإنها تنقضي وتعصي، فيؤخذ من هذا: وجوب ملازمتها المسكن مدة العدة، والأولي حملة علي مطلق علي المعتدات لا علي المحتدات. قال: (ولو بلغتها الوفاة بعد مدة ..... كانت منقضية) فلا يلزمها شي منها، هذا قول عامة الفقهاء، وعن علي والحسن البصري أنها تعتد من دخول الخبر، لأنها عبادة تحتاج فاحتاجت إلي القصد، ورد بالصغيرة، فإنها تعتد ولأقصد لها، وهذا لا يختص بالوفاة، بل لو بلغها خبر الطلاق ... كان الحكم كذلك. قال: (ولها الاحداد علي غير زوج ثلاثة أيام، وتحرم الزيادة والله واعلم).لمفهوم الحديث السابق، والمعني في تحيد الزيادة: أن في تعاطيه إظهار لعدم الرضا بالقضاء، والأليق لها التقنع بجلباب الصبر، وإنما رخص للمعتمدة لحبسها علي المقصود من العدة، وأما في الأيام الثلاثة. فلأنها هي أعلام تعزية وبعدها تنكسر أعلام الحزن. وحكوا في التعزية خلافا في أن المدة معتبرة من الدفن أو من الموت وهو الأصح، فينبغي مجيئه هنا. والمراد (بغير الزوج) القرابة لامطلقا، ويشترط في تحريم الزيادة القصد إلي ذلك، فلو فعلته لا عن قصد ... لم تأثم، ولكن في (سنن أبو داوود) عن عمرو بن شعيب عن أبية عن جده (أن النبي صلي الله علية وسلم رخص للمرأة أن تحد علي زوجها حتى تنقضي عدتها، وعلي أبيها سبعة أيام وعلي من ساوهما ثلاثة أيام). وفي (النهاية): الرجل كالمرأة في التحزن ثلاثة أيام، وقد يستشكل ذلك، فان النساء يضعفن عن المصائب بخلاف الرجال.

فَصْلٌ: تَجِبُ السُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٍ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: تقدم في (صفة الصلاة) حكم وصل الشعر والوشم , وإما نتف بعض الشعر كتسوية الطر والحاجب .. فحرام لا بسبب الاحداد ولكنة حرام مطلقا , لقولة صلى الله علية وسلم:) لعن الله الواصلة والمستوصلة وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ليست الواصلة بالتي تعنون. فلا باس للمرأة الزعراء أن تصل شعرها , إنما الواصلة التي تكون بغيا في شبيبتها , فإذا أسنت .. وصلتها بالقيادة) وقال أحمد ابن حنبل لما ذكر له ذلك: ما سمعت بأعجب من هذا. قال: (فصل: تجب السكنى لمعتدة طلاق ولو بائن) سواء كانت حائلا أو حاملا , لقولة تعالى: (اسكتوهن من حيث سكنتم من وجدكم) , وقولة (لا تخرجوا هن من بيوتهن) أي: بيوت أزواجهن , والإضافة للسكنى , ولو كانت إضافة ملك .. لم تختص بالمطلقات ولا يسقط هذا الحق بالتراضي, لأنه حق لله تعالى. فان قبل: الآية في الرجعيات, لهذا لم يجعل النبي صلى الله علية وسلم لفاطمة بنت قيس سكنى ولا نفقة .. قلنا: رجوع الضمير للبعض ليس بتخصيص , وإنما لم يجعل النبي صلى الله علية وسلم لفاطمة السكنى , لأنها كانت تبدوا على أحماتها , وقيل: لأنها خافت من ذلك المنزل , لما روي مسلم [1482] من قولها: (أخاف أن يقتحم على) ولا يمكن شيء من هذا التأويل في سقوط نفقتها وقولة: (ولو بائن) هو مجروح عطفا على ما قبلة , أو ؤيجوز رفعة بتقدير مبتدأ محذوف) ,أي: (ولو [هي] بائن) , والوجه نصبه, أي: لو كانت بائنا

إِلَا نَاشِرَةً، وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقييد المصنف الوجوب ب (المعتدة عن الطلاق) يقتضي: أنة لا سكنى للمعتدة عن وطء الشبهة والنكاح الفاسد، ولا لام الولد التي اعتنقها سيدها أو مات عنها، وهو كذلك، وقال الإمام: إذا كن حوامل وقلنا بوجوب النفقة علي أنها للحمل ... وجب الإسكان، لأنة أولي بالثبوت من النفقة. قال (إلا ناشزة)، لأنها لا تستحق النفقة والسكني في صلب النكاح فبعد البينونة أولي. ومراده: التي نشزت ثم طلقها، وكذلك التي نشزت في العدة لا سكني لها أيضا، فان عادت إلي الطاعة .. عاد حق السكني، وفي (فتاوي القفال):إن المعتدة لو أسقطت حق السكني، لم يصبح إسقاطها، لأنها تجب يوما بيوم، وا يصح إسقاط ما لم يجب. ونستثني –مع ما ذكره المصنف-الصغيرة التي لا تحتمل الجماع فلا سكني لها علي الأصح، وذلك الأمة حيث لا نفقة علي زوجها، ومقتضي كلام الرافعي: تصحيح أنة تجب عليها مع ذلك ملازمة المسكن. قال (ولمعتدة وفاة في الأظهر) وبه مالك وأحمد، لما روي مالك [2\ 1951] والأربعة، والحاكم [2\ 208] وابن حبان [4292] عن فريعة- بالفاء –بنت مالك ابن سنان شقيقة أبي سعيد الخردي-وكانت ممن شهد بيعة الرضوان-:إن زوجها قتل، فسالت رسول الله صلي الله علية وسلم إن ترجع إلي أهلها وقالت: إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه، فإذن لها في الرجوع. قالت: فانصرفت حتى إذا كانت في الحجرة أو في المسجد-دعاني فقال: (كيف قالت؟) فأعدت القصة فقال: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجلة) قالت: (فاعتددت فيه أربعة عشر شهرا، وهذا الحديث صحيح عمل به الفقهاء، وغلطوا ابن حزم في تضعيفه.

وَفَسْخٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا سكنى لها , لأنة لا نفقة لها , وبه قال أبو حنيفة والمزني ومنصور التميمي والجويني في (التبصرة) والغزالي في (الخلاصة) وغيرهم , وحملوا قوله: (إمكثي) على الندب. وروى البيهقي [7/ 436] باستناد صحيح: أن عليا رضي الله عنه نقل ابنته أم كلثوم من دار الإمارة بعدما استشهد عمر رضي الله عنهم بسبع ليال وفرق ابن الصباغ بين السكنى والنفقة بان النفقة حقها فسقطت بالميراث , والسكنى حقف الله فلم تسقط. وموضع القولين: إذا لم يطلقها قبل الوفاء , فإن طلقها رجعيا ثم مات .. فإنها السكنى قولا واحدا , لأنها تستحقها بالطلاق فلم تسقط بالموت , لكن لم يستن المصنف هنا الناشر , وقد قال القاضي والمتولي: إذا مات وهى ناشز .. لا تستحق السكنى , وقال الإمام: فيه نظر , وكان ينبغي تأخير قولة: (لا ناشزة) إلى هنا. قال (وفسخ على المذهب) , لأنها معتدة عن نكاح صحيح بفرقة في الحياة فأشبهت المطلقة , وقيل: قولان: احدهما: تستحق , لما ذكرنا. والثاني: المنع , لأن إيجاب السكنى إنما ورد في المطلقة , فيبقى غيرها على الأصل. والطريقة الثالثة: أن كان لها مدخل في الفسخ بعتقها أو عيبها .. فلا , وإلا فقولان. والرابعة: أن كان لها مدخل .. فلا أسكان , وإلا .. فلها قطعا. والخامسة: أن استندت الفرقة إلى سبب مقارن للعقد .. لم تستحقها , وإلا .. استحقت وصحح الشيخان في (باب مثبتات الخيار) في (النكاح) عدم الوجوب , ولم يصرحا في (الشرح) ولا في (الروضة) هنا بترجيح , وحيث فلنا: لا تستحق .. فللزوج إسكانها حفظا لمائه وعليها الإجابة

وَتُسْكَنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَلَيْسَ لِزَوْجٍ وَغَيْرِةِ إِخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: لو ثبتت العدة بقولها فلا سكني لها وذلك بان تدعي الإصابة وينكرها الزوج فعليها العدة بإقرارها ولا نفقة لها ولا سكني. فرع: قال في (أصل الروضة) إذا لم تكن للمتوفى تركة .... لم يكن علي الوارث إسكانها، فلو تبرع به .... لزمها الإجابة، وان لم يتبرع .. ففي (التهذيب) .. :أنة يستحب للسلطان أن يسكنها من بيت المال لاسيما إن كانت تتهم بريبة. قال: (وتسكن في مسكن كانت فيه عند الفرقة)، لعموم ما تقدم، ولكن يشترط أن لائقا بها حال الطلاق، ويمكن بقاؤها فيه لكونه ملكا للزوج أو مستأجرا أو مستعارا. قال: (ليس الزوج وغيرة إخراجها، ولا لها خروج)، لقوله تعالى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: الفاحشة المبينة: البذاءة علي أهل زوجها، فلو اتفقنا علي الخروج .. منعهما الحاكم. ومحل ما ذكره المصنف: إذا كان الطلاق غير رجعي، إما الرجعية .. ففي (الحاوي) و (المهذب) أن للزوج أن يسكنها حيث يشاء، لأنها في حكم الزوجات، وبه جزم المصنف في) نكتة)، وفي (النهاية):أنها في ذلك كالبائن، وهو نصه في (الأم) في موضعين، وإطلاق المنصف يقتضيه. قال الشيخ: وما قاله الشافعي أولي، لقوله تعالى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} ولأنها لا تجوز الخلوة بها فضلا عن الاستمتاع، فليست كالزوجات.

قُلْتُ: وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاة , وَكَذَا الْبَائِنُ فِي النَّهَارَ لِشِرَاءِ طَعَام وَغَزْلٍ وِنِحْوِهِ , وِكِذِا لَيْلًا إِلَى دَارٍ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ إَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا , ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: ولها الخروج في عدة وفاة , وكذا البائن لشراء طعام ونحوه) إما البائن .. فلما روي مسلم عن جابر {1483} قال: طلفت خالتى سلمى , فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل إن تخرج, فاتت النبي صلى الله علية وسلم فقال:) خذي نخلك , فانك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا) قال الشافعي: ونخل الأنصار قريب من منازلهم, والجذاذ لا يكون إلا نهارا وإما المتوفى عنها زوجها .. فقياسيا على البائن, بل أولى والقول الثاني - وهو القديم -: لا يجوز للمطلقة البائن أن تخرج , لغموم: (ولا يخرجن) , ولأنها موغرة الصدر , بخلاف المتوفى عنها فإنها متفجعة. وحكم المعتدة عن شبهة او نكاح فاسد حكم المتوفى عنها زوجها, وحكم المسوخ نكاحها حكم المبتوتة , وإما الرجعية .. فزوجة لا تخرج إلا بإذنه , وكذا الجارية المستبرأة والمسبية في زمن الاستبراء , قاله المتولي والقاضي حسين وزاد أم الولد. كل هذا أذا لم يكن لها من يقضيها حاجتها , فان كان من يكفيها ذلك .. لم يجز الخروج ألا لضرورة , قاله الإمام. قال: (وكذا ليلا إلى دار جارة لغزل وحديث ونحوهما بشرط إن ترجع وتثبت في بيتها) , لما رواة الشافعي [ام5\ 235] والبيهقي [7\ 436] مرسلا عن مجاهد قال: استشهد رجال بيوم احد، فقالت نساؤهم: يا نبي الله، أنا نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا .. تبددنا إلي بيوتنا، فقال صلي الله علية وسلم: (تحدثن عند إحداكن مابا لكن، فإذا أردتن النوم .. فلتات كل امرأة منكن إلي بيتها). وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: لا يصلح للمرأة أن تبيت ليلة واحدة

وَتَنْتَقِلُ مِنَ الْمَسْكَنِ لِخَوفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَي نَفْسَهَا، أَوْ تَأَذَّتْ بِالِجيرَانِ، أَوْ هُمْ بِهَا أَذَيً شَدِيدًا، وَاللهُ أَعْلَمُ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كانت في عدة وفاة أو طلاق في بيتها، وظاهر الخبر: أن محل جواز الخروج إذا لم يكن معها في منزلها من يؤنسها، فإذا كان ... فيظهر أنه لا يجوز لها الخروج إلى دار الجيران. قال: (وتنتقل من المسكن من خوف من هدم أو غرق أو علي نفسها) سواء في ذلك عدة الوفاء والطلاق، وكذلك إذا لم تكن الدار حصينة وكانت تخاف اللصوص، أو كانت بين قوم فسقه تخاف منهم على نفسها، ففى (سنن أبي داوود [2268] عن عائشة أنها قالت: كانت فاطمة بنت قيس في مكان وحش مخيف، فذلك ارخص لها النبي صلي الله علية وسلم. وفي (صحيح مسلم) [1482] عنها أنها قالت: يا رسول الله، طلقني زوجي ثلاثا، فأخاف أن يفتح علي، فأمرها فتحولت. قال: (أو تأذت بالجيران، أو هُم بها أذى شديدا والله واعلم)، لقول ابن عباس: هي البذاءة علي الأحماء، وكذلك كانت فاطمة بنت قيس، ووقع في (الرافعي): أنها فاطمة بنت أبي حبيش، وهو سبق قلم. فال الرافعي: قال سعيد بن الميسب: كان في لسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها، كذا رواه الشافعي في مسنده [1\ 302] قال البيهقي: قد يكون العذر في نقلها خوف المنزل واستطالتها على الناس جميعا، فاقتصر كل واحد من ناقليهما علي نقل إحداهما دون الآخر، لتعلق الحكم بكل واحد منهم على الانفراد. قال الشافعي: [ام5\ 236]: ولم يقل لها النبي صلي الله علية وسلم: اعتدي حيث شتت، ولكنة حصنها حيث رضي، إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل بتحصينها.

وَلَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ وَصُولِهَا إِلَيْهِ .. اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: أطلق المصنف الانتقال عند هذه الضرورات، وهو يفهم أنها تسكن حيث شاءت، وليس كذلك، بل قال الرافعي: الذي أورده الجمهور انتقالها إلى اقرب المواضع إلى ذلك المسكن، والمنصوص في (الأم): أن الزوج يحصنها حيث رضي لا حيث شاءت. الثاني: الانتقال لا يختص بما سبق، بل حيث وجدت ضرورة كما لو طلقها في دار الحرب .. فعليها أن تهاجر، وكما إذا زنت المعتدة عن الوفاة في عدتها وهر بكر .. فإنها تغرب على الصحيح، وكذا إذا ارتحل قوم البدوية .. فإنها ترتحل معهم، وكذلك إذا رجع المعير أو انقضت مدة الإجازة وطلبا النقلة كما سيأتي. وإذا وجب عليها حق يختص بها وهر برزة .. خرجت ولا تؤخر الحق إلى انقضاء العدة، فإذا قضت الحق .. رجعت إن بقي من العدة شيء، فإن أمكن استيفاء الحق في بيتها كالدين والوديعة .. فإنها لا تخرج. ولا تعذر في الخروج لأغراض تعد من الزيادات دون المهمات كالزيارة والعمارة واستنماء المال بالتجارة وتعجيل حجة الإسلام وأشباهها. قال: (ولو انتقلت إلى مسكن) أي: في البلد (بإذن الزوج ووجبت العدة قبل وصولها إليه) بأن مات أو طلق) ... اعتدت فيه على النص)؛ لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول، فلو وصلت إليه .. اعتدت فيه قطعًا، والاعتبار ببدنها لا بالأمتعة والخدم، خلافًا لأبي حنيفة، فلو عادت إلى الأول لنقل متاع فطلقها فيه .. اعتدت الثاني، فتقابل النص ثلاثة أوجه: أحدها: تعتد في الأول. الثاني: في أقربهما. والثالث: تتخير بينهما؛ لأنها غير مستقرة في واحد منهما ولها تعلق بكل منهما.

أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ .. فَفِي الأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ ثُمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي الاِنْتِقَالِ إَلَى بَلَدٍ .. فَكَمَسْكَنٍ، أَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيقِ .. فَلَهَا الرُّجُوعُ وَالْمُضِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بغير إذن .. ففي الأول) سواء حصلت الفرقة قبل وصولها الثاني أو بعده؛ لعصيانها بذلك، أما إذا لها بعد الانتقال أن تقيم فيه .. فكما لو انتقلت بالإذن. قال: (وكذا لو أذن ثم وجبت قبل الخروج)؛ لأنه المنزل الذي وجبت فيه العدة، وسواء كانت قدمت متاعًا إلى الثاني أم لا. قال: (ولو أذن في الانتقال إلى بلد .. فكمسكم) فإن وجد سبب الفراق بعد الانتقال إلى البلد الثاني .. اعتدت فيه، وإن كان في الطريق .. فعلى الأوجه الأربعة المتقدمة، وحكى وجه خامس: أن عليها الرجوع إلى الأول إذا لم تكن بلغت مسافة القصر، وإن وجبت بعد الدخول إلى البلد الآخر .. اعتدت فيه قطعًا. قال: (أو في سفر حج أو تجارة) وكذا عمرة واستحلال من مظلمة. قال: (ثم وجبت في الطريق) بأن فارقت العمارة وما يشترط مجاوزتة في حق المسافر) .. فلها الرجوع والمضي)؛ لأن في قطعها عن السفر مشقة، لا سيما إذا بعدت عن البلد وخافت الانقطاع عن الرفقة، وقيل: إن وجبت قبل مسافة القصر .. لزمها الرجوع والاعتداد في المسكن؛ لأنها كالحاضرة وهو شاذ. وحكى الفوراني وجهًا ثالثًا فارقًا بين سفر الحج الواجب وغيره، فتمضي في سفر الحج دون غيره، وهو أيضًا شاذ لم يتعرض له الجمهور، وصاحب (الذخائر) واهم في ترجيحه، وكذلك ابن الرفعة حيث قال: إنه منصوص (الأم). واحترز ب (سفر الحج والتجارة) عن سفر النزهة، فإذا أذن لها فيه فبلغت المقصد ثم حدت ما يوجب العدة، فإن لم يقدر الزوج مدة .. لم تقم أكثر من مدة المسافرين، وإن قدر .. فقيل الحكم كذلك، والأصح: أن لها استيفاء المدة المقدورة، ويجريان فيما لو قدر في سفر الحاجة مدة تزيد على قدر الحاجة .. فإن الزائد كالنزهة، ولو حدث سبب العدة في سفر النزهة قبل بلوغها المقصد فحيث قلنا في سفر الحاجة: فَإِنْ يجب الانصراف .. فهنا أولى، وحيث قلنا: لا يجب .. فهنا وجهان.

فَإنْ مَضَتْ .. أَقامَتْ لِقَضاءِ حَاجَتِهَا، ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ. وَلَوْ خَرَجَتْ إِلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَالُوفَةِ وَطَلَّقَ وَقَالَ: مَا أَذِنْتُ فِي الْخُرُوج .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَاَلَتْ: نَقَلْتَنِي، فَقَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لِحَاجَةٍ .. صُدِّقَ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما سفر الزيارة .. فكسفر النزهة على ظاهر النص، وقيل: كسفر الحاجة، ثم إذا انتهت مدة جواز الإقامة في هذه الأحوال .. فعليها الانصراف في الحال إن لم تكن انقضت مدة العدة بتمامها؛ لتعتد بقية العدة في المسكن، فإن طان الطريق مخوفًا أو لم تجد رفقة .. عذرت في التأخير، فلو علمت أن البقية تنقضي في الطريق .. ففي لزوم العود وجهان: أصحهما: يلزمهت، وهو نصه في (الأم)؛ لتكون أقرب إلى موضع العدة، ولأن تلك الإقامة غير مأذون فيها والعود مأذون فيه. هذا كله إذا أذن لها في السفر، فأما إذا خرجت مع الزوج ثم طلقها أو مات .. فعليها الانصراف، ولا تقيم أكثر من مدة المسافرين ثلاثة أيام؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أذن للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام، اللهم إلا إن كان الطريق مخوفًا أو لم تجد رفقة. قال: (فإن مضت .. أقامت لقضاء حاجتها، ثم يجب الرجوه لتعتد البقية في المسكن)؛ عملًا بحسب الحاجة. قال: (ولو خرجت إلى غير الدار المألوفة وطلق وقال: ما أذنت في الخروج صدق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم إذنه. قال: (ولو قالت: نقلتني، فقال: بل أذنت لحاجة .. صدق) أي: بيمينه (على المذهب)؛ لأنه اعلم بمقصده، ولأنهما لو اختلفا في أصل الإذن .. كان القول قوله، فكذا في صفته، فإن اختلفت هي ووارث الزوج كذلك .. كان القول قولها؛ لأنهما استويا في الجهل بقصد الزوج، والظاهر معها فرجح جانبها. والطريق الثاني: قولان. والثالث: أن تحول الزوج معها إلى المنزل الثاني فهي المصدقة عليه وعلى وارثه، وإن انفردت بالتحول .. صدقا عليها.

وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعَرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ. وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا .. تَعَيَّنَ، وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ إِلاَّ فِي عِدَةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ .. فَكَمُسْتَاجَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: القطع بأن القول قولها مطلقًا؛ لأنها تدعي سفرًا واحدًا ومنازعها يدعي سفرين، والأصل عدم الإذن في الثاني، وبهذا قطع الماوردي. قال: (ومنزل بدوية وبيتها من شعر كمنزل حضرية) فإذا لزمتها العدة فيه .. فعليها ملازمته، فإن كان أهلها نازلين على ما لا ينتقلون عنه ولا يظعنون إلا لحاجة .. فهي كالحضرية من كل وجه، وإن كانوا ينتقلون شتاء وصيفًا، فإن ارتحلوا جميعًا .. ارتحلت معهم كما تقدم، وإن كان الباقون أهلها وفيهم قوة .. أقامت. وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة .. فقيل: تقيم، والأصح: تتخير. والبدوية: نسبة إلى سكنى البادية، قال سيبويه: وهو من شاذ النسب. قال: (وإذا كان المسكن له ويليق بها .. تعين) أي: استدامتها فيه، وليس لها مفارقته، ولا تخرج منه إلا بالعذر السابق، واعتبار كون المسكن لإبقائها سيأتي في (باب النفقات) بيانه. قال: (ولا يصح بيعه) ما لم تنقض العدة إن كانت تعتد بالأقراء أو الحمل؛ لأن المنفعة مستحقة لها، وأخر المدة غير معلوم. قال ابن الرفعة: هذا ظاهر في الحمل، أما في الأقراء .. ففيه نظر؛ لأن العادة فيها تدوم، وإن اضطربت بزيادة أو نقص .. فعلى ندور، ولا عبرة في عقود المعاوضات بالاختلاف الواقع على ندور فيما هو شرط في العقد، بدليل أن الوؤية السابقة على العقد تكفي إذا كان المبيع لا يتغير غالبا. اهـ وينبغي أن يستثني من منع البيع ما إذا كان قد رهنه بدين قبل ذلك، ثم حل الدين بعد الطلاق ولم يمكنه وفاؤه من موضع آخر .. فيجوز بيعه لسبق الدين. قال: (إلا في عدة ذات أشهر .. فكمستأجر) فيخرج بيعه على القولين في بيع الدار المستأجرة، فإن صححنا فحاضت في أثنائها وانتقلت إلى الأقراء .. خرج ذلك على اختلاط الثمار المبيعة بالحادثة حيث لا يغلب التلاحق، والأصح: أنه

وَقِيلَ: بَاطِلٌ. أَوْ مُسْتَعَارًا .. زِمَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِير وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرةٍ .. نُقِلَتْ، وَكَذَا مُسْتَاجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ. أَوْ لَهَا .. اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتِ الأُجْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا ينفسخ، بل يخير المشتري، وموضع الخلاف إذا لم تكن هي المستأجرة، فإن كانت وباعها لها .. فلا شك في الصحة. قال: (وقيل: باطل) أي: قطعًا، ولا يخرج على القولين؛ لأنها قد تموت في المدة فترجع المنفعة للبائع وذلك غرر، بخلاف المستأجر يموت فإن منفعته تعود لورثته، ولم يصرح في) المحرر) بهذا الوجه، وعلم من هذا أن المصنف يطلق الوجه ويريد به الطريقة. قال: (أو مستعارا .. لزمتها فيه) لانه حينئذ كالمستأجر، وليس للزوج نقلها منه إلى منزله، وقال: له ذلك؛ لئلا تحتاج إلى تحكل منة المعير. قال: (فإن رجع المعير ولمريرض بأجرة) أي: أجرة المثل) .. نقلت) أي: وجوبًا؛ لما روة ابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) لا يحل ما امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). ومثل رجوعه خروجه عن أهلية التبرع بجنون أو سفه أو زوال استحقاق بانقضاء إجازة او موت، فإن رضي بأجرة .. لزم الزوج بذلها وامتنع نقلها. قال: (وكذا مستأجر انقضت مدته) فتنتقل منه إن لم يجدد المالك إجارة، وينبغي أن يتحرى أقرب المواضع إلى مكان الطلاق؛ لأنه إذا تعذر المكان المستحق يراعى أقرب موضع إليه كتفرقة الزكاة. قال: (أو لها .. استمرت وطلبت الأجرة)؛ لأن السكنى حق لها عليه فلزم أجرته. وكلام المصنف كالصريح في أنه يجب عليها أن تيتمر فيه، وهو ما جزم به صاحب (المهذب) و (التهذيب)، والأصح – كما في (الروضة) -: أنها إن رضيت بالإقامة فيه بأجرة أو بإعارة .. جاز، وهو أولى، وإن طلبت الانتقال .. فلها ذلك.

فَإَنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيِسًا .. فَلَهُ النَّقْلُ إِلَى لاَئِقٍ بِهَا، أَوْ خَسيسًا .. فَلَهَا الاِمْتِنَاعُ. وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا وَمُدَاخَلَتُهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ، أَوْ لَهُ أُنْثَى، أَوْ زَوْجَةُ أُخْرَى أَوْ أَمَةٌ .. جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا سكنت في منزلها مع الزوج من غير طلب أجرة .. فالنص أن حقها يسقط بالسكوت، والنص فيما إذا أنفقت على نفسها من مالها ولم تطالب بالنفقة الاستقرار، فمن الأصحاب من نقل وخرج، والأكثرون على تقرير النصين. والفرق: أن النفقة معاوضة تجب بالتمكين، وقد حصل فلم تسقط بمضي الزمان، والسكنى لمجرد حق الله فسقطت. وفي) فتاوى ابن الصلاح): أنها إذا سكنت في منزلها معه مده .. سقط فيها حق السكنى، ولا مطالبة لها بأجرة سكنه معها إن كانت أنت له في ذلك؛ لأن الإذن المطلق العاري عن ذكر العوض منزل على الإعارة والإباحة. اهـ قلت: هذا إذا لم يختص الزوج بمكان كخزانة لأمتعته، فإن اختص .. وجب عليه أجرة المكان المختص به إلا أن تبيحه له تصريحًا. قال: (فإن كان مسكن النكاح نفيسًا .. فله النقل إى لائق بها)؛ لأنه الواجب عليه، والمراد: نقلها إلى أقرب موضع من مسكن النكاح؛ حتى لا يطول ترددها في الخروج، كذا نص عليه، وصرح به القاضي وغيره. قال: (أو خسيسًا .. فلها الامتناع)؛ لأن ذلك حق لها يتجدد يوما فيومًا، فإن رضيت به .. جاز، بخلاف ما إذا رضيت بمسكن لا تأمن فيه على نفسها .. فأنه لا يجوز كما صرح به الماوردي. قال: (وليس له مساكنتها ومداخلتها) ويعصي بذلك، لقوله تعالى: {وَلَاَ تُضّآرُّهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} أراد بذلك المسكن، ولأنه يؤدي إلى الخلوة بها وهي محرمة، وسواء كانت بائنًا أو رجعية. قال: (فإن كان في الدار محرم لها مميز ذكر، أو له أنثى، أو زوجة أخرى أو أمة .. جاز)؛ لانتفاء المحذور، لكنه مكروه؛ لاحتمال أن يقع بصره عليها.

وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ يَسْكُنُهَا أَحَدُهُمَا وَالآخَرُ الأُخْرَى؛ فَإِنِ اتَّحَدَتِ الْمَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ .. اشْتُرِطَ مَحْرَمٌ، وَإَلاَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل الجواز: إذا كان فيه فضل على سكانها، وإلا .. وجبت تخليته لها. وتقييده بـ (المميز) صريح في أنه لا يشترط البلوغ، وهو خلاف ما في) الشرح) و) الروضة) من اشتراطه، ونقلاه عن النص، وأكتفة أبو حامد بالمراهق، مع أن الاكتفاء بالمميز لا يعرف لأحد، ولذلك قيده في) الفتاوى) بالذي يستحيى منه ولا بد من لك وهو في الحقيقة راجع إلى مقالة أبي حامد فليحمل إطلاق الكتاب عليه، وإلا .. كان مخالفًا للنص ولوجه الشيخ أبي حامد. وقوله: (ذكر) يقتضي أنه لا تكفي عمتها ولا خالتها، والصحيح في) أصل الروضة): الاكتفاء بذلك، بل يكفي حضور المرأة الواحدة الأجنبية الثقة، لكن ظاهر النص اشتراط النسوة الثقات كالحج. تنبيهان: أحدهما: لا فرق في الخلوة حيث تحرم بين الأعمى والبصير كما صرح به في (صلاة الجماعة) من) شرح المهذب)، لكن يجوز عند الضرورة كما لو وجد امرأة في برية .. فله استصحابها، بل يجب إذا خاف عليها لو تركها. وقال العبادي في) الزيادات): لا يكون الأعمى محرمًا للمرأة في السفر، فعلى ما قال: يكون هنا كغير المميز؛ لأن المعني فيه ظاهر. الثاني: نقل الرافعي هنا عن الأصحاب أنه لا يجوز أن يخلو رجلان بامرأة واحدة، ويجوز أن يخلو رجل بنسوة إذا كن ثقات، والفرق أن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل، والمصنف اختلف كلامه في المسألة في أبواب، وصرح في) شرح المهذب) بتحريم خلوة الرجل بالنسوة. قال: (ولو كان في الدار حجرة يسكنها أحدهما والآخر الأخرى؛ فإن اتحدث المرافق كمطبخ ومستراح .. اشترط محرم، وإلا .. فلا)؛ لأن اتحاد المرافق يؤدي إلى الخلوة فاشترط ما يمنع منها، بخلاف ما إذا تعددت فإنها تصير كالدارين المتجاورين.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ مَمَرُّ إِحْدَاهُمَا غَلَى الأُخْرَى وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الحجرة) بضم الحاء: كل منزل محوط. ومرافق الدار: مصاب المياه ونحوها مما يحصل به الارتفاق. قال: (وينبغي أن يغلق ما بينهما من باب، وأن لا يكون ممر إحداهما على الأخرى) حذرًا من الوقوع في الخلوة، والسد أولى من الإغلاق، وصرح القاضي أبو الطيب والماوردي بأنه يسمره مع الإغلاق، وعبارة المصنف تقتضي أن ذلك لا يشترط، والمجزوم به في) الشرح) و) الروضة) اشتراطه. قال: (وسفل وعلو كدار وحجرة) أي: في الحكم الذي تقرر، فبأتي فيه ما تقدم من اشتراط المحرم عند اتحاد المرافق، وعدمه عند تعددها، وسد ما بينهما، وقال في) التجريد): الأولة أن يسكنها العلو حتى لا يمكنه الاطلاع عليها. و (العلو) مثلث العين، و (السفل) بضم أوله وكسره. تتمة: كل معتدة لم نوجب لها السكنة، فقال صاحب العدة أو وارثه: أنا أسكنها في موضع تقضي العدة فيه .. تلزمها الإجابة، وليس لها أن تمتنع؛ لأن له في ذلك غرضًا وهو مراعاة النسب حتى لا يشتبه أمرها عليهم فيجحدوا النسب إذا أتت بولد، وكذلك إذا لم يتبرع به صاحب العدة ولا وارثه ورأى السلطان أن يسكنها في موضع ليحصنها .. لم يكن لها أن تمتنع؛ مراعاة لحق الله تعالى. * * * خاتمة إذا طلقت زوجة الملاح في سفينة ولا منزل لها سواها، فإن كانت كبيرة فيها أماكن مميزة المرافق .. اعتدت في مكانها منها، وإلا .. اعتدت في أقرب المواضع إلى الشط، فإن تعذر خروج أحدهما .. سترت وأبعدت عنه بحسب الإمكان. * * *

كتاب الاستبراء

كتاب الاستبراء

كِتَابُ الاِسْتِبْرَاءِ يَجِبُ بِسَبَبَبَيْن: أَحَدُهُمَا: مِلْكُ أَمَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ إِقَالَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الاستبراء هو عبارة عن التربص الواجب بسبب ملك اليمين حدوثًا أو زوالًا، خص بهذا الاسم لأنه مقدر بأقل ما يدل على البراءة من غير تعدد، وسميت العدة لتعدد ما يدل على البراءة فيها، وهو تابع لباب العدد، فلذلك لم يبوب له في) المحرر)، بل جعله فصلًا، والأصل فيه ما سيتي فيه من الأدلة. قال: (يجب بسببين: أحدهما: ملك أمة بشراء أو إرث أو هبة أو سبي أو رد بعيب أو تحالف أو إقالة)؛ لأن الفرج حرم عليه ثم حل له. وقد استشكل تصور الملك المقتضي للاستبراء بمجرد السبي؛ فإن الغنيمة لا تملك قبل القسمة، فكان الأحسن أن يقول: أو قسمة عن سبي، إلا أن يحمل على المسروق من دار الحرب على رأي الإمام والغزالى، والجمهور على خلافه. ونبه بالأمثلة المذكورة على أنه لا فرق بين الملك القهري والاختياري، وأشار بذلك إلى كل ما كان في معناه كقبول الوصية والفسخ بظن المشتري والرجوع في الهبة ونحوه، حتى لو ملك شخصان أمتين ومضت عليهما مدة الاستبراء ثم اقتسما ووقعت كل واحدة منهما في يد أحدهما، إن قلنا: القيمة بيع .. احتاج كل إلى استبراء، وإلا .. فلا، قاله القاضي حسين في (أبواب الربا). لكن قول المصنف (يجب بسببين) يقتضي أنه لا يجب بغيرهما، وليس كذلك؛ فإننه لو وطئ أمهة غيره ظانًا أنها أمته .. وجب استبراؤها بقرء واحد، وليس هنا حدوث ملك ولا زواله. وقوله: (ملك أمة) يقتضي اعتبار ملك جميعها، فلو ملك بعضها .. فلا استبراء؛ إذ لا استباحة.

وَسَوَاءٌ بِكْرٌ وَمَنِ اسْتبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةِ وَغَيْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ لو كان ملك بعضها ثم ملك باقيها .. لزمه الاسابراء، وهذه تشملها عبارة المصنف. ثم إن عبارته وعبارة جماعة تقتضي وجوب الاستبراء عند تجدد الملك، وعبارة آخرين تقتضي أنه لا يطلق وجوبه بل يتوقف الحل عليه، وهي أصوب؛ فإن ذلك لا يجب إلا عند إرادة الوطء أو الاستمتاع أو التزويج، أما بغيره .. فلا يجب. قال: (وسواء بكر ومن استبرأها البائع قبل البيع ومنتقلة من صبي وامرأة وغيرهما)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس:) ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض حيضة) رواه أبو داوود [2150] بإسناد صحيح، وصححه الحاكم [2/ 195]. وفي) صحيح مسلم) [1441]: الهَمُّ بلعن من أراد وطء امرأة حامل من السبي. وعن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خيبر:) لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها) رواه أحمد [4/ 108] وأبو داوود [2151] بإسناد صحيح، وحسنه الترمذي [1131 بنحوه]. وقاس الشافعي والأصحاب ما عدا المسبية عليها، وفي علة وجوبه جوابان للقاضي حسين من نصين للشافعي: أحدهما: حدوث ملك الرقبة مع فراغ محل الاستمتاع. والثاني: حدوث ملك حل الفرج، وتظهر ثمرة ذلك في استبراء المحبوسية والمرتدة كما سيأتي، فعلى العلة الأولى .. يكفي، وعلى الثانية .. لا؛ إذ لا حل. وخرج ابن سريج قولًا: أنه يجب استبراء البكر، وخصه الإمام بالمسبية، ونقله البخاري عن ابن عمر نظرًا للمعني وهو البراءة. وعن المزني: أنه إنما يجب إذا كانت الأمة موطوءة أو حاملًا، واختاره الروياني في) الحلية).

وَيَجِبُ فِي مُكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ، وّكّذَا مُرْتَدَّةٌ فِي الأَصَحِّ، لاَ مَنْ حَلَّتْ مِنْ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامِ، وَفِي الإحْرَامِ وَجْهٌ. وَلَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ .. اسْتُحِبَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويجب في مكاتبة عجزت) خلافًا لأبي حنيفة. لنا: انه زال ملك الاستمتاع بها، وصارت إلى حالة لو وطئها لاستحقت المهر، ثم عاد الملك فأشبه ما إذا باعها ثم اشتراها، هذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة .. فإنها إذا عجزت .. حلت من غير استبراء كما قاله الرافعي في بابه. قال: (وكذا مرتدة في الأصح) المراد: أنها ارتدت ثم اسلمت؛ لأن ملك الاستمتاع قد زال ثم عاد فأشبة التي قبلها. والثاني: لا يجب، وصححة الإمام وابن المنذر؛ لأنها بالعود إلى الإسلام أزلت أثر ما كان بالردة، أنا لو ارتد السيد ثم اسلم، فإن أزلنا ملكه .. وجب الاستبراء، وإلا .. وجب أيضًا على الأصح. قال: (لا من حلت من صوم واعتكاف وإحرام) وكذا من الحيض والنفاس؛ إذ لا خلل في الملك، وكذا لو حرمت عليه بالرهن ثم انفك؛ لأن ملك الاستمتاع باق، وإنما راعينا جانب المرتهن، ألا ترى أنه يجوز له القبلة والنظر بشهوة. وصورة المسألة: ان يأذن لها في ذلك وهي في ملكه فتفعل، أما لو اشتراها محرمة أو صائمة صومًا واجبًا .. فلا بد من الاستبراء، ولكن هل يكفي ما وقع في زمن العبادات الثلاث أم يجب استبراء جديد؟ قضية كلام العراقيين: أنه لا يكفي، والاستبراء الواقع في صوم واعتكاف مصور في ذات الأشهر. قال: (وفي الإحرام وجه) أنه يجب استبراؤها كالمرتدة؛ لأن الإحرام سبب يتأكد التحريم به، والمذهب الذي قطع به الجمهور: الأول. قال: (ولو اشترى زوجته .. استحب)؛ ليتميز ولد الملك من ولد النكاح، وإنما لم يجب لأنها انتقلت من حل إلى حل، لكن يستثني من ذلك ما لو اشتراها بشرط الخيار .. فالمنصوص: أنه لا يجوز له وطؤها في زمن الخيار، وفيه وجه. ثم إنما يستحب استبراء الزوجة إذا كانت غير مطلقة طلاقًا رجعيًا، أما إذا كانت

وَقِيلَ: يَجِبُ. وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةً .. لَمْ يَجِبْ، فَإِنْ زَالاَ .. وَجَبَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجعية .. فاستبراؤها واجب؛ لأنها كانت محرمة بالطلاق. قال: (وقيل: يجب) لتجدد الملك وتبدل جهة الحل، وقال القاضي حسين: عن قلنا: العى حدوث ملك الرقبة .. وجب، أو حدوث الحل .. فلا. كل هذا في الحر، أما المكاتب إذا اشترى زوجته .. فليس له وطؤها بالملك على المنصوص؛ لأنه لا يملك ملكًا تامًا. قال: (ولو ملك مزوجة أو معتدة .. لم يجب)؛ لأنها مشغولة بحق غيره فلا فائدة له حينئذ. قال: (فإن زالا .. وجب في الأظهر) المراد: زالت الزوجية والعدة بأن طلقها زوجها قبل الدخول، أو بعده وانقضت العدة، أو انقضت عده الشبهة .. وجب الاستبراء؛ لزوال المانع ووجود المقتضي. والثاني: لا يجب، وله وطؤها في الحال؛ لأن موجب الاستبراء حدوث الملك، وإذا تخلف الحكم عن الموجب .. سقط أثره، والخلاف كالخلاف فيما إذا استولد الراهن المرهونة وقلنا: لا ينفذ في الحال، هل ينفذ عند الانفكاك؟ والأصح: نعم. وإذا قلنا: لا يجب الاستبراء من المزوجة إذا طلقت .. فلمن أراد تعجيل الاستمتاع أن يتحيل به في إسقاط الاستبراء، فيسأل البائع أن يزوجها ثم يشتريها، ثم يسأل الزوج طلاقها فتحل في الحال. لكن إنما يحصل الغرض إذا لم تكن الجارية موطوءة، أو كان سيدها قد استبرأها؛ إذ لا يجوز تزويج الجارية الموطوءة إلا بعد الاستبراء، فلو أعتقها المشتري في الحال وأراد أن يتزوجها أو يزوجها من البائع أو غيره .. جاز على الصحيح كما سيأتي، وعلى هذا: فهذه حيلة ثانية في تعجيل الاستمتاع: أن يعتقها في الحال ويتزوجها إن لم يبال بفوات ماليتها، ولا يحتاج إلى سؤال التزويج والتطليق.

الثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةِ، أَوْ مُسْتَوْلَدَةِ بِعِتْقِ أَوْ مَوْتِ السَّيَّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والصورة الأولي تسمى: الهارونية؛ فإن هارون الرشيد طلب حيلة في تعجيل الاستمتاع بجارية أراد شراءها، فذكر له أبو يوسف الحيلة الأولى، ويروى: أنه دله على الحيلة الثانية فنفقت سوقه عنده. وقيل: كان هارون ورث جارية من أبيه فهم بها فقالت: إن أباك أصابني، فسأل العلماء عن ذلك، فأعياهم الجواب، فقال أبو سيف: لا يقبل قولها. قال القاضي حسين والإمام: ونحن نقول بذلك، لكن هل لها أن تحلفه أنه لا يعلم أن أباه أصابها؟ يحتمل وجهين. فروع: لا يجب في شراء الأمة التي كان البائع يطؤها إلا استبراء واحد؛ لحصول البراءة، فلو اشتراها من شريكين وطئاها في طهر واحد .. وجب استبراءان في الأصح كالعدتين من شخصين، كذا صححه الرافعي في آخر) العدد)، وقيل: يكفي استبراء واحد. وكذلك لو وطئ أجنبيان أمة كل يظنها أمته .. فوطء كل يقتضي استبراء بقرء، ولا تداخل على الأصح. ولو وطئها المشتري قبل الاستبراء وباعها فأراد المشتري الثاني وطأها فهل يلزمه استبراؤها مرتين: مرة للأول ومرة له، أو تكفي مرة واحدة ويدخل فيها الأول؟ فيه وجهان: أصحهما – على ما قاله الماوردي -: أولهما، وقال الشيخ أبو حامد ونصر المقدسي: لا يجب إلا استبراء واحد. قال: (الثاني: زوال فراش عن أمة موطوءة، أو مستولدة بعتق أو موت السيد)؛ لأنها كانت فراشًا للسيد، وزوال الفراش بعد الدخول يقتضي التربص كما في زوال الفراش عن الحرة. وروى مالك [2/ 593] والبيهقي [7/ 447] عن ابن عمر أنه: (عدة أم الولد إذا هلك سيدها حيضة، واستبراؤها بقرءٍ واحد) وبهذا قال مالك. وقال أبو حنيفة: بثلاثة أقراء؛ لأنها حرة.

وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الاِسْتِبْرِاءِ عَلَى مُسْتَوْلَدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ .. وَجَبَ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: وَلَوِ اسْتَبْرَأَ أَمَةً مَوْطُوءَةً فَأَعْتَقَهَا .. لمْ يَجِبْ، وَيَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ؛ إَذْ لاَ تُشْبِهُ مَنْكُوحَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الاِسْتِبْرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أحمد روايتان: أصحهما: كقولنا. والثانية: عليها إن مات سيدها عدة الوفاة كقول الأوزاعي، وفي العتق ثلاث حيض؛ لحديث ضعيف فيه. والقول بوجوب حيضة هو الأخ بأقل ما قيل، فهو أولى من غيره. ويندرج في عبارة المصنف الموقوفة إذا جوزنا تزويجها؛ فإنه يجب استبراؤها، وترد على من عبر بزوال الملك؛ لأن الملك فيها لم يزل. قال: (ولو مضت مدة الاستبراء على مستولدة ثم أعتقها أو مات .. وجب في الأصح) ولا يعتد بما مضى كما لا يعتد بما مضى قبل الطلاق من الأقراء. والثاني لا يجب كالمسألة التي بعدها. ولو زوج أمته ثم طلقت قبل الدخول .. فالأظهر وجوب الاستبراء على السيد؛ لأن ملك الاستمتاع زال ثم عاد. والثاني – وبه قال أبو حنيفة -: لا؛ لأن الملك لم يزل فإن طلقت بعد الدخول فاعتدت .. فقد قيل: يدخل الاستبراء في العدة، وهو رأي ابن أبي هريرة، وقيل: لا يدخل، بل يلزمه استبراؤها، وهو الصحيح؛ لتجدد الحل. قال: (قلت: ولو استبرأ أمه موطوءة) أي: موطوءة له (فأعتقها .. لم يجب، ويتزوج في الحال؛ إذ لا تشبه منكوحة والله أعلم) كذا حكاه الرافعي عن الأئمة، قال: ولا يأتي فيه الخلاف في المستولدة؛ إ تلك يثبت لها حق الحرية وفراشها أشبه بفراش النكاح. قال: (ويحرم تزويج أمة موطوءة ومستولدة قبل الاستبراء) أما الموطوءة .. فلأن

وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ .. فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلاَ اسْتِبْرَاءٍ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ وَهِيَ مُزوَّجةٌ .. فَلاَ اسْتِبْرَاءِ. وَهُوَ: بِقَرْءٍ – وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فِي الجْدِيدِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ مقصود النكاح الوطء، فينبغي أن يستعقب الحل، وهذا بخلاف بيعها؛ فإنه قد يقصد للوطء وقد يقصد لغيره فلا معنى لمنع البائع من البيع، وعلى المشتري أن يحتاط إن قصد الوطء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسق بمائك زرع غيرك) رواه أبو داوود والترمذي والحاكم وابن حبان. وأما أم الولد .. فالأصح: صحة تزويجها، لكن يحرم ذلك قبل الاستبراء أيضًا؛ لما قلناه. ولو اشترى أمة وأراد تزويجها قبل الاستبراء، فإن كان البائع وطئها .. لم يجز، لكن يستثني تزويجها ممن وجب الاستبراء بسبب وطئه كما إذا زوجها من البائع الواطئ. قال: (ولو أعتق مستولدته .. فله نكاحها بلا استبراء في الأصح) كما يجوز أن ينكح المعتدة منه. والثاني: لا؛ لأن الإعتاق يقتضي الاستبراء. قال: (ولو أعتقها أو مات وهي مزوجة .. فلا استبراء)؛ لأنها ليست فراشًا له، بل للزوج، وقيل: يلزمه، ونقل عن القديم، كما لو وطئت المكنوحة بشبهة وشرعت في عدتها فطلقت .. فإن عليها العدة. قال: (وهو: بقرء وهو حيضة كاملة في الجديد)؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:) ولا حائل حتى تحيض حيضة) وخالف الاستبراء العدة في اعتبارها بالأطهار؛ لأنها لقضاء حق الزوج فختصت بزمان حقه وهو الطهر، والاستبراء شرع لاستباحة الوطء فاختص بالحيض ليفضي إلى إباحة الوطء إذا انقضى. والقديم – وحكي عن (الإملاء) أيضًا – انه بالطهر كالعدة. وفي وجه: أن كلًا منهما معتبر مقصود.

وَذَاتُ أَشْهُرٍ: بِشَهْرٍ، وَفِي قَوْلٍ: بِثَلاَثَةِ، وَحَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ أَوْ زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيَّدٍ: بِوَضْعِهِ، وَإِنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ .. فَقَدْ سَبَقَ أَنْ لاَ اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ قُلْتُ: وَيَحْصُلُ بِوَضْعِ حَمْلِ زِناُ فِي الأَصَحِّ، وَالّلهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرط الحيضة: أن تكون كاملة بعد انتقال الملك كما ذكره المصنف، فلا تكفي بقية الحيضة التي وجد السبب في أثنائها، بخلاف ما إذا قلنا: إنه الطهر. قال: (وذات أشهر: بشهر)؛ لأنه كقرء في الحرة. قال: (وفي قول: بثلاثة)؛ لأنها أقل مدة تعرف بها براءة الرحم، فلو لم تحص لعارض .. فكنظيرة من العدة. قال: (وحامل مسبية أو زال عنها فراش عنها فراش سيد: بوضعه)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا حامل حتى تضع) وفيها نزل قوله تعالى) {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ النِّسَآء إِّلَّا مَأ مَلَكَتْ أَيْمَنكُمْ} أي: بالسبي، رواه مسلم. و (زوال الفراش) بأن يعتقها السيد أو يموت عنها، ولا فرق بين مستولدته وموطوءته. قال: (وإن ملكت بشراء .. فقد سبق أن لا استبراء في الحال) وذلك عند قوله: (ولو ملك مزوجه أو معتدة ... لم يجب) وحينئذ إذا ملكها وهي حامل من زوج أو شبهة وهي في العدة أو في عصمة الزوج .. فلا استبراء في الحال، فإذا زال النكاح أو العدة .. ففي وجوبه حينئذ قولان تقدما، فالاستبراء إما غير واجب، وإما مؤخر عن الوضع فلا يحصل بالوضع، وحكي البغوي في حصوله بالوضع قولين. قال: (قلت: ويحصل بوضع حمل زنا في الأصح والله أعلم)؛ لإطلاق الحديث، ولحصول البراءة، بخلاف العدة؛ فإنها مخصوصة بالتأكيد، ولذلك اشترط فيها التكرار. والثاني: لا يحصل كما لا تنقضي به العدة، فّا قلنا بهذا ورأت دمًا على الحمل وقلنا: إنه حيض .. كفى في الأصح.

وَلَوْ مَضَي زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ .. حُسِبَ إِنْ مَلَكَ بإِرْثٍ، وَكَذَا شِرَاءٌ فِي الأَصَحِّ، لاَ هِبَةٍ. وَلَوِ اشْتَرَى مَجُوسِيَّةً فَخَاضَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ .. لَمْ يَكْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو مضى زمن استبراء بعد الملك قبل القبض .. حسب إن ملك بإرث)؛ لأن الملك به مقبوض حكمًا وإن لم يحصل به القبض حسًا، ولهذا يصح بيعه هذا إذا كانت مقبوضة للميت، فلو ابتاعها ثم مات قبل قبضها .. لم يعتد باستبرائها إلا بعد ان يقبضها الوارث كما ف بيع الموروث قبل قبضه، نبه عليه في) المطلب)، وحكم الانتقال بالوصية بعد القبول حكم الانتقال بالإرث. قال: (وكذا شراء في الأصح)؛ لتمام الملك ولزومه. والثاني: لا يعتد به؛ لعدم استقرار الملك، ولا يكتفي بالحيض الواقع في زمن الخيار على الأصح؛ لضعف الملك، وقيل بالفرق بين الحيض ووضع الحمل. قال: (لا هبة)؛ لعدم استقرار الملك، والمردا: إذا جرى الاستبراء بعد جريان عقد الهبة وقبل القبض .. فإنه لا يعتد به، وكذلك حكم الغنيمة قبل القبض؛ إذ لا يتمان إلا به. قال: (لو اشترى مجوسية فحاضت ثم أسلمت .. لم يكف)؛ لأن لاستبراء لاستباحة الاستمتاع، وإنما يعتد بما يستعقب الحل. والثاني: يكتفى بذلك؛ لوقوعه في الملك المستقر، وكذلك الحكم فيما لو اشترى مرتدة أو وثنية. وقوله: (فحاضت) مثال، والمراد: ما يحصل به الاستبراء من حيضة كاملة أو شهر أو وضع. فرع: اشترى العيد المأذون جارية .. فللسيد وطؤها بعد الاستبراء إن لم يكن هناك دين، فإن كان .. فليس له ذلك، فإذا زال الدين بقضاء أو إبراء .. لم يكف ما حصل من الاستبراء قبله في الأصح كالمجوسية، وقد تقدم هذا قبيل (باب ما يحرم من النكاح).

وَيَحْرُمُ الاِسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ إِلاَّ مَسْبِيَّةً .. فَيَحِلُّ غَيْرُ وَطْءٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة)؛ لاحتمال حملها من سيدها فتكون أم ولد له، أو من وطء شبهة فتكون حاملًا بحر، فلا يصح بيعها على التقديرين، ولأن الاستمتاع يؤدي إلى الوطء المحرم. وأما الخلوة بها .. فنص على جوازها الجرجاني في (الشافي)، ويجوز استخدامها وإن كانت جميلة؛ لأن الشرع ائتمنه عليها، وخالف المرهونة؛ لأن الحق فيها للمرتهن فمنع سيدها من استخدامها، وإذا طهرت من الحيض .. حل الاستمتاع بها فيما عدا الوطء، وبقي تحريم الوطء إلى الاغتسال. قال (إلا مسبية .. فيحل غير وطء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم منها

وَقِيلَ: لاَ. وَإِذَا قَالَتْ: حِضْتُ .. صُدِّقَتْ. وَلَوْ مَنَعتِ السَّيِّدَ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِتَمَامِ الاِسْتِبْرَاءِ .. صُدِّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا الوطء , والفرق بينها وبين غيرها: أن المسبية مملوكة بكل حال حائلًا كانت أو حاملًا؛ فانولد الحربي لا يمنع جريان الرق , وإنما منع الوطء خوفًا من اختلاط مائه بماء حربي. وروى البيهقي والخرائطي في كتاب (علل القلوب) عن ابن عمر أنه قال: (وقعت في سهمي جارية من سبي جلولاء , فنظرت إليها فإذا عنقها مثل إبريق الفضة , فلم أتمالك أن قبلتها والناس ينظرون) فلو كان حرامًا .. لامتنع منه ذلك. و (جلولاء) بفتح الجيم والمد: قرية من نواحي فارس , والنسبه إليها جلولي على غير قياس , فتحت يوم اليرموك سنة سبع عشرة من الهجرة فبلغت غنائمها ثمانية عشر ألف ألف. قال: (وقيل: لا) كغيرها من الإماء , وهذا الذي جعله وجهًا ضعيفًا هو نص) الأم) , وهو المعتمد المعتبر لا في) الرافعي) و (الروضة) كما قاله في (المهمات) , والخلاف جار في التلذذ بالحامل من الزنا , قاله الماوردي , وإذا قلنا بإباحته فيهما .. فذلك فيما فوق السرة ودون الركبة فأما فيما بين ذالك .. فهي فيه كالحائض غير المستبرأة , كذا قاله الإمام وهو حسن. قال: (وإذا قالت: حضت .. صدقت)؛ لأن ذلك لا يعرف إلا من جهتها , ولا تحلف؛ لأنها لو نكلت .. لما استطاع السيد أن يحلف. قال: (ولو منعت السيد فقال: أخبرتني بتمام الإستبراء .. صدق)؛ لأن الإستبراء باب من التقوى مفوض إلى أمانته , ولهذا لا يحال بينه وبينها بخلاف الزوجة المعتدة عن وطء الشبهة. والثانى: أنها المصدقه للأصل , والأصح فى (الروضة):أن لها تحليفه على ذلك , وعليها الإمتناع من التمكين إذا تحققت بقاء شيء في زمن الإستبراء وإن أبحناها له في الظاهر.

وَلَا تصَيرُ أَمَةٌ فِرَاشَا إِلَّا بِوَطْءِ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِلإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ .. لَحِقَهٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ وَنَفَى الْوَلَدَ وَادَّعَى اسْتِبْراءً .. لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تصبر أمة فراشًا إلا بوطء* بالإجماع، وبدل له حديث عبد الله بن زمعة الثابت في (الصحيحين) [خ2053 - م1457] فلا تصير فراشًا بالملك ولا بالخلوة ولا يلحقه الولد بذلك، بخلاف النكاح؛ فإن الولد فيه يلحق بمجد الإمكان؛ لأن مقصود النكاح الولد والاستمتاع فاكتفى فيه بالإمكان، وملك اليمين مقصودة التجارة والاستخدام، فلا ينصرف للاستمتاع ما لم يتحقق الوطء، ولهذا: يصح أن يملك من لا تحل له كأخته. ومجرد عقد النكاح يثبت المصاهرة، بخلاف مجرد الملك؛ فإنه لا يثبتها. وشمل لإطلاقه الوطء في الدبر، وقد اضطرب فيه تصحيح المصنف كما تقدم، فصحح هنا أنه لا يلحقه، وفي (باب النكاح) اللحوق، وقال الإمام: القول باللحوق ضعيف لا أصل له. وعند أبي حنيفة لا تصير الأمة فراشًا بالوطء وإن داوم عليه سنين، ولا يلحقه إلا إذا استلحقه ولو ادعت الأمة الوطء وأنها صارت أم ولد، فإن كان السيد قد عرضها على البيع .. سمعت، وإلا .. فلا على الأصح كما سيأتي. قال:) فإذا ولدت للإمكان من وطئه .. لحقه) أشار بذلك إلى أن معنى كون الأمة فراشًا لأنها إذا أتت بولد من السيد .. لحقه، سواء استلحقه أم لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بزمعة من غير إقرار منه ولا من وارثه بالاستيلاد وقال: (الولد للفراش) وروى مالك [2/ 742] عن عمر أنه قال: (لا تأتيني أم ولد يعترف سيدها أنه ألم بها إلا ألحقت نبه ولدها، فأمسكوهن بعد أو أرسلوهن) فاعتبر الاعتراف بالإلمام لا بالولد، ولم يخالفه أحد من الصحابة. قال: (ولو أق بوطء ونفى الولد وادعى استبراء .. لم يلحقه على المذهب)؛ لأن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم نفوا أولاد جوار لهم بذلك، هذا إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر من الاستبراء إلى أربع سنين، فلو ولدته لدون ستة أشهر

وَإِنْ أَنْكَرَتْ الِاسْتِبْرَاءَ .. حُلِّفَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَعَّرًضُهُ للِاسْتِبْرَاءِ، وَلَوِ ادَّعَتِ اسْتِلَادًا فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَطءِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ .. لَمْ يُحَلَّفْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ: وَطِئْتُ وَعَزَلْتُ .. لَحِقَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الاستبراء .. لحقه الولد؛ للعلم بأنها كانت حاملًا يومئذٍ. قال في (الروضة) هنا: وله نفيه باللعان على الصحيح كما سبق هناك، وهو سهو؛ فالسابق هناك تصحيح المنع. قال: (وإن أنكرت الاستبراء .. حلف أن الولد ليس منه) كما في نفي ولد الحرة، ولا يحتاج إلى التعرض للاستبراء، وفي وجه: أنه يصدق بلا يمين. قال: (وقيل: يجب تعرضه للاستبراء)؛ لتثبت بذلك دعواه، وقيل: يكفي التعرض للاستبراء فقط، ويكتفى به في نفي النسب. قال: (ولو ادعت استيلادًا فأنكر أصل الوطء ولد .. لم يحلف على الصحيح) والولد منتف عنه، وإنما حلف في الصورة السابقة؛ لأنه سبق منه الإقرار بما يقتضي ثبوت النسب وهو الوطء. والثاني: يحلف؛ لأنه لو اعترف .. ثبت النسب، فإذا أنكر .. حلف. واحترز بقوله: (وهماك ولد) عما إذا لم يكن .. فلا يحلف بلا خلاف، قاله الرافعي. قال ابن الرفعة: بل يحلف بلا خلاف إذا عرض على البيع؛ لأن دعواه حينئذٍ تنصرف إلى حريتها لا إلى ولدها. قال: (ولو قال: وطئت وعزلت .. لحقه في الأصح)؛ لأن الماء سباق لا يدخل تحت الاختيار، ولأن أحكام الوطء لا يشترط فيها الإنزال كالتحليل والتحصين. والثاني: ينتفي عنه كدعوى الاستبراء، فإن قال: كنت أطـ فيما دون الفرج ... فالصحيح: لا يلحقه؛ لإنتفاء الإيلاج الذي تتعلق به أحكام الوطء. وقيل: يلحقه؛ لإمكان سبق الماء، والجواب: أنه بعيد عادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: اختلف العلماء في النطقة قبل تمام الأربعين هل لها حرمة على قولين حكاهما المحب الطبري في أوائل كتاب (الأحكام)؛ فقيل: لا يثبت لها حكم السقط والوأد، وثيل: لها حرمة ولا يباح إفسادها ولا التسبب في إخاجخا بعد الاستقرار في الحم، بخلاف العزل؛ فإنه قبل حصولها. وقال الكرابيسي: سألت أبا بك الفراتي عن رجل سقى جاريته شرابًا لتسقط ولدها فقال: ما دامت نطفة أو علقة .. فواسع له ذلك إن شاء الله تعالى. وهذه المسألة تعن بها البلوى، ولا يخفى أن المرأة قد تفعل ذلك لحمل زنًا أو غير ونا، ثم هي إما أمة فعلت ذلك بإذن مولاها الواطئ لها وهي مسألة الفراتي، أو بإذنه وليس هو الواطئ وهي صورة لا تخفى، والنفل فيها عندنا عزيز، وفي مذهب أبي حنيفة شهير؛ ففي (فتاوى قاضي خان) وغيره: أن ذلك يجوز، وقد تكلم الغزالي عليها في (الإحياء) بكلام متين، غير أنه لم يصرح بتحريم، إلا أنه ذكر مسألة العزل ثم قال: يبعد الحكم بعدم تحريمه. وأفتى الشيخ عماد الدين بن يونس والشيخ عز الدين: بأن المرأة لا يحل لها أن تستعمل دواء لقطع الحبل ولو رضي به الزوج، وينبغي أن يكون ذلك كالعزل، إلا أن يقال: هذا يحصل به اليأس بخلاف العزل. تتمة: للسيد بيع أمته من الأجذم والأبرص ح لأن الشراء لا يتعين للاستمتاع، ثم هل لها الامتناع من تمكينه؟ فيه وجهان: قال في (المهمات) أصحهما: أنه لا يلزمها التمكين، وفي (الشرح) و (الروضة) في هذا الباب ما يؤخذ منه ذلك، وذك الرافعي وجهين في (كتاب النكاح) من غير ترجيح. قال المصنف: قلت: قال المتولي: أصحهما: يلزمها التمكين، وهذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما صححه الروياني في (البحر) أيضًا، والصواب المعتمد: أن لها الامتناع كما أفتى به الشيخ عماد الدين بن يونس وغيره. خاتمة قال الشيخ أبو محمد الجويني في (التبصرة) والقفال في (الفتاوى) وغيرهما أصول الكتاب والسنة والإجماع متظافرة على تحريم وطء السراري اللاتي يجلبن اليوم من الروم والهند والترك، إلا أن ينصب الإمام من يقسم الغنائم من غير حيف وظلم، وعارضهم الشيخ تاج الدين الفزاري فأفتى بأن الإمام لا تجب عليه قسمة الغنائم بحال، ولا تخميسها، وله أن يفضل، وأن يحرم بعض الغانمين، وزعم أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتضي ذلك، ورد عليه المصنف قوله وقال: إنه خارق للإجماع في ذلك. هذا إذا أخذوه بالقهر، فأما المسروق والمختلس .. فالمشهور أيضًا: أنه يخمس، خلافًا للغزالي، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في خاتمة (فسم الفيء والغنيمة).

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع إِنَّمَا يَثْبُتُ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الرضاع هو بفتح الراء وكسرها: اسم لمص الثدي وشرب لبنه، وخصه الشرع بوصول لبن المرأة إلى جوف الطفل. والكتاب ثم السنة ناطقان بتحريم الرضاع، قال الله تعالى: {وأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ}. وفي الصحيحين [خ2645 - م1445/ 9] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). وأجمعت الأمة على تأثيره في النكاح، وثبوت المحرمية، وأظهر قولي الشافعي: أنه يؤثر في عدم نقض الوضوء، ولا يؤثر فيما عدا ذلك كالميراث والنفقة والعتق وسقوط القصاص ورد الشهادة ونحوها. قال: (إنما يثبت بلبن امرأة) فلبن البهيمة لا يعتق به تحريم، حتى إذا شرب منه صغيران ... لا تثبت بينهما أخوة، ولا تحرم الأنتثى منهما على الذكر خلافا لعطاء، وعلله الرافعي بأن الأخوة فرع الأمومة فإذا لم تثبت الأمومة التي هي أصل ... لم تثبت الأخوة، وما استدل به قد صرح بعكسه فيما لو كان لرجل خمس مستولدات فارتفع صبي من كل واحدة رضعة ... فالأصح: أنه يصير أبا كما سيأتي. ولو در لرجل لبن فرضعه طفل ... لم يؤثر؛ لأن اللبن من أثر الولادة، وهي مختصة بالنساء، ولأنه ليس معدا للتغذية كغيره من المائعات. وقال الكرابيسي: يحرم؛ لأنه إذا ثبتت أبوته بطريق التبعية ... فبالأصالة أولى،

حَيَّةٍ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن نص الشافعي في (الأم) و (البويطي) على أنه يكره له ولولده نكاح من ارتضعت منه. ولبن الخنثى المشكل لا يقتضي أنوثته على المذهب، بل يوقف أمره، فإن بانت أنوثته ... تعلق به الحكم، وإلا ... فلا. قال: (حية) فلو ارتضع طفل من ميتة أو حلب لبنها وأوجر الصبي ... لم يرتب عليه حكم وإن كان طاهرا على المذهب، كما لا تثبت حرمة المصاهرة بوطء الميتة. وخالف في هذه المسألة الأئمة الثلاثة والأوزاعي ومنصور التميمي، مستدلين بقول عمر: (اللبن لا يموت) وحمله الشافعي على ما إذا حلب منها في حياتها ثم سقي الصبي ... فإنه يحرم كالرضاع من الثدي، ولا يبطل عمله بمفارقته كما سيأتي. واحتج الأصحاب بأن اللبن ضعفت حرمته بموت الأصل، ألا ترى أن حرمة الأعضاء تسقط بالموت، حتى لا يجب القصاص بقطعها، وبأنه لو وصل اللبن إلى جوف الصبي الميت ... لم تثبت الحرمة، فكذلك إذا انفصل من ميتة قياسًا لأحد الطرفين على الآخر. قال: (بلغت تسع سنين) فاللبن الحاصل قبل ذلك لا يؤثر في التحريم، كما أنها إذا رأت دما قبل تسع ... لا يكون حيضًا. وإن كانت بنت تسع ... حرم وإن لم يحكم ببلوغها؛ لأن احتمال البلوغ قائم، والرضاع كالنسب فيكفي فيه الاحتمال، وسواء كانت الصغيرة مزوجة أم بكرًا أم بخلافهما. وقيل: لا يحرم لبن البكر؛ لأن ولد الرضاع تابع لولد النسب ولا ولد لها، وكذلك الثيب التي لا زوج لها ولا ولد ولا حمل، وحكى صاحب (التنبيه) قولًا فيما إذا لم يكن لها حمل: أنه لا يثبت حكم الرضاع وغلطه الأكثرون فيه. والمعتبر في السنين القمرية لا الشمسية، فالأصح في (الشرح الصغير): أن ذلك تقريب كسن الحيض، فما تقدم فيه يأتي هنا.

وَلَوْ حَلَبَتْ وَأُوجِرَ بَعْدَ مَوْتِهَا ... حَرَّمَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ جُبِّنَ أَوْ نُزِعَ مَنْهُ زُبْدٌ ... حَرَّمَ. وَلَوْ خُلِطَ بِمَائِعِ ... حَرَّمَ إِنْ غَلَبَ، وَإِنْ غُلِبَ وَشَرِبَ الْكُلَّ- قِيلَ: أَوِ الْبَعْضَ- حَرَّمَ فِي الْأَظْهَرِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو حلبت وأوجر بعد موتها ... حرم في الأصح)؛ لأنه انفصل منها وهو حلال محرم. والثاني: لا؛ لبعد إثبات الأمومة بعد الموت. و (الإيجار): صب اللبن في الحلق. قال: (ولو جبن أو نزع منه زبد ... حرم) لوصول عين اللبن إلى الجوف، وقال صلى الله عليه وسلم: (الرضاعة من المجاعة) وهذا أبلغ في دفع المجاعة؛ لأنه تحصل به التغذية، فلو حمض أو انعقد أو أغلي أو صار مخيضًا أو أقطًا ... حرم، وكذا لو عجن به دقيق أو ثرد به طعام على الصحيح. وقال أبو حنيفة: لا تثبت الحرمة بالجبن ونحوه. وقوله: (ولو نزع منه زبد) يحتمل أن يريد اللبن المنزوع زبده، ويحتمل أن يريد الزبد نفسه، وكل منهما محرم. قال: (ولو خلط بمائع ... حرم إن غلب) سواء كان المانع حلالا أو حرامًا؛ لأن المغلوب كالمعدوم بدليل النجاسة المستهلكة في الماء الكثير، وسواء شرب الجميع أو البعض. والمراد بغلبته: ظهور إحدى صفاته، إما اللون أو الطعم أو الرائحة، وقيل: بأن لا يخرج عن التغذية، وقطع الجمهور بالأول. فلو لم يظهر شيء قدر مخالفًا في لون قوي، كذا استنبطه الحليمي، وعرضه على القفال الشاشي وابنه القاسم صاحب (التقريب) فارتضاه، ثم وجده لابن سريج. قال: (وإن غلب) أي: بضم الغين وكسر اللام (وشرب الكل- قيل: أو البعض- حرم في الأظهر)؛ لأنه وصل إلى جوفه عين اللبن، وذلك هو المعتبر في

وَيُحَرِّمُ إِيجَارٌ وَكَذَا إِسْعَاطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا حُقْنَةٌ فِي الأَظْهَرِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ التأثير، ووجه عدم التحريم في الأولى: القياس على النجاسة المستهلكة في الماء الكثير، ووجه عدم التحريم في الثانية- وهو ما إذا شرب البعض: أنا لم نتحقق وصول جميع اللبن، ووجه مقابله: أن المائع إذا خالط الماء ... فما من جزء يوجد إلا وفيه شيء من هذا وشيء من هذا. وهذا الخلاف فيما إذا لم نتحقق وصول اللبن، مثل أن وقعت قطرة في جب ماء وشرب بعضه، فإن تحققنا انتشاره في الخليط وحصول بعضه في المشروب أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن ... ثبت التحريم قطعًا، والأصح: أنه يشترط كون اللبن قدرًا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط. وتقييد المصنف ب (المائع) لا حاجة إليه؛ فإن الخلط بالجامد كالدقيق كذلك لاشتراكهما في التغذية، ولم يذكر الحكم فيما إذا تساويا؛ لأنه يؤخذ من الثانية من باب أولى. قال: (ويحرم إيجار) وهو صب اللبن في الحلق؛ لحصول التغذية به كالارتضاع، وظاهر عبارة المصنف: حصول التحريم بمجاوزة الحلق وإن لم يصل إلى المعدة كما يفطر بمثله الصائم، وهو مقتضى كلام المتولي وغيره، لكن اعتبر في (المحرر) وصوله إلى المعدة، وعليه جرى في (الشرح) و (الروضة). قال: (وكذا إسعاط على المذهب) وهو صبه في الأنف؛ لأن الدماغ جوف للتغذي كالمعدة، ولأنه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر فأشبه الحلق، ويقابل المذهب القولان في الحقنة، وعلى المذهب: لو ارتضع الصبي مرة وأوجر مرتين وأسعط مرتين ... ثبت التحريم. ولو شرب وتقيأ في الحال حصل التحريم على الصحيح، وقيل: لا يحصل. وقيل: إن تقيأ وقد تغير اللبن ... يثبت التحريم، وإلا ... فلا. قال: (لا حقنة في الأظهر)، لأنها لإسهال ما انعقد في الأمعاء، ولا يحصل بها التغذي، وبهذا قال الأئمة الثلاثة. والثاني: يحرم كما يفطر بها الصائم، واختاره المزني.

وَشَرْطُهُ: رَضِيعٌ حَيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والصب في الإحليل إن وصل إلى المثانة ... كالحقنة، وإلا فإن قلنا: يفطر به ... فكذلك، وإلا ... فلا. ولو كان في بطنه جرح فصب اللبن فيه إلى الجوف ... لم يحرم في الأصح، وصبه في العين لا أثر له قطعًا، وفي الأذن الأشهر أنه كالحقنة، وقال الروياني: يحرم قطعًا، وقال البغوي: لا يحرم قطعًا. قال: (وشرطه: رضيع حي) فلا أثر للوصول معدة الميت بالاتفاق، وكان الأولى للمصنف أن يقول: وحياة رضيع؛ لأن الرضيع ركن لا شرط. قال: (لم يبلغ سنتين)؛ لقوله تعالى: {والْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. وروى البيهقي [7/ 462] والدارقطني [4/ 174]: (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين). ولم يخالف في هذا إلا عائشة؛ فإنها تلحق ما بعد الحولين بما قبلهما لما روى الشيخان [خ5088 - م1453]: أن سهلة بنت سهيل بن عمرة قالت: يا رسول الله؛ إنا كنا نرى سالمًا ولدًا، وقد نزل في التبني والحجاب ما قد علمت، فماذا تأمرني فقال: (أرضعيه خمس رضعات ... يحرم بهن عليك)، ففعلت فكانت تراه ابنًا. والجواب: أنه مخصوص بسالم كما قالته أم سلمة وسائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم. والمراد: سنتين بالأهلة كما قاله في (المحرر)، فإن انكسر الشهر الأول ... كمل بالعدد ثلاثين من الخامس والعشرين على الصحيح. وفي (شرح المهذب) و (رؤوس المسائل): أن ذلك تحديد قطعًا. وعند أبي حنيفة: مدة الرضاع ثلاثون شهرًا، وعن مالك قولان كالمذهبين. وابتداء الحولين من تمام الانفصال، وعبارته تفهم أنه لو تم الحولان في انتهاء

وَخَمْسُ رَضَعَاتٍ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ الرضعة الخامسة ... لا تحريم، وهو المنصوص في (الأم) وغيرها، وصحح الشيخان خلافه. قال: (وخمس رضعات)؛ لما روى مسلم [1452] عن عائشة قالت: (كان فيما أنزل الله: (عشر رضعات محرمات) فنسخن بـ (خمس معلومات) فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) أي: يتلى حكمهن أو العمل بهن، وهذا يدل على قرب النسخ، حتى إن من لم يبلغه النسخ كان يقرؤها. وأورد في (شرح مسلم): أن هذا لا حجة فيه؛ لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، ولم يجب عنه، وأجاب عنه إلكيا الطبري بأن القرآن وإن لم يثبت بخبر الواحد لكن يثبت حكمه والعمل به، والأحسن الاستدلال بحديث سالم؛ فإن فيه تخصيص الرضعات بخمس، وهو محل ضرورة، فلو حصل ما دونه ... لذكره. وفي (صحيح مسلم) [1450] عنها رضي الله عنها: (لا تحرم المصة ولا المصتان). وفي وجه: إثبات التحريم برضعة كمذهب أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما. وفي ثالث- اختاره ابن المنذر وجماعة-: بثلاث كمذهب أبي ثور. وعن أحمد روايتان كالمذهبين، فلو حكم قاض بالتحريم بأقل من خمس رضعات ... لم ينقض حكمه، خلافًا للإصطخري. وقوله: (خمس رضعات) مراده: وما في حكمهن من الجبن والزبد وغيرهما مما يتخذ منه. والحكمة في كون التحريم بخمس: أن الحواس خمس وهي أسباب الإدراك، فلم يحصل له علم باطن بغيرها، والرضاع أمر يظهر تأثيره في الباطن من إنتشار العظم وإنبات اللحم، فكانت الخمس حينئذ مؤثرة في ذلك. فإن قيل: من قاعدة الشافعي الأخذ بأقل ما قيل ... فلم أخذ هنا بالأكثر؟ فالجواب: أنه إنما يأخذ بالأقل إذا لم يجد دليلًا سواه، وهنا السنة نصت على الخمس فلم يعدل عنها.

وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ؛ فَلَوْ قَطَعَ إِعْرَاضًا ... تعَدَّدَ، أَوْ لِلَهوٍ وَعَادَ فِي الحَالِ أَوْ تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى ثَدْيٍ ... فَلَا. فَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا دَفْعَةٌ وَأَوجِرَهُ خَمْسًا أَوْ عَكْسُهُ ... فَرَضْعَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: خَمْسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وضبطهن بالعرف) فما عده أهله رضعة واحدة فواحدة، وما قضوا فيه بالتعدد فهو متعدد؛ لأنه ليس في الشرع ولا في اللغة ما يدل على ضبطه، فرجعنا فيه إلى العرف كالحرز في السرقة والقبض في المبيع. قال: (فلو قطع إعراضًا ... تعدد) وإن لم يصل إلى الجوف منه إلا قطرة؛ لأن العرف يقضي بذلك، وكذا لو قطعت المرضعة ثم عاد إلى الإرضاع في الأصح. ولو قامت لشغل خفيف ثم عادت ... اتحد جزمًا. قال: (أو للهو وعاد في الحال أو تحول من ثدي إلى ثدي ... فلا)؛ لقضاء العرف بذلك، كما لو تحدث الأكل وتنفس ... لا يخرجه ذلك عن كون ذلك أكلة واحدة. وقيد في (الروضة) مسألة اللهة ببقاء الثدي في فيه، وهو يوهم اشتراطه، وليس كذلك؛ فالمنصوص في (المختصر) أن ذلك لا يشترط، وكذا لو قطع للتنفس أو الازدراد أو نام نومة خفيفة، فلو طال نومه ثم انتبه وارتضع ... فرضعة إن كان الثدي في فيه، وإلا ... فئتان. وقوله: (من ثدي إلى ثدي) المراد: في المرضعة الواحدة، فلو تحول من ثدي امرأة إلى ثدي أخرى في الحال ... فالأصح: التعدد. و (الثدي) يذكر ويؤنث، والتذكير أكثر، ويكون للرجل والمرأة، وأكثر استعماله لها، ومنهم من خصه بها. قال: (فلو حلب منها دفعة وأوجره خمسًا أو عكسه ... فرضعة) اعتبارًا في الأولى بحالة الانفصال من الثدي، وفي الثانية بحالة وصوله إلى جوفه دفعة واحدة. قال: (وفي قول: خمس) أما الأولى ... فتنزيلًا للإناء المتنقل منه منزلة الثدي، وأما في الثانية ... فنظرًا إلى حال الانفصال من الثدي، وكذلك لو حلب خمس نسوة في إناء واحد وأوجره الصبي دفعة ... حسب من كل واحدة رضعة، أو في خمس دفعات ... حسب من كل واحدة رضعة في الأصح، وقيل: خمس.

ولو شك: هل خمسا أو أقل، أو هل رضع في الحولين أو بعده؟ فلا تحريم، وفي الثانية قول أو وجه. وتصير المرضعة أمه، والذي منه اللبن أباه، وتسري الحرمة إلى أولاده ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو شك: هل) رضع (خمسا أو أقل، أو هل رضع في الحولين أو بعده؟ فلا تحريم)؛ إذ الأصل عدمه. قال: (وفي الثانية قول أو وجه)؛ لأن الأصل بقاء الحولين. وأشار في (المطلب) إلى أنه ينبغي أن يثبت التحريم دون المحرمية؛ فإن الأصل في الأبضاع التحريم، والأصل عدم المحرمية وهو حسن. والراجح في (الشرح الصغير): أن الخلاف قول. قال: (وتصير المرضعة أمه)، لقوله تعالى {وأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} فنص على هاتين لا لاختصاص الحكم بهما، بل للتنبيه بهما على ما في معناهما؛ لأن النسب مشتمل على قطب وجوانب، فنبه بالأم على قطب النسب، وبالأخوات على الجوانب؛ لأنهن أصل الجوانب لكونهن أول فصل. قال: (والذي منه اللبن أباه، وتسري الحرمة إلى أولاده)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). وفي (الصحيحين) [خ4796 - م1445/ 5] عن عائشة: أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها بعدما أنزل الحجاب فقالت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني وإنما أرضعتني امرأته، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (ائذني فإنه عمك تربت يمينك) قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). واختار ابن بنت الشافعي أن الحرمة لا تسري إلى الفحل، وسيأتي له شاهد في (كتاب الأطعمة) عند قول المصنف: (وكذا ما تولد من مأكول وغيره).

وَلَوْ كَانَ لَهٌ خَمَسْ مُسْتَوْلِدَاتْ أَوْ أَرْبَعَ نِسْوَة وَأُمْ وَلَد فَرُضَع طِفْل مِنْ كَلِ رَضْعَة ... صَارَ ابْنِه فِي الأَصَّحْ، فَيَحْرِمْنَ لَأَنَهُنَ مُوَطِوَات أَبِيهِ. وَلَوْ كَانَ بَدَلْ المُسْتَوْلِدَات بَنَات أَوْ أَخَوَات ... فَلَا حُرْمَة فِي الأَصَح. وَآَبَاءِ المُرْضِعَة مِنْ نَسَبِ أَوْ رِضَاعْ أَجْدَادِ للرَضِيعْ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو كان له خمس مستولدات أو أربع نسوة وأم ولد فرضع طفل) منها (من كل رضعة ... صار ابنه في الأصح)؛ لأن لبن الجميع منه، ويجوز أن تثبت الأمومة دون الأبوة فيما إذا أرضعت ثلاث رضعات بلبن رجل ثم تزوجها غيره وأرضعته بلبن الثاني رضعتين ... فإن الحرمة تثبت بينها وبين الرضيع، ولا تثبت بينه وبين الرجلين. والثاني- وبه قال الأنماطي زابن سريج-: لا يصير؛ لأن الأبوة تابعة للأمومة ولم تحصل، كذا علله الرافعي كما تقدم عنه في تعليل لبن البهيمة. وصورة الأربع نسوة: أن يكن مدخولا بهن، فإن لم يدخل بهن أو ببعضهن ... لم يحرم من واحدة كما قاله في (التلخيص) كالربيبة، وهذا مفهوم من ذكر الإرضاع. قال: (فيحرمن لأنهن موطوآت أبيه) لا لكونهن أمهات له، فلسن أمهاته قطعًا. ولو كان تحته طفلة فأرضعتها كل مستولدة له رضعة ... انفسخ نكاحها في الأصح، ولا غرم؛ لأنه لا يثبت له دين على إمائه. قال: (ولو كان بدل المستولدات بنات أو أخوات ... فلا حرمة في الأصح)؛ لأنه لو ثبت التحريم ... لكان الرجل جدًا لأم في صورة البنات، وخالا في إرضاع الأخوات، وتصير المرأة جدة لأم البناتت وخالة في صورة الأخوات، والجدودة والخؤولة لا تثبتان إلا بتوسط الأمومة. والثاني: تثبت الحرمة كما في المستولدات. وتتصور الأمومة دون الأبوة في صور كثيرة: منها: أن يدر للبكر لبن، أو لثيب لا عن فحل، أو عن زنا ونحو ذلك، وتتصور الأبوة دون الأمومة في صور المستولدات ونظائرها. قال: (وآباء المرضعة من نسب أو رضاع أجداد للرضيع) فلو كانت أنثى ... حرم عليهم نكاحها كالنسب.

وَأُمَّهَاتِها جَدّاتُه، وَأوْلادها مِن نَسَب أَوْ رِضَاع إِخْوَته وَأَخَواتِه، وَإِخْوتِها وأخواتها أخواله وخالاته، وأبو ذي اللبن جده، وأخوه عمه وكذا الباقي. واللبن لم نسب إليه ولد نزل به بنكاح أو وطء شبهة ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأمهاتها جداته) حتى إذا ارتضع ذكر ... حرم عليه نكاحهن. قال: (وأولادها من نسب ورضاع إخوته وأخواته) فأولادهم أولاد إخوة وأولاد أخوات فتثبت الحرمة، بخلاف أولاد إخوة المرضع وأخواتها؛ فإنهم أولاد أخواله وخالاته، ولا تسري الحرمة إلى آباء الرضيع وأمهاته وإخوته وأخواته، فلأبيه أن ينكح المرضعة وأن ينكح بنتها. قال: (وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وأبو ذي اللبن جده وأخوه عمه، وكذا الباقي) فأمه جدته وأولاده إخوته وأخواته وأخته عمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة: (إنها لا تحل لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتنا وأباها ثويبة) فجعل نفسه عما لها. فإن قيل: ما فائدة ذكر هذا مع قوله أولا: إنها تصير أمه والفحل أباه؟ فالجواب: أن الرضاع حكم شرعي فلا يلزم من ذلك هذا، ولأنه بصدد بيان من ينتشر التحريم إليه، لكن لا تثبت الحرمة بين الرضيع وبين أولاد إخوة المرضعة وأخواتها؛ فإنهن أولاد أخواله وخالاته، ولا تنتشر الحرمة إلى آباء الرضيع وأمهاته وإخوته وأخواته، فلأبيه أن ينكح المرضعة وأن ينكح بنتها. قال: (واللبن لمن نسب إليه ولد نزل به بنكاح أو وطء شبهة)؛ إلحاقا للرضاع بالنسب، وفي قول: إن وطء الشبهة لا يحرم على الفحل؛ إذ لا ضرورة إليه، بخلاف النسب والعدة، والمذهب: عدم الفرق.

لَا زِنًا، وَلَوْ نَفَاهُ بِلِعَان ... انتَفى اللَّبَنُ ... وَلَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوحَةٌ بَشُبهَةٍ، أَوْ وَطِىءَ اثْنَانِ بِشُبهَةٍ فَوَلَدَتْ ... فَاللَّبَنُ لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِقَائفٍ أَوْ غَيْرَهِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: شرط ابن القاص أن يكون الأب أقر بالدخول في النكاح، فإن لم يقر به ولحقه بمجرد الإمكان ... لم تثبت الحرمة بين الرضيع وأبي الولد، وجعل هذا مما يخالف فيه ولد النسب ولد الرضاع. الثاني: قوله: (بنكاح) قد يفهم أن الولد الحاصل من الوطء بملك اليمين لا تثبت به الأبوة، وليس كذلك، بل هو مثله بالاتفاق. ووهم الجيلي في حكايته وجهًا فيه، والمصنف استغنى عنه بما ذكره فيه قبل من أن المستولدة كالزوجة. قال: (لا زنا)؛ لعدم احترامه، فلا يحرم على الزاني أن ينكح الصغيرة التي ارتضعت من ذلك اللبن، لكنه يكره. قال الرافعي والمصنف: وقد تقدم في (النكاح) وجه: أنه لا يجوز للزاني نكاح ابنته من الزنا، فيشبه أن يأتي هنا، وكأنهما لم يقفا على نقله، وهو مصرح به في (النهاية) و (البسيط). قال: (ولو نفاه بلعان ... انتفى اللبن) كما ينتفي الولد النسب، ولو استلحق المولود بعد ذلك ... تثبت حرمة الرضاع أيضًا، كما لو نفاه بعد الرضاع، فإن حرمة الرضاع تنتفي تبعًا. قال: (ولو وطئت منكوحة بشبهة أو وطىء اثنان بشبهة فولدت ... فاللبن لمن لحقه الولد بقائف أو غيره)؛ لأن اللبن تابع للولد، فإن لم يكن قائف أو نفاه عنهما أو أشكل عليه ... توقفنا إلى أن يبلغ الولد فينتسب إلى أحدهما، فإن بلغ مجنونًا ... صبرنا إلى أن يفيق فينتسب، فإذا انتسب تبعه الرضيع، فإن مات قبل الانتساب وكان له ولد ... قام مقامه فيه، فإن كان له أولاد فانتسب بعضهم إلى هذا وبعضهم إلى هذا ... دام الإشكال، وإنما اعتبرنا انتسابه لأن الرضاع يؤثر في الطباع والأخلاق، وقد يميل

وَلَا تَنْقَطِعْ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ زَوْج مَاتَ أَوْ طَلَّقَ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ أَوِ انْقَطَعَ وَعَادَ، فَإِنْ نَكَحَتْ آَخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ ... فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ، وَقَبْلَهَا لِلأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ الإنسان إلى من ارتضع من لبنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم وأفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد) فافتخر صلى الله عليه وسلم بالرضاع كما افتخر بالنسب. وإذا قلنا بالانتساب هل يجبر عليه؟ فيه وجهان أو قولان: أصحهما: لا؛ لأن الذي يترتب على الرضاع أسهل مما يترتب على النسب، فإن أراد أن يتزوج ابنة أحدهما ... حرم على الأصح كما لو اختلطت أخته بأجنبية. وقيل: يحل له أن يتزوج بنت من شاء منهما؛ لأن الأصل الحل في كل منهما، فكانا كما لو اشتبه إناء طاهر بنجس، فإن تزوج بنت أحدهما ... حرمت عليه بنت الآخر، وقيل: يحل له أن يتزوج بنت كل منهما على الانفراد ولا يجمع. قال: (ولا تنقطع نسبة اللبن عن زوج مات أو طلق وإن طالت المدة)؛ لعموم الأدلة، فلو كان له ولد ... قام مقامه في الانتساب كما تقدم. قال: (أو انقطع وعاد)؛ لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه فاستمرت نسبته إليه. وقيل: إن انقطع وعاد بعد أربع سنين من وقت الطلاق ... لم يكن منسوبَا إليه، كما لو أتت بولد بعد هذه المدة ... لا يلحقه. قال: (فإن نكحت آخر وولدت منه ... فاللبن بعد الولادة له) كالولد، وقال أحمد: لهما جميعَا. قال: (وقبلها للأول إن لم يدخل وقت ظهور لبن حمل الثاني) سواء زاد على ما كان أم لا. ويقال: أول مدة يحدث فيها اللبن للحمل أربعون يومًا، وقال المارودي: أربعة أشهر، والمنصوص: أنه يرجع فيه إلى القوابل.

وَكَذَا إِنْ دَخَلَ، وَفِي قَوْلٍ: لِلثَّانِي، وَفِي قَوْلٍ: لَهُمَا. فَصْلٌ: تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أٌمٌهٌ أَوْ أٌخْتٌهٌ أَوْ زَوْجَةٌ أٌخْرَى .. انْفَسَخَ نِكَاحُهٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن دخل) أي: وقت ظهور لبن الحمل الثاني؛ لأن اللبن تبع للولد، وهو غذاؤه لا غذاء الحمل، فيتبع الولد المنفصل دون الحمل. قال: (وفي قول: للثاني)؛ لقرب وقت الولادة بسبب ظهور اللبن، فأشبه النازل بعد الولادة. قال: (وفي قول: لهما)؛ لتقابل المعنيين، فإذا فرعنا على هذا .. فهل يحتاج إلى عشر رضعات أو يكفي خمس؟ قال الداركي: يحتمل وجهين، وأطلق المصنف الخلاف، ومحله إذا انقطع مدة طويلة ثم عاد، أما إذا انقطع قليلا ثم عاد .. فثلاثة أقول أيضا: أصحها: للأول، والثاني: لهما، والثالث: إن زاد اللبن .. فلهما، وإلا .. فللأول. وحاصله: أن القول الثاني في الكتاب محله في الحالة الأولى، وفي الحالة الثانية يأتي بدله التفصيل بين أن يزيد أم لا. تتمة: حبلت امرأة من الزنا وهي ذات لبن من زوج .. فحيث قلنا هناك: اللبن للأول أو لهما .. فهو للزوج، وحيث قلنا: هو للثاني .. فلا أب للرضيع. ولو نكحت امرأة لا لبن لها فحملت ونزل لها لبن .. قال المتولي: في ثبوت الحرمة بين الرضيع والزوج وجهان بناء على الخلاف، إن جعلنا اللبن للأول .. لم نجعل الحمل مؤثرا، ولا تثبت الحرمة حتى ينفصل الولد، وإن جعلناه للثاني أو لهما .. ثبت. قال: (فصل: تحته صغيرة فأرضعتها أمه أو أخته أو زوجة أخرى .. انفسخ نكاحه)؛ لأنها صارت أختا أو بنت أخت أو ربيبة، فيحرمن مؤبدا؛ لأن ما يوجب الحرمة كما يمنع

ولَلِصَّغِيرَةِ نِصْفٌ مَهْرِهَا، وَلَهٌ عَلَى الْمٌرْضِعَةِ نِصْفٌ مَهْرِ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: كُلُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتداء النكاح .. يمنع الاستدامة، وإذا ثبت التحريم .. انقطع النكاح. قال: (وللصغيرة نصف مهرها) أي: على الزوج؛ لأنه فراق قبل الدخول، وأشار بإضافة المهر إليها إلى أنه نصف المسمى الصحيح، أو نصف مهر المثل إن كان فاسدًا. هذا إذا لم يكن الانفساخ من جهة الصغيرة، فإن كان بأن دبت فرضعت من نائمة .. فإنه لا شيء لها كما سيأتي. قال: (وله على المرضعة نصف مهر مثل)؛ لأنه لم يغرم غيره، هذا هو المنصوص هنا، ونص في شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا على أنه يلزمهم جميع المهر فقيل: قولان فيهما، والمذهب تقريرهما؛ لأن فرقة الرضاع حقيقة فلا توجب إلا النصف، وفي الشهادة النكاح باق بزعم الرجل، والشاهدان حالا بينه وبين البضع فيغرمان قيمته كالغاصب يحول بين المالك والمغصوب. قال: (وفي قول) أي: مخرج (كله)؛ لأن قيمة البضع مثل المهر، وإتلاف الشيء المتقوم يوجب قيمته. وقال الماوردي: إنما يرجع الزوج بالغرم إذا لم يأذن في الإرضاع، فإن أذن .. فلا غرم. ولم يتعرض المصنف لمهر الكبيرة، وحكمه: إن كانت مدخولًا بها .. فلها المهر، وإلا فلا. وشمل إطلاقه ما إذا تعين عليها الرضاع بأن لا يكون ثم غيرها، والذهب: أنه كما لو لم يتعين .. فيأتي فيه ما سبق، وفي وجه: لا غرم عليها. فروع: كانت الصغيرة مفوضة فأرضعتها أم الزوج .. فلها على الزوج المتعة، ويرجع الزوج على أمه بها.

وَلَوْ رَضَعَتْ مِنْ نَائِمَةٍ .. فَلَا غُرْمَ وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة ذلك: أن تكون الصغيرة أمة فيزوجها السيد بلا مهر؛ لأن ذلك لا يتصور في الحرة. ولو حلب أجنبي لبن أم الزوج أو كان محلوبا فأخذه وأوجره الصغيرة .. فالغرم على الأجنبي. ولو أرضعت مكرهة .. فالصحيح في (الروضة) و (الكفاية) أن الغرم عليها. والثاني: على المكره. والثالث: عليهما. والرابع: للمالك أن يطالب من شاء منهما، غير أنه إذا طولب المتلف رجع على الآمر كما صححه الشيخان في (الجنايات)، وهو المعتبر هنا كما قاله في (المهمات)، ولو أوجرها خمسة أنفس .. فعلى كل واحد خمس الغرم. ولو أوجرها واحد مرة وآخران مرتين .. فالغرم على عدد الرضعات، وقيل: أثلاثا. ولو كان الزوج عبدا فأرضعت أمه زوجته .. فالغرم عليها لسيده، كما إذا خالع هو زوجته .. فالمال لمولاه. ولو أرضعت أمة الرجل أو مدبرته أو مستولدته زوجته الصغيرة فحرمت عليه .. فلا رجوع له على واحدة منهن، اللهم إلا أن تكون مكاتبة فيرجع عليها بالغرم، فإن عجزت .. سقط، فإن عتقت .. كان ذلك دينا في ذمتها. قال: (ولو رضعت من نائمة .. فلا غرم) أي: على النائمة؛ لأنها لم تصنع شيئا، وإنما الصغيرة دبت بنفسها. وقال الداركي: عليها الغرم، لأن اللبن لها، وهي منسوبة في نومها إلى تقصير، فلو كانت مستيقظة .. فالأصح في (الروضة) لا غرم أيضًا؛ لعدم الفعل. قال: (ولا مهر للمرتضعة)؛ لأن الانفساخ حصل بفعلها، وهو قبل الدخول مسقط للمهر، وقيل: لها نصف المهر، ولا يعتبر فعلها في الإسقاط؛ لعدم التكليف.

وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةُ وَصَغِيرَةُ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةَ الصَّغِيرَةَ .. انْفَسَخَتِ اِلصَّغِيرَةُ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ فِي الأَظْهَرِ، وَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءً مِنْهٌمَا، وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ وَتَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو ارتضعت الصغيرة من أم الزوج رضعتين وهي نائمة ثم أرضعتها الأم ثلاثًا .. ففيه الوجهان السابقان في أن الغرم يوزع على المرضعات أو الرضعات، والأصح: الثاني. ولو أرضعتها الأم أربع رضعات ثم ارتضعت الصغيرة منها وهي نائمة المرة الخامسة .. ففيه الوجهان كالوجهين فيما إذا طلقها ثلاثًا متعاقبات .. هل يتعلق التحريم بالثالثة وحدها بالثلاث؟ وقد تقدمت فائدة ذلك في (باب ما يحرم من النكاح). قال: (ولو كان تحته كبيرة وصغيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة .. انفسخت الصغيرة)؛ لأنها صارت أختا للكبيرة، ولا يجمع بين الأختين، فكذلك الحكم لو أرضعتها جدتها أو أختها أو بنت أختها. قال: (وكذا الكبيرة في الأظهر)؛ لأنهما صارتا أختين، فأشبه ما لو أرضعتهما معا. والثاني: يختص الاندفاع بالصغيرة، لأن الجمع بها حصل، فأشبه ما لو نكح أختا على أخت، فإن البطلان يختص بالثانية، ونسب الماوردي هذا إلى الجديد، والأول إلى القديم. قال: (وله نكاح من شاء منهما) أي: منفردة ولا يجمع بينهما؛ لأنهما في مسألة الكتاب أختان، وفي الثانية: الصغرى خالة، وفي الثالثة: عكسه، وفي الرابعة والخامسة: الكبرى عمة أم أو خالة أم. قال: (وحكم مهر الصغيرة وتغريمه المرضعة ما سبق) في إرضاع أمه ونحوها الصغيرة. قال: (وكذا الكبيرة إن لم تكن موطوءة) فإذا قلنا بانفساخ نكاحها .. فلها نصف المهر على الزوج، وتغرم له المرضعة نصف مهر المثل.

فَإِنْ كَانَتْ .. فَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ .. حَرُمَتِ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا، وَكَذَا الصَّغيرَةُ إِنْ كَانَتِ الْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةً. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةُ فَطَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةُ .. صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ. وَلَوْ نَكَحَت مُطَلَّقةُ صَغِيرَاَ وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ .. حَرُمَتْ عَلَى الْمُطَلَّقِ وَالصَّغِيرِ أَبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن كانت) أي: الكبيرة موطوءة) .. فله على المرضعة مهر مثل في الأظهر) كما لو شهدا بالطلاق بعد الدخول ثم رجعا. والثاني: لا غرم عليها؛ لأن البضع بعد الدخول لا يتقوم للزوج، بدليل ما لو ارتدت وأصرت .. فإنه لا غرم عليها وعلى الزوج مهرها المسمى كما صرح به في (المحرر). قال: (ولو أرضعت بنت الكبيرة الصغيرة .. حرمت الكبيرة أبدا، وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة موطوءة)؛ لكونه ربيبة له، وحكم مهر الصغيرة على الزوج، والغرم على المرضعة للزوج ما تقدم. قال: (ولو كان تحته صغيرة فطلقها فأرضعتها امرأة .. صارت أم امرأته) فتحرم المرضعة على المطلق، لأنها صارت أم من كانت زوجته، ودخلت في أمهات النساء، ولا نظر في ذلك إلى التقدم والتأخر. قال: (ولو نكحت مطلقة صغيرا وأرضعته بلبنه .. حرمت على المطلق والصغير أبدا) أما المطلق .. فلأنها زوجة ابنة، وأما الصغير .. فلأنها أمه وزوجة أبيه. وشملت عبارة المصنف من تزوجت صغيرا له دون الحولين ثم فسخت نكاحه بعيب ثم زوجت بآخر فأولدها فأرضعت المفسوخ نكاحه .. فإنه ينفسخ نكاح الثاني، لأنها صارت زوجة ولده وحرمت عليهما على التأييد، ولا يخفى أن المراد المطلقة الحرة؛ لأنها لو كانت أمة .. لم تحرم على المطلق؛ لبطلان نكاح الصغير أمة، فلم تصر حليلة ابنه بذلك.

وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ اَلصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ لَبَنَ الْسَّيَّدِ .. حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَىَ الْسَّيَّدِ. وَلَوْ أَرْضَعَتْ مَوْطُوءَتُهُ الأَمَةُ صَغِيرَةً تَحْتَهُ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ .. حَرُمَتًا عَلَيْهِ. وَلَوِ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةُ وَكَبِيرَةُ فَأَرْضَعَتْهَا .. انْفَسَخَتَا وَحَرُمَتِ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إِنْ كَانَ الإِرْضَاعُ بِلَبَنِهِ، وَإِلاَّ فَرَبِيبَةُ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةُ وَثَلاثُ صَغَائِرَ فَأَرْضَعَتْهُنَّ .. حَرُمَتْ أَبَدَا، وَكَذَا الصَّغَائِرُ إِنْ أَرْضَعَتهُنَّ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ وَهِىَ مَوْطُوءَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو زوج أم ولده عبده الصغير فأرضعته لبن السيد .. حرمت عليه)؛ لأنها أمه وموطوءة أبيه. قال: (وعلى السيد)؛ لأنها زوجة ابنه، وهذه المسألة مبنية على إجبار العبد على النكاح، وقد تقدم أن الأصح: أنه لا يجبر عليه، ونقل المزني عن الشافعي: أنها لا تحرم عليه، وغلطوه في نقله. قال: (ولو أرضعت موطوءته الأمة الصغيرة تحته بلبنه أو لبن غيره .. حرمتا عليه) أما الأمة .. فلأنها صارت أم زوجته، وأما الصغيرة .. فلأنها بنته أو بنت موطوءته المدخول بها إن كانت بلبن غيره. قال: (ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعتها .. انفسختا)؛ للجمع بين الأم والبنت، وهذه تقدمت في أوائل الفصل، ذكرت هناك لأجل الغرم، وهنا لتأييد التحريم وعدمه. قال: (وحرمت الكبيرة أبدا)؛ لأنها أم زوجة. قال: (وكذا الصغيرة إن كان الإرضاع بلبنه)؛ لأنها بنته. قال: (فإلا فربيبة)، لأن الإرضاع بلبن غيره فتحرم مؤبدا إن كان دخل بالكبيرة، وإلا .. فلا. قال: (ولو كان تحته كبيرة وثلاث صغائر فأرضعتهن .. حرمت) أي الكبيرة (أبدًا، وكذا الصغائر إن أرضعتهن بلبنه أو لبن غيره وهي موطوءة) سواء أرضعتهن معا أو مرتبا؛ لأن الكبيرة أم زوجاته، والصغائر بناته أو ربائب زوجته المدخول بها،

وَإِلاَّ: فَإِن أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِإِيجَارِهَنَّ الْخَامِسَةَ .. انْفَسَحْنَ وَلاَ يَحْرُمْنَ مُؤَبَّدًا. أَوْ مُرَتَّبًا .. لَمْ يَحْرُمْنَ، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الأُولَى وَالثَالِثَةُ، وَتَنْفَسِخُ اَلثَانِيَةٌ بِإُرْضَاعِ الثَالِثَةِ، وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَنْفَسِخُ، وَيَجْزِي القَوْلاَنِ فِيمَنْ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةُ مُرَتَّبًا: أَيَنْفَسِحَانِ أَمِ الثَانِيَةُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعليه المسمى للكبيرة ونصف المسمى لكل صغيرة، وعلى الكبيرة الغرم. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن اللبن له ولا كانت الكبيرة مدخولا بها. قال: (فإن أرضعتهن معا بإيجارهن الخامسة .. انفسخن)، لصيرورتهن أخوات ولاجتماعهن مع الأم في النكاح، وكذلك الحكم لو وضعت ثدييها في في اثنتين وأوجرت الثالثة من لبنها المحلوب. قال: (ولا يحرمن مؤبدا)؛ لأنهن بنات امرأة لم يدخل بها، فله أن يجدد نكاح واحدة منهن، ولا يجمع بين ثنتين منهن. قال: (أو مرتبا .. لم يحرمن) بل إذا أرضعت واحدة ثم ثانية ثم ثالثة .. انفسخت الأولى باجتماعها مع أمها، وأما الثانية .. فلا ينفسخ بمجرد إرضاعها؛ لأنها لم تجتمع مع أم ولا أخت. قال: (وينفسخ نكاح الأولى)؛ لاجتماع الأم والبنت في النكاح (والثالثة)؛ لأنها صارت أختا للثانية التي هي في نكاحه. وقال: (وتنفسخ الثانية بإرضاع الثالثة)؛ لأنهما صارتا أختين معا، فأشبه ما إذا أرضعتهما معا، وهذا هو التقديم، وصححه الجمهور، فهي مما يفتى فيها بالقديم. قال: (وفي قول: لا ينفسخ) بل يختص الانفساخ بالثالثة؛ لأن الجمع تم بإرضاعها فاختص الفساد بها كما لو نكح أختا على أخت، وهذا هو الجديد، ورجحه الشيخ أبو حامد. قال: (ويجري القولان فيمن تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية مرتبًا: أين فسخان أم الثانية؟) فإذا أرضعت الثانية .. انفسخت، وفي الأولى حينئذ القولان، ولا خلاف أن المرضعة حرمت على التأييد، لأنها صارت من أمهات زوجاته.

فَصْلُ: قَالَ: هِنْدُ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ، أَوْ قَالَتْ: هُوَ أَخِي .. حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا. وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ: بَيْنَنًا رَضَاعُ مُحَرَّمُ .. فُرَّقَ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بقوله: (مرتبا) عما إذا أرضعتهما معا .. فإنه ينفسخ نكاحهما قولا واحدا؛ لصيرورتهما أختين معا. تتمة: بقي من أقسام المسألة حالتان: الأولى: أن ترضع ثنتين معا ثم الثالثة .. فيفسخ نكاح الأوليين دون الثالثة؛ لوقوع رضاعها بعد اندفاع أمها وأختها. الثانية: أن ترضع واحدة أولا ثم ثنتين ... فيفسخ نكاح الأربع، أما الأولى والكبيرة .. فلاجتماع الأم والبنت، وأما الأخيرتان .. فلأنهما صارتا أختين. قال: (فصل: قال: هند بنتي أو أختي برضاع، أو قالت: هو أخي .. حرم تناكحهما)؛ لأنه إقرار منهما أو من أحدهما على نفسه، ليس فيه ضرر على غيره فيؤاخذ بموجبه، وهذا بشرط الإمكان، فلو قال: فلانة ابنتي وهي أكبر سنا منه ... لغا. وعن أبي حنيفة: أن الحرمة تثبت بذلك. وإنما لم يذكر المصنف هذا الشرط هنا؛ لأنه قدمه في (باب الإقرار). ثم إذا صح الإقرار فرجعا أو رجع المقر منهما أو كذب نفسه .. لم يقبل رجوعه، ولم يصح النكاح. وقال أبو حنيفة: يقبل ويجوز النكاح. ولفظ (هند) يصرف ولا يصرف، إن شئت جمعته جمع التكسير فقلت: هنود، وإن شئت جمعته جمع السلامة فقلت (هندات). قال: (ولو قال زوجان: بيننا رضاع محرم .. فرق بينهما)؛ مؤاخذة لهما

وَسَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ وَطِئَ. وإَنِ ادَّعَى رَضَاعَا فَأَنْكَرَتِ .. انْفَسَخَ، وَلَهَا الْمُسَمَّى إِنْ وَطِئَ، وَإِلاَّ ... فَنِصْفَهُ. وإِنِ ادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَ .. صُدَّقَ بِيَمِينِهِ إِنْ زُوَّجَتْ بِرِضَاهَا، وإِلاَّ .. فالأصح: تصديقها ـــــــــــــــــــــــــــــ بإقرارهما (وسقط المسمى ووجب مهر مثل إن وطئ) فإن لم يطأ .. فلا يجب شيئ، فلو قال: بيني وبينها رضاع واقتصر عليه .. ووقف التحريم على بيان العدد، ولو قال: هي أختي من الرضاع، فإن كان فقيها موافقًا .. لم يحتج إلى ذكر العدد، وإلا فوجهان. قال: (وإن ادعى رضاعا فأنكرت .. انفسخ)؛ عملا بقوله. قال: (ولها المسمى إن وطئ، وإلا .. فنصفه)؛ ترجيحا لجانبه إذ الفرقة جاءت منه. قال: (وإن ادعته فأنكر .. صدق بيمينه إن زوجت برضاها)؛ لتضمن رضاها الإقرار بحلها له. وصورة مسألة الكتاب: أنها أذنت لوليها في رجل بعينه فزوجها منه برضاها، فلو أذنت في النكاح مطلقا واكتفينا به- وهو الأصح- ثم ادعت المحرمية .. فكالتي زوجت بغير رضاها. قال: (وإلا) أي: وإن لم تزوج برضاها) .. فالأصح: تصديقها)؛ لأن ما تدعيه محتمل، ولم يسبق ما يناقضه، فأشبه ما إذا قالته ابتداء فإنه يمنع تزويجها منه. والثاني: المنع استدامة للنكاح الجاري على الصحة ظاهرًا، وحسمًا للباب، وهذه المسألة في (الشرحين) و (الروضة) هنا، وفي آخر (النكاح) بلا تصحيح. كل هذا إذا لم تمكنه، فإن مكنته ... فكتزويجها برضاها، ودعواها المحرمية بالصاهرة كقولها: كنت زوجة أبيه أو إبنه، أو وطئني أحدهما بشبهة كدعوى الرضاع.

وَلَهَا مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ وَطِئَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ شَيْءَ. وَيُحَلَّفُ مُنْكِرُ رَضَاعٍ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ، وَمُدَّعِيهِ عَلَى بَتَّ. وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولها مهر مثل إن وطئ) المراد: أنه ليس لها طلب المسمى؛ لاعترافها بفساد النكاح. قال: (وإلا .. فلا شيء) هو كلام صحيح، لكنه ليس في (الشرحين) ولا في (الروضة). قال: (ويحلف منكر رضاع على نفي علمه) لأنه ينفي فعل غيره. قال: (ومدعيه على بت)؛ لأنه يثبته، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة. هذا في اليمين الأصلية، فلو نكلت عن اليمين وردت على الزوج أو عكسه .. فاليمين المردودة على البت؛ لأنها مثبتة، وقال القفال: على نفي العلم؛ لكونها موافقة ليمين الابتداء. قال: (ويثبت) أي: الرضاع (بشهادة رجلين) كسائر الحقوق، لكن لو شهدا ثم قالا: تعمدنا النظر إلى الثدي لا لتحمل الشهادة .. قال الرافعي: لم تقبل شهادتهما لأنهما فاسقان، واعترضه المصنف بأن مجرد النظر صغيرة لا ترد بها الشهادة من غير إصرار، ورده في (المهمات) بأنه ولو أصر عليها لا ترد بها الشهادة أيضا؛ إذ لابد من أنواع من الصغائر كما سيأتي في (الشهادات). قال: (أو رجل وامرأتين، وبأربع نسوة)؛ لأنه مما يطلع عليه النساء غالبا فأشبه الولادة. وقال أبو حنيفة: لا يثبت الرضاع بالنسوة المتمحضات. وعند مالك: لا يحتاج إلى أربع نسوة، بل يكتفي باثنتين. وقبل أحمد شهادة المرضعة وحدها، وهذا الحكم قرره المصنف في (كتاب الشهادات). قال القفال: هذا إذا تنازعنا في الشرب من الثدي، فإن تنازعنا فيه من ظرف .. لم تقبل النساء المتمحضات.

وَالإِقْرَارُ بِهِ شَرْطُهُ رَجُلاَنِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ اٌلمُرْضِعَةِ إِنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةٌ، وَلاَ ذَكَرَتْ فِعْلَهَا، وَكَذَا إِنْ ذَكَرَتْهُ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُهُ فِي اٌلأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَكْفِي بَيْنَهُمِا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ وَقْتٍ وَعَدَدٍ، وَوٌصٌولِ اٌللَّبَنِ جَوْفَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يقبلن في آن الذي في الظروف لبن فلانة. قال: (والإقرار به شرطه رجلان)؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال غالبا، بخلاف نفس الرضاع. قال: (وتقبل شهادة المرضعة إن لم تطلب أجرة)؛ إذا لا تهمة في ذلك، وقيل: تقبل في ثبوت الحرمة دون الأجرة، والمراد: قبول شهادتها مع غيرها لا وحدها؛ فإنها غير مقبولة. قال: (ولا ذكرت فعلها) وإنما شهدت برضاع محرم، ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت محرمية وجواز خلوة ومسافرة. قال: (وكذا إن ذكرته فقالت: أرضعته في الأصح) عبارة (المحرر) و (الروضة): أرضعتهما، وهى أحسن؛ لأنها لا تجر لها نفها ولا تدفع عنها ضررا، بخلاف الولادة؛ فإنها تثبت النفقة والإرث وغيرها. والثاني: لا تقبل كما إذا شهد الحاكم على فعل نفسه بعد العزل، والقسام على القسمة، فلو نسبت الفعل إلى الصبي فقالت: أشهد أنه ارتضع مني .. قبلت قطعا. قال: (والأصح: أنه لا يكفى بينهما رضاع محرم، بل يجب ذكر وقت وعدد)؛ لاختلاف المذاهب في ذلك، وهذا هو المنصوص. والثاني: تكفى الشهادة المطلقة. قال الرافعي: ويحسن أن يقال: إن كان المُطْلق فقيها موثوقا بمعرفته .. قبل منه الإطلاق، وإلا .. فلا، كالإخبار عن نجاسة الماء وغيره. قال: (ووصول اللبن جوفه) أي: في كل رضعه، كما يشترط ذكر الإيلاج في شهادة الزنا.

وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَةِ حَلَبِ وَإِيجَارٍ وَاٌزْدِرَادِ، أَوْ قَرَائِنَ كاَلْتِقَامِ ثَدْيٍ وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ بِتَجَرُّ وَاٌزْدِرَادِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَبُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأنه لا يشاهد. قال: (ويعرف ذلك) أي: وصول اللبن (بمشاهدة حلب) وهو بفتح اللام كما ضبطه المنصف بخطه، وهو اللبن الحلوب. قال: (وإيجار وازداد، أو قرائن كالتقام ثدي ومصه وحركة حلقه بتجرع وازدراد)؛ لأن مشاهدة القرائن قد تفيد اليقين أو تغلب الظن القوي، وذلك يجوز الإقدام على الشهادة. قال: (بعد علمه أنها لبون) أي: ذات لبن، والمراد: أن يعلم أن يعلم فى ثديها حالة الإرضاع أو قبيلة لبنا، وإلا .. فقد يعلم أنها لبون ولا يكون في ثديها حينئذ لبن بأن حلبته أو أرضعته غيره، فلو شاهد التقام الثدي والامتصاص وهيئة الازدراد ولم يعلم أنها ذات لبن .. فقيل: له الشهادة بظاهر الحال، والأصح: المنع كما أفهمه تقييد المصنف. تتمة: إذا شهدت امرأة واحدة أو امرأتان بالرضاع .. لا يفرق بينهما، ولكن يستحب للرجل أن يطلقها؛ حتى تحل لغيره من الأزواج، ويكره له المقام معها؛ لما روى البخاري [2659] وأبو داوود [3598] والترمذي [1151] والنسائي [6\ 109] عن عقبة بن الحارث- ولا يحفظ له سواء-: أنه تزوج أم يحي بنت أبي إهاب واسمها غنية- قاله الدارقطني في (المؤتلف والمختلف) -:فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنى، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له فقال: (كيف وقد زمن أن قد أرضعتكما) فنهاه عنها فطلقها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة يستجب أن تعطى المرضعة شيئا عند الفصال، والأولى عند أوانه، فإن كانت مملوكة استحب أن تعتق؛ لما روى أبو داوود {2057} والترمذي {1153} والنسائي {6\ 108} عن حجاج بي حجا الأسلمي عن أبيه قال: يا رسول الله؛ ما يذهي عني مذمة الرضاع؟ قال: (عبد أو أمة) وإنما خص الرقبة بالمجازاة لأن إرضاعها كان سببا لحياته، ولأنها صارت أما له، ولن يجزي ولد يجزي ولد والده إلا بالإعتاق. والمراد بمذمة الرضاع: الحق اللازم بسببه، فكأنه سال ما يسقط عنه حق المرضعة المؤكد عليه لها. وروى البهقي [10\ 177] عن ابن عباس: أنه سئل عن امرأة شهدت أنها أرضعت امرأة وزوجها فقال: (تستحلف عند المقام، فإن كانت كاذبة .. لم يحل عليها الحول حتى يبيض ثدياها، فاستحلفت فابيض ثدياها قبل الحول) وبهذا الحديث والأثر قال أحمد رحمه الله.

كتاب النفقات

كتاب النفقات

كِتَابُ النَّفَقَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب النفقات لفظها مأخوذ من الإنفاق والإخراج، وجمعت لاختلاف أنواعها، وهي قسمان: نفقة تجب للإنسان على نفسه إذا قدر عليها، وعليه أن يقدمها على نفقة غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول). ولوجوبها ثلاثة أسباب: ملك النكاح وملك اليمن والقرابة. فالأولان يوجبان النفقة للملوك على المالك ولا عكس، والثالث يوجبها لكل واحد من القريبين على الآخر؛ لشمول البعضية والشفقة. وإنما بدأ المصنف بنفقة الزوجات لأنها واجبة بالنص والإجماع بطريق المعاوضة في مقابلة التمكين من الاستمتاع، ولا تسقط بمضي الزمان، فهي أقوى من غيرها. والأصل في وجوبها: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} والقيم على الغير: هو المتكفل بأمره. قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} يقول: إن خفتم أن لا تعدلوا بين النساء .. فاقتصروا على واحدة أو ما ملكت أيمانكم؛ فذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم ولا تلزمكم المؤن الكثيرة، فدل على وجوب مؤنة العيال. واعترض على تفسير الشافعي بأن معنى: {أَلاَّ تَعُولُوا}: لا تجوروا، لا أن تكثر عيالكم، يقال: عال إذا جار، وأعال إذا كثر عياله. وأجيب عنه بأن ما ذكره الشافعي رحمه الله منقول من جهة الأثر عن زيد بن

عَلَى الْمُوسِرِ لِزَوْجَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ: مُدَّا طَعَامٍ، وَمُعْسِرٍ مُدٌّ، وَمُتَوَسِّطٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ أسلم، ومن جهة اللغة عن الكسائي وإن كان أعال في كثرة العيال أكثر. واستنبط بعضهم وجوب النفقة من قوله تعالى: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} ولم يقل: (فتشقيان) فدل على أن آدم يتعب لنفقته ونفقتها، وبنوهما على سننهما. وروى مسلم [1218/ 147] عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء - إلى أن قال-: ولهن عليهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف). وقال صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف). وقال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ أنفق .. أنفق عليك). وقال: (اللهم؛ أعط منفقًا خلفًا). وقال رجل من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالًا، فقال: (بذلك أمرت). ولما أباح الله تعالى للزوج أن يضر المرأة بثلاث ضرائر ويطلقها ثلاثًا .. جعل لها عليه ثلاث حقوق مؤكدات: النفقة والكسوة والإسكان، وهو يتكلفها غالبًا، فكان له عليها ضعف ما لها عليه من الحقوق؛ لضعف عقلها. والحقوق الواجبة بالزوجية سبعة: الطعام، والإدام، والكسوة، والسكنى، وآلة التنظيف، ومتاع البيت، وخادم إن كانت ممن يخدم، وكذلك رتبها المصنف. قال: (على الموسر لزوجته كل يوم: مدا طعام، ومعسر مد، ومتوسط مد ونصف) هذا هو الواجب الأول وهو الطعام، وقدره يختلف باختلاف حال الزوج في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اليسار والإعسار، ولا تعتبر فيه الكفاية، ولا ينظر إلى حال المرأة في الزهادة والرغبة، ولا في منصبها وشرفها، وتستوي المسلمة والذمية والحرة والأمة. واحتج الأصحاب رحمهم الله لأصل التفاوت بقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}. فأما اعتبار مدين للموسر .. فلأنها مقدرة بالاجتهاد؛ لأنها لو اعتبرت بقدر الحاجة .. لسقطت نفقة المريضة ومن هي مستغنية بالشبع في بعض الأيام، فألحقت بما يشبهها وهي الكفارة؛ لأنها طعام وجب بالشرع لسد الجوعة، ولهذا اعتبر الله تعالى طعام الكفارة بنفقة الأهل بقوله: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وأكثر ما في الكفارة للواحد مدان في كفارة الحلق ونحوه، وأقله مد في اليمين وغيرها، فهنا كذلك، والمتوسط لو ألزم المدين .. لضره، ولو اكتفى منه بمد .. لضرها فلزمه مد ونصف. ووراء ما ذكره المصنف قولان ووجه: أحد القولين - وهو مذهب أبي حنيفة -: أن الواجب الكفاية من غير تقدير كنفقة القريب؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك)، ولأنها في مقابلة التمكين، وهو مقدر بكفاية الزوج، فكذلك النفقة. والثاني: أن القاضي يقدرها باجتهاده. والوجه محكي عن ابن خيران: أنها لا تتقدر بالمقادير المذكورة، بل يتبع فيها عرف البلد، وقد تقدم عنها في (الكفارة) ما يوافق ذلك. واعتبر مالك أبو حنيفة حال المرأة، فيختلف القدر بحبسها. ونظر أحمد إلى حال الزوجين جميعًا، فأوجب على الموسر للفقيرة. نفقة متوسط. ويستثنى من إطلاق المصنف المكاتب؛ فالمنقول إلحاقه بالمعسر. وفي المبعض وجهان: أصحهما: أنه كذلك وإن كثر ماله ببعضه الحر، كذا صححه الشيخان هنا، وألحقاه في (الكفارة) بالموسر فأوجبا عليه التكفير بما عدا العتق، وذكرا في نفقة الأقارب مثله فأوجبا عليه نفقة كاملة كما سيأتي

واَلْمُدُّ: مِئَةٌ وَثَلاَثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ: مِئَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثَلاَثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمِسْكِينُ اَلزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَوْقَهُ إِنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا .. فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلاَّ .. فَمُوسِرٌ. وَاَلْوَاجِبُ: غَالِبُ قُوتِ اَلْبَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإطلاقهم هنا (اليوم) مرادهم مع ليلته كما صرح به الرافعي في الفسخ بالإعسار؛ لأن النفقة بمضيها تستقر، ويؤيده قولهم: إنها تجب بطلوع الفجر. قال: (والمد: مئة وثلاثة وسبعون درهمًا وثلث درهم) هذا تفريع على أن رطل بغداد مئة وثلاثون درهمًا. قال: (قلت: الأصح: مئة وأحد وسبعون درهمًا وثلاثة أسباع درهم والله أعلم)؛ لأن الأصح عنده أن رطل بغداد تسعون مثقالًا كما تقرر في (زكاة النبات)، ولو حذف المصنف ذلك .. لاستغنى عنه بما قرره هناك. قال: (ومسكين الزكاة معسر) ففقير من باب أولى، ومراده الكلام فيما يعتبر به اليسار والإعسار والتوسط، وفي ذلك أوجه: أشهرها: أنه يرجع فيه إلى العادة، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأحوال. وقال القاضي وغيره: الموسر: من يزيد دخله على خرجه، والمعسر: عكسه، والمتوسط: من استوى أمراه. قال: (ومن فوقه إن كان لو كلف مدين رجع مسكينًا .. فمتوسط، وإلا .. فموسر) قال الرافعي: وهذا أحسن الحدود، ولابد مع ذلك من النظر إلى الرخص والغلاء، وقلة العيال وكثرتها، حتى إن الشخص قد تجب عليه لزوجة واحدة نفقة الموسر، ولا تجب عليه لو كان ذا زوجتين أو أكثر إلا نفقة المتوسط أو المعسر. والقدرة على الكسب الواسع لا تخرجه عن حد الإعسار في النفقة، وإن أخرجته عن استحقاق سهم المساكين، قاله الغزالي، وتبعه الرافعي، وفي (التهذيب): أن القدرة بالكسب كالقدرة بالمال. قال: (والواجب: غالب قوت البلد) من حنطة أو شعير أو أرز أو ذرة أو تمر أو

قُلْتُ: فَإِنِ اَخْتَلَفَ .. وَجَبَ لاَئِقٌ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ اَلْيَسَارُ وَغَيْرُهُ بِطُلُوعِ اَلْفَجْرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ غيرها، حتى الأقط في أهل البادية الذين يقتاتونه؛ لأن الله تعالى أوجبها بالمعروف، ومن المعروف أن يطعمها من غالب ما يقتاته أهل بلدها، ولأنه يشبه الفطرة وهي معتبرة بذلك. وذهب ابن سريج إلى أنه لا نظر إلى غالب قوت البلد، بل الاعتبار بما يليق بحال الزوج؛ إلحاقًا للجنس بالقدر. قال: (قلت: فإن اختلف) أي: قوت البلد ولم يكن فيها غالب) .. وجب لائق به) كما أنه المعتبر. وفي (الحاوي) وجه: أنه عند الاختلاف يجب لها غالب قوت مثلها، فإن كان مختلفًا .. خير الزوج. وإذا اختلف الزوجان في اليسار، فادعته المرأة وأنكره الزوج .. فالقول قوله ما لم يتحقق له مال. قال: (ويعتبر اليسار وغيره بطلوع الفجر والله أعلم) فإن كان موسرًا حينئذ .. فعليه نفقة الموسرين، وإن كان متوسطًا أو فقيرًا .. فكهما. وإنما تسلم النفقة أول النهار لأن الواجب الحب، فتحتاج إلى طحنه وخبزه ولو لم يسلم إليها أول النهار .. لحصل لها الضرر. واعتبر في (المهذب) طلوع الشمس، وهو الذي جزم به الرافعي في (كتاب الضمان). وقال الماوردي: أول النهار، وظاهره يقتضي طلوع شمسه. قال في (البسيط): ومعناه أنها تجب بذلك وجوبًا موسعًا كالصلاة، أو معناه أنه وجب تسليمها، وإن ترك .. عصى، لكنه لا يحبس ولا يخاصم، قال الإمام: ولا يلازم ولا يوكل به، فإن قدر على إجابتها .. فهو حتم عليه لا يجوز تأخيره. هذا في الممكنة قبل الفجر، وأما الممكنة بعده .. فيعتبر الحال عقب تمكينها، لكن يستثنى من ذلك ما إذا سافر سفرًا طويلًا، قال البغوي في (فتاويه): لها أن

وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا حَبًّا، وَكَذَا طَحْنُهُ وَخَبْزُهُ فِي الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تطالبه قبل سفره بنفقة جميع المدة للذهاب والإياب، كما لم يخرج إلى الحج حتى يترك لها هذا القدر. اهـ والفرعان غريبان أعني: مطالبتها قبل السفر بذلك وإلزامه في الحج به، والأصح: جواز سفر من عليه دين مؤجل يعلم أنه يحل قبل رجوعه وإن لم يستأذن غريمه ولم يترك له وفاء. قال: (وعليه تمليكها حبًا)؛ لأنه أكمل في النفع لتتصرف فيه كيف شاءت قياسًا على الكفارات وزكاة الفطر، وهذا إذا كان الحب غالب قوتهم، فإن غلب التمر أو اللحم أو الأقط .. فهو الواجب لا غير؛ لأنه يؤكل كذلك. واستشكل الشيخ عز الدين تقدير الحب؛ فإن ما يضم إليه من مؤنة إصلاحه مجهول، وهو إذا ضم إلى معلوم .. صار كله مجهولًا، قال: ولم يعهد في السلف والخلف أن أحدًا أنفق على زوجته حبًا مع مؤنة إصلاحه، بل الإنفاق مما يأكلون في عادتهم. والذي قاله الشافعي يؤدي إلى أن يموت الشخص، ونفقة زوجته في ذمته؛ لأن المعاوضة عنها لا تصح بما يطعمها من التمر واللحم، ولو جاز أن يكون عوضًا .. لم تبرأ ذمته منها؛ لأنهما لم يتعاقدا عليه، ولا يخفى أن المراد: الحب السليم، فلا تجبر على قبول المعيب منه. وفي (أدب القضاء) للإصطخري: لا يجب من الخبز إلا الخشكار وإن كان ملكًا. وتعبيره بـ (التمليك) يقتضي اعتبار الإيجاب والقبول، وليس مرادًا، بل الواجب الدفع، ويكفي الوضع على قياس الخلع، وأنها تملك التصرف فيه بإبدال وهبة وغير ذلك، لكن تستثنى من ذلك الزوجة الأمة؛ فإن الدفع لمالكها لا لها. قال: (وكذا طحنه وخبزه في الأصح) أي: مؤنة الطحن والخبز ببذل مال، أو يتولى ذلك بنفسه أو بغيره.

وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ الحَبَّ .. لَمْ يُجْبَرِ الْمُمْتَنِعُ، فَإِنِ اعْتَاضَتْ .. جَازَ فِي اَلأَصَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يلزمه ذلك كالكفارات. والثالث: إن كانت ممن عادتهم الطحن والخبز بأيديهم .. لم يجب، وإلا .. وجب، وبهذا جزم ابن الرفعة في (الكفاية)، وقال في (المطلب): ينبغي أن يجب عليه تحصيل آلة الطبخ والخبز من الوقود وغيره، فلو باعت الحب أو أتلفته .. ففي استحقاقها مؤنة طحنه وخبزه تردد للإمام ميل الغزالي إلى وجوبه والرافعي إلى عدمه. قال: (ولو طلب أحدهما بدل الحب .. لم يجبر الممتنع)؛ لأنه خلاف الواجب، والاعتياض شرطه التراضي. قال: (فإن اعتاضت .. جاز في الأصح)؛ لأنه طعام مستقر في الذمة لمعين، فكان لها أخذ العوض عنه كالقرض، هذا إذا اعتاضت نقدًا أو ثيابًا ونحوها من العروض. والثاني: لا يجوز كالمسلم فيه وطعام الكفارة. وقيل: يجوز الاعتياض عن النفقة المستقرة الثابتة في الذمة دون المستقبلة، وكأن المراد بالمستقبلة: نفقة اليوم قبل مضيه؛ فإنها معرضة للسقوط، قاله ابن الرفعة. وقال الرافعي: لا يفرض للزوجة في القوت دراهم. ونقل في (الجواهر) عن ابن كج: أنه يجوز للقاضي أن يفرض لها دراهم عن الخبز والإدام وتوابعها. وفي (إيضاح الصيمري): أنه لا يمتنع فرض الدراهم عن الأدم والكسوة، وهذا الذي اصطلح عليه الحكام في زماننا، قال: ولو أن حاكمًا فرض ذلك .. لم ينقض حكمه؛ لأنها مسألة اجتهادية، ووافقه الشيخ نجم الدين البالسي على ذلك. قال: ومن هنا يؤخذ أن الحاكم إذا خالف نص إمامه .. لا ينقض حكمه.

إِلًا خُبْزًا وَدَقِيقًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ .. سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الأصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الزبيلي: وحيث جوزنا .. فلا يفترقان إلا عن قبض؛ لئلا يصير دينًا بدين. وشمل إطلاق المصنف الأخذ من غير الزوج، قال في: (الروضة): ولا يجوز قطعًا. قال: (إلا خبزًا ودقيقًا على المذهب)؛ فرارًا من الربا. والثاني: يجوز رفقًا ومسامحة، وعليه العمل خلفًا وسلفًا، والراجح طريقة الخلاف لا طريقة القولين، وهذا إذا كان العوض من جنس المعوض كخبز الحنطة عنها، فإن كان عن شعير وذرة .. جاز؛ لاختلاف الجنس كما يجوز بيعه به. قال: (ولو أكلت معه على العادة .. سقطت نفقتها في الأصح) إذا أكلت المرأة مع الزوج مختارة على العادة .. ففي سقوطها نفقتها وجهان: أصحهما: أنها تسقط؛ لجريان الناس عليه في الأمصار، واكتفاء الزوجات به في أشرف الأعصار وهو زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، ولم ينقل أن امرأة طالبت بنفقة بعده، ولو كانت لا تسقط مع علم النبي صلى الله عليه وسلم بإطباقهم عليه .. لأعلمهم بذلك، ولقضاه من تركاتهم، وهذا أدل دليل على أن الواجب لها الكفاية بالمعروف بحسب الحال، لا التقدير بالأمداد ونحوها. والثاني - وهو الأقيس -: أنها لا تسقط ولو أقاما على ذلك أعوامًا؛ لأنه لم يعط الواجب وتطوع بغيره. وبني بعضهم الوجهين على الخلاف في المعاطاة، إن جعلناها بيعًا .. برئت ذمته، وإلا .. فلا، وغرمت ما أكلت. قال الرافعي: وليكن هذا مفرعًا على جواز اعتياض الخبز عن النفقة. ومحل الوجهين إذا لم ترض بذلك عوضًا، فإن رضيت به .. سقط قطعًا، كذا قاله في (الذخائر)، وغلط فيه. وقول المصنف: (معه) ليس بقيد، فلو أرسل إليها الطعام أو أحضرته وأكلته

قُلْتُ: إِلاَّ أَنْ تَكْونَ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَلَمْ يَاذَنْ وَلِيُّهَا، وَاللهُ أَعَلَمُ. وَيَجِبُ أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدَ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وحدها .. فكذلك الحكم، ويبقى النظر فيما لو أضافها رجل فأكلت عنده .. هل تسقط؟ والظاهر: لا، إلا أن يكون المقصود إكرام الزوج .. فتسقط. وتعبيره بـ (الأصح) مخالف لتعبير (الروضة) بـ (الصحيح). قال: (قلت: إلا أن تكون غير رشيدة ولم يأذن وليها والله أعلم)؛ لأن الزوج في هذه الحالة متطوع، كذا قاله المصنف. والصواب المفتى به: السقوط، ولا عبرة بما في (المنهاج)، فلو طرأ سفه الزوجة بعد رشدها ولم يعد الحجر عليها .. لم يفتقر السقوط بالأكل مع الزوج إلى إذن الولي على المذهب؛ لنفوذ تصرفها ما لم يتصل بها حجر الحاكم. كل هذا في الحرة، أما الأمة إذا وجبت نفقتها .. فالمعتبر فيها رضا السيد المطلق التصرف. وظاهر عبارة المصنف أنها بالإذن تصير كالرشيدة، وهو مشكل في الصغيرة؛ لأن قبضها غير معتد به وإن أذن الولي، اللهم إلا أن يجعل الزوج كالوكيل في إنفاقه عليها، ويشهد له ما لو خالعها على إرضاع ولده منها وعلى طعام في ذمتها، وإن أذن لها في إنفاقه على الصغير .. فإنه يبرأ على المذهب. قال: (ويجب أدم غالب البلد كزيت وسمن وجبن وتمر) هذا هو الواجب الثاني. ودليله قوله تعالى: {وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وليس من المعروف ان يدفع إليها الحب بلا أدم؛ لأن الخبز لا ينساغ غالبًا إلا به. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}: (الخبز والزيت). وقال ابن عمر: (الخبز والسمن، أو الخبز والتمر) وأما كونه من غالب أدم

وَيَخْتَلِفُ بِالْفُصُولِ، وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَيُفَاوِتُ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البلد .. فالعرف يقضي بذلك، فإن كان بالعراق .. فالأدم الشيرج، وإن كاتن بخراسان أو الحجاز .. فالسمن، وإن كان بمصر والشام .. فالزيت. وروى الخطيب وابن عبد البر عن أبي أُسيد الأنصاري وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلوا الزيت وادهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة). ذوما نقل عن الشافعي من أنه مكيلة زيت أوسمن .. فقال ذلك تقريبًا لا تقديرًا. والمراد بالمكيلة: أربعون درهمًا، وإنما فرض الشافعي الدهن لأنه أكمل ما يؤتدم به وأخف مؤنة؛ لاستغنائها عن طبخ وكلفة. قال: (ويختلف بالفصول) فيفرض لها في كل فصل ما يليق به ويعتاده الناس، فق تغلب الفواكه في أوقاتها، فيجب الرطب في وقته واليابس في وقته، قال الرافعي: والمعتبر في جنس القوت والأدم عادة الزوج. قال: (ويقدره قاض باجتهاده) أي: عند التنازع (ويفاوت بين موسر وغيره) فيفرضه على الموسر قدره وعلى المقتر قدره. قال: (ولحم يليق بيساره وإعساره كعادة البلد) قدرًا ووقتًا، فإن أكلوه في كل أسبوع مرة .. فلها كذلك، ويوم الجمعة أولى؛ فإنه أولى بالتوسع فيه، أو مرتين .. فمرتين، والجمعة والثلاثاء أولى؛ ففي (شعب البيهقي) [5662] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للقلب فرحة عند أكل اللحم، وما دام الفرح بأمر .. إلا أشر وبطر، فمرة ومرة). قال: وقال عمر: (إياكم واللحم؛ فإن له ضراوة كضراوة الخمر). قال الأصحاب: وقول الشافعي: يطعمها في كل أسبوع رطل لحم ذكره على عادة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل مصر؛ لعزة اللحم عندهم يومئذ، فأما حيث يكثر اللحم .. فيزداد بحسب عادة البلد. وحملة الرافعي على المعسر، وعلى الموسر رطلان، والمتوسط رتل ونصف. وقال البغوي: يجب في وقت الرخص على الموسر في كل يوم رطل، وعلى المتوسط في كل يومين أو ثلاثة، وعلى المعسر في كل أسبوع، وفي وقت الغلاء يجب في أيام مرة على ما يراه الحاكم. وقال آخرون – منهم القفل-: لا مزيد على ما قاله الشافعي في جميع البلاد؛ لأن فيه كفاية لمن قنع. قال الرافعي: ويشبه أن يقال: لا يجب الأدم في اليوم الذي يعطيها فيه اللحم، ولم يتعرضوا له. ويحتمل أن يقال: إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم .. يلزمه الآدم أيضا؛ ليكون أحدهما غداء والآخر عشاء على العادة، لكن في (سنن ابن ماجه) [3305]: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى اللحم إدامًا فقال: (سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحمُ). لو تبرمت بالجنس الواحد من الأدم .. فوجهان. أحدهما: يلزم الزوج إبداله؛ إذ لا مشقة عليه. وأصحهما: لا يلزمه، وتبدل هي إن شاءت، كذا قاله الشيخان، وفيه نظر؛ لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف، والعرف لا يساعد عليه. وفي (أمالي السرسخي): أنها لو صرفت شيئا من الأدم، إلى القوت أو عكسه .. جاز ولا اعتراض للزوج. وقيل: له المنع من إبدال الأشرف بالأخس. قال الرافعي: والقائل به يقول: له منعها من ترك التأدم بطريق الأولى.

وَلَوْ كَانَتْ تَاكُلُ اَلْخُبْزَ وَحْدَهُ .. وَجَبَ اَلأُدْمُ. وَكِسْوَةٌ تَكْفِيهاَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجب لها على الزوج الملح والحطب وأجرة الطبخ إن لم تعتد فعل ذلك بنفسها. قال: (ولو كانت تأكل الخبز وحده .. وجب الأدم) ولم يسقط حقها بعدم الأكل كما لو كانت تأكل بعضض الطعام الواجب لها. فإن قيل: لم سكت المصنف عن المشروب ولا شك في وجوبه؟ فالجواب: أنه يؤخذ من قوله فيما بعد: (تجب ألات أكل وشرب)، فإذا وجب الظرف .. فكذا المظروف. وأما تقديره .. فالظاهر أنه الكفاية، ويكون إمتاعا لا تمايكًا، حتى لو مضت عليخ مدة ولم تشربه .. لم تملكه. وإذا شرب غالب أهل البلد ماء ملحًا وخواصها عذبًا .. وجب ما يليق بالزوج. قال: (وكسوة تكفيها) هذا هو الواجب الثالث، فيجب على الزوج كسوة زوجته على ما قال تعالى (وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). وفي (سنن أبي داوود) [2135] و (النسائي) [سك 9126] و (ابن ماجه) [1850] و (الحاكم) [2/ 187 - 188] عن معاوية بن حيدة: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حق الزوجة على الزوج فقال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت). ولأن الكسوة كالقوت في أن البدن لا يقوم إلا بها، فتجب كسوتها على قدر الكفاية، وتختلف بطول المرأة وقصرها، وهزالها وسمنها، وباختلاف البلاد في الحر والبرد، ولا يختلف عدد الكسوة بيسار الزوج وإعساره، ولكنهما يؤثران في الجودة والرداءة، ولا يكفي ما يقع عليه الاسم بالإجماع، بخلاف الكفارة. ووجهه البغوي بأن استمتاعه يقع بجميع البدن فعمه بالكسوة. ونقل الرافعي عن السرخسي والمروروذي: أنه يعتبر في الكسوة حال الزوجين جميعا، فيجب عليه ما يلبس مثله مثلها. وحكي صاحب (الذخائر) عن بعضهم: أنه ينظر فيها إلى حال الزوجة، فلا يفرض لها ما يجاوز حد مثلها.

فَيَجِبُ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ وِمُكْعَبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: لم اتعبرتم الكفاية في الكسوة دون القوت؟ قلنا: لأن الكفاية في الكسوة محققة بالمشاهدة، وفي القوت غير مشاهدة ولا محققة. و (الكسوة) بضم الكاف وكسرها، و (تكفيها) بفتح أوله. قال: (فيجب قميص وسراويل وخمار ومكعب)؛ لحصول الكفاية بذلك، فإن القميص يستر ظاهر البدن، والسراويل أسفله ويصون العورة، والخمار يستر الرأس، والمكعب يقي قدميها الحر والبرد. قال ابن الرفعة: وكذلك القبقاب إن اقتضاه العرف. وظاهر عبارته: وجوب كون القميص والسراويل مخيطين؛ إذ لا يصدقان إلا بذلك، وبه صرح صاحب (المعاياه) لكن قال الرافعي: قبيل (باب نفقة الأٌقارب): يجب تسليم الثياب وعليه مؤنة الخياطة، وينبغي أن يختلف ذلك باختلاف العادة. وهل يجب الجديد؟ قال ابن الصلاح: يتبع في المغسول القوي عادة البلد. وإيجاب السراويل مخصوص بمن عادتهن لبسه، فلو كانت تلبس فوطة أو مئزرًا .. فهو الواجب، قال الماوردي، قال: ولو كانت عادتهن عدم لبس شيء أصلًا .. ففي تركه هتك عورة فيؤخذان بذلك لحق الله تعالى، بخلاف ما لو اعتاد بعض سكان القرى الحفاء في المنازل، فإنه لا يجب لهن مداس. وعن الشيخ أبي محمد: أن السراويل تجب في الشتاء دون الصيف، وفي (الحاوي) خلافه. وتقدم في (باب الفلس) الكلام على لفظ السراويل. وسكتوا عن تكته، والظاهر وجوبها، وظاهر إطلاقهم أنها تستوي في ذلك لالحرة والأمة إذا وجبت نفقتها. قال الرافعي: أراد الغزالي بالخمار: المقنعة، وقد يخص اسم الخمار بما يجعل فوقها، ولذلك قال في (الأم) و (المختصر): خمار ومقنعة.

وَتُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَجِنْسُهِا قُطْنٌ، فَإِنْ جِرِتْ عِادِةُ الْبِلِدِ لِمِثْلِهِ بِكَتَّانٍ أِوْ حِرِيرٍ .. وَجَبَ فِي الأِصَحِّ. ويَجِبُ مِا تِقْعُدُ عَلَيْهِ كِزِلِّيَّةً أَوْ لِبْدٍ أِوْ حَصِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المكعب): مداس الرجل، وجمع في (الروضة) بين المداس والمكعب والنعل. وقال: (وتزداد في الشتاء جبة) أي: محشوة قطنا لدفع البرد، فلو لم تكف الجبة الواحدة لشدة البرد .. فقياس الباب الزيادة، وقد يقوم الفرو مقام الجبة إذا اعتادت لبسها. وقال السرسخي: وإذا لم يستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود .. وجب من الفحم والحطب بقدر الحاجة، وظاهر كلامه تكرر الجبة كل سنة. ونص في (الأم) على أنها لا تكرر، وسواء فيما ذكرناه الحضرية والبدوية على المذهب. وفي (الحاوي): يعتبر في الكسوة والطعام موضع إقامتها، فلو نكح حضري بدوية وأقاما في البادية .. وجب عرفهم، أو في الحاضرة، ويقاس عليه عكسه. قال: (وجنسها) أي: جنس الكسوة (قطن)؛ لأنها لباس أهل الدين. قال: (فإن جرت عادة البلد لمثله بكتان أو حرير .. وجب في الأصح)؛ اتباعًا للعادة. والثاني: لا يلزم ذلك، ويقتصر على القطن، وهو ظاهر النص. والأولون حملوا النص على عادة زمنهم، وتفاوت بين الموسر والمعسر في مراتب ذلك الجنس من اللين والخشونة. فإن اعتيد لبس الثياب الرقيقة التي لا تستر ولا تصح فيها الصلاة .. لم يعطها منه، لكن مما يقرب منها في الجودة. و (الكتان) بفتح الكاف وكسرها، لغتان شهيرتان. قال: (ويجب ما تقعد عليه كزلية أو لبد أو حصير) هذا هو الواجب الرابع،

وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو متاع البيت وهو ينقسم إلي فرش وغيره، فأما الفرش .. فعلى الزوج أن يعطيها ما تفرشه على الأرض للقعود عليه، والمتبع في ذلك العادة، فعلى الموسر قطيفة في الشتاء ونطع في الصيف، وعلى المتوسط زلية، وعلى الفقير حصير في الصيف ولبد في الشتاء. قال الرافعي: ويشبه أن الطنفسة والنطع لا يبسطان وحدهما. وقوله: (زلية أو لبد أو حصير) ليس المراد التخيير، بل التنويع فالزلية على الموسر، واللبد على المتوسط، والحصير على المعسر، ويختلف ذلك باختلاف حال الزوج. و (الزلية) بكسر الزاي وتشديد اللام، جمعها زلالي، وهي القطيفة، وقيل: بساط صغير. و (اللبد) بكسر اللام، جمعه لبود، وهو معروف. و (الحصير): ما يبسط في البيت، قال في (العباب): سألني والدي عن قولهم: أثر حصيرُ الحصيرِ في حصير الحصير فلم أعلم، فقال: (الحصير): الملك؛ أي: أثرت حصير الحبس في جنب الملك. قال: (وكذا فراش للنوم في الأصح)؛ للعادة الغالبة، فيجب ما اقتضاه العرف من ذلك. واستدل له الخطابي بما روى أبو داوود [4139] وغيره عن جابر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرش فقال: (فراش للرجل، وفراش للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان). قال: وفيه من السنة أن يبيت الرجل على فراش وحده وزوجته على فراش آخر، ولو كان المستحب لهما أن يبيتا على فراش .. لكان لا يرخص له في اتخاذ فراشين لنفسه ولزوجته، وهو إنما يأمره بالاقتصار على أقل ما تدعو إليه الحاجة. والوجه الثاني: لا يجب عليه ذلك، وينام على ما يفرشه نهارًا.

وَمِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ فِي الشِّتَاءِ. وَآلةُ تَنْظِيفٍ كَمُشْطٍ، وَدُهْنٍ، ومَا يَغْسِلُ بِهِ الرَّاسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: يجب ذلك لامرأة الموسر دون امرأة المعسر. قال: (ومخدة)؛ لقضاء العرف بذلك، وهي بكسر الميم، ويقال لها: الوسادة، وكان لسيد المرسلين وسادة من أدم حشوها ليف. قال: (ولحاف في الشتاء) ويقوم مقامه الكساء، وخص الشافعي والجمهور وجوبه بالبلاد الباردة، وأوجب الغزالي مع ذلك الشعار، والأكثرون سكتوا عنه. قال الرافعي: ويمكن تخصيص الشعار بالصيف كما يخصص اللحاف بالشتاء، ويمكن أن يقال: في الشتاء الشعار مع اللحاف كما يجب القميص مع الجبة، والحكم في جميع ذلك على العادة. قال: (وآلة تنظيف كمشط، ودهن، وما يغسل به الرأس) من سدر أو خطمي أو طيب على عادة البقعة، هذا هو الواجب الخامس، والمرجع فيه إلى عادة الناحية، وإنما وجب ذلك لأنها تحتاج إليه لإصلاح شعرها فلزمه كنفقة بدنها، ويفاوت في ذلك بين الموسر والمتوسط والمعسر كأصل النفقة. ويلتحق بما ذكرناه الصابون والأشنان والقلي للثياب كما صرح به في (المهذب)، زاد في (الكافي): في كل أسبوع أو عشرة أيام. والمشط فيه ثلاث لغات تقدمت في (الجنائز). وقال في (الكفاية): المراد بـ (المشط) هنا: الآلة المستعملة في ترجيل الشعر إذا كان ذلك من عرف بلادهم، ولذلك ضبطه في (البحر) بفتح الميم. ويعتبر في الدهن العادة، ففي بلاد يدهن بالزيت كالشام ومصر، وفي بعضها بالشيرخ كالعراق، وفي بعضها بالسمن كالحجاز، وفي بعضها بالمطيب بالورد والبنفسج.

وَمَرْتُكٌ وَنَحْوُهُ لِدَفْعِ صُنَانٍ، لاَ كُحْلٌ وَخِصَابٌ، وَمّا يُزَيِّنُ، وَدَوَاءُ مَرَضٍ، وَأُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ. وَلَهَا طَعَامُ أَيِّامِ الْمَرَضِ وإِدَامُهَا. وَالأَصَحُ: وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمِّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقته كل أسبوع مرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدهن في الأسبوع يذهب البؤس). قال: (ومرتك ونحوه لدفع صنان) لتأذيها بالرائحة الكريهة وتنفيره من الاستمتاع، هذا إذا لم يندفع بالماء ونحوه. و (المرتك) بفتح الميم وكسرها أصله من الرصاص يقطع رائحة الإبط؛ لأنه يحبس العرق، وإن طرح في الخل أبدل حموضته حلازة. قال: (لا كحل وخضاب، وما يزين)؛ لأنه يراد للتلذذ والاستمتاع، وذلك حق له فلا يجب عليه، وفي معناه: الطيب، لكن لو دفع إليها ذلك .. لزمها استعماله. قال: (ودواء مرض، وأجره طبيب وحاجم)، وكذلك الفاصد والخاتن؛ لأنه لحفظ الأصل فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار المستأجرة، وخالف مؤنة النتظيف؛ لأنه في معنى كنس الدار. قال: (ولها طعام أيام المرض وإدامها)؛ لأنها محبوسة له، ولها صرف ما تأخذه إلى الدواء ونحوه. قال: (والأصح: وجوب أجرة حمام بحسب العادة)؛ لأنه يراد للتنظيف، وهذا صريح في أن لها ذلك مطلقا، لكن يكون بحسب العادة وهو خلاف ما في (الشرحين) و (الروضة) فالأصح فيهما: الوجوب إذا كانت من قوم يعتادون دخوله كأهل القرى، قال الماوردي: وإنما يجب في الشهر مرة؛ ليخرجن من دنس الحيض الذي يكون في كل شهر مرة في الغالب. والثاني: لا يجب إلا إذا اشتد البرد وعسر الغسل في غير الحمام، واختاره الغزالي، وتبعه صاحب (الحاوي الصغير). قال: (وثمن ماء غسل جماع ونفاس)؛ لأنه بسببه.

لاَ حَيْضٍ وَاحْتِلاَمٍ فِي الأَصَحِّ. ولَهَا آلَةُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وطَبْخٍ، كَقِدْرٍ وَقَطْعَةٍ وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَإِبْرِيقٍ وَنَحْوِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأنه تولد من مستحق، ويؤيده: أنها إذا ماتت من الطلق .. لا يجب عليه ضمانها كما قاله الرافعي في (كتاب الرهن) وعلله بهذا. وعبر بـ (ثمن الماء) والمراد: إيجاب الماء أو ثمنه. ولو احتاج إلأى تسخين لبرد ونحوه .. فيشبه أن تلزمه مؤنته، والظاهر: أن الواجب من ذلك ما يكفي المفروض خاصة. وأفتى القفال بأنه لو وطئ امرأة بشبهة .. لا يجب عليه من مهمرها ثمن ماء غسلها. قال: (لا حيض واحتلام في الأصح)؛ إذا لا صنع منه. والثاني: يجب لها؛ لكثرة وقوع الحيض، وفي عدم إيجابة إجحاف بها، والخلاف في الحيض مشهور، وأما في الاحتلام .. فقطع الرافعي فيه بالمنع. وقال في (الروضة): لا يلزم قطعا، وكذا الحيض على الأصح، وهو عجيب حيث نفى الخلاف في (المبسوط)، وأثبته في (المختصر) وجعله قويا، والذي في (المنهاج) هو الصواب. قال الرافعي: وينظر على هذا القياس في ماء الوضوء إلى كون السبب منه كالمس أم لا، وفيه بحث في (المهمات) في وطء الشبهو والزنا، وسيأتي أنه لا يلزمه أن يضحي عنها نذرت ذلك أم لا. قال: (ولها آلة أكل وشرب وطبخ، كقدر وقطعة وكوز وجرة وإبريق ونحوها) مما لا غنى له عنه كالمغرفة وما تغسل فيه ثيابها وما أشبه ذلك؛ للعرف، سواء كان ذلك من خشب أو حجر أو خزف، ولم يذكروا السراج وإبريق الوضوء، والظاهر وجوبهما، وكذلك لم يتعرضوا لدهن السراج أول الليل، والعرف جار به في القرى والأمصار، فالظاهر وجوبه لمن يعتاده. قال الإمام: وينبغي أن يجب للشريفة الظروف النفسية للعادة. و (الشرب) بالضم والفتح بمعنى، والفتح أقل.

وَمَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا، وَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَهُ. وَعَلَيْهِ لِمَنْ لاَ يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا إِخْدَامُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ و (القدر) بكسر القاف، و (القصعة) بفتحها لا غير. و (الكوز) جمعه كيزان وأكواز وكوزة، مثل: عود وأعواد وعودة وعيدان. و (الجرة) بالفتح: من الخزف، جمعها جَرٌ وجرار. و (الإبريق) فارسي معرب، جمعة أباريق. قال: (ومسكن يليق بها)، هذا هو الواجب السادس، فيجب على الزوج إسكانها في مسكن يليق بها؛ لأن المعتدة تستحق ذلك بقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} فالزوجة أولى. والمعتبر: كونه لائقا بحالها فقط؛ لأنها لا تملك الانتقال منه فروعي فيه جانبها، والنفقة والكسوة تملك إبدالها فروعي فيهما جانب الزوج، وأيضا فهي تتعير بالمنزل دونهما. وفي (المهذب) الاعتبار فيه بحال الزوج كالكسوة والنفقة، وذكر المارودي نحوه في (باب العدد)، واعتبر المارودي حالهما معا كالنفقة. روى أحمد [3/ 407] عن نافع بن عبد الحارث أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من سعادة المرء المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء). قال: (ولا يشترط كونه ملكه)، بل يجوز في موقوف ومستأجر ومعار ونحوها؛ لحصول الإيواء، وقد تقدم في (آخر العدد) الحكم فيما لو سكنت معه في منزلها. قال: (وعليه لمن لا يليق بها خدمة نفسها إخدامها)، هذا هو الواجب السابع؛ لأنه من المعاشرة بالمعروف، وقيل: في وجوب الخادم قولان، وقطع الجمهور بالوجوب، والاعتبار في ذلك بحال المرأة في بيت أبيها، فلو ارتفعت بالانتقال إلى الزوج بحيث صار يليق بحالها الإخدام .. لم يجب على الصحيح، وقال الإمام: يجب إذا كانت من أهل الأمصار دون البوادي. والواجب: خادم واحد ولو كان الزوج موسرًا على الصحيح؛ لحصول المقصود

بحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَاجَرَةٍ، أَوْ بِالإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ وَعَبْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ به، ومذهب الأئمة الثلاثة: أنها إذا كانت تخدم في بيت أبيها بخادمين أو أكثر .. وجب ذلك العدد، ولا يجب أن يملكها خادما، بل الواجب الإخدام. قال: (بحرة أو أمة له أو مستأجرة، أو بالإنفاق على من صحبها من حرة أة أمة لخدمة)؛ لحصول المقصود لكل من ذلك، إلا أنه يشترط كون الخادم امرأة أو صبيًا أو محرمًا، وفي مملوكها والشيخ الهم اختلاف، وفي الذمية وجهان: جوزه أبو إسحاق؛ لأنهم أذل نفوسا وأسرع إلى الخدمة، ومنعه غيره؛ لأن النفس تعاف استخدامها، ولا تؤمن عداوتها الدينية. ولا يجوز إخدام الزوجة الكتابية بالمسلمة حرة كانت الخادمة أو أمة؛ للإذلال، لا سيما فيما فيه مهنة. قال الروياني: ولو قيل: يجوز أن تقوم بالخدمة الخارجية دون الداخلية .. كان وجهًا. والأصح في الممسوح: أن نظره كنظر المحارم، فيجوز إخدامها إياه، وأ، الصبي المراهق كالبالغ على الأصح فلا بد من استثنائه. والمرجع في تعين الخادم ابتداء: إليه في الأصح، وقيل: إليها، وأما في الدوام إذا اتفقنا على خادم .. فإليها إلا إذا ظهرت ريبة أو خيانة. وله منع ما زاد على خادم من الدخول قطعا، وكذلك إذا استصحبت من لا يخدم خادما، وله منعها من دخول أبويها عليها، ومن الخروج إلى زيارتهما، لكن الأولى أن لا يفعل. وله أيضا أن يخرج ولدها من عنده إذا استصحبه معمها. ولو أرادت من لا خادم لها أن تتخذ خادمًا وتنفق عليه هي من مالها .. لم يكن لها ذلك إلا بإذن الزوج، لأن الدار ملكه فلا يجوز أن يدخل فيها بغير إذنه، كذا في (الروضة) وغيرها، وفي ذلك نظر؛ لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف. قال: (وسواء في هذا) أي: في وجوب الإخدام (موسر ومعسر وعبد) كسائر

فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ .. فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، أَوْ بِأَمَةٍ .. أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْك، أَوْ بِمَنْ يَصحَبُهَا .. لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا، وَجِنْسُ طَعَامِهَا جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ مُدُّ عَلَى مُعْسِرٍ وَكَذَا مُتَوَسَّطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمُوسِرٌ: مُدٌ وَثُلُثٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤن، وتثبت في ذمته إلى أن يوسر، وفي أول هذا الباب من (الشامل) الجزم بأنه إنما يجب الإخدام على الموسر، وتبعه المتولي والبندنيجي والروياني مستدلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب لفاطمة على علي خادما؛ لأنه كان معسرًا. قال: (فإن أخدمها بحرة أو أمة بأجرة .. فليس عليه غيرها) أي: غير الأجرة (أو بأمة .. أنفق عليها بالملك، أو بمن يصحبها .. لزمه نفقتها)؛ لأنه من المعاشر بالمعروف، وقد تقدم في (زكاة الفطر) أنه تلزمه فطرة الخادم. قال: (وجنس طعامها جنس طعام الزوجة)؛ إذ من المعروف أن لا تخصص عن خادمتها. وسكت المصنف عن النوع وذكر الرافعي في الكلام على الأدم أنه يطرد فيه الوجهان، والأصح: أنه يجعل نوع المخدومة أجود للعادة. قال: (وهو مد على معسر)؛ لأن البلاغ لا يحصل بدونه، فلذلك سارت فيه الخادمة المخدومة. وفي وجه حكاه الإمام عن رواية صاحب (التقريب): أنه يرجع في نفقة الخادم إلى رأي الحاكم؛ إذ لا أصل لتقديرها في الشرع. قال: (وكذا متوسط على الصحيح)؛ قياسا على المعسر. والثاني: عليه مد وثلث كالموسر. قال في (البحر): وهو غلط، ولهذا عبر المصنف بـ (الصحيح). والثالث: مد وسدس؛ لتفاوت المراتب في حق الخادمة والمخدومة. قال: (وموسر: مد وثلث)؛ لأن نفقة المخدومة مدان، وهذه تابعة لها فلا تساويها، ولا يمكن إيجاب مد ونصف؛ لئلا يساوي بينها وبين نفقة المتوسط،

وَلَهَا كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا، وَكَذَا أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيح، لاَ آلَةُ تَنْظِيفٍ، فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ .. وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ، وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ إِنِ احْتَاجَتْ إِلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ .. وَجَبَ إِخْدَامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاقتصر فيه على مد وثلث، وهو ثلثا نفقة المخدومة. قال: (ولها كسوة تليق بحالها) كالنفقة، فلا بد من قميص، وفي السراويل وجهان: أرجحهما في (الشرح الكبير): أنه لا يجب، وأما المقنعة .. فالمنصوص: أنها تجب مطلقا، سواء كانت حرة أو أمة. وتجب لها في الشتاء جبة أو فرو وما تلتحف به عند الخروج، وقال ابن الصباغ والروياني: لا يجب لها فراش، وقال لمتولي: لا بد من شيء تجلس عليه كحصير في الصيف وقطعة لبد في الشتاء، وقال المارودي: لا يستغنى الخادم عن دثار في الشتاء ووسادة وبساط. قل: (وكذا أدم على الصحيح)؛ لأن العيش لا يتم إلا به، وعلى هذا، جنسه دون جنس أدم لمخدومة، والأصح: أن نوعه دون نوعه. والثاني: لا يجب، وتكتفي بما فضل عن المخدومة. وفي وجوب اللحم له وجهان، وقدر الإدام بحسب الطعام. قال: (لا آلة تنظيف)؛ لأنها تراد للتزيين، والخادم لا تتزين، بل اللائق بحالها عكس ذلك؛ لئلا تمتد إليها الأعين. قال: (ومن تخدم نفسها في العادة إن احتاجت إلى خدمة لمرض أو زمانة .. وجب إخدام) سواء كانت الزوجة حرة أو أمة؛ لأنه لا صلاح لبدنه إلا به، كذا أطلقه الجمهور. ومنهم من فصل فقال إن كان المرض دائما .. وجب الإخدام، وإلا .. فلا، وجرى عليه الآخذون عن الإمام، وهذا القسم يخالف ما قبله في أمرين:

وَلاَ إِخْدَامَ لِرَقِيقَةٍ، وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ. وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ إِمْتَاعٌ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن الاعتبار في الإخدام هنا بالكفاية، حتى لو لم تحصل إلا بأكثر من واحدة .. وجب، بخلاف ما تقدم؛ فإنه لا يزداد على واحدة. والثاني: أنه لا فرق بين الأمة ولحرة، بخلاف ما تقدم؛ فإنه خاص بالحرة. قال: (ولا إخدام لرقيقة) أي: لزوجة رقيقة في حال صحتها؛ لأن العرف في حقها أن تخدم نفسها؛ لنقصها عن رتبة الحرائر. قال: (وفي الجملة وجه)؛ لجريان العادة به، ورجحه في (في الوجيز)، والمبعضة كالقنة. قال ابن الرفعة: ومقتضى هذا أن يجري فيمن لم تكن تخدم في بيت أبيها، ولكن جملها يقتضي أن تخدم، بل هي أولى من الأمة؛ لكمالها بالحرية. فروع: لو قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ نفقة الخادم .. لم تلزمه الإجابة إلى ذلك. ولو قال: أنا أخدمها بنفسي .. فالأصح: المنع؛ لأنها تتغير بذلك. والثاني: يجاوب؛ لأن الخدمة حق عليه، فله أن يوفيه بنفسه ويغيره. والثالث- وهو الراجح في (الوجيز) وتبعه (الحاوي الصغير) -: تجاب فيما لا يستحي منه كغسل الثوب والطبخ، بخلاف ما يرجع إلى خدمة نفسها كحمل الماء إلى المستحم وصبه على بدنها ونحو ذلك. ولو أتبرع أجنبي بخدمتها عنه أو عنها .. سقطت خدمتها عنه، قاله المارودي. قال في (المطلب): لعل هذا إذا وافقت، أما إذا امتنعت .. فيظهر أن يقال: لها الامتناع؛ لما فيه من المنة. قال: (ويجب في المسكن: إمتاع)؛ لأنه مجرد انتفاع كالخادم، قال في (المحرر): بلا خلاف، وليس كذلك، بل فيه قول حكاه الرافعي قبيل (باب الاستبراء) عند الكلام في مسكن المعتدة، وصرح به أبو الفرج الزاز في (تعليقه) هنا، وهذه المسألة تفهم من قوله (ولا يشترط كونه ملكه).

وَمَا يُسْتَهْلَكُ كَطَعَامٍ تَمْليكٌ، وَتَتَصَرِّفُ فِيهِ، فَلَوْ قَتَّرَتْ بِمَا يَضُرُّهَا .. مَنَعَهَا، وَمَا دَامَ نَفْعُهُ كَكِسْوَةٍ وَظُرُوُفِ طَعَامٍ وَمُشْطٍ تَمْليكٌ، وَقِيلَ: إِمْتَاعٌ. وَتُعْطَي الْكِسْوَةَ أَوَّلَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وما يستهلك كطعام تمليك) كما في الكفارة. قال: (وتتصرف فيه) بالبيع وغيره؛ لأن ذلك شأن المالك فيما ملك، وكان الأحسن أن يأتي بالفاء بدل الواو، ولا يخفى أن هذا في الحرة، أما الأمة .. فالمتصرف فيه سيدها. قال: (فلو قترت بما يضرها .. منعها)؛ لحق الاستمتاع. قال: (وما دام نفعه ككسوة وظروف الطعام والمشط، فكل هذه الوجبات ليست كالمسكن؛ فإن الكسوة تدفع إليها والمسكن يسكنه الزوج، فلو باعت الكسوة ونحوها بعد قبضها من الزوج .. صح البيع وملكت الثمن. وقال ابن الحداد لا يجوز لها بيعها ولا استبدالها. فلو أرادت أن تبيعها وتشتري ما هو دونها .. لم يكن لها ذلك، إلا بإذنه على الصحيح؛ لأن للزوج في ذلك حق الاستمتاع بخلاف الأدم. قال: (وقيل: إمتاع) كالمسكن والخادم، وهو الذي صححه (الحاوي الصغير) في اللحاف والفرش نحوهما، وهو الظاهر؛ إذ لو كانت تمليكا .. لما جاز له استعمال شيء منها إلا بإذنها ورضاها، ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف. قال: (وتعطي الكسوة أول شتاء وصيف)؛ لقضاء العرف بذلك، ولأنه وقت الحاجة إليها. هذا في كسوة البدن، أما ما يبقى منه كالفرش والبسط .. فتجدد في وقتها، وذلك كل ما جرت العادة بتجديده، والمعتبر في الأولية العادة، والظاهر أن هذا التقدير في غالب البلاد التي تبقى فيها الكسوة هذه المدة، فلو كانوا في بلاد لا تبقى فيها هذه المدة لفرط الحرارة أو لرداءة ثيابها وقلة بقاؤها .. اتبعت عادتهم، وكذا إن

فَلَوْ تَلِفَتْ فِيهِ بِلاَ تَقْصِيرٍ .. لَمْ تُبْدَلْ إِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، فَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ .. لَم ْتُرَدَّ، وَلَوْ لَمْ يَكْسُ مُدَّةً .. فَدَيْنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ كانوا من قوم يعتادون ما يبقى سنة مثلا كالأكسية الوثيقة ولجلود كأهل السراة- بالسين المهملة- فالأشبه اعتبار عادتهم. قال: (فلو تلفت فيه بلا تقصير .. لم تبدل إن قلن: تمليك) كما إذا سلمها النفقة فتلفت في يدها، وفي وجه ضعيف: يلزمه البدل؛ لان المقصود الكفاية. وقوله: (بلا تقصير) ليس شرطا لعدم الإبدال؛ فإنها مع التقصير أولى أن لا تبدل، ولكنه يشترط لمفهوم قوله (إن قلنا: تمليك) فإنه يفهم الإبدال، إن قلنا: إمتاع .. يشترط عدم التقصير، وحاصله: أنها إن لم تقصر إن قلنا: إمتاع .. أبدلت، أو تمليك .. فلا. قال: (فإن ماتت فيه .. لم ترد)، وكذا إن مات الزوج أو أبانها، وهذا على القول بالتمليك كما إذا سلمها نفقة اليوم فماتت فيه. والثاني: له الاسترداد؛ لأن الكسوة مدفوعة إليها للزمن المستقبل، فأشبه ما إذا أعطه نفقة أيام، أما إذا قلنا: إمتاع .. فسترد جزما. فلو أعطاها كسوة سنة فماتت أثناء الفصل الأول .. استرد كسوة الفصل الثاني على الأصح كما لو عجل نفقة أيام. قال: (ولو لم يكن مدة .. فدين) هذا أيضا تفريغ على التمليك، أما إذا قلنا إنها إمتاع .. فلا. ولو أراد الزوج أن يسترد منها ما أعطاها ويعطيها ثوبا آخر، إن قلنا: تمليك .. امتنع ذلك إلا برضاها وإن قلنا: إمتاع .. كان له ذلك. ولو ألبسها ثيابا مستأجرة أو مستعارة .. فعلى قول التمليك: لا يلزمها الرضا بذلك، وعلى الإمتاع: يلزمها، فلو تلف المستعار .. فالضمان على الزوج دونها. تتمة: حصل الموت أو البينونة بالطلاق في أثناء فصل قبل قبضها الكسوة، هل يكون كما

فَصْلٌ: الْجَدِيدُ: أَنَهَا يِجِبُ بِالتَّمكِينِ لاَ بِالْعَقْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لو وقع بعد قبضها فتستحق الجميع، أو تستحق بالقسط؟ توقف فيها الشيخ نجم الدين البالسي والشيخ نجم الدين ابن الرفعة وقالا: لم يصرح بها أحد الأصحاب، وهي كثيرة الوقوع، والأقرب: أنه تجب بالقسط وتوزع على أيام الفصل؛ لأنه يبعد أن يتزوج ثم يطلق في يومه وتجب عليه كسوة فصل كامل، وكذلك نقله الشيخ نجم الدين القمولي عن شرح (الإفصاح) للصيمرى، وفي (فتاوى المصنف) ما يقتضي أنها تستحق كسوة كاملة، وفي (تجربة الروياني) ما يؤيده، لكن عمل الحكام على التقسيط. قال: (فصل: الجديد: أنها تجب بالتمكين)؛ لأنها لا تعد مسلمة بدونه، فإذا سلمت .. وجبت لها النفقة؛ لأنها سلمت ما ملك عليها فاستحقت ما يقابله بالأجرة. وهل التمكين سبب أو شرط؟ فيه وجهان، والمراد: التمكين التام، فلو قالت: أسلم نفسي ليلا لا نهارا أو عكسه، أو في البلد الفلاني دون غيره .. لم تجب لا نفقة بذلك. قال: (لا بالعقد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة ودخل بها بعد سنين، ولم يقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، ولو كان حقا لها .. لساقه إليها، وأيضا النفقة مجهولة والعقد لا يوجب مالا مجهولا. والقديم- ونقل عن (الإملاء) -: أن نفقة مدة النكاح جميعها يجب بالعقد كالمهر، بدليل استحقاقها للمريضة والرتقاء، لكنها إذا نشرت .. سقطت، فيكون التمكين شرطا لاستقراره، كما تجب الأجرة الحالة بالعقد، ولا يستقر وجوبها إلا بالتسليم، لكن الأجرة يجب تسليمها بالعقد جملة؛ للعلم بها، وجملة النفقة غير معلومة.

فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ .. صُدَّقَ. فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ مُدَّةً .. فَلاَ نَفَقَةَ فِيهَا، وَإِنْ عَرَضَتْ .. وَجَبَتْ مِنْ بُلُوغِ الْخَبَرِ. فَإِنْ غَابَ .. كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِةِ لِيُعْلِمَهُ فَيَجِيء أَوْ يُوَكِّلَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ وَمَضَى زَمَنُ وُصُولِهِ .. فَرَضَهَا الْقَاضِي. وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن فروع القديم: لو ضمن شخص عنه نفقة مدة معلومة .. جاز؛ لأن التقديم يصحح ضمن ما لم يجب ولم يوجد سبب وجوبه، فكيف وقد وجد؟! ولا يضمن إلا نفقة المعسرين وإن كان موسرًا؛ لأنها المتيقن. وعلى الجديد: لا يصح ضمان نفقة لمدة مستقبلية. قال: (فإن اختلفا فيه .. صدق)؛ لأن الأصل عدم التمكين، وعليها البينة، وهذا تفريع على الجديد، فإن قلنا بالقديم .. فالقول قولها؛ لأن الأصل استمرار ما وجب بالعقد، وهو يدعي السقوط فعليه البيان. قال: (فإن لم تعرض عليه مدة .. فلا نفقة فيها)؛ لعدم التمكين. وعلى الثاني: لها النفقة بشرطها. قال: (وإن عرضت .. وجبت من بلوغ الخبر)؛ لأنه حينئذ مقصر. قال: (فإن غاب .. كتب الحاكم لحاكم بلده ليعلمه فيجيء أو يوكل) وكيلا ليستلمها (فإن لم يفعل ومضى زمن وصوله .. فرضها القاضي).وصورة الفرض: أن تمضي إلى لحاكم وتظهر له التسليم والطاعة بعد ثبوت الزوجية عنده، فيكتب إلى حاكم بلد الزوج بذلك، فإذا أعلمه .. فقد حصل الغرض. هذا إذا عرف مكانه، فإن لم يعرف .. كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تردها القوافل من تلك البلدة في العادة؛ وأخذ منها كفيلا بما تصرفه؛ لاحتمال وفاته أو طلاقه. قال: (والمعتبر في مجنونة ومراهقة عرض ولى)؛ لأنه المخاطب بذلك؛ فلا اعتبار بعرضهما وبذلهما الطاعة، وإذا سلمت المرأة نفسها إلى الزوج المراهق بغير إذن.

وَتَسْقُطُ بِنُشُوزٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليه .. وجبت النفقة، بخلاف تسليم المبيع من المراهق؛ لأن المقصود هناك أن تصير اليد للمشتري، واليد في عقد المراهق للولي لا له. وكان الأحسن يعبر المصنف بالمعصر؛ لأن المراهقة وصف خاص بالغلام، يقال: غلام مراهق وجارية معصر، ولا يقال: مراهقة. قال: (وتسقط بنشوز) فلا نفقة لناشز وإن قدر الزوج على ردها للطاعة قهرا، ولم يخالف في ذلك إلا الحكم بن عتيبة فإن قال: لا تسقط بالنشوز المهر؛ لأنه وجب بالعقد. ونشوز المعصر والمجنونة كنشوز البالغة؛ لاستواء الفعلين في التفويت على الزوج. والمراد (بالسقوط): منع الوجوب، وإلا ... فالسقوط حقيقة غنما يكون بعد الوجوب، فلو نشزت بعض النهار,, فوجهان: أحداهما: تستحق بقسطه، وبه قطع السر سخي. وأصحهما عند الرافعي- به قطع المصنف في آخر (كتاب النكاح) من (الروضة):- أنه لا شيء لها، إلا أن تسلم وتنشز نهارا أو بالعكس .. فهلا نصف النفقة، ولا نظر إلى طول الليل وقصره.

وَلَوْ بِمَنْعِ لَمْسٍ بِلاَ عُذْرٍ. وَعَبَالَةُ زَوْجٍ أَوْ مَرَضٌ يَضُرُّ مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو بمنع لمس بلا عذر) إلحاقا للمقدمات بالمقاصد. واحترز عما إذا كان لها عذر كالمضناة التي لا تحتمل الجماع وعلمت أنه متى لامسها واقعها، فتكون حينئذ معذورة. فلو مكنت من الجماع ومنعت من سائر الاستمتاعات .. فهي ناشز على الأصح في زوائد (الروضة) في (باب القسم والنشوز). ونبه المصنف ب (اللمس) على أدنى درجات الاستمتاع؛ فليفهم أن ما فوقه من بابا أولى كقوله صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا ولو بظلف محرق). قال: (وعبالة زوج أو مرض يضر معه الوطء عذر) فلتلزمه نفقتها إذا كانت عنده ويمنع من وطئها. و (العبالة) بفتح العين: كبر الذكر بحيث لا تحتمله، وكذلك لو كانت مريضة أو كان بها قرح يضرها الوطء معه .. فهي معذورة في الامتناع منه، وعليه النفقة إذا كانت عنده، فإن أنكر الزوج القرح المانع من الوطء أو أننكر الضرر بسبب العبالة .. فلها إثباته بقول النسوة، وهل يشترط أربع لأنه شهادة يسقط بها حق الزوج، أو تكفي امرأة ويجعل إخبارا؟ وجهان: أصحهما: الأول. لا بأس ينظرهن إليه عند اجتماعهما ليشهدن، وليس لها الامتناع من الزفاف بعذر عبالته، ولها الامتناع بعذر المرض؛ لأنه متوقع الزوال. ولو قالت المرأة: لا أمكن إلا في بيتي أو في موضع كذا أو بلد كذا .. في نشزة. ولو حبست ظلما أو بحق .. سقطت نفقتها كما لو وطئت بشبهة فاعتدت، كذا في.

وَالْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ بِلاَ إِذْنٍ نُشُوزٌ إِلاَّ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى انْهِدَامٍ. وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ أَوْ لِحَاجَتِهِ .. لاَ يُسْقِطُ، وَلِحَاجَتِهَا .. يُسْقِطُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ فَأَطَاعَتْ .. لَمْ تَجِبْ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ زوائد (الروضة) هنا، وفي (باب الفلس) أنه لا فرق في حبسها بين أن يكون بإقرارها أو بالبينة، وذكر ذلك في ذلك ف (فتاويه) أيضا وعبر المختار. فلو حبسها الزوج في دينه .. احتمل أن لا تسقط؛ لأن المنع من قبله، والأقرب أنها إن منعته الدين لددا وعنادا .. سقطت نفقتها وإن علم إعسارها .. لم تسقط قطعا، ولو غصبت منه .. فلا نفقة وإن كانت معذورة؛ لفوات الاستمتاع جملة؛ بخلاف الحائض والنفساء والمريضة، ولا أثر لزناها وإن حبلت؛ لأنه لا يمنع الاستمتاع. قال: (والخروج من بيته بلا إذن نشوز) سواء كان الزوج حاضرا أم غائبا، وسواء إن لسفر عبادة كالحجج أو للاعتكاف أو غيرهما؛ لمخالفتها الواجب عليها. قال: (إلا أن يشرف على انهدام) فليس بنشوز؛ للعذر، وكذا لو كان المنزل لغير الزوج فأخرجت منه، أو أكرهت على الخروج من بيته ظلما، أو تخربت المحلة بغرق أو حرق وبقى البيت مفردا، أو خافت على نفسها، وغير ذلك مما يعد الخروج به عذرا. قال: (وسفرها بإذنه معه أو لحاجته .. لا يسقط)؛ لأنها ممكنة في الأولى وفي غرضه في الثانية، فهو المسقط لحقه. قال: (ولحاجتها .. يسقط في الأظهر)؛ لأنها استبدلت عن تمكينها شغلا لها، وقيل: يسقط قطعا، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. والثاني: يجب؛ لأنها سافرت بإذنه فأشبه سفرها في حاجته، وبه قال مالك، فلو سافرت معه بغير إذنه .. عصت واستحقت النفقة كما قال الرافعي في (أول قسم الصدقات). قال: (ولو نشزت فغاب فأطاعت .. لم تجب في الأصح)؛ لأنها خرجت عن قبضته فلا بد من تسليم وتسلم وهما لا يحصلان بمجرد عودها إلى مسكنه، وهذا.

وَطَرِيقُهَا: أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيُبَتِهِ لِزِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا .. لَمْ تَسْقُطْ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لِصَغِيرَةٍ، وَأَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ عَلَى صَغِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف ما لو ارتد فغاب الزوج فأسلمت في العدة وهو غائب .. فالأصح فيها: عود النفقة؛ لأن المرتدة لما عادت إلى الإسلام .. ارتفع المسقط، فعمل الموجب عمله، والناشزة سقطت نفقتها بخروجها عن يد الزوج وقبضته، وإنما تعود إذا عادت إلى قبضته، وذلك لا يحصل في غيبته. وخص الشيخ إبراهيم المروروذي الخلاف بما إذا علم الزوج بعودها إلى الطاعة، فإن لم يعلم .. لم يجب قطعا، وهذه المسألة غير التي تقدمت قبيل (باب الخيار والإعفاف). والوجه الثاني: تجب لها النفقة؛ لأن الاستحقاق زال بعارض الخروج عن الطاعة، فإذا زال العارض .. عاد الاستحقاق. وقال: (وطريقها: أن يكتب الحاكم كما سبق) فترفع الأمر إليه؛ ليقضي بطاعتها ويخبر الزوج بذلك، فإذا عاد إليها أو بعث وكيله فاستأنف تسليمها .. عادت الثقة، وإن مضى زمن إمكان العود ولم يعد ولا بعث وكيله .. عادت النفقة أيضا. قال: (ولو خرجت في غيبته لزيارة ونحوها .. لم تسقط) المراد: خرجت في غيبة الزوج إلى بيت أبيها أو أقاربها وجيرانها لزيارة أو عيادة أو تعزية لا على وجه النشوز .. لم تسقط نفقتها؛ لأنها لا تعد بذلك نشزة. قال: (والأظهر: أنه لا نفقة صغيرة) وإن سلمت إليه؛ لأنها لا تصلح للاستمتاع، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وليست كالمريضة؛ لأن المرض يطرأ ويزول فلا يفوت الأنس وجميع الاستمتاعات. والثاني: لها النفقة؛ لأنها حبست عنده، وفوات الاستمتاع بسبب هي معذورة فيه فأشبهت المريضة والرتقاء، وهذا مبني على إنها تجب بالعقد. قال: (وأنها تجب لكبيرة على صغير) إذا سلمت أو عرضت على وليه؛ لأن التسليم لمستحق عليها وجد فاستحقت المقابل كما لو تعذر الاستيفاء على المستأجر بعد تسليم العين.

وَإِحْرَامُهَا بِحَجًّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلاَ إِذْنٍ نُشُوزٌ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا، وَإِنْ مَلَكَ .. فَلاَ حَتَّى تَخْرُجَ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا، أَوْ بِإِذْنٍ .. فَفِي الأَصَحِّ: لَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَخْرُجْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يجب؛ لأنها لا يستمتع بها بسبب هو معذور فيه فلا يلزمه غرم. وعن أحمد روايتان كالقولين، وقيل: يجب قطعاً، وقيل: إن جهلت صغره .. وجب، وإن علمته .. فقولان، فإن كانا صغيرين .. لم يجب في الأظهر. ملغزة: صغير مسلم يجب عليه مهور مئة امرأة ونفقتهن بسبب نكاح صحيح سبق له عليهن، وهو ولد الكافر إذا زوجه أبوه إياهن ثم أسلم أحد أصوله ثم مات .. فتجب مهورهن بالموت، فإن لم يمت واندفع نكاح الزائد على الأربع .. فليس للولي أن يختار، بل ينتظر بلوغ الصبي؛ فإنه خيار شهوة، وتجب نفقتهن في ماله، قاله الرافعي في (نكاح المشرك). قال: (وإحرامها بحج أو عمرة بلا إذن نشوز إن لم يملك تحليلها)؛ لأنها منعته نفسها بذلك، فتكون ناشزة من وقت الإحرام، سواء كان الزوج حلالاً أو محرماً كما صرح به الماوردي وغيره، وكان الأخصر أن يقول: وإحرامها نشوز؛ ليدخل الإحرام المطلق. قال: (وإن ملك .. فلا) وذلك في النفل، وكذا في الفرض على الأظهر فتستحق النفقة؛ لأنها في قبضته وهو قادر على التحلل والاستمتاع، فإذا لم يفعل .. فهو المفوت على نفسه. وفيه وجه: أنها لا تستحق؛ لأنها ناشزة بالإحرام، والناشز لا تستحق النفقة وإن قدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهراً كما تقدم. قال: (حتى تخرج فمسافرة لحاجتها) فحينئذ إن خرجت بغير إذنه .. فناشزة، أو بإذنه معه .. استحقت، أو وحدها .. فلا. قال: (أو بإذن) أي: أحرمت بإذنه (.. ففي الأصح: لها النفقة ما لم تخرج)؛ لأنها في قبضته، وفوات الاستمتاع تولد من إذنه.

وَيَمْنَعُهَا صَوْمَ نَفْلٍ، فَإِنْ أَبَتْ .. فَنَاشِزَةٌ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا تجب؛ لفوات الاستمتاع، لكن يرد على إطلاقه ما لو فسد حجها المأذون فيه بجماع .. فإنها تقضيه على الفور، ولها الإحرام بغير إذن. قال: (ويمنعها صوم نفل)؛ لأنه ليس بواجب عليها، وحقه عليها متحتم، وعلله في زوائد (الروضة) في (باب الكفارة) بأنه يمنعه من الوطء، واستشكل بأن لكل من الزوجين الخروج من التطوع بالجماع وغيره، وأجاب عنه في (شرح مسلم) بأن صومها يمنعه من الاستمتاع عادة؛ لأنه يهاب انتهاك حرمة الصوم بالإفساد، وقياس تجويز منع الزوجة الصوم أن تكون الأمة الموطوءة كذلك. وعلم من التقييد بـ (النفل) أنه لا يمنعها صوم رمضان، ولا تسقط يه النفقة، وهو كذلك بالاتفاق. فلو كان الزوج متلبساً بصوم أو اعتكاف واجبين، أو كان محرماً أو ممسوحاً أو غنيناً، أو كانت متحيرة أو رتقاء .. فالمتجه: الإباحة. قال: (فإن أبت .. فناشزة في الأظهر)؛ لامتناعها من التمكين الواجب عليها، وصومها في هذه الحالة حرام كما صرح به في صوم التطوع من (الروضة) و (شرح مسلم)، وبه جزم ابن حبان؛ لما روى هو [3573] وأبو داوود [2450] والترمذي [782] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصومن امرأة يوماً سوى شهر رمضان وزوجها شاهد إلا بإذنه). وفي (صحيح مسلم) [1026]: (لا تصومن المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه). والثاني: لا تكون ناشزاً بذلك؛ لأنها في قبضته. وفي ثالث: إن دعاها للأكل فأبت .. لم تسقط، أو للجماع فأبت .. سقطت، والخلاف أوجه لا أقوال، فكان الصواب التعبير بالأصح. وقال الماوردي: إن دعاها إلى الجماع في أول النهار فأبت .. سقطت، أو في آخره .. فلا؛ لقرب الزمان، واستحسنه الروياني. فلو تزوجها وهي صائمة .. قال المروروذي: لا يجبرها على الإفطار، وفي سقوط نفقتها وجهان كما في نشوز بعض اليوم، وحيث سقطت بالصوم هل يسقط

وَالأَصَحُّ: أَنَّ قَضَاءً لاَ يَتَضَيَّقُ كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا، وَأَنَّهُ لاَ مَنْعَ مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ، وَسُنَنٍ رَاتِبَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكل أو النصف؟ فيه وجهان: صحح المصنف سقوط الجميع. ومراده بـ (نفل الصوم) النفل المطلق كصوم الإثنين والخميس، أما رواتبه كعرفة وعاشوراء .. فليس له المنع منه على الصحيح، ولا تسقط به نفقتها كرواتب الصلاة، وأما النذر .. فيمنعها من مطلقه؛ لأنه موسع، وأما المعين فإن نذرته في نكاحه بغير إذنه .. فكذلك، وإلا .. فلا. قال: (والأصح: أن قضاء لا يتضيق كنفل فيمنعها) كما إذا أفطرت بعذر والوقت متسع؛ لأنه على التراخي وحق الزوج على الفور، وقيل: في جوازه وجهان، وكان ينبغي أن يعبر بـ (المذهب) كما في (الروضة). واحترز عما يتضيق كالفطر تعدياً أو بعذر ولم يبق من شعبان إلا قدره .. فليس له المنع منه، والنفقة فيه واجبة على الأصح في (الروضة)، وكلام الرافعي مشعر بترجيح السقوط، وأما صوم الكفارة .. فعلى التراخي، فله المنع منه. قال: (وأنه لا منع من تعجيل مكتوبة أول وقت)؛ لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وليس من المعروف حرمانها الفضائل مع قصر الزمن. والثاني: له المنع؛ لاتساع وقت المكتوبة ووجوب حقه على الفور، وأفهم أنه لا منع آخر الوقت وهو كذلك بالاتفاق؛ لخروج وقتها عن حق استمتاعه، ولا يسقط بسببها شيء من النفقة كما لا يسقط شيء من الأجرة إذا صلى الأجير، لكن تقدم في آخر (الإجازة) عن (فتاوى القفال) أنه لو صلى مرة ثم قال: كنت محدثاً .. ليس للمستأجر منعه، ويسقط من أجرته بقدر زمان الصلاة الثانية، والظاهر أن ذلك لا يتأتى هنا؛ لضيق زمان الإجازة واتساع هذا. قال: (وسنن راتبة) هذا معطوف على الأصح، فليس له المنع منها؛ لأنها مكملة للفرائض. والثاني: له المنع كالنفل المطلق. نعم؛ له منعها من تطويلها.

وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ الْمُؤَنُ إِلاَّ مُؤْنَةَ تَنْظِيفٍ، فَلَوْ ظُنَّتْ حَامِلاً فَأَنْفَقَ فَبَانَتْ حَائِلاً .. اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ بَعْدَ عِدَّتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرد على تخصيصه الراتبة: العيدان والكسوفان؛ فليس له منعها من فعلهما في المنزل، والعجب أن المصنف أورده على عبارة (التنبيه) في تعيين النية فقال: والصواب أن النافلة التي ليست راتبة ولها سبب كالكسوف والاستسقاء لا تصح إلا بتعيين النية، لكن ذكر الرافعي في (صلاة التطوع) أن الراتبة في اصطلاح القدماء ما لها وقت، سواء توابع الفرائض وغيرها، وحينئذ فعبارة المصنف شاملة لذلك. فرع: كانت المرأة آجرت نفسها قبل النكاح إجارة عين .. لم يكن للزوج منعها من العمل، إلا أنها لا تستحق النفقة عليه، قال الماوردي: وله الخيار إن كان جاهلاً بالحال؛ لفوات الاستمتاع بالنهار، ولا يسقط خياره برضا المستأجر بالاستمتاع بها نهاراً؛ لأنه متبرع. قال: (وتجب لرجعية المؤن) من النفقة والكسوة وسائر حقوق الزوجية؛ لبقاء جنس النكاح وسلطنته، وحكى الماوردي فيه الإجماع، وسواء في ذلك الحرة والأمة والحامل والحائل، ولا تسقط نفقتها إلا بما تسقط به نفقة الزوجة، وتستمر إلى انقضاء العدة بوضع الحمل وغيره، ولو ظهر بها أمارات الحمل بعد الطلاق .. لزم الزوج الإنفاق عليها. قال: (إلا مؤنة تنظيف)؛ لانتقاء المعنى الذي وجبت لأجله، وهذا الاستثناء ذكره الإمام، وتبعه الشيخان، ولم يتعرض له الجمهور. قال: (فلو ظنت حاملاً فأنفق فبانت حائلاً .. استرجع ما دفع بعد عدتها)؛ لأنه تبين أن ذلك ليس عليه، ويرجع إليها في الأقراء، فإن ادعت تباعد الحيض وامتداد الطهر .. فالصحيح: أنها تصدق في استمرار النفقة إلى أن تقر بمضي العدة كما تصدق في ثبوت الرجعة، وقيل: لا تصدق في ثبوت النفقة؛ فإنها حقها بخلاف الرجعة.

وَالْحَائَلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلاَثٍ لاَ نَفَقَةَ لَهَا وَلاَ كِسْوَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والحائل البائن بخلع أو ثلاث لا نفقة ولا كسوة)، اختلف العلماء في نفقة هذه وسكناها، فقال عمر بن الخطاب وأبو حنيفة: لها السكنى والنفقة، وقال ابن عباس وأحمد: ليس لها سكنى ولا نفقة، وقال مالك والشافعي: لها السكنى ولا نفقة. احتج من أوجبهما بقوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم}، وبأنها محبوسة عليه، وبقول عمر في حديث فاطمة بنت قيس: (لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة جهلت أو علمت). واحتج من لم يوجبهما بحديثها ولفظه: أن زوجها أبا عمرو بن حفص- واسمه عبد الحميد- طلقها البتة، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ليس لك عليه نفقة) متفق عليه [خ 5324 - م 1480/ 36]. ولمسلم [1480/ 37]: (ولا سكنى). واحتج الشافعي ومالك بظاهر حديثها مع قوله تعالى: {وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن} فمفهومها: أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن. وأجيب عن حديث فاطمة بأن في رواية أبي داوود [2284]: (لا نفقة لك عليه إلا أن تكوني حاملاً)، وأما إنكار عمر .. فمنقطع، قال الدارقطني: لا تقوم به الحجة، ولو اتصل .. لكان حديثها أولى؛ لأنها صاحبة الواقعة، ولأن الزوجية زالت فأشبهت المتوفى عنها. ولو ادعت البينونة فأنكر .. صدق ولا نفقة لها، قاله الرافعي في (القسم والنشوز)، والمسألة مقيدة بما إذا لم تمكنه من نفسها، فإن عادت ومكنت .. استحقت، نص عليه في (الأم) كذلك. واحترز بـ (البينونة بالخلع أو الثلاث) عن البائن بالفسخ بالعيب وغيره، والأصح: إن كان لمقارن العقد .. فلا نفقة كما تقدم في (باب الخيار)؛ لأنه رفع

وَتَجِبَانِ لِحَامِلٍ لَهَا، وَفِي قَوْلٍ: لِلْحَمْلِ. فَعَلَى الأَوَّلِ: لاَ تَجِبُ لِحَامِلٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ العقد من أصله، وإن كان بسبب عارض كالردة والرضاع .. وجب؛ لأنه قطع للنكاح. وأما السكنى .. فسبق في آخر (العدد) وجوبها، والفرق بينها وبين النفقة: أن السكنى لتحصين مائة فاستوى فيها حالة الزوجية وعدمها، والنفقة للتمكين وهو خاص بالزوجية. قال: (وتجبان لحامل)؛ لقوله تعالى: {وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}، والمعنى فيه أنها مشغولة بمائة فهو مستمتع برحمها، فصار كالاستمتاع في حال الزوجية؛ إذ النسل مقصود بالنكاح كما أن الوطء مقصود به، قاله القاضي حسين، ولذلك قال: يجب لها الإدام أيضاً، وفي زوائد (الروضة) نقل ذلك عن المتولي وحده وأقره. وفي (البيان) عن أبي إسحاق المروزي: لا تجب لها الكسوة وإن وجبت لها النفقة، ومحل الوجوب إذا وافقت على الحمل أو شهد به أربع نسوة، وإلا .. فالقول قوله مع يمينه. قال: (لها) أي: النفقة للحامل بسبب الحمل على الصحيح؛ لأنها تجب مقدرة، ولا تسقط بمضي الزمان، ولو كانت للحمل .. لم يكن كذلك. قال: (وفي قول: للحمل)؛ لأنها لما لزمت بوجوده وسقطت بعدمه .. دل على أنها له، وإنما صرفت لها؛ لأن غذاءه بغذائها. كل هذا في الزوجة، أما الأمة، فإذا كانت لشخص وحملها لآخر .. فنفقتها على مالك الأمة دون مالك الحمل، سواء قلنا: تجب النفقة للحامل أو لحملها، قاله الماوردي في (باب التفليس)، وحكاه عنه في زوائد (الروضة) هناك. قال: (فعلى الأول: لا تجب لحامل عن شبهة أو نكاح فاسد)؛ لأن النكاح الفاسد لا يوجب النفقة فعدته أولى، وعلى الثاني: تجب كما تلزمه نفقته بعد الانفصال.

قُلْتُ: وَلاَ نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَنَفَقَةٌ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنِ النِّكَاحِ، وَقِيلَ: تَجبُ الْكِفَايَةُ، وَلاَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا كانت الموطوءة بشبهة غير منكوحة، فإن كانت منكوحة وأوجبنا نفقتها على الواطئ .. سقطت عن الزوج قطعاً؛ إذ لا تجتمع نفقتان، وإن لم نوجبها عليه .. ففي سقوطها عن الزوج وجهان: أصحهما أيضاً: السقوط. واستحسن في (الوسيط) أنها إن وطئت وهي نائمة أو مكرهة .. فلها النفقة، وإن مكنت على ظن أنه زوجها .. فلا نفقة؛ لأن الظن لا يؤثر في الغرامات. قال: (قلت: ولا نفقة لمعتدة وفاة وإن كانت حاملاً والله اعلم)؛ لما روى الدارقطني [4/ 21] بإسناد صحيح عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة). قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم مخالفاً في ذلك، ولأنها إن كانت حائلاً .. فقد بانت بالموت، والبائن الحائل لا نفقة لها على الزوج في حياته فبعد موته أولى. وإن كانت حاملاً فإن قلنا: النفقة للحمل .. سقطت؛ لأن نفقة القريب تسقط بالموت، وغن قلنا: للحامل .. فوجهان: أصحهما: تسقط أيضاً؛ لأنها كالحاضنة للولد، ولا تجب نفقة الحاضنة بعد الموت. وعن الإصطخري أنه أجاب فيها بالاستحقاق فقيل له: ليس هذا مذهب الشافعي، فلم يرجع وقال: وإن لم يكن .. فهو مذهب علي وابن عباس، فعيره ابن سريج بذلك في مجلس النظر وقال: كثرة أكل الباقلاء ذهبت بدماغك، فقال له الإصطخري: وأنت كثرة أكل الخل والمري ذهبت بدينك، عفا الله عنا وعنهما. وأما إسكانها .. فتقدم في (العدد) أن الأظهر وجوبه. قال: (ونفقة العدة مقدرة كزمن النكاح)؛ لأنها من توابعه. قال: (وقيل: تجب الكفاية) فيزاد وينقص بحسب الحاجة، فمن اعتبر الكفاية .. نظر إلى الحمل، ومن نظر إلى الزوجية .. جعلها مقدرة. قال: (ولا يجب دفعها قبل ظهور حمل) سواء جعلناها للحمل أم للحامل؛ لأنا لم نتحقق سبب الوجوب.

فَإِذَا ظَهَرَ .. وَجَبَ يَوْماً بِيَوْمٍ، وَقِيلَ: حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإذا ظهر .. وجب يوماً بيوم)؛ لقوله تعالى: {فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}، ولأنها لو أخرت إلى الوضع .. لتضررت. قال: (وقيل: حتى تضع)؛ لأن الأصل البراءة حتى يتيقن السبب، والخلاف مبني على أن الحمل يعلم أم لا، والأصح: نعم، وهو في (الشرح) و (الروضة) قولان، وهو الصواب؛ فإنهما منصوصان في (المختصر) وهما في (المحرر) وجهان. وقال: (ولا تسقط بمضي الزمان على المذهب) فلو لم ينفق حتى وضعت لزمه أن يدفع إليها نفقة ما مضى على القولين؛ لأنها هي التي تنتفع بها، وقيل: إن قلنا: إنها لها .. لم تسقط، أو للحمل .. سقطت؛ لأنها نفقة قريب. تتمة: لو كان زوج الحامل البائن رقيقاً، إن قلنا النفقة للحامل .. لزمته، وإلا .. فلا؛ لأنه لا تلزمه نفقة القريب، ولو كان الحمل رقيقاً .. ففي وجوب النفقة على الزوج حرًا كان أو عبدًا قولان: إن قلنا: للحمل .. لم تجب بل هي على المالك، وإلا .. فتجب. وإذا اختلفا فقالت: وضعت اليوم، وطالبت بنفقة شهر قبله، وقال: بل وضعت شهر قبله .. فالقول قولها؛ لأن الأصل عدم الوضع وبقاء النفقة. وإذا أبرأت الزوج من النفقة .. قال المتولي: إن قلنا: إنها للحامل ... سقطت، وإن قلنا: للحمل .. فلا، ولها المطالبة بعد الإبراء. قال الرافعي: ولك أن تقول: إن كان الإبراء عن نفقة الزمن المستقبل .. فقد سبق حكمه، وإن كان عما مضى .. فالنفقة مصروفة إليها على القولين، وقد سبق أنها تصير ديناً لها حتى تصرف إليها بعد الوضع، فينبغي أن يصح إبراؤها على القولين. قال ابن الرفعة: يظهر أن تكون صورته إذا أبرأته عن نفقة اليوم بعد الفجر أو

فَصْلٌ: أَعْسَرَ بِهَا؛ فَإِنْ صَبَرَتْ .. صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ .. فَلَهَا الْفَسْخُ فِي الأَظْهَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشمس، وبهذا يندفع ما أورده عليه من السؤال. وذكر المتولي أيضاً: أنه لو أعتق أم ولده وهي حامل منه .. لزمه نفقتها إن قلنا: إنها للحمل، وإن قلنا: إنها للحامل .. فلا، وأنه لو مات وترك امرأته حبلى .. لها مطالبة الجد بالنفقة إن قلنا: النفقة للحمل، وإن قلنا: للحامل .. فلا، وقطع البغوي بأنها لا تطالب الجد، ويقرب منه كلام الشيخ أبي علي. وإذا مات الزوج قبل أن تضع البائن حملها، فإن قلنا: للحمل .. سقطت؛ لأنها نفقة قريب، وإن قلنا: للحامل .. فالأصح: عدم السقوط، وهو المعروف كما جزم به في (الشرحين) في (كتاب العدد)، وجزم المصنف في (فتاويه) بالسقوط، وهو مقتضى كلام (الروضة). قال: (فصل: أعسر بها؛ فإن صبرت .. صارت ديناً عليه)، الذي نص عليه الشافعي أن الزوج إذا عجز عن القيام بمؤن زوجته الموظفة عليه .. كانت زوجته بالخيار، إن شاءت .. صبرت وأنفقت من مالها، أو اقترضت وأنفقت على نفسها، ونفقتها في ذمته إلى أن يوسر لا تسقط بمضي الزمان كسائر الديون المستقرة. وفي (سنن البيهقي) [7/ 469]: أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد فيمن غابوا عن نسائهم: إما أن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا .. بعثوا نفقة ما حبسوا، ولم يخالفه أحد. وفي (طبقات العبادي): أن المزني قال في (المنثور): إذا أعسر الزوج .. لا نفقة عليه كما لا يجب على المتوسط تمام نفقة الموسر. وكلام المصنف محمول على ما إذا لم تمنع نفسها منه، فإن منعت .. لم تصر ديناً عليه كما صرح به الرافعي في الكلام على الإمهال. قال: (وإلا .. فلها الفسخ في الأظهر)، وبه قال مالك وأحمد؛ لقوله تعالى:

وَالأَصَحُّ: أَنَّ لاَ فَسْخَ بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن}، خيره بين الأمرين، فإذا عجز عن الأول .. تعين الثاني. وقال تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}، وزوجة المعسر مستضرة فلم يكن له إمساكها. وفي (سنن الدارقطني) [3/ 297] و (خلافيات البيهقي) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته: (يفرق بينهما)، وقال سعيد بن المسيب: إنه من السنة، قال الشافعي: ويشبه أن يكون أراد سنة رسول الله صلى عليه وسلم، وملخص ما في قول الصحابي أو التابعي: (من السنة كذا) ثلاثة أقوال: أحدها: أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: لا. والثالث: أنه من الصحابي مرفوع لا من غيره، وهو المنصوص الراجح في (المهمات). وممن قال بأن لها الفسخ بالإعسار عمر وعلي وأبو هريرة، قال الشافعي: ولا أعلم أحداً من الصحابة خالفهم، ولأن العجز عن الوطء بالجب أو العنة يثبت حق الفسخ، فالعجز عن النفقة أولى. والقول الثاني- قاله في القديم، وهو رأي أبي حنيفة والمزني في (المنثور)، وأفتى به جد الروياني-: أنه لا فسخ لها؛ لعموم قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}، وقياسا على الإعسار بالصداق بعد الدخول. وفي قول مخرج: إنها كالسكنى تسقط بمضي الزمان، والفرق على الصحيح بين النفقة والسكنى: أن السكنى كفاية الوقت وقد مضى، والنفقة تثبت في الذمة. قال: (والأصح: أن لا فسخ بمنع موسر حضر أو غاب)؛ لأنه إذا كان حاضراً .. تتمكن من خلاص حقها منه بالسلطان بأن يلزمه بالحبس وغيره، وفي الغائب يبعث الحاكم إلى بلده.

وَإِنْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ: فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ... فَلَهَا الْفَسْخُ, وَإِلَّا ... فَلَا فَيُؤْمَرُ بِالإِحْضَارِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يجوز الفسخ؛ لحصول الضرر بالإعسار. وموضع الخلاف إذا لم يكن له مال حاضر, فإن كان ... أنفق الحاكم منه قطعًا, واختار القاضي الطبري في الغائب الفسخ, وذكر الروياني وابن أخته صاحب «العدة» أن المصلحة الفتوى به, وما إليه ابن الصباغ, وقال: إن الفتوى عليه وبه أفتى الغزالي, وقال: إذا قدر القاضي على القرض عليه ... اقترض. وإذا لم نجوز الفسخ وجهلنا يسار الغائب وإعساره ... لا فسخ أيضًا؛ لأن السبب لم يتحقق, ومتى ثبت إعسار الغائب عند حاكم بلدها ... جاز الفسخ على الأصح, وقيل: لا حتى يبعث إليه, فإن لم يحضر ولم يبعث نفقة ... فسخ عليه. قال: (وإن حضر وغاب ماله, فإن كان بمسافة القصر ... فلها الفسخ)؛ لأنه في هذه الحالة يحل له تناول الصدقة فلا يلزمها الصبر؛ لئلا تتضرر بالانتظار كما في نظيره من فسخ البائع عند غيبة الثمن. ولو كان له دين على معسر ... تخيرت, أو موسر حاضر ... فلا, أو غائب فوجهان. ولو كان له دين مؤجل ... فلها الفسخ إلا أن يكون الأجل قريبًا, وينبغي أن يضبط القرب بمدة إحضار المال الغائب بما دون مسافة القصر. ومن استغرق دينه ماله ... لا خيار لها حتى يصرف ماله إلى الديون, ولو كان الدين له عليها فأمرها بالإنفاق منه, فإن كانت موسرة ... فلا خيار لها, وإن كانت معسرة ... فلها الفسخ؛ لأنها لا تصل إلى حقها والمعسر منظر, كذا أطلقه الرافعي وغيره. ولم يتعرضوا لجريان التقاص إذا كان دينه من جنس الواجب عليه وأجريناه في المثليات كما هو المنصوص, قال الرافعي: وعلى قياس هذه الصورة: لو كان له عقار ونحوه لا يرغب في شراءه ... ينبغي أن يكون لها الخيار. قال: (وإلا ... فلا)؛ لأن ما دون مسافة القصر كالحاضر في البلد (فيؤمر بـ) تعجيل (الإحضار).

وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا ... لَمْ يَلْزَمْهَا القْبُولُ. وَقُدْرَتُهُ عَلَى الكَسْبِ كَالْمَالِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تبرع رجل بها ... لم يلزمها القبول) بل لها أن تفسخ, كما لو كان له دين على إنسان فتبرع غيره بقضائه ... لا يلزمه القبول؛ لما في التبرع من المنة. والثاني: لا خيار لها؛ لأن المنة على الزوج لا عليها, وبه أفتى الغزالي, ومال إليه ابن الرفعة, فلو سلم المتبرع النفقة إلى الزوج وسلم هو إليها ... فلا فسخ كما صرح به الخوازرمي, وهو ظاهر. ويستثنى من المسألة الأولى: إذا كان المتبرع أبًا له أو جدًّا للزوج, والزوج تحت حجره ... فإنه يجب القبول؛ لأن المدفوع يدخل في ملك المؤدى عنه في هذه الحالة, ويكون الولي كأنه وهبه له وقبله له. وأما أداء الدين عن الغير ... فيستثنى منه ما إذا كان المديون ميتًا والمؤدي وارثًا؛ فإنه يجب القبول وإن كان الميت معسرًا؛ لأنه خليفة الميت وقائم مقامه بخلاف الأجنبي, كذا نقله الرافعي في آخر (باب القسامة) عن الإمام. ولو كان بالنفقة ضامن ولم نصحح ضمان النفقة ... فالضامن كالمتبرع, وإن صححناه, فإن ضمن بإذن الزوج ... فلا خيار لها, وإن ضمن بغير إذنه ... ففيه وجهان. فائدة: سئل ابن الصلاح عن رجل غاب عن زوجته وهي في منزله مطيعة غير ناشزة مدة, ولم يترك عندها نفقة يوم واحد, وشهدت البينة أنه سافر عنها وهو معسر معدم لا شيء له, وحضرت المرأة عند الحاكم واختارت الفسخ, وسألت الحاكم فسخ نكاحها ففسخه, هل يصح الفسخ؟ أجاب: لا يصح الفسح على الأصح؛ بناء على مجرد هذا الاستصحاب, فلو شهدت البينة بإعساره الآن بناء على الاستصحاب ... جاز لها ذلك إذا لم تعلم زوال ذلك, وحينئذ يصح الحكم بالفسخ, وإذا حضر الزوج ... لم تسلم إليه. قال: (وقدرته على الكسب كالمال) فإذا كان يكسب كل يوم قدر النفقة ... فلا خيار, ولو كان يكسب في يوم ما يكفي ثلاثة أيام, ثم لا يكسب يومين أو ثلاثة, ثم

وَإنَّمَا يُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ يكسب في يوم ما يكفي الأيام الماضية ... فلا خيار؛ لأنه غير مغسر, ولا تشق الاستدانة لما يقع من التأخير اليسير, وكذا الحكم في النساج الذي ينسج في الأسبوع ثوبًا تفي أجرته بنفقة الأسبوع. وإذا عجز العامل عن العمل لمرض ... فلا فسخ إن رجي زواله في نحو ثلاثة أيام, وإن كان يطول ... فلها الفسخ, وإذا لم يستعمل البناء والنجار فتعذر النفقة, فإن كان ذلك نادرًا ... لا خيار, وإن كان يقع غالبًا ... فلها الخيار. والقادر على الكسب إذا امتنع كالموسر الممتنع إن أوجبنا الاكتساب لنفقة الزوجة. فرع: من كسبه حرام هل لزوجه الخيار؟ قال الماوردي والروياني: إن كانت أعيانًا محرمة كالسرقة وأثمان الخمور ... فنعم, وإن كان الفعل محظورًا كصنعة الملاهي ... فلا؛ لأنه يستحق بها الأجرة المسماة, ولا بد أن يستحق لتفويت عمله أجرًا, فيصير به موسرًا, قالا: وكذلك المنجم والكاهن يتوصل إليه بسبب محظور, لكنه يعطى عن طيب نفس, فيجري مجرى الهبة, وإن كان محظور السبب فيباح له إنفاقه. اهـ. واستشكل القمولي وغيره إباحة الإنفاق واستحقاق صانع الملاهي أجرة؛ لأنهم أطبقوا على أنا إذا حرمنا اتخاذ أواني النقدين لا أجرة لصانعها, وكذلك ما في معناها, والمعطي إنما دفع ذلك أجرة لا هبة, وقد صح: أن كسب الحجام خبيث, فالوجه خلاف ما قاله الماوردي والروياني, وسيأتي في (كتاب دعوى الدم والقسامة) ما يتعلق بتعلم السحر والكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والحصى والشعر وأخذ العوض عليها. قال: (وإنما يفسخ بعجزه عن نفقة معسر)؛ لأن الضرر يتحقق بذلك, فلو عجز عن نفقة المتوسط ... فلا خيار, ولم يصر الباقي دينًا, فلو كان يجد يومًا مدًّا ويومًا لا يجد شيئًا ... فلها الخيار على الصحيح, ولو وجد بالغداة ما يغديها وبالعشي

وَالإِعْسَارُ بِالكسْوَةِ كَهُوَ بِالَّنَفقَةِ, وَكَذَا بِالأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ فِي الأَصَحِّ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يعشيها ... فلا خيار على الأصح. قال: (والإعسار بالكسوة كهو بالنفقة)؛ لأن النفس غالبًا لا تبقى بدونها, وقيل: لا؛ لأنها ليست من ضروريات الخلقة. ويقال: إن صنفًا من الناس لا يلبثون الثياب, والمسألة مبنية على أن الكسوة تمليك أم لا. وسكت الشيخان عن الإعسار ببعض الكسوة, وقد ذكره أبو علي الفارقي في «فوائد المهذب» , وألحقه بالإعسار بالنفقة, وفي أطلاقه نظر, والمعتمد ما أفتى به ابن الصلاح وهو: أن المعجوز عنه إن كان مما لا بد منه كالقميص والخمار وجبة الشتاء ... فلها الخيار, وإن كان منه بد كالسراويل والنعل وبعض ما يفرش والمخدة ... فلا خيار, وفي «فتاويه»: أنه فكر أيامًا في الإعسار بالجبة أو ما يقوم مقامها هل لها الفسخ به؟ ثم قال: لها ذلك كالفسخ ببعض ما لا بد منه في النفقة. ولم يتعرض الشيخان للفسخ بالعجز عن الأواني والفرش ونحوها, ولا لثبوتها في الذمة, والظاهر: أنه لا فسخ بذلك. فرع: في «فتاوى الغزالي»: أنه لو أقر أجنبي للمعسر الغائب بدين فقالت الزوجة: إنما تريد منعي من الفسخ فاحلف أن له عليك ذلك ... لم يحلف البتة. فرع: في «فتاوى القفال»: أن الزوج لو غاب عنها فأنفق عليها أبوها ... نظر, إن كان ينفق نيابة عن الزوج ... سقطت النفقة عنه؛ لأنه أدى دينه عنه متبرعًا, وإن أنفق تبرعًا عليها ... فنفقتها باقية في ذمة الزوج تطالب بها إذا رجع. قال: (وكذا بالأدم والمسكن في الأصح)؛ لأنه يعسر الصبر على الخبز البحت, ولأن الإنسان لا بد له من مسكن يؤويه ويقيه الحر والبرد.

قُلْتٌ: الأَصَحُّ: الْمَنْعُ فِي الأُدْمِ, وَاللهُ أَعْلَمُ. وَفِي إِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ؛ أَظْهَرُهَا: تَفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والحوالة على المسجد كالحوالة في النفقة على السؤال, ووجه مقابله: أن النفس تقوم بدونه؛ فإنها لا تعدم مسجدًا أو موضعًا مباحًا, وعلى هذا: هل تبقى في ذمته؟ فيه وجهان: أصحهما: لا. قال: (قلت: الأصح: المنع في الأدم والله أعلم)؛ لأنه تابع والنفس تقوم بدونه, وهذا هو الصحيح في «الشرح الصغير» وفي «التنبيه» , وأقره عليه في «التصحيح» , وهو رأي الأكثرين. وتوسط الماوردي فقال: إن كان القوت مما ينساغ دائمًا للفقراء بلا أدم ... فلا خيار, وإلا ... فسخت. وأما نفقة الخادم ... فلا فسخ بالإعسار بها على الصحيح؛ لأن الخدمة مستحقة للدعة والترفه, ويقوم البدون بدونها فأشبهت المد الثاني, وتصير نفقة الخادم دينًا عليه؛ لأنها مستحقة مع الإعسار, فإن استأجرت من يخدمها ... رجعت عند يساره بالأجرة, وإن أنفقت على مملوكها ... رجعت عند يساره بنفقته, وإن خدمت نفسها ... رجعت بأقل الأمرين, قال الماوردي, وفيه نظر. كل هذا في المخدومة لرتبتها, فأما المخدومة لمرض ونحوه ... فالوجه: عدم الثبوت كالقريب. قال: (وفي إعساره بالمهر أقوال) المراد: المهر المفروض, أما المفوضة قبل الفرض ... فلا خيار لها؛ إذ لا تستحق مهرًا بالعقد, ولكن لها المطالبة بالفرض, فإذا فرض واستقر ... كان كالمسمى في العقد. قال: (أظهرها: تفسخ قبل وطء)؛ للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض كالإفلاس, سواء علمت بإعساره أم لا كما سيأتي, وهذا الفسخ على الفور كما صرح به الرافعي.

لاَ بَعْدَهُ. وَلاَ فَسْخَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ إِعْسَارُهُ فَيَفْسَخَهُ أَوْ يَاذَنَ لَهَا فيهِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا بعده)؛ لتلف المعوض, فصار العوض دينًا في الذمة, ولأن تسليمها يشعر برضاها بذمته. والقول الثاني: لا يثبت الفسخ مطلقًا؛ لأن النفس تقوم بدون المهر, فأشه نفقة الخادمة. والثالث: يثبت مطلقًا؛ لأنه عجز عن تسليم العوض, والمعوض باق بحاله, فأشبه ما إذا أفلس المشتري بالثمن. وأصل هذه الأقوال طرق, فلو أعسر ببعضه ... فالمختار عند الشيخ: أنه كما لو أعسر بجميعه وهو يختاره في كله عدم الفسخ؛ لأنه ليس في معنى المنصوص عليه. وقال ابن الرفعة: لا يثبت الخيار في الإعسار ببعضه. وما صححه الشيخان من الفسخ قبل الدخول محله إذا لم تقبض شيئًا منه, فإن قبضت بعضه وهو الغالب فأعسر بالباقي ... فأفتى ابن الصلاح بأنها لا تفسخ, بخلاف البائع إذا اقتصر على بعض الثمن ... فإنه يجوز له الفسخ بإفلاس المشتري عن باقيه, والفرق أن الزوج بإقباض بعض المهر استقر له من البضع بقسطه, فلو جاز للمرأة الفسخ ... لعاد إليها البضع بكماله؛ لأنه لا يمكن فيه التشريك, بخلاف المبيع؛ فإنه وإن استقر بعضه بقبض بعض الثمن لكن الشركة فيه ممكنة, وخالفه الشيخ شرف الدين البارزي فأفتى بالفسخ وإن قبضت البعض, وضعف الشيخ مأخذ البارزي وابن الصلاح. قال: (ولا فسخ حتى يثبت عند قاض إعساره فيفسخه أو يأذن لها فيه)؛ لأنه مجتهد فيه, وقيل: لها أن تتولى ذلك بنفسها من غير مرافعة كفسخ البيع بالعيب, ورجحه الشيخان في نظيره من العنة, والقياس التسوية بين البابين. هذا إذا قدرت على الرفع إلى القاضي, فإن لم يكن في الصقع قاض ولا محكم ... قال في «الوسيط»: لا خلاف في استقلالها بالفسخ. قال ابن الرفعة: وتترتب عليه أحكام الفسخ باطنًا, حتى لو أيسر بعده ... لم تمكنه من نفسها, ويحرم عليه أخذ ما خلفته عنه ميراثًا إذا أيسر قبل الموت.

ثُمَّ فِي قَوْلٍ: يُنَجَّزُ الْفَسْخُ, وَالأَظْهَرُ: إِمْهَالُهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ, وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابعِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (فيفسخ) منصوب عطفًا على الفعل المنصوب قبله, وكذا قوله: (يأذن). وهذه الفرقة فرقة فسخ على المنصوص لا تنقص عددًا كالفسخ بالجب والعنة. وفي قول مخرج: فرقة طلاق كما في الإيلاء, واستدل له بما تقدم من كتاب عمر إلى أمراء الأجناد. فعلى هذا: إذا ثبت الإعسار عند الحاكم ... يأمره بأن يتمحل وينفق, فإن أبى ... فيطلق الحاكم بنفسه أو يحبسه ليطلق, فيه الخلاف المذكور في الإيلاء, والأظهر: أن القاضي يطلق طلقة رجعية, فإن راجع ... طلق ثانية وثالثة. قال: (ثم في قول: ينجز الفسخ)؛ لأن سببه الإعسار وقد حصل. قال: (والأظهر: إمهاله ثلاثة أيام)؛ لأن الزوج قد يتعسر عليه وجود النفقة لعوارض ثم تزول, وهذه مدة قريبة يمكن تجزيئها باستقراض وغيره. والثالث: يمهل يومًا واحدًا, وأنكره الأكثرون. قال الرافعي: والقولان كالقولين في إمهال المولى والمرتد, فأوهم كلامه أن المولى والمرتد يمهلان ثلاثة أيام, والصحيح فيهما خلافه. قال: (ولها الفسخ صبيحة الرابع إلا أن يسلم نفقته) فإن سلم فلا فسخ ... لما مضى؛ لأنه صار دينًا عليه في ذمته, وليس لها جعل ما سلمه عما مضى؛ إذ العبرة بقصد المؤدي. وقوله: (نفقته) يفهم أنه لو سلمها ذلك عن يوم قبله ... كان لها الفسخ؛ لأنه لم يسلم نفقة الرابع, وظاهر عباره أنها تمكن من الفسخ بعد طلوع الفجر بلا مهلة, وبه صرح الإمام والغزالي, ولعلهما قالا ذلك؛ لأنهما يريان أن النفقة عند سلامة الحال تسلم عند طلوع الفجر, ويحتمل أن يفرق عند تحقق العجز هنا, بخلاف ما سبق, وظاهر إطلاق غيرهما: أنها لا تفسخ بطلوع فجره, بل بظهور العجز فيه.

وَلَوْ مَضَى يَوْمَانِ بِلاَ نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ وَعَجَزَ الرَّابعَ ... بَنَتْ, وَقَيِلَ: تَسْتَانِفُ. وَلَهَا الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ لِتَحصِيلِ النَّفَقَةِ, وَعَلَيْهَا الرُّجُوعَ لَيْلًا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: إذا اعتاد الدفع إليها ليلًا ... كان لها الفسخ؛ لأن هذا صيام الدهر, قال الرافعي: ويقرب منه ما ذكره صاحب «العدة»: أنه لو لم يجد النفقة في أول النهار وكان يجدها في آخره ... فلها الفسخ في الأصح, أو هي هي. وقال العجلي: الوجه اعتبار الضرر, فإن امكنها أن تبقي منه شيئًا إلى الغد ... فلا ضرر, وإن لم يمكن ذلك ... فلها الفسخ. قال: (ولو مضى يومان بلا نفقة وأنفق الثالث وعجز الرابع ... بنت) فتضم إلى اليومين الأولين يومًا آخر ثم تفسخ في اليوم الذي يليه؛ لأنها تتضرر بطول المدة عند الاستئناف. قال: (وقيل: تستأنف) أي: الأيام الثلاثة من أولها؛ لأن العجز الأول قد زال, وضعفه الإمام بأنه قد يتجدد ذلك عادة فيؤدي إلى ضرر عظيم. ولو لم يجد نفقة يوم ووجد نفقة الثاني وعجز في الثالث وقدر في الرابع ... لفقت أيام العجز, فإذا تمت مدة المهلة ... كان لها الفسخ. قال: (ولها الخروج زمن المهلة لتحصيل النفقة) إما بكسب وإما سؤال أو تجارة, سواء كانت غنية أم فقيرة, وليس له منعها حينئذ على الأصح؛ لأن التمكين والطاعة في مقابلة النفقة, فإذا لم يوفها ما عليه ... لم تستحق الحجر, وقيل: له ذلك؛ رعاية لحق الزوجية. وقيل: إن قدرت على الإنفاق من مالها أو كسب في بيتها كالخياطة والغزل ... فله منعها من الخروج, وإلا ... فلا, وبه جزم البغوي, وهو الظاهر من كلام المصنف, وأنه إذا كان عندها ما تحتاج إليه ... لم يجز لها الخروج, والمنصوص الأول. قال: (وعليها الرجوع ليلًا) أي: إلى منزل الزوج؛ لأن الله تعالى جعله سكنًا, وله أن يستمتع بها ليلًا لا نهارًا, فلو منعته الاستمتاع بالليل ... كانت ناشزة, أو بالنهار ... فلا؛ لأنه وقت كسبها.

وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَوْ نَكَحَتْ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ ... فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ ... وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسِارِهِ بِالْمَهْرِ ... فَلَا. وَلَا فَسْخَ لِوَليِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: كان ينبغي إذا سقط استمتاعه نهارًا أن تسقط النفقة كالأمة إذا سلمت ليلًا فقط ... فالجواب: أن المنع في الأمة من جهتها, وهنا المنع من جهته. قال: (ولو رضيت بإعساره أو نكحت عالمة بإعساره ... فلها الفسخ بعده) أي: بعد رضاها به؛ لأن الضرر يتجدد كل يوم, فرضاها بالآتي إسقاط للشيء قبل ثبوته, ولا أثر لقولها: رضيت بإعساره أبدًا؛ لأنه وعد لا يلزم الوفاء به, لكن يستثنى يوم الاختيار فلا خيار لها فيه, صرح به البندنيجي والبغوي في «الفتاوى». وإذا رضيت بالمقام معه ... لم يلزمها تمكينه, ولها الخروج كما تقدم, فإن مكنت ... ثبت لها في ذمته ما على المعسر من طعام وغدام وغيرهما. قال: (ولو رضيت بإعساره بالمهر ... فلا) أي: لا فسخ لها بعد ذلك؛ لأن الضرر لا يتجدد بخلاف النفقة. ولو نكحت عالمة بإعساره بالمهر ... فهل لها الفسخ؟ وجهان: رجح الشيخ منهما المنع كما لو رضيت به في النكاح ثم بدا لها. والثاني – وهو المنصوص الذي أورده الماوردي وجماعة –: نعم, وليس لها الامتناع بعد الدخول إذا مكناها من الفسخ واختارت المقام. ولا بد في الفسخ بالإعسار بالصداق من المرافعة إلى القاضي كما في النفقة, والخيار فيه بعدها على الفور, فلو أخرت ... سقط. قال: (ولا فسخ لولي صغيرة ومجنونة بإعسار بمهر ونفقة) وإن كان فيه مصلحتهما؛ لأن ذلك لا يدخل تحت الولاية. وأفهم أنه ليس لولي البالغة ذلك من باب أولى, والسفيهة البالغة هنا كالرشيدة, وفي هذه الحالة ينفق عليهما من مالهما, فإن لم يكن ... أنفق من عليه نفقتهما كنفقة الخلية.

وَلَوْ أَعْسَرِ زَوْجُ أَمَةٍ بَالنَّفَقَةِ ... فَلَهَا الْفَسْخُ, فَإِنْ رَضِيَتْ ... فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الأَصَحِّ, وَلَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إِلَيْهِ بِأَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا, وَيَقُولَ: افْسخِي أَوْ جُوعِي ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أعسر زوج أمة بالنفقة ... فلها الفسخ) كما أنها تفسخ بالجب والعنة, وهذا لأنها صاحبة حق في تناول النفقة. قال الرافعي والمصنف: لو أردت الفسخ ... لم يكن للسيد منعها, فإن ضمن النفقة ... فهو كالأجنبي يضمنها. اهـ. وهذا عجيب كيف يضمن رب الدين دينه. قال: (فإن رضيت ... فلا فسخ للسيد في الأصح)؛ لأن النفقة في الأصل لها ثم يتلقاها السيد. والثاني: له الفسخ؛ لأن الملك في النفقة له, وضرر فواتها يعود إليه, وكذلك الحكم لو كانت صغيرة أو مجنونة. وفي وجه ثالث: له الفسخ في الصغيرة والمجنونة دون المكاتبة. والخصومة في نفقة المدة الماضية للسيد لا لها كالصداق, وإنما حقها في النفقة الحاضرة والمستقبلة. ولو أقرت الأمة بقبضها وأنكره السيد ... فالمنصوص: أن القول قولها, وفيه وجه: أن القول قوله. ولو كانت مبعضة: فالظاهر: أنها كالقنة واولى بأن الفسخ لها لا للسيد. وإن كانت مكاتبة كتابة صحيحة ... فهل يجري الوجهان فيها, أو يقال: الأمر مفوض إليها لاستقلالها, أو يقال: إن كان الحط لها في الفسخ ... استقلت به؟ في كل ذلك احتمال. قال: (وله أن يلجئها إليه بأن لا ينفق عليها, ويقول: افسخي أو جوعي)؛ لأنه لا تلزمه نفقتها وهي مزوجة مسلمة إلى الزوج. تتمة: كل هذا في حق المكلفة, أما الصغيرة والمجنونة ... فيمتنع إلجاؤها.

فَصْلٌ: تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا, ... ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بـ (النفقة) عن إعساره بالمهر؛ فلا يثبت لها الفسخ به, بل هو للسيد على الصحيح؛ لأنه محض حقه, ولو أعسر زوج الأمة بالكسوة ... فالحكم كذلك فيه, كالإعسار بالنفقة؛ لأن الكسوة من ضرورتها. ولو عجز عن نفقة أم ولده ... قال أبو زيد: يجبر على عتقها أو تزويجها, والأصح: أنه لا يجبر على ذلك, بل يخليها لتكتسب وتنفق على نفسها. قال: (فصل: تلزمه نفقة الوالد وإن علا) , هذا هو السبب الثاني للنفقة وهو: القرابة, والموجب لها عندنا قرابة البعضية خاصة, فتجب للوالد على الولد وبالعكس, فمتى كان المنفق عليه بعضًا من المنفق بأن كان أحد أصوله أو فروعه ... وجب, ولا فرق في الطرفين بين الذكور والإناث فتجب نفقة الوالد وإن علا جدًّا كان أو جدة, وارثًا كان أو غير وارث؛ لقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} ومن المعروف القيام بكفايتهما. ولقوله تعالى: {ووصينا الإنسان بولديه حسنًا} , وقوله صلى الله عليه وسلم: «أطيب ما يأكل الرجل من كسبه, وولده من كسبه, فكلوا من أموالهم» حسنه الترمذي [1358] وصححه الحاكم [2/ 46]. ويدل له قوله تعالى: يعني: ولده, وبالقياس على نفقة الأولاد, بل أولى؛ لأن حرمة الوالد أعظم, والأجداد والجدات ملحقون بهما إن لم يدخلوا في عموم ذلك كما ألحقوا بهما في العتق بالملك وسقوط القود عنهم بالقتل ورد الشهادة؛ لوجود البعضية.

وَاَلْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ, وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والولد وإن سفل) أي: الحر ذكرًا كان المنفق أو أنثى؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} الآية, وقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فلما لزمت أجرة الرضاع .. كانت النفقة ألزم. وعند مالك: لا نفقة على الأم بحال, وهو وجه شاذ عندنا. وكما تجب نفقة الأولاد تجب نفقة الأحفاد, وعند مالك: لا نفقة على الجد بحال. وكما تجب نفقة الوالدين ... تجب نفقة الأحفاد والجدات, خلافًا لمالك. وفي (الصحيحين): (خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك). وكما تلزمه نفقة أبيه .. تلزمه نفقة عبده المحتاج لخدمته, وكذا زوجة أبيه كما قدمه في (باب الإعفاف) , بخلاف زوجة الابن على الأصح, لكن يستثنى ما لو كان القريب عبدًا .. فلا ينفق على قريبه, وكذلك إذا كان مكاتبًا لا تلزم ولده نفقته على الأصح في زوائد (الروضة)؛ لبقاء أحكام الرق. ووقع للشيخين في أوائل (قسم الصدقات) أن نفقته على القريب, والمعتمد ما تقدم. نعم؛ لو كان للمكاتب ولد من أمته .. وجبت عليه نفقته, لأنه تابع له يعتق بعتقه, ويعود للسيد إذا رق. وفي المبعض وجهان: أصحهما: أنه تلزمه نفقة القريب؛ لأنها كالغرامات. والأصح: أنه ينفق نفقة كاملة كالحر, وقيل: بحسب حريته. قال: (وإن اختلف دينهما) أي: المنفق والمنفق عليه؛ لعموم الأدلة ووجود الموجب وهو البعضية كالعتق والشهادة. وفارق الميراث؛ فإنه مبني على المناصرة, وهي مفقودة عند اختلاف الدين.

بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه- حكاه الجوري قولًا-: لا تجب على المسلم نفقة القريب الكافر؛ لأنها لإبقاء المهجة, ولا يجب إبقاء مهجة الكافر. وأوجب أبو حنيفة نفقة كل ذي محرم بشرط اتفاق الدين في غير الأبعاض؛ تمسكًا بقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. وأجاب الشافعي بأن المراد مثل ذلك في نفي المضارة كما قرره ابن عباس وهو أعلم بكتاب الله. واعتبر أحمد العصوبة, وقال مالك: لا نفقة على الجد ولا له كيف كان. ومحل الوجوب في صورة الكتاب في المعصوم, فالمرتد والحربي لا نفقة لهما. وأفتى ابن الصلاح بأن الابن لا تلزمه نفقة أب إسماعيلي مُصرّ على إلحاده, بخلاف نفقة الزوجة؛ فإنها معاوضة. وقيل: لا يشترط يسار الوالد في نفقة ولده الصغير, فيستقرض عليه ويؤمر بوفاته إذا أيسر كنفقة الزوجة؛ لأنه من توابع النكاح. قال: (بفاضل عن قوته وقوت عياله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها, فإن فضل شيء .. فلأهلك, فإن فضل عن أهلك شيء .. فلذي قرابتك) رواه مسلم. ومراد المصنف بـ (العيال): الزوجة, وفي معناها من يخدمها وأم الولد, ولو عبر بحاجته وحاجة عياله .. كان أعم من القوت. وعلم من ذلك أنه لا يشترط أن يكون فاضلًا عن الدين؛ فقد صرح الأصحاب في (باب الفلس) بوجوب نفقة القريب مع الديون, ووقع في كلام الرافعي في أوائل (قسم الصدقات) ما يوهم خلافه, وليس بمراد. قال: (في يومه) كما يعتبر ذلك في المفلس, والمراد: يوم والليلة التي تليه؛ لأن من لا يفضل عنه شيء بعد ذلك .. محتاج إلى المواساة, فلا يواسي غيره.

وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدِّيْنِ. وَيَلْزَمُ كَسُوبًا كَسْبُهَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويباع فيها ما يباع في الدين) من العقار وغيره؛ لأن النفقة حق مالي لا بدل له فأشبهت الدين. وعند أبي حنيفة: لا يباع العقار. وقيل: لا يباع الخادم والمسكن كما لا يباعان في الدين, وبه قال أبو حنيفة أيضًا. وفي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما: يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة. والثاني: يستقرض إلى يجتمع ما يسهل بيع العقار له فيباع, فلو لم يجد من لا يشتري إلا الجميع وتعذر الاستقراض .. بيع الجميع, وقد تقدم نظيره في (نفقة المرهون). قال: (ويلزم كسوبًا كسبها في الأصح)؛ لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذلك إحياء بعضه, وليست النفقة كالدين؛ فإن قدرها يسير والدين لا ينضبط قدره. والثاني: لا يلزمه كما لا يلزمه الاكتساب لقضاء الدين. والثالث: يكلف الولد أن يكتسب لأجل الولد دون عكسه. والرابع: تجب للولد الصغير دون البالغ. والخامس: تلزم الأب دون الأم؛ لعجزها غالبًا عن الاكتساب. قال الإمام: وموضع الخلاف إذا كان المنفق عليه عاجزًا عن الكسب, فإن قدر .. لم تجب على قريبه وجهًا واحدًا, وجعله ابن يونس فيمن لم تجر عادته بالاكتساب, فإن جرت .. لزمه قطعًا. وإطلاق غيرهما يقتضي طرده مطلقًا, وعلى كل حال: لا يكلف القريب أن يسأل الناس, ولا أن يقبل الهبة والوصية, فلو فعل وصار بذلك غنيًا .. لزمه مؤنة قريبه. وكذا لو أعطى من الزكاة ما يستغني به وفضل عن حاجته .. أنفق على غيره.

وَلَا تَجِبُ لِمًالِكٍ كِفَايَتَهُ وَلَا بِمُكْتَسِبِهَا. وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إِنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونَا, وَإِلاَّ .. فَأَقُوَالٌ, أَحسَنُهَا: تَجِبُ, وَالثَّالِثُ: لِأَصْلٍ لَا فَرْعٍ. قُلْتُ: اَلثَّالثُ أَظْهَرُ, وَاَللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي إذا فرض القاضي نفقة القريب .. لا يجب الاكتساب لها؛ لأنها بفرض القاضي صارت دينًا كما سيأتي, والدين لا يجب الاكتساب له. قال: (ولا تجب لمالك كفايته)؛ لاستغنائه عنها. قال: (ولا بمكتسبها)؛ لأنه غني بكسبه. هذا إذا اكتسب كفايته, فإن قدر على بعض الكفاية .. استحق القدر المعجوز عنه. قال: (وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زمنًا أو صغيرًا أو مجنونًا)؛ لعجزه عن كفاية نفسه, وفي معناه: العاجز بالمرض والمغمى عليه, فإذا بلغ الصغير حدًا يمكن أن يتعلم حرفة أو يحمل على الاكتساب في بعض الأيام .. فعلى الأب الإنفاق عليه. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن غير المكتسب صغيرًا ولا مجنونًا ولا زمنًا) .. فأقوال: أحسنها: تجب) للأصل والفرع؛ لأنه يقبح بالإنسان أن يكلف قريبه الكسب مع اتساع ماله, وبهذا قال أحمد, قال الرافعي: والفتوى اليوم عليه. والقول الثاني: المنع؛ لأنه قادر على الاكتساب مستغن عن أن يُحمّل غيره كَلَّه, وصححه الغزالي. قال: (والثالث: لأصل لا فرع, قلت: الثالث أظهر والله أعلم)؛ لعموم قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وليس من المعروف تكليفهما الكسب مع كبر السن, وهذا هو المصحح في (الشرحين) , ولا فرق في ذلك بين الابن والبنت. وقال أبو حنيفة ومالك: لا تجب للابن وتجب للبنت إلى أن تتزوج؛ لعجزها عن الاكتساب, ثم لا يعود استحقاق النفقة بالطلاق عند أبي حنيفة.

وَهِيَ الْكِفَايَةُ, وتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند مالك: إن كان الطلاق قبل الدخول .. عاد الاستحقاق, وإلا .. فلا. وقدرة الأم أو البنت على النكاح لا تسقط نفقتها, فإذا تزوجت .. سقطت بالعقد وإن كان الزوج معسرًا إلى أن يفسخ الحاكم النكاح؛ لئلا يجمع بين نفقتين, فلو نشزت وهي في عصمة الزوج .. لم تستحق النفقة على القريب؛ لقدرتها على النفقة بطاعة الزوج. فرع: إذا كان مال الولد الصغير غائبًا .. لزم الوالد أن ينفق عليه قرضًا موقوفا, فإذا وصل ماله .. رجع بما أنفق, سواء أنفق بإذن الحاكم أم بغير إذنه إذا قصد الرجوع, فإن هلك المال قبل قدومه .. لم يرجع عليه بما أنفق من حين تلف المال؛ لأنه بان أن نفقته واجبة عليه. قال: (وهي الكفاية)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأم) يشهد له. ودخل في الكفاية: القوت والأدم لأن الخبز البحت يسقط القوة, وخالف البغوي في الأدم, ويجب من المسكن والخادم والكسوة ما يحتاج إليه. وذكر الرافعي في (قسم الصدقات) أنه تجب أجرة القصد والحجامة والطبيب وشراء الأدوية؛ لأنها من جملة المؤن المحتاج إليها. وإذا سلمت نفقة القريب إليه فتلفت في يده .. فعليه الإبدال, وكذا لو أتلفها بنفسه, لكن يؤخذ من الضمان إذا أيسر في المسألة الثانية, وهو وإن كان مشكلًا لكونه قبض العين لغرض نفسه إلا أنه المنقول؛ فقد صرح به هكذا الشيخان والبغوي وابن الرفعة. قال: (وتسقط بفواتها) أي: بمضي الزمان وإن تعدي المنفق بالمنع؛ لأنها

وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلاَّ بِفَرْضِ أَوْ إذْنِهِ فِي افْترَاضٍ لغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجبت لدفع الحاجة الناجزة كما سبق, لكن يستثنى صورتان: إحداهما: إذا نفى الولد ثم استلحقه .. فإن أمه ترجع عليه بالنفقة. والثانية: نفقة الحمل لا تسقط بمضى الزمان وإن جعلنا النفقة له؛ لأن الزوجة لما كانت تستوفيها .. ألحقت بنفقتها. قال: (ولا تصير دينًا)؛لأنها من باب المواساة, فإذا اندفعت الحاجة من غير جهة القريب .. حصل المقصود. ولا يثبت في ذمة القريب سيء وإن تعدى بامتناع الإنفاق عليه. قال الإمام: ومن ثمرة ذلك: أنها لا يجب عليه تسليم النفقة له, فلو قال: كل معي .. وإن أعطاه نفقة أو كسوة .. لم يجز أن يملكها لغيره. قال: (إلا بفرض قاض أو إذنه في اقتراض لغيبة أو منع)؛ فإنها تصير دينًا بذلك, كذا في (الوسيط) و (الوجيز) وكتب الرافعي والمصنف, ولم يتعرض له غير هؤلاء من الأصحاب, ولم يحكه ابن الرفعة مع كثرة اطلاعه إلا عن الرافعي وقال المتولي: لا تستثنى إلا مسألة الاستقراض, وكذا القاضي أبو الطيب في (شرح الفروع) والجرجاني والبغوي والروياني. وممن صرح بالمنع مع فرض القاضي ابن القاص والقاضي أبو الطيب وأبو حاتم القزويني والشيخ أبو إسحاق في (التذكرة في الخلاف) والشيخ نصر المقدسي والمحاملي ومحمد بن يحيى والبندنيجي. وعبارة (الوجيز): لا تستقر إلا بفرض قاض, وتبعه على ذلك في (المحرر) و (المنهاج) , فيحتمل أن يكون بالقاف؛ أي: اقتراضه؛ لأن نفقة القريب إمتاع, وما لا تمليك فيه يستحيل مصيره دينًا في الذمة, وأيضًا الزمن الماضي قد حببت نفسه فيه فلا معنى لإيجاب نفقته. قال بعض الشارحين: والحق أن فرض القاضي بمجرده لا يؤثر عندنا بلا خلاف, ومن القضاة من يلزم بمقتضاه, وهو غلط, بل أكثر الفروض يكتبها الشهود: فرض فلان على نفسه لولده كذا, من غير حاكم ولا إذن من الفارض باستدانة عليه وإنفاق

وَعَلَيْهَا إِرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجوع ولا غير ذلك, ولا ريب أن وجود ذلك كعدمه. وقوله: (أو إذنه في اقتراض) يقتضي أنه الإذن يصير دينًا, ومحل الرجوع إذا استقرضت وأنفقت, فلو تأخر الاستقراض بعد إذن القاضي ومضى زمن .. لم يستقر فيه. ولو لم يكن هناك حاكم واستقرضت الأم عنه وأشهدت .. فعليه قضاء ما استقرضته, وإن لم تشهد .. فوجهان: مقتضى كلام الرافعي في (باب زكاة الفطر) ترجيح أنها لا ترجع, وإذا وجبت نفقة الأب أو الجد على الصغير أو المجنون .. أخذاها من ماله بحكم الولاية, والأم لا تأخذ إلا بإذن الحاكم, وكذا الابن إذا وجبت نفقته على الأب المجنون. وإذا امتنع القريب من نفقة قريبه .. فللمستحق الأخذ من ماله إن وجد جنسه, وكذا غير جنسه في الأصح. قال: (وعليها إرضاع ولدها اللبأ) وهو بالهمز: اللبن النازل أوائل الولادة؛ لأن الولد لا يعيش بدونه, ولبأ غيرها لا يغني فألحق بطعام المضطر. قال الرافعي: كذا أطلقوه, وكأنهم أرادوا الغالب أو أنه لا يقوى ولا يشتد إلا به, وإلا .. فشاهدنا من يعيش بدونه, وأنكر القاضي أبو الطيب ذلك قبل الرافعي. ثم لها أن تأخذ عليه أجرة إن كان لمثله أجرة كبدل الطعام للمضطر ببدله. وقال في (الحاوي): لو قيل: لا أجرة لها؛ لأنه حق واجب عليها .. لكان له وجه, وجعل الرافعي هذا الاحتمال وجهًا, وبه جزم صاحب (الكافي).

ثُمَّ بَعْدَهُ إِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلاِّ هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ .. وَجَبَ إِرْضَاعُهُ, وَإِنْ وَجَدَتَا .. لَمْ تُجْبَرِ الأُمُّ, فَإِنْ رَغِبَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ .. فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُ: لَيْسَ لَهُ, وَصَحَّحَهُ الأَكْثَرُونَ, وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقل من تعرض لمدة إرضاع اللبأ, وعبارة (البيان): وعليها أن تسقيه اللبأ حتى يروى, وظاهرها الاكتفاء بمرة واحدة. وقال الرافعي في (القصاص): مدة إرضاع اللبأ مدة يسيرة اهـ والظاهر: أن الرجوع في ذلك إلى العرف. قال: (ثم بعده) أي: بعد إرضاعه اللبأ (إن لم يوجد إلا هي أو أجنبية .. وجب إرضاعه) أي: على الأم في الأولى وعلى الأجنبية في الثانية؛ إبقاء للولد, ولهما طلب الأجرة من ماله إن كان, وإلا .. فمن أبيه. قال: (وإن وجدتا .. لم تجبر الأم) سواء كانت في نكاح الأب أم لا, وسواء كانت ممن ترضع مثلها الولد أم لا؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} , وإذا امتنعت .. حصل التعاسر, ولأنه في حق الصغير بمنزلة النفقة في حق الكبير, وهي لا تجب على الأم في يسار الأب, وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد. وعن مالك: روايتان. قال: (فإن رغبت وهي منكوحة أبيه .. فله منعها في الأصح)؛ لأنه يستحق الاستمتاع بها في وقت الرضاع, لكن يكره له المنع. واحترز بـ (منكوحة الأب) عما إذا كانت بائنًا منه؛ فإنها إن تبرعت .. لم يكن له انتزاعه منها, وغن طلبت أجرة .. فهي كالتي في نكاحه. وقيل: ليس له استئجارها, واستدل له الرافعي وابن الرفعة بقوله تعالى: {َإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وهو سهو منهما؛ فإن الآية في المطلقات لأن أولها: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). قال: (قلت: الأصح: ليس له منعها, وصححه الأكثرون والله أعلم)؛ لأن فيه إضرارًا بالولد لأنها عليه أشفق, ولبنها أصلح له وأوفق.

فَإِنِ اتَّفَقَا وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِ .. أُجِيبَتْ, أَوْ فَوْقَهَا .. فَلاَ, وَكَذَا إِنْ تَبَرَّعَتْ أَجنَبِيَّةٌ أّوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ فِي الأَظْهَرِ. وَمَنِ اسْتَوَي فَرْعَاهُ .. اتَّفَقَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (الكفاية) نسبة الأول إلى الأكثرين, وهو سهو. فإن قلنا: ليس له المنع أو توافقا عليه .. فهل تزاد نفقتها للإرضاع؟ فيه وجهان: أصحهما في (الروضة): لا. قال: (فإن اتفقا) أي: على أن الأم ترضعه (وطلبت أجرة مثل .. أجيبت) , بل هي أولى من غيرها؛ لوفور شفقتها, وهذا مبني على الأصح, وهو أن للزوج استئجار زوجته لإرضاع ولده. وقال العراقيون: لا يجوز؛ لأنه يستحق منفعتها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدًا آخر يمنع استيفاء الحق, ثم إن يمنع الإرضاع الاستمتاع ولم ينقصه .. كان لهما مع الأجرة النفقة, وإلا .. فلا نفقة, قاله البغوي وغيره. قال: (أو فوقها .. فلا)؛ لتضرره, وله في هذه الحالة استرضاع أجنبية. قال: (وكذا إن تبرعت أجنبية أو رضيت بأقل) من أجرة المثل (في الأظهر)؛ لأن في تكليفه الأجرة مع المتبرعة أو الزيادة عليها إضرارًا به, وقد قال تعالى: (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ). والثاني: تجاب الأم؛ نظرًا لها وللطفل, واختاره المزني, وصححه الجرجاني تبعًا لـ (التنبيه) , ويدل له عموم قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. وإذا قلنا بالأظهر أنها لا تجاب إذا وجدت متبرعة, فاختلفا فقال الأب: وجدتها, وأنكرت .. فهو المصدق بيمينه على النص؛ لأنه تشق عليه البينة. قال: (ومن استوي فرعاه .. اتفقا)؛لاستوائهما في موجب ذلك. والمراد: استويا في القرب, أو عدمهما, والذكورة والأنوثة كابنين أو بنتين, سواء استويا في اليسار أو تفاوتا, وسواء أيسرا بالمال أم بالكسب, أو أحدهما بالمال والآخر بالكسب, فإن كان أحدهما غائبًا .. أخذ قسطه من ماله, فإن لم يكن له مال .. اقترض عليه.

وَإِلاَّ .. فَالأَصَحُ: أَقْرَبُهُمَا, فَإِنِ اسْتَوَيَا .. فَبِالإِرْثِ فِي الأَصَحِّ, وَالثَّانِي: بِالإِرْثِ ثُمَّ بِالْقُرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن لم يستويا فيما ذكرناه (.. فالأصح أقربهما)؛ لأنه أولى بالاعتبار, فإن كان أحدهما أقرب .. فالنفقة عليه. ولا فرق بين أن يكون الأقرب وارثًا أو غير وارث, ولا بين أن يكون ذكرًا أو أنثى, هذه الطريقة المشهورة, ويقابلها اعتبار الإرث. قال: (فإن استويا .. فبالإرث في الأصح)؛ لقوته كابن وابن بنت, فيلزم ابن الابن لقوة قرابته. والثاني: لا أثر للإرث, بل القرابة المجردة موجبة للنفقة, والإرث غير مرعي في الباب. قال: (والثاني: بالإرث ثم بالقرب) أي المعتبر الإرث, فإن فقد .. فالقرب, وهذه هي الطريقة الثانية, فإن كان أحدهما وارثًا دون الآخر .. فالنفقة على الوارث وإن كان غير الوارث أقرب, فإن تساويا في الإرث وأحدهما أقرب .. فالنفقة على الأقرب, وإن تساويا في القرب أيضًا .. فالنفقة عليهما, ثم هل يستوي أو يراعى قدر القرب؟ فيه الوجهان. وإذا استويا في المنظور إليه هل يختص الذكر بالوجوب أو يستويان؟ وجهان. أمثلته: ابن وبنت: النفقة عليهما, سواء اعتبرنا القرب أو أصل الإرث, وإن اعتبرنا مقداره .. فعليهما أثلاثًا, أو الذكورة .. فعلى الابن فقط. بنت وابن ابن: هي على البنت إن اعتبرنا القرب, وعلى ابن الابن إن اعتبرنا الذكورة. ابن ابن وابن بنت: إن اعتبرنا القرب .. أو الإرث .. فابن الابن

وَالْوَارِثَانِ يَسْتَويَانِ أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ. وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ .. فَعَلَى الأَبِ, وَقِيلَ: عَلَيهِمَا لِبَالِغِ. أَوْ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ: إِنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ .. فَالأَقْرَبُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بنت ابن وابن بنت: إن اعتبرنا الإرث .. فبنت الابن, أو الذكورة .. فابن البنت, أو القرب .. فعليهما. بنت وابن بنت: إن اعتبرنا الذكورة .. فابن البنت, وإلا .. فالبنت إن اعتبرنا القرب أو الإرث. قال: (والوارثان يستويان أم يوزع بحسبه؟ وجهان) وجه الأول: اشتراكهما في أصل الوراثة, ووجه الثاني: إشعار زيادة الإرث بزيادة قوة القرابة, ولم يصحح في (الروضة) وأصلها شيئًا منهما أيضًا. وتقدم في (صلاة الجماعة) التنبيه على هذا المكان. وعبارة (الحاوي الصغير):والتساوي وزع, وهو الذي رجحه الرافعي في اجتماع الأصول. مثال ذلك: ابن وبنت, هل يلزمهما نصفين أو ثلاثًا؟ وجهان, وهل تقدم بالذكورة؟ وجهان: أصحهما: لا, خلافًا للعراقيين, فيختص الابن عندهم بالإنفاق دون البنت. قال: (ومن له أبوان .. فعلى الأب) هذا عكس الفصل المتقدم فإذا اجتمع للمحتاج أب وأم .. فالنفقة على الأب, أما إذا كان الابن صغيرًا .. فلا خلاف؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} , وكذا إن كان بالغًا في الأصح؛ استصحابًا للحكم الثابت في حال الصغر. قال: (وقيل: عليهما) أي: نصفين (لبالغ)؛ لاستواء القرب والولادة, فلو اجتمع أب الأب مع الأم .. فالمذهب أنها على الجد, وقيل: يلزم الأم لقربها, وقيل: عليهما أثلاثًا, وقيل: نصفين. قال: (أو أجداد وجدات: إن أدلى بعضهم ببعض .. فالأقرب) أي: فالنفقة على الأقرب بالاتفاق؛ لأنه مقدم في الميراث وغيره, فكذا هنا, فيقدم الأب على أبيه, وأمه على أبيها وأمها.

وَإِلَا .. فَبِالْقُرْبِ, وَقِيلَ: الإِرْثُ, وَقِيلَ: بِوِلاَيَةِ الْمَالِ, وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ .. فَقِي الأَصَحُ: عَلَى الْفَرْعِ وَإِنْ بَعُدَ. أَوْ مُحْتًاجُونَ .. يَقَدِّمُ زَوْجَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فبالقرب, وقيل: الإرث, وقيل: بولاية المال) أشار إلى أنه إذا لم يكن أحدهما يدلي بالآخر .. ففيه خمسة طرق: أصحهما: يقدم بالقرب على النحو المتقدم في الفروع. والثاني: بالإرث. والثالث: بولاية المال, فإن لم يكن لواحد منهما ولاية .. قدم من يدلي بالولي أو من هو أقرب إدلاء بالولي, فإذا استويا في الإدلاء .. اعتبر القرب. والرابع: تقدم بالذكورة. والخامس: بالإرث والذكورة معًا, وهذه الطرق هي الطرق المتقدمة في الفروع, إلا الطريق الثالث وهي ولاية المال؛ فإنها لا تأتي, ثم قال: (ومن له أصل وفرع .. ففي الأصح: على الفرع وإن بعد)؛ لأن عصوبته أقوى, وسواء كان الفرع وارثًا أو غير وارث, قريبًا أو بعيدًا. والثاني: أنها على الأب استصحابًا لما كان في الصغر. والثالث: عليهما؛ لاستوائهما في القرب, ولتعارض المعاني. فرع: أخوان لهما أب وجد ولا يقدر الأب إلا على نفقة أحدهما .. لزمه نفقته وعلى الجد نفقة الآخر, فإما أن يشتركا في الإنفاق عليهما, أو يختص كل بالإنفاق على واحد, فإن اختلفا .. أجيب من طلب الاشتراك. قال: (أو محتاجون) أي: اجتمع على الشخص الواحد محتاجون تلزمه نفقة كل منهم, لكنه لا يقدر إلا على كفاية بعضهم. قال:) .. يقدم زوجته)؛ لأنها آكد؛ إذ نفقتها لا تسقط بمضي الزمان, هذا الذي أطبق عليه الأصحاب, واعترض الإمام بأنها إذا كانت كذلك .. كانت كالديون,

ثُمَّ الأَقْرَبَ, وَقِيلَ: الوارِثَ, وَقِيلَ: الْوَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونفقة القريب في مال المفلس مقدمة عليها, فخرَّج احتمالَا في تقديم نفقة القريب, وأيده بالحديث المتقدم أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن معي دينارًا, قال: (أنفقه على نفسك) , قال: معي آخر, قال: (أنفقه على ولدك) , قال: معي آخر, قال: (أنفقه على أهلك) فقدم الولد على الأهل, كذا رواه أبو داوود [1688] , ولكن رواه النسائي [سك 9137] بتقديم الزوجة على الولد فتعارضت الروايتان. وفي وجه: أن نفقة الطفل تقدم عليها؛ لاحتياجه. قال: (ثم الأقرب) أي: (وقيل: الوارث, وقيل: الولي) المراد: أنه يقدم بعد نفقة الزوجة الأقرب أو الوارث أو الولي, فيه الطرق المتقدمة. مثاله: ابن وبنت, وابن ابن ابن, وأبوان: فهي للأول على الأول وللثاني على الثاني وللثالث على الثالث. تتمة: عنده ما ينفق على واحد, وله أب وأم .. تقدم الأم على الأصح؛ لامتيازها عن الأب بالحمل والوضع والرضاع والتربية, ولذلك كان لها ثلاثة أرباع البر بالاتفاق؛ لما روى الشيخان [خ 5971 - 2548م] عن أبي هريرة: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أبوك). والوجه الثاني: يقدم الأب مكافأة له؛ لتقدمه في وجوب النفقة عليه مع امتيازه بالعصوبة. والثالث: يستويان؛ لاستوائهما في القرابة والدرجة. وفي زكاة الفطر يقدم الأب عليها في الأصح كما تقدم في بابه؛ فإنها تطهير والأب به أولى.

فَصْلٌ: الْحَضَانَةُ: حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ وَتَرْبِيتَهُ. وَالإِنَاثُ أَلْيَقُ بِهَا, وَأوْلاَهُنَّ: أُمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: الحضانة: حفظ من لا يستقل) أي: عما يؤذيه, وهي بفتح الحاء: مأخوذة من الحضن بكسرها وهو الجنب؛ لأنها تضمه إلى حضنها, وتنتهي بالتمييز, ثم بعده إلى البلوغ تسمى كفالة, قاله الماوردي. والمراد: من لا يستقل بأمر نفسه؛ لعدم تمييزه, ليشمل الطفل والكبير والمجنون ومن به خبل وقلة تمييز. والأصل فيها: قوله تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} والأحاديث الآتية في الباب. قال: (وتربيته) التربية: التنمية وحسن القيام عليه حتى يفارق الطفولية, بالقيام بتعهده من طعامه وشرابه, وقضاء حاجته, وغسل بدنه وثيابه من النجاسة والوسخ, وتنويمه وتمريضه وتحنيكه وتمشيطه, وغسل وجهه وأطراف يديه, ونحو ذلك من مصالحه. قال: (والإناث أليق بها) مع أنها نوع ولاية وسلطنة؛ لأنهن أهدى إلى التربية, فهن بها أخبر وعليها أصبر لفرط حنوهن. ومؤنة الحضانة على من تجب عليه النفقة, ولهذا ذكرت عقيب النفقات, وقيل: لا أجرة لها بعد الفطام. قال: (وأولاهن: أم)؛ لوفور شفقتها, وروى الحاكم [2/ 207] وأبو داوود [2270] عن ابن عمرو: أن امرأة قالت: يا رسول الله؛ إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء, وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني, فقال صلى الله عليه وسلم: (أنت أحق به ما لم تنكحي). فإذا امتنعت الأم .. لم تجبر؛ لأن من ترك حقه .. لم يجبر على استيفائه, فإذا وجبت عليها بأن لم يكن أب وإن علا ولا مال له .. فتجبر كما يجبر من امتنع من الحق.

ثُمَّ أُمَّهَاتٌ يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ يُقَدَّمُ أَقْرَبَهُنَ. وَالْجَدِيدُ: تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ أُمُّ أَبِ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمدْلِياتُ بإِنَاثٍ ثُمَّ أُمُ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ, ثُمَّ أَمُ أَبِي جَدِّ كّذَلِكَ, وَالقَدِيمُ: الأَخَواتُ وَالخَالَاتُ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يستثنى من إطلاق المصنف ما لو كان للمحضون زوجة كبيرة وكان له بها استمتاع أو لها به استمتاع .. فغنها أولى بكفالته من جميع الأقارب, وإن لم يكن استمتاع .. فالأقارب أولى, قاله الروياني وغيره, وسكتا عليه في (الشرح) و (الروضة) لكن أفتى الشيخ تاج الدين الفزاري بخلافه. ومنها: اجتمع على الطفل أبواه, فإن كانا باقيين على النكاح .. كان الطفل معهما يقومان بكفايته, الأب بالإنفاق والأم بالحضانة والإرفاق, وإن افترقا بفسخ أو طلاق .. فالحضانة للأم بالاتفاق. وقال ابن كَجَّ: تثبت لبنت الرقيق حضانته إذا لم يكن له أبوان. ولا حق للمحرم بالرضاع في الحضانة ولا في الكفالة, ولا للمولى وعصبته على المذهب. قال: (ثم أمهات يدلين بإناث)؛ لمشاركتهن إياها في تحقيق الإرث والولادة. قال: (يقدم أقربهن) لوفور الشفقة. قال: (والجديد: تقدم بعدهن أم أب)؛ لمشاركتها للأم في المعنى المذكور, وإنما قدمت عليها أمهات الأم وإن علون؛ لأن الولادة فيهن محققة وفي أمهات الأب مظنونة, ولأنهن أقوى من أمهات الأب؛ لأنهن يسقطن بالأب. قال: (ثم أمهاتها المدليات بإناث) أي: وارثات. قال: (ثم أم أبي أبٍ كذلك, ثم أم أبي جد كذلك) أي: يدلين بإناث؛ لأن لهن ولادة ووراثة كالأم وأمهاتها. قال: (والقديم: الأخوات والخالات يقدمن عليهن) أما الأخوات .. فلأنهن ركضن مع الطفل في صلب واحد وبطن واحدة, وشاركنه في النسب, فهن أشفق

وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ عَلَى خَالَةٍ, وَخَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَأُخْت] , وَبِنْتُ أَخٍ وَأخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ, وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَالأَصًحُ: تَقْدِيمُ أُخْتِ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٌ, وَخَالَةٍ وَعَمَةٍ لأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٌ. وَسُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه, وأما الخالات .. فلقوله عليه الصلاة والسلام في قصة ابنة حمزة: (الخالة بمنزلة الأم) رواه البخاري [2700]. وقال السدي في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} يعني: أباه وخالته. وأجاب في الجديد بأن النظر هنا إلى الشفقة, وهي في الجدات أغلب. قال: (وتقدم أخت) أي: من أي جهة كانت (على حالة)؛ لقربها. قال: (وخالة على بنت أخ وأخت)؛ لأنها كالأم. قال: (وبنت أخ وأخت على عمة) كما يقدم ابن الأخ في الميراث على العم. قال: (وأخت من أبوين على أخت من أحدهما)؛ لأنها اشتملت على ما اشتمل عليه كل منهما وزيادة, ولا يجري هنا خلاف تحميل العقل وولاية النكاح في التسوية بين الشقيق وغيره؛ لان للأنوثة مدخلًا في هذا الباب, فلذلك يرجح الشقيق. قال: (والأصح: تقديم أخت من أب على أخت من أم)؛ لقوة إرثها, لأنها قد تصير عصبة, وأجاز المزني وابن سريج تقديم الأخت على الأم؛ لأنها تدلى بالأم فقدمت على من تدلى بالأب كما تقدم أم الأم على أم الأب. قال: (وخالة وعمة لأب عليهما لأم)؛ لقوة الجهة. والثاني: تقدم الخالة للأم والعمة للأم عليهما؛ لان تقديم الأخت للأب على الأخت للأم كان لقوتها في الإرث ولا إرث هنا, وقيل: لا حضانة للخالة للأب أصلًا؛ لأنها تدلي بأب الأم فأشبهت أم أبي الأم, أما عمات الأم .. فلا حضانة لهن؛ لإدلائهن بذكر غير وارث. قال: (وسقوط كل جدة لا ترث) وهي من تدلى بذكر بين أنثيين كأم أبي الأم؛ لأنها أدلت بمن لا حق له في الحضانة فأشبهت الأجانب.

دُونَ أُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ [كَبِنْتِ خَالَةٍ].وَتَثْبُتُ لَكُلِّ ذَكَرٍ مَحْرَمٍ وَارِثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لهن الحضانة, لكن يتأخرن عن كل امرأة تستحق الحضانة, فتثبت لهن عند انفرادهن. والثالث: أنها لهن, لكن يتأخرن عن الجدات الوارثات, ويتقدمن على الأخوات والخالات؛ لأصالتهن. وعلى المذهب: يستحق تقديمهن عند انفرادهن على الأجنبيات, وفي معنى الجدة الساقطة كل محرم يدلى بذكر لا يرث كبنت ابن البنت وبنت العم لأم. قال: (دون أنثى غير محرم [كبنت خالة]) هذا معطوف على الأصح, قال الرافعي: فتستحق بنت الخال والخالة وبنت العم وبنت العمة الحضانة؛ لشفقتهن وهدايتهن. والثاني-وهو الأظهر عند الغزالي-: لا استحقاق لهن؛ لان الحضانة تحوج إلى معرفة بواطن الأمور , فالأولى تخصيصها بالمحارم, وتبعه في (الروضة) على ذلك. قال في (المهمات): (وهو مستقيم إلا في بنت الخال؛ فإنها تدلى بذكر غير وارث, وقد تقرر أن من كانت بهذه الصفة .. لا حضانة لها, وإذا لم نثبتها لأم أبي الأم بهذا المعنى مع وجود الولادة فيها .. فبطريق الأولى بنت الخال, بخلاف بنت الخالة والعمة؛ فغنها تدلى بأنثى, وبخلاف بنت العم؛ فإنها تدلى بذكر وارث) اهـ نعم؛ إنما تثبت لبنت الخالة والخال وبنت العمة والعم الحضانة في ذكر لا يشتهى, وإلا .. فلا حضانة لهن, وكأن المراد أنه لا تثبت لهن الكفالة؛ لأنها بعد سن التمييز لا تسمى حضانة. قال: (وتثبت لكل ذكر محرم وارث) , لما انتهى محض الإناث .. شرع في اجتماع محض الذكور وكيفية ترتيبهم عند اجتماعهم, وهم أربعة أصناف: محرم وارث. ووارث غير محرم. ومحرم غير وارث.

عَلَى تَرْتِيبِ الإِرْثِ, وَكَذَا غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمَّ عَلَى الصَّحِيحِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس بمحرم ولا وارث. فالمحرم الوارث كالأب والجد وإن علا, والأخ وابنه والعم تثبت له الحضانة؛ لوفور الشفقة وقوة المرتبة بالإرث والمحرمية. وقيل: لا حضانة لغير الأب والجد؛ لما لهما من الولادة ووفور الشفقة والاعتناء بأمر الولد. وقيل: لا حق لأخ الأم؛ لعدم العصوبة, والمذهب المجزوم به: الأول. قال: (على ترتيب الإرث) فيقدم الأب ثم الجد وإن علا, ثم أخ لأبوين ثم لأب ثم لأم, ثم ابن أخ شقيق ثم ابن أخ لأب, ثم عم لأبوين ثم عم الجد. وعلى قول ابن سريج المتقدم: يقدم الأخ للأم على الأخ للأب, ومنهم من لم يثبته هنا. وفي وجه: يتأخر الأخ للأم عن الأعمام, وجزم به جماعة, وقيل: لا حق له فيها. وذكر الماوردي وجهًا: أن الأعمام يقدمون على بني الإخوة لأبوين أو لأب, لكن قوله: (على ترتيب الإرث) فيه نظر؛ لأن الجد في الإرث لا يقدم على الأخ, فلو قال: على ترتيب ولاية النكاح .. كان أولى. قال: (وكذا غير محرم كابن عم على الصحيح) هذا هو الصنف الثاني, وهو وارث بالقرابة ليس بمحرم كابن العم وابنه وابن عم الأب وابن عم الجد, فلهم الحضانة؛ لوجود القرابة والإرث والشفقة. والثاني: لا؛ لفقد المحرمية. فغن قيل: يرد على إطلاقه المعتق؛ فغنه وارث غير محرم, ولا حضانة له على الصحيح؛ لعدم القرابة التي هي مظنة الشفقة .. فالجواب: إن في تمثيله بابن العم إشارة إلى إرادة القرابة, لكن كلامه مفروض في ابن عم له الحضانة, وهو الذي لم تعارضه الأم, فإن عارضته .. فهي أحق قطعًا كما قاله في (الروضة) , ووجهه في (المطلب) بان ابن العم لو كفلها .. لأمر بالوضع عند امرأة ثقة, فالأم أولى.

وَلَا تُسَلَّمُ إِلَيهِ مُشْتَهَاةٌ بَلْ إِلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا. فَإِنْ فُقِدَ الإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ أَوِ الإِرْثُ .. فَلَا فِي الأصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تسلم إليه مشتهاة) حذرًا من الخلوة المحرمة, وأفهم أن الذكر ومن لا تشتهى يسلمان إليه, وهو كذلك حيث لا محذور. قال: (بل إلى ثقة يعينها)؛ لأن الحق له في ذلك, فيقيم امرأة ثقة بأجرة أو غيرها, فيسلمها إليها ويراعي هو مصالحها من وراء الستر. وقوله: (يعينها) بضم الياء وفتح العين وتشديد الياء المثناة, من التعيين لا من المعونة, فإن كانت له بنت سلمت إليه, كذا في (الشرح) و (الروضة) , وفي (تصحيح التنبيه): أنه تسلم إليه المشتهاة إذا كان له بنت مميزة, والاكتفاء بالتمييز بعيد, والصواب: أنه يشترط في ابنته البلوغ وان تكون ثقة كما يشترط في الأجنبية. فرع: إذا أثبتناها لأولاد العم .. ففي المعتق عند فقد الأقارب وجهان: أصحهما: لا حضانة له؛ لعدم القرابة التي هي مظِنَّة الشفقة. فعلى هذا: لو كانت له قرابة وهناك من هو أقرب منه .. فهل يرجح بالولاء؟ فيه وجهان: صحح المصنف: أنه لا يرجح, مثاله: عم وابن عم معتق. قال: (فإن فقد الإرث والمحرمية) وهو الصنف الثالث؛ كابن خال وابن خالة وابن عمة. قال: (أو الوارث) أي: مع وجود المحرمية, وهو الصنف الرابع؛ كأبي الأم والخال والعم للأم وابن الأخت وابن الأخ للأم. قال:) .. فلا في الأصح)؛ لضعف قرابته؛ لأنه لا يرث بها ولا يلي ولا يعقل. والثاني: له حق فيها؛ لوفور شفقته. وعلى هذا: يقدم منهم أبو الأم قطعًا, ثم بعده؟ قيل: يقرع بين الخال والعم للأم, والأشبه: تقديم من قوي سبب إدلائه, فيقدم الخال.

فَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ .. فَالأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمًّ الأَبُ, وَقِيلَ: تُقَدَّمُ: عَلَيِهِ الْخَالَةُ والاختُ مِنَ الأُمِّ. وَيُقَدَّمُ الأَصْلُ عَلَى الحًاشِيةِ, فَإِنْ فُقِدَ .. فَالأَصَحُّ: الأَقْرَبُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعبير المصنف بـ (الأصح) هو في الثانية واضح, وفي الأولى مستدرك بأن في (الروضة) طرقتين: المذهب: لا حضانة, وقيل وجهان. ووقع في (الروضة) و (أصلها): أن الخالة مقدمة على الخال بعد تصحيحها أن الخال لا يحضن, فهو إما مفرع على الضعيف أو مؤول بأنها تقدم عليه, أي: بمنعه الحضانة, لا أنه يحضن بعدها, وهو تأويل ضعيف. قال: (فإن اجتمع ذكور وإناث .. فالأم)؛ للخبر المتقدم, ولأنها ساوت الأب في القرب والشفقة واختصت بالولادة المحققة وبصلاحية الحضانة بسبب الأنوثة وغير ذلك. قال: (ثم أمهاتها)؛ لأنهن في معنى الأم في الشفقة والأنوثة والإرث والولادة المحققة, فلو نكحت الأم ورضي الأب والزوج بكونه عندها .. سقط حق الجدة على الأصح, كذا في (أصل الروضة) , وهو كذلك في (التهذيب) و (الكافي). وقيل: لا يسقط حق الجدة برضا الأب, وهو أقبس, ويوافقه قول المصنف من بعد: (وناكحه غير أبي الطفل) , واستغرب في (المطلب) الأول وقال: كيف يسقط حق الشخص برضا غيره, لكنه وافق في (الكفاية) تصحيح (الروضة). قال: (ثم الأب) أي: يقدم على أمهاته على الصحيح؛ لأنه أصلهن, وقيل: يقدمن عليه؛ لولادتهن وزيادة صلاحيتهن للحضانة, وهذا بعيد, ومحال أن يدلى شخص بشخص ويقدم عليه. قال: (وقيل: تقدم عليه الخالة والأخت من الأم)؛ لإدلائهما بالأم فيسقط الأب بهما, ولو حذف المصنف قوله: (من الأم) .. لكان أخصر وأشمل؛ لأن في كل واحدة من الأخوات الثلاث وجه: أنها تقدم على الأب. قال: (ويقدم الأصل على الحاشية)؛ لقوتهم. قال: (فإن فقد) أي: من ذكرنا من الأصول) .. فالأصح: الأقرب) كالإرث, ذكرًا كان أو أنثى.

وَإِلَا .. فَالأُنْثَى, وَإِلاَّ .. فَيُقْرَعُ. وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فالأنثى) أي: فإن فقد الأقرب واستوي اثنان أو جماعة في القرب .. فالأصح: التقديم بالأنوثة؛ لما سبق من أنهن أصبر وأبصر. قال: (وإلا .. فيقرع) أي: عند الاستواء من كل وجه كالأخوين والأختين, فيقطع النزاع بالقرعة. والوجه الثاني: أن نساء القرابة وإن بعدن أحق بالحضانة من الذكور وإن كانوا عصبات؛ لأنهن أصلح لها, وصححه صاحب (الانتصار). والثالث: العصبات أولى منهن؛ لقوة نسبهن. قال الرافعي: وكان يجوز أن يقدم بما تقدم به المتزاحمان على اللقيط. فرع: الأخت مع الجد كهي مع الأب, قال المتولي: ويخالف الميراث؛ فإنه يقبل التبعيض, والحضانة لا تقبله, ولو كان في أهل الحضانة خنثى .. فهل يتقدم على الذكر في موضع لو كان أنثى لتقدم لاحتمال الأنوثة أو لا لعدم الحكم بها؟ وجهان: الأصح عند المصنف: الثاني. وإذا أخبر عن ذكوريته أو أنوثته .. عمل بقوله في سقوط الحضانة, وهل يعمل به في استحقاقها أو لا للتهمة؟ وجهان: قال المصنف: أصحهما يعمل, وهو الجاري على قواعد المذهب في نظائره, والذي قاله المصنف هو المعتمد المفتى به كما بينه في (نواقض الوضوء) من (المهمات). قال: (ولا حضانة لرقيق) ولو كان مكاتبًا أو مبعضًا وأذن السيد؛ لأنها ولاية ليس من أهلها, ثم إن كان الولد حرًا .. فالحضانة لمن له الحضانة بعد الأم الحرة من أب وغيره, وإن كان رقيقًا .. فحضانته لسيده, وهل له نزعة من الأم وتسليمه إلى غيرها؟ وجهان بناء على التفريق, والأصح: منعه, بل يقر في يدها, هذا هو الصواب ووقع في (الروضة): هل له نزعة من الأب وتسليمه إلى غيره, وهو سبق قلم.

وَمَجْنُونٍ, وَفَاسِقٍ وَكَفِرٍ عَلَى مُسْلِمِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كانت الأم حرة والولد رقيق؛ بأن سبي طفل ثم أسلمت أمه أو قبلت الذمة .. فحضانته للسيد, وفي الانتزاع منها الوجهان, كذا قاله الشيخان. وهذا إنما يتصور فيما إذا لم يكن تبع السابي في الإسلام, فإن تبعه فيه .. فلا يسلم إلى الأم على المذهب, لكن تستثنى من إطلاق المصنف: أم ولد الكافر إذا أسلمت .. يتبعها ولدها في الإسلام وحضانته لها وإن كانت رقيقة, كذا نقل الشيخان في كتاب (أمهات الأولاد) عن أبي إسحاق المروزي وأقراه, وكأن المعنى فيه: فراغها لمنع السيد من قربانها مع وفور شفقتها. قال: (ومجنون)؛ لأنه محضون. ولا فرق بين الجنون المطبق والمتقطع, إلا أن يقل جنونه كيوم في سنين مثلًا .. فلا يمنع. وأما المرض الذي لا يرجى زواله كالسل والفالج إذا كان يشغله الألم عن الكفالة, فإن شغله عن النظر .. أسقط, وإن أثر في الحركة والتصرف .. أسقط أيضًا في حق من يباشر بنفسه دون غيره. قال: (وفاسق)؛ لأنه لا يلي ولا تؤمن خيانته وتقصيره في الحفظ والتربية, وعبارة (المحرر): وتشترط العدالة) , وعبارة جماعة: (الأمانة) , والمعروف: أنه لا يشترط تحقق العدالة الباطنة, بل تكفي الظاهرة كشهود النكاح كما جزم به الماوردي والروياني, وهو المعتمد, لا ما وقع في (فتاوى المصنف) من ثبوت الأهلية عند الحاكم, وذكر في (باب الحجر) من (الروضة) نحوه. وجمع بعض مشايخنا بين كلامي الماوردي والمصنف بأنهما إن تنازعا في الأهلية بعد تسليمها الولد .. لم ينزع من يدها, ويقبل قولها في الأهلية وإن كان قبل لم يسلم إليه إلا بعد الثبوت, وهو حسن. قال: (وكافر على مسلم)؛ لأنه لا ولاء به له عليه, ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا, ولأنه يخشى أن يفتنه. وقيل: يثبت له الحق؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم خير غلامًا بين أبيه المسلم وأمه الكافرة, فمال إلى الأم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم, اهده)

وَنَاكِحَةٍ غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فعدل إلى أبيه، لكن الخبر ضعيف، وإن صح .. فيحتمل نسخه بالآية المتقدمة، أو حمله على أنه صلى عليه وسلم علم أنه يستجاب دعاؤه، وإنما خير؛ استمالة لقلب أمه. وقيل: الأم الذمي أحق بالحضانة من الأب المسلم إلى أن يبلغ سبع سنين ثم الأب. وعلى الأول: حضانته لقريبه المسلم، ثم هي على سائر المسلمين. وأفهم كلامه: ثبوتها للكافر على الكافر، وهذا لا خلاف فيه، وأمه أولى من أبيه، ولقريبه المسلم حضانته على الأصح؛ لأن ذلك قد يكون سببًا لإسلامه. قال: (وناكح غير أبي الطفل)، سواء دخل بها أم لا، وسواء كان حاضرًا أو غائبًا؛ لما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام: (أنت أحق به ما لم تنكحي) وروى الدارقطني [3/ 304]: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الأم أحق بولدها ما لم تتزوج). ولأنها مشغول بحق الزوج فيتضرر الولد بذلك، ولا أثر لرضا الزوج كما لا أثر لرضا السيد بحضانة الأمة فقد يرجعان فيتضرر الولد. والمراد: أبو الطفل وإن علا، فإذا تزوجت جده .. فالنص: أن لها الحضانة، وحمله الجمهور على أبي أبيه؛ لأن له حقًا فيها فلا يسقط نكاحه حقها، كما لو كانت في نكاح الأب. وصور المسألة ك أن يتزوج من له أب من لها أم، فتأتي بولد منه فتموت الزوج، فحضانته لأمها، فإذا تزوجت .. سقطت حضانتها، إلا أن يتزوج جد الطفل وهو أبو زوج بنتها، فإن كانت مزوج بأبي الأم .. فلا حضانة لها؛ لأنه لا حضان له على الصحيح، ولذلك جزم المصنف في (فتاويه) تبعًا للبغوي بأنها إذا تزوجت به أو بغيره من ذوي الأرحام .. سقطت حضانتها.

إِلَّا عَمَّهُ وَابَن عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ رَضِيعًا .. اشْتَرِطَ أَنْ تُرْضِعَهٌ عَلَى الصَّحِيحَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يستثنى من سقوط حضانتها بالتزويج: ما إذا خالعها الزوج على ألف مثلًا وحضانة الصغير سنة، فتزوجت في أثناء السن .. فإنه لا ينزعه منها؛ لأن الإجارة عقد لازم، قاله القاضي حسين. كل هذا إذا رضي الزوج بأنها تحضنه، فإن لم ترض بذلك .. سقط حقها. قال: (إلا عمه وابن عمه وابن أخيه في الأصح)؛ لأن هؤلاء أصحاب حق في الحضانة، والشفقة تحملهم على رعاية الطفل، فيتعاونون على كفالته، بخلاف الأجنبي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بابنة حمزة لخالتها وهي متزوجة بابن عم أبيها. والثاني: يبطل حقها؛ لاشتغالها بالزوج، ولا حق له في الحضانة الآن، فأشبه الأجنبي، وبهذا أفتى ابن الفركاح، وقال: إنه مذهب الشافعي، وليس كما قال. والصورة الثالثة – وهي ابن أخيه – إنما تفرض في غير الأم وأمهاتها؛ بأن يزوج أخته لأمه بابن أخيه لأبيه، فإن الأصح: أن أخته كالأم مقدم على الأخ لأب. قال: (وإن كان رضيعًا .. اشترط أن ترضعه على الصحيح)؛ لعسر استئجار مرضعة يترك عندها، أو ينتقل إلى مسكن الأم. والثاني: لا، وصححه البغوي؛ لأن لها الحضانة، وعلى الأب استئجار مرضعة. فروع: من موانع الحضانة: المرض الشاغل عن الكفالة وتدبير المكفول كالسل والفالج، وأن لا يكون مغفلًا قاله الجرجاني. والعمياء لا حضانة لها كما أفتى به عبد الملك بن إبراهيم المقدسي، وأفتى ابن

فَإِنْ كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاح بان الولد إن كان صغيرًا .. فلها الحضانة؛ لأنه يمكنها أن تحضنه، وإن كان كبيرًا .. فلا. وأفتى ابن البزري بأنه يختلف باختلاف أحوالها، فإن كانت ناهضة بحفظه وتدبيره ووقايته الأسواء والقيام بمصالحه ودفع مضاره .. فلها الحضانة، وإن كانت عاجزة .. فلا حضانة لها. وقال ابن الرفعة: لم أر فيها نقلًا، غير أن كلام الإمام يستنبط منه: أنه مانع، وأفتى شيخنا وشيخه البارزي: أنه9 ليس بمانع، مستدلين بأن الحضانة يجوز الاستئجار لها، فيثبت لها الحق ثم يستأجر من يقوم بذلك، لكن قال الماوردي: لو أراد الأب أن يستنيب قي كفالة ولده .. جاز، وإن أرادت الأم الاستنابة .. لم يجز؛ فاختصاص الأب بالمراعاة وهي ممكن مع استنابته، واختصاص الأم بمباشرة التربية وهي مفقودة مع استنابتها. ووقع السؤال عن حاضنة أصابها جذام أو برص .. هل للولي أخذ الطفل منهما؟ قال شيخنا: إن كانت ترضعه .. فنعم، وإن كان مميزًا مستقلًا .. فلا، وفيه نظر إذا كان يخالطها. وقال في (الحاوي) في باب (اللقيط): يشترط في الحاضن: أن لا يكون محجوزًا عليه بسفه، ولم يذكر المسألة سواه. قال: (فإن كملت ناقصة) كما إذا أسلمت الكافرة أو أفاقت المجنونة أو عتقت الأمة أو حسن حال الفاسقة.

أَوْ طَلَقَتِ الْمَنْكُوحَةُ .. حَضَنَتْ، وَإِنْ غَابَتِ الأُمُ أَوِ امْتَنَعَتْ .. فَلِلْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُمُيِّزِ، وَالْمُمَيِّزُ إِنِ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ .. كَانَ عِنْدَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو طلقت المنكوحة) أي: لو رجعيًا (.. حضنت)؛ لزوال المانع، وتستحق المطلقة الحضانة في الحال قبل انقضاء العدة على المذهب. وفي وجه – اختاره المزني، وبه قال أبو حنيفة-: لا حضانة للرجعية حتى تنقضي عدتها× لأنها زوجة، وكما تعود حضانتها بمجرد الفرقة تسقط بمجد العقد علبها وإن كان الزوج غائبًا، فإذا حضنت الرجعية في العدة بغير رضا المطلق .. فالمذهب: أن نفقتها لا تسقط، وقيل: تسقط كما قي صلب النكاح وضعفه الإمام. قال: (وإن غابت الأم أو امتنعت .. فللجدة على الصحيح): أي أم الأم، كما لو ماتت أو جنت. والثاني: تنتقل إلى الأب؛ لأن أهليتها باقية وإنما تركت حقها فلم ينتقل إلى من تدلى بها، بخلاف ما إذا ماتت. والثالث: ينتقل إلى السلطان؛ لبقاء أهلية الأم، كما لو غاب الولي في النكاح أو عضل .. يزوج السلطان ل الأبعد، فعلى الصحيح: متى امتنع الأقرب من الحضانة .. كانت لمت يليه لا السلطان؛ لأنها للحفظ والقريب الأبعد أشفق من السلطان. تنبيه: أطلق الشيخان وغيرهما: أن الأم لا تجبر على الحضانة. قال ابن الرفعة: هذا إذا لم تجب عليها المؤن، فإن أوجبناها بأن لم يكن له أب ولا مال .. فتجبر. قال: (هذا كله في غير المميز)، وهو الذي لا يستقل. قال: (والمميز إن افترق أبواه) أي: مع أهليتها ومقامهما ببلد واحد (.. كان عند من اختار منهما)؛ لما روى الترمذي وابن ماجه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم

فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ .. فَالْحَقُّ لِلآخَرِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أُمِّ وَجَدِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خير غلامًا بين أبويه)، وإنما يدعى بالغلام: الصبي المميز. وروى أبو داوود [2271] واليهقي [8/ 3] والحاكم [4/ 97] عن أبي هريرة: أن رجلًا وامرأة اختصما في ولد بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم/ فقالت المرأة: يا رسول الله؛ إن ابني هذا قد نفعني وسقاني من بئر أبي عتبة وإن أباه يريد أن يأخذ مني، فقال الأب: من يحول بيني وبين ابني؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا غلام؛ هذه أمك وهذا أبوك، فاتبع أيهما شئت) فاتبع أمه. وروى الشافعي [1/ 288 مرفوعًا] والبيهقي [8/ 4] عن عمر: أنه خير غلامًا بين أبويه. ولأن القصد بالكفالة طلب الحظ للولد والمميز أعرف بحظه فيرجع إليه؛ لأنه قد عرف من برهما ما يدعوه إلى اختيار أبرهما، ولا نظر إلى كون أحدهما أكثر مالًا أو محبة على الأصح، ويستوي في التخيير الذكر والأنثى. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يخير، ثم عند أبي حنيفة يكون الغلام مع الأم حتى يستقل ثم يسلم إلى الأب والجارية عندها حتى تزوج أو تحيض. وعند مالك: يكون الغلام مع الأم حتى يثغر، وتكون الجارية معها حتى تزوج ويدخل بها الزوج. وقال أحمد: يخير الغلام ولا تخير الجارية. وسن التمييز في الغالب سبع أو ثمان سنين تقريبًا، وقد يتقدم على ذلك ويتأخر، ومدار الحكم على التمييز لا على سنه. واعتبر في الكفاية مع هذا: أن يكون عارفًا بأسباب الاختيار ضابطًا لها، وذلك موكول إلى نظر الحاكم. قال:) فإن كان في أحدهما جنون أو كفر أو رق أو فسق أو نكحت .. فالحق للآخر) أي: ما دام ذلك ناقصًا، فإذا زال خلله .. أنشأ التخيير حينئذٍ. قال: (ويخير بين أم وجد) أي: وإن علا عند فقد الأب أو عدم أهليته؛ لأنه بمنزلته.

وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌ أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الأَصَحِّ، فَإِنِ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الآخَرَ .. حُوِّلَ إِلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا أخ أو عم) أشار بهذا إلى أن التخيير يجري أيضًا بين الأم وبين كمن على حاشية النسب، كالأخ والعم وابنيهما على الأصح. لما روى الشافعي [1/ 288] عن عمارة الجرمي قال: خيرني علي رضي الله عنه بين أمي وعمي، وكنت ابن سبع أو ثمان سنين. والثاني: لا، بل الأم أحق لقبها وولادتها كما قبل التمييز. قال: (أو أب مع أخت أو خالة في الأصح) أي: إذا قدما عليه قبل التمييز كما تقدم، وظاهر إطلاق الكتاب و (أصله) و (الروضة) و (أصلها): جريان التخيير بين الأخت والأب من أي جهة كانت، وهو ظاهر في الشقيق وأخت لأم لإدلائهما بالأم، أما في الأخت للأب .. فلا كما صرح به الماوردي وغيره، واقتصاره على الأخ والعم في الأولى قد يوهم تخصيصه بالمحارم، وليس كذلك، بل الأصح: إلحاق ابن العم به. وقطع سليم وغيه بأنه لا يثبت؛ لأنه ليس بمحرم لها، وجرى عليه في (المهذب) و (الذخائر) وغيرهما، وهو قوي. كل هذا في الولد الذكر، فإن كان أنثى .. فالأم أحق بها قطعًا، كذا في (الروضة)، ونوزع في إدعاء القطع بأن جماعة من الأصحاب حكوا الوجهين من غير تفصيل بين الذكر والأنثى. فعلى هذا: إنما يخير في ابن العم الذكر دون الأنثى؛ فإن الكفالة وإن لم تثبت له لا تسلم إليه، وإنما يؤمر بوضعها عند امرأة ثقة. قال: (فإن اختار أحدهما ثم الآخر .. حول إليه)؛ لأنه حق له يتعلق بشهوته، فاتبع فيه إرادته؛ فإنه قد يبدو له الأمر على خلاف ما ظنه، وهذا ما إذا اختار أحد الرجلين عند اشتباه نسبه بينهما؛ فإنه لا يقبل رجوعه، وما إذا أخير الخنثى المشكل عن ميله إلى صنف لا يقبل رجوعه إليه، فإذا كثر التردد بحيث يغلب على الظن أن سببه نقصانه وقلى تمييزه .. أقر عند الأم كما قبل سن التمييز.

فَإِنِ اخْتَارَ الأَبَ ذَكَرٌ .. لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أَمِّهِ وَيَمْنَعُ أُنْثَى، وَلَا َيْمَنُعَها دُخُولًا عَلَيْهِمَا (زَائِرَةً)، وَالزِّيَارَةُ مَرَّةً فِي أَيَّامٍ, فَإِنْ مَرِضَا .. فَالأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا؛ فَإِنْ رَضِيَ به فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا .. فَفِي بَيْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وخالف الإمام فقال: لا وجه إلا اتباعه؛ فإن ذلك لا ينكر في حال الصبا، وفي وجه: أن القاضي يختار له خيرهما. قال: (فإن اختار الأب ذكر .. لم يمنعه زيارة أمه)؛ الئلا يكون ساعيا في قطيعة رحمه، ثم هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ قال في الكفاية: الذي صرح به البندنيجي ودل عليه كلام الماوردي: الأول. قال: (ويمنع أنثى) أي: من زيارة أمها لئلا تعتاد البروز ولتألف الصيانة. وقي (فتاوى ابن الصلاح): أن للأم أن تطلبها وترسل إليها بقدر الزيارة، فإن قيل: الأم إذا زارتها احتاجت إلى الخروج أيضًا فلم رجحت البنت عليها؟ .. قلن: لأن الحذر على البنت أكثر، وحالها أخطر. قال: (ولا يمنعها دخولًا عليهما [زائرة] أي: على الابن والبنت، كما اقتضاه كلام (المحرر) و (الشرح) و (الروضة)، وهو كذلك في نسخ0المنهاج) المعتمدة، وفي بعضها: عليها؛ يعني: البنت، ووجهه ما تقدم. قال: (والزيارة مرة في أيام)؛ لأنه في ترك ذلك قطعًا للرحم، قال الماوردي: في كل يومين أو ثلاثة، فإن كان منزلها قريبًا .. فلا بأس أن تدخل في كل يوم. وتقدم في كتاب الوصايا عن الحسن أنه قال: زيارة الغب كل أسبوع. قال: (فإن مرضا .. فالأم أولى بتمريضهما)؛ لوفور شفقتها. قال: فإن رضي به في بيته، وإلا .. ففي بيتها)؛ لأن ذلك أرفق بالمريض، فلو مات في بيت الأب .. لم يمنعها من حضور تجهيزه ودفنه؛ فهو أسهل من نقل الميت، وله منعها من زيارة قره إن دفن في ملكه لحقه، وكذا في غير ملكه لحق الله

فَإِنِ اخْتَارَهَا ذَكَرُ .. فَعِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَ الأَبِ نَهَارًا يُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ وَحِرْفَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى، كذا قاله ابن الرفعة، وما جزم به من المنع فيما إذا كان في غير ملكه .. سهوٌ فالصحيح المعروف: جواز زيارة النساء القبور، وقد نقله هو في (الجنائز) عن الأكثرين. ومن الحوادث: أن المرأة قالت: لا يدفن الولد إلا في تربتها، وقال الوالد: لا ندفنه إلا في تلابته، من المجاب؟ فيه نظر، والظاهر: أن المجاب الأب. قال: (فإن اختارها ذكر .. فعندها ليلًا وعند الأب نهارًا يؤدبه) أي: يعلمه أدب النفس والبراعة والظرف، فمن أدب ولده صغيرًا .. سر به كبيرًا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نحل والد ولدًا أفضل من أدب حسن) وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع) رواهما الترمذي [1951 [والبخاري في (الأدب). وكان يقال: الأدب على الآباء، والصلاح على الله. يقال: أدبته فتأدب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) رواه العسكري في (الأمثال). وقال ابن مسعود: (إن خذا القرآن مأدبة في الأرض فتعلموا من مأدبته) وروى: (مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن) شبه القرآن بطعام يصنعه الإنسان للناس لهم فيه خير ومنافع. قال: (ويسلمه لمكتب وحرفة) أراد: أنه يعلمه أمور دينه ودنياه. وعبارة (المحرر): ويسلمه إلى المكتب أو الحرفة، وهي أحسن؛ لدلالتها على التنويع على ما يليق بالولد.

أَوْ: أُنْثَى .. فَعِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيَزُورُهَا الأَبُ عَلَى الْعَادةِ. وَلَوِ اخْتَاَرهمَا أَقْرعَ. فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ .. فَالأُمُّ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُقْرَعُ. وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ .. كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ حَتَّى يَعُودَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر كلام الماوردي: أنه ليس للأب الشريف أن يعلم ولده الصنعة إذا كان ذلك يزرى به. وكذلك ينبغي لمن صنعته شريفة أن لا يسلم ابنه لصنعة دنيئة، بل عليه رعاية مصلحته، ولا شك أن للمحترف أن يعلم ولده الكتابة ورعاية الحظ في ذلك واجبة على وليه أبًا كان أو جدًا أو وصيًا أو قيمًا، وتكون أجرة ذلك في مال الصبي، فإن لم يكن .. فعلى من تلزمه نفقته، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في (كتاب الصلاة). و (المكتب) – بفتح الميم والتاء، ويجوز كسر التاء، حكاه النحاس-: الموضع الذي يعلم فيه، وعبارة الشافعي الكتاب. وقال ابن داوود: الأفصح: المكتب؛ لأن الكتاب جمع كاتب، وقال الجوهري: المكتب: الذي يعلم الكتابة، قال الحسن: كان الحجاج مكتبًا بالطائف، أي معلمًا، وقد كان الضحاك بن مزاحم الهلالي فقيه مكتب فيه ثلاثة آلاف صبي، وكان يركب حمارًا ويطوف عليهم. وفي (ربيع الأبرار) قال بعض الحكماء: أكرم الخيل أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أشدهم بغضًا للكتاب. قال: (أو: أنثى .. فعندها ليلًا ونهارًا)؛ لتساوي الزمانين بالنسبة إليهما. قال: (ويزورهما الأب على العادة) ولا يطلب إحضارها إلى عنده؛ لتألف التستر والصيانة. قال: (ولو اختارهما .. اقرع)؛ قطعًا للنزاع. قال: (فإن لم يختر .. فالأم أولى)؛ استصحابًا لما كان. قال: (وقيل: يقرع)؛ إذ لا بد من كفالته إلى البلوغ، وبه أجاب البغوي وأصحاب (الكافي) و (البيان) و (المهذب). قال: (ولو أراد أحدهما سفر حاجه .. كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود)؛

أَوْ سَفَرِ نُقْلَةٍ .. فَالأَبُ أَوْلَى بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ وَالْبَلَدِ الْمَقْصُودِ، قِيلَ: وَمَسَافَةُ قَصْرٍ، وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ فِي هَذَا كَالأَدبِ، وَكَذَا ابْنِ عَمِّ لِذَكَرٍ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ لما في السفر من الخطر والضرر، وسواء طالت المدة أم قصرت، وفيما إذا طالت وجه عن الشيخ أبي محمد: أنه يسافر به. قال: (أو سفر نقلة .. فالأب أولى)، سواء كان هو المسافر أو المقيم، وكذا لو سافر كل منهما إلى جهة؛ احتياطًا للنسب؛ فإنه يحفظ بالآباء، ولمصلحة التأديب والتعليم والصيانة وسهولة الإنفاق عليه. ولو رافقته الأم في الطريق .. دام حقها، ولو عاد من سفر النقلة إلى بلدها ... عاد حقها. قال: (بشرط أمن طريقه والبلد المقصود)؛ فليس له أن يسلك طريقًا مخوفًا ولا أن يخرجه إلى بلد مخوغ، فإن كان أحدهما كذلك .. أقر عند أمه، وليس له أن يخرجه إلى دار الحرب. وشرط المتولي في البلد المنتقل إليه: أن يكون صالحًا للإقامة. قال: (قيل: ومسافة قصر)، فلا أثر للانتقال إلى ما دونها، وبهذا أجاب جماعة من الأصحاب، والشبه لا فرق؛ لانقطاع مصلحة التأديب والتعليم. كالفرسخين والثلاثة .. فكالبعيدة، وما دون ذل ك في حكم الإقامة، وهو حسن. قال: (ومحارم العصبة في هذا كالأب) أي: في انتزاع الولد عند الانتقال؛ احتياطًا للنسب. وخرج بذلك محرم لا عصوبة له؛ كأبي الأم والخال والأخ للأم؛ فليس له النقل؛ لأنه لا حق له في النسب، والذي جزم به المصنف أطلقه الأكثرون. وفي (الروضة) عن المتولي من غير مخالفة: أنه لو لم يكن أب ولا جد وأراد الأخ الانتقال وهناك ابن عم أو عم مقيمًا .. لم يكن للأخ انتزاعه من الأم، بخلاف الأب والجد؛ لكمال شفقتهما وكونهما أصل النسب. قال: (وكذا ابن عم لذكر) كما تقدم.

وَلاَ يُعْطَى أُنْثَى، فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ .. سُلِّمَ إِلَيْهَا. فَصْلٌ: عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يغطى أنثى)؛ لعدم المحرمية، اللهم إلا أن تبلغ حدًا لا يشتهى مثلها، قال المتولي، وصوبه في (تصحيح التنبيه). قال: (فإن رافقته بنته) أي: البالغة العاقلة الثقة) .. سلم إليها)؛ لانتفاء الخلوة المحرمة، وما وقع في (تصحيح التنبيه) من الاكتفاء بكونها مميزة تقدم: أن الصواب خلافه. وقوله: (سلم) الأصوب: سلمت؛ لأن الضمير عائد للأنثى. تتمة: إنما يثبت حق النقل للأب وغيره إذا استجمع الصفات المعتبرة في الحضانة، فلو كان كل واحد من الأبوين مسافرًا لحاجة واختلف طريقهما ومقصدهما .. قال الرافعي: يشبه أن يدام حق الأم، ويحتمل أن يكون مع الذي مقصده أقرب أو مدة سفره أقصر، وقال المصنف: المختار: أنه يدام مع الأم. ولو اختلفا فقال: أريد النقلة، فقال: بل غيرها .. صدق بيمينه في الأصح، فإن نكل .. حلفت وأمسكت الولد. والثاني - وبه قال القفال -: يصدق هو بلا يمين، وصححه البغوي في (تعليقه)، وأفتى ابن الصلاح بأن على الأب اليمين: أنه مسافر إذا لم يصدق. ووقع السؤال عن معتق طلب الإسكان عند ظهور ريبة أو دعواه إياها؟ فأجيب بالإجابة إلى ذلك؛ لأنه قد يتعير بها لاسيما إ^ذا كانت أم ولد. قال: (فصل: عليه كفاية رقيقه نفقة وكسوة)؛ لما روى مسلم [1662] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق).

وَإِنْ كِانَ أَعْمَى وَزَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدَ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أيضًا [996]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عن مملوكه قوته). ولأن السيد يملك كسب العبد وتصرفه فلزمه مؤنته، وقد اتفق العلماء على ذلك في الجملة، وأفهم اقتصاره على ذلك: أنه لا يجب ما عداه فلا يجب شراء الماء لطهارته، والأصح في زوائد (الروضة) وجوبه كفطرته، وأشار بـ (الكفاية) إلى أنها لا تتقدر كنفقة الزوجة، بل تعتبر الكفاية كالقريب، وجعلها صاحب (التلخيص) كنفقة خادم الزوجة في التقدير، وتبعه المرعشي وغيره، وغلطهم القفال، والأصح: أن المعتبر كفايته في نفسه مع مراعاة رغبته وزهادته وإن زاد على كفاية مثله غالبًا. والثاني: يعتبر ما يكفي مثله غالبًا، ونص في (المختصر) على وجوب الإشباع. قال: (وإن كان أعمى وزمنًا ومدبرًا ومستولدة)؛ لبقاء الملك والمنافع. وفي معنى الأعمى والزمن: من استحقت منافعه للمعير بوصية أو إجارة، بخلاف المكاتب؛ فإنه مستقل بنفسه، وتستثنى الأم المزوجة حيث تجب نفقتها على الزوج، ولا يستثنى العبد المشروط عمله في المساقاة والقراض، ولا الموصى بمنفعته أبدًا، ولا الآبق على الأصح في الثلاثة، بل يجب على السيد، وفي المستعار وجهان: أصحهما: على المالك كما سيأتي. قال: (من غالب قوت رقيق البلد وأدمهم وكسوتهم)؛ لأن ذلك هو العرف المعتاد في حقه، وليس غلى السيد أن يطعمه ويكسوه من جنس طعامه وكسوته، بل من جنس ما يعتاده غالب رقيق البلد من الطعام والقطن والكتان والصوف، مع مراعاة يسار السيد وإعساره، فلو أكل السيد أو لبس دون المعتاد بخلًا أو رياضة .. لزمه للرقيق رعاية الغالب على الأصح، وهو كالخلاف فيه في زكاة الفطر. وما رواه مسلم [1661] وغيره من المعرور بن سويد عن المغيرة: أنه قال: قدمنا الربذة، فأتينا أبا ذر، فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر؛ لو أخذت

وَلاَ يَكْفِي سَتْرُ اَلْعَوْرَةَ. وَيُسَنُّ أَنْ يُنَاوِلَهُ مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ وَتَسْقُطُ بِمُضِيَّ الزَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ برد غلامك وجمعته إلى بردك لكان حلة، وكسوته ثوبًا غيره؟ فقال: سأحدثكم عن هذا؛ إني ساببت رجلًا وكانت أمه أعجمية، فنلت منها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكاني إليه، فقال لي: (أساببت فلانًا؟) فقلت: نعم، قال: (فهل ذكرت أمه؟) قلت: من يسابب الرجال ذكر أبوه وأمه يا رسول الله، قال: (فإنك امرؤ فيك جاهلية) قلت: على كبر سني؟! قال: (نعم، قال: (نعم، إنما هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده .. فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه .. فليعنه عليه) .. فهذا محمول على مكارم الأخلاق والندب، وجمله في (الأم) على أنه أتي جوابًا لسؤال سائل عن مماليكه، وكان حال الناس متقاربًا. قال: (ولا يكفي ستر العورة)؛ لأن في ذلك احتقارًا وإن كان لا يتأذى بحر ولا برد. ولو كانوا بناحية يقتصر أهلها على ستر العورة كأطراف اليمن والبحرين وبعض الحجاز .. وجب القطع بأجزائه كالأحرار منهم كما أشار إليه في (الوسيط) و (البسيط)، وإن كانوا لا يسترون .. فلا بد من ستر العورة؛ لأنه حق لله تعالى. قال: (ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام وأدم وكسوة) سيما إذا عالج الطعام وولي طبخه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعامًا ثم جاءه به وقد ولى حره ودخانه، فإن لم يقعده معه .. فليناوله لقمه أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين) رواه الشيخان [خ 2557 - م1663]. والمعنى فيه: تشوف الناس لما تشاهده، وهذا يقطع شهوتها، وهل الأفضل الإجلاس معه أو هو مخير؟ فيه وجهان: وصحح الرافعي: أنه لا يجب شيء منهما وأن الأمر للاستحباب، وفيما قاله نظر، وظاهر النصر يقتضي ايجاب الإطعام، وأفهم قوله: (مما): أنه يكفي البعض، والمنقول: أنه لا بد أن يسد سدًا دون ما يهيج الشهوة ولا يقضي النهمة. قال: (وتسقط بمضي الزمان) كنفقة القريب.

وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ .. أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ إِعْتَاقِهِ. وَيُجْبِرُ أمَتَهُ عَلَى إِرْضَاعِ وَلَدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويبيع القاضي فيها ما له) أي: عند امتناعه وغيبته كنفقة القريب. وهذا من مطلق التصرف، أما المحجور عليه .. فيجب أن يفعل الأحظ له من بيعه أو بيع غيره مما له في نفقته أو الاقتراض عليه، وإذا تعين بيع ماله في نفقة رقيقه .. قيل: يبيع شيئًا فشيئًا. والأصح في زوائد (الروضة): أنه يستدين عليه، فإذا اجتمع شيء صالح .. باع لأجله، وهما كالوجهين في بيع العقار في نفقة القريب، فإن لم يكن بيع بعضه .. بع جميعه. قال: (فإن فقد المال .. أمره ببيعه أو إعتاقه) المراد: أنه يأمره بإزالة ملكه عنه؛ دفعًا لضرره بعتقه أو غيره، فإن لم يفعل .. باعه الحاكم أو آجره؛ ليتوصل بذلك إلى الحق الواجب عليه. وقال الروياني: لو قال الحاكم لعبد رجل غائب: استدن وانفق على نفسك ففعل .. جاز وكان دينًا على سيده، فإذا لم يرغب أحد في شرائه .. أنفق عليه من مال بيت المال، فإن لم يكن فيه مال .. فهو من محاويج المسلمين يثومون بكفايته، وإنما نأمره بالبيع إذا تعذر إيجاره، فإن أمكن إيجاره .. تعين هذا في غير المستولدة، أما هي .. فلا تباع قطعًا، ولا يجبر على عتقها على الأصح، بل تزوج أو تؤجر، فإن لم يكن .. فنفقتها في بيت المال، والمبعض إن كان له مهايأة .. فالنفقة على من هو في نوبته، وإلا .. ففي بيت المال. قال: (ويجبر أمته على إرضاع ولدها)؛ لأن لبنها ومنافعها له، بخلاف الزوجة؛ فإن الزوج لا يملك ذلك منها، وقيده في (المحرر) بولدها منه، وحذفه المصنف لعمومه، فلو لم يكن منه بل مملوك له من زوج أو زنا .. فحكمه كذلك، ولو أراد تسليم ولدها إلى غيرها وأرادت إرضاعه .. فالأصح: ليس له ذلك؛ لما فيه من التفريق بينهما، لكن له ضمه في أوقات الاستمتاع إلى غيرها.

وَكَذَا غَيْرُهُ إِنْ فَضَلَ عَنْهُ- وَفَطْمِهِ قَبْلَ حَوْلَيْنِ إِنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِرْضَاعِهِ بَعْدَهَا إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا. وَلِلْحُرَّةِ حَقٌ فِي التَّرْبِيةِ. فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ، وَلَهُمَا إِنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلِأحَدِهمَا بَعْدَ حَوْلَيْن، وَلَهُمَا الزَّيَادَةُ. وَلاَ يُكَلَّفُ رَقِيقَهُ إِلاَّ عَمَلًا يُطِيقُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا غيره إن فضل عنه) إما لقلة شربه أو لكثرة اللبن أو اجتزائه بغيره؛ لأن منافعها له، فإن لم يفعل .. فلا إجبار؛ لقوله تعالى: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، ولأن طعامه اللبن فلا يجوز أن ينقص منه كالقوت. قال: (وفطمه قبل حولين إن لم يضره)؛ لأن إليه أمر ولده ورقيقه. قال: (وإرضاعه بعدها إن لم يضرها)؛ لأنه لا حق لها في نفسها، بخلاف الحرة. قال: (وللحرة حق في التربية، فليس لأحدهما فطمه قبل حولين)؛ لأنهما تمام مدة الرضاع، وفيه احتمال للإمام إذا لم يتضرر به الولد، وظاهر كلام الأصحاب: أنهما لو تنازعا أجيب الداعي إلى إكمال الحولين، ويشبه أن يقال: تجب إجابة من دعا إلى الأصلح للولد؛ إذ قد يكون الفطام مصلحة؛ بأن تكون قد حملت أو مرضت ولم يوجد غيرها، فيتعين الفطام حينئذ. قال: (ولهما إن لم يضره، ولأحدهما بعد حولين، ولهما الزيادة) أي: إذا اجتزأ بالطعام، فإن كان ضعيف الخلقة لا يجتزئ بالطعام .. لم يجز فطامه، وعلى الأب بذل الأجرة حتى يبلغ حدًا يجتزئ فيه بالطعام، فلو امتنعت الأم من إرضاع ولم يوجد غيرها .. أجبرها الحاكم عليه. قال: (ولا يكلف رقيقه إلا عملًا يطيقه)؛ للحديث السابق، قال الشافعي: (ومعنى الخبر: أنه لا يكلف إلا ما يطيق الدوام عليه لا ما يطيقه يومًا أو يومين ثم يعجز) أهـ أي: فلا يجوز أن يكلفه ما يطيقه يومين أو ثلاثة ولا يطيقه أبدًا، كذا قاله في (الكفاية).

وَتَجُوزُ مُخُارَجَتُهُ بِشَرْطِ رِضَاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القاضي حسين: إذا كلفه من العمل ما لا يطيقه .. بيع عليه. قال ابن الصلاح: وليس ببعيد، كما يباع المسلم على الكافر؛ صيانة له عن الذل. وقال صلى الله عليه وسلم: (من لا يلائمكم .. فبيعوه). وقد تقدمت المسألة في البيع، وتعتبر في ذلك العادة، فيريحه وقت القيلولة وطرفي النهار؛ دفعًا للضرر عنه، وإذا سافر معه .. أركبه عقبه. ويجب على العبد ترك الكسل وبذل المجهود لسيده المالك رقبته ومنفعته. وكذلك البهيمة يحرم أن يحملها ما لا تطيق الدوام عليه وإن كانت تطيقه يومًا ونحوه؛ لما روى الخلال في كتابه (الأمر بالمعروف) عن المسيب بن دارم قال: رأيت عمر يضرب جمالًا ويقول: (لم حملت على جملك ما لا يطيق). قال: (وتجوز مخارجته)؛ لما روى الشيخان [خ2102 - م1577/ 62] عن أنس قال: (حجم أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه صاعين أو صاعًا من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه خراجه). وروى البيهقي [8/ 9] عن الزبير بن العوام: أنه كان له ألف مملوك يؤدون له الخراج لا يدخل بيته من خراجهم شيئًا، بل يتصدق به، ومع ذلك بلغت تركته خمسين ألف ألف ومئتي ألف، رواه البخاري [3129] وغيره. وقال عمرو بن العاصي: إن طلحة بن عبيد الله ترك مئة بهار، في كل بهار ثلاث قناطر ذهبًا، قال أبو عبيدة: و (البهار): ثلاث مئة رطل. قال: (بشرط رضاهما)، فليس لأحدهما إجبار الآخر عليها؛ لأنه عقد معاوضة، فاعتبر فيه التراضي كغيره.

وَهِيَ: خَرَاجٌ يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ - وَعَلَيْهِ عَلْفُ دَوَابِّهِ وَسَقْيُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهي) أي: المخارجة (خراج يؤديه كل يوم أو كل أسبوع) على حسب ما يتفقان عليه، وكذلك كل شهر وسنة. ويشترط: أن يكون مكتسبًا لقدر خراجه، فإن قصر عنه .. لم يصح، وأن يكون ذلك الكسب يباح لعاطيه، وأن يكون فاضلًا عن نفقته وكسوته إن جعلا في كسبه. قال في (الأم) و (المختصر): ويمنعه الإمام من أن يجعل على أمته خراجًا إلا أن يكون لها عمل دائم، وروى بسنده إلى عثمان أنه قال في خطبته: (لا تكلفوا الصغير فيسرق، ولا الأمة غير ذات الصنعة فتكتسب بفرجها) وكذلك رواه البيهقي، ووقع في (النهاية) عزوه إلى عمر. فروع: يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول: سيدي ومولاي، ويكره أن يقول السيد له: عبدي وأمتي، بل ويقول: غلامي وجاريتي، أو فتاي وفتاتي، ولا كراهة في إضافة رب إلى غير المكلف؛ كرب الدار ورب الغنم، ويكره أن يقال للفاسق والمتهم في دينه: يا سيدي. قال: (وعليه علف دوابه وسقيها)؛ لحرمة الروح، وفي الصحيح: (عذبت امرأة في هرة)، وحديث جمل الأنصاري الذي شكى مالكه .. أصله مرسل، ورواه أحمد وغيره مطولًا، ولأنها ذات روح فأشبهت العبد، فإن لم تكن ترعى .. لزمه أن يعلفها ويسقيها إلى أول شبعها وريها دون غايتها، وإن كانت ترعى .. لزمه إرسالها لذلك حتى تشبع وتروى، بشرط فقد السباع ووجود الماء، فإن اكتفت بكل من المرعى والعلف .. تخير بينهما، وإن لم تكتف إلا بهما .. لزماه. وإذا احتاجت البهيمة إلى السقي ومعه ما يحتاج إليه لطهارته .. سقاها وتيمم.

فَإِنِ امْتَنَعَ .. أُجْبِرَ فِي الْمَاكُولِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ، وَفِي غَيْرِهِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ. وَلاَ يَحْلُبُ مَا ضَرَّ وَلَدَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ و (العلف) بفتح اللام: مطعوم البهائم، وبإسكانها: المصدر، ويجوز هنا الأمران. فرع: في كتب الحنابلة: يجوز الانتفاع بالحيوان في غير ما خلق له؛ كالبقر للحمل أو الركوب، والإبل والحمير للحرث، وقوله عليه الصلاة والسلام: (بينما رجل يسوق بقرة إذ أراد أن يركبها فقالت: إنا لم نخلق لذلك) متفق عليه [خ3471 - م2388]، المراد: أنه معظم منافعها، ولا يلزم منه منع غير ذلك. وقال أحمد: من شتم دابة .. قال الصالحون: لا تقبل شهادته؛ لحديث المرأة التي لعنت الناقة. وفي (صحيح مسلم) [2598) عن أبي الدرداء: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة). قال: (فإن امتنع .. أجبر في المأكول على بيع أو علف أو ذبح، وفي غيره على بيع أو علف)؛ صيانة لها عن الهلاك، فإن لم يفعل .. فعل الحاكم ما تقتضيه المصلحة، فإن كان له مال ظاهر .. بيع في النفقة، فإن تعذر جميع ذلك .. فمن بيت المال، ولا يجوز إرسال الطيور ونحوها؛ لأنه في معنى السوائب. قال: (ولا يحلب ما ضر ولدها)؛ لأنه غذاؤه كولد الأمة. وروى أحمد [4/ 76] وابن حبان [5283] والبيهقي [8/ 14] عن ضرار بن الأزور قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم لقحة، فأمرني أن أحلبها، فحلبتها فجهدت حلبها، فقال: (دع داعي اللبن)، وهو: الذي يبقيه في الضرع؛ لأنه يستدره، واستغربه الذهبي في (الميزان) [7/ 275] قال: ولا أعرف لضرار سواه، وله أن يحلب

وَمَا لاَ رُوحَ لَهُ كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لاَ تَجِبُ عِمَارَتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ما فضل عن ربه، والمراد: أن يفضل عما يقيمه حتى لا يموت، كذا قاله الروياني. قال الرافعي: وقد يتوقف في هذا القدر ولا يحلب أيضًا ما يضرها لقلة العلف، وإن لم يضر بها .. كره تركه؛ لما فيه من تضييع المال. فروع: يستحب أن يقص الحالب أظافره؛ لئلا يؤذيها. ويجب على مالك النحل أن يبقي في الكوارة شيئًا من عسلها لتأكله، فإن كان في الشتاء وتعذر خروجها .. فيكون المستبقى لها أكثر، فإن قام شيء في مقام العسل في غذائها .. لم يتعين العسل، فقد قيل: تشوى دجاجة وتعلق بباب الكوارة. وعلى مقتنى الكلب المباح اقتناؤه: أن يطعمه أو يرسله أو يدفعه لمن له الانتفاع به، ولا يحل حبسه ليهلك جوعًا. ودود القز يعيش بورق الفرصاد .. فعلى مالكه تخليته ليأكل منه، فإن عز الورق .. اشترى له من مال المالك كنفقة الرقيق. والظاهر: أنه يجب أن يلبس الخيل والبغال والحمير ما يقيها الحر والبرد الشديد إذا كان ذلك يضر بها. قال: (وما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارتها) أي: على مالكها المطلق التصرف، فإن ذلك تنمية للمال ولا يجب على الإنسان ذلك، بخلاف البهائم؛ فإنه يجب عليه ذلك؛ لحرمة الروح، وإليه يشير قول المصنف: (وما لا روح له)، ولذلك يأثم إذا منع فضل الماء عن الحيوان، ولا يأثم إذا منع فضله عن الزراعة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز في دار الحرب إتلاف الزروع وتخريب البستان دون ذبح الحيوان بها فافترقا. هذا في مطلق التصرف، أما المحجور عليه .. فيجب على وليه عمارة داره وحفظ ثمره وزرعه بالسقي وغيره، ولا خفاء أن على نظار الأوقاف حفظ رقابها ومستغلاتها. ولو غاب الرشيد عن ماله غيبة طويلة ولا نائب له .. هل يلزم الحاكم أن ينصب من يعمر عقاره ويسقي زرعه وثمره من ماله؟ الظاهر: نعم؛ لأن عليه حفظ مال الغائب كالمحجورين، ولا تكره عمارة الدار وسائر العقار للحاجة، والأولى: ترك الزيادة على الحاجة، وربما قيل: تكره الزيادة. وفي (صحيح ابن حبان) [3243]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب). وفي (أبي داوود): (كل ما أنفقه ابن آدم في التراب فهو عليه وبقال يوم القيامة إلا ما) أي: إلا ما لا بد منه. تتمة: قال المتولي: يكره ترك عمارة الدار إلى أن تخرب، ولا يكره ترك زراعة الأرض، ويكره ترك سقي الزرع والأشجار عند الإمكان؛ لما فيه من إضاعة المال، وفي وجه: يجبر عليه كعلف الحيوان، وصححه الروياني، وقال في (المهمات): مقتضى المذهب: تحريم ذلك، كما جزموا به في مسألة إلقاء المتاع في البحر من غير خوف وفي ترك سقي الأشجار المرهونة، قال: والصواب أن يقال: إن كان سبب الإضاعة ترك أعمال فلا تحريم؛ لأن الأعمال قد تشق عليه، وإن لم تكن أعمال كإلقاء المتاع في البحر .. حرم. خاتمة يكره الإنسان أنه يدعو على نفسه وولده وخدمه وماله؛ لما روى مسلم [3009] في آخر كتابه، وأبو داوود [1527] عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم). وقد ضعف الناس محمد بن الحسن بن محمد النقاش المفسر مع جلالته؛ لروايته عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه)، وهو ضعيف عند الدارقطني وغيره. ووى أبو موسى عن ابن عباس: أن أوس بن ساعدة الأنصاري دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن لي بنات وأنا أدعو عليهن بالموت، فقال: (يا ابن ساعدة؛ لا تدعو عليهن؛ فإن البركة في البنات، هن المجملات عند النعمة، والمنعيات عند المصيبة، والممرضات عند الشدة، ثقلهن على الأرض، ورزقهن على الله تعالى).

كتاب الجراح

كتاب الجراح

كِتَابُ الْجِرَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الجراح هو بكسر الجيم جمع: جراح, والجُرح بالضم الاسم, والجمع: جروح, ورجل جريح, وامرأة جريح, ورجال ونسوة جرحى. واجترح: اكتسب, ومنه قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ}. وجوارح الإنسان: أعضاؤه الي يكتسب بها, وجوانحه: أطراف ضلوعه. والجوارح من السباع والطير: ذوات الصيد. وهذا الكتاب يترجم ب (الجراح) وب (القصاص) وب (الجنايات) , وهي أشمل؛ لصدقه على الجناية بالمحدد والمثقل, إلا أنه لما كان الجراح أغلب طرق القتل .. عبريه. وقتل الآدمي عمدًا بغير حق أعظم الكبائر بعد الكفر, وموجبُ لاستحقاق العقوبة في الدنيا والآخرة, ولا يتحتم خلوده في النار, بل ولا دخوله, وأمره إلى الله؛ إن شاء .. عذبه, وإن شاء .. غفر له وتقبل توبته. وروى مسلم والبخاري [6863] أيضًا عن ابن عمر أنه قال: إن من أعظم ورطات الأمر التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. وفي (الصحيحين) [خ 2767 - م 89] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قيل وما هن يا رسول الله؟ قال: (الشرك بالله,

الفِعْلُ الْمُزْهِقُ ثَلاَثَةُ: عَمْدُ, وَخَطَأُ, وَشِبهُ عَمدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الرحف, وقذف المحصنات الغافلات) وفي (البيهقي) [8/ 22] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو اجتمع أهل السماء وأهل الأرض على قتل امرىء مؤمن .. لعذبهم الله به). وفي (النسائي) [7/ 82] و (ابن ماجه) [2619] و (الترمذي) [1395]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا عند الله تعالى أسهل من قتل امرىء مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة .. لقي الله وهو مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله) رواه أحمد وابن ماجه [2620] والبيهقي [8/ 22] بإسناد ضعيف, وعده ابن الجوزي من الموضوعات. والإجماع منعقد على تحريم القتل الذي لم يبح, وتتعلق به مؤخذات في الدنيا منها: الكفارة, والتعزير, والقصاص أو الدية, لكن من استوفي منه القصاص أو الدية .. ظواهر الكتاب والسنة تدل على سقوط المطالبة عنه في الدار الآخرة. وقسم في) الخصال) القتل إلى: حرام, وواجب, ومباح. فالحرام: قتل المعصوم, والواجب: قتل المرتد, والمباح: قتل الأسير, لأن الإمام مخير فيه كما سيأتي. وأما قتل الخطأ .. فلا يوصف بكونه حرامًا ولا حلالًا, كما لا يوصف بهما فعل المجنون والبهيمه؛ لأن المخطىء غير مكلف فيما أخطأ فيه. وعن الشخ أبي حامد: أن قتل الخطأ محرم لا إثم فيه, وهذا تناقض. قال: (الفعل المزهق ثلاثة) أي: ثلاثة أقسام (عمد, وخطأ, وشبه عمد). (المزهق) بكسر الهاء: القاتل, يقال: زهقت نفسه تزهق, أي: خرجت. ووجه الحصر: أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه .. فهو الخطأ, وإن قصده, فإن كان بما يقتل غالبًا .. فهو العمد. وإلا .. فشبه غمد.

وَلاَ قِصَاصَ إِلاَّ فِي الْعَمْدِ, وَهُوَ: قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم القصاص لا يختص بالنفس بل يجري في الأطراف كما سيأتي, فلو قال: الجناية .. كان أشمل. ودليل كون القتل ثلاثة: ما روى أبو داوود [4536] والنسائي [8/ 41] وابن ماجه [2627] وابن حبان [6011] والشافعي [ام 6/ 105 واللفظ له] عن سفيان بن عيينة, عن علي بن زيد بن جدعان, عن القاسم بن ربيعة, عن عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط أو العصا مئه من الإبل مغلظة؛ منها: أربعون خلقة في بطونها أولادها). وروى البيهقي [8/ 44] عن محمد بن خزيمة أنه قال: حضرت مجلس المزني يومًا فسأله رجل من العراق عن شبه العمد فقال: إن الله وصف القتل في كتابه بصفتين: عمد وخطأ, فلم قلتم: إنه ثلاثة أصناف؟! فاحتج المزني بهذا الحديث, فقال المناظر: أتحتج علي بعلي بن زيد بن جدعان, فسكت المزني, فقلت للمناظر: قد رواه جماعة غيره, منهم: أيوب السختياني وخالد الحذاء, فقال للمزني: أنت تناظر أم هذا؟ فقال: إذا جاء الحديث .. فهو يناظر؛ لأنه أعلم به مني, ثم أتكلم. قال: (ولا قصاص إلا في العمد) سواء مات في الحال أو بعده بسراية تلك الجراحة؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلقِصَاصُ فِي اَلْقَتَلَىَ}. وقوله: {وَكَتَبَنَا عَلَيِهم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ باِلنَّفِس} الآية. وقد ورد في شرعنا تقريره, فقال صلى الله عليه وسلم لما كسرت ثنية الربيع: (كتاب الله القصاص) , ولهذا أدخله البخاري [4500] في تفسير (سورة المائدة) , وإنما لم يجب في شبه العمد؛ للحديث المذكور قبله, ولا في الخطأ؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيِرُ رَقَبَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ أِلَى أَهْلِه} , فأوجب الدية ولم يتعرض للقصاص. قال: (وهو: قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبًا) ,هذه عبارة الجمهور,

جَارِحُ أَوْ مُثَقَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأورد عليها: أن من قطع أنملة شخص فمات .. يجب عليه القصاص, مع أنه لا يقتل غالبًا. وأجيب بأن المراد ب (ما يقتل غالبًا): الآلة لا نفس الفعل. وما جزم به المصنف من كون العمد يعتمد فيه تعيين الشخص .. قد اختلف فيه كلام (الروضة): فجزم به هنا وفي الباب الرابع المعقود لموجب الدية, وخالف الموضعين قبيل (الديات) , فرجح من زوائده وجوب القصاص إذا رمى إلى جماعة وقصد إصابة واحد منهم فأصاب واحدًا. قال: (جارح أو مثقل) , هذا علم من كلامة المتقدم, لكنه أراد به التنبيه على خلاف أبي حنيفة؛ فإنه لم يوجبه في المثقل, ولو حذفه كان أولى؛ لأنه يرد عليه ما لو قتله بسحره الذي يقتل غالبًا؛ فإن فيه القصاص كما سيأتي, مع أنه ليس بجارح ولا مثقل. ويجوز في لفظه الجر على البدلية, والرفع على القطع. فأما وجوب القصاص في الجارح .. فبالإجماع, ولا فرق فيه بين السيف والسكين, والحديد والنحاس, والقصب والحجر, والخشب المحدودين والزجاج, ومنه الطعن بالسنان والمسلة. والمراد ب (المثقل): ما يقتل غالبًا كالحجر والدبوس الكبيرين, والتحريق والصلب, وهدم الجدار أو السقف عليه, ودفنه حيًا, وعصر أنثييه عصرًا شديدًا. واستدل الجمهور للقصاص في المثقل بقوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَد جَعَلْنَا لِوَلِيِهِ سُلْطَانًا} هذا قتل مظلومًا. وفي (سنن أبي داوود) [4561] وغيرها عن حمل بن مالك: (أن النبي صلى الله

فَإِنْ فُقِدَ قَصْدُ أَحَدِهِمَا, بِأَنْ وَقَعَ عَلَيهِ فَمَاتَ, أَو رَمَى شَجَرَةُ فَأَصَابَهُ .. فَخَطَأُ. وَإِنْ قَصَدَهُمَا بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا .. فَشِبْهُ عَمْدٍ, ومِنْهُ: الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم قضى في امرأة قتلت مرأة قتلت بمسطح بالقتل). و (المسطح): عود من أعواد الخباء. وفي (الصحيحين) [خ 2413 - م 1672]: (أن جارية وجدت رض رأسها بين حجرين فقيل لها, من فعل بك هذا؟ فلان, فلان .. إلى أن ذكر يهودي, فأفشارت برأسها: أن نعم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين). وقد وافقنا ابو حنيفة على أن القتل بالعمود الحديد يوجب القود, فقيس عليه غيره, ولأن القصاص شرع لصيانة النفس, فلو لم يجب بالمثقل .. لما حصلت الصيانة. قال: (فإن فُقد قصد أحدهما؛ بأن وقع عليه فمات, أو رمى شجرة فأصابه .. فخطأ). (الخطأ) بالهمز: نقيض الصواب, فالفعل القاتل للغير إذا لم يقصد أصله كما لو تزلق فسقط على غيره فمات, أو لم يقصد الشخص نفسه كما إذا رمى إلى صيد فأصاب إنسانًا .. فهو خطأ محض لا يتعلق به قصاص. وفي المثال الأول نظر؛ فإن الواقع لا ينسب إليه فعل, فضلا عن كونه خطأ؛ لقربه منه وبعده عن غيره. قال: (وإن قصدهما بما لا يقتل غالبًا .. فشبه عمد)؛ لأنه أشبه العمد في القصدين. واحترز بقوله: (غالبًا) عما يكون القتل به نادرًا, كما لو غرز إبرة في غير مقتل ولم يعقبها ورم فمات .. فلا قصاص فيه كما سيأتي. قال: (ومنه) أي: من شبه العمد (الضرب بسوط أو عصًا)؛ للحديث السابق, لكنه في (الشرح) و (الروضة) مقيد بما إذا كانت خفيفة ولم يوال بين

فَلَوْ غَرَزَ إِبْرَةُ بِمَقتَلِ .. فَعَمدُ, وَكَذَا بِغَيِرهِ إِنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ, فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثرُو مات فِي الْحَالِ .. فَشِبْهُ عَمْدٍ, وَقِيلَ: عَمْدُ, وَقِيلً: لاَ شَيْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضربات ولم يكن الضرب في مقتل أو المضروب صغيرًا أو ضعيفًا, فإن كان فيه شيء من ذلك فهو عمد؛ لأنه يقتل غالبًا في هذه الأحوال. قال: (فلو غرز إبرة بمقتل .. فعمد)؛ لخطر ذلك وشدة تأثيرة, فالقليل في هذه المواضع يعمل عمل الكثير في غيرها. فمن المقاتل: العينان, والدماغ, وأصول الأذنين, والحلق, والخاصرة, والإحليل, والأنثيان, والمثانة, و (العجان) وهو: ما بين القبل والدبر, ويسمى: العضرط, و (الأجدعان) وهما: عرقان في صفحتي العنق قد خفيا وبطنا, وقيل: هما الودجان. قال: (وكذا بغيره) أي: بغير المقتل, كالألية والعضد والفخذ (إن تورم وتألم حتى مات) , فيجب القصاص؛ لظهور أثر الجناية وسرايتها إلى الهلاك, ولم يذكر في (الحاوي الصغير) الألم بل اقتصر على التورم؛ لأن الغالب: أنه لا يخلو عنه, وصحح المصنف في كلامه على (الوسيط): الوجوب إذا دام الألم بلا ورم. قال: (فإن لم يظهر) له (أثر ومات في الحال .. فشبه عمد)؛ لأنه لا يقتل عادة, فأشبه ما إذا مات بعد مدة من غير تورم ولا تألم. وليس المراد (بعدم ظهور الأثر): ألا يظهر أصلًا؛ فإنه لا بد من ألم ما, لكن المراد: أنه لا يشتد الألم. قال: (وقيل: عمد) كالجراحات الصغيرة بغير الإبرة. قال: (وقيل: لا شيء) أي: لا قصاص ولا دية؛ إحالة علي الموت بسبب آخر, وبهذا قال ابن سريج والإصطخري وابن خيران والطبري.

وَلَوْ غَرَزَ فِيمَا لاَ يُؤْلِمُ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ .. فَلاَ شَيْء بِحَالٍ. وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى مَاتَ: فإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا جُوعًا وَعَطَشًا .. فَعَمْدُ, وَإلاَّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشُ سَابِقُ .. فَشِبْهُ عَمْدٍ, وَإِنْ كَاَنَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشِ وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ .. فَعَمْدٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب .. فلا شيء بحال)؛ للعلم بأنه لم يمت منه, وإنما هو موافقة قدر, كما لو ألقى عليه خرقة أو ضربه بقلم فمات. ومحل ما ذكره المصنف: إذا لم يبالغ في إدخال الإبرة, فإن بالغ .. وجب القود قولًا واحدًا, صرح به الأصحاب. قال: (ولو حبسه ومنعه الطعام والشراب والطلب حتى مات: فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبًا جوعًا وعطشًا .. فعمد)؛ إحالة للهلاك على السبب الظاهر المفضي إلى الموت غالبًا, وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس قوةُ وضعفَا, والزمانِ حرارةُ, وبرودة, فإن فقد الماء في الحر .. ليس كفقده في البرد, وفقد الماء يهلك سريعًا, بخلاف فقد الأكل, فيعتبر ذلك, وإليه أشار بقوله: (مدةٌ يموت مثله فيها). وإنما عطف ب (أو) ليفيد: أن فقد أحدهما كاف إذا هلك به, فإن كان عنده الطعام والشراب لكنه لم يتناوله خوفًا أو حزنًا أو أمكنة الطلب فلم يفعل .. فلا شيء على حابسه؛ لأنه قتل نفسه. وقال في (البحر): لاحدَّ لأقل الجوع وإنْ حده الأطباء باثنين وسبعين ساعة متصلة؛ فقد واصل عبد الله بن الزبير سبعة عشر يومًا, واختبأ أبو ذر تحت أستار الكعبة بضعة عشر يومًا يخرج في الليل فيشرب من زمزم، ومع ذلك سمن حتى تكسرت عكَن بطنه. قال: (وإلا) أي: وإن لم تمض تلك المدة المذكورة ومات (فإن لم يكن به جوع وعطش سابق .. فشبه عمد)؛ لأنه لا يقتل غالبًا (وإن كان بعض جوع وعطش وعلم الحابس الحال .. فعمد)؛ لظهور قصد الإهلاك. و (الواو) في قوله: (وعطش) بمعنى (أو) , ولو أفضح بها .. كان أولى.

وَإِلاَّ .. فَلاَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن لم يعلم الحابس الحال) .. فلا في الأظهر)؛ لأنه لم يقصد إهلاكه ولا أتى هو مهلك. وشبه ذلك بما إذا دفع إنسانًا دفعًا خفيفًا فسقط على سكين خلفه وهو جاهل بها .. فلا وقود. والثاني: يجب, كما لو ضرب المريض بما يهلكه وهو لا يعلم مرضه, فإن لم نوجب القصاص .. فقولان: أحدهما: تجب الدية بتمامها دية العمد إن كان عالمًا, ودية شبه العمد إن كان جاهلًا. وأظهرهما- وبه قطع الأكثرون-: يجب نصف دية العمد أو شبه العمد. وإن أوجبنا القصاص .. وجبت دية عمد بكمالها. كل هذا إذا كان المحبوس حرًا, فإن كان عبدًا .. فإنه يضمن بوضع اليد إذا مات في الحبس. وقال أبو حنبفة: إذا حبس حرًا صغيرًا فلسعته حيه فمات .. ضمنه بالدية. وسيأتي في التتمة التي قبل (الديات) عن المتولي: أنه إذا قتله بالدخان .. وجب القصاص, وهناك نقل الشيخان عن (فتاوى الغزالي): لو افتصد فمنعه رجل من أن يعصب العرق حتى مات, أو عصبه فحله رجل ومنعه من إعادة العصابة حتى مات .. وجب القود؛ لأنه طريق يقصد به القتل غالبًا.

وَيَجِبُ القِصَاصُ بِالسَّبَبِ، فَلَوْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا وَقَالاَ: تَعَمَّدْنَا .. لَزمَهُمَا القِصَاصُ إِلاَّ أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن القاضي حسين: لو عراه حتى مات بالحر أو البرد .. فهو كما لو منعه الطعام أو الشراب. ولو أخذ طعامه أو شرابه أو ثيابه في مفازة فمات جوعًا أو عطشًا أو بردًا .. فلا قصاص؛ لأنه لم يقصد قتله وإنما قصد تحصيل شيء لنفسه، ولا دية أيضًا؛ لأنه لم يُحدث فيه فعلًا يقتضي إهلاكه. قال: (ويجب القصاص بالسبب)، وهو الذي يتوصل به إلى القتل؛ إقامة له مقام المسبب. قال: (فلو شهدا بقصاص فقتل ثم رجعا وقالا: تعمدنا .. لزمهما القصاص)؛ لما روى البخاري تعليقًا، والشافعي والبيهقي [10/ 251] مسندًا: أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بسرقة فقطعه، ثم رجعا عن شهادتهما فقال: (لو أعلم أنكما تعمدتما .. لقطعت أيديكما). ولأنه سبب يفضي إلى الهلاك غالبًا في شخص معين فأوجب القصاص كالإكراه الحسي، بل جعله الإمام أبلغ من الإكراه؛ لأن المكره قد يؤثر هلاك نفسه على سفك دم محرم، والقاضي لا محيص له عن الحكم بشهادتهما، وكذلك لو شهدا على طرف أو شهدا بردة أو بسرقة فقطع ثم رجعا عن الشهادة، فإن سرى .. فعليهم القصاص في النفس. قال: (إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما)، فلا قصاص عليهما؛ لأنهما لم يلجئاه لا حسًا ولا شرعًا، وإنما هما كالممسك مع القاتل. هذا بالنسبة إلى الشهادة، أما الرواية، فإذا أشكلت واقعة على حاكم، فروى له إنسان فيها خبرًا، فقتل الحاكم به رجلًا، ثم رجع الراوي وقال: تعمدت الكذب ..

وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَمَاتَ .. وَجَبَ الْقِصَاصُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ففي (فتاوي البغوي): ينبغي أن يجب القصاص كالشاهد يرجع. قال الرافعي قبيل (الديات): والذي ذكره الإمام والقفال في (فتاويه) المنع؛ فإن الخبر لا يختص بالواقعة، بخلاف الشهادة. ولو استفتى القاضي شخصًا فأفتاه بالقتل ثم رجع .. فهو فيما يظهر كراوي الخبر لا كالشاهد، وقد ذكر المصنف في (كتاب الشهادات) رجوع الولي وحده، وهناك يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. قال: (ولو ضيف بمسموم صبيًا أو مجنونًا فمات .. وجب القصاص)؛ لأنه ألجأهما إلى ذلك، سواء قال لهما: هو مسموم أو لم يقل، وسواء ناوله إياه وقال: كل، أو قدمه إليه ضيافة. وصورة المسألة: أن يكون السم يقتل غالبًا، وإنما لم يقيده المصنف به؛ لأن السم لا يطلق حقيقة إلا عليه وإن خالفوا هذا الاصطلاح في مداواة الجرح بمسموم. قال الرافعي: ولم يفرقوا بين الصبي المميز وغيره، ولا نظروا إلى الخلاف في: أن عمده عمد أو خطأ؟ وللنظر في ذلك مجال. اهـ وقد فرق بينها ابن الصباغ والمتولي، وهو مقتضى ما في (البيان) و (التهذيب). ولو كان السم لا يقتل غالبًا إلا الضعيف أو في فصل .. اعتبر فيما ذكرناه ضعف المكره وذلك الفصل، وإلا .. فلا قصاص. وفي قوله: إن السم وإن كان مما لا يقتل غالبًا ومات الموجَ ربه .. يجب القصاص؛ لأن له نكايات في الباطن، فأشبه الجراحة. و (السم): شيء يضاد القوة الحيوانية وهو مثلث السين، والثلاث لغات في: (سَمِّ الْخِيَاطِ). واقتصر الجوهري فيه على الضم والفتح، ويجمع على: سموم وسمام. ووقع في كلام الرافعي وغيره: سم موح، وهو بتشديد الحاء المهملة، أي: المسرع.

أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ .. فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: قِصَاصٌ، وَفِي قَوْلٍ: لاَى شَيْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بالغًا عاقلًا ولم يعلم) أي: الضيف (حال الطعام .. فدية)؛ لغروره، ولا قود؛ لأنه تناوله باختياره، فإن علم الضيف بالحال .. فلا شيء على المقدم بحال، والآكل هو المهلك لنفسه. وأطلق المصنف (الدية) ولم يبين: هل هي دية عمد أو شبه عمد؟ وعبارة (المحرر): إذا قلنا: لا قصاص .. فالأقرب: أنه شبه عمد. قال: (وفي قول: قصاص)؛ لإفضائه إلى الهلاك غالبًا في شخص معين، فأشبه الإكراه، وبهذا قال مالك، ورجحه البغوي والصيمري وآخرون. واحتج له المتولي وغيره بما روى أبو داوود [4502]: أن النبي صليى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية وقد سمتها، فأكل منها وأكل رهط من أصحابه، فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية فقال: (ما حملك على ما صنعت؟) فقالت: قلت: إن كان نبيًا .. فلن يضره، وإن لم يكن نبيًا .. استرحنا منه، فأمر بها صلى الله عليه وسلم فقتلت. وللأول أن يجيب بأنه مرسل؛ لأن الزهري لم يسمع من جابر شيئًا، والمحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم قيل له: ألا تقتلها؟ فقال: (لا) كذا أخرجه البخاري [2617] ومسلم [2190]، لكن جمع البيهقي [8/ 47] بينهما بأنه لم يقتلها في الابتداء، فلما مات بشر أمر بقتلها، وهي زينب بنت الحارث بن سلام، وقال ابن إسحاق: هي أخت مرحب اليهودي. وروى معمر بن راشد عن الزهري: أنها أسلمت، وضعف في (البحر) الاستدلال بهذا الحديث بأنها لم تقدم الشاة إلى الأضياف، إنما بعثت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أضاف أصحابه، وما هذا سبيله لا يلزم به قصاص. قال: (وفي قول: لا شيء)؛ تغليبًا للمباشرة، وأنكره جماعة، وقالوا: لا يصح. ولو أكرهه على شرب السم القاتل .. فقولان: قال الرافعي: والوجه: أن يكون

وَلَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا .. فَعَلَى الأَقْوَالِ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ كالكراهة على قتل نفسه، وستأتي المسألتان، وصرح في (الكفاية) بنقل هذا عن الإمام والمتولي و (تعليق القاضي حسين). قال: (ولو دس سمًا في طعام شخص الغالب أكله منه فأكله جاهلًا .. فعلى الأقوال) أي: التي تقدمت؛ لأنه يعد مهلكًا له عرفًا، هذه أصح الطرق. والثانية: القطع بالمنع؛ لفقد التعزير منه. والثالثة: يضمن قطعًا، حكاهما ابن القطان في (الفروع). واحترز بقوله: (في طعام شخص) عما إذا دسه في طعام نفسه فأكله منه شخص عادته الدخول إليه؛ فإنه هدر. وقوله: (الغالب أكله منه) زيادة على (المحرر)، وهي في (الشرحين)، ولم يتعرض لها الأكثرون، فاحترز بها عما إذا كان أكله منه نادرًا؛ فإنه هدر أيضًا. فائدة: روى الزهري: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث – وكان طبيبًا –: والله إن فيها سم سنة، وأنا وانت نموت في يوم واحد، فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. ولما غزا خالد بن الوليد الحيرة .. جاءه عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة ومعه سم ساعة، فقال له خالد: ما هذا؟ فقال: سم ساعة إن نالني مكروه .. تناولته، فأخذه خالد من يده وقال: باسم الله خير الأسماء الذي لا يضر مع اسمه شيء الرحمن الرحيم، ثم اقتحم السم، فلم يضره منه شيء، فقال له ابن بقيلة: والله! لتملكن ما أردتم ما دام أحد منكم هكذا.

وَلَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلاَجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ فَمَاتَ .. وَجَبَ الْقِصَاصُ. وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ لاَ يُعَدُّ مُغْرِقًا كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ مُضْطَجِعًا حَتَّى هَلَك .. فَهَدَرٌ، أَوْ مُغْرِقٍ لاَ يَخْلُصُ مِنْهُ إِلاَّ بِسِبَاحَةٍ: فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا .. فَعَمْدٌ، وَإِنْ مَنَعَ مِنْهَا عَارِضٌ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ .. فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ فَتَرَكَهَا .. فَلا دِيَةَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ابن بقيلة معمَّرًا، بلغ ثلاث مئة وخمسين سنة، وسيأتي ذكره قبيل (باب الجزية). قال: (ولو ترك المجروح علاج جرح مهلك فمات .. وجب القصاص) أي: على الجارح بلا خلاف؛ لأن البرء غير موثوق به والجناية في نفسها مهلكة، وليس كما لو حبسه في بيت والطعام حاضر فلم يأكل حتى مات؛ لأن نفس الحبس غير مهلك. قال: (ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقًا كمنبسط فمكث مضطجعًا حتى هلك .. فهدر)؛ لأنه هلك باستدامة منسوبة إليه دون ملقيه، فأشبه ما لو خرج ثم عاد، وسواء كان الماء جاريًا أو راكدًا. وقوله: (مضطجعًا) ليس بقيد؛ فإن المستلقي والمنكب والجالس كذلك ولم يفرقوا في هذا القسم بين المميز وغيره، ولا بين القادر على الحركة وغيره، والظاهر: أن المراد: المميز والقادر على الخروج منه؛ فإنهم صرحوا بأنه لو كتفه وألقاه على هيئة لا يمكنه الخلاص .. وجب القود. قال: (أو مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة: فإن لم يحسنها أو كان مكتوفًا أو زمنًا .. فعمد)؛ لأنه مهلك لمثله. و (السباحة): العوم، قال الجوهري: يقال: إنه لا يُنسى. قال: (وإن منع منها عارض كريح وموج .. فشبه عمد)، فتجب ديته ولا قود. قال: (وإن أمكنته فتركها .. فلا دية في الأظهر)؛ لأنه بترك السباحة متلف لنفسه، فأشبه إعراض المحبوس عن أكل الطعام.

أَوْ فِي نَارٍ يُمْكِنُهُ الْخَلاَصُ فَمَكَثَ .. فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلاَنِ. وَلاَ قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِي النَّارِ وَجْهٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: تجب الدية؛ لأن الإلقاء مهلك والسباحة حيلة دافعة، فأشبه ما لو امتنع من معالجة الجرح، وقيل: تجب قطعًا، وقيل: لا قطعًا. ولو كتفه وطرحه على الساحل فزاد الماء وأغرقه، فإن كان في موضع تعلم زيادة الماء فيه كالمد بالبصرة .. فهو عمد موجب للقصاص، وإن كان قد يزيد وقد لا يزيد .. فهو شبه عمد، وإن كان بحيث لا تتوقع الزيادة فاتفق سيب نادر .. فهو خطأ محض. قال: (أو في نار يمكنه الخلاص فمكث .. ففي الدية قولان)، هما منسوبان إلى رواية الربيع، وأصحهما: المنع، كما تقدم في مسألة الماء. وقيل في مسألة الماء: لا تجب قطعًا، والقولان في النار؛ لأن النار متلفة لا يقدم الناس عليها مختارين، بخلاف الماء؛ فغنه قد يقدم عليه لسباحة أو تبرد أو تنظيف، وعلى الأصح: يجب على الملقي أرش ما عملت فيه النار من حين إلقائه إلى أن أمكنه الخروج. قال الجيلي: فإن لم تكن معرفة قدر الأرش .. لم يلزمه إلا التعزير. قال ابن الرفعة: ولو قيل: يلزمه المحقق .. كان أولى. قال: (ولا قصاص في الصورتين) أي: في صورتي الإلقاء في الماء والنار؛ لأنه الذي قتل نفسه (وفي النار وجه)؛ لأنها تؤثر وتقرح بأول المس، بخلاف ملاقاة الماء، على أن في الماء قولًا أو وجهًا أيضًا بالوجوب. واحترز بقوله: (يمكنه الخلاص) عما إذا لم يمكنه، لعظمها، أو كونها في وهدة، أو كونه مكتوفًا أو زمنًا أو صغيرًا فمات منها، أو خرج منها متأثرًا متألمًا وبقي ضعيفًا ضَمِنًا إلى أن مات؛ فعليه القصاص. ولو قال الملقي: كان يمكنه التخلص مما ألقيته فيه من ماء أو نار، وكذبه الولي .. فالأصح: تصديق الوارث؛ لأن الظاهر: أنه لو أمكنه الخروج .. لخرج.

وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَرَدَّاهُ فِيهَا آخَرُ، أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ .. فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمُرْدِي وَالْقَادِّ فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: الملقي؛ لأن الأصل براءة ذمته. قال: (ولو أمسكه فقتله آخر، أو حفر بئرًا فرداه فيها آخر، أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده .. فالقصاص على القاتل والمردي والقاد فقط)، أما الممسك .. فلا شيء عليه إلا الإثم والتعزير؛ لما روى الدارقطني [3/ 140] والبيهقي [8/ 50] بإسناد صحيح عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمسك الرجل الرجل حتى جاء آخر فقتله .. قتل القاتل ويصبر الممسك) أي: يحبس تأديبًا، قال البيهقي: والصواب إرساله، وصحح ابن القطان رفعه. ولأنه لو أمسك امرأة حتى زنى بها غيره .. حد الزاني لا الممسك، وبهذا قال جماعة من العلماء. وقال ربيعة: يحبس الممسك حتى يموت. وقال مالك: إن أمسكه للقتل .. فهما شريكان وعليهما القصاص. هذا في الحر، فإن كان المقتول عبدًا .. فللمالك مطالبة الممسك أيضًا، وقرار الضمان على القاتل، بخلاف ما لو أمسك المحرم صيدًا فقتله حلال وهو في يد المحرم؛ فالضمان على المحرم على تناقض فيه للرافعي والمصنف، وفرقوا بأنه ضمان يد وهنا ضمان إتلاف، وجعلوا سلب القتيل للقاتل والممسك؛ لاندفاع شر الكافر بهما. وشرط مسألة الكتاب: أن يكون القاتل مكلفًا، فلو أمسكه وعرضه لمجنون أو سبع فقتله .. فالقصاص على الممسك بلا خلاف؛ لأنه يعد قاتلًا. وأما مسألة حفر البئر .. فلأنه شرط والتردي سبب، والشروط لا يتعلق بها ضمان. وكان الصواب: أن يعبر كما في (الشرح) و (الروضة) بنفي الضمان؛ لأنه الذي يتعلق بالحافر لا القصاص. وأما مسألة الإلقاء من شاهق .. فالقصاص على المتلقي دون الملقي، ولا دية عليه

وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ .. وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الأَظْهَرِ، أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضًا إذا آل الأمر إليها، سواء عرف الملقي الحال أم لا، ولا فرق في نفي الضمان عن الملقي بين كون القاد ممن يضمن أو لا يضمن كالحربي. و (القد) في اللغة هو: القطع طولًا و (القط): القطع عرضًا، ومنه: قط القلم. قال: (ولو ألقاه في ماء مغرِق) وهو: الذي لا يمكنه الخلاص منه (فالتقمه حوت .. وجب القصاص في الأظهر)؛ لأن طرحه في اللُّجَّة إتلاف له، فإنه بنفس الوقوع فيه صار في حكم التالف. والثاني: المنع؛ لحصول الإهلاك بغير ما قصد به الإهلاك فانتهض شبة في نفي القصاص، لكن تجب الدية مغلظة، ثم لا فرق بين أن يكون التقام الحوت له قبل وصوله إلى الماء أو بعده. وقيل: إن التقمه قبل وصوله .. فلا قصاص قطعًا. وقيل: إن كان بنيل مصر .. وجب؛ لأنه تكثر فيه التماسيح فلا يسلم منها أحد، وإن كان بغيره .. فلا. فلو رفع الحوت رأسه فألقمه فاه .. وجب القصاص قطعًا. قال: (أو غير مغرق .. فلا) أي: لا قصاص قطعًا؛ لأنه لم يقصد إهلاكه بالحوت الذي التقمه في الماء الغير المغرق، فأشبه ما إذا دفعه دفعًا خفيفًا على سكين لم يعلم بها الدافع؛ فإنه لا قصاص، وفي الصورتين دية شبه العمد مغلظة على العاقلة. وقيل: لا دية كما لا قصاص، ومحل القطع بعدم القصاص: إذا لم يشعر الملقي بأن هناك حوتًا، فإن علم به .. وجب القود كما صرح به في (الوسيط). وأطلق المصنف (المغرِق) ولا بد من تقييده بما لا يمكنه الخلاص منه، كما قاله ابن الرفعة وغيره.

وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ .. فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَكَذَا عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الأَظْهَرِ، فَإِنْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ .. وُزِّعَتْ، فَإِنْ كَافَأَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ .. فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أكرهه على قتل) أي: أكره شخصًا على قتل ثالث إكراهًا بغير حق وقتله. قال:) .. فعليه القصاص)؛ لأنه أهلكه بما يقصد به الهلاك غالبًا، فأشبه ما إذا رماه بسهم فقتله، هذا هو الصحيح. وقيل: لا قصاص عليه؛ لأنه متسبب والمكره مباشر والمباشرة مقدمة، أما إثم القتل .. فعليهما قطعًا، ولا يخفف الإكراه الإثم عن المكره. قال: (وكذا على المكرَه) أي: بفتح الراء (على الأظهر)؛ لأنه قتله عمدًا عدوانًا لاستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله المضطر ليأكله، بل أولى؛ لأن المضطر على يقين من التلف إن لم يأكل، بخلاف المكره، وبهذا قال مالك. والثاني: لا قصاص؛ لحديث: (رفع عن أمتي: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)، وبهذا قال أبو حنيفة. ولا فرق في جريان القولين بين أن يصدر الإكره من الإمام أو نائبه أو إمام البغاة أو المتغلب باللصوصية أو غيرهم على الأصح. ولم يبين المصنف ما يحصل به الإكراه اكتفاء بما ذكره في (الطلاق)، لكن نقل الرافعي هنا عن المعتبرين: أن الإكراه هنا لا يحصل إلا بالتخويف بالقتل أو بما يخاف من التلف كالقطع والجرح والضرب الشديد، بخلاف الطلاق؛ فإن الإكراه فيه لا ينحصر في ذلك على الأظهر، ولابد أن يكون المكره لا يقدر على دفع المكره عن نفسه بقتل أو غيره. قال: (فإن وجبت الدية .. وزعت) وكانا كالشريكين في القتل، فللولي أن يقتص منهما، وله أن يقتص من أحدهما ويأخذ نصف الدية من الآخر، والأصح في زوائد (الروضة): أنه في ماله. قال: (فإن كافأه أحدهما فقط .. فالقصاص عليه)؛ لأن شريك غير المكافئ يلزمه القصاص كشريك الأب، فإذا أكره حر عبدًا على قتل عبد أو مسلم ذميًا على قتل

وَلَوْ أَكْرَهَ بَالِغٌ مُرَاهِقًا .. فَعَلَى الْبَالِغِ الْقِصَاصُ إِنْ قُلْنَا: عَمْدُ الصَّبِيِّ عَمْدٌ، وَهُوَ الأَظْهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذمي .. فالقصاص واجب على المأمور دون الآمر، وإن أكره عبد حرًا على قتل عبد أو ذمي مسلمًا على قتل ذمي .. فالقصاص على الحامل دون المحمول. ولو أكره الأب أجنبيًا على قتل ولده أو الأجنبي الأب .. فالقصاص على الأجنبي دون الأب. قال: (ولو أكره بالغ مراهقًا .. فعلى البالغ القصاص إن قلنا: عمد الصبي عمد، وهو الأظهر)؛ لأنه كالمكلفين العامدين. والمراد: أنه يعطى حكم العمد، واندفع عن المراهق؛ لعدم تكليفه. فإن قلنا: عمده كخطأ البالغ .. فلا، كما لو اشترك المخطئ والعامد في القتل. وما أطلقه المصنف من أن: (عمد الصبي عمد) قيده في (الروضة) بمن له نوع تمييز، أما من لا يميز .. فعمده خطأ، وكأن المصنف أشار إلى ذلك بالتمثيل بالمراهق. والثاني: أنه خطأ؛ لقول علي رضي الله عنه: (عمد الصبي والمجنون خطأ)، ولرفع القلم عنهما. والجواب: أن الأثر لم يصح. وأما رفع القلم عنهما .. ففيما يتعلق بالبدن، ولهذا لا نوجب القصاص في قتلهما، بل فيه دية مغلظة. فإن قلنا: إن عمده خطأ .. فلا قصاص؛ لأنه شريك مخطئ. وإذا لم يكن لهما تمييز .. فقال القاضي والإمام وغيرهما: لا عمد لهما قولًا واحدًا. وفي (الحاوي) طرد القولين فيهما. ولو أمر من لا يميز بقتل .. وجب القود على الآمر؛ لأنه كالآلة التي يستعملها،

وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ الْمُكْرِهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ الْمُكْرَهُ صَيْدًا .. فَالأَصَحُّ: وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ. أَوْ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا .. فَلاَ قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ. أَوْ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ فَزَلِقَ وَمَاتَ .. فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقِيلَ: عَمْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا بخلاف ما لو أمره بالسرقة فسرق؛ فإنه لا يقطع الآمر؛ لأن القطع فيها لا يجب إلا بالمباشرة. قال: (ولو أكرهه على رمي شاخص علم المكرِه أنه رجل وظنه المكرَه صيدًا .. فالأصح: وجوب القصاص على المكرِه) أي: بكسر الراء، وهو الآمر؛ لأنه قتله قاصدًا لقتله بما يقتل غالبًا والمكرَه جاهل بالحال. والثاني: لا قصاص؛ لأنه شريكُ مخطئٍ، فإن آل الأمر إلى الدية .. ففي (التهذيب): أنها عليهما؛ نصف في مال الحامل، ونصف على عاقلة المحمول. قال: (أو على رمي صيد فأصاب رجلًا .. فلا قصاص على أحد)؛ لأنهما لم يتعمدا قتله، وهذا لا خلاف فيه. وأما الدية .. فجميعها على عاقلة المكرِه إن لم نوجب الضمان على المكرَه، وإن أوجبناه .. فعلى عاقلة كل منهما نصفها. وقال المتولي: الحكم متعلق بالرامي ولا شيء على المكرِه؛ لأنه لم يفعل ما دعاه إليه، وهذا أوجه. قال: (أو على صعود شجرة فزلق ومات .. فشبه عمد)؛ لأنه لم يقصد به القتل غالبًا. قال: (وقيل: عمد)؛ لأنه تسبب في قتله، وهذا قول الغزالي. وقال قاضي القضاة عماد الدين ابن السكري في (حواشي الوسيط): التحقيق: حمل الأول على ما إذا كانت الشجرة مما يزلق على مثلها غالبًا، والثاني على ما إذا

أَوْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ ... فَلا قِصَاصَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان يسلم منه غالبًا, فمحل الخلاف على حالين, وكذا قاله المصنف في (نكت التنبيه). ولا شك أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأشجار. ونظير المسألة: ما إذا أكرهه على نزول بئر فزلق. قال: (أو على قتل نفسه) بأن قال: اقتل نفسك, وإلا .. قتلتك) .. فلا قصاص في الأظهر)؛ لأن ذلك ليس بإكراه حقيقة, إذ المكره من يتخلص بما يؤمر به عما هو أشد عليه. والثاني: يجب القصاص, كما لو أكرهه على قتل غيره. وقيل: لا قصاص قطعًا, حكاه ابن القطان. ويستثنى من كلام المصنف: ما لو أكرهه بشيء فيه تعذيب شديد لو لم يقتل نفسه .. ففي (الشرح الصغير) و (الروضة) يشبه أن يكون إكراهًا؛ لتخلصه من الأشد بالشديد, فيجب القصاص كغيره. وخرج بالتقييد بـ (النفس) صورتان: إحداهما: الطرف, فلو قال: لتقطعن يدك أو إصبعك, وإلا قتلتك .. فهو إكراه؛ لأن قطعها ترجى معه الحياة. والثانية: إكراهه على قتل الغير بقتل ولده. والأصح في (الروضة) في (كتاب الطلاق): أنه ليس بإكراه. وقال الروياني: الصحيح عندي: أنه إكراه؛ لأن ولده كنفسه. وإذا قلنا: يجب القصاص فعفى عنه على مال .. قال الرافعي والمصنف: وجب جميع الدية، وإن لم نوجبه .. فعليه نصف الدية إن أوجبنا الضمان على المكرَه، وجميعها إن لم نوجبه. قال في (المطلب): والصواب العكس, وبينه في (المهمات).

وَلَوْ قَالَ: اقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُكَ فَقَتلَهُ .. فَالْمَذْهَبُ: ل قِصَاصَ، والأَظْهَرُ: لَا دِيّةَ. وَلَوْ قَالَ: اقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا .. فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: اقتلني وإلا قتلتك فقتله .. فالمذهبك لا قصاص)؛ لأن الإذن شبهة دارثة للحد. والطريقة الثانية ذات قولين: ثانيهما: يجب؛ لأن القتل لا يباح بالإذن، كما لو أذن في الزنا بأمته. قال: (والأظهر: لا دية)؛ لأنه إذن في القتل وإكراه، ولو تجرد الإذن .. فلا دية في أصح القولين؛ بناء على وجوبها للمقتول في آخر جزء من حياته، ثم تنتقل إلى الوارث كما سيأتي في آخر (باب كيفية القصاص). فلو كان الآذن عبدًا .. فالضمان غير ساقط، وفي القصاص إذا كان المأذون له عبدًا وجهان. ولو قال: اقطع يدي وإلا قتلتك فقطعها .. فلا قصاص ولا دية قطعًا؛ لأنه إتلاف مأذون فيه فصار كما لو أتلف ماله بإذنه، ولا يخفى أن محل القطع بعدم القطع إذا لم يمت، فإن مات من القطع .. ففيه الخلاف، والأصح فيه: عدم الوجوب. فرع: قال: اقذفني وإلا قتلتك فقذفه .. قال الرافعي نقلًا عن البغوي: يجب الحد، بخلاف القصاص؛ لأنه قد يستعين بغيره في قتل نفسه أو قطعه ولا يستعان بالغير في القذف، والعجب أن الرافعي صحح في بابي اللعان) و (القذف) عدم الوجوب، والصواب في زوائد (الروضة) وغيها: أنه لا حد مع الإكراه؛ لأنه مباح بلا خلاف. قال: (ولو قالك اقتل زيدًا أو عمرًا) أي: وإلا قتلتك) ... فليس بإكراه)، فمن أقدم على قتله منهما ... كان مختارًا لقتله؛ لأن المكره هو المحمول على فعل

مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا فِعْلَانِ مُزْهِقَانِ مُذَفِّفاَنِ كَحَزِّ وَقَدِّ، أَوْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لا يجد عنه مخلصًا، هكذا ذكره الأصحاب، وخالفهم القاضي حسين؛ لأنه لا يتخلص إلا بذلك فهو ملجأ إليه، وتابعه الشيخ عز الدين فذكر: أن الإكراه على شرب أحد قدحي الخمر يتخير المكره فيهما، وأن ذلك لا يسقط أثر الإكراه، وقد سبق نظير هذا فيما إذا قال: طلق إحدى زوجتيك. تتمة: لا يبيح الإكراه القتل المحرم لذاته، بخلاف القتل المحرم لفوات المالية كقتل نساء الحربيين وذراريهم؛ فإنه يباح بالإكراه، وكذا لا يبيح الزنا ولا اللواط، ويجوز لكل منهما دفع المكره بما أمكنه، ويباح به شرب الخمر والإفطار في رمضان والخروج من صلاة الفرض، ويباح به الإتيان بما هو كفر قولًا أو فعلًا مع طمأنينة القلب بالإيمان، وعلى هذا فأوجهك أصحها: الأفضل أن يثبت ولا ينطق بها. والثاني: الأفضل مقابلة؛ صيانة لنفسه. والثالث: إن كان من العلماء المقتدى بهم .. فالأفضل الثبوت. والرابع: إن كان يتوقع منه إنكاء العدو أو القيام بأحكام الشرع .. فالأفضل أن ينطق بها لمصلحة بقائه، وإلا ... فالأفضل الثبات. ويباح به إتلاف مال الغير، وقال في (الوسيط): بل يجب، وتبعه (الحاوي الصغير) فجزم بالوجوب. والمكره على شهادة الزور ... قال الشيخ عز الدين: ينبغي أن ينظر فيما تقتضيه فإن اقتضت قتلًا ... ألحقت به، أو مالًا .. ألحقت به قال: (فصل: وجد من شخصين معًا فعلان مزهقان كحز وقد، أو لا) أي: أو غير

كَقَطْعِ عُضْوَيْنِ .. فَقَاتِلاَنِ. وَإِنْ أَنْهَاهُ رَجُل إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ؛ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ إِبْصَارُ وَنُطْقُ وَحَرَكَةُ أخْتِيارِ, ثُمَّ جَنَى آخَرُ .. فَالأَوَّلُ قَتِلُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ مذففين (كقطع عضوين .. فقاتلان) يجب عليهما القصاص؛ لأن القتل لا تمكن إضافته إلى واحد معين ولا إسقاطه فأضيف إليهما. قال في (المطلب): واتفق الأصحاب على أنه لو جرح واحد جراحة وآخر مئة جراحة ومات بالسراية منهما .. فهما قاتلان، فرُبَّ جراحةِ لها غورُ ونكايةُ لم تحصل من جراحات. فائدة: لفظة (معًا) منصوبة على الحال, واستعملها المصنف للاتحاد في الزمان، وهو منقول عن ثعلب وغيره، وفرقوا بذلك بينها وبين (جميعًا). واختار ابن مالك: أنها لا تدل على الاتحاد في الوقت، وهو ظاهر نص الشافعي فيما لو قال لامرأتيه: إن ولدتما معًا فأنتما طالقتان: أنه لا يشترط الاقتران في الزمان، وستأتي المسألة مبينَّة في (كتاب التدبير). و (مُذفِّفان) بذال معجمة، ويجوز إهمالها، حكاه الجوهري، ومعناه: مسرعان للقتل. قال: (وإن أنهاه رجل إلى حركة مذبوح؛ بأن لم يَبق إبصار ونطق وحركة اختبار، ثم جنى آخر .. فالأول قاتل)؛ لأنه أنهاه إلى حالة الموت، وتسمى هذه الحالة حالة اليأس, لا يصح فيها إسلام ولا شيء من التصرفات، وينتقل الملك فيها للورثة. ولو مات قريب لمن انتهى إليها .. لم يرثه، ولا تصح الردة فيها على الصحيح، وعلى هذا حمل تنازع معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما في قتل أبي جهل، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا، فنظر فقال: (كلاكما قتله) وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو.

وَيُعزَّرُ الثَّانِي. وَإِنْ جَنَى الثَّانِي قَبْلَ الإِنْهَاءِإِلَيْهَا: فَإِنْ ذَفَّف كَحَزّ بَعْدَ جُرْحِ .. فَالثَّانِي قَاتِلُ، وَعَلَى الأَوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ مَالُ بِحَسَبِ الْحَالِ, وَإِلاَّ فَقَاتِلاَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأصحاب: لأنه كان أثخنه والآخر جرحه بعد، فقضى بسلبه للأول، فدل على أنه القاتل. وقوله: (كلاكما قتله) تطييب لقلب الآخر. وقوله المصنف: (بأن لم يبق) تفسيرلحركة المذبوح. واحترز ب (الاختيارية) عما إذا قطع الإنسان نصفين وبقيت أحشاؤه في النصف الأعلى؛ فإنه ربما تكلم بكلمات لا تنتظم، وإن انتظمت .. فليست عن روية واختيار, بل ذلك يجري مجى الهذيان الذي لا يصدر عن عقل صحيح ولا قلب ثابت. وحكى ابن أبي هريرة: أن رجلًا قطع نصفين فتكلم واستسقى ماء فسقي. وإن شك في وصوله إلى حركة المذبوح .. رجع إلى أهل الخبرة. قال: (ويعزر الثاني) كما لو قطع عضوًا من ميت. قال: (وإن جنى الثاني قبل الإنهاء إليها) أي: إلى حركة المذبوح (فإن ذَفف كحَزَّ بعد جرح .. فالثاني قاتل)؛ لأن الجراحة إنما تقتل بالسريان وحزُّ الرقبة يمنع من السريان فأبطل أثره، ولا فرق بين أن يتوقع البرء من الجراحة السابقة أو يتيقن الهلاك بما بعدها. قال: (وعلى الأول قصاص العضو أو مال بحسب الحال) أي: من عمد أو خطأ؛ لأن حياته كانت مستقره وتصرفاته حينئذ كانت نافذة، ولأن عمر رضي الله عنه أوصى في هذه الحالة، فعمل بعهده, وعن مالك: إذا تيقن هلاكه بالجراحة السابقه .. فالقاتل الأول دون الثاني. قال: (وإلا .. فقاتلان) أي: إذا لم تكن الجراحة الثانية مذفِّفة؛ بأن أجافاه مرتبًا، أو قطع الأول يده من الكوع ثم قطع الثاني الساعد من المرفق .. فهما قاتلان؛

وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا فِي النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ .. وَجَبَ الْقِصَاضُ. فَصْلُ: قَتَلَ مُسلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن القطع الأول قد انتشر سرايته وألمه وتأثرت به الأعضاء الرئيسة وانضم إليها الألم الثاني، فأشبه ما إذا أجاف أحدهما جائفة ثم وسعها الآخر ومات .. فالقصاص واجب عليهما. كل هذا إذا لم يصب الحشوة خرق أو قطع وتيقن موته بعد يوم أو يومين .. فهذا يجب القصاص بقتله، وكان عمر رضي الله عنه كذلك على ما روي: أن الطبيب سقاه لبنًا فخرج من جوفه، فقال له: اعهد يا أمير المؤمنين. قال: (ولو قتل مريضًا في النزاع وعيشُه عيشُ مذبوح .. وجب القصاص)؛ لأن موته غير محقق، فإن انتهى إلى النزع وبدت أمارات الموت .. فإن الشفاء قد بقع بعد ذلك، بخلاف المقدود والمذبوح. وعن (تعليق القاضي): أنه لا يكون قاتلًا، كما لا يحل الحيوان المنتهي بالمرض إلى هذه الحالة بالذكاة. تتمة: ما ذكره الرافعي والمصنف هاهنا وفي (باب العاقلة) من: أن المريض لا يقطع بموته .. سبق لهما في (باب الوصية) في الكلام على المريض المخوف، وفي (الفرائض) في الكلام على ميراث الحمل ما يخالفه، وذكرا في (الأضاحي) ما يقرب من ذلك، كما قرره في (المهمات). قال: (فصل: قتل مسلمًا ظن كفره بدار الحرب)؛ بأن رآه يعظم آلهتهم أو على زيهم.

فَلَا قِصَاصَ, وَكَذَا لَا فِي الأَظْهَرِ. أَوْ بِدَارِ الإِسْلَامِ .. وَجَبَا, وَفِي الْقِصَاصِ قَوْلٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال:) .. فلا قصاص)؛ لوضوح العذر, وهذا لا خلاف فيه, واستدل له الشافعي بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ}؛فإن معناه: في قوم, ولأنه أسقط حرمة نفسه بمُقامه في دار الحرب التي هي دار إباحة. قال: (وكذا لا دية في الأظهر)؛ للجهل بباطن أمره, أما الكفارة .. فتجب قطعًا. والقول الثاني: تجب الدية؛ لأنها تثبت مع الشبهة. واحترز عما إذا لم يظنه, فإن عرف مكانه .. فكما لو قلته في دار الإسلام, وإن لم يعرف مكانه ورمى سهمًا إلى الكفار في دارهم, فإن لم يعين شخصًا بل أصابه خطأ .. فلا ضمان, وإن عين شخصًا وأصابه .. فلا قود, وفي الدية قولان. قال: (أو بدار الإسلام .. وجبا) , أما الدية .. فبلا خلاف, وأما القصاص .. فعلى الأظهر؛ لأن ظاهر حال من بدار الإسلام العصمة, ولا خلاف في وجوب الكفارة في هذه الحالة, وتصريحه بجمع القصاص مع الدية عجيب؛ لأنهما لا يجتمعان لا وجوبًا ولا استيفاء كما قاله في (الروضة) في أول الباب, والموقع له في ذلك (المحرر)؛ فإنه قال: وجبت الدية, وكذا القصاص في أصح القولين, ومراده: وجوبهما على البدل لا الاجتماع. قال: (وفي القصاص قول): إنه لا يجب؛ لأنه أبطل حرمته بخروجه على هيئة الكفار, وقد نص الشافعي على: أن التزيي بزيهم في دار الإسلام ردة, لكن سيأتي في (كتاب الردة): أن ذلك ليس بردة على الصحيح عند المصنف, وهل الدية عليه أو على عاقلته؟ فيه قولان في (الأم) في (قتال البغاة).

أَوْ مَنْ عَهِدَهُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ خِلَافهُ .. فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ الْقِصَاصِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو من عهده ذميًا أو مرتدًا أو عبدًا أو ظنه قاتل أبيه فبان خلافه .. فالمذهب: وجوب القصاص) , نص الشافعي في المرتد على الوجوب, وفي الذمي والعبد على المنع, فقيل: قولان فيهما: وجه الوجوب: أنه غير معذور في هذا الظن؛ إذ ليس للآحاد القتل. ووجه السقوط: الظن المبني على الاستصحاب, وقيل بتقريرهما. والفرق: أن المرتد يحبس في دار الإسلام ولا يخلى, فقاتله وهو مخليً مقصر, بخلاف العبد والذمي؛ فإنهما يتركان في دار الإسلام. وقيل: يجب القصاص في الجميع قطعًا؛ لأن ظنه لا يبيح القتل. والمذهب: وجوب القصاص في الجميع, كما لو علم تحريم القتل وجهل وجوب القصاص. وفيما إذا ظنه قاتل أبيه فقتله فبان غيره قولان: أحدهما: لا يجب؛ لأنه ظن إباحة القتل. وأظهرهما: الوجوب؛ لأنه كان من حقه التثبت فلو قال: تبينت أن أبي كان حيًا حين قتلته .. وجب القصاص قطعًا؛ إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه. واحترز بقوله: عهده عما إذا لم يعهد ردته بل ظنها؛ فإن القصاص واجب لا محالة, وحيث قلنا: لا قصاص, فقال الولي: عرفت إسلامه أو حريته, وقال القاتل: ظننته كافرًا أو رقيقًا .. فالقول قوله؛ لأنه أعرف بحاله.

وَلَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ اٌلْمَرِيضَ .. وَجَبَ اٌلْقِصَاصُ، وَقِيلَ: لاَ. وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ اٌلْقِصَاصِ فِي اٌلْقَتِيلِ: إِسْلاَمٌ أَوْ أَمَانٌ؛ فَيُهْدَرُ اٌلْحَرْبِيُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو عهده حربيا قتله ظانا: أنه لم يسلم وكان مسلمًا .. فقيل: كالمرتد، وقيل: لا قصاص قطعًا. قال: (ولو ضرب مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض) أي: فمات منه) .. وجب القصاص)؛ لوجود القتل بصفة التعدي، وظن الصحة لايبيح الضرب، كما إذا وطىء امرأة ظنها جارية مشتركة بينه وبين غيره .. فالأصح: وجوب الحد، وكما إذا سرق ثوبا لا يساوي نصابا وفي جيبه تمام نصاب .. فإنه يقطع كما سيأتي. قال: (وقيل: لا)؛ لأنه ليس بمهلك عنده فلم يتحقق قصد الإهلاك. والذي أطلقه المصنف تبعًا لـ) المحرر) مقيد بما إذا ضربه غير تأديب، فإن ضربه تأديبا ضربا لا يقتل المريض وهو جاهل بمرضه .. فإنه لا يجب عليه القود؛ إذ لا عدوان كما صرح به في (الوسيط) واحترز بقوله: (جهل) عما إذا علم؛ فيجب القصاص قطعا، وبقوله: (يقتل المريض) عما يقتل الصحيح؛ فيجب أيضا قطعا. قال: (ويشترط لوجوب القصاص في القتيل: إسلام)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها .. عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) رواه مسلم [21]. قال: (أو أمان) أي: بعقد ذمة أو عهد؛ لقوله تعالى: {قتلوا الذين لا يومنون بالله} إلى قوله: {حتى يعطوا الجزية}. ولقوله تعالى: {وان احد من المشركين استجارك فاجره} الآية. قال (فيهدر الحربي)؛ لقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.

وَالْمُرْتَدُ، وَمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ كَغَيْرِهِ، وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ إِنْ قَتَلَهُ ذِمَّيٌّ .. قُتِلَ، أَوْ مُسْلِمٌ .. فَلاَ فِي اٌلأَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمرتد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:) من بدل دينه فاقتلوه). وأورد في) المطلب) على حصر أسباب العصمة في الإسلام والأمان ضرب الرق على الكتابي بلا خلاف، وكذا على وثني ونحوه على المذهب، وكذا الترهب في قول؛ فالعصمة حاصلة بالجميع. قال: (ومن عليه قصاص كغيره)، فإذا قتله غير المستحق .. اقتص منه؛ لقوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطنا}، فخص وليه بقتله، فدل على: أن غير وليه لا سلطان له عليه، وكذا من عليه قطع في غير القصاص كالسارق؛ فإن يده معصومة على غير المستحق، كذا هو في) الحاوي الكبير) و (الصغير). والذي في (الشرح) و) الروضة): أنها ليست بمعصومة بالنسبة إليه أيضا؛ لأنها مستحقة الإزالة. كل هذا فيمن لم يتحتم قتله، فأما من تحتم قتله بقطع الطريق، فإذا قتله غير المستحق .. لا قصاص عليه في الأصح، فكان ينبغي للمصنف التحرز عنه. ومحل ما ذكره أيضا: إذا لم يكن للقاتل فيه جزء، فإن كان كما لو قتله أحد الابنين .. فلا قصاص على الأصح؛ لأنه مستوف لبعض حقه. قال: (والزاني المحصن إن قتله ذمي .. قتل) به؛ لأنه لا سبيل له عليه، ويقتل به المعاهد والمستأمن على الصواب في) تصحيح التنبيه). ونقل ابن الرفع عن الزبيلي وجهًا: أنه لايجب القصاص على الذمي ونحوه بقتله؛ لأنه مباح الدم، كما لو قتله مسلم. قال: (أو مسلم .. فلا في الأصح)؛ لأنه مباح الدم، فأشبه المرتد، هذا هو المنصوص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يجب القصاص؛ لأن إباحة دمه إنما تثبت في حق الإمام، فإذا قتله آحاد الناس .. لم يجز لهم قتله، فأشبه غير ولي الدم إذا قتل القاتل. وموضع الخلاف: إذا قتله قبل أمر الإمام بقتله، فإن قتله بعد الأمر بقتله .. فلا قصاص قطعا، كذا نقله في زوائد) الروضةط عن القاضي أبي الطيب في) تعليقه). ثم الذي أطلقه المصنف من إهدار الزاني المحصن مقتضاه: أنه لا فرق بين أن يثبت بالبينة أو الإقرار. وقيده الشيخ فيط التنبيه) والماوردي بما إذا وجب رجمه بالبينة، فإن وجب بالإقرار .. اقتص من قاتله؛ لأنه غير متحتم؛ لاحتمال رجوعه، وصححه المصنف فيط تصحيح التنبيه)، والصواب: العموم؛ فقد نص في) الأم) على: أنه لا فرق كما نقله في) المطلب)، قال: وبه صرح البندنيجي. فرع: نص الشافعي على أن من قتل محصنا ثم قال: وجدته يزني بامرأتي أو جاريتي أو يلوط بابني .. ففيما بينه وبين الله تعالى: لا قصاص عليه ولادية، وفي الظاهر: لا يصدق إن أنكر ولي القتيل ذلك، فإن أقام القاتل أربعة على زناه .. سقط عنه القود. واستدل البيهقي [8/ 230] لهذا بما رواه عن سعيد بن المسيب: (أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فأشكل القضاء فيها على معاوية، فأرسل إلى أبي موسى أن يسأل عنها عليا، فسأله، فقال علي: عزمت عليك لتخبرني من سألك عن هذه فقال: معاوية كتب بها إلي، فقال علي: أنا أبو الحسن، إن لم يأت بأربعة شهداء .. فليعط برمته).

وَفِي الْقَائِلِ: بُلُوغٌ وَعَقْلٌ, وَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُهُ عَلَى السَّكْرَانِ. وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الْقَتْل صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا .. صُدِّقَ بِيَمِنِهِ إِنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الجُنوُنُ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا صَبِيٌ .. فَلَا قِصَاصَ وَلَا يُحَلَّفُ. ولَا قِصَاصَ عَلَى حَرْبِيِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي القاتل: بلوغ وعقل) , فلا قصاص على صبي ومجنون؛ لرفع القلم عنهما. هذا في الجنون المطبق, أما المتقطع .. فهو كالعاقل في وقت إفاقته وكالمطبق في وقت جنونه, ومن وجب عليه القصاص ثم جن .. استوفى منه. وعن أبي حنيفة: لا يقتص منه في حال الجنون. قال: (والمذهب: وجوبه على السكران)؛ لتعديه, وفي المسألة طرق تقررت في (الطلاق) , وألحق به المتعدي بتناول الأدوية المزيلة للعقل. ومحل الخلاف: في غير المعذور بسكره, فمن أكره على شرب الخمر أو جهل كونها خمرًا .. فهو كالمعتوه. قال: (ولو قال: كنت يوم القتل صبيًا أو مجنونًا .. صدق بيمينه إن أمكن الصبا وعهد الجنون)؛ لان دعواه موافقة للأصل, ولا يخفى أن هذا بشرط الإمكان. وقيل: المصدق الولي؛ لأن الأصل السلامة. فلو أقام الوارث بينة على: أن القاتل كان عاقلًا يومئذ, وأقام القاتل بينة على: أنه كان مجنونًا .. تعارضنا وسقطتا. قال: (ولو قال: أنا صبي .. فلا قصاص ولا يحلف)؛ لأنه لو ثبت صباه .. لبطلت يمينه, وقيل: يحلف كغيره, وقيل: يحلف إذا بلغ. قال: (ولا قصاص على حربي)؛ يعني: إذا قتل في حال حرابته ثم أسلم أو عقدت له الذمة؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وتواتر من النبي صلى الله عليه وسلم عدم الإفادة ممن أسلم كوحشي قاتل حمزة,

وَيَجِبُ عَلَى المَعْصُومِ وَالْمُرْتَدِّ. وَمُكَافَأَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأنه لا يضمن مال المسلم بالغضب فلا تضمن نفسه بالقتل. وذهب الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني إلى: أنها يجب على الحربي ضمان المال والنفس؛ تخريجًا على أن الكفار مخاطبون بالفروع. وفي (فتاوي القاضي حسين): أن العبادي حكى عن المزني في (المنثور) التفصيل بين أن تعقد له الذمة فلا يسقط, أو يسلم فيسقط, وبه تجتمع ثلاثة أوجه. قال: (ويجب على المعصوم) أي: بأمان أو ذمة؛ لالتزامه الأحكام, وعبارة (المحرر): ويجب على الذمي, فعدل عنها المصنف إلى (المعصوم)؛ لعمومها, فإنها تشمل الذمي ومن له هدنة وأمان, قاله في (الدقائق). قال: (والمرتد)؛ لالتزامه أحكام الإسلام, وهذه زيادة زادها على (المحرر)؛ لأجل تعبيره بـ (المعصوم) حتى لا يرد على المفهوم؛ فإنه غير معصوم ومع ذلك يجب عليه القصاص. هذا إذا لم تكن له شوكة وقوة, فإن ارتدت طائفة لهم وأتلفوا مالًا أو نفسًا في القتال ثم تابوا وأسلموا .. ففي ضمانهم القولان في البغاة. وظاهر عبارة (الشرح الصغير): ترجيح المنع؛ فإنه اقتصر عليه خاصة, وهو الذي نص عليه في (الأم) في (سير الوافدي) فقال: وإن كان ارتد عن الإسلام فأحدث بعد الردة حدثًا ثم جاء مؤمنًا .. سقط عنه جميع ما أحدثه في الردة والمتناع؛ فقد ارتد طليحة عن الإسلام وثنيًا, وقَتَلَ ثابتَ بن أقرم وعكاشة بن محصن, ثم أسلم, فلم يقد بواحد منهما ولم تؤخذ منه دية بواحد, هذا لفظه, والقصة في ذلك ذكرها ابن عبد البر وغيره. قال: (ومكافأةٌ) وهي: المساواة, فيشترط لوجوب القصاص في القتيل: أن يساوي القاتل.

فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٌ, وَيُقْتَلُ بِذِمِّيٌ بِهِ, وَبِذِمِّيٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلا يقتل مسلم بذمي)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يقتل مسلم بكافر) رواه البخاري [111] عن أبي جحيفة عن علي مرفوعًا. قال ابن المنذر: وهو ثابت لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يعارضه, ولأنه لا يقتل بالمستأمن بلا خلاف فكذلك لا يقتل بالذمي. ووقع في (المطلب) و (الكفاية) عن (حلية الشاشي) حكاية قول عن (الإملاء): أن المسلم يقتل بالمستأمن وتبعه الشيخ مجد الدين وغيره, وكله وهم, وسببه: أن ابن الرفعة قلد فيه صاحب (الذخائر) , وإنما هو في (الحلية) منسوب لـ (إملاء أبي يوسف) صاحب أبي حنيفة. ولو عبر المصنف بالكافر. كان أعم؛ لشموله من لم تبلغه الدعوة, فإن المسلم لا يقتل به على الأصح, ولموافقته لفظ الحديث, لكن كأنه إنما ذكره لينبه على خلاف أبي حنيفة, واقتضى كلامه: أنه لا يقتل بالذمي ولو كان القاتل زانيًا محصنًا, وهو كذلك بالاتفاق. ولو قتل عبد مسلم عبدًا مسلمًا لكافر .. وجب القصاص في الأصح؛ لتساوي العبدين. ولو قتل عبد كافر عبدًا كافرًا لمسلم .. فعن القاضي حسين: فيه احتمالان, رجح المصنف منهما: ثبوت القصاص. قال في (المهمات): والمسألة لا يتصور مجيء احتمالين فيها, بل يجب القصاص جزمًا؛ فإن العبدين متكافئان, وكون سيد المقتول مسلمًا لا ينقصه عن القاتل إن لم يزده شرفًا. قال: (ويقتل ذمي به) أي: بالمسلم (وبذمي وإن اختلف ملتهما)؛ لأن الكفر كله كالملة الواحدة, فيقتل اليهودي بالنصراني وبالمجوسي وبالعكس, ويقتل الذمي أيضًا بالمعاهد والمستأمن.

فَلَوْ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ .. لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ. وَلَوْ جَرَحَ ِّمِّيٌ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ الْجارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والضابط: أن الذمي يقتل بكل كافر معصوم الدم, ويقتل المستأمن بمثله وبالذمي. قال: (فلو أسلم القاتل .. لم يسقط القصاص)؛ لأنهما كانا متكافئين حالة الجناية والاعتبار في العقوبات بها لا بما يطرأ, وكذلك إذا زنى العبد أو قذف ثم عتق .. يقام عليه حد العبيد. قال في (الأم): وليس هذا قتل مسلم بكافر, بل قتل كافر بكافر, إلا أن الموت تأخر عن حال القتل, ومنهم من حمل عليه حديث: أنه عليه الصلاة والسلام قتل مسلمًا بكافر وقال: (أنا أكرم من وفى بذمته) رواه أبو داوود في (مراسيله) [250] , هذا هو المشهور. وحكي القاضي مجلي في (الذخائر) عن إليكا الهَرَاسي في (تعليقه) وجهًا: أنه لا يقتل به؛ لإسلامه وقت القصاص جريًا على ظاهر الحديث, وذكر: أن شيخه أبا المعالي إمام الحرمين كان يذهب إليه ويعول عليه. ووقع في (الكفاية) حكايته عنه فيما إذا كان المستحق ذميًا, وليس كذلك. وأفاد بقوله: (لم يسقط القصاص):أن الكفارة لا تسقط, وهو الأصح؛ لانها حق الله تعالى, فهي كالديون اللازمة. قال: (ولو جرح ذمي ذميًا فأسلم الجارح ثم مات المجروح .. فكذا في الأصح) لا يسقط القصاص؛ لتكافئ حالة الجرح. والثاني: يسقط؛ نظرًا لحالة الزهوق. وهذا الخلاف في قصاص النفس, أما إذا كانت الجراحة بحيث يجب فيها القصاص, كما لو قطع ذمي يد ذمي وأسلم القاطع ثم سرى القطع .. فالقصاص واجب في الطرف لا محالة.

وَفِي الصُّورَتَيْنِ إِنَّمَا يَقْتَصُ الإِمَامُ بِطَلَبِ الْوَارِثِ. وَالأَظْهَرُ: قَتْلُ مُرْتَدَّ بَذِمِّيِّ وَبِمُرْتَدِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وعكس المسألة: لو جرح مسلم مسلمًا ثم ارتد المجروح ومات .. لم يجب القصاص. قال: (وفي الصورتين) أي: إذا أسلم القاتل بعد القتل أو بعد الجرح (إنما يقتص الإمام بطلب الوارث) فلا يفوضه إليه؛ لأن الكافر لا يسلط على قتل المسلم, اللهم إلا أن يكون أسلم فيفوضه إليه؛ لزوال المانع. هذا إذا كان له وارث, فإن لم يكن .. فللإمام أن يقتص. وعلم من عبارته: أنه لا يقتص إذا لم يطلب الوارث, وقد نص الشافعي على: أنه إذا لم يطلبه .. ليس للسلطان أن يفيده, ولذلك عد ابن خيران في (اللطيف) من شروط القود مطالبة المستحق. قال: (والأظهر: قتل مرتد بذمي) , سواء عاد إلى الإسلام, بدليل قضاء الصوم والصلاة, وحرمة الاسترقاق, وعدم تمكين الذمي من نكاح المرتدة. قال: (وبمرتد) أي: الأظهر قتل مرتد بمرتد؛ لتساويهما, كما لو قتل الذمي ذميًا. والثاني: لا؛ لأن المقتول مباح الدم, والخلاف في هذه: في (الشرح) و (الروضة): وجهان, وفي (المحرر) و (المنهاج): قولان.

لَا ذِمِّيٌ بِبُرْتَدِّ, ولَا يُقْتَلُ حُرٌ بِمَنْ فِيهِ رِقٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا ذمي يقتل بمرتد)؛ لأنه مهدر كالحربي. والثاني: يقتل الذمي بقتله؛ لأنه يقتله عنادًا لا تدينًا, فأشبه ما لو قتل مسلمًا. فإن قلنا: يجب .. استوفاه الحاكم على المذهب. وقيل: قريبه المسلم الذي كان يرثه لولا الردة, فإذا عفا على مال أو كان خطأ .. فلا دية في الأصح؛ لأنه لا قيمة لدمه, وإنما أوجبنا القصاص؛ لأن الذمي يقتله عنادًا لا تدينًا- فإنه يعتقده محقون الدم, بخلاف المسلم- فقتلناه به زجرًا أو سياسة. وإذا أوجبنا الدية بقتل المرتد .. فهل هي دية مسلم لبقاء علقة الإسلام, أو أقلُ الديات وهي دية المجوسي؟ وجهان: أصحهما: الثاني. قال: (ولا يقتل حر بمن فيه رق) وإن قل, وسواء المكاتب والمدير والمستولدة؛ لقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} وروى الدارقطني [8/ 35] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقتل حر بعبد). ولأن حرمة النفس أعظم من الأطراف, وبالاتفاق لا يقطع طرف حر بطرف عبد, فأولى أن لا يقتل به, وإنما اقتصر المصنف على حكم المبعض؛ ليؤخذ حكم قاتل الرقيق من باب أولى. وقال النخعي وأبو داوود: يقتل السيد بعيده؛ لما روى أحمد [5/ 10] وأصحاب السنن الأربعة عن الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل عبده .. قتلناه, ومن جدع أنفه .. جدعناه, ومن خصاه .. خصيناه). والجواب: انه منقطع. وقال البيهقي في (خلافياته): إنه منسوخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن المنذر: ليس بثابت وإن صح, فهو محمول على ما إذا أعتقه ثم قتله؛ لئلا يتوهم أن تقدم الملك يمنع من ذلك. وروى الدارقطني [3/ 143] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رجلًا قتل عبده متعمدًا, فجلده النبي صلى الله عليه وسلمونفاه سنة, ومحا سهمه من المسلمين, ولم يقده به, وأمره أن يعتق رقبة). وقال بن كّج: لو حكم حاكم بقتل حر بعبد .. لم ينقض حكمه, ولو حكم بقتل مسلم بذمي .. نقض, والأصح في المسألتين: عدم النقض. وحكي الروياني: أن بعض فقهاء خراسان سئل في مجلس أميرها عن قتل الحر بالعبد, فقال: أُقدِّم حكاية, ثم قال: كنت أيام تفقهي ببغداد نائمًا ذات ليلة على شاطئ دجلة, فسمعت ملاحًا يترنم ويقول [من الطويل] , خذوا بدمي هذا الغزالَ فإِنَّهُ رماني بسهمَي مقلتيهِ على عمد ولا تقتلوهُ إنَّني أنا عبدُهُ .... ولم أَرَ حُرًا قَطُّ يُقتلُ بالعبدِ فقال الأمير: حسبك؛ فقد أغنيت عن الدليل, قال الثعالبي: وكان أبو الحسن الماسرجسي ينشد في تدريسه هذين البيتين. فرع: قتل المسلم الحر شخصًا لا يعلم أنه مسلم أو كافر, أو لا يعلم أنه حر أو عبد .. فلا قصاص؛ للشبهة, كذا نقله الشيخان عن صاحب (البحر) وأقراه. قال الشيخ شرف الدين البارزي: وهذه المسألة مثل مسألة اللقيط سواء, والأصح فيها: الوجوب, ولا يظهر بين المسألتين فرق. وقال القمولي: الظاهر: أن مراده ما إذا لم يكن له ولي ادعى الكفاءة, أما إذا كان له ولي .. فهي مسألة اللقيط, وهي التي صحح فيها الشيخان: وجوب القصاص بقتله

وَيُقْتَلُ قِنٌ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ أَوْ عَتَقَ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ .. فَكَحُدُوثِ إسْلَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل البلوغ, وعللاه بأن الدار دار حرية وإسلام, وبهذا يجتمع الكلامان ولا تناقض. قال: (ويقتل قِنٌ ومُدبِّر ومكاتب وأم ولد بعضهم ببعض)؛ للتساوي في الملك, ولا نظر إلى ما انعقد لهم من سبب الحرية. وإنما ذكر المكاتب وأم الولد؛ ليفهم أن توقع الحرية واستحقاقها في المستقبل لا يمنع القصاص, وإنما المؤثر الحرية الناجزة عند القتل. وذكر المدبر؛ ليعلم تساوي سبب انعقاد اللازم وغيره, لكن يستثنى من إطلاقه: المكاتب؛ فلا يقتل بعبده على المذهب وإن كان رقيقًا مثله؛ لأنه سيده. قال في (الروضة): وإذا أوجبنا .. استوفاه سيده؛ لأنهما عبدان له. قال: (ولو قتل عبد عبدًا ثم غتق القاتل أو عتق بين الجرح والموت .. فكحدوث إسلام) أي: بعد القتل أو بينه وبين الجرح, فالقصاص في الأولى, وكذا في الثانية في الأصح. فلو عتق بعد إرسال السهم وقبل الإصابة .. فلا قصاص في الأولى, وكذا في إسلام الذمي عقب إرسال السهم.

وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ .. لَا قِصَاصَ, وَقِيلَ: إنْ لّمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ .. وَجَبَ. وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرِّ ذِمِّيٌ, وَلَا بِقَتْلِ وَلَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن بعضه حر لو قتل مثله .. لا قصاص)؛ لأنه لا يقتل ببعضه الحر البعض الحر وبالرقيق الرقيق, بل قتل جمعيه بجمعيه, فلو قتلناه به .. أدى إلى قتل جزء من الحر بجزء من الرقيق, وإذا تعذر القصاص في البعض .. تعذر في الجميع. ونظيره: لو باع شقصًا وسيفًا قيمة كل واحد عشرة بعبد وثوب قيمة كل واحد عشرة .. فإنا لا نجعل الشقص في مقابلة العبد أو الثوب, بل المقابل له النصف من هذا والنصف من ذاك. قال: (وقيل: إن لم تزد حرية القاتل .. وجب)؛ لأن القصاص يقع بين الجملتين من غير تفصيل وهما متساويان, وأصل الخلاف قولا الحصر والإشاعة. وفي قوله: (إن لم تزد) تنبيه على أن موضع الخلاف: إذا تساويا أو كانت الحرية في المقتول أكثر, فأما إذا كانت في القاتل أكثر .. فلا قصاص قطعًا؛ لانتفاء المساواة. قال: (ولا قصاص بين عبد مسلم وحر ذمي)؛ لأن المسلم لا يقتل بالذمي والحر لا يقتل بالعبد, ولأنا لو قتلناه به .. لقتلنا الكامل بالناقص, والفضائل لا تتقابل وإن كان في كفاءة النكاح قد قيل: إن النقيصة تجبر النقيصة, فقال الإمام: لا يأتي ذلك هنا, لكن لو قتل ذمي عبدًا ثم نقض العهد واسترق .. لا يجوز قتله وإن صار كفئًا؛ لأن الاعتبار بوقت الجناية ولم يكن مكافئًا له. قال: (ولا بقتل ولد) سواء ساواه الولد في الحرية والدين أم لا؛ لما روى الترميذي [1399] عن سراقة بن مالك قال: (حضرت النبي صلى الله عليه وسلم يقيد الأب من ابنه, ولا يقيد الابن من أبيه). وروى أحمد [1/ 16] والطبراني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقتل الوالد بالولد). وروى الحاكم [4/ 369] والبيهقي [8/ 38] عن عمر أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقاد الرجل من ابنه).

وَإِنْ سَفَلَ وَلَا لَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأن الوالد سبب في وجوده, فلا يحسن أن يكون الولد سببًا في إعدامه. ونقل الشافعي في (الأم) و (المختصر) فيه الإجماع, وأراد به في الجملة؛ لأن مالكًا يخالف فيما إذا ذبحه كالشاة. وأطلق ابن المنذر عن مالك: أنه لا يقتل به , واختاره. وقيل: أراد به إجماع الصحابة؛ فإن عمر حكم به بحضرتهم ولم يخالفه منهم أحد. ولرعاية حرمته .. انتفى عنه الحد بقذفه. وكره للجلاد أن يقتل أباه حدًا أو قصاصًا, وللغازي أن يقتل أباه الكافر, ويقولنا قال أبو حنيفة وأحمد. وحكي الإمام خلافًا في أن القصاص هل وجب على الأب ثم سقط, أو لم يجب أصلًا؟ ثم قال: وهذا من حشو الكلام؛ فالمانع من الاستيفاء مانع من الوجوب, وأسقط من (الروضة) هذا الخلاف. ولو حكم حاكم بقتله بالولد .. نقض حكمه, قال الرافعي: وليكن هذا في المواضع التي يساعد عليه مالك. قال: (وإن سفل) فلا تقتل الأجداد والجدات بالأحفاد؛ لأنه حكم يتعلق بالولادة فاستوي فيه من ذكرنا كالنفقة, وخرج صاحب (التلخيص) فيه قولًا, وهو كالخلاف في رجوع الوالد في هبة الولد, وفي أنه هل له ولاية إجبار بنت ابنه في النكاح؟ قال: (ولا له) أي: كما لا يقتل بالولد لا يقتل له, فلو قتل الوالد معتق ولده .. لم يكن للولد أن يقتص منه؛ لأنه إذا لم يقتص منه بجنايته على الولد .. كان أولى أن لا يستوفيه الولد.

وَيُقْتَلُ بِوَالِدِيْهِ. وَلَوْ تَدَاعَيَا مَجْهُولًا فَقَتَلهُ أَحَدُهُمَا: فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالَاخَر .. اقْتَصَّ, وَإِلَّا .. فَلَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي بعض نسخ (المنهاج) _ وهو ساقط من أصل المصنف-: ولا يقتل بمن يرثه الولد؛ بأن قتل زوجة ابنه أو زوجته وله منها ولد, وكذا إذا قتل عبد ابنه أو لد ولده, وهو إيضاح لما تقدم. ولا فرق في سقوط القصاص بين أن يثبت للولد جميع القصاص أو جزء منه. وهذا فيما إذا وجب القصاص للولد ابتداء, ويلتحق به ما إذا وجب لغيره ابتداء, ثم انتقل بالإرث كله أو بعضه إلى ولد القاتل, وصرح بهذه في (التنبيه) فقال: وإذا وجب القصاص على رجل فورث القصاص ولده .. لم يستوف, لكن يرد عليه الولد المنفي باللعان؛ فليس هو ولده, ومع ذلك لا يجب القصاص بقتله على الأصح كما نقله الشيخان عن المتولي في (باب موانع النكاح)؛ لبقاء شبهة النسب, فإنه لو استلحقه .. لحقه. قال: (ويقتل بوالديه) بالإجماع, سواء في ذلك الآباء والأجداد؛ لحديث سراقة المتقدم, وأفهم كلامه: أن المحارم يقتص لبعضهم من بعض, وقد صرح به في (المحرر) , وأسقطه المصنف؛ لأنه مفهوم مما ذكره. وأفهم: أن المكاتب يقتل إذا قتل أباه وإن كان ملكه, وهو أقوى الوجهين في (الشرح الصغير) , والأصح في (أصل الروضة): المنع, وهو المعتمد؛ لأنه مملوكه والسيد لا يقتل بعبده. قال: (ولو تداعيا مجهولًا فقتله أحدهما: فإن ألحقه القائف بالآخر .. اقتص, وإلا .. فلا)؛ لأنا تبينا أنه غير أبيه في الأولى دون الثانية, فلو ألحقه بثالث .. اقتص من القاتل, وهو وارد على مفهوم عبارة المصنف لا على (المحرر)؛ فإنه قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن ألحقه القائف بعد ذلك بالقاتل .. فلا قصاص, وإن ألحقه بالآخر .. اقتص. أما قبل الإلحاق .. فلا قصاص؛ لأن أحدهما أبوه, وإن اشتركا في قتله .. فلا قصاص على الذي ألحق به, ويقتص من الآخر؛ لأنه شريك الأب. وفي وجه: لا يقتص من الآخر؛ لان إلحاق القائف مبني على الأمارات والأشباه, وهو ضعيف لا يناط به القصاص الذي يسقط بالشبهات. فلو رجع المُقِرّان بنسب اللقيط عن دعواهما ثم قتلاه أو أحدهما .. لم يجب القصاص؛ لأنه صار بدعواهما ابن أحدهما, فلا يسقط حقه برجوعهما, فالشبهة قائمة. وإن رجع أحدهما وأصر الآخر .. فهو ابن الآخر, فيقتص من الراجع إن اشتركا في قتله أو انفرد هو بقتله. هذا إذا لحق المولود أحدهما بالدعوى, فإن لحقه بالفراش؛ بان نكحت معتدة وأتت بولد يمكن كونه من الأول أو من الثاني, أو فرض وطء شبهة من اثنين .. فإنما يتعين أحدهما بإلحاق القائف أو بانتساب المولود بعد بلوغه, فلو نفاه أحدهما .. فهل يتعين للثاني أم الإبهام حتى يعرض على القائف أو ينتسب؟ قولان: أظهرهما: الثاني فإن ألحقه القائف بأحدهما وكانا قد قتلاه .. اقتص من الآخر إن انفرد بقتله أو شارك فيه, وإن ألحقه بأحدهما أو انتسب بعد البلوغ فقتله الذي لحقه .. لم يقتص منه, فإن أقام الآخر بينة بنسبه .. لحقه واقتص من الأول.

وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الأَخَوَيْنِ الأَبَ وَالآخَرُ الأُمَّ مَعًا .. فَلِكُلِّ قِصَاصٌ, وَيُقَدَّمُ بِقُرْعَةٍ, فَإِنْ اقْتَصَّ بِهَا, أَوْ مُبَادِرًا .. فَلِوَارِثِ المُقْتَصِّ إِنْ لَمْ نُوَرِّثْ قَاتِلًا بِحَقِّ, وَكَذَا إِنْ قَتَلَا مُرتَّبًا وَلَا زَوْجِيِّةَ, وَإِلَا .. فَعَلَى الثَّانِي فَقَطْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قتل أحد الأخوين الأب والآخر الأم معًا .. فلكل قصاص) أي: على الآخر؛ لأنه قتلَ مورِّثَه, هذا يقتص بأبيه, وهذا بأمه, ولا يرث كل قاتل من قتيله شيئًا. فلو عفا أحدهما عن الآخر .. كان للمعفو عنه قتل العافي, والاعتبار في المعية والتعاقب بزهوق الروح لا بالجرح, وتعبير المصنف بـ (القتل) يشير إليه. قال: (ويقدم بقرعة)؛ إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر, والقرعة تقطع منازعتهما في ذلك. قال: (فإن اقتص من خرجت قرعته أو بادر بلا قرعة. فإن قلنا: القاتل بحق لا يحرم الميراث ولم يكن المقتص محجوبًا .. سقط القصاص عنه؛ لأنه ورث القصاص المستحق على نفسه أو بعضه. وإن قلنا: يحرم- وهو المذهب- أو كان هناك من يحجبه .. فلوارث المقتص منه أن يقتص من المبادر؛ لثبوته عليه. قال: (وكذا إن قتلا مرتبًا ولا زوجية) أي: بين الأبوين, فلكل منهما أن يقتص من الآخر, وهل يقدم بالقرعة أو يبدأ بالقاتل الأول؟ فيه وجهان: أرجحهما في زائد (الروضة): الثاني, ونقله الإمام عن الأصحاب. قال: (وإلا .. فعلى الثاني فقط) أي: إذا كانت الزوجية باقية بين الأب والأم .. فلا قصاص على القاتل أولًا, ويجب علي القاتل الثاني؛ لأنه إذا سبق أحدهما إلى قتل الأب .. لم يرث من الأب؛ لكونه قاتلًا, وكان حق القصاص للابن الآخر وللأم بالزوجية, فإذا قتل الآخر الأم .. كان الأول هو الذي يرثها, فينتقل إليه القصاص المستحق عليه ويسقط. ولو تقدم قتل الأم وتأخر قتل الأب .. سقط القصاص عن قاتل الأم وثبت على قاتل

وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِواحِدٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الأب, فإذا اقتص القاتل الأول من الثاني وقلنا: القاتل بحق يُحرَم الميراثَ, أو كان المقتص محجوبًا .. فلوثة المقتص منه نصيبه من دية القتيل الأول, ويطالبون القاتل الأول. قال: (ويقتل جمع بواحد) سواء تساووا في عدد الجراحة أم تفاوتوا؛ لما روى مالك [2/ 871] والشافعي [1/ 200] والبخاري والبيهقي [8/ 200]: أن عمر قتل نفرًا خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة, وقال: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء .. لقتلهم جميعًا) ولم ينكر عليه, فصار إجماعًا. و (الغيلة): أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد. وقتل علي رضي الله عنه ثلاثة بواحد, وقتل المغيرة سبعة بواحد, وقال ابن عباس: (إذا قتل جماعة واحدًا .. قتلوا به كانوا مئة) , ولم ينكر عليهم أحد, فكان إجماعًا. ولأن القصاص شرع لحقن الدماء, فلو لم يجب عند الاشتراك .. لكان كل من أراد أن يقتل عدوه يستعين بآخر على قتله, فيزداد قوة, ويتمكن بسبب المعاونة على ما لا يقدر عليه وحده, ويحصل غرضه, ويأمن القصاص. ونقل الماسرجسي والقفال قولًا عن القديم: أن للولي أن يقتل واحدًا منهم باختياره, ويأخذ حصة الآخرين من الدية, ولا يقتل الجميع, ويكفي في الزجر:

وَلِلْوَلِيَّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ الْرُؤُسِ. وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ كون كل واحد منهم على وَجَلٍ من القتل, ويروى هذا عن مالك, وهو مذهب الزهري وابن سيرين. وقال ربيعة وداوود: لا سبيل إلى قتلهم به, بل تؤخذ منهم الديات بالسوية, وعلى المشهور: إن آل الأمر إلى الدية .. أخذت دية واحدة. قال: (وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية باعتبار الرؤوس) توزيعًا عليهم, سواء كانت جراحة بعضهم أفحش وأكثر عددًا ام لا؛ لأن تأثير الجنايات لا ينضبط, وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة. وللاقتصاص منهم شروط: أن يصدر من كل منهم ما لو انفرد لقتل. وأن يكافئه كل منهم بحيث لو انفرد بقتله لقتل به, وهو معلوم مما سبق. قال: (ولا يقتل شريك مخطئ) , لمَّا قرر: أن الجماعة تقتل بواحد .. عقبها بما ينفي القتل عن الجميع, فلا قصاص على المتعمد الذي شارك مخطئًا؛ لان الموت

وَشِبْهِ الْعَمْدِ, وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الأَبِ, وَعَبْدٌ شَارَكَ حُرًّا فِي عَبْدٍ, وَذِمِّيٌ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي ذِمِّيٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ حصل بفعلين لا يجب بأحدهما القصاص, فغلب المسقط, كما إذا قتل المبعض رقيقًا. وقال مالك وأحمد والمزني في (العقارب): يقتص من شريك المخطئ, وقيل: إنه قول الشافعي. لكن يستثنى من إطلاقه: ما لو قطع طرف رجل عمدًا, ثم قطع آخر طرفه الثاني خطأ, ثم سرى إلى نفسه ومات .. فعليه القصاص, وعلى المذهب على عاقلة المخطئ نصف دية الخطأ, وفي مال المعتمد دية العمد إن كانت جراحته لا توجب قصاصًا, أو آل الأمر إلى الدية, وعليه قصاص الطرف إن كان قطع طرفًا. قال: (وشبهِ العمد) لأنه كالخطأ وهذه من زياداته على (المحرر) وهو غير محتاج إليه للعلم بان حكمهما واحد. قال: (ويقتل شريك الأب) , خلافًا لأبي حنيفة؛ لأن فعل الأب عمد محض, ومع تحقق العمدية لا يضر كونه لا يجب على أحدهما, بدليل ما لو عفا عن أحد الشريكين في القتل وخالف شريك المخطئ؛ فإن الخطأ شبهة في فعله, والفعلان مضافان إلى محل واحد فكان لفعل المخطئ أثر في الدرء وهنا لا شبهة في الفعل وإنما هي في الذات وذات أحدهما غير ذات الآخر, وبقولنا قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا قصاص على شريك الأب, وحكاه الصيمري قولًا. قال: (وعبد شارك حرًا في عبد , وذمي شارك مسلمًا في ذمي)؛ لأن كلًا منهما لو انفرد .. لزمه القصاص.

وَكذَا شَرِيكُ حَرْبيِّ, وَقَاطِع قِصَاصًا أَوْ حَدًّا, وَشَريكُ النَّفْسِ وَدَافِعِ الصَّائِلِ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَمْدًا وَخَطَا ومَاتَ بِهِمَا, أَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا أّوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ وَجَرَحَهُ ثَانِيًا فَمَاتَ .. لَمْ يُقْتَلْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا شريك حربي وقاطعٍ قصاصا أو حدًا, وشريكُ النفس ودافع الصائل في الأظهر)؛ لحصول الزهوق بفعلين عمدين, وامتناعُ القصاص على الآخر لمعنى يخصه, فصار كشريك الأب. والثاني: لا يجب, بل عليه نصف الدية؛ لان من لا يضمن أخف حالًا من المخطئ, فأولى ألا يجب على شريكه. ويجري القولان أيضًا: فيما إذا جرح مسلم مرتدًا أو حربيًا ثم أسلم فجرحه غيره, أو جرح ذمي حربيًا ثم عقدت له الذمة فجرحه ذمي آخر. ولو جرحه سبع أو لدغته حية وجرحه رجل .. فالأشهر: طرد القولين. وقيل: لا قصاص قطعًا, وصححه القاضي حسين والإمام والغزالي. فشريك السبع صححا فيه وجوب القصاص, لكن صحح المصنف في (التصحيح): أنه لا يجب. قال: (ولو جرحه جرحين عمدًا وخطًا ومات بهما, أو جرح حربيًا أو مرتدًا ثم أسلم وجرحه ثانيًا فمات .. لم يقتل). أما الأولى .. فلأن الزهوق لم يحصل بالعمد المحض, لكن يجب نصف الدية المخففة على العاقلة, ونصف الدية المغلظة في ماله. وأما إذا جرح حربيًا أو مرتدًا فأسلم وجرحه ثانيًا .. فلأن الموت حصل بمضمون وغير مضمون.

وَلَوْ دَاوَى جُرْحَهُ بِسُمَّ مُذَفُفٍ .. فَلَا قِصَاصَ عَلَى جَارِحِهِ, وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا .. فَشِبْهُ عَمْدٍ, وَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا وَعَلِمَ حَالَهُ .. فَشَرِيكُ جَارِحِ نَفْسِهِ, وَقِيلَ: شَرِيكُ مُخْطِئٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يثبت موجب الجراحة الحاصلة في حال العصمة من القصاص أو الدية المغلطة, وكذلك الحكم لو قطعه قصاصً أو بسرقة ثم جرحه أو قطعه ظلمًا, أو جرح الصائل أو الباغي دفعًا جرحه موليًا. قال: (ولو داوى جرحه بسم مُذفف .. فلا قصاص على جارحه)؛ لأن المجروح قتل نفسه, كما لو جرحه إنسان فذبح هو نفسه, ومراد المصنف نفي القصاص بالنسبة إلى النفس, فلو كان الجرح يقتضي قصاصًا .. وجب؛ تنزيلًا لقطع أثر السراية بالتذفيف منزلة البرء. فلو قال المصنف: فلا ضمان في النفس .. كان أولى؛ ليعلم انتفاء الدية أيضًا. وعلم من إطلاقه: أنه لا فرق بين أن يعلم بحال السم أو لا, وبه صرح الماوردي والروياني. قال: (وإن لم يقتل غالبًا .. فشبه عمد) فلا قصاص على الجارح, وإنما يلزمه نصف الدية المغلظة أو القصاص إن كانت الجراحة مما فيها قصاص, وكذلك لو خاط المجروح جرحه في لحم حي .. ففيه الطرقان. ولو كوى الجرح .. فهو كالخياطة, فلو كوى لحمًا ميتًا لا يؤلم ولا يضر .. فالجارح القاتل, وإن كان مؤلمًا .. فهما قاتلان. قال: (وإن قتل غالبًا وعلم حاله .. فشريك جارح نفسه) أي: فيجب القود في الأظهر؛ إجراءً لفعل المجروح مجرى العمد. قال: (وقيل: شريك مخطئ) فلا قصاص عليه؛ لأنه إنما قصد المداواة, فشريكه شريك مخطئ, وهذه طريقة لا وجه. أما إذا لم يعلم المجروح أنه يقتل غالبًا .. فلا قصاص, كما إذا كان مما لا يقتل.

وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ فَقَتَلُوهُ وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ قَاتِلٍ .. فَفِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ أَوْجُهُهٌ: أَصَحُّهَا: يَجِبُ إِنْ تَوَاطَؤُوا. وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا مُرَتَّبًا .. قُتِلَ بِأَوَّلِهِمْ, أَوْ مَعًا .. فَبِالْقُرْعَةِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو ضربوه بسياط فقتلوه وضربُ كلِّ واحد غير قاتل .. ففي القصاص عليهم أوجه: أصحهما: يجب إن تواطؤوا)؛ يعني: على ضربه تلك الضربات, ولا يجب إن وقع اتفاقًا, ويخالف الجراحات حيث لا يشترط فيها التواطؤ؛ لأن نفس الجرح يقصد به الإهلاك, بخلاف الضرب بالسوط. والثاني: لا قصاص؛ لأن فعل كل واحد شبه عمد. والثالث: يجب على الجميع القصاص؛ لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى القتل. واحترز بقوله: (وضرب كل واحد غير قاتل) عما لو كان قاتلًا او انفرد؛ فعليهم القصاص بلا خلاف. وإذا آل الأمر إلى الدية .. فهل توزع على الضربات أو على الرؤوس؟ قولان: أرجحهما: الأول, بخلاف الجراحات, وهذا الخلاف كالخلاف فيما إذا زاد الجلاد على العدد المضبوط في الحد .. هل عليه نصف الدية أو توزع على الأعداد؟ وكالخلاف فيما إذا استأجر دابة لحمل مئة مَنَّ مثلًا فزاد عليها وهو غير منفرد باليد فتلفت الدابة: أن الضمان يتصنف أو يوزع على مقدار المحمول؟ قال: (ومن قتل جمعًا مرتبًا .. قتل بأولهم)؛ لسبق حقه. وقيل: يقتل بجميعهم وتجب لكل واحد من الأولياء حصته من الدية, حكاه الفوراني, وإليه ذهب أبو حنيفة, ولا فرق بين أن يكون ولي الأول حاضرًا أو لا, وفي (الإبانة) قول: إن ولي الأول إن غاب أو كان صبيًا .. فلولي الثاني أن يقتص, والمشهور: الأول. قال: (أو معًا .. فبالقرعة)؛ لتساويهم في الاستحقاق, كما إذا هدم عليهم جدارًا أو جرحهم وماتوا معًا.

وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ. قُلْتُ: فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الأَوَّلِ .. عَصَى وَوَقَعَ قِصَاصًا, وَلِلأَوَّلِ دِيَةٌ, وَاللهُ أَعْلَمُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: أن القرعة واجبة, قيل: مستحبة, فللإمام أن يقتله بمن شاء, وصححه الروياني, وكذلك الحكم إذا أشكل السابق لعدم الأولوية, فمن خرجت له القرعة .. قتل به الجاني, وليس لولي الثاني أن يجبر ولي الأول على المبادرة إلى القصاص أو العفو, بل حقه على التراخي, قاله ابن الرفعة. ولا فرق بين أن يثبت الترتيب بالبينة أو بإقرار الجاني كما أفهمه إطلاق المصنف, والاعتبار في التقديم والتأخير بوقت الموت لا بوقت الجناية. قال: (وللباقين الديات) أي: في الصورتين؛ لأنها جنايات لو كانت خطأ .. لم تتداخل, فعند التعمد أولى, فلو لم يدر أقتلهم معًا أو مرتبًا .. جعل كما لو قتلهم معًا, فيقرع. ولو كان بعض أولياء القتيل غائبًا او مجنونًا أو صبيًا .. فالقياس: الانتظار إذا أوجبنا الإقراع. وفي (الوسيط) عن رواية حرملة: أن للحاضر والكامل أن يقتص, ويكون الحضور والكمال مرجحا كالقرعة, واستعمل المصنف هنا لفظه (معًا) للاتحاد في الزمان, وقد تقدم ما فيه قريبًا. قال: (قلت: فلو قتله غير الأول .. عصى)؛ لأنه قتل نفسًا منع من قتلها, ويعزر بذلك؛ لإبطال حق غيره. قال: (ووقع قصاصًا)؛ لأن حقه متعلق به, بدليل ما لو عفا ولي الأول .. فإنه ينتقل إلى من بعده. قال: (وللأول دية والله أعلم)؛ لتعذر القصاص بغير اختياره, لكن لو لم يجيء ولي الأول .. قال الشافعي: أحببت أن يبعث الإمام إليه, فإن لم يبعث وقتله الثاني .. كرهته ولا شيء عليه. قال الرافعي: يشبه أنها كراهة تحريم؛ لأنه قال في (الأم): فقد أساء.

فَصْلٌ: جَرَحَ حَرْبيًّا أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالْحُرْحِ .. فَلَا ضَمَانَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: أطلقوا إيجاب الدية ولم يبينوا أنها دية القتيل أو القاتل, وذكر المتولي: أنه لو مات الجاني أو قتل بقصاص آخر أو رجم .. هل تجب دية القتيل أو القاتل؟ وجهان, وفائدتهما فيما لو اختلف قدر الديتين .. فعلى الثاني: لو كان القتيل رجلًا والقاتل امرأة .. وجب خمسون من الإبل, وفي العكس .. مئة, قال: وإذا أخذت الدية قسمت على الجميع, وبه جزم القاضي حسين. وقيل: يختص بها ولي الأول. ولو تمالأ عليه أولياء القتيل وقتلوه جميعًا .. ففيه ثلاثة أوجه. أصحهما: أن القتل عن جميعهم موزع عليهم, فيرجع كل واحد منهم إلى ما يقتضيه التوزيع من الدية, فإن كانوا ثلاثة .. أخذ كل واحد منهم ثلث حقه وله ثلثا الدية. والثاني: يقرع بينهم, ويجعل القتل واقعًا عمن خرجت له القرعة, وللباقين الديات. والثالث: يكتفي به عن جميعهم, ولا رجوع إلى شيء من الدية. قال: (فصل) هذا عقده لتغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت إما بالعصمة أو الإهدار, وإما في القدر المضمون, ولذلك أحوال ذكر المصنف بعضها. قال: (جرح حربيًا أو مرتدًا أو عبد نفسه فأسلم وعتق ثم مات بالجرح .. فلا ضمان) لا بمال ولا قصاص؛ لأن الجرح السابق غير مضمون, وما وقع غير مضمون لا يجب بسرايته قصاص, كقطع يد السارق إذا سرت إلى النفس, وكما لو جرح صبي

وَقِيلَ: تَجِبُ دِيةٌ. وَلَوْ رَمَاهُمَا فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ .. فَلَا قِصَاصَ, والْمَذْهَبُ: وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ إنسانًا ثم بلغ الصبي ومات المجروح لم يجب القصاص؛ لان الكفاءة تعتبر حالة الجراحة دون الموت. قال: (وقيل: تجب دية)؛ نظرًا لحال استقرار الجناية, والمراد: دية حر مسلم كما سيأتي. قال: (ولو رماهما فأسلم وعتق .. فلا قصاص)؛ لعدم الكفاءة في أول أجزاء الجناية. وكان الأحسن أن يقول: رماهم؛ ليشمل الحربي والمرتد وعبد نفسه, وأجيب عنه بأنه أشار إلى النوعين ملك نفسه والكافر بصنفيه من ردة وحرابة, فهما مسألتان: الأولى: إذا رمى إلى عبد نفسه ثم أعتقه قبل الإصابة, وهو أولى بالوجوب؛ لأنه معصوم مضمون بالكفارة. والثانية: إذا رمى إلى عبد نفسه ثم أعتقه قبل الإصابة, وهو أولى بالوجوب؛ لأنه معصوم مضمون بالكفارة. قال: (والمذهب: وجوب دية مسلم)؛ اعتبارًا بحالة الإصابة, لان حالة الرمي حالة سبب الجناية, وحالة الإصابة حالة تحققها, فكان الاعتبار بها أولى. وكما لو حفر بئرًا وهناك حربي أو مرتد فأسلم ثم وقع فيها .. فإنه يضمنه وإن كان عند السبب مهدرًا. وقيل: لا يلزمه شيء, وهو مذهب أبي حنيفة؛ اعتبارًا بحالة الرمي, فإنه الداخل تحت الاختبار. وقيل: تجب في المرتد دون الحربي؛ لان قتل الحربي مباح لكل أحد وقتل المرتد لا يجوز لغير الإمام فيفوض إليه, فلو كان الرامي إلى المرتد هو الإمام .. فلا شيء عليه.

مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ .. فَالْنَفْسُ هَدَرٌ, وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ فِي الأظْهَرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجري الخلاف: فيما إذا رمى إلى قاتل أبيه ثم عفا عنه قبل الإصابة, وهو أولى بالوجوب من المرتد. قال: (مخففة على العاقلة) كما لو رمى إلى صيد فأصاب آدميًا, وهذا ما جزم به في (المحرر) وحكي في (الشرح) في (الديات) فيه ثلاثة أوجه: دية عمد, ودية شبه العمد, ودية خطأ. وعكس ذلك: لو جرح حربي مسلمًا ثم أسلم الجارح أو عقدت له الذمة ثم مات المجروح .. صحح المصنف: أنه لا ضمان, وبه قطع البغوي. قال: (ولو ارتد المجروح ثم مات بالسراية .. فالنفس هدر) لا قصاص فيها ولا دية ولا كفارة؛ لأنه لو قتله في هذه الحالة مباشرة .. لم يجب شيء, فبالسراية أولى. واحترز بقوله: (فمات بالسراية) عما إذا اندملت بأن قطع يده ثم ارتد المقطوع واندملت يده؛ فله القصاص. قال: (ويجب قصاص الجرح في الأظهر)؛ لأن القصاص في الطرف منفرد عن القصاص في النفس ومستقر فلا يتغير بما يحدث بعده, كما لو قطع طرفه وجاء آخر فحز رقبته .. يجب على الأول قصاص الطرف وإن لم يجب عليهما قصاص النفس, وهذا منصوص (المختصر). والثاني- وهو نص (الأم) , واختاره الإصطخري-:لا يجب؛ لأن الطرف تبع النفس إذا صارت الجناية قتلًا, فإذا لم يجب قصاص النفس لا يجب قصاص الطرف, ولذلك لو قطع طرف إنسان فمات منه فعفا وليه عن القصاص .. لم يكن له أن يقتص في الطرف.

وَيَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ, وَقِيلَ: الإِمَامُ, فَإِنِ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا .. وَجَبَ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَتِهِ, وَقِيلَ: أَرْشُهُ, وَقِيلَ: هَدَرٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكي أبو حامد الإسرافييني وجهًا ثالثًا: أنه يسقط القصاص والأرش جميعَ=ًا, وهو فاسد. قال: (ويستوفيه قريبه المسلم) , المراد: قريبه الذي كان يرثه لولا الردة؛ لأن القصاص شرع للتشفي وذلك يتعلق بالقريب دون الإمام. وعلى هذا: لو كان القريب صغيرًا أو مجنونًا .. انتظر بلوغه وإفاقته ليستوفي. قال: (وقيل: الإمام) كما يستوفي قصاص من لا وارث له, ونسبه ابن كَج والماوردي إلى الأكثرين, لكن الرافعي ذكر: أن الآخذين بالأول أكثر, وعلى الصحيح: يجوز للقريب العفو على مال على الأصح ويأخذه الإمام. قال: (فإن اقتضى الجرح مالًا) وذلك كالجائفة والهاشمة) .. وجب أقل الأمرين من أرشه وديته)؛ لأنه المتيقن, فإذا كان الأرش أقل كالجائفة وقطع اليد الواحدة .. لم يُزد. وكذلك إذا كانت دية النفس أقل, كما إذا قطع يديه ورجليه فارتد ومات؛ لأنه لو مات بالسراية مسلمًا .. لم يجب أكثر منها, فإذا مات مرتدًا .. كان أولى أن لا يجب أكثر منها. قال: (وقيل: أرشه) أي: أرش الجرح بالغًا ما بلغ وإن زاد على دية النفس أضعافًا, فيجب في قطع يديه ورجليه ديتان؛ لأن الأرش إنما يندرج في الدية إذا وجب ضمان النفس بتلك الجراحة, والنفس هنا تلفت مهدرة, فلو أدرجنا .. لأهدرنا, فجعلت الردة قاطعة للإدراج قائمة مقام الاندمال. وعلى كل حال: فالواجب لا يأخذ القريب منه شيئًا. قال: (وقيل: هدر)؛ لأن الجراحة إذا سرت .. صارت قتلًا, وصارت الأطراف تابعة للنفس, والنفس مهدرة, فكذلك ما يتبعها.

وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أّسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ .. فَلَا قِصَاصَ, وَقِيلَ: إِنْ قَصُرَتِ الرِّدَّةُ .. وَجَبَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ, وَفِي, وَفِي قَوْلٍ: نِصْفُهًا, ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كله إذا طرأت الردة بعد الجرح, فلو طرأت بعد بعد الرمي وقبل الإصابة .. فلا ضمان بالاتفاق؛ لأنه حين جني عليه كان مرتدًا. قال: (ولو ارتد) أي: المجروح (ثم أسلم فمات بالسراية .. فلا قصاص)؛ لتخلل حالة الإهدار, وتجب الكفارة؛ لأنه انتهى إلى حالة لو مات فيها .. لم يجب القصاص, فصار ذلك شبهة دارئة للقصاص. قال: (وقيل: إن قصرت الردة .. وجب)؛ لأنها إذا قصرت .. لم يظهر فيها أثر للسراية, ثم الأصح: تخصيصهما بما إذا قصرت مدة الردة, فإن طالت .. فلا قطعًا كما قال المصنف. وقيل: بطردهما مطلقًا؛ لأنه مضمون بالقصاص في حالتي الجرح والموت, فلا نظر إلى ما يتخللهما. ومثله لو جرح ذمي ذميًا أو مستأمنًا, فنقص والتحق بدار الحرب, ثم جدد العهد ومات. قال: (وتجب الدية) أي: بكمالها في ماله؛ نظرًا لحالة الزهوق وهو فيها مسلم. قال: (وفي قول: نصفها)؛ توزيعًا على العصمة والإهدار, وهذا صححه البغوي, ومحله عند الجمهور: إذا طالت المدة وقلنا: لا قصاص, وإلا .. فيقطع بكمالها. وفي قول ثالث- خرجه ابن سريج-: يجب ثلثاها؛ توزيعًا على الأحوال الثلاثة: حالتي العصمة, وحالة الإهدار, فيسقط ثلثها بإزاء السراية في الردة.

وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ أَوْ حُرٌ عَبْدًا فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ .. فَلَا قِصَاصَ, وَتَجِبُ دِيَةُ مُسْلِمٍ, وَهِيَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن القاضي الطبري قول مخرج: إن الواجب أقل الأمرين من كل الدية وأرش الجراحة. وخامس: أقل الأمرين من كل الدية وأرش الجناية, وحكاه الرافعي. وسادس: يجب أرش الجرح ويسقط ضمان السراية. قال: (ولو جرح مسلم ذميًا فأسلم أو حر عبدًا فعتق ومات بالسراية .. فلا قصاص)؛ لأنه لم يجن على مكافئة, وأشار المصنف بهذا إلى ما يغير مقدار الدية, واقتصر في الكتاب على التغير الزيادة, وسيأتي في آخر الفصل التغير بالنقص. والضابط فيهما: اعتبار حال الموت؛ لأن الضمان بدل التالف فينظر فيه إلى حال التلف. واحترز بقوله: (مات بالسراية) عما إذا مات بعد اندماله؛ فإنه يجب أرش الجناية. والواجب في العبد لسيده, فإذا قطع يديه ومات بعد اندماله .. وجب كمال قيمته مطلقًا. وقيل: إن اندمل بعد العتق .. وجب دية حر. قال: (وتجب دية مسلم)؛ لأن الجرح مضمون والزيادة في المضمون لازمة كزيادة المغضوب, ولأن الاعتبار في قدر الدية بحال استقرارها بالموت, ألا ترى أنه إذا مات من قطع اليد .. تجب دية بعد أن كانت نصفًا, وإذا مات من قطع اليدين والرجلين .. تجب دية بعد أن كانت ديتين. وإنما لم يجب القصاص؛ لأنه لم يقصد قتل المكافئ فكان شبهة. قال: (وهي لسيد العبد) سواء كانت الدية مثل القيمة أو أقل؛ لأنه استحق هذا القدر بالجناية الواقعة في ملكه.

فَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِ .. فَالْزِيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالِّسِّرَيةِ .. فَلِلسِّيِّدِ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنَ الدَّيةِ الوَجِبَةِ وَنصْفِ قِمَتِهِ, وَفِي قَوْلٍ: الأَقَلُّ مِنَ الدِّيَةِ وَقِيمَتِهِ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ .. فَلَا قِصَاصَ عَلَى الأَوَّلِ إِنْ كَانَ حُرًّا, وَيَجِبُ عَلَى الآخَرَيْنِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن زادت) أي: الدية (على قيمته .. فالزيادة لورثته)؛ لأنها وجبت بسبب الحرية. وقال المزني: إذا كانت القيمة أكثر .. وجبت بكمالها وصرفت إلى السيد. قال: (ولو قطع يد عبد فعتق ثم مات بالسراية .. فللسيد أقل الأمرين من الدية الواجبة ونصف قيمته) , وهو أرش الطرف المقطوع في ملكه لو اندملت الجراحة؛ لأن السراية لم تحصل في الرق حتى تعتبر في حق السيد. فإن كان كل الدية أقل .. فلا واجب غيره, وإن كان نصف القيمة أقل .. فهو أرش الجناية الواقعة في ملكه. قال: (وفي قول: الأقل من الدية وقيمته) أي: من كل الدية وكل القيمة؛ لأن السراية حصلت بجناية مضمونة للسيد, وقد اعتبرنا السراية حيث أوجبنا دية النفس, فلا بد من النظر إليها في حق السيد, فنقدر موته رقيقًا وموته حرًا, ونوجب للسيد أقل العوضين, فإن كان قدر الدية أقل .. فليس على الجاني غيرها ومن إعتاق السيد إلا قدر القيمة الذي كان يأخذه لو مات رقيقًا. قال: (ولو قطع يده فعتق فجرحه آخران ومات بسرايتهم .. فلا قصاص على الأول إن كان حرًا)؛ لعدم المكافأة حال الجناية. قال (ويجب على الآخرين) أي: قصاص الطرف قطعًا, وكذا النفس على المذهب؛ لأنهما كفآن, وسقوطه عن الأول بمعنىّ فيه, فأشبه شريك الأب. وسكت المصنف عن الدية, وهي دية حر موزعة على الجنايات الثلاث كل واحد ثلثها؛ لأن جروحهم صارت قتلًا بالسراية. ولا حق للسيد فيما على الآخرين, وإنما يتعلق بما يؤخذ من الجاني عليه في

فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا يُشْتَرَطُ لِلنَّفْسِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الرق؛ لأنه الذي جنى على ملكه, والآخران جنبًا على حر, فله في مسألتنا الأقل من ثلث الدية وأرش الجراحة في ملكه, وهو نصف القيمة, وقيل: الأقل من ثلث الدية وثلث القيمة. أما إذا تغير الحال بالنقص؛ بان جنى على يهودي فتمجس, فإن قلنا: يقر عليه .. وجبت دية مجوسي, وإلا .. فكالردة, فيجب الأقل من أرش الجناية على يهودي ودية نفسه, وقيل: الأرش بالغًا ما بلغ. تتمة: كل جرح أوله غير مضمون لا ينقلب مضمونًا بتغير الحال في الانتهاء, وإن كان مضمونًا في الحالين .. اعتبر في قدر الضمان الانتهاء, وفي القصاص تعتبر الكفاءة في الطرفين والوسط. قال: (فصل: يشترط لقصاص الطرف والجرح ما يشترط للنفس) , فكما يعتبر في القتل أن يكون عمدًا محضًا عدوانًا, كذلك يعتبر في الطرف؛ لوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}. فلا يتعلق القصاص بالجراحات وإبانة الأطراف إذا كانت خطأ أو شبه عمد. ومن صور الخطأ: أن يقصد بالحجر جدارًا فيصيب رأس إنسان فيوضحه. ومن صور شبه العمد: أن يضرب رأسه بلطمة أو حجر لا يشج غالبًا؛ لصغره, فيتورم الموضع إلى أن يتضح العظم.

وَلَوْ وَضَعُوا سَيْفًا عَلَى يَدِهِ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً فَأَبَانُوهَا .. قُطِعُوا, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون الضرب بالعصا الخفيفة والحجر المحدد عمدًا في الشجاج؛ لأنه يوضح غالبًا, ويكون شبه عمد في النفس؛ لأنه لا يقتل غالبًا. وكذلك يشترط لقصاص الطرف والموضحة: أن يكون الجاني مكلفًا ملتزمًا للأحكام, وفي المجني عليه: أن يكون معصومًا؛ فمن لا يقتل به الشخص لا يقطع طرفه, بطرفه, ومن يقتل به يقطع طرفه بطرفه. ولا يشترط في قصاص الطرف التساوي في البدل كما لا يشترط في قصاص النفس؛ فتقطع يد العبد بالعبد, والرجل بالمرأة, وبالعكس, ويد الذمي بيد المسلم, والعبد بالحر, دون العكس. وقال أبو حنيفة: إنما يجري قصاص الطرف بين حرين أو حرتين, ولا يجري بين العبدين, ولا بين العبد والحر, ولا بين الذكر والأنثى. لنا: أن من قتل بغيره .. وجب قطع طرفه بطرفه عند السلامة كالحرين. والمراد بـ (الجرح): ما كان في الرأس والوجه والجسد, إلا أن اقتصار المصنف عليهما فيه قصور؛ فإن إزالة المنفعة كذلك, فلو قال: ما دون النفس .. كان أعم. وقد تفترق النفس والطرف فيما إذا قتل السيد مكاتبه؛ فإنه لا يضمنه, ولو قطع طرفه .. ضمنه؛ لان الكتابة تبطل بقتله فيموت على ملك السيد, ولا تبطل بقطع الطرف, وأرشه كسب له فيجب ذلك له, وهذا شيء يضمن بعضه ولا يضمن كله, عكس الشاة المعجلة كما تقدم. قال (ولو وضعوا سيفًا على يده وتحاملوا عليه دفعة فأبانوها .. قطعوا) كما في النفس, وهذا بخلاف ما لو سرق رجلان نصابًا؛ فإنه لا قطع؛ لان القطع في السرقة حد لله تعالى والحدود بالمساهلات أحق, بخلاف القصاص الذي هو حق آدمي. واحترز بقوله: (وتحاملوا عليه) عما إذا تميز فعل بعضهم من بعض؛ بان كان

وَشِجَاجُ الرَّاسِ وَالْوَجْهِ عَشْرٌ: حَارِصَةٌ, وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ قَلِيلًا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قطع هذا من جانب وهذا من جانب حتى التقت الحديدتان, أو قطع أحدهما بعض العضو وجاء آخر فقطع الباقي؛ فلا قصاص على واحد منهما, بل الواجب على كل منهما الحكومة على ما يليق بجنايته, وينبغي أن يبلغ مجموع الحكومتين دية اليد. وعن صاحب (التقريب) حكاية قول: أنه يقطع من كل واحد منهما بقدر ما قطع إن أمكن ضبطه, وكذا لو جرَّا حديدة جرَّ المنشار. وعند الجمهور: أنهما فعلان متميزان. وقال ابن كَج: هو اشتراك يجب به القصاص. وقال الإمام إن تعاونا في كل جذبة وإرساله .. فاشتراك, وإن جذب كل إلى نفسه وفتر عن الإرسال إلى صاحبه .. فكقول الجمهور. قال: (وشجاج الرأس والوجه عشر). الجنايات فيما دون النفس ثلاثة أنواع: شق, وقطع يبين عضوًا, وإزالة منفعة من غير شق وقطع. وكذلك رتبها المصنف. فالأول: (الشِّجاج) , وهي- بكسر الشين- جمع: شَجَّة, بفتحها, وهي: الجرح في الرأس والوجه, وفي غيرهما تسمى: جراحة, ودليل كونها عشرًا؛ استقراء كلام العرب. وعبارة المصنف تقتضي: أن العشر تتصور في الوجه, ولا شك في تصورها في الجبهة, وتتصور فيما عدا المأمومة والدامغة في الخد وقصبة الأنف والحنك الأسفل. قال: (حارصةٌ) بحروف مهملات, وبدأ بها؛ لأنها أولهن. قال: (وهي التي تشق الجلد قليلًا) كالخدش, وتسمى: القاشرة, وفسرها صاحب (المذهب) وغيره بأنها تكشط الجلد. وتسمى: الحريصة أيضًا, يقال: حرص القصار الثوب: إذا خدشه وشقه بالدق.

وَدَامِيةٌ تُدْمِيهِ, وَبَاضِعَهٌ تَقْطَعُ اللَّحْمَ, وَمُتَلَاحِمَةٌ تَغُوصُ فِيهِ, وَسِمْحَاقٌ تَبْلُغُ الْجِلدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ, وَمُوضِحَةٌ تُضِحُ الْعَظْمَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (ودامية تدميه) , المراد: تدمى موضعها ولا يقطر منها دم, فإن سال منها دم .. فهي الدامغة, كذا قاله أهل اللغة. وذكر الإمام والغزالي في تفسيرها: سيلان الدم, وهو خلاف ما اشتهر عن لفظ الشافعي, وجعله المصنف خلاف الصواب. وما قاله الإمام والغزالي قاله القاضي حسين, ونقله ابن داوود عن ابن الإعرابي, ونص عليه الجوهري في فصل (بضع) , فقال: الباعضة: الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمي إلا أنه لا يسيل الدم, فإن سال .. فهي الدامية, هذا لفظه, لكنه ذكر ما يخالفه في فصل (دمي) , فقال: والدامية: الشجة التي تدمي ولا تسيل. قال: (البعضة): القطعة من اللحم, قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني). قال: (ومتلاحمةٌ تغوص فيه) ولا تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم, وقد تسمى: اللاحمة. قال: (وسِمحاق تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم) , سميت بذلك؛ لأن الجلدة يقال لها: السمحاق, وكل جلدة رقيقة فهي سمحاق. وقد تسمى هذه الشجة: الملطا والمِلطاة واللاطية. قال: (وموضحة توضح العظم) أي: تخرق اللحم وتبدي وضح العظم. يقال: وضح الأمر وضوحًا إذا تبين, وهذا يقتضي اعتبار ظهوره, وليس كذلك, بل لو غرز ميلًا حتى انتهى إلى العظم وسله .. فهي موضحة على المذهب,

وَهَاشِمَةٌ تَهْشِمُهُ, وَمُنَقِّلَةٌ تَنْقُلُهُ, وَمَامُومَةٌ تَبْلُغُ خَرِطَةَ الدِّمَاغِ, وَدَامِغَةٌ تَخْرِقُهَا. وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ فَقَطْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قاله الرافعي في (الفصل الثالث) في المماثلة, وفي (الباب الثاني) في دية ما دون النفس, ولهذا قال في (المطلب): المراد: أن يكشفه بحيث يقرعه المرود وإن كان غير مشاهد لأجل الدم الذي يستره. قال: (وهاشمةٌ) أي: تكسره, سواء أوضحته أم لا, ويقال للنبات اليابس المتكسر: هشيم, قال تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} قال: (ومنقلةٌ تنقله) أي: من موضع إلى موضع, ويقال: هي التي تكسر وتنقل. ويقال: هي التي تكسر العظم حتى يخرج منها فراش العظام. والفَراشة: كل عظم رقيق. قال: (ومأمومة تبلغ خريطة الدماغ) المحيطة به, ويقال لها: الآمة أيضًا. قال: (ودامغة تخرقها)؛ بان تصل إلى نفس (الدماغ) , وهو: حشو الرأس, وهذه مُذفِّفة غالبًا. فهذه العشرة هي المشهورة, قال الجوهري: وزاد أبو عبيد الدامعة- بالعين المهملة- بعد الدامية, ولذلك جعلها الماوردي أحد عشر. قال: (ويجب القصاص في الموضحة فقط)؛ لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها, وادعى المتولي في ذلك الإجماع. وفي (سنن البيهقي) [8/ 65] عن العباس بن عبد المطلب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة). وفي (أحكام عبد الحق): أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض فيما دون الموضحة بشيء إذا كان كذلك بغير الحكومة. وروى طاووس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قصاص فيما دون الموضحة من الجراحات).

وَقِيلَ: وَفِيمَا قَبْلَهَا سِوَى الْحَارِصَةِ. وَلَوْ أَوْضَحَ فِي بَاقِي الْبَدَنِ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَارِنٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ لَمْ يُبِنْهُ ... وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا قصاص فيما بعد الموضحة؛ لأنه لا تؤمن الزيادة والنقصان في طول الجراحة وعرضها, ولا يوثق باستيفاء المثل, ولذلك يمتنع القصاص في كسر العظام كما سيأتي. قال: (وقيل: وفيما قبلها سوى الحارصة) , قال في (الدقائق): (هذا الاستثناء زيادة في (المنهاج) لا بد منها؛ فغن الحارصة القصاص فيها مطلقًا قطعًا, وإنما الخلاف في غيرها) اهـ وذكر ابن الرفعة أن كلام الماوردي والفوراني والمتولي يفهم خلافًا فيها. قال: (ولو أوضح في باقي البدن أو قطع بعض مارن أو أذن أو يبنه .. وجب القصاص في الأصح) , أما الأول .. فلقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} , ولتيسير المثل؛ فإنه ينتهي إلى عظم يؤمن معه الحيف كالرأس والوجه. والثاني: لا يجب كما لا يجب فيه أرش مقدر, ولأن الخطر في الجراحة على الرأس والوجه أعظم, والشين الحاصل فيها أقبح. وأما في الثانية, وهي ما إذا قطع بعض الأذن أو بعض (المارن) , وهو: ما لان من الأنف, ولم يبنه .. فيجب فيه القصاص؛ لإمكان الاطلاع عليهما وتقدير المقطوع بالجزئية كالثلث والنصف, ويستوفى من الجاني مثله, ولا نظر إلى مساحة المقطوع, وقد تختلف الأذنان كبرًا وصغرًا. وكلام المصنف يفهم: انه إذا أبانه لا يكون كذلك, وليس كذلك, بل الصحيح الوجوب, وهو أولى به من غير الإبانة, ولذلك عبر في (الروضة) في المبان بالصحيح, وفي غيره بالأظهر, فالتقييد حينئِذ بعدم الإبانة لا فائدة له. وإبانة بعض الشفة واللسان والحشفة كبعض الأذن يقتص فيه على الصحيح.

وَيَجِبُ فِي الْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلٍ حَتَّى فِي أَصْلِ فَخِذٍ وَمَنْكِبٍ إِنْ أَمْكَنَ بِلَا إِجَافَةٍ, وَإِلَّا .. فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَجِبُ فِي فَقءِ عَيْنٍ وَقَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ وَمَارِنٍ وَشَفَةٍ وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: قطع يدًا أو عضوًا وبقي المقطوع معلقًا بجلدة .. وجب القصاص أو كمال الدية؛ لأنه أبطل فائدة العضو, ثم إذا انتهى القطع في الاقتصاص إلى تلك الجلدة .. فقد حصل الاقتصاص, ثم يراجع أهل الخبرة ويفعل ما فيه المصلحة من قطع أو ترك. قال: (ويجب في القطع من مَفصِل) وهو بفتح الميم وكسر الصاد, واحد: مفاصل الأعضاء, كالأنامل والكوع والمرفق ومَفصِل القدم والركبة, كل ذلك؛ لانضباطه. قال: (حتى في أصل فخذ ومنكب إن أمكن بلا إجافة)؛ لان المقصود المساواة, فمتى حصلت .. فعلت. قال: (وإلا .. فلا على الصحيح) أي: إذا لم يمكن القصاص إلا بالإجافة .. لم يقتص, سواء أجافه الجاني أم لا؛ لان الجوائف لا تنضبط ضيقًا وسَعة وتأثيرًا ونكاية, ولذلك لم يجز القصاص فيها. والثاني: انه يقتص إذا كان الجاني قد أجاف وقال أهل النظر: يمكن أن يجاف مثل ذلك. قال: (ويجب) القصاص (في فقء عين وقطع أذن وجفن ومارن وشفة ولسان وذكر وأنثيين)؛ لان لها نهايات مضبوطة وإن لم يكن مَفصِل, ويجري أيضًا في الأذن والمارن واللسان؛ لأن له حدًا ينتهي إليه, فأشبه الأنف. وقال أبو إسحاق: لا قصاص في اللسان؛ لأنه لا يمكن استيعابه إلا بقطع غيره, وفي الشفة وجه عن أبي حامد.

وَكَذَا أَلْيَانِ وَشُفْرَانِ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا أليان وشفران في الأصح)؛ لأن لها حدًا تنتهي إليه. والثاني: لا؛ لأنه لا يمكن الاستيفاء إلا بقطع غيره. وادعى الغمام في الأليين: اتفاق الأصحاب عليه. و (الآليان): تثنية آلية, وفي لغةٍ قليلة: آليتان بزيادة التاء, وبها جاءت رواية البخاري عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عويمر العجلاني: (إن جاءت به عظيم الأليتين). وفي حديث ابن عباس: (سابغ الأليتين) بإثبات التاء في الروايتين. وكذلك في حديث أبي واقد الليثي. و (الشفران) بضم الشين المعجمة: طرفا جانب الفرج, وسيأتي ضبط ذلك في (الديات). أما الذكر .. فيؤخذ بعضه ببعض على الأصح باعتبار الجزئية, ويؤخذ ذكر الفحل بذكر الخصي, والمختون بالأعغلف, وكذلك عكسه. وقطع في (الروضة) بوجوب القصاص في الجفن, وليس كذلك؛ فقد حكى الرافعي عن بعض الأصحاب: انه لا قصاص فيه, والرافعي لم يدع القطع بذلك, ثم قال الرافعي: ولا قصاص في إطار السه؛ لأنه ليس له حد مقدر, وهي بكسر الهمزة وتخفيف الطاء المهملة, أي: أطراف حلقة الدبر؛ لان المحيط بالحلقة لا ضابط له. ووقع في (الروضة) بخط المصنف: إطار الشفة, وهو تصحيف ووهم؛ فغن القصاص يجب في أطراف الشفة بالجزئية كالثلث والربع لا بالمساحة. وسكوت المصنف عن القصاص في الثدي يشعر بأنه لا قود فيه, وهو الذي نقله الرافعي عن (التهذيب) في (كتاب الديات)؛ لأنه لا تمكن رعاية المماثلة فيه, ثم

وَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ, وَلَهُ قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إِلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَحُكُومَةُ الْبَاقِي. وَلَوْ أَوْضَحَهُ وَهَشَمَ .. أَوْضَحَ وَأَخَذَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ. وَلَوْ أَوْضَحَ وَنَقَّلَ .. أَوْضَحَ وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ. وَلَوْ قَطَعَهُ مِنَ الْكُوعِ .. فَلَيسَ لَهُ الْتِقَاطُ أَصَابِعِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ولك أن تمنع ذلك وتقول: الثدي هو الشاخص, وهو أقرب إلى الضبط من الشفتين والأليين ونحوهما. اهـ ولم يتذكر رحمه الله انه قال عقب (باب العفو عن القصاص): (ويقطع الثدي بالثدي, وفيما إذا لم يتدل وجه: أنه لا يقطع؛ لأنه لا يتميز عن لحم الصدر). قال: (ولا قصاص في كسر العظام)؛ لعدم انضباطها إلا في السن على خلاف يأتي فيها. قال: (وله قطع أقرب مَفصِل إلى موضع الكسر وحكومة الباقي)؛ لتعذر القصاص, وله أن يعفو ويعدل إلى المال. وعند أبي حنيفة: لا يجمع بين القطع والمال, بل يسقط القصاص ويجب المال. قال: (ولو أوضحه وهشم .. أَوضَح)؛ لإمكان القصاص في الموضحة. قال: (واخذ خمسة أبعرة)؛ لتعذر القصاص في الهشم, وهذا المأخوذ هو أرش ما بين الموضحة والهاشمة. قال: (ولو أوضح ونقَّل .. أَوَضَح وله عشرة أبعرة)؛ لما تقدم. ولو أوضح وأمَّ .. فله أن يوضح ويأخذ ما بين أرش الموضحة والمأمومة, وهو ثمانية وعشرون وثلث؛ فإن في المأمومة ثلث الدية. قال: (ولو قطعه من الكوع .. فليس له التقاط أصابعه)؛ لأنه قادر على محل الجناية, ومهما امكن بالمماثلة لا يعدل عنها. و (الكوع) بضم الكاف, ويقال له: الكاع: طرف الزند الذي يلي الإبهام, يقال: فلان أحمق يمتخط بكوعه, والاكوع: المعوج الكوع. وأما (البوع) بالباء الموحدة .. فهو: العظم الذي عند أصل الإبهام من الرجل, ومنه قولهم: لا يعرف كوعه من بوعه, أي: لا يدري من غباوته ما اسم العظم الذي

فإِنْ فَعَلَهُ .. عُزِّرَ وَلَا غُرْمَ, وَالأصَحُّ: أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ. وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ .. قُطِعَ مِنَ الْمِرْفَقِ, وَلَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي, فَلَوْ طَلَبَ الْكُوعَ .. مُكِّنَ فِي الأَصًحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ عند إبهام يده من الذي عند إبهام رجله. قال: (فإن فعله .. عزر)؛ لعدوله عن المستحق. قال: (ولا غرم)؛ لأنه يستحق إتلاف الجملة, فلا يلزمه بإتلاف البعض غرم, كما أن مستحق القصاص في النفس لو قطع طرفًا من الجاني .. لا يلزمه غرم. قال: (والأصح: ان له قطع الكف بعده) , كما أن مستحق النفس لو قطع يد الجاني .. له أن يعود ويحز رقبته. والثاني: ليس له قطع الكف بعد لقط الأصابع؛ لأنه أخذ ما يقابل الدية وزاد ألمًا. وعلى المذهب: لو ترك قطع الكف وطلب حكومتها .. لم تجب؛ لان حكومة الكف تدخل في دية الأصابع, وقد استوفى الأصابع المقابلة بالدية. قال: (ولو كسر عضده وأبانه .. قطع من المرفق)؛ لأنه أقرب مَفصِل إلى محل الجناية. قال: (وله حكومة الباقي)؛ لتعذر القصاص فيه, وهذه الصورة كانت تعلم من قوله قبل هذا: (وله قطع أقرب مَفصِل إلى موضع الكسر, والحكومة للباقي). قال: (فلو طلب الكوع .. مكن في الأصح)؛ لأنه عاجز عن القطع في محل الجناية, وهو بالعدول إلى الكوع تارك بعض حقه, فلا يمنع منه. والثاني: المنع؛ لعدوله عما هو أقرب إلى محل الجناية, ولا ترجيح في (الشرح) ولا في (الروضة) هنا, والراجح في (الشرح الصغير): عدم التمكين, والمعتبر ما في (المنهاج). ولو أراد لقط الأصابع .. لم يمكن؛ لان فيه تعديد الجراحة, وذلك عظيم الموقع. فإن اقتصر على إصبع واحدة .. فالقياس: أنه على الوجهين في قطع

وَلَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهُ .. أَوْضَحَهُ, فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ وَإِلَّا .. أَذْهَبَهُ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ كَتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوع, وإذا قلنا: ليس له أن يقطع من الكوع, فلو قطع ثم أراد القطع من المرفق .. لم يمكن. فرع من (الأم): لو شق كفه حتى انتهى إلى مَفصِل ثم قطع من المَفصِل أو لم يقطع .. اقتص منه إن قال أهل الخبرة: يمكن أن يفعل به مثله. قال: (ولو أوضحه فذهب ضوءه .. أوضحه, فإن ذهب الضوء, وإلا .. أذهبه بأخفِّ مُمكنٍ كتقريب حديدة محماة من حدقته) , شرع يتكلم في المنافع والمعاني وهما يضمنان بالإذهاب كالأطراف, غير أنه لا تمكن مباشرتهما بالتفويت, وإنما يفوتان على وجه التبعية لمحالهما, فإذا أوضح رأسه فذهب ضوء عينه .. فالنص: أنه يجب القصاص في الضوء كما يجب في الموضحة. ونص فيما إذا قطع إصبعه فسرى إلى الكف أو إلى إصبع أخرى بتأكُّلٍ أو بشلل: أنه لا يجب القصاص في محل السراية. والفرق: أن الأجسام تنال بالجناية, فالجناية على غيرها لا تعد قصدًا إلى تفويتها, وضوء البصر لا يباشر بالجناية, فطريق تفويته الجناية على محله أو على ما يجاوره ويتعلق به, فضمن بالقصاص كالنفس. وقيل: في مسألة الضوء قولان, ولا قصاص في المتأكِّل قطعًا, حكاه الرافعي, وأسقطها من (الروضة). ولأهل الخبرة طرق في إبطالها, كتقريب حديدة محماة إلى الحدقة أو طرح الكافور فيها. ولو هشم رأسه فذهب ضوء عينيه .. عولج بما يزيل الضوء, ولا يقابل الهشم بالهشم. قال الجوهري: يقال: أحميت الحديد في النار, فهو محميً, ولا يقال: حميته.

وَلَوْ لَطَمَهُ لَطْمَةٌ تُذْهِبُ ضَوْءَهُ غَالِبًا فَذَهَبَ .. لَطَمَهُ مِثْلَهَا, فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ .. أُذْهِبَ. وَالسَّمْعُ كالْبَصَرِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ, وَكَذَا الْبَطْشُ وَالذوْقُ وَالشَّمُّ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو لطمه لطمة تذهب ضوءه غالبًا فذهب .. لطمه مثلها)؛ طلبًا للمماثلة, أما اللطم والضرب الذي لا يوجب شيئًا مما ذكره .. فالواجب فيه: التعزيز. قال الجوهري: (اللطم): الضرب على الوجه بباطن الراحة, وفي المثل: (لو ذات سوار لطمتني) قالته امرأة لطمتها مضن ليست لها بكفء. قال: (فإن لم يذهب .. أذهب) أي: بالمعالجة, والمراد: ذهابه من العينين معًا, فإن ذهب من إحداهما .. لم يلطم؛ لاحتمال أن يذهب منهما, بل يفعل به كما سيأتي. وفي وجه- صححه البغوي واستحسنه الرافعي-: أنه لا يقتص في اللطمة؛ لعدم انضباطها. قال: (والسمع كالبصر يجب القصاص فيه بالسراية)؛ لأن له محلًا مضبوطًا, كذا صححه الغمام رواية ونقلًا, وجعلهما صاحب (التقريب) أيضًا في درجة, ويليهما الكلام, ويليه البطش, ويليه العقل. وفي (المهذب): انه لو جنى على رأسه فذهب عقله, أو على أنفه فذهب شمه, أو على أذنه فذهب سمعه .. لم يجب القصاص في العقل والشم والسمع؛ لأن هذه المعني في غير محل الجناية فلا يمكن القصاص فيها. قال: (وكذا البطش والذوق والشم في الأصح)؛ لما قلناه, ولأهل الخبرة طرق في إبطالها أيضًا. والثاني: المنع؛ لان هذه المعاني لا يمكن القصاص فيها. فإن قيل: اقتصر المصنف من الحواس على أربعة ولم يذكر اللمس, وقال البارزي: إنه في معنى باقي الحواس, ولهذه أطلقه في (الحاوي) .. فالجواب: أنه لم يذكره؛ لان زواله إن كان بزوال البطش .. فقد ذكره, وإن لم يَزُلِ البطشُ .. لم

وَلَوْ قَطَعَ إصْبَعًا فَتَأَكَّلَ غَيْرُهَا .. فَلَا قِصَاصَ فِي الْمُتَأَكِّلِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ يتحقق زوال اللمس, فإن فرض تخدرٌ .. وجبت الحكومة لا القصاص. قال: (ولو قطع إصبعًا فتأَكَّل غيرُها .. فلا قصاص في المتأَكِّل)؛ لعدم تحقق العمدية, هذا هو المنصوص. وفيه قول مخرج من ذهاب الضوء بالموضحة: إنه يجب القصاص كما تقدم. وقال أبو حنيفة: يسقط قصاص الإصبع بالسراية إلى الكف. لنا: أنها جناية مضمونة بالقصاص, لو لم تسْر .. فلا يسقط القصاص فيها بالسراية, كما لو قطع يد حامل فسرى إلى جنينها فسقط ميتًا. تتمة: علم من نفيه القصاص خاصة: وجوب الدية على الجاني, وتجب حالَّةَ في ماله؛ لأنها سراية جناية عمد وغن جعلناها خطأ في سقوط القصاص. وقيل: على العاقلة؛ لانا قدرناها في حكم الخطأ. وإذا اقتصر على إصبع .. وجب أربعة أخماس الدية للأصابع الأربع الذاهبة بالسراية, ولا تجب لمنابتها من الكف حكومة, بل تدخل في ديتها. خاتمة ضرب يده فتورمت ثم سقطت بعد أيام ... وجب القصاص, حكاه الشيخان في (الفروع المنثورة) قبيل (الديات) عن البغوي, وخالف ما نحن فيه؛ لان جنايته على جميع البدن وجميع النفس, فتأخير سقوطه لا يمنع القود, والله ألعم.

بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاخْتِلَافِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاخْتِلَافِ فِيهِ (القصاص): القود, ولفظه مأخوذ من القص, وهو القطع, وقيل: من اقتصاص الأثر, وهو تتبعه؛ لأن المقتص يتبع الجاني إلى أن يقتص منه. والمصنف رحمه الله عقد هذا الباب لما ذكره وللعفو, فذكر في الترجمة ثلاثة أمور, وعقد لكل منها فصلًا, غير انه خالف ترتيب الترجمة؛ لأنه قدم (فصل الاختلاف) على (فصل من يستوفي القصاص). والأصل في الباب قبل الإجماع: قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} , وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} قال ابن عطية: وهذا نحو قول العرب: القتل أنفى للقتل, ويروى: أبقى- بباء وقاف- وأوفى, بالواو. والمعنى: إن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه .. ازدجر من يريد قتل أحد مخافة أن يقتص منه, وربما كان ذلك سببًا لموت كثير من القبائل, فلما شرع القصاص .. قنع الجميع به وتركوا الاقتتال, فلهم في ذلك حياة. وقال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية. وشرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ناسخ له في قول, وفي قول: هو شرع لنا إذا دل عليه الدليل, وقد دل. روى البخاري [2703] عن أنس بن النضر: أن أخته الرُّبَيِّع كسرت ثنية جارية, فطلبوا الأرش وطلبوا العفو, فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأمر بالقصاص, فقال أنس: أتكسر ثنية الرُّبَيِّع يا رسول الله؟! لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها, فقال: (يا أنس؛ كتاب الله القصاص) فرضي القوم وعفوا.

لَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِنٍ, وَلَا شَفَةٌ عُلْيَا بِسُفْلَى وَلَا عَكْسُهُ, وَلَا أَنْمَلَةٌ بِأُخْرَى, وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى مسلم [1675]: (أن الرُّبَيِّع جرحت إنسانًا وفيه فقالت أمها: أيقتص من فلانة يا رسول الله؟! والله لا يقتص منها ..) وباقيه بنحوه. وليس في كتاب الله آية فيها القصاص في السن أو الجراحة إلا هذه, وسيأتي الجواب عنه في كسر السن. قال: (لا تقطع يسار بيمين) من يد ورجل وأذن وعين ومنخر؛ لاختلاف المحل والمنفعة, والمقصود من القصاص المساواة ولا مساواة بينهما. وعلم من تمثيله: إن امتناع العكس من باب أولى. وقال ابن سيرين: تؤخذ اليمين باليسار. وقال شريك: إن كان له يمين .. لم يجز العدول إلى اليسار, فإن لم يكن .. جاز. قال: (ولا شفة عليا بسفلى ولا عكسه)؛ لما قلنا, وكذلك الجفن الأعلى بالأسفل, كما لا تؤخذ عين بأنف, فلو تراضيا بذلك وفعلاه .. لم يقع قصاصًا, وفي المقطوعة بدلًا الدية دون القصاص, والأصح: سقوط القصاص الأول. قال: (ولا أنملة بأخرى)؛ لأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن. وعلم من هذا: انه لا تقطع إصبع بإصبع أخرى كالسبابة والوسطى, وذكره في (المحرر) , وإنما حذفه المصنف للعلم به من مسألة الأنملة. قال: (ولا زائد بزائد في محل آخر) كما إذا كانت زائدة المجني عليه تحت الخنصر وزائدة الجاني تحت الإبهام, بل تؤخذ الحكومة. وأفهم قوله: (في محل آخر): انه يقطع الزائد بالزائد عند اتحاد المحل, وهو كذلك, لكن يستثنى: ما لو كانت زائدة الجاني أتم؛ بان كان لإصبعه الزائدة مثلًا ثلاثة مفاصل, ولزائدة المجني عليه مفصلان؛ فلا قطع بها على المنصوص؛ لأن هذا أعظم من تفاوت المحل.

وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ كِبَرٍ وَطُولٍ وَقُوَّةِ بَطْشٍ فِي أَصْلِيِّ, وَكَذَا زَائِدٌ فِي الأَصَحِّ. وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ طُولًا وَعَرْضُا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يضر تفاوت كبر وطول وقوة بطش في أصلي)؛ لإطلاق قوله تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} , فغنه يقتضي عدم النظر إلى ذلك كما اقتضاه بالنفس حتى يؤخذ العالم بالجاهل. وتقطع يد الصانع بيد الأخرق, ولا يضر التفاوت في الصغر والكبر, والطول والقصر, والقوة والضعف, والضخامة والنحافة. وتقطع يد القوي بيد الشيخ الذي ضعف بطشه, لكن لو كان النقص بجناية؛ بان ضرب رجل يده فنقص بطشها وألزمناه الحكومة ثم قطع تلك اليد كامل البطش .. فقد حكى الإمام: انه لا قصاص, وانه لا تجب كاملة على الأصح. وهذا يوافق ما سبق: إن من صار إلى حالة المحتضر بلا جناية لو حز إنسان رقبته .. لزمه القصاص, ولو انتهى إلى تلك الحالة بجناية .. لا قصاص على حازه. قال: (وكذا زائد في الأصح) , فلا يؤثر أيضًا كالأصلي, وذلك كالإصبع والسن الزائد. والثاني: يضر؛ لأنه ليس لها اسم مخصوص حتى يكتفى بالاتفاق في الاسم, فينظر إلى القدر وتراعى الصورة, بخلاف الأصلية؛ لأن لها اسمًا مخصوصًا فيقابل بعضها ببعض؛ لتكامل المسميات. فإذا قلنا بهذه الوجه فكانت زائدة الجاني أكثر حكومة .. لم يقتص, او أصغر .. فله أن يقتص ويأخذ حكومة النقص. وخص الغمام الوجهين بما إذا لم يؤثر تفاوت اللحم في الحكومة, فإن أثر .. اختلفت نسبتهما إلى الجملة, وذلك يمنع القصاص. قال: (ويعتبر قدر الموضحة طولًا وعرضًا) , فلا تقابل ضيقة بواسعة, ولا يقنع بضيقة عن واسعة. وتذرع موضحة المشجوج بخشبة أو خيط, ويلحق ذلك الموضع من رأس الشاج إن كان عليه شعر, ويخط عليه بسواد أو حمرة, ويضبط الشاج حتى لا يضطرب,

وَلَا يَضُرُّ تَفَاوتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ. وَلَوْ أَوضَحَ كُلَّ رَاسِهِ وَرَاسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ .. اسْتَوْعَبْنَاهُ ولَا نُتِمُّهُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْقَفَا, بَلْ يَاخُذُ قِسْطَ الْبَاقِي مِنْ أَرشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا. وَإِنْ كَانَ رَاسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ .. أُخِذَ قَدْرُ رَاسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ, وَالصَّحيِحُ: أَنَّ الاِخْتِيَارَ فِي مَوْضِعِهِ إِلَى الْجَانِي, ـــــــــــــــــــــــــــــ ويوضح بحديدة حادة كالموسى, ولا يوضح بالسيف وإن كان قد أوضح به؛ لأنه لا تؤمن الزيادة به, وكذلك لو أوضح بحجر أو خشب .. يوضح بالحديدة ثم يفعل ما هو أسهل عليه؛ من الشق دفعة واحدة, أو الشق شيئًا فشيئًا. قال: (ولا يضر تفاوت غلظ لحم وجلد)؛ لان اسم الجراحة معلق بإنهائها إلى العظم, والتساوي في قدر الغوص قليلًا ما يتفق, فيقطع النظر عنه كما يقطع عن الصغر والكبر في الأطراف. قال: (ولو أوضح كلَّ رأسه ورأسُ الشاج أصغر .. استوعبناه)؛ لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}. قال: (ولا نتمه من الوجه والقفا)؛ لأنه غير محل الجناية. ولو قال: ولا نتمه من غيره .. كان أحسن؛ ليتناول غيرهما من الجوانب, وهكذا الحكم لو أوضح جبهتَه وجبهةُ الجاني أضيق .. لا يرتقي إلى الرأس. قال: (بل يأخذ قسط الباقي من أرش الموضحة لو وزع على جميعها)؛ لتعذر القصاص فيه, فيوجب البدل, وطريق معرفته بالمساحة, بخلاف اليد الصغيرة؛ فإنه يكتفى بها في مقابلة الكبيرة؛ لان المرعي فيها اسم اليد, وفي الموضحة المقدار. وعند أبي حنيفة: لا يجمع بين أرش وقصاص. قال: (وإن كان رأس الشاج أكبر .. أخذ قدر رأس المشجوج فقط)؛ لحصول المساواة. قال: (والصحيح: إن الاختيار في موضعه إلى الجاني)؛ لأن جميع رأسه محل الجناية. والثاني إلى المجني عليه, فإن أراد أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس والبعض

وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَتَهُ وَنَاصِتُهُ أَصْغَرُ .. تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّاسِ. وَلَو زَادَ المُقْتَصُّ فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ .. لَزِمَهُ قِصَاصُ الزَيَادَةِ, فَإِنْ كَانَ خَطَأ أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ .. وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ من مؤخره .. فالصحيح: المنع؛ لأنه يقابل موضحة بموضحتين. وقيل: يبتدئ من حيث بدأ الجاني, ويذهب إلى الجهة التي ذهب إليها إلى أن يتم القدر, فإن كان في رأس الجاني موضحة والباقي بقدر ما فيه القصاص .. تعين وصار كأنه كل الرأس. ولو أراد أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره .. لم يكن له الباقي .. لم يكن له ذلك على الأصح. قال: (ولو أوضح ناصيتَه وناصيتُه أصغر .. تُمم من باقي الرأس)؛ لأن الرأس كله عضو واحد فلا فرق بين مقدمه ومؤخره, ويخالف ما سبق في الرأس والوجه؛ فإنهما عضوان. وقيل: لا تجوز مجاوزة ذلك الموضع, بل يستوفي الناصية ويأخذ الأرش لما بقي, وصحح هذا ابن هريرة والماوردي والروياني, واختاره القاضي حسين وآخرون. قال: (ولو زاد المقتص في موضحة على حقه .. لزمه قصاص الزيادة). إذا زاد المقتص في الموضحة على قدر حقه .. نظر؛ فإن كان باضطراب الجاني .. فلا غرم, وغن زاد عمدًا- وهي مسألة المصنف-: اقتص منه الزيادة؛ لتعمده, ولكن بعد اندمال الموضحة التي في رأسه. قال: (فإن كان خطأ)؛ يعني: أخطأ باضطراب يده (أو عفا على مال .. وجب أرش كامل)؛ لان حكم الزيادة مخالف لحكم الأصل؛ فالأصل عمد ومستحق, والزيادة خطأ وغير مستحقة, وتغاير الحكم؛ كتعدد الجاني.

وَقِيلَ: قِسْطٌ. وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ .. أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَهَا, وَقِيلَ: قِسْطٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: قِسْطٌ) أي: قسط ما زاد على حقه بعد توزيع الأرش عليهما؛ لاتحاد الجراح والجراحة. وسكت الأصحاب عما إذا زادت باضطرابهما .. هل يترتب الحكم على من اضطرب أولًا, أو يوزع فيهدر الشطر ويلزم المستوفي الشطر؟ فيه نظر. فغن قيل: عبارته توهم تجويز تفويض الاستيفاء إلى المشجوج, والصحيح المنصوص كما سيأتي: المنع, فغما ان يكون هذا فيما إذا بادر أو خالف فاقتص بنفسه, أو يكون تفريغًا على وجه التجويز .. فالجواب: أنه تفريع على الصحيح, ويتصور بصورتين: إحداهما: أن يرضى الجاني باستيفاء المستحق. والثانية: أن يوكل المستحق في الاستيفاء فيستوفي زائدًا. ولو زاد وقال: أخطأت .. صدق بيمينه. قال: (ولو أوضحه جمع)؛ بان تحاملوا على الآلة وجروها) ... أوضح من كل واحد مثلها) أي: مثل جميعها؛ لأنه ما من جزء إلا وكل واحد منهم جان عليه, فأشبه ما إذا اشتركوا في قطع عضو. قال (وقيل: قِسْط)؛ لإمكان التجزئة, فصار كما لو اتلفوا مالًا؛ فإنه يوزع عليهم الغرم. والوجهان احتمالان للإمام جعلهما المصنف وجهين تبعًا لـ (المحرر). قال الشيخان: ويجري الاحتمالان فيما إذا آل الأمر إلى المال .. هل يجب على كل واحد أرش كامل أم يوزع عليهم؟

وَلَا تُقطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلاَّءَ وَإِن رَضِيَ الجَانِي, فَلَو فَعَلَ .. لَم يَقَع قِصَاصًا, بَل عَلَيهِ دِيَتُهَا, فَلَو سَرَى قِصَاصُ النَّفسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وهذا الثاني أقرب, وبالأول قطع البغوي. فرع: يحلق محل الموضحة عند الاقتصاص إذا كان لكل منهما شعر, فإن لم يكن للشاج شعر .. فلا حلق, وإن لم يكن على رأس المشجوج شعر وكان على رأس الشاج .. لم يمكن من القصاص؛ لما فيه من إتلاف شعر لم يتلفه, نص عليه في (الأم) , ولا يضر التفاوت في خفة الشعر وكثافته. قال: (ولا تقطع صحيحة بشلاء وإن رضي الجاني)؛ رعاية للمماثلة, كما لا يقتل حر بعبد وإن رضي الجاني, وإنما الواجب في الطرف الأشل الحكومة. وصورة المسألة: إذا وقف القطع, فإن سرى إلى النفس .. فالأظهر عند الأكثرين: قطعها بها. قال الشيخ أبو محمد: المراد ب (الشلل) في اليد والرجل: زوال الحس والحركة, وقال الإمام: لا يشترط زوال الحس بالكلية, وإنما الشلل بطلان العمل. قال: (فلو فعل .. لم يقع قصاصًا)؛ لأنها غير مستحقة له (بل عليه ديتها, فلو سرى .. فعليه قصاص النفس)؛ لتفويتها بغير حق. هذا إذا قطع بغير رضا الجاني, فإن قطع برضاه .. فلا قصاص عند السراية؛ لأنه قطع بالإذن. ثم ينظر؛ فإن كان الجاني قال: اقطع, وأطلق .. كان القاطع مستوفيًا ولا شيء

وَتُقطَعُ الشَّلاَّءُ بِالصَّحِيحَة, ِ إلاَّ أَن يَقُولَ أَهلُ الخِبرَةِ: لاَ يَنقَطِعُ الدَّمُ, وَيَقنَعُ بِهَا مُستَوفِيهَا. ويُقطَعُ سَلِيمٌ بِأَعسَم وَأَعرَجَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه, وإن قال: اقطعها عوضًا عن يدك أو قصاصًا .. فوجهان: أحدهما – وبه قطع البغوي -: أن عليه نصف الدية, وعلى الجاني الحكومة؛ لأنه لم يبذلها مجانًا. والثاني: لا شيء على المجني عليه, وكأن الجاني أدى الجيد عن الرديء وقبضة المستحق. قال: (وتقطع الشلاء بالصحيحة)؛ لأنها دون حقه. وقال أبو إسحاق: لا تقطع بها مطلقًا؛ لأن الشرع لم يرد فيها القصاص. قال: (إلا أن يقول أهل الخبرة: لا ينقطع الدم)؛ فإن أفواه العروق تنفتح ولا تنسد بالحسم, فلا تقطع بها وإن رضي الجاني؛ لما فيه من استيفاء النفس بالطرف, بل للمجني عليه دية يده. فإن قالوا: ينقطع .. فله قطعها, ويقع قصاصًا, كقتل الذمي بالمسلم والعبد بالحر؛ لفضيلة الإسلام والحرية. وأما الشلاء بالشلاء .. فالمشهور: أنهما إن استويا في الشلل أو كان الشلل في يد القاطع أكثر .. فيقطع بها. والشرط: أن لا يخاف نزف الدم, وإن كان الشلل في يد المقطوع أكثر .. فلا قطع بها. وقول المصنف: (أهل الخبرة) يقتضي: اشتراط جماعة, ولا شك في الاكتفاء بعدلين كالمرض المخوف. قال: (ويقنع بها مستوفيها) , فليس له أن يطلب بسبب الشلل شيءًا؛ لأنهما استويا في الجرم, وإنما اختلفا في االصفة وهي لا تقابل بمال. قال: (ويقطع سليم بأعسم وأعرج)؛ لأنه لا خلل في اليد والرجل. و (الأعسم) بعين وسين مهملتين, مأخوذ من العسم بالفتح, وهو: يبس المفصل حتى يعرج, أو قصر في الساعد, تقول ممنه: رجل أعسم, وامرأة عسماء.

وَلاَ أَثَرَ لِخُضرَةِ الأَظفَارِ وَسَوادَهَا, وَالصَّحِيحُ: قَطعُ ذَاهِبةِ الأظفَارِ بِسَلِيمَتَهَا دُونَ عَكسِهِ. وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كاليَدِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن الشيخ أبي حامد: الأعسم: الذي يكون بطشه بيساره أكثر, وهو الأعسر في العرف, وفي عبارة (الأم) ما يشهد له. قال: (ولا أثر لخضرة الأظفار وسوادها)؛ لأنه علة ومرض في الظفر, والظفر السليم يستوفى بالعليل. قال: (والصحيح: قطع ذاهبة الأظفار بسليمتها دون عكسه) , أما الأولى .. فلأنها بعض حقه, وهذا لا خلاف فيه, وأما عكسه .. فلأنها نقصان خلقة ولا يؤخذ الكامل بالناقص. قال: (والذكر صحة وشللًا كاليد) أي: الصحيحة والشلاء؛ إذ لا فارق بينهما. و (صحة وشللًا) منصوبان على الحال من الذكر, لكن مجيء الحال من المبتدأ خلاف مذهب سيبويه, ويمكن أن يكون حالًا من الجار والمجرور بعده, أي: كاليد صحة وشللًا. ويجب في قطع الذكر وفي قطع الأنثيين وفي إشلالهما القصاص, سواء قطع الذكر والأنثيين معًا أو قدم الذكر أو الأنثيين. ولو دق خصيتيه .. ففي (التهذيب): أنه يقتص بمثله إن أمكن, وإلا .. وجبت الدية, ويشبه أن يكون الدق ككسر العظام. ولو قطع أشل إحدى أنثييه وقال أهل الخبرة: يمكن القصاص من غير إتلاف الأخرى .. اقتص. وحكى القاضي أبو الطيب عن الماسرجسي أنه قال: رأيت رجلًا من فراوة له

وَالأشَلُّ: مٌنقَبِضٌ لاَ يَنبَسِطُ أَو عَكسُهُ, وَلاَ أثَرَ لِلِانتِشَارِ وَعَدَمِهِ, فَيُقطَعُ فَحلٌ بِخَصِّي وَعنِّينٍ, وَأنفٌ صَحِيحٌ بِأَخشَمَ, وأُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ خصية, فسئل عن ذلك, فقال: كانت بي حكة, فقعدت في الشمس أحك خصيتي إلى أن انشقت وسقطت وبقيت الأخرى. قال: (والأشل: منقبض لا ينبسط أو عكسه) , المراد: أنه يلزم حالة واحدة ولا يتحرك أصلًا, وهذه العبارة المتداولة, ويقال: الذي لا يتقلص في البرد ولا يسترسل في الحر, وهو بمعنى العبارة الأولى. قال: (ولا أثر للانتشار وعدمه, فيقطع فحل بخصي وعنين)؛ إذ لا خلل في نفس العضو؛ لأن عدم الانتشار من ضعف القلب أو الدماغ. وعند الأئمة الثلاثة: لا يقطع ذكر الفحل بذكر الخصي والعنين, ولا فرق بين الأقلف والمختون. و (الخصي): من قطعت أنثياه مع جلدتهما, وقيل: من سلت أنثياه. قال: (وأنف صحيح بأخشم)؛ لأن الشم ليس في جرم الأنف. و (الأخشم): الذي لا يشم شيئًا. قال في (الصحاح): ورجل أخشم من الخشم, وهو داء يعتري الأنف. و (الخيشوم): أقصى الأنف. قال: (وأذن سميع بأصم) وبالعكس؛ لأن السمع لا يحل جرم الأذن, وإنما الأذن طريق للسمع وآلته. وعن مالك: لا تقطع أذن السميع بالأصم, والأظهر: أن الصحيحة تقطع بالمستحشفة؛ لبقاء الجمال والمنفعة. ولا فرق بين المثقوبة وغيرها إذا لم يورث الثقب شيئًا أو نقصانها على المذهب, كما في أذن المرأة, وإن أورث ذلك .. فهي كالمخرومة التي قطع بعضها لا تستوفى بها أذن كاملة.

لَا عَينٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَميَاءَ, ولَا لِسَانُ نَاطِقٍ بِأَخرَسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المصنف تشمل ما لو ردها في حرارة الدم فالتصقت, وهو كذلك لا يسقط قصاصها ولا الدية عن الجاني؛ لأن الحكم متعلق بالإنابة وقد وجدت, ثم ذكر الشافعي والأصحاب: أنه لا بد من قطع الملتصق؛ لتصح صلاته. وسببه: الحكم بنجاسة الأذن إن قلنا: ما أبين من الآدمي نجس, وإلا .. فسببه: الدم الذي ظهر في محل القطع, وقد ثبت له حكم النجاسة, فلا يزول بالاستبطان. ويأتي فيه ما سبق في (كتاب الصلاة) في الوصل بعظم نجس, والتفصيل بين أن يثبت اللحم على موضع النجاسة أو لا يثبت, وبين أن يخاف التلف من القطع أو لا يخاف. ولو قطعها قاطع .. لا قصاص عليه؛ لأنها مستحقة الإزالة. قال: (لا عين صحيحة بحدقة عمياء)؛ لأنها أكثر من حقه ولو كان بياضها وسوادها باقيين؛ لأن البصر والنطق في العين واللسان بخلاف السمع والشم, وتؤخذ العين القائمة بالصحيحة إذا رضي بها المجني عليه؛ لأنها دون حقه. ويقطع جفن البصير بجفن الأعمى؛ لتساوي العضوين في الجرم والصحة. قال: (ولا لسان ناطق بأخرس)؛ لما تقدم, ولأن اللسان العاطل كاليد الشلاء. ويقطع لسان الأخرس بلسان الناطق إذا رضي به المجني عليه. قال الرافعي: ويقطع لسان المتكلم بلسان الرضيع إن ظهر فيه أثر النطق بالتحريك عند البكاء وغيره؛ لأن المراد ب (الناطق): من له قوة النطق, فإن بلغ أوان التكلم ولم يتكلم .. لم يقطع به لسان المتكلم. ويشكل عليه: أنه صحح في (كتاب الديات): أن هذا اللسان تجب فيه الدية, وقال: إنه الذي يوجد في كتب الأصحاب, وعلله بأن الظاهر السلامة,

وَفِي قَلعِ السِّنِّ قِصَاصٌ, لاَ فِي كَسرِهَا, وَلَو قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ لَم يُثغَر .. فَلاَ ضَمَانَ فِي الحَالِ, فَإن جَاءَ وَقتُ نَبَاتِهَا؛ بِأَن سَقَطَتِ البَوَاقِي وَعُدنَ دُونَهَا, وَقَالَ أَهلُ البَصَرِ: فَسَدَ المَنبَتُ .. وَجَبَ القِصَاصُ, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي وقع له هنا تبع فيه الإمام والغزالي. قال: (وفي قلع السن قصاص)؛ لقوله تعالى: {والسِّنَّ بِالسِّنِّ} , فتقلع العليا بالعليا والسفلى بالسفلى. قال: (لا في كسرها)؛ لما تقدم في كسر العظام. وفي قول – نص عليه في (الأم) وقطع به في (المهذب) و (الحاوي) -: يراجع أهل الخبرة؛ فإن قالوا: تمكن فيه المساواة .. اقتص, واحتج الماوردي بحديث الربيع المتقدم؛ فإنها كسرت سن جارية من الأنصار فقال صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص) , لكن حمله الشيخ أبو حامد على القلع من أصلها, وهو خلاف الظاهر, ولا تنافيه رواية مسلم: أنها جرحت إنسانًا؛ فإنهما قضيتان. ولا تؤخذ السن الصحيحة بالمكسورة, وتؤخذ المكسورة بالصحيحة مع قسط الذاهب من الأرش, وتؤخذ الزائدة بالزائدة بالشرط الذي سبق. ولو قلع سن رجل وليس للجاني تلك السن .. لا قصاص, بل الواجب الدية. قال: (ولو قلع سن صبي لم يتغير) هو بمثناة تحت مضمومة ثم ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة, أي: لم تسقط أسنانه التي هي رواضعه, مشتق من (الثغر): الذي هو مقدم الأسنان. قال:) .. فلا ضمان في الحال)؛ لأنها تعود غالبًا, فأشبهت الشعر, وكذلك لا دية؛ لأنها لا يتحقق إتلافها, لكن عليه الحكومة إن نبتت سوداء أو معوجة أو خارجة عن سمت الأسنان أو بقي شين آخر بعد النبات, وإن نبتت أقصر ما كانت .. وجب تقدير النقصان من الأرش. قال: (فإن جاء وقت نباتها؛ بأن سقطت البواقي وعدن دونها, وقال أهل البصر: فسد المنبت .. وجب القصاص)؛ لأنه قد قلع السن الحاصلة في الحال وأفسد المنبت, فيقابل بمثله, فإن قال أهل الخبرة: يتوقع نباتها إلى وقت كذا ..

وَلاَ يُستَوَفى لَهُ فِي صِغَرِهِ. وَلَو قَلَعَ سِنَّ مَثغُورٍ فَنَبَتَت .. لَم يَسقُطِ القِصَاصُ فِي الأَظهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ توقعناه, فإن مضت ولم تنبت .. وجب القصاص. وملخص ما في المسألة طرقان: إحداهما – طريقة الجمهور -: القطع بالوجوب. والثانية: على قولين: ثانيهما: لا يجب؛ لأن سن الصبي فضله في الأصل, نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة بعد الأخرى. قال: (ولا يستوفى له في صغره) , بل ينتظر بلوغه؛ فإن مات قبل البلوغ .. اقتص وارثه أو أخذ الأرش. وسكت المصنف عما إذا نبتت لوضوحه؛ فإنه لا قصاص ولا دية, سواء كان ذلك في وقته أم بعد مدة طويلة. والتقييد ب (الصغر) جري على الغالب؛ فإن قلع سن إذا لم يكن قد بدل في صغره حكمه كذلك. فإن قيل: قوله: (لا يستوفى له في صغره) غير محتاج إليه؛ لأنه سيأتي في قوله: (وينتظر غائبهم وكمال صبيهم) .. فالجواب: أن ذاك في الوارث وهذا في المستحق نفسه, وذاك في النفس وهذا فيما دونها, فذكره لرفع توهم المغايرة. ولو مات قبل اليأس, وقبل تبين الحال .. فلا قصاص, وفي الأرش وجهان. قال: (ولو قلع سن مثغور فبنت .. لم يسقط القصاص في الأظهر)؛ لأنه لم تجر العادة بنبات سن المثغور, والذي اتفق نعمة جديدة من الله تعالى, فلا يسقط به حقه عن الجاني. والثاني – وبه قال أحمد -: يسقط كالصغير إذا عاد سنه؛ لأن ما عاد قام مقام الأول, فكأنه لم يفت وصار كما لو عاد سن غير المثغور, وعلى القولين لا ينتظر العود, بل للمجني عليه أن يقتص ويأخذ الدية في الحال؛ لأن انتظار ذلك مستبعد.

وَإِن نَقَصَت يَدُهُ إصَبعًا كَامِلَةً .. قُطِعَ وَعَليهِ أَرشُ إصبَع, وَلَو قَطَعَ كَامِلٌ نَاقِصَةً: فَإِن شَاءَ المَقطُوعُ .. أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الأَربَعِ, وَإن شَاءَ .. لَقَطَها, والأَصَحُّ: أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إِن لَقَطَ لَا إن أَخَذَ دِيَتَهُنَّ, وَأَنَهُ تَجِبُ فِي الَحاَلَينِ حُكُومَةُ خُمُسِ الكَّفِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن نقصت يده إصبعًا لم يستوف قصاصها فيكون له أرشها, واستدل له الرافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: (في كل إصبع عشر من الإبل) رواه أحمد [2/ 182] وأبو داوود [4553] والنسائي [8/ 55] من حديث أبي موسى. وقال أبو حنيفة: لا أرش له مع قطع اليد. قال: (ولو قطع كامل ناقصة: فإن شاء المقطوع .. أخذ دية أصابعه الأربع, وإن شاء .. لقطها) , هذه الصورة عكس التي تقدمت؛ فليس للمجني عليه هنا قطع اليد الكاملة من الكوع؛ لما فيه من الزيادة, لكنه يلقط الأصابع الأربع إن شاء, وإن شاء .. أخذ ديتها. وعند أبي حنيفة: ليس له لقط الأصابع, ولا يعدل عن محل القطع إلى غيره. قال: (والأصح: أن حكومة منابتهن تجب إن لقط)؛ لأن الحكومة من جنس الدية فلا يبعد دخولها فيها, والقصاص ليس من جنسها. والثاني: لا تجب وتدخل تحت قصاص الأصابع كما تدخل تحت ديتها؛ فإنه أحد موجبي الجناية. قال: (لا إن أخذ ديتهن) كما أن حكومة جميع الكف تحت ديات الأصابع .. اندرج بعضها تحت البعض؛ لأن البعض من البعض كالكل من الكل. وحكى الإمام وغيره وجهًا: أنه لا يندرج, وتختص قوة الاستتباع بالكل. قال: (وأنه تجب في الحالين حكومة خمس الكف) , المراد: حكومة الخمس

وَلَو قَطَعَ كَفًا بِلَا أَصَابِعَ .. فَلَا قِصَاصَ إلاَّ أَن تَكُونَ كَفُهُ مِثلَهَا, وَلَو قَطَعَ فَاقِدُ الأَصَابعِ كَامِلَهَا .. قَطَعَ كَفَّهُ وَأَخَذَ دِيَةَ الأَصَابِعِ. وَلَو شَلَّت إِصبَعَاهُ. وَلو شَلَّت إصبَعَاهُ فَقَطَعَ يَدًا كَامِلَةً: فَإِن شَاءَ .. لَقَطَ الثَّلاثَ السَّليمَةَ وَأخَذَ دِيَةَ إِصبَعَينِ, وَإن شَاءَ .. قَطَعَ يَدَهُ وَقَنَعَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الباقي من الكف؛ لأنه لم يستوف في مقابلته شيئًا يتخيل اندراجه فيه. والمراد ب (الحالين): حالة القصاص, وحالة أخذ الدية. والثاني: أن كل إصبعين تتستتبع الكف كما يستتبعها كل الأصابع. قال: (ولو قطع كفًا بلا أصابع .. فلا قصاص)؛ لأنه لا يمكن إلا بأخذ الزائد. قال: (إلا أن تكون كفه مثلها) فيقتص للمساواة, كذا أطلقه الشيخان, وظاهره: أن وجود الأصايع مانع من الوجوب. وينبغي أن يكون مانعًا من الاستيفاء لا الوجوب, حتى لو سقطت الأصابع بآفة أو جناية .. حصلت القدرة على القصاص في الكف فيقتص, كما صرحوا به فما إذا قطع سليم اليد الأنملة الوسطى ممن هو فاقد الأنملة العليا, وسيأتي في التتمة بعد سبعة أسطر. قال: (ولو قطع فاقد الأصابع كاملها .. قطع كفه وأخذ دية الأصابع) لأنه لم يستوف شيئًا في مقابلتها, وهذه المسألة مكررة مع قوله أولا: (ولو نقصت يده إصبعًا فقطع كاملة .. قطع وعليه أرش إصبع). قال: (ولو شلت إصبعاه فقطع يدًا كاملة: فإن شاء .. لقط الثلاث السليمة وأخذ دية إصبعين, وإن شاء قطع يده وقنع بها)؛ لأنه لو عم الشلل جميع اليد وقطع قنع بها. فإذا كان الشلل في بعضها .. فهو أولى, وفي استتباع الثلاث حكومة منابتها, واستتباع دية الإصبعين حكومة الخلاف المتقدم. تتمة: سليم اليد قطع الأنملة الوسطى من فاقد العليا .. فلا سبيل إلى الاقتصاص مع بقاء العليا.

فَصلٌ: قَدَّ مَلفٌوفًا وَزَعَمَ مَوتَهٌ .. صَدَّقَ الوَلِيٌّ بِيَمِينِهِ فِي الأَظهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن سقطت بآفة أو جناية .. ففي القصاص الآن ثلاث طرق: أصحها وأشهرها: القطع بأن له ذلك. وقال أبو حنيفة: لا قصاص في الوسطى؛ لتعذر الاستيفاء حال الجناية. لنا: أن الامتناع كان لاتصال محل الجناية بغيره, فإذا زال الاتصال .. استوفى القصاص, كالحامل إذا وضعت. وهل له طلب أرش الأنملة للحيلولة إلى أن تزول العليا؟ فيه وجهان: أصحهما: ليس له ذلك. وشبه الوجهان بالوجهين في أن من أتلف مثليًا وغرم القيمة لإعواز المثل ثم وجد المثل .. هل يردها ويطالب به؟ وكالوجهين في أن من أخذ أرش العيب القديم لامتناع الرد بالعيب الحادث ثم زال العيب .. هل له أن يرد المبيع والأرش ويسترد الثمن؟ وكالوجهين فيما إذا أتلف طعامًا لغيره فلقيه ببلد آخر فأخذ منه قيمته للحيلولة ثم اجتمعا ببلد الإتلاف .. هل له ردها وأخذ المثل؟ وبناهما الغزالي على الخلاف فيما إذا ثبت القصاص لصبي أو مجنون .. هل لوليهما طلب المال في الحال؟ وقيده المتولي وغيره بالفقير, وهو كما ذكراه في (كتاب اللقيط). قال: (فصل) عقده للاختلاف الواقع بين ولي الدم والجاني. قال: (قد ملفوفًا وزعم موته .. صدق الولي بيمينه في الأظهر)؛ لأن الأصل استمرار الحياة؛ لأنه كان مضمونًا, والأصل استمرار تلك الحياة, فأشبه ما إذا قتل من عهده مسلمًا وادعى ردته. والثاني: المصدق الجاني؛ لأن الأصل براءة ذمته عن القصاص, وصححه الشيخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحامل والروياني وصاحب (المعتمد) والشيخ في (التنبيه) , وأقره عليه في (التصحيح) , وقال الماوردي: نص عليه الشافعي في أكثر كتبه. والمشهور: طرد القولين مطلقًا, وفرق أبو الحسن الطيبي – بكسر الطاء وبالباء الموحدة – بين أن يكون ملفوفًا في ثياب الأحياء أو ما هو على صورة الكفن. قال الإمام: وهذا لا أصل له, وقواه في (المطلب) , وقال الجاجرمي: إنه متجه. وقال أبو إسحاق: ينظر إلى الدم السائل؛ فإن قال أهل الخبرة: إنه دم حي .. صدق الولي, وإن قالوا: دم ميت .. صدق الجاني, وإن اشتبه .. ففيه قولان. وتصوير المسألة بالملفوف يشعر بأنه لو لم يكن ملفوفًا بل كان لابسًا كالحي .. أن المصدق الولي قطعًا, والظاهر: أنه لا فرق. ثم إذا صدقنا الولي بلا بينة .. فالواجب الدية دون القصاص, كما نقله في زوائد (الروضة) عن البغوي والمحاملي وأقرهما؛ لأن القصاص يسقط بالشبهة. وظاهر قوله: (بيمينه): أن الولي يحلف يمينًا واحدة, وبه صرح ابن الصباغ, وليس كذلك, بل لا بد من خمسين يمينًا. ولو أقام الولي بينة بحياته .. عمل بها, سواء قلنا: هو المصدق أو الجاني؛ لأن الشخص تارة يصدق بالبينة وتارة باليمين, كالمودع في دعوى الرد, وللشهود أن يشهدوا بالحياة إذا كانوا رأوه يتلفف في الثوب وإن لم يتيقنوا حياته حالة القد؛ استصحايًا لما كان. وإذا قتله ثم ادعى: رقه, وقريبه: حريته .. نص: أنه يصدق القريب, ونص في مثلها من القذف: أنه يصدق القاذف, فقيل: بتقريرهما. والأصح: أنهما على قولين: أظهرهما: تصديق القريب.

وَلَو قَطَعَ طَرَفًا وزَعَم نَقصَهُ .. فَالمَذهَبُ: تَصدِيقُهُ إِن أَنكَرَ أَصلَ السَّلاَمَةِ فِي عُضوٍ ظَاهِرٍ, وَإلاَّ .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قطع طرفًا وزعم نقصه .. فالمذهب: تصديقه إن أنكر أصل السلامة في عضو ظاهر, وإلا .. فلا) , في المسألة نصوص وطرق مختصرها أربعة أقوال: أحدها: يصدق المجني عليه, وبه قال أبو حنيفة. والثاني: الجاني, وبه قال أحمد. والثالث: يصدق المجني عليه إن ادعى السلامة من الأصل, فإن ادعى زوال النقص يعد وجوده .. صدق الجاني. والرابع – وهو المذهب -: إن كان العضو ظاهرًا كاليد والرجل واللسان والأنف والأذنين والعينين .. فالمصدق الجاني إن أنكر أصل السلامة؛ لأن الأصل: أنه لا قصاص والمجني عليه متمكن من إقامته البينة على السلامة التي يدعيها لظهور العضو, وإن اتفقا على: أنه كان سليمًا, وادعى الجاني: حدوث النقصان .. فقولان: أحدهما: أن الجواب كذلك؛ لأن الأصل البراءة عن القصاص. وأظهرهما: تصديق المجني عليه؛ لأن الأصل استمرار السلامة. وإن كان العضو باطنًا كالذكر والأنثيين .. فقولان: أصحهما: تصديق المجني عليه؛ لعسر إقامة البينة على سلامة الأعضاء الباطنة لعدم الاطلاع. والثاني: طرد القولين في الأعضاء الظاهرة والباطنة. والمراد بالعضو الباطن: ما يعتاد ستره مروءة, وقيل: ما يجب, وهو العورة, والظاهر: ما سواه.

أَو يَدَيهِ وَرِجلَيهِ فَمَاتَ وَزَعَمَ سِرَايَةً, وَالَوَلِيُّ انِدمَالًا مُمكِنًا أَو سَبَبُا .. فَالَأصَحُّ: تَصدِيقُ الَوِليُّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا صدقنا الجاني .. احتاج المجني عليه إلى بينة بالسلامة, ثم الأصح: أنه يكفي قول الشهود: كان صحيحًا, ولا يشترط تعرضهم لوقت الجناية. وقيل: إن شهدوا بالسلامة عند الجناية .. كفى ولا يحتاج معها إلى يمين, فإن شهدوا: أنه كان سليمًا .. احتاج معها إلى اليمين؛ لجواز حدوث النقص. قال: (أو يديه ورجليه فمات وزعم سراية, والولي اندمالًا ممكنًا أو سببًا .. فالأصح: تصديق الولي) أي: بيمينه. هذا مخرج أيضًا على تقابل الأصلين: براءة الذمة من جانب وعدم التداخل من جانب. والثاني: إن مضت مدة طويلة لا يمكن أن تبقى الجراحة فيها غير مندملة .. صدق الولي بلا يمين, وإلا .. فبيمين. والثالث: إن كان احتمال الاندمال مع إمكانه بعيدًا .. صدق الجاني بيمينه, وإلا .. فالولي, وادعى الإمام: اتفاق الأصحاب عليه, ونوزع في ذلك. أما إذا لم يمكن الاندمال؛ لقصر الزمان كيوم أو يومين .. فإن القول قول الجاني في تلك الحالة بلا يمين. وقيل: بيمين؛ لاحتمال الموت بسم مذفف أو حية, وهو ضعيف. وقال الرافعي: يشبه أن يقال: ليس لمدة الاندمال ضبط؛ فقد تبقى الجراحة سنين كثيرة والشخص مألوم بسببها إلى أن يموت منها, فينبغي أن يكون التصديق عند الاندمال بيمين, وهذا الذي في (التهذيب) وغيره. وأما السبب .. فكما إذا قال الولي: أكل سمًا فمات, أو قتل نفسه, ونحو ذلك, وقال الجاني: مات بالسراية. ووجه تصديق الجاني: احتمال ما يقوله, وأن الأصل براءة الذمة.

وَكَذَا لَو قَطَعَ يَدَهٌ وَزَعَمَ سَبَبًا وَالوليُّ سِرَايَةً. وَلَو أَوضَحَ مُوضِحَتَينِ وَرَفَعَ الحَاجِز َوَزَعمَهُ قَبلَ اندِمَالِهِ .. صُدِّقَ إِن أَمكَنَ, وَإلاَّ .. حٌلِّفَ الجَريحُ وثَبَتَ أَرشَانِ, قِيلَ: وَثَالِثٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجه الأصح: أن الأصل بقاء الديتين الواجبتين, والأصل: عدم اليبب الآخر, وهذه الحالة فيها وجهان فقط, والحالة المتقدمة ثلاثة أوجه كما تقدم. قال: (وكذا لو قطع يده) أي: ومات (وزعم سببًا والولي سراية)؛ لأن الأصل: أنه لم يوجد سببًا آخر. والثاني: يصدق الجاني؛ لأن الأصل براءة الذمة ولم يثبت ما يوجب تمام الدية. ولو قال الجاني: مات بعد الاندمال فعلي نصف الدية, وقال الولي: مات بالسراية, والزمن محتمل للاندمال .. فالأصح: تصديق الجاني. قال: (ولو أوضح موضحتين ورفع الحاجز وزعمه قبل اندماله .. صدق إن أمكن)؛ وذلك بأن يقصر الزمان؛ لأن الظاهر معه. قال: (وإلا) أي: وإن طال الزمان) .. حلف الجريح وثبت أرشان) للأولى والثانية. قال: (قبل: وثالث)؛ لأنه ثبت رفع الحاجز باعترافه وثبت الاندمال بيمين المجني عليه فحصلت موضحة ثالثة. والأصح: المنع وتصديق الجاني؛ لأنه يقول: رفعت الحاجز حتى لا يلزمني أرش بل يعود الأولان إلى واحدة, فإن لم يقبل قوله في الاتحاد .. وجب أن لا يقبل في الثالث الذي لم يثبت موجبه. تتمة: ذكر في السبب الرابع في اختلاف الحكم من (الروضة): أنه لو أوضحه موضحتين عمدًا ورفع الحاجز بينهما خطأ, وقلنا بالصحيح: إنه لو رفعه عمدًا تداخل الأرشان .. فهل يلزمه أرش ثالث أو أرش واحد؟ وجهان. قلت: أصحهما: أرش فقط. اهـ

فصل: الصَّحِيحُ: ثُبوتُهُ لِكُلِّ وَارِثٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ واعترض عليه في ذلك بأن الرافعي قال: فيه وجهان؛ لاختلاف الحكم, فإن جعلناه مؤثرً .. فعليه أرش ثالث, وإلا .. لم يلزمه إلا أرش واحد. والصحيح: التأثير, فتلزمه ثلاثة أروش, وهذا هو الصواب. قال: (فصل: الصحيح ثبوته لكل وارث) أي: على فرائض الله تعالى, فتشترك فيه العصبات وأصحاب الفروض, المكلف منهم وغير المكلف, ومن يرث بالسبب كالزوجين والمعتق ومن يرث بالنسب, وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم أنتم يا معشر خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل, وأنا والله عاقله, فمن قتله بعده قتيلًا .. فأهله بين خيرتين .. إن أحبوا .. قتلوا, وإن أحبوا أخذوا الدية) رواه أبو داوود [1406] والدارقطني [3/ 96] عن أبي شريح الخزاعي. وفي (الصحيحين) [خ 2434_ م 1355]: (من قتل له قتيل .. فهو بخير النظرين). فخير الورثة بين الدية والقتل, والدية تثبت للجميع بالاتفاق .. فكذلك القصاص. وفي (سنن أبي داوود) [2919]: (أن عمر كان يقول: لا ترث المرأة من دية زوجها حتى قال له الضحاك بن سفيان: كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أورث زوج أشيم الضبابي من دية زوجها). ووقع في (المهذب) هنا: أن القائل لعمر الضحاك بن قيس, وهو وهم, ثم ذكره في (الأقضية) على الصواب. ويقابل الأصح وجهان: أحدهما: ستحقه العصبة الذكور خاصة؛ لأنه لدفع العار فاختص بهم كولاية النكاح, وبه قال مالك.

وَيُنتَظَرُ غَائِبُهُم وَكَمَالُ صَبِيِّهِم ومَجنُونِهِم, ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يستحقه من يرث بنسب دون سبب, فلا يثبت للزوج والمعتق؛ لأن النكاح والملك يزولان بالموت فيقدم المعنى الذي لأجله شرع القصاص. هذا إذا كان له وارث خاص, فإن لم يكن .. فهل للسلطان أن يقتص من قاتله أو يتعين أخذ الدية؟ فيه قولان: أصحهما: أن له أن يقتص من القاتل وله أن يعفو عن الدية على ما يراه مصلحة؛ لما روى البيهقي [8/ 61]: (أن أبا لؤلؤة لما طعن عمر .. وثب عبيد الله بن عمر على الهرمزان فقتله, فقيل لعمر: إن عبيد الله ابنك قتل الهرمزان, قال: ولم قتله؟ قالوا: قال: إنه قتل أبي, قيل له: وكيف ذلك؟ قال: رأيته قبل ذلك مستخليًا بأبي لؤلؤة, وهو الذي أمره بقتله, قال عمر: ما لأدري ما هذا؟ انظروا إذا أنا مت؛ فاسألوا عبيد الله البينة على الهرمزان: أهو قتلني؟ فإن أقام البينة .. فدمه ب\مي, وإن لم يقم البينة .. فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان. فلما ولي عثمان .. قيل له: ألا تمضي وصية عمر رضي الله عنه في عبيد الله؟ قال: ومن ولي الهرمزان؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين, قال: قد عفوت عن عبيد الله بن عمر). ولو كان الوارث لا يستوعب القصاص كبنت أو جدة أو أخ لأم, فإن قلنا: للسلطان الاستيفاء إذا لم يكن وارث .. استوفاه مع صاحب الفرض, وإلا .. فالرجوع إلى الدية. قال: (وينتظر غائبهم وكمال صبيهم ومجنونهم)؛ لأن اقصاص للتشفي فحقه التفويض إلى خيرة المستحق, ولا يحصل ذلك باستيفاء الولي. وقال أبو حنيفة ومالك: لا ينتظر بلوغ الصبي ولا إفاقة المجنون؛ لأن الحسن بن علي قتل ابن ملجم بأبيه وكان لعلي أولاد صغار, وقيس عليه المجنون. وأجاب أصحابنا بأنه قتله حدًا لكفره لا قصاصًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنه: أنه أشقى الآخرين, ولهذا حكى في (المهذب) في (باب البغاة)

وَيُحبَسُ القَاتِل ـــــــــــــــــــــــــــــ وجهين في أن قال الإمام يقتل قصاصًا أو حدًا حتى يتحتم قتله كقاطع الطريق؛ لأن قتل الإمام من الإفساد في الأرض. وعن أحمد في ذلك روايتان. ولا فرق في ذلك بين قصاص النفس والطرف, وقد سبق من المصنف التنصيص على ذلك. وعند أبي حنيفة: للولي استيفاء القصاص, وللوصي استيفاء قصاص الطرف, وسلم أن القيم لا يستوفي واحدًا منهما, وتقدم في تتمة الباب قبله: أن الصبي أو المجنون إذا قتل الجاني .. لم يصر مستوفيًا بذلك على المذهب. فرعان: أحدهما: إذا كان الصبي أو المجنون فقيرين محتاجين إلى من ينفق عليهما .. كان لوليهما العفو على الدية للضرورة كبيع عقارهما, وكذا في (التنبيه) , وأقره عليه المصنف. وقيل: لا يجوز؛ لأنهما يستحقان النفقة في بيت المال فلا احتياج. وقيل: يجوز في المجنون دون الصبي؛ لأن الصبي غاية تنتظر, بخلاف المجنون, وهذا هو الأصح في (الروضة) في (كتاب اللقيط) , لكنه فرضها في قطع طرفه, فلو كان له قريب تلزمه نفقته .. لم يجز العفو جزمًا. الثاني: لو حكم حاكم للكبير باستيفاء القصاص وهناك صغير .. هل ينقض حكمه؟ فيه وجهان: أصحهما: لا, حكاه والد الروياني عن جده. قال: (ويحبس القاتل) إلى أن يزول المانع؛ حفظًا لحق المستحق, ففي (سنن أبي داوود) [3625]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس قومًا في تهمة دم) , فعند التحقق أولى. وكلام المصنف وغيره يقتضي: أن هذا الحبس واجب, وبه صرح الماوردي والروياني, وكلام (البسيط) يفهم: أنه ليس بواجب.

وَلَا يُخلَّى بِكَفِيلٍ, وَليَتَّفِقُوا عَلَى مُستَوفٍ, وَإلَّا .. فَقُرعًةٌ يَدخُلُهَا العَاجِزُ وَيَستَنِيبُ, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن الشيخ أبي علي: أن القاتل لا يحبس؛ لأنه عقوبة زائدة, وحمل الحبس في كلام الشافعي على التوقف للانتظار, والصحيح الذي عليه الجمهور: الأول؛ لأن حبسه أهون عليه من تعجيل القتل, ولا طريق إلى حفظ الحق سواه. قال (ولا يخلى بكفيل)؛ لأنه قد يهرب فيفوت الحق, ولذلك يحبس إلى أن يقدم الغائب, كما لو وجد الحاكم مال ميت مغصوبًا والوارث غائب .. فإنه يأخذه؛ حفظًا لحق الميت. وذكر ابن الصباغ: أنه لا يحبس في قصاص الطرف إلى قدوم الغائب؛ لأن الحاكم لا ولاية له على الغائب المكلف, كما لا يأخذ ماله المغصوب. وفي كلام الإمام وغيره ما ينازع فيه, ويشعر بأنه يأخذ مال الغائب ويحفظه, وأنه يحبس في قصاص الطرف. قال: (وليتفقوا على مستوف)؛ يعني: إذا كان القصاص لجماعة حضور كاملين .. لم يكن لهم أن يجمعوا على مباشرة قتله؛ لأن فيه تعذيبًا, ولكن يتفقون على واحد يستوفيه, أو يوكلون أجنبيًا. قال: (وإلا .. فقرعة) إذا لم يحصل اتفاق, بل قال كل واحد: أنا أستوفيه, فيقطع تنازعهم بها, وهذا الإقراع واجب كما صرح به الروياني, فمن خرجت له القرعة تولاه, ولكن بإذن الباقين, فإن منعه غيره .. امتنع؛ لأن حقه ن الاستيفاء لا يسقط بخروجها لغيره, بدليل صحة إبرائه منه, والعفو على مال بخلاف تنازع الأولياء في الترويج إذا خرجت قرعة واحد؛ فإنه يزوج ولا يحتاج إلى إذن الباقين؛ لأن القصاص مبني على الإسقاط, والنكاح لا يجوز تأخيره. وفي وجه: لا حاجة بعد خروج القرعة إلى إذن الباقين؛ لتظهر فائدة القرعة. قال: (يدخلها العاجز) كالشيخ والمرأة (ويستنيب)؛ لأنه صاحب حق, وهذا صححه البغوي.

وَقِيلَ: لَا يَدخُلُ. وَلَو بَدَرَ أَحَدُهُم فَقَتَلَهُ .. فَالأظهَرُ: لاَ قِصَاصَ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: لا يدخل)؛ لأنه ليس أهلًا للاستيفاء, والقرعة إنما تلأتي بين المستوين في الأهلية, وهذا هو الصحيح في (الشرح) و (الروضة) , وهو المعتمد المنصوص في (الأم) وعليه الأكثرون, بل قال الروياني في (التجربة): إن الأول غلط. وفي (فتاوى القاضي حسين): أن المرأة إذا كانت قوية جلدة .. كان لها أن تستوفي القصاص. قال: (ولو بدر أحدهم فقتله .. فلأظهر: لا قصاص) , قال الرافعي رحمه الله: هذه المسألة توصف بالإشكال والاعتياص, حتى حكي عن الماسرجسي أنه قال: سمعت أبا بكر الصبغي يقول: كررتها على نفسي ألف مرة حتى تحققتها, فأول ما يذكر أن من عليه القصاص إذا قتله أجنبي لزمه القصاص, ويكون ذلك لورثته لا لمن كان يستحق القصاص عليه. قال البغوي: فلو عفا ورثته عن القصاص على الدية .. فالدية للورثة على الصحيح. وقيل: لمن له القصاص, كما إذا قتل المرهون تكون قيمته مرهونة, وهو ضعيف. وأما إذا بادر أحد ابني المقتول الحائزين فقتل الجاني بغير إذن الآخر .. فينظر؛ أوقع ذلك قبل عفو أخيه أم بعده؟ الحالة الأولى: إذا قتله قبل العفو .. ففي وجوب القصاص عليه قولان: أظهرهما: لا يجب؛ لأنه صاحب حق في المستوفى فيدفع استحقاقه العقوبة, كما إذا وطء أحد الشريكين الجارية .. لا يلزمه الحد, لأن من علماء المدينة من جوز لكل واحد من الورثة الانفراد باستيفاء القصاص, حتى لو عفا بعضهم .. كان لمن لم يعف أن يستوفي, وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأحمد, ويروى عن مالك, واختاره المزني, واختلاف العلماء شبهة تدرأ العقوبة. والثاني: يجب القصاص؛ لأن حق القصاص لهما, فإذا قتله أحدهما .. فكأنه

وَلِلباقِينَ قِسطُ الِّديَة ِمِن تَركِهِ, وَفي قَولٍ: مِنَ المٌبَادِرِ, وَإِن بَادَرَ بَعدَ عَفوٍ غَيرِهِ .. لَزِمَمهُ القِصَاصُ, [وَقِيلَ: لاِ إِن لَم يَعلَم وَيحكُمُ قَاضٍ بِهِ] ـــــــــــــــــــــــــــــ استوفى نصف النفس متعديًا, وذلك يوجب القصاص, كما إذا قتل اثنان واحدًا. والقولان فيما إذا قتله عالمًا بالتحريم, فإن جهل .. فلا قصاص بلا خلاف. و [الحالة الثانية]: إن قتله بعد العفو’ فإن علمه وحكم الحاكم بسقوط القصاص عن الجاني .. لزمه القصاص قطعًا, وإن لم يحكم به .. لزمه أيضًا على المذهب, وقبل: لا؛ لشبهة اختلاف العلماء. وإن جهله, فإن قلنا: لا قصاص إذا علمه .. فههنا أولى, وإلا .. فوجهان. ولو قتله العافي, أو عفوا ثم قتله أحدهما .. لزمه القصاص قطعًا. قال: (وللباقين قسط الدية)؛ لفوات القصاص لغير اختيارهم. قال: (من تركته) أي: من تركة الجاني؛ لأن المبادر فيما وراء حقه كالأجنبي, ولو قتله أجنبي .. أخذ الورثة الدية من تركة الجاني, ولوارث الجاني على المبادر قسط ما زاد على قدر حقه من الدية. قال: (وفي قول: من المبادر)؛ لأنه صاحب حق في القصاص, فإذا بادر إلى القتل .. فكأنه استوفى حق الآخر مع حق نفسه, فأشبه ما إذا مات المودع عن ابنين فأخذ أحدهما الوديعة وأتلفها .. فإن الآخر يرجع عليه بضمان نصيبه لا على المودع. وفي قول مخرج: لهم الخيار بين الأخذ من المبادر أو من تركة الجاني ويبرأ؛ لأنه بمنزلة الغاصب والمتلف في يد الغاصب. قال: (وإن بادر بعد عفو غيره .. لزمه القصاص)؛ لارتفاع الشبهة. [قال: (وقيل: لا إن لم يعلم ويحكم قاض به)].

وَلَا يُستَوفَى قِصَاصٌ إلاَّ بِإذنِ الِإمَامِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يستوفى قصاص إلا بإذن الإمام)؛ لاحتياجه إلى نظر واجتهاد, ولأن أمر الدم عظيم سواء حكم للمستحق بالقصاص أم لا. وقال أبو إسحق المروزس ومنصور التميمي: إن المستحق يستقل بالاستيفاء كالأخذ بالشفعة وسائر الحقوق. والصحيح المنصوص: الأول, وسواء فيه قصاص النفس والطرف, وتستثنى من ذلك صور: أحدهما: السيد يستوفي من عبده على الأصح. الثانية: إذا كان المستحق مضطرًا .. قتله قصاصًا وأكله, كما قاله الرافعي في بابه. الثالثة: إذا انفرد بحيث لا يرى .. قال الشيخ عز الدين: ينبغي أن لا يمنع منه, لا سيما إذا عجز عن الإثبات, أو كان في موضع لا إمام فيه. وقد جزم الماوردي بأن من وجب له على شخص تعزير أو حد قذف وكان في بادية بعيدًا عن السلطان .. له اسيفاؤه إذا قدر عليه بنفسه. الرابعة: القاتل في المحاربة لكل من الإمام والولي الانفراد بقتله. والمراد ب (الإمام): السلطان أو نائبه, وكذلك القاضي كما صرح به الماوردي,

فَإِنَ استَقَلَّ .. عُزِّرَ, وَيَأذَنُ لِأهلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مقتضى كلام الرافعي في (باب أدب القضاء)؛ فإنه ذكر أن القاضي يستفيد بولايته إقامة الحدود. فروع: يستحب للإمام أن يحضر الاقتصاص عدلين متيقظين؛ ليشهدا إن أنكر المقتص, ولا يحتاج إلى القضاء بعلمه إن كان الترافع إليه. ويستحب أن يستوفي بحضرة الناس؛ لينتشر الخبر فيحصل به الزجر, وأن يأمر المقتص منه بما تعين عليه من صلاة يومه, وأن يأمره بالوصية فيما له وعليه من حق, وأن يأمره بالتوبة من ذنوبه, وأن يساق إلى موضع القصاص برفق, وأن يستر عورته. ولا يجوز أن يذبح كما تذبح البهيمة إلا إذا فعل بقتيله كذلك, وعلى الإمام أن يتفقد الآلة ويقتص بصارم لا كال, فإن كان الجاني قتل بكال .. اقتص منه بمثله على الأصح. ويضبط الجاني في قصاص الطرف؛ لئلا يضطرب فيؤدي إلى اسيفاء زيادة, وينبغي أن يسرع الضارب بالضرب بقوة؛ ليحصل المقصود بضربة واحدة؛ لما روى مسلم [1955] عن شداد بن أوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قتلتم .. فأحسنوا القتلة). قال: (فإن استقل) أي: باستيفائه) .. عزر)؛ لافتئاته على الإمام, ومع ذلك لا غرم عليه ويقع عن القصاص. ولو استقل المقذوف باستيفاء حد القذف بإذن القاذف أو بغير إذنه .. ففي الاعتداد به وجهان: أصحهما: أنه لا يعتد به؛ لأنه لا يتعلق بموضع معين ولا يهتدي إليه كل أحد. وعلى هذا يرك حتى يبرأ ثم يحد, فإن مات .. وجب القصاص إن كان جلده بغير إذنه, وإن كان بإذنه .. فلا قصاص, والتعزير كحد القذف. قال: (وبإذن لأهل) وهو: الرجل القوي النفس واليد العارف بالمفصل.

فِي نَفسٍ, لاَ طَرَفٍ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (في نفس)؛ يعني: إذا طلب ذلك من الإمام ونحوه؛ لقوله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} , ولأن التشفي يكمل بذلك. فإن لم يكن أهلًا كالشيخ والزمن .. لم يجبه؛ لما فيه من التعذيب ويأمره بالاستنابة. وخرج بقوله: (نفس) حد القذف؛ فلا يجوز للإمام أن يأذن فيه؛ لأن نفاوت الضربات عظيم وهو حريص على المبالغة فيه. قال: (لا طرف في الأصح)؛ لأنه لا يؤمن منه الحيف, وهذا هو المنصوص في (الأم). والثاني: يفوضه إليه؛ لعموم الآية. وادعى القاضي حسين: أنه المنصوص, فإن صح .. كانت المسألة على قةلين. وظاهر إطلاق المصنف: أنه لا فرق في ذلك بين المجني عليه وبين وارثه إذا مات قبل الاستيفاء, وهو كذلك؛ لأن الحيف متوقع من الوارث أيضًا, وكلام (الشرح) و (الروضة) مقيد بالصورة الأولى. ويستثنى من الاسيفاء بنفسه صورة أخرى, وهي: ما إذا قتل ذميًا ثم أسلم القاتل .. فالقصاص باق, وإنما يستوفيه الإمام بطلب الوارث ولا يفوضه إليه وإن كان أهلًا؛ لما فيه من تسليط الكافر على المسلم, وقد تقدم من المصنف التبيه عليه في (فصل تخلل المهدر). تنبيه: سكت المصنف عن المنافع, وحكمها حكم الطرف, فإذا قلع عينه .. لم يمكن من الاستيفاء بالقلع, بل يؤمر بالتوكيل فيه كما ذكره في (التنبيه) , وأقره عليه المصنف, لكن محله إذا قلعت عيناه, فإن وجب القصاص في واحدة وكان يبصر بالأخرى بحث لا يحصل منه حيف إذا قلع .. فإنه يمكن من الاستيفاء, كذا نقله ابن الرفعة عن تصريح الماوردي والقاضي أبي الطيب وابن الصباغ.

فَإِن أَذِنَ فِي ضَربِ رَقَبةٍ فَأَصَابَ غَيرَهَا عَمدًا .. عُزِّرَ وَلَم يَعزِلهُ, وَإن قَالَ: أخطَأتُ وَأمكَنَ .. عَزلُهُ ولَم يُعَزَّر. وَأُجرَةُ الجَلاَّدِ عَلَى الجَانِي عَلَى الصَّحِيحِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أذن في ضرب رقبة فأصاب غيرها عمدًا .. عزر)؛ لتعديه ومخالفته. قال: (ولم يعزله)؛ لأنه أهل له وإن تعدى بما فعل. وفي وجه أو قول ضعيف: يعزله. قال: (وإن قال: أخطأت وامكن .. عزله ولم يعزر) إذا ادعى الخطأ فيما يمكن أن يقع في مثله الخطأ, كما إن ضربه على الكتف أو الرأس مما يلي الرقبة فيحلف, ولا يعزر إذا حلف, لكن يعزل؛ لأن الحال يشعر بعجزه وخرقه. وفي وجه أو قول: أنه يعزر بالخطأ ولا يعزل. قال الإمام: وهذا الوجه ينبغي أن يكون مخصوصًا بما إذا لم يتكرر الخطأ ولم يظهر خرقه, فإن ظهر .. فليمنع بلا خلاف. قال: وعزله على الصحيح ينبغي أن يكون مخصوصًا بما إذا لم تعرف مهارته في ضرب الرقاب, فأما الماهر .. فينبغي أن لا يعزل بخطأ اتفق بلا خلاف. واحترز بقوله: (وأمكن) عما إذا ادعى الخطأ فيما لا يقع الخطأ بمثله, كما إذا ضربه على رجليه أو وسطه؛ فإنه يعزر. فرع: يمنع من استيفاء القصاص بالسيف المسموم على الأصح, وأما قصاص الطرف .. فيمتنع بالمسموم بلا خلاف, فلو اقتص به فمات .. فلا قصاص على الأصح؛ لأنه قتل بمستحق وغيره, ويجب نصف الدية, ولأشبه: أنها عليه, وقيل: على عاقلته. فلو كان السم موحيًا .. وجب عليه القصاص قطعًا؛ لأنه مات به دون الجراحة. قال: (وأجرة الجلاد على الجاني على الصحيح)؛ لأنها مؤنة حق لزمه أداؤه, فكان كأجرة الكيال على البائع وأجرة وزان الثمن على المشتري.

وَيَقتَصُّ عَلَى الفَورِ, وَفِي الحَرَمِ وَالحَرِّ وَالبَردِ وَالمَرَضِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني – وبه قال أبو حنيفة, ويروى عن مالك-: أنها على المستوفي, كما أن أجرة نقل الطعام المشترى على المشتري, والصحيح المنصوص: الأول. وفي أجرة الجلاد في الحدود والقاطع في السرقة وجهان: أصحهما: على المجلود والسارق؛ لأنها تتمة الحد الواجب عليه. والثاني: في بيت المال. وأجرة الجلاد في القذف كأجرة الاقتصاص. كل هذا إذا لم يكن منصوب مرزق من بيت المال يعطى رزقه, فإن كان .. فلا أجرة له؛ لأنه عمل واجب عليه, إذ الإمام مأمور أن ينصب من يقيم الحدود, ويستوفي القصاص بإذن المستحقين له, ويرزقه من خمس خمس الفئ والغنيمة المرصد للمصالح, فإن لك يكن عنده شيء أو كان واحتاج إليه لأهم منه .. فأجرة الاقتصاص على المقتص منه. ولو الجاني قال: أنا أقتص من نفسي ولا أؤدي الأجرة .. فوجهان: أصحهما: لا يقبل منه؛ لفقد التشفي. والثاني: يقبل؛ كما لو قطع السارق يد نفسه. والفرق: أن الغرض التنكيل وقد حصل؛ بخلاف القصاص, كذا قاله الرافعي. والصحيح أن السارق لا يمكن من قطع يد نفسه. قال: (ويقتص على الفور)؛ لأن القصاص موجب الإتلاف فيتعجل كقيم المتلفات. والمراد: أن له ذلك إن شاء وله التأخير, وشمل كلامه النفس والطرف, وهو في النفس بلا خلاف, وفي الطرف على المذهب المنصوص كما قاله في (الروضة) قبل (باب اختلاف الجاني ومستحق الدم) , لكن يستثنى من إطلاقه الحامل كما سيأتي. قال: (وفي الحرم والحر والبرد والمرض) , سواء كان الواجب قصاص النفس أو الطرف؛ لأنه قتل لو وقع في الحرم .. لم يوجب ضمانًا فلا يمنع منه, كقتل الحية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعقرب, وسواء الملتجئ إلى الحرم فرًارا من القتل وغيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح .. قيل له: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة؟ قال: (اقتلوه). ولأن القصاص على الفور فلا يؤخر, وبهذا قال مالك. وعن أبي حنيفة: لا يستوفى قصاص النفي في الحرم إلا أن ينشأ القتل فيه, ولكن يضيق عليه, فلا يكلم ولا يعامل حتى يخرج فيقتل, وسلم أنه يستوفى قصاص الطرف مطلقًا في الحرم. وعن أحمد: لا يستوفى من الملتجئ واحد من القصاصين. واحتج الأصحاب على أبي حنيفة بما سلمه في الطرف, وبقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الحرم لا يعيذ فارًا بدم) وهو حديث متفق عليه. ولو لاذ بالمسجد الحرام أو غيره من المساجد .. لم يقتل فيه على الأصح, بل يخرج ويقتل؛ لأنه تأخير يسير. والثاني: تبسط الأنطاع ويقتل في المسجد؛ تعجيلًا لتوفية الحق. ولو التجأ إلى الكعبة أو بيت إنسان .. أخرج قطعًا, كذا في (الروضة) , واعترضته في (المهمات) بحكاية المتولي فيه الخلاف. قال: والتأخير بالمرض في حدود الله تعالى محله إذا كان المرض غير مخوف, فإن لم يرج زواله .. لم يؤخر كما صرح به الرافعيفي (باب حد الزنا) , وكلامه هنا لا يأباه.

وَتُحبَسُ الحَامِلُ فِي قِصَاصِ النَّفسِ أَوِ الطَّرفِ حَتَّى تُرضِعَهُ اللِّبَأَ وَيَستَغنِيَ بِغَيرِهَا, أَو فِطَامٍ لِحَولَينِ, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتحبس الحامل في قصاص أو الطرف حتى ترضعه اللبأ ويستغني بغيرها, أو فطام لحولين). قال القاضي أبو الطيب: أجمعوا على أن الحامل لا يقام عليها قصاص النفس ولا قصاص الطرف ولا حد القذف ولا حدود الله تعالى قبل الوضع؛ لما في إقامها من هلاك الجنين أو الخوف عليه, وهو بريء لا يهلك بجريمة غيره. ولا فرق بين أن يكون الولد من حلال أو حرام, ولا بين أن يحدث لعد وجوب العقوبة أو قبله, حتى إن المرتدة إذا حبلت من الزنا لعد الردة .. لا تقتل حتى تضع, وإذا وضعت .. لا تستوفي العقوبة أيضًا حتى ترضع الولد اللبأ. واسدل لعدم قتل الحامل بقوله تعالى: {فَلا يُسْرِف فِّي القَتْلِ} , وفي قتل الحامل إسراف؛ لأنه قتل نفسين بنفس. وفي (صحيح مسلم) [1695]: (تأخير الغامدية الحامل من الزنا). وأما في الطرف .. فلأن فيه إجهاض الجنين وهو متلف له. وروى البيهقي: (أن عمر أمر برجم حامل من الزنا, فقال له علي: لا سبيل لك على ما في بطنها, فقال عمر: لولا علي لهلك عمر). وقيل: القائل ذلك لعمر معاذ بن جبل. فتحبس الحامل في القصاص إلى أن يمكن الاستيفاء كما قدم فيما إذا كان في المستحقين صبي. ولو كان عليها رجم أو غيره من حدود الله تعالى .. لم تحبس على الصحيح؛ لأنه مبني على التخفيف. وقيل: تحبس كالقصاص.

وَالصَّحِيحُ: تَصدِيقُهَا فِي حَملِهَا بِغَيرِ مَخِيلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وإطلاق هذا الوجه بعيد, والأقرب: أنه مخصوص بما إذا ثبت بالبينة, فإن ثبت بالإقرار .. فلا معنى للحبس مع أنه يعرض السقوط بالرجوع عن الإقرار. وأما التأخير لإرضاع الولد اللبأ .. فإن الولد لا يعيش إلا به غالبًا, وقد تقدم ما فيه. قال ابن الرفعة: ولا بد بعد الولادة من انقضاء النفاس أيضًا. ثم إن كان هناك غيرها يرضع .. فلا كلام, وإن لم يكن إلا هي .. فعن ابن خيران: أنها تقتل ولا يبالى بالطفل, كما لو كان للقاتل عيال يضيعون ظاهرًا بموته. والصحيح: أنها تؤخر إلى أن يوجد من يرضعه أو ما يعيش به ولو بهيمة, لكن الأولى للولي أن يؤخر الاستيفاء؛ لأن الولد يتضرر باختلاف اللبن عليه وبسرب لبن البهائم, ويخالف الرجم؛ فإنه يؤخر إلى أن يوجد من يكفل ولدها؛ لأن الرجم محض حق الله تعالى وليس في تأخيره ضرر, وهنا بخلاف ذلك. فإن بادر المستحق في هذه الحالة وقتلها فما الطفل .. فالصحيح المنصوص: أنه قاتل له عمدًا يلزمه القود, كما إذا حبس رجلًا ومنعه الطعام والشراب والطلب حتى مات. وقيل: لا يضمنه, كما لو غصب طعامه في البادية حتى مات. وإذا قتل المستحق الحامل .. فغرة الجنين على عاقلته؛ إذ لا نتيقن حياته, فهو شبه عمد, ولا عهدة على الجلاد عند جهله بكل اعتبار. قال: (والصحيح تصديقها في حملها بغير مخيلة)؛ لقوله تعالى: {ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} أي: من حمل أو حيض, ومن حرم عليه كتمان شيء .. وجب قبول قوله إذا أظهره كالشهادة. والثاني: لا تصدق؛ لأن الأصل عدم الحمل, إلا أن تقيم بينة, وللولي قتلها قبل إقامتها, وبهذا قال الإصطخري.

وَمَن قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ أَو خَنِقٍ أَو تَجوِيعٍ وَنَحوِهِ .. اقتُصَّ بِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ولا أدري أيقول هؤلاء بالصبر إلى انقضاء مدة الحمل أم إلى ظهور المخايل؟ والأظهر: الثاني, فإن التأخير إلى أربع سنين من غير دليل بعيد. وأراد المصنف ب (المخيلة): شهادة النسوة أو إقرقر المستحق كما صرح به الرافعي, والمراد: تصديقها في الحمل مع اليمين كما صرح به الماوردي وغيره. فائدة: على المرأة الإخبار بالحمل, فإن سكتت عنه فمات .. وجب الضمان على عاقلتها, وينبغي أن يمنع وزجها من الوطء؛ لئلا يقع حمل يمنع استيفاء ولي الدم, ولم أره منقولًا. قال الرافعي: وليس المراد مما أطلقه الأصحاب من العلم بالحمل وعدم الحمل: حقيقة العلم, وإنما المراد: الظن المؤكد بظهور مخايله. وأحسن من هذه العبارة عبارة الشيخ أبي حامد؛ فإنه عبر بالحكم فقال: هذا إذا حكم بأنها حامل. قال: (ومن قتل بمحدد أو خنق) وحرق وتغريق (أو تجويع ونحوه .. اقتص به) أي: بمثله؛ فإن المماثلة معتبرة في الاستيفاء, قال تعالى: {وإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} , {وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}. وفي (الصحيحين): (أن النبي صلى الله عليه وسلم رض رأس اليهودي بحجرين, كما فعل بالجارية). رورى البيهقي [8/ 43]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حرق .. حرقناه, ومن غرق .. غرقناه). ولأن المقصود من القصاص التشفي, وإنما يحصل إذا قتل القاتل بمثل ما قل, وبمثل قولنا قال مالك. وخالف أبو حنيفة فيه وقال: يتعين القتل بالسيف.

أَو بِسِحرٍ .. فَبِسَيفٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم كما ترعى المماثلة في طريق القتل ترعى في الكيفية والمقدار؛ ففي التجويع: يحبس مثل تلك المدة ويمنع الطعام. وفي الإلقاء في الماء والنار: يلقى في ماء ونار مثلهما ويترك تلك المدة. وفي الإلقاء من شاهق: يلقى من مثله مع مراعاة صلابة الموضع. وفي الضرب بالمثقل: يراعى الحجم وعدد الضربات. وإذا تعذر الوقوف على قدر الحجم أو قدر النار أو عدد الضربات .. فالأصح عند المصنف: أنه يؤخ1 باليقين, وعن القفال: يقتل بالسيف, واعترضه في (المهمات). وقوله: (اقتص به) لا يقتضى تعيينه, بل المراد: أن له ذلك؛ لأنه لو أراد العدول إلى السيف .. جاز جزمًا؛ فإنه أسهل, وقد صرح به المصنف بعد هذا. وقوله: (خنق) الأفصح فيه فتح الخاء وكسر النون ككذب مصدر خنقه يخنقه يضم النون خنقًا, كذا قيده الجوهري, وجوز خاله الفارابي إسكان النون, وتبعه المصنف في (تحريره). قال: (أو بسحر .. فسيف) , هذه الصورة والصورتان بعدها مستثنيات من القاعدة المتقدمة, فهذه لا خلاف فيها, لأن عمل السحر حرام ولا ينضبط وتختلف تأثيراته. وقد روى الترمذي [1460] وصحح الحاكم [4/ 360] عن جندب بن كعب العبدي – ويقال: الأزدي, وقيل: جندب بن زهير -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير إذ هوَّم فجعل يقول: (زيد ما زيد؟ جندب ما جندب؟) يكرر ذلك, فسئل عنه, فقال: (رجلان من أمتي؛ أما أحدهما .. فتسبقه يده إلى الجنة ثم يتبعها سائر جسده, وأما الآخر .. فيضرب ضربة يفرق بها بين الحق والباطل).

وكذا خَمرٌ وَلِوَاطٌ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ فأصيبت يد زيد بن صوحان يوم جلولاء, ثم قتل يوم الجمل مع علي رضي الله عنهما. وأما جندب بن كعب .. فإنه رأى ساحرًا يقال له: أبو بستان بالكوفة كان يلعب بين يدي الوليد بن عقبة, ويريهم: أنه يدخل من دير الحمار ويخرج من فيه, ويدخل من فيه ويخرج من دبره, وأنه يقطع رأس نفسه ثم يعيدها, فلما رآه جندب على تلك الحالة .. ضربه بسيفه فقتله, فحبس الوليد جندبًا, فبلغ عثمان, فكتب إليه: أن خل سبيله وسبيل أصحلبه. و (السحر) في اللغة: صرف الشيء عن وجهه, يقال: ما سحرك عن كذا, أي: ما صرفك عنه. قال: (وكذا خمر ولواط في الأصح)؛ لأن المماثلة ممتنعة للفاحشة, وأمر بإحسان القتلة. والثاني: لأنه في الأولى: يوجر مائعًا كخل أو ماء أو شيء مر, وقيل: يسقى البوب, وفي الثانية: يعمل له مثل الذكر من الخشب, فيقتل به؛ لقرله من فعله, وتكون الخشبة قريبة من آلته كما صرح به الرافعي. وظاهر كلام الجمهور: أنه لا يتقدر بذلك, بل تعمل خشبة يقتل مثلها القاتل. قال الإمام: هذا إذا توقع موته بالخشبة, وإلا .. فالسيف. واقتصاره على استثناء هذه الصورة أورد عليه: ما لو سقاه بولًا؛ فإنه كالخمر على الأصح, وما لو أوجره ماءً نجسًا؛ فإنه يوجر الماء الطاهر. وبقيت صور مفزعة على الأصل: منها: إذا شهدوا بالزنا فرجم ثم رجعوا .. فعليهم القصاص, والأصح: بالسيف, وقيل: بالرجم.

وَلَو جُوِّعَ كَتَجوِيعِهِ فَلَم يَمُت زِيدَ, وَفِي قَولٍ: السَّيفُ, وَمَن عَدَلَ إلَى سَيفٍ .. فَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: لو قتله بسيف مسموم .. ففي قتله بمثله وجهان: الأصح: نعم كما تقدم. ومنها: الذبح كالبهائم إذا كان الجاني قد فعل ذلك, وفيه وجهان كما تقدم, وقال في (المطلب): يتعين السيف, وهو كذلك في (الحاوي). ومنها: لو أنهشه حية .. هل يقتاد بمثلها؟ وجهان. وإن قتله بالغرق في ماء مالح .. جاز تغريقه في وفي العذب؛ لأنه أسهل, ولو غرقه في العذب .. لم يجز في الملح؛ لأنه أشق. قال: (ولو جوع كتجويعه فلم يمت .. زيد)؛ ليكون الجزاء من جنس العمل, ولا بالى بزيادة الإيلام, كما لو ضرب رقبة إنسان ضربة واحدة ولم تزل رقبته إلا بضربتين .. فإنه يضرب ضربتين. قال: (وفي قول: السيف)؛ لأن المماثلة قد حصلت, ولم يبق إلا تفويت الروح فيجب تفويتها بالأسهل, ولم يرجح الرافعي شيئًا من القولين في (شرحيه) , إنما مسب ترجيح الأول للبغوي, والبغوي أرسل الخلاف, وصحح المصنف في (تصحيحه) ما صححه هنا, وعبارة (المحرر) رجح الأول بصيغة البناء للمفعول, والصواب: العدول إلى السيف؛ فإنه منصوص (الأم) و (البويطي). وقال القاضي حسين: لم يختلف مذهب الشافعي فيه, وجرى عليه الجمهور؛ لظاهر قوله: (فأحسنوا القتلة). قال: (ومن عدل إلى السيف .. فله) , وسواء رضي الجاني أم لا؛ لأنه أسهل, قال البغوي: وهو أولى, وأشار لإمام إلى وجه: أنه لا يعدل إلى السيف عن الخنق, ثم إن المماثلة مرعية في قصاص الطرف كما هي مرعية في قصاص النفس إذا أمكن رعايتها. فلو أبان طرفًا من أطرافه بمثقل أو رضخ رأسه بحجر .. لم يستوف القصاص إلا بالسيف, ولو أوضح رأسه بالسيف .. لم يوضح إلا بحديدة خفيفة.

وَلَو قَطَعَ فَسَرَى .. فَلِلوَلِيِّ حَزُّ رَقَبَتِهِ, وَلَهُ القَطعُ ثُمَّ الحَزُّ, وَإن شَاءَ .. انتُظِرَ السِّرَايَةَ. وَلَو مَاتَ بِجَائِفَةٍ أَو كَسرِ عَضُدٍ .. فَالحَزُّ. وَفِي قَولٍ: كَفِعلِهِ, فَإن لَم يَمُت .. لَم تُزَدِ الجَوَائِفُ فِي الأَظهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قطع فسرى .. فللولي حز رقبته)؛ لأنه أسهل على الجاني من القطع ثم الحز, وأشار المصنف إلى أن هذا الحكم محله فيما إذا كانت الجراحة السراية مما يشرع فيه القصاص كقطع الكف والموضحة. قال: (وله القطع ثم الحز)؛ طلبًا للمماثلة. وعند أبي حنيفة: يقتصر على الحز الرقبة. قال: (وإن شاء .. انتظر السراية) أي: بعد القطع, وليس للجاني أن يقول: أمهلوني مدة بقاء المجني عليه بعد جنايتي؛ لثبوت حق القصاص ناجزًا, ولا أن يقول: أريحوني بالقتل أو العفو, بل الخيرة للمستحق. قال: (ولو مات بجائفة أو كسر عضد .. فالحز)؛ لأن المماثلة لا تتحقق في هذه الحالة؛ بدلسل عدم إيجاب القصاص في ذلك عند الاندمال, فيتعين للمماثلة في فعله. قال الرافعي: وهذا عليه الأكثرون, ولم ينقل تصحيح الأول إلا البغوي, ووقع في (المحرر) نسبة الأول إلى الأكثرين, فتبعه المصنف, وكأنه سبق فلم, وصحح في (تصحيح البيه) الثاني. وقال في (أصل الروضة): إنه الأظهر عند الأكثرين. قال: (فإن لم يمت .. لم تزد الجوائف في الأظهر)؛ لاختلاف تأثيرها باختلاف محالها, فهي كقطع الأطراف المختلفة. والثاني: نعم؛ ليكون إزهاق الروح قصاصًا بطريق إزهاقه عدوانًا, وهو مخرج من التجويع والإلقاء في النار ونحوهما, والمصنف تبع (المحرر) في كونهما قولين, وهما في (الشرح) و (الروضة) وجهان.

وَلَوِ اقتَصَّ مَقطُوعٌ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً .. فَلِوَليِّهِ حَزٌ وَلَهُ عَفوٌ بِنِصفِ دِيَةٍ, وَلَو قُطِعَت يَدَاهُ فَاقتَصَّ ثٌمَّ مَاتَ .. فَلِوَلِيِّهِ الحَزُّ, فَإِن عَفَا .. فَلا شَيءَ. وَلَو مَاتَ جَانٍ مِن قَطعِ قِصَاصٍ .. فَهَدَرٌ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو اقتص مقطوع) أي: من قاطعه (ثم مات سراية .. فلوليه حز, وله عفو بنصف دية) , فالحز في مقابلة نفس موروثه, والعفو بنصف الدية واليد المستوفاة مقابلة بالنصف, وهذا عند استواء الديتين. فإن قطعت امرأة يد رجل فاقتص منها الرجل فعفا وليه على مال .. فوجهان: أحدهما: له نصف الدية, وهو ظاهر إطلاق الكتاب و (الروضة) هنا. وأصحهما: ثلاثة أرباعها؛ لأنه استحق دية رجل سقط منها ما استوفاه, وهو يد امرأة بربع دية رجل, كذا صححه في (الروضة) و (الشرح) في آخر (باب العفو عن القصاص) , وهو تقييد لما أطلقاه هنا. ومثله لو قطع ذمي يد مسلم فاقتص منه ثم مات المسلم .. فعلى الأصح: يستحق خمسة أسداس دية مسلم, وعلى الثاني: نصفها. فإن مات الجاني حتف أنفه أو قتل ظلمًا أو في قصاص .. وجب أخذ نصف الدية من تركته. قال: (ولو قطعت يداه فاقتص ثم مات) أي: المجني عليه بالسراية) .. فلوليه الحز, فإن عفا .. فلا شيء)؛ لأنه استوفى ما يقابل الدية وهو الدان. قال الرافعي: وهذه صورة يجب فيها القصاص ولا تستحق الدية بالعفو عليها, ومثلها: إذا عفا عن الدية وفرعنا على أن موجب العمد أحد الأمرين فإنه يجوز أن يقتص, وإذا أراد أن يعفو عنه إلى الدية .. لم يكن له ذلك على الأصح. قال: (ولو مات حان من قطع قصاص .. فهدر)؛ لقوله تعاالى: {ولَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ}. وبهذا قال مالك وأحمد؛ لأن القطع قصاصًا قطع بحق فلا تكون سرايته مضمونة كقطع السرقة.

وَإِن مَاتَا ِسِرَايَةً مَعًا أو سَبَقَ المَجنِيُّ عَلَيهِ .. فَقَدِ اقتَصَّ, وَإِن تَأخَرَ .. فَلَهُ نِصفُ الدِّيَةِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى البيهقي [8/ 68] عن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا: (من مات من حد أو قصاص .. فلا دية له والحق قتله). وقال أبو حنيفة: يلزمه كمال الدية. وعن ابن سيرين: نصفها, قال في (البحر): وهو أقيس من قول أبي حنيفة. قال: (وإن ماتا سراية معًا أو سبق المجني عليه .. فقد اقتص) أي: حصل قصاص اليد باليد والسراية بالسراية, ولا شيء على الجاني. وقيل في الثانية: لولي المجني عليه مضمونة, قال الرافعي: هذا هو المشهور, وحكاه ابن كج عن عامة الأصحاب, وحكي الأول عن أبي علي الطبري. ومثل هذه الصورة: ما إذا اقتص في الطرف فعاد الجاني فقتل المجني عليه, ثم سرى قطع القصاص إلى نفس الجاني. قال: (وإن تأخر) أي: موت لمجني عليه عن موت الجاني بالسراية) .. فله) أي: فلولي المجني عليه (نصف الدية في الأصح) , وتكون في تركة الجاني, لأن القصاص لا يسبق الجناية, فإن ذلك يكون في معنى السلم في القصاص, وهو لا يتصور. والثاني: لا شيء له ويحصل القصاص بما جرى؛ لأن الجاني مات بسراية فعل المجني عليه فحصلت المقابلة, وادعى الروياني: أن هذا هو الصحيح. وهذا الخلاف محله في قطع يد مثلًا, فإن كانت الصورة في قطع يدين .. فلا شيء جزمًا, وإن كانت في موضحة .. فتسعة أعشار دية ونصف عشرها؛ فإنه أخذ بقصاص الكوضحة نصف العشر.

وَلَو قَالَ مُستَحِقُّ يَميِنٍ: أَخرِجهَا, فَأخرَجَ يَسَارًا وَقَصَدَ إِبَاحَتِهَا .. فَمُهدَرَةٌ, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال مستحق يمين: أخرجها, فأخرج يسارًا وقصد إباحتها .. فمهدرة) لا قصاص فيها ولا دية. قال الرافعي: هذه مسألة كثيرة الشعب وحق مثلها التثبت وإحضار الذهن, ويقدم عليها: أن اليمين لا تقطع باليسار ولا بالعكس كما تقدم, فإذا وجب القصاص في اليمين واتفقا على قطع اليسار بدلًا عن اليمين .. لم يكن بدلًا, كما لو قتل غير القاتل برضاه بدلًا لا يقع بدلًا, ولكن لا قصاص في اليسار؛ لشبهة البدل, وتجب ديتها, ومن علم منهما فساد هذه المصالحة .. أتم بقطع اليسار, وهل يسقط قصاص اليمين بما جرى؟ وجهان: أصحهما نعم. ولو قال مستحق قصاص اليمين للجاني: أخرج يمينك, فأخرج يساره فقطعها المستحق .. فللمخرج أحوال: أحدها: أن يعلم أن اليسار لا تجزئ عن اليمين, وأنه يقصد بإخراجها الإباحة للمقتص, فلا قصاص في اليسار ولا دية, نص عليه الشافعي رضي الله عنه, واتفق عليه الأصحاب؛ لأن صاحبها بذلها مجانًا وإن لم يتلفظ بإباحة, كما لو قال: ناولني متاعك لألقيه في البحر, فناوله .. كان كما لو نطق بالإذن, فلا يجب ضمانه إذا ألقاه في البحر. وحكى ابن القطان وجهًا: أنه يجب ضمان اليسار إذا لم يتلفظ المخرج بالإذن في القطع, وحمل نص الشافعي على ما إذا أذن لفظًا. والصحيح: الأول, وبه قطع الأصحاب , وسواء علم القاطع أنها اليسار وأنها لا تجزئ أم لا, لكن على الأصح: يعزر العالم. وأما قصاص اليمين .. فيبقى كما كان, لكن إذا سرى قطع اليسار إلى النفس .. فات القصاص, فيعدل إلى دية اليد. فلو قال القاطع: قطعت اليسار على ظن أنها تجزئ عن اليمين .. فوجهان: أصحهما: يسقط؛ لأنه رضي بسقوطه اكتفاء باليسار. فعلى هذا: يعدل إلى دية اليمين؛ لأن اليسار وقعت هدرًا.

وَلَو قَالَ: جَعَلتُهَا عَنِ اليَمِينِ وَظَنَنتُ إِجزَاءَهَا فَكَذَّبَهُ: فَالأَصَحُّ: لاَ قِصَاصَ فِي اليَسَارِ, وَتَجِبُ دِيَّةٌ, وَيَبقَى قِصَاصُ اليَمِينِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: يرد على قوله: (فمهدرة) ما إذا كان المقطوع عبدًا فلا إهدار .. فالجواب: أن كلامه في الحر؛ بدليل قوله بعد: (وتجب الدية). قال: (ولو قال: جعلتها عن اليمين وظننت إجزاءها فكذبه .. فالأصح: لا قصاص في اليسار) , هذه الحالة الثانية, والأصح فيها: لا قصاص؛ لأنا أقمنا ذلك مقام إذنه في القطع, وهو كما لو قال لغيره: اقطع يدي فقطعها .. لا قصاص عليه. والثاني: يجب؛ لعلمه بأنه قطع ما لا يستحقه. وقد وهم المصنف في قوله: (فكذبه)؛ فإن هذا ليس في (المحرر) ولا في (الروضة) , وليس هذا موضع تنازعهما, والذي في (المحرر): ولو قال: قصدت إيقاعها عن اليمين وظننتها تجزئ عنها, وقال القاطع: عرفت أن المخرج اليسار وأنها لا تجزئ .. فلا قصاص في الأصح. أي: عرفت أنا ذلك, بضم تاء المتكلم, فظن المصنف: أنها تاء الخطاب المفتوحة فعبر عنها بالتكذيب, وهو فاسد لأمرين: أحدهما: أن هذا ليس موضع تنازعهما, والذي في (الروضة) وغيرها في هذا القسم كله: ظن القاطع أو علمه, وعبر فيها بالصحيح لا بالأصح كما هنا. والثاني: أنه يقتضي: أنه إذا صدقه .. يجب قطعًا, والذي في (الشرح) و (الروضة) في هذه الحالة: أنه لا قصاص أيضًا على الأصح. قال: (ويبقى قصاص اليمين) أي: على الوجهين؛ لأنه لم يستوفه ولا عفا عنه, لكنه يؤخر حتى تندمل يساره؛ لما في الموالاة من الإتلاف. هذا إذا لم يسر القطع إلى الإتلاف, فإن سرى .. وجب عليه دية النفس, وتدخل فيها دية اليسار, وينتقل حقه من القصاص في النفس إلى نصف الدية, فيتاقاصان في

وَكَذَا لَو قَالَ: دُهِشتُ فَظَنَنتُهَا اليَمِينَ, وَقَالَ القَاطِعُ: ظَنَنتُهَا اليَمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النصف ويغرم له النصف الآخر. قال: (وكذا لو قال: دهشت فظننتها اليمين, وقال القاطع: ظننتها اليمين) , هذه الحالة الثالثة, والحكم فيها كالتي قبلها: لا قصاص في اليسار على الأصح؛ لأن هذا الاشتباه قريب, ويبقى قصاص اليمين. وإذا قال القاطع: علمت أنها اليسار, فإن قال مع ذلك: وعلمت أنها لا تجزئ .. فيلزمه القصاص في الأصح ويبقى قصاص اليمين. وإن قال القاطع: دهشت فلم أدر ما صنعت .. قال الإمام: لم يقبل منه ويلزمه القصاص في اليسار؛ لأن الدهشة السالبة للاختيار لا تليق بحال القاطع. ولو قال المخرج: قصدت بالإخراج إيقاعها عن اليمين, وقال القاطع: أخرجتها بقصد الإباحة .. فالمصدق المخرج؛ فإنه أعرف بقصده. تتمة: جميع ما قرر في القصاص فإن جرى في السرقة, فقال الجلاد للسارق: أخرج يمينك, فأخرج يساره فقطعها .. فالمذهب المنصوص: أنه يكتفي بما جرى للحد ويسقط قطع اليمين. والفرق: أن المقصود بالحد التنكيل وتعطيل الآلة الباطشة وقد حصل, والقصاص مبني على المماثلة. وعن الحارث بن سريج النقال حكاية قول قديم: إن الحكم كما تقدم في القصاص. وحيث أوجبنا دية اليسار في الصور السابقة .. فهي في ماله؛ لأنه قطع متعمدًا, وعن نصه في (الأم): أنها تجب على العاقلة.

فَصلٌ: مُوجَبُ العَمدِ القَوَدُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وحيث قلنا: يبقى القصاص في اليمين .. لا يستوفى حتى يندمل قطع اليسار؛ لما في توالي القطع من خطر الهلاك, نص عليه. ولو قطع طرفي رجل معًا .. فيهما معًا ولا يلزمه التفريق, نص عليه, فقيل: فيهما قولان, والمذهب: تقريرهما. والفرق: أن خطر الموالاة في الصورة الأزلى يحصل من قطع مستحق وغير مستحق. قال: (فصل) عقده لبيان حكم العفو: وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه, وهو مستحب؛ لقوله تعالى: {وأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} , وقوله: {فَمَنْ عَفَا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. وروى البيهقي [8/ 54] وغيره عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رفع إليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو). وأما ما رواه مسلم [1680] عن وائل بن حجر: أن رجلًا أتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اعترف بالقتل, فقال لأخي القتيل: (اعف عنه) فأبى, فقال: (اذهب به) , فلما ولى قال: (إن قتله فهما في النار) .. فهو من مشكلات الأحاديث. وأجيب عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمره بالعفو, وقيل: لأن القاتل قال: ما أردت قتله. قال: (موجب العمد القود) حكم العمد على أن موجب العمد في النفس والطرف ماذا؟ وفيه قولان: أظهرهما عند الأكثرين: أنه القود المحض, وإنما الدية

وَاُلدِّيَةُ بَدَلٌ عِندَ سُقُوطِهِ , وَفِي قَولٍ: أَحَدَهُمَا مُبهَمًا , ... . ـــــــــــــــــــــــــــــ بدل عنة عند سقوطه؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى} ولأنه بدل متلف فيعتبر جنسه كسائر المتلفات. وخالف المصنف هذا في (نكته) فصحح الثاني وفاقًا لابن يونس. و (موجب) بفتح الجيم: الذى يلزم بقتل العمد. و (القوَد) بالفتح: القصاص , تقول: أقدت القاتل بالقتيل , أي: قتلته به. وخرج بذكر العمد: الخطأ؛ فإن موجبه الدية خاصة , وكان ينبغي أن يقول: الدية أو الأرش؛ ليشمل الجراحات. كل هذا إذا كان للقتيل وارث خاص ,فإن لم يكن .. فهل للسلطان أن يقتص أو تتعين الدية؟ قولان تقدما. قال: (والدية بدل عند سقوطه) , يرجع إليهما بالعفو بشرطه أو تعذر الاستيفاء بموت ونحوه. وأطلق المصنف القولين , ولا شك في تقييدهما بما إذا كان العمد يوجب القود, فإن تخلف لمانع كما إذا قتل الوالد ولده والمسلم الذمي .. فهل نقول: الواجب الدية عينًا , عكس القاعدة , أو هو كغيره يجب القود عينًا , ثم يعدل إلى الدية؛ لأن الأبوة وشرف الدين مستقطعان؟ الظاهر: الأول. قال: (وفي قول: أحدهما مبهمًا)؛ لما تقدم عند قول المصنف: (الصحيح: ثبوته لكل وارث): عن أبي شريح الخزاعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل , وأنا والله عاقله , فمن قتل بعده قتيلًا .. فأهله بين خيرين: إن أحبوا .. قتلوا , وإن أحبوا .. أخذوا العقل) , نحوه من رواية أبي هريرة. [خ 2434 - م1335] وفي (الصحيحين) وفي (سنن البيهقي) [8/ 51] عن مجاهد وغيره: كان في شرع موسى عليه الصلاة والسلام تحتم القصاص جزمًا , وفي شرع عيسى عليه الصلاة والسلام أخذ الدية فقط ,

وَعَلَى القَولَينِ لِلوَليِّ عَفوٌ عَنِ الدِّيَةِ بِغَيرِ رِضَا الجَانِي ,وَعَلَى الأَوَّلِ لَو أَطلَقَ العَفوَ .. فَالمَذهَبُ: لاَ دِيَةَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ فخفف الله عن هذه الأمة وخيّرها بين الأمرين؛ لما في الإلزام بأحدهما من المشقة. قال: (وعلى القولين للولي عفو عن الدية بغير رضا الجاني)؛ لحديث أبي شريح , ولأنه محكوم عليه فلا يحتاج إلى رضاه ,كما لا يشترط رضا المحال عليه والمضمون. وقال أبو حنيفة: لا يعدل إلى المال إلا برضا الجاني , وإذا مات الجاني .. سقطت الدية. وحكي عن القديم قول مثله ,وعن مالك روايتان: أشهرهما: مساعدة أبي حنيفة. والثانية: تخيير الولي. وعلم من كلامه: أنه إذا عفا بعض المستحقين .. سقط القصاص وإن لم يرض الاَخرون , واحتج له بما روى البيهقي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما ولا مخالف لهما في ذلك فكان إجماعًا , وبأن القصاص لا يتجزأ , ويغلّب جانب السقوط؛ لحقن الدماء , وكذلك لو عفا عن عضو من أعضاء الجاني .. سقط القصاص كله , كما أن تطليق بعض المرأة تطليق كلها , وكذا لو أقت .. تأبد. قال: (وعلى الأول لو أطلق العفو .. فالمذهب: لا دية) لأن القتل لم يوجبها على هذا القول , والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم. والثاني – واختاره المزني -: تجب لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي: اتباع بالمال , وذلك يشعر بوجوب الدية , والأولون حملوا الاَية على ما إذا عفا على الدية. وموضع الخلاف: إذا أمكن ثبوت المال. فإن لم يمكن كما إذا قتل أحد عبدي الرجل عبده الاَخر .. فإن للسيد أن يقتص وله أن يعفو ولا يثبت له على عبده مال , فإن أعتقه .. لم يسقط القصاص , فلو عفا بعد العتق مطلقًا .. لم يثبت المال بلا خلاف؛ لأن القتل لم يثبته ولا يخرج على الخلاف

وَلَو عَفَا عَنِ اٌلدِيَةِ .. لَغَا, وَلَهُ اٌلعَفوُ بَعدَهُ عَلَيهَا. وَلَو عَفَا عَلَى غَيرِ جِنسٍ اٌلديةِ .. ثَبَتَ إن قَبِلَ الجَانِي, وَإلِا .. فَلاَ , وَلاَ يَسقُطُ القَودِ فِي اٌلأصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا , إن عفا على مال .. ثبت كذا حكاه الشيخان في الفروع المنثورة اَخر الباب وإقراء. ولو أقر السفينة بقصاص وعفا المستحق على مال .. ففي ثبوته وجهان في (باب الحجر): أصحهما: نعم؛ لأنه يتعلق باختيار غيره لا بإقراره. وصورة العفو المطلق: أن يقول: عفوت عن القصاص, ولا يتعرض للدية بنفي ولا إثبات, وكذلك لو قال: عفوت عنك, ولم يتعرض لقود ولا دية. ولو قال: عفوت عما وجب لي عليك بهذه الجناية, أو عن حقي الثابت عليك, وما أشبهه .. فلا مطالبة له بشيءٍ. فلو قال: عفوت عن حقي .. قال الماوردي: يسقط القود؛ لأنه يستحقه, ولا تسقط الدية؛ لأنه يستحقها. وسكت المصنف عن التفريغ على المرجوح؛ لأنه طويل لا عمل عليه. قال: (ولو عفا عن الدية .. لغا) لأنه عفا عما ليس مستحقًا. قال: (وله العفو بعده عليها)؛ لأن حقه لم يتغير بالعفو بالماضي. قال: (ولو عفا على غير جنس الدية .. ثبت) وإن كان أكثر من الدية (إن قبل الجاني, وإلا .. فلا)؛ لأنه اعتياض, فتوقف على الاختيار كغيره. قال: (ولا يسقط القود في الأصح)؛ لأنه رضي به على عوض ولم يحصل له, وليس كالصلح علو عوض فاسد؛ لأن الجاني هناك قبل والتزم.

وَلَيسَ لِمَحجُورِ فَلَسٍ عَفوٌ عَن مَالٍ إِن أَوجَبنَا أَحَدُهُمَا , وَإلاَ: فَإِن عَفَا عَلَى الدِّيَةِ .. ثَبَتَت , وَإن أَطلَقَ .. فَكَما سَبقَ , وَإن عَفَا عَلَى أَنَّ لاَ مَالَ .. فَالَمذهَبُ: أَنَّهُ لاَ يَجِبُ شَيءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يسقط؛ لأنه رضي به حيث أقدم على الصلح وطلب العوض. ولو عفا عن القود على نصف الدية .. قال القاضي حسين: هذه معضله أسهرت الجلة. وقال غيره: هو كعفوه عن القود ونصف الدية , فيسقط القود ونصف الدية. ولو تضرع إليه الجاني وسأله العفو عن القصاص بمال فإخذ المال من غي تصريح بعفو .. فهل يكون ذلك عفوًا عن القصاص؟ فيه وجهان. قال: (وليس لمحجور فلسٍ عفوُ عن مال إن أوجبنا أحدهما)؛ للتفويت على الغرماء , وإذا تعين المال بالعفو عن القصاص .. صرف إلى غرمائه , ولا يكلف تعجيل القصاص أو العفو ليصرف المال إليهم. واحترز ب (محجور الفلس) عن المحجور بسلب العبارة كالصبي والمجنون؛ فإن عفو هما لغو. قال: (وإلا) أي: وإن قلنا: الواجب القود عينًا. قال: (فإن عفا عن الدية .. ثبتت, وإن أطلق .. فكما سبق) فيما إذا عفا مطلقًا فإن قلنا: إنه يوجب الدية ثبتت وإن قلنا لا يوجبهما لم تثبت. قال: (وإن عفا على أن لا مال .. فالمذهب: أنه لا يجب شيء)؛لأن القتل لم يوجب المال , ولو كلفنا المفلس أن يطلق ليثبت المال .. كان ذلك تكليفًا بأن يكتسب وليس عليه الاكتساب. وقيل: يجب؛ لأنه لو أطلق العفو .. لوجب المال, فالنفي كالإسقاط؛ لما له حكم الوجوب, فكان الصواب: التعبير بالأصح؛ لأنها ذات وجهين لا ذات طرق.

واٌلمبَذِّرُ فِي الدِّيَةِ كَمُفلِسٍ, وَقِيلَ: كَصَبيّ. وَلَو تَصَالَحا عَنِ القَودِ عَلى مِئَتَي بَعِير ٍ .. لَغَا إِن أَوجَبنَا أَحَدَهُمَا , وَإلاَّ فَالأصَحٌّ: الصِّحَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ واقتضى كلام المصنف في (باب الفلس): الجزم بالصحة أيضًا؛ فإن قال: (يصح اقتصاصه وإسقاطه) , ومقتضاه: أنه لا فرق في الإسقاط بين أن يكون على مال أو مجانًا. قال: (والمبذر في الدية كالمفلس) , فيصح منه إسقاط القصاص واستيفاؤه؛ لوجود التشفي منه , وفيما يرجع إلى الدية عند الأكثرين كالمفلس , والمراد: المحجور عليه بالتبذير. أما من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه ثانيًا .. فتصرفه نافذ على المذهب كالرشيد. وقوله: (في الدية) احتراز من القود؛ فيصح منه إسقاطه واستيفاؤه قطعًا كالرشيد. قال: (وقيل: كصبي) فلا يصح عفوه عن المال بحال , ويفارق المفلس؛ لأنه إذا صدى للمحجور مال .. لم يجز تركه, كما لو وهب له شيء أو وصي له به فلم يقبل .. فوليه يقبل عليه جبرًا , والغرماء لا يقبلون على المفلس ولا الحاكم؛ لأنه لا يجب له إلا ثبت في ملكه. ويشهد له ما نقله الشيخان في (السير) عن الإمام وأقراه: انه لا يصح إعراض المحجور عليه لسفه عن الغنيمة , بخلاف المفلس. وعفو المريض مرض الموت ومرض الورثة عن القصاص مع نفي المال إذا كان على التركة دين أو وصية كعفو المفلس. وعفو المكاتب عن الدية تبرع , فلا يصح بغير إذن سيده , وبإذنه قولان. قال: (ولو تصاحا عن القود على مئتي بعير .. لغا إن أوجبنا أحدهما)؛ لأنه زيادة على الواجب نازل منزلة الصلح من ألف على ألفين. قال: (وإلا .. فالأصح: الصحة) أي: إذا قلنا الواجب القود المحض .. ففيه وجهان: أصحهما: الصحة؛ لأنه مال يتعلق باختيار المتعاقدين , فأشبه الخلع.

ولَو قَالَ رَشِيدٌ: اٌقطَعِني فَفَعَلَ .. فَهَدَرٌ , فَإِن سَرَى أَو قَالَ: أقتُلنِي .. فَهَدَرٌ, وَفِي قَولٍ: تَجِبُ دِيَةٌ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى الترمذي [1387]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول , فإن شاءوا .. قتلوا , وإن شاءوا .. أخذوا الدية, وما صالحوا عليه فهو لهم). والثاني: المنع؛ لأنه الدية تخلف القصاص عند سقوطه فلا تزاد عليه. قال: (ولو قال رشيد: اقطعني ففعل .. فهدر) أي: لا قصاص ولا دية, كما لو أذن في إتلاف ماله لا يجب ضمانه. وفي تعبيره ب (الرشيد) نظر لأنه قدم: أن المبذر يصح منه إسقاط القصاص واستيفاؤه , ولهذا عبر في (الروضة) و (الشرحين) بالمالك لأمر نفسه, وكذلك عبر الإمام, ومرادهم به: الحر العاقل سواء كان محجورًا عليه أم لا, وحينئذ فتعبير المصنف ب (الرشيد) معترض من وجهين: أحدهما: إخراجه السفيه مع أن الحكم فيه كذلك. والثاني: إدخاله العبد؛ فإنه رشيد ومع هذا إذنه عبر معتبر. وقوله: (فهدر) ليس على عمومه؛ فإن الكفارة تجب لحق الله تعالى على الأصح ولا تؤثر فيها الإباحة. والثاني- ويحكى تخريج ابن سريج -: أنها لا تجب, وحق الله تعالى يتبع في الوجوب والسقوط حق الاَدمي , فإذا صار الشخص مهدرًا .. فلا كفارة بقتله. قال: (فإن سرى, أو قال: اقتلني .. فهدر, وفي قول: تجب دية)؛ هذا الخلاف ينبني على: أن الدية تثبت للميت ابتداء ثم يتلقاها الوارث أو تثبت للوارث ابتداء عقب هلاكه. فإن قلنا بالأول, وهو الأصح .. لم تجب, وإلا .. وجبت.

وَلَو قَطَعَ فَعَفَا عَن قَودِهِ وَأرشِهِ: فَإن لَم يَسِرِ .. فَلاَ شَيءَ, وَإِن سَرَى .. فَلاَ قِصَاصَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام) والقائل بثبوتها للميت لا يمنع الملك له كما لا يمنع بقاء الدين عليه وإن رمت عظامه. ثم إن المصنف أطلق وجوب الدية وظاهره: أنه على هذا القول تجب دية كاملة في الصورتين, وهو كذلك في صورة (اقتلني). وأما في القطع .. فنصفها؛ لأنه الحادث بالسراية. وأما القصاص .. ففيه طريقان: أشهرهما: القطع بنفيه؛ لأن الإذن شبهة دارته. والثاني: طرد الخلاف فيه. ووجه الوجوب بأن القتل لا يباح بالإذن, فأشبه إذن المرأة في الزنا ومطاوعتها؛ فإن ذلك لا يسقط الحد. قال: (ولو قطع) عضو إنسان (فعفا عن قوده وأرشه: فإن لم يسر .. فلا شيء) أي: لا قصاص ولا دية؛ لأن المستحق أسقط ما ثبت له, وبهذا قال أبو حنيفة. وعن المزني: تجب الدية؛ لأن استقرار الجناية باندمالها فلا يعتبر العفو قبل ذلك. أما لو قال: وما يحدث منها .. فلا قصاص ولا دية. وإن اقتصر على قوله: عفوت عن هذه الجناية .. فالنص: أنه عفو عن القصاص. قال: (وإن سرى .. فلا قصاص) أي: في النفس والطرف؛ لأن السراية تولدت من معفو عنه فأورث شبهة. وعن ابن سريج وابن سلمة: يجب قصاص النفس؛ لأنه لم يدخل في العفو. فعلى هذا: إن عفا عن القصاص فله نصف الدية؛ لسقوط نصفها بالعفو عن اليد.

وَأَمَّا أرَش ُالعُضوِ: فَإِن جَرَى لَفظُ وَصِيَّةٍ كَأَوصَيتُ لَهُ بِأَرشِ هَذِهِ الجِنَايَةِ .. فَوَصِيَةٌ لِقَاتِلِ, أَو لَفظٌ إِبرَاءٍ أَو إِسقَاطٍ, أَو عَفوٌ سَقَطَ, وَقِيلَ: وَصِيَّةُّ. وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيهِ إِلَى تَمامِ الدِّيَةِ, وَفِي قَولٍ: إِن تَعَرَّضَ فِي عَفوِهِ لِما يَحدُثُ مِنهَا .. سَقَطَت, ـــــــــــــــــــــــــــــ وما أطلقه من أنه لا يجب شيء عند السراية محله: إذا كان القطع مما يوجب القصاص, فإن كان لا يوجبه كالجافة فعفا المجني عليه عن القصاص فيها ثم سرت الجناية إلى نفسه .. فلوليه أن يقتص في النفس؛ لأنه عفا عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر العفو. وحكى الإمام فيه الاتفاق, ثم يثبت باحتمال فيه لنفسه. قال: (وأما أرش العضو: فإن جرى لفظ وصية كأوصيت له بأرش هذه الجناية .. فوصية لقاتل) , فإن أبطلناها .. لزمه أرش العضو, وإن صححناها, وهو الأصح .. سقط الأرش إن خرج من الثلث, وإلا .. سقط منه قدر الثلث. قال: (أو لفظ إبراء أو إسقاط, أو عفو .. سقط)؛ لأنه إسقاط حق ناجز, والوصية هي التي تتعلق بحال الموت. قال: (وقيل: وصية)؛ لأنه يعتبر من الثلث بالاتفاق فيعود الخلاف في الوصية للقاتل. والطريقة الأولى – وهي القطع بمجيء الخلاف – هي الصحيحة. قال: (وتجب الزيادة عليه) أي: على أرش العضو المعفو عنه (إلى تمام الدية) , هذا إذا اقتصر على العفة عن موجب الجناية ولم يقل: وما يحدث منها؛ لأن الشيء لا يسقط قبل ثبوته. قال: (وفي قول: إن تعرض في عفوه لما يحدث منها .. سقطت)؛ لتصريحه بذلك. والأظهر: لا , فيلزمه الضمان, وهما قولان في الإبراء عما لم يجب وجرى سبب وجوبه.

فَلَو سَرَى إلَى عُضوٍ آخَرَ فَانَدَمَلَ .. ضَمِنَ دِيَّةَ السِّرَايَة ِفِي الأصَحَّ. وَمَن لهٌ قَصَاصُ نَفسٍ بِسَرَايَةِ طَرفٍ لَو عَفَا عَن النَّفسِ .. فَلاَ قَطعَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وما ذكره من التفصيل في الأرش محله إذا كان دون الدية, فأما إذا قطع يديه فعفا عن أرش الجناية وما يحذث منها, فإن لم نصحح الوصية .. وجبت الدية بكمالها, وإن صححناها .. سقطت بكمالها إن وفى بها الثلث, سواء صححنا الإبراء عما لم يجب أو لم نصحح؛ لأن أرش اليدين دية كاملة فلا يزيد بالسراية شيء. قال: (فلو سرى إلى عضو آخر فاندمل .. ضمن دية السراية في الأصح)؛ لأنه عفا عن مودجب الجناية الحاصلة في الحال فيقتصر أثره عليه. والثاني: المنع؛ لأنه إذا سقط الضمان بالعفو .. صارت الجناية غير مضمونة, وإذا لم تضمن .. كانت السراية أيضًا كذلك, كما قال لغيره: اقطع يدي, فقطعها وسرى القطع إلى عضو آخر. هذا إذا اقتصر على العفو عن موجب الجناية, أما إذا قال: وما يحدث منها, فسرى قطع الإصبع إلى قطع الكف, فإن لم نوجب ضمان السراية إذاأطلق .. فهنا أولى, وإن أوجبناه .. فيخرج ههنا على الإبراء عما لم يجب وجرى سبب وجوبه. قال: (ومن له قصاص نفس بسراية طرف لو عفا عن النفس .. فلا قطع)؛ لأن المستحق هو القتل, والقطع طريقه, وقد عفا عن المستحق به. وصورة المسألة: إذا قطع الجاني يد رجل فمات سراية.

أَو الطَّرفِ .. فَلَهُ حَزُّ الرَّقَبَةِ فِي الأصَحِّ. وَلَو قَطَعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنِ النَّفسِ مَجَانًا, فَإن سَرَى القَطعُ .. بَانَ بُطلاَنُ العَفوِ, وَإلَا .. فَيَصِحُّ. وَلَو وَكَّلَ ثُمَ عَفَا فَاقتَصَّ الوَكِيلُ جَاهِلًا .. فَلاَ قِصَاصَ عَلَيهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا قطع يده ثم قتله .. فالقصاص مستحق فيهما بطريق الأصالة. فإن كان مستحق النفس غير مستحق الطرف .. فعفو أحدهما لا يسقط حق الآخر. ومن صوره: أن يقطع عبد يد عبد فيعتق المجني عليه ثم يحز الجاني رقبته أو يموت. قال: (أو الطرف .. فله حز الرقبة في الأصح)؛ لأن كلًا منهما مقصود في نفسه, كما لو تعدد المستحق, وهذا هو الأقوى في (المحرر) و (الشرحين). والثاني: المنع؛ لأنه استحق القتل بالقطع الساري وقد تركه, وصححه الجاجرمي والمتولي. قال: (وإلا .. فيصح) أي: إن لم يسر قطع الولي إلى نفس الجاني .. صح العفو عن النفس, ولا يلزم الولي بقطع اليد شيء. قال: (ولو وكل ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلًا .. فلا قصاص عليه)؛ لعدم تقصيره, وفيه قول مخرج مما إذا قتل من عخده مرتدًا فبان أنه كان قد أسلم؛ فإن الأصح فيه: وجوب القصاص.

وَالأظهَرُ: وُجُوبُ دِيَةٍ, وَأنَّهَا عَلَيهِ لاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق: أنه هناك مقصر والوكيل مستصحب لأصل يجوز البناء عليه فهو معذور. كل هذا تفريغ على جواز التوكيل في استيفاء القصاص, وقد تقدم في (الوكالة): أنه يجوز في حضرة الموكل, وكذا عند غيبته على المذهب. وحد القذف كالقصاص, وسواء جوزناه أم لا إذا استوفاه الوكيل .. صالر حق الموكل مستوفى, كما لو وكله في بيع سلعة توكيلًا فاسدًا فباع الوكيل .. صح البيع. وإذا لم يعلن: أكان العفو قبل القتل أم بعده .. فلا شيء على الوكيل؛ لاحتمال أنه عفا بعد قتله. واحترز بقوله: (جاهلًا) عما إذا كان عالمًا بالعفو؛ فعليه القصاص لا محالة. فإن ادعى الولي علمه بالعفو .. حلف الوكيل, فإن نكل .. حلف الوارث واستحق القصاص. قال: (والأظهر: وجوب دية)؛ لأنه بان أنه قتله بغير حق. وعلى هذا: فهي مغلظة على الصحيح. والثاني: المنع؛ لأن القتل مباح له في الظاهر فلا يناسب تضمينه. أما الكفارة .. فواجبة على القولين, ويجريان فيما لو عزله ثم قتله الوكيل جاهلًا بعزله. قال: (وأنها عليه لا على عاقلته)؛ لأن القتل عمد أو شبه عمد, وإنما أسقطنا القصاص للشبهة. وقيل: على العاقلة مخففة؛ لأنه جاهل بالحال, فأشبه المخطئ. فإذا قلنا: على الوكيل .. فهل حالة أو مؤجلة؟ وجهان: صحح المصنف منهما: الحلول. وعطفه المسألة على ما قبلها يقتضي: أنها ذات قولين, والصواب: أنهما وجهان.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْعَافِي, وَلَوْ وَجَبَ قِصَاُص عَلَيْهَا فَنَكَحَهَا عَلَيْهِ,, جَازَ وَسَقَطَ، فَإِنْ فَارَقَ قَبلَ وَطْءٍ. رَجَعَ بَنِصْفِ الأَرْشِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أنه لا يرجع بها على العافي)؛لأنه محسن بالعفو. والثاني: يرجع عليه؛ لأنه غره. والثالث: يرجع الوكيل دون العاقلة. والمصنف أطلق الخلاف في الرجوع وهو مقيد بأن لا يقصر الموكل في إعلامه، فإن قصر .. رجع الوكيل عيه؛ لأنه لم ينتفع بشيء، بخلاف الزوج المغرور. وحكي الرافعي هنا عن (فتاوي البغوي): أن الوكيل لو قال: قتلته بشهوة نفسي لا عن جهة الموكل .. يلزمه القصاص، وينتقل حق الوارث إلى التركة. وجزم القفال في (الفاتاوي) بعدم القصاص، وكلام البغوي أرجح دليلا. قال: (وو وجب قصاص عليها فتكحها عليه .. جاز)؛ لأنه عوض مقصود، وكان ينبغي أن يقول: صحا. أما النكاح .. فواضح، وأما الصدق .. فلأن ما جاز الصلح عنه .. جاز جعله صداقًا قال: (وسقط) أي: ما عليها من القود؛ لملكها قصاص نفسها. قال: (فإن فارق قبل وطء .. رجع بنصف الأرش)؛ لأنه الذي وقع العقد عليه، فهو كالمسمى المعين أولًا.

وَفِي قَوْلٍ: بِنِصْفِ مِهْرِ الْمِثْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: بنصف مهر المثل)؛ لأن الأرش سقط وقام مقامه مهر المثل، وهو المنصوص في (الأم) كما نقله في (البحر). وقال البغوي: إنه قياس قولهم: إذا أصدفها تعليم قرآن وطلقها قبل الدخول. تتمة: قال المتولي: إذا قتله بالدخان؛ بأن حبسه في بيت وسد منافذ البيت فاجتمع فيه الدخان وضاق نفسه فمات .. وجب القصاص. وأنه لو رمى إلى شخص أو جماعة وقصد إصابة أي واحد منهم كان فأصاب واحدا .. ففي القصاص وجهان؛ لأنه لم يقصد عينه. قال المصنف: قلت: الأرجح وجوبه. خاتمة ظاهر عبارة (الشرح) و (الوضة) في أول (الجنايات): أنمن استوفى منه القصاص أو الدية في الدنيا تبقى عليه العقوبة في الدار الآخرة. والمصنف أجاب في (فتاويه) بخلافه، وقال: إن ظواهر الشرع تدل على السقوط، وذكر مثله في (شح مسلم). ودليله: الحديث الصحيح فيه: (من ارتكب شيئًا من هذه القاذورات فعوقب به .. كانت كفارة له، وإن لم يعاقب .. فأمره إلى الله، إن شاء .. عذبه وإن شاء .. عفا عنه).

كتاب الديات

كتاب الديات

كتاب الديات فِي قَتْلِ الْحُرِّ المُسْلِمِ مِئَةُ بَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الديات لما انتهى الكلام في القصاص عقبة بالدية؛ لأنها بدل عنه على الصحيح، وجمعها باعتبار الأشخاص أو باعتبار النفس والأطراف، ومفردها: دية، وهي: المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو طرف. وأصلها: ودية، مشتقة من الودي، وهو دفع الدية، كالعدة من الوعد، والزنة من الوزن، والشية من الوشي. والإجماع منعقد على تعلق الدية بالقتل. وقال تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطًا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}. وروى النسائي [8/ 59] والحاكم [1/ 395] وابن حبان [6559] عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كتب لعمرو بم جزم كتابًا إلى أهل اليمن فيه ذك القرائض والديات)، وسيأتي في الباب مفرقًا. قال: (في قتل الحر المسلم مئة بعير)؛ لأن الله تعالى أوجبها في الآية المذكورة مجملة، وبينها النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم بقوله: (في النفس مئة من الإبل). وأول من سنها مئة: عبد المطلب، ويقال: أبو سيارة الذي أجاز الحاج أربعين سنة من الجاهلية من المزدلفة إلى مني.

مُثَلَّثَةٌ فِي الْعَمْدِ: ثَلاَثُونَ حِقَّةً، وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً- أَيْ حَامِلًا- ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تختلف الدية بالفضائل والرذائل وإن اختلفت بالأديان والذكورة والأنوثة كما سيأتي، بخلاف الجناية على الرقيق؛ فإن فيها القيمة المختلفة بالفضائل والرذائل وغير ذلك. ثم قد يعرض ما تغلظ به الدية وما تنقص به. أما المغلظات .. فأربعة أسباب: كون القتل في الحرم، أو الأشهر الحرم، أو لذي رحم محرم، أو عمدًا، أو شبه عمد. والمنقصات: الأنوثة والرق والاجتنان والكفر. فالأنوثة ترد إلى الشطر، والرق إلى القيمة، والاجتنان إلى الغرة، والكفر إلى الثلث أو أقل. قال: (مثلثة في العمد) وإن لم نوجب القصاص لمانع من الموانع، كقتل الوالد الولد. قال: (ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، أي حاملًا)؛ لما روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل متعمدا .. دفع لولي المقتول، فإن شاؤوا .. قتلوا، وإن شاؤوا ..

وَمُخَمَّسَةُ فِي الْخَطأ: عِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَنُو لَبُونٍ وَحِقَاقُ وَجِذَاعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة) فهي مغلظة من ثلاثة أوجه: كونها على الجاني، وحالة، ومن جهة السن. و (الخَلِفة) بفتح الخاء وكسر اللام، ليس لها جمع من لفظها عند الجمهور، بل جمعها: مخاض، كما يقال: امرأة ونساء. وقال الجوهري: جمعها: خلف، وقال ابن سيده: خلفات، وهو القياس. قال: (ومخمسة في الخطأ: عشرون بنت مخاض، وكذا بنات لبون وبنو لبون، وحقاق، وجذاع)؛ لما روى أحمد [1/ 384] والأربعة عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دية الخطأ أخماس). قال ابن مسعود: (عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون، وعشرون بنات مخاض). ورفع بعضهم هذا التفسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمعت الصحابة عليه وإن كان موقوفا؛ لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي، وإنما أخذ الشافعي به؛ لأنه أقل ما قيل. وهذه مخففة من ثلاثة أوجه: كونها على العاقلة، ومؤجلة، ومن جهة السن.

فَإِنْ قَتَلَ خَطَأ فِي حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَمُحَرَّمٍ وَرَجَبٍ، أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ .. فَمُثَلَّثَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن قتل خطأ في حرم مكة أو الأشهر الحرم: ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب، أو محرمًا ذا رحم .. فمثلثة) عمدًا كان أو خطأ، فالخطأ هنا ملحق بالعمد في التثليث؛ لأن الصحابة غلظوا في هذه الأحوال وان اختلفوا في كيفية التغليظ: فقال عمر: (من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في شهر حرام .. فعليه دية وثلث). وقضى عثمان في امرأة وطئت في الطواف بديتها: ستة آلاف درهم وألفين؛ تغليظا للحرم. وعن ابن عباس: أن رجلًا قتل رجلًا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال: ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف) رواها البيهقي [8/ 71]، وأجمعت الصحابة على ذلك، وهذا لا يدرك بالاجتهاد بل بالتوقيف من الني صلى الله عليه وسلم. فالأول من أسباب التغليظ: أن يقع القتل في حرم مكة فتغلظ به دية الخطأ، سواء كان القاتل والمقتول في الحرم أم كان فيه أحدهما كجزاء الصيد. {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أعتي الناس على الله رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله، ورجل قتل بدخل في الجاهلية) رواه أحمد [2/ 187] والحاكم [2/ 349] وقال: صحيح الإسناد. و (العتو): التجبر. وقوله: (غير قاتلة) مجاز؛ جعل قاتل مورثه قاتلا له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه حديث خيبر: (تحلفون وتستحقون دم قاتلكم).و (الدخل) بالدال المهملة: الحقد والعداوة، والجمع: دخول. ويلتحق بالقتل في الحرم: ما لو جرحه فيه فخرج ومات في غيره، بخلاف عكسه. ولا تغلظ بحرم المدينة ولا بالقتل في الإحرام على الأصح فيهما. والثاني: أن يقتل في الأشهر الحرم؛ لعظم حرمتها. ولا يلتحق بها شهر رمضان وإن كان سيد الشهور؛ لأن المتبع فيه التوقيف، قال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، والظلم في غيرهن محرم أيضا، وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}. والصحيح في كيفية عدها: ما قاله المصنف. وعن الكوفيين أن يقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. قال ابن دحيه: وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا نذر صيامها، فعلى الأول: يبتدئ بالقعدة، وعلى الثاني: بالمحرم. وأدخلت (الألف) و (اللام) على المحرم دون غيره من الشهور؛ لأنه أولها فعرفوه بذلك، كأنهم قالوا: هذا الذي يكون أبدًا أول السنة. وسمى المحرم؛ لتحريم القتال فيه، وقيل: لتحريم الجنة فيه على إبليس، حكاه صاحب (المستعذب). ورجب جمعه: رجبات وأرجاب ورجاب ورجوب، وفي اشتقاقه أقوال مشهورة، ويقال له: الأصم والأصب ومنصل الأسنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (روضة الفقهاء) لم يعذب الله أمة في شهر رجب، وفيه نظر؛ لأن قوم نوح أغرقهم الله فيه كما قاله الثعلبي وغيره. وذو القعدة وذو الحجة تقدم ضبطهما في (باب المواقيت). والثالث: قتل ذي رحم محرم؛ لما فيه من قطيعة الرحم وتأكد الحرمة. وكونه ذا محرم لابد منه، وهو من زوائده على (المحرر) كما نبه عليه في (الدقائق). و (المَحْرَم): الذي يحرم نكاحه لو كان أحدهما أنثى والآخر ذكرًا. ولا تتغلظ بقتل القريب غير المحرم على الصحيح. وعن القفال-واختاره الشيخ أبو محمد والقاضي الروياني- أنها تغلظ: لما فيه من قطيعة الرحم وتأكد الحرمة. ولا تلحق حرمة الرضاع والمصاهرة بحرمة النسب في هذا الباب. وعند أبي حنيفة ومالك: هذه الأسباب الثلاثة لا تقتضي التغليظ. السبب الرابع: أن يكون القتل عمدا أو شبه عمد، وقد قدمه المصنف في أول الباب. وكذلك قيد ههنا القتل بالخطأ؛ إشارة إلى أن التغليظ إنما يظهر فيه، لأن الشيء إذا انتهى نهايته لا يقبل التغليظ، كالأيمان في القسامة. ونظيره قولهم: المكبر لا يكبر؛ لعدم التثليث في غسلات الكلب. فرع: الصبي والمجنون إذا كان مميزين وقتلا في الأشهر الحرم أو ذا رحم .. قال ابن الرفعة: لم أر في التغليظ عليهما بالتثليث نقلا، فيحتمل أن يقال به، ويحتمل ألا

وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ .. فَعَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةُ، وَالْعَمْدُ عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تغلظ، لأن التغليظ يلحق الخطأ بشبه العمد، وليس لهما شبه عمد، فالملحق به أولي بالعدم. قال: (والخطأ وإن تثلث .. فعلى العاقلة مؤجلة) أي: في ثلاث سنين، فتغليظها من وجه واحد وتخفيفها من وجهين كشبه العمد. قال: (والعمد على الجاني معجلة)؛ لأنها قياس بدل المتلفات. قال: (وشبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة)، فهي مخففة من وجهين مغلظة من وجه واحد وهو التثليث؛ لما روى أبو داوود [4554] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه) ورجاله ثقات. ولأن شبه العمد متردد بين الخطأ والعمد، فأعطى حكم هذا من وجه وهذا من وجه. وفي وجه: أنها لا تجب على العاقلة. ويجوز في قوله: (معجلة ومؤجلة) الرفع والنصب.

وَلاَ يُقْبَلُ مَعِيبُ وَمَرِيضُ إِلاَّ بِرِضَاهُ. وَيَثْبُتُ حُمْلُ الْخَلِفَةِ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَالأَصَحُ: إِجْزَاؤُهَا قَبْلَ خَمسِ سِنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يقبل معيب ومريض)؛ لأن الشرع أطلقها فاقتضت السلامة، ولو كانت إبله كذلك قياسا على سائر أبدال المتلفات، بخلاف الزكاة، حيث يؤخذ فيها المريض والمعيب من مثلهما؛ لأنهما استحقاق جزء من نفس المال، والدية تجب في الذمة، فاشترط فيها الصحة والسلامة. فعلى هذا: تجب على العاقل والقاتل من جنس إبلهم سليما. والعيب هنا ما أثر في المالية وأثبت الرد في البيع، بخلاف عيب الكفارة والأضحية كما تقدم. وعطف المصنف المريض على المعيب من عطف الخاص على العام، أو لنفي توهم أخذه كما في زكاة المال؛ فإنه قال هناك: (ولا تؤخذ مريضة ولا معيبة إلا من مثلها). قال: (إلا برضاه) أي: برضا المستحق؛ لأن الحق له فله إسقاطه. قال: (ويثبت حمل الخلفة بأهل الخبرة) المراد: بقول عدلين منهم. فإذا أخذت بقولهما أو بتصديق المستحق فماتت عند المستحق وتنازعا في الحمل .. شق جوفها ليعرف، فإن بان أنها لم تكن حاملا .. غرمها المستحق وأخذ بدلها خلفة. وفي وجه: يأخذ أرش النقص فقط، والصحيح: الأول. قال: (والأصح: إجزاؤها قبل خمس سنين)؛ لصدق الاسم عليها. والثاني: لا؛ لأن الحمل قبل خمس سنين مما يندر ولا يوثق به.

وَمَنْ لَزِمَتْهُ وَلَهُ إِبلُ .. فَمِنْهَا، وَقِيلَ: مِن غَالِبِ إِبِل بَلَدِهِ، وَإِلاَّ .. فَغَالِبِ بَلَدِهِ، أَوْ قَبِيلَةِ بَدَوِيَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصنف تبع (المحرر) في التعبير بـ (الأصح)، والصواب: الأظهر؛ فإنهما قولان. قال: (ومن لزمته وله إبل .. فمنها)؛ لأنها تؤخذ على سبيل المواساة فكانت مما عندهم، كما تجب الزكاة في نوع النصاب سواء كانت من نوع إبل البلد أو فوقها أو دونها. قال: (وقيل: من غالب إبل بلده)؛ لأنها عوض متلف، فلا يعتبر فيها ملك المتلف. قال: (وإلا .. فغالب بلده)، فإن لم تكن .. فمن غالب إبل أقرب البلاد إليهم كزكاة الفطر، لكن يستثنى: ما إذا كان الأقرب عظيم المشقة والمؤنة؛ فلا يلزم إحضاره وتسقط المطالبة بالإبل. وضبط القاضي البعيد: بمسافة القصر فما فوقها، والقريب: بما دونها، وضبطه المتولي: بالحد المعتبر في السلم. قال الإمام: ولو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. لم يلزم تحصيلها. قال: (أو قبيلة بدوي) طلبا للرفق ورعاية الأغلب. فإن تفرقت العاقلة في البلدان أو القبائل .. أخذت حصة كل واحد باعتباره، ومتى تعين نوع .. فلا عدول إلى ما فوقه أو دونه إلا بالتراضي.

وَلاَ يَعْدِلُ إِلَى نَوْعٍ وَقِيمَةٍ إَلاَّ بِتَرَاضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان الاعتبار بإبل البلد أو القبيلة فكانت نوعين أو أكثر ولا غالب فيها فالخيرة .. إلى الدافع. وإذا اعتبرنا إبل من عليه فتنوعت كالبَخاتي والعراب والمهرية والحجازية .. فوجهان: أحدهما: تؤخذ من الأكثر، فإن استويا .. دفع ما شاء. والثاني: تؤخذ من كل نوع بقسطه إلا أن يتبرع فيعطي الجميع من الأشرف. وبالأول جزم الغزالي، ونسب الإمام الثاني إلى العراقيين، ولم يصحح في (الروضة) منهما شيئا. قال: (ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراض)، كما لو أتلف مثليا وتراضيا على قيمته مع وجود المثل. قال صاحب (البيان) هكذا أطلقوه، وليكن ذلك مبنيا على جواز الصلح عن إبل الدية. والصحيح في (الروضة) في (كتاب الصلح): أنه لا يجوز التراضي على أخذ العوض عن الإبل على الأصح عند الجمهور إذا لم توجب الجناية قصاصا. وحمل ابن الرفعة الكلام في الصلح على ما إذا كانت مجهولة الصفة، والكلام هنا على ما إذا تعينت، قال: ومثل ذلك لا يمنع الاعتياض.

وَلَوْ عُدِمَتْ .. فَالقَدِيمُ: أَلْفُ دِينَارٍ أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه: أن الجاني مخير بين الإبل والدراهم المقدرة على القديم. وعبارة المصنف صريحة في أنه لا يعدل إلى نوع فوق الواجب، وبذلك صرح الرافعي؛ إذ قال- وتبعه في (الروضة) - ومهما تعين نوع .. فلا يعدل إلى ما دونه أو فوقه إلا بالتراضي. والذي نص عليه الشافعي وعليه جرى القاضي حسين وسليم والبندنيجى: جواز العدول إلى الأعلى. وقال الماوردي: يجوز للقاتل العدول إلى الأعلى دون الأسفل، وللعاقلة إخراج الأدنى؛ لأنهم تؤخذ منهم مواساة، ومن الجاني استحقاقًا. قال: (ولو عدمت .. فالقديم: ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم)؛ لما صح عمرو بن حزم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: أن على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم). وروى الشافعي [1/ 347] والبيهقي [8/ 76] عن مكحول وعطاء أنهما قالا: أدركنا الناس على أن دية المسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة من الإبل فقومها عمر رضي الله عنه بألف دينار أو اثني عشر ألف درهم. وروى ابن حبان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الدية بألف مثقال). وفي (البيهقي) [8/ 79 بنحوء] عن أبي هريرة أنه قال (إني لأستغفر الله في كل يوم قدر ديني اثني عشر ألفا). والمراد بـ (عدمها): ألا توجد أو توجد بأكثر من ثمن المثل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند أبي حنيفة: الدراهم مقدرة بعشرة آلاف، وحكاه ابن كج وجهًا لبعض الأصحاب. والاعتبار بالدراهم والدنانير المضروبة الخالصة. وذكر الإمام: أن الدافع يتخير بين الدراهم والدنانير. وقال الجمهور: على أهل الذهب ذهب، وعلى أهل الورق ورق، فـ (أو) في عبارة المصنف على هذا للتنويع. وإذا كان الواجب دية مغلظة؛ بأن قتل في الحرم أو قتل عمدًا أو شبه عمد .. فهل يزاد للتغليظ شيء؟ فيه وجهان. أصحهما: لا؛ لأن التغليظ في الإبل إنما ورد بالسن والصفة لا بزيادة العدد وذلك لا يوجد في الدراهم والدنانير، وهذا أحد ما احتج به على فساد القول القديم. والثاني: أنه يزاد ثلث المقدر تغليظا فتجب ستة عشر ألف درهم أو ألف دينار وثلاث مئة وثلاثة وثلاثون دينارًا وثلث دينار، وبه قال أحمد، فلو تعدد سبب التغليظ؛ بأن قتل محرما في الحرم .. فوجهان: أصحهما: أنهما لا يزاد على الثلث شيء ولا يتكرر التغليظ، كما لو قتل المحرم صيدا لا يلزمه إلا جزاء واحد. والثاني: أنه يزاد لكل سبب ثلث الدية؛ لما سبق من قضاء الصحابة بذلك، فيجب في قتل المحرم في الحرم عشرون ألفا. فإن انضم إليه الوقوع في الأشهر الحرم .. وجب أربعة وعشرون ألفا. فإن كان القتل شبه عمد .. وجبت ثمانية وعشرون ألفا.

وَالجَدِيدُ: قِمَتُهَا بِنَقدِ بَلَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والجديد: قيمتها)؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الإبل على أهل القرى، فإذا غلت .... رفع في قيمتها، وإذا هانت .... نقص من قيمتها) رواه الشافعي [1/ 348] وأبو داوود [4553] وابن ماجه [2630] والنسائي [8/ 42] والبيهقي [8/ 76]. ولأنها بدل متلف فيرجع إلى قيمتها عند إعواز أصله. قال: (بنقد بلده)؛ لأنه أقرب من غيره وأضبط. والضمير في قوله: (بلده) يرجع إلى البلد الذي يجب التحصيل منه، لا إلى بلد القتيل، ولا للولي القابض. وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة، فإن غلب نقدان ..... قوم بما شاءه الجاني. فلو وجبت في بلد وهي موجودة في بلد يجب النقل من مثلها .... فالاعتبار في بلد الإعواز على الأصح، وهل تعتبر قيمة موضع الوجود أو موضع الإعواز لو كانت فيه إبل وجهان: أصحهما: الثاني، وتعتبر قيمتها يوم وجوب التسليم. فرع: قال الإمام: لو قال المستحق عند إعواز الإبل: لا أطالب الآن بشئ وأصبر إلى أن توجد .... الظاهر: أن الأمر إليه؛ لأنه الأصل هو الإبل، ويحتمل أن يقال: لمن عليه أن يكلفه قبض ما عليه؛ لتبرأ ذمته. قال: ولم يصر أحد من الأصحاب إلى أنه إذا أخذ الدراهم ثم وجدت الإبل ..... أنه

فَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ .... أُخِذَ وَقِيِمَةَ البَاقِي. وَاَلْمَرأَةُ وَاَلخُنَثَي كَنِصْفِ رَجُلِ نَفُسًا وَجُرْحًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ يرد الدراهم ويرجع إلى الإبل، بخلاف ما إذا غرم قيمة المثلي لإعواز المثل ثم وجده؛ ففي الرجوع إلى المثل خلاف. قال: فإن وُجد بعضٌ ... أضخذ وقيمةَ الباقي)، هذا تفريغ على الجديد، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور. أما على القديم .... فيأخذ الموجود وقس الباقي من النقد. وقال المتولي: لا يجبر على قبول الموجود؛ حتى لا يختلف عليه حقه. هذا بالنسبة إلى الجواز، أما الوجوب ... فأظهر احتمالي الإمام: أنه لا يجبر على القبول وله أن يؤخر إلى أن يجد الإبل، ويحتمل الوجوب؛ لتبرأ ذمته. قال: (والمراة والخنثي كنصف رجل نفسًا وجرحًا)، شرع يتكلم في الأربعة المنقصات، فذكر منها: الأنوثة والكفر، ولم يذكر الرق والاجتنان؛ لأنه أفردهما بفصلين. فدية المرأة على النصف من دية الرجل، سواء قتلها رجل أو أمرأة، فيجب في الحرة المسلمة في القتل العمد وشبهه خمسون من الإبل: خمس عشرة حقة، وخمس عشرة جذهة، وعشرون خَلفِة. وفي الخطأ: عشر مخاض، وعشر بنات لبون، وعشر حقاق، وعشر جذاع؛ لما روى الشافعي والبيهقي عن عمر وعثمان وعلي والعبادلة: أنهم أفتنوا بذلك، ولم يخالفهم أحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (الرافعي) هنا: أن العبادلة: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس وسبقه إلى ذلك الزمخشري في (الفصل). والمشهور: أنهم أربعة آباؤهم صحابيون: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاصي. قال المصنف: ووقع في (الصحاح) إبدال ابن العاصي بابن مسعود، وهو إنما عدهم ثلاثة وأخرج ابن الزبير منهم. وقد نص أحمد على: أنهم أربعة وأن ابن مسعود ليس منهم. ودية أطراف المرأة وجراحاتها على النصف أيضًا من أطراف الرجل وجراحاته على الجديد؛ فيجب في يديها في العمد خمس وعشرون من الإبل: عشر خلفات، وسبع حقاق ونصف، وسبع جذاع ونصف. وفي مضحتها: بعيان ونصف خلفة، ونصف وربع حقه، ونصف وربع جذعة، وعلى هذا الحساب في جميع الأعضء والجراحات التي لها أرض مقدار. وفي القديم قول: أنها تساوي الرجل إلى تمام ثلث الدية. فإذا زاد الواجب على الثلث ... صارت إلى النصف؛ ففي إصبع منها عشر من الإبل، وفي إصبعين عشرون، وفي ثلاث ثلاثون، وفي أربع عشرون. وروى عن مالك وأحمد: والخنثى كالمرأة؛ لاحتمال الأنوثة. واقتصر المصنف على النفس والجرح، وألحق بهما في (المحرر) (الأطراف)، وحذفه نصف ديتها، وفي حلمتيه أقل الأمرين من دية المرأة والحكومة.

وَيَهُوديٌ وَنَصْرَانِيٌ ثُلُثُ مسلِمِ، وَمَجُوسيِ ثُلًثاَ عُشْرِ مُسِلِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويهودي ونصراني ثلث مسلم)، ذميًا كان أو مستأمنًا أو معاهدًا؛ فإن الشافعي رواه كذلك عن عمر بإسناد صحيح. وروى عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دية اليهودي والنصراني أربعة الآف درهم)، لكن رواه الشافعي [1/ 354] والبيهقي [8/ 100] من قول ابن المسيب. وروى عبد الرازق [18474] عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب أربعة الآف درهم) فاعتبر الثلث في الدراهم، وقسنا عليه الإبل والذهب، لأن العلماء اختلفوا: فمنهم من أوجب جميع دية المسلم كأبي حنيفة، ومنهم من أوجب النصف كمالك وعمربن عبد العزيز. وقال أحمد: في قتله عمدًا دية مسلم، وخطأ نصفها. وأوجب جماعة الثلث، فكأنهم اتفقوا على أنه لا أقل منه، وانتفاء ما زاد معلوم ببراءة الذمة، والأطراف والجروح بالقياس على النفس. والسامرة والصابئون إن ألحقوا بهم في الجزية والذبائح والمناكحة ..... فكذلك في الدية، وإلا ... فديتهم - إن كان لهم أمان - دية المجوس. قال: (ومجوسي ثلثا عشر) دية (مسلم)؛ لأن عمر رضي الله عنه جعلها ثماني.

وَ َكذاَ وَثَنٌي لَهُ أمَانٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مئة درهم، رواه الشافعي [1/ 354] والبيهقي [8/ 101] بإسناد صحيح، وانتشر في الصحابة بلا نكير فكان إجماعا. ولأن مثل هذه التقديرات لا تعقل إلا بتوقيف. ولأن اليهود والنصارى كان لهم كتاب ودين حق بالإجماع، وتحل مناكحنهم وذبائحهم، ويقرن بالجزية، وليس للمجوس من هذه الخمسة إلا التقرير بالجزية، فكانت ديتهم خمسًا، وهي من الإبل ستة وثلثان، وفي التثليث: حقتان وجذعتان وخلفتان وثلثان، وفي التخميس: من كل سن واحدة وثلث. وعند أبي حنيفة: ديته ودية الذمي كدية المسلم، ودية نساء الصنفين على النصف من دية رجالهم. وفي وجه: أن دية المجوسية كدية الرجل مننهم. قال: (وكذا وثني له أمان) لأنه كافر لا تحل مناكحته للمسلم، ومثله عابد الشمس والقمر. وسكت الشيخان هنا عن المتولد بين مختلفي الدية كما لو كان أبويه كتابيًا والآخر مجوسياَ، وتعرضوا له بالنسبة إلى الغرة، وصححوا: أنه يعتبر بأكثرهما بدلًا؛ لأن شغل الذمة قد تحقق، وشككنا في براءتها بالأقل، وهو هنا كذلك. وقد جزم به الرافعي في (باب الجزية)، وكذا الماوردي، ونقله عن نص

وَالمَذهبُ: أنَّ مَنْ لَم يبَلُغَهُ الإسلامُ إن تَمَسَّكَ بِدِيِنً لم يبدلَ .... فديةُ دِيِنِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الوثني): عابد الوثن، وهو الصنم. فإن قيل: يشكل الأثمة الأربعة ما في (سنن أبي داوود) [2983] في كتاب قسم الفئ) عن مجاعة بن مرارة السدوسي وكان رئيسًا من رؤساء بني حنيفة: أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت جاعلًا لمشرك دية ... جعلتها لأخيك، ولكن سأعطيك منه عقبي)؛ يعني: نصيبًا، فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بمئة من الإبل من أول خمس يخرج من مشركي بني ذهل .... فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه ذلك تألفا له ولمن وراءه من قومه على الإسلام. قال: (والمذهب: ئان من لم يبلغخ الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل ... فدية دينه)؛ لأنه ثبت له بذلك نوع عصمة، فألحق بالمستأمن من أهل دينه. وفي وجه: بجب دية مسلم؛ لأنه ولد على الفطرة ولم يظهر منه عناد، والنسخ لا يثبت قبل بلوغ الخبر. قال الشافعي: ولم يبق من لم تبلغه الدعوة، ولكن لو تصور .... لم يجز قتله قبل الإعلام والدعاء إلى الإسلام، ولو قتل .... لزمت الكفارة بقتله مطلقًا؛ لمكان العذر، بناء على أن العقل وحده لا تقوم به الحجة؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. فمن لم تبلغه دعوة نبي أصلًا .... لا يجب القصاص بقتله على الصحيح؛ لعدم التكافؤ، وأوجبه القفال؛ لأنهم لم يوجد منهم عناد ولا إنكار. ولو لم يعلم: هل بلغته دعوة أو لا؟ ففي ضمانه وجهان؛ بناء على الوجيهن في أن

وَإِلاَّ ..... فَكَمَجُوسِىِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصل الناس على الإيمان حتى كفروا بتكذيب الرسل، أو على الكفر حتى آمنوا بهم. فرع: الزنديق إذا دخل إلينا بأمان .... هل يجب بقتله شيء؟ تردد فيه الجويني: ففي حال: ألحقه بالمرتد، وفي حال: ألحقه بالوثني، وصححه الرافعي والمصنف. قال: (وإلا .... فكمجوسي) أي: إذا لم يتمسك بدين لم يبدل، بل بدين قد بدل ... تجب فيه آخس الديات، وهي دية المجوسي. وفي وجه ثان: تجب دية أهل دينه. وفي ثالث: لا يجب شيء؛ لأنه ليس على دين حق ولا عهد له ولا ذمة. وقوله: (فالمذهب) صوابه: الأصح. أما قتل الجميع قبل الإعلام ..... فمحرم موجب للكفارة قطعًا ولا قصاص. فرع: من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر مع التمكن من الهجرة أو دونه إذا قتله مسلم ... تعلق به القود والدية بشرطه؛ لأن العصمة بالإسلام ثبتت له بنص السنة الصحيحة. وقال أبو حنيفة: لا يتعلق به ذلك، والعصمة بالدار ولم توجد. تتمة: يراعى في ديات الكفار التغليظ والتخفيف، فعند التغليظ يجب في قتل اليهودي:

فَصْلٌ: فِي مُوضِحَةِ اَلَّرأسِ أَو اَلَوَجْهِ لِحُرَّ مُسْلِمِ خَمَسةُ أَبعِرة، ـــــــــــــــــــــــــــــ عشر حقاق، وعشر جذاع، وثلاث عشرة خلفة وثلث. وقال المتولي: لا يجري التغليظ في حق الكفار بالحرم؛ لأنهم غير ممكنين من دخوله. وعن الجويني وغيره: أن الواجب في دية المجوس الدراهم خاصة، ولا تغلظ بل التغليظ خاصة الإبل. قال: (فصل) عقده للديات الواجبة فيما دون النفس، وهي ثلاثة أنواع: شق، وقطع يبيين، وإزالة منفعة. النوع الأول: الجراحات، وهى إما على الرأس أو على الوجه أو على سائر البدن. قال: (في موضحة الرأس أو الوجه لحر مسلم خمسة أبعرة)؛ لما روى أبو داوود [4555] والنسائي [8/ 57] وابن حبان [6559] والحاكم [1/ 395] عن عمرو بن حزم: أبو بكر وعمر، وأقتي به زيد بن ثابت، ولا موضحة لهم. ونقل ابن المنذر الإجماع في ذلك في موضحة الرأس. وسواء في الوجه الجبينان والخدان وقصبة الأنف واللحيان، فكلها محل الإيضاح؛ لأن فقهاء المدينة جعلوا ذلك سواء.

وَهَاشِمَةِ مَعَ إِيضَاحِ عَشَرَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بذكر: (الوجه والرأس) عن موضحة ما عداهما كالعضد والساق؛ فليس فيه إلا الحكومة كما سيأتي. وأشار بقوله: (لحر مسلم) إلى أن ذلك في حق من تجب فيه الدية الكاملة، وهو الذكر الحر المسلم، وهذا القدر نصف عش ديته، فتراعي هذه النسبة في حق غيره من الأنوثة والكفر والرق. فيجب في موضحة اليهودي نصف عشر ديته وهو بعير وثلثان، وفي المرأة بعيران ونصف. فلو قال المصنف: في الموضحة نصف عشر دية صاحبها .... كان أشمل وأخصر. فلو شمل الموضحة الجبهة والوجه ... ففي الاتحاد وتردد للإمام: الأظهر: الاتحاد؛ تنزيلًا لأجزاء الوجه منزلة أجزاء الرأس. فلو كانت التي في الرأس موضحة والتي في الوجه متلاحمة .... وجب خمس من الإبل وحكومة على المشهور. وسميت موضحة؛ لأنها تبدي وضح العظم، أي: بياضه، وقد تقدم ما فيه. و (الواضحة): الأسنان التي تبدو عند الضحك. قال طرفة (من السريع): كلُّ خليلِ كنتُ خاللتُهُ ... لا تركَ الله لهُ واضحة قال: (وهاشمة مع إيضاح عشرة)؛ لما روى البيهقي [8/ 82] عن زيد بن ثابت: أنه قدر فيها ذلك.

وَدُونَهُ خَمْسَةٌ - وَقِيلَ: حُكُومَةٌ - وَمُنَقٌلةِ خَمُسَةَ عَشَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهر: أنه لا يقول ذلك إلا توفيقا، وإن لم يكن توفيقا ... فهو قول صحابي لا مخالف له، فكان إجماعًا. وقيل: إن زيدًا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن القديم: يجب فيها أرش موضحة وحكومة، وبه قال مالك. فلو هشم هاشمتين عليهما موضحة واحدة أو أوضح موضحتين تحتهما هاشمة واحدة .... كان ذلك هاشمتين. وفي الثانية وجه: أنها هاشمة واحدة، والقياس: أنها هاشمة وموضحة. وفي (فروع ابن القطان): إذا جرحه في رأسه متة موضحة مع كل موضحة هشم ... الصحيح: أن عليه في كل واحدة عشرًا عشرًا. وغلظ بعض أصحابنا فقال: عليه في كل موضحة خمس من الإبل، ولا يجب في الهشم إلا أرش واحد. قال: (ودونه خمسة؛ لأن ذلك هو القدر الزائد على الموضحة. قال: (وقيل: حكومة)؛ لأنه كسر عظم بغير إيضاح، فأشبه كسر سائر العظام. قال: (ومتقلة خمسة عشر) روى النسائي [8/ 57] ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الماوردي فيه الإجماع.

وَمَأمُوَمِة ثُلُثُ الَدٌيةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ينبغي للمصنف أن يقول: نصف العشر؛ فإن الخمسة عشر إنما تجب في النفس الكاملة، وفي المرأة نصفها، وفي الكتابي خمسة. ثم إن ما أطلقه من هذا القدر في المنقلة محله: إذا نقل وأوضح كما صوره الرافعي، وصرح به المصنف في (فصل قصاص الطرف) حيث قال: (ولو أوضح ونقل .... أوضح وله عشرة أيعرة)، وعلى هذا: فهي مكروة في الكتاب. أما إذا نقل من غير إيضاح .... فهل يجب عشر أو حكومة؟ وجهان حكاهما الرافعي. ومقتضاه: أنه لا يجب فيها التكميل قطعًا، لكن جزم الماوردي بوجوب أرش المنقلة بكماله. قال: بخلاف الهاشمة إذا لم يكن عليها إيضاح؛ لأن المنقلة لا بد من إيضاحها لنقل العظم الذي فيها، فلزم جميع ديتها، والهاشمة لا تفتقر غلى إيضاح، فلم يلزم إلا قدر ما جني فيها. ويشهد له إطلاق الشافعي وجمهور الأصحاب: أن في المنقلة خمسة عشر، من غير تعرض لصفة إيضاح وغيره، وجرى عليه الرافعي في (المحرر) و (الشرح الصغير). ويشهد له إطلاق الشافعي وجمهور الأصحاب: أن في المنقلة خمسة عشر، من غير تعرض لصفة إيضاح وغيره، وجرى عليه الرافعي في (المحرر) و (الشرح الصغير). قال: (ومأمومة ثلث الدية)، كما في كتاب همرو بن حزم. قال في (البحر): وهو إجماع، وقال ابن المنذر: لم يخالف فيه إلا مكحول، فأوجب ثلثيها إذا كان عمدا، ولأنها جراحة دخلت إلى الجوف فكان فيها الثلث كالجائفة. وفي الدامغة ما في المأمومة علي الأصح المنصوص. وقال الماوردي: الذي أراه تفضيلها بحكومة على المأمومة؛ لخرق غشاء الدماغ. وقيل: يجب تمام الدية؛ لأنها تذفف، والأول يمنع ذلك.

وَلَوَ أَوْضَحَ فَهَشَمَ أَخَرُ، وَنَقَلَ ثَالِثُ، وَأَمَّ رَابعٌ .... فَعَلَى كُلٌ مِنَ الثَلاثَةِ خَمسةُ، وَالَرَابعِ تمَامُ الثُلثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أوضح فهشم آخر، ونقل ثالث، وأم رابع ... فععلى كل) واحد (من الثلاثة خمسة، والرابع تمام الثلث). أما الأول ...... فبسبب الإيضاح. وأما الثاني ..... فلأنه الزائد عليها من دية الهاشمة. وأما الثالث .... فلأنه الزائد عليها من دية المنقلة. والرابع: تمام الثلث، وهو ثمانية عشر بعيرًا وثلث بعير، وهو ما بين المنقلة والمأمومة. وقيل: يجب على الجميع ثلث الدية أرباعًا. فلو خرق خريطة الدماغ خامس .... ففي (التهذيب): أن عليه تمام الدية، كمن خز رقبة إنسان بعد ما قطعت أطرافه، وهذا على طريقة من قال: الدامغة مذففة. وصورة المسألة: ألا يموت المجني عليه، فإن مات الجميع .... وجبت ديتة عليهم بالسوية؛ لأن القتل لا يفرق فيه بين الجرح الكبير والصغير، قاله الفاروقي في (فوائد). وما أطلقه من أن الواجب الخمس محله: عند العفو، وإلا .... فالواجب القصاص، وقد صرح به في (المحرر)، حتى لو أراد القصاص في الموضحة وأخذ الأرش من الباقيين .... مكن، نص عليه في (الأم).

وَالشِّجَاجَ قَبلَ الَمُوضِجَةِ إنْ عُرِفَتْ نِسْبُتَهَا مِنْهَا ...... وَجَبَ قِسطٌ مِنْ أَرِشِهَا، وَإلاَّ ..... فَحُكُومةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والشجاج قبل الموضحة إن عرفت نسبتها منها .... وجب قسط من أرشها) أي: من أرش الموضحة، فإن كانت نصفا أو ربعا ... وجب بقسطه من أرش الموضحة، فإن شككنا في قدرها من الموضحة ..... أوجبنا له اليقين. قال الأصحاب: وتعتبر مع ذلك الحكومة، فيجب أكثر الأمرين من الحكومة وما يقتضيه بالتقسيط؛ لأنه وجد سبب كل واحد منهما فيعتبر الأكثر. وعن ابن سريج: أن لها أروشًا مقدرة بالاجتهاد كما قدرت الموضحة فما فوقها بالنص. ففي الخارصة بعير، وفي الدامية والدامغة بعيران، وفي الباضعة والمتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة. قال: (وإلا) أي: وإن لم تعرف نسبتها من الموضحة) ...... فحكومة)؛ إذ ليس لها أرش مقدر، وهذا التفصيل ذهب إليه الأكثرون ومنهم من أطلق: أن الواجب فيها الحكومة؛ لأن التقدير يعتمد التوقيف ولا توقيف.

كَجُرْح سَأَئِر البُدُن. وَفِيَّ جائفة دِيَة، وَهِيَ: جَرَّحَ يُنْفَذ إِلَى جَوْف كَبَطْن وَصَدَرَ وَثُغْرَة نُحْر وَجَبِين وَخاصِرَة ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (كجرح سائر البدن)، فإن فيه الحكومة فقط؛ لأنه لا تقدير للشرع فيها ولم ينته شينها إلى المنصوص عليه، وكذا الحكم في كسر عظامه وتنقيلها. والفرق بين الإيضاح والنقل في الرأس بينهما في غيره: أنهما في الرأس أِشد خوفًا وشينهما أفحش. قال: (وفي جائفة ثلث دية)؛ لما روى النسائي [8/ 57] عن عمرو بن حزم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بذلك)، وروى ذلك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواه أحمد [2/ 217] وأبو داوود [4553]. وقال ابن المنذر: أكثر العلماء علي القول به، وتفرد مكحول عن الناس فقال: إن كانت عندا ... ففيها الدية، وإن كانت خطأ ... فثلثها. وليس في البدن جراحة مقرة غيرها، ولهذا عقبها المصنف بما سبق إشارة إلى الاستثناء. قال: (وهي: جرح ينفذ إلى جوف كبطن وصدر وثغرة نحر وجبين وخاصرة)، ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة، ولا بيبن الصغير والكبير، ولا بين أن تندمل أو لا، ولا بين الواسعة والضيقة، حتي لو غرز إبرة فوصلت إلى الجوف ..... فهي جائفة علي الأصح. وقيل: لا، إلا أن يقول أهل الخبرة: إنه يخاف منه الهلاك. وأشار بقوله: (وجبين) إلى أن الجرح النافذ إلى جوف الدماغ من الجبين جائفة كالجرح النافذ إلى البطن، لكن يرد على تمثيل المصنف: الداخلة إلى باطن الفم والأنف، وإلى ممر البول من الذكر، ومن الجفن إلى بيضة العين؛ فليس ذلك بإيحاف على الأصح في الجميع. وعبارة (المحرر): النافذة إلى الجوف الأعظم، وهو أحسن، بخلاف تعبير المصنف؛ فإنه يوهم اعتبار ما يسمى جوفًا. وادعى ابن الرفعة في قول (التنبيه) إلى جوف البدن: أن البدن يخرج ذلك، فإن

وَلا يَخْتَلِف أَرِش مُوَضِّحَة بِكُبْرها. وَلُو أُوضَح مُوَضِّحَتَيْنِ بَيَّنَها لَحَمَّ وَجِلْد، قِيلَ: أَو أَحَدّهُما .... فَمُوَضِّحَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لدغت الجائفة كبده أو طحاله .... لزمه مع ثلث الدية حكومة أيضًا، ولو لم تنفذ إلا بكسر الضلع ... دخلت حكومته في دية الجائفة. و (ثُغُرة النخر) بضم الثاء، وهي: النقرة بين التوقوتين، والجمع: ثغر، كقربة وقرب. قال: (ولا يختلف أرش موضحة بكبرها) كالأطراف، سواء تولد منها شين فاحش أو لم يتولد، فلا يجب في الجميع إلا خمس من الإبل، ولو كثرت الموضحات .... تعدد واجبها. وفي وجه: إن كثرت وزادت أروضها على دية النفس .... لم تجب إلا دية النفس، كما سيأتي نظيره في الأسنان، والأصح: الأول، وتفارق الأسنان؛ فإنها معلومة مضبوطة كالأصابع، بخلاف المواضح؛ الأصح: فيجب أروشها بحسب وجودها. قال: (ولو أوضح موضحتين بينهما لحم وجلد، قيل: أو أحدهما .... (فموضحتان). أما في الأولى .... لأختلاف الصورة، وهو أحد أسباب التعدد، سواء رفع الحديدة عن موضحة ثم وضعها على موضع آخر فأوضحه، أو جرها على الرأس من الموضحة عليها في الموضع الآخر فأوضحه وبقي اللحم والجلد بينهما. وفي الصورة الثانية وجه: أنها موضحة؛ لاتحاد الفعل.

وَلَو انْقَسَمتُ مُوَضِّحتهُ عُمَدًا وَخَطَأ أَو شَمِلتُ رَأَسا وَوَجَّها .... فَمُوَضِّحَتانِ، وَقَيْل: مُوَضِّحَة. وَلُو وَسَع مُوَضِّحتهُ .... فَواحِد عَلِيّ الصَحِيح، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما في الثانية وهي: ما إذا أوضحه كما ذكرنا وبقي الجلد دون اللحم أو عكسه .... فلاتباع صورة الوضوح، هذا توجيه الوجه المرجوح. وتوجيه الأصح - وهو: أن الحاصل موضحة واحدة، وإنما ثبت التعدد إذا بقيتا جميعًا -: أنه إذا أجرها فقد أتت الجناية على الموضع كله، فصار كما لو استوعب الإيضاح الموضع كله، وفي المسألة وجه ثالث: أنه إن بقي الجلد ... فموضحة، أو اللحم .... فئتتان؛ لأن الجلد هو الذي يظهر هنا للناظرين، فإذا بقي على اتصاله .... لم يكن العظم واضحًا. فإذا قلنا: لا يثبت التعدد إلا إذا بقيتا جميعًا، فلو أوضح في موضعين ثم أوغل الحديدة ونفها من إحداهما إلى الأخرى في الداخل ثم سلها فهل يقال: إنهما اتحدتا؟ حكي ألإمام فيه وجهين. فإن رفه الجاني الحاجز الذي بينهما أو تأكل قبل الاندمال ... كانت موضحة، وهو الأصح، كما لو قطع يده ثم حز رقبته، وقيل: عليه أرشان ـ وقيل ثلاثة. قال: (ولو انقسمت موضحته عمدا وخطأ أو شملت رأسا ووجهًا .... فموضحتان)؛ لأن الأولى اختلف حكمها، والثانية اختلف محلها، وكذلك لو كان في بعضها مقتصًا وفي بعضها متعديًا ... فيجب أرش كامل فيما تعدي فيه. قال: (وقيل: موضحة)؛ لاتحاد الفاعل والمحل والصورة. واحترز بقوله: (رأسا ووجها) عن شمولها الرأس والقفا؛ فإن فيها مع أرش موضحة الرأس حكومة لإيضاح القفا؛ لأنه ليس محل الإيضاح فلم تدخل حكومته في أرش الموضحة. قال: (ولو وسع موضحته ... فواحدة على الصحيح)، كما لو أوضح أولا كذلك. والثاني: ثنتان؛ لأن التوسعة إيضاح ثان، والخلاف كالخلاف في رفع الحاجز بين الموضحتين.

أَو غَيْرُهُ ... فئتنان. والجائفة كَمُوَضِّحَة في التَعَدُّد، وَلُو نَفَّذتُ في بِطُنّ وَخَرَجتَ مَن ظَهَّرَ ... فجائفتان في الأَصَحّ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو غيره ... فئتتان)؛ لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره، كما لو قطع يد رجل وحز آخر رقبته ... فإن على كل منهما موجب جنايته. وقوله: (غيره) يحتمل أن يريد: وسعها غيره، وهذا هو الذى في (المحرر)، فيقرأ بالرفع، والمصنف ضبطه بخطة بكسر الراء وفتحها، ومراده: أنه وسع موضحة غيره. فرع: أوضحه كل واحد موضحة ثم تأكل الحاجز بينهما .... عادتا إلى واحدة ولزم كلًا منهما نصف أرشها، فإن رفع أحدهما الحاجز ... فعليه نصف أرش موضحة، وعلى الآخر أرش موضحة كامل. قال: (والجائفة كموضحة في التعدد)، فيتعدد الأرض بتعددها، حتي لو أجاف ثنتين ثم رفع الحاجز بينهما أو تاكل أة رفععه غير الجاني ... فكما سبق. فلو أدخل سكينًا في جائفة الغير ولم تقطع شيئاَ ... عزر فقط، وإن قطعت شيئًا من الباطن دون الظاهر أو بالعكس ... فعليه حكومة. قال: (ولو نفذت وخرجت من ظهر ... فجائفتان في الأصح)؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه قضى في رجل رمى ررجلًا بسهم فأنفذه بثلثي الدية، رواه البيهقي [8/ 85] من حديث سعيد بن المسيب عنه، وهو مرسل، وقضى به عمر رضي الله عنه، ولا مخالف لهما، فكان إجماعًا كما نقله ابن المنذر: ولأنهما جراحتان نافذتان إلى الجوف، وبهذا قال مالك. والثاني - وبه قال أبو حنيفة -: أنها واحدة؛ لنفوذها من جهة إلى جهة.

وَلَو أَوْصَلَ جَوْفهُ سِنّانا لَهُ طَرَفانِ .... فِئَتانِ، وَلا يُسْقِط أَرِش بِالْتِحام مُوَضِّحَة وجائفة. وَالمُذَهَّب: أَن في الأُذُنَيْنِ دِيَة لا حُكُومَة ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى هذا: تجب معها حكومة. وقيل: لا تجب، وليس بشيء. قال: (ولو أوصل جوفه سنانًا له طرفان .... فئتنان)، كما لو أجافه بالتين، فإن خرجا من ظهره ... فأربع جوائف. وصورة المسألة: ألا يخرق ما بينهما كما نص عليه في (الأم)، وهذه مكررة؛ لأنهما تعلم من قوله: (والجائفة كموضحة في التعدد)، وقد سبق له في الموضحتين: أنه لو أوضح ثتتين بينهما حاجز .... تعدد الأرش. و (السنان): طرف الرمح، جمعه: أسنة، كعنان وأعنة. قال: (ولا يسقط أرش بالتحام موضحة وجائفة)؛ لأن مبنى الباب على اتباع الاسم وقد وجد سواء بقي شين أو لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب فيها ثلث الدية، ولا يكون ذلك إلا بعد الاندمال. وقيل: إن لم يبق شين وأثر ... سقط، وإن اندملت أطرافها وبقي شيء من العظم ... لم يسقط شيءمن الأرض. قال: (والمذهب: أن في الأذنيين دية لا حكومة)، هذا هو النوع الثاني من الجنايات، وهو إبانة الأعضاء، فمنها: الأذنان، والمذهب: القطع بأن في استئصالهما قطعًا الدية. فإن أوضح مع ذلك العظم .... وجب أيضًا أرش الموضحة؛ إذ لا يتبع مقدر مقدرًا.

وَبَعْض بِقَسَطهُ، وَلُو أَيْبَسَهُما ... فِدْيَة، وَفِيَّ قَوْل: حُكُومَة، وَلُو قَطَّعَ يابِسَتَيْنِ .... فَحُكُومَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدل لوجوب الدية فيهما: ما روى الدارقطني [2/ 209] والبيهقي [8/ 85] عن عمرو بن حزم: (وفي الأذن خمسون من الأبل)، ولما فيهما من الجمال والمنفعة؛ لأنهما يجمعان الصراخ ويحرسان الصماخ فأشبها اليدين. وفي قول مخرج أو وجه: أن فيهما الحكومة كالشهور، وبه قال مالك؛ لأن السمع لا يحلهما، وليس فيهما ممنفعة ظاهرة، وإنما هما جمال وزينة، وسواء السمالة والمثقوبة إذا لم يذهب منها شيء، وسواء أذن السامع والأصم؛ لأن السمع في الصماخ لا فيهما، بخلاف الكلام والبصر؛ فإنهما في اللسان والعين. قال: (وبعض بقسطه)؛ لأن ما وجبت فيه الدية وجبت فيه الدية وجبت في بعضه بالقسط كالإصبع، ويعتبر ذلك بالمساحة، ولا فرق بين الأعلة والأسفل. قال: (ولو أيبسهما .... فدية) كما لو ضرب يده فشلت. قال: (وفي قول: حكومة)، وبه قال أبو حنيفة؛ لبقاء منفعتهما بعد الشلل من جمع الصوت، ومنع دخول الماء وهذا الصحيح في (أصل الروضة) و (الشرح الصغير) وفاقًا ل (التهذيب)، ويجريان فيما إذا أيبس المارن. قال: ولو قطع يابستين ...... فحكومة)، كما لو قطع يدا شلاء أو قله عينًا قائمة.

وَفِي قَوْل: دِيَة. وَفِيَّ كُلّ عَيَّننَ نَصُفّ دِيَة ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: دية)، كما في اليد الشلاء؛ لأن المنفعة إنما بطلت بالقطع، وهذان القولان مبنيان على القولين في المسألة قبلها، فمن أوجب ثم الحكومة ... أوجب هنا الدية، ومن أوجب ثم الدية ... أوجب هنا الحكومة. وإذا جنى عليها فأسودت .... ففيها الحكومة. قال: (وفي كل عين نصف دية)؛ لما روى مالك [2/ 849] والنسائي [5/ 57]: أن في كتاب عمرو بن حزم: (وفي العينين الدية)، وحكي ابن منذر فيها الإجماع، ولأنها من أعظم الجوارح نفعا فكانت أولى بإيجاب الدية، وسواء الصغيرة والكبيرة، والحادة والكليلة، والصحيحة والعليلة. و (العين): حاسة البصر للإنسان وغيره من الحيوان، وهى مؤنثة، وجمعها: أعين وعيون وأعيان قال الشاعر: كأعيان الجراد المنظم وتصغيرها: عيينة بالياء، وجمع الجمع: أعينات، والكثير: عيون. روى: أن قتادة بن النعمان لما فقئت عينه يوم أحد ... أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله؛ إنى تزوج بامرأة أحبها وأخاف أن تقذرني، فرد عينه- بعد أن سالت على خده - إلى مضعها وبصق فيها ودعا له، فقال: (اللهم؛ أكسهُ جمالًا، فكانت أحسن عينيه، وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى.

وَلَو عَيْنَ أَحْوَلَ وَأَعْمَشَ وَأَعْوَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ورأي الشيخ أبو عبد الله بن النعمان رحمه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم مرة، فقال له في الأخيرة: يا رسول الله؛ أي الصلاة عليك أفضل؟ قال: قل: (اللهم؛ صل على محمد الذي ملأت قلبه من جلالك، وعينه من جمالك، فأصبح فحًا مسرورًا مؤيداَ منصورً). قال: (ولو عين أحول وأعمش)؛ للحديث ولبقاء المنفعة، كما لا ينظر إلى قوة البطش والمشي وغيرهما. والمراد: الحولاء التي نظرها سليم. و (الأحوال): الذي في عينيه خلل لا في بصره ـ قال في (الصحاح): العمش: ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في أكثر الأوقات. قال: (وأعور)؛ يعني: أن عين الأعور المبصرة كغيرها لا يجب فيها إلا نصف الدية، كما أن يد الأقطع لا يجب فيها إلا نصف الدية. وقال مالك وأحمد: في عين الأعور كمال الدية. ولو فقأ الأعور مثل عينه المبصرة من إنسان .... فله القصاص خلافًا لأحمد، فإن عفا المجني عليه عن القصاص .... فله نصف الدية، وعن مالك: أن له جميع الدية. و (العور): ذهاب حس إحدى العينتين، والأنثي: عوراء و (الأعشي): الذي لا يبصر باليل. و (الأخفش): صغير العين ضعيف العين.

وَكَذا مَن بِعَيْنهُ بَياض لا يُنْقِص الضَوْء، فَإِنَّ نَقُصّ .... فَقِسْط، فَإِنَّ لِمَ يَنْضَبِط فَحُكُومَة. وَفي كُلّ جَفْن رُبْع دِيَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الأجهر): الذي لا يبصر في الشمس قال: (وكذا من بعينه بياض لا ينقص الضوء)؛ فإنه لا يمنع القصاص ولا كمال الدية وكأن كالثاليل في اليد والرجل. ولا فرق بين أن يكون على بياض الحدقة أو سوادها، وكذا لو كان على الناظر إلا أنه رقيق لا يمنع الإبصار ولا ينقص الضوء. قال: (فإن نقص ... فقسط)؛ اعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها ولانقص، ويجب في الدية قسط ما نقص. قال: (فإن لم ينضبط ... فحكومة)، ووفرق بينه وبين عين الأعمش؛ بأن البياض هو الذي ينقص الضوء الذي كان في أصل الخلقة، وعين الأعمش لم ينقص ضوءها عما كان في الأصل، فإن صيره بذلك أعشى ... لزمه نصف الدية، فإن عشي بإحدهما ... لزمه ربع الدية. فرع: أخذ دية البصر ثم عاد ... استردت قطعا؛ لأن العمي والشلل المحققين لا يزولان، وكذا السمع وسائر المعاني. روى البيهقي في (الشعب) [1088] في (با ب الرجاء والخوف)، والقشيري عن الليث قال: رأيت عقبة بن نافع ضريرًا، ثم رأيته بصيرًا، فقلت له: بم رد الله بصرك؟ فقال: قيل لى في منامي: قل: يا قريب، يا مجيب، يا سميع الدعاء، يا لطيفا لما يشاء، فقلت ذلك، فرد الي بصري. قال: (وفي كل جفن ربع دية)؛ ففي الأجفان الأربعة الدية؛ لأن فيها جمالًا ومنفعة لصيانة العين عما يؤذيها.

وَلَو لِأَعْمَى، ومارن دِيَة. وَفِيَّ كُلّ مَن طَرَفَيْهُ وَالحاجِز ثَلَّثَ، وَقَيْل: في الحاجِز حُكُومَة، وَفِيهِما دِيَة ـــــــــــــــــــــــــــــ وأغرب الماوردي في قوله: ورد في كتاب عمرو بن حزم: (في الجفن الواحد ربع الدية): نظرًا للتقسيط، ولا فرق بين الجفن الأعلى والأسفل، والصغير والكبير، واختصت دية الأجفان بأنها رباعية. و (الجفن) بفتح الجيم وكسرها. قال: (ولو لأعمى)؛ لجمالها وإن كانت منفعة البصر بها أعم؛ لأنها تقي الحدقة الحر والبرد والقذي والآفات، وفي بعض الجفن الواحد قسطة من الربع. وإنما يجب كمال الدية إذا إستؤصلت، لكن لا يجب في الجفن المستحشف إلا الحكومة. ولو قطع الأجفان والعينين .... وجيت دية للأجفان وأخرى للعينين. فإن قطع الأجفان وعليها الأهداب ... فالأصح: دخول حكومتها في دية الأجفان كما تدخل حكومة الشعر من المضحة في أرشها. فإن أزال الأهداب وحدا وأفسد المنبت .... لزمه الحكومة، وبه قال مالك. وعند أبي حنيفة: يجب كمال الدية في إزالة شعور الأهداب والحاجبين وشعر الرأس واللحية. قال: (ومارن دية)؛ لحديث عمرو بن حزم: (وفي الأنف إذا أرعب جدعًا الدية). وروى الشافعي [ام 6/ 118] عن طاووس قال: عندنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وفي الأنف إا قطع مارنه مئة من الإبل). و (المارن): ما لان من الأنف، وهي ثلاث طبقات: (الطرفان والحاجز بينهما، وسواء في ذلك أنف الأشم والأخشم. قال: (وفي كل من طرفيه والحاجز ثلث)؛ توزيعا للدية عليها. قال: (وقيل: في الحاجز حكومة، وفيهما دية)؛ لأن الجمال وكمال المنفعة

وفي كل شفة نصف دية - وهي في عرض الوجه إلى الشدقين، وفي طوله ما يستر اللثة على الأصح - ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهما دون الحاجز، وهذا محكي عن النص، واختاره ابن سريج وأبو إسحاق وصححه البغوي. فلو قطع المارن وبعض القصبة .... فدية فقط في الأصح. ولو سقط بعض أنف المجذوم فقطع رجل الباقي ..... وجب قسطه من الدية اعتبارًا بالمساحة. ولو قطع المارن مع قصبة الأنف ...... فهل تجب حكومة القصبة أو لا تجب إلا الدية؟ وجهان: نقل الشيخان عن الإمام: أن أظهرهما: الاندراج، والذي نص عليه الشافعي - وهو المفتي به -: وجوب الحكومة. ولو شق ما رنه فذهب منه شيء ولم يلتئم .... فعليه من الدية قسط الذاهب، وإن لم يذهب منهشيء ... لزمه الحكومة سواءالتأم أم لا. قال: (وكل شفة نصف دية)؛ إذ في كتاب عمرو بن حزم: (وفي الشفتين الدية) سواء كانتا غليظتين أو رقيقتين، أو كبيرتين أو صغيرتين، ولما فيهما من الجمال والمنفعة؛ إذا الكلام يتم بهما ويمسكان الريق والطعام. وعن مالك: في العلبا ثلث الدية، وفي السلة الثلثان؛ لأن السفلى أنفع، وهذا معارض بأن لكل واحدة منفعة ليست للأخرى فتساويا، ولأن تفاضل المنافع في الأعضاء المتجانسة لا يوجب تفاضلها في الديات كالأصابع والأسنان. قال: (وهي في عرض الوجه إلى الشدقين، وفي طوله ما يستر اللثة على الأصح)، هذا ثابت في غالب نسخ (المنهاج) و (المحرر)، لكن المصنف ضرب عليه بخطة، والخلاف خاص بالطول. وقال الرافعي في هذا: إنه أعدل الوجوه، وأنه يروى عن النص، ولأجله صححه في (الروضة). و (الثاني): أنه المتجافي إلى محل الاوئتاق. والثالث: ما ينبو عند الانطباق.

وَلِسانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: الذي لو قطع لم تنطبق الشفة الأخري علي الباقي. و (الشدق) بكسر الشين: جانب الفم، والجمع: أشداق. و (اللثة) بكسر اللام: ما حول الأسنان من اللحم ويجب بقطع بعض الشفة ما يقتضيه التقسيط، وفي إشلالهما كمال الدية، وفي قطع الشلاء الحكومة كالجفن. وأصل الشفة: شفهة، حذفت منها الهاء، وتصغيرها: شفيهية والجمع: شفاه. وهل تتبع حكومة الشارب دية الشفة؟ فيه وجهان. ولو شق شفته ولم يبن منها شيئا .... فحكومة. ولو قطع شفة مشقوقة ... فعليه دية ناقصة بقدر حكومة الشق. ومشقوق الشفة السفلي: أفلح، ومشقوق العليا: أعلم، وما أحسن قول الزمخشري (من الطويل): وأخرني دهري وقدم معشرا .... لأنهم لا يعلمون وأعلم ومد قدم الجهال أيقنت أنتي ... أنا الميم والأيام أفلح أعلم قال: (ولسان)، فإذا كان ناطقا سليم الذوق .... ففيه دية؛ لما روى عمرو بن حزم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيه الدية)، وبه قضي ابو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، ونقل الشافعي في (الأم) وابن المنذر فيه الإجماع، ولأنه من تمام الخلقة، وفيه جمال ومنفعة يتميز به الإنسان عن البهائم في البيان والعبارة عما في الضمير. وروى الحاكم [3/ 330] بإسناد حسن مرسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجمال، فقال: (في اللسان). ويقال؛ ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة. وله ثلاث منافع: في الكلام، والذوق، والاعتماد عليه في أكل الطعام وإدارته في اللهوات حتى يستكمل طحنه بالأضراس.

وَلَو لَأَلْكَن وَأَرَتّ وَأَلْثَغ وَطَفَل دِيَة، وَقَيْل: شَرْط طِفْل ظُهُور أَثِر نَطَقَهُ نُطْقهُ نَطُقّهُ نُطْقهُ نَطَّقَهُ بِتَحْرِيكهُ لَبِكاء وَمَصّ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: الذوق في الحلق فإذا أزال نطق اللسان وذوقه .... فالمجزوم به في (الروضة) تبعا ل (التهذيب): وجوب ديتين). وقال الماوردي: في لسان الناطق الفاقد للذوق حكومة كالأخرس. قال: (ولو لألكن وأرت والثغ وطفل دية)؛ لإطلاق الحديث، ولأن ذلك كضعف البطش في اليد. وللروياني في لسان الأرت والألثغ نظر. و (اللكنة): عجمة في اللسان وعي، يقال: رجل ألكن: بين اللكن. والأرت) و (الألثغ) تقدما في (صلاة الجماعة). قال: (وقيل: شرط طفل: ظهر أثر نطفة بتحريكه لبكاء ومص)؛ لأنها أمارات ظاهرة على سلامى اللسان، ويعرف ذلك بنطقه بحروف الحلق، وهي أول ما يظهر عند البكاء، وبحروف الشفة في (بابا) (ماما)، وبحروف اللسان في زمانه ك (دادا) فإن لم ينطق بذلك في زمنه .... ففيه حكومة: لأن الظاهر خرسه ولو قطعه ساعى لادته .... فالأصح: وجوب الدية حملًا له علي الصحة. وقيل ك حكومة ولو ولد أصم فلم يحسن الكلام لعدم سماعه إياه .... فهل واجبه حكومة أو دية؟ فيه وجهان. فائدة: كان لسان حسان بن ثابت يصل إلى جبهته وإلى نحوه، وكذلك كان أبوه وجده وابنه عبد الرحمن، وكان يقول: والله لو وضعته على صخر لفلقه أو شعر لحلقه. وفي آخر ورقة من (الشفا) [879]: أن عمر بن الخطاب نذر قطع لسان ولده

وَلِأَخْرَس حُكُومَة، وَكُلْ سَنّ لَذَكَّرَ حُرّ مُسْلِم خَمْسَة أَبْعِرَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الله لما شتم المقدام بن الأسود، فكلم في ذلك، فقال: (دعوني أقطع لسانه حتي لا يشتم أحد بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (ولأخرس حكومة) سواء كان خرسه أصليا أو عارضا كما في اليد الشلاء، وفيه احتمال لابن سلمة: أنه تجب الدية، فلو ذهب ذوقه بقطع لسنه .... وجبت الدية للذوق. فروع: إذا أخذت دية اللسان فنبت ..... لم ترد ديته علي الأصح: لأنها نعمة جديدة، قال ابن أبي هريرة: رأيت رجلا قطع لسانه ثم نبت ولو جني عليه فخرس ثم نطق ..... قال الماوردي: رد ما أخذ قطعا ً؛ لأن ذهاب الكلام كان مظنونا وقطع اللسان محقق فالعائد غيره، وهذا مخالف لما تقدم عنه في عود البصر. ولو كان مشقوقا ... وجب بقطع طرفيه الدية، وبقطع أحدهما قسطه منها. وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا ... فالكل حكمه. ولو قطع بضعة منه ولم ينقص بذلك شيءمن الكلام .... فالأصح: حكومة فقط إذا لو وجب القسط .... للزم إيجاب الدية الكاملة في لسان الأخرس. وفي قطع اللهاة الحكومة. قال: (وكل سن لذكر حر مسلم خمسة أبعرة)؛ لرواية عمرو بن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في السن خمس من الأبل) سواء في ذلك البيضاء والسوداء، والطويلة والقصيرة، والصغيرة والكبيرة، والضرس والثنية والناب وغيرها؛ لدخولها في لفظ السن وإن انفرد كل واحد منها باسم، كالخنصر والسبابة والوسطي في الأصابع؛ لما روى أبو داوود [4547] والترمذي بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأسنان: الثنية والضرس سواء). وخرج ب (الذكر): الأنثي؛ ففي سنها بعيرها ونصف، وهو نصف عشؤ ديتها،

سَواء كَسْر الظاهِر مِنها دُون السَنِخ أَو قَلَّعَها بِهِ. وَفِيَّ سان زائِدَة حُكُومَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي سن اليهودي والنصراني بهذه النسبة، وفي سن العبد نصف عشر قيمته. قال: (سواء كسر الظاهر منها دون السنخ أو قلها به) تكمل دية السن بقلع كل سن تامة أصلية مثغورة غير مقلقة، فهذه أربعة قيود: الأول: كونها تامة فتكمل دية السن بكسر ما ظهر منها وإن بقي السنخ بحالة، أما في الأولي ..... فبلا خلاف، وأما في الثانية .... فعلى الأصح؛ لظاه الخبر. ولا تجنب زيادة على أرش السن، بل تدخل حكومة السنخ في دية السن كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع. وقيل: تجنب حكومة للسنخ لزيادة الجناية بقلعه. وموضع الخلاف: إذا كان القالع لهما واحدا وقلعهما معا كما يشعر به تعبير المصنف، فلو قلع الظاهر ثم السنخ بعد الاندمال أو قلع واحد السن وآخر السنخ ... وجبت للسنخ حكومة. قال: (وفي سن زائدة حكومة) أشار بهذا إلى القيد الثاني؛ ففي الزائدة الحكومة كالإصبع لزائدة، والمراد بها: الخارجة عن سمت الأسنان، وعبر عنها في (المحرر) وغيره بالشاغية. ولو سقطت سنه فاتخذ سنا من ذهب أو حديد أو عظم طاهر .... فلا دية في قلعها، وأما الحكومة، فإن قلعت قبل الالتحام .... لم تجنب لكن يعزر القالع، وإن قلعت بعد تشيث اللحم بها واستعدادها للمضغ والقطع .... فلا حكومة أيضا على الأظهر؛ لأنها ليست من الأسنان الأصلية. وقال الإمام: عندي لا يلتحم اللحم على الذهب.

وَحَرَكَة السَنّ إِن قَلَت .... فَكَصَحِيحَة، وَإِنَّ بَطَّلتَ المَنْفَعَة .... فَحُكُومَة، وَإِنَّ نَقَّصَت ... فَالأَصَحّ: كَصَحِيحَة. ولوقلع سَنّ صَبِّي لِمَ يثغر فَلَم تُعِد وَبانَ فَسادَ المَنْبَت .... وَجَّبَ الأَرْش، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحركة السن إن قلت .... فكصحيحة، وإن بطلت المنفعة .... فحكومة). هذا ب ان لقيد الثالث؛ فإن كانت حركتها يسيرة لا تنقص المنافع .... لم يؤثر ذلك في قصاص ولا دية؛ لبقاء الجمال والمنفعة، وإن بطلت منفعتها ... ففيها الحكومة؛ للشين الحاصل بزوال المنفعة. والظاهر: أن مرادهم منفعة المضغ لا كل منفعة؛ فإن من المنافع ما هو باق، وهو: الجمال، وحبس اللسان والطعام. قال: (وإن نقصت ... فالأصح: كصحيحة)، فيجب الأرش؛ لوجود أصل المنفعة من المضغ، وحفظ الطعام، ورد الريق، ولا أثر لضعفها كضعف البطش. والثاني: تجب الحكومة كما في اليد الشلاء. وتعبيره ب (الأصح) الصواب: إبداله بالأظهر؛ فإن المسألة ذات قولين شهيرين في (الأم). قال الإمام: ومحلها: إذا غلب على الظن سقوط الأسنان، فإن غلب على الظن ثباتها ... كمل أرشها قطعا. وإذا اصفرت السن أو اخضرت بجناية ... وجبت الحكومة. وحكومة الأخضرار أقل من الاسوداد، وحكومة الاصرار اقل من الأخضرار. قال: (ولو قلع سن صبي لم يثغر فلم تعد وبان فساد المنبت ... وجب الأرش) هذا بيان للقيد الرابع؛ فإذا قلع سن صبي لم يثغر .... فقد سبق في الجنايات: أنه لا يستوفي في الحال قصاص ولادية وتجب الحكومة إن بقي شين، وإن مضت المدة التي يتوقع فيها عودها؛ فإن عادت .... فلا قصاص ولا دية وتجب الحكومة إن بقي شين، وإن مضت المدة التي يتوقع فيها عودها فلم تعد وفسد المنبت .... استوفي القصاص أو الدية؛ إقامة لحدود الله تعالى.

وَالأَظْهُر: أَنَّهُ إِن ماتَ قَبِلَ البَيان ... فَلًّا شيء، وَأَنَّهُ لُو قِلْع سَنّ مثغو فَعادَت .... لا يُسْقِط الأَرْش، وَلُو قَلَعتُ الأَسَنّانِ فَبِحِسابهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (لم يثغر هو بمثناة تحت مضمومة ثم مثلثة ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة، معناه: لم تسقط أسنانه التي هي رواضعه. قال: (والأظهر: أنه إن مات قبل البيان ... فلاشيء)؛ لأن الأصل برءة الذمة، والظاهر: أنه لو عاش لعادت. والثاني: يجب الأرش؛ لأن الجناية قد تحققت، والأصل: عدم العود. والخلاف وجهان، وقيل: قولان، فكان ينبغي أن يعبر بالأصح، عكس التي قبلها. وظاهر قوله: (لم يجبشيء): نفي الأرش والحكومة، وليس كذلك، بل الخلاف في الأرش وحده، وإذا قلنا: لا يجب ... وجبت الحكومة كما جزم به في (الشرح) (الروضة) ونص عليه في (الأم). وحكي في (المطلب) وجهًا: أن الحكومة لا تجب، فاجتمع ثلاثة وجه قال: (وأنه لو قلع سن مثغور فعادت ..... لا يسقط الأرش)؛ لأن العود نعمة جديدة كالموضحة إذا التحمت. والثاني: يسقط؛ لأن العائد قام مقام الأول فكأنه لم يفت. قال: (ولو قلعت الأسنان ... فبحسابه)؛ فيجب في كل سن خمس من الإبل؛ للحديث المتقدم. وهي في غالب الفطرة: اثنان وثلاثون، منها أربع ثنايا، وهي: التي في مقدم الفم ثنتان من أعلي وثنتان نت أسفل، وتليها أربع من أعلى وأسفل يقال لها: الرباعيات بفتح الراء وتخفيف الباء، ثم أربع ضواحك، ثم أربعة أنياب، وأربعة نواجذ بالذال المعجمة، واثنا عشر ضرسا ً، ويقال لها: الطواحين، كذا قاله

وَفِي قَوْل: لا يُزَيِّد عَلِيّ دِيَة إِن أَتَحَدّ جان وَجِنايَة ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخان تبعا لصاحب (البحر)، وهو يقتضي: أن النواجز في أثناء الأضراس، وليس كذلك، بل هى آخرها، وهي من جملة الأضراس. قال الجوهري: ويسمى الناجذ ضرس الحلم، أي: العقل؛ لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل. وأما الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه) .... فالمراد: الضواحك، وهي الأسنان؛ لأن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسمًا. فإذا قلع عددًا من الأسنان .... وجب ما يقتضيه الحساب ما لم يجاوز عشرين، فإن جاوز عشرين ... فقولان: أصحهما: أنه يجب لكل واحدة خمس، حتى إذا كانت اثنين وثلاثين .... وجب فيها مئة وستون من الأبل، وعن أبي حفص ابن الوكيل وغيره القطع بهذا. ويروى عن عمر: أنه كان يقول: (في الضرس بعيران ونصف، وفي السن خمسة)، فلما وقعت أضراس معاوية قال: (أنا أعلم بالأضراس من عمر) فجعلها سواء، وإنما قال ذلك؛ لأنه بان له حين فقدا منفعتها. قال: (وفي قول: لا يزيد علة دية إن اتحد جام وجناية) كما إذا سقاه شيئًا فسقطت، أو أزال الجميع بضربة أو نحوها؛ لأن الأسنان جنس متعدد فأشبهت الأصابع ونحوها وسائر الأعضاء. فأما إذا تعدد الجاني؛ كما إذا قلع واحد عشرين سنًا وقلع آخر ما بقي ... فعلى كل واحد أرش ما قلعه. ولو اتحد الجاني وتعددت الجناية ... نظر؛ إن تخلل الاندمال بأن قلع سنًا وتركه حتى شفي ثم قلع أخرى .... وهكذا إلى استيعاب الأسانا ... فعليه أرش كامل لكل سن، وإن لم يتخلل الاندمال ... فلى القولين، وقيل: يتعدد قطعًا. وإذا زادت الأسنان على اثنين وثلاثين ..... فهل يجب لكل سن خمس أو لا تجب في الزائد على ذلك إلا الحكومة كالإصبع الزائدة؟ فيه في (الشرح) و (الروضة) وجهان من غير ترجيح، وصحح في (الجواهر) الأول.

وَكُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَة، وَلا يَدْخُل أَرِش الأَسَنّانِ في دِيَة اللِحْيَتَيْنِ في الأَصَحّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدتان: الأولى: جزم في (الجواهر) تبعًا لابن سيده بأن من لا لحية له والكوسج لا تكمل أسنانه العدة المتقدمة. الثانية: عبد الصمد بن على بن عبد الله بن عباس الأمير مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثغر، وكانت قطعة واحدة من الأعلى وقطعة من الأسفل، وعاش نحوًا من ثمانين سنة، وروى عن أبيه حديث: (أكرموا الشهود). قال في (الميزان) [2/ 620]: وليس هو بحجة، ولل الحافظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة. فإذا جُني على مثل عبد الصمد ... هل يجب على الجاني دية كامل الأسان، وهي مئة وستون بعيرا أو مئة وخمسون حملًا على الناقص، أو لا يزاد فيه على دية على القول الأخر؛ لأن منفعتها واحدة وقد أزيلت؟ فيه نظر، والأقرب: الأخير. قال: (وكل لحي نصف دية)؛ لما فيهما من كمال المنفعة والجمال. و (اللحيان) بفتح اللم: العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلي، وملتقاهما الذقن، وعليهما تنبت اللحية، وآخرهما من الأعلى يحاذي الأذنين. واستشكل المتولى إيجاب الدية فيهما؛ لأنه لم يرد فيه خبر، والقياس لا يقتضيه؛ لأنهما من العظام الداخلة، فيشبهان الترقوة والضلع وعظم الساعد والساق والفخذ، ولا دية في شيءمن ذلك. وصورة مسألة الكتاب: ألا يكون عليهما أسنان كالطفل، ومن سقطت أسنانه بهرم ونحوه. قال:) ولا يدخل أرش الأسنان في دية اللحيين في الأصح)؛ يعني: إذا كان ععلى اللحيين أسنان كما هو الغالب .... فإن أروشها لا تدخل في دية اللحيين؛ لأن كل واحد منهما مستقل وله بدل مقدر، فلا يدخل أحدهما في الآخر، والمبلغ إذا كانت الأسنان ست عشرة على الغالب مئة وثمانون من الإبل.

وَفِي كُلّ يَد نَصُفّ دُبَّة إِن قَطَّعَ مَن الكَفّ، فَإِنَّ قَطَّعَ فَوْقَهُ ... فَحُكُومَة أُخْرى ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنه لا تجب إلا دية اللحيين وتدخل فيهما أرش الأسنان إتباعا للأقل الأكثر، كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع. والفرق على الأصح: أن اسم اليد يصدق على الكف والأصابع، بخلاف اللحيين؛ فإن خلفتهما تتكامل بدون أسنان. وأما الأسنان العليا .. فمنبتها عظم الرأس، فلو قطع معها من العظم شيئًا ... فعليه الحكومة مع الأرش. قال: (وفي كل يد نصف دية إن قطع من الكف) بالنص والإجماع، ففي كتاب عمرو بن حزم: (في اليد الواحدة نصف الدية). وفي (سنن أبي داوود) [4553] وغيره عن عمرو بن شعيب: (وفي اليد إذا قطعت نصف العقل). وإذا وجب في الواحدة النصف ... كملت فيهما الدية. والمراد ب (اليد): الكف مع الأصابع الخمس؛ لأنها المعبر عنها باليد شرعًا. وعن أبي عبيد ابن حربوية: أن نهاية اليد التي تجب فيها الدية الإبط والمنكب، ويجب فيمت دون ذلك قسطه من الدية. واحتج الأصحاب بأن الله تعالى أمر بقطع يد السارق، وقطعها النبي صلى الله عليه وسلم من الكوع، وبان الأصابع لو انفردت بالقطع ... لو وجبت الدية الكاملة فلأن تجنب إذا قطع معها غيرها أولى. قال (فإن قطع فوقه ... فحكومة أخري)؛ لأنه ليس بتابع، بخلاف الكف مع الأصابع. ومحل ما ذكره المصنف: إذا كانت الجناية واحدة، فإن قطع واحد الأصابع وآخر الكف، أو قطع الأصابع ثم الكف .... فعلى ما سبق في الأسنان. فإن قيل: هل لنا صورة يجب فيها في قطع يد الرجل الحر ثلث الدية.

وَفِي كُلّ إِصْبَع عِشْرَة أَبْعِرَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ فالجواب: أن ذلك في (باب الصيال). وصورته: أن يقطع الدافع يد الصائل اليمني، ثم يتبعه فيقطع يساره عدوانًا، ثم يعود الصائل بعد قطع يديه، فيدفعه المصول عليه بقطع إحدى رجليه، ثم يموت، فيلزمه ثلث الدية ليده اليسرى. وقد يجب في قطع اليدين بعض الدية. وصورته: إذا سلخ جلد رجل، فبادر آخر والحياة مستقرة فيه فقطع يديه ... فإن السالخ تلزمه دية كاملة، وقاطع اليدين يسقط عنه من الدية ما يخص الجلد الذي كان عليهما، ويجب عليه الباقي، مع أنه لو قتله في هذه الحالة .... لأوجبنا عليه القود، كذا نقله الرافعي عن الشيخ أبي علي من غير مخالفة، وسيأتي ذكره في السلخ حيث ذكره الرافعي. قال: (وفي كل إصبع عشرة أبعرة) يستوي في ذلك جميع الأصابع. ففي كتاب عمرو بن حزم: (في كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل. وروى أحمد [2/ 179] وأبو داوود [4544] والنسائي [8/ 56]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأصابع سواء عشرعشر من الأبل). وفي (البخاري) [6896] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذه وهذه سواء)؛ يعني: الخنصر والإبهام. وفي (سنن البيهقي) [8/ 93]: أن عمر كان يرى في الإبهام ثلاثة عشر، وفي التي تليها اثنتي عشرة، وفي الوسطي عشرة، وفي البنصر تسعًا، وفي الخنصر ستة، ثم رجع عن ذلك. قال: وكتب مروان إلى ابن عباس / أتفتي في الأصابع بعشر عشر وقد بلغك عن عمر ما قال؟! فقال ابن عباس: (رحم الله عمر! قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع من قول عمر). ولا يخفي أن هذا والذي بعده في الرجل الكامل.

وَأَنْمَلهُ ثُلُثُ العَشَرَة، وَأَنْمَلهُ إِبْهام نُصَفّها، وَالرِجْلانِ كَاليَدَيْنِ. وَفِيَّ حَلَمَتَيْها دِيتها، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأنملة العشرة، وأنملة إبهام نصفها)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسط دية اليد على أصابعها ... وجب تقسيط دية الإصبع على أناملها، حتي ل كان لرجل في إبهامه ثلاثة أنامل ... ففي كل منها ثلاثة أبعرة وثلث، ولو كان له في غيرها أربعى ... ففي كل بعيران وصنف أوأنلتان ففي كل منهما خمس وهكذا، بخلاف ما لو كانت إصبع زائدة حيث لا تسقط دية اليد عليها؛ لأن الأنامل لما اختلفت في أصل الخلقة الغالبة بالزيادة والنقصان .... كانت كذلك في الخلقة النادرة، بخلاف الإصبع. فلو كان على معصمه كفان أة على عضده ذراعان وكفان أو على منكبه عضدان وذراعان وكفان مع الأصابع، فإن لم يبطش بواحدة منهما .... فليس فيهما قصاص ولادية، وإنما الواجب فيهما الحكومة كاليد الشلاء. وإن كان فيهما بطش، فإن كانت إحداهما أصلية والأخري زائدة ... ففي الأصلية القصاص، وفي الزائدة الحكومة. قال الجوهري: الإبهام الإصبع العظمى، وهي مؤنثة، والجمع: أباهيم. قال: (والرجلان كاليدين) شمل ثلاثة أمور: أحدها: أن في الرجلين دية، وفي الرجل الواحدة نصفها، وهو إجماع، ولا فرق بين العرجاء والسليمة؛ لأن العيب ليس في نفس العضو، وإنما العرج نقص في الفخذ. الثاني: أن في كل إصبع منها عشرة؛ لحديث ابن عباس: (أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل إصبع). الثالث: أن أناملها كأنامل اليد، وهو كذلك، والقدم كالكف، والساق كالساعد، والفخذ كالعضد. قال: (وفي حلمتيها ديتها)؛ لما فيهما من الجمال والمنفعة؛ لأن الثدي لا تستوفي منفعته إلا بهما، وفي إحداهما نصفها.

وَحَلَمَتيه حُكُومَة، وَفِيَّ نَزْل: دِيَة، وَفِيَّ الأُنْثَيَيْنِ دِيَة، وَكَذا ذِكْر ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الحلمة): المجتمع الناتئ من رأس الثدي يلتقمه المرتضع من المرأة، ولونها مخالف لون الثدي غالبًا، وحواليها دائرة على لونها وهي من الثدي لا من الحلمة، وسواء كانتا من صغيرة أو كبيرة، نزل فيهما اللبن أم لا. فلو قطع الثدي مع الحلمة .... لم تجب إلا الدية، وتدخل فيها حكومة الثدي. فإن قطع مع الثدي جلدة الصدر ... وجبت حكومة الجلدة مع الثدي قطعًا فإن وصلت الجراحة إلة الباطن ... وجب مع دية الجلدة أرش الجائفة. فلو جني على الثديين فأيبسهما ... فدية، أو قطع لبنهما .... وجبت حكومة. ولو جني عليهما وهما ناهدتان فاسترسلتا ... فعليه حكومة؛ لأن الفائت مجرد الجمال. ط قال: (وحلمتيه حكومة)؛ لأنه إتلاف جمال فقط. قال: (وفي قول: دية) أي: دية رجل؛ تسوية بين الرجل والمرأة، كاليد والرجل. ومقتضي كلام المصنف: إلحاق الخنثي بالمرأة، كما ألحقه بها في أصل الدية. وقال الأصحاب: الواجب في ثدييه أقل الأمرين: من دية المرأة أو الحكومة؛ لأنه المحقق. قال: (وفي الأنثيين دية) ولو من عنين أو محبوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم: (وفي الأنثيين الدية). ويروي: (وفي البيضتين الدية) رواه النسائي [8/ 57]. ولأن فيهما منفعة التناسل؛ لانعقاد المبين إذا نزل فيهما، وهما من تمام الخلقة. وفي إحداهما نصف الدية كاليد، فلو قطعها فذخب منيه ... لزمه ديتان. قال: (وكذا ذكر)؛ ففي كتاب عمرو بن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي الذكر الدية)، ولأن فيه منفعة التناسل، وهو من أعظم المنافع، فأشبه الأنف.

وَلَو لَصَغِير وَشَيْخ وَعَنَّينَ. وَحَشَفَة كَذِكْر، وَبَعْضها بِقَسَطهُ مِنها، وَقَيْل: مَن كُلّ الذِكْر، وَكَذا حَكَم بِعَضّ مارن وَحَلَمَة، وَفِي الأليين الدِيَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن في الذكر الدية. وعن قتادة أنه قال: في ذكر الذي لا يأتي النساء ثلث ما في ذكر الذي يأتيهن. وذكر الخصي عند الجمهور كذكر الفحل. وقال مالك والثوري وأحمد وأصحاب الرأي: فيه حكومة. قال قتادة وإسحاق: فيه ثلث الدية. وفي قطع الذكر الأشل حكومة. ولو ضرب ذكرا فشل .... فعليه كمال الدية، ولو قطع معه شيئًا من العانة ... وجبت الحكومة أيضًا. و (الذكر) جمعه: مذاكير، على غير قياس، كأنهم فرقوا بين الذكر الذي هو الفحل وبين العضو في الجمع. قال: وحشفة كذكر) فيجب فيها وحدها الدية؛ لأن ما عداها من الذكر تابع لها، كالكف مع الأصابع، بل هي أعظم منافعه؛ إذ تتعلق بها لذة المباشرة وأحكام الوطء تدور على تغيببها. قال: (وبعضها بقسطه منها)؛ لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها. قال: (وقيل: من كل الذكر)؛ لأنه الأصل المقصود بكمال الدية, قال المتولي والبندنيجي: هذا إذا لم يختل مجرى البول، فإن اختل ... فالأكثر من قسط الدية وحكومةفساد المجري. قال: وكذا حكم بعض مارن وحلمة)، فيجب القسط من الدية موزعة على المارن وحده أو الحلمة وحدها على الصحيح. قال: (وفي الأليين الدية)؛ لما فيهما من الجمال والمنفعة في الركوب والقعود، وسواء في ذلك الرجل والمرأة، فيجب فيهما إذا استوعبا القصاص، خلافًا للمزني وبعض أصحابنا.

وَكَذا شَفْراها، وَكَذا سَلْخ جَلْد إِن بَقَّيْ حَياة مُسْتَقِرَّة وَحَزَّ غَيْر السالخ رَقَبتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا شفراها)؛ لما فيهما من الجمال والمنفعة، وبهما يقع الالتذاذ بالجماع، وهما: اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتيم بالفم. ولا فرق بين السمينة والهزيلة، والبكر والثيب، والرقاء والقرناء؛ فإن النقصان والخلل في غيرهما، وسواء المختونة وغيرهما. ولو صرب شفريها فشلا ... وجب كمال الدية. ولو قطع مع الشفرين (الرَكَّب) بفتح الراء والكاف، وهو عانة المرأة ... وجب حكومة مع الدية. ولو قطع شفري بكر وأزال بالجناية بكاراها ... وجب مع دية الشفرتين أرش البكارة. ولو قطع شفريها فجرح موضعًا آخر بقطع لحم أو غيره ... لزم للثاني حكومة. قال: (وكذا سلخ إن بقي حياة مستقرة وحز غير السالخ رقبته)؛ لأن سلخ الجلد كالجنس الواحد من الأعضاء من حيث إنه معد لغرض واحد؛ فتجنب في سلخه الدية. قال الأئمة: وسلخ جمعيه قاتل، لكن قد تعرض حياة مستقرة بعه فتظهر فائدة الدية. قال الأئمة: وسلخ جمعية قاتل، لكن قد تعرض حياة مستقرة بعده فتظهر فائدة إيجاب الدية فيه كما لو حز غيره رقبته. ونقل الرافعي عن الشيخ أبي على وجهًا: أنه لو قطعت يداه بعد سبخ الجلد توزع مساحة الجلد على جميع البدن، فما يخص اليدين يحط من دينهما، ويجب الباقي، وقد تقدم في دية اليدين الإشارة إلى هذا الوجه، وعلى قياسه: لو سلخ جلد مقطوع اليدين ... لزمه دية إلا قسط اليدين من الجلد. وقال في (الحاوي): في سلخ الجلد حكومة لا تبلغ دية نفس، والمذهب: الأول، وهذه المسألة ليست في (التنبيه) لكن ذكر بدلها: اللحم الناتئ على الظهر من جانبي السلسة، وقال: إن فيه الدية، ولا تعرف لغيره، وذكرها الجرجاني في (الشافي) و (التحرير) تبعًا له. وقوله: (وحز غير السالخ رقبته) تابع فيه الرافعي؛ أنه لا يتصور إلا في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، وهو ممنوع، فقد يتصور في السالخ أيضًا؛ بأن تكون إحدي الجناحين عمدًا والأخرى خطأ وقلنا بالأصح: إنهما لا تتدخلان. تتمة: نص في (الأم) على أن في كسر الترقوة حكومة، ونص في (اختلاف الحديث) على أن فيها جملًا، فقيل: قولان: التقديم: جمل؛ لما روى مالك [2/ 861] والشافعي [1/ 225] بإسناد صحيح: أن عمر قضي بذلك، وبه قال أحمد. والجديد: حكومة، وقطع المتولي وغيره بالحكومة كسائر العظام، وحملوا قضاء عمر على أن الحكومة كانت في الواقعة قدر جمل. و (الترقوة) بفتح التاء: العظم المتصل بين المنكب وثغرة النحر. قال الجوهري: ولا تقل: ترقوة بالضم، ولكل أحد ترقوتان، والجمع: تراقي، قال تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} ذكرهم بموطن من مواطن الهول، وأمر من أمره الذي لا محيد لبشر عنه، وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان. والضمير في (بَلَغَتِ) للنفس وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن الكلام يدل عليها، كما قال حاتم (من الطويل): لعمرك ما يغني الثراء عن الفتي .... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر روى: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما احتضر جلست ابنته عائشة عند رأسه تبكيه وتكرر هذا البيت، ففتح عينيه وقال: لا تقولي هكذا، وقولي: (وجائت سكره الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد). وكذلك كان يقرأ بالأية، وهي كذلك في مصحف ابن مسعود بإضافة السكرة إلى الحق؛ لأن الموت يعقبها، فكأنها جاءت به، ويجوز أن تكون سكرة الحق سكرة الله أضيفت إليه تعظيما لشأنها وتوهيلًا.

فَرعَ: في العَقْل دِيَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فرع) ضمنه حكم إزالة المنافع، وذكر في الفصل الذي قبله الجروح والأعضاء، فذكر فيه ستة عشر عضوًا، وفي هذا اثني عشر شيئًا، ويجوز أن يجتمع في شخص ديات كثيرة؛ بأن تزال منه أعضاء ومنافع ولا تسري إلى النفس بل تندمل. قال: (في العقل دية) قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على ذلك. وفي كتاب عمر بن حزم: (وفي العقل مئة من الإبل).ولأنه أشرف الحواس فكان أحق بكمال الدية، ولذلك قمه المنص، ولأن به يتميز الإنسان عن البهيمة ولا ينتفع بشيء انتفاعه به. ولا يجب في إذهابه قصاص على المذهب؛ لاختلاف الناس في محله: فقيل: القلب، وهو الصحيح عند أصحابنا وأكثر المتكلمين. وقيل: الدماغ، وإليه ذهب أبو حنيفة وجماعة من الأطباء. وقيل: مشترك بينهما. وهوضد الحمق؛ لأنه صفة يميز بها بين الحسن والقبيح، سمى عقلًا؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، وجمعه: عقول، والمراد به هنا: الغريزي الذي يترتب عليه التكليف. وأما العقل المكتسب الذي به حسن التصرف ... ففيه حكومة فقط، وظاهر كلام الشافعي والأصحاب: أنه يتبعض. وقال الماوردي: لا يتبعض في ذاته، فلا يصح أن يذهب بعضه ويبقي بعضه، ولكن قد يتبعض زمانه؛ فيعقل يومًا ويجن يومًا، فإن كان كذلك .... وجبت الدية بحسب تجزئة الزماني. قال الرافعي: وقد تتأتي معرفة التفاوت بغير الزمان؛ بأن يقابل صواب قوله

فَإِنْ زالَ بِجُرْح لَهُ أَرِش أَو حُكُومَة وَجُبّا، وَفِيَّ قَوْل: يَدْخُل الأَقَلّ في الأَكْثَر، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنظوم فعله بالخطأ منهما، ويجب قسط ما بينهما، وهو الذي ذكره في (التهذيب). وذكر المتولي: أن الدية إنما تجب عند تحقق الزوال بقول أهل الخبرة، فإن توقفوا في زواله ... توقفن في الدية، فإن مات قبل الاستقامة ... ففي الدية وجان، كما لو قلع سن غير مثغور فمات قبل عودها. قال: (فإن زال بجرح له أرش أو حكومة ..... وجبا) أي: وجب الأرش المقدر أو الحكومة مع دية العقل، ولا ين\رج الأرش في دية العقل كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (في الموضحة خمس من الإبل، وفي العقل الدية، وفي اليد خمسون من الإبل) فنص على ذلك، فلم يجز إسقاطه. ولأن العقل عرض مختص بمحل مخصوص، فلم يدخل فيه أرش الجناية كالسمع، وهذا هو الجديد، وإليه ذهب مالك وأحمد. وعلى هذا: لو قط يديه ورجليه فزال عقله .. لزمه ثلاث ديات. واحترز ب (ما له أرش مقدر) عما إذا زال بلطمة؛ فإن أرش الجناية يدخل في دية العقل. قال: (وفي قول: يدخل الأقل في الأكثر) هذا القول قديم، وإليه ذهب أبو حنيفه، ووجه بأن العقل يشبه الروح من حيث إن زواله كزوال الروح في سقوط التكليف، فيدخل أرش الجناية في ديته إذا كان الأرش أقل. فإن كانت دية العقل أكثر كما لو أوضح رأسه فزال عقله .... ز دخل فيها أرش الموضحة. وإن كان أرش الجناية أكثر كما إذا قطع يديه مع بعض الذراع أو يده ورجليه فزال عقله ... تدخل في دية العقل، وضعف هذا القول بأن مقتذاه دخول الأرةش فيه وإن

وَلَو أُدْعَى زَوالهُ، فَإِنَّ لِمَ يَنْتَظِم قَوْلهُ في خَلَواتهُ، فَلَّهُ دِيَة بَلًّا يَمِين. وَفِيَّ السَمْع دِيَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ كثرت، وأن لا يجب بقطع يده شيءكالميت قال: (ولو ادعي زواله فإن لم ينتظم قوله وفلعه في خلواته .... فلخ دية بلا يمين) لأن يمينه تثبت جنونه، والمجنون لا يحلف كالصبي إذا ادعي البلوغ، كذا أطلقه الشيخان، وهو في مطبق الجنون ظاهر. أما إذا كان الإختلاف مع تقطع الجنون .... فإنه يحلف زمن إفاقته كما صرح به ابن الرفعة. وقوله: (ادعي زواله) فيه نظر؛ لأن المجنون لا تصح دعواه وعبارة (الشرح) و (الروضة): أنكر الجاني زوال العقل ونسة إلة التجانن، فيحمل ما في الكتاب على دعوى وليه أو منصوب الحاكم. وعلى هذا: يقرأ لفظ المصنف بضم الهمزة ولم يذكروا للمراقبة حدا وغاية، والظاهر: أن غايتها أن تتكرر بحيث يغلب علي الظن صدقه أو كذبه من غير ضبط بمدة مقدرة. قال: (وفي السمع دية) كذا رواه البيهقي [8/ 86] عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إسناده غير قوي، وهو من أشرف الحواس فأشبه البصر، بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء؛ لأنه يدرك به من الجهات الست وفي النور والظلمة، ولا يدرك باالبصر إلا من جهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع. وقال أكثر المتكلمين بتفصيل البصرعليه؛ لأن السمع لا تدرك به إلا الأصوات، والبصر تدرك به الأجسام والألوان والهيئات، فلما كانت تعلقاته أكثر .... كان أفضل. وفي (سنن البيهقي) [8/ 68]: أن رجلًا رمى رأس رجل فذهب سمعه ولسانه ومعقله وذكره، فلم يعرف النساء، ففقضي فيه عمر بأربع ديات وهو حي، ولا مخالف له.

وَمِن أُذُنٍ نِصْف، وَقَيْل: قِسْط النُقَّص، وَلُو أَزالَ أُذُنَيْهُ وَسَمِعَهُ .... فَدِيَتانِ، وَلُو أَدَّعِي زَوالهُ وَأَنْزَعِج بصياج في نُوَّم وَغَفْلَة .... فَكاذِب، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما تجب الدية في السمع إذا زال بالكلية، فإن لم يزل ولكن أرتق داخل الأذن بالجناية ارتتاقا لا وصول إلى زواله .... فالأصح: وجوب حكومة. وقيل: تجب دية. قال: (ومن أذن نصف)؛ لأنه من المثاني، فكان كذهاب الضوء من إحدي العينين؛ لأن لكل أذن خرتا يجرى فيه الصوت إلى منتهاه، كما قيل (من الطويل): وكيف ترى ليلي بعين ترى بها .... سواها وما طهرتها بالمدامع وتلتذ منها بالحديث وقد جرى .... حديث سواها في خروت المسامع قال: (وقيل: قسط النقص) أي: من الدية، وهذا قياس قولنا: إن السمع ليس من المثاني، ولكن اعتبار النظر إلى الأذن أقرب. قال الرافعي: وقد يقال: تجب الحكومة؛ لأن السمع واحد، وإنما التعدد في المنفذ، بخلاف ضوء البصر؛ فإن لطيفته متعددة ومحلها الحدقة. قال: (ولو أزال أذنيه وسمعه .... فديتان)؛ لقطعة عضوا وإذهابه منفعة حالة في غيره، فلم يدخل أرش المنفعة في دية العضو كما لو أوضحه فعمي. قال: (ولو ادعي زواله وانزعج بصياح في نوم وغفلة .... فكاذب)؛ لظهور ما يدل عليه. ومقتضي تعبيره ب (كاذب): أن الجاني لا يحلف، وليس كذلك؛ فقد صرح الماوردي بأنه يجب ان يحلف أن سمعه لم يذهب بجناية. وخص المصنف الانزعاج بالصياح وهو لا يختص به، بل الرعد وطرح شيء له صوت من علو كذلك.

وإلاَّ فيحلف ويأخذُ ديَة، وإِنَ نَقَصَ فقسطُهُ إنْ عُرِفَ، وَإِلّا .... فَحُكُومَة بِاجْتِهاد قاضَ، وَقَيْل: يُعْتَبَر سَماع قَرَننَهُ في صِحتِهُ، وَيَضْبِط التَفاوُت ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيد الماوردي (الصياح) بصوت مزعج مهول يتضمن إنذارًا أو تحذيرًا، قال: ولا بد من تكرر ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوالسمع بها. قال: (وإلا ..... فيحلف ويأخذ دية)؛ لأن الظاهر صدقه، والتحليف لاحتمال التجلد. ثم إذا ثبت زوال سمعه إما بإقرار الجاني أو بالطريق المذكور .... قال الماوردي: يراجع عدول الأطباء، فإن نفوا عوده ... وجبت الدية في الحال، وإن جوزوا عوده إلى مدة معينة ... انتظرت: فإن عاد فيها ..... سقطت، وإلا .... ثبتت. قال: (وإن نقص .. فقسطه إن عُرف)؛ بأن كان يسمع من موضع فصار يسمع من دونه، ويؤخذ ذلك من الدية كنظائرة. وطريق معرفته: أن يحدثه شخص ويتباعدإلى أن يقول: لا أسمع، فيعلي الصوت قليلًا ، فإن قال: أسمع .... عرف صدقه، ثم يعمل كذلك من جهة أخرى، فإّا اتفقت المسافتان .... عرف صدقه، ثم ينسب ذلك من مسافة سماعه قبل الجناية إن عرفت، ويجب بقدره من الدية. قال: (وإلا ... فحكومة باجتهاد قاض) أي: وإن لم يعرف ولكن ساء سمعه وثقلت أذنه ... فالذي أورده الأكثرون وعليه جرى صاحب (التهذيب) وغيره: أنه لا سبيل إلى تقديره، وتجب حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده. قال: (وقيل: يعتبر سماع قرنه في صحته) هذا رأى الإمام وطائفتة، وهو أن عتبر بسمع (قرنه) وهو: المماثل له في السن والصحة، وهو بفتح القاف كما ضبطه المصنف بخطه، والجمع: أقران. وكيفية ذلك: أن يجلس إلى جنبه (ويضبط) نهاية سمع السليم ونهاية سمع المجني عليه، ويجب بنسبة ما بينهما من (التفاوت) من الدية. فلو قال: أنا أعلم قدر ما ذهب من سمعي .... قال الماوردي: صدق بيمينه؛ لأنه لا يعرف إلا من جهته، كما تصدق المرأة في حيضها.

وَإِنْ نَقَصَ مِن أُذُنٍ .... سُدَّتْ وَضُبِط مُنْتَهَى سَماع الأُخْرى ثُمَّ عُكِس وَوَجَبَ قِسْطُ التَفاوُت. وَفِي ضَوْء كُلّ عَيْن نِصْفُ دِيَة، فَلَو فَقَأَها ... لِمَ يَزِد، وَإِن ادَّعَى زَوالهُ ... سُئِلَ أَهْلُ الخِبْرَة، أَو يَمْتَحِن بِتَقْرِيب عَقْرَب أَو حَدِيدَة مَن عينهُ بَغْتَة، وَنَظَر هَل يَنْزَعِج؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن نقص من أذن ... سدت وضبط منتهي سماع الأخري ثم عكس ووجب قسط التفاوت)؛ طلبا للعدل، فإن لم ينضبط ..... فالحكومة. قال: (وفي ضوء كل عين نصف دية)؛ لأن منفعتها النظر فذهابه كالشلل، وفي كتب الفقه عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي البصر الدية) وليس بمعروف في كتب الحديث، وسواء الصغيرة والكبيرة، وعين الطفل والشيخ والشاب، والحادة والكليلة / والصحيحة والعليلة، والعشيلء والعمشاء، والحولاء إذا كان النظر سليمًا. فإن أخذت دية البصر ثم عاد .... استردت قطعًا. قال: (فلو فقأها ..... لم يزد) كما لو قطع يديه، بخلاف ما لو قطع أذنية فبطل سمعه؛ لأن السمع ليس في جر الأذن. ولو أزال الضوء ثم فقأهما .... وجب مع الدية حكومة. قال: (وإن ادعى زواله .... سئل أهل الخبرة)؛ فإنهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة الشمس ونظروا في عينيه .... عرفوا هل الضوء ذاهب أو موجود؟ بخلاف السمع؛ فإنهم لا يراجعون فيه؛ إذ لا طريق لهم إلى معرفته. فإن كانت الجناية عمدًا .. اشترط رجلان من أهل الخبرة، وإلا ..... كفي رجل وامرأتان. ثم إذا روجع أهل الخبرة فشهدوا بذهاب البصر .... لم يحلف وتؤخذ الدية، بخلاف الامتحان؛ فإنه لا بد من تحليفه. قال: (أو يمتحن بتقريب عقرب أو حديدة من عينه بغتة، ونظر هل ينزعج؟) فإن

وَإِنَّ نَقُصّ ..... فَكَالسَمْع ـــــــــــــــــــــــــــــ انزعج .... فالقول قول الجاني بيمينه، وإن لم ينزعج .... فالقول قول المجني عليه بيمينه، والأول هو المنقول عن (الأم)، والثاني - وهو الامتحان بما تقرر - قاله آخرون، وعليه جرى الغزالي. وقال المتولي: الأمر إلى خبرة الحاكم، وهو الذي في الكتاب تبعًا ل (المحرر). وجعل في (الروضة) ذلك خلافًا لم يصحح منه شيئًا. قال: (وإن نقص ... فكالسمع)، فيجب من الدية قسط الذاهب إن عرفت نسبته. وإن لم يعرف مدى بصره قبل الجناية .... وجب حكومة؛ لتعذر إيجاب قسط من الأرش المقدر. وقيل: يعتبر بمثله في السن والصحة كما سبق في السمع. وإن نقص ضوء إحدى العينين ... عصبت العليلة وضبط قدر ما يبصر بالصحيحة، فإن اختلف كلامه .... عمل بالأقل، ثم تعصب الصحيحة ويضبط قدر ما يبصر بالعليلة، ويجب قسط الناقص بالمساحة؛ لاختلاف الناس في البصر، فعن الماسرجسي أنه قال: رأيت صائدا يرى الصيد من فرسخين. حادثة: سئل ابن الصلاح عن رجل أرمد بالبايدة تدعى الطب لتداوي عينه، فكحلته، فتلفت عينه: هل يلزمها ضمانها؟ فأجاب: إن ثبت أن ذهاب عينه بدوائها .... فعلى عاقلتها ضمانها، وإن لم يكن ... فعلى بيت المال، وإن تعذر .. فعليها في مالها، إلا أن يكون الأرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين ..... فلا تضمن. قال: ونظيره: ما إذا البالغ العاقل في قطع سلعته أو فصده فمات .... لا يضمن، أنا إذا لم ينص عليه ... فلا يتناول إذنه ما يكون سببًا في إتلافه.

وَفِيَّ الشَمّ دِيَة عَلَى الصَحِيح، وَفِيَّ الكَلام دِيَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي الشم دية على الصحيح) بالقياس علي البصر، واستدل له الرافعي وابن الرفعة بأن ذلك ورد في كتاب عمرو بن حزم، ولا يعرف ذلك فيه. والثاني: ليس فيه إلا حكومة؛ لأنه ضعيف النفع، فإن منفعته إدراك الروائح وما يتأذي برائحته أكثر مما يتلذذ به. ولو أذهب شم أحد المنخرين ... وجب نصف الدية. قال الرافعي: ويشبه أن يجئفيه الوجه المذكور في إبطال سمع إحدى الأذنين. وإن انتقص الشم ... نظر: إن علم قدر الذاهب ... وجب القسط، وإلا ... فالحكومة، ويمتحن المجني عليه بتقريب ما له رائحة طيبة أو خبيثة، فإن هش للطيبة وعبس للخبيثة .... صدق الجاني بيمينه، وإلا .... صدق المجني عليه بيمينه بعد أن يكرر ذلك عليه. وقيل: يشم الخردل المدقوق، فإن دمعت عيناه ... فكاذب، وإلا .... فلا. قال بقية بن الوليد لشعبة - وهو من شيوخة -: ما تقول في رجل ضرب فادعى زوال شمة؟ فقال: سمعت المشيخة يقولون: يشم الخردل، فإن دمعت عيناه ... فهو كاذب، وإن لم تدمع ... أعطي الدية. فإن اختلفا في نفس النقصان .... صدق المجني عليه؛ إذ لا يعرف من جهته ولو أخذ المجني عليه الدية ثم عاد الشم ... وجب ردها. قال: (وفي الكلام دية) قال الشافي: لا أحفظ عن أحد لقيته من أهل العلم فيه خلافا، ونقله ابن المنذر عن أكثر أهل العلم ومنهم الأئمة الثلاثة، ولم تثبت فيه سنة. وقول الرافعي، وغيره عن زيد بن أسلم: مضت السنة بالدية فيه غريب، إنما رواه البيهقي عنه في الصوت.

وَفِيَّ بِعَضّ الحُرُوف قَسَطهُ، وَالمُوَزَّع عَلِيّها ثَمانِيَة وَعِشْرُونَ حِرَفًا في لُغَة العَرَب وَقَيْل: لا يُوَزِّع عَلِيّ الشَفَهِيَّة وَالخُلْقِيَّة، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إنما تجب الدية إذا حكم أهل الخبرة بان نطقه لا يعود، فإن عاد ..... استردت فلو ادعاه ... امتحن في الخلوة بما يفرغ، فإن لم يظهرشيء ... حلف. قاال: (وفي بعض الحروفقسطه) لكل حرف ربع سبع الدية؛ فإن الكلام يتركب منها، وسواء ما خف منها على اللسان وما ثقل. قال: (والموزع عليها ثمانية وعشرون حرفًا في لغة العرب)؛ لأن اللسان يعبر عن جمعيها، ولهذا لا ينطق الأخرس بشيء منها وعدها الجمهور كما عدها المصنف، وأسقطوا لا؛ لأنها لام وألف وهما معدودان. والماوردي والإصطخري وجمهور النحاة عدوها تسعًا وعشرين، وأسقط المبرد (الهمزة) فجعلها ثمانية وعشرين. ولا شك أن حروف اللغات مختفلة، فبعضها أحد وعشرون، وبعضها ستة وعشرون، وبعضها أحد وثلاثون، فكل من تكلم بلغة فبطل كلامه ... وزعت ديته على حروف تلك اللغة وقد انفردت العرب بحرف الضاد، فلا يوجد في غيرها كما تقدم في (صفة الصلاة). وفي بعض اللغات حروف ليست في لغة العرب، كالحرف المتولد بين الجيم والشين. فلو كان أعجمي اللسان .... اعتبر عدد حروف لغته. قال: (وقيل: لا يوزع علي الشفهية والحلقية) هذا رأي الإصطخري وابن أبي هريرة؛ فإنهما خصا التوزيع بحروف اللسان وهي ثمانية عشر؛ لأنها متعلقة به دون (الشفهية) وهي ستة: الهمزة والهاء والحاء والخاءش والعين والغين، وبهذا قال مالك. واستدل للأول بأن الحروف وإن كانت مختلفة المخارج إلا أن الاعتماد في جمعها على اللسان؛ إذ لا يستقيم إلا به.

وَلُو عَجَّزَ عَن بِعَضّها خَلَقَة أَو بِآفَة سَماوِيَّة ..... فدة، وَقَيْل: قِسْط، أَو بِجِنايَة .... فَالمُذَهَّب: لا تَكْمَل دِيَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا ذهب بعض الحروف وبقي كلام مفهوم، فإذا لم يبق كلام مفعوم ... فوجهان: أحدهما: يجب كمال الدية، وبه جزم البغوي، وقال الروياني: إنه المذهب. والثاني: لا يلزمه إلا قسط الحروف الفائتة، قال المتولي: وهو المشهور المنصوص. ولو ضرب شفته فاذهب الحروف الشفهية، أو رقبته فأذهب الحروف الحلقية قال المتولي: إن قلنا بقول الإصطخري ... وجبت الحكومة فقط، وإن قلنا بقول الأكثرين ... وجب قسط الدية من جميع الحروف. ولو جتى على لسانه فصار يبدل حرفًا بحرف .... وجب قسط الحرف الذي أبطله، ولو ثقل لسانه بالجناية، أو حدث في كلامه عجلة، أو تتمته، أو فأفأة، أو كان ألثغ فزادت لثغته .... فالواجب الحكومة؛ لبقاء المنفعة. وتعبيره ب (الشفهية) هو الصواب؛ لأنها منسوبة إلى الشفة، وأصلها: شفهة. وأما تعبير (المحرر) بالشفوية ... فلا وجه له إلا على قول ضعيف: إن المحذوف منها الواو. قال: (ولو عجز عن بعضها خلقة أو بآفة سماوية ... فدية)؛ لأن ضف منفعة العضو لا يخل بكمال ديته كضعف البطش، فإذا أذهب بعض الحروف .... وزعت على ما يحسنه لا على الجميع. قال: (وقيل: قسط) أي: من جميع الحروف؛ لأن النطق مقدر بالحروف، بخلاف البطش. فعلى هذا: لو كان يقدر على التعبير عن جميع مقاصده بما يحسنه بذكائه .... لم تكمل الدية علة الأصح. قال: (أو بجناية) أي عجز عن بعضها بجناية (فالمذهب: لا تكمل دية)؛ لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول، والخلاف في هذه مرتب على الخلاف في التي قبلها.

وَلُو قَطَّعَ نَصُفّ لِسانهُ فَذَهَبَ رُبْع كَلامهُ أَو عَكْس ... فَنَصِف دِيَة. وَفِيَّ الصَوْت دِيَة، فَإِنَّ أُبَطَّل مَعَهُ حَرَكَة لِسان فَعَجْز عَن التَقْطِيع وَالتَرْدِيد فَدِيَتانِ، وَقَيْل: دِيَة. وَفِيَّ الذَوْق الدِيَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه أو العكس ... فنصف دية)؛ لأن منفعة العضو إذا ضمنت بديته ... اعتبر فيه الأكثر من العضو والمنفعة، كما لو قطع الخنصر فشلت اليد ... وجب دية يد، وإن لم تشل .... وجب عشر من الإبل وهو خمس ديتها وإن كان الذاهب دون خمس المنفعة. قال: (وفي الصوت دية)؛ لما تقدم من راوية البيهقي له عن زيد بن أسلم من قوله: مضت السنة أن في الصوت الدية، وقول الصحابي: (من السنة كذا) في حكم المرفوع، ولأنه من المنافع المقصودة. قال في (المطلب): وصورة المسألة: أن يزول الصوت ويبقي اللسان على اعتداله وتمكنه من التقطيع والترديد. قال: (فإن أبطل معه حركة لسان فعجز عن التقطيع والترديد .... فديتتان)؛ لأنهما منفعتان مختلفتان في كل واحد منهما إذا انفردت الدية، فإذا فوتنا .... وجب ديتان. قال: (وقيل: دية)؛ لأن المقصود الكلام، لكنه يفوت تارة ببطلان الصوت وأخرى بعجز اللسان عن الحركة. قال: (وفي الذوق الدية) كباقي الحواس، بل هو أنفع من الشم، وقد يبطل الذوق بجنايته على اللسان أو الرقبة أو غيرهما. وصورة الجمهور بأن يجنى عليه فيفقد لذة الطعام والتمييز بين الطعوم الخمسة الآتية، واستشكله ابن الصباغ بأن النص: أن في لسان الأخرس الحكومة مع أن الذوق يذهب بقطعة، فدل على أن في الذوق الحكومة, وهو متوجه.

وَتُدْرِك بِهِ حَلاوَة وَحُمُوضَة وَمَرارَة وَمُلَوِّحَة وَعُذُوبَة، وَتُوَزِّع عَلِيّهُنَّ، فَإِنَّ نَقُصّ .... فَحُكُومَة. وَتَجَنَّبَ الدِيَة في المُضَغ وَقُوَّة إِمْناء بِكَسْر صَلَبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا ادعي ذهابه جرب بالأشياء المرة أو الحامضة أو الحادة، فإن ظهرمنه تعبيس وكراهة ... صدقنا الجاني بيمينه، وإلا .... فالمجني عليه. ولو ضربه ضربة زال بها ذوقه ونطقه ... وجبت ديتان؛ لأن محلها مختلف، والنفع بهما قد ألأف، فليست ديتهما تأتلف. قال: (وتدرك به حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة، وتوزع عليهن)، فإذا أبطب إدراك واحد .... وجب خمس الدية. قال الماوردي: وربما أوصل الأطباء الطعوم إلة ثمانية، وذلك لا نعتبره في الأحكام؛ لدخول بعضها في بعض. قال: (فإن نقص ..... فحكومة) أى: فإن نقص الإحساس فلم تدرك الطعوم على كمالها .... فالواجب الحكومة. قال: (وتجب الدية في المضغ)؛لأنه المنفعة العظمي للأسنان، والأسنان مضمونة بالدية، فكذا منافعها، كالبصر مع العين، والبطش مع اليد، فتكمل الدية في إبطاله، ولإبطاله طريقان: أحدهما: أن يجني على اللحيين فييبسا حتى لم ينقتحا ولم ينطبقا فلا يضمن دية الأسنان حيئنذ منافعها؛ لأنه لم يجن عليها. والثاني: أن يجني على الأسنان فيصيبها خدر فتبطل صلاحيتها للمضغ، وهذا الحكم لم يرد فيه خبر ولا أثر، ولم يتعرض له الشافعي والجمهور، وإنما قاله الفوراني والإمام، فتبعها الناس. قال: (وقوة إمناء بكسر صلب)؛ لأن فيه منفعة النسل فتكمل فيه الدية، بخلاف انقطاع اللبن بالجناية على الثدي؛ فإن فيه حكومة فقط؛ لأن الرضاع يطرأ ويزول، واستعداد الطبيعة للإمناء صفة لازمة للفحول. وإذا قطع أنثييه فذهب ماؤه ... لزمه مع دية الأنثيين دية أخرى؛ لذهاب الماء.

وَقُوَّة حَبَلَ وَذَهاب جِماع، وَفِيَّ إِفْضائها مَن الزَوْج وَغَيَّرَهُ دِيَة - وَهُوَ: رَفَعَ ما بَيَّننَ مُدْخَل ذِكْر وَدَبَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الصلب): العظم المتصل من بين الكتفين إلى عجب الذنب، وفيه خمس لغات: صلب وصُلب وصَلَب وصُلَب وصالِب، وهي قليلة الأستعمال، لم تسمع إلا في قول العباس رضي الله عنه: (تنقل من صالب إلى رحم). قال: (وقوة حبل)، فتكمل فيه الدية إذا أبطله من المرأة؛ لانقطاع النسل. قال: (وذهاب جماع)، فإذا جنى على صلبه فذهب جماعه .... لزمه دية؛ لأن ذلك من المنافع المقصودة، وقد ورد به الأثر عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم، ولا مخالف لهم. ولو ادعى زواله فأنكر الجاني .... صدق المجني عليه؛ لأنه لا يعرف إلا من جهته. وصوره بما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي ذكره سليمًا، فكأنهم أرادوا بذهابه: بطلان الالتذاذ والرغبة فيه، ولذلك صوره الإمام والغزالي بإبطال شهوته، واستبعد الإمام إبطالها مع بقاء المني. قال: (وفي إفضائها من الزوج وغيره دية)؛ لفوات منفعة الاستمتاع أو اختلاله، سواء استمسك مع ذلك بولها أم لا، وسواء أفضاها بذكر أم بغيره وإن كانتزانية. وفي كلام بعضهم ما يفهم الإهدار فيها، وفيه نظر إلا أن تكون عالمة بأنه يفضيها، فيكون إذنها في ذلك كالإهدار. وقد روى عن زيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز في الإفضاء الدية، وعلله الماوردي بأنه يقطع التناسل؛ لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لامتزاجها بالبول، فأشبه قطع الذكر. وأصل الإفضاء من الفضاء، وهى البرية الواسعة. ويستقر المهر على الزوج بالوطء. قال: (وهو رفع ما بين مدخل ذكر ودبر)؛ إذ به تفوت المنفعة بالكلية بصيرورة سبيل الجماع والغائط واحدًا.

وَقَيْل: ذِكْر وَبُول - فَإِنَّ لِمَ يُمَكِّن وَطْء إِلّا بِإِفْضاء .... فَلَيْسَ لِلزَوْج، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: ذكر وبول) وهذا عليه الأكثرون؛ لأن ما بين القبل والدبر عظم لا يتأتى كسره إلا بحديدة أو نحوها، ولذلك لم يفصح الرافعي فيه بترجيح، بل نقل كلا عن طائفة، إلا أنه رجح الأول في (المحور) و (الشرح الصغير)، فتابعه المصنف عليه هنا وفي (الروضة)، ثم خالفا ذلك فجزما بالثاني في (باب الخيار في النكاح)، وهو الأوجه. وفي وجه ثالث صححه المتولي: أن كلا منهما إفضاء موجب للدية؛ لأن الاستمتاع يختل بكل منهما. فعلى هذا: لو أزال الحاجزين .... لزمه ديتان، ومحل إيجاب الدية إذا لم يلتحم، فإن التحم وعاد الحاجز إلى ما كان ... لم تجب إلا الحكومة، كما لو عاد ضوء البصر. وفي وجه: أن الدية تستقر، كما لو التحمت الجائفة. والفرق علي الصحيح: أن هناك يلزم الأرش بالاسم، وهنا بفوات العضو وهو الحاجز، فإذا عاد ..... فلا معنى للدية. ثم إن الدية الواجبة بالإفضاء تختلف: فقد يكون عمدًا محضًا بأن كانت نحيفة والوطء يفضيها غالبًا، وقد يكون شبه عمد بأن يحتما الإفضاء وعدمه، وقد يكون خطأ بأن يجدها في فراشه فيظنها زوجته. وخرج يقول المصنف: (إفضائها) الخنثي المشكل؛ فلا دية في إفضائه على التفسير الثاني، فإن قلنا بالتفسير الأول ... فوجهان. ولو أزيلت البكارة من فرجه .... وجبت حكومة جراحة، ولا تعتبر البكارة؛ لأنا لا نتحقق كونه فرجًا، كذا نقله الشيخان عن المتولي، وناقشهما في (المهمات). قال: (فإن لم يمكن وطء إلا بإفضاء .... فليس للزوج)؛ لإفضائه إلى الإفضاء المحرم، وليس لها تمكينه في هذه الحالة. وقال الغزالي: إن كان سببه ضيق المنفذ بحيث يخالف العادة .... فللزوج خيار

وَمَن لا يَسْتَحِقّ افْتِضاضها فَأُزال البَكارَة بِغَيْر ذِكْر ... فَأَرِشها، أَو بِذَكَر لَشَبَّة أَو مَكْرَهَة ... فَمَهْر مَثَل ثييا وَأَرِش البَكارَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الفسخ كالرتق، وإن كان سببه كبر آلته بحيث يخالف العادة .... فلها خيار الفسخ كما في الجب. وقد تقدم في (النكاح): أنه لا خيار بذلك على المذهب. قال الرافعي: ويشبه أن يفصل. فإن كانت الزوجة تحتمل وطء نحيف مثلها .... فلا فسخ وإن كان ضيق المنفذ بحيث يفضي مثلها من أي شخص فرض ..... فهو كالرتق، وينزل ما قاله الأصحاب على الأول، وما قاله الغزالي على الثاني. قال: (ومن لا يستحق افتضاضها فأزال البكارة بغير ذكر ... فأرشها) المراد: الحكومة المأخوذة من تقدير الرق كما سيأتي في بيان الحكومة إن شاء الله تعالى، ويكون الواجب من جنس الإبل على الأصح، وقيل: من نقد البلد. قال: (أو بذكر لشبهة أو مكرهة .... فمهر مثل ثيبًا وأرش البكارة)، ولا يندرج أرشها في المهر؛ لأن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع، والأرش يجب لإزالة تلك الجلدة، فالجهتان ومختلفتان. وإن أزالها بالذكر، فإن طاوعته ... فلا أرش كما لا مهر. والمراد ب (المطاوعة): أن تصرح بالإذن، فإن سكتت ... ففي وجوب المهر لها وجهان، ذكرهما الرافعي في آخر (باب استيفاء القصاص)، ومقتضاه: ترجيح الوجوب. وجزم في (الروضة) في (باب البيوع المنهي عنها) بوجوب مهر بكر وأرش بكارة فيما إذا وطئ الجارية في الشراء الفاسد. وإن كانت مكرهة أو نكح فاسدا ... فوجهان: أصحهما: يجب مهر مثلها ثيبًا وأرش البكارة كما قاله المصنف. واحترز ب (المكرهة) عن المطاوعة، فلا أرش لها ولا مهر.

وقيل: مهر بكر، ومستحقه لا شيء عليه، وقيل: إن أزال بغير ذكر .. فأزش. وفى البطش ديه، وكذا المشى، ونقصهما حكومه، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأغرب ابن القطان فقال: إذا لف على ذكره خرقه أفضاها .. كذلك لا مهر لها وأنما يلزمه الأرش كما لو أزال بكارتها بأصبعه. قال) وقيل: مهر بكر) لأن القصد الاستماع، والجلده زالت فى ضمنه، وهذا صححه فى (الروضه) فى (باب خيار النقص). والصغيرة والمجنونه يظهر أنهما كالمكرهه. ومن لزمه أرش البكاره لوحصل معه إفضاء .. دخل أرش فى ديه الأفضاء فى الأصح لأنهما يجبان بالأتلاف فدخل الأقل فى الأكثر، بخلاف المهر فهو للأستماع فلا يندرج فى الأتلاف، كما لو تحامل عليها حال الوطء فكسر رجلها .. لا يدخل المهر فى ديه الرجل قال: (ومستحقه) وهو الزوج (لا شيء عليه) لأنه مأذون له فيه شرعا فلا يضره الخطأ فى طريق الاستيفاء. قال: (وقيل: إن أزال بغير ذكر .. فأرش) لعدوله عن الطريق المستحق له، فيكون حينئذ كالأجنبى، وفيما رجحوه نظر لأن الزوج قد يطلق قبل الدخول فيصير مهرها مهر ثيب بعد أن كان مهر بكر فيحصل لها الضرر. قال: (وفى البطش ديه، وكذا المشى) لأنهما من المنافع المقصوده، فإذا ضرب يديه فأشلهما .. لزمت الديه، ولو ضربت إصبعه فشلت .. لزمه ديه إصبع، ولا تؤخذ الديه حتى يندمل فإن شفى وعاد مشيه وبطشه .. فلا ديه، ولكن عليه الحكومه إن بقى عليه أثر شين قال: (ونقضهما حكومه) لأجل ما فات، والمراد: نقص كل منهما.

ولو كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه أو ومنيه .. فديتان، وقيل دية. فرع: أزال أطرافا ولطائف تقضى ديات فمات سرايه .. فديه، وكذا لو حزه الجانى قبل أندماله فى الأصح، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه أوومنيه .. فديتان) لأن كل واحد منهمامضمون بالديه عند الانفراد فكذا عند الاجتماع. قال: (وقيل: ديه) لأن الصلب محل المنى ومنه يبتدئ المشى، والماء ليس له محل مخصوص فى البدن وإنما يتولد من الأغذيه الصحيحه إذا أخذ منها البدن. تنميه: اختلف الجانى والمجنى عليه فى زوال المشى .. امتحن المجنى عليه بأن يقصد بالسيف فى غفله منه، فأن مشى .. بان كذبه، وإلا .. حلف وأخذ الديه. قال: (فرغ) هذا ذكره لاجتماع ديات فى الأنسان. قال الغزالى: وهى تقرب من عشرين، وعدها الشيخان سبعه وعشرين فى رجل، وستة وعشرين فى المرأه، فأذا أضيف إليها موجبات الحكومه والشجاج والجوائف .. اجتمع من ذلك مال كثيرلا ينحصر. قال: (أزال أطرافا ولطائف تقتضى ديات فما سرايه .. فديه) لأنها صارت نفسا. فالأطراف كاليد والرجل، واللطائف كالسمع والبصر، فلو سرى بعضا واندمل بعض .. وجب فى المندمل أرشه، ورجعت ديه السارى إلى النفس. قال: (وكذا لو حزه الجانى قبل اندماله فى الأصح) .. فلا تجب إلا ديه النفس

فإن حَزَّ عمدا والجنايات خطأ أو عكسه .. فلا تداخل فى الأصح، ولو حز غيره .. تعددت ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهما وجبت قبل استقرار بدل الأطراف، فيدخل فيها بدل الأطراف كما لو سرت. والثانى – وخرجه ابن سريج، وبه قالالإصطخرى، واختاره الإمام -: تجب ديه الأطراف مع ديه النفس ولا تداخل، كما لو حز بعد الأندمال، وكما لوكان الحاز غيره. واحترز بقوله: (فبل الاندمال) عما بعده فأنه تجب ديه الأطراف وديه النفس قطعا لاسقرار ديه الأطراف بالاندمال، وهذا بخلاف ما إذا قطع أعضاء بهيمه فسرت الجنايه إلى النفس أو عاد فقتلها فأنه تجب قيمتها يوم موتها، ولا يندرج فيها قيمة الأطراف لأن الغالب على جنايات الإنسان التعبد الذى لا يتوقف على معناه. قال: (فأن حز عمدا والجنايات خطأ أو عكسه .. فلا تداخل فى الأصح) لأن التداخل يليق بالمتفقات دون المختلفات، وهذا عكس الأصح فى نظيره من العده. والثانى: يتداخلان كما لو كانا عمدين أوخطأين. قال: (لو حز غيره .. تعددت قولا واحدا لأن ماحصل بفعل الثانى جنايه أخرى لا تعلق لها بما فعل الأول، فلا تداخل، بل على كل واحد منهما موجب ماجنى. تنميه: قطع يده خطأ ثم حز رقبته قبل الاندمال عمدا .. فللولى قتله قصاصا وليس قطع يده. فإن قتله قصاصا وقلنا بالتداخل وجعلنا الحكم للنفس .. فلا شيء له من ديه. وإن قلنا: لا تداخل أخذ نصف الديه من العاقله لليد. وإن عفا عن القصاص وقلنا بالتداخل .. فالأصح: تجب ديه مغلظه على الجانى

فصل: تَجِبْ الحُكُومَة فِيمَا لَا مَقْدِر فِيهِ- وَهِى جُزْء نِسْبَتِه إِلَى دِيَّة النَّفْسِ، وَقِيلَ: إِلَى عُضْو الجِنَايَة –نِسْبَتَهُ نَقُصَّهَا مِنْ قِيمَتُه لَوْكاَنَ رَفِيقًا بِصِفَاتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن معنى التداخل: إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس. وإن قلنا: لاتداخل .. وجب نصف ديه مخففه على العاقله لليد وديه مغلظه عليه للنفس. قال: (فضل: تجب الحكومه فيما لا مقدر فيه، وهى جزء نسبته إلى ديه النفس – وقيل: إلى عضو الجنايه – نسبته نقصها من قمته لو كان رفيقا بصفاته) لما انتهى الكلام فى الديه .. عقبه بذكر الحكومه لتأخرها عنها لأنها لا تجب إلا فيما لا مقدر فيه، والغزالى ذكرها فى أوائل الباب. قال الرافعى: وذكرها هنا أحسن ليتم الكلام على الانتظام صنع فى (الروضه) فذكرها هنا. مثاله: جرح يده، فيقال: كم قيمه المجنى عليه بصفاته التى هو عليها بغير جنايه لوكان عبدا؟ فإذا قيل: مئه .. فيقال: كم قيمته بعد الجنايه؟ فإذا قيل: تسعون فالتفاوت العشر، فيجب عشر ديه النفس لأن الجمله مضمونه بالديه فتضمن الأجزاء بجزء منها، وهذا هو الصواب الذى قطع به الجمهور. والوجه الثانى: أنه يناسب إلى العضو الجنايه لا إلى ديه النفس فيجب عشر ديه اليد وهو خمس من الأبل، فإن كانت الجنايه على إصبع بطولها .. وجب بعير، أو على أنمله .. وجب ثلث بعير ويقاس على ذلك ما أشبه. والمنصف أطلق الخلاف، ومحله: إذا كانت الجنايه على عضو له أرش مقدر، فأن كانت على الصدر أو الفخذ مما لا تقدير فيه .. اعتبرت من ديه النفس بلا خلاف كما سيأتى.

فَإِنْ كَانَتْ لِطَرَفٍ لَهُ مَقْدِرْ .. اشْتَرَطَ أَنْ لَا تَبْلُغْ مَقْدِرَه، فَإِنْ بَلَغَهُ .. نَقْص القَاضِى شَيْئًا بِاجْتِهَادِه ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن يستثنى من النسبه: ما إذا قطع أنمله لها طرفان فإن الواجب فيها ديه الأنمله وحكومه، وهذه الحكومه لا تعتبر بالنسبه، بل يوجب الحاكم فيها مايؤدى إليه اجتهاده، وهذاالتقدير مختص بالحاكم، فلو فعله غيره .. لم يكن له أثر فى ذلك قال الماوردى: ولهذا سميت حكومه، قال: وإذا تقدرت باجتهاد الحاكم .. لم يصر ذلك حكما مقدرا فى كل أحد، بخلاف ماورد فى تقدير جزاء الصيد فأنه لازم لكل أحد والفرق: القصور رتبه الاجتهاد عن النص. فرغ: إزالة الشعر من الرأس وغيره بحلق أوغيره من غير أفساد المنبت لا تجب لها حكومه أصلا بلا خوف لأن الشعور تعود ‘كذا فى (الروضه) وفيه في (الكفايه) وجهان آخران: أحدهما: تجب فيه حكومه دون حكومه ما لم يعد. الثانى: إن حصل للمجنى عليه ألم بالإزاله وجب، وإلا.:فلا. وأما إزاله الشعور التى ليس فى بقائها جمال كشعر لحيه المرأه الإبط والعانه .. ففيه وجهان: أحدهما: لا ضمان فيه. والثانى: فيه الحكومه ولو أزال شعر لحيه خنثى وأفسد منبتها، فإن قلنا: نباتها يدل على ذكورته .. لزمه حكومه قطعا، وإن قلنا: لايدل، وهو الأصح .. ففى لزومها الوجهان فى لحية المرأه. فال: (فإن كانت لطرف له مقدر .. اشترط أن لا تبلغ مقدره، فأن بلغته .. نقص القاضى شيئا باجتهاده) لأن العضو مضمون بالأرش لوفات فلا يجوز ان تكون

أَو لَا تَقْدِيرِ فِيهِ كَفَخْذِ .. فَإِنْ لَا تَبْلُغْ دِيَّة النَّفْسِ وَيَقُوم بَعْدَ انْدِمَالَهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَّقِ نَقَصْ .. اعْتَبَرَ أَقْرَبْ نَقْصٍ إِلَى الاِنْدِمَال، وَقِيلَ: يَقْدُرَهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجناية عليه مضمونه به مع بقائه، كالجراحه على الأنمله العليا، وقلع الظفر ينقص حكومتها عن أرش الأنمله. قال الماوردى: وأقل النقص ما يجوز أن يكون ثمنا. وقالالإمام: لايكفى حط أقل متمول، فإذا كانت على رأس .. فلا تبلغ حكومتها أرش الموضحه، وعلى البطن .. لا تبلغ أرش الجفائفه، وحكومه أرش الكف لاتبلغ ديه الأصابع الخمس. ويجوز ان تبلغ حكومه الكف ديه أصبع على الأشبه فى (الشرح) والأصح فى (الروضه) وصحح فى (الكفايه) تبعا للإمام مقابله، وعلل الأول بأن منفعتها تزيد عل منفعه إصبع، ونظير اعتبار نقص الحكومه عن المقدر نقص التعزيز عن المحد، والرضخ عن السهم، والمتعه عن نصف المهر. قال: (أولا تقدير فيه فأن لاتبلغ ديه نفس)، بل يجوز أن تبلغ حكومتها ديه عضو مقدر كاليد والرجل، وأن يزاد عليه، وجعل المتولى والبغوى الساعدوالعضد من هذا القبيل، وهو الأصح فى (الشرح) و (الروضه) وسوى الغزالى بينهما وبين الكف، وهو منصوص (الام) وهوالمتعمد، لارجحه الشيخان، وليست فى (المهمات). قال: (فإن لم يتق نقص)، كما إذا قلع سنا أوقطع أصبعا زائدتين) .. اعتبر أقرب نقص الى الأندمال) فينظر الى ماقبل الاندمال من الحالات التى تؤثر فى نقص القيمه، ويعتبر أقربها الى الاندمال كما قلنا فى ولد المغرور: إنه يقوم أول حال إمكان تقويمه، وهو حاله الوضع. قال: (وقيل يقدره قاض باجتهاده) لئلا تذهب الجنايه هدرا، فينظر الى خفه الجنايه، وفحشها فى المنظر سعه وعرضها، وقدر الألام المتولده.

وَقِيلَ: لَا غَرَمْ وَالجَرْح المُقَدَّرْ كَمُوَضِحَهُ يَتْبَعَهُ الشَّنِينَ حَوَالَيْهِ، وَمَا لَا يَتَقَدَّرْ يِفَرْدِ بِحِكُومِه فِى الأَصَّحْ. وَفِى نَفْسِ الرَّفِيقْ قِيمَتَهُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: لاغرم)، بل يعزر فاعل ذلك، كما إذا لطمه أوضربه بمثقل فزال الألم ولم ينقص منفعه ولا جمالا، وأختاره ابن سريج وقال الإمام: انه القياس قال: (والجرح المقدر كموضحه بتبعه الشين حواليه) لأنه لو أستوعب الإيضاح جميع موضع الشين .. لم يكن فيه إلا أرش الموضحه. هذا إذاكان الشين فى محل الإيضاح، أما أوضحرأسه فاتسع الشين حتى انتهى الى القفا .. فوجهان من غير ترجيح. قال: (ومالاينقدر يفرد بحكومه فى الأصح) فتنجب حكومتان حكومه له وأخرى لشينه لأن الحكومه ضعيفه عن الاستتباع، بخلاف الديه. والثانى: يجب أكثرهما حكومه وتتبعه حكومه الأقل لأن الجرح هو الأصل، والشين كالمتولد منه أو التابع، وعلى هذا: فإناستويا .. فوجهان. وفائده الخلاف تظهر فى عفوه عن إحدى الحكومتين .. فتجب الأخرى. ويرد على إطلاق المصنف المتلاحمه فإنها ليست مقدره دائما، وهى كالموضحه فى استتباع فى الأصح. تنميه: أوضح جبينه وأزال حاجبه .. فعليه الأكثر من أرش الموضحه وحكومه الشين وإزاله الحاجب ، قاله المتولى، وأقره عليه الشيخان. قال: (وفى نفس الرقيق قيمته) لما انتهى الكلام من الحكومه .. عقبها بذكر الجنايه على الرقيق لاشتراكهما فى الأمر التقديرى ولذلك قال الأئمه: إن العبد أصل الحر فى الجنايات التى لايتقدر أرشها، كما أن الحر أصل العبد فى الجنايات التى يتقدر أرشها، حيث تجعل جراح العبد من قيمته كجراح الحرمن دينه.

وفى غيرها مَا نَقَصَ إِنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ مِنْ الحُرِّ، وَإِلَّا .. فَنِسْبَتَهُ مِنْ قِيْمَهِ، وَفِى قَوْلِ مَا نَقَصَ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استوفى المصنف فى (كتاب الغضب) حكم الجنايه على الرقيق وغيره من الحيوان، وإنما أعاده هنا لأن الجنايه عليه تاره تكون من غير إثبات يد عاديه وهو المذكور هنا، وتاره تكون بأثبات اليد وهو المذكور (الغضب) وهما وأن استويا فى حكم النفس لكن يختلفان فى الطرف ونحوه. فإذا كانت الجنايه على نفس الرقيق .. وجبت قيمته بالانفاق كسائر الأموال المتلفه، لكن تختلف بالفضائل والرذائل دون الذكوره والأنوثه والأديان، ولامدخل فيها للتغليظ، ولايختلف الخطأ والعمد فى ضمانه، ويستوى فيه القن والمكاتب والمدبر وأم الولد، فلو كانت مزوحه .. وحبث قيمتها علىلصفه التى كانت عليها حالة الإتلاف قال: (وفى غيرها) أى: فى غير النفس (ما نقص إن لم يتدر من الحر) بلا خلاف لأنا نشبه الحرفى الحكومه بالعبد، ليعرف التفاوت فيرجع به، ففى المشبه به أولى قال: (وإلا فنسيتهمن قيمته) وإن تقدر من الحر كالموضحه وقطع الأطراف، فيجب جزء من قيمته، نسبته إلى كنسبه ال الواجب من الحر الى الديه. روى عن عمر وعلى رضى الله عنهما أنهما قالا (جراح العبد قيمته كجراح الحر فى دينه).وروى الشافعى والبيهقى عن بن سعيد بن المسيب أيضا، وبه قال أبو حنيفه. وقال مالك: الواجب قدر النقصان، إلا فى الموضحه ومنقله والمأمومه والجائفه ففيها المقدر. قال: (وفى قول: مانقص) أى قيمته، كما أن الواجب فى الجمله قدر القيمه لأنه كالبهيمه، لأنه مملوك وبهذا قال المزبى وابن سريج ونسبته المصنف فى (الغضب) الى القديم وهو منصوص (الألم) فى هذا الباب. وخرج ب (الرقيق):المبعض، فقال الماوردى: فى طرفه نصف ما فى طرف

فَلَوْ قُطِعَ ذكره وَأنْثِيَاه .. فَفِي الأَظْهَرْ: قِيمَتَانِ، وَالثَّانِى: مَا نَقَصَ، فَإِنْ لَمْ يَنْقِصْ .. لَا يَجِبْ شَيْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العبد ونصف ما في طرف الحر، ففي يده ربع الدية وربع القيمة، وفي إصبعه نصف عشر الدية ونصف عشر القيمة، وعلى هذا القياس فيما زاد في الجراحات أو نقص. قال: (فلو قطع ذكره وانثياه .. ففى الأظهر: قيمتان) كما يجب فيهما ديتان من الحر. قال: (والثانى: مانقص) أى: من قيمته بالجرح كالبهيمه (فأن لم ينقص) شيء، وقيل: حكومه يقدرها الحاكم باجتهاده. فلو قطع عبدا قيمته ألف فرجعت الى مئتين .. فعلى الأصح: لا يلزمه إلا خمس مئه وعلى الأخر ثمان مئه، ولو رجعت إلى ثمان مئه فعلى الأصح: لا تلزمه إلاخمس مئه وعلى الأخر تلزمه مئتان. تتمه: محل ماذكره المصنف إذا لم يقطع يده غاصب ونحوه، فإن كان كذلك ونقص به مئلا ثلثا قيمه .. لزمه أكثر الأمرين من نصف القيمه والأرش بسبب اليد العاديه كما تقدم فى بابه خاتمه جنى على العيد اثنان قطع أحدهما يده والأخر اليدالأخرى .. فعلى الأصح: إن وقعت الجنايتان معا .. فعليهما قيمته، وإن تعاقبتا وكانت القيمه عند قطع الثانى ناقصه بسبب القطع الأول، فأن مات منهما .. ففى الواجب عليهما أوجه تأتى فى (كتاب الصيد) وأن اندملا، فأن وقع الثانى بعد الأول .. فعلى كل منهما نصف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيمته قبل جنايته، وإن وقع قبل اندمال الأول .. فعلى الثاني نصف ما أوجبناه على الأول. وعلى الوجه الثاني: يجب على كل قاطع ما نقص بجنايته، فإذا قطعت أطراف عبد ثم حز رقبته آخر .. لزمه قيمة العبد ذاهب الأطراف.

بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيِةِ وًالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ صَاحَ عَلَى صَبِيِّ لاَ يُمَيِّزُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ بِذَلِكَ فَمَاتَ .. فَدِيَةٌ مُغَلِّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة غرض الباب بيان: أن الواجب في إهلاك النفس وما دون النفس كما يجب بمباشرة الإهلاك يجب باتسبب إليه، وقد سبق أن مراتب الشيء الذي له أثر في ذلك ثلاث، وهي: العلة والسبب والشرط. ثم أضاف إلى ذلك حكم العاقلة والكفارة، وكان ينبغي أن يقول: وجناية العبد؛ فإنه من فصول الباب، وكذا الغرة، لكن يمكن إدراجهما في العاقلة؛ لأنها تتحملها على الأصح، ولم يبوب في (المحرر) على هذه، بل جعلها فصولا في (الديات). و (العاقلة) جمع: عقل، والعواقل جمع الجمع، سميت عاقلة؛ لأنهم كانوا يعقلون الإبل بفناء دار القتيل، وقيل: لمنعهم إياه، وقيل: لإعطائهم العقل، وهو: الدية. وقيل: لدفعهم الإبل بالعقل، وهي: الحبال التي تثمى بها أيدي الإبل إلى ركبها. قال: (صاح علي صبي لا يميز على طرف سطح فوقع بذلك فمات .. فدية مغلطة على العاقلة)؛ لأنه يتأثر بالصيحة الشديدة كثيرا فأحيل الهلاك عليها، وكذلك الحكم لو صاح على ضعيف التمييز كلمجنون والمعتوه والنائم والمرأة الضعيفة. والمصنف تبع الرافعي في التقييد بطرف السطح، وهو يقتضي: أن وسطه كالأرض فلا يضمن، وعبارة (التنبيه): (سطح)، وهو أعم، وعبارة

وَفِي قَوْلٍ: قِصَاصٌ. وَلَوْ كَانَ بأَرْضٍ، أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ بِطَرَفِ سَطْحٍ .. فَلاَ دِيَةَ فِي الأَصَحِّ. وَشَهْرُ سِلاَحٍ كَصِيَاحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الروضة): (فمات منه)، وهي أحسن من عبارته هنا؛ فإنه لو بقي مدة متألمًا ثم مات منه .. ضمنه، كما لو مات عقبة. ويلتحق بالموت ما لو تلف بعض أعضائه .. فإنه يضمنه بأرشه، ولو زال عقله .. وجبت الدية، كما جزم به الإمام، ونص عليه في (الأم). وخرج بـ (الصياح عليه): ما لو صاح على غيره فوقع هو من الصياح .. فهل يكون هدرًا أو كما لو صاح على صيد؟ الأقرب: الثاني. قال: (وفي قول: قصاص)؛ لأن التأثر بها غالب، وعن أبي حنيفة: لا ضمان في ذلك. قال الرافعي: وقياس من يوجب القصاص: أن تكون الدية مغلظة غلى الجاني، وما قاله بحثًا صرح بنقله البندنيجي. ومثل طرف السطح: النهر والبئر نحوها، ووقع في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) و (الحاوي الصغير): (فارتعد)، فجعلوا الارتعاد شرطًا؛ ليظهر به أن السقوط من خوف الصيحة، وحذفه المصنف؛ لأن الجمهور لم يتعرضوا له، لكنه تعرض له فيما إذا صاح على صيد فاضطرب صبي وسقط، وهو يقتضي اشتراطه هنا أيضًا، وقد يفرق بينهما. قال: (ولو كان بأرض، أو صاح على بالغ بطرف سطح .. فلا دية في الأصح)؛ لأن الموت بذلك بعيد. والثاني: يجب كالسقوط من السطح. وفي البالغ وجه ثالث: أنه إن غافصه من وراثه .. وجب الضمان لغفلته، وهو حسن. قال: (وشهر سلاحٍ كصياحٍ)؛ لأن في معناه، وربما زاد عليه.

وَمُرَاهقٌ مُتَيَقِّظٌ كَبَالِغٍ. وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَاضْطَرَبَ صَبِيٌ وَسَقَطَ .. فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ ذُكِرَتْ بِسُوءٍ فَأَجْهَضَتْ .. ضُمِنِ الْجَنِينُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومراهقٌ متيقظٌ كبالغ)؛ لمشاركته له في عدم التأثر، فلا دية في الأصح. وقوله: (كبالغ) يفهم: أن المميز غير المراهق، وليس كذلك، وقل من تعرض له، لكن عموم قول (التنبيه): (وإن صاح على صبي فوقع من سطح ومات .. وجبت ديته) يشمل ذلك. قال: (ولو صاح على صيد فاضطرب صبي وسقط .. فدية مخففة على العاقلة)؛ لأنه لا يتأثر بها غالبًا، فهو خطأ. وفي وجه غريب عن صاحب (التلخيص): أن الصائح إن كان محرمًا أو في الحرم .. تعلق بصيحته الضمان؛ لتعديه بذلك، وقد صرح المصنف هنا بالاضطراب كما تقدمت الإشارة إليه. قال: (ولو طلب سلطانٌ من دُكرت بسوء فأجهضت .. ضُمن الجنين) خلافا لأبي حنيفة. لنا: ما روى البيهقي [6/ 123] عن الحسن البصري: أن عمر أرسل إلى امرأة من نساء الأجناد يغشاها الرجل بالليل يدعوها وكانت ترقى في درج ففزعت، فألقت حملها، فاستشار عمر الصحابة فيها، فقال عبد الرحمن بن عوف: (إنك مؤدب ولا شيء عليك)، وقال علي: (إن اجتهد .. فقد أخطأ، وإن لم يجتهد .. فقد غشّك، عليك الدية)، فقال عمر لعلي: (عزمت عليك لتقسمنها على قومك) - قيل: أراد: قوم عمر، وأضافهم إلى علي إكرامًا- لكن الأثر منقطع؛ فإن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. واحترز بقوله: (أجهضت) عما لو مات فزعا بالطلب .. فلا ضمان؛ لأن مثله لا يفضي إلى الموت. نعم؛ لو ماتت بالإجهاض .. ضمن عاقلته ديتها؛ لأن الإجهاض قد يحصل منه موت الأم، وعلم منه: أنه لو طلب رجلًا ذُكر عنده بسوء وهدده فمات .. لا ضمان أيضًا؛ لندرة ذلك، وإنما هو موافقة قدر، كذا نص عليه (الأم).

وَلَوْ وَضَعَ صَبيًّا فِي مُسْبَعَةٍ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ .. فَلاَ ضَمَانَ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الاِنْتِقَالُ .. ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (النهاية): يجب الضمان؛ لأنه من الأسباب المؤدية إلى الهلاك. وذكر (السلطان) ليس بقيد في الضمان، فلو هدد غيره حاملًا وأجهضت فزعا .. فظذلك الحكم على ما بحثه الرافعي؛ لأن إكراه غير الإمام كإكراه الإمام. ولو أتي رجل إلأى امرأة وهددها عن الإمام ولم يكن الإمام أمر بذلك فأجهضت جنينًا .. ضمنته عاقلة الرجل. ولو فزع إنسان فأحدث في ثوبه .. لا ضمان؛ لأنه لم ينقص جمالًا ولا منفعة. (الإجهاض): إلقاء الولد قبل تمامه، واستعمله المصنف من الآدميات، والمعروف تخصيصه بالإبل، قاله ابن سيدة وغيره. وقال أبو عبيد: يقال: أجهضت الناقة، وأزلقت الرمكة، وأسقطت النعجة: إذا ألقت ولدها قبل تمامه، وهو ظاهر كلام الجوهري؛ فإنه ذكر الإجهاض في الناقة وحدها، وذكر أن الإسقاط يستعمل فيها وفي غيرها. قال: (ولو وضع صبيًا في مسبعة فأكله سبع .. فلا ضمان)؛ لأن الموجود تضييع وليس بإهلاك، ولأنه لم يُلجئ السبع إليه، بل الغالب من حال السبع الفرار من الإنسان. قال: (وقيل: إن لم يمكنه الانتقال .. ضمن)؛ لأنه إهلاك عرفي، وإن أمكنه الانتقال من موضع الهلاك فلم يفعل .. فلا ضمان على الواضع قطعًا، كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات، فإن كان الموضوع بالغًا فلا ضمان قطعًا.

وَلَوْ تَبِعَ بِالسَّيْفِ هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ طَرَفِ سَطْح .. فَلاَ ضَمَانَ، فَلَوْ وَقَعَ جَاهِلًا لِعَمَىّ أَوْ ظُلْمَةٍ .. ضَمِنَ، وَكَذَا لَوِ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة والضعف لا بالصغر والكبر، والذي قاله صرح به صاحب (المهذب). و (المسبعة) - بضم الميم وسكون السين-: الكثيرة السباع، واحترز بها عما إذا وضعه في مضيعة لا سباع فيها فاتفق أن افترسه فيها السبع .. فلا ضمان عليه قطعًا؛ إحالة للهلاك على اختيار الحيوان ومباشرته. وقد يقال: احترز بها على زبية الأسد؛ فإنها يجب فيها القود في البالغ والصبي، وهذه مسألة صاحب (التنبيه) وغيره، وذكرها الرافعي في (الغصب). قال: (ولو تبع بالسيف هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار أو من طرف سطح .. فلا ضمان)؛ لأنه باشر إهلاك نفسه عمدًا، والمباشرة مقدمة على السبب، وصار كما لو حفر بئرًا فجأة آخر ورمى نفسه فيها، وفي (الشرح) و (الروضة): أن هذا محله في البالغ العاقل، فلو كان المطلوب صبيًا أو مجنونًا .. بني على أن: عمدهما عمد أو خطأ؟ إن قلنا: خطأ .. ضمنه، وإلا .. فلا ضمان، وكل ما كان في معنى السيف كالسيف. قال: (فلو وقع جاهلًا لعمى أو ظلمة .. ضمن)؛ لأنه لم يقصد إهلاك نفسه وقد ألجأه المتبع لذلك، لكن لو قتله آخر أو افترسه سبع في الطريق .. فلا ضمان بصيرًا كان أو ضريرًا، إلا أن يُلجئه إليه .. فإنه يضمن. قال: (وكذا لو انخسف بع سقف في هربه في الأصح)؛ لأنه حمله على الهرب وألجأه إليه، ولو ألقى نفسه على السقف من عُلْوٍ فانخسف به لثقله .. فكإلقاء نفسه في ماء أو نار، ولا فرق في ذلك بين البالغ والصبي والمحنون على الأصح. والثاني: لا ضمان؛ لأن السبب المهلك له لم يشعر به الطالب والمطلوب، فأشبه ما إذا اعترضه سبع فافترسه.

وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيُّ إِلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ .. وَجَبَتْ دِيَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو سلم صبي إلى سباح ليعلمه فغرق .. وجبت ديته)؛ لأنه مات بإهماله وقلة تحفظه، وتكون ديته ديه شبه العمد، كما لو هلك الصبي بضرب المعلم تأديبًا. وفي وجه: لا ضمان، كما لو وضع الصبي في مسبعه، وأيضًا الحر لا يدخل تحت اليد. ويجري الوجهان فيما إذا كان الولي يعلمه بنفسه. ولو أدخله الماء ليعبر لا لتعليم السباحة فغرق .. فالحكم كما لو ختنه أو قطع يده من أكله فمات، كذا ذكره المتولي. واحترز بـ (الصبي) على البالغ العاقل إذا سلم نفسه إليه ليعلمه فيغرق؛ فلا ضمان على المشهور لاستقلاله. وفي (الوسيط): أنه إن خاض معه معتمدًا على يده فأهمله .. احتمل أن يضمنه، والذي ذكره العراقيون والبغوي: أنه لا ضمان؛ لأنه مستقل، وعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السابح. فائدة: روى البيهقي في (سننه) [214/ 6] في (باب السبق والمرمي) عن عبد الله بن عمر: أنه كتب إلى أبي عبيدة: أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي. وروى جماعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ من العمر ست سنين .. خرجت به أمه إلى طيبة تزيره في بني عدي بن النجار قال: (فأحسنت العوم في بثرهم). وفي (صفوة الصفوة) في ترجمة أُسيد بن خُضير: أنه كان يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي، وكانوا في الجاهلية يسمون من كانت فيه الخصال: الكامل.

وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (السباح): العوام، من السبح، وهو: العوم في الماء والتقلب فيه. قال الجوهري: ويقال: إنه لا ينسى. وقوله تعالى: {إن لك في النهار سبحا طويلا} أي: تردادا في أمورك كما يتردد السابح في الماء. قال قوم من العلماء: معناه: أنه إن فات حزب الليل بنوم أو عذر .. فليخلف بالنهار. واختلف في قوله تعالى: {والسابحت سبحا}: فقيل: النجوم؛ لأنها تسبح في فلك. وقيل: الملائكة؛ لأنها تتصرف في الأمور بأمر الله تجيء وتذهب. وقيل: الشمس والقمر والليل والنهار. وقيل: السحاب؛ لأنها كالعائمة في الهواء. وقيل: المنايا تسبح في نفوس الحيوان. وقيل: جماعة الخيل، ولذلك يقال للفرس: سابح. وقيل: حيتان البحر، وهي من عظيم المخلوقات، فيروى: أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان منها: أربع مئة في البر، وست مئة في البحر. قل: (ويضمن بحفر بئر عدوان)؛ لتعديه بذلك. هذا إذا لم يعلم به الإنسان، فإن علم وتعمد حتى هلك .. فلا ضمان على الحافر، وصورة العدوان لا تخفى، فإن كان الهالك بها آدميا .. فالدية على العاقلة، أو دابة أو مالا آخر .. فالغرم في ماله حيا وميتا، فلو حفر في أرض غيره عدوانا .. فرضاه بإبقائها محفورة كرضاه بحفرها ابتداء على الأصح. ومقتضى كلام المصنف: أنه لا فرق في تضمين الحافر بين التردي فيها ليلا أو

لاَ فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ نهارا، ونقله في (الوسيط) عن إطلاق الأصحاب، وخصه الإمام بالتردي نهارا. هذا إذا لم يوجد هناك مباشر ثان؛ بأن رداه فيها إنسان غيره فالضمان على المردي ولا اعتبار بالحفر كالممسك والقاتل. وشمل إطلاقه ما لو حصل التردي بعد موت الحافر، والدية فيه على العاقلة. وفي (الوسيط) في (باب كفارة القتل): ولا خلاف في تعليق الضمان بتركته، وهو على ما إذا كان المتردي بهيمة أو عبدا مما واجبه القيمة؛ فإنها تجب في التركة، وموضع التضمين: ما إذا تجرد التردي للإهلاك، فلو تردت بهيمة ولم تتأثر بالصدمة وبقيت فيها أياما ثم ماتت جوعا أو عطشا .. فلا ضمن على الحافر؛ لحدوث سبب آخر، كما لو جاء سبع فافترسها في البئر، كذا نقله الرافعي في آخر (باب العاقلة) عن البغوي، وأقره. قال: (لا في ملكه وموات)؛ لأنه غير متعد، حتى لو دخل داخل بإذنه وتردى فيه .. لم يضمن، وعليه حمل ما في (الصحيحين) [خ1499 - م1710] من قوله صل الله عليه وسلم: (البئر جرحها جبار، والمعدن جرحه جبار). قال أحمد: وما يروى فيه من قوله: (والنار جبار) فغلط ليس بصحيح، وقال أحمد: تصفحت من البئر، فأهل اليمن يكتبون النار بالياء كما يكتبون البير، والظاهر: أن ما تستحق منفعته بوصية أو وقف كملكه، وكذا ما يستحقه بإجارة يجوز له معها الحفر. والمراد ب (حفر البئر في الموات): أنه قصد أن ينتفع بها مدة مقامه ثم يتركها للمسلمين، كما نبه عليه البندنيجي وابن الرفعة.

وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا فَسَقَطَ .. فَالأَظْهَرُ: ضَمَانُهُ، أَوْ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلاَ إِذْنٍ .. فَمَضْمُونٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل ما ذكره: إذا كانت مكشوفة أو عرفه المالك أن هناك بئرا وأمكنه التحرز، فإما إذا لم يعرفه أو كان الداخل أو في ظلمة .. فكما لو دعاه لطعام مسموم فأكله. ويستثني من إطلاق المصنف مسألتان: إحداهما: إذا حفر بالحرم بئرا في ملكه أو في موات .. فإنه يضمن الصيد الواقع فيه في الحرم على الأصح، كما ذكره الرافعي في (باب محرمات الإحرام)، ونقل الإمام فيه هنا الإجماع، وقال لا يستثنى غيره وكذلك قاله المرعشي في (باب الغصب)، ونقله عن النص. الثانية: إذا حفرها أوسع من العادة .. فيجب ضمان ما يتلف بها. ولو اجتمع التعدي مع الملك؛ بأن حفر في أرضه التي أجرها أو رهنها بغير إذن المستأجر أو المرتهن .. فلا ضمان؛ لأنه ملكه. قال: (ولو حفر بدهليزه بئرا ودعا رجلا فسقط .. فالأظهر: ضمانه) هذا كالمستثنى مما سبق، وإنما ضمنه؛ لأنه غره. والثاني لا يضمنه؛ لأن المدعو هو الذي باشر إهلاك نفسه باختياره. وقيل: إن كان الطريق واسعا وعن البئر معدل .. فقولان، وإن كان ضيقا .. فقولان مرتبان، وأولى بالوجوب. وعبارة المصنف تفهم التقييد بالمكلف، لكن عبارة (المحرر) و (الشرح) غيره، وهي أعم. قال: (أو بملك غيره أو مشترك بلا إذن ... فمضمون)؛ لأنه متعد بالحفر، وتكون الدية على عاقلته. وقوله: (بلا إذن) يعود إلى ملك غيره وإلى المشترك. ولو حفر بئرا قربة العمق ثم عمقها غير .. فالأصح: أن الضمان عليهما،

أَوْ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمِارَّةَ .. فَكَذَا، أَوْ لاَ يَضُرُّ أَذِنَ الإِمَامُ .. فَلاَ ضَمَانَ، وَإلاَّ: فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ .. فَالضَّمَانُ، أَوْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ .. فَلاَ فِي الأَظْهَرِ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يختص بالأول، فعلى الأصح: عليها الضمان بالسوية كالجراحات. وقيل: توزع بحسب الحفر، وسيأتي فيما لو وضع عدلا في سفينة فيها تسعة أعدال فغرقت تصحيح: أنه يضمن التسعة، والفرق: أن سبب الإهلاك في الأعدال متميز، بخلاف هذا. ولو حفر بئرا متعديا ثم طمه ثم حفره غيره فهلك به إنسان .. فهل الضمان على الأول؛ لأنه المبتدئ، أو الثاني؛ لانقطاع فعل الأول بالطم؟ فيه وجهان: صحح المصنف الثاني. قال ابن الرفعة: وينبغي أن يقال: إن طمه بوجه مشروع .. فلا وجه إلا تضمين الثاني؛ لأن الأول بريء بالطم، وإلا .. فهو محل الوجهين. وإذا كان الحافر عبدا .. تعلق الضمان برقيته، فلو أعتقه السيد .. فضمان من يتردى؛ بعد العتق يتعلق بالعتيق. قال: (أو بطريق ضيق يضر المارة .. فكذا) أي: فمضمون للتعدي وإن إذن فيه الإمام؛ إذ ليس له أن يأذن فيما يضر. قال: (أو لا يضر)؛ لسعة الطريق أو لانحراف البئر عن الجادة. قال: (وإلا) أي: إذا لم يأذن الإمام (فإنه حفر لمصلحته .. فالضمان)؛ لافتنانه على الإمام. قال: (أو مصلحة عامة .. فلا في الأظهر) هذا هو الجدي؛ لأن المصالح العامة تغتفر لأجلها المضرات الخاصة، ولأن مراجعة الإمام قد تعسر في ذلك. والثاني- وهو القديم-: يضمن؛ لأن الناظر للمسلمين فيما يتعلق بالمصالح العامة الإمام ولم يأذن.

وَمَسْجِدٌ كَطَرِيقٍ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ إِلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومسجد كطريق) بالنسبة إلى الحفر فيه، فإن كان بإذن الإمام .. فلا ضمان، أو بغير إذنه .. فالقولان. ولو بنى سقف مسجد، أو نصب فيه عمودا، أو طين جداره، أو علق فيه قنديلا فسقط على إنسان، أو تلف به مال، أو فرش فيه حصيرا أو غيره فزلق به إنسان وهلك، أو دخلت منه شوكة في عينه فذهب بها بصره، فإن جرى ذلك بإذن الإمام أو متولي أمر المسجد .. فلا ضمان على الأظهر. قال البغوي: مثل هذا: لو وضع دنا على بابه ليشرب الناس منه، فإن كان بإذن الإمام .. لم يضمن، أو بغير إذنه .. فكذلك على الأظهر، بخلاف ما لو بني دكة على باب داره فهلك بها شيء .. فإنه يضمنه؛ لأنه فعله لمصلحة نفسه. قال: (وما تولد من جناح إلى شارع فمضمون) سواء كان مضرا أم لا؛ لأن الارتفاق بالشارع إنما يجوز بشرط سلامة العاقبة. قال الرافعي: ولم يفرقوا بين أن يأذن الإمام أم لا كما فعلو في حفر البئر لغرض نفسه، فإذا تولد منه هلاك إنسان .. ضمنه بالدية على العاقلة، وإن هل به مال .. وجب في ماله. واحترز بقوله: (إلى الشارع) من إخراجه إلى ملكه أو إلى ملك غيره بإذنه؛ فلا ضمان قطعا، وإن أخرجه إلى درب منسد بغير إذن أهله .. ضمن المتولد منه، وبإذنهم .. لا ضمان كالحفر في دار الغير بإذنه، كذا قالوه، ويجيء على الوجه المتقدم في (كتاب الصلح): أن الدرب المنسد كالشارع؛ أنه يضمن مطلقا. فرع: أشرع إلى ملكه ثم سبل ما تحت جناحه شارعا .. فحكم الضمان منتف عنه، كما لو دام ملكه على البقعة، والظاهر: أنه لو سبل أرضه المجاورة لداره شارعا واستثنى لنفسه الإشراع إليها ثم أشرع ... أنه لا ضمان.

وَيَحِلُّ إِخْرَاجُ اٌلْمَيَازِيبِ إِلَى شَاَرِع، وَاٌلتَّالِفُ بِهَا مَضْمُونٌ فِي اٌلْجَدِيدِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي اٌلْجِدَارِ فَسَقَطَ اٌلْخَارِجُ .. فَكُلُّ اٌلضَّمَانِ، وَإنْ سَقَطَ كُلُهُ .. فَنِصْفُهُ فِي اٌلأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحل إخراج الميازيب إلى شارع)؛ لعموم الحاجة إليها، وهو إجماع لا خلاف فيه، ولا يخفى أن شرطها أن تكون عالية غير مضرة بالمارة كالروشن. و (الميازيب) جمع: مئزاب، وهو بكسر الميم وبعدها همزة، ويجوز تخفيفها بقلبها ياء فيقال: مزاب وميازيب بياء ساكنة في الأول مفتوحة في الثانى، وكذلك كتبها المصنف بخطه، قال: وقد غلط من منع ذلك ولا خلاف بين أهل اللغة في جوازه، ويقال أيضًا: مرزاب براء ثم زاي، وهى لغة مشهورة، قال في) التحرير): ولا يقال بتقديم الزاي، وقد حكاها شيخه ابن مالك في كتاب (ما يهمز وما لا يهمز) عن ابن الأعرابى، فاجتمع فيه أربع لغات. قال: (والتالف بها مضمون في الجديد)، وكذلك بمائه النازل منه؛ لأنه ارتفاق بالشارع فجوازه مشروط بالسلامة كالجناح، وكما لو طرح ترابًا في الطريق ليطين به سطحه فزلق به إنسان .. ضمنه، وبهذا قال أبو حنيفة. والقديم-وبه قال مالك-: لا ضمان؛ لأنه من ضرورة البناء، فأشبه ما إذا تولد الإهلاك من بنائه في ملكه، وهو ضعيف؛ لأنه يمكن إجراء الماء إلى بئر يحفرها في داره أو يفتح له أخدودًا في الجدار فلا ضرورة. قال: (فإن كان بعضه في الجدار فسطق الخارج .. فكل الضمان)؛ لأنه تلف بما هو مضمون عليه خاصة. وأشار بقوله: (فإن كان بعضه في الجدار) إلى أنه لو كان خارج الجدار؛ بأن سمره عليه .. تعلق الضمان بسقوطه أو بعضه، ولو كان كله في الجدار .. فلا ضمان بوقوعه كالجدار. قال: (وإن سقط كله .. فنصفه في الأصح)؛ لأن التلف حصل من مباح مطلق ومباح بشرط سلامة العاقبة، وفي قدره وجهان أو قولان: أحدهما: يجب الضمانتوزيعا على النوعين.

وَإِنْ بَنَى جِدَارَهُ مَائِلًا إِلَى شَارِع .. فَكَجَناَحِ، أَوْ مُسْتَوِياَ فَمَالَ وَسَقَطَ فَلاَ ضَمَانَ، وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَ هَدْمُهُ وَإِصْلاَحُهُ .. ضَمِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يسقط على الداخل والخارج. وعلى هذا: ففي كيفيته وجهان: أحدهما: بالمساحة، فإن كان الخارج ثلث الخشبة .. ضمن الثلث، وبه جزم جماعة. وثانيهما: أنه يكون بالوزن، وصححه في) أصل الروضة)، ولم ينبه على أنه من زوائده. ويمتحن بهذه المسألة فيقال: رجل قتل إنسانًا بخشبة. ز وجب عليه بعض ديته، وإن قتله ببعضها .. وجب عليه كمال ديته. وفي قول: يضمن جميع الدية؛ لأن الداخل جذبه الخارج، ولا فرف بين أن يصيبه الداخل أو الخارج؛ لأن الهلاك حصل بثقل الجميع، نص عليه. والساباط العالي كالجناح. قال: (وإن بنى جداره مائلًا إلى شارع .. فكجناح)، فيضمن ما تلف به؛ لأنه مباح بشرط سلامة العاقبة. واحترز بقوله: (إلى شارع) عما لو كان مائلا إلى ملكه .. فلا ضمان؛ لأن له أن بيني في ملكه كيف شاء. قال: (أو مستويا فمال وسقط .. فلا ضمان)؛ لأنه بنى في ملكه ولم يحصل الميل بفعله، فأشبه ما اذا سقط بلا ميل، أما إذا لم يتمكن من الإصلاح .. فلا ضمان قطعًا. قال: (وقيل: إن أمكن هدمه وإصلاحه .. ضمن)؛ لتقصيره بترك النقض والإصلاح، ورجحه الروياني وفاقا لابن أبي هريرة وصاحب) التقريب) والقفال، والقضاة: أبي الطيب والماوردي والحسين والجاجرمي، ويحكى عن أصحاب مالك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالذي تحرر في المسالة أربعة آراء ما بين قول ووجه: أظهرها- ما قاله المصنف-: لا يضمن. والثانى: يضمن. والثالث: ان تمكن من نقضه واصلاحه .. ضمن، والا .. فلا. والرابع: إن علم به .. ضمن، وإلا .. فلا ولو مال بعضه دون بعض .. نظر: إن حصل التلف براسه المائل .. ضمن، أو بالمستوي منه .. فلا، أو بهما .. ضمن البعض كما تقدم في الميزاب والجناح. ولو باع باني الجدار المائل أو ناصب المزاب الدار .. لم يبرأ من الضمان، حتى إذا سقط على إنسان فهلك .. يكون الضمان على عاقلة البائع، هكذا نقله الشيخان عن البغوي واقراه عليه، وهو يقتضي: أن يكون الحكم كذلك في الجناح، وهو بعيد، وما يجب ضمانه بهذه الأشياء إن كان آدميًا فهو على العاقلة، مالا .. فهو على ذمة الجاني. ولو لم يمل الجدار ولكن استهدم .. فليس لأحد مطالبته بنقضه، واذا وقع وأتلف شيئا .. فلا ضمان؛ لأنه لم يجاوز ملكه، قاله الإصطخري والماوردي، وحكى المتولي وجها: أن للجار والمار في الشارع مطالبته بإزالته؛ لما يخاف من ضرره. فعلى هذا: هو كما لو مال فلم ينقضه فسقط وأتلف.

وَلَوْ سَقَطَ بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ تَلِفَ مَالٌ .. فَلاَ ضَمَانَ فِي اٌلأَصَحَّ. وَلوْ طَرَحَ قُمَامَاتِ وَقُشُورَ بِطَّيخِ بِطَرِيقِ .. فَمَضْمُونٌ عَلَي اٌلصَّحِيحِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو سقط بالطريق فعثر به شخص أو تلف) به (مال .. فلا ضمان في الأصح)؛ لأن الهلاك حصل بغير فعله. والثاني: يضمن؛ لتقصيره. ومتقضي كلام الرافعي: أن مقابل الأصح هنا: أنه إن تمكن من رفع النقض فلم يفعل .. ضمن، ولا فرق على الوجهين بين أن يطالب أو لا. وقال أبو حنيفة: إن طولب وأشهد عليه فلم يفعل .. ضمن، لكن لو مال إلى ملك جاره .. فللجار المطالبة بإزالة المائل؛ لأن الهواء ملكه، فصار كما لو انتشرت أغصان شجرة إليه، فإن امتنع. ز فله نقضه، فإن سقط وتلف به شيء .. فالأصح: لا ضمان أيضا، ولو أراد أن يبنى جداره مائلا إلى دار غيره .. فللجار منعه. قال: (ولو طرح قمامات وقشور بطيخ بطريق .. فمضمونعلى الصحيح)؛ لما تقدم من ان الاتفاق مشروط بسلامة العاقبة، وكذلك حكم قشور الرمان والموز والفول الأخضر ونحوها. والثاني: لا ضمان مطلقا؛ لاطراد العادة بالمسامحة به مع الحاجة. والثالث: إن ألقاها في متن الطريق .. ضمن، أو في منعطف لا ينتهي إليه المارة غالبا .. فلا. قال الإمام: والوجه: القطع بالضمان في الإلقاء في متن الطريق وتخصيص الخلاف بالإلقاء على الطرف. قال الرافعي: ولك أن تقول: قد توجد بين العمارات مواضع معدة لذلك تسمى السباطات والمزابل وتعد من المرافق المشتركة، فيشبه ان يقطع بنفي الضمان إذا كان الإلقاء فيها ويختص الخلاف بغيرها. و (السباطات) جمع: سباطة، وهي: الكناسة، وفي الحديث: (أتى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم قبال قائمًا). والسباطة والكناسة والقمامة شيء واحد وزنا ومعنى. واحترز بقوله: (بطريق) عما إذا القاها في ملكه أو موات؛ فلا ضمان. فروع: قال في (الإحياء): إذا اغتسل إنسان في الحمام وترك الصابون أو السدر المزلقين بأرض الحمام فتزلق به إنسان وتلف به عضو وكان في موضع لا يظهر بحيث يتعذر الاحتراز منه .. فالضمان على تاركه في اليوم الأول، وعلى الحمامي في الثاني؛ فإن العادة جرت بتنظيف الحمام كل يوم، فيرجع إليها. ولو رش الماء في الطريق فتزلق به إنسان أو بهيمة، فإن كان لمصلحة عامة كدفع الغبار عن المارة .. فالأصح: لا ضمان، وإن كان لمصلحة نفسه أو جاوز في الرش القدر المعتاد .. ضمن. والطواف إذا وضع متاعه في الطريق فتلف به شيء .. لزمه ضمانه، بخلاف ما لو وضعه على طرف حانوته. قال ابن الرفعة: محل الضمان في هذه الصورة وما أشبهها: إذا لم ير التالف ما حصل به التلف، فإن رآه وتعمد وضع رجله عليه حتى هلك .. فلا ضمان جزما. تتمة: نخس دابة أو ضربها مغافصة، فنفرت ورمت راكبها فمات، أو أتلفت مالًا .. وجب الضمان. قال البغوي: فإن كان النخس بإذن المالك .. فالضمان عليه. ولو غلبته دابته فاستقبلها رجل فردها فأتلفت في انصرافها .. فالضمان على الراد.

وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلاَكِ .. فَعَلَى اٌلأَوَّلِ؛ بِأَنْ حَفَرَ وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا عُدْوَانًا فَعَثَرَ بِهِ وَوَقَعَ بِهَا .. فَعَلَى اٌلْوَاضِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو حمل رجل رجلًا، فقرص الحامل رجل أو ضربه فتحرك وسقط المحمول عن طهره .. قال المتولي: هو كما لو اكره الحامل على إلقائه عن ظهره. وفي (البيهقي) [8/ 112] عن علي رضي الله عنه: أنه قضى في جارية حملت جارية، فجاءت ثالثة وقرصت الحاملة، فوقعت المحمولة عن ظهرها وماتت: أن الدية أثلاث: ثلث هدر، وثلث على الحاملة، وثلث على القارصة، فالأولى قارصة، والثانية قامصة، والثالثة واقصة. قال: (ولو تعاقب سببا هلاك .. فعلى الأول)؛ لأنه المهلك إما بنفسه أو بواسطة الثانى. قال: (بأن حفر ووضع آخر حجرا عدوانا فعثر به ووقع بها .. فعلى الواضع)؛ لأن التعثر هو الذي أوقعه، فكأنه أخذخ ورداه، والحافر وإن كان له دخل ولكنه معه كمعطي الآلة للقاتل؛ فإنه لا ضمان عليه وإن كان القتل لا يحصل بدون الآلة. ولو وضع إنسان حديدة وآخر حجرًا فعثر إنسان بالحجر ووقع على الحديدة فمات بها .. فالضمان على واضع الحجر على الأصح؛ لأن التعثر بالحجر هو الذي ألجأه إلى الوقوع في البئر أو على السكين، فكأنه أخذه ورداه. وقال أبو الفياض البصري: إن كانت السكين قاطعة موحية .. تعلق الضمان بواضعها. وقوله: (ووضع) بـ (الواو) يقتضي: أنه لا فرق في ذلك بين أن يتقدم الحفرعلى الوضع أو بالعكس، وقال في) المطلب): إنه ظاهر نص) المختصر). ثم إن المصنف أطلق الواضع، ولابد أن يكون من أهل الضمان، فلو تعدى بحفر البئر ووضع حربي أو سيل أو سبع الحجر .. فلا ضمان على أحد على الصحيح، وستأتي الإشارة إليه في المسألة التي بعدها. وقوله: (عدوانا) حال من الواضع كما صرح به في) المحرر)؛ لأن الحافر لا فرق في عدم تضمينه مع وضع الحجر بين العدوان وغيره.

فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ اٌلْوَاضِعُ .. فَاٌلْمَنْوُلُ: تَضْمِينُ اٌلْحَافِرِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَراّ وَآخَرَانِ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِمَا .. فَاٌلضَّمَانُ أَثْلاَثٌ، وَقَيِلَ: نِصْفَانِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ .. ضَمِنَهُ اٌلْمُدَحْرِجُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كله إذا لم يره المتردي، فإن رآه .. لم يتعلق به ضمان كما في حفر البئر، كذا ذكره الر افعي بعد هذا الموضع. قال: (فإن لم يتعد الواضع .. فالمنقول: تضمين الحافر). صورة المسألة: أن يضع إنسان حجرا في ملكه ويحفر متعد هناك بئرا أو ينصب سكينا، فإذا تعثر إنسان بالحجر ووقع في البئر أو على السكين .. فالمنقول: أنه يحب الضمان على الحافر وناصب السكين؛ فإنه المعتدي، وأما واضع الحجر .. فلا عدوان من قبله. ويقابل المنقول بحث للرافعي، وهو: ينبغي أن يقال: لا يتعلق بالحافر والناصب ضمان، كما تقدم في المسألة التي قبلها: أنه لو حفر بئرا عدوانا ووضع سيل أو سبع أو حربي حجرا فتعثر به إنسان وسقط في البئر .. فهو هدر على الصحيح. قال: ويدل عليه: أن المتولي قال: لو حفر بئرًا في ملكه ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات .. فلا ضمان على واحد منهما، أما الحافر .. فظاهر، وأما الآخر .. فلأن الوقوع في البئر هو الذي أفضى إلى الوقوع على الحديدة، فكان حافر البئر كالمباشر، والآخر كالمتسبب. قال: (ولو وضع حجرًا واخران حجرا فعثر بهما .. فالضمان أثلاث) أى: وإن تفاوت فعلهم، كما لو مات بجراحات ثلاثة واختلفت الجراحات، وبهذا قال أبو يوسف. قال: (وقيل: نصفان)، وبه قال زفر؛ نظرا إلى ان الإهلاك حصل بالحجرين. قال: (ولو وضع حجرا فعثر به رجل فدحرجه فعثر به آخر .. ضمنه المدحرج)؛ لأن الحجر إنما حصل هناك بفعله، سواء كان متعديًا بدحرجته أو لم يكن. وإنما يتعلق الضمان إذا عثر به من لم يره كما تقدم.

وَلَوْ عَثَرَ بِقَاعِدِ أَوْ نَائِمِ أَوْ وَاِقِفِ فِي اٌلطَّرِيقِ، فَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا .. فَلاَ ضَمَانَ إِنِ اٌتَّسَعَ اٌلطَّرِيقُ، وَإِلاَّ .. فَاٌلْمَذْهَبُ: إِهْدَارُ وَنَائِم لاَ عَاثِرِ بِهِمَا، وَضَمَانُ وَاٌقِفِ لاَ عَاثِرِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو عثر بقاعد أو نائم أو وافق في الطريق، فماتا أو أحدهما .. فلا ضمان ان اتسع الطريق)؛ لأنه غير متعد، كذا هو في) المحرر) أيضا، وهو سهو؛ فإن عاقلة العاثر تضمن دية القاعد والنائم والقائم، وأما العاثر .. فهدر، سواء كان العاثر او الواقف بصيرا أو اعمى. ومثله لو قعد أو وقف أو نام في ملكه أو موات. و (عثر) مثلث الثاء، وكذلك مضارعه، والمشهور فتحها في الماضي. قال: (وإلا) أي: وان ضاق الطريق) .. فالمذهب: إهدار قاعد ونائم لا عاثر بهما)، بل على عاقلتهما ديته. قال: (وضمان واقف)؛ لأن الشخص قد يحتاج إلى الوقوف لكلال أو انتظار رفيق أو سماع كلام، فالوقوف من مرافق الطرق كالمشي. قال: (لا عاثر به)؛ لأنه لا حركة منه والهلاك حصل بحركة الماشي. وحاصل ما في المسألة طرق ملخصها أقوال أو أوجه: احدها: على عاقلة كل منهما دية الآخر، أما العاثر .. فلأنه قتله بفعله، وأما المصدوم .. فلتعديه بلبثه هناك. والثاني: تجب ديه المصدوم دون اصح ما ذكره المصنف-: أن القاعد والنائم يهدران وعلى عاقلتهما دية الماشي، وأنه إذا عثر بالواقف .. كان دم الماشي مهدرا وعلى عاقلته دية الواقف؛ لأن الوقوف من مرافق الطريق كما تقرر. كل هذا إذا لم يكن من الواقف فعل، فإن كان؛ بأن انحرف إلى الماشي فأصابه. في انحرافه وماتا .. فهما كماشيين اصطدما، وسيأتي.

فَصْلٌ: اصْطَدَمَا بِلاَ قَصْدِ .. فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلَّ نصْفُ دِيَةِ مُخَفَّفَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: جلس في المسجد فعثربه إنسان وماتا .. فعلى عاقلة الماشي دية الجالس ويهدر دم الماشي، كما لو جلس في ملكه فعثر به ماش. ولو نام في المسجد معتكفا .. فكذلك. ولو جلس لامر ينزه المسجد عنه، او نام غير معتكف .. فهو كما لو نام في الطريق. وحيث أطلق الضمان في هذه الصورة وما قبلها وقيل: إنه على الحافر أو واضع الحجر والقاعد وناصب الميزاب والجناح وملقي القمامة وقشر البطيخ ونحوهم .. فالمراد بتعلق الضمان بهم: وجوبه على عواقلهم، لا وجوب الضمان عليهم أنفسهم، كما نص عليه الشافعي والأصحاب. قال: (فصل: اصطدما بلا قصد .. فعلى عاقلة كل نصف دية مخففة)، إذا اصطدم حران ماشيين من غير قصد؛ بان يكونا أعميين أو غافلين أو في ظلمة فوقعا وماتا .. فكل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه، فهو شريك في القتلين، ففعله هدر في حق نفسه، مضمون في حق صاحبه، فيسقط نصف ديه كل واحد، ويجب نصفها، كما لو جرح نفسه وجرحه آخر، وعلى عاقلة كل نصف دية الآخر؛ لأنه خطا مخص. وفي قول المصنف: (فعلى عاقلة كل) ما يفهم: أنهما حران، وسواء اتفق سيرهما أو اختلف؛ بان كان أحدهما يمشي والآخر يعدو، وسواء كان مقبلين أو مدبرين، أو أحدهما مقبلا والآخر مدبرا، وسواء وقعا على وجوههما او قفيهما، أو أحدهما على وجهه والآخر على قفاه. وعن المزني: إذا كانا ماشيين ووقع أحدهما على وجهه .. فديته هدر؛ لأنه دافع، ودية الآخر على عاقلته، ووافقه صاحب) التلخيص) أيضا، وقال: لو وقعا

وَإِنْ قَصَدَا .. فَنِصْفُهَا مُغَلَّظَةَ، أَوْ أَحَدُهُمَا .. فَلِكُلَّ حُكْمُهُ، وَاٌلصَّحِيحُ: أَنَّ عَلَى كُلَّ كَفَّارّتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا .. فَكَذَا اٌلْحُكْمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على ظهورهما .. فعلى عاقلة كل منهما جميع دية الآخر. قال: (وإن قصدا .. فنصفها مغلظة)، فيما إذا تعمدا الانصدام وجهان: أصحهما- عند الاكثرين، وهو نصه في (الأم) -: أن الحاصل شبه عمد؛ لأن الغالب أن الانصدام لا يفضي إلى الموت فلا يتحقق فيه العمد المحض ولا يتعلق به القصاص، بل على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر مغلظة. والثاني: أن ذلك عمد مخص ويجب في مال كل واحد نصف دية الآخر، قاله ابو إسحاق، واختاره الإمام والغزالي، وتبعهما صاحب) الحاوي الصغير). قال: (أو أحدهما) أي: قصد أحدهما الاصطادام دون الآخر) .. فلكل حكمه)، فيجب على القاصد نصف دية مغلظة، وعلى الآخر دية مخففة. قال: (والصحيح: أن على كل كفارتين)؛ كفارة لقتل نفسه، وأخرى لقتل صاحبه؛ بناء على أن الكفارة لا تتجزأ، وأن قاتل نفسه عليه كفارة. والثاني: عليهما كفارتان؛ بناء على أنهما تتجزآن. وينبغي أن يأتي وجه ثالث: أنه تجب عليهما معا كفارة واحدة؛ بناء على ان قاتل نفسه لا كفارة عليه، وأن الجماعة إذا اشتركوا في القتل توزع الكفارة عليهم كالدية. ووجه رابع: أنه لا كفارة في تركة واحد منهما إذا ماتا معا؛ بناء على أن الشخص إذا قتل نفسه .. لا تجب في تركته كفارة؛ لأجل وجوبها بعد الموت، كما حكاه الغزالي هناك. قال: (وان ماتا مع مركوبيهما .. فكذا الحكم) أي: كما ذكرنا في حكم الدية والكفارة، ويزيد هنا ضمان الدابتين، وسواء اتفق جنس المركوبين وقوتهما أو اختلف، كراكب فرس أو بعير مع راكب بغل أو حمار.

وَفِي تَرِكَةِ كُلَّ نِصْفُ قِيمَةِ دَابَةِ اٌلآخَرِ. وَصَبَيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ كَكَامِلَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ أَرْكَبَهُمَا اٌلْوَلِيُّ .. تَعَلَّقَ بِهِ اٌلضَّمَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي تركة كل نصف قيمة دابة الآخر)؛ لاشتراكهما في إتلاف الدابتين. وايجابه نصف القيمة يقتضي اهدار الباقي، وهو كذلك، لكن محله إذا كانت الدابة ملكا للراكب، فان كانت مستعارة او مستأجرة .. لم يهدر من قيمتها شيء؛ فإن العارية مضمونة، وكذا المستاجر إذا اتلفه المستاجر. وانما لم يذكر المصنف هذا القيد؛ لانه ذكره في السفينتين كما سيأتي. ولا فرق بينهما، لكن كان ينبغي له تقييد المتقدم واطلاق المتأخر ليحمل عليه. وتعبيره بـ (نصف القيمة) هو المعروف، ولا يقال: قيمة النصف؛ فإنها أقل للتشقيص، كما تقدم في الصداق وغيره. واقتضي إطلاقه: أنه لا فرق بين ان تغلبهما الدابتان أم لا، وهو المذهب. وهو قول نفاه بعضهم: ان المغلويين هلاكهما ودابتيهما هدر. ولم يفرقوا بين ان يعلم غلبة الدابة قبل ركوبها أو يطرا ذلك عليه، ولو قيل به .. لكان حسنا. قال: (وصبيان أو مجنونان ككاملين)، فيأتي التفصيل بين الماشي والراكب، الا أنا اذا قلنا: عمدهما خطأ .. فالدية مخففة، هذا اذا ركبا بأنفسهما، وكذا اذا اركبهما وليهما لمصلحتهما على الصحيح. قال: (وقيل: ان اركبهما الولي .. تعلق به الضمان)؛ لما فيه من الخطر، والأصح: المنع كما لو ركبا بأنفسهما. وخصهما الإمام بما اذا أركبهما لزينة او حاجة غير مهمة، فإن أرهقت إليه حاجة .. فلا قطعا، ومحلهما ايضا عند ظن السلامة، والا .. ضمن قطعا. فأن كانا غير مميزين او كانت الدابة ضعيفة .. فعلى عاقلة الولي ديتهما، وقد اهمله المصنف تبعا لـ) المحرر).

وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ .. ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا. أَوْ حَامِلاَنِ وَأَسْقَطَتَا .. فَاٌلدَّيَةُ كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى كُلَّ أَرْبَعُ كَفَّارَاتِ عَلَى اٌلصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أركبهما أجنبي .. ضمنهما ودابتيهما)؛ لتعديه بذلك، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع. والمراد بـ (الأجنبي): من لا ولاية له عليهما، ولم يبينوا المراد بالولي هنا، ويشبه أنه من له ولاية تأديبه من أب أو غيره، وهذا كله مستأنف مجزوم به ليس معطوفا على الوجه في إركاب الولي، ولهذا أتى بـ (لو) دون (إن). فلو تعمد الصبي .. ففي) الوسيط): يحتمل أن يحال الهلاك عليه اذا قلنا: عمده عمد، واستحسنه الرافعي، فيكون كركوبهما بأنفسهما. نعم؛ يستثنى من عدم تضمين الولي اذا كانا غير مميزين كابن سنه وسنتين فأركبهما الولي، فتجب على عاقلته دية كل منهما، قاله في) الكفاية). فرع: تجاذب رجلان حبلا فانقطع فسقطا وماتا .. وجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر ويهدر النصف، سواء وقعا منكبين أو مستلقيين، أو أحدهما هكذا والآخر هكذا. هذا إذا كان الحبل لهما أو مغصوبا، فان كان لاحدهما والآخر ظالم .. فدم الظالم هدر وعلى عاقلته نصف دية المالك. ولو أرخى أحد المتجاذبين فسقط الآخر ومات .. فنصف ديته على عاقلة المرخي ويهدر نصفها. ولو قطع الحبل قاطع فسقطا وماتا .. فدياتهما جميعا على عاقلة القاطع. قال: (او حاملان واسقطتا .. فالدية كما سبق)، فيكون على عاقلة كل منهما نصف دية صاحبتها ويهدر النصف؛ لأن الهلاك منسوب إلى فعلهما. قال: (وعلى كل أربع كفارات على الصحيح)؛ كفارة لنفسها، وكفارة لجنينها، ثالثة لصاحبتها، ورابعة لجنينها؛ لأنهما اشتركتا في إهلاك أربعة

وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلَّ نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينَيْهمَا. أَوْ عَبْدَانِ .. فَهَدَرٌ، أَوْ سَفِينتاَنِ .. فَكَدَابَّتَيْنِ، وَاٌلْمَلاَّحَانِ كَرَاكِبَيْنِ إِنْ كَانتَا لَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ أشخاص، بناء على الصحيح: أن الكفارة تجب على قاتل نفسه، وانها لا تتبعض. فإن لم نوجبها على قاتل نفسه .. وجبت ثلاث كفارات. وان قلنا بالتجزئة .. وجبت ثلاثة انصاف كفارة، وعلى عاقلة كل واحدة نصف دية صاحبتها، ونصف غرة كل جنين، فيكون مقابل الصحيح إما ثلاث كفارات، وإما ثلاثة أنصاف كفارة. قال (وعلى عاقلة كل نصف غرتي جنينيهما)؛ نصف غرة لجنينها، ونصف آخر لجنين الأخرى؛ لأن الحامل إذا جنت على نفسها فألقت جنينها .. وجبت الغرة على عاقلتها، كما لو جنت على حامل أخرى، ولا يهدر من الغرة شيء. وأما الدية .. فيجب نصفها ويهدر نصفها كما تقدم. قال: (أو عبدان) أى: وماتا) .. فهدر)؛ لأن جناية العبد تتعلق برقبته وقد فاتت، سواء اتفقت قيمتهما أو اختلفت، فإن مات أحدهما .. وجب نصف قيمته متعلقًا برقبة الحي. فلو اصطدم حر وعبد فماتا .. ففي تركة الحر نصف قيمة العبد، ويتعلق به نصف دية الحر؛ لأن الرقبة فاتت فتتعلق الدية ببدلها. وإن مات العبد .. فنصفه هدر ويجب نصف قيمته، وهل يكون على الحر أو على عاقلته؟ فيه الخلاف في تحمل العاقلة قيمة العبد. وان مات الحر .. وجب نصف ديته متعلقا برقبة العبد. قال: (أو سفينتان .. فكدابتين)، فنصفهما ونصف ما فيهما من مالهما هدر، وعلى عاقلة كل منهما نصف الأخرى ونصف ما فيها. قال: (والملاحان كراكبين إن كانتا لهما)، فنصف قيمة كل سفينة وما فيه مهدر، ونصف قيمتها ونصف قيمة ما فيها على صاحب الأخرى

فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَالٌ لاِجْنَبِيَّ .. لَزَمَ كُلاَّ نِصْفُ ضَمَانِهِ، وَإِنْ كانَتَا لأِجْنَبِيَّ .. لَزِمَ كُلاَّ نِصْفُ قِيمَتهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الملاح): صاحب السفينة، وهو النوتي، والجمع: نواتي، قاله ابن سيده. وقال الجوهري: إنه من كلام أهل الشام. قيل: وإنما سمي ملاحًا؛ لمعالجته الماء الملح بإجراءه السفينة عليه. وقال ابن الأعرابي: الملاح الريح الذي تجري به السفينة، سمي به مسيرها ملاحا. قال: (فإن كان فيهما مال لأجنبي) أي: والملاحان فيهما أجيران أو أمينان للمالك. قال:) .. لزم كلًا نصف ضمانه)؛ لتعديهما، أما نصف قيمة كل سفينة .. فهدر، ويضمن كل منهما نصف قيمة سفينة الآخر؛ لأنهما لهما بخلاف الأموال، ويجري القصاص في القدر الذي يشتركان فيه. قال: (وإن كانتا لأجنبي .. لزم كلاَّ نصف قيمتهما) توزيعا عليهما، وكل من المالكين مخير بين أن يأخذ نصفها منه ونصفها من ملاح الآخر. فلو كان الملاحان عبدين .. تعلق الضمان برقبتهما. أما إذا كان الاصطدام لا بفعلهما، فإن وجد منهما تقصير؛ بأن توانيا في الضبط ولم يعدلا بهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه، أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن، أو لم يكملا عدتهما من الرجال والآلات .. وجب الضمان على ما ذكرنا، وإلا .. فأصح القولين لاضمان، بخلاف غلبة الدابتين الراكبين؛ فإن الضبط ممكن باللجام. فروع: الأول: خرق سفينة فغرق ما فيها من نفس ومال .. وجب ضمانه.

وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى هَلاَكِ .. جَازَ طَرْحُ مَتَاعِهَا، وَيَجِبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ اٌلرَّاكِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن تعمد الخرق بما يفضي إلى الهلاك غالبا .. وجب القصاص أو الدية المغلظة في ماله. وان تعمد بما لا يحصل به الهلاك غالبا .. فهو شبه عمد. الثاني: كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال فوضع أخر فيها عدلا عدوانا فغرفت .. ففي ضمانه الخلاف في الجلاد إذا زاد على الحد المشروع، والأصح فيهما: أنه يغرم البعض. الثالث: في) البحر) عن أبي ثور قال: سألت الشافعي عن رجلين اصطدما ومع كل واحد منهما بيضة فكسرت البيضتان؟ فقال: على كل واحد منهما نصف قيمة بيضة صاحبه. قال: (ولو أشرفت سفينة على هلاك .. جاز طرح متاعها)؛ حفظًا للروح. وعبارة المصنف تقتضي طرح الجميع، وليس كذلك، إنما يجوز دفع ما تندفع به الضرورة، ولهذا قال في) المحرر): بعض أمتعتها، وهذا وإن لم يكن له تعلق بالفصل لكن جرت العادة بذكره فيه. والأصل فيه: أن الموال لا يجوز لمالكها إتلافها بإلقائها في البحر أو غيره لغير غرض صحيح. فإن كان في السفينة حيوان محترم .. وجب الإلقاء إذا علم أو ظن حصول سلامته بذلك. وبهذا يعلم أن مراد المصنف وغيره بهذا: إطلاق الجواز على الحالة الأولى والوجوب على الحالة الثانية. قال: (ويجب لرجاء نجاة الراكب) إذا خيف الهلاك، وينبغي أن يراعى في الطرح تقديم الأخف قيمة إن أمكن؛ حفظا للمال. وعلم من تعبيره بـ (المتاع): أنه لايجوز إلقاء الحيوان إذا حصل الغرض بغيره، والعبيد كالأحرار. واذا قصر من لزمه الإلقاء فلم يلق حتى غرفت السفينة .. فعليه الإثم دون

فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلاَ إِذْنِ .. ضَمِنَهُ، وَاِلاَّ .. فَلاَ. وَلَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّي ضَامِنٌ .. ضَمِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمان، كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك .. يعصي ولا يضمن. قال: (فإن طرح مال غيره بلا إذن .. ضمنه)؛ لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه إلى الإتلاف، فصار كما إذا أكل المضطر طعام الغير. وعن مالك: أنه لا ضمان على الملقي. قال: (وإلا .. فلا) يعني: إذا كان الملقي غير مالك فطرح بإذن المالك، أو كان مالكا فطرح متاعه بنفسه .. فلا ضمان فيهما. أما الثانية .. فبلا خلاف. وأما الأولى .. فللإذن المبيح. اللهم إلا أن يتعلق به حق الغير كالرهن وغيره فلا يفيد الإذن شيئًا. قال: (ولو قال: ألق متاعك) في البحر (وعلي ضمانه، أو على أني ضامن .. ضمن)؛ لأنه التماس إتلاف لغرض صحيح بعوض فيلزمه، كما إذا قال: أعتق عبدك عني على كذا، أو طلق زوجتك على كذا. وقيل: لا يصح؛ لأنه ضمان ما لم يجب. وأجيب بأن هذا ليس على حقيقة الضمان وان سمي به، إنما هو بذل مال للتخلص، كما لو قال: أطلق هذا الأسير ولك علي كذا، فأطلقه .. يلزمه ضمانه، ولهذا لا يجوز أخذ الرهن في هذا الضمان على الأصح. والفرق: أن الضمان أوسع؛ فإن الدرك يضمن ولا يرهن به. فلو قال: أنا وركاب السفينة ضامنون، وأطلق .. حمل على التقسيط، ولزمه

وَإِنِ اٌقْتَصَرَ عَلَى: أَلْقِ .. فَلاَ عَلَى اٌلْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ لِخَوْفِ غَرَقِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ اٌلإِلْقَاءِ بِاٌلْمُلْقِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بحصته، بخلاف ما لو قالا في (باب الضمان): ضمنا ما لك على زيد؛ فإن كلا منهما يطالب بجميع الدين على الأصح، وتقدم الفرق هناك بأن هذا ليس بضمان حقيقة، بل هو استدعاء إتلاف للمصلحة. واعترض على قوله: (أني ضامن)؛ فإنه غير كاف لعدم الرابطة، فلا بد أن يقول: ضامن له، أو ضامنه. والجواب: أنه حذفه استغناء بذكر الضمير فيما قبله. قال: (وإن اقتصر على: ألق .. فلا على المذهب)؛ لعدم الالتزام، وقيل: على وجهين، كقوله: اقض دينى. وفرق الأول بأن (اقض ديني) ينفعه لا محالة، وإلقاء المتاع قد ينفع وقد لا ينفع، وإنما تعتبر قيمة الملقى قبل هيجان الرياح والأمواج؛ لأنه حينئذ لا قيمة له. قال: (وانما يضمن ملتمس لخوف غرق)، ففي حالة الأمن لا ضمان، سواء قال: إنى ضامن أم لا، كما لو قال: أحرق متاعك، أو اهدم دارك، أو اقتل عبدك، ففعل. وحكى الماوردي وجها: أنه يضمن، وقال: إنه أقيس. قال: (ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي)، فإن رجعت الفائدة إليه وحده؛ بأن أشرفت سفينته على الغرق وفيها متاعه، فقال له آخر من الشط: ألق متاعك وعلي ضمانه، فألقاه .. لم يجب شيء؛ لأنه يجب عليه الإلقاء لحفظ نفسه فلا يستحق به عوضا، كما لو قال للمضطر: كل طعامك وأنا ضامن، فأكل .. فلا شيء له على الملتمس، ووراء ذلك ست صور: أحدها: أن يختص النفع بالملتمس. والثاني: أن يعود له ولصاحب المتاع.

وَلَوْ عَادَ حَجَرُ مَنْجَنِيقِ فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاِتِهِ .. هُدِرَ قِسْطُهُ، وَعَلَى عَاقِلَةِ اٌلْبَاقِينَ اٌلْبَاقِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أن يختص بغيرهما. والرابع: بصاحب المتاع وأجنبي. والخامس: بالملتمس وأجنبي. والسادس: أن يعم الثلاث. وفي الجميع يضمن الملتمس، ولم يصرح الرافعي بالثالث ولا السادس، وحكمه ما ذكرناه. فروع: قال: ألق متاعك وعلي نصف الضمان، وعلى فلان الثلث، وعلى فلان السدس .. لزمه النصف. ولو قال لرجل: ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك .. فالضمان على الملقي دون الآمر. قال الإمام: والمتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه، حتى لو لفظه البحر على الساحل وظفرنا به .. فهو لمالكه، ويسترد الضامن المبذول. وعلى هذا: فهو ضامن حيلولة، وهل للمالك أن يمسك ما أخذه ويرد بدله؟ فيه الخلاف في العين المقترضة إذا كانت باقية .. هل للمقترض إمساكها ورد بدلها؟ قال: (ولو عاد حجر منجنيق فقتل أحد رماته .. هدر قسطه، وعلى عاقلة الباقين الباقي)؛ لأنه مات بفعله وفعلهم فسقط ما قابل فعله. فإن كانوا عشرة .. يهدر عشر ديته ويجب على عاقلة كل واحد من التسعة عشرها، وإن قتل اثنين منهم فصاعدا .. فكذلك، ولو قتل العشرةز. أهدر من دية كل واحد عشرها.

أَوْ غَيْرَهُمْ وَلَمْ يَقْصِدُوهُ .. فَخَطَاٌ، أَوْ قَصَدُوهُ .. فَعَمْدٌ فِي اٌلأَصَحَّ إِنْ غَلَبَتِ اٌلإِصَابَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وما جزم به من إيجاب باقي الدية على عاقلتهم محله فيمن مد معهم الحبال ورمى بالحجر، فأما الذى أمسك خشبة المنجنيق، إن احتيج إلى ذلك، أو وضع الحجر في كفته ولم يمد الحبال .. فلا شيء عليه؛ لأنه ليس برام، قاله الماوردي والمتولي وغيرهما، وإليه يرشد قول المصنف: (رماته)؛ لأن الرامي من أضيف الرمي إليه. قال: (أو غيرهم ولم يقصدوهز. فخطأ)، كما إذا عاد فقتل بعض النظارة؛ فهذا خطأ يوجب الدية المخففة على العاقلة. قال: (أو قصدوه .. قعمد في الأصح إن غلبت الإصابة) يعني: إذا قصدوا شخصا أو جماعة بأعيانهم فأصابوا من قصدوه .. فوجهان: قطع العراقيون بأنه شبه عمد؛ لأنه لا يتحقق قصد معين بالمنجنيق. والثاني: أنه عمد يتعلق به القصاص إذا كانوا حاذقين تتأتى لهم الإصابة؛ لأن مثل ذلك يقتل غالبا. تتمة: الذي صححه المصنف هو الصحيح في (المحرر)، وبه قطع الصيدلاني والإمام والغزالي والمتولي، ورجحه الروياني، وهو المعتمد. وقال في) الشرح الصغير): إنه الأظهر، ونقل المصنف في زوائد) الروضة) ترجيح) المحرر)، وسكت عليه. و (المنجنيق): التي ترمى بها الحجارة، معربة؛ أن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب، إلا أن يكون معربا أو حكاية صوت نحو: الجردقة، والجرموق، كما تقدم في (باب مسح الخف). والأشهر في ميمها الفتح، وجوز بعضهم كسرها. وحكى الفراء: منجنوق، وغيره: منجليق بـ (اللام) بدل (النون) الثانية.

فَصْلٌ: دِيَةُ اٌلخَطَأِ وَشَبْهِ اٌلْعَمْدِ تَلْزَمُ اٌلْعَاقِلَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلفوا فيي زيادة ميمه ونونه: فذهب سيبويه إلى أن ميمها أصلية ونونها زائدة، ولذلك تثبت في الجمع. قال: (فصل: دية الخطأ وشبه العمد تلزم العاقلة)، وكذلك الغرة أيضا؛ لما في) الصحيحين) [خ 6910 - م1681/ 34] عن أبي هريرة: (أن امراة حذفت اخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضر بدية المرأن على عاقلتها). واسم المرأة الضاربة أم عطية وقيل أم عطيف والمضروبة مليكة. وإذا ثبت هذا في شبه العمد .. ففي الخطأ أولى. وحكى الإمام الإجماع فيهما لكن حكى الرافعي في أول (الديات) وجها رواه بعضهم قولا أنها لا تتحمل شبه العمد. واحترز بـ (الخطأ وشبه العمد) عن دية العمد فهي على الجاني؛ لما روى سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه قال: (لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا) قال ابن عبد البر: ولا مخالف له من الصحابة. وشبه العمد من زيادته على) المحرر)؛ فإنه ذكر الخطأ، ولو عكس .. كان أولى. ولا تحمل العاقلة أيضا الأطراف والجراحات إذا وقعت عمدا. وعن مالك: أن ما لا يوجب القصاص كالهاشمة والمنقلة أرشه على العاقلة. ثم بدل العمد يجب حالا على قياس أبدال المتلفات، وبدل شبه العمد والخطأ يجب مؤجلا. قال العلماء: وتغريم العاقلة على خلاف القياس؛ لأن القبائل في الجاهلية كانوا

وَهُمْ عَصَبَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقومون بنصرة من جنى منهم، ويمنعون أولياء القتيل من أن يدركوا بثأرهم وياخذوا من الجانى حقهم، فجعل الشارع بدل هذه النصرة بذل الماص، وخص ذلك بالخطا وشبه العمد؛ لكثرتهما، لا سيما في حق من يتعاطى الأسلحة، فأعين؛ لئلا يفتقر بالسبب الذي هو معذور ليه. وقال أبو بكر الاصم والخوارج: لا تحمل العاقلة شيئا. وقال قتادة وابو ثور وابن شبرمة: تحمل الخطا دون شبه العمد. والفريقان محجوجان بالسنة الصحيحة. وعبارة المصنف تقتضي: أن الوجوب لا يلاقي الجاني أولا، بل يلاقي العاقلة ابتدائ والصحيح المنصوص: أنه يلاقيه ابتداء ثم يتحملونها إعانه له، كقضاء دين من غرم لإصلاح ذات البين من الزكاة. ثم إنما تلزم العاقلة إذا قامت بذلك البينة، أو اعترف به وصدقوه، فإن كذبوه .. لم يقبل إقراره عليهم ولا على بيت المال، ولكن يحلفون على نفي العلم، فإذا حلفوا .. وجب على المقر. وهذه المسألة قدمها المصنف في أوائل (باب الديات) عند ذ كر تخفيف الدية وتغليظها، ولكن أعيدت هنا؛ لبيان العاقلة وأحكامهم. قال: (وهم عصبته) قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعلم مخالفا: أن العاقلة العصبة، وهم: القرابة من جها الأب وعصبات الولاء. قال: ولا اعلم مخالفا: أن المراة والصبي وان أيسر لا يحملان شيئا، وكذا المعتوه. ومراد المصنف بـ (العصبة): الذكور من جهة القرابة والولاء؛ لتخرج المعتقة، فإنها من العصبات ولا تعقل. وجهات التحمل ثلاثة: العصوبة، والولاء، وبيت المال، وعلى هذا الترتيبذكرها المصنف وغيره. وليست المحالفة والموالاة من جهات التحمل، فلا يتحمل الحليف ولا (العديد)

إِلاَّ اٌلأَصْلَ وَاٌلْفَرْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو: الذي لا عشيرة له فيدخل نفسه في قبيلة ليعد منها- لأن الأصل عدم التحمل، فيقتصر على ما ورد به النص. وعند أبي حنيفة: يتحمل الحليف، ويساعدنا في العديد. ولا يتحمل أهل الديوان بعضهم عن بعض، والمراد: الذين رتبهم الإمام للجهاد، وأدر لهم أرزاقا، وجعلهم تحت راية كبير يصدرون عن رأية. وعند أبي حنيفة: يتحمل بعضهم عن بعضو وإن لم يكن بينهم قرابة، ويقدمون على الأقارب؛ اتباعا في ذلك لقضاء عمر رضي الله عنه. واحتج الأصحاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة، ولم يكن في عهده ديوان ولا في عهد أبى بكر، وانما وضعه عمر حين كثر الناس واحتاج إلى ضبط الأسماء والأرزاق، فلا يترك ما استقر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أحدث بعده، وقضاء عمر رضي الله عنه إنما كان في الأقارب من أهل الديوان. قال: (إلا الأصل والفرع)؛ فإنهم أبعاضه، فكما لا يتحمل الجانى لا يتحمل أبعاضه. وفي) سنن أبي داوود) [4564]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم برا زوج القاتلة وولدها) قال في) الروضة): إنه حديق صحيح. وفي المسألة أحاديث أخر: ففي) النسائيط [7/ 127]: (لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه). وصحح الترمذي [2159] حديث:) لايجني والد على ولده، ولا مولود على والده). قالوا: وليس المراد نفي نفس الجناية، إنما المعنى: لا يلزم كلا منهما جناية

وَقِيلَ: يَعْقِلُ اٌبْنٌ هُوَ اٌبْنِ عَمَّهَا، وَيُقَدَّمُ اٌلأَقْرَبُ، فَإِنْ بَقَيَ شَيْءٌ .. فَمَنْ يَلِيهِ، وَمُدْلِ بِأَبَوَيْنِ- وَاٌلْقَدِيمُ: اٌلتَّسْوِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر، وأن العرب لا تسمي الأصول والفروع عاقلة. وقال الأئمة الثلاثة: يتحمل الآباء والبنون كسائر العصبات. قال: (وقيل: يعقل ابن هو ابن ابن عمها)، وكذلك ابن هو ابن معتقها، والأصح: المنع؛ لأن مال بعضه كمال نفسه، ألا ترى أن نفقته تجب في مال أبعاضه كما تجب في ماله، فكما لا يؤخذ من ماله لا يؤخذ من أموالهم، وأما ولاية النكاح .. فهي بالنسب، وهو ينسب إلأيها ببنوة العم، فيزوجها به، ولا يتحمل؛ لأن البنوة مانعة، ولا يلزم القاتل منها شيء. وقال أبو حنيفة: القاتل كأحد العواقل يتحمل. قال: (ويقدم الأقرب)؛ لأن العقل حكم من احكام العصوبة فيقدم الأقرب فيه، كالميراث وولاية النكاح. وعند أبي حنيفة: يوزع على القريب والبعيد بالسوية. قال: (فإن بقي شيء .. فمن يليه)، كما في ولاية النكاح، فينظر في الواجب عند رأس الحول وفي الأقربين: فإن كان فيهم وفاء إذا وزع الواجب عليهم لقلة الواجب أو لكثرتهم .. وزع عليهم ولا يشاركهم من بعدهم، وإلا .. فيشاركهم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. والمقدم من العاقلة الأخوة، ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم الأعمام، ثم بنوهم، ثم بنوهم، ثم أعمام الأب، ثم بنوهم، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم على ما سبق في الميراث. قال: (ومدل بأبوين) كالإرث. قال: (والقديم: التسوية)؛ لأن أخوة الأم لا مدخل لها في العقل، وأما دور الأرحام .. فلا يتحملون. وقال المتولي: إلا إذذا قلنا بتوريثهم فيتحملون عند عدم العصبات كما يرثون عند عدمهم، ولا تحمل بالزوجية بحال.

ثُمَّ مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، وَإِلاَّ .. فَمُعْتِقُ أَبَي اٌلْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ اٌلأَبِ وَعَصَبَتُهُ، وَكَذَا أَبَداَ. وَعَتِيقُهَا يَعْقِلهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم معتق ثم عصبته ثم معتقه ثم عصبته، والا .. فمعتق أبي الجاني ثم عصبته ثم معتق معتق الأب وعصبته) هذه الجهة الثانية من جهات التحمل، فتحمل عصبات المعتق بعد عصبات النسب، ثم معتق المعتق، ثم عصباته. وهل يدخل في عصبات المعتق ابنه وأبوه؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم؛ لأنهما من العصبة، وإنما لم يدخل ابن الجاني وأبوه؛ للبعضية، ولا بعضية بين الجاني وبين ابن المعتق وأبيه. وأصحهما: المنع، واعتمدوا فيه ما روى الشافعي [ام 6/ 115] والبيهقي [8/ 107]: أن عمر قضى على علي رضي الله عنهما بأن يعقل عن موالي ضفية بنت عبد المطلب، وقضى بالميراث لابنها الزبير بن العوام رضي الله عنهما، فلم يضرب الدية على الزبير وضربها على علي؛ لأنه كان ابن أخيها، واشتهر ذلك فيما بينهم. ووقع في) النهاية) و) الوسيط): أنه قضى به على ابن عمها، وهو وهم؛ لأنه ليس لها ابن عم ولا عم، فإن عبد المطلب لم يكن له أخ، فإنما هو ابن أخيها، وكان له عشرة إخوة. ويجري الوجهان في ابن معتق المعتق وأبيهز قال: (وكذا أبدا) يعني: إذا لم يوجد من له نعمة الولاؤ على الجاني ولا أحد من عصباته .. تحمل معتق الأب ثم عصباته كذلك إلى حيث تنتهي، والغرامة الموزعة على المعتقين بقدر الملك لا بعدد الرؤوس. قال: (وعتيقها يعقله عاقلتها)؛ لأن الذكورة شرط في التحمل كما سيأتي، وكما أنهما لم تكن أهلا للتزويج يزوج عتيقها من يزوجها. قال: (ومعتقون كمعتق)، فإذا أعتق جماعة عبدا فجنى خطأ .. تحملوا عنه تحمل شخص واحد؛ لن الولاء لجميعهم لا لكل واحد منهم.

وَكُلُّ شَخْصِ مِنْ عَصَبَةِ كُلَّ مُعْتِقِ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ اٌلْمُعْتِقُ. وَلاَ يَعْقِلُ عَتِيقٌ فِي اٌلأَظْهَرِ. فَإِنْ فُقِدَ اٌلْعَاقِلُ أَوْ لَمْ يَفِ .. عَقَلَ بَيْتُ اٌلْمَالِ عَنِ اٌلْمُسْلِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كانوا أغنياء .. فالمضروب على جميعهم نصف دينار، وإن كانوا متوسطين .. فربع دينار. وإن كانوا بعضا وبعضا .. فعلى الغني حصته من النصف، وعلى المتوسط حصته من الربع. قال: (وكل شخص من عصبة كل معتق يحمل ما كان يحمله ذلك المعتق)، فإذا كان المعتق واحدا ومات عن اخوة مثلا .. ضرب على كل واحد حصته تامة من نصف دينار إن كان غنيا، وربعه إن كان متوسطا. ولا يقال: يوزع عليهم ما كان الميت يحمله؛ لأن الولاء يوزع عليهم توزعه على الشركاء، ولا يرثون الولاء من الميت، بل يرثون به. ولو مات واحد من الشركاء المعتقين أو جميعهم .. حمل كل واحد من عصباته مثل ما كان يحمله الميت، وهي حصته من نصف أو ربع؛ لأن غايته نزوله منزلة ذلك الشريك. قال: (ولا يعقل عتيق في الأظهر) كما لا يرث، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك. والثاني: يعقل؛ لأن العقل للنصرة والإعانة والعتيق أولى بهما. وخالف الإرث؛ فإنه في مقابلة إنعام المعتق، فإن قلنا: يتحمله .. فهذه جهة رابعة للتحمل. فلو اجتمعا .. تأخر العتيق عن المعتق، نص عليه، ولا يضرب على عصبته بحال. قالك: (فإن فقد العاقل أو لم يف .. عقل بيت المال عن المسلم) هذه الجهة الثالثة، فيعقل بيت المال عن المسلم، كما ان بيت المال نصب للتركة إذا لم يكن للميت عصبة بالنسب ولا بالولاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:) أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه) رواه أبو داوود [2891] والنسائي [سلك 6321]، وصححه ابن حبان [6035] والحاكم [4/ 344].

فَإِنْ فُقِدَ .. فَكُلُهُ عَلَي اٌلْجَانِي فِي اٌلأَظْهَرِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج بـ (المسلم): الذمي والمعاهد، فلا يعقله؛ لأن مال كل منهما ينتقل له فيئا لا إرثا. وأما المرتد .. فلا عاقلة له، فدية قتله خطأ في ماله مؤجلة، فإن مات .. سقط الأجل. قال: (فإن فقد .. فكله على الجاني في الأظهر) مقصوده: أن التحمل إذا انتهى إلى بيت المال فلم يوجد فيه مال هل يؤخذ الوادب من الجاني؟ فيه وجهان بنوهما على: أن الدية تجب على العاقلة ابتداء أو تجب على الجاني وتتحمل عنه العاقلة؟ وفيه وجهان، ويقال: قولان: أصحهما: أنهما تجب على الجاني والعاقلة تتحملها؛ لأن القياس وجوب الضمان على المتلف، فنجري على القياس ونجعلهم متحملين. والثاني: تجب على العاقلة ابتداء؛ لأن المطالبة عليهم دون الجاني، وقد توجه بظاهر ما تقدم من) أنه صلى الله عليه وسلم قضي بالدية على العاقلة ابتداء). وقوله: (فقد) أراد به: المال الكائن في بيت المال. وعبارة (المحرر): فإن لم يكن في بيت المال مال: أخذ الواجب من الجاني على الأظهر، ثم إن المصنف تبع) المحرر) في تعبيره بالأظهر، ولا اصطلاح له في ذلك، والصواب: الأصح كما في) الروضة)؛ فإن الخلاف وجهان. وظاهر كلامه: أن الجاني لا يتحمل شيئا مع وجود من سبق، وليس كذلك، بل

وَتُؤَجَّلُ عَلَى اٌلْعَاقِلَةِ دِيَةُ نَفْسِ كَامِلَةِ ثَلاَثَ سنِينَ فِي كُلَّ سَنَةِ ثُلُثٌ، وَذِمَّيَّ سَنَةٌ، وَقِيلَ: ثَلاَثَاَ، وَاٌمْرَأَةِ سَنَتَيْنِ فِي اٌلأُولَي ثُلُثٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا وزعنا على العاقلة وفضلت فضلة .. أخذت منه كما يؤخذ منه الجميع لو لم يوجد متحمل، وحيث قلنا: تؤخذ من الجاني .. فهي مؤجلة علية كالعاقلة. قال: (وتؤجل على العاقلة دية نفس كاملة ثلاث سنين في كل سنة ثلث)؛ لأن العاقلة تحملها على جهة المواساة فوجب أن يكون وجوبها مؤجلا رفقا به، وقياسا على الزكاة. وأما كونها في (ثلاث سنين) .. فقال الشافعي: لا أعلم خلافا بين أحد علمته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها كذلك)، وروي عن عمر وعلي وابن عباس أنهم ضربوها كذلك بغير نكير، فكان إجماعا. واختلف الأصحاب في المعنى الذي كانت لأجله في ثلاث سنين: فقيل: لأنها بدل نفس محترمة. وقيل: لأنها دية كاملة، وهذا هو الأصح. وتظهرفائدة الخلاف في الصور الآتية في كلام المصنف. قال: (وذمي سنة)؛ لأنها قدر الثلث. قال: (وقيل: ثلاثا)؛ لأنها بدل نفس، ولو قال: وكافر سنة .. لدخل كل كافر معصوم بذمة أو أمان أو غير ذلك. ولا خلاف أن ما يضرب على العاقلة يضرب مؤجلا وإن كان درهما واحدا، وأن الأجل لا ينقص عن سنه كما صرح به في) المحرر) وغيره. ولو قتل ثلاثة واحدا .. فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث دية مؤجلة عليهم في ثلاث سنين، وقيل: في سنة. قال: (وامرأة سنتين في الأولي ثلث أي: ثلث دية الرجل، والباقي في آخر السنة الثانية، ورودي ذلك عن عمر رضي الله عنه وعن أبي حنيفة رحمة الله.

وَقِيلَ: ثَلاَثاَ. وَتَحْمِلُ اٌلْعَاقِلَةُ اٌلْعَبْدَ فِي اٌلأَظْهَرِ، فَفِي كُلَّ سَنَةِ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ، وَقِيلَ: فَي ثَلاَثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: ثلاثا)؛ لأنها بدل نفس. وأما دية المجوسي والجنين .. ففي سنة وان كانتا دون ثلث الدية؛ لأن السنة لا تتبعض. قال: (وتحمل العاقلة العبد في الأظهر)، المراد: أنها تحمل الجناية عليه من الحر نفسا وطرفا، خطأ وشبه عمد؛ لأنه بدل آدمي ويتعلق به قصاص وكفارة فأشبه الحر، هذا هو الجديد. فعلى هذا: لو اختلف السيد والعاقلة في قيمته .. صدقوا بحلفهم؛ لأنهم غارمون. والقول الثاني- وبه قال مالك وأحمد-: لا تحمله، بل هي على الجاني؛ لأنه مضمون بالقيمة فأشبه البهيمة. وعن أبي حنيفة: تحمل بدل نفسه دون طرفه. روى البهقي عن عامر بن شراحيل الشعبي أنه قال: لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا. قالو أبو حنيفة: معناه: أن يجني العبد على حر، فليس على عاقلة مولاه شيء من جنايته، وإنما جنايته في رقبته. وقال ابن أبي ليلى: إنما معناه: أن يكون العبد مجنيا عليه، يقول: ليس على عاقلة الجاني شيء إنما ثمنه في ماله خاصة، وإليه ذهب الأصمعي وأبو عبيد، وقالا: لو كان المعنى على ما قال أبو حنيفة .. لكان الكلام: لا تعقل العاقلة عن عبد، ولم يكن: ولا تعقل عبدا. قال الأصمعي: وكلمت ابا يوسف القاضي في ذلك بحضرة الرشيد، فلم يفرق بين (عقلته) و (عقلت عنه) حتى فهمته. قال: (ففي كل سنة قدر ثلث دية، وقيل) كلها (في ثلاث)، المراد: أنه إذا كانت قيمته قدر دية حر مسلم .. ضربت في ثلاث سنين لا محالة، وإن كانت قدر

وَلَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ .. فَفِي ثَلاَثِ، وَقِيلَ: سِتَّ، وَاٌلأَطْرَافُ فِي كُلَّ سَنَةِ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ، وَقِيلَ: كُلُّهَا فِي سَنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ديتين .. ضربت في ست سنين في كل سنة قدر ثلث دية كاملة نظرا إلى المقدر. وقيل: في ثلاث؛ لأنها بدل نفس. قال: (ولو قتل رجلين .. ففي ثلاث)؛ لأن الواجب ديتان مختلفتان والمستحق مختلف، فلا يؤخر حق بعضهم باستحقاق غيره، كالديون إذا اتفق انقضاء آجالها. قال: (وقيل: ست)؛ لأن بدل النفس الواحدة يضرب في ثلاث فيزاد للأخري مثلها. هذا إذا قتلهما معا، فإن قتلهما في يومين وقلنا: تضرب في ثلاث سنين .. أجلت دية كل واحد إلى ثلاث سنين من قتله، وإن قلنا: في ست .. فدية كل واحد منجمة في ست سنين من يوم قتله، في كل سنة سدسها، ويقاس عليه ما لو قتله أكثر من اثنين. وقوله: (رجلين) ليس بقيد، فلو قتل امرأتين .. ففي ثلاث إن اعتبرنا النفس، وان اعتبرنا القدر .. فهل تضرب في سنتين أو ثلاث؟ وجهان. وعكس مسألة الكتاب: إذا قتل ثلاثة واحداز. فعلى عاقلة كل واحد حصته مؤجلة من ثلاث على الصحيح، وقيلك من سنة. قال: (والأطراف في كل سنة قدر ثلث دية، وقيل: كلها في سنة) أصل هذه المسألة: أن الأطراف وأروش الجنايات وحكوماتها قليلها وكثيرها يضرب على العاقلة على المشهور، كدية النفس كما تقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حمل العاقلة جميع الدية .. نبه به على تحمل الأقل. ونقل عن القديمك أنها لا تحملها؛ لأنها لا تضمن بالكفارة ولا تجري فيها القسامة فلم تحملها العاقلة كبدل المال، ولأن ضرب الدية على العاقلة على خلاف القياس كما تقدم، وورد الشرع في النفس فيقتصر عليها.

وَأَجَلُ اٌلنَّفْسِ مِنَ اٌلزٌهُوقِ، وَغَيْرِهَا مِنَ اٌلْجِنَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن القديم قول آخر: إن ما دون ثلث الدية لا يضرب؛ لأنه لا يعظم إحجافه بالجاني، فعلى المشهور- وهو: أنها تحمل الأطراف وأروش الجنايات والحكومات- قيل: تضرب في سنة قلت أو كثرت. والأصح: التفصيل، فإن لم يزد الواجب على ثلث الدية .. ضرب في سنة، وإن زاد عليه ولم يجاوز الثلثين .. ففي سنتين، في آخر الأولي ثلث دية، وفي آخر الثانية الباقي، وإن زاد على الثلثين ولم يجاوز الدية .. ففي ثلاث سنين، وإن زاد كقطع يديه ورجليه .. فالمذهب: أنه في ست سنين، وقيل: في ثلاث. قال: (وأجل النفس من الزهوق) أي: ابتداء المدة في دية النفس من وقت الزهوق، سواء قتله بجرح مذفف أو سراية جرح؛ لأنه وقت استقرار الوجوب. قال في) الروضة): ولا خلاف فيه في جميع الطرق، وقول الغزالي: من الرفع إلى القاضي كمدة العنة، لا يعرف لغيره، إنما هو مذهب أبي حنيفة. فإن كان الزهوق بجراحة .. فبالاتفاق، وإن كان بسراية من قطع عضو أو جراحة أخرى .. فأوجه: أصحها: أن الحكم كذلك. والثاني: أنه من وقت الجراحة. والثالث: أن ابتداءدية العضو من وقت قطعه، والباقي من الزهوق. قال: (وغيرها من الجناية)؛ لأنها حالة الوجوب، فتعلق الحكم بها كما تعلق بحالة الزهوق في النفس؛ لأنها حالة وجوب ديتها. وذهب أبو الفياض البصري إلى احتساب المدة من وقت الاندمال، فعلى المذهب: لو مضت سنة ولم يندمل .. ففي مطالبة العاقلة بالأرش الخلاف في مطالبة الجاني العامد قبل الاندمال. كل هذا إذا لم تسر واندملت، فإن سرت إلى عضو آخر كمن إصبع إصبع إلى كف. فأوجه:

وَمَنْ مَاتَ بِبَعْضِ سَنَةِ .. سَقَطَ. وَلاَ يَعْقِلُ فَقِيرٌ وَرَقِيقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: أن ابتداءها من وقت سقوط الكف؛ فإنها نهاية الجناية، وبه جزم البغوي، وصححه الفوراني، وضعفه الإمام. وثانيها: ابتداؤها من وقت الاندمال، وجزم به العراقيون والماوردي. وثالثها: المدة ابتداء مدة أرش الإصبع من وقت القطع، ومدة أرش الكف من وقت سقوطه، كما لو انفرد كل منهما بجناية، واختاره القفال والإمام والروياني. قال: (ومن مات ببعض سنة .. سقط) أي: إذا مات في أثناء السنة بعض العاقلة لم يؤخذ من تركته اعتبارا بآخر الحول كالزكاة، بخلاف ما إذا مات الذمي في أثناء الحول؛ فإن الأصح: أن جزية ما مضى تؤخذ من تركته؛ لأنها كالأجرة لدار الإسلام. وأفهم: أنه إذا مات العاقل بعد السنة تؤخذ من تركته، وهو كذلك بلا خلاف أما إذا وجبت على الجاني مؤجلة ثم مات في أثناء الحول .. فإنها تؤخذ من تركته كسائر الديون. قال: (ولا يعقل فقير) قال الأصحاب: الصفات المعتبرة في العاقلة خمس: الأولي: أن يكون غنيا أو متوسطان فلا يعقل فقير ولو كان معتملا؛ لأن العقل مواساة وليس الفقير من أهلها، كنفقة القريب. وعن أبي حنيفة: أنه يعقل بشرط أن يكون معتملا قادرا على الكسب. قال ابن الرفعة: ومن هذا يظهر: أن المراد بالفقير هنا: من لا يملك مالا يفضل عن كفايته على الدوام، لا من لا يملك شيئا أصلا. وضبط البغوي الغنى هنا والتوسط بالعادة فيختلف باختلاف البلدان والأزمان، والأقرب- على ما رأى الإمام- اعتباره بالزكاة. قال: (ورقيق) هذه الصفة الثانية وهي الحرية، فلا تضرب على رقيق، أما غير

وَصَبِيٌ وَمَجْنُونٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَافِرِ وَعَكْسُهُ، وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌ عَنْ نَصْرَانِيَّ وَعَكْسُهُ فِي اٌلأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المكاتب .. فبلا خلاف؛ لأنه لا ملك له، وأما المكاتب .. فلأنه ليس من أهل المواساة. قال: (وصبي ومجنون) هذه الصفة الثالثة وهي التكليف، فلا يتحملها الصبي ولا المجنون ولا المعتوه وإن كانوا موسرين؛ لأن غير المكلف لا نصرة فيه، وهي مبنية على المناصرة، بخلاف الزمن والشيخ الهرم والمريض والأعمى؛ فإنهم يتحملون على الصحيح؛ لنصرتهم بالقول والرأي. قال: (ومسلم عن كافر وعكسه) هذه الصفة الرابعة وهي الموافقة في الدين، فلا يعقل المسلم عن الكافر ولا عكسه؛ لانقطاع النصرة وعدم الميراث. قال: (ويعقل يهودي عن نصراني وعكسه في الأظهر) كما يتوارثان. والثاني: لا؛ بناء على انقطاع الموالاة بينهما. والقولان مفرعان على أن الكفر كله ملة واحدة، وهو الصحيح، وقيل: ملل، فحينئذ لا توارث. والمعاهد كالذمي، فيحمل الذمي عنهن وكذا عكسه إن زادت مدة العهد على أخذ الدية، ولم تنصرم قبل مضي الأجل، ولا يتحمل ذمي عن مرتد وعكسه قطعا. والصفة الخامسة: الذكورة، فلا تعقل أمرأة بالاتفاق؛ لأن رايها ناقص وإن سلم كماله في بعضهن. ولم يذكر المصنف هذه الصفة؛ اكتفاء بذكره العصوبة اول الفصل وأن عتيق المرأة لا تعقل عنه، والخنثى كالمرأة، فإن بان الخنثى ذكرا .. فهل يغرم حصته التي أداها غيره؟ فيه وجهان: قال المصنف: قلت: لعل أصحهما: نعم. فرع: إن كان العاقلون حاضرين في بلد الجناية .. فالدية عليهم، وان كانوا غائبين .. لم يستحضروا ولم ينتظر حضورهم، بل إن كان لهم هناك مال .. أخذ منه، وإلا ..

وَعَلَى اٌلْغَنِيَّ نِصْفُ دِينَارِ، وَاٌلْمُتَوَسَّطِ رُبُعٌ كُلَّ سَنَةِ مِنَ اٌلثَّلاَثِ، وَقِيل: هُوَ وَاجِيُ اٌلثَّلاَثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيحكم القاضي بالدية على ترتيبهم ويكتب بذلك إلى قضي بلدهم ليأخذها، وإن شاء .. حكم بالقتل وكتب إلى قاضي بلدهم ليحكم عليهم بالدية ويأخذها منهم. وإن غاب بعضهم وحضر بعضهم فقولان: أحدهما: يقدم من حضر لقرب داره وإمكان نصرته. وأظهرهما: يضربها على الجميع كالإرث. والمراد بالغيبة ههنا: أن تعسر مكاتبة قاضي بلده ورجوع جوابه في سنة، قاله الإمام الغزالي. قال الرافعي: وكلام الشافعي والأصحاب لا يساعده على ذلك؛ فإنهم فرضوا الخلاف فيما إذا كان القاتل بمكة والعاقلة بالشام. قال ابن الرفعة: وعلى هذا: يظهر أن لا ضابط سوى مسافة القصر. قال: (وعلى الغني نصف دينار)؛ لأنه أقل ما يجب في الزكاة. قال: (والمتوسط ربع) دينار؛ لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه والغني الذي عليه نصف دينار، ولم يجز إلحاقه بأحد الطرفين؛ لأنه إفراط أو تفريط، فتوسط فيه بربع دينار؛ لأن الناقص عنه تافه. قال: (كل سنة من الثلاث)؛ لأنها مواساة تعلقت بالحول فتكررت بتكرره كالزكاة، فجميع ما يلزم الغني في السنين الثلاث دينار ونصف، والمتوسط نصف دينار وربع دينار. وعند أبي حنيفة: يؤخذ من كل واحد من ثلاثة دراهم إلأى أربعة. وعند مالك: لا يتقدر، بل باجتهاد الحاكم. قال: (وقيل: هو واجب) السنين (الثلاث) يعني: النصف على الغني، والربع على المتوسط. فعلى هذا: يؤدي الغني كل سنة سدس دينار، والمتوسط نصف سدس.

وَيُعْتَبَرَانِ آخِرَ اٌلْحَوْلِ، وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ .. سَقَطَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويعتبران آخر الحول) أي: الغنى والمتوسط كالزكاة، فإذا كان معسرا آخر الحول .. لم يلزمه شيء من واجب تلك السنة، وإن انعكس .. انعكس. أما إذا كان أول الحول رقيقا أو كافرا أو مجنونا وكمل في آخر الحول .. فالأصح: أنه لا تؤخذ منه؛ لأنه لم يكن من أهل التحمل حال الجناية، بخلاف الفقير؛ فإنه كان من أهل التحمل في الجملة. والثالث: لاتؤخذ منه حصة تلك السنة، وتؤخذ منه حصة ما بعدها. ويشترط فيما يملكه الغني والمتوسط: أن يكون فاضلا عن مسكن وثياب وجميع ما لا يباع في الكفارة. قال: (ومن أعسر فيه .. سقط)، المراد بـ (السقوط): أنه لا يلزمه شيء من واجب ذلك الحول وإن كان موسرا من قبل أو أيسر بعده. قال الماوردي: ولو ادعى الفقر بعد الغنى .. خلف ولم يكلف البينة على فقره؛ لأنها لا تلزم إلا مع العلم بغناه. ولو مات وهو موسر بعد الحول وقبل الأداء .. أدي ما لزمه من تركته مقدما على الوصايا والميراث، فإن كان ثم ديون مستغرقة .. وزعت على الجميع وكان باقي العقل دينا على الميت، ولا يلزم العاقلة لوجوبه على غيرهم. تتمة: قال الرافعي: يشبه أن يكون المرعي في إيجاب الربع والنصف مقدارهما، لا أنه يجب على العاقلة بذل الدنانير بأعيانها؛ لأن الإبل هي التي تجب وما يؤخذ يصرف إليها، وللمستحق أن لا يقبل غيرها. يوصحه: أن المتولي قال: على الغني نصف دينار أو سته دراهم؛ لأن الدينار في الدية يقابل باثني عشر درهما.

فَصْل: مَالَ جِنَايَةِ العَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل): مال جناية العبد يتعلق برقبته لما فرغ من حكم جناية الحر .. شرع فيما يجب بجناية العبد، فإذا جني جناية توجب المال أو القصاص وآل الأمر إلى المال .. تعلق برقبته دون سيده وعاقلته، والمعنى في أنه لا يمكن إلزام السيد بجنايته، لأنه إضرار به، ولا يمكن أن يقال: إنه في ذمته إلى أن يعتق ويوسر، فإنه تفويت وتأخير لا إلى غاية معلومة، وفيه ضرر ظاهر. ويخالف ما إّا عامله إنسان بإقراض ونحوه، فإنه رضي بأن يكون الحق في ذمته، فجعل بالرقبة طريقًا وسطًا في رعاية الجانبين. وروى البيهقي [8/ 105] بإسناد حسن عن أبن عباس أنه قال: (العبد لا يغرم سيده فوق نفسه شيئًا). وروى الشافعي [1/ 342] عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال: عقل العبد في ثمنه مثل عقل الحر دي ديته، وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي، وحكى البيهقي فيه الإجماع. وسواء أذن .. تعلق المال برقبته وكسبه جميعًا، ةزيفه الإمام، أما الذي ليس له تمييز. ز فسبق أن الضمان يتعلق بالأمر، وأنه لاشيء على العبد. ولا يخفى أن الكلام هنا في جنايته على غير سيده أو كان مستحق الأرش غيره، فإن كان .. ففيه تفصيل تقدم في (كتاب الرهن)، وجناية المكاتب يأتي حكمها في باية ومعنى (التعلق بالرقبة): أن يباع ويصرف ثمنه على الجناية، ولا يملكه المجني عليه بنفس الجناية إذا كانت إذا قيمته اقل من أرشها، لما فيه من إبطال حق السيد من

ولسَيِّدِه بَيْعُه لَهَا، وَفِدَاؤُهُ بالأَقَلِّ وأَرْشُهَا، وفِي القَدِيمِ: بأَرْشِهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التمكن من الفداء، ويتعلق الأرش بجميع الرقبه مطلقًا إن كان بقدر قيمتها أو أكثر، وكذا إن كان أقل على ظاهر النص. وحاول ابن الرفعة في (كتاب البيع) إثبات خلاف فيه: أنه يتعلق بقدره منها، وهذا التعلق أقوى من تعلق الرهن، ومع ذلك لو برأ المرتهن عن بعض الدين .. لم ينفك شيءمن الرهن، وهنا لو حصلت البراءة من بعض الواجب انفك من العبد بقسطه على الصحيح، ذكره الرافعي في (دوريات الوصايا). قال: (ولسيده بيعه لها، وفداؤه)، يفعل أيهما أراد كالمرهون، فإن سلمه للبيع واستغرق الأرش قيمته .. بيع كله، وإلا .. فبقدر الحاجة، إلا أن يختار السيد بيع الجميع، أو لم يجد من يرغب في شراء البعض. قال: (بالأقل من قيمته وأرشها)، لأنه إن كانت قيمته أقل .. فليس عليه إلا تسليمه، فإذا لم يسلمه .. طولب بقيمته، وإن كان الأرش أقل .. فليس للمجني عليه إلا ذلك، فإن امتنع .. باعه الحاكم. والمراد بـ (القيمة): قيمة يوم الجناية، نص عليه. وعن القفال: قيمة يوم الفداء، لأن ما نقص قبل ذلك لا يطالب به السيد، ألا تلرى أنه لو مات قبل اختيار الفداء .. لا يلزم السيد شيء، وححمل النص على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه حال الجناية ثم نقصت القيمة. قال: (وفي القديم: بأرشها) أي: بالغًا ما بلغ، وبه قال أبو حنيفة، لأنه لو سلمه .. ربما بيع أكثر من قيمته، فلو جنى المبعض خطأ. ز فالواجب على عاقلته نصف الدية، أفتى به البغوي. قال: (ولا يتعلق بذمته مع رقبته في الأظهر)، لأنه لو تعلق بالذمة .. لما تعلق بالرقبة، كديون المعملات التي استقرت في ذمته. والثاني: يتعلق أيضًا كالمال الواجب بجناية الحر. وعلى ها: فتكون الرقبة مرهونة بالحق الثابت في ذمته، م وللعبد ذمة بدليل: أنه

وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى .. سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ فَدَاهُ، وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا بَعْدَ الْفِدَاءِ .. بَاعَهُ فِيهِمَا أَوْ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَيْنِ، وفِي القَدِيمِ: بالأَرْشِينْ. وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ وَصَحَّحْنَاهُمَا أَوْ قَتَلَهُ .. فَدَاهُ بالأَقَلِّ، وَقِيلَ: القَوْلَان، ـــــــــــــــــــــــــــــ لو استقرض مالًا وأتلفه .. ثبت البدل في ذمته. وفي (خلاصة الغزالي): أن القتل إن كان عمدًا .. أتبع بالفاضل إذا عتق، وإن كان خطأ .. لم يتبع به على الأصح. ومحل الخلاف: إذا اعترف السيد بالجناية، وإلا .. فيقطع، فإن الأرش يتعلق بذمة العبد. قال: (ولو فداه ثم جنى .. سلمه للبيع أو فداه) ولو تكرر ذلك مئة مرة، لأن الحق في الجناية تعلق برقبته وليس لها تعلق سابق، ولأن الحق المتعلق بالرقبة هذا حكمه. قال: (ولو جنى ثانيًا قبل الفداء .. باعه فيهما أو فداه بالأقل من قيمته والأرشين) أي: على الجديد، لما تقدم قال: (وفي القديم: بالأرشين) ووجهه ما سبق، وكذلك الحكم لو كان سلمه للبيع فجنى ثانيًا قبل البيع. قال: (ولو أعتقه أو باعه وصححناهما) وهو في العتق إذا كان موسرًا على الأظهر وفي البيع بعد اختياره الفداء. قال: (أو قتله .. قداه) المراد: أنه يتعين الفداء، لأنه فوت محل حقه. هذا إذا أمكن دفع الفداء، فإن تعذر تحصصيله أو تأخر لإفلاسه أو غيبته .. فسخ البيع وبيع في الجناية، لأن حق المجني عليه أقدم من حق المشتري. واحترز بقوله: (وصححناهما) عما إذا أبطلناهما، وهو أوضح. قال: (بالأقل) أي: بأقل الأمرين، لأنه المتيقن. قال: (وقيل: القولان) أي: السابقان، وجزم بهما في (الروضة) في (كتاب البيع) مع نقله هنا اتفاق الأصحاب على طريقة القطع، والصحيح: أنه لا تلزمه زيادة

وَلَوْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ .. بَرِئَ سَيِّدُهُ، إلَّا إذَا طُلِبَ فَمَنَعَهُ، وَلَوْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ .. فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَتَسْلِيمَهُ وَيَفْدِي أُمَّ وَلَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على القيمة قطعًا، لأنه لم يتلف إلا قدر القيمة. وأما وطؤه .. فالأصح: أنه لا يكون اختيارًا ما لم يحبلها، فإن أحبلها .. فهو كإعتاقها، والخلاف كالخلاف في أن وطء البائع في زمن الخيار هل هو فسخ؟ ووطء المشتري فيه هل هو إجاتزة؟ وإن كان الأصح: أنه ثم فسخ وإجازة. قال: (ولو هرب أو مات) أي: (قبل اختيار سيده للفداء) .. برئ سيده)، لأن الحق متعلق برقبته وقد فاتت. قال: (إلا إذا طلب فمنعه) لتعديه، لأنه بالمنع مختار للفداء، فإن لمن يمنعه .. فلا شيء عليه. ولو قتل أجنبي العبد قتلًا يوجب القصاص .. فللسيد أن يقتص وعليه الفداء، قاله البغوي. قال الرافعي: ويجوز أن ينظر في وجوب الفداء عليه إلى موجب العمد أحد الأمرنين أو القود عينًا، فلا يلزمه على الثاني، وهو الأصح. قال: (ولو اختار الفداء .. فالأصح: أن له الرجوع وتسلميه)، لأنه وعد واليأس لم يحصل من بيعه. والثاني: يلزمه الفداء بذلك ولا يقبل رجوعه، لالتزامه. وموضع الخلاف: ما إذا كان العبد حيًا، فإن مات .. فلا رجوع له بحال. وقوله: (وتسليمه) منصوب بالعطف على اسم (أن) أي: وأن عليه تسليمه، لأنه إذا رجع .. كلف التسليم. قال: (ويفدي أم ولده)، لأنه بالإحبال منع بيعها، فصار كما لو جنى القن وامتنع السيد من بيعه. قال الإمام: (وهذا مما يغمض، لأنه تصرف في ملكه، فإلزامه الفداء لجناية تصدر منها بعد الاستيلاء بعيد عن قياس الأصول، ولكنه متفق عليه بين أصحابنا) وهذا الإشكال قوي.

بِالْأَقَلِّ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ، وَجِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بالأقل) أي: من قيمتها والأرش قطعًا، لامتناع بيعها، وسواء جنت على نفس أو مال. قال: (وقيل: القولان) أي: كالقن، والفرق: أنها لا تقبل البيع، ثم المعتبر قيمتها يوم الجناية، وقيل: يوم الإحبال، وبه جزم البغوي. ولو ماتت عقب الجناية بلا فصل .. لزمه في الأصح، ذكره الرافعي في كلامه على جناية العبد الموقوف. وعلم من فرض المسألة: أنت المراد أم الولد التي امتنع بيعها، فلو كانت تباع لأنه استولدها وهي مرهونة وهو معسر ونحوه .. فإن حق المجني عليه يقدم على حق المرتهن. قال: (وجناياتها كواحدة في الأظهر)، لأن الاستيلاد اتلاف ولم يوجد الا مرة واحدة، كما لو جنى العبد جنايات ثم قتله سيده. والثاني: عليه لكل واتحدة فداء، لأنه منه من بيعها عند الجناية الثانية كما في الأولى. وإذا قلنا: يتحد الفداء. ز اشتركوا فيه على قدر جنايتهم، فإذا ساوت المستولدة ألفًا وأرش كل من الجنايتين ألف .. فلكل واحدة خمس مئة، فإن كان الأول قبض الألف .. استرد منه خمس مئة. وإن كانت قيمتها ألفًا وأرش الأولى ألف والثانية خمس مئة .. رجع الثاني على الأول بثلث الألف، وإن كانت الأولى خمس مئة والثانية ألفًا .. أخذ الثاني من السيد خمس مئة تمام القيمة ورجع على الأول بثلث خمس مئة التي قبضها ليصير معه ثلثًا الألف ومع الأول ثلثه، كما إذا قسمت تركة إنسان على غرائه ووصاياه وورثته وكان قد حفر بئرًا عدوانًا فهلكت بها اهيمة .. فإن ربها يزاحم الغرماء والورثة والموصة لهم ويسترد منهم حصته، فلو هلك بها شئ بعد ذلك .. استرد مستحقة منهم أيضًا ومن مستحق الجناية الأول. والموقوف كأم الولد في أن الواقف يفديه بالأقل وتكون جنايته كجناياتها في جميع ما تقرر.

فَصْل: فِي الجَنِينِ غُرَّة ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: جنت جارية لها ولد. ز لم يتعلق الأرش برقبته، وإن ولدت بعد الجناية من كان موجودًا حال الجناية أو حدث بعدها .. لا يتعلق به أرش، فإن لم نجوز التفريق .. بيع معها وصرفت حصة الأم إلى الأرش وحصة الولد للسيد، وهل تباع حاملًا بحمل كان يوم الجناية أو حدث؟ إن قلنا: الحمل لا يعرف .. بيعت كما لو زادت زيادة متصلة، وإلا .. فلا تباع حتى تضع، لأنه لا يمكن إجبار السيد على بيع الحمل ولا يمكن استثناؤه، ولو لم يفد السيد الجاني ولا سلمه للبيع .. باعه القاضي وصرف الثمن إلى المجني عليه. ولو باعه بالأرش جاز إن كان نقدًا، وكذا إن كان إبلًا وقلنا: يجوز الصلح عنها. قال: (فصل): ف بالجنين غرة، لما روى الشيخان [خ5760 - م1681/ 34]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين الهذلية بغرة عبد أو أمة)، ورويا أيضًا [خ6908 - م 1683]: أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيها بغرة عبد أو وليجة)، فقال: (ائتني بمن يشهد معك)، فاتاه بمحمد بن مسلمة فشهد له، ثم قيل: أن عمر لما جاءه خلاف ما يعلم .. أراد التثبيت، لا أنه يرد خبر الواحد. وقيل: مراده: أنه إذا سمع الناس أن هذا حاله مع رواية الصحابي .. تثبتوا واحتاطوا في الراوية. واجتمعت الأمة على ذلك، وسواء كان الجنين ذكرًا أو أنثى، لإطلاق الخبر، لأن ديتهاما لو اختلف .. لكثر الاختلاف في كونه ذكرا أو أنثى فسوى الشرع بينهما، كما جعل الصاع من التمر بدل اللبن في المصراة سواء قل اللبن آو كثر.

إِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسمي الجنين جنينًا، لاستتاره، ومنه الجن. و (الغرة): النسمة من الرقيق، سميت بذلك، لأنها غرة ما يملكه الإنسان، أي: أفضله، وغرة كل شيء خياره. وأما ما ورى أبو داوود [4568] عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل) .. فهي رواية باطلة وإن أخذ بها بعض السلف كعطاء ومجاهد. وقال داوود: كل ما وقع عليه اسم الغرة يجزئ. وروى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، والفاكهاني في (شرح الرسالة) عن ابن عبد البر أنهما قالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدًا، ولو لم يرد معنى زائدًا .. لقال في الجنين عبد أو أمة، لكنه عنى البياض، فلا يقبل فيها إلا غلام أبيض أو جارية بيضاء، ولا يقبل فيها أسود ولا سوداء. وقيل لأبي عمرو المذكور: متى يحسن المرء أن يتعلم؟ قال: ما دامت الروح في جسده، وكان نقش خاتمه (من الطويل): وإن امرأ دنياه أكبر همه .... لمستمسك منها بحبل غرور ثم إنما تجب الغرة الكاملة في جنين محكوم بإسلامه- تبعًا لأبويه أو أحدهما- وبحريته، لأن المحكوم بكفره والرقيق ذكرهما في آخر الفصل. قال: (إن انفصل ميتًا بجناية في حياتها)، للحديث المتقدم. والمراد بـ (الجناية): ما يؤثر في الجنين من فعل أو قول، مثل أن يضرب الحامل أو يؤجرها دواء أو غيره فتجهض جنينا، وكذا لو شربته هي لغير حاجة، أوطفرت طفرة خارجة عن عادة مثلها من الحوامل وكان مثلها يسقط الأجنة فأجهضته، فإنها تضمنه، وفي معنى الفعل: الترك الموجب للإجهاض، كما إذ منعها الطعام أو الشراب، أو امتنعت منه مدة يحصل الإجهاض في مثلها مع تمكنها من التناول حتى أجهضت، سواء كان ذلك بصوم أو غيره.

أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَكَذَا إِنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالِ فِي الأَصَحَّ، وَإِلَّا .. فَلَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بعد موتها)، هذا متعلق بـ (انفصل) أي: إذا انفصل بعد موتها بجناية في حياتها .. وجبت الغرة، لأنه شخص مستقل ولا يدخل ضمانه في ضمانها. وقال مالك وأبو حنيفة: لا شيء فيه إذا انفصل بعد موتها، كما لو جنى عليها وهي ميتة فألقت جنيمًا، فإنه لا شيء عليه بالإجماع. قال: (وكذا إن ظهر بلا انفصال في الأصح)، لأن بذلك نتحقق وجوده. والثاني- وبه قال مالك، ويحكى عن القفال-: أن المعتبر الانفصال التام، لأنه ما لم ينفصل يكون كالعضو من الأم. ويتفرع عليها: ما لو ضرب بطنها فخرج رأس الجنين مثلًا وماتت الأم بذلك ولم ينفصل، أو أخرج رأسه ثم جنى عليها فماتت .. فعلى الأصح: تجب الغرة، ليتقن وجوده. وعلى الثاني:/ لا، لعدم تمام الانفصال. ولو قدت نصفين وشوهد الجنين في بطنها ولو ينفصل .. فعلى الوجهين. قال الشيخان: ولو أخرج رأسه وصاح فحز رجل رقبته .. فعلى الأصح: يجب القصاص أو الدية، لأن تيقنا بالصياح حياته، وإن اعتبرنا تمام الانفصال .. فلا قصاص ولا دية، والذي صححاه هنا من أنه كسائر الأحياء في وجوب القصاص أو الدية خالفاه في الباب الأول من أبواب (العدد) وفي كتاب الفرائض). قال: (وإلا .. فلا) أي: إذ لم يظهر منه شيء ولم ينفصل، بأن ضرب بطنها ثم ماتت من غير انكشاف وظهور وتمام انفصال .. لم يجب شيء، لأن لم نتيقن وجود الجنين فلا نوجب شيئًا بالشك، وكذا لو كانت امرأة منتفخة البطن فضربها ضارب فزال الانتفاخ، أو كانت تجد حركة في بطنها فانقطعت الحركة، لجواز أن يكون ربحًا فانفشت.

أَوْ حَيًّا وَبَقِىَ زَمَنًا بِلَا أَلَمٍ ثُمَّ مَاتَ .. فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ .. فَدِيَةُ نَفْسٍ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَغُرَّتَانِ، أَوْ يَدًا فَغُرَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقى من الشروط: أن لا ينفصل عنها ألم جناية حتى تلقيه، ولو ضربها فأقامت بلا ألم ثم ألقت جنينًا لم يضمنه على المنصوص. قال: (أو حيًا وبقى زمنًا بلا ألم ثم مات فلا ضمان)، لأن الظاهر: أنه لم يمت بالجناية. قال: وإن مات حين خرج أو دام ألمه ومات فدية نفس)، لأن تيقنا حياته وقد هلك بالجنابة فأشبه سائر الأحياء. ولا فرق بين أن يستهل أو لا يستهل، لكن وجد ما يدل على حياته كالتنفس وامتصاص اللبن والحركة القوية كقبض يده وبسطها، ولا عبرة بمجرد الاختلاج على المشهور، وسواء انفصل لوقت يعيش فيه أو لوقت لا يتوقع أن يعيش، بأن ينفصل لدون ستة أشهر. وقال المزني: إن لم يتوقع أن يعيش – ففيه الغرة دون الدية. قال: (ولو ألقت جنينين – فغرتان) عملًا بالنص، لأن الغرة متعلقة باسم الجنين فتعددت بتعدده، قال ابن المنذر: أجمعوا على ذلك. فلو ألقت حيًا وميتًا ومات الحي .. وجبت دية وغرة. قال: (أو بدا فغره) هذا هو الصحيح المنصوص، لأن تحققنا وجود الجنين، والظاهر: أن اليد بالجناية، وكذا لو ألقت رجلًا، وفي وجه: يجب بإلقاء اليد والرجل نصف غرة، لأن اليد تضمن بنصف الجملة، وهو تفريع على أن الجنين لا يضمن حتى ينفصل كله. ولو ألقت يدين أو رجلين أو يدًا ورجلًا فغرة قطعًا. ولو ألقت من الأيدي والأرجل ثلاثًا أو أربعًا .. لم تجب إلا غرة واحدة، لأن لم

وَكَذَا لَحْمٌ قَالَ الْقَوَابِلُ: فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ، قِيلَ: أَوْ قُلْنَ: لَوْ بَقِىَ لَتَصَوَّرَ وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ نتيقن وجود جنينين، لاحتمال أن يكون بعض هذه الأعضاء أصليًا وبعضها زائدًا، وكذلك لو ألقت رأسين .. فيروى: أن الشافعي أخبر بامرأة لها رأسان، فنكحها بمئة دينار ونظر إليها ثم طلقها، وأن امرأة ولدت ولدًا له رأسان، وكان إذا بكى .. بكى بهما، وإذا سكت .. سكت بهما. وفي وجه: يجب في إلقاء الرأسين والأيدي غرتان، اعتبارًا بالظاهر. وإن ألقت بدنين .. وجبت غرتان، لأن الشخص الواحد لا يكون له بدنان بحال، هكذا أورده الإمام وأتباعه. وحكى الروياني عن النص خلافه، وجوز أن يكون لرأس بدنان كما يجوز أن يكون لبدن رأسان. قال: (وكذا لحم قال القوابل: فيه صورة خفية) لا يعرفها سواهن، لحذقهن، فتجب الغرة. قال: (قيل: أو قلن: لو بقى لتصور) هذه مسألة النصوص الثلاثة المتقدمة في (باب العدد)، وفيها طرق: أشهرها: أن الغرة لا تجب للشك في موجبها، أما إذا شككنا في أنه أصل آدمي أو لا .. لم تجب الغرة بلا خلاف. وأفهم تعبير المصنف بـ (اللحم): تصوير المسألة بالمضغة، فلو ألقت علقة .. لم يجب فيها شيء قطعًا كما لا تنقضي بها العدة، وأما حكاية الغزالي الخلاف فيها .. فتفرد به، وقد صرح إمامه بنفي الخلاف فيها. وقال المارودي: العلقة في حكم النطفة بالإجماع بالنسبة إلى عدم الغرة، وأمية الولد، وانقضاء العدة. قال: (وهي عبد أو أمة)، كما قسرها انبي صلى الله عليه وسلم، والخيرة في ذلك إلى الغارم، ويجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت، وعلم منه امتناع الخنثى، لأنه ليس بذكر ولا أنثى.

مُمَيِّزٌ سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ، وَالأَصَحُّ: قَبْولُ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجِزْ بِهَرَمٍ، وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا نِصَفَ عُشْرِ الدِّيَةِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (مميز)، لأن غيره ليس من الخيار، ولفظ الخبر وإن كان يشمله لكن يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه، لأن المقصود من الغرة جبر الخلل ولا جبر مع الصغر. والتعبير بـ (المميز) أحسن من ضبطه بسبع سنين، وليس عدم الصنعة عيبًا كما صرح به في (الكفاية). قال: (سليم من عيب مبيع)، لأن المعيب ليس من الخيار، وهذا بخلاف الإعتاق في الكفارة حيث يجزئ إعتاق المعيب بعيب لا يضر بالعمل، لأن الكفارة حق الله تعالى والغرة حق الآدمي وحقوق الله تعالى مبينة علة المساهلة، فلو رضي المستحق بقبول المعيب وسامح .. جاز. ووقع في (الشرح) و (الروضة): أنه لا يجبر على قبول خصي وخنثى وكافر، وما ذكراه في الكافر غريب، فإن الكفر ليس بعيب في المبيع مطلقًا، بل الصحيح: أنه إن كان في بلد تقل فيها الرغبة في الكافر .. كان عيبًا، وجزم ابن خيران بجوار دفع الكافر، وهو متجه. قال: (والأصح: قبول كبير لم يعجز بهرم)، لإطلاق لفظ العبد والأمة في الخبر، فإن ضعف وعجز بالهرم .. امتنع. والثاني: لا يقبل بعد عشرين سنة، غلامًا كان أو جارية. والثالث: لا تؤخذ الجارية بعد عشرين سنة، لأنها تتغير وتنقص قيمتها بذلك، ولا الغلام بعد خمس عشر سنة، لأنه لا يدخل على النساء. قال المصنف: كذا ضبطوه، وكان ينبغي أن يضبط بالبلوغ، فلا يقبل من بلغ لدوران هذا السن، وضعف الوجهان بأن نقصان الثمن تقابله زيادة المنفعة. قال: ويشترط بلوغها نصف عشر الدية) أي: دية الأب، وهو عشر دية الأم، وذلك خمس من الإبل، لأن عمر قوم الغرة خمسين دينارًا، وكذلك على وزيد بن

فَإِنْ فُقِدَتْ فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ، فَلِلفَقْدِ قِيمَتُهَا، وَهِيَ لِوَرَثَةِ الجَنِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثابت ومخالف لهم، ولأنها دية فقدرت كسائر الديات، ولكن قدرت بأقل أرش ورد من الشرع وهو الموضحة، ولا ترد الأنملة، لأنها بالاجتهاد. قال: (فإن فقدت .. فخمسة أبعرة)، لأنها مقدرة بالخمس عند وجودها، فعند عدمها تأخذ ما كانت مقدرة به، فعلى الجديد: تجب قيمتها، وعلى القديم: يجب خمسون دينارًا أو ست مئة درهم. وعلى هذا: تغلط إن كانت الجناية شبه عمد، حقة ونصف، وجذعة ونصف، وخلفتان. وقال الرافعي: لم يتكلموا في التغليط عند وجود الغرة، إلا أن الرياني قال: ينبغي أن تجب غرة قيمتها نصف عشر الدية المغلطة، وتبعه المصنف، وهو غريب، فقد تكلم في ذلك أبو الطيب والبندنيجي والمارودي، ونقل فيه القاضي وجهين، وصحح عدم التغليظ. قال: (فللفقد قيمتها) أي: هذا الوجه إن فقدت الغرة .. وجبت قيمتها، كما لو غضب عبدًا فأبق أو كانت .. فالواجب قيمته. قال: (وهي لورثة الجنين)، فتقسم على فرائض الله تعالى، فتأخذ الأم نصيبها إن كانت بصفة الميراث عند تمام الانفصال، والباقي للأب، فإن لم يكن أب، أو كان وبه مانع .. فللعصبات، فإن كان للجنين أخ أو أكثر من الأم .. صرف إليه فرضه والباقي للعصبة، وهذا شخص يورث في الغرة خاصة ولا يرث، كما أن المبعض في عموم الميراث يورث ولا يرث على الأصح، ولا نظير لهما كما تقدم، وهل يثبت الملك فيها للجنين ثم ينتقل إلى ورثته أو يثبت لورثته؟ فيه القولان المتقدمان في الدية.

وَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ .. فَعَلَيْهِ وَالجَنِينُ اليَهودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ: كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ: يُهْدَرُ، وَالأَصَحُّ: غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسِلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو خرج جنين في حياة أمه والآخر بعد موتها .. ورثت من الأول دون الثاني، ولا شيءللأم بسبب ألم الجناية والضرب إن لم يؤثر أثرًا ظاهرا، وأن بقي شين وجبت له حكومة في الاصح. قال: (وعلى عاقلة الجاني)، لحديث أبي هريرة المتقدم. قال: (وقيل: إن تعمد) أي: الجاني (فعليه)، بناء على أن العمد يتصور في الإجهاض، والمذهب: أنه لا يتصور، لأن حياته لاتعلم، وكذلك وجوده أيضًا، فعلى الصحيح: تكون على العاقلة. قال: (والجنين اليهودي أو النصراني قيل: كمسلم)، لعموم الخبر، ولا يبالي بالتسوية بينه وبين المسلم، لانه لا يمكن الإهدار، ولا تجزئة الغرة. قال: (وقيل: يهدر)، لأنه لا سبيل إلى التسوية بينه وبين المسلم، والتجزئة ممتنعة. قال: (والأصح: غرة كثلث غرة مسلم)، كما أن في الذمي ثلث ديه المسلم، وهذا مبني على أن الغرة مقدرة بنصف عشر دية الأب أو عشر دية الأم، وهو خمس من الإبل أو خمسون دينارًا أو ست مئة درهم كما تقدم، ففيه بعير وثلثًا بعير أو ستة عشر دينارًا وثلثان أو مئتا درهم. وفي الجنين المجوسي ثلثا عشر غرة المسلم، وهي ثلث بعير. ولو كان أحد أبوي الجنين ذميًا والآخر وثنبًا لا أمان له .. فعلى الأصح: يجب ما يجب فيمن أبواه ذميان، وعلى الثاني: لا شيء فيه، وعلى الثالث: يعتبر جانب الأب. والجنينين المتولد بين مستأمنين كجنين الذميين، وجنين المتدة بعد الحبل فيه الغرة الكاملة، لأنه مسلم، وإن حبلت بعد الردة من مرتد، فإن قلنا: المتولد بينهما مسلم .. فكذلك، وإن قلنا: كافر .. فالأصح: لا شيء جكنين الحربي. ولو ضرب بطن ذمية حبلى من ذمي فأسلمت أو أسلم ثم أجهضت. ز وجبت غرة

وَالرَّقِيقُ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ- وَقِيلَ: الإجْهَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كاملة، لأن الاعتبار في الضمان بآخر الأمر، وكذلك حكم من جنى على أمة حبلى فعتقت ثم ماتت، وفيما يستحقه سيدها من ذلك وجهان أو قولان: أصحهما: الأقل من عشر قيمة الأم ومن الغرة. ولو جنى على حربيى فأسلمت ثم أجهضت .. فالأصح: لا يجب شيء، وقيل: غرة. قال البغوي: ويجري الوجهان فيما لو جنى السيد على أمته الحامل من غير فعتقت ثم ألقت الجنين. قال: (والرقيق عشر قيمة أمه)، ذكر كلن أو أنثى، قنة كانت أو مدبرة أو مكاتبة أو مستولدة، لأن الغرة معتبرة بعشر ما تضمن به الأم إذا كان الجنين حرًا فكذا إذا كان رقيقًا يعتبر بأمه فيجب عشر قيمتها، ولأن الجنين قد يخرج متقطعًا ولا يعرف حاله، والتقويم مبني على الهيئات والصفات الحاصلة في الحياة. قال: (يوم الجناية)، لأنه وقت الوجوب، ولأن وقت الوجوب، ولأن القيمة يومئذ أكمل غالبًا، وهذا صححه الرافعي في (الشرح) أيضًا ولم يذكره في (الروضة)، بل صحح أنها الأكثر من الجناية إلى الإجهاض. قال: (وقيل: الإجهاض)، لأنه وقت استقرار الجناية كما في حريته وإسلامه، واختاره المزني، وجعله ابن سلمة قولًا. وخرج بـ (الرقيق): المبعض، فحكمه حكم الحر، قاله في (البيان). لكن يستثنى من إطلاقه: ما إذا كانت هي الجانية على نفسها .. فلا شيء، إذ لا يجب للسيد على عبده شيء، وتستثنى المكاتبة إذا غرت من نفسها فحملت من وزوجها المغرور قبل علمه بحالها فضربها ضارب، ففي جنينها ما في جنين الحرة.

لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ .. قُوِّمَتْ سَلِيمَةٌ فِي الأَصَحِّ، وَتَحْمِلُهُ العَاقِلَةُ فِي الأَظْهَرِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وسبق في (باب موجبات الدية) منازعة المصنف في تعبيره بـ (الإجهاض) في حق الآدميات. قال: (لسيدها)، لأنه المالك، كذا وقع في (المنهاج)، والذي في (المحرر): أنه لسيد الجنين، وهو الصواب، لأن الجنين قد يكون لشخص وصى له يه والأم لآخر، فالبدل لسيده لا لسيدها. قال: (فإن كانت مقطوعة، والجنين سليم .. قومت سليمة في الأصح)، كما لو كانت كافرة والجنين مسلم .. فإنها يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة. وإذا كان الجنين رقيقًا وهي حرة، كما إذا كانت الأم لواحد والجنين لآخر فأعتق صاحب الأم والأم وبقي الجنين رقيقًا لصاحبه .. تقدر الأم رقيقة ويجب في الجنين عشر قيمتها. والثاني: لا تقدر فيها السلامة، لأن نقصان الأعضاء أمر خلقي، وفي تقدير خلافه بعد. فلو كان الجنين مقطوع الأطراف والأمة سليمة .. قومت أيضًا سالمة على الأصح، لأن نقصان الجنين قد يكون من أثر الجناية واللائق التغليط والاحتياط. قال: (وتحمله العاقلة في الأظهر) أي: بدل الجنين الرقيق، وهذان هما القولان السابقان في حملها العبد، والأظهر: التحمل، لإطلاق الخبر. تتمة: سقط جنين ميت فادعى وارثه على إنسان: أنه سقط بجنايته، فأنكر الجناية .. صدق بيمينه وعلى المدعي البينة، ولا تقبل إلا شهادة رجلين، فإن أقر بالجناية وأنكر الإسقاط وقال: السقط ملتقط ... فهو المصدق أيضًا وعلى المدعي البينة، وتقبل فيها شهادة النساء، لأن الإسقاط ولادة. وإن أقر بالجناية والإسقاط وأنكر كون الإسقاط بسبب جنايته .. نظر: إن أسقطت

فَصْلٌ: يَجِبُ فِي الْقَتْلِ كَفَّارَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عقب الجناية .. فهي المصدقة باليمين، لأن الجناية سبب ظاهر، وإن سقطت بعد مدة من وقت الجناية .. صدق بيمينه، لأن الظاهر معه، إلا أن تقوم بينة: أنها لم تزل متألمة حتى أسقطت، ولا تقبل هذه الشهادة إلا برجلين. وضبط المتولي المدة المتخللة بما يزول فيها ألم الجناية وأثرها غالبًا. وإن اتفقنا على سقوطه اية، وقال الجاني: سقط ميتًا فالواجب الغرة، وقال الوارث: بل حيًا ثم مات فالواجب الدية .. فعلى الوارث البينة لما يدعيه من استهلال وغيره، وتقبل فيه شهادة النساء، لأن الاستهلال لا يطلع عليه غالبًا إلا النساء. ولو أقام كل بينة بما يدعيه .. فبينة الوارث أولى، لأن معها زيادة علم. قال: (فصل يجب في القتل كفارة) لما كانت الكفارة من موجبات القتل ختم بها الفصول. والأصل فيها في قتل الخطأ قبل الإجماع: قوله تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطًا فتحرير رقبة مؤمنة} الآية. وأما في العمد .. فما روى أبو داود [3960] والنسائي [سك 4870] والحاكم [2/ 212] وابن حبان [4307] عن وائلة بن الأسقع قاتل: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب- يعني: وجبت له النار بالقتل-فقال صلى الله عليه وسلم: (أعتقوا عنه، فإن الله عز وجل يعتق بكل عضو منها عضوًا منه من النار)، والقاتل لا يستوجب النار إلا في العمد. وروى: أن عمر قال: يا رسول الله، وأدت في الجاهلية؟ فقال: (أعتق عن كل موءودة رقبة). و (الوأد): دفن البنت وهي حية، وهذا قتل عمد، وظاهر الأمر الوجوب. واحتج الشافعي بأن الكفارة لما وجبت على المحرم في جزاء الصيد في قتل العمد نصًا .. سوينا بين الخطأ والعمد، فكذلك في القتل وبالقياس على قتل الخطأ.

وإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أّوْ مَجْنُونًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن قيس بن عاصم أنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وأدت بنات في الجاهلية؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أتق عددهن نسمًا). وقيس بن عاصم المذكور أول من وأد البنات في الجاهلية للغيرة والأنفة من نكاحهن، ثم تبعه أهل الضلال. وأما صعصعة بن ناجية جد الفرزدق همام بن غالب بنت صعصعة .. فهو الذي كان يقال له: محيي الموءودات، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال له: (أحسنت)، وفيه يقول الفرزدق (من المتقارب): وجدي الذي منع الوائدات .... وأحيى الوئيد فلم يوأد وخرج بذكر المصنف (القتل): الأطراف والجروح، فلا كفارة فيها، لكن دخل في عبارته: من قتل شخصًا بإذنه، فإنه تجب الكفارة بقتله في الأصح. وكلام المصنف في (باب القصاص) يقتضي: أنها لا تجب، لقوله: إنه مهدر. وخالف أبو حنيفة ومالك في كفارة العمد، ووافقهما ابن المنذر، وعن أحمد روايتان كالمذهبين. قال: (وإن كان القاتل صبيًا أو مجنونًا)، لأنه من باب الضمان، ولأن إن جعلنا عمده خطأ .. فالخطأ يوجب الكفارة بالاتفاق. وفارق كفارة الجماع في نهار رمضان، لأن حرمة الصوم في حقه ناقصة، لكونه غير مخاطب به ولا ببدله فيتع الولي من مالها كما يخرج الزكاة والفطرة منه، كذا قاله الرافعي هنا تبعًا للقاضي والبغوي. وقال في (الصداق): لو لزم الصبي كفارة قتل .. لم يجز لوليه أن يعتق عنه من

أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِّمِيًّا، وّعّامِدًا أَوْ مُخْطِئًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ماله ولا من مال نفسه، وعلله بأنه لو صح .. لتضمن دخوله في ملكه ثم يعتق عنه، وذلك لا يجوز، بخلاف الزكاة والفطرة، فإنهما على الفور بخلافهما. ولا يصوم الولي عنهما بحال، فإن صام الصبي في صباه .. أجزأه على الأصح في (الروضة) هنا. قال: (أو عبدًا أو ذميًا)، لالتزامهما الأحكام، وكما يتعلق بقتلهما القصاص والضمان، ولا فرق بين أن يقتل مسلمًا وقلنا: ينتقض عهده أم لا، ولا بين أن يقتل ذميًا. وصورة تكفيره بالعتق: أن يسلم عبد في ملكه، أو يرثه، أو يقول لمسلم: أعتق عبدك عن كفارتي، فإنه يصح على الأصح، فإن لم يوجد ذلك .. قال القاضي حسين: لا يكفر بالصوم، لأنه ليس من أهله شرعًا. وسكت الشيخان عن السفيه، وذكرا في (باب الحجر): أنه في كفارة اليمين لا يكفر بالعتق بل بالصوم كالعبد، وهو يوهم أن غيرها من الكفارات كذلك، لكن صرح الصيمري في (باب الحجر) من (شرح الكفاية) بأن كفارة القتل تجب في مال السفيه، وهو القياس. قال: (وعامدًا أو مخطئًا)، لعموم ما تقدم، وكذلك عمد الخطأ، سواء استوفي القصاص منه أم لا على المذهب. وفي وجه: أنها لا تجب إذا استوفى منه القصاص، لما روى أبو نعيم في (معرفة الصحابة) عن خزيمة بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القتل كفارة). لكن يستثنى من إطلاله: الجلاد القاتل بأمر إذا جرى على يده قتل غير مستحق وهو جاهل به، فلا كفارة عليه، لأنه سيف الإمام، كذا قرره الشيخان في الاستيفاء من الحامل.

وَمُتْسَبِّبًا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ – وَلَوْ بِدَار حَرْبٍ- وَذِمِّيِّ وَجَنِينٍ وَعَبَدْ نَفْسِهِ وَنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومتسببًا)، لأنه كالمباشر في الضمان فكذا في الكفارة، وذلك كما إذا شهد عليه بالزور، أو أكره على قتلة، أو حفر بئرًا عدوانًا، أو نصب شبكة، أو رش الطريق، أو وضع فيه حجرًا، ونحو ذلك، لعموم الآية وبالقياس على وجوب الدية. قال: (بقتل مسلم ولو بدار حرب) وإن لم يجب فيه القصاص ولا الدية، لقوله تعالى {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} معناه عند الشافعي تبعًا لابن عباس وغيره: إن كان في قوم. ولأن دار الحرب لا تهدر دمه، وسبب العصمة- وهو الإسلام- قائم فيه، وسواء ظن كفره أو تترس به المشركون. قال: (وذمى)، وكذلك المعاهد، لقوله تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق} وبيننا وبين أهل الذمة ميثاق. وعن مالكك أنها لا تجب بقتل الذمي ولا بقتل العبد. قال: (وجنين)، لقضاء عمر فيه بالدية والكفارة. وقال ابن المنذر: لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، لكن في (الرافعي) عن أبي حنيفة أنه قال: لا كفارة فيه، فلو كان ببطنها جنينان أو أجنة فأسقطت الجميع .. وجب لكل كفارة، لأن كلًا يضمن بغرة فضمن بالكفارة. قال: (وعبد نفسه)، لعموم الآية، وحكى ابن يونس وجهًا: أنها لا تجب عليه، وأنكره عليه ابن الرفعة وقال: لم آراه لغيره وقد حكاه صاحب (الإستذكار) عن ابن سريج. قال: (ونفسه)، فتخرج من تركته، لأنه قتل محرم، قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم).

وَفِي نَفْسِهِ وَجْهٌ، لَا امْرَأَةِ وَصَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ، وَعَلَى كُلِّ مِنَ الشُرَكَاءِ كَفَّارَةٌ فِي الأَصَحِّ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء .. عذب به يوم القيامة). قال: (وفي نفسه وجه) أي: أنها لا تجب عليه إذا فعل ذلك كما أنه لا يجب الضمان، ويقرب من هذا الخلاف الخلاف فيما إذا حفر بئرًا في محل عدوان فهلك بها رجل بعد موته .. هل تجب الكفارة؟ والغزالي بناه عليه. ووجه المنع في الصورتين: أن في الكفارة معنى العبادة فيبعد وجوبها على ميت ابتداءً. وفي وجه: أنه إذا استوفى منه القصاص .. لا كفارة عليه، لأنه قد سلم نفسه ووفى ما عليه. وروى: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (القتل كفارة). والمذهب: وجوبها، لأنها حق الله تعالى فلا تسقط بتأدية حق الآدمى كما لا تسقط بأداء الدية. قال: (لا امرأة وصبي حربيين) وإن كان يحرم قتلهما، فإن ذلك لخشية فوات الاسترقاق. قال: (وباغ وصائل) أي: إذا قتلا دفعًا، لأن قتلهما مباح مأذون فيه. وعبارة الرافعي توهم أن قتل الباغي للعادل توجب الكفارة، مع أن أشبه الوجهين كما قاله في (قتال البغاة): أنها لا تجب. قال: (ومقتص منه) أي: إذا وجب القصاص على شخص فقتله المستحق .. لم تجب على المستحق كفارة بالإجماع، وكذلك قتل المرتد وقاطع الطريق والزاني المحصن، لأن الشارع أذن في جميع ذلك. قال: (وعلى كل من الشركاء كفارة في الأصح)، لأنه حق يتعلق بالقتل فلا

وَهِيَ كَظِهَارٍ لَكِنْ لَا إِطْعَامَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتبعض كالقصاص، ولأن فيها معنى العبادة، والعبادة الواحدة لا تتوزع على الجماعة ككفارة الطيب واللباس. والثاني: على الجميع كفارة واحدة، لأنها مال يجب بالقتل، فوجب أن لا تكمل في حق كل واحد كالدية وكفارة قتل الصيد. ويجوز أن يبنى الخلاف على خلاف مشهور في أن كل واحد قاتل لجميع المقتول أو لبعضه، فلو كان بعض القاتلين لا تلزمه كفارة كالحربى ونحوه .. فيحتمل أن يقال: لا تجب على الآخر إلا بالقسط، كما لو قتل محرم وحلال صيدًا. وتعبير المصنف هنا بـ (الأصح) المقتضي لقوة الخلاف يخالف تعبيره بـ (الصحيح) في (فصل الاصطدام) حيث قال: (والصحيح أن على كل كفارتين). قال: (وهي كظهار) فيعتق أولًا، فإن لم يجد .. فيصوم شهرين متتابعين للآية. قال: (لكن لا إطعام في الأظهر)، لأن الأبدال في الكفارات موقوفة على النص دون القياس، ولا يحمل المطلق على المقيد إلا في الأوصاف دون الأصل، كما حمل مطلق اليد في التيمم على تقييدها بالمرافق في الوضؤ، ولم يحمل ترك الرأس والرجلين فيه على ذكرهما في الوضؤ. والثاني: يطعم ستين مسكينًا كالظهار. والقول في صفة الرقبة والصيام والإطعام إن أوجبناه على سبق ي الكفارة. تتمة: عدم وجوب الإطعام مختص بحالة الحياة، فلو مات معسرًا قبل الصوم وقلنا: يبقى في ذمته .. أخرج عن كل يوم مد، لا بطريق كون الإطعام بدلًا، لكن كما تخرج الفدية إذا فات صوم رمضان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة عان غيره واعترف: أنه قتله بالعين .. فلا وإن كانت العين حقًا، لأنه لا يفضي إلى القتل غالبًا، ولا دية أيضًا ولا كفارة. ويندب للعائن أن يدعو له بالبركة فيقول: اللهم بارك فيه ولا تضره، وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وذكر القاضي حسين أن نبيًا من الأنبياء عليهم السلام استكثر وقومه ذات يوم، فأمات الله منهم مئة ألف في ليلة واحدة، فلما أصبح. ز شكا إلى الله تعالى ذلك، فقال الله تعالى له: لما استكثرتهم .. عنتهم، فلم لا حصنتهم؟ قال: رب، كيف أحصنهم؟ قال: تقول: حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدًا، ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله. قال القاضي: وهكذا السنة في الرجل إذا رأى نفسه سليمًا وأحواله معتدلة يقول في نفسه ذلك، وكان القاضي يحصن تلامذته بذلك إذا استكثرهم. وذكر الإمام فخر الدين في بعض كتبه: أن العين لا تؤثر ممن له نفس شريفة، لأنها استعظام الشيء، وما ذكره القاضي يرد ذلك. وسكتوا عن القاتل بالحال، وأفتى بعض المتأخرين بان للولي أن يقتله به، لأن له فيه اختيارًا كالساحر، والصواب: أنه لا يقتل به ولا بالدعاء عليه، كما نقل ذلك عن جماعة من السلف. قال مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير: أن مطرف بن عبد الله بن الشخير كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه، فقال مطرف: اللهم، إن كان كاذبًا .. فأمته، فخر مكانه ميتًا، فرفع ذلك إلى زياد فقال: قتلت الرجل، قال: لا ولكنها دعوة وافقت أجلًا.

فهرس الكتاب كتاب الرجعة 00000000000000000000000000000000000000000 7 كتاب الإيلاء00000000000000000000000000000000000000000 25 فصل: في أحكام الإيلاء00000000000000000000000000000000000 36 كتاب الظهار 0000000000000000000000000000000000000000 47 فصل: في أحكام الظهار 0000000000000000000000000000000000 54 كتاب الكفارة 000000000000000000000000000000000000000 63 كتاب اللعان 00000000000000000000000000000000000000000 85 فصل: في قذف الزوج زوجته 00000000000000000000000000000000 98 فصل: في كيفية اللعان 00000000000000000000000000000000000 103 فصل: في المقصود الأصلي من اللعان 000000000000000000000000000 117 كتاب العدد 0000000000000000000000000000000000000000 123 فصل: في العدة بوضع الحمل 0000000000000000000000000000000 134 فصل: في تداخل عدتي المرأة 0000000000000000000000000000000 142 فصل: في معاشرة المطلق المعتدة 000000000000000000000000000000 146 فصل: في عدة الوفاة والمفقود 0000000000000000000000000000000 150 فصل: في سكني المعتدة وملازمتها مسكن فراقها 000000000000000000 00 165 كتاب الاستبراء 00000000000000000000000000000000000000 181 كتاب الرضاع 000000000000000000000000000000000000000 199 فصل: في طريان الرضاع على النكاح 00000000000000000000000000 211 فصل: في الإقرار بالرضاع 00000000000000000000000000000000 218 كتاب النفقات 00000000000000000000000000000000000000 227 فصل: في موجب المؤن ومسقطاتها 000000000000000000000000000 252

فصل: في حكم الإعسار بمؤنة الزوجة 000000000000000000000000000000 266 فصل: في نفقة القريب 00000000000000000000000000000000000000 278 فصل: في الحضانة 00000000000000000000000000000000000000000 292 فصل: في مؤنة المملوك 00000000000000000000000000000000000000 311 كتاب الجراح 0000000000000000000000000000000000000000000 325 فصل: في الجناية من اثنين 000000000000000000000000000000000000 346 فصل: في أركان القصاص في النفس 000000000000000000000000000000 349 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت 00000000000000000000 375 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات 000000000000000000000 382 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 00000000000000000000000 395 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 00000000000000000000000000000 410 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 000000000000000000000000000 415 فصل: في موجب العمد وفي العفو 00000000000000000000000000000 439 كتاب الديات 0000000000000000000000000000000000000000 455 فصل: في موجب ما دون النفس 000000000000000000000000000000 474 فرع: في إزالة المنافع 000000000000000000000000000000000000 506 فرع: في اجتماع ديات كثيرة 000000000000000000000000000000 522 فصل: في الجناية التي لا يتقدر أرشها 00000000000000000000000000 524 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 00000000000000000000000000 531 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان 00000000000000000000000000 550 فصل: في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله 000000000000000000000000 561 فصل: في جناية الرقيق 0000000000000000000000000000000000 576 فصل: في دية الجنين 00000000000000000000000000000000000 581 فصل: في كفارة القتل 0000000000000000000000000000000000 591 فهرس الكتاب 00000000000000000000000000000000000000 599

كتاب دعوى الدم والقسامة

كتاب دعوى الدم والقسامة

كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَانْفِرَادٍ وَشرِكْةَ. ٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب دعوى الدم والقسامة لما انقضى الكلام في القصاص والدية والكفارة التي هي موجبات القتل ... عقبه بما يرجع إليه عند التنازع. والذي يعتمد عليه عند الإنكار: قول الشهود أو اليمين من جهة المدعي أو المدعى عليه، وذلك يحوج إلى النظر في الدعوى والأيمان والشهادة، فعقد الباب لها، وافتتحه في (المحرر) بقوله صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة)، وهو في (سنن الدارقطني) [3/ 111] و (البيهقي) [8/ 123] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لكن قال ابن عبد البر: إسناده لين. و (القسامة) بفتح القاف: اسم للأيمان، وجاء في بعض طرقه: (يحلفون خمسين قسامة). وقال قوم- منهم الأزهري والقاضي أبو الطيب-: إنها اسم للأولياء، وجاءت على بناء الغرامة والحمالة والكفالة. وأول من قضى بها الوليد بن المغيرة في الجاهلية، وأقرها الشارع في الإسلام. قال: (يشترط أن يفصل ما يدعيه من عمد وخطأ وانفراد وشركة)؛ لأن الأحكام تختلف بهذه الأحوال، ويتوجه الواجب تارة على العاقلة وتارة على القاتل فلا يعرف من يطالب إلا بالتفصيل. ومجموع الشروط خمسة: هذا أولها، وسواء في ذلك دعوى المسلم على الذمي وعكسه.

فَإِنْ أَطْلَقَ .. اسْتَفْصَلَهُ القَاضِي، وَقِيلَ: يُعْرِضُ عَنْهُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه: أنها تسمع مجهولة؛ لعسر الاطلاع على كيفية القتل، لكن يستثنى من وجوب التفصيل- كما قاله الماوردي-: السحر؛ فإنه مما يخفى فعله على الساحر وفعله في المسحور فلا يمكن وصفه في الدعوى على الساحر، فإذا ادعى على ساحر: أنه قتل وليه بسحره .. لم يستوصف، بل يسأل الساحر ويعمل ببيانه، قاله في (المطلب)، وإطلاق غيره يخالفه. قال: (فإن أطلق .. استفصله القاضي) فيقول: كيف قتلته؟ عمدًا أم خطأ أم شبه عمد؟ فإن عين نوعًا منها .. سأل عن صفته على الصحيح، فإذا ذكر النوع .. قال: وحده أم مع غيره؟ فإن قال: مع غيره .. قال: أتعرف عددهم أم لا؟ فإذا قال: نعم .. قال: اذكره إن شئت أن تتم دعواك؟ فإذا عين .. طولب المدعى عليه بالجواب، وليس ذلك تلقين دعوى؛ لأن التلقين أن يقول له: قل: كذا، والاستفصال: سؤال عن كيفية القتل. وظاهر قوله: (استفصله) وجوب الاستفصال، والأظهر في (الروضة) عدم وجوبه. قال الرافعي: وربما يوجد في كلام الأئمة ما يشعر بوجوب الاستفصال. وقال الماسرجسي: لا يجب على الحاكم أن يصحح دعواه، ولا يلزمه أن يسمع إلا دعوى محررة، قال الرافعي: وهو الأوجه. وقال في (الروضة) وهو الأصح. قال: (وقيل: يعرض عنه) أي: ولا يستفصل؛ لأن الاستفصال نوع التلقين. وفي وجه ثالث: إن كان عارفًا .. لا يستفصله، وإن كان غبيًا .. استفصله. وفي رابع: يستفصله عن المدعى عليه في جماعة إذا قال: قاتل أبي في هؤلاء

وَأَنْ يُعَيِّنَ الْمُدَّعَى عَلَيهِ، فَلَوْ قَالَ: قَتلَهُ أَحَدُهُمْ .. لَمْ يُحَلِّفْهُمُ القَاضِي فِي الأَصَحْ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماعة، فيقول له: من هو منهم؟ ولا يستفصله عن نوع القتل ولا صفته وإن ادعى على شخص أو جماعة معينين .. فهي مسموعة، وإذا ذكرهم للقاضي وطلب إحضارهم .. إجابة، إلا إذا ذكر جماعة لا يتصور اجتماعهم على القتل .. فلا يحضرهم ولا يبالى بقوله؛ فإنها دعوى محال. وأما حديث خيبر الآتي .. فيحتمل أن تكون الدعوى به على قوم معينين لا على أهل خيبر جميعهم. قال: (فلو قال: قتله أحدهم .. لم يحلفهم القاضي في الأصح) المراد: أنه إذا قال: قلته أحد هؤلاء العشرة، أو أحد هذين الرجلين وطلب من القاضي أن يسألهم ويحلف كل واحد منهم .. فهل يجيبه إلى ذلك؟ فيه وجهان: أصحهما- وبه قطع جماعة-: لا؛ للإبهام، كمن ادعى دينًا على أحد رجلين. والثاني: نعم؛ للحاجة، ولا ضرر عليهم في يمين صادقة، ولأن القاتل يسعى في إخفاء القتل وقد تعسر على الولي معرفته، فلو لم تسمع دعواه .. لتضرر. ولم يتقدم في لفظ المصنف ما يعود عليه الضمير في (أحدهم)، لكنه يعود على معهود، وهو المدعى عليهم، وهم جماعة. قال: (ويجريان في دعوى غصب وسرقة وإتلاف)، فيدعى على أحد رجلين أو رجال؛ لأن المباشر لهذه الأمور يقصد كتمانها فأشبهت الدم، ولا تجري في سائر المعاملات؛ لأنها تنشأ باختيار المتعاقدين وشأنها أن يضبط كل واحد منهما صابحه، هذا هو المذهب في الصورتين. وقيل: يطرد الخلاف في المعاملات. وقيل بقصوره على دعوى الدم؛ لعظم خطرها.

وَإِنمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو لم تكن الجماعة التي ادعى عليهم القتل حاضرين فطلب إحضارهم .. ففي إجابته الوجهان. قال: (وإنما تسمع من مكلف ملتزم) هذا هو الشرط الثالث، فلا تسمع دعوى صبي ومجنون وحربي. ولا يضر كون المدعي صبيًا أو مجنونًا أو حربيًا حالة القتل إذا كان بصفة الكمال عند الدعوى؛ لأنه قد يعلم الحال بالتسامع. ويمكنه أن يحلف في مظنة الحلف إذا عرف ما يحلف عليه بإقرار الجاني أو سماع كلام من يثق به، كما لو اشترى عينًا وقبضها فادغى رجل ملكها .. فله أن يحلف: أنه لا يلزمه التسليم إليه اعتمادًا على قول البائع، لكن يرد على المصنف ما اورد على صاحب (التنبيه). ولا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف فيما يدعيه من الرقيق: العتق، أو الاستيلاد، أو تعليق العتق بصفة، أو التدبير. فالمذهب في (الروضة) سماعها، ذكره في آخر الباب الأول من أبواب (الدعاوى) من زياداته، ولم يصحح الرافعيفي كل ذلك شيئًا. ومنها: دعوى السفيه الحق الثابت له بسبب الجناية؛ فإنها مسموعة، وله أن يحلف ويستوفى القصاص، وإذا آل الأمر إلى المال .. أخذه الولي، كما في دعوى المال يدعبه ويحلف ويقبضه الولي، وقال الغزالي: لا تسمع من السفيه. ومنها: دعوى المفلس المال، ودعوى الحسبة كالعتق وغيره؛ فإنها تقبل كما جزم به الرافعي في أول الباب الثني من (كتاب السرقة)، مع أنه ليس بمطلق التصرف فيما يدعيه. ومنها: دعوى المرأة النكاح؛ فإنها مسموعة إذا ادعت حقًا من حقوق الزوجية كالنفقة والكسوة، وإن ادعت مجرد الزوجية .. سمعت أيضًا على الأصح. قال: (على مثله) هذا هو الشرط الرابع، وهو: أن يكون المدعى عليه مكلفًا ملتزمًا، فلا يدعى صبي ولا مجنون، بل إن توجه عليهما حق مالي .. ادعى

وَلَوِ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ .. لَمْ تُسْمَعِ الثَّانِيَةُ، أَوْ عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ .. لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الدَّعْوَى فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مستحقه على وليهما، فإن لم يكن ولي حاضر ... فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب، فلا تسمع إلا أن تكون هناك بينة، ويحتاج مع البينة إلى اليمين. ولو ادعى على محجور عليه بسفه .. نظر: إن كان هناك لوث .. سمعت الدعوى، سواء ادعى عمدًا أو خطأ أو شبه عمد، ويقسم المدعي ويكون الحكم كما في غير السفيه، وإن لم يكن لوث، فإن ادعى قتلًا يوجب القصاص .. سمعت؛ لأن إقراره به مقبول، فتسمع الدعوى على السفيه بحد القذف والقصاص، وعلى العبد فيما يقبل إقراره به. قال: (ولو ادعى انفراده بالقتل ثم ادعى آخر .. لم تسمع الثانية) هذا هو الشرط الخامس، وهو أن لا تتناقض الدعوى؛ لما في ذلك من تكذيب الأولى، سواء ادعى على الثاني انفرادًا أو مشاركة. أما إذا صدقه الثاني في دعواه الثانية .. فوجهان: أحداهما: لا يؤاخذ بموجب تصديقه؛ لأن في الدعوى الأولى اعترافًا ببراءته. والأصح: له مؤاخذته؛ لأن الحق لا يعدوهما، ويحتمل كذبه في الأولى وصدقه في الثانية. قال: (أو عمدًا ووصفه بغيره .. لم يبطل أصل الدعوى في الأظهر)؛ لأنه قد يظن ما ليس بعمد عمدًا، وهذا نقله الربيع. والثاني- وهو الذي نقله المزني-: يبطل، فلا يقسم ولا يلتفت إلى قوله؛ لأن في دعوى العمدية اعترافًا ببراءة العاقلة. ثم إن الخلاف جار فيمن ادعى الخطأ وفسره بالعمد، وكذا فيمن ادعى شبه العمد وفسره بالخطأ.

وَتَثْبُتُ القَسَامَةُ فِي الْقَتْلِ بِمَحَلِّ لَوْثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: وقيل: يقبل تفسيره قطعًا؛ لأن فيه تخفيفًا على العاقلة ورجوعًا عن زيادة ادعاها عليهم. ادعى قتلًا فأخذ المال، ثم قال: ظلمته بالأخذ، أو أخذته باطلًا، أو الذي أخذته حرام علي .. سئل؟ فإن قال: كذبت في الدعوى، وليس هو قاتلًا ... استرد المال منه، وإن قال: أردت أني حنفي لا أعتقد أخذ المال بيمين المدعي .. لم يسترد؛ لأن النظر إلى رأي الحاكم واجتهاده لا إلى مذهب الخصمين، وذكروا للمسألة نظائر: منها: مات شخص فقال ابنه: لست أرثه؛ لأنه كان كافرًا، فسئل عن كفره؟ فقال: كان معتزليًا أو رافضيًا، فيقال: لك ميراثه وأنت مخطئ في اعتقادك؛ لأن الاعتزال والرفض ليس بكفر. قال الفوراني: وعلى القول بتكفير أهل الأهواء: يحرم الميراث. قال المصنف: وهذا الوجه خطأ. ومنها: إذا قضى الحنفي بشفعة الجوار فأخذ الشقص ثم قال: أخذته باطلًا؛ لأني لا أرى شفعة الجوار ... لم يسترد منه. ومنها: إذا مات عن جارية واستولدها بالنكاح فقال وارثه: لا أملكها؛ لأنها صارت أم ولد .. يقال: هي مملوكتك ولا تصير أم ولد بذلك. قال الرفعي: وجميع ما ذكرناه في الحكم الظاهر، أما الحكم باطنًا إذا حكم القاضي في مواضع الخلاف لشخص على خلاف اعتقاده .. فميل الأكثرين هناك إلى ثبوته. قال: (وتثبت القسامة في القتل بمحل لوث) لما فرغ من شروط الدعوى .. شرع فيما يترتب عليها وهي القسامة. والأصل فيها: ما رواه الشيخان [خ3173 - م 1669/ 1] عن سهل بن أبي حثمة قال:

وَهِيَ قَرِينَةٌ لِصِدْقِ الْمُدَّعِي؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر- وهي يومئذ صلح- فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلًا فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: (كبر كبر)، وهو أحدث القوم، ثم سكت، فتكلما، فقال: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟) قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نرَ؟ قال: (فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا) قالوا: كيف نأخذ بأيمان قوم كفار؟ فعلقه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده. فاللوث هو المعتمد في القسامة، وهو الذي خالفت به سائر الدعاوى؛ فإن في جميعها اليمين من جانب المدعى عليه، وههنا لوجود اللوث ... انتقلت اليمين إلى جانب المدعي. و (اللوث) بإسكان الواو مشتق من التلويث، وهو: التلطيخ، يقال: لوث ثيابه بالطين، أي: لطخها، كأ، عرض المتهم تلوث بنسبة القتل إليه. ويحتمل أنه مشتق من لاث العمامة على رأسه: إذا أدارها، فكأن اللوث يلوي الظن إلى تهمة هذا الشخص. وأما في الاصطلاح .. فهو الذي ذكره المصنف. وأشار بقوله: (في القتل) إلى تخصيص القسامة بالنفس، فلا قسامة فيما دونها ولا في المال كما سيأتي. قال: (وهي قرينة لصدق المدعي) صورة القسامة: صورة القسامة: أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تدل على صدقه، فيحلف وارثه على ما يدعيه، ويحكم له بما سنذكره إن شاء الله تعالى، وبهذا قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا عبرة باللوث ولا ببدء يمين المدعي، والحديث حجة عليه.

بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحِلَّةٍ أّوْ فِي قَريةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بأن وُجد قتيل في محلة) أي: منفصلة عن البلد (أو في قرية صغيرة لأعدائه)؛ لأن قصة عبد الرحمن بن سهل هكذا كانت، فإن أهل خيبر كانوا أعداء للأنصار. وقيل: يشترط أن يكون العدو أكثر، وقيل: يكفي العدو الواحد. وقيل: يشترط أن لا يخالطهم غيرهم، حتى لو كانت القرية بقارعة الطريق يمر بها المسافرون .. فلا لوث. وعلى المذهب: قال الشيخان: يشترط أن لا يساكن العدو غيرهم، فإن ساكنهم غيرهم .. فليس بلوث). وقال في (شرح مسلم) قال الشافعي: إلا أن يكون في محلة أعدائه لا يخالطهم غيرهم، فيكون كالقصة التي جرت بخيبر، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة لورثة القتيل. فجعل الشرط: أن لا يخالطهم غيرهم، وهو المنصوص المفتى به، وإليه ذهب مالك وأحمد والليث. والحصن والقبيلة كالمحلة. وأشار بقوله: (قتيل) إلى أنه لا يشترط في القسامة ظهور دم ولا جرح؛ لأن القتل يحصل بالخنق وعصر الأنثيين وغير ذلك، فإذا ظهر أثره .. قام مقام الدم، فإن لم يظهر أثر أصلًا .. فلا قسامة على الأصح في (الروضة). قال في (المهمات) المذهب المنصوص وقول الجمهور: ثبوت القسامة. وذكر المصنف (القتيل) مثال؛ لأن وجود بعض القتيل كاف، سواء كان الموجود قليلًا أو كثيرًا. وقال أبو حنيفة: إن كان الموجود معظم البدن أو الرأس بلا بدن .. حكم بالقسامة، وإلا .. فلا. لنا: أن بعض الجسد وجد وقد تحققنا فوات الروح، فوجب أن تثبت القسامة،

أَوْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ. وَلَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ لِقِتَالٍ وَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَإِنِ الْتَحَمَ قِتَالٌ .. فَلَوْثٌ فِي حَقِّ الصَّفِّ الآَخَرِ، وَإلَّا .. فَفِي حَقِّ صَفِّهِ. وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ لَوْثٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو وجد متقطعًا في كل محلة قطعة .. أمر الولي بتعيين من يدعي عليه. وقوله: (أعدائه) يقتضي اعتبار عداوتهم له، وليس كذلك، بل يكفي أن يكونوا أعداء لقبيلته) كما جرى في الأنصار واليهود، ولا فرق في هذه العداوة بين أن تكون بسبب دين أو دنيا إذا كانت تبعث على الانتقام بالقتل. قال: (أو نفرق عنه جمع) سواء كانوا أعداءه أم لا؛ للعلم بأن قتله لم يخرج عنهم، سواء اتفقوا في القوة والضعف أو تفارتوا، كما إذا اتفق ذلك في دار دخل فيها ضيفًا، أو مسجد، أو بستان، أو صحراء، أو ازدحموا على بئر، أو باب الكعبة، أو الطواف، أو مضيق. ولا يشترط كونهم أعداءه؛ لقوة الظن هنا، بخلاف القرية والمحلة. وشرط الجمع: أن يكون محصورًا، فلو تفرق عنه جمع لا يتصور اجتماعهم على قتله .. لم تسمع الدعوى كما تقدم. قال: (ولو تقابل صفان لقتال وانكشفوا عن قتيل) أي: طري (فإن التحم قتال .. فلوث في حق الصف الآخر)؛ لأن الغالب أنهم لا يقتلون أصحابهم، وكذا إن التحم ولم يكونوا مختلطين؛ بأن كان يصل قال: (وشهادة العدل لوث)؛ لحصول الظن بصدقه، سواء تقدمت شهادته على الدعوى أو تأخرت. سلاح .. فاللوث في حق أهل صفه؛ لأن قتله منسوب إليهم. وقيل: ليست شهادة الواحد لوثًا؛ لأن الحجة لا تثبت بها، وإنما تكون شهادته لوثًا في قتل العمد.

وَكَذَا عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ تَفَرُّقُهُمْ. وَقَوْلُ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَكُفَّارٍ لَوْثٌ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان في خطأ او شبه عمد فلا تكون لوثًا، بل يحلف معه يمينًا واحدة ويستحق المال، كذا صرح به الماوردي، قال: ولو شهد بالقتل امرأة عدل .. لا يكون لوثًا؛ لنقصها عن الشاهد الواحد. قال: (وكذا عبيد ونساء)؛ لأن ذلك يفيد غلبة الظن، وجعل البغوي عبدين وامرأتين كالجمع. وفي (الوجيز) القياس: أن الواحد كذلك. وفي (الحاوي) تشترط زيادتهم على عدد التواطؤ، ولا يبلغون حد الاستفاضة. قال: (وقيل: يشترط تفرقهم) المراد: أن يأتوا متفرقين؛ لأن الغالب أن اتفاقهم مع التفرق لا يصدر إلا عن حقيقة. قال في (المهمات) وهذا هو المفتى به. قال: (وقول فسقة وصبيان وكفار لوث في الأصح)؛ لحصول الظن بقولهم. والثاني: لا يكون لوثًا؛ لأن الشرع لم يعتبر أقوالهم. والثالث: يثبت بالصبيان والفسقة دون الكفار. والرابع: يثبت بالفاسق دون الصبي؛ لأنه مسلوب العبارة. وظاهرة عبارته: أنه لا فرق بين مجيئهم مجتمعين أو متفرقين، ولابد من مجيء التفصيل هنا أيضًا كما صرح به ابن الرفعة تبعًا لـ (المحرر)، وهو متجه. فروع: إذا عاين القاضي ما هو لوث .. اعتمده، ولا يخرج على الخلاف في قضائه بعمله؛ لأنه يقضي بالأيمان، قاله الإمام. وقال البغوي: لو وقع في ألسنة الخواص والعوام: أن زيدًا قتل عمرًا .. فهو لوث في حقه.

وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ فَقَالَ أَحَدُ ابْنَيْهِ: قَتَلَهُ فُلاَنٌ، وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. بَطَلَ اللَّوْثُ، وَفِي قَوْلٍ: لاَ، وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ فَاسِقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو وجد بين قريتين أو قبيلتين قتيل ولم تعرف بينه وبين أهل واحدة منهما عداوة .. لم تكن قرية من إحداهما لوثًا. قال: (ولو ظهر لوث فقال أحد ابنية: قتله فلان، وكذبه الآخر .. بطل اللوث) لما فرغ من تقرير موجبات اللوث .. شرع في مسقطاته. فمن ذلك: تكاذب الورثة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بحرص القريب على التشفي من قاتل قريبه، فعارض هذا اللوث فسقطا. وأشار بقوله (ظهر لوث) عما إذا ثبت اللوث بشهادة عدل؛ فإنه لا يبطل بتكذيب أحد الوارثين قطعًا. قال: (وفي قول: لا)، كسائر الدعاوى لا تبطل بتكذيب أحد الوارثين حق الآخر، ولأن اليمين مع اللوث كاليمضين مع الشاهد، فيحلف المدعي خمسين يمينًا ويأخذ حقه من الدية، ولم يفصح في (الشرح الكبير) بترجيح، لكنه نقل ترجيح الأول في (الشرح الصغير) عن الأكثرين. وقال في (المحرر) إنه الأقوى. ومحل القولين بالنسبة إلى المدعي، أما بطلان اللوث بالنسبة إلى المكذب .. فلا خلاف فيه. واحترز عما إذا لم يكذب أحدهما الآخر، بل قال: لا أعلم أنه قتله؛ فلا يبطل اللوث، وإن سكت لم يكذب ولم يصدق .. ثبتت القسامة للمدعي. قال: (وفي قول: لا يبطل بتكذيب فاسق)؛ لأن قوله يعتبر في الشرع. والأصح: أنه قال لا فرق بينهما؛ لأن قول الفاسق فيما يسقط حق نفسه مقبول؛ لانتفاء التهمه.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ، وقَالَ اَلآخَرُ: قَتَلَهُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ .. حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ وَلَهُ رُبُعُ الدِّيَةِ. وِلِوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ مَعَ الْمُتَفَرِّقِينَ عَنْهُ .. صُدِّقَ بِيَمِيِنهِ. وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ بِأَصْلِ قَتْلٍ دُونَ عَمْدٍ وَخَطَأٍ .. فَلاَ قَسَامَةَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ سكت ولم يكذب ولم يصدق .. ثبتت القسامة للمدعي. قال: (وفي قول: لا يبطل بتكذيب فاسق)؛ لأن قوله لا يعتبر في الشرع. والأصح: أنه لافرق بينهما؛ لأن قول الفاسق فيما يسقط حق نفسه مقبول؛ لانتفاء التهمة. قال: (ولو قال أحدهما: قتله زيد ومجهول، وقال الآخر: قتله عمرة ومجهول .. حلف كل على من عينة)؛ لاحتمال أن الذي أبهم ذكره هو الذي عينه الآخر، وكذا بالعكس، وليس هذا من التكاذب. وعبارة الشافعي والجمهور: (قتله زيد وآخر لا أعرفه)، وهي أحسن من تعبير المصنف بـ (المجهول)؛ لأنه ليس نصًا في الجهالة عنده خاصة، بل يتناول عنده وعند الناس، وليس بمراد، فلو عادا وقال كل منهما: بان لي أن الذي أبهمته هو الذي عينه أخي .. فلكل أن يقسم على الآخر ويأخذ ربع الدية. قال: (وله ربع الدية)؛ لاعترافه بأن الواجب على من عينه النصف، وله نصفه. قال: (ولو أنكر المدعى عليه اللوث في حقه فقال: لم أكن مع المتفرقين عنه .. صدق بيمينه)؛ لأن الأصل براءة ذمته، وسقط اللوث، وعلى المدعي البينة على الأمارة بعدلين ذكرين أو إقراره بها. فإن أقام المدعي بينة على الحضور والمدعى عليه بينة على الغيبة .. تعارضتا عند الإمام والغزالي، ونقل الإمام عن الأكثرين تقديم بينة الغيبة؛ لأن معها زيادة علم. قال الرافعي: وهذه عند الاتفاق على أنه كان حاضرًا من قبل، ولم يبين الرافعي الحكم عند عدم الاتفاق عليه، والذي يتجه فيه التعارض جزمًا؛ لانتفاء التعليل بزيادة العلم. قال: (ولو ظهر لوث بأصل قتل دون عمد وخطأ .. فلا قسامة في الأصح)؛ لأن مطلق القتل لا يفيد مطالبة القاتل، بل لابد من ثبوت صفته. والثاني: نعم؟ صيانة للدم عن الإهدار، ورجحه في (المطلب) وقال: إنه ظاهر النص

وَلاَ يُقْسَمُ فِي طَرَفٍ وَإِتْلاَفِ مَالٍ، إِلاَّ فِي عَبْدٍ فِي الأَظْهرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا: يحكم بالأخف حكمًا، وهو الخطأ؛ لأنه المحقق، لكن تطون الدية في ماله لا على عاقلته، قاله الماوردي وغيره. قال: (ولا يقسم في طرف وإتلاف مال) وإن عظم، أشار بذلك إلى أن القسامة إنما تثبت في النفس لحرمتها، فلا تتعدى إلى ما دونها كالأطراف والجراحات، بل القول فيها قول المدعى عليه بيمينه، سواء كان هناك لوث أو لم يكن قياسًا على الكفارة. وحكى الروياني في (جمع الجوامع) وجهًا ضعيفًا: أن الأطراف تلحق بالنفس. وسوى المصنف في عدم القسامة بين الطرف والمال، وهو في المال بلا خلاف، وفي الطرف على الأصح. وإطلاقه الطرف يقتضي: أنه لا فرق بين أ، ينقص عن دية النفس أو يساويها أو يزيد عليها، وهو ظاهر كلام الأصحاب. وينبغي فيما إذا زاد أو ساوى أن يقسم كالنفس؛ لتساوي بدلهما، كما تغلظ اليمين على المدعى عليه بالعدد في مثل ذلك بلا خلاف. وإن جرى فيما دون النفس .. وجهان: قال: (إلا في عبد في الأظهر) أي: قتل العبد يقسم فيه، وهذا استثناه المصنف من المال. فإذا قتل العبد ووجد لوث .. فقولان، كالقولين في أن العاقلة هل تحمل بدل العبد أو لا؟ إن قلنا: لا تحمله .. ألحقناه بالبهائم، وإن قلنا: تحمله تشبيهًا بالأحرار، وهو الأصح .. أقسم السيد، وهو الأظهر، وهذه الطريقة هي المشهورة، ومنهم من قطع بالقول الأصح؛ لأن القسامة شرعت لحفظ الدماء وصيانة لها، وهذه الحاجة تشمل الأحرار والعبيد كالقصاص والكفارة. ولا فرق في العبد بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب؛ إذ الكتابة تنفسخ بالموت. قال القاضي والإمام: ويموت رقيقًا.

وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ خَمْسِينَ يَمِينًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهي أن يحلف المدعي على قتل ادعاه خمسين يمينًا) شرع في بيان صفة القسامة واليمين فيها من جانب المدعي كما تقدم في الحديث، وهو مخصص لعموم الحديث الآخر: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) وأما كونها خمسين يمينًا .. فلما تقدم، وذلك في النفس الكاملة بلا خلاف وأما النفس الناقصة كالمرأة والذمي .. فوجهان: أصحهما- في (الحاوي) وغيره-: كذلك حتى في الجنين؛ لخطر النفس. والثاني: أن الخمسين تقسط على الدية الكاملة، فيحلف في المرأة خمسة وعشرين يمينًا، وفي الكافر سبعة عشر. ولابد من التعرض في اليمين لما يجب بيانه في الدعوى؛ لأن اليمين تحققها فاحتيج إلى بيانه كما في سائر الأيمان، وإليه أشار بقوله: (على قتل ادعاه). وصورة التعدد: أن يأتي الحالف بعد كل قسم بما تقدم اشتراطه، فيقول: والله لقد قتل هذا هذا، ويشير إليهما، أو لقد قتل فلان بن فلان، ويرفع في نسبه، أو يعرفه بما يتميز به من قبيلة أو صفة أو لقب. وإن ادعاه على اثنين، قال قتلاه منفردين بقتله- ونص الشافعي على ذكر الانفراد- فقيل: هو تأكيد؛ لأن قوله: (قتله) يقتضي الانفراد. وقيل: شرط؛ لاحتمال الانفراد صورة والاشتراك حكمًا كالمكره، ويتعرض لكونه عمدًا أو خطأ، ثم يكرر ذلك خمسين مرة، لا أنه يقول: والله والله – خمسين مرة- لقد قتل هذا .. إلخ، لأن ذلك تكرار للقسم لا لليمين، كذا نقله في (المطلب) عن النص. ويستحب للقاضي أن يحذر المدعي إذا أراد أن يحلف، ويامره بتقوى الله، ويقرأ عليه قوله تعالى: {يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية، ويعرفه إثم اليمين الكاذبة، والقول في تغليظ اليمين زمانًا ومكانًا ولفظًا كما سبق في (اللعان).

وَلاَ يُشْتَرَطُ مُوَالاَتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَوْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ أَوْ إِغْمَاءٌ .. بَنَي، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا خلاف أن التغليظ في الأيمان مستحب في القسامة، وأما في سائر الأيمان .. فوجهان: أحدهما: يستحب أيضًا، وهو اختيار الماسرجيس والقفال وجماعة، إلا أنها في القسامة آكد؛ لأنها مبنية على غلبة الظن وشواهد الحال. والثاني: لا يستحب. وينبغي للقاضي أن لا يحلف السكران مداعيًا كان أو مدعى عليه حتى يعلم ما يقول وما يقال له؛ لأن الإنسان في حال إفاقته يتحاشى عما لا يتحاشى عنه في حال سكره، فإن حلفه في السكر .. فعلى الخلاف في تصرفاته، والأصح: أنه كالصاحي. قال: (ولا يشترط موالاتها على المذهب)؛ لأن الأيمان من جنس الحجيج، والحجيج لا يقدح التفريق فيها كالشاهدين إذا شهدا متفرقين، فإذا حلف الخمسين في خمسين يوماُ .. جاز. والفرق بينه وبين اشتراط الموالاة في اللعان: أن اللعان أولى بالاحتياط؛ لأجل النسب. والثاني: يشترط؛ لأن لذلك وقعًا في النفس وأثرًا في الزجر والردع. قال: (فلو تخللها جنون أو إغماء .. بنى) أي: إذا أفاق، ولا يسقط شيء من أيمانه الماضية، وإنما تبطل بالجنون العقود الجائزة، فأما ما وقع ولزم .. فلا. هذا إذا لم يعزل القاضي الذي أقسم عنده، فإن عزل في أثنائها أو مات وولي غيره .. فالأصح: أن القاضي الثاني يستأنفها، وعن (الأم) يبني، وصححه الروياني، وحمله المتولي على أيمان المدعى عليه إذا قلنا بتعددها، وفرق بأنها على النفي وأيمان المدعي على الإثبات، فلو عاد المعزول .. اعتد بما وقع إن قلنا: يحكم بعمله، وإلا .. فلا. وكان ينبغي أن يفرق بين أن يعود بعد ولاية غيره أو لا. فإن عاد بعد ولاية غيره .. فكما لو لم يعد، وإن عاد دون غيره .. فكما لو لم يعزل.

وَلَوْ مَاتَ .. لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ .. وُزِّعَتْ بِحَسَبِ الإِرْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو مات .. لم يبن وارثة على الصحيح)؛ إذا لا يستحق أحد شيئًا بيمين غيره؛ بخلاف ما إذا أقام شاهدًا واحدًا ومات؛ فإن وراثة يجوز أن يقيم شاهدًا آخر وتكمل البينة؛ لأن كل شهادة مستقلة. والثاني: أن الوارث يبني- وهو قول الخضري- بناء على أن أيمان القسامة توزع على أولياء الدم. قال: (ولو كان للقتيل ورثة .. وزعت بحسب الإرث)؛ لأن ما ثبت بأيمانهم يقسم عليهم على فرائض الله تعالى فوجب أن يكون اليمين كذلك. واحتج له الإمام بقوله صلى الله عليه وسلم: (تبرئكم يهود بخمسين يمينًا) فأشعر بتعددهم مع اعتبار عدد الخمسين من جانبهم. وأما احتجاج الرافعي بقوله صلى الله عليه وسلم لأولياء القتيل: (تحلفون خمسين يمينًا). فسهو؛ لأن اليمين في الحقيقة على أخيه عبد الرحمن لا على حويصة ومحيصة؛ لأنه لا إرث لهما مع وجود الأخ، وإنما أتى بصيغة الجمع والمراد الواحد، ولهذا قال لعبد الرحمن: (كبر كبر). ومراد المصنف: ورثته من النسب الحائزون. فلو كان هناك وارث غير حائز وشريكه بيت المال .. لم يوزع، بل يحلف خمسين يمينًا، كما لو نكل بعض الورثة أو غاب يحلف الحاضر خمسين. وقوله: (بحسب الإرث) ليس فيه بيان أنه بحسب الفرائض أو السهام، وذلك يظهر أثره في العول كزوج وأم وأختين لأب وأختين لأم، أصلها من ستة، وتعول إلى عشرة، فهل يحلف الزوج نصف الخمسين والأم سدسها والأختان لأب ثلثيها ولأم ثلثها، أو يحلف كل واحد منهم على نسبة سهامه؛ فيحلف الزوج ثلاثة أعشار الخمسين والأم عشرها والأختان لأب خمسيها ولأم خمسها؟ فيه وجهان: الأصح في (الحاوي) الثاني.

وَجُبِرَ الْكَسْرُ، وَفِي قَوْلٍ: يَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ. وَلَوْ نَكَلَ أَحَدَهُمَا .. حَلَفَ الآخَرُ خَمْسِينَ، وَلَوْ غَابَ .. حَلَفَ الآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ، وَإِلاَّ .. صَبَرَ لِلْغَائِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وجبر الكسر)؛ لأن اليمين الواحدة لا تتبعض، فإذا كان له أخوان .. حلف كل خمسة وعشرين، وإن كانوا ثلاثة .. حلف كل سبعة عشر. وإن خلف أمًا وابنًا .. حلفت تسعًا والابن اثنين وأربعين، وإن ترك أكثر من خمسين ولدًا أو أخًا .. حلف كل واحد يمينًا واحدة، وإن كانوا تسعة وأربعين .. حلف كل واحد يمينين. وفي صورة الجد والإخوة تقسم الأيمان كقسم المال، وفي المعادة لا يحلف ولد الأب إذا لم يأخذ شيئًا، ففي جد وأخ لأبوين وأخ لأب الأيمان بين الجد والأخ الشقيق أثلاثًا؛ الجد سبعة عشر، والأخ ضعفها. ولو كان فيهم مشكل .. عمل فيه بالاحتياط، فيحلف الأكثر ويأخذ الأقل، فإذا خلف ولدًا خنثى .. حلف خمسين يمينًا؛ لاحتمال أنه ذكر، ولا يأخذ إلا نصف المال. قال: (وفي قول: يحلف كل خمسين) يمينًا؛ لأن اليمين إذا توجهت على جماعة .. لزم كل واحد منهم ما كان يلزم الواحد لو انفرد باليمين الواحدة في سائر الدعاوى، ولأن الاستحقاق يتعلق بالخمسين وكل واحد يأخذ ما يأخذ بيمين نفسه فعليهم إتمام الخمسين، وهذا القول مخرج من أن الدية تثبت للوارث ابتداء، ولا فرق في ذلك بين العصبات وأصحاب الفروض. قال: (ولو نكل أحدهما .. حلف الآخر خمسين)؛ لأن حقه لا يثبت بأقل من ذلك. قال: (ولو غاب .. حلف الآخر خمسين وأخذ حصته، وإلا .. صبر للغائب)، فإذا حضر .. حلف ما يخصه، فلو قال الحاضر: لا أحلف إلا قدر حصتي .. لم يبطل حقه من القسامة، حتى إذا قدم الغائب .. حلف معه. فلو كان الورثة ثلاث عصبات أحدهم حاضر وأراد أن يحلف .. حلف خمسين

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلاَ لَوْثٍ، وَالْمَرْدُودَةَ عَلَى الْمُدَّعِي أَوْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ لَوْثٍ، وَالْيَمِينَ مَعَ شَاهِدٍ خَمْسُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يمينًا وأخذ ثلث الدية، فإذا قدم الثاني .. حلف خمسة وعشرين وأخذ الثلث، فإذا قدم الثالث .. حلف سبعة عشر، ويقاس به ما شابهه. تنبيهان: أحدهما: جزم المصنف بأخذ الحصة في الحال كما جزم به الماوردي وابن الصباغ وغيرهما، مع حكايتهم الخلاف في سقوط اللوث بالتكاذب، وينبغي أن لا يعطاها؛ لاحتمال أن يحضر فيكذبه فيسقط اللوث. وقد أشار إلى ذلك ابن الرفعة، فقال: إنما يأتي هذا إذا قلنا: إن تكذيب بعض الورثة لا يبطل القسامة. ونظير المسألة: إذا حضر بعض الشفعاء .. فإنه يأخذ جميع الشقص، فإذا حضر الثاني .. أخذ منه نصيبه، فإذا حضر الثالث .. أخذ منهما حصته؛ لأن الشفيع الحاضر إذا لم يأخذ الجميع وأخر إلى حضور الغائب .. سقط حقه، بخلاف ما نحن فيه، والفرق تقصيره في أخذ ما وجب له على الفور بخلاف هذه المسألة. الثاني: حلف البالغ أو الحاضر خمسين ثم مات الغائب أو الصبي وورثه الحالف .. لم يأخذ نصيبه إلا بعد أن يحلف حصته، ولا يحسب ما مضى؛ لأنه لم يكن مستحقًا له حينئذ، كذا قالوه، وينبغي إذا تبين أنه حالة الحلف كان ميتًا .. اكتفى بحلفه؛ لأنه حينئذ كان كل الورثة، فأشبه ما إذا باع مال أبيه على ظن حياته. قال: (والمذهب: أن يمين المدعى عليه بلا لوث، والمردودة على المدعي أو على المدعى عليه مع لوث، واليمين مع شاد خمسون) اشتمل كلامه على أربع مسائل: الأولى: إذا ادعى القتل بغير لوث وتوجهت اليمين على المدعى عليه .. فهل تغلظ عليه بالعدد؟ قولان:

وَتَجِبُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْعَمْدِ عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أظهرهما: نعم؛ لأنها يمين دم. والثاني- واختاره المزني-: يحلف يمينًا واحدة؛ لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (واليمين على المدعى عليه)، وقياسًا على سائر الدعاوى. الثانية: إذا لم يحلف المدعى عليه فردت اليمين على المدعي .. ففي تعددها القولان، والمنصوص في (الأم) التعدد. الثالثة: إذا ردت اليمين على المدعى عليه وهناك لوث .. هل تغلظ؟ طريقان: أصحهما: القطع بالتغليظ. الرابعة: إذا حلف المدعي مع الشاهد الواحد .. هل يحلف خمسين يمينًا أو يمينًا واحدة؟ فيه القولان، والأظهر: التعدد؛ لأن الدماء يحتاط لها بدليل الكفارة. وأشار بقوله: (المردودة على المدعي) إلى أنه إذا نكل المدعي عن القسامة في محل اللوث فردت على المدعى عليه فنكل .. أنها ترد على المدعي مرة ثانية؛ لأنه إنما نكل عن يمين القسامة وهذه غيرها، والسبب في تلك هو اللوث وفي هذه نكول المدعى عليه فصار تعدد السبب كتعدد الخصومة، وبهذا يتبين أن يمين الرد ليست كيمين القسامة. قال: (وتجب بالقسامة في قتل الخطأ أو شبه العمد دية على العاقلة) كما لو قامت البينة بذلك، فتكون مخففة في الخطأ مغلظة في شبه العمد، وهذا كان المصنف مستغنيًا عنه بما ذكره في (فصل العاقلة). قال: (وفي العمد على المقسم عليه) أي: ولا قصاص؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إما أن تدوا صاحبكم، أو تأذنوا بحرب من الله) رواه البخاري، فأطلق إيجاب الدبة ولم يفصل، ولأن يمين المدعي لا يثبت بها النكاح فلا يثبت بها القصاص كالشاهد واليمين.

وَفِي الْقَدِيمِ: قَصَاصٌ. وَلَوِ ادَّعَى عَمْدًا بِلَوْثٍ عَلَى ثَلاَثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ .. أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ .. أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ، وَفِي قَوْلٍ: خَمْسًا وَعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي القديم: قصاص) أي: حيث يجب لو قامت البينة به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) أي: دم قاتل صاحبكم، متفق عليه. وفي (سنن أبي داوود) [4511]: (أنه صلى الله عليه وسلم قتل في القسامة رجلًا من بني النصر بن مالك). وفي (الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحلف منك خمسون رجلًا: أن واحدًا منهم قتله فيدفع برمته). و (الرمة) الحبل. ولأنها حجة يثبت بهد العمد فيثبت به القصاص كشهادة الرجلين. وعلى هذا: لو كان المدعى عليه جماعة .. قتلوا كلهم عند الجمهور، وقال ابن سريج: لا يقتل به إلا واحد يختاره الولي لضعف القسامة ويأخذ من الباقين حصصهم من الدية، وهو ضعيف، وعن القديم: أنه لا يقتل بها أكثر من اثنين، وأجاب في الجديد عن الحديث الأول بأنا نضمن بسبب قتل صاحبكم. وعن الثاني بأنه يحتمل أن لا يكون هناك لوث وإنما حلف المدعي اليمين المردودة. وعن الثالث: أنه يدفع إليه برمته؛ لتؤخذ منه الدية. وعن الرابع: أنه ينتقض بما إذا ثبتت السرقة برجل وامرأتين؛ فإنه يثبت المال دون القطع. قال: (ولو ادعى عمدًا بلوث على ثلاثة حضر أحدهم .. أقسم عليه خمسين وأخذ ثلث الدية، فإن حضر آخر .. أقسم عليه خمسين)؛ لأن أيمان القسامة لا تتناول الثاني، أما إذا أقر .. فإنه يقتص منه بإقراره إن كان القتل عمدًا بشرطه ولا قسامة. قال: (وفي قول: خمسًا وعشرين) كما لو حضرا معًا.

إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي الأَيْمَانِ، وَإِلاَّ .. فَيَنْبَغِي الاِكْتِفَاءُ بِهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الأَصَحُّ. وَمَنِ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ .. أَقْسَمَ وَلَوْ مُكَاتَبٌ لِقَتْلِ عَبْدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إن لم يكن ذكره في الأيمان، وإلا .. فينبغي الاكتفاء بها بناء على صحة القسامة في غيبة المدعى عليه، وهو الأصح)، ووجه صحة القسامة في الغيبة: القياس على البينة، ووجه مقابله: ضعف القسامة. وقوله (إن لم يكن ذكره في الأيمان) قيد في قوله: (أقسم)، لا في القول الضعيف، ولكن عبارته موهمة، وعبارة (المحرر) أوضح؛ فإنه قال: فيقسم خمسًا وعشرين يمينًا في أحد القولين، وخمسين في أصحهما، وليكن هذا الخلاف فيما إذا لم يذكره في الأيمان، فإن ذكره .. فينبغي أن يكتفي بها. فرع: إذا حلف المدعى عليه تخلص من المطالبة، ولا يطالب أهل الموضع الذي وجد فيه القتيل ولا بأني ذلك الموضع ولا عاقلته، خلافًا لأبي حنيفة كما في سائر الدعاوى. وإذا حلف المدعي عند نكول المدعى عليه، فإن كان المدعى قتلًا عمدًا .. وجب القصاص؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة والقصاص يثبت بكل واحد منهما، فإن كان المدعى خطأ أو به عمد .. وجبت الدية. قال: (ومن استحق بدل الدم ... أقسم) هذا ضابط للحالف في القسامة، وهو كل من يستحق بدل الدم. قال في (الأم) سواء كان مسلمًا أو كافرًا، عدلًا أو فاسقًا، محجورًا عليه أو غيره، ودخل فيه السيد، فإذا قتل عبده .. أقسم على المذهب كما سبق. واحترز المصنف عما لو جرح مسلمًا فارتد ومات .. فإن وليه لا تثبت له القسامة؛ لأنه لا يستحق بدل الدم؛ لأن ماله فيء. قال: (ولو مكاتب لقتل عبده)، فيقسم المكاتب إذا قتل عبده، ولا يقسم

وَمَنِ ارْتَدَّ .. فَالأَفْضَلُ تَاخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ، فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ .. صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سيده؛ لأن المكاتب استحق بدل العبد ليستعين بالقيمة على أداء النجوم، بخلاف ما إذا قتل عبد المأذون به؛ فإن السيد يقسم دون المأذون له، لأنه لا حق له والمكاتب صاحب حق في عبده، فإن عجز قبل أن يقسم وتعرض عليه اليمين .. فيقسم السيد، وإن عجز يعد عرض اليمين ونكوله .. لم يقسم السيد؛ لبطلان الحق بنكوله، كما لا يقسم الوارث إذا نكل الموروث، ولكن يحلف المدعى عليه، فإن عجز بعدما أقسم .. أخذ السيد القيمة، كما لو مات الوارث بعد ما أقسم. وكان الأحسن أن ينصب (المكاتب) على حذف كان واسمها، على حد قوله: (ولو خاتمًا من حديد)، لكن المصنف استعمل ذلك كثيرًا كما تقدم له في (الظهار) و (شروط الصلاة). قال: (ومن ارتد .. فالأفضل تأخير أقسامه ليسلم) إذا ارتد ولي القتيل بعدما أقسم .. فالدية ثابتى ولها حكم سائر أمواله التي ارتد عليها، فإن ارتد قبل أن يقسم .. قال الأصحاب: الأولى أن لا يعرض الحاكم القسامة عليه؛ لأنه لا يتورع عن الأيمان الكاذبة، فإذا عاد إلى الإسلام .. أقسم. وصورة المسألة: أن يرتد بعد موت المجروح، فإن ارتد قبل موته ثم مات المجروح وهو مرتد .. فلا يقسم؛ لأنه لا يرث، بخلاف ما إذا قتل العبد وارتد السيد؛ فإنه لا يفرق بين أن يرتد قبل موت العبد أم بعده، بل يقسم إذا قلنا بالقسامة في بدل العبد؛ لأن استحقاقه بالملك لا باإرث. قال: (فإن أقسم في الردة .. صح على المذهب) ويستحق الدبة بها؛ لأن يمين الكافر صحيحة، والقسامة نوع اكتساب للمال فلا تمنع منه الردة كالاحتطاب والاحتشاش. وقال المزني: لا تصح القسامة في حال الردة ولا يثبت بها شيء.

وَمَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ .. لاَ قَسَامَةَ فِيهِ. فَصْلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن أبقينا ملك المرتد .. صحت، وإن أزلناه .. فلا، وعلى الوقف وجهان: أصحهما: يقسم وتكون الدية لأهل الفيء. قال الرافعي: والأظهر عند أكثر الأصحاب: تصحيح القسامة على الأقوال كلها. وموضع الخلاف: إذا مات أو قتل في الردة، فإن عاد إلى الإسلام .. اعتد به وجهًا واحدًا. قال: (ومن لا وارث له .. لا قساوة فيه)؛ لعدم المستحق المعين؛ لأن ديته لعامة المسلمين ولا يمكن تحليفهم، لكن إذا ظهر للإمام أن القاتل شخص معين .. نصب من يدعي عليه ويحلفه، فإن نكل .. فهل يقضي عليه بنكوله؟ فيه خلاف يأتي في موضعه. تتمة: ادعى على جل: أنه قتل أباه عمدًا، فقال المدعى عليه: قتلته ولكن خطأ أو شبه عمد، فإن لم يكن لوث .. صدق المدعى عليه بيمينه، والنص: أنه يحلف يمينًا واحدة، وإن كان شهد عليه عبيد أو نسوة على إقراره بالعمدية .. فأيهما يصدق؟ وجهان: أصحهما: المدعي، وبه قطع الإمام والمتولي. ولو ادعى: أنه قتل أباه خطأ، فقال: قتلته عمدًا .. فلا قصاص، وهل له المطالبة بدية مخففة؟ فيه وجهان: أصحهما: نعم. قال: (فصل) عقدة للشهادة بالدم. والكلام في صفات الشهود والمشهود به مستوفى قي (كتاب الشهادات)، لكن

إِنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ بِإِقْرَارٍ أَوْ عَدْلَيْنِ، وَالْمَالِ بِذَلِكَ أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَيَمِينٍ. وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ لِيَقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .. لَمْ يُقْبَلْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المزني ذكر هنا مسائل تتعلق بالشهادة على الجناية، فراعى معظم الأصحاب ترتيبه، وأخرة آخرون إلى الشهادات. قال: (إنما يثبت موجب القصاص بإقرار أو عدلين). (الموجب) بكسر الجيم، أي: الذي يوجب القصاص من جرح أو قتل لا يثبت إلا بشهادة رجلين يشهدان على نفس الجرح أو القتل أو إقرار الجاني به، لكن يرد على حصره ثبوته بحلف المدعي عند نكول المدعى عليه، وكذا بالقسامة على القديم. ويرد عليه السحر؛ فإنه قد يوجب القصاص ومع ذلك لا يثبت بالبينة بل بالإقرار فقط كما سيأتي. قال: (والمال بذلك أو برجل وامرأتين أو ويمين) يعني: أن ما لا يوجب إلا الدية- كالخطأ وشبه العمد، وجناية الصبي والمجنون، ومسلم على ذمي، وحر على عبد، وأب على ابن- يثبت بشهادة رجل وامرأتين، ورجل ويمين كسائر الأموال المدعاة. قال: (ولو عفا عن القصاص ليقبل للمال رجل وامرأتان)، وكذا شاهد ويمين) .. لم يقبل في الأصح)؛ لأنها لا تثبت المال إلا بثبوت القود، وهذا هو المنصوص، ومنهم من قطع به. والثاني: يقبل؛ لأن المقصود المال. ومحل الخلاف: إذا أنشأ الدعوى والشهادة بعد العفو، أما لو ادعى العمد وأقام رجلًا وامرأتين ثم عفا عن القصاص على مال وقصد الحكم له بتلك الشهادة .. لم يحكم له بها قطعًا؛ لأنها غير مقبولة حن أقيمت فلم يجز العمل بها، كما إذا شهد الصبي بشيء ثم بلغ، أو العبد ثم عتق.

وَلَوْ شَهِدَ هُوَ وَهُمَا بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إِيضَاحٌ .. لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلْيُصَرِّحِ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى، فَلَوْ قَالَ: ضَرَبَةُ بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ .. لَمْ يَثْبَتْ حَتَّى يَقُولَ: فَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ قَالَ: ضَرَبَ رَاسَهُ فَأَدْمَاهُ، أَوْ فَأَسَالَ دَمَهُ .. ثَبْتُتْ دَامِيَةٌ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو شهد هو وهما بهاشمة قبلها إيضاح .. لم يجب أرشها على المذهب)؛ لأن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة، وإذا اشتملت الجناية على ما يوجب القصاص .. احتيط لها، فلا تثبت إلا بحجة كاملة، وهذا هو المنصوص هنا. والنص فيما إذا رمى زيد سهمًا إلى عمرو فمرق منه إلى غيره: أنه يثبت الخطأ الوارد على الثاني برجل وامرأتين وشاهد ويمين، وفيها طريقان: إحداهما: على قولين: أحدهما: ثبوت الهشم والجناية على الثاني برجل وامرأتين، وبشاهد يمين. والثاني: المنع. والمذهب: تقرير النصين. والفرق: ما تقرر من أن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة، وفي مسألة مروق السهم حصل جنايتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى. قال: (وليصرح الشاهد بالمدعى) أي: يجب أن تكون الشهادة بالقتل مفسرة مصرحة بالغرض؛ لعظم أمر القتل عند الله تعالى. وأتى المصنف بلام الأمر؛ ليدل على أن ذلك واجب، وهو أحسن من قول (المحرر) وينبغي. قال: (فلو قال: ضربه بسيف فجرحه فمات .. لم يثبت حتى يقول: فمات منه أو فقتله)؛ لاحتمال أن يكون مات بسبب آخر غير جراحته، فلابد أن يضيف الهلاك إلى فعل المشهود عليه، وكذا لو قال: ضربه فانهار الدم، وكذا ضربه فمات، أو ومات؛ لاحتمال موته بسبب آخر، والشاهد يعرف حصول القتل بقرائن شاهدها وإن لم ير إلا الجراحة وإنهار الدم. قال: (ولو قال: ضرب رأسه فأدماه، أو فأسال دمه .. ثبتت دامية)؛ عملًا بقوله: ولو قال: فسال دمه .. لم يثبت؛ لاحتمال حصول السيلان بسبب آخر.

ويُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ: ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَاسِهِ، وَقِيلَ: يَكْفِي: فَأَوْضَحَ رَاسَهُ، وَيَجِبُ بَيَانُ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا لِيُمْكِنَ قِصَاصٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط لموضحة: ضربة فأوضح عظم رأسه)، فلا يكفي إطلاق الموضحة؛ لأنها من الإيضاح، وليست مخصوصة بإيضاح العظم. قال: (وقيل: يكفي: فأوضح رأسه)؛ لفهم المقصود بذلك عرفًا، والوجه الأول جعله في (المحرر) أقوى، وظاهر ما في (الشرح) و (الروضة) ترجيح الثاني. قال الإمام: والذي يخطر للفطن هنا: أن الشاهد لو كان فقهيًا وعلم القاضي منه أنه لا يطلق الموضحة إلا على ما يوضح العظم .. فيجوز أن يكتفي به لفهم المقصود، ويجوز أن يعتبر الكشف لفظًا؛ لأن الشرع تعبدنا في لفظ الشهادات وإن أفهم غيرها المقصود، وقد ذكر مثل هذا التفصيل في (أداء الشهادة على الشهادة)، وذكر الرافعي نحوه في (الشهادة بمحرمية الرضاع). قال: (ويجب بيان محلها وقدرها ليمكن قصاص)، فلو كان على رأسه أكثر من موضحة ولم يعين الشاهد موضحة الذي شهد عليه .. فلا قصاص، وهذا لا خلاف فيه إذا كان على رأسه غيرها، فإن لم يكن على رأسه إلا موضحة واحدة وشهدا: أنه أوضح رأسه .. فلا قصاص أيضًا؛ لجواز أنها كانت صغيرة فوسعها. وصرح الماوردي فيها بوجوب القصاص أو الدية؛ لزوال العلة. هذا بالنسبة للموضحة، فلو شهدا بأنه قطع يد فلان، ولم يعينا اليد، فوجدناه مقطوع يد واحدة .. فهل تنزل شهادتهم على المشاهدة مقطوعة أو يشترط تنصيصهم؟ قال الرافعي: يجوز أن يقدر فيه خلاف. وقال المصنف: الصواب: الجزم هنا بالتنزيل على المقطوعة، وبه صرح ابن أبي هريرة والماوردي؛ لأنها صارت ببقاء الأخرى متعينة، ولا خلاف أنهما لو شهدا بموضحة شهادة صريحة فشاهدنا رأس المجروح سليمًا لا أثر عليه والعهد قريب .. أن شهادتهما مردودة.

وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ لاَ بِبَيِّنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويثبت القتل بالسحر بإقرار)، فإن قال: قتلته بسحري وسحري يقتل غالبًا .. فعمد، أو نادرًا .. فشبه عمد، أو أخطأت من اسم غيره إلى اسمه .. فخطأ. والدية في ماله؛ لأن العاقلة لا تحمل باعتراف الجاني إلا أن يصدقوه، وقوله في (الوجيز) (على العاقلة) وهم أو سبق قلم؛ فلم يذكره غيره. وإن قال: مرض بسحري ولم يمت .. فهدا لوث تجب به القسامة. فإن قال: قتلت بسحري جماعة .. لم يقتل لجهالة المستحق. وقال أبو حنيفة: يقتل السحر حدًا؛ لسعيه بالفساد. قال: (لا ببينة)؛ لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر، ولا يشاهد تأثير سحره، اللهم إلا أن يقول الساحر: سحرته بنوع كذا، فيشهد عدلان بأن هذا النوع يقتل غالبًا أو نادرًا فيثبت ما يشهدان به، وتتصور معرفة العدلين لذلك؛ بأن يكونا ساحرين ثم تابا، أو فرعنا على القول بجواز تعلمه، والأصح: أنه حرام، وقيده القاضي حسين بما إذا تعلمه ليسحر به. وقال البندنيجي: من اعتقد إباحته .. كفر. وقال ابن أبي هريرة: يجوز تعلمه وتعليمه للوقوف عليه لا للعمل به؛ لما في (الصحيحين) (أن لبيد بن الأعصم كان مسلمًا في بني زريق حليف اليهود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله). ويحرم فعله إجماعًا، ووقع في (الوسيط) تناقض في جواز تعلمه بين (باب الإجارة) وهذا الباب. وقال بعض العلماء: إنه كفر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك: زندقة، حتى لو قال رجل: أنا أحسن السحر ولا أعمل به .. قتل ولا تقبل توبته. ويروى عن أبي حنيفة مثله، وعن أحمد: الساحر يقتل، ولم ينقل عنه في كفره شيء. احتج من رأى قتله بقوله صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا كل ساحر وساحرة) وما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (حد الساحر قتله بالسيف) وما روي: أن جارية لحفصة سحرتها فقتلتها قلنا: هذا معارض بأن جارية لعائشة سحرتها فأمرت أن تباع لرجل من الأعراب بشيء ملكتها وعندنا لا يكفر به إلا إذا اعتقد اعتقادًا مكفرًا بأن يضيف التصرف إلى الكواكب السبعة وأنها تجيب إلى ما يطلب منها. فائدة: السحر في اللغة: صرف الشيء عن وجه، يقال: ما سحرك عن كذا، أي: ما صرفك. ومذهب أهل السنة والجماعة: أنه حق، وله حقيقة، ويكون بالقول وبالفعل، ويؤلم ويمرض ويقتل، ويفرق بين الزوجين. وقال المعتزلة وأبو جعفر الإستراباذي- بكسر الهمزة-: إن السحر لا حقيقة له، إنما هو تخييل، وبه قال المعري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استدلوا بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}. وذهب قوم إلى أن الساحر قد يقلب بسحره الأعيان، ويجعل الإنسان حمارًا بحسب قوة السحر، وهذا واضح البطلان؛ لأنه لو قدر على هذا .. لقدر على أن يرد نفسه إلى الشباب بعد الهرم، وأن يمنع نفسه من الموت. ومن جملة أنواعه: السيميا والهيميا، ولم يبلغ أحد في السحر إلى الغاية التي وصل إليها القبط أيام دلوكا ملكة مصر بعد فرعون؛ فإنهم وضعوا السحر على البرابي، وصوروا فيها صور عساكر الدنيا، فأي عسكر قصدهم .. أتوا إلى ذلك العسكر المصور، فما فعلوه به من قلع الأعين وقطع الأعضاء .. اتفق نظيره للعسكر القاصد لهم، فتحامتهم العساكر، وأقاموا ست مئة سنة، والنساء هن الملوك والأمراء بمصر بعد غرق فرعون وجنوده، حكاه القرافي وغيره. وقال الإمام فخر الدين: لا يظهر تأثير السحر إلا على فاسق، ويحرم تعليم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل وبالشعير والحصى والشعبذة، وتعليم هذه كلها وأخذ العوض عليها حرام بالنص الصحيح في النهي عن حلوان الكاهن والباقي في معناه. وأما الحديث الصحيح أنه: (كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه .. فذاك) .. فمعنها: فمن علم كوافقته له .. فلا بأس، ونحن لا نعلم الموافقة؛ فلا ي .. جوز. ويحرم المشي إلى أهل هذه الأنواع وتصديقهم، وكذلك تحرم العيافة والطيرة، وعلى فاعل ذلك التوبة منه.

وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ .. لَمْ تُقْبَلْ، وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ، وَكَذَا بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي الأَصَحِّ. وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو شهد لمورثه بجرح قبل الاندمال .. لم تقبل)؛ لأنه لومات .. كان الأرش له، فكأنه شهد لنفسه. وسيأتي في (كتاب الشهادات) أن من شرط قبول الشهادة: اتفكاكها عن التهمة، وأن من أسباب التهمة: أن يجر بها لنفسه نفعًا أو يدفع عنه ضررًا. والمصنف أطلق (المورث) وهو مقيد بغير أصله وفرعه؛ لأنهما لا تقبل شهادتهما مطلقًا للبعيضة، وقد ذكر في (المحرر) هذا القيد، وكأن المصنف حذفه للعلم به من (كتاب الشهادات). وأطلق الشيخان وغيرهما المنع قبل الاندمال. واستثنى الفارقي منه: ما إذا كان على المجروح دين مستغرق جميع الدية .. فتقبل شهادته؛ لأنه لا يجر لنفسه نفعًا، وتبعه على ذلك صاحبه ابن أبي عصرون، وفيه نظر؛ لأن الدين لا يمنع الإرث. قال: (وبعده تقبل)؛ لانتفاء التهمة، فلو شهد محجوبان ثم صارا وارثين .. فالشهادة في الأصل مقبولة، لكن إن صارا وارثين قبل قضاء القاضي بشهادتهما .. لم يقض، وإن كان بعد قضائه .. لم ينقض القضاء، كما لو شهد الشاهد ثم فسق. وقيل: قولان: أحدهما: هذا. والثاني: الاعتبار بوقت الشهادة ولا أثر لما يطرأ. قال: (وكذا بمال في مرض موته في الأصح)؛ لأنها لا تجر له نفعًا، ولا تدفع عنه ضررًا؛ لأن المال إنما يثبت للمريض ثم يرثه. والثاني: لا تقبل للتهمة؛ لأن المريض محجور عليه بحق الوارث والوارث صاحب حق في المال قال: (ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل يحملونه)، وهو الخطأ وشبه العمد؛ لأنهم يدفعون عن أنفسهم الغرم. فو كان الشاهدان من فقراء العاقلة .. فالنص: أنه لا تقبل شهادتهما أيضًا. ولو كانا من الأباعد وفي عدد الأقربين وفاء بالواجب .. فالنص: قبول شهادتهما، فقيل: قولان، والمذهب: تقريرهما.

وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ فَشَهِدَا عَلَى الأَوَّلَيْنِ بِقَتْلِهِ: فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الأَوَّلَيْنِ .. حُكِمَ بِهِمَا، أَوِ الآخَرَيْنِ أَوِ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ .. بَطَلَتَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق: أن المال غاد ورائح فالغنى غير مستبعد فتحصل التهمة، وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تتحقق فيه تهمة. قال: (ولو شهد اثنان على اثنين بقتله فشهدا على الأولين) أي: في ذلك المجلس (بقتله: فإن صدق الولي الأولين .. حكم بهما)، فيثبت القتل على الآخرين بشهادة الأولين؛ لخلو شهادتهما عن التهمة، وتسقط شهادة الآخرين؛ لأنهما صارا عدوين للأولين؛ لكونهما شهدا عليهما بالقتل، ولأنهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما القتل الذي شهد به الأولان، والدافع متهم في شهادته. قال: (أو الآخرين أو الجميع أو كذب الجميع .. بطلتا)؛ أي: وإن صدق الآخرين دون الأولين .. بطلت الشهادتان، أما شهادة الأولين فلأن تصديق الآخرين يتضمن تكذيبهما، وأما شهادة الأخرين .. لأن الآخرين يدفعان عن أنفسهما ضررًا، ولأنهما عدوان للأولين، وإن صدق الجميع .. بطلت الشهادتان؛ لأن في تصديق كل فريق تكذيب الآخر، وإن كذبهما جميعًا .. فهو أظهر، كذا فرض الشافعي والأصحاب المسألة. واعترض على تصويرها؛ بأن الشهادة لا تسمع إلا بعد تقدم دعوى على معين، وأجيب بأوجه: أصحها: أن صورتها: أن يدعي الولي القتل على رجلين ويشهد له اثنان، فيبادر المشهود عليهما فيشهدان على الشاهدين بأنهما القاتلان، وذلك يورث ريبة وشبهة للحاكم، فليراجع الحاكم الولي ويسأله.

وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضٍ .. سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ آلَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ .. لَغَتْ، وَقِيلَ: لَوْثٌ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتصور أيضًا: فيما إذا وكل وكيلين في إثبات الدم وأقام كل من الشاهدين اللذين شهدا أولًا وآخرًا شهادته بطلب وكيل بعد تحرير الدعوى. وهذا مفرع على الصحيح: أن شهادة الحسبة لا تسمع في حقوق الآدميين، ومفرع على أن التوكيل في الخصومة من غير تعيين صحيح وعليه عمل الحكام. قال: (ولو أقر بعض الورثة بعفو بعض .. سقط القصاص)؛ لأنه لا يتبعض، سواء عينه أو لم يعينه؛ لاعترافه بسقوط حقه منه، وهو كما لو أقر أحد مالكي العبد؛ بأن شريكه أعتقه وهو موسر .. يحكم بنفوذ العتق إذا جعلنا السراية به. واحترز بسقوط القصاص عن الدية؛ فإنها لا تسقط، بل إن لم يعين العافي .. فللورثة كلهم الدية، وإن عينه فأنكر .. فكذلك، ويصدق بيمينه في أنه لم يعف، وإن أقر بالعفو. فللباقين حصتهم، وهو إن عفا عنها أيضًا .. سقط حقه، أو مطلقًا .. قعلى القولين في وجوب الدية بالعفو المطلق. قال: (وإن اختلف شاهدان في زمان أو مكان أو آلة أو هيئة .. لغت) الشهادة؛ للتعارض، وهكذا حكم ما شهدا به واختلفا فيه من الأفعال والألفاظ. ولو شهد أحدهما: أنه أقر بالقتل عمدًا أو خطأ يوم السبت، والآخر أنه أقر به يوم الأحد .. ثبت القتل؛ لأنه لا اختلاف في القتل وصفته. قال: (وقيل: لوث)؛ لأنهما متفقان على أصل القتل، والاختلاف في الصفة ربما يكون غلطًا أو نسيانًا. وحاصل المسألة: أن المزني روى: أنه يكون لوثًا، والربيع: أنه ليس بلوث، وللأصحاب طرق: أحدها: القطع بأنه ليس بلوث. وثانيها: القطع بأنه لوث. وثالثها: إثبات قولين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: هذا إذا شهدا على الفعل، فإن شهدا على الإقرار .. لم يضر اختلافهما في الزمان، نص عليه في (الأم)، وقياس باقي الصور كذلك. ولو ادعى القتل وشهد أحدهما: أنه قتله، والآخر: أنه أقر بقتله .. لم يثبت القتل؛ لأنهما لم يتفقا على شيء واحد، لكنه لوث بلا خلاف؛ لأنه لا تكاذب بين القولين. **** خاتمة شهد شاهد على رجل: أنه قتل زيدًا، وشهد آخر: أنه قتل عمرًا .. حصل اللوث في حقهما معًا، ولكل واحد من وليهما أن يقسم، نص عليه في (الأم). ***

كتاب البغاة

كتاب البغاة

كتاب البغاة هُمْ مُخَالِفُو الإِمَامَ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الاِنْقِيَادِ وَمَنْع حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب البغاة (البغي) الظلم ومجاوزة الحد، وهو في اللغة: التعدي والاستطالة، سمي البغاة بذلك؛ لظلمهم وعدولهم عن الحق، يقال: بعى الجرح: إذا تداعى إلى الفساد، وبغت المرأة: إذا فجرت. وفي (صحيح مسلم) [2915]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار: (تقتلك الفئة الباغية). قال: (هم مخالفو الإمام بخروج عليه وترك الانقياد ومنع حق توجه عليهم) هذا حدهم في اصطلاح العلماء. والمراد: مخالفة الإمام العدل، عرف ذلك من تعريفه بالألف واللام، فالخروج على الجائر لا يكون بغيًا كما صرح به المتولي وغيره، لكن في (البيان) عن القفال: أن الخروج على الجائر بغي كالخروج على غير الجائر؛ لأنه لا ينعزل بالجور. والإجماع منعقد على قتالهم. والأصل في الباب: قوله تعالى: {وإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} الآية، نزلت في رهط عبد الله بن أبي سلول ورهط عبد الله بن رواحة الأنصاري لما تقاولا حتى اقتتلا بالأيدي والنعال، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فاصطلحوا، رواه الشيخان [خ 2691 - م 1799] عن أنس.

بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقاتل أبو بكر أولًا مانعي الزكاة، وعلي آخرًا أصحاب الجمل وأهل الشام وأهل النهروان. قال الشافعي رضي الله عنه: أخذت السيرة في قتال المشركين من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قتال المرتدين من أبي بكر، وفي قتال البغاة من علي. وقال المزني: أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم سقيفة بني ساعدة، وعثمان يوم الدار، وعلى يوم صفين، وأحمد ابن حنبل يوم المحنة. وفي الآية دليل على وجوب قتال البغاة، وأن الباغي لا يخرج عن اسم الإيمان بذلك- خلافًا للروافض- وعلى جواز الصلح في الحوادث والأحكام، وأن الباغي إذا رجع إلى الطاعة .. قبلت توبته. وأطلق جماعة من الأصحاب القول بأن البغي ليس باسم ذم، وأن البغاة: قوم اجتهدوا فأخطؤوا وليسوا بفسقة. وقال آخرون: هم عصاة وليسوا بفسقة، وليست كل معصية توجب الفسق. وقال آخرون: البغي ينقسم إلى فسق وإلى ما ليس بفسق، وعلى الأول: التشديدات الواردة في الخروج عن طاعة الإمام محمولة على من خرج منها بغير عذر ولا تأويل، كقوله صلى الله عليه وسلم: (من خالف الجماعة قيد شبر .. فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة .. فميتته جاهلية)، الأول في (سنن أبي داوود) [4725] و (الحاكم) [1/ 77]، والثاني في (الصحيحين) [خ 6874 - م98]، والثالث في (مسلم) [1849]. قال: (بشرط شوكة لهم) أي: قوة وعدد يحتاج الإمام في ردهم إلى كلفة مال وقتال، فإن كانوا أفرادًا يسهل ضبطهم .. فليسوا ببغاة. وشرط بعضهم في عددهم: أن يكونوا عشرة، وهو بعيد. وشرط بعضهم: انفرادهم بموضع، وقيل: بطرف لا يحيط بهم جند الإمام.

وَتَاوِيلٍ، وَمُطَاعٍ فِيهِمْ، قِيلَ: وَإِمَامٍ مَنْصُوبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتأويل) أي: يعتقدون به جواز الخروج عليه أو منع الحق، وإلا ... فليسوا بغاة. والمعتبر: تأويل محتمل، كتأويل أهل الجمل وصفين في مطالبتهم بدم عثمان حين اعتقدوا أن عليًا يعرف من قتله. فلو كان تأويلهم قطعي البطلان .. فالأوفق لإطلاق الأكثرين: أنه غير معتبر، كتأويل أهل الردة حيث قالوا: أمرنا بدفع الزكاة إلى من صلاته سكن لنا، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلاة غيره ليست لنا سكنًا، ووجه مقابله: أنه قد يغلط في القطعيات. قال: (ومطاع فيهم) يصدرون عن رأيه؛ إذ لا قوة لمن لا يجمع كلمتهم مطاع، (وهذا نقله الرافعي عن الإمام فقط، وهو في الحقيقة شرط لحصول الشوكة، لا أنه شرط آخر مع الشوكة كما تقتضيه عبارة الكتاب. قال: (قيل: وإمام منصوب)؛ لتجتمع به شوكتهم، وهذا نقله الرافعي عن الجديد، ونسبه الإمام إلى المعظم، وجزم به جماعة كثيرة، لكن في (الرافعي) عن الأكثرين: المنع؛ لأن عليًا قاتل أهل الجمل ولا إمام لهم، وأهل صفين قبل نصب إمامهم، وأثر الخلاف في تنفيذ الحكام لا في عدم الضمان. وظاهر عبارة المصنف: أنه لا يشترط شيء آخر، وليس كذلك، بل يشترط: أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء، كما نقله الرافعي عن جمع من الأصحاب. وحكى الماوردي: الاتفاق عليه. واعتبر الجويني أمرين آخرين: أن يمتنعوا من حكم الإمام، وأن يظهروا لأنفسهم حكمًا.

وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَايَ الخَوَارِجِ- كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيرِ ذِي كَبِيرَةٍ- وَلمَ ْيُقَاتِلُوا .. تُرِكُوا، وَإِلاَّ .. فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أظهر قوم رأي الخوارج- كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة- ولم يقاتلوا .. تركوا)؛ لأن عليًا سمع رجلًا يقول في المسجد: لا حكم إلا الله ولرسوله وقصد بذلك تخطئة على في التحكيم بينه وبين معاوية، فقال علي وهو في الصلاة: فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ، فلما فرغ .. قال: (كلمة حق أريد بها باطل)، ثم جعل حكمهم حكم أهل العدل بقوله: (لكم علينا ثلاثة: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيدينا في أيديكم، ولا نبدؤكم بالقتال)، فجعل حكمهم كأهل العدل؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، مع علمه بمعتقدهم؛ لتظاهرهم بالطاعة. هذا إذا لم يتضرر بهم المسلمون، فإن تذرروا بهم .. فنقل القاضي حسين عن الأصحاب: أنه يتعرض لهم حتى يزول الضرر، وإن صرحوا بسبب الإمام أو غيره من أهل العدل .. عزروا، لا إن عرضوا في الأصح. و (الخوارج) صنف من المبتدعة، يعتقدون أن من أتى كبيرة .. كفر وحبط عمله وخلد في النار، وأن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة، فلذلك يطعنون في الأئمة ولا يحضرون معهم الجماعات والجمعات. قال: (وإلا .. فقطاع طريق) أي: وإن قاتلوا .. فحكمهم حكم قطاع الطريق، وهذا كله تفريع على أنهم لا يكفرون، وهو المذهب. وحكى الإمام في تكفير الخوارج وجهين. قال: (وتقبل شهادة البغاة)؛ لأنهم ليسوا بفسقة، واستثنى الشافعي من قبول شهادتهم: ما إذا شهدوا لموافقيهم بالتصديق كالخطابية، وإنما لم يستثنه المصنف؛ لأنه لا خصوصية له بالبغاة.

وَقَضَاءُ قَاضِيهِمْ فِيمَا يُقْبَلُ قَضَاءُ قَاضِينَا إِلاَّ أَنْ يَسْتَحِلَّ دِمَاءَنَا، وَيُنَفَّذُ كِتَابُهُ بِالْحُكْمِ، وَيُحْكَمُ بِكِتَابِهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الأِصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم؛ يستثنى ما إذا صرح الشاهد ببيان السبب؛ فإن شهادته تقبل وإن كان خطابيًا، كما نقله في (البحر) عن النص؛ لأن التهمة قد زالت بالتصريح. قال: (وقضاء قاضيهم فيما يقبل قضاء قاضينا)؛ لأن لهم تأويلًا يسوغ فيه الاجتهاد، فلو حكم بما يخالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي .. فهو باطل. قال: (إلا أن يستحل دماءنا) فلا يقبل قضاؤه؛ لأنه ليس بعدل وشرط القاضي العدالة، وكذلك لا ينفذ قضاؤه إذا كان من الخطابية الذي يقضون لموافقيهم بالتصديق إذا قضى لهم. وهذا لا يختص بالقاضي، بل الشاهذ إذا كان ممن يرى ذلك .. لم يقبل، حكاه الرافعي عن المعتبرين، فينبغي أن يكون الاستثناء في كلام المصنف راجعًا إلى الجملتين لا إلى الأخيرة وحدها. قال: (وينفذ كتابه بالحكم)، لكن يستحب أن لا يقبل؛ استخفافًا بهم. قال الماوردي: والأولى: أن لا يتظاهر بقبوله ويتلطف في رده، والذي قاله الغزالي وغيره: أنه يجب القبول والتنفيذ، ولعلهم أرادوا عدم النقض والحكم بخلافه كما أوله ابن الرفعة. وحيث نفذناه .. فشرطه: أن لا يكون باطلًا، كما لو قضى على رجل من أهل العدل بضمان ما أتلف في الحرب عليهم، أو بسقوط الضمان عما أتلف في غير الحرب؛ فإن قضاءه لا ينفذ. نعم؛ لو حكم بسقوط ما أتلفوه علينا في الحرب .. نفذناه، ولا تجوز مطالبتهم بذلك؛ لأنه محل اجتهاد. قال: (ويحكم بكتابه بسماع البينة في الأصح)؛ لأن الكتاب الذي يرد له تعلق برعايانا، وإذا نفذنا كتاب قاضيهم لمصلحة رعاياهم .. فلأن نراعي مصلحة رعايانا من باب أولى. والثاني: لا؛ لما فيه من معاونة أهل البغي وإقامة مناصبهم.

وَلَوْ أَقَامُوا حَدًّا وَأَخَذُوا زَكَاةً وَجِزْيَةً وَخَرَاجًا وَفَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ .. صَحَّ، وَفِي الأَخِيرِ وَجْهٌ. وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ .. ضَمِنَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعبيره بـ (الأصح) تبع فيه (المحرر)، والخلاف في (الروضة) و (الشرحين) قولان، وطردهما الإمام في الكتاب بالحكم. قال: وكنت أود لو فصل بين حكم يتعلق بأهل النجدة وحكم يتعلق بالرعايا. أما إذا ورد على قاضينا كتاب من قاضيهم ولم يعلم أنه ممن يستحل دماء أهل العدل أم لا .. ففي قبوله والعمل به قولان: المختار منهما: المنع. قال: (ولو أقاموا حدًا وأخذوا زكاة وجزية وخراجًا وفرقوا سهم المرتزقة على جندهم .. صح)؛ لأن في إعادة المطالبة بذلك إضرارًا بأهل البلد، ولأن عليًا رضي الله عنه فعل كذلك في أهل البصرة، ولأنهم أخذوا بتأويل سائغ، فأشبه حكم الحاكم بالاجتهاد ولا ينقضه آخر، ولأنهم قد يقيمون على البلاد سنين كثيرة ففي عدم الاعتداد إضرار بالرعايا، فإن عاد البلد إلى أهل العدل .. لم يطالبوا بشيء من ذلك. قال: (وفي الأخير) وهو تفرقة سهم المرتزقة على جنودهم (وجه) أنه لا يصح؛ لئلا يستعينوا به على البغي. والأصح: الصحة؛ لأنهم من جند الإسلام وإرعاب الكفار حاصل بهم. وفي الجزية أيضًا وجه حكاه الرافعي، وفي الزكاة وجه حكاه القاضي: أنهم إن أعطوا اختيارًا من غير إجبار .. لم تسقط عنهم. قال: (وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن لم يكن في قتال .. ضمن)؛ جريًا على الأل المقرر في قصاص النفوس وغرامات الأموال، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن كان في قتال .. لم يضمن، أما فيما يتلفه العادل على الباغي .. فلأنه مأمور بالقتال، فلا يضمن ما تولد منه، وأما فيما يتلفه الباغي على العادل .. فلأن الله تعالى أمر الإمام أن يصلح بينهما بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال، ولأنه لم ينقل أن أحدًا طالب أحدًا بذلك في وقعة الجمل وصفين مع معرفة القاتل، ولأن الغرم لو وجب فيها .. لربما نفرهم ذلك عن العود إلى الطاعة ويحملهم.

وَفِي قَوْلٍ: يَضْمَنُ بَاغٍ. وَالْمُتَأَوِّلُ بِلاَ شَوْكَةٍ يَضْمَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ على التمادي على الباطل، ولهذا سقطت التبعة عن الحربي إذا أسلم، وبهذا قال أبو حنيفة. قال: (وفي قول: يضمن باغ)، وبه قال مالك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام)، وقول أبي بكر للذين قاتلهم بعدما تابوا: (تدون قتلانا، ولا ندي قتلاكم) رواه البيهقي [8/ 183]. ولأنهما فرقتان من المسلمين محقة ومبطلة فلا تستويان في سقوط الغرم، كقطاع الطريق. والجواب: أن أبا بكر لما قال ذلك .. قال عمر: (لا نأخذ لقتلانا دية؛ لأنهم عملوا لله)، فسكت أبو بكر سكوت راجع. ثم إن كان المتلف نفسًا وقلنا بالأول .. فأصح الوجهين: لا كفارة أيضًا. ومحل القولين: فيما أتلفه في القتال بسبب القتال أو تولد منه هلاكه، فلو أتلف في القتال ما ليس من ضرورة الحرب .. وجب ضمانه قطعًا. ويستثنى من الإتلاف في غير القتال: ما إذا قصد أهل العدل بإتلاف المال إضعافهم وهزيمتهم؛ فلا ضمان، قاله الماوردي. قال: فإن قصدوا التشفي والانتقام .. ضمن كالمتلف في غير القتال. هذا بالنسبة إلى الضمان، أما التحريم .. فقال الشيخ عز الدين: لا يتصف إتلافهم بإباحة ولا تحريم؛ لأنه خطأ معفو عنه، بخلاف ما يتلفه الكفار حال القتال؛ فإنه حرام غير مضمون. قال: (والمتأول بلا شوكة يضمن)؛ لأن حكمهم في ذلك حكم قطاع الطريق، فيضمن النفس والمال ولو في حال القتال؛ لأنا لو أسقطنا الضمان عنهم .. لأبدت كل شرذمة من أهل الفساد تأويلًا وفعلت ما تشاء، وفي ذلك إبطال السياسات. قال الشافعي رضي الله عنه [أم 4/ 216]: ولما قتل ابن ملجم عليًا متأولًا .. رأى علي

وَعَكْسُهُ كَبَاغٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ القصاص، فأمر بحبسه وقال لابنه الحسن: (إذا قتلتموه .. فلا تمثلوا به)، فقتله الحسن وفي الناس بقية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر ذلك منهم أحد. فإن قيل: كيف سمى الشافعي ابن ملجم متأولًا؟ وأي تأويل كان له في ذلك؟ .. فأجاب عنه في (البحر) بما رواه الحاكم [3/ 143]: أنه كان خطب امرأة يقال لها: قطام، وكان علي رضي الله عنه قتل أباها من جملة الخوارج، فقالت له: إن عليًا قتل أبي بغير حق، ووكلته في قتله بأبيها قودًا، وطلبت منه بعد قتله ثلاثة آلاف وعبدًا وقينة حتى تنكحه، وظن المغرور أنها صادقة في القتل بغير حق، ولهذا قال الشاعر [من الطويل]: فلم أر مهرًا ساقه ذو فطانة .... كمهر قطام بين عرب وأعجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة .... وقتل علي بالحسام المصمم فلا مهر أغلى من علي وإن علا .... ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم قال: (وعكسه كباغ) أي: الذين لهو شوكة ولا تأويل لهم حكمهم حكم الباغي في الضمان على أصح الطريقين؛ لأن سقوط الضمان عن الباغي لقطع الفتنة واجتماع الكلمة، وهذا هو موجود فيهم. والطريق الثاني: يضمن قطعًا كعكسه، أما قضاء قاضيهم .. فالظاهر المعروف: لا ينفذ. ولو ارتدت طائفة لهم شوكة فأتلفوا مالًا أو نفسًا في القتال ثم تابوا وأسلموا .. ففي ضمانهم القولان كالبغاة: أظهرهما عند بعضهم: لا ضمان، وخالفهم البغوي. ولا ينفذ قضاء المرتدين قطعًا.

وَلاَ يُقَاتِلُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا نَاصِحًا يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةً أَوْ شُبْهَةً .. أَزَالَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يقاتل البغاة حتى يبعث إليهم أمينًا فطنًا ناصحًا يسألهم ما ينقمون) أي: ما ينكرون وما يعيبون وما يعدونه ذنبًا، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ}، وقال تعالى: {ومَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ}، فالاستثناء في جميع ذلك من غير الجنس، كقول النابغة [من الطويل]: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم .... بهن فلول من قراع الكتائب وكقول الرقيات [من المنسرح]: ما نقموا من بني أمية إلا .... أنهم يحملون إن غضبوا و (نقم) بفتح القاف وكسرها. قال: (فإن ذكروا مظلمة أو شبهة .. أزالها)؛ لأن المقصود بقتالهم ردهم إلى الطاعة ودفع شرهم. والبعث واجب كما صرح ابن الصباغ وغيره، وهو ظاهر عبارة (الشرحين) والكتاب. وقال أبو الطيب: مستحب. وقد بعث علي ابن عباس إلى أهل النهروان، فقال لهم: (هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فما تنقمون منه؟) قالوا ثلاثًا. حكم في الدين وقد أغنى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحكيم. وقتل ولم يسب، فإما أن يقتل ويسبي، وإما أن لا يفعلهما. ومحا اسمه من الخلافة، فإن كان على حق .. فلم خلع؟ وإن كان على غير حق .. فلم دخل؟ فقال ابن عباس: (أما التحكيم .. فقد حكم الله في الدين، فقال تعالى:

فَإِنْ أَصَرُّوا .. نَصَحَهُمْ ثُمَّ آذَنَهُمْ بِالْقِتَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}، وقال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} في أرنب قيمته درهم، أخرجت من هذه؟) قالوا: نعم. قال: (وأما أنه قتل وما سبى .. فلو حصلت عائشة في قسم أحدكم .. كيف يصنع وقد قال تعالى: ولا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا؟) فقالوا: رجعنا عن هذه. قال: (وأما محوه اسمه من الخلافة حين كتب كتاب التحكيم بينه وبين معاوية .. عمرو عام الحديبية)، وقد كتب كتاب القضية بينهم وعلى بن أبي طالب، فرجع عند ذلك بعضهم وأبى بعضهم، رواه أحمد [1/ 86] والبهقي [8/ 179]. فلما أخبره ابن عباس بما تفق .. قال علي لأصحابه: لا ينفلت منهم عشرة ولن يقتل منا عشرة، فسار إليهم، فقتلوا كلهم إلا ثمانية، وقتل من أصحاب على تسعة. قال: (فإن أصروا) أي: بعد إزالة العلة) .. نصحهم) ووعظهم وأمرهم بالعود إلى الطاعة؛ لتكون كلمة الدين واحدة، ولأن ذلك أقرب إلى حصول المقصود، فإن أصروا .. دعاهم إلى المناظرة. قال: (ثم آذنهم بالقتال) أي: أعلمهم؛ لأن الله تعالى أمر أولًا بالإصلاح ثم بالقتال، فلا يجوز تقديم ما أخره الله تعالى. وإنما يعلمهم بالقتال إذا علم أن في عسكره قوة وقدرة عليهم. ويكون القصد بالقتال دفعهم عما هم عليه دون قتلهم؛ لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: ترجع إلى كتاب الله وسنة رسوله.

فَإِنَ اسْتَمْهَلُوا .. اجْتَهَدَ وَفَعَلَ مَا رَأَىهُ صَوَابًا. وَلاَ يُقَاتِلُ مُدْبِرَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم هذا القتال واجب- قال الماوردي- بخمس شروط: أحدها: أن يتعرضوا لحريم أهل العدل أو لإفساد نسلهم. والثاني: أن يتعطل جهاد المشركين بهم. والثالث: أن يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم. والرابع: أن يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم. والخامس: أن يتظاهروا على خلع الإمام الذي انعقدت بيعته. فإن انفردوا عن الجماعة ولا منعوا حقًا ولا تعدوا على الإمام .. جاز قتالهم لأجل تفريق الجماعة. قال: (فإن استمهلوا .. اجتهد وفعل ما رآه صوابًا)، فإن ظهر له أنهم عازمون على الطاعة وأنهم ينتظرون كشف الشبهة .. أمهلهم ليتضح لهم الحق. وإ، ظهر له أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم وانتظار مددهم .. لم يمهلهم إن كان في عسكره قوة، وإن سألوا ترك القتال أبدًا .. لم يجبهم. وظاهر عبارة المصنف: أن هذا الإمهال لا يتقدر، بل يرجع إلى ما يراه الإمام. وفي (التهذيب) يوم أو يومين، وفي (المهذب) ثلاثة أيام. وفي (العمدة) للفوراني: إن رجا توبتهم ورجوعهم .. انتظرهم شهرًا أو شهرين، وكذلك إن رأى في أهل العدل ضعفًا. قال: (ولا يقاتل مدبرهم) إذا كان غير متحرف لقتال أو متحيزًا إلى فئة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: (يا ابن أم عبد؛ ما حكم من بغى من أمتى؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (لا يتبع مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم) رواه الحاكم [2/ 155] والبيهقي [8/ 182]. ودخل الحسن بن علي على مروان فقال: ما رأيت أكرم من أبيك، ما إن ولينا ظهورنا يوم الجمل حتى تادى مناديه: أن لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح.

وَلاَ مُثْخَنَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ، وَلاَ يُطْلَقُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشافعي: ولأن الله تعالى أمر بقتالهم لا بقتلهم، وإنما يقال: قاتلوا لمن يقاتل، ويقال للمنهزم: اقتلوا لا قاتلوا، وكذلك الحكم فيمن ألقى السلاح. وانهزام الجند: أن يتبددوا وتبطل شوكتهم. فول ولوا مجتمعين تحت راية زعيمهم .. لم ينكف عنهم، بل يطلبهم حتى يطيعوا، فلو بطلت قوة واحد بتخلفه عنهم .. لم يتبع. ومن ولى متحرفًا لقتال .. اتبع، وكذا متحيزا إلى فئة قريبة، قيل: أو بعيدة. قال: (ولا مثخنهم وأسيرهم) أي: لا يقتل مثخنهم، وهو- بفتح الخاء-: المثقل بالجراح، ولا يقتل أسيرهم؛ للخبر المذكور، وجوز أبو حنيفة قتلهما صبرًا. فلو قتل عادل أسيرهم أو ذفف على جريحهم .. ففي وجوب القصاص وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة) لا قصاص، ونقله في (البحر) عن النص. ولا يجوز قتل من كف عن قتال منهم إذا وقف معهم في صفهم .. لأنه كاف شره كالأسير، وفي وجه: يجوز؛ لأنه رد لهم. وقتل رجل محمد بن طلحة حين كان واقفًا مع أهل الجمل، فلم يمنعه علي ولا طالب بديته. واستثنى بعضهم من ذلك: ما إذا أيس الإمام من صلاحهم لتمكن الضلالة فيهم وخضي عودهم عليه بشر، قال: فيجوز في هذه الحالة أن يتبع مدبرهم ويذفف على جريحهم استئصالًا لهم، كما فعل علي رضي الله عنه بالخوارج، وكذلك المهلب بن أبي صفرة حين قاتلهم في ولاية عبد الملك بن مروان. قال: (ولا يطلق) أي: أسيرهم (وإن كان صبيًا أو امرأة حتى تنقضي الحرب ويتفرق جمعهم)؛ لينكف شرهم، وذلك واجب إلى انقضاه الحرب، وظاهر عبارة الكتاب في الصبي والمرأة: استمرار حبسهم إلى أن يتفرق جمعهم.

إِلاَّ أَنْ يُطِيعَ بَاخْتِيَارِهِ. وَيَرُدُّ سِلاَحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ إِلَيْهِمْ إِذَا انْقَضَتِ الحَرْبُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُمْ، وَلاَ تُسْتَعْمَلُ فِي قِتَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي في (الروضة) وكتب الرافعي: إلى انقضاء الحرب فقط، وصوبه في (المهمات)، وقيل: إن رأى الإمام في إطلاقهم قوة للبغاة، وفي حبسهم ردهم إلى الطاعة .. حبسهم. وقيل: له حبسهم مطلقًا إلى حين إطلاق الرجال. قال: (إلا أن يطيع باختياره)؛ بأن يبايع الإمام فيطلق ولو قبل انقضاء الحرب وتفرق الجمع. هذا في الحر، أما العبد .. فقيل: هو كالنساء وإن كان يقاتل، وقال المتولي: إن كان يتأتى منه ومن المراهق قتال .. فهما كالرجال في الحبس، واستحسنه الرافهي. أما الصبي غير المراهق والمرأة .. فيطلقان إذا انقضت الحرب، فإن قاتلت المرأة والعبد والمراهق .. فهم كالرجال يقتلون مقبلين لا مدبرين. قال: (ويرد سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم)؛ لزوال المحذور، وأمن الغائلة بعودهم إلى الطاعة أو تفرق شملهم، قال الرافعي: وهو وقت إطلاق الأسير. و (الغائلة) الشر. واعترض ابن الفركاح على المصنف فقال: ذكر أمن الغائلة هنا ولم يذكره في الأسير، وذلك يوهم اختلاف الغايتين، وهما سواء كما ذكره الرافعي. والجواب: أنه نبه في الأسير على أمن الغائلة بقوله: (ويتفرق جمعهم)؛ فإنه إذا تفرق جمعهم .. أمنت غائلتهم. واقتصاره على رد السلاح والخيل يعلم أن رد غيرهما من الأموال التي ليست عونًا لهم في القتال إليهم من بابا أولى. قال: (ولا تستعمل) أي: خيولهم وأسلحتهم (في قتال)، كما لا يجوز الانتفاع بسائر أموالهم، ويدل لذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال

إِلاَّ لِضَرُورَةٍ. وَلاَ يُقَاتَلُونَ بِعَظِيمٍ- كَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ- إِلاَّ لِضَرُورَةٍ؛ بِأَنْ قَاتَلُوا بِهِ أَوْ أَحَاطُوا بِنَا. وَلاَ يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ، وَلاَ بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). قال: (إلا لضرورة)، كما إذا خيف انهزام أهل العدل ولم يجدوا غير خيولهم .. فيجوز لهم ركوبها، وكذا إذا لم يجدوا ما يدفعون به عنهم غير سلاحهم، وتجب أجرتها عند استعمالها للضرورة، كالمضطر إذا أكل طعام الغير .. يغرمه. قال: (ولا يقاتلون بعظيم، كنار)؛ لأن القصد الكف لا الإهلاك، وفي الحديث الصحيح: (لا يعذب بالنار إلا خالقها). قال: (ومنجنيق)، وكذا إرسال المياه الكثيرة، وإلقاء الحيات والأسد عليهم؛ لأن المقصود من قتالهم ردهم إلى الطاعة، وقد يرجعون فلا يجدون إلى النجاة سبيلًا، ولأنه قد يصيب من لا يجوز قتله كالنساء والصبيان. قال: (إلا لضرورة؛ بأن قاتلوا به أو أحاطوا بنا) وحصل الاضطرار إلى الرمي بذلك للدفع، ولهذا بالغ علي رضي الله عنه حتى قتل بنفسه ليلة الهرير ألفًا وخمس مئة. فلو تحصموا ببلد أو قلعة ولم يقدر عليهم إلا بهذه الأسباب .. فلا يجوز قتالهم، ولا يجوز أن يحاصروا بمنع الطعام والشراب إلا على رأي الإمام في أهل القلعة. ولا يجوز عقر خيلهم إذا قاتلوا عليها، ولا قطع أشجارهم وزرعهم. قال: (ولا يستعان عليهم بكافر)؛ إذ لا سبيل لهم على المؤمنين، ولهذا لا يجوز لمستحق القصاص من مسلم أن يوكل كافرًا في استيفائه، ولا للإمام أن يتخذ لهم دلادًا كافرًا لإقامة الحدود على المسلمين. قال: (ولا بمن يرى قتلهم مدبرين)، إما لعداوة تحمله على ذلك، وإما لاعتقاد جوازه كالحنفي؛ لأنهم إذا انهزموا .. وجب الكف عنهم، وهل هو منع تنزيه أو

وَلَوْ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَآمَنُوهُمْ .. لَمْ يَنْفُذْ أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا، وَيَنْفُذُ عَلَيْهِمْ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تحريم؟ فيه وجهان: ظاهر عبارة (الشرح) و (الروضة) الثاني، وفي (الكفاية) وجه: أنه يجوز، فإن دعت الضرورة إلى الاستعانة بهم .. جاز بشرطين: أن يكون لهم حسن إقدام. وأن يمكنه منعهم لو اتبعوهم. ولفظ البغوي يقتضي الجواز بأحدهما، كذا قاله الشيخان، وفيه نظر؛ فإن عبارة (التهذيب) ظاهرة في الشرطين. وزاد الماوردي شرطًا ثالثًا: أن يَشترط عليهم: أن لا يقتلوا مدبرًا ولا يذففوا على جريح، وأن يثق بوفائهم. فإن قيل: يشكل على هذا جواز استخلاف الشافعي للحنفي .. قلنا: الفرق: أن الخليفة ينفرد برأيه واجتهاده، وهؤلاء تحت راية الإمام، ففعلهم منسوب إليه، فلا يجوز أن يعملوا بخلاف اجتهاده. قال: (ولو استعانوا علينا بأهل الحرب وآمنوهم) أي: أعطوهم الأمان، وهي بهمزة ممدودة؛ لقوله تعالى: {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}. قال: (.. لم ينفذ أمانهم علينا)؛ لأن الأمان لترك قتال المسلمين، فلا ينفذ على شرط قتالهم، فيجوز لنا أن نغنم أموالهم، ونسترقهم، ونقتل أسيرهم، ونقتلهم مدبرين ومثخنين. وقيل: لا يقتل مدبرهم، ولا يذفف على جريحهم، والمذهب: الأول. قال: (وينفذ عليهم في الأصح)؛ لأنهم آمنوهم من أنفسهم، فلا يجوز أن يكروا عليهم بالقتل وبالأسر والاسترقاق. والثاني: المنع؛ لأنه أمان انبنى على فساد فلم ينفذ. وعلى هذا: لأهل البغي قتلهم واسترقاقهم. وقال الإمام وابن الصباغ : هو أمان فاسد، فيردوهم إلى مأمنهم ولا يغتالوهم.

وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا .. انتُقَضَ عَهْدُهُمْ، أَوْ مُكْرَهِينَ .. فَلَا، وَكَذَا لَوْ قَالُوا: ظَننَّا جَوَازَهُ، أَوْ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُقَاتَلُونَ كَبُغَاةٍ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أعانهم أهل الذمة عالمين بتحريم قتالنا .. انتقض عهدهم)، كما لو انفردوا بالقتال، ويصير حكمهم حكم أهل الحرب، فيقتلون مقبلين ومدبرين، ولهذا غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة لمّا أعانوا الأحزاب. قال: (أو مكرهين .. فلا)؛ لمكان العذر، وقيل: هو على الخلاف الآتي. وظاهر كلامه: أن يكتفى بقولهم: إنهم مكرهون من غير بينة، وهو الذي يظهر من إطلاق الجمهور، وشرط المزني والبندنيجي ثبوته عند الإمام. قال: (وكذا لو قالوا: ظننا جوازه)؛ لأنهم قد يخفى عليهم منع ذلك، وكذا لو قالوا: ظننا أنهم يستعينون بنا على كفار. قال: (أو أنهم محقون على المذهب)؛ إلحاقًا لهذه الأعذار بالإكراه؛ لأنهم وافقوا طائفة من المسلمين ولم يستقلوا، فلا ترتفع عصمتهم. والثاني: الانتقاض، كما لو استقلوا بالقتال. ثم القولان إذا لم يشترط عليهم ترك القتال في عقد الذمة، فإن شرط .. انتقض قطعًا، ومنهم من أطلق القولين. قال: (ويقاتلون كبغاة)؛ لأن الأمان حقن دماءهم، كما أن الإسلام حقن البغاة، وكل منهم خرج عن الجماعة بتأويل. ولو استعان البغاة بأهل العهد .. انتقض عهدهم بالمقاتلة معهم. قال الجمهور: وإذا ذكروا عذرًا لم يقبل منهم إلا ببينة وخالفوا أهل الذمة حيث قبل دعواهم الإكراه بغير بينة؛ لأنهم أقوى، ولهذا لو خاف الإمام من أهل العهد الخيانة .. نبذ إليهم عهدهم، بخلاف أهل الذمة. تتمة: قال المتولي: يلزم الواحد من أهل العدل مصابرة اثنين من البغاة؛ فلا يولي إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة.

فَصْلٌ: شَرْطُ الإِمَامِ: كَوْنُهُ مُسْلِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشافعي رحمه الله: يكره للعادل أن يعتمد قتل ذي رحم من أهل البغي. وحكم دار البغي حكم دار الإسلام، فإذا جرى فيها ما يوجب الحد .. أقامه الإمام إذا استولى عليها. ولو سبى المشركون طائفة من البغاة وقدر أهل العدل على استنقاذهم .. لزمهم ذلك. قال: (فصل: شرط الإمام: كونه مسلمًا) لمّا كان البغي عبارة عن الخروج على الإمام .. احتاج إلى تعريف الإمام الأعظم، وهو: القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، فيا لها رتبة ما أسناها، ومرتبة ما أعلاها أن يكون الإمام ساهيًا لاهيًا مع من يحب ورعيته والخلق تعمل له الطاعات وتكسب له الحسنات. و (السلطان) يذكر لفظه ويؤنث، وهو مشتق من السلاطة، وقيل: من السليط، وهو: الدهن الذي يستضاء به. ولفظ الخليفة قد يؤنث أيضًا، وأنشد الفراء عليه [من الوافر]: أبوك خليفة ولدته أخرى ... وأنت خليفة ذاك الكمال وامتنع جمهور العلماء من تسميته خليفة الله؛ لأنه إنما يستخلف من يغيب. وقد قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، فقال: (لست بخليفة الله، بل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم). وجوز بعضهم ذلك؛ لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ}. وروى البيهقي [هب 7369] وغيره حديث: (السلطان ظل الله في الأرض، فإذا أحسن .. فله الأجر وعليكم الشكر، وإذا أساء .. فعليه الوزر وعليكم الصبر).

مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا قُرَشِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الخطابي: معنى (الظل) العز والمنفعة، ويحتمل أن يريد به الستر، كما يقول القائل للرجل الشريف: أنا في ظلك، أي: في سترك، وقيل: إنما وصفه بالظل؛ لأنه يدفع الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى حر الشمس. فأول شروطه: أن يكون مسلمًا؛ ليراعي مصلحة الإسلام والمسلمين. قال: (مكلفًا)، فلا تصح إمامة الصبي والمجنون بالإجماع. وفي (مسند أحمد) [2/ 326] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استعيذوا بالله من إمرة الصبيان). وما أحسن قول الشاعر [من الكامل]: شيئانِ يعجزُ ذو الرياضةِ عنهم رأيُ النساءِ وإمرةُ الصبيانِ أما النساءُ فميلهُنَّ إلى الهوى ... وأخو الصبا يجري بغيرِ عنانِ قال: (حرًا)؛ لأن الرقيق لا يُهاب ولا يصلح للإرهاب، وما روى مسلم [1298] من قوله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف كان رأسه زبيبة) .. فمحمول على غير الإمامة العظمى. قال: (ذكرًا)؛ لما روى البخاري [4425] عن أبي بكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم –لما بلغه أن فارس ولوا بنت كسرى-: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، والخنثى كالمرأة. قال ابن عبد السلام: فلو ابتلي الناس بولاية امرأة أو صبي مميز .. نفذ تصرفهما العام كتولية القضاة والولاة، وفيه وقفة. قال: (قرشيًا)؛ لما روى الترمذي [3936] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة)، والأصح وقفه على أبي هريرة. وروى النسائي [سك 5909] والحاكم [4/ 501] بإسناد صحيح عن أنس: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأئمة من قريش) إلا أن في سنده بكير بن وهب

مُجْتَهِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الجزري، وفيه كلام لا يضره؛ فإن ابن حبان ذكره في (الثقات). ولما أراد الأنصار ولاية سعد بن عبادة .. روى لهم أبو بكر هذا الخبر، فرجعوا إلى قوله. وقال صلى الله عليه وسلم: (قدِّموا قريشًا ولا تَقَدَّموها). وانعقد الإجماع على ذلك. قال الإمام: ولم يزل الناس لاهجين باختصاص ذلك بقريش على طول الأزمان، فلو جاز لغيرهم .. لطلبه ذو النجدة والبأس، ولما اشرأبَّ له المارقون بمصر .. بذلوا الأموال لِكَذَبة النسابين حتى ألحقوا نسبهم بالشجرة النبوية. قال: ونحن نعقل عدم احتياج الإمامة في وضعها إلى النسب، ولكن خصهم الله بذلك. فلو لم يوجد قرشي بالشروط .. فكناني، فإن لم يوجد .. فمن ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم، فإن لم يوجد .. ففي (التهذيب) يولى عجمي، وقال المتولي: جرهمي، فإن لم يوجد .. فمن ولد إسحاق. وجرهم أصل العرب، ومنهم تزوج إسماعيل صلى الله عليه وسلم حين أنزله أبوه أرض مكة. قال: (مجتهدًا) حيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث؛ لأنه بالمراجعة والسؤال يخرج عن رتبة الاستقلال، ويفوِّت من الأمور العظام ما لا يتناهى. وقد حكى الإمام في (الإرشاد) الإجماع على اشتراط ذلك. وفي اعتبار الاجتهاد المطلق نظر؛ فإن أكثر من ولي بعد الخلفاء الراشدين لم يكن بهذا الوصف.

شُجَاعًا ذَا رَايٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القاضي حسين: إذا اجتمع عدل جاهل وعالم فاسق .. فالأول أولى؛ لتمكنه من التفويض إلى العلماء، قال ابن الرفعة: هذا إنما يكون عند فقد المجتهدين. قال: (شجاعًا)؛ ليغزو بنفسه ويقهر الأعداء ويجهز الجيوش ويفتح الحصون. فمن لم يكن عقربًا يتفي ... مشت بين أثوابه العقرب قال الماوردي: فإذا اجتمع أعلم وأشجع، فإن كانت الحاجة إلى الشجاعة أدعى .. قدم، وإن كانت إلى الأعلم أشد لظهور البدعة .. قدم. و (الشجاعة) شدة القلب عند البأس، يقال: شجُع الرجل –بالضم- فهو شجع، وفي شينه ثلاث لغات حكاها ابن سيده وغيره. قال أبو زيد: يقال: رجل شجاع، ولا توصف به المرأة. قال: (ذا رأي) يفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح الدنيوية. فالرأيُ قبلَ شجاعةِ الشجعانِ ... هي أوَّلٌ وهوَ المحلُّ الثاني فإذا هُما اجتمعا لنفسٍ مرَّةً ... بلغت مِنَ العلياءِ كلَّ مكانِ ولرُبَّما قهرَ الفتى أقرانَهُ ... بالرأيِ لا بتطاعنِ الأقرانِ وقد كان العباس بن عبد المطلب يضرب به المثل في سداد الرأي، وكذلك الحُباب بن المنذر الأنصاري، وهو الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل على ماء بدر للقاء القوم، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: الرأي ما رآه الحباب، وهو القائل يوم سقيفة بني ساعدة: (أنا جُذَيلُها المُحكَّك،

وَكِفَايَةٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعُذَيْقُها المُرَجَّب، منكم أمير ومنا أمير). قال: (وكفاية)؛ ليقوم بما يتولاه من أمور رعاياه، فلا يكون إمعًا ولا إمعة، وهو: الذي يكون لضعف رأيه مع كل واحد، ولا يقال ذلك للنساء، ومثله: رجل إمر وإمرة، وهو: الذي لضعف رأيه يأتمر لكل أحد. قال: (وسمع وبصر ونطق)؛ ليتأتى منه فصل الأمور. أما اشتراط السمع .. فقال الإمام في (الغياثي) أجمعوا عليه. وأما البصر .. فلأنه في معناه، وضعف البصر إن كان يمنع تمييز الأشخاص .. منع، وإلا .. فلا، ولا يمنع الولاية كونه أعشى. واشترط الشيخان مع هذه الأمور: العدالة، وعبر عنها الإمام بالورع والتقوى والأمانة. وحذف المصنف هذا الشرط؛ لظنه دخوله في الاجتهاد، وهذا عند التمكن، فلو دعت الضرورة إلى ولاية فاسق .. جاز. قال ابن عبد السلام: وإذا تعذرت العدالة في الأئمة والحكام .. قدمنا أقلهم فسقًا؛ دفعًا لأشد المفسدتين بأخفهما، والأصح: اشتراط كونه سالم الأعضاء الظاهرة. وأما فقد الشم والذوق وقطع الذكر والأنثيين .. فلا يمنع قطعًا. وجزم في (البحر) بأن العور يمنع الإمامة دون القضاء.

وَتَنْعَقِدُ الإِمَامَةُ بِالْبَيْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يشترط كونه هاشميًا بالاتفاق، ولا كونه معصومًا، خلافًا للإسماعيلية والإثني عشرية. ثم إذن هذه الشروط كما تعتبر في الابتداء تعتبر في الدوام إلا العدالة. وفي جواز تولية المفضل خلاف مذكور في (أدب القضاء)، فإن لم تتفق الكلمة إلا عليه .. جازت توليته بلا خلاف لتندفع الفتنة، ولو نشأ من هو أفضل من المنصوب .. لم يعدل إليه بلا خلاف. ) والجمهور على أن الإمامة وجبت بالشرع؛ لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ففرض طاعتهم علينا، وقال صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا)، و (عليكم بالسمع والطاعة). وروي عن بعض المتكلمين: أنها وجبت بالعقل؛ لقول الأفوه الأودي الجاهلي [من البسيط]: لا يصلحُ الناسُ فوضى لا سراةَ لهم ... ولا سراةَ إذا جُهّالهُم سادوا والبيتُ لا ينبني إِلا له عَمَدٌ ولا عمادٌ إذا لم ترسُ أوتادُ قال: (وتنعقد الإمامة بالبيعة) الطرق التي تنعقد بها الإمامة ثلاثة: البيعة كما بايع الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم، هكذا استدل به الجمهور. قال ابن حزم: الذي اعتقده أنه إنما ولي بعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث الوارد في ذلك رواه البخاري [3659] ومسلم [2386]، وهو قصة المرأة التي قالت: فإن رجعت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت، هذا في نص الحديث، فقال عليه الصلاة والسلام: (فآت أبا بكر). وما أحسن قول الحسن -في قول أبي بكر لما ولي الخلافة: (وليتكم ولستُ

وَالأَصَحُّ: بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ، وَشَرْطُهُمْ صِفَةُ الشُّهُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بخيركم) -: (كان يعلم أنه خيرهم؛ ولكن المؤمن يهضم نفسه). قال: (والأصح: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم)؛ لأن الأمر ينتظم بهم، ويتبعهم سائر الناس. ولا يشترط على هذا عدد، فلو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع .. كفت بيعته؛ لأن عمر هو الذي بايع أبا بكر أولًا، ثم بايعه الناس، وقال العباس لعلي: (امدد يدك أبايعك)، فيقول الناس: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان. وفي وجه ثان: يشترط اثنان. وثالث: ثلاثة، يتولاها واحد برضا الاثنين، كولي وشاهدين في النكاح، وحاكم وشاهدين في الحكم، ولأن الثلاثة مطلق الجمع، فإذا اتفقوا .. لم تجز مخالفة الجماعة. ورابع: أربعة؛ لأنه أكمل نصاب الشهادة. وخامس: خمسة، حكاه في (الكفاية)؛ لأن بيعة أبي بكر انعقدت بعمر وأبي عبيدة وأُسيد بن حُضير وبشير بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة. وجعل عمر الأمر شورى بين ستة؛ لينعقد لأحدهم برضا الخمسة. وسادس: أربعون كالجمعة، ولا يشترط اتفاقهم في سائر البلاد، بل إذا وصل الخبر إلى البلاد البعيدة .. لزمهم الموافقة والمتابعة. وخرج بـ (أهل الحل والعقد) إجماع العامة وحدهم، ولا يلتفت إليهم؛ لأنهم أتباع لأهل الاجتهاد. قال: (وشرطهم صفة الشهود)، فلا تنعقد بالفسقة.

وَبِاسْتِخْلَافِ الإِمَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر عبارته أنه لا يشترط فيهم الاجتهاد، وهو كذلك بالنسبة إلى الجميع. أما لو عقدت بواحد .. فيشترط فيه الاجتهاد. وكذلك إن اعتبرنا العدد .. لا بد وأن يكون فيهم مجتهد؛ لينظر في الشروط المعتبرة. والمرد بـ (المجتهد) هنا: العارف بشروط الإمامة، لا أن يكون مجتهدًا مطلقًا كما صرح به الزنجاني في (شرح الوجيز). والأصح في زوائد (الروضة) لا يشترط حضور شاهدَينِ البيعةَ إن كان العاقدون جمعًا، وإن كان واحدًا .. اشترط. ويشترط: أن يجيب الذي بايعوه، فإن سكت .. لم تنعقد بيعته، فإن لم يكن يصلح إلا واحد .. أجبر بلا خلاف، ويلزمه طلبها. قال: (وباستخلاف الإمام) هذه الطريقة الثانية، وهي استخلاف الإمام وعهده إليه، فإذا مات .. صار إمامًا، وكذلك إذا عزل نفسه. واستدل لذلك بعهد أبي بكر إلى عمر رضي الله عنهما، وانعقد الإجماع على ذلك، كذا قاله الرافعي، وفي المسألة وجهان في (الإشراف) للهروي. وممن ولي بعهد من الخلفاء: يزيد بن معاوية، وعبد الملك بن مروان، والوليد ابنه، وسليمان أخوه، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام أخوه، والوليد بن يزيد، وإبراهيم بن الوليد، وأبو جعفر المنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، والواثق، والمنتصر، والمعتضد، والمكتفي، والمقتدر، والطائع، والقائم بأمر الله. كل هذا إذا كان صالحًا للإمامة، فإن كان فاسقًا أو صغيرًا عند العهد كاملًا عند موت المستخلف .. فلا بد من بيعة حينئذ كما جزم به في (الغياثي)، وصوبه في (الروضة)، وأنكر على الرافعي التوقف فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيفية الاستخلاف: أن يجعله خليفة في حياته ثم يخلفه بعد مته، فإن أوصى له بالإمامة .. فوجهان؛ لأنه بالموت خرج عن الإمامة فلا يصح منه تولية غيره. قال الرافعي: (ولك أن تقول: هذا التوجيه يشكل بكل وصاية، ثم جعلُه خليفةً في حياته إن أريد به استنابة .. فلا يكون هذا عهدًا إليه بالإمامة، وإن أريد جعله إمامًا في الحال .. فهذا إما خَلَعَ نفسه، أو اجتماعُ إمامين في وقت، وكلاهما لا يجوز، أو يريد جعله خليفة بعد موته .. فهذا معنى الوصية، ولا فرق بينهما) اهـ وعلى كل تقدير: فلا بد من قبول المعهود إليه، ووقته على الأصح: من العهد إلى الموت. وينبني على هذا الخلاف: أن المعاهد هل له خلعه؟ جزم المتولي بالجواز؛ لأن الخلافة لم تنتقل إليه فلا يخشى منه فتنة. وجزم الماوردي بالمنع من غير سبب، ورجحه الإمام والمصنف في زوائد (الروضة). فإن امتنع المعهود إليه من القبول .. بويع غيره وكأنه لا عهد. ويجوز العهد إلى الوالد والولد كما يجوز إلى غيرهما. وقيل: يمتنع ذلك كالتزكية والحكم لهما. وقيل: يفترق الحال بين الوالد والولد؛ لن الميل إلى الولد أشد. ولو أراد ولي العهد أن ينقل ما إليه من العهد إلى غيره .. لم يجز. ولو عهد إلى جماعة مرتبين كفلان ثم فلان ثم فلان .. جاز وانتقلت الخلافة إليهم، كما رتب النبي صلى الله عليه وسلم أمراء مؤتة. فإن مات الأول في حياة الخليفة .. فالخلافة للثاني، وإن مات الأول والثاني .. فهي للثالث. وإن مات الخليفة وبقي الثلاثة أحياء فانتصب الأول .. كان له أن يعهد بها إلى غير الآخرين؛ لأنها لما انتهت إليه .. صار أملك بها، بخلاف ما إذا مات ولم يعهد إلى

فَلَوْ جَعَلَ الأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمْعِ .. فَكَالاِسْتِخْلَافِ، فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ وَبِاسْتِيلَاءِ جَامِعِ الشُّرُوطِ، وَكَذَا جَاهِلٌ وَفَاسِقٌ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد؛ فليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني، ويقدم عهد الأول على اختيارهم. قال: (فلو جعل الأمر شورى بين جمع .. فكالاستخلاف، فيرتضون أحدهم) كما فعل عمر؛ فإنه جعل الأمر شورى بين علي والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وسعد بن أبي وقاص، فاتفقوا بعد موته على عثمان. ووقع في (الكفاية) و (تعليقة القاضي حسين) أن أبا عبيدة من أهل الشورى وأسقطا سعدًا، وهو وهم؛ لأن أبا عبيدة كان قد مات قبل ذلك سنة ثماني عشرة من الهجرة في طاعون عَمواس؛ وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، ودفن بغور بيسان. وقال عمر عند الموت: لو كان أبو عبيدة حيًا ما عدلت بها عنه. وكان سعيد بن زيد أحد العشرة حيًا أيضًا، إلا أن عمر لم يدخله فيهم؛ لكونه ابن عمه. فلو امتنع أهل الشورى من الاختيار .. لم يجبروا عليه، وكأنه لم يجعله إليهم. وليس لأهل الشورى أن يعينوا واحدًا منهم في حياة الخليفة إلا أن يأذن لهم في ذلك. قال: (وباستيلاء جامع الشروط) هذه الطريقة الثالثة، فإذا مات الخليفة فتصدى لها من هو لها أهل وقهر الناس بشوكته وجنوده .. انعقدت إمامته؛ ليتنظم شمل المسلمين، وأنكرت الإمامية ذلك. وقال الزيدية: كل فاطمي عالم خرج بالسيف وادعى الإمامة .. صار إمامًا، ولا اعتداد بخلافهم. قال: (وكذا جاهل وفاسق في الأصح) وإن كان عاصيًا بما فعل. والثاني: المنع؛ لفقد الشرط. وظاهر عبارته: أن الخلاف عند اجتماع الجهل والفسق، لكن عبارة (الشرح) و (الروضة) تقتضي: أنه في أحدهما، وهو الظاهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتلخص: أن الشخص لا يصير إمامًا إلا بأحد هذه الطرق، حتى لو انفرد شخص بشروطها في وقت .. لم يصر إمامًا بمجرد ذلك كما جزم به الجمهور. وقيل: تثبت إمامته بذلك وتجب طاعته، واختاره الإمام. وحكى القمولي وجهًا: أن الإمامة تنعقد من غير عقد، قال: ومن الفقهاء من ألحق القاضي بالإمام في ذلك، قال: ومنهم من سوى بينهما في المنع، وهو أقرب من عكسه. فروع: تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يخالف حكم الشرع، سواء كان عادلًا أو جائرًا. ولا يجوز خلع الإمام اتفاقًا ما لم تختل الصفات. فلو أراد هو خلع نفسه .. ففي جواز ذلك وجهان: وجه الجواز: أن الحسن بن علي خلع نفسه –ولم ينكره أحد- لما رأى في ذلك من تسكين الفتنة. ولا يجوز نصب إمامين في وقت واحد وإن تباعد الإقليمان بهما. وحكى أبو القاسم الأنصاري في (الغنية) عن الأستاذ أبي إسحاق: أنه يجوز نصبهما في إقليمين؛ لأنه قد يحتاج إلى ذلك، وهو اختيار الإمام. وإذا عقدت البيعة لاثنين معًا .. فالبيعتان باطلتان، وإن ترتبتا .. بطلت الثانية؛ لما روى مسلم [1853] عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) روي بالتاء المثناة من فوق، من القتل، ومعناه: أبطلوا دعوته واجعلوه كمن مات، وروي بالياء المثناة من تحت، أي: لا تطيعوه. ثم إن جهل الثاني ومَن بايعه بيعةَ الأول .. لم يغرروا، وإلا .. وجب تعزيرهم، ولو عرف سبق أحدهما ولم يتعين، أو شككنا في المعية والترتيب .. فالحكم كما سبق في الجمعتين والنكاحين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روى البيهقي [8/ 145] في حديث السقيفة: أن الأنصار حين قالوا: منا رجل ومنكم رجل .. قال عمر بن الخطاب: (سيفان في غمد إذن لا يصطحبان)، ثم أخذ بيد أبي بكر فقال: (من هذا الذي له هذه الثلاث) {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، ثم قال: (بايعوه)، فبايعه الناس أحسن بيعة وأجملها. وقوله: (يصطحبان) من الصحبة، كقول أبي ذؤيب [من الطويل]: تريدين كيما تجمعيني وخالدًا .... وهل يجمع السيفان ويحك في غمد وفي المثل: لا يجتمع فحلان في شول، وتمثل به عبد الملك بن مروان عند قتله عمرو بن سعيد الأشدق، والمعنى ينظر إلى قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وقد ذكر الزمخشري المثل هنالك. فوائد: الأولى: هل للسلطان أن يقضي بين الخصمين أو يفصل حكومة بين متحاكمين؟ عند أبي حنيفة ليس له ذلك وإنما هو لنائبه الخاص، وكذلك مذهبنا كما نقله في (شرح مسلم). وفي (التتمة) في (كتاب النكاح) كان القاضي حسين يقول: الإمام الفاسق لا يزوِّج الأيامى ولا يقضي، كما لا يشهد، ولكنه ينصِّب القضاة حت يزوِّجوا. قال: وليس في منعه من القضاء والتزويج خوف فتنة؛ لأنه يفوض ذلك إلى من يصلح له. قال الشيخ: (وهو حسن متعين؛ لأن الضرورة في تنفيذ قضائه وتزويجه إليه. قال: وهكذا أقول إذا ولى قاضيًا لا يصلح، وكنت أظن أن تنفيذ ذلك ضرورة؛ لما يترتب على إبطاله من كثرة المفاسد حتى تنبهت بقول المتولي: إن الضرورة إنما هي خوف القتال، وهذا لا يحصل إلا بإزالة الإمام، وأما أفعال القاضي .. فلا يترتب على إبطالها قتال ولا هرج وإن كانت كثيرة –قال-: فهذا الذي استقر عليه رأيي) اهـ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجزم المصنف في (الروضة) في (القضاء على الغائب) بأن سماع البينة يختص بالقضاة، وسيأتي في تتمة (فصل تحمل الشهادة). الثانية: عهد أبي بكر الذي كتبه بعد موته: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحالة التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر، إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل .. فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدل .. فلا علم لي بالغيب، والخيرَ أردت، ولكل امرئٍ ما اكتسب، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}. الثالثة: أربعة إخوة وُلُّوا الخلافة لا نعرف غيرهم: الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك، وأما ثلاثة إخوة .. فالأمين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد، والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمتقي والمطبع بنو المقتدر. وأكثر الخلفاء ولدًا: عبد الرحمن بن الحكم، كان له خمسون ذكرًا وخمسون أنثى. وأطولهم عمرًا: القادر، بلغ ثلاثًا وتسعين سنة، ولم يصح عن خليفة غيره: أنه تجاوز السبعين. وأقصرهم عمرًا: معاوية بن يزيد، لم يجاوز العشرين، وكانت ولايته أربعين يومًا. وسابور ذو الأكتاف ولي وهو في بطن أمه حين مات أبوه، ولم يكن له ولد، وضعوا التاج على بطن أمه، وعقدوا لحملها اللواء، فولدته ذكرًا، فملكهم إلى أن مات. الرابعة: رأى المستنجد في حياة والده المقتفي كأن ملكًا من السماء نزل فكتب في كفه أربع خاءات معجمات، فلما استيقظ .. عبرها له بعض العلماء؛ بأنه يلي الخلافة سنة خمس وخمسين وخمس مئة، فكان ذلك.

قَلْتُ: وَلَوِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاةٍ إِلَى الْبُغَاةِ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ جِزْيَةٍ .. فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا خَرَاجٌ فِي الأَصَحِّ، وَيُصَدَّقُ فِي حَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورأى عبد الملك بن مروان أنه بال في محراب النبي صلى الله عليه وسلم أربع بولات، فولي الخلافة من بنيه لصلبه أربعة كما تقدم. الخامسة: كان المعتصم بالله يُدعى المُثمَّن؛ لأنه ثامن خلفاء بني العباس، ولد سنة ثمان ومئة لثماني عشرة خلت من شعبان، وهو الشهر الثامن من السنة، وفتح ثماني فتوحات، ووقف ثمانية ملوك وثمانية أعداء ببابه، وعاش ثمانية وأربعين سنة، وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أيام، وخلف ثمانية بنين، وثماني بنات، وثمانية آلاف دينار، وثماني مئة ألف درهم، وثمانية آلاف فرس، وثمانية آلاف بعير وبغل ودابة، وثمانية آلاف خيمة، وثمانية آلاف عبد، وثمانية آلاف أمة، وثماني قصور، وكان نقاش خاتمه: الحمد لله، وهي ثمانية أحرف، وكانت غلمانه الأتراك ثمانية عشر ألفًا. قال: (قلت: ولو ادعى دفع زكاة إلى البغاة .. صدق بيمينه)؛ لأنها عبادة ومواساة، والمسلم في العبادات أمين، لكنه يحلف وجوبًا على الأصح، وقيل: استحبابًا. قال: (أو جزية .. فلا على الصحيح)؛ لأن الذمي غير مؤتمن فيما يدعيه على المسلمين، ولأنها أجرة ومدعي دفعها غير مصدق. والثاني: نعم كالزكاة؛ فإنها عبادة ومواساة أيضًا. قال: (وكذا خراج في الأصح)؛ لأنه ثمن أو أجرة فيحتاط فيه. والثاني: أنه يصدق؛ لأن المسلم مأمون على أمر دينه. قال: (ويصدَّق في حدٍّ) أي: في إقامته عليه، قال الماوردي: بلا يمين؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أن يثبت ببينة، ولا أثر له في البدن والله أعلم)؛ لأن المشاهدة تدل عليه، فأما إذا ثبت بالبينة ولا أثر ببدنه .. فلا يصدق؛ لأنه متهم، وكان اللائق بالمصنف أن يذكر هذه الزيادة قبل الكلام على أحكام الإمامة. تتمة: تقدم في (الجنائز) أن من مات في قتال البغاة ليس بشهيد في الأظهر، ولا ينقطع التوارث بين أهل العدل وأهل البغي. وإذا اجتمع الفريقان في قتال الكفار .. قسم الإمام الغنيمة بينهم، وأعطى القاتل منهم السلب. ومن قتل من أحد الفريقين في المعترك ولم يعلم قاتله .. لم يرثه من كان في الطائفة الأخرى من ورثته؛ لاحتمال أنه قتله وشارك في قتله. خاتمة تجب نصيحة الإمام بحسب القدرة، ويجوز أن يقال له: الخليفة، والإمام، وأمير المؤمنين، وإن كان فاسقًا. وتقدم في (الوصايا) أنه لا ينعزل بالفسق على الأصح، لكنه ينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم، وبالجنون إلا اليسير الذي يتمكن منه من القيام بالأمور. وينعزل بالعمى والصمم والخرس، لا بثقل السمع وتمتمة الكلام. والأصح: أن قطع إحدى يديه ورجليه لا يؤثر. وإذا أسر .. لزم الرعية استنقاذه وهو على إمامته ما دام مرجوَّ الخلاص، فإن أيس منه وقد أسره الكفار .. خرج عن الإمامة وعقدت لغيره، فإن عهد بها في هذه الحالة .. لم يصح عهده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يكون الإمام لينًا من غير ضعف، شديدًا من غير عنف، وأن لا يحتجب، وأن يشاور الفقهاء، وحكمه في ذلك كالقاضي، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى, ويستحب أن يكون له وزير صدوق، إن نسي .. ذكره، وإن ذكر .. أعانه. وأن لا يكون متلوِّنًا، كما قال شيخ الإسلام القشيري في وصف الوزير تاج الدين الجيلي [من الخفيف]: مقبل مدبر بعيد قريب ... محسن مذنب عدو حبيب عجب من عجائب البر والبحـ ... ـر ونوع فرد وجنس غريب قال الزمخشري: ألا أخبركم بالنفس الوزارة؟ نفس بلاها الله بالوزارة، كل وزير موسى إلا وزير موسى. وأعظم من نيل الوزارة للفتى ... حياة تريه مصرع الوزراء

كتاب الردة

كتاب الردة

كِتَابُ الرِّدَّةِ هِيَ: قَطْعُ الإِسْلَامِ بِنِيَّةٍ أَوِ قَوْلِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الردة هي في اللغة: الرجوع عن الشيء إلى غيره، وشرعًا ما سيأتي، وهي أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكمًا. والأصل في الباب: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}، وقوله تعالى: {وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ}، وأشباه ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه .. فاقتلوه) وهو في (البخاري) [3017]، ووهم الحاكم فاستدركه عليه [3/ 538]. والردة محبطة للأعمال إذا اتصلت بالموت؛ لقوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}، وقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، ولا يكون خاسرًا في الآخرة إلا من مات على الكفر. فلو كان قد حج قبل الارتداد .. لم تجب الإعادة بعد العود خلافًا لأبي حنيفة، لكن نص في (الأم) على حبوط ثواب الأعمال بمجرد الردة، وهو حسن غريب. قال: (هي قطع الإسلام بنية أو قول كفر أو فعل) هذا تعريفها شرعًا. واحترز بـ (قطع الإسلام) عن قطع العبادات كالصلاة والصوم والحج؛ فلا يكون ذلك كفرًا. فإن قيل: الإسلام معنًى معقول ولا محسوس، فكيف يتصور قطعه؟ .. قيل: المراد: قطع استمراره ودوامه، وعلم من ذلك أن الكافر الأصلي لا يسمى مرتدًا ولا يثبت له حكم المرتدين.

سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ عِنَادًا أَوِ اعْتِقَادًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (بنية ... إلخ) أشار به إلى أن القطع يكون بأحد هذه الأمور الثلاثة؛ لأن كلًا منها يؤثر، لكن يَرِد عليه أن الردة تحصل وإن لم يوجد قطع، كما إذا تردد في أنه يخرج من الإسلام أو يبقى فيه؛ فإنها ردة كما سيأتي، وكذلك من علق بين مرتدين .. فإنه مرتد على الأصح عند المصنف. والقطع بالنية لم يذكره في (الروضة) ولا في (الشرحين)، وكأنه ذكره ليدخل في الضابط مسألة العزم على الكفر الآتية. وقوله: (أو قول) المراد به: القول المقصود، فمن سبق لسانه إليه أو أكره عليه .. لا يكون مرتدًا، وكذلك تغتفر الكلمات الصادرة من الأولياء في حال غيبتهم. ففي (أمالي ابن عبد السلام) أن الولي إذا قال: أنا الله .. عزر التعزير الشرعي، ولا ينافي ذلك الولاية؛ لأنهم غير معصومين. وهذا ينافيه قول القشيري: من شرط الولي: أن يكون محفوظًا، كما أن من شرط النبي: أن يكون معصومًا؛ فكل من كان للشرع عليه اعتراض .. فهو مغرور مخادع، فالولي: الذي توالت أفعاله على الموافقة، وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال: أنا الحق؟ فتوقف فيه وقال: هذا رجل خفي علي حاله وما أقول فيه شيئًا. وأفتى بكفره بذلك وبغيره القاضي أبو عمر وأبو القاسم الجنيد وفقهاء عصره، فأمر المقتدر بضربه ألف سوط، فإن مات، وإلا .. ضرب ألفًا أخرى، فإن لم يمت .. قطعت يداه ورجلاه ثم يضرب عنقه، ففعل به جميع ذلك لست بقين من القَعدة سنة تسع وثلاث مئة، والناس مع ذلك مختلفون في أمره، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يكفِّره؛ لأنه قتل بسيف الشرع. قال: (سواء قاله استهزاء أو عنادًا أو اعتقادًا)؛ لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاَللَّهِ وَآيَاته وَرَسُوله كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}، {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}. و (المعاند) الذي يرد الحق وهو يعرفه.

فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ أَوِ الرُّسُلَ أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا أَوْ حَلَّلَ مُحَرَّمًا بِالإِجْمَاع كَالزِّنَا وَعَكْسُهُ، أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ غَدًا أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ .. كَفَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فمن نفى الصانع أو الرسل أو كذَّب رسولًا أو حلَّل محرمًا بالإجماع كالزنا وعكسه، أو نفى وجوب مُجمع عليه، أو عكسه، أو عزم على الكفر غدًا أو تردد فيه .. كفر)؛ لمنافاة ذلك الإسلام. فنفي الصانع جل وعلا كفر بالإجماع، وكذلك إذا اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع، أو نفى ما هو ثابت له تعالى بالإجماع ككونه عالمًا وقادرًا، أو أثبت له ما هو منتف عنه إجماعًا، أو أثبت له الاتصال والانفصال .. كان كافرًا. واستشكل الشيخ عز الدين في (القواعد) أن أصحابنا كفَّروا من اعتقد أن الكواكب فعالة، ولم يكفروا المعتزلة في اعتقادهم أن العبد يخلف أفعال نفسه؟ وأجيب عنه بأن صاحب الكواكب اعتقد فيها ما يعتقد في الإله من أنها مؤثرة في جميع الكائنات كلها، بخلاف المعتزلي؛ فإنه إنما يقول بخلق أفعاله فقط. فإن قيل: في إطلاق اسم الصانع على الله تعالى نظر؛ إذ لم يرد به إذن في كتاب لا سنة .. فالجواب: أن البيهقي رواه في (الأسماء والصفات) [43]، وصاحب كتاب (الحجة إلى بيان المحجة)، ومعناه: المُركِّب المُهيِّئ، قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله صنع كل صانع وصنعته) رواه الحاكم في أوائل (المستدرك) [1/ 31] من حديث حذيفة، وقال: صحيح على شرط مسلم. وكذلك يكفر من جحد جواز بعثة الرسل، أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء أو رسولًا من الرسل عليهم السلام. واحترز بقوله: (كذَّب رسولًا) عما إذا كَذَب عليه؛ فإنه لا يكفر، خلافًا للشيخ أبي محمد؛ فإنه قال: يكفر بذلك ويراق دمه؛ لما تواتر عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدًا .. فليتبوأ مقعده من النار).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وهذه زلة، ولم أرَ ما قاله لأحد من الأصحاب، والصواب: أنه يعزر ولا يكفر ولا يقتل. وكذلك يكفر من اعتقد حل محرم بالإجماع كالزنا وشرب الخمر، أو تحريم حلال بالإجماع، أو وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة في الصلاة المفروضة، أو وجوب صوم يوم من شوال، ومن هذا إذا اعتقد حَقيَّة المكوس، ويحرم تسميتها: حقًا. ويكفر من نسب إلى سيدتنا عائشة رضي الله عنها الفاحشة، وفي كفر من سب الحسن والحسين وجهان. ويكفر من ادعى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو صدَّق من ادعاها، أو عظم الصنم بالتقرب إليه بالذبح باسمه أو بالسجود له، أو قال لمسلم: يا كافر، بلا تأويل، فإن أراد كفر النعمة والإحسان .. لم يكفر. وأما العزم على الكفر .. فكفر في الحال، قال في (شرح المهذب) في باب (صفة الصلاة) لا خلاف في ذلك، لكن في (الشهادات) من (البحر) لو نوى أن يكفر غدًا .. كفر في الحال على الصحيح، وكذلك الحكم إذا علق الكفر بأمر مستقبل، كقوله: إن هلك ماله أو والده .. تهود أو تنصر؛ لأن نية الاستدامة شرط في الإيمان، بخلاف ما لو نوى العدل فعل كبيرة عمدًا؛ فإنه لا يفسق بذلك كما سيأتي في بابه. والرضا بالكفر .. كفر. فلو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد فلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يفعل، أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو على مسلم بأن يرتد .. كفر، بخلاف ما إذا قال لمسلم: سلبه الله الإيمان، أو لكافر: لا رزقه الله الإيمان؛ فإنه لا يكفر بذلك على الصحيح؛ لأنه ليس رضا به، لكن دعاء عليه بتشديد الأمر والعقوبة. ومن دخل دار الحرب فشرب معهم الخمر وأكل لحم الخنزير .. لم يكفر. وارتكاب كبائر المحرمات لا تسلبه اسم الإيمان، خلافًا للخوارج والمعتزلة. وقال القاضي حسين: لو تقلنس بقلنسوة المجوس أو تزنر بزُنَّار النصارى .. صار كافرًا؛ لأن الظاهر: أنه لا يفعله إلا عن عقيدة الكفر. ولو شد على وسطه حبلًا فسئل عنه فقال: هذا زُنَّار .. فالأكثرون على أنه يكفر. قال المصنف: والصواب: أنه لا يكفر في المسألتين. وفي كتب الحنفية: من قال: لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها .. كفر، وكذا من قرأ القرآن على دُف أو قصب أو على الإيقاع .. كفر. واختلفوا فيمن خرج لسفر فصاح عَقْعَقٌ .. فَرَجَعَ. ولو حضر جماعة وواحد يعظهم وهم يسخرون ويضربونه بالمخراق .. كفر. ولو عطس السلطان فشمته إنسان، فقال له شخص: لا تقل للسلطان هذا .. كفر. قال المصنف: الصواب: أنه لا يكفر بشيء من هذه إذا لم تكن له نية. ولو قال لغيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل لحس أصابعه الثلاثة، فقال السامع: هذا ليس بأدب .. كفر، وكذا لو قال لغيره: قلم أظافرك؛ فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا أفعله وإن كان سنة .. كفر. قال المصنف: المختار: أنه لا يكفر بهذا إلا أن يقصد الاستهزاء، وحديث لعق الأصابع الثلاث رواه مسلم [2032] من رواية كعب بن مالك. وفي (الروضة) إذا قال: لو كان فلان نبيًا آمنت به .. كفر، كذا بخط المصنف، وفي بعض نسخ الرافعي: ما آمنت به، بإثبات (ما) النافية، وهو الصواب.

وَالْفِعْلُ المُكَفِّرُ: مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ أَوْ جُحُودًا لَهُ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ، وَسُجُودٍ لِلصَّنَمِ أَوِ الشَّمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: لا بدع ولا إشكال في العبارة المعزوة إلى الشافعي في قوله: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى؛ فهي مروية عن عمر، وصحت عن ابن مسعود، وهي قول أكثر السلف والشافعية والمالكية والحنابلة وسفيان الثوري والأشعرية والكلابية. وحكي عن أبي حنيفة إنكارها، وهو عجيب؛ لأنها صحت عن ابن مسعود، وهو شيخ شيخ شيخ شيخه. والقائلون بجواز قولها اختلفوا في الوجوب، وذكر العلماء لها محامل كثيرة، والصواب: عدم الاحتياج إلى تلك المحامل؛ لأن حقيقة (أنا مؤمن) هو جواب الشرط، أو دليل الجواب، وكل منهما لا بد أن يكون مستقبلًا، فمعناه: أنا مؤمن في المستقبل إن شاء الله، وحينئذ لا حاجة إلى تأويل، بل تعليقه واضح مأمور به بقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ}. وقال الشيخ في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}: استدل بها على أن الأولى أن يقول: أنا مسلم، من غير تقييد بقوله: إن شاء الله، قال: والخلاف الذي أعرفه في قوله: أنا مؤمن إن شاء الله، ومن قيد .. نظر إلى حالة الوفاة، وأما قوله: أنا مسلم .. فمعناه: أنا مقر، ولا معنى لتقييده بالمشيئة. وقال المصنف في أوائل (شرح مسلم) هذا في المؤمن، أما الكافر .. ففيه خلاف غريب لأصحابنا: منهم من قال: يقول: هو كافر، ولا يقول: إن شاء الله. ومنهم من قال: هو في التقييد كالمسلم، فيقول: هو كافر إن شاء الله؛ نظرًا إلى الخاتمة، وأنها مجهولة، وهذا القول اختاره بعض المحققين. قال: (والفعل المكفِّر: ما تعمده استهزاءً صريحًا بالدين أو جحودًا له كإلقاء مصحف بقاذورة، وسجود للصنم أو الشمس) أو غيرهما من المخلوقات، وكذلك

وَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ، وَلَوِ ارْتَدَّ فَجُنَّ .. لَمْ يُقْتَلْ فِي جُنُونِهِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ السحر الذي فيه عبادة كوكب، فإن لم يتضمن ذلك .. لم يكن كفرًا. قال القاضي: وكذلك الاستنجاء بأوراق المصحف مستحلًا، وألحق الروياني بها أوراق العلوم الشرعية. وعن الشيخ أبي محمد: أن الفعل بمجرده لا يكون كفرًا، وأنكر الإمام. قال: (ولا تصح ردة صبي ومجنون)، أما المجنون .. فبالإجماع، وأما الصبي .. فقياسًا عليه بجامع رفع القلم، لكن الإمام يهدد المميز ولا يقتله، والمراد: أن أحكام الردة لا تترتب على غير المكلف المختار. قال: (ومكره) إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}، وهو عمار بن ياسر بالإجماع. روى أحمد [4/ 89]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب عمارًا .. أحبه الله، ومن أبغضه .. أبغضه الله، ومن عاداه .. عاداه الله)، فإذا أكره المسلم على التلفظ بكلمة الكفر ففعل .. لم يحكم بردته، بل تدوم عصمته وزوجيته وماله، وترثه ورثته إذا مات. وقد تقدم في أول (الجراح) أن المكره يباح له ذلك ولا يجب عليه على الصحيح، وأن الأولى له: أن يثبت ولا يتلفظ بها. ويصح الإسلام بالإكراه من الحربي والمرتد بلا خلاف، وفي الذمي وجهان: أصحهما: المنع. ولو أكره مسلمًا على الكفر .. صار المكره كافرًا. قال: (ولو ارتد فجن .. لم يقتل في جنونه)؛ لأنه إذا عقل ربما عاد إلى الإسلام، وكذا إذا أقر بما يوجب حدًا ثم جن .. لا يقام عليه؛ لأنه قد يرجع عن الإقرار، بخلاف ما لو أقر بقصاص أو حد قذف ثم جن؛ فإنه يستوفى منه في جنونه؛ لأنه لا يسقط برجوعه، لكن هذا التأخير للاحتياط، حتى لو قتل أو حد في الجنون .. لم يجب على القاتل شيء.

وَالمَذْهَبُ: صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ وَإِسْلَامِهِ، وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجِبُ التَّفْصِيلُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمذهب: صحة ردة السكران) كطلاقه، ولأن الصحابة اتفقوا على مؤاخذته بالقذف، والمصحح طريقة القولين. وقيل: تصح قطعًا، فعلى الصحيح: يقتل بردته، لكن لا يقتل حتى يُفيق فيعرض على الإسلام. وفي صحة استتابته في حالة السكر وجهان: أصحهما: نعم، لكن يستحب أن يؤخر إلى الإفاقة. قال: (وإسلامه) أي: إذا عاد إلى الإسلام في السكر .. صح إسلامه وارتفع حكم الردة، وإذا صححنا إسلامه فقتله رجل .. لزمه القصاص والضمان على المشهور. قال: (وتقبل الشهادة بالردة مطلقًا)، لأن الظاهر من حال العدل: أنه لا يطلق الشهادة بذلك إلا وهو على بصيرة منه؛ لعظم أمره. قال: (وقيل: يجب التفصيل)؛ لأن مذاهب العلماء في التكفير مختلفة، والحكم بالردة عظيم الوقع فيحتاط له. وهذا الذي ضعفه المصنف هو القوي الصحيح المعتمد في الفتوى، وفاقًا للقفال والبغوي والمتولي والشاشي والقاضي أبي الطيب وأصحاب (المهذب) و (البيان) و (الذخائر) و (الحاوي) و (الوسيط) و (الانتصار)، وأجاب الرافعي بنحوه في (تعارض البينتين)، وسيأتي فيما إذا أقر أحد الابنين، بأن أباه مات كافرًا ولم يبين سبب كفره، وفي الجرح: أنه لا بد من بيان السبب، والمدرك واحد. والذي صححه الرافعي هنا تبع فيه الإمام، والإمام لم ينقله عن أحد، وإنما هو من تخريجه، وهو معارض بما ذكرناه، والإقدام على قتل نفس بمجرد شهادة مطلقة صعب.

فَعَلَى الأَوَّلِ: لَوْ شَهِدُوا بِرِدَّةٍ فَأَنْكَرَ .. حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يقال: إن كانت الشهادة عند من يقبل التوبة كالشافعية .. تقبل مطلقًا، ثم يقول له القاضي: تلفظ بالشهادتين ولا حاجة إلى السؤال عن السبب، فإذا امتنع .. كان امتناعه قرينة لا يحتاج معها إلى ذكر الشاهد السبب، وإن كان عند من لا يقبل التوبة كالمالكية .. لم تقبل إلا مفصلة. والجواب: أن عار ذلك يبقى على الإنسان، فلا بد من التفصيل والبيان. ووقع في (المحاكمات) أن شاهدين شهدا بفساد عقيدة إنسان، فأفتى علماء الشام بأنه لا بد من بيان السبب، وليس كالشهادة بالردة على ما فيها من النظر؛ لإضافة الشهادة إلى العقيدة التي لا يطلع عليها إلا الله. فائدة: قال في (المطلب) جمع بعض الفقهاء المواضع التي لا تسمع البينة فيها إلا مفصلة فبلغت ثلاثة عشر موضعًا: الزنا، والإقرار به، والسرقة، والإقرار بها، والردة، والجرح، والإكراه، وأنه وارث فلان، وأن الماء نجس، وأن فلانًا سفيه، وأنه يستحق النفقة، وأن بين هذين رضاعًا، والشهادة على الشهادة، فلا بد في جميع ذلك من التفصيل. وبقيت مسائل أخرى: منها: لو شهدا بأنه قذفه، أو بأن المقذوف محصن .. فالظاهر: أنه لا يكفي الإطلاق، خصوصًا إذا كان الشاهد غير فقيه. ومنها: لو شهدا بأنه شفيع، ذكره في (الإشراف). ومنها: لو شهدا بأنها مطلَّقة ثلاثًا .. قال الزبيلي في (أدب القضاء) لم تسمع حتى يَذكرا لفظ الزوج. قال: (فعلى الأول) وهو الإطلاق (لو شهدوا بردة فأنكر .. حكم بالشهادة)، ولا أثر لتكذيبه، ولا ينفعه ذلك، بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلمًا، وكذا الحكم إن قلنا بالتفصيل ففصلا وكذبهما، بخلاف ما إذا شهد أربعة على إقرار شخض

فَلَوْ قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا وَاقْتَضَتْهُ قَرِينَةٌ كَأَسْرِ كُفَّارٍ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَلَوْ قَالَا: لَفَظَ لَفْظَ كُفْرٍ، وَادَّعَى إِكْرَاهًا .. صُدِّقَ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ بالزنا فأنكر لا يحد؛ لأنه لو رجع عن الإقرار .. سقط الحد. وقتل المرتد لا يسقط بالرجوع. قال: (فلو قال: كنت مكرهًا واقتضته قرينة كأسر كفار .. صدق بيمينه)؛ عملًا بالقرائن الشاهدة لذلك، وإنما حلف؛ لاحتمال أنه كان مختارًا، وكذا الحكم لو قامت بينة بإقراره بالبيع وغيره وكان مقيدًا أو محبوسًا، وقال: كنت مكرهًا. قال: (وإلا .. فلا)؛ لانتفاء القرائن؛ بأن كان في دار الإسلام، فإنه لا يقبل قوله: كنت مكرهًا، وكذا إن كان في دار الكفر وسبيله مخلى. فرع: من سبق لسانه إلى كلمة كفر من غير قصد .. لا يحل لشاهد أن يشهد عليه قطعًا، كذا نص عليه الشافعي، وحكى الرافعي مثله في نظيره من الطلاق وقد تقدم، وأفاد الغزالي في (الإحياء) أن الشاهد إذا سمع لفظ الكفر .. لا تحل له حكايته إلا في مجلس الحكم. وأفتى الشيخ بأنه لا يحل للشاهد الشافعي أن يشهد بالكفر، أو التعريض بالقذف، أو بما يوجب التعزير عند من يعلم أنه لا يقبل التوبة ويحد بالتعريض ويعزر بما ينتهي إلى القتل، قال: وليس كطلب الشافعي شفعة الجوار من الحنفي؛ لأن أمر الأموال أخف من الدماء والأبدان، ويؤيده قول ابن سراقة: لو شهد على مسلم: أنه قتل كافرًا، والحاكم يقتل بذلك .. لم يجز له الأداء؛ لما فيه من قتل المسلم بالكافر. قال: (ولو قالا: لَفَظ لفْظَ كفرٍ، وادعى إكراهًا .. صدق مطلقًا)؛ لأنه ليس فيه تكذيب للشاهدين، بخلاف ما إذا شهدا بالردة؛ فإن الإكراه ينافي الردة ولا ينافي التلفظ بكلمتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الجويني: والحزم أن يجدد عليه الإسلام. واستشكل الرافعي تصوير المسألة؛ بأنه إن اعتبر تفصيل الشهادة والتعرض للشرائط .. فمن الشرائط الاختيار، وإذا قال الشاهد: إنه كان مختارًا، فقال: كنت مكرهًا .. فقد كذَّبَ الشاهد، وإن لم يشترط التفصيل .. فإنما لا يشترط إذا قال: إنه ارتد، فيكتفى به؛ لتضمنه حصول الشرائط، فأما إذا قال: إنه تكلم بكذا .. فيبعد أن يحكم به ويقنع بأن الأصل الاختيار. حادثة: رجل نسب إلى شخص ما يقتضي الكفر، ولم يأت ببينة، وقصد المدعى عليه: أن الحاكم يحكم بعصمة دمه خشية أن تقوم عليه بينة عند حاكم لا يقبل توبته .. فهل يجوز للحاكم الشافعي إذا جدد هذا الرجل إسلامه أن يحكم بإسلامه وعصمة دمه وإسقاط التعزير عنه، أو لا يجوز حتى يثبت عليه إما ببينة أو اعترافه ثم يجدد إسلامه بعد ذلك؟ نقل عن الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد أنه قال: ليس للحاكم ذلك، بل لا بد من أن يعترف أو تقوم عليه بينة. وخالفه الشيخ فقال: يجوز للحاكم الشافعي الذي يرى قبول التوبة إذا تلفظ هذا الرج بين يديه بكلمة الإسلام وطلب منه الحكم له وقد ادعيَ عليه بخلافه: أن يحكم للمذكور بإسلامه وعصمة دمه وإسقاط التعزير عنه، ولا يتوقف ذلك على اعترافه؛ لأنه قد يكون بريئًا، فإلجاؤه إلى الاعتراف على نفسه بخلاف ما وقع لا معنى له، بل لا يجوز له أيضًا أن يفعل ذلك، إنما يحكم القاضي بإسلامه مستندًا إلى ما سمعه منه من كلمة الإسلام العاصمة للدم الماحية لما قبها، ويَمنع بحكمه ذلك مَن ادعى عليه بخلاف ذلك وغيره من التعرض له، ثم أطال في الاستدلال لذلك، وسبقه إلى ذلك ابن القاص في (أدب القضاء) له، فذكره في (باب ما لا تجب فيه اليمين)، فقال: إذا ادعى على شخص: أنه ارتد، وهو ينكر .. قال الشافعي: لم أكشف عن حقيقة

وَلَوْ مَاتَ مَعْرُوفٌ بِالإِسْلاَمِ عَنِ أبْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهَمَا: ارْتَدَّ فَمَاتَ كَافِرًا، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ كُفْرِهِ .. لَمْ يَرِثْهُ، وَنَصِيبُهُ فَئٌ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَظْهَرِ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال، بل أقول له: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأنه برئ من كل دين يخالف دين الإسلام، وسيأتي في كيفية الحسبة فرع له تعلق بهذا. واقعة: سئل الشيخ عن من قال: القاضي يقتضي والمفتي يهذي؟ فقال: (هذا لفظ صعب يخشى على قائله الكفر، فإن المفتي يبين حكم الله وهو وارث النبوة، قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ}، والقاضي يفصل ويلزم، قال تعالى: {واللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ}، فالمفتي أعلى درجة من القاضي، لأن القاضي تابع له، فمن قال: إن المفتي يهذي مع اعتقاده أن فتواه صواب فيما أخبر به عن الله تعالى .. فهو كافر، وإن قصد أن قول المفتي لا يلزم .. فإطلاق هذه العبارة خطأ). فإن كانت عبارته يهدي- بالدال المهملة- وأراد الهداية إلى الحق وبيان الحكم الشرعي من غير إلزام .. فلا خطأ عليه في إطلاق ذلك. قال: (ولو مات معروف بالإسلام عن ابنين مسلمين فقال أحدهما: ارتد فمات كافرًا، فإن بين سبب كفره)، بأن قال: سجد للصنم أو تكلم بما يوجب الكفر) .. لم يرثه، ونصيبه فئ)، لأن المسلم لا يرث الكافر، ولم يحك الرافعي ولا المصنف ف يهذه الحالة خلافًا. قال: (وكذا إن أطلق في الأظهر)، لأنه أقر بكفره فعومل بمقتضى إقراره فلم يرث منه. والثاني: أن نصيبه يصرف إليه ولا يعتبر الإقرار المطلق، لاختلاف المذاهب في التكفير، فقد يعتقد ما ليس بكفر كفرًا. وعلى الأظهر: قولان: أحدهما: أنه فئ فيجعل في بيت المال. وأظهرهما: أنه يوقف وستفصل، فإن ذكر مصرفًا .. عمل به.

وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ، وَفِي قَوْلٍ: تُسْتَحَبُّ كَالْكَافِرِ، وَهِيَ فِي الْحَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتجب استتابة المرتد والمرتدة)، لأنهما كانا محترمين بالإسلام، فربما عرضت لهما شبهة فيسعى في إزالتها وردهما إلى ما كانا عليه، لأن الغالب أن الردة تكون عن شبهه عرضت، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة إلى الحارث بن سويد ومن كان قد ارتد معه إلى مكة بعد أن نزلت فيه آية التوبة. وروي البيهقي [8/ 197]: أن النبي صلى الله عليه وسلم استتاب رجلًا- يقال له: نبهان- أربع مرات. وفيه وفي (الدارقطني) [3/ 118] عن جابر: أن امرأة- يقال لها أم رومان – ارتدت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام، فإن تابت، وإلا – قتلت. وثبت وجوب الاستتابة عن عمر، وحكي ابن القصار المالكي إجماع المالكية على تصويته. فإن قيل: لم يستتب النبي صلى الله هـ عليه وسلم العرنيين وهو مرتدون .. فالجواب: أنهم حاربوا، والمرتد إذا حارب لا يستتاب، وإنما نص المصنف على المرتدة، لأجل خلاف أبي حنيفة فيها. وكان الأحسن أن يعبر كما في (المحرر) بقتل المرتد إن لم يتب رجلًا كان أو امرأة، لأن خلاف أبي حنيفة في قتلها لا في استتابتها، فقال: لا تقتل المرتدة، بل تحبس وتضرب إلى أن تموت أو تسلم، للنهي عن قتل النساء. وأجيب بأنه محمول على الحربيات. قال: (وفي قول: تستحب كالكافر) الأصلي، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ولم يكر توبة. قال: (وهي في الحال)، فإن تاب، وإلا .. قتل، لحديث أم رومان المتقدم.

وَفِي قَوْلٍ: ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَصَرَّا .. قُتِلاَ، وَإِنْ أَسْلَمَ .. صَحَّ وَتُرِكَ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قوله: ثلاثة أيام)، سواء قلنا بوجوبها أم استحبابها، لما روى مالك [2/ 737] والشافعي [1/ 321] وأحمد والييهقي [8/ 206] أن محمد بن عبد الله بن عبيد القاري وفد على عمر من قبل أبي موسى، فقال: (هل من مغربة خبر؟) قال: رجل كفر بعد إسلامه، قال: (ما فعلتم به؟) قال: ضربنا عنقه، قال: (هلا حبستموه ثلاثًا وأطعمتموه كل يوم رغيفًا وسقيتموه لعله يتوب، اللهم لم أحضر، ولو أرض إذا بلغني). وقال مالك: الذي آخذ به في المرتد قول عمر، فلا يأتي الاستظهار إلا بخير. وقال الزهري: يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبي .. قتل، ونقل في (الشفاء) عن على: أنه يستتاب شهرين. وقال النخعي والثوري: يستتاب أبدًا. قال: (فإن أصرا .. قتلا)، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه .. فاقتلوه)، والأصح: أنه يحبس مدة الإمهال، فإن كان حرًا .. قتله الإمام، فإن قتله غيره .. عزره، وإن كان عبدًا .. فالأصح: أنه يجوز للسيد قتله، وقيل: لا. ويقتل المرتد بضرب العنق دون الإحراق ونحوه، للأمر بإحسان القتلة. وفي (الأحكام السلطانية) عن ابن سريج: أنه يضرب بالخشب ونحوه حتى يموت، لأنه ربما استدرك التوبة، بخلاف السيف الموحي، ولا يدفن في مقابر المسلمين، لخروجه بالردة عنهم، ولا في مقابر المشركين، لما تقدم له من حرمة الإسلام. قال: (وإن أسلم .. صح وترك)، لقوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله).

وَقِيلَ: لاَ يُقْبَلُ إِسْلاَمُهُ إِنِ ارْتَدَّ إِلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَزَنَادِقَةٍ وَبَاطِنِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان الأحسن أن يقول: فإن اسلما، لموافقة ما قبله. واقتضت عبارته: قبول توبة مكذب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه ذكره في صدر الباب من أنواع الردة، وبه جزم الرافعي في آخر (باب الجزية). ومن قذف النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو كافر باتفاق الأصحاب، فإن عاد إلى الإسلام .. فثلاثة أوجه: أحدهما: لا شئ عليه، لأنه مرتد أسلم، قاله الأستاذ أبو إسحاق. والثاني- قال أبو بكر الفارسي، وتبعه صاحب (الحاوي الصغير)، وهو الصواب -: يقتل حدًا، لأنه حد القذف، ولا يسقط بالتوبة. والثالث- قاله الصيدلاني-: يجلد ثمانين جلدة. ولو لم يقذف صريحًا لكن عرض .. فقال الإمام: الذي أراه أنه كالسب الصريح في اقتضاء الكفر، لما فيه من الاستهانة. قال في زوائد (الروضة) وهذا متعين، وقد قاله آخرون، ولا نعلم فيه خلافًا. قال: (وقيل: لا يقبل إسلامه إن ارتد إلى كفر خفي كزنادقة وباطنية)، لأن التوبة عند الخوف عين الزندقة. و (الزنديق) الذي لا ينتحل دينًا على المشهور. وقيل: الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهو الذي في (الروضة) هنا وفي (الفرائض) و (صفة الأئمة)، والأول ذكره في (اللعان)، وهو الأقرب، بل الأصوب، لأن الثاني نفاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: من تكررت منه الردة .. لم يعزر في المرة الأولى، لجواز أن تكون له شبهة يزيلها عنه، وفي الثانية: يعزر. وقال أبو حنيفة: إنما يعزر في الثالثة، وعلى كل حال يصح إسلامه، لعموم الأدلة. وقد تقدم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استتاب نبهان أربع مرات). ونقل عن الشيخ أبي إسحاق المروزي: أنه يقتل في الرابعة. قال الإمام: وعد هذا من هفواته الفاحشة، والصواب: أن المنسوب إليه ذلك إنما هو إسحاق بن راهوية كما قال القاضي عياض وغيره. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا أوجب على المرتد في المرة الأولى أدبًا. وتحصل توبة المرتد – وفي معناها الكافر الأصلي- بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن يبرأ من كل دين يخالف الإسلام، وإن كان الكافر ثنويًا أو وثنيًا. فلو قال: أنا مسلم أو آمنت .. لم يكف. ولو قال: أنا من أمة محمد أو دينكم حق .. حكم بإسلامه. وجزم القاضي أبو الطيب بأن شرط الإيمان بالله ورسوله الترتيب، فلو آمن برسول اتلله صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمن بالله .. لم يصح، كذا نقله في (شرح المهذب) في (الترتيب في الوضوء). وقال الحليمي: إن الموالاة بينهما لا تشترط فلو تراخي الإيمان بالرسالة عن الإيمان بالله مدة طويلة .. صح، قال: وهذا بخلاف القبول في البيع والنكاح، لأن حق الدعوى إلى دين الحق أن تدوم ولا تختص بوقت دون وقت، فكان العمر كله بمنزلة المجلس.

وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ إِنِ انْعَقَدَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ .. فَمُسْلِمٌ، أَوْ مُرْتَدَّانِ .. فَمُسْلِمٌ، وَفِي قَوْلٍ: مُرْتَدٌّ، وَفِي قَوْلٍ: كَاِفٌر أَصْلِيٌّ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: مُرْتَدٌّ، وَنَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ الاتِّفَاقَ عَلَى كُفْرِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وولد المرتد إن انعقد قبلها أو بعدها وأحد أبويه مسلم .. فمسلم) تغليبًا للإسلام، حتى لو ارتد حامل .. لم يحكم بردة ولدها، لأنه قد حكم بإسلامه تبعًا والإسلام يعلو، ولا يحكم بردته تبعًا، فإن بلغ وأعرب بالكفر .. كان مرتدًا بنفسه. وإن حدث الولد بعد الردة، فإن كان أحد أبويه مسلمًا .. فهو مسلم بلا خوف، تغليبًا للإسلام. قال: (أو مرتدان .. فمسلم)، لبقاء علقة الإسلام في أحد الأبوين، ولو يصدر منه كفر، وهذا حجة الرافعي وفاقًا للبغوي والخوارزمي والجويني والغزالي، وهو الذي ذكره صاحب (التلخيص). قال: (وفي قوله: كافر أصلي)، لتولده بين افرين فأشبه ولد الحربيين. قال: (قلت: الأظهر: مرتد، ونقل العراقيون الاتفاق على كفره والله أعلم)، فإذا قلنا: إنه مسلم .. لايسترق بحال وإن مات صغيرًا .. ورثه قرابته المسلمون، ويجزئ عتقه عن الكفارة إن كان رقيقًا، وإن بلغ وأعرب بالكفر .. فمرتد. وإن قلنا: كافر أصلي .. جاز استرقاقه، لأنه كافر لا أمان له فأشبه ولد الحربي. وعلى هذا: يجوز المن عليه والفداء به، ولا يجوز إقراره بالجزية، لأنه دخل في الكفر بعد نزول القرآن. وإن قلنا: إنه مرتد .. لم يسترق بحال، ولم يقتل حتى يبلغ فيستتاب، فإن أصر .. قتل.

وَفِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ مَالِهِ بِهَا أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا: إِنْ هَلَكَ مُرْتَدًّا .. بَانَ زَوَالُهُ بِهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ .. بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأولاد أولاد المرتدين حكمهم حكم أولاد المرتدين. كل هذا إذا لم يكون للولد أصل مسلم معروف من أجداد أو جدات، فإن كان .. فهو مسلم على الصحيح كما سبق في (باب اللقيط)، ولا يأتي ترجيح أنه مرتد أو كافر أصلي. وسكت الأصحاب هنا عمن أشكل علوقه قبل الردة أو بعدها، والظاهر: أنه على الأقوال، لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمان، ويدل له كلامهم في الوصية للحمل. وأولاد المبتدعة من المسلمين إذا كفرناهم ببدعتهم .. الظاهر: أنهم مسلمون مل لم يعتقدوا بعد بلوغهم كفرًا، لأنهم ولدوا على الإسلام، واعتقاد الأب لا يسري إلى الولد، وقد تقدم في آخر (باب اللقيط) حكم الأطفال في الدار الآخرة. قال: (وفي زوال ملكه عن ماله بها أقوال: أظهرها: إن هلك مرتدًا .. بأن زواله بها، وإن أسلم .. بان أنه لم يزل) وجه بقاء ملكه: أن الكفر لا ينافي الملك، ووجه زواله: أن ردته أزالت ملكه عن دمه الذي هو أعز الأشياء، فلأن تزيل ملكه أولى، ووجه الوقف: القياس على بضع زوجته. ووقع في (الكفاية) أن المصنف صحح عدم زوال ملكه، وتبعه القمولي، وهما واهمان عليه، بل صحح هنا الوقف تبعًا (للمحرر)، وصححه في (أصل الروضة) و (التصحيح) وفي) شرح المهذب) في أول (الزكاة). وأما الرافعي في (شرحه) .. فلم ينقل تصحيحه إلا عن البغوي فقط، وقال في (كتاب التدبير) إن بعضهم روى عن الشافعي أنه قال: أشبه الأقوال بالصحة زوال ملكه بنفس الردة، وبه أقول، وهو نص (المختصر) هناك، وصححه الشاشي والبغوي والمحاملي، والشيخ أبو محمد في) التبصرة)، والغزالي في (الخلاصة)، وهو المعتمد، وتجري الأقوال فيما تجدد ملكه بعد الردة باصطياد ونحوه كما صرح به المارودي.

وَعَلَى الأَقْوَالِ: يُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قلنا بالبقاء .. ملك، وإن قلنا بالزوال .. لم يملك، بل هو لأهل الفئ عند الإمام. وقال المتولي: إنه باق على إباحته كالمحرم إذا اصطاد، قال في (الكفاية) وهو متعين. وأن قلنا: موقوف، فإن أسلم .. تبينا انه ملكه، وإن قتل أو مات على الردة .. تبينا أنه لم يملك، وجئ مقالة المتولي. قال الرافعي: وعلى قياس ما قاله الإمام يكون لأهل الفيء. تنبيهان: أحدهما: أطلق الشيخان وغيرهما الأقوال، وخصها القاضي حسين في (باب الكتابة) بالأملاك المعرضة للزوال، قال: فأما ما لا تعرض له كالمكاتب وأم الولد .. فلا يزول ملكه عنه قطعًا، ولا يعيق مدبره ومستولده على الأقوال كلها. الثاني: ظاهر عبارة المصنف: أنه يصير محجورًا عليه بنفس الردة، وهو وجه، والجمهور على أنه لا بد من ضرب الحاكم، وعلى الأقوال: هل هو كحجر السفه أو المرض أو الفلس؟ أوجه: أصحها: ثالثها، لأنه لأجل حق أهل الفيء. قال: (وعلى الأقوال: يقضي منه دين لرمه قبلها)، لأنا إن قلنا ببقاء ملكه .. فواضح، أو بواله .. فهي لا تزيد على الموت، والدين يقدم على حق الورثة فليقدم على حق أهل الفيء. وقال الإصطخري: لا تقضى منه ديونه على قول زوال الملك، ويجعل المال كالتالف قال: (وينفق عليه منه) كمال المفلس، ونجعل حاجته إلى النفقة كحاجة الميت إلى التجهيز بعد زوال ملكه، وعن ابن الوكيل: لا ينفق منه قول الزوال بل نفقته في بيت المال.

وَالأَصَحُّ: يَلْزَمُهُ غُرْمُ إِتْلاَفِهِ فِيهَا، وَنَفَقَةُ زَوْجَاتٍ وُقِفَ نِكَاحُهُنَّ وَقَرِيبٍ. وَإِذَا وَقَفْنَا مِلْكَهُ .. فَتَصَرُّفُهُ إِنِ احْتَمَلَ الْوَقْفَ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ مَوْقَوفٌ، إِنْ أَسْلَمَ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. فَلاَ، وَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ وَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْقَدِيمِ مَوْقُوفَةٌ، وَعَلَى الأَقْوَالِ: يُجْعَلُ مَالُهُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَيُؤَجَّرُ مَالُهُ، وَيُؤَدَّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ إِلَى الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: يلزمه غرم إتلافه فيها)، كمن حفر بئرًا عدوانًا ومات وحصل بسببها إتلاف، فإنه يتعلق بتركه وإن زال ملكه بالموت). قال: (ونفقة زوجات وقف نكاحهن وقريب)، لأنها حقوق متعلقة به. والثاني: لا يلزمه ذلك، لأنه لا مال له، وهذا الخلاف مفرع على قول الزوال. وسكت عن نفقة الرقيق، استغناء بذكر القريب، وصرح في (المطلب) بأنه ينفق على الرقيق وأم الولد قطعًا. قال: (وإذا وقفنا ملكه .. فتصرفه إن احتمل الوقف كعتق وتدبير ووصية موقوف، إن أسلم .. نفذ، وإلا .. فلا)، لأن الوقف لا يضرها، وضابط ما يقبل الوقف: ما يحتمل التعليق. قال: (وبيعه وهبته ورهنه وكتابته باطلة، وفي القديم موقوفة، وعلى الأقوال: يجعل ماله عند عدل، وأمته عند امرأة ثقة) احتياطًا، لأنا وإن أبقينا ملكه .. فقد تعلق به حق المسلمين. قال: (ويؤجر ماله)، عقارًا كان أو غيره، صيانة له عن الضياع. قال: (ويؤدي مكاتبه النجوم إلى القاضي)، لأن قبضه غير معتبر، فإذا أداه إلى القاضي .. عتق. تتمة: إذا أزلنا ملكه .. حل ما عليه من دين مؤجل، وإن أبقيناه .. فلا، وإن وقفناه فأسلم .. بأن عدم الحلول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة إذا أتلف المرتد في حال الحرب شيئًا .. وجب عليه ضمانه، نص عليه في أكثر كتبه، وصححه الجمهور، وصحح صاحب (التنبيه) عدم الضمان، وأقره عليه المصنف، ولم يصحح في (الروضة) ولا في (الشرحين) شيئًا، والمعتمد ما تقدم من النص وقول الأكثرين، والله تعالى أعلم.

كتاب الزنا

كتاب الزنا

كتاب الزنا ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الزنا لغة الحجاز فيه القصر، قال الله تعالى: {ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى} ولغة نجد المد، قال الفرزدق (من الطويل) أيا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا أي: مخمورًا. واتفق أهل الملل على تحريمه، وهو من أفحش المحرمات الكبائر، قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة). وفي (الصحيحين) [خ 4477 - م76] عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: (أن تجعل لله ندًا وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزني بحليلة جارك)، فأنزل الله تصديقها: {والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}، وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، و (الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتة)، وهذه نسخ لفظهما وبقي حكمهما. وروى مسلم [1690] عن عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر البكر جلد مئة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم). واشتهر الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز والغامدية واليهوديين، وعلى ذلك جرى الخلفاء بعده وبلغ حد التواتر.

إِيلاَجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَنْتِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتهىً .. يُوجِبُ الْحَدَّ، وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَقُبُلٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال عن الشبهة مشتهي .. يوجب الحد) بالنص والإجمال، فإذا انتفى من هذا الضابط قيد .. انتفى الوجوب، وسيبين المصنف ما احترز عنه. وإطلاقه (الذكر) يشمل وغيره، والسليم والأشل والملفوف في خرقة وغيره. والأصح: وجوب الغسل به، وقيد في (الروضة) بقدر الحشفة منه، فلو غيب بعضها .. عزر، وتعزيره أغلظ بالاستمتاع بما دون الفرج. وشمل لفظ الفرج: القبل والدبر، وأحرج ما عداهما. وخرج بـ (محرم) إيلاج الصبي والمجنون. وبقوله: (لعينه) وطء الحائض. وبقوله: (خال عن الشبهة) شبهة المحل والطريق والفاعل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ذكره البيهقي في (المعرفة) [16873] عن على مرفوعًا. ورواه الترمذي [1424] والحاكم [4/ 384] من رواية عائشة بلفظ: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كانت لكم مخرج .. فخلوا سبيله، فإن الإمام أنن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الترمذي والبيهقي [8/ 238] الأصح: أنه موقوف. وخرج بـ (المشتهى) وطء البهيمة والميتة. قال: (ودبر ذكر وأنثى كقبل على المذهب)، فيرجم المحصن، ويجلد ويغرب غيره، لأنه زنا بدليل، لقوله تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة}. وقال تعالى: {أتأتون الفحشة}. وروى البيهقي [8/ 133] عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى الرجل الرجل .. فهما زانيان).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وملخص ما في عقوبته أقوال: أحدهما: ما ذكره المصنف. والثاني: عقوبته القتل، محصنًا كان أو غيره، لما روى أحمد [1/ 300] وأبو داود [4457] والترمذي [1456] والحاكم [4/ 355]- وقال: صحيح الإسناد- عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه، واقتلوا المفعول به) وفي رواية (فارجموا الأعلى والأسفل). وعلى هذا: في كيفية قتله ثلاثة أوجه: أصحها في زوائد (الروضة) بالسيف كالمرتد. والثاني: يرجم تغليظًا عليه، وبه قال أحمد ومالك. والقول الثالث: يهدم عليه جدار، أو يرمي من شاهق حتى يموت كما فعل الله بقوم لوط.

وَلاَ حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع- وبه قال أبو حنيفة-: واجبه التعزيز كالبهيمة. قال الرافعي: ومنهم من لم يثبته، قال ابن الرافعة: وهم العراقيون، وأسقطه من (الروضة). ودخل في إطلاقه: دبر عبده، والمذهب: أنه كالأجنبي، وقيل: قولان، لقيام الملك، كما لو وطئ أخته المملوكة، وهو ضعيف، لأن الملك يبيح الإتيان في القبل في الجملة، وهذا المحل لا يباح بحال. وأما المفعول به، فإن كان صغيرًا أو مجنونًا أو مكرهًا .. فلا حد عليه ولا مهر له، لأن منفعة بضع الرجل غير متقومة. وإن كان مكلفًا طائعًا، فإن قلنا: إن الفاعل يقتل .. قتل المفعول به بما يقتل به الفاعل، وإن قلنا: حده حد الزنا .. جلد المفعول به وغرب، محصنًا كان أو غيره. وإن وطئ امرأة أجنبية في دبرها. فطريقان: أصحهما: أنه كاللواط بذكر، فيجئ في الفاعل القولان، وتكون عقوبة المرأة الجلد والتغريب على الأصح. وقيل: هو زنا في حقها، فترجم المحصنة، وتجلد وتغرب غيرها. ولو وطئ زوجته أو أمته في دبرها .. فالمذهب: أن واجبه التعزيز إن تكرر منه فعل ذلك. قال: (ولا حد بمفاخذة) هذا الذي احترز عنه بالإيلاج. وفي (سنن أبي داود) [4463] عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة فأصبت منها دون أن أمسها فأنا هذا، فأقم على ما شئت، فقال عمر: قد سترك الله لو سترت على نفسك، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئًا، فانطلق الرجل، فأتبعه النبي صلى الله عليه

وَوَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ، وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَكَذَا مَمْلُوكَتُهُ الْمَحْرَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم رجلًا فدعاهن فتلا عليه: {وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية، فقال الرجل من القوم: يا رسول الله، أله خاصة أم للناس؟ فقال: (للناس كافة). وأشار بـ (المفاخذة) إلى أن جميع مقدمات الوطء وإيلاج بعض الفاحشة وإتيان المرأة المرأة لا حد فيها، لما روى الشيخان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: (لعلك قبلت أو لمست)، بل واجب هذا التعزيز ومراتبها مختلفة فيه. ولو وجدنا رجلًا وامرأة أجنبيين تحت لحاف ولم نعرف غير ذلك .. لم نحدهما، ويجب التعزيز. ولو وجدنا امرأة خلية حبلى، أو ولدت وأنكرت .. فلا حد. قال في زوائد (الروضة) وكذا لو لم تنكر ولم تعترف بل سكتت .. فلا حد، وإنما يجب الحد ببينة أو اعتراف. والاستمناء باليد عن أحمد الترخص فيه. ومذهبنا: القطع بتحريمه، وأن على فاعله التعزيز، وقد تقدم في كتاب (كتاب النكاح) حيث ذكره الرافعي والمصنف. قال: (ووطئ زوجته وأمته في حيض وصوم وإحرام)، لأن تحريم ذلك ليس لعينه، بل تحريم وطء الحائض، للأذى ومخامرة النجاسة. ووطء الصائمة والمحرمة، لحق العبادة، فلا يتعلق بذلك حد، ومثله وطء الأمة قبل الاستبراء. قال: (وكذا أمته المزوجة والمعتدة)، لشبه الملك. قال: (وكذا مملوكته المحرم) أيك بنسب أو رضاع، وهذا أيضًا من الشبهة في المحل. قال في (المحرر) وقد تكون في الواطئ، كما إذا وجد على فراشه فوطئها على ظن أنها زوجته أو أمته، وهذه ساقطة من (المنهاج)، وسواء ليلة الزفاف وغيرها، ويصدق بيمينه في هذا الظن.

وَمُكْرَهٌ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومكره في الأظهر)، لرفع القلم عنه، وفي (البخاري) عن نافع: أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته: أن عبدًا وقع على وليدة فاستكرهها حتى افتضها، فجلده عمر ولم يجلدها من أجل أنه استكرهها. وروى الترمذي [1453] نحوه مرفوعًا. والثاني: يجب فيهما، أما في الأولى .. فلأنه وطء لا يستباح بحال فأشبه اللواط. وأما الثانية .. فلأن انتشار الآلة لا يكون إلا عن شهوة واختيار، أما المرأة .. فيتصور فيها ذلك. والخلاف في المسألة الثانية وجهان، وقال الغزالي: قولان، فتبعه (المحرر) و (المنهاج). ومسألة المكره دخيلة هنا، وكان ينبغي أن يذكرها عند الشروط مع التكليف والعلم بالتحريم. فرع: زنى مكرهًا وأتت منه بولد .. لا يلحقه، لأنا لا نعرف كون الولد منه، والشرع منع النسب، كذا في (الوسيط) في أوائل الباب الثاني من (كتاب الرهن). وفي (التتمة) في (أبواب العدد) أن الولد ينسب إليه في هذه الحالة، ولم يتعرض الأصحاب للمرأة إذا زنت وهي مضطرة .. هل يسقط بذلك عنها الحد أو لا؟ وفي (سنن البيقهي) [8/ 236] أن عمر أتى بامرأة جهدها العطش فمرت على راع فاستسقته، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت، فشاور الناس في رجمها/ فقال علي: (هذه مضطرة أرى أن تخلي سبيلها)، ففعل، ستأتي المسألة في أواخر فرع في (كتاب الأطعمة).

وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَ بِهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلاَ شُهُودٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (كذا كل جهة أباح بها عالم كنكاح بلا شهود على الصحيح)، درءًا للحدود بالشبهات، وهذه شبهة اختلاف العلماء، فكل جهة صححها بعض العلماء ا, أباح الوطء بها .. لا حد فيها على المذهب وإن كان الوطء يعتقد التحريم، فالنكاح بلا شهود خالف فيه مالك، وبلا ولي خالف فيه أبو حنيفة، وكذلك لو شهد شاهد زور بالطلاق وحكم الحاكم بالفرقة ثم تزوجها أحدهما ووطئ .. فلا حد عليه في أشبه الوجهين، لأن أبا حنيفة يجعلها منكوحة في الحكم كما ذكره الرافعي في (كتاب القضاء). وكذلك شبهة غيرهما كمذهب ابن عباس في نكاح المتعة، للاختلاف في الصحة، سواء كان الواطئ يعتقد تحريمه أم لا. والثاني: يجب على من اعتقد التحريم دون غيره، واختاره الصير في جماعة، وهذه الصورة التي احترز عنها بقوله: (خال عن الشبهة).

لاَ بوَطء مَيتته في الأَصَحُ، وَلًا بَهيمَة في الأَظٌهَر ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (لا بوطء ميتته في الأصح)؛ لأنه مما ينفر الطبع عنه، لكنه يعزز. والثاني: يحد؛ لأنه إيلاج في فرج لا شبهة فيه فلا مهر لها عليه بلا خلاف. والثالث: إن كانت ممن لا يحد بوطئها في الحياة كالزوجة .. فلا حد، والإ .. فيحد، حكاه المصنف في (باب الغسل) من (شرح المهذب)، واختاره في (نكت الوسيط)، والوجهان الأولان جاريان فيما لو لاط بميت، وهذه الصورة والتي بعدها احترز عنهما بقوله: (مشتهَى). قال: (ولا بهيمة في الأظهر)؛ لأن الطبع السليم يأباه، وبهذا قال أبو حنيفة، وفي (سنن البيهقي) [8/ 234] عن ابن عباس: (ليس على الذي يأتي البهيمة حد) وهذا لا يقوله الإ توفيقًا، وإذا انتفي الحد .. ثبت التعزيز. والثاني: واجبة القتل، محصنًا كان أو غيره؛ لما روي أصحاب السنن الأربعة والحاكم [4/ 355] عن ابن عباس: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من أتى بهيمة .. فاقتلوه واقتلوها معه). والثالث: عليه حد الزنا، فيفرق بين المحصن وغيره. وفي البهيمة أوجه: أصحها: تذبح المأكولة دون غيرها. وقبل: تذبح مطلقًا؛ لظاهر الحديث، واختلفوا في علة ذلك:

وَيُحَدُّ فِي مُسْتَاجَرَةٍ وَمُبِيحَةٍ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل: لاحتمال أن تأتي بولد مشوه الخلق؛ فإنه روي: أن راعيًا أتى بهيمة فولدت خلقًا مشوهًا. فعلى هذا: لا تذبح إلا إذا كانت أنثى وقد أتاها في الفرج. وقيل: لأن في بقائها تذكارًا للفاحشة فيعير بها، وهذا هو الأصلح. فعلى هذا: لا فرق بين الذكر والأنثى. والأصلح: حل أكلها إذا ذبحت، وقيل: لا يحل؛ للأمر بقتلها. وحيث وجب الذبح والبهيمة لغيره، فإن كانت مأكولة وقلنا: يحل أكلها .. لزم الفاعل ما بيت قيمتها حية ومذبوحة، وإلا .. لزم جميع القيمة في الأصلح، وقيل: قيمتها في بيت المال، وفي وجه: لا شئ لصاحبها؛ لأن الشرع أوجب قتلها للمصلحة. ولو مكنت المرأة قردًا من نفسها .. كان الحكم كما لو أتى الرجل بهيمة، حكاه البغوي وغيره. ولا يثبت اللواط وإتيان البهيمة إلا بأربعة عدول. وقيل: إن قلنا: إن الواجب التعزير .. كفى عدلان، وهو ضعيف مخالف للنص. قال: (ويحد في مستأجرة) ليزني بها؛ لأنه عقد باطل لا يوجب شبهة؛ لضعف مدركه، بخلاف النكاح بلا ولي. واستثني الجرجاني في (التحرير) ما إذا اعتقد إباحته، ومقتضى كلام المصنف وغيره: أنه لا فرق. وقال أبو حنيفة: إذا أباحت المرأة لزوجها أمتها .. سقط الحد، وكذلك الحكم فيما إذا أباح وطء جاريته لغيره علي الأصح إن هلم التحريم.

وَمَحْرَمٍ وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: ويشبه أن لا يجئ مذهب عطاء في إباحة المرأة بضعها؛ لأن السيد يبيح ما أبيح له، والمرأة بخلافة. قال: (ومحرم) أي: بنسب أو رضاع أو مصاهرة. قال: (وإن كان تزوجها)؛ لأنه وطء صادف محلًا ليس فيه ملك ولا شبهة ملك، وهو مقطوع بتحريمه فيتعلق به الحد؛ لقوله تعالي: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية، فجعله أغلظ من الزنا؛ حيث قال في الزنا: {وَسَاءَ سَبِيلًا} وزاد هنا: {وَمَقْتًا}، فكن أولي بالعقوبة. وقال أبو حنيفة: لا حد في هذه الصورة، وتصير صورة العقد شبهة. وقال أحمد وإسحاق: يقتل ويؤخذ ماله، لما روى ابن ماجه [2608] عن معاوية بن قرة عن أبيه: (أن رجلًا عرس في زمن النبي صلي الله عليه وسلم بامرأة أبيه، فبعث النبي صلي الله عليه وسلم إليه فضرب عنقه وخمس ماله). قال ابن أني خثيمة في (تاريخه) قال يحيى بن معين: حديث صحيح، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في ميراث المرتد. وهكذا لو نكح من طلقها ثلاثًا، أو لاعن منها، أ, نكح من تحته أربه خامسة، أو أخت زوجته ووطئها عالمًا بالحال. ولم يعتدوا بخلاف داوود في إباحة الخامسة. وكذا لو نكح مرتدة أو معتدة أو مزوجة أو نكح الكافر مسلمة ووطئ. ولو نكح وثنية أو مجوسية ووطئها .. ففي (التهذيب) يجب الحد، وفي (جمع الجوامع) لا حد في المجوسية؛ للخلاف، قال الرافعي: وهي القياس إذا نحقق الخلاف. ولو زنى في دار الحرب .. وجب علبه، خلافًا لأبي حنيفة، ثم الأصلح: أن للإمام أن يقيمه هناك إن لم يخف فتنة.

وَشَرْطُهُ: التَّكْلِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: وطئ زوجته أو أمته ظانًا أنها أجنبية يزني بها .. عصى الله تعالى ولا حد عليه، ولا يعاقب في الدار الآخره عقاب الزانى؛ لانتفاء مفسده الزنا، بل يعاقب عقاب المجترئ على معاصي الله المخالف لأمره، وكذا من شرب شرابًا ظنه خمرًا فبان غيره، أو قتل إنسانًا يظنه معصومًا فبان غير معصوم. ونقل ابن الصلاح عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني: (أن الرجل إذا وطئ امرأته على ظن أنها أجنبية .. عليه الحد، قال: وهذا يتبادر الفقيه إلى إنكاره، ولكن الحقائق الأصولية آخذة بضبعيه؛ فإن الأحكام ليست صفات للأعيان) اهـ ووقع في زمن ابن الفركاح بدمشق السؤال عن رجل يجامع زوجته ويفكر حالة الجماع في غيرها حتى يتخيل أنه يطأ الأجنبية .. هل يأثم بذلك فاعله أو يستحب له؟ فقال: لك أجد فيه نقلًا، ثم استدل بحديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسهم) على عدم المؤاخذة بذلك. والمسألة سئل عنها الفقيه العلامة سراج الدين عمر البزري صاحب (إشكالات المهذب) و (الفتاوى المشهورة)؟ فأجاب فيها بأنه لا يأثم بذلك وجودًا وعدمًا، لكن يكره له ذلك، وللشيخ بحث في (باب إحياء الموات) قريب من هذا يتلخص منه: عدم التحريم. قال: (وشرطه: التكليف)، فلا حد على صبي ولا مجنون، وهذا يخرج بتقيد المصنف الوطء بكونه حرامًا؛ فإن فعلهما لا يوصف بالتحريم، لكن يؤديهما وليهما بما يزجرهما عن ذلك. قال الروياني: ولو زنى وعنده أنه ليس ببالغ فبان بالغا .. ففي وجوب الحد عليه وجهان. وقد غلط الجيلي فنسب إلى صاحب (البحر) ذكر وجهين في وجوب الحد علي الصبي، وليس فيه إلا ذكرناه.

إِلَّا السَّكْرَانَ، وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ. وَحَدُّ المُحْصَنِ: الرَّجْمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (السكران)؛ فإنه يحد وهو غير مكلف، وهذه ليست في المحرر) ولا في (الروضة) و (الشرحين)، وقد تقدم في (كتاب الطلاق) الاعتراض عليه في استثنائها، وأن الشافعي مص على: أنه مكلف. قال: (وعلم تحريمه)، علا حد على من جهل تحريم الزنا لبعده عن أهل العلم أو قرب عهده بالإسلام؛ لما روي البيهقي [8/ 239] عن سعيد بن المسيب أنه قال: ذكر الزنا بالشام فقال الرجل: زنيت البارحة، فقالوا: ما تقول؟! قال: ما علمت أن الله حرمه، فكتبوا يذلك إلى عمر فكتب إليهم: (إن كان علم أن الله حرمه .. فحدوه، وإن لم يكن قد علم .. فأعلموه، فإن عاد .. فارجموه). أما إذا علم التحريم وجهل وجوب الحد .. فالصحيح: الجزم بوجوب الحد عليه. وإن نشأ بين المسلمين وادعى الجهل به .. لم يقبل منه. قال: (وحد المحصن: الرجم) رجلا كان أو امرأة؛ لأن عمر خطب فقال: (الرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنًا أو قامت البينة أو كان حمل أو اعترف، وايم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر كتاب الله .. لكتبتها) رواه البخاري [6829] ومسلم [1691] وأبو داوود [4417] والترمزي [1432] والنسائي مختصرًا [سك7116] ومطولًا [سك7118] وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد. وفي (الصحيحين) [خ2696 - م1698]: انه عليه الصلاة والسلام قال: (لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل) وقضي على المرأة بالرجم، وأجمع العلماء عليه. وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم فقط. وفالت طائفة: يجب الجلد مع الرجم، منهم علي بن أبي طالب والحسن وأحمد وإسحاق وابن المنذر، مستدلين بما سبق في حديث عبادة بن الصامت، وبما روى الطبراني [8/ 239]: أن عليا جلد شراحة الهمدانية ثم رجمها وقال: (جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا ولم يجلده) رواه أحمد [5/ 96]، وهو حجة عليه، و (رجم الغامدية) ولم برد أنه جلدها. وحديث عبادة في المجلد منسوخ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أو محمول علي من زنى وهو بكر ثم زنى وهو محصن. وأما أثر على .. فمنقطع؛ لأنه من رواية الشعبي عن على وهو لم يدركه أصلًا. وحكى القاضي عياض عن طائفة من المحدثين: أنه يجب الجمع بينهما إذا كان شيخًا ثيبًا، وإن كان شابًا اقتصر علي الرجم. قال المصنف: وهو مذهب باطل لا أصل له. كل هذا إذا زنى وهو محصن، فلو زنى وهو بكر ثم زني قبل إقامة الحد عليه وقد أحصن .. فسيأتي حكمه في تتمة (باب قاطع الطريق) فائدة: الإحصان والتحصين في اللغة: المنع، قال الله تعالي: (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَاسِكُمْ) وورد في الشرع بمعني الإسلام، وبمعنى البلوغ، وبمعنى العقل، وقد قيل كل منها في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ}. وورد بمعنى الحرية، ومنه: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}. وبمعنى العفة، ومنه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}. وبمعنى التزويج، ومنه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ}. وبمعنى الإصابة في النكاح الصحيح: ومنه: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}، وهو المراد هنا.

وَهُوَ: مُكَلَّفٌ حُرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الجوهري: يقال: أحصن الرجل فهو محصن، بفتح الصاد، وهو أحد ما جاء على: أفعل فهو مفعل. وكذلك ألفح الرجل- أي: أفلس- فهو ملفح بفتح الفاء. وأسهب- إذا كثر كلامه- فهو مسهب، بفتح الهاء، ولا يقال بكسرها، فهذه الثلاثة جاء اسم الفعل فيها بالفتح، وهي نوادر لا نظير لها. عجيبة: في (البخاري) [3849]: قال عمرو بن ميمون الأودي: رأيت في الجاهلية قردة زنت، فرجمها القردة، ورجمتها معهم. قال أبو بكر بن العربي: هذه الحكاية ثبتت في بعض النسخ وسقطت من بعضها. وقال الحميدي: هي في غير رواية الفربري في (كتاب أيام الجاهلية)، ولعلها من المقحمات في (كتاب البخاري)، لكنه روى القصة في (تاريخه الكبير) ولم يقل فيها: إن القردة زنت، فإن صحت هذه الرواية .. فإنما أخرجها البخاري دليلا على أن عمرو بن ميمون أدرك زمان الجاهلية ولم يبال بظنه الذي ظنه. وذكر أبو عمر في (الإستيعاب) [2/ 535] عمرو بم ميمون وقال: إنه رأى الرجم في الجاهلية بين القردة إن صح ذلك؛ لأن رواته مجهولون لا يحتج بهم، وهذا عند العلماء منكر؛ إضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحدود علي البهائم، ولو صح .. لكانوا من الجن، لأن العبادات والتكليفات في الجن والإنس دون غيرهما. قال: (وهو) أي: المحصن (مكلف)، فإذا انتفي التكليف .. انتفي الإحصان بل أصل الحد. قال: (حر)، فليس الرقيق والمكاتب وأم الولد والمبعض بمحصن وأن كان مكلفًا، سواء أصاب في نكاح صحيح أم لا. وإنما اعتبرت الحرية؛ لأنها صفة كمال وشرف والشريف يصون نفسه هما يدنس عرضه، والرقيق مبتذل مهان؛ إذ ل يتحاشى عما يتحاشى عنه الحر.

وَلَوْ ذِمَّيٌّ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا فَاسِدٍ فِي الأَطْهَرِ، وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَتِهِ وَتَكْلِيفِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذلك قالت هند بنت عتبة عند البيعة: (أو تزني الحرة). قال: (ولو دمي)؛ لأن النبي صلى لله عليه وسلم رجم اليهوديين وكانا قد أحصنا، رواه الشيخان [خ3635 - م1699] وغيرهما. وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك فقالا: شرط الإحصان: الإسلام. وكان ينبغي أن يقول: ولو ذميًا، علي أنه خبر لـ (كان) المحذوفة، وقد تقدم له نظير ذلك في شروط الصلاة والظهار وغيرهما. قال: (غيب حشفته بقبل في النكاح صحيح) لأن الشهوة مركبة في النفوس فإذا وطئ في نكاح صحيح .. فقد مالها، فحقه أن يمتنع من الحرام، فالواطئ في الدبر أو في كلك اليمين أو في نكاح فاسد ليس بمحصن، والمراد: أنه غيب حشفته أو قدرها قبل أن يزني وهو بهذه الصفات. ولفظة (القبل) من زيادات (لمنهاج) ولابد منها؛ فقد قال الأصحاب: حكم الدبر حكم القبل إلا في الإحصان والإحلال والفيئة والعنة، ولا يتغير به إذن البكر. ولا يشترط كونه ممن ينزل. ويحصل بوطء في الحيض والإحرام وعدة الشبهة، ولا يحصل بالوطء بملك اليمين. قال: (لا فاسد في الأظهر)؛ لأنه حرام فلا تحصل به صفة كمال. والثاني- ويحكي عن القديم-: أنه يفيد الإحصان؛ لأن الفاسد كالصحيح في العدة والنسب فكذا في الإحصان، والخلاف جار في الوطء بالشبهة، وهو كالخلاف في أنه هل يحصل التحليل بالوطء في النكاح الفاسد؟ قال: (والأصح: اشتراط التغييب حال حريته وتكليفه)، وبه قال أبو حنيفة وملك؛ لأن شرط الإصابة: أن يحصل بأكمل الجهات، وهو النكاح الصحيح، فاشترط حصولها من كامل.

وَأَنَّ الكَامِلَ الزَّانِيَ بِنَاقِصٍ مَحْصَنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: ل يشترط ذلك؛ فإنه وطء يحصل به لتحليل. والثالث: أن وطء الصبي يعتبر دون العبد؛ لأن الرق يوجب نقصان النكاح فلا ينكح إلا اثنين، بخلاف الصغير. وقيل: عكسه؛ لأن الصغير يمنع كمال اللذة والرق لا يمنع، وجميع م ذكره المصنف حد لإحصان المرأة أيضًا. أظهرها: لا يشترط، فإذا كان أحدهما كاملًا دون الآخر، كما إذا وطئ الحر المكلف أمة أو صبية أمجنونة بنكاح صحيح .. ثبت الإحصان له دونها، وكذلك العكس؛ لأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح، فأشبه ما إذا كانا كاملين. والقول الثاني: لا يكون بذلك محصنًا؛ لأنه وطء ل يصير أحد الواطئين به محصنًا فكذلك الآخر، كالوطء بالشبهة.

وَالْبِكْرِ الحُّرِّ: مِئَةُ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: إن كان نقصان الناقص منهما بالرق .. صار الكامل به محصنًا، وإن كان بصغر أو جنون .. فلا. والفرق: أن تأثير الرق في الحدود دون تأثير الصغر والجنون؛ فإنهما يسقطان أصل الحد، بخلاف الرق. وروي البيهقي [8/ 216] عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أنه سئل عن الأمة هل تحصن الحر؟ قال: نعم، قيل: عمن تروي هذا؟ قال: أدركنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك. وقال الإمام: هذا الخلاف في صغيرة أو صغير لا يشتهيه الجنس الآخر، فإذا كان مراهقًا .. أحصن قطعًا. وظاهر عبارة المصنف: أن الكامل إذا زنى بناقص محصن علي الأصح، وليس كذلك، بل هو محصن يرجم بلا خلاف. وعبارة المحرر) وأنه إذا وجدت الإصابة والرجل في حال الكمال دون المرأة، وبالعكس يكون الكامل محصنًا، وكان بعض شراح الكتاب يغير لفظة (الزاني) بالباني، أي: الناكح؛ ليوافق عبارة (المحرر)، ورد عليه بأنه أنما يقال: بنى علي أهله، ل بنى بهم، كما قال الجوهري وغيره. ثم إن عطف المسألة على ما قبلها يقتضي: أن الخلاف وجهان، وهو في (الشرح) قولان وطريقة، وفي (الروضة) ثلاثة أقوال. قال: (والبكر الحر: مئة جلده وتغريب عام)؛ للأحاديث المتقدمة. والمراد بـ (البكر) هنا: غير المحصن رجلًا كان أو امرأة. قال الروياني: سمي جلدًا؛ لاتصاله بالجلد، وأشار بعطف (التغريب) بـ (الواو) إلي أنه لا يشترط الترتيب بين الجلد والتغريب، فيقدم الإمام ما شاء منهما، لكن الأولى: أن يكون التغريب بعد الجلد. وعند أبو حنيفة: التغريب ليس من الحد، وإنما هو تعزير يتعلق برأي الإمام. وعن مالك: لا تغريب المرأة.

إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفهم قوله: (وتغريب عام) أنه لو تغرب بنفسه سنة لا يكفي، بل لابد من تغريب الحاكم؛ لأن المقصود تنكيله، وعن ابن كج والماوردي الاعتداد به، فلو جلد نفسه .. لم يكف بالاتفاق. والفرق: أن الجلد حق يستوفي منه به فلم يجز أن يكون مستوفيًا، والتغريب انتقال من بلد إلي بلد وقد وجد. وأول مدة التغريب: ابتداء السفر، لا من حين الوصول إلي مكانه علي الصحيح: وينبغي للإمام أن يثبت أول مدته في ديوانه، فإن لم يفعل وادعي المحدود انقضائها ولا بينة .. صدق؛ لأنه من حقوق الله تعالي، ويحلف استحبابًا. قال: (إلي مسافة قصر)؛ لأن ما دونها في حكم الحضر؛ لتواصل الأخبار فيها، والمقصود: إيحاشه بالبعد عن أهله ووطنه. ولأن أبا بكر غرب إلي فدك، وهي قرية بخيبر بينها وبين المدينة مرحلتان. وفي وجه: يجوز دون مسافة القصر بحيث ينطلق عليه اسم الغربة وتلحقه في المقام به وحشة؛ لإطلاق الخبر. والثالث: يجوز إلي موضع لو خرج المبكر إليه .. لم يرجع في يومه إليه، وهي مسافة العدوى. وظاهرة عبارة (الحاوي الصغير) المنع من التغريب إلي زيادة علي مرحلتين، فلو رجع المغرب إلي البلد الذي غرب منه .. رد إلي ما غرب إليه، والأصح: أنه يستأنف المدة، وقيل: يبني. قال: (فما فوقها)؛ لعموم ما تقدم، هذا إذا رآه الإمام؛ لأن عمر غرب إلي الشام، وعثمان إلي مصر، وعلي إلي البصرة. وقال المتولي: إن كان علي مسافة القصر موضع صالح .. لم يجز أن يغربه إلي ما فوقه، والصحيح: الجواز مطلقًا، وبه قطع الجمهور.

وَإِذَا عَيَّنَ الإِمَامُ جِهَةً .. فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الأَصَحِّ، وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَي غَيْرِ بَلَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا عين الإمام جهة .. فليس له طلب غيرها في الأصح)؛ لأن الحاكم يقيمه علي الزاني كرهًا فكان المراعي فيه رأي الإمام، ولأن ذلك أليق بالزجر والتأديب. والثاني – ورجحه الإمام-: له ذلك؛ لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الوطن بقدر كرحلتين، وهما كالوجهتين فيما إذا عينت المرأة كفءً والولي غيره، وقد تقدم: أن الأصح: إجابة الولي المجبر، فهو كالمرجح هنا. قال البغوي: ولا يرسله الإمام إرسالًا، بل يغربه إلي بلد معين. وإذا غرب إلي بلد معين .. فهل يمنع من الانتقال إلي بلد آخر؟ وجهان: أصحهما: لا، وبه قطع المتولي، واختاره الإمام، وصحح الروياني الجواز، ولا يعتقل في الموضوع الذي غرب إليه، لكن يحفظ بالمراقبة والتوكيل به حتي يكون كالحبس له. فإن احتيج إلي الاعتقال خوفًا من رجوعه .. اعتقل، وكذلك إذا خيف من تعرضه للنساء وإفسادهن .. يحبس؛ كفًا عن الفساد. قال: (ويغرب غريب من بلد الزنا إلي غير بلده)؛ تنكيلًا وإبعادًا له عن موضع الفاحشة. كل هذا في غريب له وطن، فإن لم يكن له وطن كما إذا هاجر الحربي إلي دار الإسلام ولم يتوطن في بلد .. فقال المتولي: يتوقف الإمام إلي أن يستوطن في بلد ثم يغربه. وقال القاضي: يغرب من المكان الذي قصده، وهو أفقه، وأيده ابن الرفعة بأن المسافر إذا زني في الطريق .. يغرب إلي غير مقصده. وإن انقضت المدة .. فله الرجوع إلي وطنه عند الأكثرين. وقال الماوردي: هذا إذا لم يعين له الإمام موضعًا، فإنه عينه .. لم يجز له الرجوع منه الإ بإذنه، فإن رجع بغير إذنه .. عزر، كما لو خرج من حبسه.

فَإِنْ عَادَ إلَي بَلَدِهِ .. مُنِعَ فِي الأَصَحِّ. وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا فِي الأَصَحِّ، بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: لا يمكن المغرب أن يحمل معه أهله وعشيرته، وله أن يحمل معه جارية يتسري بها وما يحتاجه للنفقة لنفسه ولمن يخدمه وهو يشعر بأنه ليس له أخذ ما زاد علي ذلك. وقال الماوردي والروياني: له حمل ما يتجر فيه. ولو كان عليه دين .. هل يغرب قبل أدائه أو يؤخر حتي يوفيه؟ وكذلك لو أفلس وحجر عليه أو كان مستأجرًا لعين؟ الظاهر في الجميع: أنه لا يؤخر لأجل ذلك؛ لأن الرافعي قال في المعتدة عن الوفاة: إذا زنت .. تغرب ولا تؤخر لانقضاء العدة. وقد تعرض الدرامي لمسألة المستأجر بالنسبة إلي العبد المؤجر، فإن قلنا: يغرب .. فللمستأجر الصبر أو الفسخ. وقيل: لا يغرب حتي تنقضي المدة. وقال ابن كج: نفقته الزائدة علي مؤنة الحضر في بيت المال. والصواب في زوائد (الروضة) أن الجميع في ماله. قال: (فإن عاد إلي بلده .. منع في الأصح)؛ معاملة له بنقيض قصده، وتعبيره بـ (الأصح) يقتضي: أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل يقابله احتمال للغزالي: أنه لا يتعرض له. قال: (ولا تغرب امرأة وحدها في الأصح، بل مع زوج أو محرم)؛ لما تقدم من قوله صلي الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ليلة الإ مع ذي محرم). ولأن القصد تأديبها وإذا خرجت وحدها .. هتكت جلباب الحياء. والثاني: تغرب وحدها؛ لأنه سفر واجب فأشبه سفر الهجرة، كذا أطلق الخلاف جماعة، وخصه الإمام والغزالي بأمن الطريق، والإ .. امتنع سفرها وحدها جزمًا.

وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ بِأُجْرَةٍ .. لَمْ يُجْبَرْ فِي الأَصَحِّ. وَالْعَبْدِ: خَمْسُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الاكتفاء بالنسوة الثقات عند أمن الطريق وجهان: أصحهما: أنهن كالمحرم، وربما اكتفي بعضهم بواحدة ثقة، وشرط بعضهم: أن يكون معها زوج أو محرم. وينبغي أن يلحق الأمرد الحسن بالمرأة؛ في أنه لا يغرب الإ بمحرم علي الأصح. قال: (ولو بأجرة)؛ لأنها من تتمات ما يجب عليها، والأصح: أنها في مالها، وقيل: من بيت المال. قال: (فإن امتنع بأجرة .. لم يجبر في الأصح) كما في الحج، ولأنه تعذيب من لم يذنب بذنب غيره. والثاني: يجبر؛ للحاجة إلي إقامة الواجب، وهو رأي ابن سريج. فعلي هذا: إذا كان لها محرمان أو محرم وزوج .. فمن يقدم منهما؟ قال الرافعي: لم يتعرضوا له. وقال في (الروضة) الأرجح: يقدم الإمام باجتهاده من شاء منهما. قال: (والعبد: خمسون؛ لقوله تعالي: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب) والقتل لا يتنصف فتعين أن يكون في الجلد. وروي مال [2/ 827] وأحمد [1/ 104] عن علي: أنه أتي بعبد وأنه زنيا، فجلدهما خمسين خمسين. ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى بجامع الرق، لكن هل يعتبر معها ما يعتبر في الحرة من خروج محرم؟ الأشبه: نعم؛ لعموم الحديث. وسواء القن والمكاتب وأم الولد، وفي المبعض ثلاثة أوجه: أصحها: أنه ككامل الرق، كما في النكاح والطلاق والعدة. والثاني: أن الحد يقسط علي ما فيه من الحرية والرق، فيكون علي حد النصف ثلاثة أرباع الحد، وقياسه: أن يغرب تسعة أشهر، وألزم قائله بجواز أن ينكح ثلاث نسوة.

وَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: سَنَةً، وَفِي قَوْلٍ: لَا يُغَرَّبُ. وَيَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: إن كان بينهما مهايًا فزني في نوبته .. فكحر، والإ .. فكعبد. قال: (ويغرب نصف سنة)؛ لأنها تتنصف، فأشبهت الجلد. وروي البيهقي [8/ 243] وأبو عمر: أن أمة لابن عمر زنت فجلدها وغربها إلي فدك. قال الشافعي: أستخير الله تعالي في نفيه نصف سنة. قال: (وفي قول: سنة)؛ لأن ما لا يتعلق بالطبع لا يفترق فيه الحال بين الحر والعبد كمدة العنة والإيلاء. قال: (وفي قول: لا يغرب)؛ لأن في ذلك تفويتًا لحق السيد، وادعي القاضي أبو الطيب: أنه الأظهر، وبه قال مالك وأحمد؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا زنت امة أحدكم .. فليجلدها، ثم إن زنت .. فليجلدها)، ولم يذكر التغريب، ولأن العبد لا أهل له في موضع غالبًا فلا يستوحش بالتغريب. والجواب: أنه إذا ألف موضعًا شق عليه فراقه ولا يبالي بحق السيد في العقوبات، كما يقتل بالردة وتقطع يده إذا سرق. قال: (ويثبت بينة)؛ لقوله تعالي: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ}. قال: (أو إقرار)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم رجم ماعزًا والغامدية بإقرارهما، وقال: (اغد يا أنس إلي امرأة هذا، فإن اعترفت .. فارجمها).

مَرَّةً، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ .. سَقَطَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم هل يشترط في الإقرار به التفسير كالشهادة به أو لا كالقذف؛ فإنه لو قال: زنيت .. كان قاذفًا؟ فيه وجهان: قال في زوائد (الروضة) هنا: الاشتراط أقوي، ويستأنس له بحديث ماعز، وصححه في (أصلها) في (كتاب السرقة)، وساء شهدوا بالزنا في مجلس أو مجالس متفرقة. ولو شهدوا ثم غابوا وماتوا .. فللحاكم أن يحكم بشهادتهم ويقيم الحد. وتقبل الشهادة بالزنا بعد تطاول الزمن. قال: (مرة)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علق الرجم علي مجرد الإقرار في قوله: (فإن اعترفت .. فارجمها). وإنما كرر ذلك علي ماعز؛ لأنه عليه الصلاة والسلام شك في عقله ورشده، ولذلك سأل أهله: أبه جنون؟ أو كرر ذلك لعله يرجع، ووافقنا علي ذلك مالك. واشترط أو حنيفة وأحمد: أن يقر أربع مرات في أربع مجالس. وظاهر عبارة المصنف: أن القاضي لا يستوفيه إذا علمه، وهو الأصح كما بينه المصنف في (القضاء)، لكن السيد يستوفيه بعلمه؛ للنص. وأنه لا يثبت باليمين المردودة فيما إذا قذف شخصًا بالزنا وطلب منه المقذوف حد القذف، فطلب يمينه علي انه ما زني، فرد عليه اليمين فحلف: أنه زان، وهو ما ذكره الرافعي في (الدعاوي)، وقياس ما ذكره المصنف من ثبوت السرقة باليمين المردودة: أن يكون الحكم كذلك هنا. قال: (ولو أقر ثم رجع .. سقط)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع. وكيفية الرجوع الصريح أن يقول: كذبت فيما أقررت به، أو رجعت عنه، وكذا: لم أزن علي الصحيح، أو كنت فأخذت، أو لمست فاعتقدت أن ذلك زنا. وهل يستحب الرجوع؟ فيه وجهان: رجح في (الروضة) هنا: استحبابه، وخالف في (كتاب الشهادات)، ولا فرق بين أن يرجع قبل الشروع في إقامة الحد عليه أو بعده، فإن أقيم عليه بعض الحد .. سقط الباقي، وقد تقدم في (كتاب

وَلَوْ قَالَ: لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ: أَنَّهَا عَذْرَاءُ .. لمَ ْتُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ اللعان) أن المقذوف إذا أقر بالزنا فسقط عن قاذفه الحد ثم رجع .. لا يكون رجوعه مقتضيًا لثبوت الحد علي قاذفه وإن أسقطه عن نفسه، والرجوع عن الإقرار بشرب الخمر كالرجوع عن الإقرار بالزنا. وفي الرجوع عن الإقرار بالسرقة خلاف يأتي في موضعه. ولو قامت البينة بما يوجب حد الله تعالي فأقر به .. هل يعتمد علي البينة أو الإقرار؟ فيه وجهان. فعلي الأول: لو رجع عن الإقرار .. لم يسقط الحد. وعلي الثاني: يسقط سواء تقدم الإقرار أم تأخر. وقال الماوردي: الأصح عندي: أن الإقرار إن تقدم .. كان وجوب الحد به ويسقط بالرجوع عنه، وإن تقدمت البينة .. كان وجوبه بها فلا يسقط بالرجوع. قال: (ولو قال: لا تحدوني أو هرب .. فلا في الأصح)؛ لأنه قد صرح بالإقرار ولم يصرح بالرجوع، لكنه يخلي ولا يتبع، فلو اتبع فرجم .. فلا ضمان؛ لأنه صلي الله عليه وسلم لم يوجب عليهم في إتباع ماعز شيئًا. والثاني/ يسقط/ لإشعاره بالرجوع، وجعل الماوردي قوله: (لا حد علي) رجوعًا وفيه احتمال. قال: (ولو شهد أربعة بزناها وأربع نسوة: أنها عذراء .. لم تحد هي ولا قاذفها) لما فرغ من مسقط الإقرار .. شرع في مسقط البينة، وذلك بأمور: منها: التدافع، والكلام في عدد شهود الزنا ورجوعهم مذكور في (كتاب الشهادات). فإذا شهد أربع علي امرأة بالزنا وشهد أربع نسوة: أنها عذراء .. فلا حد للشبهة؛ لأن الظاهر من حال العذراء: أنها ما أصيبت، والحد يدرأ بالشبهات، ولا يحد قاذفها؛ لقيام الشهادة علي الزنا واحتمال لأن العذرة زالت ثم عادت لترك المبالغة في الافتضاض، ولذلك لا يجب حد القذف علي الشهود. ولو أقامت هي أربعة علي أنه أكرهها علي الزنا وطلبت المهر وشهد أربع نسوة علي

وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ زَاوِيَةً لِزِنَاهُ وَالْبَاقُونَ غَيْرَهَا .. لمَ ْيَثْبُتْ. وَيَسْتَوْفِيهِ الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ حُرِّ وَمُبَعَّضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها عذراء .. فلا حد عليه للشبهة، وعليه المهر؛ لأنه يثبت مع الشبهة، ولا يجب عليها حد القذف بشهادة الشهود. ولو شهد أربعة علي امرأة بالزنا وشهد ربع نسوة: أنها رتقاء .. فليس عليها حد الزنا، ولا عليهم حد القذف؛ لأنهم رموا بالزنا من لا يأتي من الزنا. و (العذراء) بالذال المعجمة: البكر/ الجمع: العذاري والعذراوات، سميت بذلك؛ لتعذر جماعها وصعوبته. وقوله: (وأربع نسوة: أنها عذراء) لا ينحصر في ذلك، فلو شهد به رجلان .. كان الحكم كذلك، وإنما ألحق المصنف (الهاء) في شهود الزنا وحذفها في شهود العذرة؛ للتنبيه علي ذكورة الأولين وأنوثة الآخرين. قال: (ولو عين شاهد زاوية لزناه والباقون غيرها .. لم يثبت) هذا الاختلاف في المكان، وهو مانع من ثبوت الحد بالنسبة إلي الرجل والمرأة؛ لأن نصاب الشهادة لم يتفق علي صفة واحدة، فأشبه ما إذا قال بعضهم: زني بالغداة، وقال بعضهم: بالعشي. وقال أبو حنيفة: لا تسقط الشهادة بذلك؛ لاحتمال أن يطأها في زوايا، وفي زمنين مختلفين. وفي وجوب حد القذف عليهم خلاف سيأتي، لأنه لم يتم عددهم. قال: (ويستوفيه الإمام أو نائبه)؛ لأنه يحتاج إلي نظر واجتهاد، ولم يقم حد في زمن النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الإ بإذنهم، وكذا سائر الحدود. وفي (تتمة التتمة) قول غريب عن رواية القفال: أن لغير الإمام استيفاؤه حسبة كالأمر بالمعروف، وأيضًا فقد قال الله تعالي: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} وهذا الخطاب عام. قال: (من حر ومبعض)، أما الحر .. فلما ذكرناه، وأما المبعض .. فلأنه لا ولاية عليه للسيد، كذا به الشيخان.

وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ الإِمَامِ وَشُهُودُهُ. وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه وجه حكاه الإمام عن الصيدلاني: أنه كالمدبر، قال: وهو خطأ. قال: (ويستحب حضور الإمام وشهوده) أي: شهود الزنا؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضرهما، وقياسًا علي الجلد. ويستحب أن يستوفي بحضرة جماعة أقلهم أربعة؛ لقوله تعالي: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. وقال أحمد: يكفي حضور واحد، وقال عطاء اثنان، وقال الزهري: ثلاثة، وقال الحسن: عشرة، وقال ربيعة: خمسة. والمستحب أن يبدأ الإمام بالرجم إن ثبت بالإقرار، وإن ثبت بالبينة .. فالمستحب أن يبدأ الشهود. قال: (ويحد الرقيق سيده) أي: الجامع لشروط الولاية العالم بقدر الحدود وكيفيتها وإن لم يأذن الإمام؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم .. فليجلدها). وفي (سنن أبي داوود) [4468] و (النسائي) [سك 7201]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أقيموا الحدود علي ما ملكت أيمانكم)، وله أن يفوض ذلك إلي غيره. خرج ابن القاص قولًا في العبد بالمنع إلحاقًا له بالإجبار علي النكاح والمشهور: الأول. وحكي في (التنبيه) وجهًا: أنه إن ثبت بالبينة .. لم يجز للسيد إقامته، وهو غريب. وإنما الخلاف في أنه هل يسمع البينة؟ ولهذا حمله المصنف في (نكته) علي ما إذا ثبت بالبينة عند السيد، قال: فإن ثبت عند الحاكم .. جاز للسيد استيفاؤه قطعًا.

أَوِ الإِمَامُ، فَإِنْ تَنَازَعَا .. فَالأَصَحُّ: الإمَامُ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ عز الدين في (القواعد) وإنما يقيم السيد الحد ويعزر إذا لم يكن بينهما عداوة ظاهرة. ويستحب للسيد أن يبيع الأمة إذا زنت ثالثة، ويجب عليه أن يبين ذلك لمشتريها. قال: (أو الإمام)؛ لعموم ولايته، فأيهما فعل .. وقع الموقع. وقال القاضي حسين في (أسرار الفقه) الأولي اجتماعهما كما في الشريكين. وهل الأولي أن يقيمه السيد لأنه أستر أو يفوضه إلي الإمام خروجًا من الخلاف؟ فيه وجهان: أصحهما عند المصنف: الأول. قال: (فإن تنازعا .. فالأصح: الإمام)؛ لعموم ولايته. والثاني: السيد؛ لغرض استصلاح الملك. والثالث: إن كان جلدًا .. فالسيد، وغن كان قتلًا أو قطعًا .. فالإمام، وهذه احتمالات للإمام. وتعبير المصنف بـ (الأصح) يقتضي: أنها أوجه للأصحاب، وليس كذلك. فإن كان العبد مشتركًا .. أقام عليه الحد ملاكه، وتوزع السياط بحسب الملك، فإن حصل كسر .. فوض إلي أحدهم. ويستثني من إطلاق المصنف: ما لو زنا ذمي ثم نقض العهد ثن استرق؛ فغن الحد في هذه الحالة يقيمه عليه الإمام لا السيد؛ لأنه لم يكن مملوكًا يومئذ، كذا قاله الرافعي، لكنه قال بعده: لو زنا عبد فباعه سيده .. فإقامة الحد عليه للمشتري؛ اعتبارًا بحالة الاستيفاء. وقياسه لو سرق ثم عتق: أن يكون الاستيفاء للإمام لا للسيد. قال: (وأن السيد يغربه) كما يجلده؛ لأنه بعض الحد. والثاني: لا؛ لأنه صلي الله عليه وسلم قال: (فليجلدها) ولم يقل: فليغربها. والجواب: أن ذلك مسكوت عنه، وقد غرب عمر أمة إلي فدك كما تقدم. ومؤنة تغريبه في بيت المال، فإن فقد .. فعلي السيد، وعليه نفقته في زمن

وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَحُرِّ، وَأَنَّ الكَافِرَ والْفَاسِقَ وَالمُكَاتَبَ يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُعَزِّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التغريب، وقيل: في بيت المال. وقال الدرامي: إن نفاه الإمام .. فالنفقة في بيت المال، وإن نفاه السيد .. فعليه. قال: (وأن المكاتب كحر)؛ لخروجه عن قبضة السيد، فلا يقيم الحد عليه الإ الإمام. والثاني: كالقن؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم. هذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة .. فكالقن. قال: (وأن الكافر والفاسق والمكاتب يحدون عبيدهم)؛ لعموم: (أقيموا الحدود علي ما ملكت أيمانكم)، وهذا ينظر إلي استصلاح الملك، وهو الأصح. والثاني: لا؛ نظرًا إلي معني الولاية، وهذا هو المنصوص الراجح في (المهمات). وموضع الخلاف: إذا كان عبد الكافر كافرًا، فإن كان مسلمًا .. فليس له إقامة الحد عليه بحال. قال: (وأن السيد يعزر)، كما أن له التأديب لحق نفسه. والثاني: لا؛ لأنه غير مضبوط فيحتاج إلي نظر واجتهاد فاختص بالإمام. والخلاف في حقوق الله تعالي، أما حقوق نفسه .. فيستوفيها قطعًا، ويلتحق به حق غيره من الآدميين. ولو أقر عبده بموجب حد .. أقامه عليه، فلو كان السيد امرأة .. فهل تقيم هي الحد أو السلطان أو وليها؟ أوجه: أصحها: أولها؛ لأنه استصلاح، وقد روي مالك

[وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْعُقُوبَةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــ والشافعي [1/ 362] والبيهقي [8/ 245]: أن فاطمة جلدت أمة لها زنت، وعائشة قطعت يد جارية لها سرقت، وحفصة قتلت جارية لها سحرتها. وهل تقيمه بنفسها أو تأمر رجلًا؟ فيه وجهان، وهو نظير ما إذا ثبت لها القصاص مع جماعة .. هل تدخل في القرعة أو لا؟ كما تقدم. وفي (كتاب ابن كج) أن السيد ل يحد عبيد مكاتبه وإن قلنا: يحد المكاتب؛ لأنه لا تصرف له فيهم. وهل يقيم الأب والجد وولي الطفل الحد علي رقيق الطفل؟ وجهان. قال الرافعي: يشبه أن يقال: إن قلنا: الحد لاستصلاح الملك .. أقاموا، وإن قلنا: للولاية .. فلا. وللسيد جلد رقيقه في القذف والشرب، وسيأتي في آخر الباب الآتي حكم العبد إذا قذف زوجته المملوكة، وأن الأصح: أن السيد يلاعن بينهما. [قال: (ويسمع البينة بالعقوبة)].

وَالرِّجْمُ بِمَدَرٍ وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ لِرَجُلٍ، وَالأَصَحُّ: اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والرجم بمدر) وهو الطين المستحجر، ففي (صحيح مسلم) [1694] في قصة ماعز: (ورميناه بالعظام والمدر). قال: (وحجارة معتدلة)، فلا يكون بصخر مذقف ولا بحصيات خفيفة يطول بها التعذيب، بل يحيط الناس له ويرمونه من جوانبه، قال الماوردي. والاختيار: أن الحجر ملء الكف، وأن يكون موقف الرامي بحيث لا يبعد عنه فيخطئه ولا يقرب منه فيؤذيه، ويختار أن يتوقي الوجه، فلو قتل بالسيف .. وقع الموقع. قال: (ولا يحفر لرجل) سواء ثبت زناه ببينة أو إقرار، كذا جزم به الشيخان وفيه نظر، ففي (صحيح مسلم) من حديث بريدة: أنه لما أقر ماعز الرابعة .. حفر له حفرة ثم أمر به فرجم. وفي (مسند أحمد) أنه حفر له إلي الصدر، لأن الرجم فيها أسهل، وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم بإحسان القتلة. والجواب: أن في (صحيح مسلم) عن أبي سعيد: (ما حفزنا له)، ولأجل هذا مال المصنف في (شرح مسلم) إلي التخيير مطلقًا، وفيه نظر؛ لأن الواقعة واحدة فتعين الترجيح، وقد تظاهرت الأحاديث علي أنه هرب واتبعوه، وأنه عليه الصلاة والسلام قال: (هلا تركتموه) وهذا يرجح: أنه لم يحفر له. وفي (الأحكام السلطانية) و (التنبيه) أنه إن ثبت زناه بالبينة .. حفر له إلي وسطه، أو بإقراره .. فلا. قال: (والأصح: استحبابه للمرأة إن ثبت ببينة)؛ سترًا لها، ولأن الظاهر من الشهود عدم الرجوع، وإن كان بالإقرار .. فلا؛ لأنه ربما عنَ لها فرجعت فهربت،

وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرِّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ إِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ. وَيُؤَخَّرُ الجَلْدُ لِمَرَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ .. جُلِدَ لَا بِسَوْطٍ، بَلْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِئَةُ غُصْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تتمكن من ذلك إذا كانت في حفرة. والثاني: يحفر لها مطلقًا؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم حفر للغامدية وكانت مقرة. والثالث: أنه راجع إلي خيرة الإمام؛ إن شاء .. حفر، وإن شاء .. ترك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام حفر للغامدية دون الجهنية وهما مقرتان. قال: (ولا يؤخر لمرض وحر وبرد مفرطين)؛ لأن نفسه مستوفاة فلا فرق بينه وبين الصحيح. قال: (وقيل: يؤخر إن ثبت بإقرار)؛ لاحتمال الرجوع، ومنهم من عكس ذلك، ومنهم من قال: يؤخر مطلقًا، لكن تستثني صورتان: إحداهما: الحامل؛ فإنها تؤخر إلي الوضع وانقضاء مدة الفطام كما تقدم في استيفاء القصاص، سواء كان الحمل من زنًا أو محترمًا، والمصنف استغني بذكر المسألة هناك عن ذكرها هنا. والثانية: إذا أقر بالزنا ثم جن .. فإنه لا يحد حال جنونه؛ لأنه قد يرجع، بخلاف ما إذا ثبت زناه بالبينة ثم جن، قاله الرافعي في (باب الردة). قال: (ويؤخر الجلد لمرض) هذا إذا رجي برؤه منه كالحمى والصداع وما يزول عادة؛ لأن المقصود الردع دون القتل. وقيل: لا يؤخر بل يضرب بما يحمله؛ مبادرة لإقامة حدود الله تعالي. قال: (فإن لم يرج برؤه .. جلد لا بسوط، بل بعثكال عليه مئة غصن)؛ لما روي الشافعي [1/ 362] عن سهل بن حنيف: (أن رجلًا مقعدًا زني بامرأة فأمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يجلد بأثكال النخل). وفي (سنن أبي داوود) [4467] عن أب أمامة: أن بعض الأنصار أخبره: أنه اشتكي منهم رجل أضني فعاد جلده علي عظمه، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهش لها فوقع عليها، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يأخذوا له مئة شمراخ فليضربوه بها ضربة واحدة.

وَإِنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ ضَرْبَتَيْنِ، وَتَمَسُّهُ الأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَي بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الأَلَمِ، فَإِنْ بَرِئَ .. أَجْزَأَهُ. وَلَا جَلْدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن كان خمسون .. ضرب ضربتين)؛ ليحمل المئة، وعلي هذا القياس: لا يتعين العثكال بل النعال وأطراف الثياب كذلك. و (العثكال) بكسر العين المهملة وفتحها، حكاهما ابن سيده، وبإسكان الثاء المثلثة، ويقال فيه: عثكول بضم العين وأثكال بإبدالها همزة مضمومة ومكسورة، وهو: الذي يكون فيه الرطب بمنزلة العنقود للعنب. قال: (وتمسه الأغصان أو ينكبس بعضها علي بعض ليناله بعض الألم)، وهذا القدر الذي يسمي ضربًا، والإ .. لبطلت حكمة الحد، فلا يكفي الوضع، وهذا بخلاف الأيمان حيث اكتفي فيها بالضرب الذي لا يؤلم؛ لأن الأيمان مبناها علي العرف، والحدود علي الزجر وهو لا يحصل الإ بالإيلام. وفي (النهاية) وجه: أنه لا يشترط الإيلام، وهو ضعيف، فإن شك في الإصابة .. لم يكف. قال: (فإن برئ) أي: بعدما ضربناه) .. أجزأه)، بخلاف المعضوب إذا حج عنه ثم شفي؛ لأن الحد مبني علي الدرء. فإن برئ قبل ذلك .. حد لا محالة. قال: (ولا جلد في حر وبرد مفرطين) بل يؤخر إلي اعتدال الوقت؛ خشية الإهلاك، وكذلك القطع في السرقة، بخلاف القصاص. فلو كان في بلد لا يزول عنه الحر أو البرد .. قال الماوردي: لا نؤخر حده ولا ننقله إلي بلد معتدل، لكن نقابل إفراط الحر أو البرد بتخفيف الضرب؛ حتي يسلم فيه من الهلاك. فرع: قطع السرقة يؤخر إلي البرء، فإن كان لا يرجي زوال مرضه .. قطع علي الصحيح؛ لئلا يفوت الحد.

وَإِذَا جَلَدَ الإِمَام فِي حَرٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ .. فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّص فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّاخِير مُسْتَحَبْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو وجب حد القذف علي مريض .. قال ابن كج: يقال للمستحق: اصبر إلي البرء أو اقتصر علي العثكال. وفي (التهذيب) يجلد بالسوط سواء رجي برؤه أم لا؛ لأن حقوق الآدميين مبنية علي الضيق. وحد الشرب كحد الزنا. قال: (وإذا جلد الإمام في حر أو برد أو مرض .. فلا ضمان علي النص)؛ لن التلف حصل من واجب عليه، هذا هو المنصوص هنا، ونص فيما إذا ختن أقلف في شدة الحر أو البرد فهلك: أنه يضمن، والأصح/ تقريرهما. والفرق أن الجلد ثبت بالنص والختان بالاجتهاد، وإذا ضمن .. فهل يضمن الكل أو البعض؟ فيه وجهان: أصحهما: ضمان النصف. واقتصاره علي الضمان في الحر والبرد والمرض يشعر بوجوبه إذا كان الزاني نضو الخلق لا يحتمل السياط فحده بها فمات، وهو كذلك؛ لأن حد مثله بالعثكال لا بالسياط، وهو الذي يفهمه كلام الرافعي، لكن حكي في (الكفاية) في (باب حد الخمر) عن القاضي أبي الطيب: أنه نقل عن النص: أنه لا ضمان في هذه الصورة، وهو مشكل. قال: (فيقتضي أن التأخير مستحب) هو كما قال، لكن قال في) الروضة) المذهب: وجوبه، وبالاستحباب جزم في (الوجيز). وإذا فرعنا علي وجوب الضمان .. فالأصح: وجوب التأخير مطلقًا. تتمة: قال الماوردي: يندب أن يعرض علي المرجوم التوبة قبل رجمه، وإن حضر صلاة .. أمر بها، وإن تطوع بصلاة .. مكن من ركعتين، وإن استسقي ماء .. أسقي، وإن استطعم .. لم يطعم؛ لأن الشرب لعطش سابق والأكل لشبع مستقبل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يربط ولا يقيد؛ ليتقي بيديه. ومن قتل حدًا بالرجم وغيره .. يغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين. * * * خاتمة يستحب لمن ارتكب كبيرة توجب حدًا لله تعالي أن يستر علي نفسه ولا يقر به علي المذهب؛ فقد صح الأمر بذلك كما أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر وصححه [4/ 244]. واتفقوا علي أنه لا يجب عليه إظهاره ليحد؛ بخلاف ما إذا قذف أو قتل؛ فإنه يجب عليه الإقرار، وقال البغوي: يستحب. وفي استحباب كتم الشهادة في حدود الله تعالي وجهان: قال الرافعي: أصحهما: لا؛ لئلا تتعطل الحدود. وصحح المصنف: أن الشاهد إذا رأي المصلحة في الشهادة .. شهد، وإن رآها في الستر .. ستر، وجزم الرافعي والمصنف في (الشهادات) بأن الأفضل الستر مطلقًا. * * *

كتاب حد القذف

كتاب حد القذف

كتاب حد القذف ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب حد القذف سميت الحدود حدودًا؛ لأن الله تعالي حدها وقدرها فلا يجوز لأحد أن يتجاوزها: قال تعالي: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ). وقيل: لأنها تمنع من الإقدام على الفواحش، مأخوذ من حد الدار؛ لأنه يمنع من مشاركة غيرها فيها، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام، فمنها ما لا يقترب، كالفواحش المحرمة، ومنها ما لا يتعدى، كالمواريث المعينة وتزويج الأربع. وسمي الحديد حديدًا، لأنه يمنع به، والبواب حدادًا؛ لمنعه الطارق. وكانت الحدود في صدر الإسلام بالغرامات، ثم نسخت بهذه العقوبات. و (القذف) بالذال المعجمة: الرمي بالزنا تعبيرًا. وهو من الكبائر الموبقات، سواء في ذلك الرجل والمرأة، ولم يذكره الله تعالى في كتابة إلا بلفظ الرمي. والأصل فيه: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآيات. وسيأتي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها جلد قاذفها. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قذف المحصنة يحبط عمل مئة سنة). ثم إن القذف بعظم أمره أوجب الحد، بخلاف ما لو نسب إنسانا إلي الكفر؛ فإنه لا يحد بسبب أنه قادر على أن ينفي ذلك عنه بقوله: لا إله إلا الله، بخلاف الزاني؛

شرط حد القاذف: التكليف إلا السكران، والاختيار، ويعزر المميز، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه لا يقدر على نفي الزنا عنه بالقول، فلذلك ترتب الحد على قوئله. قال: (شرط حد القاذف: التكليف)، فلا حد علي صبي ومجنون؛ لعدم حصول الأذى بقذفها، ولارتفاع القلم عنهما. قال: (إلا السكران)، فإنه يحد وإن كان غير مكلف في حال سكره؛ لأن عمر لما جمع الصحابة وسألهم عن حده .. فقال علي: (أراه إذا سكر .. هذى، وإذا هذى افتري، وحد المفتري ثمانون) رواه مالك [2/ 842] وغيره. وفي استثناء المصنف له ما تقدم في الطلاق وغيره. قال: (والاختيار)، فلا يحد مكره عليه؛ لرفع القلم، ولأنه لم يقصد الأذى بذلك، لكن في (فتاوى القاضي حسين) عن الأستاذ أبي طاهر الزيادي: أن عليه الحد كالقصاص، واختاره العبادي، وحكاه ابن هريرة عن الأكثرين. وأما المكره – بكسر الراء – فقيل: يحد كالمكره على القتل، والأصح: لا حد عليه أيضًا. والفرق بينه وبين القتل: أنه يمكن جعل يد المكره كالآلة بأن يأخذ يده فيقتل بها، ولا يمكن أن يأخذ لسان غيره فيقذف به. وكان ينبغي أن يزيد: الالتزام؛ ليخرج الحربي، فإنه لا يقام عليه الحد لعدم الالتزام، قاله ابن الرفعة. وأن يزيد: عدم الإباحة؛ ليخرج ما لو قال: اقطع يدي فقطعها .. لا يجب ضمانها، وعند القاضي والإمام والغزالي: أنه يجب ولا يباح بالإذن بلا خلاف. وأن يزيد: غير أصل؛ ليخرج قذف الولد كما سنذكره. قال: (ويعزر المميز) صبيًا كان أو مجنونًا؛ زجرًا له وتأديبًا إذا كان يتأذى بقذفه.

وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق في القاذف بين أن يكون مسلمًا أو مرتدًا أو ذميًا أو معاهدًا، فإذا لم يتفق تعزير الصبي حتي بلغ .. سقط؛ لأنه كان للزجر والتأديب وقد حدث سبب أقوى منه، وهو التكليف، كذا حكاه الرافعي في (اللعان)، وقياسه: أن يكون المجنون إذا أفاق كذلك. قال: (ولا يحد بقذف ولده وإن سفل) كما لا يقتل به، وسواء كان أبًا أو أمًا أو جدًا أو جدة وإن علو. وقال ابن المنذر وأبو ثور: يحد؛ لعموم القرآن، لكن تكره إقامته عليه. واقتصار المصنف على نفي الحد يقتضي: أنه يعزر – وهو المنصوص – للأذي. وفي) الكفاية) أنه سمع بعض مشايخه يحكي وجهًا: أنه لا يعزر، قال: ويؤيده انه لا يحبس لوفاء دينه علي الأصح، والحبس تعزير. وحكى الرافعي في وطء الأب جارية الابن وجهًا: أن التعزير ل يجب، قال: وحيث ثبت .. فهو لحق الله تعالى لا لحق الابن، وقد سبق في (القصاص) خلاف في أنه هل وجب ثم سقط أو لم يجب أصلًا؟ والظاهر مجيئه هنا. وكما لا يحد بقذف الولد لا يحد بقذف من يرثه الولد، كما لو قذف امرأة لولده منا ولد ثم ماتت؛ لأنه لما لك يثبت له ابتداء .. لم يثبت له انتهاء كالقصاص. فإن قيل: كان ينبغي للمصنف أن يقول: ولا يحد بقذف ولد ولا له، كما قال قي القصاص .. فالجواب: أنه فبر بذلك .. لورد عليه ما لو كان لها ولد آخر من غيره، فإنه لع الاستيفاء؛ لأن بعض الورثة يستوفيه جميعه، بخلاف القصاص. وتقدم: أن (سفل) بفتح الفاء وضمها، والفتح أشهر. فرع: قال في (الحاوي) في (باب اللعان) (لو قال لابنه: أنت ولد زنا .. كان قاذفًا لأمه) اهـ

فَالْحُرُّ ثَمَانُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه مسألة حسنة ذكرها ابن الصلاح في (فتاويه) بحثًا من قبل نفسه، وكأنه لم يطلع فيها علي مقل، وزاد: أنه يعزز للمشتوم. فائدة: لو قذف شخصًا في خلوة بحيث لا يسمعه الإ الله تعالي والحفظة .. قال الشيخ عز الدين: إنه ليس بكبيرة موجبة للحد؛ لخلوه عن مفسدة الإيذاء، ولا يعاقب في الآخرة الإ عقاب من كذب كذبًا لا ضرر فيه، وهذا قريب من قول الحناطي: إن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب .. يكفي فيها الندم والاستغفار. واختار المصنف الغزالي: أن الغيبة بالقلب يكتبها الملكان الحافظان كما لو تلفظ به، ويدركان ذلك بالشم. قال: (فالحر ثمانون)؛ لقوله تعالي: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً). والدليل علي أن المراد بالآية الحر: قوله تعالي: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}. وفي (سنن أي داوود) [4469] عن عائشة قالت: (لما أنزل الله تعالي عذري أمر النبي صلي الله عليه وسلم بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم، وهم: حسان بن ثابت ومسط بن أثاثة وحمنة بنت جحش). قال الطحاوي: ثمانين ثمانين. وأنشد حسان أبياتًا يثني فيها علي أم المؤمنين ويظهر براءته مما نسب إليه [من الطويل]: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثي من لحوم الغوافل

وَالْرَّقِيقَ أَرْبَعُونَ. وَالْمَقْذُوفْ: الإِحْصَانْ، وَسَبَقَ فِي اللَّعَان ـــــــــــــــــــــــــــــ حليلة خير الناس دينًا ومنصبًا .... نبي الهدي والمكرمات الفواضل عقيلة حي من لؤي بن غالب .... كرام المساعي مجدها غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها .... وطهرها من كل سوء وباطل فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم .... فلا رفعت سوطي إلي أناملي وسيأتي في (باب التعزير) الكلام علي أهل بدر إذا فعل أحد منهم ما يقتضيه إقامة حد .. أنه يقام عليه، كما أقيم علي مسطح وهو منهم. ولما كان الرمي بالزنا أقل من الزنا .. كان حده أقل منه. قال: (والرقيق أربعون) بالإجماع، سواء فيه المبعض والمكاتب وأم الولد والمدبر وغيرهم، وقد تقدم في (الزنا) في المبعض خلاف، قال ابن الرفعة: لا يبعد مجيئه هنا. قال: (والمقذوف: الإحصان)؛ لأن إيجاب الثمانين في الآية مقيد بذلك. قال: (وسبق في اللعان) أي: بيان ما يحصل به وبيان شرط المقذوف، وسبق في الباب قبله ذكر معاني الإحصان.

وَلَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةِ بِزِنَا .. حَدَوْا فِي الأَظْهَرْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأصحاب: حد القذف وإن كان حق آدمي ففيه مشابهة لحقوق الله تعالي في مسائل: إحداها: لو قال: اقذفني فقذفه .. ففي وجوب الحد وجهان: أصحهما: لا يجب. الثانية: لو استوفي المقذوف حد القذف .. لم يقع الموقع علي الصحيح، كحد الزنا إذا استوفاه أحد الرعية. الثالثة: يتشطر بالرق كما سبق. والمغلب عليه حق الآدمي في مسائل: منها: أنه لا يستوفي الإ بطلبه بالاتفاق، ويسقط بعفوه، واستدل له في) المهذب) بقول النبي صلي الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؛ كان يقول: تصدقت بعرضي) والتصدق بالعرض لا يكون الإ بالعفو هما يجب له، والحديث تقدم في خاتمة (كتاب السلم). فرع: من التعريض بالقذف أن يقول: ما أنا ابن إسكاف ولا خباز، وقوله: فلان قواد، كناية في قذف زوجته، ولو رمي بحجر فقال: امرأة من رماني زانية، إن كان يعرف الذي رماه .. فهو قاذف، والإ .. لم يكن قاذفًا؛ لعدم التعيين. قال: (ولو شهد دون أربعة بزنا .. حدوا في الأظهر)، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة؛ لما روي البخاري عن عمر: أنه حد الثلاثة الذين شهدوا علي المغيرة بن شعبة. والقصة في ذلك: (انه كان أميرًا علي البصرة من جهة عمر وكان يتزوج كثيرًا – قيل: تزوج ألف امرأة – فخلي بامرأة في دار كان فيها معه أبو بكرة نفيع بن الحارث وأخوه نافع وشبل بن معبد وزياد بن أبيه، فهبت ريح ففتح الباب علي المغيرة فرأوه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على بطن امرأة، فلما أصبحوا .. تقدم المغيرة ليصلي، فقال له أبو بكرة: تنح عن مصلانًا، وانتشرت القصة فبلغت عمر، فكتب: أن يحملوا إليه، فلما قدموا .. بدأ أبو بكرة فشهد عليه بالزنا ووصفه، فقال علي للمغيرة: ذهب ربعك، ثم شهد نافع، فقال له علي: ذهب نصفك، ثم شهد شبل، فقال له علي: ذهب ثلاثة أرباعك، ثم أقبل زياد ليشهد، فقال له عمر: قل ما عندك وأرجو أن لا يفضح الله أحدًا علي يدك من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: رأيت أرجلًا مختلفة وأنفاسًا عالية ورأيته علي بطنها أن رجليها علي كتفيه كأنهما أذنا حمار ولا أعلم ما وراء ذلك، فقال عمر: الله أكبر، قم يا يرفأ فاجلد هؤلاء الذين شهدوا، فجلد الثلاثة حد القذف، ثم قال عمر لأبي بكرة: تب .. أقبل شهادتك، فقال: والله لا أتوب، والله زني، والله زني)، ولم يخالف في هذه القصة أحد فصار إجماعًا. ووقع في (الكفاية) شهد عليه أبو بكرة ونفيع بن الحارث ونافع وشبل بن معبد، وهو وهم؛ فإن أبا بكرة هو نفيع بن الحارث. ولأنه لو لم يجب الحد .. لاتخذت الشهادة ذريعة إلي القذف فتستباح الأعراض. والقول الثاني: لا يحدون؛ لأنهم جاؤوا شاهدين لا معاندين، ولأن نقصان العدد شئ لا يمكن الشاهد الاحتراز عنه فلا يحدون، كما لو رجع أحدهم عن الشهادة؛ فغنه لا حد علي الباقين علي النص. ودعوي الإجماع غير مسلمة؛ فإن أبا بكرة مخالف فيها، والمصنف أطلق الخلاف، ومحله: فيمن شهد في مجلس القاضي، أما من شهد في غيره فقاذف بل خلاف وإن كان بلفظ الشهادة كما صرح به في (الوجيز) وغيره، وهذا يؤيد ما تقدم في (الردة) أن الحاكي لكلمة الكفر لا يكون كافرًا محله .. إذا حكي في مجلس الحكم. فإن قيل: الصحابة عدول، فما وجه هذه القصة؟ .. فالجواب: أن المغيرة كان يري جواز نكاح السر، وكان الجماعة لا يرون ذلك، ولذلك روي: أنه كان يتبسم عند شهادتهم، فقيل له في ذلك فقال: (إني أعجب مما أريد أن أفعل بعد

وَكَذَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَكَفَرَةٍ عَلَي الَمَذْهَبِ. وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إقراره .. فلا، ولو تقاذفنا .. فليس تقاصًا، ولو استقل المقذوف بالاستيفاء .. لم يقع الموقع ـــــــــــــــــــــــــــــ شهادتهم)، قيل: وما تفعل؟ قال: (أقيم البينة علي أنها زوجتي). ثم إن عمر عزل زيادًا عن عمله الذي كان ولاه، فقال: (يا أمير المؤمنين؛ عزلتني لتهمة؟ قال: (لا، ولكن كرهت أن أحمل علي الناس فضل عقلك). فلو كان احد الشهود الأربعة الزوج .. فهو قاذف؛ لأن شهادته عليها بالزنا غير مقبول، وفي الثلاثة: القولان. ولو شهد أكثر من أربعة فرجع بعضهم، فإن بقي أربعة .. فلا حد علي من رجع. قال: (وكذا أربع نسوة وعبيد وكفرة علي المذهب)؛ لأنهم ليسوا من أهل الشهادة فلم يقصدوا الإ القذف والعار، وقيل: فيهم قولان. وصور الإمام المسألة بما إذا كانوا في ظاهر الحال بصفة الشهود ثم بانوا كفارًا أو عبيدًا، ومراده: أن القاضي إذا علم حالهم .. لا يصغي إليهم، فيكون قولهم قذفًا محضًا لا في معرض شهادة. قال: (ولو شهد واحد علي إقراره .. فلا)؛ لأنه لا يسمي قاذفًا، وقيل: فيه القولان. والمذهب القطع بالمنع؛ لأنه لا حد علي من قال لغيره: أقرت بأنك زنيت، وإن ذكره في معرض القذف والتعيير. قال: (ولو تقاذفا .. فليس تقاصاَ)، فلا يسقط حد هذا بحد هذا، ولكل منهما أن يحد الآخر؛ لأن التقاص إنما يكون عند اتفاق الجنس والصفة، والحدان لا يتفقان في ذلك؛ إذ لا يعلم التساوي لاختلاف القاذف والمقذوف في الضعف والقوة والخلقة. قال: (ولو استقل المقذوف بالاستيفاء .. لم يقع الموقع)، كحد الزنا إذا أقامه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد من الرعايا، وهذا لأن مواقع الجلدات والإيلام بها يختلف ولا يؤمن من الحيف فيها، بخلاف ما لو قتل الزاني المحصن واحدًا من الرعايا .. يقع قتله حدًا. وفي حد القذف وجه: أنه يقر الموقع، كما لو استقل من له القصاص بالاستيفاء، وعلي الأصح: لا فرق بين أن يستوفيه بإذن القاذف أو بغير إذنه. ويستثني من إطلاق المصنف صورتان: إحداهما: إذا قذف العبد سيده .. فله إقامة الحد عليه كما جزم به الرافعي في آخر (باب حد الزنا) نقلًا عن البغوي، وهو مشكل. الثانية: إذا بعد عن السلطان في بادية وقدر علي الاستيفاء بنفسه من غير تجاوز .. جاز، قاله المارودي في (باب صول الفحل). تتمة: إذا سمع السلطان رجلًا يقول: زني رجل .. لم يقم عليه الحد؛ لأن المستحق مجهول، ولا يطالبه بتعيينه؛ لقوله تعالي: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، ولأن الحد يدرأ بالشبهة، ولهذا قال صلي الله عليه وسلم: (الأ سترته بثوبك يا هزال). وإن سمعه يقول: زني فلان .. فهل يلزم السلطان أن يسأل المقذوف؟ فيه وجهان: أصحهما: نعم؛ لأنه قد ثبت له حق لم يعلم به فلزم الإمام إعلامه، كما لو ثبت له عنده ما لم يعلم به. والثاني: لا يلزم الإمام إعلامه؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (ادرؤوا الحدود بالشبهات). * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمه إذا سب إنسان أنسانًا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه؛ لقوله تعالي: {وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٌ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} , ولا يجوز له أن يسب أباه ولا أمه. روي: أن زينب لما سبت عائشة .. قال لها النبي صل الله عليه وسلم: (سبيها) - كذا رواه أبو داوود [4862] , وفي (سنن ابن ماجه) [1981]: (دونك فانتصري) فأقبلت عليها حتي يبس ريقها في فيها, فتهلل وجه النبي صل الله عليه وسلم. وإنما يجوز السب بما ليس كذبًا ولا قذفًا, كقوله: ياظالم ياأحمق؛ لأن أحدًا لا يكاد ينفك عن ذلك , وإذا انتصر بسبه .. فقد استوفي ظلامته وبرئ الأول من حقه, وبقي عليه إثم الابتداء والإثم لحق الله. وقيل: يرتفع جميع الإثم بانتصاره والله تعالي أعلم.

كتاب قطع السرقة

كتاب قطع السرقة

كتاب قطع السرقة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب قطع السرقة لو عبر بكتاب السرقة .. كان أولى, وهي- بفتح السين وكسر الراء-: أخذ مال الغير خفيه من حرز مثله, مأخوذة من المسارقة , ويجوز إسكان رائها مع فتح السين وكسرها. والأصل فى الباب قبل الاجماع: قوله تعالى: {والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} واختلفو: هل هي عموم خص, أو مجمل بين على وجهين. قرأ عيسى بن عمر: (والسارق والسارقه) بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر, وفضلها سيبويه على قراءة العامه من أجل الأمر, فإن (زيدا اضربه) أحسن من (زيد اضربه) , قال أبو عبيد: كان الغالب على عيسى بن عمر حب النصب , وكذلك قرأ: {براءة من الله ورسوله} و {الشعراء يتبعهم الغاوون} و {سورة أنزلناها} و {لواحة للبشر} وقرأ: {ق والقران المجيد} وقرأ: : {حَمَّالَةَ الحَطَبِ} وقرأ {فالق الإصباح} وقرأ: {قل إن صلاتيَ ونسكى ومحياي ومماتي} بفتح الياء فيهن. وقطع النبى صلى الله عليه وسلم الخيار بن عدي بن نوفل والمرأة المخزومية. واسمها مرة, وقيل: فاطمة بنت الأسود, وفي (النسائي) [71/ 8]: أنه أمر بلالا فقطع يدها, وقال صلى الله عليه وسلم في امرأة شريفة: (لو سرقت .. لقطعت يدها) وأول من حكم بقطع السارق فى الجاهلية الوليد بن المغيرة.

يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي المَسْرُوقِ أُمُورٌ: كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (يشترط لوجوبه فى المسروق أمور: كونه ربع دينار) أركان السرقه ثلاثة: المسروق, والسرقة, والسارق. فالمسروق شرطه: أن يبلغ ربع دينار, فلا يقطع فيما دونه؛ لما روى مسلم [1684/ 2] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعدا) والمراد: ربع مضروب , سواء كان صحيحا أو قراضة. وقطع ابن بنت الشافعي بالقطع فى كل مسروق, ولم يعتبر النصاب, وبه قال الحسن وداوود؛ لعموم الاية, ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) متفق عليه [خ 6783 – م 1687]. وأجيب بأن المراد: بيضة الحديد , وقيل: أراد به يتدرج من القليل إلى الكثير ولما نظم أبو العلاء المعي أحمد بن عبد الله بن سليمان بيته الذى شكك به على الشريعة وهو قوله [من البسيط]: يد بخمس مئين عجد وديت .... مابلها قطعت في ربع دينار أجابه القاضي عبد الوهاب بقوله [من البسيط]: صيانة النفس أغلاها وأرخصها ... خيانة المال فافهم حكمة الباري يعنى: لما كانت أمينة. كانت ثمينة , فلما خانت .. هانت. والنصاب عند أبي حنيفة عشرة دراهم أو ما يساوى ذلك, وعند مالك ثلاثة

خَالِصًا أَوْ قِيمَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ دراهم؛ لما روى الشيخان [خ6795 - م1686] أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته وفي لفظ: ثمنه ثلاثة دراهم). وفي (الموطأ [2/ 832] أن سارقًا سرق أترجة قيمتها ثلاثة دراهم، فقطع عثمان يده. قال مالك: هي الأترجة التي يأكلها الناس. وعن أحمد روايتان كالمذهبيين. وقال سليمان بن يسار: لا تقطع الخمس إلا في خمس، أراد: خمسة دنانير، وبه قال ابن ابي ليلى، فلو شهد شاهدان: أن المسروق نصاب، وآخران: أنه دونه .. لا قطع. قال: (خالصًا)، فلو سرق تبرًا أو مغشوشًا، فلو بلغ خالصة ربعًا .. قطع، والا .. فلا. و (الدينار) هو المثقال بوزن مكة، ولا يشترط أن يكون لواحد، بل يقطع بسرقته وان كان لجماعة. وقوله: (خالصًا) حال من دينار، ومجيء الحال من المضاف اليه قليل، لكن سوغ ذلك هنا كونه بعضًا مما له أضيف. قال: (أو قيمته)؛ لما ثبت في (الصحيح) أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (تقطع اليد في ربع دينار وفيما قيمته ربع دينار) والمراد: قيمته في ذلك الزمان والمكان، وذلك يختلف باختلافهما. والمعتبر: قيمة يوم الاخراج من الحرز، ويصدق السارق في قيمته الا أن تقوم بينة، وانما يقوم بغالب نقد البلد، فان سرق ما يساوى نصابا فتقصت قيمته بعد ذلك .. لم يسقط القطع؛ لأنه كان نصابًا حال السرقة. ونبه بقوله: (أو قيمته) على أن الاصل في التقويم الذهب الخالص، حتى لو سرق دراهم أو غيرها .. قومت به، فان بلغت قيمته ربع دينار مضروبًا .. قطع، والا .. فلا، وخالف الدرامي والفوراني وصاحب (الذخائر) فجعلوا الدراهم

وَلَوْ سَرَقَ رُبُعًا سَبِيكَةً لَا يُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا .. فَلَا قَطْعَ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تُسَاوِي رُبُعًا .. قُطِعَ، وَكَذَا ثَوْبٌ رَثٌّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ رُبُعٍ جَهِلَهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والدنانير أصلين في التقويم؛ لظاهر الحديث. وشملت عبارة المصنف: المصحف ولحم الأضحية، وقال أبو حنيفة: لا قطع في سرقة المصحف. وقال ابن حبيب– من أصحاب مالك-: لا قطع في سرقة لحم الاضحية. قال: (ولو سرق ربعًا سبيكة) وكذا حليًا (لا يساوي ربعًا مضروبًا .. فلا قطع في الاصح)؛ لأن في الحديث لفظ (الدينار) وهو اسم للمضروب. والثاني: يقطع؛ لبلوغ العين قدر النصاب، ونسبة ابن الصباغ والبغوي الى الاكثرين، وهو المذهب في (الحاوي) و (البيان) وعكسه: خاتم زنته دون ربع وقيمته ربع بالصفة .. قال في (اصل الروضة) لا قطع فيه على الاصح، وليس في (الشرحين) فيه تصحيح، بل مقتضى كلام الرافعي: ترجيح القطع. ولو سرق فلوسًا ظنها دنانير .. قطع ان بلغت نصابًا. قال: (ولو سرق دنانير ظنها فلوسا لا تساوي ربعًا. قطع)، لأنه قصد سرقة عينها، ولا يشترط علم السارق ببلوغ المسروق نصابًا). قال: (وكذا ثوب رث في جيبة تمام ربع جهله في الاصح)؛ لأنه أخرج نصابًا من حرزه على قصد السرقة والجهل يجني المسروق لا يؤثر كالجهل بصفته. والثاني: لا يجب؛ لأنه لم يقصد سرقة نصاب، ويخالف ما ظنه فلوسًا؛ فانه قصد سرقة عينها. قال: (ولو اخرج نصابًا من حرز مرتين) المراد: أنه أخرج النصاب في دفعتين أو دفعات، لا أنه أخرج النصاب ثم أعادة ثم أخرجه.

فَإِنْ َتَخلَل عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ .. فَالإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى، وَاِلَّا. قُطِعَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَبَ وِعَاءَ حَنْطَةٍ وَنَحْوِهَا فَانْصَبَّ نِصَابٌ .. قُطِعَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن تخلل علم الملك واعادة الحرز) أي: ببناء البيت أو إغلاق الباب. قال: (فالإخراج الثاني سرقة أخرى)، فان كان في كل دفعة دون نصاب لم يقطع. قال: (والا) أي: وان لم يتخلل على الملك واعادة الحرز) .. قطع في الاصح)؛ لأنه أخرج نصابًا كاملًا من حرز مثله فأشبه ما اذا طر الجيب وأخذ نصابًا والثاني: لا يقطع؛ لأنه أخذ النصاب من حرز مهتوك. والثالث: اعاد وسرق بعد ما اشتهر هتك الحرز وعلم الناس .. فلا قطع. والرابع: ان كان في ليلته .. قطع، أو بعدها .. فلا. والخامس: ان لم يطل الفصل .. قطع، والا .. فلا. والسادس: ان كان يخرج شيئًا فشيئًا فيضعه خارج الحرز حتى تم نصاب ولو يفارق الحرز. قطع، وان ذهب بالمسروق الى بيتة ثم عاد .. فلا قطع. قال: (ولو نقب وعاء حنطة ونحوها فانصب نصاب .. قطع في الاصح)؛ لا نه هتك الحرز وفوت المال ويعد بذلك سارقًا، ومثله: لو طر جيبة فوقع من المال؛ فقد روى البيهقي [8/ 269] عن فقهاء المدينة: أنهم كانوا يقولون على الطرار القطع. وليفز بذلك فيقال: شخص قطع بسرقة ولو يدخل حرزًا ولو يأخذ مالًا؟ والوجه الثاني لا قطع، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه خرج بسبب لا مباشر، وسواء نصب دفعة واحدة او شيئا فشيئا على الاصح. و (الوعاء) ظرف الشيء، والجمع: أوعية، وعبر في (المحرر) بالكندوج، وهم بضم الكاف، وهى لفظة عجمية، والمراد بها: الوعاء، وعبر بها في (المهذب) فى (باب بيع النحل) وأراد بها: الخلية.

وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي إِخْرَاجِ نِصَابَيْنِ قُطِعَا , وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أِوْ كَلِبًا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ بِلَا دَبْغٍ .. فَلَا قَطْعَ , فَإِنْ بَلَغَ إِنَاءُ الخَمْرِ نِصَابًا .. قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو اشتركا في إخراج نِصابين)؛ بأن نقبا وحملا المال دُفعة واحدة (قطعا)؛ لأن كلًا منهما سرق نِصابًا, وسواء كان ما أخرجاه ثقيلًا كالحديد أو خفيفًا كالثوب, خلافًا لمالك في أحد قوله. قال القمولي: هذا إذا كان كل واحد منهما يطيق حمل ما يساوى نِصابًا , فلو كان أحدهما لا يطيق حمله والآخر يطيق فحملا ما فوقه .. فلا قطع على الأول, وهو ظاهر, ولا يقال: إنهما لم يشتركان في هذه الحالة, لأن الإشراك حاصل بأدنى جزء. فلو كان أحدهما صبيًا أو مجنونًا .. قطع المكلف. قال: (وإلا .. فلا)؛ لأن كلًا منهما لم يسرق إلا بعض نصا, وليس كالشركة في القتل حيث يجب القصاص عليهما, لأن مقصود القصاص وقاية الروح, وعن مالك وأحمد: يقطعان. قال: (ولو سرق خمرًا أو خنزيرًا أو كلبًا أو جلد ميتة بلا دبغ .. فلا قطع)؛ لأنها لا تعد مالًا, سواء سرقها مسلم أو ذمي وسرقت من مسلم أو ذمي. وقال عطاء: إذا سرقها من ذمي قطع؛ لأنهم يعدونها مالًا. وكان الأولى أن يقول ك ولو أخرج خمرًا .. الخ؛ لأنه بذلك لا يعد سارقا. واحترز بغير المدبوغ عن المدبوغ؛ فإنه يقطع به, إذ يصح بيعه على الجديد, أما على القديم .. فلا. ولو دخل الحرز وقطع أليه شاه وأخرجها .. لم يقطع؛ لأنها ميتة. قال: (فأن بلغ إناء الخمر .. نِصابًا قطع على الصحيح)؛ لأنه سرق نصابًا لا شبهة له فيه, كما إذا سرق إناء فيه بول .. فإنه يقطع بالإنفاق كما قال الماوردى

وَلَا قَطْعَ فِي طُنبُورٍ وَنَحْوِهِ, وَقِيلَ: إِنْ بَلَغَ مُكسَّرُهُ نِصابًا .. قُطِعَ. قُلْتُ: الثَّانِي أ! صَحُّ, وَاللهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: كَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره وما وقع في (البيان) من حكاية وجهين فيه .. معترض. والوجه الثاني: لا قطع؛ لأن الذي فيه مُستحق الإزالة. والمصنف أطلق الخلاف, ومحله؛ إذا أخرجه بقصد السرقة, فإن قصد بإخراجه إراقته .. لم يقطع قطعًا كما فى آلات الملاهي, وبه صرح بعض الأصحاب, وخصه ابن داود بما إذا كانت لمسلم فإن كانت لذمي .. قطع قطعًا. وتعبيره ب (الصحيح) مخالف لتعبير (الروضة) بالأصح. قال: (ولا قطع في طنبور ونحوه) كالمزمار, وكذا كل ما سلط الشرع على كسره؛ لأن التوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه فصار شبهة. قال الإمام: ولأن المحرز فيه غير متحقق, لجواز الهجوم لأجله, وهذا منصوص (المختصر). قال: (وقيل: إن بلغ مُكسّره نِصابًا .. قطع)؛ لأنه سرق نصابًا من حرز مثله, وهذا منصوص (الأم) , وصححه الأكثرون لا جرم. قال المصنف: (قلت: الثاني أصح والله أعلم)؛ لأنه مال يقوم على متلفه فأشبه ما لو سرقه مفصلًا. وموضع الخلاف: إذا كان ذلك لمسلم , فإن كان لذمي .. قطع قطعًا, ومحله: ما لم يكن عليها ذهب أو فضة, فإن كان وهو يبلغ نصابًا .. فأرجح الوجهين: وجوب القطع, فإن سرق آنية ذهب أو فضة .. ففي (المهذب) و (التهذيب) يقطع. قال الرافعي: والوجه ما قاله في (البيان) إنه مبنى على جواز اتخاذهما , فإن جاوزناه .. قطع, وإلا .. فلا. قال: (الثاني: كونه ملكًا لغيره) , سوا كان لله كرتاج للكعبة أو لآدمي, وسواء كان الآدمي معينًا أو غير معين, كما لو سرق الذمي من بيت المال. ولا قطع على من سرق مال نفسه من يد غيره؛ كيد المرتهن والمستأجر والمستعير

فَلَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الحِرْزِ, أَوْ نَقَصَ فِيهِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ .. فَلَا قَطْعَ, وَكَذَا لَوِ ادَّعَى مِلْكَهُ عَلَى النَّصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمودع وعامل القراض والوكيل والشريك والغاصب, سواء كان الملك قويًا أو ضعيفًا, كما إذا سرق المشترى المبيع من البائع بعد انقضاء الخيار, أو قبله وقلنا: إنه ملكه وأو الموقوف عليه العين الموقوفة وقلنا: إنا ملكه, فأما على قولنا: الملك في زمن الخيار للبائع والموقوف ليس ملك الموقوف عليه .. فلا قطع أيضًا لشبهة الملك. قال: (فلو ملكه بإرث أو غيره قبل إخراجه من الحرز, أو نقص فيه عن نصاب بأكل وغيره .. فلا قطع) , أما الأولى .. فلأنه لم يخرج إلا ملكه .. وأما الثانية .. فلأنه لم يخرج نصابًا. واحترز عما إذا نقص بعد الإخراج, فإنه يقطع قطعًا. قال: (وكذا لو ادعى ملكه على النص) والمراد: ادعى ملكًا سابقًا على السرقة, وكذلك لو ادعى ملكًا بعضه, لأن ما يدعيه محتمل فصار شبهة في القطع, وهذا سماه الشافعي: السارق الظريف. روى أصحاب الغريب عن عمر أنه قال: (إذا كان اللص ظريفًا .. لم يقطع) أي: إذا كان بليغًا جيد الكلام يحتج عن نفسه بما يسقط الحد. والظرف في اللسان: البلاغة, وفي الوجه: الحسن, وفي القلب: الذكاء. ويشهد للنص من السنة: ما رواه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مر عيسى بن مريم برجل يسرق فنهاه, فقال: إنما آخذ مالي؛ فقال: صدق الله وكذبت عيني). والفرق بينه وبين ما إذا قامت عليه بينه: أنه زنى بامرأة معينة فقال: كانت زوجتي حين وطئتها أو كانت أمة, فقال: بأعينها مالكها فإن الحد لا يسقط بهذه الدعوى؛ أنه أذن له في قطعها, بل يقتص منه بلا خلاف. ويقابل النص قول مخرج– أو وجه ضعيف لأبى إسحاق-: إن ذلك لا يسقط

وَلَوْ سَرَقَا وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَهُ أَوْ لَهُمَا وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. لَمْ يُقْطَعِ المُدّعِى وَقُطِعَ الآخَرُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ القطع؛ لئلا يتخذه الناس وسيلة إلى إسقاط القطع, وتأول قائله النص على ما إذا أقام المدعى بينة على ما أدعاه .. قال الرويانى في (الحلية) وله وجه في زمان الفساد. ومحل هذا الوجه أو القول المخرج: ما إذا حلف مدعى السرقة؛ أن العين له ولم يأذن في أخذهما, أما إذا لم يحلف وحلف المدعى عليه .. فلا قطع وجهًا واحدًا. وقال أحمد: لا يقطع مدعى الملك, وعنه: يقطع, وعنه: إذا كان معروفًا بالسرقة .. قطع, وإلا .. فلا, وهو حسن. كل هذا بالنسبة إلى القطع, أما المال .. فلا يقبل قوله فيه, بل يصدق المأخوذ منه. ولو أقر المسروق منه: أن المال كان ملك السارق .. فلا قطع بلا خلاف؛ لاحتمال صدقه فكان شبهة, وكذا لو أقر: انه كان أذن له في أخذهما, سواء صدقه السارق أم لا, وإن وهبها منه بعد الرفع إلى السلطان .. قطع, لأن الذي سرق رداء صفوان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه, فقال صفوان: أنا أبيعه وأنسئه ثمنه قال: فعلا كان قبل إن تأتيني به). ثم إذا قلنا: يسقط القطع بدعوى الملك .. هل سيفصله القاضي سعيًا في سقوط الحد؟ فيه تردد للإمام, رجح المصنف: انه لا يستفصله؛ لأنه إغراء بإدعاء الباطل. ولو قامت بينة على العبد بسرقة فادعى: إن المال المسروق لسيده .. سقط القطع عنه إن صدقه السيد أو سكت, وإن كذبه .. فوجهان. قال: (ولو سرقا وادعاه أحدهما له أو لهما وكذبه الآخر .. لم يقطع المدعى)؛ لاحتمال صدقه (وقطع الآخر في الأصح)؛ لأنه مقر بأنه سرق نصابًا لا شبهة له فيه, وهذا مفرع على النص.

وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا .. فَلَا قَطْعَ فِي الأَظْهَرِ وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ. الثَّالِثُ: عَدَمُ شُيْهَةٍ فِيهِ؛ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالٍ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَسَيِّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا, لأنه ادعى ما لو صدقه فيه لسقط القطع. وهما كالوجهين فيما لو شهد اثنان على إنسان بقتل يوجب القصاص فأقتص منه ثم رجعا وقال أحدهما: أخطأنا, والآخر: تعمدنا؛ فإنه لا قصاص على مدعى الخطأ وفي الآخر وجهان. قال: (وإن سرق من حرز شريكه مشتركًا .. فلا قطع في الأظهر وإن كل نصيبه)؛ لأنه له في كل جزء حقًا فأشبه وطء الجارية المشتركة. والثاني: يقطع؛ إذ لا حق له في نصيب الشريك. قال: (الثالث: عدم شبهة فيه) , لما تقدم من أول (حد الزنا) من درء الحدود بالشبهات. قال: (فلا قطع بسرقة مال أصل وفرع)؛ لشبهة الحق في المال , وفي حديث الحسن: (أنت ومالك لأبيك). والأجداد والجدات من كل جهة كالأب والأم, سوا اتفق دينهما أو اختلف, وقد تقدم: أنه لو وطئ الأصل الرقيق جارية قرعة الحر .. لم يحد للشبهة. وقال أبو ثور: يقطع كل منهما سرقة مال الآخر؛ لعموم الآية. وعن مالك: أنه يقطع الولد بسرقة مال الأبوين, بخلاف العكس كالقصاص. وخرج بـ (الأصل والفرع) ما عداهما كالأخوة وغيرهم؛ فإنه يقطع بسرقة مالهم خلافًا لأبى حنيفة. قال: (وسيد) بالإجماع, قاله ابن المنذر, ولأن عمر أتى يعيد سرق مرآة لزوج سيده قيمتها ستون درهمًا, فقال: (خادمكم آخذ متاعكم) رواه مالك [2/ 839] , ولرواية أبى داود [4412]: (إن سرق المملوك فبعه) , وسواء في ذلك المدبر

وَالأَظْهَرُ: قَطْعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالاخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمبعض وأم الولد, وكذا المكاتب في الأصح, وكذلك عبد مكاتبه, قاله الماوردي. ولو سرق سيد المبعض من مال المبعض .. قال القفال: لا قطع؛ لأن له في بدنه شبهة, وقال أبو علي السنجي: يقطع؛ لأنه لا شبهة له في ذلك النصف. قال: (والأظهر: قطع أحد الزوجين بالآخر)؛ لعموم الآية. والثاني: لا؛ للشبهة. والثالث_ وصححه ابن أبي عصرون_: يقطع الزوج دون الزوجة. والخلاف مفروض فيما إذا كانت الزوجة لا تستحق علي الزوج شيئًا حين السرقة, فإن استحقت عليه نفقة أو كسوة .. فلا قطع عليه إذا أخذت بقصد ذلك. ثم شرط المال المذكور: أن يكون محرزًا, فإن كان في حرزهما .. فلا قطع بلا خلاف, وهذا القيد ذكره في (المحرر) , واهمله المصنف؛ لما سبق في اشتراط ذلك في كل مسروق. فروع: سرق مستحق الزكاة ممن هي عليه, فإن كان من غير جنسه .. قطع, وإن كان منه وكان متعينًا للصرف وقلنا: إنها تتعلق تعلق شركة .. فلا قطع كالمال المشترك, قاله البغوي وصاحب (الكافي). ومن لا يقطع بسرقة مال شخص .. لا يقطع عبده بسرقة مال ذلك الشخص, فلا يقطع العبد بسرقة مال أبي سيده وابنه. وفي قطع عبد أحد الزوجين بسرقة مال الآخر الخلاف؛ لأن يد العبد كيد سيده. ولو كان لرجل زوجتان سرقت إحداهما مال الأخري أو سرق مال زوجة أبيه أو ابنه, فالمذهب: وجوب القطع, وقيل: علي الخلاف فيما إذا سرق أحد الزوجين مال الآخر.

وَمَنْ سَرَقَ مَالَ بَيْتَ الْمَالِ: إنْ أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ .. قُطِعَ، وَإِلَّا .. فالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ حَقٌ فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ المَصَالِحِ وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ .. فَلَا، وَإِلَّا .. قُطِعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن سرق مال بيت المال: إن أفرز لطائفة ليس هو منهم .. قطع) بلا خلاف؛ لأنه لا شبهة له فيه. قال الإمام: وكذا الفيء المعد للمرتزقة تفريعا علي أنه ملكهم. قال: (وإلا) أي: وإن سرق غير المفرز لهم) .. فالأصح: أنه إن كان له حق في المسروق كمال المصالح وكصدقه وهو فقير .. فلا, وإلا .. قطع)؛ للشبهة أيضا, ولأن رجلا سرق منه في زمن عمر فلم يقطعه, وعليه حمل قول علي رضي الله عنه: (ليس علي من سرق من بيت المال قطع). ويقابل الأصح وجهان: أحدهما: لا يقطع مطلقا غنيا كان أو فقيرا, سواء سرق من مال الصدات أم من مال المصالح؛ لأنه لذوي الحاجات. والثاني: يقطع مطلقا كسائر الأموال. والمصنف أطلق منع القطع في مال المصالح, ومحله: في المسلم, أما الذمي إذا سرق نصابا منها .. فالصحيح: أنه يقطع, ولا نظر إلي الإنفاق عليه عند الحاجة؛ لأنه مشروط للصمان, كذا صححه الرافعي هنا, وصحح في (باب اللقيط) أنه ينفق عليه من غير رجوع. ويستثني من قطع الغني بالصدقة: ما إذا كان غارما وأخذ لإصلاح ذات البين, وكذلك إذا لأخذه للغزو. ولو زني المسلم بجارية بيت المال .. فالأصح: أنه يحد وإن لم يقطع بسرقة ماله. ولو كفن مسلم من بيت المال فسرق نباش كفنه .. قطع؛ إذ لم يبق لغير الميت فيه حق, كما لو كساه حيًا.

وَالْمَذْهَبُ: قَطْعُهُ بِبَابِ مَسْجِدٍ وَجُذُوعِهِ لَا حُصُرِهِ وَقَنَادِيلَ تُسْرَجُ. وَالأَصَحُّ: قَطْعُهُ بِمَوْقُوفٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمذهب: قطعه بباب مسجد وجذوعه)؛ لأن ذلك يعد لتحصين المسجد وعمارته لا للانتفاع به. وخرج الإمام وجهاَ: أنه لا يقطع؛ لأنه من أجزاء المسجد والمساجد يشترك فيها المسلمون كبيت المال, وحكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة. وكذلك حكم سرقة التأزير والبواري وسائر الأموال الموضوعة فيه, وكذلك إذا سرق ستر الكعبة وهو محرز بالخياطة كما قطع به الجمهور, ونقل ابن كج فيه وجهين: ثانيهما: لا؛ لأنه ليس له مالك معين فأشبه مال بيت المال. و (التأزير) ما يستر به أسفل الجدار من خشب ونحوه. قال: (لا حُصره وقناديل تسرج)؛ لأنه ذلك لمصلحة المسلمين فله فيه حق كمال بيت المال, وهذا هو الفرق بينه وبين الباب والجذوع. أما التي لا تسرج فهي كالأبواب. كل هذا في المسلم, أما الذمي .. فيقطع بها قطعاَ, ويقطع بسرقة بكرة البئر المسبلة عند الفوراني, وقال البغوي: الظاهر: أنها كحصر السمجد؛ لأنها لمنفعة الناس. ويقطع بسرقة حلقة الباب المسمرة التي تساوي نصابًا؛ لأنها محرزة. والممتبن حرز للتبن إن كان في البنيان, فإن كان في الصحراء .. فلا يسمي متبنًا, فلا بد من حارس. قال: (والأصح: قطعه بموقوف) أي: علي غيره؛ لأنه مال محرز. هذا إذا لم يكن له فيه استحقاق ولا شبهة, فإن كان كما لو وقف علي جماعة هو

وَأُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً. الرَّابِعُ: كَوْنُهُ مُحْرَزًا بِمُلَاحَظَةٍ أَوْ حَصَانَةٍ مَوْضِعِهِ؛ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهم, أو شبهة استحقاق كما لو سرق أبو الموقوف عليه أو ابنه أو وقف علي الفقراء فسرق فقير .. فلا قطع قطعًا. ولو سرق مالاَ موقوفًا علي الجهات العامة أو علي وجوه الخير .. لا يقطع وإن كان السارق ذميًا؛ لأنه تبع للمسلمين في المصالح؛ قاله الروياني. والوجه الثاني في مسألة الكتاب: لا قطع؛ لأنه لا ملك فيه للآدميين, بل هو ملك لله وحدخ. وقيل: إن قلنا: الملك لله .. قطع بلا خلاف. قال: (وأم ولد سرقها نائمة أو مجنونة)؛ لأنها مملوكة مضمونة بالقيمة كالعبد القن. والثاني: لا؛ لنقصان الملك, وبه جزم الزبيلي وابن القطان. واحترز بكونها (نائمة أو مجنونة) عما إذا كانت عاقلة مستيقظة؛ فلا قطع لسرقتها لقدرتها علي الامتناع, فلو سرقها مكرهة فكالنائمة, وإنما خصها بالذكر؛ لأنها محل الوجهين. ولو سرق عبدًا صغيرًا او مجنونا أو بالغًا أو أعجميا لا يميز .. قطع بلا خلاف إذا كان محرزًا. والمبعضة والمكاتبة لا قطع بسرقتهما؛ لأن مظنة الحرية شبهة مانعة من القطع. قال: (الرابع: كونه محرزًا بملاحظة أو حصانة موضعه) , فلا قطع في سرقة ما ليس بمحرز؛ لما روي أبو داوود [4390] والنسائي [85/ 8] مرفوعًا: (لا قطع في شئ من الماشية إلا فيما آواه المراح, ومن سرق من التمر شيئًا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن .. فعليه القطع). ونقل ابن المنذر وغيره فيه الإجماع. و (الجرين) الموضع الذي يجفف فيه التمر, وهو له كالبيدر للحبوب.

فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ .. اشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ, وَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ .. كَفَي لِحَاظٌ مُعْتَادٌ. وَإِصْطَبْلٌ حِرْزُ دَوَابَّ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أن الحرز يختلف باختلاف الأموال والأحوال والأوقات, فقد يكون الشئ حرزًا في وقت دون وقت بحسب صلاح أحوال الناس وفسادها وقوة السلطان وضعفه, وضبطه الغزالي بما لا يعد صاحبة مضيعًا. واستثني بعضهم قاطع الطريق؛ فإنه يقطع إذا أخذ المال وهو من غير حرز, وأجيب بأنه غير سارق. وأورد علي حصر المصنف في (الملاحظة والحصانة) النائم علي ثوبه؛ فإنه لا ملاحظة منه وليس الثوب بموضع حصين ومع ذلك يقطع سارقه كما سيأتي. والجواب: ان النص ورد به في اسرق رداء صفوان بالقطع. قال: (فإن كان بصحراء أو مسجد .. اشترط دوام لحاظٍ) أي: إذا فقدت الحصانة كالصحراء أو المسجد أو الشارع .. اشترط مداومة اللحاظٍ؛ لأنه بذلك محرز عرفًا. و (الحصانة) بفتح الحاء والصاد: التحصين, وهو المنع. و (اللحاظ) بكسر اللام: المراعاة, مصدر لاحظ, وبالفتح: مؤخر العين من جانب الأذن. قال: (وإن كان بحصن .. كفي لحاظ معتاد) المقصود بهذا: أن الركن الأعظم في كون المال محرزًا الملاحظة, فلا تغني حصانة الموضع عن أصل الملاحظة, فالدار المنفردة في طرف البلد وإن تناهت حصانتها أو القلعة المحكمة ليست حرزًا إلا بملاحظة, لكن لا يشترط دوامها. هذا قول جملي, وتفصيله بمسائل ذكرها المصنف, والعرف في جميع ذلك محكم. قال: (وإصطبل حرز دواب) ولو كانت نفيسة كثيرة الثمن, مهما كان الإصطبل متصلًا بالدور, فلو كان منفصلًا عنها .. فلا بد من الحاظ. و (الإصطبل) بكسر الهمزة, وهي همزة قطع أصلية.

لَا آنِيَةٍ وَثِيَابٍ, وَعَرْصَةُ دَارٍ وَصُفَّتُهَا حِرْزُ آنِيَةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ [لا حُلِيٍّ وَنَقْدٍ] ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (دواب) مكسور منون؛ لأن غير المنصرف إذا أضيف انجر بالكسر. قال: (لا آنية وثياب)؛ لأن إخراج الدواب مما يظهر ويبعد الاجتراء عليه, بخلاف ما يخف ويسهل حمله. الذي ذكرخ في (الثياب) مقيد بالنفيس, أما الخسيس كالجل ونحوه مما جت العادة بوضعه هناك .. فهو حرز له تبعًا, صرح به الزنجاني وغيره, وهو ظاهر, وتلحق به آنية الإصطبل كالسطل ونحوه, وآلات الدواب؛ من سرج ولجام وغيرهما مما جرت العادة بوضعه فيه. قال: (وعرصة دار وصفتها حرز آنية وثياب بذلة)؛ لقضاء العرف بذلك. أما الثياب النفيسة .. فحرزها الدور وبيوت الخانات والأسواق المنيعة, فإذا سرق المتاع من الدكاكين وهناك حارس باللي .. قطع. ولو ترك الأمتعة علي باب الحانوت ونام فيه, أو غاب عنه وضم بعض الأمتعة إلي بعض وربطها بحبل, أو علق عليها شبكة, أو وضع لوحين علي باب الحانوت مخالفين .. كفي إحرازًا في النهار؛ لأن الجيران والمارة ينظرونها. والمراد بـ (العرصة) صحن الدار, و (الصفة) معرفة, وجمعها: صفف. وكل ما كان حرزًا لنوع .. فهو حرز لما دونه. [قال: (لا حلي ونقد)]

وَلَوْ نَامَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَي ثَوْبٍ أَوْ تَوَسَّدَ مَتَاعًا .. فَمُحْرَزٌ, وَلَوِ انْقَلَبَ فَزَالَ عَنْهُ .. فَلَا, وَثَوْبٌ وَمَتَاعٌ وَضَعَهُ بِقُرْبِهِ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَاحَظَهُ .. فَمُحْرَزٌ, وَإِلًا .. فَلَا. وَشَرْطُ المُلاَحِظِ: قُدْرَتُهُ عَلَي مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو نام بصحراء أو مسجد علي ثوب أو توسد متاعًا .. فمحرز)؛ لقضاء العرف بذلك, ويدل له حديث سارق رداء صفوان بن أمية الذي رواه مالك غيره, ولهذا قال الشافعي: ورداء صفوان كان محرزًا باضطجاعه عليه. وهكذا أخذ الخاتم من يده, قال إبراهيم المروروذي: إلا أن يكون مخلخلًا في يده أو كان في الأنملة العليا. وكذلك الحكم لو أخذ المداس من رجله أو العمامة من رأسه. قال: (ولو انقلب فزال عنه .. فلا)؛ لأنه لم يبق محرزًا, وكذا لو رفع السارق النائم عن الثوب أولًا ثم أخذ الثوب. وألحق في (المحرر) بتوسد المتاع: العيبة التي تجعل فيها الأمتعة, وهي الجمدان, فلو كان معه هميان فيه دراهم فتوسده ونام .. قال الماوردي والروياني: لا يكون محرزًا حتي يشده في وسطه, بخلاف الثوب؛ لأن الاحتراز يختلف باختلاف المحرز. قال: (وثوب ومتاع وضعه بقربه بصحراء إن لاحظه .. فمحرز)؛ للعرف. قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يلاحظه؛ بأن ولاده ظهره أو ذهل عنه .. فلا قطع؛ لأنه غير محرز. والأصح: أنه يشترط: أن لا يكون في الموضع زحمة الطارقين. والخلاف جار في الخبارز والبزاز وغيرهما إذا كثرت الزحمة علي باب حوانيتهم. قال: (وشرط الملاحظ: قدرته علي منع سارق بقوة أو استغاثة) , فالضعيف الذي لا يبالي السارق به لا أثر له, وكذلك إذا كان النائم بعيدًا عن الغوث .. فهو ضائع مع ماله. فلو تنازعا في الملاحظ, فقال السارق: كان غافلًا أو نائمًا ضائع, وقال

وَدَارٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ العِمَارَةِ إِنْ كَانَ بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانُ .. حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ, وَإِلَّا .. فَلَا, وَمُتَّصِلَةٌ حِرْزٌ مَعَ إِغْلَاقِهِ وَحَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ المالك عكسه .. قال في (البسيط) اندرأ عنه الحد بذلك. قال: (ودار منفصلة عن العمارة إن كان بها قوي يقظان .. حرز مع فتح الباب وإغلاقه)؛ لاقتصاء العرف ذلك. قال: (وإلا .. فلا)؛ للعرف أيضًا. وعبارة المصنف تشمل صورًا: منها: أن لا يكون فيها أحد. ومنها: أن يكون فيها من لا يبالي به. ومنها: أن يكون فيها نائم والباب مفتوح فليست حرزًا, فإن كان مغلقًا والنائم قوي .. فوجهان: أجاب أبو حامد ومتابعوه بأنه محرز. قال المصنف: وهذا قوي, وفي (الشرح الصغير) أنه أقرب, والذي يقتضيه إطلاق) المحرر) و (الكتاب) والبغوي والإمام خلافه. قال: (ومتصلة حرز مع إغلاقه وحافظ ولو نائم)؛ لأن السارق علي خطر من اطلاعه وتنبيهه بحركاته واستغاثته بالجيران.

وَمَعَ فَتْحِتِه وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلًا, وَكَذَا نَهَارًا فِي الأَصَحُ, وَكَذَا يَقْظَانُ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومع فتحه ونومه غير حرز ليلًا)؛ لأنه مضيع. قال: (وكذا نهارًا في الأصح) كما لو لم يكن فيها أحد والباب مفتوح. والثاني: يكون محرزًا؛ اعتمادًا علي نظر الجيران, وهذا الوجه محله في زمن الأمن, أما زمن الخوف والنهب .. فكالليالي, نقله الرافعي عن (التهذيب) وغيره. أما لو فتح صاحب الدار بابها وأذن للناس في الدخول عليه لشراء متاعه .. فوجهان- لم يصحح الرافعي منهما شيئا_: والراجح: أنه إن دخل مشتريًا وسرق .. لم يقطع, وإن دخل سارقًا .. قطع كسارق الثياب من الحمام, وصرح الرافعي بذلك في آخر الباب. والمصنف أطلق: أن المفتوحة غير حرز, ويرد علي باب الدار المفتوحة نفسه والأبواب المنصوبة داخلها؛ فإن جميعها محرزة بتركيبها, وكذلك سقفها ورخامها, فكلام المصنف محمول علي المنقول فيها. وإذا كان الباب مفتوحًا لكنه مردود بحيث إنه إذا فتح ظهر له صرير أيقظ النائم .. ففي (الاستذكار) أن ذلك حرز, وفي معناه: إذا كان خلف الباب المردود نائم بحيث لو فتح أصابهه الباب وانتبه. قال: (وكذا يقظان تغفله سارق في الأصح)؛ لتقصيره بإهمال المراقبة مع فتح الباب. والثاني: أنها حرز؛ لأنه تقصير من قبل المراقب. ولو كان يبالغ في الملاحظة بحيث يحصل الإحراز بمثله في الصحراء وانتهز السارق الفرصة .. فلا خلاف في وجوب القطع.

فَإِنْ خَلَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا حِرْزٌ نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ وَإِغْلَاقِهِ, فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ .. فَلَا. وَخَيْمَةٌ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَمْ تُشَدَّ أَطْنَابُهَا وَتُرْخَي أَذْيَالُها .. فَهِيُ وَمَا فِيهَا كَمَتَاعٍ بِصَحْرَاءَ, وَإِلَّا .. فَحِرْزٌ بِشَرْطِ حَافِظٍ قَوِيِّ وَلَوْ نَائِمِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن خلت) أي: الدار (.. فالمذهب: أنها حرز نهارًا زمن أمن وإغلاقه, فإن فقد شرط .. فلا) , قال الرافعي: وهذا هو الظاهر, وهو الجواب في (التهذيب). وينبغي أن يكون ما بعد طلوع الفجر إلي الإسفار في حكم الليل, وما بعد غروب الشمس إلي انقطاع الطارق وأخذ الناس في النوم من النهار, ولم يتعرضوا له. خادثه: أغلق الباب نهارًا ووضع المفتاح في حش من الباب, فأخذه السارق وفتح الباب .. أفتي الشيخ بأنه لا قطع عليه؛ لأنه وضع المفتاح هناك تفريط فتكون شبهة دارئة للحد, فإن صح ذلك .. وجب استثناؤه من إطلاق المصنف: أن الدار المغلفة نهارًا حرز. قال: (وخيمة بصحراء إن لم تشد أطنانهًا وترخي أذيالها .. فهي وما فيها كمتاع بصحراء) , فيأتي فيها ما تقدم, فلو كانت مضروبة بين العمائر .. فهي كمتاع بين يديه في السوق. وتقدم في (باب صلاة المسافر) الكلام علي لفظ الخيمة. قال: (وإلا) أي: وإن شدت أطنانها وأرسلت أذيالها) .. فحرز بشرط حافظ قوي فيها ولو نائم)؛ للعرف, فإن لم يكن فيها أحد ولا يقربها .. فليست محرزة لا هي ولا ما فيها. وقيل: الخيمة محرزة دون ما فيها. وقال أبو خنيفة: يجب القطع بسرقة ما فيها, ولا يجب بسرقتهما معًا. والأصح: أنه لا يشترط إسبال باب الخيمة إذا كان فيها نائمًا.

وَمَاشِيَةٌ بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ مَتَّصِلَةٍ بِالْعِمَارَةِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَافَظٍ, وَبِبِريَّةٍ يُشْتَرَطُ حَافِظٌ وَلَوْ نَائِمٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو شدها بالأوتاد ولم يرسل أذيالها وكان يمكن الدخول فيها من كل وجه .. فهي محرزة دون ما فيها. وقوله: (فيها) يقتضي: اعتبار الحصول فيها, وليس كذلك؛ فقد صرح الشيخان بأن النوم بقربها كهو فيها. وينبغي أن يكون المستيقظ بقربها كذلك, بل أولي, لكن يرد علي إطلاقة: ما لو نام فيها فنجاه السارق ثم سرق .. فلا قطع؛ لأنها لم تكن حرزًا حين سرق كما تقدم في الثوب المفروش تحته. وقوله: (قوي) ليس في (المحرر) , وعبارة (الشرح) و (الروضة) تفهم: أن محل اشتراط القوة عند عدم الغوث. قال: (وماشية بأبنية مغلقة متصلة بالعمارة محرزة بلا حافظ)؛ للعرف, كذا أطلقوه, وينبغي أن يكون محله: إذا أحاطت به المنازل الآهلة, فإن كانت متصلة بالعمارة ولها جانب آخر من جهة البرية .. أن يلحق بالبرية. واحترز بـ (المغلقة) عما إذا كان الباب مفتوحًا؛ فلا بد من حافظ, سواء كان متيقظًا أو نائمًا. قال: (وببرية يشترط حافظ ولو نائم)؛ للعادة, فإن كان الباب مفتوحًا .. اشترط الاستيقاظ. واشترط الماوردي في النائم: أن يكون هناك ما يوقظه لو سرقت من كلب ينبح أو أجراس تحرك, فإن أخل بهذا عند نومه .. لم يكن محرزًا.

وَإِبِلٌ بِصَحْرَاءَ مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ يَرَاهَا, وَمَقْطُورَةٌ يُشْتَرَطُ الْتِفَاتُ قَائِدِهَا إِلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا, وَأَنْ لَا يَزِيدَ قِطَارٌ عَلَي تِسْعَةٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرط الحافظ هنا: أن يكون قويًا علي دفع السارق. قال: (وإبل بصحراء محرزة بحافظ يراهل) أي: يري الجميع ويبلغها صوته إذا زجرها, فإن لم ير البعض لكونه في وهدة أو خلف جبل .. فذلك البعض غير محرز. والمراد بكونها (بصحراء) أنها ترعي. والخيل والبغال والحمير في المرعي كالإبل, وكذا الغنم إذا ارتفع الراعي علي نشز بحيث يراها ويبلغها صوته وإن تفرقت. وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاء بالنظر؛ لأنه إذا قصد ما يراه أمكنه العدول إليه. قال: (ومقطورة يشترط التفات قائدها إليها كل ساعة بحيث يراها)؛ لأنها تعد بذلك محرزة, فلو ركب الحافظ أولها .. فهو كقائدها, وإن ركب غير الأول .. فهو لما بين يديه كسائق ولما وراءه كقائد, وفي بلوغ الصوت ما سبق. قال: (وأن لا يزيد قطار علي تسعة) أي: عشرة إلا واحدًا؛ للعادة الغالبة في ذلك, فإن زاد .. فكغير المقطورة. وقال ابن الصلاح: سبعة بالباء الموحدة بعد السين, وفيما قاله نظر؛ فإن الروياني والمروروذي ضبطاه بذلك. وقال الماوردي: القطار لا يزيد علي خمسة. والأصح في (الشرح) و (الروضة) توسط ذكره السرخسي: أنه في الصحراء

وَغَيْرُ مَقْطُورَةٍ لَيْسَتْ مُحْرَزضةً فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يتقدر القطار بعدد, وفي العمران تعتبر العادة؛ وهي من سبعة إلي عشرة, فإن زاد .. فالزيادة غير محرزة, فكلام (المنهاج) مخالف لما في (الشرح) و (الروضة) , وسببه: اضطراب العرف, والأشبه: الرجوع في كل مكان إلي عرفه. والخيل والبغال والحمير لا يعتاد فيها القطر. و (القطار) بكسر القاف: ما كان بعضه إثر بعض, وجمعه: قطر. قال: (وغير مقطورة ليست محرزة في الأصح)؛ لأنها لا تسير كذلك في الغالب. والثاني: أنها كالمقطرة, ورجحه الروياني وصاحب (الإفصاح) , وقال في (الشرح الصغير) إنه أولي الوجهين, ورجحه أبو علي الطبري والقضاة الثلاثة: الماوردي والحسين والروياني, وصاحب (الكافي) والإمام والغزالي وغيرهم, لكن الأول هو المنصوص في (الأم) , فهو المعتمد وإن خالفه الأكثرون, وليس في (الشرح) ولا في (الروضة) تصحيح لشئ من الوجهين, فإن قلنا بالثاني .. فالمعتبر: أن يقرب منها ويقع نظره عليها. وإذا كانت البهائم في منزل الاستراحة والمبيت, فإن كانت إبلًا مناخة وليس معها أحد .. فغير محرزة, وإن كان معها حافظها .. فهي محرزة بعقالها, وإن نام الحافظ عنها أو اشتغل وإن لم تكن معقولة .. اشترط أن ينظر إليها ويلاحظها. وإن كانت خيلًا أو بغالًا أو حميرًا .. فقيل: هي كالإبل, وقال الماوردي: يضم بعضها إلي بعض وتربط ويكون معها من يحفظها متيقظًا أو نائمًا. فروع: المتاع الذي علي الدابة المحرزة محرز يقطع سارقه, سواء سرقه مع وعائه أو دونه أو مع الدابة, ولو سرق الجمل وصاحبه نائم عليه .. لم يقطع, وإن سرق بقرة فتبعها عجلها .. لم يكن العجل محرزًا, إلا إذا كان قريبًا منه بحيث يراه إذا التفت وكان

وَكَفَنٌ فِي قَبْرٍ بِبَيْتٍ مُحْرِزٍ مُحْرِزٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ يلتفت كل ساعة كما تقدم في قائد القطار. ولو دخل المراح وحلب من لبن الغنم أو جز من صوفها ما يبلغ نصابًا وأخرجه .. قطع, ولا يشترط كون اللبن من واحدة منها علي الأصح. قال: (وكفن في قبر ببيت محرز محرز) فمحرز الأول بكسر الراء, وهو مجرور صفة لبيت, والثاني بفتح الراء, وهو مرفوع خبر قوله: (وكفن). والمراد: أن سارق الكفن المحرز يقطع؛ لعموم الأمر بقطع السارق. وروي البيهقي [معرفة17184]: أن النبي صل الله عليه وسلم: (من سرق قطعناه). وروي أيضًا [معرفة17178]: (أن النبي صل الله عليه وسلم لعن المختفي) وهو نباش القبور. وقالت عائشة: (سارق موتانا كسارق أحيانا). وقال الشعبي: النباش سارق. وروي البخاري في (تاريخه) [104/ 4]: أن ابن الزبير قطع نباشًا. وفي قول قديم: لا يقطع في الكفن مطلقًا؛ لأنه موضوع للبلي, وبه قال أبو حنيفه. قال الإمام: وكذلك لو كانت مقبرة محفوفة بالعمارة, أو كان عليها حراس. ولا فرق بين أن يكون الكفن من مال الميت أو أجنبي أو بيت المال كما تقدم. ومقتضي ما في (الروضة) أن حارس المقبرة إذا سرق منها لا يقطع. هذا في الكفن المشروع وهو خمسة أثواب أو ثلاثة, فإن كفن في زائد علي ذلك أو في ثوب حرير لرجل أو فرش ونحوه .. فلا قطع في الأصح. والطيب الزائد علي القدر المستحب لا يقطع به علي المشهور. واقتصاره علي (الكفن) يقتضي: أنه لو وضع فيه غيره فسرق .. لا قطع, وهو و

وَكَذَا بِمَقْبَرَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ فِي الأَصَحِّ، لا بِمَضْيَعَةٍ فِي الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصح, بخلاف الكفن؛ فإن الشرع جعله حرزًا له للضرورة. ولو وضع في تابوت فسرق .. لا قطع؛ للنهي عنه. وينبغي اشتراط كون القبر محترمًا, فلو دفن في أرض مغصوبة فسرق منه .. لم يقطع كما سيأتي. ولا بد من اعتبار كون الميت محترمًا؛ ليخرج به الحربي, ولم أر من تعرض له. ولا فرق في وجوب القطع بين أن يكون القبر كمُل طمه أو لا. وفي (فتاوي البغوي) لو وضع الميت علي الأرض ونصبت عليه الحجارة .. كان كالقبر فيقطع بسرقة كفنه. قال في (الروضةينبغي أن لا يقطع إلا إذا تعذر الحفر؛ لأنه ليس بدفن. ولو كانوا في بحر فطرح الميت في الماء فأخذ رجل كفنه .. لم يقطع؛ لأنه لا يعد إحرازًا, فأشبه ما لو وضع بالأرض فغيبته الريح, قاله البغوي في (فتاويه) , قال الرافعي: وقد يتوقف فيه. قال: (وكذا بمقبرة بطرف العمارة في الأصح)؛ لأنه حرز في العادة, وقيده الماوردي بما إذا كان القبر عميقًا, فإن كان قريبًا إلي وجه الأرض .. فلا قطع. والثاني: المنع؛ لأنه ليس دونه باب مغلق ولا عليه حارس, فصار كالمتاع الموضوع هناك. ومحل الخلاف: إذا لم كين لها حارس, فإن كان .. قطع بلا خوف. قال: (لا بمضيعة في الأصح)؛ لأن السارق لا يحتاج إلي انتهاز فرصة. والثاني: أن القبر حرز للكفن بكل حال؛ لأن النفوس تهاب الموتي, وكذلك لا يعد الدافن للميت في ذلك مضيعًا, ونسب هذا ابن الرفعة إلي جماعة كثيرين. تتمة: إذا سرق كفن الميت أو ضاع .. وجب تكفينه ثانيًا من تركته, فإن لم يكن .. فهو كمن مات ولا تركة له.

فَصْلٌ. يُقْطَعُ مُؤَجَّرُ الْحرْز ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: إذا كفن من ماله ثم قسمت التركة ثم سرق الكفن .. استحب للورثه تكفينه ثانيًا, ولا يلزمهم ذلك, وقواه المصنف. وفي مالك الكفن إذا كان من التركة أوجة: أصحها: الورثة, والميت أحق به ما دام باقيًا, فإذا بلي .. تصرفوا فيه بالفريضة. والثاني: أنه باق علي ملك الميت. فعلي هذا: إذا أكله سبع أو أظهره سيل .. الأصح: أنه يكونلبيت المال, وجزم ابن الصباغ والقاضي والإمام بأنه لورثته. والثالث: أنه لله تعالي, فإذا ظهر بعد البلي .. كان ليت المال, قال الرافعي: بلا خلاف, وقال القاضي: يكون للورثة, كذا نقله القمولي. وإن قلنا بالأصح .. فالوارث الخصم في سرقة, فإن سرقه وارثه أو ولده .. لا قطع, وإن قلنا: لله .. فالخصم الحاكم, فإن كفن من بيت المال أو كفنه أجنبي .. فالأصح: أنه باق علي ملك المكفن أو بيت المال كما لو أعار أرضًا يدفن فيها. قال: (فصل: يقطع مؤجر الحرز) خلافًا لأبي حنيفة. لنا: أنه لا شبهة له فيه ومنفعته مستحقة بعقد الإجارة والإحراز من المنافع, وهذا بخلاف ما إذا وطئ أمته المزوجة .. فإنه لا يحد؛ لأن الشبهة قائمة في المحل.

وَكَذَا مُعِيرُهُ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وفي هذا الاستدلال إعلام بأن التصوير فيمن استحق بالإجارة إيواء المتاع دون من استأجر لزراعة فآوي ماشية مثلًا, وتبعه في (الروضة) علي ذلك, فإطلاق الكتاب أيضًا محمول عليه هذا إذا سرق في مدة الإجازة, فإن كان بعد انقضائها .. ففيه الخلاف الآتي في المعير. كل ذلك في الإجازة الصحيحة, أما الفاسدة .. فلا يأتي فيها خلاف. قال: (وكذا معيره في الأصح) , هو المنصوص؛ لأنه سرق النصاب من حرز محترم. والثاني: لا يقطع؛ لأن المنفعة ملك المعير فلم يهتك حرز الغير. والثالث: أن دخل بنيَّة السرقة وأخذِ المال .. قطع, أو بنيَّة الرجوع في العارية .. فلا, ومحل الخلاف: في العارية الجائزة, فإن كانت لازمة يمتنع الرجوع فيها .. قطع قطعًا. والذي أطلقه المصنف من قطع المعير محله: إذا لم يتقدمه رجوع, فإن رجع أولًا في العارية بالقول وامتنع المستعير من الرد بعد التمكن .. فلا قطع قطعًا؛ لأن المستعير حينئذ يتصرف فيه بغير حق فكان كالغاصب. هذا إذا استعمله في الوجه المأذون له فيه, فلو استعار للزراعة فغرس ودخل المعير فسرق من الغراس .. لم يقطع, علي قياس ما قاله الرافعي في صورة الإجازة السابقة. فرع: أرتهن دارًا وأحرز فيها متاعاَ .. لم يقطع سارقه, سواء سرقه الراهن أو غيره؛ لأن منافع الرهن للراهن فصار المرتهن كالغاضب.

وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا .. لَم يُقْطَعْ مَالِكُهُ, وَكَذَا أَجْنَبيٌّ فِي الأَصَحِّ, ولوْ غضبَ مَالًا وَأَحْرَزَهُ بحرْزهِ فسرَقَ الْمَالِكُ منْهُ مَالَ الغَاصب أوْ أجْنبِيٌّ الْمغْصُوبَ .. فلاَ قطْعَ فِي الأصحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو عصب حرزًا .. لم يقطع مالكه) أي: بسرقة ما أحرزه الغاصب فيه؛ لأن له الدخول والهجوم عليه فلا يكون محرزًا عنه, كذا جزم به الرافعي. وفيه وجه في (التنبيه) أنه يقطع؛ لأنه مال محرز لا شبهة له فيه, وهذا لا يعرف في غيره. قال: (وكذا أجنبي في الأصح)؛ لأن الإحراز من المنافع والغاصب لا يستحقها. والثاني: يقطع؛ لأنه لا حق للأجنبي فيه وليس له الدخول. قال: (ولو غصب مالًا وأحرزه بحرزه فسرق المالكُ منه مالَ الغاصب أو أجنبيٌّ المغصوب .. فلا قطع في الأصح) , أما في المالك .. فلأن له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله, فالذي يأخذ من الغاصب يأخذه وهو غير محرز عنه. ووجه مقابله: أنه إذا أخذ المال .. هتك الحرز للسرقة لا لأياخذ ماله فيقطع. وأما إذا سرق المغصوب أجنبي .. فلأنه حرز لم يرضه المالك وهو في يده بغير حق. ووجه مقابله: أنه سرق نصابًا من حرز مثله لا شبهة له فيه. والخلاف جار سواء عرف السارق أنه مغصوب أم لا. وخص بعضهم الوجهين في المسألة الأولي بما إذا تميز مال الغاصب عن ماله, سواء أخذه وحده أو مع مال نفسه, وإلا .. لم يقطع جزمًا. فرع: سرق الطعام عام القحط والمجاعة, فإن كان يوجد بثمن غال .. قطع, وإن كان لا يوجد ولا يقدر عليه .. لم يقطع جزمًا, وعلي هذا يحمل ما جاء عن عمر رضي الله

وَلاَ يُقْطَعُ مُخْتلسٌ وَمُنْتهبٌ وَجاحدُ وَديعةٍ. وَلَوْ نَقَبَ وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْري فسَرقَ .. قُطع في الأصحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه: (أنه لا قطع في المجاعة) , كذا استدل به الرافعي وغيره, وهو غريب. قال: (ولا يقطع مختلس ومنتهب) هذا هو الركن الثاني, وهو نفس السرقة. والدليل عيل أنه لا يقطع المختلس: ما روي الأربعة عن جابر: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (ليس علي المختلس والمنتهب والخائن قطع). و (المختلس) الذي يعتمد العرب, و (المنتهب) يعتمد القوة والغلبة, وكل منهما يأخذ عيانًا والسارق يأخذ خفية فاختلفا. قال: (وجاحد وديعة)؛ لأنه لم يوجد منه أكثر من حبسه عن مالكه والكذب في جحوده, وليس واحد منهما موجبًا للقطع, وكذا الحكم في الخائن, وهو: من يأخذ بعضها, وحديث المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده ذكره للتعريف, فإنها اشتهرت بذلك؛ لا أن ذلك سبب القطع, ويدل له ما في (الصحيحين) [خ3475 - م1688]: أن قريشًا أهمهم شأنها لما سرقت. وقال أحمد في المسائل الثلاثة: عليهم القطع. لكن كان ينبغي للمصنف أن يمثل بجاحد العارية؛ فإنه موضع الخلاف بيننا وبينه. قال: (ولو نقب وعاد في ليله أخري فسرق .. قطع في الأصح) كما لو نقب في أول الليل وأخرج المال في آخره. والثاني: لا يقطع؛ لأنه عاد بعد هتك الحرز, فصار كما لو جاء غيره وأخذ المال.

قُلتُ: هذَا إِذَا لمْ يعْلَمِ الْمالِكُ وَلَمْ يظْهَرْ للطارقِينَ, وَإِلاَّ .. فلاَ يُقْطَعُ قطعًا, واللهُ أعْلمُ. ولَو نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ .. فلاَ قطْعَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: هذا إذا لم يعلم المالك النقب ولم يظهر للطارقين)؛ بأن كان خفياَ. قال: (وإلا .. فلا يقطع قطعًا والله أعلم)؛ لانتهاك الحرز, وهذا محكي عن النص, وهو الصواب في التعبير, ووقع في بعض النسخ: (وإلا .. فيقطع قطعًا) , وهو غلط, والذي بخط المصنف الأول, وهذا التفصيل ذكره الرافعي في (شرحيه) , وأهمله في (المحرر) , إلا أن ادعاءه نفي الخلاف ممنوع؛ ففي (البحر) للروياني التصريح به, ولهذا لم يذكره في (الروضة) , علي أن ما جزم به هنا من عدم القطع عند الاشتهار مخالف لما صححه فيما إذا أخرج نصاباَ دفعات: أنه يجب القطع علي الأصح وغن عاد بعد الاشتهار, والصواب: إجراء الخلاف في الموضعين. وخرج بقوله: (ثم عاد في ليلة اخري) ما إذا نقب وأخرج النصاب عقب النقب؛ فإنه يقطع بلا خلاف؛ لأنه أفعاله المتواصلة كالفعل الواحد. قال: (ولو نقب وأخرج غيره .. فلا قطع)؛ لأن الناقب لم يسرق والآخذ أخذ من غير حرز, لكن علي الأول ضمان الجدار, وعلي الثاني رد المال. وقيل: في قطع المخرج قولان, فلو كان صاحب الدار فيها وهو يلاحظها .. قطع المخرج؛ لأنها محرزة, وإن كان نائمًا .. فلا علي الأصح, كمن نام والباب مفتوح, كذا قالي الرافعي. قال ابن الرفعة: وهذا منه إشارة إلي أن كون السرقة بالنهار؛ لأنه محل الوجهين كما قررنا, أما بالليل .. فقد جزم بأنها ليست محفوظة بالنائم. كل هذا إذا كان المخرج مميزًا, فلو نقب ثم أمر من لا يميز أو عبدًا أعجميًا بلإخراج ففعل .. وجب القطع علي الآمر علي المشهور.

وَلَوْ تَعَاوَنَا فِي النَّقْب وانْفَرَد أَحَدُهُمَا بالأخْراج, أَوْ وَضعَهُ ناقِبٌ بقُرْب النَّقْبِ فأخْجهُ آخرُ .. قْطعَ الْمخرجُ, وَلَوْ وَضَعَهُ نقْبهِ فأخَذّهُ خَارِجٌ وَهُوَ يُسَاوي نصَابيْنِ .. لَمْ يُقْطعَا فِي الأظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإخراج, أو وضعه ناقب بقرب النقب فأخرجه آخر .. قطع المخرج)؛ لأنه السارق, وهذا مع قوله: (ولو نقب وأخرج غيره .. فلا قطع) في غاية التباين؛ فإن غير الناقب إذا لم يقطع فيما إذا كان هو الداخل والسارق فبطريق الأولي أن لا يقطع مع عدم الدخول وتقريب الناقب له من النقب, والغلط حصل من الاختصار. وعبارة (المحرر) (ولو تعاونا علي النقب وانفرد أحدهما بالإخراج .. فالقطع علي المخرج, وكذا إن دخل أحدهما ووضع المتاع قريباَ من النقب فأدخل الأخر يده وأخرجه) اهـ فعلم أن صورة المسألة في ناقبين, فتوهم المصنف أنها في ناقب واحد, فوهم. قال: (ولو وضعه بوسط نقبه فأخذه خارج) أي: قد شاركه في النقب (وهو يساوي نصابين .. لم يقطعا في الأظهر)؛ لأن كلًا منهما لم يخرجه من تمام الحرز. والثاني: يقطعان؛ لاشتراكهما في الهتك والإخراج, ولئلا يصير ذلك طريقًا إلي إسقاط الحد, وهذا رواه الحارث بن شريح والبقال عن القديم ولو ناول الداخل الخارج من فم النقب .. لم يقطع واحد منهما, ويسمي هذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السارق: الظريف, كذا حكاه في (البحر) عن الشعبي. واحترز المصنف عما إذا كان دون نصابين؛ فإنه لا قطع عليهما جزمآ. فروع: الأول: علم قرداّ النزول إلى الدار واخراج المتاع فنقب الحرز وأرسل القرد وأخرج المتاع .. قال القفال: ينبغي أن لا يجب القطع, وهو يشكل بما إذا علَّمه القتل ثم أرسله علي إنسان فقتله, فإنه يضمنه. ويفرق بأن القطع إنما يجب بالمباشرة دون السبب, بخلاف القتل. الثانى: نقب مقعد وأعمى وحمل الأعمى المقعد وأخذ المال .. فهل يقطعان أو لا, أو يقطع الآخذ دون الحامل؟ فيه أوجه: أصحهما: الثالث. ولو أخذ الأعمى المال بدلالة المقعد .. فقيل: يقطعان, والأصح: يقطع الأعمى فقط. ولو كانا بصيرين سالمين فأخذ أحدهما المال وحمله الآخر وأخرجه والمال معه .. فهل يقطعان أو المحمول فقط؟ فيه وجهان: اصحهما: الثانى. ولو أخذ المقعد المال وحمله الأعمى .. وجب القطع علي المقعد, ولا يجعل حامل حامل المال حاملا للمال, ولهذا لو حلف لا يحمل طبقًا فحمل رجلا وذلك الرجل علي يده طبق ... ولم يحنث الحالف. الثالث: كان في البستان أترج والماء يدخل من أحد طرفيه ويخرج من الآخر, فجمع النار والوقود في ظرف ووضعه في الماء حتى دخل البستان, فعلا الدخان وأسقط الأترج في الماء وخرج الطرف الآخر فأخذه, أو رمى الأشجار بالأحجار ونحوها حتى تناثرت الثمرة في الماء وخرجت .. لم يقطع علي الصحيح.

وَلَو رَمَاهُ إِلَى خَارجِ حِرزِ, اَوُ وَضَعَهُ بِمَاءِ جَارِ أَو ظَهرِ دَأبةِ سَائرةِ, أَو عَرّضَهُ لِرِيِحِ هَابةِ فأَخَرجَتُهُ .. قُطِعَ, أَو وَاقِفَهِ فَمَشَت بِوَضعِهِ .. فَلاَ فِىِ الأَصَحُ. وَلا يَضمَنُ حُرٌ بيدٍ, وَلاَ يُقطًعَ سَارِقُهُ , ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو رماه إلى خارج حرز, أو وضعه بماء جار أو ظهر دابة سائرة, أو عرضه لريح هابة فأخرجته .. قطع) , أما الأولى .. فكما لو أخرجه بيده. وصورتها: أن يدخل الحرز فيأخذ المال ويرميه إلى خارج الحرز, فيلزمه القطع, سواء أخذه الرامى أو تركه فضاع أو أخذه غيره. وقيل: أن لم يأخذه .. فلا قطع, كما لو أتلفه في الحرز. وأما الثانية ... فلأنه المخرج. واحترز بـ (الجارى) عن الراكد, لكنه إن حركه بيده حتى خرج .. كان كالجارى, وإن حركه غيره حتى خرج .. فالقطع علي المحرك, وإن زاد الماء بانفجار نهر أو مجاء سيل فخرج به .. لم يقطع علي الأصح. وأما الثالثة .. فلأنه إخراج مال من حرزه, وكذلك لو سيرها هو من باب أولى, وهى مذكورة في (المحرر). وأما الرابعة فلتسببه. واحترز بـ (الهايَّة) عما إذا كانت راكدة ووضعه علي طرف النقب فهبت وأخرجته؛ فالظاهر: إنه لا يجب. قال: (أو واقفه فمشت بوضعه .. فلا في الأصح)؛ لأن لها اختيارًا في السير. والثانى: نعم؛ لأن الخروج حصل بفعله, فإنها إذا أثقلت بالحمل ... سارت. والثالث: إن سارت عقب الوضع .. قطع, وإلا ... فلا, حكاه الماوردى, وهو كالخلاف في فتح القفص عن الطائر. قال: (ولا يُضمن حرً بيدِ, ولا يقطع سارقه) وإن كان صغيرًا؛ لأنه ليس بمال. وعن مالك يجب القطع بسرقته؛ لما روي الدارقطني [202/ 3] عن عائشة: (أن

وَلَوَ سَرَقَ صَغِيرًا بِقِلاَدهِ .. فَكَذَا فِى اَلأَصَحَ. وَلَو نَامَ عَبدُ عَلَى بَعِيرِ فَقَادَهُ وَأَخرَجَهُ عَنِ اَلَقَافِلَه .. قَطِعَ, أَو حُرٌ .. فَلاَ فِى اَلأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صل الله عليه وسلم أتى برجل كان يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخري فأمر بقطعه) لكنه ضعيف أو محمول علي الأرقاء. والحكم فيهم: أن العبد الصغير الذى لا يميز إذا أخذه من حرزه .. يجب القطع بسرقته, والمجنون والأعجمى الذى لايميز كالصغير. وإن كان الصغير مميزًا فأخذه وهو نائم أو سكران أو مضبوط .. فهو كغير المميز, وأن دعاه وخدعه ببيعه باختياره .. فلا قطع, والمكاتب والمبعض كالحر. قال: (ولو سرق صغيرًا) أى: حرًا (بقلاده .. فكذا في الأصح)؛ لأن يده علي ما معه, ولهذا لو كان علي اللقيط مال .. فهو له, كمن سرق جملًا وصاحبه راكبه. والثانى: يقطع؛ لأنه سرق نصابًا. والوجهان جاريان سواء أخذه علي صورة السرقه أم لا, وخصهما الزبيلي بما إذا نزع الحلى والثياب عن الصبي, فإن لم ينزعهما .. فلا قطع قطعًا, ويتعين أن يكون مراده بما إذا نزعهما بعد الإخراج من الحرز. والخلاف في القلادة جار فيما إذا كان معه مال. وموضع الوجهين: إذا كان الصغير في موضع لا ينسب لتضييع, وإلا .. لم يقطع بلا خلاف. واحترز بـ (الصغير) عن البالغ العاقل؛ فلا خلاف أنه لا يقطع إذا حمله نائمًا أو مكرهًا وعليه حلى, وطرد بعضهم الخلاف فيه. ولو سرق كلبًا في عنقه قلاده .. قطع, وحرز الكلب حرز الدواب .. قال: (ولو نام عبد علي بعير فقاده وأخرجه عن القافله .. قطع)؛ لأنه كان محرزًا بالقافلة. والثانى: المنع؛ لأن يده علي البعير, وإنما تتحقق السرقة عند إزالتها. قال: (أو حر .. فلا في الأصح)؛ لأن البعير والمتاع بيده.

وَلَوَ نَقَلَ من بِيتِ مُغلَقِ إلِى صَحنِ دَارِ بَابُهَا مَفتُوحٌ .. قُطِعَ, وَإِلأَ .. فَلاَ, وَقِيلَ: إِن كَانَا مُغلَقَينِ .. قطِعَ. وَبَيتُ خَانِ وصَحْنُهُ كَبَيتٍ وَدَارِ فِى ألأَصَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى: يقطع مطلقًا؛ لأنه أخرج نصابًا من الحرز إلى محل الضياع. والثالث: إن كان الراكب قويًا لا يقاومه السارق .. لم يقطع, أو ضعيفًا لا يبالي به قطع. وأطلق المصنف (الحر والعبد) ومراده: البالغين والعاقلين. قال: (ولو نقل من بيت مغلق إلى صحن دار بابها مفتوح .. قطع)؛ لأنه أخرجه إلى موضع الضياع. ومراده بقوله: (بابها مفتوح) أنه كان مفتوحًا, لا ما فتحه هو سواء تركه مفتوحًا أم أغلقه .. فلو كانت الدار مشتركة بين سكان وانفرد كل ساكن ببيت أو حجره فيها .. فهى مسألة الخان الآتيه, وكذلك بيوت المدرسة والرباط. قال: (وألا .. فلا) أى: إذا كان باب البيت مفتوحًا وباب الدار مغلقًا لم يقطع؛ لأنه لم يخرجه عن تمام الحرز, وكذا إذا كانا مفتوحين؛ لأن المال ضائع إذا لم يكن محرزًا باللحاظ. قال: (وقيل: إن كانا مغلقين .. قطع)؛ لأنه أخرجه من حرز. والأصح: المنع؛ لأنه لم يخرجه إلى تمام الحرز, فأشبه ما إذا أخرج من الصندوق إلى البيت ولم يخرج من البيت. والثالث: إن كان الصحن حرزًا .. لم يقطع, وإلا ... قطع. قال: (وبيت خان وصحته كبيت ودار في الأصح) , فيفترق الحال بين أن يكون باب الخان مفتوحًا أو مغلقًا, كما إذا أخرج من البيت إلى صحن الدار. والثانى: يجب القطع بكل حال؛ لأن صحن الخان ليس حرزًا لصاحب البيت, بل هو مشترك بين السكان, فهو كالسكة المشتركة بين أهلها.

فَصْلٌ: لاَ يُقطَعُ صَبِىٌ وَمَجنُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وموضع الخلاف: إذا كان السارق من غير سكانه, فإنه كان منهم وسرق من البيت والحجرة المقفلين .. قطع, وإن سرق من العرصة .. لم يقطع. تتمه: دخل الحمام ليغتسل فسرق ثياب بعض الداخلين أو مئزر الحمام ونحوه وأخرجه .. لم يقطع, وإن دخل ليسرق, فإن كان هناك حافظ الحمامي أو غيره .. قطع, وإن لم يكن حافظ أو كان لكنه نائم أو اشتغل عن الحفظ .. لم يقطع. ولو نزع ثيابه والحمامي أو الحارس جالس ولم يسلمها إليه ولا استحفظه بل دخل علي العاده فسرقت .. فلا قطع ولا ضمان علي الحمامي ولا علي الحارس, وقيل: يقطع للعادة. ولو سرق السفن من الشط وهى مشدودة .. قطع. ولو ابتلع جوهرة في الحرز وخرج .. فقيل: يقطع؛ وقيل: لا, والأصح: إن حرجت منه .. قطع, وإلا .. فلا. قال: (فصل) عقده للركن الثالث وهو السارق. وشرطه: التكليف والاختيار والالتزام, فإذا حصل ذلك .. وجب القطع من غير فرق بين الرجل والمرأه, والحر والعبد. وكان ابن عباس يرى أن العبد الآبق إذا سرق لا قطع عليه, وبقوله قال أبو حنيفه؛ بناء علي أن القضاء علي الغائب لايجوز؛ إذ في قطعه قضاء علي سيده الغائب. وقال الشافعى: لا تزيده معصية الله بالإباق خيرًا. قال: (لايقطع صبي ومجنون)؛ لرفع القلم عنهما. واستدل له الرافعى بأن النبي صل الله عليه وسلم أتى بجارية سرقت فوجدها لم تحض فلم يقطعها, وهو غريب, لكن نص في (الإملاء) علي أن الصبي يعزر,

وَمُكْرَه, وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ, وَفِي مُعَاهدٍ أَقْوَالٌ: أَحْسَنُها إنْ شُرِطَ قَطْعُه بِسَرِقَه .. قُطِعَ, وَإلَّا .. فَلَا. قُلْتُ: الأَظْهرُ عِنْدَ الجُمْهورِ: لَا قَطْعَ, والله أَعْلَمُ ... .. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك المجنون الذي له نوع تمييز, قال له القاضي حسين, وكان ينبغي أن يقول: (وحربي)؛ لأنه غير ملتزم بالأحكام. قال: (ومكره) , للخبر المشهور. ولا يجب القطع علي المكره– بكسر الراء– جزمًا كالمكره علي الزنا. قال: (ويقطع مسلم وذمي بالمال مسلم وذمي) , أما قطع المسلم بمال المسلم .. فبالإجماع, وأما قطعه بمال الذمي .. فهو المشهور، لأنه معصوم بذمته. وقيل: لا يقطع كما لا يقتل المسلم بالذمي, وهذا شاذ. وفي قطع الذمي بالسرقه ثلاثه أوجه: أصحها: يقطع مطلقًا. والثاني: لا يقطع إلا برضاه بحكمنا. والثالث: إن سرق مال مسلم .. قطع قطعًا, وإن سرق مال ذمي .. لم يقطع إلا برضاه، وفي إقامه الحد عليه بالزنا هذه الأوجه. قال: (وفي معاهد) وكذا من دخلها بأمان (أقوال: أحسنها إن شرط قطعه بسرقه .. قطع, وإلا .. فلا)؛ لأنه إذا عوهد علي هذا الشرط .. فقد إلتزمه. والثاني: لا قطع مطلقًا ,وهو المنصوص في أكثر كتبه, ورجحه الأصحاب. والثالث: يقطع مطلقًا كالذمي. والمصنف وافق (المحرر) في التعبير بـ (الأحسن) , وعباره (الشرح الصغير) أقربها, وفي (الروضه) و (أصلها) أظهرها – عند الأصحاب, وهو نصه في أكثر كتبه_: لا يقطع, وهو موافق لما في (المنهاج) حيث قال: (قلت: الأظهر عند الجمهور: لا قطع والله أعلم) , لأنه لم يلتزم الأحكام فأشبه الحربي.

وَتَثْبُتُ السَّرِقَه بِيَمِينِ المُدَّعِي المَرْدُودَه فِي الأَصَحْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: محل الخلاف: إذا سرق مال مسلم أو ذمي, فإن سرق مال معاهد .. فلا قطع قطعًا ولا نحده بقذفه. وفي انتقاض عهده بالسرقه أوجه: ثالثها: إن شرط أن لا يسرق .. انتقض, وإلا .. فلا ولا خلاف أنه يطالب برد ما سرقه إن كان باقيًا, ويبدله إن كان تالفًا. ولو سرق مسلم مال المعاهد .. قال الإمام: فيه التفصيل كعكسه. قال: (وتثبت السرقه بيمين المدعي المردوده في الأصح) , لأنها كالإقرار أو كالبينه, والقطع يثبت بالأمرين جميعًا, فأشبه القصاص, فإنه يثبت باليمين المردوده, وهذا هو الأظهر في (المحرر). والثاني: لا يثبت القطع بها؛ لأنه حق الله تعالي, فأشبه ما إذا قال: أكره أمتي علي الزنا فحلف المدعي بعد نكول المدعي عليه, فإنه يثبت المهر دون حد الزنا, وصححه الرافعي والمصنف في (الدعاوي) , وفي (الحاوي الصغير) ها هنا, وأفتى به الشيخ عماد الدين بن يونس, وهو ظاهر نص (الأم) و (المختصر) , وهو المذهب المفتى به. ولم يصحح الشيخان ها هنا شيئًا من الوجهين, بل نقلا القطع عن العراقيين وإبراهيم المروروذي, ومقابله عن ابن الصباغ والعمراني وغيرهما. فرع: أقر بالسرقه ثم أقيمت عليه البينه ثم رجع .. سقط عنه القطع علي الصحيح) , لأن الثبوت كان بالإقرار, صرح به القاضي حسين, وقد تقدم نظير هذا في الزاني إذا رجع بعد الإقرار وإقامه البنيه.

وَبِإِقْرَارِ السَّارِقِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: أخذ المقر بالسرقه ليقطع فهرب .. هل يسقط عنه القطع؟ قال الشيخ: لم أره مسطورًا لأصحابنا, إنما كلام صاحب (المبسوط) من الحنفيه يقتضي السقوط, ثم قال: والأرجح: عدمه, لكنه لا يتبع ولا يطالب. ورأيت في (البيان والتحصيل) سئل سحنون عن اللصوص إذا ولوا يتبعون؟ فقال: نعم يتبعون ولو بلغوا برك الغماد. قال: (وبإقرار السارق) , مؤاخذه له بقوله. والمراد: إقرار بعد الدعوى, فإن أقر قبلها .. فالأصح: لا يقطع في الحال, بل يوقف إلي حضور المالك وطلبه كما سيذكره المصنف. ولا يشترط تكرار الإقرار كما في سائر الحقوق, لقوله صل الله عليه وسلم: (من ابدي لنا صفحته .. أقمنا عليه حد الله تعالي) ولم يفرق بين أن يتكرر أو لا يتكرر, والحديث المذكور رواه مالك [2/ 825] والشافعي [أم6/ 145] عن زيد بن أسلم مرسلًا, وأسنده الحاكم [4/ 244] والبيهقي [8/ 329] من روايه ابن عمر بإسناد صحيح علي شرط الشيخين. وعن أحمد: لا يقطع حتى يقر مرتين, للحديث الآتي في المسأله بعدها. كل هذا بالنسبه إلي الحر, أما العبد .. فقد تقدم في أول (باب الإقرار) حكم إقراره بالعقوبات وأن السيد يقضي فيه بعمله, بخلاف الحر. فرع: لا يجب القطع بالإقرار المطلق بالسرقه, وفي شرب الخمر يجب الحد به. وبالزنا فيه وجهان: أصحهما: لا نوجبه. والفرق: أن اسم السرقه متحقق فلا قطع كما في الشبهه, والمتبادر من شربه المسكر أنه شربه حرامًا.

وَالمَذْهبُ: قَبولُ رُجُوعِه. وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَه لله تَعَالَي .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَه بِالرُّجُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمذهب: قبول رجوعه) بالنسبه إلي القطع؛ لأنه حق لله تعالي فيسقط كما يسقط حد الزنا, وقد روي أبو أميه المخزومي: أن النبي صل الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف ولم يوجد معه متاع, فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: (ما إخالك سرقت) قال: بلي, فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا, فأمر به فقطع وجيء به, فقال: (استغفر الله وتب إليه) فقال: أستغفر الله وأتوب إليه, فقال: (اللهم تب عليه) ثلاثًا - رواه أبو داوود [4380] والنسائي [سك 7428] وابن ماجه [2597] , وفي سنده مجهول, وأنكر علي إمام الحرمين قوله: متفق علي صحته- فلو لم يكن الرجوع مقبولًا. لم يكن للحث عليه معنيً. وحاصل ما في المسأله ثلاث طرق: يقبل مطلقًا, لا يقبل مطلقًا, يقبل ويسقط القطع إذا رجع. قال: (ومن أقر بعقوبه لله تعالي .. فالصحيح: أن للقاضي أن يعرض له الرجوع) فيقول له: لعلك غضبت. لعلك أخذت من غير حرز, وفي الشرب: لعلك لم تعلم أنه مسكر, وفي الإقرار بالزنا: لعلك فاخذت أو قبلت أو لمست؛ لأن النبي صل الله عليه وسلم قال لماعز: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) رواه البخاري. وقال الإمام: تذكر مسأله الرجوع بحضرته ويذكر حكمها, وقيل: لا يعرض له مطلقًا, وقيل: إن لم يعلم جواز الرجوع .. عرض له , وإلا .. فلا. كل هذا إذا كان المقر جاهلًا بالحد) إما لقرب عهده بالإسلام أو لكونه نشأ بباديه بعيده عن العلماء, والخلاف في الجواز فقط. واحترز بـ (حقوق الله تعالي) عن حقوق الآدميين, فلا يتعرض في السرقه لما يسقط الغرم, بل في دفع القطع. واحترز بـ (الإقرار) عما إذا ثبت بالبينه. فإن القاضي لا يحمله علي الإنكار.

وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يقول: ارجع)؛ لأن في ذلك إبطالًا لإقامه الحدود التي أمر الله بها. وفي جواز التعرض للشهود بالتوقف وجهان: أحدهما: لا يستجيب, وصححه في (البحر). والثاني: يستجيب, لعموم الأمر بالستر. وصحح المصنف: أنه إن رأي المصلحه في الستر .. ستر, وإلا .. فلا. فرع: يصح العفو عن القطع قبل علم الإمام, لقوله صل الله عليه وسلم في خبر صفوان بن أميه: (هلا كان قبل أن تأتيني به) رواه الشافعي [1/ 335] ومالك [2/ 834] وأبو داوود [4394] والنسائي [8/ 69] وابن ماجه [2595] والبيهقي [8/ 265] والحاكم [4/ 380] وقال: صحيح الإسناد. وروي: أن الزبير شفع في سارق فقيل له: حتى يبلغ الإمام, فقال: (إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع كما قاله رسول الله صل الله عليه وسلم)) وروي: أن معاويه بن أبي سفيان أتي بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد منهم فقال [من الطويل]: يميني أمير المؤمنين أعيذها ... بعفوك أن تلقي نكالًا يشينها يدي كانت الحسنى فلو تم سترها ... وإن تعدم الحسناء عونًا تعينها فلا خير في الدنيا وكانت خبيثه ... إذا ما شمالي فارقتها يمينها فقال معاويه: (كيف أصنع بك وقد قطعت أصحابك؟!) فقالت أم السارق: يا أمير المؤمنين اجعلها من ذنوبك التي تستغفر الله منها, فخلى سبيله, فكان أول حد ترك في الإسلام).

وَلَوْ أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى أَنَّه سَرَقَ مَالَ زَيْدٍ الغَائِبِ .. لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُه فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتي حكم الشفاعه في الحدود في تتمه (حد الخمر). قال: (ولو أقر بلا دعوى أنه سرق مال زيد الغائب .. لم يقطع في الحال, بل ينتظر حضوره في الأصح) أي: ومطالبته, لأنه ربما حضر وذكر: أنه كان أباحه له فيسقط الحد وإن كذبه السارق لأجل الشبهه. والثاني: يقطع في الحال, لظهور الموجب للقطع, فأشبه ما إذا أقر: أنه زنى بفلانه, فإنه لا يشترط حضورها. وفي (سنن ابن ماجه) [2588] بسند فيه ابن لهيعه: أن عمرو بن سمره أخا عبد الرحمن بن سمره أتى النبي صل الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إني سرقت جملًا لبني فلان, فأرسل إليهم, فقالوا: إنا افتقدنا جملًا لنا, فأمر بقطع يده, فقطعت, فحين وقعت الأرض قال: (الحمد لله الذي طهرني منك أردت أن تدخلي جسدي النار). فإن قلنا: لا تقطع في الحال .. ففي حبسه إلي حضور المالك أوجه: أحدها: يحبس إلي أن يقدم, كمن عليه قصاص لغائب أو صبي, وصححه في (الكفايه). والثاني: لا. والثالث: إن قصرت المسافه ورجي حضوره عن قرب .. حبس, وإلا .. فلا. والرابع: إن كانت العين تالفه .. حبس ليغرم, وإن كانت باقيه .. أخذت منه ولم يحبس مطلقًا, ثم إن قربت المسافه .. حبس, أو بعدت .. فلا. والخامس: إن كانت العين باقيه .. وأخذت منه ولم يحبس مطلقًا, وقال القاضي: إنه المذهب.

أَوْ أَنَّه أَكْرَه أَمَه عَلَى الزِّنَا .. حُدَّ فِي الحَالِ فِي الأصَحِّ. ويَثْبُتُ بِشَهادَه رَجُلَيْنِ, فَلَوْ شَهدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .. ثَبَتَ المَالُ وَلَا قَطْعَ، وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهدِ شُرُوطَ السَّرِقَه ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أقر بغصب مال من غائب .. لم يحسبه الحاكم عليه, لأنه لا مطالبه له بمال الغائب إلا أن يموت وله ورثه أطفال, وهل للحاكم انتزاعه منه؟ فيه خلاف تقدم في بابه. ولو سرق مال صبي أو مجنون .. قال ابن كج: إن انتظرنا حضور الغائب .. انتظر بلوغه وإفاقته, وإلا .. قطعناه في الحال. قال: (أو أنه أكره أمه غائب علي الزنا .. حد في الحال في الأصح)؛ لأن حد لا يتوقف علي الطلب. وقال ابن سريج وغيره: ينتظر حضور المالك؛ لاحتمال أن يقر: أنه كان وقفها عليه, فتصير شبهه مسقطه. قال: (ويثبت) أي: القطع (بشهاده رجلين) كسائر العقوبات غير الزنا, فإنه خص بمزيد عدد لفحش أمره. قال: (فلو شهد رجل وامرأتان .. ثبت المال ولا قطع) , كما لو علق الطلاق أو العتق علي غصب أو سرقه العسقلاني رحمه الله ما لفظه: (هذه حكايه مختلقه ما أشك أنها من وضع الروافض، ينبغي تبرئه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها) أهـ كلامه جزاه الله خيرًا فشهد رجل وامرأتان علي الغصب أو السرقه .. ثبت المال دون الطلاق والعتق, كذا نظره الرافعي هنا, وذكر فيه تفصيلًا في (الشهادات). وقيل: في ثبوت المال قولان, وهذا بخلاف ما إذا شهدوا بالقتل العمد, فإنه لا يثبت القصاص ولا الديه, وكذلك الحكم لو أقام المدعي شاهدًا واحدًا وحلف معه. قال: (ويشترط ذكر الشاهد شروط السرقه) , فلا تقبل شهادته مطلقًا , لاختلاف المذاهب فيها, وفي شروط تعلق القطع بها: فلا بد وأن يبين السارق بالإشاره إلي عينه إن كان حاضرًا, ويذكر اسمه ونسبه بحيث يحصل التمييز إن كان غائبًا, ويكفي عند حضوره أن يقول: سرق هذا. وعن ابن سريج: يشترط أن يقول: هذا بعينه, وليس بشيء.

وَلَوِ اخْتَلَفَ شَاهدانِ كَقَوْلِه: سَرَقَ بُكْرَه, وَالآخَرِ: عَشِيَّه .. فَبَاطِلَه. وَعَلَي السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجب أن يبين قدر المسروق والمسروق منه وكون السرقه في الحرز. وعن القاضي أبي الطيب وغيره: أن الشاهد يقول أيضًا: ولا أعلم له فيه شبهه. وقال صاحب (الشامل) وذكر هذا تأكيد, لأن الأصل عدم الشبهه. وقد تقدم في (باب الرده) عد المواضع التي لا تسمع فيها البينه إلا مفصله. قال: (ولو اختلف شاهدان كقوله: سرق بكره, والآخر: عشيه .. فباطله)؛ لأنها شهاده علي فعل لم يتفقا عليه. وكذا لو قال أحدهما: كبشًا أبيض, وقال الآخر: أسود .. فهما شهادتان علي شيئين مختلفين وبطلانها بالنسبه إلي القطع, وللمشهود له أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الغرم, أو معهما ويأخذ غرم ما شهدا به, وهذا يؤخذ من قول (المحرر) لم يثبت بشهادتهما شيء, وهو أولى من تعبير المصنف بـ (البطلان). ولو شهد واحد بسرقه كبش وآخر بسرقه كبشين .. ثبت الواحد وتعلق به القطع إن بلغ نصابًا. وكما يشترط التفصيل في الشهاده يشترط في الإقرار بها, فلا يقطع من أقر بالسرقه مطلقًا, لأنه قد يظن غير السرقه سرقه, واسم السرقه يقع علي ما يقطع به وعلى غيره. قال: (وعلي السارق رد ما سرق) , ففي الحديث الصحيح: (علي اليد ما أخذت حتى تؤديه) , وبمذهبنا قال أحمد. وقال أبو حنيفه: إن قطع .. لم يغرم, وإن غرم .. لم يقطع. وقال مالك: إن كان غنيًا .. ضمن, وإلا .. فلا. لنا: أن القطع لله والغرم للآدمي فلا يمنع أحدهما الآخر. وكذا إن كان للمسروق منفعه استوفاها أو عطلها .. وجبت أجرتها كالمغصوب, ولو أعاد المال المسروق إلي الحرز .. لم يسقط القطع ولا الضمان عنه.

فَإِنْ تَلِفَ .. ضَمِنَه وَتُقْطَعُ يَمِينُه, فإن سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِها .. فَرِجْلُه اليُسْرَى, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفه: يسقطان. وعن مالك: لا ضمان ويقطع, كذا في (البحر) , ولو قيل بعكس هذا .. لكان مذهبًا لدرء الحدود بالشبهات. قال: (فإن تلف .. ضمنه)؛ جبرًا لما فات. قال: (وتقطع يمينه) بالإجماع وإن كان أعسر. وقرأ ابن مسعود: (والسارق والسارقه فاقطعوا أيمانهما) , والقراءه الشاذه لخبر الواحد في وجوب العمل, كما جزم به الرافعي والشيخ أبو حامد والقضاه: أبو الطيب والحسين والماوردي والمَحاملي, ونص عليه في موضعين من (البويطي). وقال إمام الحرمين: الظاهر من مذهب الشافعي: أنه لا يحتج بها, فقلده في ذلك المصنف فجزم به في (شرح المسلم) في قوله: (شغلونا عن الصلاه الوسطى صلاه العصر) وفي غيره, والصواب: الأول. وأورد الإمام في (البرهان) علي الحنفيه أنهم يقولون: القراءه الشاذه يعمل بها, وعندهم العدل إذا انفرد في الحديث بزياده لا يقبل خبره, مثل: (علي كل حر وعبد من المسلمين) , ولا شك أن القراءه الشاذه راويها عدل انفرد, فينبغي أن لا تقبل كغيره. والحكمه في قطع اليمين: أن البطش بها أقوى فكانت البداءه بها أردع. وفي (معجم الطبراني) [طب 18/ 299]: (أن النبي صل الله عليه وسلم أتي بسارق فقطع يمينه) , وكذا فعله الخلفاء الراشدون. وظاهر قوله: (وتقطع يمينه) أن الإمام لو وكله في قطعها فباشر ذلك من نفسه .. لا يقع الموقع , وهو كذلك كما صرح به الرافعي في (الوكاله). قال: (فإن سرق ثانيًا بعد قطعها .. فرجله اليسري)) , لما روي الشافعي: أن

وَثَالَثًا .. يَدَه اليَسْرَى, وَرَابِعًا .. رِجْلُه اليُمْنَى, وَبَعْدَ ذَلِكَ .. يُعَزَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صل الله عليه وسلم قال في السارق: (أن سرق .. فاقطعوا يده, ثم إن سرق .. فاقطعوا رجله) , وكذا فعله أبو بكر وعمر ولا مخالف لهما. وإنما يقطع بعد اندمال اليد لئلا يفضي التوالي إلي الهلاك, وخالف موالاتهما في الحرابه, لأن قطعهما ثم حد واحد. قال: (وثالثًا. ويده اليسرى, ورابعًا .. رجله اليمني)) , للخبر المذكور. قال القفال: والمعني في هذا الترتيب: أن اعتماد السارق في السرقه علي البطش والمشي, فإنه بيده يأخذ وبرجله ينقل فتعلق القطع بهما, وإنما قطع في الثالثه, لأن اعتماد السرقه علي البطش والمشي, ولم يكن بد من تفويت أحد جنسي المنفعه فقدم الأهم قياسًا علي المحاربه, فإن الرجل اليسرى تقطع بعد اليد اليمني, لأن السرقه مرتين تعدل الحرابه شرعًا. وقال أبو حنيفه وأحمد: إن سرق ثالثًا .. لم يقطع. بل يعزر. لنا: ما سبق. قال: (وبعد ذلك .. يعزر) , لأن القطع ثبت بالكتاب والسنه ولم يثبت بعد ذلك شيء, والسرقه معصيه فتعين التعزيز.

وَيُغْمَسُ مَحَلُّ قَطْعِه بِزَيْتٍ أَوْ دُهن مَغْلِيٍّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن القديم قول: إنه يقتل بعد الرابعه, لما روي الأربعه) عن جابر قال: جيء بسارق إلي رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: (اقتلوه) قالوا: إنما سرق! قال: (اقطعوه) , ثم جيء به ثانيًا فقال: (اقتلوه) قالوا: إنما سرق! قال (اقطعوه)، ثم جيء به ثالثه، , فأمر بقتله, فقالوا: إنما سرق! فقال: (اقطعوه) , ثم جئ به بعد الرابعه, فأمر بقتله, فقتلوه. والجواب: أنه ضعيف, وانعقد الاجتماع علي خلافه, وعلى تقدير صحته أجيب عنه بأنه منسوخ, وقيل: مؤول بالمستحل. قال: (ويغمس محل قطعه بزيت أو دهن مغلي) لينقطع الدم, لأنه لو استمر .. هلك. وفي (المستدرك) [4/ 381] عن أبي هريره: أن النبي صل الله عليه وسلم أتى بسارق شمله, فقالوا: يا رسول الله؛ إن هذا سرق, فقال: (ما أخاله سرق) فقال السارق: بلى يا رسول الله, فقال صل الله عليه وسلم: (اذهبوا به فاقطعوا يده واغمسوه بزيت). والمعنى فيه: سد أفواه العروق لينقطع الدم. وقوله: (بزيت أو دهن) يقتضي امتناعه بغيرهما, لكن الشافعي في (الأم) اقتصر علي الحسم بالنار, وكذلك الشيخ أبو محمد والماوردي في (الإقناع) وابن سراقه. وقال الشاشي: بالزيت أو النار. وفصل الماوردي في (الحاوي) , فجعل الزيت للحضري والنار للبدوي؛ لأنها عادتهم. وقوله: (مغلي) بفتح الميم, من أغليت, يقال: غلت القدر تغلي غليًا وغليانًا وأغليتها أنا, ولا يقال: غليت كما تقدم في (صلاه الجمعه).

قِيلَ: هوَ تَتِمَّه لِلْحَدِّ, وَالأَصَحُّ: أَنَّه حَقٌ لِلْمَقْطُوعِ؛ فَمُؤْنَتُه عَلَيْه, وَلِلإِمَامِ إهمَالُه ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قيل: هو تتمه للحد) , فيجب علي الإمام فعله, ومؤنته في بيت المال) , لأن فيه زياده إيلام, وما زال الولاه يفعلونه على كراهه من المقطوعين. ولم يراعوا ذلك في قطع الأطراف قصاصًا. قال: (والأصح: أنه حق للمقطوع؛ فمؤنته عليه, وللإمام إهماله)؛ لأن الغرض المعالجه ودفع الهلاك عنه بنزف الدم. وما صححه من وجوب المؤنه عليه محله: إذا لم ينصب الإمام من يقيم الحدود ويرزقه من المصالح, فإن فعل ذلك .. لم يجب علي المقطوع, وهذه المسأله مكرره, لأنه سبق من المصنف في (باب القصاص) أن أجره الجلاد علي الجاني. فرع: إذا أريد قطع يد السارق سيق إلى موضع القطع من غير عنف ولا سب ولا تعيير, ويجلس إن أمكن, وتخلع يده بحبل وتجر بعنف, ثم تقطع بحديده ماضيه دفعه واحده. ويستحب أن تعلق في عنقه تنكيلًا, لأن النبي صل الله عليه وسلم أمر بذلك, رواه أبو داوود [4411] والنسائي [8/ 92] وابن ماجه [2587] , وحسنه الترمذي [1447].

وَتُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الكُوعِ, والرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ القَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: تعلق ثلاثه أيام, وقيل: لا تعلق, والخبر ضعيف, لأن في إسناده الحجاج بن أرطاه, وقيل: الأمر فيه إلي رأي الإمام. ولا يقطع في حر ولا برد شديدين, ولا الحامل حتى تضع وتبرأ من النفاس, ولا في مرض يرجى برؤه. قال: (وتقطع اليد من الكوع) بالإجماع. وفي (الدارقطني) [3/ 204]: أن النبي صل الله عليه وسلم أمر بذلك في سارق رداء صفوان. وروي البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يده من الكوع). وروي البخاري عن علي: أنه قطع منه. والمعنى فيه: أن البطش بالكف, وما زاد من الذراع تابع, ولهذا يجب في الكف ديه اليد. وعن بعض السلف: تقطع من الأصابع, لأن اليد تطلق عليها, قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هاذَا مِنْ عِنْدِ اللَّه} وإنما يكتب بالأصابع. والجواب: أن الكتابه تكون بالقلم, ولو كان المراد ما باشرته .. لكانت ثلاثه أصابع. واستدلوا أيضا بما في (البخاري) عن ابن عباس [5456]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل أحدكم طعامًا .. فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها). وقال الخوارج: تقطع اليد من المنكب, لأنها حقيقه في ذلك. و (الكوع) تقدم بيانه في (الديات). قال: (والرجل من مفصل القدم) , لما رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن

وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا بِلَا قَطْعٍ .. كَفَتْ يَمِينُه وَإِنْ نَقَصَتْ أَرْبَعَ أَصَابعَ. قَلْتُ: وَكَذَا لَوْ ذَهبَتِ الخَمْسُ فِي الأَصَحِّ, وَالله أَعْلَمُ. وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَه إِصْبَعًا فِي الأَصَحْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر: أنه كان يقطع رجل السارق من المفصل. وعن أبي ثور: تقطع من معقد الشراك, وهو مذهب علي. و (المفصل) تقدم: أنه بفتح الميم وكسر الصاد, واحد مفاصل الأعضاء. قال: (ومن سرق مرارًا بلا قطع .. كفت يمينه) , لأن السبب واحد فتداخلت لحصول الحكمه, وهو الزجر, وقياسًا على حد الزنا والشرب مرارًا. فإن قيل: إذا لبس في الإحرام أو تطيب في مجالس .. تعددت الكفاره على الصحيح مع أن السبب واحد؟ .. فالجواب: أن في ذلك حقًا لآدمي, لأن الكفاره تصرف إليه فلم تتداخل, بخلاف الحد. قال: (وإن نقصت أربع أصابع) فيكتفي بها, لحصول الإيلام والتنكيل, ولإطلاق اسم اليد عليها مع نقص أصابعها كما تطلق عليها مع زيادتها, فشملها عموم الآيه. ومقتضى كلام المصنف: أنه لا خلاف في ذلك, وليس كذلك, ففي (شرح الكفايه) للصيمري: إن ذهب أكثر الأصابع .. قطعت رجله اليسرى. وحكى الرافعي عن القاضي أبي حامد: أن يمينه إن نقصت الإبهام .. لم تجزئ. قال: (قلت: وكذا لو ذهبت الخمس في الأصح والله أعلم) , لما ذكرناه, وهذا الذي صححه الأكثرون, ورواه الحارث بن شريح البقال. والثاني: لا يكفي, بل تقطع الرجل اليسرى, لأن اليد عباره عما يبطش ولم يبق من آله البطش شيء, وهو محكي عن النص, فكان ينبغي أن يعبر بـ (الأظهر). ويجري الخلاف فيما لو سقط بعض الكف وبقي محل القطع. قال: (وتقطع يد زائده إصبعا في الأصح)؛ لإطلاق الآيه, فإن اسم اليد يتناولها, ولا يشبه القصاص؛ فإنه مبني علي المساواه, والمقصود هنا الزجر والتنكيل.

وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يَمِينُه بِآفَه .. سَقَطَ القَطْعُ, أَوْ يَسَارُه .. فَلَا عَلَى المَذْهبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا تقطع, كما لا تقطع في القصاص ست أصابع بخمس. فعلى هذا: تقطع الرجل اليسرى. قال: (ولو سرق فسقطت يمينه بآفه) أي: أو بجنايه) .. سقط القطع)؛ لأنه تعلق بعينها وقد زالت. وقيل: يعدل إلى الرجل, كما لو فات محل القصاص, وكذا لو شلت يده بعد السرقه وخشي من قطعها تلف النفس .. فهو كما لو سقطت. وقوله: (بآفه) يقتضي: أنها لو سقطت بقصاص أو غيره .. لم يسقط ويعدل إلي الرجل, وليس كذلك, بل لا فرق, قاله القاضي حسين والبغوي والروياني. قال: (أو يساره .. فلا علي المذهب) , لوجود اليمين, وهي محل القطع. وعن أبي إسحاق: أن القطع يسقط في اليمين علي قول كما في مسأله الجلاد, قال الرافعي: وضعفه كل من نقله. تتمه: لو كان علي معصمه كفان ولم تتميز الأصليه منهما .. فالمنقول: أنهما تقطعان. وعن البغوي: تقطع إحداهما, واستحسنه الرافعي, وجزم به في (التحقيق) , وصوبه ف ي (شرح المهذب) , وصححه ابن الصلاح. وعلى هذا: لو سرق ثانيًا .. قطعت الثانيه. لكن يشكل على المصنف: أنه صحح في الخنثى المشكل كما سبق في موضعه: أنه لا يختن في أحد فرجيه, معللًا بأن الجرح مع الإشكال ممتنع. ولو قيل بإجراء وجه ثالث: أنه لا تقطع واحده منهما .. لم يبعد؛ لأن الزائده لا يجوز قطعها وقد التبست بالأصليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمه روى أحمد [6/ 45] وأبو داوود [1492] عن عطاء عن عائشه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال لها وقد دعت عليى سارق سرق لها ملحفه: (لا تسبخي عنه بدعائك عليه). ومعناه: لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقه. قال الخطابي: ومن هذا سبائخ القطن, وهي القطع المتطايره عند الندف, وقال الشاعر: فسَبخ عليك الهم واعلم بأنه ... إذا قدر الرحمن شيئًا فكائن وهذا يدل على أن الظالم يخفف عنه بدعاء المظلوم عليه, ويدل له ما رواه أحمد في (كتاب الزهد) عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: بلغني أن الرجل ليظلم مظلمه, فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه حتى يستوفي حقه ويكون للظالم الفضل عليه. وفي (الترمزي) [3552] عن عائشه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (من دعا على من ظلمه .. فقد انتصر). وفي (كتاب اللطائف) للقاضي أبي يوسف: أن امرأه من بني إسرائيل كانت صوامه قوامه سرقت لها امرأه دجاجه, فنبت ريش الدجاجه في وجه السارقه وعجزوا عن إزالته عن وجهها, فسألوا عن ذلك بعض علمائهم فقال: لا يول هذا الريش إلا بدعائها عليها, قال: فأتتها عجوز فذكرتها بدجاجتها, فلم تزل بها إلى أن دعت علي سارقتها دعوه, فسقطت من وجهها ريشه, فلم تزل تكرر ذلك إلي أن سقط جميع الريش. فإن قيل: مدح الله المنتصر من البغي, ومدح العافي عن الجرم؟ .. قال ابن العربي: فالجواب: أن الأول محمول على ما إذا كان الباغي وقحًا ذا جرأه وفجور, والثاني على من وقع منه ذلك نادرًا, فتقال عثرته بالعفو عنه. وقال الواحدي: إن كان الانتصار لأجل الدين .. فهو المحمود, وإن كان لأجل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النفس. فهو مباح لا يحمد عليه. واختلف العلماء في التحليل من الظلامه علي ثلاثه أقوال: فكان ابن المسيب لا يحلل أحدًا عرض ولا مال. وكان سليمان بن يسار وابن سيرين يحللان منهما. ورأى مالك التحليل في العرض دون المال.

باب قاطع الطريق ـــــــــــــــــــــــــــــ باب قاطع الطريق سمي بذلك؛ لامتناع الناس من المرور خوفًا منه. وجمعه: قطاع وقطع, كحائض وحيض. و (الطريق) تذكر وتؤنث. والأصل في الباب: قوله تعالي: {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُولَه وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} الآيه. قال عامه الفقهاء: نزلت في قطاع الطريق من المسلمين وغيرهم). وفي (سنن أبي داوود) [4369]: أنها نزلت في العرنيين, وحديثهم في) الصحيحين). وفي (النسائي) [7/ 101]: أنها نزلت في المحاربين من الكفار لأن محاربه الله والرسول إنما تكون منهم, والأول أصح, لقوله تعالي: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْه} ولو كان المراد: الكفار .. لم يسقط عنهم القتل وإن تابوا بعد القدره, والمحاربه لله ولرسوله قد تكون من المسلمين, وقال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِه} , وقال صل الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {من آذي لي وليًا .. فقد آذنته بالمحاربه}

هوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَه شَوْكَه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وانعقد الاجتماع علي أصل حدهم. قال: (هو مسلم مكلف له شوكه) , فالكفار ليس لهم حكم قطاع الطريق وإن أخافوا السبيل وتعرضوا للأنفس والأموال, عملًا بمقتضي سبب نزول الآيه. والمراهقون لا عقوبه عليهم, لكن يضمنون المال والنفس كما في غير قطع الطريق. و (الشوكه) شده اليأس والنجده. والمراد هنا: أن يعتمدوا العدد والقوه وشهر السلاح, ويستوي فيه السيف والدبوس والقوس والعصا, قال البندنيجي: وكذا الحجاره, قال القاضي حسين: ويكفي اللكم واللطم باليد من القوي. وما ذكره من اشتراط الإسلام تبع فيه (المحرر) , ومقتضاه: أن أهل الذمه لا يكونون قطاعًا, وجرى عليه في (الكفايه) , وأغرب فنقله عن الأصحاب, وهو لا يعرف لغير الرافعي, والصواب: أن حكمهم حكم المسلمين في ذلك, لالتزامهم الأحكام؛ فقد نص الشافعي عليه في (الأم) صريحًا, وحكاه عنه ابن المنذر في (الأشراف) , فالصواب: التعبير بالتزام الأحكام ليخرج الحربي, وكذا المعاهد في الأصح, فإنهما لا يضمنان نفسًا ولا مالًا.

لَا مُخْتَلِسُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَه يَعْتَمِدُونَ الْهرَبَ. وَالَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْ ذِمَه بِقُوَّتِهمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهمْ، لَا لشقَافِلَه عَظِيمَه، وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ فَلَيْسُوا بِقُطَّاعٍ، وَفَقَدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ أَوْ لِضَعْفٍ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ينبغي أن يستثني السكران من (المكلف) علي رأيه كما فعل في (الطلاق) وغيره؛ فإن له حكم القاطع وليس بمكلف عنده. وفهم من عبارته: أنه لا يشترط في قاطع الطريق الذكوره, وهو كذلك, فلو اجتمع نسوه لهن قوه وشوكه .. فهن قاطعات طريق, قال الشافعي: لأني وجدت الأحكام علي الرجال والنساء في الحدود واحده. وقال أبو حنيفه: لا حد علي المرأه, ويلزمها القصاص بالقتل وضمان المال. وكذلك لا يشترط شهر السلاح ولا العدد, بل الواحد إذا كان له فضل قوه يغلب بها الجماعه .. فهو قاطع طريق. قال: (لا مختلسون يتعرضون لآخر قافله يعتمدون الهرب) , فليسوا قطاع طريق, لعدم الشكوه , بل حكمهم كيرهم في القصاص والضمان. قال: (والذين يغلبون شر ذمه بقوتهم قطاع في حقهم) وإن لم يكثر عددهم؛ لاعتمادهم علي الشوكه بالنسبه إلي الشر ذمه. و (الشرذمه) بالذال المعجمه: الطائفه من الناس. قال: (لا لقافله عظيمه) , لأنه يتأتى دفعهم ومقاومتهم, وإنما هم مختلسون. قال: (وحيث يلحق غوث) أي: بالسلطان القوي وغيره (فليسوا بقطاع) , بل منتهبون؛ لإمكان الاستغاثه. قال: (وفقد الغوث يكون للبعد أو لضعف) أي: لبعد السلطان وبعد أعوانه, أو لضعف السلطان, لتمكنهم من الاستيلاء والقهر مجاهرة. و (الغوث) الاستغاثه, وهو: أن يقول الرجل: واغوثاه. ولو دخل جمع بالليل دارًا ومنعوا أهلها من الاستغاثه مع قوه السلطان وحضوره. فالأصح: أنهم قطاع, وقيل: مختلسون, وقيل: سراق.

وَقَدْ يَغْلِبُونَ وَاَلُحَالَه هذِه فِي بَلَدٍ فَهمْ قٌطَّاعٌ. وَلَوْ عَلِمَ اٌلِإمَامُ قوْمًا يُخِيفُونَ اٌلطَّرِيقَ وَلَمً يَاخُذُوا مَالًا وَلاَ نَفُسًا .... عَزَّرَهمٌ بِحَبْسٍ وَغَيْرِه, وَإِذَا أَخَذَ اَلَقَاطِعُ نِصَابَ اَلسَّرِقِه .... قَطَعَ يَدَه اَليُمْنَى وَرِجلَه اَليُسْرَى, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقد يَغلبون والحاله هذه) أي: عند ضعف السلطان أو بعده أو بعد أعوانه (في بلد فهم قطاع) , لوجود الشروط فيهم. وأبو حنيفه لا يرى الخارجين من البلد قطاعًا, زاد مالك: ولا قريبًا منه بثلاث مراحل. قال: (ولو علم الإمام قومًا) وكذا واحدًا (يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالًا ولا نفسًا .. عزرهم بحبس وغيره) , لأنهم تعرضوا للدخول في معصيه عظيمه, فيعزرهم علي ذلك كما يُعزَّر علي مقدمات الزنا والشرب والسرقه, وهذا تفسير النفي من الأرض في الآيه الكريمه. وعباره (المحرر) و (الشرح) ينبغي أن يعزرهم, وعباره (الروضه) كعباره الكتاب, والأمر في الجنس هذا التعزير وقدره راجع إلي الإمام. وقيل: يتعين الحبس. فعلى الأصح: للإمام ترك تعزيرهم إن رآه مصلحه. وعلي الثاني: ليس له إلا أن تظهر توبتهم, لأن سببه قطع الطريق فيتحتم كالقطع, وإذا أراد حبسهم ..... قال ابن سريج: الأولى حبسهم في غير موضعهم, لأنه أحوط وأبلغ في الزجر والإيحاش. وقيل: يتقدر حبسهم لسته أشهر, كيلا يزيد علي تغريب العبد الزاني, وقيل: يتقدر بسنه, وقيل: يضرب دون ثمانين, وقيل: بالنفي إلى حيث يراه. وكلام المصنف صريح في أن الإمام يقضي فيهم بعلمه وإن قلنا: لا يقضي به في الحدود, لما في ذلك من حق الآدمي. وظاهر كلامه: الجمع بين الحبس والتغريب, وسيأتي نظيره في التعزير. قال: (وإذا أخذ القاطع نصاب السرقه .... قطع يده اليمني ورجله اليسري) , لأنه

فَإِنْ عَادَ .... فَيُسْرَاه وَيُمٌنَاه, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ حد واحد, سواء كان النصاب لواحد أو جماعه, فإن أخذ دون النصاب .... عزر من غيرقطع, وتعتبر القيمه في موضع الأخذ إن جرت العاده فيه بالبيع والشراء, وإلا ... فيعتبر أقرب موضع إليه, ولا تعتبر قيمته عند استسلام الناس لأخذ أموالهم, لأنه لا قيمه له في تلك الحاله. ويبدأ بقطع يده ثم برجله ويحسم موضع القطع منهما كما في السارق, ويجوز أن تحسم اليد ثم تقطع الرجل, وأن تقطعا جميعًا ثم تحسما, ولا يشهر المقطوع بعد قطعه, إلا أن يرى الإمام ذلك رادعًا لأهل الفساد. ويدفن المقطوع إلا أن يري الإمام إبقاءه معه لينزجر الناس به, فإن التمسها المقطوع .. فهو أحق بها ليتولى دفنها, فإن أراد استبقاءها لتدفن معه إذا مات .... منع. قال: (فإن عاد ... فيسراه ويمناه) , للآيه المتقدمه, وهي وإن اقتضي ظاهرها التخيير .. فالمراد بها: الترتيب, لقول ابن عباس وغيره في القطاع: (إذا قتلوا وأخذوا المال ... قتلوا وصلبوا, وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال ... قتلوا ولم يصلبوا, وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا .. قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف) وهذا من ابن عباس إما بتوقيف أو لغه, وكلاهما حجه لا سيما وهو ترجمان القرآن. ووقع في (الوسيط) أن النبي صلي الله عليه وسلم فسره بذلك, والصواب: أنه من كلام ابن عباس. ولأن الله تعالى بدأ بالأغلظ, فكان مرتبًا ككفاره الظهار والقتل, فلو اريد التخيير .... لبدئ بالأخف ككفاره اليمين , وهكذا عُرْف القرآن. وإنما قطع من خلاف, لئلا يفوت جنس المنفعه, فاليمين لأخذ المال, والرجل لأجل المحاربه. وكلام المصنف يفهم: أنه لا يشترط أن يكون من حرز, وهو وجه, لأن الحرز

وَإِنْ قَتَلَ .... قُتِلَ حَتْمًا, ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يؤثر مع القاهر, ولأنه تفاحشت جنايته فغلظ عليه, لكن المشهورالذي جزم به الأكثرون: أنه يعتبر. والحرزهنا: أن يكون مع مالكه أو بحيث يراه ويقدر أن يدفع عنه من ليس بغالب, فإذا كان المأخوذ دون نصاب ... فلا قطع في الأصح, وإذا كان له فيه شبهه كالوالد يأخذ مال الولد أو عكسه ... ففيه قولان: أحدهما: لا قطع كالسرقه. والثاني: تقطع يده ورجله, لأنه محض حق الله تعالى, فإذا كانت يده اليمنى ورجله اليسرى مفقودتين عند المحاربه .. نزل ذلك منزله أخذه المال مره ثانيه, فتقطع يده اليسرى ورجله اليمنى. فلو كانت يمناه أو رجله اليسرى مفقوده ... فالأصح: الاكتفاء بالموجوده. والثاني: أن الموجود يتبع المفقود. قال: {وإن قَتل} أي: عمدًا محضًا عدوانًا من يكافئه وهو معصوم, وكان القتل لأخذ المال) .. قتل حتمًا) , لقوله تعالى {أَن يُقَتَّلُواُ} فأوجب القتل وحتمه, لأن كل معصيه فيها عقوبه في غير المحاربه تجب فيها زياده عند المحاربه كأخذ المال, ولا زياده هنا إلا التحتم, ومعناه: أنه لا يسقط بعفو ولي القصاص ولا بعفو السلطان, ويستوفيه الإمام, لأنه حد من حدود الله تعالى. قال الشيخ عز الدين: وإنما تحتم كما تحتم حد الزنا من جهه: أنهم ضموا إلي جنايتهم إخافه السبيل في منع كل مجتاز بها, بخلاف من قتل إنسانًا أو سرق ماله في خفيه. ثم بعد القتل يدفع إلي أهله ليغسلوه ويصلوا عليه. وقال أبو حنيفه: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه كالباغي. وحكم الجرح في المحاربه والموت بعد أيام قبل الظفر والتوبه حكم القتل صبرًا,

وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ اَلْمَالَ ... قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ثَلاَتًا ثُمَّ يُنَزَّلُ, وَقِيلَ: يَبْقَى حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُه, وَفِي قَوْلٍ: يُصْلَبُ قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله الإمام, وأبدي احتمالًا– ورجحه-: أنه لا يتحتم. أما إذا قتل خطأ أو شبه عمد ... فإنه لا يُقتل, وحكم الديه كما في غير المحاربه, ولو قتل معصومًا لا يكافئه عمدًا .... لم يقتل به في الأصح. قال: (وإن قَتل وأخذ المال) أي: نصابًا) ... قُتل ثم صلب ثلاثًا يُنزَّل) , لما تقدم عن ابن عباس. وإنما صلب بعد القتل, لأن في صلبه قبله زياده تعذيب, وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان كما رواه البخاري وأبو داوود [(2807)]. والحاكم, وقال: (إذا قتلتم ... فأحسنوا القتله). وإنما صلب ثلاثًا, ليشتهر الحال ويتم النكال, فإن خيف تغيره قبل الثلاث فقيل: يبقى مصلوبًا حتى يتم الثلاث، لظاهر النص. والأصح: أنه ينزل، لئلا يفوت الغسل وغيره, وحمل النص علي زمن البرد. وشرط بعضهم: أن لا يتأذى به الأحياء. قال: (وقيل: يبقي حتي يسيل صديده) , لأن في ذلك أشتهار الحاله, وقال في (الروضه) ويتهرأ ولا ينزل بحال. والصلب علي خشبه ونحوها, وقيل: يطرح بالأ رض حتي يسيل صديده. و) الصديد) ماء رقيق يخرج من الجرح مختلط بدم. والخشبه التي يصلب عليها سميت صلبيًا, لسيلان صليب المصلوب عليها. قال: (وفي قول: يصلب قليلًا ثم يُنزَّل فيقتل) , لأن الصلب إذا كان عقوبه ... وجب أن يكون في الحياه, لأنه لا حد علي ميت, ولأنه أزجر, وبه قال أبو حنيفه.

وَمَنْ أَعَانَهُم وَكَثَّرَ جَمْعَهُم ... عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيرِهمَا, وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إِلَى حَيَثُ يَرَاه ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا: كيف يقتل؟ أيترك بلا طعام ولا شراب حتى يموت أو يجرح حتي يموت أو يترك مصلوبًا ثلاثًا ثم ينزل فيقتل؟ فيه أوجه, والوجه الثالث أقرب إلي ما في الكتاب, فإن الثلاثه قليل. فروع: الأول: تقام عليهم الحدود في الموضع الذي حاربوا فيه إذا شاهدهم فيه من يرتدع بهم من الناس, فإن كانوا في مفازه .... ففي أقرب بلد. الثاني: إذا مات حتف أنفه ... روي الحارث بن شريح البقال عن الشافعي: أنه لا يصلب بعد موته, والفرق: أن قتله حد يستوفي فيكمل بصلبه, وموته مسقط لحده , فسقط تابعه. وخرج بعض الأصحاب وجها: أنه يصلب. الثالث: إذا قلنا بالصحيح: أنه يقتل ثم يصلب ... فالأصح: أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ثم يصلب مكفنًا. قال: (ومن أعانهم وكثر جمعهم .. عزر بحبس وتغريب وغيرهما) كسائر المعاصي, وروى أبو يعلي الموصلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كثر سواد قوم .. فهو منهم) و (الواو) في قوله: (بحبس وتغريب وغيرهما) بمعني (أو) كما صرح به في (المحرر) وفيه الخلاف السابق في المخيف كما أشار إليه الماوردي. قال: (وقيل: يتعين التغريب إلي حيث يراه) أي: الإمام, لأن النفي عقوبه مقصوده يرجع فيها إلي رأي الإمام، وعلي هذا: هل يعزره في المنفي إليه بضرب وحبس وغيرهما أو يكفي النفي؟ فيه وجهان:

وَقَتْلُ القْاطِع يُغَلَّبُ فِيه مَعْنَى الْقِصَاص، وَفِى قَوْلٍ: الْحَدُّ، فَعَلَى الأَوَّلِ: لاَ يُقْتَلُ بِوَلَدِه وَذِمّىّ، وَلَوْمَاتَ .. فَدِيَه، وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا .. قُتِلَ بِوَاحِدٍ، وَلِلْبَاقِينَ الّديَاتُ، وَلَوْ عَفَا وَلِيُّه بِمَالٍ .. وَجَبَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَيُقْتَلُ حَدًّا .. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشبه فى (الشرح الصغير) جواز الاقتصاد على النفى. وقال المصنف: الأصح: أنه إلى رأى الإمام بما تقتضيه المصلحه. قال: (وقتل القاطع يُغلَّب فيه معنى القصاص)؛ ولانه قتل فى مقابله قتل. فعلى هذا: عليه الكفاره. قال: (وفى قول: الحد) لانه لا يصح العفو عنه ويتعلق استيفاؤه بالسلطان لا بالولى، والقولان فيما يغلب منهما، وهذه الطريقه الصحيحه. وقال آخرون: هل يتمحص حق الله تعالى أم فيه أيضًا حق آدمى؟ قولان. قال: (فعلى الأول: لا يقتل بولده وذمى)؛ لعدم المكافأه، وهذا تفريغ على الخلاف، فعلى هذا: تجب الديه، وكذا لا يقتل الحر بعبد، تجب القيمه. وعلى الثانى: نعم. قال: (ولومات .. فديه) أى: من تركته. وعلى الثانى: لا شئ. قال: (ولو قتل جمعًا .. قتل بواحد، وللباقين الديات) كالقصاص. ولو فرعنا على الثانى .. قتل بهم ولا ديه، لكن عبارته تقتضى جواز قتله بغير الأول، وليس كذلك، بل إن قتلهم بالترتيب .. قتل بالأول. قال: (ولو عفا بمال .. وجب وسقط القصاص ويقتل حدًا) كمرتد استوجب القصاص وعفى عنه، وإن فرعنا على الثانى .. لغا العفو. والذى ذكره المصنف من إيجاب الديه للعافى تبع فيه (المحر)، و (المحر) تبع فيه الفورانى، ولم يقل به أحد من العلماء وهو مخالف لظاهر نص الشافعى وكلام العراقيين وجمع من المراوزه.

وَلَوْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ .. فُعِلَ بِه مثْلُه. وَلَوْ جَرَحَ فَانْدَمَلَ .. لَمْ يَتَحَتَّمْ قِصَاصٌ فِى الأَظْهرِ. وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ بِتَوْبَتِه قَبْلَ الْقُدْرَه عَلَيْه، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعتمد: أنه لا ديه على القولين معًا؛ لأن القاطع لم يستفد بالعفو شيئًا لتحتم قتله بالمحاربه. قال: (ولو قَتل بمثقل أو قطع عضو .. فُعل به مثله) كما فى القصاص. وعلى الثانى: يقتل كالمرتد بالسيف. ومن ثمره الخلاف أيضا: مالو تاب قبل أن يقدر عليه .. لم يسقط القصاص على الأول، ويسقط على الثانى. قال: (ولو جرح فاندمل .. لم يتحتم قصاص فى الأظهر)؛ لأن التحتم تغليظ لحق الله تعالى فاختص بالنفس كالكفاره، ولأن الله تعالى لم يذكر الجراح فى آيه المحاربه فكان باقيًا على أصله فى غيرها. وعلى هذا: فيتخير المجروح بين القصاص والعفو على مال أو غيره. والثانى: يتحتم كالنفس. والثالث: يتحتم فى اليدين والرجلين؛ لأنهما مما يستحقان فى المحاربه دون الأنف والأذن والعين وغيرهما. تنبيه: قوله: (جرح) المراد به: أنه جرح جرحًا يجب فيه القصاص كقطع اليد والرجل وغيرهما، فإن كان غيرهما كالجائفه .. ففيها المال. واحترز بقوله: (اندمل) عن السارى إلى النفس؛ فإنه قتل، وقد تقدم فى قوله: (بقطع عضو)، ولو عبر بقوله: لم يتحتم الجرح .. كان أولى. وكان ينبغى التعبير بالمشهور الدال على ضعف الخلاف؛ فإنه شديد الضعف. قال: (وتسقط عقوبات تخص القاطع بتوبته قبل القدره عليه)؛ لقوله تعالى:

لَاَ بَعْدَها عَلَى الْمَذْهبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ {إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ} والمراد ب (العقوبات) تحتم القتل والصلب وقطع الرجل، وكذا اليد فى الأصح. وفى (الكفايه) و (المطلب) أن المصنف اختار منع سقوط قطع اليد، وهو سهو؛ فقد صرح فى (التصحيح) بأن الأصح السقوط، وفى (الروضه) بأنه المذهب، وهو وارد على إطلاقه هنا، فإنه يقتضى: أنه لا يسقط إلا قطع الرجل، فإنها التى تخص القاطع، ولو قال: يسقط حق الله .. لا ستقام. واحترز عما لا يختص، كاصل القصاص وضمان المال؛ فلا يسقط. وفى الضمان وجه ضعيف: انه يسقط فلا يبقى عليه شئ اصلًا. وفى قوله قديم: لا يسقط عنه شئ أصلًا، بناء على الخلاف فى سقوط الحد بالتوبه. و (التوبه) الرجوع عن الذنب، وهى واجبه من كل معصيه، فإن كانت بين العبد وبين الله تعالى .. فلها شروط: الإقلاع، الندم، العزم على ألا يعود إليها. وإن تعلقت بآدمى .. زادت شرطًا رابعًا: وهو البراءه من حق صاحبها برد الظلامه أو العفو ن وسيأتى بيان ذلك فى (الشهادات). قال: (لا بعدها على المذهب)؛ لمفهوم الآيه، وإلا .. لما كان للتخصيص بقوله: {مِن ٌقَبْلِ} فائده، والفرق من جهه المعنى: انه بعد القدره متهم؛ لقصد دفع الحد ن بخلاف ما قبلها؛ فإنها بعيده عن التهمه، قريبه من الحقيقه. والطريق الثانى: جريان قولين، كالقولين فى سقوط حد الزانى والسارق بالتوبه. والمراد ب) التوبه) قبل القدره الثانيه، فلو ظفرنا به فادعى سبق توبته .. فنقل فى (الكفايه) عن (الأحكام السلطانيه) أنه إن لم تظهر أمارتها .. لم يصدق، وإلا .. فوجهان محتملان.

وَلاَ تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ بِها فى الأَظْهرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تسقط سائر الحدود فى الأظهر) كحد الزنى والسرقه والشرب؛ وبهذا قال أبو حنيفه؛ لأن العمومات الوارده فيها لم تصل بين ما التوبه وما بعدها؛ بخلاف قاطع الطريق. والثانى: تسقط بها؛ لقوله تعالى {فَمَن تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِه وأَصْلَحَ فَإنَّ اللَّه يَتُوبُ عَلَيْه}؛ وقال صلى الله عليه وسلم (التوبه تجب ما قبلها). وروى مسلم [2703] عن أبى هريره: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها .. تاب الله عليه)؛ وتقدم فى أول) الجنائز) حديث: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له). وفى (المستدرك) [4/ 244] عن ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا هذه القاذورات التى نهى الله عنها؛ فمن ألم بشئ منها .. فليستتر بستر الله وليتب إلى الله؛ فإنه من يبد لنا صفحته .. نقم عليه الحد). فلولا أنها تسقط الحد .. لكان فيه حث على كتمان الحق وصحح هذا جماعه؛ منهم: ابن خيران والحليمى والماوردى والمحاملى والرويانى وصاحب (المهذب) والبندنيجى والعمرانى؛ وهو المنصوص فيه (الأم) أيضًا؛ ولأنه محض حق الله تعالى فاشبه المحاربه. فإذا قولنا بسقوط حد القطع بالتوبه بعد القدره أو بسقوط حد الزنا والسرقه والشرب بها .. فهل يسقط بنفس التوبه أو يتوقف على إصلاح العمل؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم؛ قال العراقيون والبغوى والرويانى؛ وصححه فى (الشرح الصغير) ونسبه الإمام غلى القاضى حسين ونسب مقابله إلى سائر الأصحاب. تتمه: موضع الخلاف فى السقوط وعدمه فى ظاهر الحكم؛ أما فيما بينه وبين الله تعالى .. فيسقط بلا خلاف؛ لأن التوبه تسقط أثر المعصيه؛ كذا نبه عليه فى زوائد (الروضه) فى (باب السرقه) وهو كما قال. فَصْلٌ:

مَنْ لَزِمَه قِصَاصٌ وَقَطْعٌ وَحَدُّ قَذْفٍ وَطَالَبُوه .. جُلِدَ ثُمَّ قُطِع ثُمَّ قُتِلَ؛ وَيُبَادَرُ بِقَتْلِه بَعْدَ قَطْعِه لَا قَطْعِه بَعْدَ جَلْدِه إِنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومرادهم ب (الحدود) حدود الله خاصه؛ فلا يسقط حد القذف والقصاص بالتوبه قطعًا على المشهور. وخرج فيهما وجه ضعيف؛ قال في (البحر) وهو تخريج كاسد؛ وحكاه ابن كَجٌ قولًا قديمًا فى (حد القذف)؛ وهو غريب. نعم؛ يستثنى من إطلاق المصنف تارك الصلاه كسلًا؛ فإنه يقتل حدًا على الصحيح؛ ومع ذلك لو حضر عند الحاكم وتاب: سقط عنه قطعًا من غير تخريج على القولين؛ لأن القتل موجبه الإصرار على الترك لا الترك الماضى وإن كان يأثم به؛ فإذا تاب وصلى .. بان أن لا سبب؛ فلذلك سقط عنه الحد بالإتفاق؛ ثم إذا أقيم الحد فى الدنيا .. لم يقم فى الآخره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فالله أعدل من أن يُثنى على عبده العقوبه فى الآخره)؛ كذا قال الجيلى؛ ثم قال: وكذا حقوق الآدميين إذا استوفيت أو عفا عنها. وقال البندنيجى: إذا مات قبل استيفاء الحدود .. سقط ما كان لله؛ وحسابه على الله؛ إن شاء .. عذبه؛ وإن شاء .. غفر له. قال: (فصل: من لزمه قصاص وقطعٌ وحدٌّ قذفٍ وطالبوه .. جلد ثم قطع ثم قتل)؛ تقديمًا للأخف؛ ولأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع. قال: (ويبادر بقتله بعد قطعه لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله)؛ لأنه قد يهلك بالموالاه فيفوت قصاص النفس.

وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَاَلَ: عَجَّلُوا اَلْقَطْعَ فِى اَلأَصَحَّ. وَإذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّه .. جُلِدَ؛ فَإِذَا بَرِاءَ .. قُطِعَ؛ وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الطَّرَفِ .. جُلِدَ؛ وَعَلَى مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الطَّرَفُ؛ فَإِنْ بَادَرَ فَقَتَل .. فَلِمُسْتَحِقَّ الطَّرَفِ دِيَتُه؛ وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ اَلْجَلْدِ .. فَاُلْقِيَاسْ: صَبْرُ الآخَرَيْنِ. وَلَوِ اجْتَمَعَ حُدُودٌ لله تَعَالى .. قُدَّمَ اَلأَخَفُّ فَاَلأخَفُّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا إن حضر وقال: عجلوا القطع فى الأصح)؛ خوفًا من هلاكه بالموالاه. والثانى: يبادر؛ لأن التأخير كان لحقه وقد رضى بالتقديم. وخص الإمام الوجهين بمن خيف موته بالموالاه حيث يتعذر قصاص النفس؛ ورأى الجزم بالبدار فى غير ذلك. قال: (وإذا أخر مستحق النفس حقه .. جلد؛ فإذا براء .. قطع)؛ ولا يقطع البرء؛ خشيه ان يفوت قصاص نفسه. قال: (ولو أخر مستحق الطرف .. جلد)؛ وحينذ يتعذر القتل لحق مستحق الطرف. قال: (وعلى مستحق النفس الصبر حتى يستوفى الطرف)؛ لئلا يفوت حقه. قال: (فإن بادر فقتل. فلمستحق الطرف ديته)؛ لأنه فات عليه ومستحق النفس استوفى حقه. قال: (ولو اجتمع حدود لله تعالى .. قدم الأخف فالأخف) أى: وجوبًا سعيًا فى إقامه الجميع؛ كالشرب والزنا والسرقه والرده؛ فأخفها حد الخمر فيقام أولًا؛ ثم يمهل حتى يبرأ؛ ثم يجلد للزنا ويمهل؛ ثم يقطع؛ فإذا لم يبق إلا القتل .. قتل بغير إمهال؛ لأن الأشق لو قدم .. لطال الإنتظار إلى البرء. وهل يقدم قطع السرقه على التغريب؟ قال ابن الرفعه: لم أر لهم تعرضًا لذلك.

أَوْ عُقُوبَاتٌ لله تَعَالَى وَلِلآدَمِيَّينَ .. قُدَّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى زِنًا؛ وَالأَصَحُّ: تَقْدِيمُه عَلَى حَدَّ شُرْبٍ؛ وأَنَّ اَلْقَصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزَّناَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من قوله: (الأخف فالاخف) انه لو اجتمع معه التعزير .. فهو المقدم؛ لأنه أخف من حقوق الآدمى؛ قاله الماوردى. ولو اجتمع قطع سرقه وقطع محاربه .. قطعت يده اليمنى لهما؛ وهل تقطع الرجل معها؟ وجهان: الأصح: نعم؛ وقيل تؤخر حتى تبرأ اليد. قال: (أو عقوبات لله تعالى وللأدميين .. قدم حد القذف على زنًا)؛ كذا نص عليه؛ واختلفوا فى علته: فقال أبو اسحاق لأنه حق آدمى؛ وهو الأصح. وقال ابن أبى هريره: لأنه أخف؛ فيقدم على الشرب على الأول؛ وعكسه على الثانى؛ فلذلك قال: (والأصح: تقديمه على حد شرب؛ وأنَّ القصاص قتلًا وقطعًا يقدم على الزنا)؛ وهذا بناء على المعنيين أيضًا؛ ويجريان فى الزنا وقصاص الطرف والإمهال بعد كل عقوبه إلى الاندمال. تتمه: من زنى مرارًا وهو بكر حد لها حدًا واحدًا وكذا لو سرق أو شرب مرارًا؛ ولو زنى أو شرب فأقيم عليه الحد ثم زنى أو شرب: أقيم عليه حد آخر؛ فإن لم يبرأ من الأول .. أمهل حتى يبرأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أقيم عليه بعض الحد فارتكب الجريمه ثانيًا .. دخل الباقى فى الحد الثانى وإذا زنى فجلد ثم زنى قبل التغريب .. جلد ثانيًا وكفاه تغريب واحد. ولو جدل خمسين فزنى ثانيًا .. جلد مائه وغرب ودخل فى المائه الخمسون الباقيه. ولو زنى وهو بكر ثم زنى قبل يحد وقد احصن .. فهل يكتفى بالرجم ويدخل فيه الجلد أو يجمع بينهما؟ وجهان فى (الشرحين) و (الروضه) من غير ترجيح. قال فيه (المهمات) والصحيح: وجوب الحد. وعلى هذا: لو زنى العبد ثم عتق ثم زنى قبل الإحصان .. فالأصح: أنه يجلد مائه فقط. ويدخل الأقل فى الأكثر؛ لإتحاد الجنس؛ كما صرح به الشيخان وصاحب (التنبيه) فى (كتاب اللعان). ... خاتمه يثبت قطع الطريق بشهاده رجلين لا بشهاده رجل وأمرأتين؛ ويشترط فى الشهاده التفصيل وتعيين القاطع ومن قتله أو اخذ ماله وإذا شهد إثنان من الرفقه على واحد؛ أو جماعه بقطع الطريق على واحد أو جماعه فإن لم يتعرضا فى شهادتهما إلى: أنهم قصدوا أنفسهما ومالهما .. قبلت شهادتهما؛ ولهما أن يشهدا بذلك وإن كانوا تعرضوا له ما؛ وليس للقاض أن يبحث: هل هما من الرفقه أو لا؛ فإن بحث .. لم يلزمهما الجواب؛ ولو طلبا بعد شهادتهما حقهما منهم؛ فإن كان قبل الحكم .. امتنع الحكم؛ وإن كان بعده .. فلا؛ إن قالا: قطعوا علينا الطريق وأخذوا مالنا ومال رفاقنا .. لم تقبل شهادتهما على المذهب

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأشربة هي جمع: شراب، وهو: الذي يشرب، والشريب: المولع بالشراب. و (الشَّرْب) بفتح الشين وسكون الراء: الجماعة يشربون الخمرة، قالت القينة التي غنت حمزة رضي الله عنه في ذلك] من الوافر [: ألا يا حمز بالشرف النواء .... وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها .... وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب .... طعامًا من قديد أو شواء فأنت أبو عمارة والمفدى .... لكشف الضر عنا والبلاء و (الخمر) بالإجماع: المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد، واشترط أبو حنيفة: أن يقذف به، فحينئذ يكون مجمعًا عليه. واختلف أصحابنا في وقوع اسم الخمر على الأنبذة حقيقة: فقال المزني وجماعة بذلك؛ لأن الاشتراك بالصفة يقتضي الاشتراك بالاسم، وهو قياس في اللغة، وهو جائز عند الأكثرين، وهو ظاهر الأحاديث. ونسب الرافعي إلى الأكثرين: أنه لا يقع عليها إلا مجازًا. أما في التحريم والحد ... فهي كالخمر، لكن لا يكفر مستحلها؛ للخلاف فيها، وشربها من أكبر المحرمات بالإجماع، قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} الآية، وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ}، وهو عند الأكثرين الخمر. وفي (الصحيحين) [خ 242 - 2001م]: (كل شراب أسكر فهو حرام). وفي (مسلم) [2003/ 73]: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام). وفي (المستدرك) [4/ 145] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر). وقال عمر وعثمان: إنها أم الكبائر. وكان المسلمون يشربونها في أول الإسلام. واختلف أصحابنا في أن ذلك كان استصحابًا منهم لحكم الجاهلية أو بشرع في إباحتها على وجهين، رجح الماوردي الأول، والمصنف الثاني. وكان تحريمها في السنة الثالثة من الهجرة بعد أحد. وقال ابن خيران: حين كانت مباحة .. لم يثبت أن الإباحة كانت إلى حد يزيل العقل، وكذا قال المصنف في (شرح مسلم). والأصل في تحريمها: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِر} إلى قوله: {فَاجْتَنِبُوهُ}. وروى أبو داوود [3666]: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه). وقال صلى الله عليه وسلم: (من شربها في الدنيا ولم يتب .. حُرِمَها في الآخرة)). وروى مسلم [57]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن). وانعقد الإجماع على تحريمها.

كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ .. حَرُمَ قَلِيلُهُ، وَحُدَّ شَارِبُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (كل شراب أسكر كثيره .. حرم قليله) أي: وكثيره؛ لما روى النسائي [8/ 301] عن سعد بن أبي وقاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره). وفي (الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن البِتْع- وهو نبيذ العسل- فقال: (كل شراب أسكر .. فهو حرام). وروى مسلم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام). وتناول قوله: (شراب) جميع الأنبذة المتخذة من التمر والزبيب والشعير والذرة وغير ذلك، وخرج به: النبات، كالحشيشة التي تأكلها الحرافيش، ونقل الشيخان في (باب الأطعمة) عن الروياني: أن أكلها حرام، ولا حد فيها. وقال القرافي في (القواعد) يجب على آكلها التعزير الزاجر دون الحد، ولا تبطل بحملها الصلاة قال: وسئل بعض الفقهاء عنها، فأفتى بأنه إن حملها قبل أن تحمض أو تلصق .. صحت الصلاة، وإلا .. بطلت. وقال في (الذخيرة) يجب على آكلها الحد والتعزير. وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية: إن الحشيشة أول ما ظهرت في آخر المئة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار، وهي من أعظم المنكرات، وشر من الخمر من بعض الوجوه؛ لأنها تورث نشوة ولذة وطربًا كالخمر، ويصعب الفطام عنها أكثر من الخمر، وقد أخطأ القائل فيها [من التخفيف]: حرموها مِن غيرِ عقلٍ ونقلٍ .... وحرامٌ تحريمُ غيرِ الحرامِ وأما غير الأشربة مما يزيل العقل كالبنج .. فإنه حرام لا حد في تناوله؛ لأنه لا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره. قال: (وحُدَّ شاربه)، سواء سكر أم لا؛ لما روى الحاكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر .. فاجلدوه)، وروى أحمد [2/ 136] والحاكم [4/ 371] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر ..

إِلاَّ صَبِيًا وَمَجْنُونًاوَحَرْبِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فاجلدوه)، وفيه القتل في الرابعة، وهو منسوخ بالإجماع المستند إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)). قال الترمذي في آخر (كتابه) [5/ 736]: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة. قال المنصف: والذي قاله في حديث شارب الخمر صحيح، وأما حديث ابن عباس .. فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل هو محمول على الجمع بعذر المرض ونحوه، وبه قال أحمد والقاضي حسين من أصحابنا والخطابي والمتولي والروياني، وهو المختار. وخرج بقول المصنف: (حد شاربه) ما لو أحقن بالخمر أو استعط كما سيأتي، ودخل فيه الحنفي إذا شرب نبيذًا يعتقد حله على المذهب، وقيل: لا يحد لاعتقاده الإباحة. فإن قيل: إذا وطئ الحنفي في نكاح بلا ولي معتقدًا حله لا حد عليه على الصحيح .. فالجواب: أن النكاح في عقد بلا ولي للواطئ سبيل إلى استباحته بولي فاقتصر في الزجر عنه على مجرد النهي، والنبيذ لا سبيل إلى استباحته فضم إلى النهي الحد؛ ليكون أبلغ في الزجر). فلو فرض شخص لا تسكره الخمر .. حَرُم عليه شربها للنجاسة لا للإسكار، وفي وجوب الحد عليه نظره، والظاهر: وجوبه، كما لو شرب من تؤثر فيه قدرًا لا يسكر. قال: (إلا صبيًا ومجنونًا)؛ لرفع القلم عنهما. قال: (وحربيًا)؛ لعدم الالتزام.

وَذِمِّيًّا وَمُوجَرًا، وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا .. لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ قَرُبَ إِسْلَامُهُ فَقَال: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا .. لَمْ يُحَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وذميًا)؛ لأنه لا يعتقد تحريمها، وفي وجه: نقيمه عليه برضاه بحكمنا. وكلام القاضي حسين يشعر بأن الخلاف إذا أظهروا الشرب، أما المعاهد .. فلا حد عليه قطعًا. قال: (وموجَرًا)؛ لعدم تكليفه؛ لأنه صب في حلقه بغير اختياره. قال: (وكذا مكره على شربه على المذهب)؛ للحديث المشهور. وقيل: وجهان، ويمكن بناؤهما على أن الإكراه هل يبيحه أو لا؟ وفي ذلك أوجه: أصحها: نعم، وبه جزم الرافعي في (الجراح). وقيل: لا. وقيل: يجب، ومحل عدم الوجوب: إذا لم يخف على روحه أو ما يحل محل الروح. ونص في (الأم) و (البويطي) على: أن عليه أن يتقيأ، ونقله في (شروط الصلاة) في (شرح المهذب) عن أكثر الأصحاب، وقيل: يستحب، وكذا حكم سائر المحرمات من المأكول والمشروب. قال: (ومن جهل كونهما خمرًا .. لم يحد)؛ لأنه معذور بالجهل، فلو قال السكران بعد أن صحا: كنت مكرهًا، أو لم أعلم أن الذي شربته مسكر .. صدق بيمينه، قاله في (البحر) في (كتاب الطلاق). قال: (ولو قرب إسلامه فقال: جهلتُ تحريمها .. لم يحد)؛ لأنه قد يخفى عليه ذلك والحدود تدرأ بالشبهات. هذا بالنسبة إلى من نشأ في غير بلاد الإسلام، أما الناشئ بها المخالط للمسلمين إذا أسلم ثم ادعى ذلك .. فالظاهر: أنه لا تقبل دعواه في ذلك؛ لأن الظاهر: أنه يعلم تحريمها على المسلمين.

أَوْ جَهِلْتُ الْحَدَّ .. حُدَّ. وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ، لاَ بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُةُ بِهَا وَمَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ، وَكَذَا حُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ فِي الأَصَحِّ، وَمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ .. أَسَاغَهَا بِخَمْرٍ إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو جهلتُ الحد .. حُدَّ)؛ لأنه إذا علم تحريمها .. كان من حقه أن يجتنبها. قال: (ويحد بدُرْديِّ خمرٍ) وهو: كا يبقى في آخر الإناء من العكر، ومثله الثخين منه إذا أكله بخبز؛ لبقاء عين الخمر فيهما، ولا يحد بأكل اللحم المطبوخ بها؛ لأن عين الخمر لم تبق فيه. قال: (لا بخبزٍ) عجن دقيقه بها ومعجون هي فيه)؛ للاستهلاك، وفيهما وجه. ولو ثرد فيها خبزًا وأكله .. حد. وقال الإمام: من شرب كوب ماء فيه قطراتخمر والماء غالب بصفاته .. لم يحد؛ لاستهلاكه. قال: (وكذا حقنة وسعوط في الأصح)؛ لأن الحد للزجر ولا حاجة إلى الزجر عنهما. والثاني: يحد، كما يحصل الإفطار بهما للصائم. والثالث: يحد في السعوط؛ لأنه ربما أطرب، بخلاف الحقنة. قال: (ومن غَص بلقمة .. أساغها بخمر إن لم يجد غيرها)؛ إنقاذًا للنفس من الهلاك، ويجب عليه ذلك في هذه الحالة؛ لأن السلامة به قطعية، بخلاف التداوي، وتقدم في (صلاة المسافر) أن هذه رخصة واجبة. وحكى إبراهيم المروروذي في تحريم الإساغة وجهين، ورجح صاحب (االإستقصاء) أنه لا يجوز) ويجب الحد. و (غَص) بفتح الغين لا بضمها كما قاله ابن الصلاح وغيره، ومعناها: شرق، لكن المشهور: استعمال شرق في الماء، وغص في غيره.

وَالأَصَحُّ: تَحْرِيمُهَا لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن اللبن لم يشرق به أحد أبدًا؛ فإن الله جعله سائغًا للشاربين). قال: (والأصح: تحريمها لدواء وعطش)، ففي (صحيح مسلم) [1984] عن وائل بن حجر الكندي: أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فقال: إني أصفه للدواء؟ فقال: (إنه ليس بدواء، لكنه داء). ورى البيقهي [10/ 5] وأبو يعلي الموصلي [6966] بإسناد حسن عن أم سلمة أنها قالت: نبذت نبيذًا في كوز، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلي، فقال: ما خذا؟ قلت: اشتكت ابنة لي فنقعت لها هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم). والثاني: يجوز- وبه قال أبو حنيفة- كما يجوز شرب البول والدم وسائر النجاسات للتداوي. والثالث: يجوز للتداوي دون الجوع والعطش؛ فإنه يزيد عطشًا. والرابع: عكسه. والخامس: يجوز للعطش دون الجوع. والسادس: لا يجوز شربها للتداوي، ويجوز شرب الجديد منها للعطش دون العتيق. قال القاضي أبو الطيب: سألت بعض أهل المعرفة بها، فقال: يروي في الحال ثم يثير عطشًا عظيمًا، واستشكله في (الذخائر) في (كتاب الأطعمة) بأنها رواية فاسق لا يقبل، وهذا عجيب؛ لاحتمال إخباره بعد التوبة. ثم الخلاف بالتداوي مخصوص بالقليلِ الذي لا يسكر، وإخبار طبيب مسلم، أو معرفةِ المريض، وأن لا يجد ما يقوم مقامها، وتعجيلِ الشفاء كرجائه في الأصح. وأطلق الرافعي والمصنف الخلاف، ومحله: إذا لم ينته الأمر به إلى الهلاك، فإن أشفى عليه ولم يجد غيرها .. تعين شربها كما يتعين على المضطر أكل الميتة، وكذا نقله الإمام عن إجماع الأصحاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: قال القاضي حسين والماولادي والغزالي وصاحب (الحاوي الصغير) لا حد على المتداوي بالخمر وإن حكمنا بتحريمها، واختاره المصنف في (التصحيح). وإذا احتيج في قطع اليد المتأكِّلة أو السلعة إلى ما يزيل العقل من غير الأشوبة) كالبنج .. خرجه الرافعي على جواز التداوي بالخمر، وصحح المصنف الجواز، وهو المنصوص المفتى به. وإنما يحرم التداوي بصرفها، أما الترياق المعجون بها .. فإنه جائز قطعًا، ولو وجد العطشان خمرًا وبولًا .. شرب البول، وهل يشرب ما يرويه أو يسد رمقه؟ فيه قولان كما في أكل الميتة. فائدة: كان الشيخ يقول: (كل ما يقوله الأطباء في الخمر من المنافع .. فهو شيء كان عند شهادة القرآن بأن فيها منافع للناس قبل التحريم، وأما بعد نزول آية (المائدة) .. فإن الله الخالق لكل شيء سلبها المنافع جملة، فليس فيها شيء من المنافع، قال: ويهذا تسقط مسألة التداوي بالخمر ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) اهـ والذي قاله منقول عن الربيع والضحاك، وفيه حديث أسنده الثعلبي وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لما حرم الخمر .. سلبها المنافع). وكان قيس بم عاصم شرابًا لها في الجاهلية، ثم حرمها على نفسه وقال] من الوافر [: رأيت الخمر صالحة وفيها .... خصال تفسد الرجل الحليما فلا والله أشربها صحيحًا .... ولا أشفي بها أبدًا سقيمًا

وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا أعطي بها ثمنًا حياتي .... ولا أدعو لها أبدًا نديمًا فإن الخمر تفضح شاربيها .... وتُجنيهم بها الأمر العظيما ويروى: أن هذه الأبيات لأبي محجن الثقفي، قالها في ترك الخمر، وهو القائل] من الطويل [: إذا مت فادفني إلى أصل كرمة .... تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني في الفلاة فإنني .... أخاف إذا ما مت ألا أذوقها) وكان عمر قد جلده في الخمر مرارًا ثم تاب وحسنت توبته. وذكر الهيثم بن عدي: أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان- أو قال: بنواحي جرجان- وقد نبت عليه ثلاث أصول كرم، وقد طالت وأثمرت، وهي معرشة على قبره. قال: (وحد الحر أربعون)؛ لما روى مسلم [1707] عن حضين بن المنذر أبي ساسان قال: شهدت عثمان أُتي بالوليد، فشهد عليه رجلان: أحدهما حمران: أنه شرب خمرًا، وشهد آخر: أنه رآه يتقيؤها، فقال عثمان: (إنه لم يتقيأها حتى شربها)، فقال: (يا علي؛ قم فاجلده)، فقال علي: (قم يا حسن فاجلده)، فقال الحسن: (ولِّ حارها من تولَّى قارها)، فكأنه وجد عليه، فقال: (يا عبد الله بن جعفر؛ قم فاجلده)، فجلده وعلي رضي الله عنه بعد حتى بلغ أربعين، فقال: (أمسك)، ثم قال: (جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وهذا أحب إلي). ولا نعرف من يسمى (حضينًا) بالضاد المعجمة غير أبي ساسان، وهو تابعي ثقة، كان إذا رأى زوج ابنته .. قام من مجلسه وقال: مرحبًا بمن ستر العورة وكفى المؤنة، مات سنة تسع وتسعين. وقول الحسن: (ولِّ حارها من تولى قارها) مثل مشهور، معناه: (ولِّ شدتها

وَالرَّقِيقِ عِشْرُونَ بِسَوْطٍ أَوْ يَدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ سَوْطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأوساخها من تولى هنيها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية، أي: كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيَّ الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها، وهذه الرواية وقع فيها: أن عليًا عد على الوليد بن عقبة أربعين. وفي (صحيح البخاري) [3696] من رواية عبد الله بن عدي بن الخيار: أن عليًا جلده ثمانين، والقصة واحدة، وجُمع بينهما بأنه ضربه بسوط له رأسان، فضربه برأسه أربعين، فجملتها ثمانون، ولا يخفى ما فيه، وكذلك قال الأئمة الثلاثة وابن المنذر: الحد ثمانون، ونقله ابن عبد البر قولًا للشافعي. قال: (والرقيق عشرون)؛ لأنه حد يتبعض، فكان العبد فيه على النصف من الحر كالزنا وحد القذف، وفي (البيقهي) [8/ 321] عن عمر وعثمان وعبد الله بن عمر: أنهم جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر. وهل يكون المبعض كالحر أو كالقن؟ فيه نظر، والظاهر: أنه كالرقيق كما صرحوا به في حد القذف. قال: (بسوط أو يد أو نعال أو أطراف ثياب)؛ لما روى الشيخان [خ 6781] عن أبي هريرة قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران، فأمر بضربه، فمنا من ضربه بيده، ومنا من ضربه بنعله، ومنا من ضربه بثوبه). ورويا [خ 6773 - م 1706/ 36] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال). وليس المراد ب (طرف الثوب) الضرب به على هيئته، إنما المراد: أنه يُفتل حتى يشتد، ثم يضرب به، صرح به المَحاملي في (التجريد)، والبغوي في (تعليقته)، وغيرهما. قال: (وقيل: يتعيَّن سوط)؛ لإجماع الصحابة على الضرب به. وفي وجه ثالث: يتعين ما عدا السوط. ومثار الخلاف: أن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بالثياب ونحوها كان لعذر في

وَلَوْ رَأَى الإِمَامُ بُلُوغَهُ ثَمَانِين .. جَازَ فِي الأَصَحِّ، وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيرَاتٌ، وَقِيلَ: حَدٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشارب من مرض أو نحافة، أو كان شرعًا خفف في صفته كما خفف في قدره؟ وجهان). قال: (ولو رأى الإمام بلوغه ثمانين .. جاز في الأصح)؛ لما روى مسلم [1706/ 35] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بشارب فجلده بجريدتين نحو أربعين) – قال-: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر ودنى الناس من الريف والقرى .. استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر) ولم ينكر عليهم أحد. والثاني: لا تجوز الزيادة؛ لأن عليًا رجع عن ذلك، وكان يجلد في خلافته أربعين. قال: (والزيادة تعزيرات)؛ لأنها لو كانت حدًا .. لم يجز تركها. وعبارة المصنف أحسن من قول (المحرر) (تعزير)؛ لأن القائل الثاني أورد أن التعزير لا يجوز أن يبلغ أربعين، فأجاب عنه بأنها تعزيرات على أنواع تصدر عنه؛ من هذيان، وتسببه في إزالة عقله، وفي تعرضه للقذف، وأنواع الإيذاء، وترك الصلاة، وغير ذلك. قال: (وقيل: حد)؛ لأن التعزير لا يكون إلا على جناية محققة، وسيأتي في الباب الذي بعده حكم ما إذا ضربه أكثر من أربعين فمات بذلك.

وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، لاَ بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءِ، وَيَكْفِي فِي إِقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ: شَرِبَ خَمْرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ تذنيب: في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يحثى عليه التراب وأن يبكت، فلما ولى .. شرع القوم يسبونه ويدعون عليه، ويقول القائل منهم: اللهم العنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا هذا، ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)). وظاهر عبارة الماوردي في (الإقناع) أن الترتيب والتبكيت واجب. وروى البيهقي [8/ 321]: أن عمر رضي الله عنه اتي بشيخ قد شرب الخمر في شهر رمضان، فضربه ثمانين ونفاه إلى الشام، وقال: (أفي شهر رمضان وصبياننا صيام)، قال: وأتي علي بشيخ يسكر في شهر رمضان، فضربه ثمانين، ثم أخرجه من الغد وضربه عشرين، ثم قال: (إنما ضربتك هذه العشرين لجراءتك على الله، وإفطارك في شهر رمضان). قال: (ويحد بإقراره أو بشهادة رجلين)؛ لأن ذلك حجة شرعية. قال: (لا بريح خمر وسكر وقيء)؛ لاحتمال أن يكون شرب غالطًا أو مكرهًا. وعن أبي حنيفة: يقام الحد بمجرد الرائحة؛ لأن ابن مسعود جلد بها. روى أبو داوود [4431] عن بريدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكه ماعزًا). وقال ابن أبي هريرة: أحدُّه بالرائحة، إلا أن يدعي ما يسقط الحد. وقول المصنف: (بإقرار أو بشهادة) يفهم: أنه لا يثبت باليمين المردودة، وأن القاضي لا يقضي فيه بعلمه، وهو كذلك فيهما، لكن تقدم: أن الصحيح: أن سيد العبد يقضي فيه بعلمه في حدود الله تعالى، وكأن الفرق: تعلق حق الآدمي به، والحاجة إلى صلاح ملكه. قال: (ويكفي في إقرار وشهادة: شَرِب خمرًا) أي: ولا يحتاج أن يقول: وهو

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ: وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ، وَلاَ يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ، وَسَوْطُ الْحَدِّ: مَا بَيْنَ قَضِيبٍ وَعَصًا وَرَطْبٍ وَيَابِسٍ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ مختار عالم؛ لأن الأصل عدم الإكراه، والظاهر من حال الأكل والشرب: العلم بما يتناوله، كما أن الإقرار بالبيع والطلاق وغيرهما والشهادة عليها لا يشترط فيها التعرض للعلم والاختيار. قال: (وقيل: يشترط: وهو عالم به مختار)؛ لاحتمال الجهل والإكراه، كما أنه لابد من التفصيل في الزنا. والفرق: ان الزنا يعبر به عن مقدماته، كقوله صلى الله عليه وسلم: (العينان تزنيان، واليدان تزنيان))، فاحتيج فيه إلى الاحتياط، بخلاف هذا. قال: (ولا يحد حال سكره)؛ لأن المقصود منه الردع والزجر وذلك لا يحصل حالة السكر، وفي هذا التعليل نظر؛ ففي (البخاري) [6786]: (ان النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسكران فأمر بضربه)). والحكم لا يختص بالشرب، بل جميع حدود الله تعالى كذلك. فلو حد حال سكره .. ففي الاعتداد به وجهان: أصحهما: نعم؛ للحديث المذكور. قال: (وسوط الحد: ما بين قضيب وعصًا ورطب ويابس)؛ لما في (الموطأ) [2/ 825] عن زيد بن أسلم مرسلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يجلد رجلًا، فأتي بسوط خلق، فقال: (فوق هذا)، فأتي بسوط جديد، فقال: (بين هذين).

وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الأَعْضَاءِ إِلاَّ الْمَقَاتِلَ وَالْوَجْهَ، قِيلَ: وَالرَّاسَ، وَلاَ تُشَدُّ يَدُهُ، وَلاَ تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الصلاح: و (السوط) هو: المتخذ من سيور تلوى وتلف، وقال علي رضي الله عنه: سوط الحد بين سوطين، وضربه بين ضربين، ذكره الرافعي، وهو غريب، قال: ولا يرفع الضارب يده فوق رأسه، ولا يضع السوط عليه وضعًا). وقوله: (سوط الحد) ليس للتقييد؛ فإن سوط التعزير كذلك. قال: (ويفرقه على الأعضاء)؛ لئلا يعظم ألمه بالموالاة في موضع واحد؛ لما روى ابن أبي شيبة [6/ 538] وعبد الرزاق [13617] والبيقهي [8/ 327] عن علي رضي الله عنه أنه قال للجلاد: (أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير). والمعنى في التفريق: أن الضرب في الموضع الواحد مهلك للموالاة. قال: (إلا المقاتل) وهي المواضع التي يسرع القتل إليه بضربه فيها، كالصلب والفرج ونقرة النحر ونحوها. قال: (والوجه)؛ لما روى مسلم [2612/ 112:] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضرب أحدكم. ز فليتق الوجه)، ولأنه يجمع المحاسن، وأثر الشين يعظم فيه، بل اتقاء الوجه مطلوب في ضرب كل حيوان. قال: (قيل: والرأس)؛ لنه عضو شريف، وهو أولى من الوجه في الاتقاء، ويخشى من ضربها نزول الماء فى العين. واحتج لعدم اتقاء الرأس بما روى ابن أبي شيبة [6/ 591] عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للجلاد: (اضرب الرأس؛ فإن الشيان فيه). قال: (ولا تشدُّ يدُه)، بل تترك ليتقي بها، وإذا وضعها على موضع ضرب غيره. قال: (ولا تجرد ثيابه)، بل يبقى عليه قميص ونحوه مما لا يمنع ألم الضرب،

وَيُوَالِي الضَّرْبَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما ما يمنع كالجبنة ونحوها .. فينزع عنه؛ مراعاة لمقصود الحد، والذي جزم به المصنف هو المعروف في المذهب. وحكى ابن عبد البر في (التمهيد) عن الشافعي الضرب في الحدود والتعازير مجردًا قائمًا غير ممدود، إلا حد القذف؛ فإنه يضرب وعليه ثيابه، وقال الشافعي: إن كان مدُّهُ صلاحًا مدَّه. قال: (ويوالي الضرب بحيث يحصل زجر وتنكيل)، فلا يجوز أن يضرب في كل يوم سوطًا أو سوطين؛ لأنه لا يحصل المقصود، وهذا بخلاف ما لو حلف لأضربن فلانًا كذا كذا سوطًا؛ فإنه يبرأ إذا فرقها على الأيام؛ لأن المتبع هناك مدلولات الألفاظ، وفي الحد التنكيل والزجر. ويجلد الرجل قائمًا، والمرأة جالسة، وتلف عليها أثوابها، ويتولى لف ثيابها امرأة. قال الماوردي: وإذا كان المحدود متهاتفًا على ارتكاب المعاصي .. ضربه في الملأ، وإن كان من ذوي الهيئات. ضربه في الخلوات. ولا تجلد الحامل حتى تضع وتبرأ من ألم الولادة. تتمة: لا يجوز للإمام العفو عن الحد ولا تجوز الشفاعة فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الشافع والمشفع)). وتستحب الشفاعة الحسنة إلى ولاة الأمور من أصحاب الحقوق ما لم يكن في حد أو أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظر يتيم، أو وقف في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه شفاعة سوء محرمة. واستدل للشفاعة الحسنة بقوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} الآية، وبما في (الصحيحين) [خ 1432 - م 2637] عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا

فَصْلٌ: يُعَزَّزُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أتاه طالب حاجة .. أقبل على جلسائه وقال: (اشفعوا .. تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء). وفي (البيقهي) [6/ 82] عن ابن عمر: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى .. فقد ضاد الله في حكمه). قال: (فصل) عقب المصنف رحمه الله الجنايات السبع الموجبة للحدود بفضل في التعزير. وهو في اللغة: التأديب، وفى الشرع: تأديب على ذنب لا حد فيه. وأصله من العزر، وهو: المنع، ومنه قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ} أي: تدفعوا العدو عنه وتمنعوه، وهو مخالف للحد من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يختلف باختلاف الناس، فتعزير ذوي الهيئات أخف، ويستوون في الحدود. والثاني: تجوز الشفاعة فيه والعفو، بل يستحبان. والثالث: التالف به مضمون في الأصح، خلافًا لأبي حنيفة ومالك. قال: (يعزز في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) بالإجماع، سواء كانت حقًا لله تعالى أو لآدمي، وسواء كانت مقدمة لما فيه حد، كمباشرة أجنبية بغير الوطء، وسرقة ما لا قطع فيه، والسب والإيذاء بغير قذف، أو لم تكن، كشهادة الزور، والضرب بغير حق، والتزوير، وسائر المعاصي، وقد أشار المصنف إلى هذا في آخر الفصل. والأصل فيه قبل الإجماع: قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} الآية، فأباح الضرب عند المخالفة، فكان فيه تنبيه على التعزير. وقال صلى الله عليه وسلم في سرقة التمر: (إذا كان دون نصاب .. فيه غرم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثله) وجلدات نكال) رواه أبو داوود [1707] والنسائي [8/ 85] بمعناه. وفي (الرافعي) أن عمر عزر رجلًا زوَّر كتابًا. وروى البيقهي [8/ 253]: أن عليًا سئل عمن قال لرجل: يا فاسق، يا خبيث، فقال: (يعزر). ويستثنى مما فيه كفارة: الجماع في نهار رمضان؛ فيجب فيه التعزير مع الكفارة، كما صرح به شارح (التقرير) والرافعي في (شرح المسند)، ونقل البغوي في (شرح السنة) فيه الإجماع. ويستثنى ما في (الشامل) في أوائل (الجراح) أن كل موضع قلنا: لا يجب القصاص فيه كقتل الولد والعبد .. فإن القاتل يعزر، ويلزمه البدل والكفارة، وهو المنصوص في (الأم). ونقل أيضًا في (باب جامع السير) عن الشافعي: أن المسلم إذا كتب إلى المشركين بخبر الإمام: إن كان فاعل ذلك من ذوي الهيئات .. لم يعزر؛ لخبر حاطب بن أبي بلتعة)، وإن لم يكن من ذوي الهيئات .. عزر، وهذا يشهد لقول الشيخ عز الدين: إن الأولياء إذا صدرت منهم صغائر .. لا يعزرهم عليها الحاكم، بل تقال عثراتهم، وتستر زلاتهم، قال: وقد جهل أكثر الناس، فزعموا: أن الولاية تسقط بالصغيرة، ويشهد لذلك حديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) رواه أبو داوود [4375] والنسائي [7254]، وصححه ابن حبان [94] بغير استثناء، لكن في رجال إسناده عبد الملك بن يزيد وعطاف بن خالد، وهما ضعيفان. قال الشافعي: والمراد ب (ذوي الهيئات) الذين لا يعرفون الشر، فتترك لأحدهم الزلة. وحكى الماوردي في ذلك وجهين: أحدهما: أنهم أصحاب الصغائر دون الكبائر.

بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: من إذا أذنب تاب. وفي عثراتهم وجهان: أحدهما: الصغائر. والثاني: أول معصية زل فيها مطيع. والزيادة على الأربعين في الخمر إلى الثمانين تعزير على الصحيح كما تقدم، والأربعون حد، فاجتمع الحد والتعزير. وقال الفوراني: تقطيع يد السارق ويعزر، قال مجلي: إذا أراد به: تعليق يده في عنقه .. ، أو غيره .. فمنفرد به. واليمينن الغموس فيها الكفارة والتعزير كما جزم به صاحب (المهذب)، وقول من قال: لا تستثنى هذه؛ لأن في اليمين الغموس جهتين الكذب وانتهاك الاسم المعظم، كما ذكره ابن الصباغ وابن عبد السلام .. مردود؛ لأن اختلاف الجهة لا يخرجها على الاستثناء. ولنا: معصيته ليس فيها حد ولا تعزير ولا كفارة، وهي إذا حمى رجل من عوام المسلمين مواتًا؛ ومنع الناس منه زمانًا، ورعاه، ثم علم الإمام به .. رفع يده عنه ولم يغرمه ما رعاه؛ لأنه ليس بمالك، ولا يعزره؛ لأنه أحد مستحقيه، وإنما ينهاه عن مثل تعديه، كذا قاله الماوردي. وفي زوائد (الروضة) هناك: لو رعى واحد من أهل القوم ماشيته في الحمى .. لا تعزير عليه ولا غرم، قاله أبو حامد مع كونه ارتكب معصية. قال: (بحبس أو ضرب)؛ لأن المقصود الردع، وهو حاصل بكل من ذلك، وله الجمع بينهما إن رآه، لكن لا يبلغ في الحبس سنة، نص عليه الشافعي ومعظم الأصحاب، ووهم الإمام في (الغياثي) حيث نقله عن بعضهم وضعفه. قال: (أو صفع أو توبيخ) أي: باللسان إن رآه، ولا يرقى إلى مرتبةٍ وهو يرى ما دونها كافيًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الصفع) الضرب بجميع الكف، قيل: الضرب بكف مبسوط، وقال الجوهري: الصفع كلمة مولَّدة، والرجل صفعان. قال الماوردي: ويعزر بالإعراض عنه. قال القرطبي: في قوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} دليل على أن العقوبة على قدر الذنب لا على قدر الحسد. وللإمام أن يقتصر على التوبيخ إن رآه مصلحة، وله إشهاره في الناس زيادة على النكال، وهذا محثوث عليه في شاهد الزور، فيشهر على باب المسجد، وفي سوقه وقبيلته، وينادى عليه: هذا شاهد زور فاعرفوه. وإنما تثبتشهادة الزور بإقرار الشاهد، أو بيقين القاضي؛ بأن شُهد بأن فلانًا زنى بالكوفة يوم كذا وقد رآه القاضي في ذلك اليوم ببغداد. قال الرافعي: كذا أطلقه الشافعي والأصحاب، ولم يخرجوه على قضاء القاضي بعلمه. وله أن يجرد المعزر من ثيابه ما سوى العورة. وقال الماوردي: لا يجوز حلق لحيته، ويجوز حلق رأسه، وفي جواز تسويد وجهه وجهان: الأكثرون على الجواز، وقال ابن الصباغ تبعًا لأبي الطيب: لا يجوز أن يركبه ويطاف به؛ للنهي عن المثلة. وقال الماوردي والروياني: يجوز أن يعزر بالصلب ثلاثة أيام فما دونها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلب رجلًا على جبل يقال له: ذُباب، كذا هو في كتب الغريب)، قال البكري: وهو جبل بجبانة المدينة). ولا يمنع من الطعام والشراب والوضوء، ويصلي موميًا ويعيد إذا أرسل، ولا وجه لمنعه الصلاة على الأرض.

وَيَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي القديم: يجوز التعزير بالمال، وسكت الرافعي هنا عن التعزير بالنفي، وذكره في (باب حد الزنا)، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى المخنثين من المدينة)، ونفى الحكم بن أبي العاصي بن أمية إلى الطائف)، وسيأتي خبره في الباب الذي بعد هذا، ونفى رجلًا خضب يديه ورجليه بالحناء كما تقدم في (باب ترك الصلاة). قال: (ويجتهد الإمام في جنسه وقدره)؛ لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد، وعلم من هذا: أنه لا يستوفيه إلا الإمام، وهو كذلك؛ لعموم ولايته، ومعنى تخييره فيه: أنه يجتهد في سلوك الأصلح؛ لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس وباختلاف المعاصي. وليس له أن يفوضه إلى مستحقه ولا إلى المستحق عليه ولا إلى أبيه ولا ابنه، وليس ذلك لغيره إلا ثلاثة: الأب؛ فله تأديب ولده الصغير للتعليم والزجر عن سيئ الأخلاق، والظاهر: أن الأمم ومَن الصبيُّ في كفالته كذلك للأمر بالصلاة والضرب عليها، وليس للأب تعزير البالغ وإن كان سفيهًا على الأصح. الثاني: السيد يعزر رقيقه في حق نفسه، وكذا في حق الله على الأصح. الثالث: الزوج له تعزير زوجته في أمر النشوز على الوجه المتقدم في بابه، وهل له تأديبها إذا كانت تؤذيه بالشتم والبذاءة؟ فيه تردد تقدم. قال القمولي: رأيت فيما علق عن بعض مشايخ عصرنا: أن الظاهر أن للزوج تأديب زوجته الصغيرة للتأديب، والتعليم، واعتياد الصلاة، واجتناب المساوئ. وأفتى جمال الإسلام عمر ابن البَزْري بأنه يجب على الزوج أمر زوجته بالصلاة في أوقاتها، ويجب عليه ضربها على ذلك).

وَقِيلَ: إِنْ تَعَلَّقَ بِآدَمِيٍّ .. لَمْ يَكْفِ تَوْبِيخٌ، فَإِنْ جَلَدَهُ .. وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عِشْرِينَ جَلْدَةً، وَحُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: عِشْرِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: إن تعلق بآدمي .. لم يكف توبيخ)؛ لتأكد حقه. قال في (الروضة) إن تعلقت الجناية بحق آدمي .. فهل يجب التعزير إذا طالب وجهان: أحدهما: يجب، وهو مقتضى كلام صاحب (المهذب) كالقصاص. والثاني: لا يجب، كالتعزير لحق الله تعالى، وهذا هو الذي أطلقه الشيخ أبو حامد وغيره، ومقتضى كلام البغوي ترجيحه. وقال الإمام: وقدر التعزير وما به التعزير إلى رأي الإمام، ولا تكاد تظهر جنايته عند الإمام إلا ويوبخه ويغلظ له القول، فيؤول الخلاف إلى أنه هل يجوز الاقتصار على التوبيخ؟ قال: (فإن جلده .. وجب أن ينقص في عبد عن عشرين جلدة، وحر عن أربعين)؛ لما روى البيهقي [8/ 327] عن النعمان بن بشير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بلغ حدًا في غير حد .. فهو من المعتدين)، ثم قال: والمحفوظ إرساله. قال: (وقيل: عشرين)؛ لأنها حد العبد. وفي وجه ثالث: لا يبلغ أربعين فيهما. وفي رابع: لا يزاد على عشرة أسواط؛ للحديث الثابت في (الصحيحين) [خ 6848 - م 1708] وغيرهما: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى). وجوابه: أنه منسوخ بعمل الصحابة على خلافه من غير إنكار).

وَتَسْتَوِي فِي هَذَا جَمِيعُ الْمَعَاَصِي فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال صاحب (التقريب) لو بلغ الخبر الشافعي .. لقال به؛ فإنه قال: إذا صح الحديث .. فهو مذهبي. وفي خامس: أنا نعتبر كل معصية بما يناسبها مما يوجب الحد، فلا يبلغ بتعزير مقدمات الزنا حد الزنا، وله أن يزيده على حد القذف؛ فله في الحر تسعة وتسعون، وفي العبد تسعة وأربعون، وفي التعريض للقذف تسعة وسبعون للحر، وتسعة وثلاثون للعبد. قال: (وتستوي في هذا جميع المعاصي في الأصح)؛ لعموم الأدلة، سواء كانت من مقدمات ما فيه حد أم لا كما تقدم. والثاني: يعتبر في كل معصية ما يناسبها كالوجه الخامس. فائدة: أهل بدر إذا عمل أحد منهم ذنبًا يقتضي حدًا أو غيره .. أقيم عليه بالإجماع. وأما قوله في حديث حاطب بن أبي بلتعة ما قال) .. فقيل: معناه الغفران لهم في

وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ .. فَلاَ تَعْزِيرَ لِلإِمَامِ فِي الأَصَحِّ، أَوْ تَعْزِبرٍ .. فَلَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدار الآخرة؛ فقد أقام عمر الحد على قدامة بن مظعون في الخمر)، وحد النبي صلى الله عليه وسلم نعيمان فيه أيضًا) وكانا بدريين، وضرب صلى الله عليه وسلم مسطحًا الحد كما تقدم) وكان بدريًا. وقال الخطابي وغيره: المراد الماضي لا المستقبل، وتقديره: أي عمل كان لكم .. فقد غفر؛ لأنه لو كان للمستقبل .. كان جوابه: فسأغفر، ولأنه لو كان للمستقبل .. لكان إطلاقًا في الذنوب، ولا وجه لذلك. وتوضيح هذا: أن القوم خافوا من العقوبة فيما بعد، فقد قال عمر: يا حذيفة؛ هل أنا منهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أسر إليه أمر اثني عشر رجلًا من المنافقين). قال: (ولو عفا مستحق حدٍّ .. فلا تعزير للإمام في الأصح، أو تعزيرٍ .. فله في الأصح)؛ لأن الحد مقدر لا نظر للإمام فيه، وإذا أسقطه .. لم يعدل إلى غيره، والتعزير يتعلق أصله بنظره فلم يؤثر فيه إسقاط غيره. والثاني: له ذلك مطلقًا؛ لأن فيه حقًا لله تعالى. والثالث: لا مطلقًا؛ لأن مستحقه أسقطه، واستدل الرافعي لتركه التعزير بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن جماعة استحقوه، كالذي غل من الغنيمة)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي لوى شدقه حين حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير في شراج الحرة). وخرج بـ (الإمام) السيد، فلو عفا مستحق التعزير عن العبد .. كان لسيده أن يعزره قطعًا؛ للحاجة إلى إصلاح ملكه. تتمة: يعزر من وافق الكفار في أعيادهم، ومن يمسك الحية، ويدخل النار ومن قال لذمي: يا حاج، ومن هنأه بعيد، ومن سمى زائر قبور الصالحين حاجًا، والساعي بالتميمة؛ لكثرة إفسادها بين الناس، قال يحيى بن أبي كثير: يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة. ... خاتمة لا تقام التعزيرات في المسجد، فإن فعلت .. وقعت الموقع، كالصلاة في الدار المغصوبة، كذا قاله الرافعي هنا، وهو يفهم: أن فعل ذلك حرام، وصرح في (أبواب القضاء) بكراهته وفاقًا لابن الصباغ، وسيأتي ذكره هناك. وقال الروياني: إن كان فيه تلويث كقطع يد السارق .. حرم. قال الشيخ: وجمهور العلماء على كراهة ذلك أو تحريمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقام الحدود في المساجد) رواه ابن ماجه [2599]. وكان الشعبي وشريح وابن أبي ليلى يرون إقامة الحدود فيها. ويحكى: أن ابن أبي ليلي مر على امرأة ضربها شاب وهي تقول له: يا ابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزانيين، فأخذها وأدخلها المسجد وضربها حدين في مجلس واحد بغير محضر الأبوين، فقال أبو حنيفة: أخطأ القاضي في خمسة أحكام: كونه عاد إلى مجلسه في غير وقته، وفي إقامة الحد في المسجد، وفي توالي الحدين، وفي استيفاء الحد بغير طلب صاحبه، وفي ضربها قائمة، فشكاه إلى أمير المؤمنين، فمنع أبا حنيفة الفتيا، فاتفق أن سألته ابنته عن مسألة في الحيض فلم يجبها وقال: سلي أخاك حمادًا؛ فإني ممنوع من الفتيا. ***

كِتَابُ الصِّيَالِ وَضَمَانِ الوِلاَةِ

كتاب الصيال وضمان الولاة

كِتَابُ الصِّيَالِ وَضَمَانِ الوِلاَةِ لَهُ دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طِرِفٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصيال وضمان الولاة الصيال والمصاولة: المواثبة، والصائل: الظالم. والمصنف رحمه الله أدرج في الباب حكم الختان وإتلاف البهائم، وعقد في (الروضة) لإتلاف البهائم بابًا، وذكر حكم الختان في (باب ضمان إتلاف الإمام)، وافتتحه في (المحرر) بقوله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) وهو في (البخاري) [2443] عن أنس، واستؤنش له أيضًا بقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. قال: (له دفع كل صائل)، سواء كان الصائل كافرًا أو مسلمًا، قريبًا أو أجنبيًا، حرًا أو عبدًا، فيجوز للمصول عليه دفعه. قال: (على نفس أو طرف أو بُضع أو مال)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون دينه .. فهو شهيد، ومن قتل دون دمه .. فهو شهيد، ومن قتل دون ماله .. فهو شهيد، ومن قتل دون أهله .. فهو شهيد) رواه أبو داوود [4739] وصححه الترمذي [1421]، وفي (الصحيحين) [خ 2480 - م 141] ذكر المال فقط). وجه الدلالة: أنه لما جعله شهيدًا دل على أن له القتل والقتال، ومحل ذلك: إذا لم يجد ملجأ كحصن ونحوه، فلو استطاع الهرب .. وجب عليه كما سيأتي؛ لأنه نوع من الدفع، والدفع عن البضع أولى من الدفع عن المال؛ لأنه لا يباح بالإباحة، وفي معناه من قصد الاستمتاع بأهله فيما دون الفرج. وألحق الروياني الأخت والبنت بالزوجة، وقال: يلزمه الدفع عن الثلاثة.

فَإِنْ قَتَلَهُ .. فَلاَ ضَمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق في المال بين القليل والكثير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (حرمة مال المسلم كحرمة دمه))، وكان الشيخ زين الدين الكتناني يستشكل: أنهم لم يفرقوا بين المال القليل والكثير، ويقول: كيف يكون المقدر في السرقة بربع دينار وما فيه سوى قطع الطرف، والدفع قد يؤدي إلى هلاك النفس والمال فيه قليل. ولا فرق على المذهب بين أن يكون ملكًا له أو لأجنبي، حتى لو رأى إنسانًا يتلف مال نفسه دفعه عنه، بل يجب على أصح، أو رأه يشرخ رأس حماره. فروع: سئل ابن تيمية عن جند قاتلوا عربًا نهبوا أموال تجار ليردوه إليهم؟ فقال: هم مجاهدون في سبيل الله، ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة. ولو صال قوم على النفس والبضع والمال .. قدم الدفع عن النفس على الدفع عن البضع والمال، والدفع عن البضع على المال، والمال الخطير على الحقير، قال الشيخ عز الدين: إلا أن يكون صاحب الحقير لا مال له غيره .. ففيه نظر. ولو صال اثنان على متساويين في نفسين أو بضعين أو مالين ولم يتيسر دفعهما معًا .. دفع أيهما شاء. ولو صال أحدهما على صبي باللواط والآخر على امرأة بالزنا .. فيحتمل أن يبدأ بصاحب الزنا للإجماع على وجوب الحد فيه، ويحتمل أن يقدم الآخر؛ إذ ليس إلى حله سبيل، ولما فيه من إبطال شهامة الرجال. قال: (فإن قتله) أي: دفعًا) .. فلا ضمان) بقود ولا دية ولا كفارة؛ لما روى مسلم] 140 [عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه) قال: إن

وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ, وَيَجِبُ عَنْ بُضْعٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قاتلني؟ قال: (فاقتله) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (أنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار). ولأنه مأمور بدفعه, وفي الأمر بالقتال والضمان منافاة, والمعنى فيه: أنه أبطل حرمة دمه بإقدامه. فإن قيل: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وليس هذا منها .. فالجواب: أن المباح هنا ليس القتل بل الدفع, فإن أدى إلى القتل .. فهو سراية متولدة من فعل مباح من غير قصد إلى القتل, أو معنى الحديث: لا يحل قتله صبرًا. فرع: صالت حامل على إنسان فدفعها فألقت جنينها ميتًا .. فالأصح: لا يضمنه, كما لو تترس المشرك في القتال بمسلم واضطر المسلم إلى الرمي فقتله, ومن هذا يعلم أن دفع الحامل كدفع غيرها, ويشبه أن يخرج على تترس المشركين بالصبيان, وسيأتي نظيرها في الهرة الحامل أنا أتلفت طيرًا ونحوه. قال: (ولا يجب الدفع عن مال) أي: لنفسه؛ فإنه تجوز إباحته للغير. هذا في الجماد, أما الحيوان .. فالرقيق المعصوم كالحر, وكذا غيره من الحيوان كما قاله البغوي, فيجب الدفع عنه ما لم يخش على نفسه؛ لحرمة الروح. قال: (ويجب عن بضع) لأنه لا سبيل إلى إباحته, وظاهر كلام الرافعي وغيره: أنه لا خلاف فيه, وشرط البغوي والمتولي للوجوب: أن لا يخاف على نفسه. وفي (سنن البيهقي) [8/ 337]: أن امرأة خرجت تحتطب فتبعها رجل فراودها عن نفسها فرمته بفهر فقتلته, فرفع ذلك لعمر فقال: (فقيل الله, والله لا يودى هذا أبدًا) ولم يخالفه أحد, فكان إجماعًا.

وَكَذَا نَفْسٌ قَصَدَهَا أَوْ بَهِيمَةٌ, لَا مُسْلِمٌ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا نفس قصدها كافر)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، ولأنه إن كان مرتدًا أو حربيًا .. فلا حرمة له, وإن كان ذميًا .. فبالصيال بطلت حرمته, والاستلام للكافر ذل في الدين. قال: (أو بهيمة)؛ لحقارتها, وهذا لا خلاف فيه, فيجب دفعها؛ لاستبقاء، المهجة. قال: (لا مسلم في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ}، وهذا وإن كان شرع من قبلنا .. فقد ورد في شرعنا ما يقرره, وهو ما رواه أحمد [2/ 100] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع أحدكم أنا جاء شخص يقتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة). وفي (الترمذي) [2194] و (أبي داوود) [4258]: (كن كخير ابني آدم) , وفيه: (كن عبد الله المقتول, ولا تكن القاتل) قال ابن الصلاح: لم أجده في الكتب الخمسة وغيرها, والعجب من إمام الحرمين كيف قال: إنه صحيح, لكن صح: أن عثمان منع عبيده أن يدفعوا عنه وكانوا أربع مئة, وقال: (من ألقى سلاحه .. فهو حر). وخالف المضطر؛ فإن في القتل شهادة بخلاف ترك الأكل. والثاني: يجب كما يجب على المضطر. إحياء نفسه بالأكل. وقال القاضي أبو الطيب: إنه المشهور الذي قال به سائر الأصحاب. وأما ترك عثمان رضي الله عنه القتال .. فلأنه علم أن لا حياة له؛ لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره بذلك كما رواه أحمد في (مسنده) [1/ 72]. وأنا قلنا: لا يجب الدفع .. فهل تركه مباح أومندوب؟ فيه خلاف.

وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ, وَقِيلَ: يَجِبُ قَطْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ولا خلاف في استحباب الإيثار وإن أدى إلى هلاك المؤثر؛ فهو من شيم الصالحين, كما يؤثر المضطر مضطرًا آخر. قال: (والدفع عن غيره كهو عن نفسه) , فيجب حيث يجب, وينتفي حيث ينتفي, ففي (مسند أحمد) [3/ 487] عن سهل بن حُنيف: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنلَّ عنده مسلم فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره .. أنلَّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة). قال: (وقيل: يجب قطعًا)؛ لأن له الإيثار بحق نفسه دون غيره. وفي المسألة طريقة ثالثة: أنه لا يجب قطعًا, ونسبها الإمام إلى معظم الأصوليين؛ لأن شهر السلاح مُحرِّك للفتن, وليس ذلك من شأن آحاد الناس, بل ذلك للأئمة. وعلى ذلك: هل يحرم أو يجوز؟ فيه خلاف عنهم, وجزم في (الوجيز) بتحريمه. قال الإمام نصر: لا يختص الخلاف بالصائل, بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره .. فهل للآحاد منعه بما يجرح أو يأتي على النفس؟ فيه وجهان: قال الأصوليون: لا, والفقهاء: نعم, قال الرافعي: وهو الموجود في المذهب, حتى قالوا: له هجم البيت لإراقته وتفصيل الطنبور ويمنعهم, فإن أبوا .. قاتلهم, وإن أتى على أنفسهم .. فلا ضمان, ومحل القول بالوجوب: ما أنا لم يخف على نفسه, كما جزم به الرافعي هنا وإن اقتضى كلامه في (السير) خلافه. وقوله: (كهو) كثيرًا ما يستعمله المصنف وغيره من الفقهاء, وهو قليل؛ فإن الكاف لا تجر الا الظاهر فقط, وجرها ضمير الغائب قليل, وقد تقدم هذا في) باب صلاة العيدين) وغيره. تذنيب: قال في (الإحياء) مهما قدر على حفظ مال غيره من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه أو خسران في ماله .. وجب عليه, وهو أقل درجات حقوق المسلم,

وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إِلَّا بِكَسْرِهَا .. ضَمِنَهَا فِي الأَصَحِّ. وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالأَخَفِّ, فَإِنْ أَمْكَنَ بِكَلاَمٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ .. حَرُمَ الضَّرْبُ, أَوْ بِضَرْبٍ بِيَدٍ .. حَرُمَ بِسَوْطٍ .. حَرُمَ بِعَصَا, أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ .. حَرُمَ قَتْلٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا خلاف أن مال المسلم أنا كان يضيع بظلم ظالم أو كان عنده شهادة لو أداها لرجع الحق إليه .. وجب عليه ذلك وعصى بكتمانها. وفي معنى ترك الشهادة: ترك كل دفع لا ضرر فيه على الدافع, فإن كان يتعب بإخراج البهائم عن الزرع .. لم يلزمه ذلك, وإن كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نومه أو بإعلامه .. لزمه ذلك, وإن تشوش من ذلك .. لم يلزمه. قال: (ولو سقطت جرة ولم تندفع عنه إلا بكسرها .. ضمنها في الأصح)؛ لأنه لا قصد لها ولا اختيار, بخلاف البهيمة. والثاني: لا يضمنها كما لا يضمن البهيمة, ومثل الجرة لو حالت بهيمة بين جائع وطعامه ولم يصل إليه إلا بقتلها. قال الرافعي: ويمكن أن يصحح هنا عدم الضمان كوطء المحُرِم جرادًا عمَّ المسالك, ولا يخفى أن المسألة مصورة بما أنا كانت موضوعة في غير محل عدوان, وإلا .. لم يضمن قطعًا, كما أنا رفعت بروشن ونحوه من المنحرفات, أو وضعها على معتدل مائلةً, أو على حالة يغلب عليها السقوط .. لم يضمنها الكاسر؛ لأن متلفها واضعها. قال: (ويدفع الصائل بالأخف)؛ لقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} , والمراد: بحسب ما يقتضيه الحال؛ لأنه جوز للضرورة ولا ضرورة في الأصعب مع إمكان الأسهل. قال: (فإن أمكن بكلام أو استغاثة .. حرم الضرب, أو بضرب بيد .. حرم بسوط, أو بسوط .. حرم بعصا, أو بقطع عضو .. حرم قتل)؛ لأنه محل ضرورة, فلو ضربه فولى هاربًا أو سقط فبطل صيالة فضربه ضربة أخرى .. فالثانية مضمونة بالقصاص وغيره, فإن مات منهما .. لم يجب قصاص النفس, ووجب نصف الدية؛ لأنه حصل من مضمون وغير مضمون, ولو عاد بعد الجراحتين إلى الصيال فضربه ثالثة

وَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ .. فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُهُ وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ. وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ .. خَلَّصَهَا بِالأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ, فَإِنْ عَجَزَ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ .. فَهَدَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فمات منها .. فعليه ثلث الدية. ويستثنى من مراعاة التدريج: أنا رآه يولج في أجنبية؛ فله أن يبدأه بالقتل وإن اندفع بدونه, قاله الماوردي والروياني؛ فإنه في كل لحظة مواقع, فلو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا ولم يجد الدافع إلا سيفًا أو سكينًا .. فالصحيح: أن له الضرب به, كما لو وجد الظافر غير جنس حقه. قال: (وإن أمكن هرب .. فالمذهب: وجوبه وتحريم قتال)؛ لأنه ضرب من الدفع وهو مأمور بتخليص نفسه بالأسهل فالأسهل, والهرب أسهل الأمرين, ومثل الهرب الالتجاء إلى حصن أو قبة كما تقدم. والثاني: له أن يثبت ويقاتل؛ بناء على وجوب الدفع. والطريق الثاني: إن تيقن النجاة بهرب .. وجب, وإلا .. فلا؛ حملًا للنص على الحالين. ومقتضى كلامه: أنه أنا قاتل مع إمكان الهرب .. لزمه القصاص أنا قتل, والذي صرح به البغوي لزوم الدية. قال: (ولو عُضت يده .. خلَّصها بالأسهل من فك لحييه وضرب شدقيه, فإن عجز فسلها فندرت أسنانه .. فهدر)؛ لأن النفس لا تضمن في الدفع فكذا الأبعاض. وقال مالك: أنا سقطت الأسنان .. ضمنها, وكذلك أنا فك اللحيين. واحتج الجمهور بما روى الشيخان [خ 6892 - م 1673/ 18] عن عمران بن حصين: أن رجلًا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه, فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: (يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل! لا دية لك). قال الشافعي: وسواء كان العاض ظالمًا أو مظلومًا؛ لأن العض حرام بكل حال, واليه أشار في الحديث بقوله: (كما يعض الفحل). ولو أمكنة التخلص بضرب فيه .. لا يعدل إلى غيره, فإن لم يمكنه إلا ببعج بطنه أو فقء عينه أو عصر خصيتيه .. جاز على الصحيح.

وَمَنْ نَظَرَ إِلَى حُرَمِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ عَمْدًا فَرَمَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعضوض في الحديث أجير ليعلى بن أمية, وقيل: هو يعلى, والأول أشهر. فائدة: العض بالضاد أنا كان بجارحة, وما كان بغيرها .. فهو بالظاء, نحو: عظت الحرب, وعظ الزمان, قال: الفرزدق [من الطويل]: وعظ زمان يا ابن مروان لم يدع .... من المال إلا مسحَتًا أو مجلَّف قال أبو الغوث: المسحَت: المهلك, والمجلف: الذي بقيت منه بقية, يريد: إلا مسحتًا, أو هو مجلف, وهو الذي ذهبت أمواله. وقالت عنبة أم حاتم الطائي [من الطويل]: لعمري لقد ما عظني الدهر عظة .... فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا فقولا لهذا اللائم اليوم أعفني ..... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا تذنيب: سكت المصنف تبعًا للرافعي عن تقديم الإنذار بالقول, وهو لا يجب بلا خلاف, وكلام صاحب (التقريب) يقتضي طرد الخلاف فيه, فلو تنازعا في أنه أمكنه الدفع بشيء فعدل إلى ما هو أغلظ منه .. فالقول قول المعضوض بيمينه, كذا جزم به في (البحر) , وليكن الحكم كذلك في الصائل. قال: (ومن نظر إلى حُرَمه في داره من كَوَّة أو ثَقب عمدًا فرماه) أي: في حالة

بِخَفِيفٍ كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ, أَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ .. فَهَدَرٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ نظره) بخفيف كحصاة فأعماه, أو أصاب قرب عينه فجرحه فمات .. فهدر) مع إمكان زجره بالكلام؛ لما روى البخاري [6888] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اطلع في بيت قوم بغير أننهم ففقؤوا عينه .. فلا جناح عليهم (, وفي رواية: (فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه. وفي (ابن حبان) [6004] و (النسائي) [سك 7036]: (من اطلع في بيت قوم بغير أننهم ففقؤوا عينه .. فلا دية له ولا قصاص) قال البيهقي في (خلافياته) إسناده صحيح. وفي (الصحيحين) [خ 6901 - م 2156] عن سهل بن سعد: أن رجلًا اطلع في حجرة من حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه مِدرىً يحكُّ به رأسه, فلما رآه صلى الله عليه وسلم .. قال له: لو علمت أنك تنظر .. لطعنت به في عينك, إنما جعل الاستئذان من أجل البصر). وهذا الناظر هو الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس, وكان من مسلمة الفتح, وهو الذي مر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ويل لأمتي مما في صلب هذا) , ونفاه إلى الطائف؛ لأنه كان إذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم اختلج بوجهه, فقال له: كن كذلك, فلم يزل يحرك شفتيه وذقنه حتى مات, ولعنه النبي صلى الله عليه وسلم وابنه مروان في ظهره, ولم يزل منفيًا إلى خلافة عثمان. والمخالف في المسألة أبو حنيفة ومالك, فقالا: لا يجوز رمي الناظر, ويجب ضمانه؛ لأنه يمكنه دفعه عن النظر بالاحتجاب عنه وسد الكوى والإنذار بالكلام ونحوه, ولأن النظر ليس أولى من الدخول عليه, ولو دخل داره .. لم يكن له أن يفقأ عينه بالاتفاق. تنبيه: شمل قوله: (من نظر) الرجل والمرأة والمراهق, وهو كذلك على الأصح,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن في جواز رمي المراهق نظر؛ لأنه غير مكلف, ولهذا لا يقام عليه شيء من الحدود. فإن لم يكن فيها حُرَم بل المالك وحده, فإن كان مكشوف العورة .. فله الرمي, وإلا .. فلا في الأصح. واحترز بـ) داره) عما لو كشف عورته في شارع أو مسجد فنظره غيره .. فإنه لا يجوز له رميه؛ لأنه موضع لا يختص بقوم دون قوم. ولو كانت الدار ملك الناظر, فإن كان من فيها مستأجرًا .. فله الرمي, أو غاصبًا .. فلا, وإن كان مستعيرًا .. فوجهان أطلقهما الشيخان: والأقوى: جواز رميه, كما يقطع بسرقة ما فيها. ويقاس بـ) الكوة والثقب) شق الباب, سواء وقف الناظر في شارع, أو سكة منسدة الأسفل, أو ملك نفسه؛ إذ ليس للواقف في ملكه مد النظر إلى حُرَم الناس. واحترز بقوله: (عمدًا) عما إذا كان اتفاقًا أو خطأ؛ فإنه لا يرمى إذا علم بذلك صاحب الدار. فلو ادعى المرمي عدم القصد .. فلا شيء على الرامي؛ لأن الاطلاع حصل والقصد باطن, وهو ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق قصده, وفي كلام الإمام ما يدل على المنع حتى يتبين الحال, قال الرافعي: وهو حسن, ويؤيده حديث سهل بن سعد المتقدم, فلو نظر من الباب المفتوح أو كوة واسعة .. لم يرم إذا كان مارًا, وكذا إذا وقف وتعمد في الأصح. واحترز بـ) الخفيف) عما إذا رماه بثقيل كحجر كبير, أو رشقه بسهم؛ فإنه يتعلق به القصاص والدية على الصحيح؛ لتعديه.

بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلْنَاظِرِ, قِيلَ: وَاسْتِتَارِ الْحُرَمِ, قِيلَ: وَإِنْذَارٍ قَبْلَ رمْيِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (قرب عينه) أفهم: أنه إذا أصاب موضعًا بعيدًا من عينه .. فإنه لا يضمن. قال الرافعي: إن كان بعيدًا لا يخطئ من العين إليه .. ضمن, وإن كان قريبًا .. فلا. وقال البغوي: إن أصاب موضعًا بعيدًا من عينه بلا قصد .. لم يضمن. قال: (بشرط عدمِ محرم وزوجة للناظر) , فإن كان ذلك .. لم يجز رميه بلا خلاف كما قاله في (الوسيط)؛ لأن له في النظر شبهة, وكذلك لو كان الناظر محرمًا لحُرَم صاحب البيت .. فلا يرمى إلا أن تكون متجردة؛ إذ ليس للمحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة. وقيل: يجوز رميه, وإن كان له فيها محرم, حكاه أبو الفرج الزاز, واستدل له بما روى مالك [2/ 963] عن عطاء بن يسار: أن رجلًا قال: يا رسول الله؛ أستأذن على أمي؟ قال: (نعم) قال: يا رسول الله؛ إني معها في البيت؛ قال: (استأذن عليها) فقال: إني خادمها, فقال: (استأذن عليها, أتحب أن تراها عريانة؟!) قال: لا, قال: (فاستأذن عليها) لكنه مرسل. فلو كان للناظر في البيت مال .. فهو كما لو كان له فيه حُرَم. قال: (قيل: واستتار الحُرَم) أي: قيل: يشترط في جواز الرمي عدم استتار الحُرَم, فإن كن مستترات أو كن في بيت أو منعطف لا يمتد النظر إليهن .. لا يجوز قصد عينه؛ لعدم الاطلاع على شيء. والأصح: عدم اشتراط ذلك؛ لعموم الأخبار, ولأن الحُرَم لا يدرى متى يستترن وينكشفن فيحسم باب النظر. وفي عبارة المصنف نظر؛ فإن الأصح في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) أنه لا يشترط عدم استتار الحرم فيكون مقابله عدم استتارهن. قال: قيل: وإنذار قبل رميه)؛ جريًا على قياس الدفع بالأهون فالأهون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: يجوز رميه قبل الإنذار. وفي عبارة المصنف قلق؛ لأن تقديرها بشرط عدم مَحرم وبشرط عدم استتار الحرم. وقيل: يشترط تقدم الإنذار. وعبارة (المحرر) والأظهر: أنه لا فرق بين أن تكون الحُرَم في الدار مستترات أو منكشفات، وأنه لا يجب تقديم الإنذار على الرمي، وهي أوضح من عبارة الكتاب. فروع: لو وضع أذنه في شق الباب أو وقف من وراء الباب يسمع .. لم يجز رمي أذنه في الأصح. وحكم النظر من سطح أو منارة كالنظر من شق الباب على الأصح؛ إذ لا تفريط من صاحب الدار. ولو وضح الأعمى عينه في شق الباب فرماه .. ضمن. ولو انصرف الناظر قبل الرمي .. لم يجز أن يتبعه ويرميه بلا خلاف، كالصائل إذا أدبر. ولو دخل بيت رجل بغير إذنه .. كان له دفعه بما يتيسر، ولا يتعين قصد عضو منه، وقيل: تتعين الرجل؛ لأنها الجانية، كما يتعين قصد العين في النظر. والخيمة في الصحراء كالبيت في البنيان. ولو أخذ المتاع وخرج .. فله أن يتبعه ويقاتله إلى أن يطرحه. ولا يجوز دخول بيت شخص إلا بإذنه مالكًا كأن أو مستأجرًا أو مستعيرًا، فإن كان أجنبيًا أو قريبًا غير محرم .. فلا بد من إذن صريح، سواء كان الباب مغلقًا أو مفتوحًا. وأن كان محرمًا، فإن كان ساكنًا مع صاحبه فيه .. لم يلزمه الاستئذان، ولكن

وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيُّ وَوَالٍ وَزَوْجٌ وَمُعَلِّمٌ .. فَمَضْمُونٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه أن يشعره بدخوله بنحنحة أو شدة وطء: ليستتر العريان. وإذ لم يكن ساكنًا، فإن كان الباب مغلقًا .. لم يدخل إلا بإذن وإذ كان مفتوحًا .. فوجهان. قال: (ولو عزر ولي ووال وزوج ومعلم .. فمضمون) لما فرغ من الصيال تكلم في ضمان الولاة، والعقوبة من الوالي إما حد أو تعزير، فالتعزير إذا حصل منه إتلاف .. وجب ضمانه؛ لأنه يتبين بالهلاك أنه تجاوز الحد المشروع، واحتج له بما روى البيهقى [8/ 322] عن الصحابة: أنهم حكموا في التي بعث إليها عمر لريبة فأجهضت ذا بطنها بوجوب دية الجنين. وادعى القاضي أبو الطيب الإجماع على ضمان الزوج، وقيس عليه الباقي بجامع إرادة الإصلاح بضرب لم يقدره الشارع في آدمي. واحترز بذلك عن المستأجر إذا ضرب الدابة المستاجرة الضرب المعتاد فهلكت .. فإنه لا يضمن؛ لأنها لا تتأدب إلا بالضرب، بخلاف الآدمي. والمراد ب (كونه مضمونًا) أن الواجب فيه دية شبه العمد ووراء ما ذكره المصنف أوجه: أحدها: لا ضمان فيه، حكاه الشاشي وابن يونس، وقال ابن الرفعة: إنه لم يره لغيرهما، وإليه ذهب جماهير العلماء. والثاني: أنه لا ضمان إذا عزر لحق أدمي؛ بناء على أنه واجب إذا طلب المستحق فصار كالحد. والثالث: إن كان من جنس ما يجب فيه الحد كسرقة ما دون النصاب والزنا فيما دون الفرج .. لم يجب الضمان، وسواء ضرب المعلم بإذن الأب أم بغيره. واقتصار المصنف على هذه الأربع يخرج السيد في عبده؛ فإنه غير مضمون. وكذا لو ضرب بإذن السيد لا ضمان؛ لأنه لو أمر بقتله فقتله .. لم يجب الضمان، فإذا قا السيد لآخر: اضرب عبدي، فضربه فمات .. لم يضمن: لأن لفظ الضرب مطلقًا لا تقييد فيه، كذا نقله الرافعي في (كتاب الرهن) عن النص والإمام هنا عن

وَلَوْ حَدَّ مُقَدَّرًا .. فَلاَ ضَمَانَ. ولَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ .. فَلاَ ضَمَانَ عَلَى اٌلصَّحِيحِ، وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ العراقيين، ثم قال: وفية نظر؛ لأن الضرب يخالف القتل. كل هذا إذا لم يسرف المعزر ويظهر منه قصد القتل، فإن كان كذلك .. لزمه القصاص أو الدية المغلظة. قال: (ولو حدَّ مقدرًا) أي: فمات) .. فلا ضمان)؛ لأن الحق قتله، سواء في ذلك الحد والقطع؛ لأنها منصوص عليها، وحكي ابن المنذر الإجماع. نعم: لو أقيم الحد في حر مفرط أو برد كذلك .. فقيه خلاف تقدم، والظاهر: أنه لا ضمان. قال: (ولو ضرب شارب بنعال وثياب .. فلا ضمان على الصحيح) كما في سائر الحدود. والثاني: يضمن؛ بناء على أنه لا يجوز أن يحد بذلك، فعدوله عن الجنس الواجب أوجب الضمان. قال: (وكذا أربعون سوطًا على المشهور)؛ لأن الصحابة أجمعت على أنه يضرب أربعين جلدة وقد جلد بسوط الحدود فلا يتعلق به ضمان، كالجلد في الزنا والقذف. والثاني: أنه يضمن؛ لأن تقديره بالأربعين كان بالاجتهاد. وفي (الصحيحين) [خ 6778 - م 1707/ 39] عن علي: (ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت منه فأجد منه في نفسي إلا شارب الخمر؛ فإنه إن مات وديته، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه) قال البيهقي: إنما أراد به _ والله أعلم-: أنه عليه الصلاة والسلام لم يسنه زيادة على الأربعين، أو لم يسنه بالسياط، وقد سنه بالنعال وأطراف الثياب بمقدار أربعين، وهذا نص عليه في (الأم) وعليه الجمهور. فإن أوجبنا .. ضمن الجميع، وقيل: النصف، وقيل: يوزع على التفاوت بين

أَوْ أَكْثَرُ .. وَجَبَ قِسْطُهُ بِاٌلْعَدَدِ، وَفي قَوْلٍ: نِصْفُ دِيَةٍ، وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَماَنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ألم السياط والضرب بالنعال وأطراف الثياب، وهو شيء لا يتأتّى ضبطه. ووقع في (الكفاية) أن المصنف صحح الثاني، وهو وهم. قال: (أو أكثر .. وجب قسطه بالعدد)؛ نظرًا للزائد على الحد فقط، فلو ضربه إحدى وأربعين فمات .. ضمن جزءًا من أحد وأربعين جزءًا من ديته؛ لأن الضرب يقع على ظاهر البدن فهو قريب التماثل فقسط الضمان على عدده. فعلى هذا: لو كان الزائد عشرة .. ضمن خمس الدية، أو أربعين .. ضمن نصفها، أو خمسين .. ضمن خمسة أسباعها. قال: (وفي قول: نصف دية)؛ لأنه مات من مضمون وغير مضمون، فأشبه ما لو جرح نفسه عشر جراحات وجرحه أخر جراحة فمات. والفرق على المذهب: أن الجراحات قد يحصل من واحدة منها غرر لم يحصل من غيرها. وفي قول ثالث: يجب ألجميع؛ لأنه عدل عن الجنس الواجب في الحد إلى غيره. قال: (ويجريان في قاذف جُلد أحدًا وثمانين)، كذا في أصل المصنف ذكره؛ لإرادة السوط، وفي (المحرر) إحدى؛ لإرادة الجلدة، وهو أحسن؛ لموافقة القرآن، قال تعالى: {مِئَةَ جَلْدَةٍ}، {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ففي قول: يجب نصف دية. والأظهر: جزء من إحدى وثمانين جزءًا، ولم يتعرض في (الروضة) للثالث؛ وهو: وجوب كل الدية، ولا مجيء له؛ لأن لنا في الأربعين في حد الشرب قولًا: إنه مضمون، بخلاف حد القذف. وإذا أمر الإمام الجلاد بثمانين في الشرب فزاد واحدة ومات المحدود .. ففيه أوجه: أصحهما: توزع الدية على إحدى وثمانين جزءا فتسقط أربعون وتلزم الإمام أربعون ويلزم الجلاد جزء.

وَلِمُسْتَقِلِّ قَطْعُ سِلْعَةٍ إِلاَّ مَخُوفَةً لاَ خَطَرَ فِي تَرْكِهَا، أَوِ اٌلْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يسقط ثلث الدية، وعلى الإمام ثلثها، وعلى الجلاد ثلثها؛ لأنه مات من ثلاثة أنواع: ضرب جائز، وضرب واجب، وضرب محرم، فتسقط حصة الواجب، وتجب حصة الأخيرين. والثالث: يسقط نصفها ويجب نصفها عليهما نصفين؛ لأنه مات من مضمون وغير مضمون. والرابع: يجب نصفها عليهما، على الإمام منه أربعون جزءًا، وعلى الجلاد جزء، وما لزم الجلاد .. فهو على عاقلته، وما لزم الإمام .. فهل هو على عاقلته أو على بيت المال؟ فيه الخلاف الآتي. قال: (ولمستقل قطع سلعة)؛ لأن له غرضًا في إزالة الشين ولا ضرر فيه كالفصد والحجامة، سواء قطع ذلك بنفسه أو أذن فيه لغيره. و (المستقل) هو: البالغ العاقل، فخرج ضدهما. و (السلعة) بكسر السين: خراج كهيئة الغدة بين اللحم والجلد يكون من الحمصة إلى البطيخة، وحكي فتح سينها مع سكون اللام وفتحها. قال شرحبيل الجعفي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وبكفي سلعة، فقلت: يا رسول الله؛ إن هذه السلعة قد حالت بيني وبين قائم سيفي أن أقبض عليه وحالة بيني وبين عنان الدابة، فقال: (ادن مني) فدنوت منه؛ فقال: (افتح كفك) ففتحتها، ثم قال: (اقبض يدك) فقبضتها، ثم قال: (افتحها) ففتحتها، ثم تنفس فيها، ثم لم يزل يطحنها ويدلكها بيده حتى رفعها وما أدري لها أثرًا. قال: (إلا مخوفة لا خطر في تركها، أو الخطر في قطعها أكثر)، فيمتنع القطع في هاتين الصورتين؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فإن كان الخطر في الإبقاء: أكثر .. فله القطع؛ لرجاء زيادة السلامة فيه.

وَلِأَبٍ وِجِدِّ قَطْعُهَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ اٌلْخَطَرِ إِنْ زَادَ خَطَرُ اٌلتَّرْكِ، لاَ لِسُلْطَانٍ، وَلَهُ وَلِسُلْطَانٍ قَطْعُهَا بِلاَ خَطَرٍ، وَفَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا فَلاَ ضَمَانَ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بـ (المخوفة) مخوفة القطع، فلو تساوى خطر القطع والترك ... فالأصح: جواز القطع: إذ لا معنى للمنع فيما لا خطر فيه. قال المصنف: ويجوز الكي وقطع العروق للحاجة، ويستحب تركه. قال: (ولأب وجدً قطعها من صبي ومجنون مع الخطر إن زاد خطر الترك) بسبب أن القطع يحتاج إلى شفقة تامة ونظر دقيق، كما أن للأب والجد تزويج البكر الصغيرة دون السلطان. فإن استوي الأمران .. جاز للأب والجد القطع في هذه الحالة، كذا جزم به في (الكفاية) والمصحح في (الروضة) .... : المنع. وحكم قطع الأكلة حكم قطع السلعة. واقتصار المصنف على (الصبي والمجنون)، يفهم: أن السفيه يخالفهما، وإطلاقهم يقتضي المنع من ذلك. قال: (لا لسلطان)؛ لأن القطع الخطر يحتاج إلى شفقة كاملة. وفي معنى السلطان: الوصي والقيم، فلو قال: لا لغيرهما .. كان أولى، وسيد العبد في معنى الأب، بل أولى؛ للحاجة إلى صلاح ملكه. قال: (وله) أي: ولمن ذكر من أب وجد (ولسلطان قطعها بلا خطر) إذ لكل منهم ولاية ماله وصيانته عن التضييع فصيانة بدنه أولى، وليس للأجنبي فعل ذلك بحال، فإن فعل وسرى إلى النفس .. وجب القصاص. قال: (وفصدٌ وحجامةٌ) أي: إذا أشار الأطباء بذلك. وفي (جمع الجوامع) للروياني: أن ذلك لا يجوز لسلطان؛ لأن نظره وتصرفه مختص بالمال، وهذا قضية كلام الأكثرين. قال: (فلو مات بجائز من هذا .. فلا ضمان في الأصح) لئلا يمنح من ذلك فيتضرر الصغير.

فَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيِّ مَا مُنِعَ .. فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهَ، وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ الإِمَامِ فِي حَدَّ أَوْ حُكْمٍ .. فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفَي قَوْلٍ: فِي بَيْتِ الْمَالِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يضمن؛ لأنه جائز بشرط سلامة العاقبة كالتعزير، ويجري ذلك في السلطان أيضًا حيث جوزنا له، والضمان هنا بالنسبة إلى الدية كما صرح به الإمام، أما القود .. فلا يجب قطعًا. واحترز ب (الجائز) عما لو مات بممنوع منه؛ فإنه يضمن، كما إذا قطع الأب أو الجد حيث لا يجوز لهما القطع .. فتجب الدية على المشهور. قال: (فلو فعل سلطان بصبي ما منع .. فدية مغلظة في ماله)؛ لتعديه، أما الدية .. فلا خلاف فيها كما قاله الرافعي في الكلام على رقوم (الوجيز)، وأما كونها في ماله .. فهو المذهب، وقيل: فيه القولان في خطئه كما سيأتي؛ لأنه قصد الإصلاح. والمراد ب (السلطان) الأمير أو القاضي، ومقتضى التقييد به: أن الأب أو الجد إذا فعل ما منع منه .. لم يضمن، والصحيح: الضمان أيضًا في ماله، فلو حذف المصنف لفظة (السلطان) كما فعل في الأولى .. كان أولى. وقيل: لا يجب الضمان على الأب أصلًا: لأن ولايته أتم لعموم شفقته. قال: (وما وجب بخطأ الإمام في حد أو حكم .. فعلى عاقلته)؛ لقصة عمر في الإجهاض، وكغيره من الناس. واحترز ب (خطئه) عما يتعدى به؛ فهو فيه كآحاد الناس، وبقوله: (في حد أو حكم) عن خطئه فيما لا يتعلق بذلك؛ فإنه فيه كآحاد الناس، كما إذا رمى صيدا فأصاب آدميًا .. فتجب الدية على عاقلته بالإجماع، لكنه يخرج خطؤه في التعزير مع أنه كالحد. قال: (وفي قول: في بيت المال)؛ لأن خطأه قد يكثر، فلو أو جبناه على عاقلته .. لأجحف بهم، وعمد خطئه كخطئه. ومحل القولين: إذا لم يظهر منه تقصير، فإن ظهر .. فلا خلاف: أن الذي يلزمه لا يضرب على بيت المال.

وَلَوْ حَدَّهُ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيِّيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ: فَإِنْ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارهِمَا .. فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإلاَّ .. فَالقَوْلاَنِ، فَإِنْ ضَمَّنَّا عَاقِلَتَهُ أوْ بَيْتَ الْمَالِ .. فَلاَ رُجُوعَ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فِي الأَصَحَّ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الكفارة .. فقيها قولان مرتبان، وأولى بأن لا تجب على بيت المال. هذا كله إذا كان الخطأ في النفس، فإن كان في المال .. فقولان: أحدهما: يتعلق بماله. والثاني: ببيت المال. قال: (ولو حده بشاهدين فبانا عبدين أو ذميين أو مراهقين: فإن قصر في اختبارهما .. فالضمان عليه)؛ لأن الهجوم على القتل ممنوع منه بالإجماع، وكذلك لو بانا امرأتين أو فاسقين، ولا يتعلق ببيت المال ولا بالعاقلة. والمراد ب (الضمان) الدية لا القود، وبه أجاب في (الحاوي الصغير). فلو قال القاضي: تعمدت ذلك .. فالأظهر: الوجوب؛ فإن الهجوم على القتل ممنوع بالإجماع. وذكره (الرق والكفر والصبا) مثال، ولو قال: غير مقبولي الشهادة عليه .. لشمل ما لو بانا فاسقين أو عبدين أو أصلين أو فرعين. ولو قال: كافرين .. كان أعم؛ لأن المستأمنين كذلك، والحربيان كذلك، لكنهما لا يضمنان. قال: (وإلا) أي: إذا لم يقصر) .. فالقولان) في أن الضمان على عاقلته أو في بيت المال. وما ذكره الشيخان من التقصير وغيره .. تبعا فيه الإمام، والجمهور أطلقوا حكاية القولين في الضمان من غير تفصيل، وهو ظاهر ما في (الأم) و (المختصر). قال: (فإن ضمنا عاقلته أو بيت المال .. فلا رجوع على الذميين والعبدين في الأصح)؛ لأنهما يزعمان أنهما صادقان ولم يوجد منهما تعد فيما صدر منهما، وإنما ألقاضي منسوب إلى التقصير في بحثه.

وَمَنْ حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنٍ .. لَمْ يَضْمَنْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: نعم؛ لأنهما غرا القاضي. والثالث: يثبت الرجوع للعاقلة دون بيت المال، فإن أثبتنا الرجوع .. طولب الذميان في الحال. والأصح: تعلقه بذمة العبدين، وقيل: برقبتهما. وأما المراهق، فإن قلنا: يتعلق برقبة العبدين .. نزل ما وجد منه منزلة الإتلاف، وإلا .. فقوله لا يصلح للالتزام فلا رجوع عليه، وإلا .. فلا. وأما إذا بانا فاسقين .. ففي الرجوع عليهما أوجه: أحدها: نعم كالعبدين. والثاني: لا؛ لأن العبد مأمور بإظهار حاله، بخلاف الفاسق. والثاني: الأصح: إن كانا متجاهرين بالفسق .. ثبت الرجوع؛ لأن عليهما أن يمتنعا من الشهادة، وإلا .. فلا، كذا قاله الرافعي هنا، وقال في أخر الباب السادس من (الشهادات) الذي قطع به العراقيون: أنه لا ضمان عليهما. قال: (ومن حجم أو فصد بإذن .. لم يضمن)؛ لأنهما لو ضمنا لأحجما عن الحجم ونحوه وكذلك من قطع سلعة، بخلاف من قطع يدًا صحيحة بإذن صاحبها فمات منه حيث يوجب الدية على قول؛ لأن الإذن هناك لا يبيح القطع، وهنا الفعل جائر لغرض صحيح. فرع: في (ودائع ابن سريج) أن الطبيب إذا عالج أو فصد فقتل أو أزمن، إن كان من أهل الحذق بالصنعة .. فلا قود ولا دية بالإجماع، وإن كان ممن لا علم لديه .. فعليه القود في النفس، والقصاص فيما دونها؛ للتعزير، وفي هذا رد لما في (فتاوى ابن الصلاح) من تخصيص عدم الضمان بما إذا قال له: داو بهذا الدواء، فأما إذا لم ينص عليه بعينه .. فلا ضمان.

وَقَتْلُ جَلاَّدٍ وَضَرْبُهُ بِأَمْرِ الإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الإِمَامِ إِنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ، وَإِلاَّ. . فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلاَّدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِكْرَاهٌ. وَيَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ ِبِجُزْءٍ مِنَ اللَّحْمَةِ بِأَعْلَى الْفَرْجِ، وَالرَّجُلِ بِقَطْع مَا يُغَطِّى حَشَفَتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، ... .... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقتْل جلاد وضرْبه بأمر الإمام كمباشرة الإمام إن جهل ظلمه وخطأه)؛ لأنه كالآلة، والمباشر في الحقيقة هو الإمام، فتعلق الضمان به؛ لأنا لو ضمنا الجلاد .. لم يتول أحد الجلد. قال الإمام: وهذا من النوادر؛ لأنه قاتلٌ مباشرٌ مختار، ولا يتعلق به حكم في القتل بغير حق، ولا كفارة، لكن استحب الشافعي أن يكفِّر؛ لمباشرته القتل. قال: (وإلا .. فالقصاص والضمان على الجلاد إن لم يكن إكراه)؛ لتعديه، إذ كان من حقه لما علم الحال أن يمتنع؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. هذا إذا قلنا: أمر الإمام ليس بإكراه، وهو الأصح، فإن قلنا: إكراه .. فالضمان عليهما والقصاص على الإمام، وكذا الجلاد في الأظهر. وصورة ما ذكره المصنف: أن يعلم خطأه في نفس الأمر، فإن كان في محل الاجتهاد كقتل المسلم بالكافر والحر بالعبد، فإن اعتقدا أنه غير جائز .. فالقود عليهما، وان اعتقد الجلاد منعه والإمام جوازه .. فالقصاص على الجلاد في الأصح، وإن كان بالعكس .. فتيل ببنائه على الوجهين، وضعفه الإمام. وقيل: الجلاد كالمستقل، كذا في (الشرح) و (الروضة) والذي ضعفه الإمام جزم به الماوردي والروياني. قال: (ويجب ختان المرأة بجزء من اللحمة بأعلى الفرج، والرجل بقطع ما يغطي حشفته بعد البلوغ)، أما الوجوب .. فأحسن ما استدل له بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} وكان من ملته الختان؛ لأنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة-كما رواه البخاري [3356] ومسلم [2370] أو ابن مئة وعشرين-كما رواه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حبان [6204]- أو سبعين - كما قاله الماوردي – بالقدوم، وهو اسم آلة أو اسم مكان. وفي (الصحيحين) [خ 5889 - م 257]: (الفطرة خمس) وعد منها الختان، وفي (أبي داوود) [360]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن). ولأنه قطعُ عضوٍ لو لم يجب .. لم يجز، ولأن العورة تكشف له، فدل على وجوبه، قاله ابن سريج وغيره. وقيل: سُنةٌ في حقِّهما؛ لقول الحسن: قد أسلم الناس ولم يختتنوا. وروى أحمد [5/ 75] والبيهقي [8/ 325]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء لكنه ضعيف. وقيل: واجب للذكور سنة للإناث، قال المحب الطبري: وهو قول أكثر أهل العلم. وأما الكيفية .. فهو ما ذكره المصنف، ويكفي قطع ما يقع عليه الاسم في الأنثى مما بأعلى الفرج فوق مخرج البول، وهو يشبه عرف الديك، فإذا قطعت بقي أصله كالنواة، وتقليله أفضل، ولهذا قال المصنف: (بجزء)، فقد روى الحاكم [3/ 603] وأبي داوود [5229] والبيهقي [8/ 324] عن أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها - وكانت تختن النساء -: (يا أم عطية؛ أشمي ولا تنهكي؛ فإنه أسري للوجه وأحظى عند الزوج) أي: أكثر لماء الوجه ودمه، وأحسن في جماعها. ولو ولد مختونًا .. أجزأه. وأول من اختتن من النساء هاجر.

وَيُنْدَبُ تِعْجِيلُهُ فِي سَابِعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وولد من الأنبياء مختونًا أربعة عشر آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا ويحيى وحنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس ونبينا صلى الله عليه وسلم لكن روى ابن عساكر [3/ 410] عن أبي بكرة موقوفًا: (أن جبريل ختن النبي صلى الله عليه وسلم حين طهر قلبه). وروي أبو عمر في (الإستيعاب) [1/ 22] عن عكرمة عن ابن عباس: (أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وجهل له مأدبة وسماه محمدًا). وقوله: (بعد البلوغ) متعلق بقوله: (يجب)؛ إذ لا تكليف قبله؛ لأن ابن عباس سئل: كم سنك حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (وأنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك) رواه البخاري [6299]. والمشهور: أنه على الفور، فلا يؤخر إلا لعذر كمرض وحر وبرد، أما قبل البلوغ .. فلا خلاف في عدم وجوبه. وقيل: يلزم الولي ختانه في الصغر، ويعصي الأب بتركه حتى يبلغ، حكاه في (البيان) عن الصيدلاني. وللوجوب بعد البلوغ شرطان لم يذكرهما المصنف: أحدهما: عدم الخوف عليه، فإن خيف من ختانه .. امتنع. والثاني: العقل، فلو بلغ مجنونًا .. لم يجب ختانه على المذهب. قال: (ويندب تعجيله في سابعه)؛ لما روى الحاكم [4/ 237] عن عائشة (أن

فَلَوْ ضَعُفَ عَنِ احْتِمَاِلِه. أُخِّرَ، وَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنِّ لاَ يَحْتَمِلُهُ .. لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إِلاَّ وِالِدًا، فَإنِ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِىٌ .. فَلاَ ضَمَانَ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما). وفي (شرح التلخيص) للشيخ أبي علي: أنه لا يجوز في السابع؛ لأن الصبي لا يطيقه، ولأن اليهود يفعلونه، فالأولى مخالفتهم، وتبعه الغزالي في (الإحياء)، قال: وتأخيره إلى أن يثغر الولد أحب وأبعد عن الخطر. وعبارة المصنف تقتضي: أنه لا يكره ختانه قبل السابع، والذي ذكره الروياني، وجزم به في (التحقيق)، ونقله في (شرح المهذب) عن الماوردي: أنه يكره، فإن أخر عن السابع .. استحب في الأربعين، فإن أخر .. استحب في السنة السابعة. في وجه: لا يجوز ختنه قبل عشر سنين؛ لأنه أمر بضربه بعد عشر، فدل على أن بدنه لا يحتمل الألم قبلها، وقوله خارق للإجماع. وصحح في (الروضة) هنا، وفي (باب السواك) من (شرح المهذب) وفي) نكت التنبيه) أن يوم الولادة لا يحسب من السبعة، وصحح في (شرح مسلم) حسبانه منها، وكذلك في (الروضة) و (المجموع) في (العتيقة)، والفتوى على عدم الحساب؛ فإنه المنصوص في (البويطي). قال: (فلو ضعف عن احتماله) أي: في اليوم السابع) .. أخر)؛ لزوال الضرر. قال: (ومن ختنه في سن لا يحتمله .. لزمه القصاص) لتعديه؛ لأنه غير جائز في هذه الحالة قطعًا. قال: (إلا والدًا)؛ للبعضية، وكذلك الجد، وتجب عليهما الدية. قال: (فإن احتمله وختنه ولي .. فلا ضمان في الأصح) لأنه لا بد منه. والثاني: يلزمه؛ لأن الختان غير واجب في الحال فأشبه قطع السلعة. وشمل قوله: (ولى) الأب والجد، وكذا الأم عند عدمهما، وكذا الحاكم والوصي، لكن لنا وجه: أن السلطان لا يجوز له حجم الصغير وفصده، ومجيئه هنا أولى.

وَأُجْرَتُهُ فِي مَالِ الْمَخْتُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأُجرته في مال المختون)؛ لأنه لمصلحته فأشبه أجرة تعليم الفاتحة، فإن لم يكن له مال .. فعلى من تجب عليه النفقة. وفي وجه: أنها على الوالد إذا اختتنه صغيرًا. تتمة: الصحيح في زوائد (الروضة) و (شرح المهذب) أن الخنثى المشكل لا يجوز ختانه في صغره ولا في كبره؛ لأن الجرح مع الإشكال ممنوع، ولم يذكر الرافعي المسألة، ويسأل عن الفرق بينها وبين ما تقدم فيمن سرق وله كفان، فإن مقتضى ما صححه أولًا: أن لا تقطع واحدة منهما؛ لأن الزائدة لا يجوز قطعها وقد التبست الأصلية بها، بل أولى؛ لأن لها بدلًا بخلاف الختان. وفي وجه: يجب ختان المشكل، وادعى ابن الرفعة: أنه المشهور. وعلى هذا: فيختن في فرجيه معًا ويختن نفسه إن أحسن ذلك، وإلا .. اشتري له أمة تختنه، فإن عجز عنها .. تولاه الرجال أو النساء؛ للضرورة. ومن خلق له ذكران عاملان ولم يتميز الأصلي منهما .. ختنا جميعًا، وإن تميز الأصلي .. ختن وحده، وهل يعرف العامل بالجماع أو بالبول؛ وجهان. ومن مات بغير ختان .. لم يختن في الأصح، وقيل: يختن، وقيل: يختن الكبير دون الصغير. وسئل ابن الصلاح عن صبي ربط غرلته بخيط فشمرت وانقطع الخيط فصار كالمختو ن بحيث لا يمكن ختانه؟ فأجاب بأنه إن صار بحيث لا يمكن ختانه .. سقط عنه الوجوب، وان أمكن، فإن كانت الحشفة قد انكشفت كلها .. سقط أيضًا، وإلا .. وجب قطع ما يمكن قطعه منها. وقطع السرة من المولود واجب على الولي؛ ليمتنع الطعام من الخروج، قاله ابن الرفعة حكمًا وتعليلًا، ولم ينقله عن أحد.

فَصْلٌ: مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ .. ضَمِنَ إِتْلاَفَهَا نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهارًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (كتاب المدخل) لابن الحاج المالكي: أن السنة في ختان الذكور إظهاره، وفي ختان الإناث إخفاؤه. قال: (فصل: من كان مع دابة أو دواب .. ضمن إتلافها نفسًا ومالًا ليلًا ونهارًا)؛ لأنها في يده فكانت جنايتها كجنايته. وسواء كان راكبًا أو سائقًا أو قائدًا مالكًا أو مستأجرًا أو مستعيرًا أو مودعًا أو غاصبًا، سواء أتلفت بيدها أو رجلها أو بذنبها. قال الشافعي: وأما من ضمن في إتلاف يدها دون إتلاف رجلها .. فقد تحكم، أشار بذلك إلى أبي حنيفة؛ فإنه قال ذلك محتجًا بما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرجل جبار وهذا غير محفوظ، لم يروه عن الزهري سوى سفيان بن الحسين، وهو معروف بسوء الحفظ. وأما الحديث الذي فيه: (النار جبار) .. فباطل، قال أحمد: أهل اليمن يكتبون (النار) (النير)، ويكتبون (البير) مثل ذلك، فهو تصحيف. وفي وجه ضعيف: أن يد الغاصب كالعدم. وقيل: إن كانت مما يساق كالغنم فساقها .. لم يضمن، وإن كانت مما يقاد فساقها. . ضمن. ولو كان معها سائق وقائد .. فالضمان عليهما نصفين، وفي الراكب مع السائق أو القائد وجهان: أحدهما: عليهما نصفين. والثاني: يختص الراكب بالضمان؛ لقوة يده وتصرفه، وليس في (الروضة)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تصحيح لأحد الوجهين، والأصح منهما: أن اليد للراكب خاصة، كذا ذكره الرافعي في آخر (كتاب الصلح). فلو اجتمع سائق وقائد وراكب .. فوجهان: أحدهما: يختص الضمان بالراكب. والثاني: يكون عليهم أثلاثًا. ولو كان عليها راكبان فهل يجب الضمان عليهما أو يختص بالأول دون الرديف؟ فيه أيضًا وجهان. تنبيهات: أحدها: أشار المصنف بقوله: (مع دابة) إلي أنها طوع يديه، واحترز بذلك عما لو انفلتت منه وأتلفت شيئًا .. فلا ضمان؛ لخروجها عن يده. الثاني: حيث أطلقوا ضمان النفس في هذا الباب .. فهو على العاقلة كحفر البئر ونصب الحجر، كما نقله الشيخان في آخر الباب عن البغوي وأقراه. وإنما عبر المصنف وغيره ب (الضمان) .. تأسيًا بالحديث الوارد في الباب، وقد أطلق ابن الصلاح ذلك في فتواه، وأنكره عليه ابن عبد السلام. الثالث: يستثنى من إطلاقه: ما لو كان راكبًا دابة فنخسها إنسان بغير إذنه مغافصة، فرمت راكبها أو ربحت فأتلفت مالًا .. فالضمان على الناخس على الأصح، وفي وجه: عليهما. ولو غلبته دابته فاستقبلها إنسان وردها فأتلفت في انصرافها .. فالضمان على الراد كما تقدم في (موجبات الدية). ولو كال راكبها لا يقدر على ضبطها، فعضت علي اللجام وركبت رأسها وقهرته .. فلا ضمان عليه. ولو كان على دابة فسقطت ميتة فأتلفت شيئًا، أو مات الراكب وسقط على شيء .. لم يضمن.

وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أِوْ مَالٌ .. فَلاَ ضَمَانَ، وَيَحْتَرِزُ عَمَّا لاَ يُعْتَادُ كَرَكْضٍ شَدِيدٍ فِي وَحَلٍ، فَإِنْ خَالَفَ .. ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا لو انتفخ ميت وتكسر بسبب انتفاخه قارورة، بخلاف الطفل يسقط على قارورة؛ فإنه يضمن، لأن للطفل فعلًا، بخلاف الميت. ولو أركب أجنبي صبيًا دابته فأتلفت شيئًا .. فالضمان عليه؛ لتعديه. قال: (ولو بالت أو راثت بطريق فتلف به نفس أو مال .. فلا ضمان)؛ لأن الطريق لا يخلو عنه، والمنع من ذلك مما لا سبيل إليه، أما لو وقفها فيه فبالت أو راثت فتلف به شيء .. فالأصح: لا ضمان أيضًا واسعًا كان الطريق أو ضيقًا. وألحق الإمام - وتبعه في (الروضة) - بذلك ما تتلفه من ثياب وفاكهة وغيره بالغبار الذي يثيره مشيها، أو بالوحل في الشتاء؛ لتعذر دفع ذلك، فلو ضمناه .. لاقتضى المنع من الطروق في الشوراع. وما جزم به المصنف هنا من عدم الضمان .. صرح ألرافعي في (باب الإحرام) بخلافه، فجزم بأنها إذا بالت في الطريق فهلك به صيد أو آدمي أو بهيمة .. يلزمه ضمانة، وحذق من (الروضة) الآدمي والبهيمة، لكنه ذكرهما في (شرح المهذب). والصواب: تضمين المالك بذلك؛ لأن الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة كالجناح والروشن، وقد حكاه ابن الرفعة عن الأصحاب، وبه جزم الماوردي والروياني وابن الصباغ والبندنيجي. ولو أوقفها في موضع ليس له أن يوقفها فيه .. ضمن. واحترز بقوله: (بطريق) عما لو وقع ذلك في ملكه؛ فلا ضمان، نص عليه في (المختصر)، وذكره الرافعي في (موجبات الدية)، كما إذا كسر حطبًا في ملكه فطارت شظاة فأصابت عين إنسان، وحكي ابن عبد البر في ذلك الإجماع. قال: (ويحترز عما لا يعتاد كركض شديد في وحل، فإن خالف .. ضمن ما تولد منه)؛ لتعديه، وكذا لو ساق الإبل في الأسواق غير مقطرة. واحترز ب (الركض الشديد) عن المشي المعتاد فيه؛ فلا يضمن ما يحدث منه.

وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَهِيمَةٍ فَحَكَّ بِنَاءً فَسَقَطَ بِهِ .. ضَمِنَهُ، فَإِنْ دَخَلَ سُوقًا فَتَلِفَ بِهِ مَالٌ أَوْ نَفْسٌ .. ضَمِنَ إِنْ كَانَ زِحَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَزَّقَ بِهِ ثَوْبٌ .. فَلاَ، إِلاَّ ثَوْبَ َأَعْمَى وَمُسْتَدْبِرِ الْبَهِيمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيهُهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ، فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لَلدَّابَّةِ .. فَلاَ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ واقتضى كلام المصنف: أن الأغنام إذا سيقت في الأسواق فأتلفت شيئًا .. فلا ضمان؛ لأنه معتاد، وهو وجه حكاه ابن كَج في الغنم دون الإبل والبقر، وفرق بينهما بأن العادة جرت بسَوق الغنم دون الإبل والبقر، لكن المشهور-كما قاله الرافعي-: إطلاق الحكم في البهائم من غير فرق بين حيوان وحيوان. قال: (ومن حمل حطبًا على ظهره أو بهيمة فحكَّ بناء فسقط به .. ضمنه)؛ لحصول التلف بفعله، ولم يفرقوا بين الليل والنهار ولا بين الحائط المائل وغيره. قال: (فإن دخل سوقًا فتلف به مال أو نفس .. ضمن إن كان زحام)، سواء كان صاحب الثوب مستقبلًا أو مستدبرًا؛ لتعرضه لما لا يعتاد. قال: (فإن لم يكن وتمزق به ثوب .. فلا) أي: إذا كان مستقبل البهيمة؛ لأن التقصير منه. قال: (إلا ثوب أعمى ومستدبر البهيمة فيجب تنبيهه)، فإن لم ينبهها .. فالضمان عليه؛ لتقصيره، وما جزم به محله إذا لم يكن من صاحب الثوب حدث، فإن علق الثوب في الحطب فجذبه وجذبته البهيمة .. فعلى صاحب الدابة نصف الضمان كالمتصادمين، قاله القفال في (الفتاوى). ونظيره: لو كان يمشي فوقع مقدم نعله على مؤخر مداس غيره وتمزق .. فإنه يلزمه نصف الضمان؛ لأنه تمزق بفعله وفعل صاحبة، وينبغي أن يقال: إن تمزق مؤخر مداس السابق .. فالضمان على اللاحق، وإن تمزق مقام اللاحق .. فلا ضمان على السابق. قال: (وإنما يضمن إذا لم يقصر صاحب المال، فإن قصر بأن وضعه بطريق أو عرضة للدابة .. فلا)؛ لأنه المضيع لماله.

وَإِنْ كَانَتِ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا .. لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا .. ضَمِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وألحق به القفال في (الفتاوى) ما إذا كان يمشي من جهة وحمار الحطب من أخرى فمر على جنب الحمار وأراد أن يتقدم الحمار فتعلق بثوبه الحطب ومزقها .. فلا ضمان على السائق: لأنه جني بمروره على الجنب فقيل له: لو أن رجلًا وضع الحطب على قارعة الطريق فمر عليه رجل فتعلق به ثوبه وتمزق؟ قال: لا ضمان على واضع الحطب إذا كان الطريق واسعًا. قال: (وإن كانت الدابة وحدها فأتلفت زرعًا) أي: محوطًا (أو غيره نهارًا .. لم يضمن صاحبها) أي: إذا اعتاد أهل البلد تسييبها نهارًا للرعي في الموات بلا راع. ودخل في قوله: (أو غيره) ما إذا ابتلعت جوهرة ونحوها؛ فإن صاحبها يضمنها إذ كان معها، أو وجد منه تقصير: بأن طرح لؤلؤة غيره بين يدي دجاجة، وإلا .. فوجهان: أحدهما: يفرق بين الليل والنهار كالزرع. والثاني: يضمن ليلًا ونهارًا. وإذا أوجبنا الضمان فطلب صاحب الجوهرة ذبحها ورد الجوهرة .. فقد سبق بيانه في (الغصب). قال: (أو ليلًا .. ضمن)؛ لما روى مالك [2/ 747]. والشافعي [1/ 195] وأحمد [4/ 295] وأبي داوود [3565] والنسائي [سك 5753] وابن حبان [6008] والحاكم [2/ 48] والدارقطني [3/ 155] والبيهقي [8/ 341] عن معمر عن الزهري، عن حرام – بالراء- ابن مُحَيَّصة الأنصاري: (أن ناقة كانت للبراء، فدخلت حائطًا فأفسدت فيه، فكلم رسول الله صلى الله وسلم فيها، فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل). قال الشافعي: فأخذنا بهذا الحديث: لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله، وقال الحاكم: إنه صحيح الإسناد، وبهذا يرد على ابن حزم في قوله: إنه خبر لا يصح. وروى البيهقي [8/ 342] عن الشعبي، عن شريح: أنه كان يضمن ما أفسدت

إِلاَّ أَنْ [لاَ] يُفَرِّطَ فِي رَبْطِهَا، أَوْ حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وِتَهَاوَنَ فِي دِفْعِهَا، وَكَذَا إِنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي مَحُوطٍ لَهُ بَابٌ تَرَكَهُ مِفْتُوحًا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغنم بالليل ولا يضمن ما أفسدت بالنهار، وتأول هذه الآية: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} وكان يقول: النفش بالليل والهمل بالنهار، وأتي بشدة أكلت عجينًا وبشاة أكلت غزلًا .. فقضى فيهما بالضمان ليلًا لا نهارًا. أما في القرى العامرة والبلدان المتجاورة التي لا يمكن المرعي إلا في ساقية أو نهر بين المزارع ونحو ذلك .. فالأصح: أنه لا يجوز إرسالها نهارًا وعلية ضمان ما أتلفته، وقيل: لا يضمن؛ للخبر، وهذا وارد على إطلاق المصنف. وإنما افترق الحال بين الليل والنهار؛ لأن العادة أن أصحاب الزرع والبساتين يحفظونها نهارًا، والعادة في البهائم حفظها ليلًا. قال الإمام: ولم يعلقوا الضمان برقية البهائم كما علقوها برقية العبد؛ لأن الضمان فيما تتلفه البهيمة محال على تقصير صاحبها، والعبد ذو ذمة ملتزمة. ولو جرت عادة بلد بحفظ الهذارع ليلًا والمواشي نهارًا .. انعكس الحكم في الأصح، فيضمن ما أتلفته نهارًا لا ليلًا. قال: (إلا أن [لا] يفرط في ربطها)؛ بأن ربطها وأغلق الباب واحتاط على العادة ففتح الباب لص أو أنهدم الجدار فخرجت ليلًا .. فلا ضمان؛ لعدم التقصير منه، وعلي هذه ونحوه حمل قوله صلى الله عليه وسلم: (العجماء جرحها جبار) كما هو في الصحيحين) وغيرهما. و (العجماء) البهيمة، سميت بذلك؛ لأنها لا تتكلم. و (الجُبَار) الهدر الذي لا شيء فيه. قال: (أو حضر صاحب الزرع وتهاون في دفعها)؛ لتفريطه. قال: (وكذا إن كان الزرع في محوط له باب تركه مفتوحًا في الأصح)؛ لأنه مقصر بفتح الباب. والثاني: يضمن؛ لإطلاق الحديث.

وَهِرَّةٌ تُتِلفُ طَيْراَ أَوْ طعامًا إن عُهِدَ مِنْهَا ذَلِكَ .. ضَمِنَ مَالِكُهَا فِي الأَصَحِّ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: إذا كان للدابة التي في يده ولد سائب فأتلف شيئًا .. ضمنه، وكذا لو كان يقود جملاَ وعلية مقطر فأتلف المقطر شيئًا .. ضمنه. وإذا أرسل دابة في البلد فأتلفت شيئًا .. ضمنه على الأصح. وإذا دخلت البهيمة المزرعة فصاح عليها رب الزرع فخرجت إلى زرع الجار، فإن اقتصر على تنفيرها عن زرع نفسه .. لم يضمن، وإن تبعها بعد الخروج من زرعه حتى أوقعها في زرع الغير .. ضمن. وفي (فتاوى البغوي) أن الريح إذا هاجت وأظلم النهار فتفرقت الغنم وأفسدت الزرع .. لا ضمان على الراعي في أظهر القولين. ولو أرسل الطيور -كالحمام ونحوها- فكسرت على الجيران شيئًا أو التقطت حبًا فلا ضمان على صاحبها؛ لأن العادة إرسالها كذلك. قال: (وهرة تتلف طيرًا أو طعامًا إن عهد منها ذلك .. ضمن مالكها في الأصح ليلًا ونهارًا)، كما يضمن مرسل الكلب العقور ما أتلفه: لأن مثل هذه ينبغي ربطها وكف شرها. والثاني: لا ضمان، سواء أتلفت ليلًا أو نهارًا؛ لآن العادة لم تجر بربطها. والثالث: يضمن مطلقًا. والرابع: أنها كالدابة، يضمن ما تتلفه بالليل دون النهار. والخامس: عكسه، وهذا الحكم في الجمل والحمار الذين عرفا بعقر الدواب وإتلافها. والمرأة التي دخلت النار في هرة كانت كافرة، رواه الحافظ أبو نعيم في (تاريخ

وَإِلاَّ .... فَلاَ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصبهان)، ورواه البيهقي في (البعث والنشور) عن عائشة، فاستحقت العذاب بكفرها وظلمها. وقال القاضي عياض في (شرح مسلم) يحتمل أنها كانت كافرة، ونفى المصنف في (شرحه) هذا الاحتمال، وكأنهما لم يطَّلعا على النقل في ذلك. قال: (وإلا .. فلا في الأصح)؛ لأن العادة صون الطعام عنها. والثاني: يفرق بين الليل والنهار كما سبق. والأصح: أن هذه الهرة يجوز قتلها في حال عدوها دون غير هذه الحالة. وجوز القاضي قتلها في حال سكونها إلحاقًا لها بالفواسق الخمس، فيجوز قتلها، ولا يختص بحال ظهور الشر. قال الإمام: وقد انتظم لي من كلام الأصحاب: أن الفواسق مقتولات لا يعصمها الاقتناء، ولا يجري الملك عليها، ولا أثر لليد والاختصاص فيها. تتمة: ينبغي تقييد جواز القتلى بما إذا لم تكن حاملًا: لأن في قتلها حينئذ قتل أولاد لم تتحقق منهم جناية، وسكتوا عن ضابط العادة في ذلك، والظاهر: أنه يأتي فيه خلاف مرتين أو ثلاثًا كما في الكلب المعلم. * * * خاتمة سئل القفال عن حبس الطيور في الأقفاص لسماع أصواتها وغير ذلك؛ فأجاب بالجواز إذا تعهدها مالكها بما تحتاج إليه؛ لأنها كالبهيمة تربط. * * *

كتاب السير

كتاب السير

كِتَابُ السِّيَر ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب السير مفردها (سيرة)، وهي: السنة والطريقة. ومقصود الباب: الكلام في الجهاد وأحكامه التي أخذت من سيرة النببي صلى الله عليه وسلم في غزواته، وترجمه في (التنبيه) ب (قتال المشركين)، وغيره ب (الجهاد) والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ}، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}، {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وفي (الصحيحين) [خ 25 - م20]: أ، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله). وجعله ابن سراقة وصاحب (المرشد) أفضل الأعمال بعد الإيمان؛ لما روي مسلم [83] عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: (الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله). وفي (البخاري) [2792]: (غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها). وفي (المستدرك) [2/ 68]: (يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه)، و (مقام رجل في الصف أفضل عند الله من عبادة ستين سنة) [2/ 68].

كَانَ الْجِهَادْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فَرْضْ كِفَايَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وهذا الباب مع قسم الغنائم تتداخل فصولهما، فما نقص من أحدهما .. يطلب من الآخر. قال: (كان الجهاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض كفاية)، أما كونه فرضًا .. فبالإجماع وأما كونه على الكفاية .. فلقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} إلى قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ففاضل سبحانه بين المجاهدين والقاعدين ووعد كلًا الحسنى، والعاصي لا يوعد بها. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو .. مات على شعبة من نفاق (- قال عبد الله بن المبارك: كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم [1910] والحاكم [2/ 79] وقال: لم يخرجاه، فاستدرك عليه. والمراد: أنه فرض كفاية بعد الهجرة، أما قبلها .. فكان القتال محظورًا بلا خلاف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما بعث أمر بالتبليغ والإنذار بلا قتال، وأمروا

وَقِيلَ: عَيْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالصبر على أذى المشركين، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} الآية، ثم بعد الهجرة أذن الله تعالى لهم في القتال إذا ابتدأهم المشركون به، فقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}. ثم أباح البداءة به في غير الأشهر الحرم بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} الآية. ثم في السنة الثامنة بعد الفتح أمر به من غير تقييد بشرط ولا زمان، فقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} الآية، وقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}، فأمر بقتال جميع الكفار، وهذه أية السيف، وقيل: الآية التي قبلها، وقيل: هما وقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية، فالآيات الثلاث نسخت كل موادعة في القرآن، وهي مئة وأربع عشرة آية. وسميت آية السيف؛ لآن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث خالد بن الوليد يوم الفتح .. قال: (احصدهم بالسيف حتى تلقاني على الصفا)، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لخالد: (أنت سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين. قال: (وقيل: عين)؛ بقوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وعلى هذا: من تخلف كان يحرس المدينة، وهو نوع جهاد. وأجاب الأول بأن الوعيد لمن عينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتعين الإجابة، أو عند قلة المسلمين وكثرة المشركين. وصحح الماوردي: أنه كان فرض عين على المهاجرين، وكفاية على غيرهم. وقال السهيلي: كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم؛ لأنهم بايعوا عليه، قال شاعرهم [من الرجز]: نحن الذين بايعوا محمدا .... على الجهاد ما بقينا أبدا وقال الشيخ: كان فرض عين في الغزوات التي خرج فيها النبي صلى الله عيه وسلم بنفسه، وفي غيرها فرض كفاية.

وَأَمَّا بَعْدَهُ .. فَلِلْكُفَّارِ حَالاَنِ: أَحَدَهُمَا: يَكُونُونَ بِبِلاَدِهِمْ؛ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ, إِذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ .. سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وضابط فرض الكفاية: كل مهم ديني طلب الشارع حصوله من غير تعيين من يتولاه, سمي بذلك؛ لأن فعل البعض يكفي فيه, بخلاف فرض العين؛ فإنه لا بد فيه من فعل كل عين, أي: ذات, ولأجل ما في القيام بفرض الكفاية من إسقاط الحرج عن غيره كان القائم به له مزية على القائم بفرض العين, كذا نقله المصنف عن الإمام, ونقله ابن الصلاح عن (المحيط) للشيخ أبي محمد, ونقلة الشيخ أبو علي في (شرح التلخيص) عن المحققين وأرتضاه. قال: (وأما بعده .. فللكفار حالان: أحدهما: يكونون ببلادهم) أي: مستقرين فيها غير قاصدين شيئًا من بلاد المسلمين. قال: (ففرض كفاية)؛ لقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} , وادعى القاضي عبد الوهاب فيه الإجماع, ولأنه لو فرض على الأعيان .. لتعطلت المعايش والهذارع وخربت البلاد. قال: (إذا فعله من فيه كفاية .. سقط الحرج عن الباقين) كسائر فروض الكفايات. وتعبيره بـ) السقوط) ظاهر في أن فرض الكفاية يتعلق بالجميع, وهو الصحيح عند الأصوليين, وقيل: بان بالآخرة أنه لم يتناول سوى من فعل. وتحصل الكفاية بأمرين: أحدهما: أن يشحن الإمام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من العدو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أن يدخل دار الكفر غازيًا أو يبعث من يصلح له, فإن تركه الجميع أثموا, وهل يعمهم أو يختص بالمندوب؟ له وجهان: والأصح في زوائد (الروضة) أنه يأثم من لا عذر له من الأعذار الآتية. وأقله مرة في كل سنة؛ لقوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} قال مجاهد: نزلت في الجهاد. ولأنه فرض يتكرر, وأقل ما وجب المتكرر في كل سنة كالصوم والزكاة, وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعله منذ أمر به, فكانت غزوة بدر في الثانية, وأحد في الثالثة, وذات الرقاع في الرابعة, والخندق في الخامسة, والمريسيع في السادسة, وفتح خيبر في السابعة, ومكة في الثامنة, وتبوك في التاسعة. وأيضًا الجزية شرعت لدفع القتال وإنما تؤخذ مرة واحدة في السنة, وكذلك سهم الغزاة, فلا يجوز إخلاء السنة عن مرة واحدة إلا لضرورة, فإن كان بالمسلمين ضعف وحاجة؛ بأن عز الزاد أو العلف في الطريق .. فإنه يؤخر لزوالها. واختار الإمام مذهب الأصوليين؛ فإنهم لم يروا التخصيص بالسنة, بل أوجبوا بحسب الإمكان؛ لأنه دعوة قهرية, وحمل مقالة الفقهاء على العادة الغالبة في الاستعداد, فإن الأموال والعدد لا يتأتى تجهيزها للجند في السنة أكثر من مرة, وفية نظر, ثم الإمام بالخيار بين أن يخرج بنفسه غازيًا, أو يخرج جماعة ويؤمر عليهم أميرًا

وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ: الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجعلهم فوضى, أو يرتب في كل ناحية أميرًا كافيًا يقلده الجهاد وأمر المسلمين, وسيأتي ما يعتبر في الأمير. هذا كله في الغزو, فأما حراسة حصون المسلمين .. فمتعينة على الفور وتجب إدامتها بلا فتور؛ وذلك بعمارة الثغور وإعداد الكراع والأسلحة وحفر الخنادق وترتيب الرجال. والأولى: أن يبدأ بقتال من يلي دار الإسلام, إلا أن يكثر الخوف من الأباعد, فيبدأ بهم بعد أن يأمن شر الأقربين بمهادنة وجعل طائفة بإزائهم يردونهم إن عدوا. ثم لما جرت عادة الأصحاب بذكر جمل من فروض الكفايات ههنا .. تبعهم المصنف في ذلك, وقد ذكر جملًا منها متفرقة في أبواب كـ) غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه) و) التقاط المنبوذ). قال: (ومن فروض الكفاية: القيام بإقامة الحجج) أي: العلمية, وهي البراهين القاطعة على إثبات الصانع سبحانه وتعالى وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه, وإثبات النبوات وصدق الرسل, وما ورد به الشرع من المعاد والحساب والميزان وغير ذلك.

وَحَلِّ الْمُشْكِلاَتِ فِي الدِّينِ, وَبِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ, وَالْفُرُوعِ بِحَيْثُ يصْلُحُ لِلْقَضَاءِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وحل المشكلات في الدين) , فيجب ألا تخلو خطة من خطط الإسلام عن ذلك, والمراد بالخطة: مسافة القصر. كما تجب الدعوة القهرية بالسيف, كذا قالوه هنا. ونقل الغزالي عن الشافعي ومالك وسفيان وأحمد وجميع أهل الحديث: أن الاشتغال بعلم الكلام- أي: بقواعده, كما قاله في (الشرح الصغير) - بدعة محرمة. قال الشافعي: لأن يلقى اللهَ العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الكلام. وأن غيرهم قال: إنه واجب, إما عينًا أو كفاية, وهو أفضل الأعمال, قال الغزالي: والحق: أنه لا يطلق القول بذمه ولا بحمده؛ ففيه منفعة ومضرة, باعتبار منفعته وقت الانتفاع .. حلال أو مندوب أو واجب, وباعتبار مضرته وقت الإضرار .. حرام. وينبغي أن يكون العالم كالطبيب الحاذق في استعمال الدواء الخطر, لا يضعه إلا في موضعه على قدر الحاجة, فيتعلمه ليدفع به مبتدعًا لا يندفع بغيره, فيستعمله عند الحاجة ويسلك به طريق الحجج الواردة في القرآن. قال: (وبعلوم الشرع) أي: من فروض الكفاية القيام بعلوم الشرع (كتفسير وحديث) أي: وفقه , وكذا مقدمات هذه العلوم, كأصول الفقه والنحو والتصريف واللغة وأسماء الرواة والجرح والتعديل واختلاف العلماء ووفاقهم. قال: (والفروع بحيث يصلح للقضاء)؛ لأن الحاجة إلى ذلك شديدة, وسيأتي في (القضاء) صفات من يصلح له, ويدل لذلك قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} الآية, فدل على أن التفقه في الدين فرض كفاية لا عين. وقال صلى الله عليه وسلم: (التفقه في الدين حق على كل مسلم) رواه أبو نعيم في (تاريخ أصبهان). قال الحافظ المزي: وله طرق يبلغ بها رتبة الحسن. وفي (طبقات العبادي) عن الربيع عن الشافعي أنه قال: إذا ترك أهل بلد طلب العلم .. رأيت للإمام أن يجبرهم عليه. ونقل ابن الصلاح عن محمد بن الفضل الفراوي: أن البلد إذا خلا عن المفتي .. لا تحل الإقامة به. روى البيهقي في (شعبه) [7518] عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا ثوبان؛ لا تسكن الكفور؛ فإن ساكن الكفور كساكن القبور). وفي (كامل ابن عدي) [3/ 360] في (ترجمة سعيد بن سنان أبي مهدي الحمصي). وفية وفي (الميزان) [2/ 136] في) ترجمة إسماعيل بن عباد السعدي) عن قتادة عن أنس مرفوعًا: (إياكم والسكنى في السواد؛ فإنه من سكن السواد .. يصدأ قلبه كما يصدأ الحديد). والمراد بـ) الفروع) التبحر فيها, وإلا .. فتعلم ما لا بد منه فرض عين. وعد العبادى من فروض الكفاية حفظ القرآن, وعد منها القاضي حسين والروياني نقل السنن, فإذا نقلها من فيه كفاية .. سقط الفرض عن الباقين. فرع: وقعت للعامي مسألة فاستفتى اثنين فاختلفا عليه؟ قيل: يأخذ بالحظر, وقيل: بالإباحة.

وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: بقول من بني قوله على الأثر دون الرأي. والرابع: بقول من سأله أولًا. والخامس: يسأل ثالثًا فيأخذ بفتوى من وافقه. والسادس: الأصح: يتخير؛ إن شاء أخذ بقول هذا أو هذا. قال الماوردي: إنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على من جمع أربعة شروط: أن يكون مكلفًا. وممن يتقلد القضاء لا عبدًا وامرأة. وأن لا يكون بليدًا. وأن يقدر على الانقطاع إليه؛ بأن يكون له كفاية. ويدخل الفاسق في الفرض ولا يسقط به, لأنه لا تقبل فتواه. ومن فروض الكفاية: علم الطب المحتاج إليه في علاج الأبدان, والحساب المحتاج اليه في المعاملات وقسم التركات والوصايا وتعليم الطالبين وإفتاء المستفتين, وتعليم ما يحتاج المكلف إليه في المعاملات من الأمور العامة دون الفروع النادرة. فرع: أفتى قاضي القضاة تقي الدين بن رزين في متصدر لإقراء بعض العلوم قال في كتاب (النهاية) لإمام الحرمين: هذا ما يساوي شيئًا: أنه يعزر تعزيرًا بليغًا بالحبس والشهرة, ولا يجوز لولي الأمر أن يستمر به متصدرًا, ولا تمكَّن الناس من القراءة عليه, وإن كان أشار إلى أن النسخة غلط .. فإنه يعزر تعزيرًا أخف من ذلك, ويستتاب من العود إلى إطلاق مثل هذا اللفظ في مثل هذا الكتاب, فإن لم يتب .. منع من التصدر, ومنع الناس من الاقتداء به. قال: (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بالإجماع, وفي (سنن أبي داوود) [4338] و (الترمذي) [2168] بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه .. أوشك أن يعمهم الله بعقابه). والمراد: الأمر بواجبات الشرع, والنهي عن محرماته. ونقل الإمام في الأصول عن كثير من العلماء ومعظم الفقهاء: أن الأمر بالمعروف في المستحب مستحب, وفي الواجب واجب. وعن القاضي أبي بكر أنه قال: عندي أنه واجب, ولا يسقط عن المكلف بظن أن قوله لا يفيد أو يعلم ذلك بالعادة, بل يجب عليه الأمر والنهي, {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} , وليس الواجب عليه أن يقبل منه, بل واجبه أن يقول كما قال الله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}. قال في (المهمات) عدم السقوط في هذه الحالة باطل لا نعرف أحدًا قال به, بل نقل إمام الحرمين في (الشامل) الإجماع على عدم الوجوب, وأيده بقول الفقهاء: إن الأب والزوج ومن يباح له التأديب بالضرب إنما يضرب إذا نفع. وحكي الغزالي في حالة تعارض الاحتمالين وجهين, وصحح الوجوب. ولا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أن يخاف منه على نفسه أو ماله, أو يخاف على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع, وكذلك إذا غلب على ظنه أن المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادًا, فلو نصب لذلك واحد .. تعين عليه, وهو المحتسب. ولا يختص بالولاة, بل يجب على المسلم المكلف القادر, سواء كان رجلًا أو امرأة, عبدًا أو حرًا, بل في (الروضة) في (كتاب الغصب) أن للصبي ذلك ويثاب عليه, إلا أنه لا يجب عليه, وهل يسقط الحرج؟ يشبه أن يأتي فيه ما في رد السلام. ولا يشترط في الآمر العدالة, بل قال الإمام: على متعاطي الكأس أن ينكر على الجلاس. وقال الغزالي: يجب على من غصب امرأة على الزنا أن يأمرها بستر وجهها عنه وإن كان الزنا أفحش, وعلى من ارتكب معصية أن ينهى نفسه وينهى غيره.

وَإِحْيَاءُ الكَعْبَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِالزِّيَارَةِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان الأمر بالمعروف لا يتم إلا بالرفع إلى السلطان .. لم يجب؛ لما فيه من هتك الستر وتغريم المال, قاله ابن القشيري. وإنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه, ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره, أما المختلف فيه .. فلا؛ لأن كل مجتهد مصيب, أو المصيب واحد ولا نعلمه ولا إثم على المخطئ. هذا إذا كان الفاعل لا يرى تحريمه, فإن كان ممن يراه .. فالأصح: أنه كالمجمع عليه, وتصحيحهم لعدم الإنكار في المختلف فيه تشكل عليه مسألة الحنفي إذا شرب النبيذ؛ فإن الإنكار عليه بالحد بالفعل أبلغ من الإنكار بالقول. وأشكل من ذلك قول المصنف: أن من رأى مكشوف الفخذ في الحمام أنكر عليه, اللهم إلا أن يريد بذلك العورة المتفق عليها وهي السوءتان, وكذلك أفتى الشيخ عز الدين بأن للشافعي أن ينكر على الشافعي كشف الفخذ في الحمام وإن كان لا ينكر على المالكي. وصفة النهي عن المنكر: أن يغير باليد, فإن لم يستطع .. فبلسانه, فإن لم يستطع .. فبقلبه, كما ورد في الخبر. وينبغي الرفق بالجاهل والظالم الذي يخاف شره؛ لأنه أدعى لقبوله. وليس للآمر ولا للناهي البحث ولا التنقيب والتحسيس، ولا اقتحام الدور بالظنون، بل إن رأى شيئًا .. غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ظننت .. فلا تتحقق. وفي (شعب الإيمان) [7603] عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أمر بمعروف .. فليكن أمره بمعروف). قال: (وإحياء الكعبة في كل سنة بالزيارة) لأنه من شعائر الإسلام. وروى ابن الحاج في (منسكه) عن ابن عباس أنه قال: (لو ترك الناس زيارة هذا البيت عامًا واحدًا .. ماتوا طرًا).

وَدَفْعُ ضَرَرِ المُسْلِمِينَ كَكِسْوَةِ عَارٍ وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ وَبَيْتِ مَالٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والتعبير بـ (الزيارة) يقتضي: أن الحج لا يتعين في إسقاط فرض الكفاية, بل العمرة أو الصلاة أو الاعتكاف في مسجدها كذلك, وبه صرح الرافعي بحثًا, فإن التعظيم وإحياء الكعبة يحصل بجميع ذلك, وخالفه المصنف فقال: لا يحصل مقصود الحج بما ذكره؛ فإنه يشتمل على الوقوف والرمي والمبيت بمزدلفة وبمنى وإحياء تلك البقاع بالطاعات وغير ذلك, ونوزع المصنف في ذلك. ولا يشترط في القائمين بهذا الغرض قدر مخصوص, بل الفرض أن يحجها كل سنة بعض المكلفين, قاله في (شرح المهذب) قبيل الكلام على تحريم صيد المدينة, والمتجه: اعتباره من عدد يظهر بهم الشعار. قال: (ودفع ضرر المسلمين) على أهل المكنة؛ صيانة للنفوس. وتعليقة الحكم بـ) الضرر) يفهم: أنه لا يجب دفع الحاجة, وفي ذلك خلاف للأصوليين, وحكاه الرافعي وجهين, ومقتضى كلامه في (باب الأطعمة) ترجيح الاكتفاء بما يسد الرمق والضرورة. قال: (ككسرة عار وإطعام جائع) , وكذلك إغاثة المستغيث في النائبات, فكل ذلك فرض كفاية في حق أصحاب الثروة والقدرة. قال: (إذا لم يندفع بزكاة وبيت مال) , ففي (صحيح البخاري) [5373]: (أطعموا الجائع, وفكوا العاني) وما ذكره من (بيت المال) محله إذا أمكن الوصول إليه, فإن لم يكن فيه شيء أو كان وتعذر .. فكالعدم. وتخصيص ذلك بالمسلمين يقتضي: أن أهل الذمة والمستأمنين لا يجب دفع ضررهم بل يندب؛ لأنا إنما التزمنا لهم دفع الأذى, وليس كذلك, بل الصواب الوجوب أيضًا كما صرح به الرافعي في الكلام على الصلاة على الميت, وجزم في (باب الأطعمة) في الكلام على إطعام المضطر بوجوب إطعامه, ذميًا كان أو مستأمنًا. وظاهر عبارته: أن المراد: ستر ما يحتاج إليه البدن, وهو كذلك بلا شك, فيختلف الحال بين الشتاء والصيف. وأما تعبير (الروضة) بستر العورة .. فمعترض, لكن عبارته تقتضي: أنه يجب

وتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ, وَأَدَاؤُهَا, وَالْحِرَفُ, وَالصِّنَاعاتُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ دفع الصائل عن الغير على من قدر عليه, وقدم في) كتاب الصيال) عدم الوجوب. وقال في (الغياثي) يجب على الموسر المواساة بما زاد على كفاية سنة. وإنما اقتصر المصنف على الزكاة وبيت المال؛ لأنهما أغلب من غيرهما, وإلا .. ففي معناهما الكفارات والوصايا والأوقاف العامة. ومما يجب على أعيان الناس فك الأسارى من مالهم, ولا يجب على الإمام ابتياعهم من بيت المال. قال: (وتحمل الشهادة وأداؤها)؛ لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} , ولأنها وسيلة لحفظ الحقوق الشرعية ووسيلة الواجب واجب. وما أطلقه من إيجاب التحمل محله إذا حضر له, فإن دعي له .. فالأصح: لا يجب إلا أن يكون الداعي قاضيًا أو معذورًا بمرض ونحوه. وما أطلقه في الأداء محله: إذا تحمله أكثر من نصاب, فإن تحمله اثنان في الأموال .. فالأداء فرض عين. قال: (والحرف, والصناعات) كالتجارة والخياطة والحياكة؛ لأن قيام الدنيا بهذه الأسباب, وقيام الدين متوقف على أمر الدنيا, حتى لو امتنع الخلق منه .. أثموا وكانوا ساعين في إهلاك أنفسهم. وفي الحديث: اختلاف أمتي رحمة , وتقدم في الخطبة معناه. وإطلاقه (الحرف) يشمل الدنيئة وغيرها, وبه صرح في (الإحياء) , فعد الحجامة والكناسة منها, قال: فلو خلا البلد عن حجام .. حرجوا. وعطف المصنف) الصنائع) على) الحرف) يقتضي تغايرهما, والجوهري فسر الصناعة بالحرفة, وكأن الصناعة تقتضي عملًا والحرفة أعم.

وَمَا تَتِمُّ بِهِ الْمَعَايِشُ, وَجَوَابُ سَلاَمٍ عَلَى جَمَاعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وما تتم به المعايش) كالبيع والشراء والحراثة؛ لأن كل فرد من آحاد الناس عاجز عن القيام بما يحتاج إليه؛ لأن الإنسان مدني بالطبع. سمع أحمد رجلًا يقول: اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك, فقال: هذا رجل تمنى الموت. وفي (ربيع الأبرار) عن علي رضي الله عنه قال: سمعني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك, فقال: (لا تقل هكذا؛ ليس من أحد إلا وهو محتاج إلى الناس) قلت: كيف أقول؟ قال: (قل: اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك) قلت: يا رسول الله؛ ومن شرار خلقه؟ قال: (الذين إذا أعطوا .. منوا, وإذا منعوا .. عابوا). وروى الترمذي [3527] عن أبي بكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يقول: اللهم إني أسالك الصبر, فقال: (سألت الله البلاء, فاسأله العافية). وعد الغزالي من فروض الكفاية النكاح, ومراده: أنه فرض كفاية على الأمة لا يسوغ لجملتهم الإعراض عنه. وعد القوافي منها: أكل اللحم؛ يعني: أنه يجب أن يكون في الناس طائفة يأكلونه ليتقووا على الجهاد. قال: (وجواب سلام على جماعة) , أما وجوبه .. فبالإجماع, قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. وأما كونه على الكفاية .. فلما روى أبو داوود [5168]- بسند لم يضعفه- عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم, ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم). فإن أجاب أحدهم .. سقط الفرض, واختص الثواب به, ولو أجابوا كلهم .. كانوا مؤدين للفرض, سواء أجابوا مجتمعين أو مترتبين كالصلاة على الجنازة. ويختص وجوب الرد بالمكلف السامع للسلام, فلا يسقط برد الصبي على الصحيح, وكذا من لم يسمع السلام على المشهور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقضية كلام المصنف: أنه لا فرق بين أن يكون المسلم رجلًا أو امرأة، مسلمًا أو ذميًا، سنيًا أو مبتدعًا، صاحيًا أو سكرانًا، ولا بين أن يكون المسلم مشافهًا بالسلام أو مسلمًا في كتاب أو على لسان رسول، وليس كذلك في بعضها. وأما المرأة .. فيجب رد سلامها إذا سلمت على امرأة أو رجل بينها وبينه محرمية أو زوجية، وكذا إذا كانت أمته كما قال في زوائد (الروضة)، فإن لم يكن بينهما محرمية وي لا تشتهى .. وجب الرد أيضًا، ويجب عليها أيضًا في هذه الأحوال رد سلام الرجل، أما الشابة .. فيحرم عليها رد سلام الرجل، ويكره له رد سلامها. وأما الذمي .. فقال البغوي: لا يجب رد سلامه، وصوب المصنف: أنه يجب؛ لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله: (وعليكم)، وورد في (الصحيحين) [خ 6928 - م2165/ 10] أيضا بغير (واو)، وصحح الخطابي والمصنف تركها؛ ليصير قوله بعيه مردودًا عليه؛ لأن (الواو) للتشريك). وفي وجه يقول: وعليكم السلام، ولا يقول: ورحمة الله وبركاته اتفاقًا.

وَيُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الصبي .. ففي وجوب الرد عليه وجهان، بناهما القاضي على أن عمده عمد أم لا؛ والمتولي والرافعي على الخلاف في صحة إسلامه، والاختلاف في البناء يقتضي الاختلاف في التصحيح. وأما المجنون والسكران .. فلا يجب رد سلامهما على الصحيح في (شرح المهذب). ولو سلم على إنسان ورضي بأنه لا يرد عليه .. لم يسقط عنه فرض الرد؛ لأنه ليس بحق له وإنما هو حق لله تعالى، قاله المتولي في (باب الإقرار). ويشترط في جواب السلام: رفع الصوت بحيث يحصل سماع المردود عليه، وكذا التلفظ به على القادر، وتكفي إشارة الأخرس، وجمعهما على الأصم شرط). وأن يتصل بالسلام اتصال القبول بالإيجاب في البيع، وصفته: أن يقول: وعليكم السلام، سواء كان المسلم واحدًا أم جماعة، أو وعليك السلام للواحد، أو وعليكم سلام بالتنوين وغير، أو وعليكم بالعطف من غير تلفظ بالسلام في الأصح، ولو ترك الواو فقال: عليكم السلام .. فوجهان: أصحهما: يجزئ، خلافًا للمتولي، وكماله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وظاهر كلامهم: أنه يكفي: وعليكم السلام وإن كان المسلم أتى بلفظ الرحمة والبركة. وظاهر كلام الماوردي: أنه يجب رد السلام مطلقًا. قال: (ويسن ابتداؤه)؛ لما روى أبو داوود [5155] بإسناد حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام). وهي سنة مستحبة من الو احد، وسنة كفاية من الجماعة، فلو لقي جماعة جماعة فسلم أحد هؤلاء على هؤلاء .. كفئ ذلك لإقامة السنة.

لاَ عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ وَآكِلِ وَفِي حَمَّامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وابتداؤه أفضل من رده كما صرح به المصنف، وفيه وجه لوجوب الرد، قال القاضي والشاشي: ليس لنا سنة كفاية إلا هذا، وزاد الأصحاب عليهما: الأضحية، والتسمية على الأكل والأذان والإقامة وصلاة الجماعة إذا قلنا بسنيتها، وما يفعل بالميت مما ليس بفرض كفاية، وكذا تشميت العاطس كما سيأتي بيانه. وقد يتصور وجوب الابتداء فيما إذا أرسل سلامه إلى غائب، ففي زوائد (الروضة) يلزم الرسول أن يبلغه؛ فإنه أمانة، ويجب أداؤها، وإنما يستحب ابتداؤه، من المسلم للمسلم؛ فالذمي لا يجوز ابتداؤه به على الصحيح: لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام). وأما المبتدع .. فالمختار: أنه لا يُبدأ بسلام إلا لعذر وخوف مفسدة. وفي استحباب السلام على الفاسق وجهاز: أصحهما: المنع. والصحيح صحة السلام بالعجمية ووجوب الرد عليه. قال: (لا على قاضي حاجة وآكل وفي حمام)، الضابط في ذلك: أن يكون الشخص على حالة لا يليق بالمروءة القرب منه فيها، فيدخل في ذلك: المجامع والنائم والناعس والإمام في الخطبة، وكذا المستغرق القلب بالدعاء. والمراد ب (الحاجة) البول والغائط، ففي (سنن ابن ماجه) [352] و (مسند أحمد) [5/ 80] عن جابر قال: مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي؛ فإنك إذا فعلت ذلك .. لم أرد عليك). وفي (شعب الإيمان) [2367]: أن جابرًا هو الذي كان سلم. وأطلق المصنف (الأكل) وحمله الإمام على من اللقمة في فيه ويعسر عليه الجواب في الحال.

وَلاَ جَوَابَ عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعلة في الحمام: كونه مأوى الشياطين، وليس موضع تحية، ولا يلتحق بذلك السلام عليه في موضع خلع الثياب. واستشكل على المصنف: أنه جزم بكراهة رد السلام في الحمام مع ترجيحه لعدم كراهة قراءة القرآن فيه. قلت: لا يسن ابتداؤه أيضًا على لاعب الشطرنج والنرد؛ لما سيأتي في (كتاب الشهادات) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بالأزلام والشطرنج والنرد .. فلا تسلموا عليهم) رواه الآجري. قال: (ولا جواب عليهم)؛ لوضع السلام في غير محله. زاد الشيخ شهاب الدين في (النكت) أنه يكره الرد في حال البول والجماع، ويندب للآكل ومن في الحمام. وعبارة (الروضة) وأما الآكل ومن في الحمام .. فيستحب له الرد، وأما المصلي .. فأطلق الغزالي: أنه لا يسلم عليه، والصحيح: أنه لا يلزمه الرد، كما تقدم في (شروط الصلاة). وألحق بالمصلي في كراهة السلام عليه: الملبي في الحج أو العمرة، والمؤذن، والمقيم، لكنهم يردون باللفظ. وأما القارئ .. فقال الواحدي: الأولى: ترك السلام عليه 0 فإن سلم عليه .. كفاه الرد بالإشارة، وضعفه المصنف، واختار: أنه يسلم عليه ويلزمه الرد لفظًا. تتمة: تلاقى رجلان فسلم كل منهما على صاحبه .. وجب على كل منهما جواب الآخر، ولا يحصل الجواب بالسلام وإن ترتب السلامان، قاله القاضي والمتولي. وقال الشاشي: إن ترتبا .. كان الثاني جوابًا، وإن كانا دفعة .. فلا، قال المصنف: وهذا تفصيل حسن ينبغي أن يجزم به. والصواب: عند القيام من المجلس أن يسلم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون جوابه مستحبًا على الصحيح. ويستحب لمن دخل دار نفسه أن يسلم على أهله، وإن دخل مسجدًا أو بيتًا ليس فيه أحد أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ولو ابتدأ المار فقال: صبحك الله بالخير والسعادة، أو قواك الله، أو حياك الله، أو لا أوحش الله منك، ونحوه .. لم يستحق جوابًا، لكن لو دعا له قبالة دعائه .. كان حسنًا، إلا أن يريد تأديبه أو تأديب غيره لإهماله السلام وعدم البُداءة به .. فيسكت. ويكره حني الظهر بكل حال، وقال البغوي: لا يحل لأحد. أن يحني ظهره لمخلوق: لأنها عبادة مختصة بالله تعالى. وفي (صحيح مسلم) أيصافح بعضنا بعضًا؛ قال: (نعم) قال: أينحني بعضنا لبعض؟ قال: (لا). وأفتى المنصف بكراهة الانحناء بالرأس. وتقبيل يد الغير أو رأسه أو رجله إن كان لزهده أو صلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحوها من الأمور الدينية .. فمستحب؛ لأن عمر لما دخل الشام .. قبل أبو عبيدة يده. ويكره فعل ذلك لذي جاه أو شوكة أو غنى؛ ففي الحديث: (من تواضع لغنى لغناه .. ذهب ثلثا دينه). ويقام لأهل الفضل، ويكره للرجل أن يطمع في قيام القوم له، وقال ابن عبد السلام: لا بأس به لمن يرجى خيره أو يخاف شره من المسلمين. ولا يقام لكافر إلا إذا خشي منه ضررًا عظيمًا. ولا بأس بتقبيل الأطفال شفقة ورحمة ومحبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ابنه إبراهيم وشمه، رواه البخاري [1303] من حديث أنس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقبل أبو بكر خد ابنته عائشة حين أصابتها الحمي، رواه أبو داوود [5180] من حديث البراء بن عازب. وكان ابن عمر يقبل ولده سالمًا ويقول: (اعجبوا من شيخ يقبل شيخًا). وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إذ لي عشرة من الولد ما قبلت أحدًا منهم! فقال صلي الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم) متفق عليه [خ 5997 - م2318]. فإن كان التقبيل بشهوة .. فهو حرام اتفاقًا، سواء الولد وغيره. ولا بأس بتقبيل الرجل وجه صاحبه إذا قدم من سفر، وكذا أن يعانقه على الصحيح: لأن جعفرًا لما قدم من الحبشة عانقه النبي صلى الله عليم وسلم، رواه أبو داوود [5178] والدارقطني والحاكم [1/ 319]. ويسن تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى، فيقال له: يرحمك الله، أو يرحمك ربك، ويقال للصغير: أصلحك الله أو بارك الله فيك. والأفضل أن يقول: الحمد لله على كل حال، وإن يضع يده أو ثوبه على وجه؛ ففي (سنن أبي داوود) [4490]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. ويستحب أن يخفض صوته لقوله صلى الله عليه وسلم: (العطسة من الشديدة من الشيطان) قال الترمذي [2745]: حسن صحيح. ولا يشمته ما لم يسمع حمده، ويستحب أن يذكره الحمد فيقول: الحمد لله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق العاطس بالحمد .. أَمِن من الشوص واللوص والعلوص) رواه الطبراني. (الشوص) وجع الضرس، و (اللوص) وجع الأذن، و (العلوص) وجع في البطن. وإذا كان العاطس في قراءة أو أذان .. حمد وأجاب مشمته.

وَلاَ جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتكرر التشميت بتكرر العطاس ثلاثًا، فإذا علمه مزكومًا .. دعا له بالشفاء. ويستحب للعاطس أن يجيبه فيقول: يهديكم الله، أو يغفر الله لك، إلا الكافر فيقال: يهديك الله، ولا يجب ذلك، بخلاف جواب السلام. ويستحب أن يجاب المنادي بلبيك، وأن يقال لمن ورد: مرحبًا، ولمن أحسن إليه: جزاك الله خيرًا، أو حفظك الله، ونحو ذلك، وإعلامُ مَن أحبه في الله بمحبته. قال: (ولا جهاد على صبي، ومجنون) لمّا فرغ من بيان فرضية الجهاد وما يتعلق به .. أخذ في بيان ما يسقطه وهو نوعان: حسي وشرعي، وبدأ بالأول، وهو سبعة، ترك منها واحدًا، وهو العمى؛ لوضوحه فالصبي والمجنون لا جهاد عليهما؛ لعدم تكليفهما، ولقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} الآية، قيل: هم الصبيان؛ لضعف أبدانهم، وقيل: المجانين؛ لضعف عقولهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رد زيد بن أرقم ورافع بن خديج والبراء بن عازب وأبا سعيد الخدري وزيد بن حارثة الأنصاري وابن عمر يوم بدر لما استصغرهم)، ورد ابن عمر يوم أحد، وأجازه في الخندق، رواه الشيخان [خ 26640 - م1868]. وكذلك اتفق لسعد بن حبتة الأنصاري جد أبي يوسف القاضي، ولما رآه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق يقاتل قتالًا شديدًا وهو حديث السن .. قال: (أسعد الله جدك، اقترب مني) فاقترب منه فمسح رأسه ودعا له بالبركة في ولده ونسله، فكان عمًا لأربعين، وخالًا لأربعين، وجدًا لعشرين، كذا ذكره ابن دحيحة وغيره). وممن استصغر يوم أحد عَرابة بن أوس، وكان من سادات قومه، يقاس في الجود بعبد الله بن جعفر، لقي الشماخ الشاعر وهو يريد المدينة، فسأله عما أقدمه؟ فقال:

وَامْرَأَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أمتار لأهلي، وكان معه بعيران، فأوقرهما له تمرًا وكساه وأكرمه، فقال فيه هذه الأبيات [من الوافر]: رأيت عرابة الأوسي يسمو .... إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد .... تلقاها عرابة باليمين إذا بلغتني وحملت رحلي .... عَرابة فاشرقي بدم الوتين وقد أساء الشماخ في هذا البيت، وأحسن الحسن بن هانئ في قوله [ديوان: 408 من الكامل]: واذا المطي بنا بلغن محمدًا .... فظهورهن على الرجال حرام قال: (وامرأة)؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}. وقال صلى الله عليه وسلم للنساء: (جهادكن الحج والعمرة) رواه البخاري [2875]. ولأنهن يضعفن عن القتال غالبًا، ولهذا إذا حضرن القتال .. لا يسهم لهن، بل يرضخ. ولما رأئ عمر بن أبي ربيعة امرأة مقتولة، وهي عمرة بنت النعمان بن بشير امرأة المختار .. قال [من الخفيف]: إن من أكبر الكبائر عندي قتل بيضاء حرة عطبول كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جز الذيول و (العطبول) من النساء: الحسناء التامة، وأراد ب (الغانيات) اللاتي يستغنين بجمالهن عن التزين، وقيل: بالزوج عن الفجور، وقيل: بنسبهن الشريف. و (الذيول) بالذال المعجمة جمع: ذيل. والخنثى كالمرأة؛ لاحتمال الأنوثة. وللإمام استصحاب المراهقين والنساء لسقي الماء ومداواة الجرحى؛ ففي (البخاري)، [2883] عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ قالت: (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه

وَمَرِيضٍ، وَذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ، وَأَقْطَعَ، وأَشَلَّ، وَعَبْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة). قال: (ومريض)؛ لقوله تعالى: {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ}. والمراد: مرض يمنع من القتال والركوب إلا بمشقة شديدة كالحمى المطبقة ونحوها، ولا اعتبار بالصدع ووجع الضرس والحمى الخفيفة، بخلاف الرمد. قال: (وذي عرج بين) ولو في إحدى رجليه؛ لقوله تعالى: {وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ}، (سورة الفتح) نزلت في الجهاد اتفاقًا، وآية النور في المؤاكلة. واحترز ب (البين) عن الذي لا يمنع المشي والعدو والهرب؛ فإنه لا يمنع وجوب الجهاد على النص، وقيل: إن كان راكبًا .. لزم؛ لأن العرج لا يؤثر فيه، والأصح: المنع؛ فقد تتعطل الدابة فيعسر الفرار. واستدل البيهقي [9/ 24] للعرج البين؛ بأن عمرو بن الجموح كان شديد العرج، وكان سيدًا من سادات الأنصار وأشرافهم، وكان له أربعة من الولد شباب يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلي أحد .. منعه بنوه، فشكاهم إلى النبي صلي الله عليه وسلم وقال: إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد عذرك ولا جهاد عليك) ثم قال لبنيه) (وما عليكم أن تدعوه؟! لعل الله أن يرزقه الشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). فقاتل يومئذ وقتل ودفن مع صهره عبد الله والد جابر في قبر واحد، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيته يطأ بعرجته في الجنة). قال: (وأقطع، وأشل) لأن مقصود الجهاد البطش والنكاية وهو مفقود فيهما. وفي معنى الأقطع: فاقد معظم الأصابع. قال: (وعبد)؛ لقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}، فلم يشمله

وَعَادِمٍ أُهْبَةَ قِتَالٍ. وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْحَجِّ مَنَعَ الْجِهَادَ، إِلاَّ خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ، وَكَذَا مِنْ لُصُوصِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطاب؛ لأنه لا مال له، فدخل في قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} ولأنه لو كان من أهل فرض الجهاد لأسهم له. والمدبر والمبعض والمكاتب كالقن، فلو آذن له سيده .. قال الإمام: لا يلزمه؛ لأنه ليس من أهل هذا الشأن، وليس القتال من الاستخدام المستحق؛ لأن السيد لا حق له في روحه حتى يعرضه للهلاك، لكن لو خرج سيده للجهاد .. فله استصحابه ليخدمه على العادة، ولا يقاتل قهرًا. قال: (وعادم أهبة قتال)، وهي السلاح والمركوب والنفقة ذهابًا وإيابًا؛ لقوله تعالي: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} إلى قوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَاذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ}. و (أُهْبَة الحرب) عدتا، والجمع: أهب. فلو بذل للفاقد ما يحتاج إليه، فإن كان الباذل الإمام من بيت المال .. لزمه؛ لأن ما يأخذه منه حقه، وإلا .. فلا، فإن كان فلقتال قريبًا من مكانه .. سقطت نفقة الطريق. ويشترط كون ذلك فاضلًا عن نفقة من تلزمه نفقته كما تقدم في (الحج)، فإن كانت المسافة دون مسافة القصر .. لم يكن عدم الراحلة مانعًا من الوجوب إذا كان قادرًا على المشي، كما أن ذلك لا يمنع وجوب الحج. ولو مرض بعدما خرج أو فني زاده أو هلكت دابته .. فهو بالخيار بين أن ينصرف أو يمضي، فإن حضر الوقعة .. فالأصح: تجويز الرجوع إذا لم يمكنه القتال، فإذا أمكنه الرمي بالحجارة عند تعذر السلاح. فألآصح في زوائد (الروضة) وجوب الرمي بها، على تناقض وقع له فيه. قال: (وكلَّ عذر منع وجوب الحج منع الجهاد، إلا خوف طريق من كفار)؛ لآن مصادمة الكفار هي المطلوبة في الجهاد. قال: (وكذا من لصوص المسلمين على الصحيح)؛ لأن الخوف يحتمل في هذا السفر.

وَالدَّيْنُ الْحَالُّ يُحَرِّمُ سَفَرَ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يمنع الوجوب كالحج؛ فإنه يأنف من قتال المسلمين. ثم إن المنصف لما فرغ من بيان الموانع الحسية .. شرع في بيان الموانع الشرعية، وهي ثلاثة: الرق وقد تقدم في كلامه. والكفر، وتركه المنصف، فلا يخاطب به الذمي: لأنه بذل الجزية لنذب عنه لا ليذب عنا، وينبغي أن يجب على المرتد؛ لأنه سبق منه الالتزام. قال: (والدَّينُ الحالُّ) سواء كان لمسلم أو ذمي (يُحرِّم سفر جهاد وغيره)؛ لأن مقصود الجهاد طلب الشهادة وبذل النفس للقتل وهو يؤدي إلى إسقاط حق ثابت، ولأن أداء الدين فرض عين فقدم على فرض الكفاية. وفي (صحيح مسلم) [1886] عن عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدَّين). قال الآجري: هذا لمن تهاون بقضاء دينه، أما من استدان شيئًا وأنفقه من غير سرف ولا تبذير ثم لم يمكنه قضاؤه .. فإن الله تعالى يقضيه عنه. قال الأصحاب: وليس له معه من السفر كما يمنع زوجته وعبده، بل يشغله برفعه إلي مجلس القاضي ويطالبه حتى يوفي. ومحل ذلك: إذا لم يستنب من يقضي عنه أو استناب من يقضيه من ماله الغائب، فإن استناب من يقضيه من ماله الحاضر .. لم يلزمه الاستئذان. قال: (إلا بإذن غريمه)؛ لرضاه بإسقاط حقه، فإن أذن له .. صار من أهل الفرض. هذا في الغريم الجائز الإذن، أما ولي المحجور ومتولي الوقف .. فليس لواحد منهما أن يأذن في ذلك؛ لأن الحق ليس له. قال الماوردي: وإذا سافر لا يتعرض للشهادة؛ بأن يقف أمام الصفوف، بل يقف في وسطها أو حواليها، وقال البندنياجي: إن ذلك يستحب.

وَالْمُؤَجَّلُ لاَ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ سَفَرًا مَخُوفًا. وَيَحْرُمُ جِهَادٌ إِلاَّ بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشملت عبارته من عليه دين حال وهو معسر؛ فليس له أن يجاهد إلا بإذن رب الدين، وكذا نقله الماوردي عن الأصحاب. قال ابن كَج: والمذهب لا، وفي (أصل الروضة) أنه الصحيح؛ إذ لا طالب، وقضية كلامه: أن المنع منوط بعدم الإذن، وهو أعم من المنع؛ إذ يصدق على السكوت. وعبارة أبي الطيب و (الحاوي الصغير) تقتضي: أنه منوط بمنع رب الدين. قال: (والمؤجل لا) وإن قرب الأجل؛ لأنه الآن مخاطب يفرض الكفاية والدين المؤجل لا يتوجه الخطاب به إلا بعد حلوله 0 لكن للمستحق الخروج معه إن شاء ليطالبه. قال: (وقيل: يمنع سفرًا مخوفًا) كالجهاد 0 ورجحه الإصطخري؛ صيانة للدين، كذا أطلق الصنف هذا الوجه وقيده في (الروضة) بأن لا يقيم كفيلًا في الدين. وقيل: إن لم يخلف وفاء .. فله منعه، وإلا .. فلا. وقيل: إن كان من المرتزقة .. لم يمنع الجهاد، وإلا .. منع. وقيل: إن كان يحل قبل عوده .. منع. وأما السفر الذي لا يغلب فيه الخطر .. فلا منع فيه قطعًا. قال: (ويحرم جهاد إلا بإذن أبويه إن كانا مسلمين) هذا هو المانع الرابع، وهو عدم رضا الوالدين، فمن والداه أو أحدهما حي .. لا يجوز له السفر للجهاد إلا بإذنهما أو إذنه؛ لأنه فرض كفاية، وبرهما فرض عين. وفي (الصحيحين) [خ 3004 - م2549]: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: (ألك والدان؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد). وفي رواية في (أبي داوود) [2520]: (كيف تركتهما؟) قال: يبكيان، قال: (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما).

لاَ سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ، وَكَذَا كِفَايِةٌ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاء جاهمة السلمي - والد معاوية بن جاهمة- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيره في الجهاد فقال له صلى الله عليه وسلم: (ألك والدة؟) قال: نعم، قال: (انطلق إليها فأكرمها؛ فإن الجنة تحت رجلها) رواه ابن ماجه [2781] والنسائي [6/ 11] وأحمد [3/ 429] والحاكم [2/ 104] وقال: صحيح. وفي (صحيح مسلم) [2549/ 6]: أن رجلًا قال: يا رسول الله: أبايعك على الهجرة والجهاد قال: (هل من والديك أحد؟) قال: نعم، كلاهما، قال: (فتبتغ الأجر من الله؟)، قال: نعم، قال: (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) فجعل الكون مع الأبوين أفضل من الكون معه في الجهاد. والأجداد والجدات كالأبوين ولو مع وجودهما في الأصح؛ لأن الشفقة لا تختلف. والأب الرقيق كالحر على الصحيح. واحترز ب (المسلمين) عن الكافرين فلا يجب استئذانهما؛ لأن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن أباه كان يكره ذلك. ولذلك قال الشافعي في (الأم) إذا علم من والده نفاقًا .. لم يكن له عليه طاعة. ولو كان الابن مملوكًا والأبوان حران .. فالاعتبار بإذن السيد، وإن كان مبعضًا .. لزمه استئذان السيد والأبوين، فأن أذنوا جميعًا ... جاهد، وإلا .. فلا. قال: (لا سفر تعلم فرض عين)، فيسافر بغير إذنهما حيث لا يجد من يعلمه إياه؛ لاضطراره إليه، كحج يضيق عليه، بل أولى؛ لأن الحج على التراخي، وفي وجه غريب: لما منعه. قال: (وكذا كناية في الأصح)، المراد: أنه يخرج لطلب درجة الفتوي وفي الناحية مستقل بها، فقيل: لهم المنع كالجهاد. والأصح: خلافه؛ لأن الحجر على المكلف بعيد، والعلم فرض في الجملة

فَإِنْ أَذِنَ أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ ثُمَّ رَجَعُوا .. وَجَبَ الرُّجُوعُ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الصَّفَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنفعته عظيمة على جميع المسلمين وليس كالجهاد؛ لأنه لا خطر فيه. وينبغي أن يختلف الحكم باختلاف حال الولد، فإن كان ممن يرجى انتفاعه ونفعه. . قدم قصده على حقهما، وإن كان بخلاف ذلك .. ترجح المنع، وقيده الفوراني بمن لا يمكنه التعلم في بلده. قال الرافعي: ويجوز أن لا يعتبر، بل يكفي أن يتوقع في السفر زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ أو غيرهما، كما لم يقيد الحكم في سف التجارة بمن لم يتمكن منها ببلده، بل اكتفى بتوقع ربح أو رواج. واشترط الرافعي في الخارج لطلب العلم: ان يكون رشيدا، وأسقطه من (الروضة). وفي (فتاوى قاضي خان) أن الأمرد الحسن لأبيه منعه من الخروج لذلك دون الملتحي. وأما سفر التجارة، فإن كان قصيرًا .. جاز بلا إذن، وإن كان طويلًا، فإن كان فيه خوف ظاهر كركوب البحر والبراري الخطيرة .. فهو كسفر الجهاد، وإن غلب الأمن .. فالأصح: الجواز بلا استئذان ولا منع لهما. وأطلق القاضي القول بوجوب الإذن في الأسفار المباحة، والأب الكافر في هذه الأسفار كالمسلم، إلا في الجهاد فلا يستأذن كما تقدم. قال: (فإن أذن أبواه والغريم ثم رجعوا) أي: وعلم) .. وجب الرجوع إن لم يحضر الصف) أي: وأمن على نفسه، وماله وانكسار قلوب المسلمين؛ لأن هذه الأعذار تمنع الوجوب فكذلك طرآنها كالعمى. فإن لم يمكنه الانصراف للخوف وأمكنة أن يقيم في قرية في الطريق إلى أن يرجع الجيش فيرجع معهم .. قال الإمام: الوجه: أن يلزمه ذلك، وأشار إلى احتمال أخر، وأثبتهما الرافعي وجهين. وفي قول: لا يلزمه الانصراف، بل يتخير كالمرأة إذا أذن لها في السفر وطلقت بعد مفارقة البلد.

فَإِنْ شَرَعَ فِي قتَالٍ .. حَرُمَ الانصِرَافُ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن شرع في قتال .. حرم الانصراف في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ}. والثاني: يجب الانصراف كما قبل الشرع؛ مراعاة لحق الآدمي، فإنه فرض عين، والجهاد فرض كفاية. والثالث: يتخير بين الانصراف والمصابرة؛ لتعارض الأمرين، واختاره القاضي. والرابع: يجب الانصراف إن رجع صاحب الدَّين دون الأبوين؛ لعظم شأن الدين. وحاصل الخلاف في (الروضة) أربعة أوجه، وفي (الشرح) قولان ووجهان، فتعبيره هنا ب (الأظهر) فيه نظر. فرع: من شرع في القتال ولا عذر له .. تعين عليه، ولا يجوز له الانصراف، وألحق بعضهم به سائر فروض الكفايات، وانبنى على ذلك أن المشتغل بالعلم إذا أيس الرشد من نفسه .. هل يلزمه إتمامه؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم كالجهاد. وأصحهما: لا)؛ لأن الرجوع إنما حرم في الجهاد لخوف التخذيل)، والانكفاف عن التعلم ليس في معناه، وأيضًا كل مسألة مستقلة برأسها، والجهاد خصلة واحدة، ورجح الشيخ الأول)؛ فإن المشتغل بالعلم له باعث نفسي يحثه على دوام الاشتغال به؛ لمحبته ثمرته، والمقاتل ميله إلى الحياة يباعده عن ذلك؛ لكراهة

الثَّاِني: يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا فَيَلْزَمُ أَهْلَها الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَأَهُبٌ لِقِتَالٍ .. وَجَبَ الْمُمْكِنُ حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَعَبْدٍ بِلَا إِذْنٍ، وَقِيلَ: إِنْ حَصَلَتْ مُقَاوَمَةٌ بِأَحْرَارٍ .. اشْتٌرِطَ إِذْنُ سَيِّدِهِ، وَإِلاَّ: فَمَنْ قُصِدَ .. دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْمُمْكِنِ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا أُخِذَ قٌتِلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الموت وشدة سكراته، فوكل المشتغل بالعلم إلي محبته؛ لأنه منهوم لا يشبع) وكلف المقاتل بالثبات عند الممات الذي منه يفزع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (مداد العلماء أفضل من دم الشهداء). قال: (الثاني) أي: من حالي الكفار (يدخلون بلدة لنا)، وكذا لو أطلوا عليها ونزلوا بابها ولم يدخلوا، فإن نزلوا على خراب أو جبل في دارنا لكنه بعيد عن البلد .. فالأصح عند المصنف: أنه كدخول البلد، واختار الإمام مقابله. قال: (فيلزم أهلها المدفع بالممكن)؛ لأن دخولهم دار الإسلام خطر عظيم لا سيبل إلى إهماله، ولا بد من الجد في دفعه بما يمكن، ويصير الجهاد فرض عين، وقيل: كفاية. قال: (فإن أمكن تأهب لقتال .. وجب الممكن حتى على فقير وولد ومدين وعبد بلا إذن)؛ لأنه قتال دفع عن الدين، ولذلك يلزم كل مطيق حتى النساء إن كانت فيهن قوة أن يبذلوا المجهود. قال: (وقيل: إن حصلت مقاومة بأحرار .. اشترط إذن سيده)؛ لأن في الأحرار غنية عنهم. والصحيح: عدم الاشتراط؛ لتقوى القلوب وتعظم الشوكة. أما إذا لم تمكن المقاومة إلا بهم .. فلا حجر للمالك قطعًا. قال: (وإلا) أي: وان لم يمكن التأهب للقتال؛ بأن هجم الكفار بغتة (فمن قصد) أي: من المكلفين) .. دفع عن نفسه بالممكن إن علم أنه إذا أخذ قُتل)؛

وَإِنْ جَوَّزَ الأَسْرَ .. فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِمَ. وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصَرِ مِنَ الْبَلَدِ كَأَهْلِهَا، وَمَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ .. تَلْزَمُهُمُ الْمُوَافَقَةُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إِنَ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا وَمَنْ يَلِيِهْم، قِيَل: وَإِنْ كَفَوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه قتال عن الدين لا قتال غزو، ويستوي في ذلك الحر والعبد والمرأة والسليم والأعمى والأعرج. قال: (وإن جوز الأسر .. فله أن يستسلم)؛ لأن الأسير يحتمل الخلاص والمكافحة في هذه الحالة استعجال للقتل. هذا في الرجل، أما المرأة، فإن علمت أنها إذا استسلمت امتدت الأيدي إليها .. لزمها الدفع على الأصح وإن كانت تقتل؛ لأن الفاحشة لا تباح عند خوف القتل، والثاني: لا؛ لأن القتل معلوم والفاحشة موهومة، وإن كانت تظن ذلك بعد الأسر. . فيحتمل أن يجوز لها الاستسلام في الحال ثم تدفع حينئذ. قال: (ومن هو دون مسافة القصر من البلد كأهلها) أي: إذا وجدوا الزاد، ولا يعتبر الركوب على الأصح للقادر على المشي، حتى لو لم يكن في أهل البلد كفاية .. وجب على هؤلاء الممضي إليهم؛ لأنهم كالحاضرين، وكذا إن كان فيهم كفاية على الأصح. قال: (ومن على مسافة القصر .. تلزمهم الموافقة بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم)؛ دفعًا لهم وإنقاذًا من الهلاك، فيصير فرض عين في حق من قرب، وفرض كفاية في حق من بعد. وأشار بقوله: (بقدر الكفاية) إلى أنه لا يجب على الجميع الخروج، بل إذا صار إليهم قوم فيهم كفاية .. سقط الحرج عن الباقين، وقيل: يجب على الجميع الخروج؛ خوفًا من التواكل. قال: (قيل: وإن كَفَوا)؛ لعظم الواقعة. والأصح: المنع؛ لأنه يؤدي إلى الإيجاب على جميع الأمة، وفي ذلك حرج من غير حاجة.

وَلَوْ أَسَرُوا مُسْلَمًا .. فَالأَصَحُّ: وُجُوبُ النُّهُوضِ إِلَيْهِمْ لِخَلاَصِهِ إِنْ تَوَقَّعْنَاهُ. فَصْلٌ: يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: اشتراط وجود المركوب لمن على مسافة القصر، وكذلك يشترط وجود الزاد كالحج. قال: (ولو أسروا مسلمًا .. فالأصح: وجوب النهوض إليهم لخلاصه إن تو قعنا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فكوا العاني) رواه البخاري [3046]. والتوقع بأن يكونوا قريبين، ويكون ذلك كدخولهم الدار؛ لأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار. والثاني: المنع؛ لأن تحريك الجنود لواحد يقع في الأسر بعيدٌ. تتمة: محل ما ذكره المصنف إذا لم يتوغلوا في بلادهم، فإن توغلوا فيها ولم يمكن التسارع إليهم .. فإنا نضطر إلى الانتظار، كما لو دخل ملك عظيم الشوكة طرف بلاد الإسلام .. فإنه لا يتسارع إليه آحاد الناس. قال: (فصل: يكره غزو إذن الإمام أو نائبه) أصل الغزو الطلب، يقال: ما مغزاك، أي: ما مطلوبك، فالغازي يطلب إعلاء كلمة الله والغنيمة، فيكره له ذلك بغير إذن الإمام أو نائبه؛ لأنه على حسب الحاجة، وهما أعرف بذلك، وقال في (المرشد) لا يجوز بغير إذنهما، وهو مشهور مذهب أبي حنيفة. ورد بأنه ليس في أكثر من التغرير بالنفس، وهو جائز في الجهاد. وأستدل الشافعي للجواز؛ بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة، فقال له رجل من الأنصار: إن قتلت يا رسول الله ما لي؟ قال: (إن قتلت صابرًا محتسبًا .. فلك الجنة فانغمس في العدو فقتل، رواه الحاكم [2/ 93] من رواية أنس، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وَيُسَنُّ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أِنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا جاز للواحد أن يقدم على من الأغلب أنهم يقتلونه .. كان هذا في الغير وبغير إذن الإمام أولى. ومقتضى إطلاق المصنف وغيره: أنه لا فرق بين المرتزقة وغيرهم، والظاهر: أنه مخصوص بالمتطوعة، أما المرتزقة .. فليس لهم الخروج بغير إذن الإمام؛ لأنهم مرصدون لمهمات تعرض للإسلام يصرفهم الإمام فيها على مقتضى نظره فيهم بمنزلة الأُجراء، قال: (ويسن إذا بعث سرية أن يؤمِّر عليهم)؛ لما روى مسلم [1731] عن بريدة بن الحصيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا قال: (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله). وجعل ابن سريج التأمير في الجهاد واجبًا؛ لأن تركهم فوضي يؤدي إلى اختلاف كلمتهم وتنازعهم، ولأن العدو إنما يفزع من رئيس القوم، فإذا لم يكن فيهم زعيم حصل الطمع فيهم. قال في (الأم) ولا ينبغي أن يولي الإمام الغزو إلا ثقة في دينه، شجاعًا في بدنه حسن الأناة، عارفًا بالحرب، غير عجل ولا نزق، شجاعًا يثبت عند الهرب، ويتقدم عند الطلب، وأن يكون ذا رأي في السياسة والتدبير؛ ليسوس الجيش على اتفاق الكلمة والطاعة وتدبير الحرب في انتهاز الفرصة، وأن يكون من أهل الاجتهاد في أحكام الجهاد. وفي اعتبار كونه من أهل الاجتهاد في الأحكام الدينية وجهان. و (السرية) قطعة من الجيش أربع مئة ونحوها ودونها، وجمعها: سرايا، سميت بذلك؛ لأنها تسري في الليل، وقيل: لأنها خلاصة العسكر وخياره. روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأصحاب أربعة، وخير السرايا أربع مئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة) كذا رواه الترمذي [1555] وأبي داوود [2604]، زاد أبو يعلي الموصلي [2714]: (إذا

وَيَاخُذَ الْبَيْعَةَ بِالثَّبَاتِ، وَلَهُ الاِسْتِعَانَةُ بِكُفَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صبروا وصدقوا) زاد العسكري: (وخير الطلائع أربعون). قال: (ويأخذ البيعة بالثبات) أي: حيث توجه عليهم؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه بايع أصحابه تحت الشجرة على أن لا يفروا، ولم يبايعوه على الموت، رواه مسلم [1856/ 68]. ويستحب أن يخرج بهم يوم الخميس في أوله؛ لما روى الشيخان [خ 2950] عن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يخرج يوم الخميس. وسيأتي في (القضاء) حديث صخر بن وداعة. ويستحب أن يبعث السرايا يوم الاثنين، وأن يدخل دار الحرب بنفسه؛ لأنه أحوط وأرهب، وأن يدعو عند التقاء الصفين؛ لما روى ابن حبان [1720] عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء؛ عند حضور الصلاة، وعند الصف في سبيل الله). وأن يكون لهم شعار؛ لما روى النسائي [سك 10376] والحاكم [2/ 107] عن البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم ستلقون العدو، فليكن شعاركم: (حم) لا ينصرون). قال الخطابي: بلغني عن ابن كيسان النحوي أنه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى عنه فقال: معناه: الخبر، ولو كان بمعنى الدعاء .. لكان مجزومًا، أي: لا ينصروا، وإنما هو إخبار، كأنه قال: والله لا ينصرون. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: (حم اسم من أسماء الله تعالى))، فكأنه حلف بالله: أنهم لا ينصرون. قال: (وله الاستعانة بكفار) من أهل الذمة وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه

تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُمْ، وَيَكُونُونَ بِحَيْثُ لَوِ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ .. قَاوَمْنَاهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم استعان بيهود بني قينقاع، ذكره الشافعي [أم 7/ 342]، وقال البيهقي [9/ 53]: إسناد ضعيف، وصح شهود صفوان بن أمية معه حنينًا). وذهب مالك وأحمد إلى المنع استدلالًا بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}، وقوله: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}. وروي مسلم [1817] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نستعين بمشرك). وأجاب الشافعي بأن النبي صلى الله عليه وسلم تفرس في الرجل المذكور وفي أمية الرغبة في الإعلام فأسلما، كما رواه مالك وغيره. وإنما تجوز الاستعانة بهم بشرطين، أشار إليهما المصنف فقال: (تؤمن خيانتهم)؛ بأن يعرف حسن رأيهم في المسلمين، وجهل هذا في (الروضة) شرطًا ثالثًا، والرافعي جعله مع أمن الخيانة شرطًا واحدًا. قال: (ويكونون بحيث لو انضمت فرقتا الكفر .. قاومناهم)؛ لأنهم إذا انضموا إلى الفئة الأخرى .. أمكن دفعهم، فإن زادوا بالاجتماع على الضعف .. لم تجز الاستعانة بهم. وشرط العراقيون قلة المسلمين، قال الماوردي) وهذا الشرط وما قبله متنافيان. وقال المصنف: لا منافاة، والمراد: أن يكون المستعان بهم فرقة لا يكثر العدد بهم كثرة ظاهرة. وشرط الماوردي شرطًا آخر؛ وهو: أن يكون معتقدهم مخالفًا لمعتقد العدو كاليهود مع النصارى، وحيث تجوز الاستعانة بالكفار .. قال الشافعي: الأولى: أن يستأجرهم. كل هذا في الاستعانة بهم على الكفار، أما على البغاة .. فتقدم حكمة في بابه.

وَبِعَبِيدٍ بِإِذْنِ السَّادَةِ وَبِمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ، وَلَهُ بَذْلُ الأُهْبةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أكره الإمام الذمي على الخروج والقتال معه .. استحق أجرة المثل من حين الخروج إلى عوده إلى وطنه، بخلاف العبد إذا أكرهه؛ فإنه يضمن إلى حين عوده إلى سيده، فلو لم يقاتل الذمي الذي خرج مكرهًا .. لم يستحق أجرة القتال على الأصح. قال: (وبعبيد بإذن السادة)؛ لأنه ينتفع بهم في القتال، لكن يستثنى منه من لا يتوقف حضوره على إذن سيده، كالمكاتب والموصى بمنتفعته لبيت المال على الأصح فيهما. قال: (وبمراهقين أقوياء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحضر معه بعض المراهقين في بعض غزواته، وجوز ذلك؛ ليتمرنوا على الجهاد، فبهم فيه مصلحة، كالختان وقطع السلعة عند غلبة السلامة. قال: (وله) أي: للإمام (بذل الأهبة والسلاح من بيت المال ومن ماله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازيًا .. فقد غزا) متفق عليه [خ2843 – م 1895]، ولأن الرجال حصون يبنيها الإحسان ويهدمها الحرمان. ومقتضى كلام المصنف: أنه ليس للآحاد ذلك، وليس كذلك؛ فقد صح الشيخان وغيرهما بجوازه. فرع: يمنع الإمام المخذل الذي يخوف الناس أن يخرج مع الجيش، فإن خرج .. رده، فإن قاتل .. لم يستحق شيئًا، ولو قتل كافرًا .. لم يستحق سلبه كما تقدم في (باب الغنيمة). وفي معنى المخذل: (المرجف) الذي يكثر الأراجيف، وكلام الإمام والغزالي يقتضي دخوله في المخذل، والظاهر: الأول. فإن قيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع عبد الله بن أبي بن مسلول من

وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ لِلإِمَامِ، قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، وهو القائل يوم الخندق: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا، وقال يوم أحد: لو أطاعونا ما قتلوا .. فالجواب: أن الله تعالى كان يخبر بأحوالهم، وكان الصحابة أقوياء في الدين لا يبالون بتخذيلهم. قال: (ولا يصح استئجار مسلم لجهاد)، سواء استأجره الإمام أو غيره؛ لأنه يتعين عليه إذا حضر الصف، وهو كالصرورة إذا استؤجر ليحج عن غيره، والمسألة تقدمت في (الإجازة). وقيل: يجوز للإمام دون الآحاد، ويعطي الأجرة من مال المصالح. وما يأخذه المرتزقة من الفيء والمتطوعة من الصدقات .. ليس أجرة لوقوع غزوهم لهم. ولو أكره الإمام جماعة على الغزو .. لم يستحقوا أجرة؛ لوقوع غزوهم لهم، كذا أطلقوه. وقال البغوي: إن تعين عليهم .. فكذلك، وإلا .. فلهم الأجرة من الخروج إلى حضور الوقعة، قال الافعي: وهو حسن فليحمل إطلاقهم عليه. قال: (ويصح استئجار ذمي)؛ لأنه لا يقع عنه، فأشبه البهيمة، وفي معناه: المعاهد والمستأمن. وقيل: هو جعالة لا إجارة؛ لجهالة العمل. والمذهب: الأول، واغتفرت الجهالة للضرورة؛ لأن معاقدة الكفار تحتمل ما لا تحتمله معاقدة المسلمين، ولأنها لو كانت جعالة .. لجاز الانصراف متى شاء، وفيه ضرر عظيم. قال: (للإمام)؛ لأنه أعرف بالمصالح. قال: (قيل: ولغيره) كالأذان. والأصح المنع؛ لأن الآحاد لا يتولون المصالح العامة، والجهاد يحتاج إلى نظر كامل.

وَيُكرَهُ لِغَازٍ قَتلُ قَرِيبٍ, وَمَحرَمٍ أَشَدُّ. قُلتُ: إلاَّ أَن يَسمَعَهُ يَسُبُّ الله تَعَالَى أَو رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم, واللهُ أَعلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قيل: يجب نقص المسمى عن سهم راجل, والأصح: أنه لا حجر كسائر الإجارات. فإن كان شيئًا مجهولًا؛ بأن قال: نرضيكم, أو نعطيكم ما تستعينون به, أو أخرجهم وحملهم على الجهاد كرهًا .. وجبت أجرة المثل, وإن خرجوا راضيين ولم يسهم لهم شيئًا .. فهذا موضع الرضخ, وفي محله أقوال سبقت في (الغنيمة). قال: (ويكره لغاز قتل قريب)؛ لما فيه من قطع الرحم التي أمر الله تعالى بصلتها. وقيل: لا يكره. وقيل: إن كانت بينهما توارث .. كره؛ لقوة النسب, وإلا .. فلا, حكاهما في (الكفاية). هذا إذا لقي القريب المسلم, فإن تعين عليه دفعه .. وجب ولا كراهة. قال: (ومَحرمٍ أشدُّ)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع أبا بكر يوم أحد من قتل ولده عبد الرحمن, وأبا حذيفة عن قتل أبيه يوم بدر. ووقع في (البسيط) و (الوسيط) أنه صلى الله عليه وسلم نهى حذيفة وأبا بكر عن قتل أبويهما, وهو تصحيف, إنما هو نهى أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه ب (الياء) , ونهى أبا بكر عن قتل ابنه ب (النون) , والحديث رواه البيهقي [8/ 186] والشافعي [أم 4/ 222]. وكذلك يكره للجلاد أن يقتل أباه حدًا كما قدم. قال: (قلت: إلا أن يسمعه يسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم والله أعلم) , فحينئذ لا كراهة؛ تقديمًا لحق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم, ففي (الصحيحين) [خ 14 - م 44]: (والذي نفسي بيده؛ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده) زاد مسلم: (والناي أجمعين). وروى البيهقي [9/ 27] عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح

وَيَحرُمُ قَتلُ صَبِيِّ وَمَجنُونٍ وَامرَأَةٍ وخُنثَى مُشكِلٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ يوم بدر يتعرض لأبي عبيدة, وجعل أبو عبيدة, وجعل أبو عبيدة يحيد عنه, فلما أكثر الجراح قصده أبو عبيدة فقتله, فأنزل الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ} الآية. قال ابن مسعود: (نزلت في أبي عبيدة, قتل أباه يوم بدر, (أَوْ أَبْنَاءَهُمْ) والمراد: أبو بكر, دعا ابنه عبد الرحمن إلى البراز يوم بدر, (أَوْ إخْوَانَهُمْ) مصعب ابن عمير, قتل أخاه يوم أحد, (أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) عمر بن الخطاب, قتل خاله العاصي بن هشام بن المغيرة يوم بدر, وعلي وحمزة قتلا شيبة وعتبة والوليد يوم بدر). قال: (ويحرم قتل صبي ومجنون وامرأة وخنثى مشكل)؛ للنهي في (الصحيحين) [خ 3014 - م1744] عن قتل النساء والصبيان, وفي (السنن) (¬1) (نهى عن قتل الذرية). ونص الشافعي –كما أفاده الحازمي عنه- على أنه لا إثم في قتلهم ولا دية ولا كفارة, وإنما التحريم لحق الغانمين لا لحق الله تعالى, لكن تستثنى صور: إحداها: إذا قاتلوا؛ لما روى أبو داوود في (مراسليه) [333] عن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: (ألم أنه عن قتل النساء؟! من صاحب هذه المقتولة؟) فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله, أردفتها, فأرادت أن تصرعني لتقتلني, فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى. الثانية: إذا سبَّت الإسلام أو المسلمين لظهور الفساد. الثالثة: إذا كانت من قوم ليس لهم كتاب –كادهرية وعبدة الأوثان- وامتنعوا عن الإسلام, قال الماوردي: فعند الشافعي: يقتلن. الرابعة: حالة الضرورة عند تترس الكفار بهم كما سيأتي. الخامسة: إذا لم يجد المضطر سواهم فله قتلهم وأكلهم على الأصح في زوائد (الروضة). ¬

_ (¬1) أبو داوود (2663) والترمذي (1583) بنحوه.

وَيَحِلُّ قَتلُ رَاهِبٍ وَأَجِيرٍ وَشَيخٍ وَأعمَى وَزَمِنِ لاَ قِتَالَ فِيهِم وَلاَ رَأيَ فِي الأظهَرِ, فَيستَرَقُّونَ وَتُسبَى نِسَاؤُهُم وَأَمَوالُهُم ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحل قتل الراهب وأجير وشبخ أعمى وزمن لا قتال فيهم ولا رأي في الأظهر)؛ لعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ}. وفي (أبي داوود) [2663] و (الترمذي) [1583] من حديث الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا المشركين, واستحيوا شؤخهم) أي: صغارهم. وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل اعمى من بني قرسظة بعد الإسار, وهو الزبير بن باطا القرظي (¬1). والثاني: لا يحل؛ لحديث زيد بن خالد: (لا تقلوا كبيرًا فانيًا ولا أصحاب الصوامع) (¬2). وفي (أبي داوود) [2662] و (النسائي) [سك 8571]: النهي عن قتل العسيف (¬3) , ومثله مقطوع اليدين والرجلين. واحترز بقوله: (لا رأي فيهم) عما إذا كان فيهم رأي .. فيقتل قطعًا, كدريد بن الصمة, فإن المشركين أحضروه يوم حنين التماسًا لرأيه وهو ابن مئة وخمسين سنة, فقتله المسلمون, ولم ينكره النبي صلى الهه عليه وسلم, رواه الشافعي [أم 4/ 240] وغيره. وسجوز قتل أهل السوق على المذهب, وقيل: على قولين؛ لأنهم لا يمارسون الحرب, وفي عبارة الغزالي وغيره: السوقة, واعترض ذلك؛ بأن السوقة ما عدا الملك من الجند وغيرهم, وأما المحترف .. فهو مشغول بحرفته, وعبر في (الوسيط) عنه بالحارف, وهو معترض؛ بأن هذه الصيغة لم توجد. قال: (فيسترقون وتسبى نساؤهم وأموالهم) أي ك إذا جوزنا قتلهم, ولهذا أى ب (القاء). ¬

_ (¬1) البيهقي (9/ 66). (¬2) أخرجه البيهقي (9/ 90). (¬3) في هامش (د): (وهو الأجير).

وَيَجُوزُ حِصَارُ الكُفَّارِ في البِلاَدِ وَالقِلاَعِ وَإرسَالُ المَاءِ عَلَيهِم وَرَميُهُم بِنَارٍ وَمَنجَنيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قلنا بالمنع .. فالمذهب: أنهم يرقون بنفس الأسر كالنساء والصبيان. وقيل: يتخير الإمام بين الرق والمن عليه أو الفداء. وقيل: لا يجوز استرقاقهم, بل يتركون ولا يتعرض لهم. ويجوز سبي نسائهم وصبيانهم على الأصح. وقيل: لا يجوز. وقيل: يجوز سبي نسائهم دون صبيانهم؛ لأنهم أبعاضهم, وطرد بعضهم الخلاف في اغتنام الأموال. قال الإمام: ومن منع اغتنام أموالهم .. قرب من خرق الإجماع. واقتصار المصنف على سبي النساء يوهم أن لا تسبى صبيانهم, وهو وجه, والأصح: خلافه. ولو ترهبت امرأة .. ففي جواز استرقاقها وجهان؛ بناء على قتل الراهب, وصحح القاضي: الجواز؛ لأن الأصل في الترهب الرجال, دوهن. وجزم الغزالي في (الخلاصة) فيها وفي العبد إذا ترهب بإذن سيده بجواز القتل. وأما رسول الكفار .. فسيأي في أول (الجزية) أنه لا يقتل. قال: (ويجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع)؛ لقوله تعالى: {وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ}. وفي (الصحيحين) [خ 4325 - م 1778] من حديث عبد الله بن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف). وفي (مراسيل أبي داوود) [336] من رواية يحيى بن أبي كثير: (حاصرهم شهرًا). قال: (وإرسال الماء عليهم ورمسهم بالنار ومنجنيق) , وكذا ما في معنى ذلك من الهدم للبيوت وإلقاء الحيات والأفاعي والعقارب ونحو ذلك مما يعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف, رواه الترمذي [2762] والبيهقي [9/ 84] , وقيس عليه ما عليه ما في معناه.

وَتَبييتُهُم فِي غَفلَةٍ, فَإِن كَانَ فِيهِم مُسلِمٌ أَسِيرٌ أَو تَاجِرٌ .. جَازَ ذَلِكَ عَلَى المَذهَبِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقتضى كلام المصنف: جواز ذلك وإن كان فيهم النساء والصبيان واحتمل أن يصيبهم ذلك, وهو كذلك؛ لأن النهي عن قتلهم محمول على ما إذا كان صبرًا بعد السبي؛ لأنهم غنيمة. قال: (وتبيتهم في غفلة)؛ بأن يقاتلهم ليلًا وهم غافلون؛ لأنه عليه الصلاة والسلام شن الإغارة على بني المصطلق وهم غارون- أي: غافلون- وأنعامهم تسقى على الماء, فقتل مقاتلهم, وسبى ذريتهم, رواه الشيخان [خ 2541_ م 1730]. وبعث محمد بن مسلمة وغيره فقتلوا كعب بن الأشرف غيلة (¬1). وفي (الصحيحين) [خ 3013_ م 1745] عن الصعب بن جثامة: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون وتسبى نساؤهم وذراريهم؟ فقال: (هم منهم). وادعى الزهري وابن عيينة وابن حبان: نسخ حديث التبيي بخبر النهي عن قتل النساء والصبيان, وأنكر الشافعي وغيره ذلك, وحملوا النهي على قصد قتلهم متميزين, وحديث التبييت على ما بعد السبي؛ لأنهم غنيمة. ويستثنى من إطلاق المصنف: من لم تبلغه الدعوة من الكفار؛ فإنه لا يجوز قتالهم حتى يدعوا إلى الإسلام؛ لقوله تعالى: {ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} , كذا نص عليه الشافعي والأصحاب. وإنما لم يستثنه المصنف؛ لأن هذا الشرط لأصل القتال, وتعبير المصنف بالجواز يقتضي: أنه لا يستحب, وهو كذلك؛ فالمستحب للإمام إذا كان عنده قوة أن لا يغير ليلًا. قال: (فإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر .. جاز ذلك على المذهب) أي: التبييت والتحريق والتغريق. ¬

_ (¬1) البخاري (2510) , ومسلم (1801).

وَلَوِ التَحَمَ حَربٌ فَتَتَرسٌوا بِنِسَاءٍ وَصِبيَانٍ .. جَازَ رَميُهُم, وَإن دَفَعُوا بِهِم عَن أَنفُسِهِم وَلَم تَدعُ ضَرورَةٌ إلَى رَميِهِم .. فَالأظهَر: تَركُهُم. وَإِن تَتَرَّسُوا بِالمُسلِمِينَ: فَإن لَم تَدعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَميِهِم ـــــــــــــــــــــــــــــ المذهب: أنه إن لم يكن ضرورة .. كره, ولا يحرم على الأظهر؛ لئلا يتعطل الجهاد بحبس مسلم عندهم. والطريق الثانية: لا اعتبار بالضرورة, بل إن علم أن ذلك يهلك المسلم .. لم يجز, وإلا .. فقولان. والثالثة: إن كان المسلمون أقل .. جاز, أو متساوون .. فلا, والمذهب: الجواز وإن علم أنه يصيب مسلمًا, وهو نصه في (المختصر). قال: (ولو التحم حرب فتترسوا بنساء وصبيان) أي: منهم (.. جاز رميهم) إذا دعت الضرورة إليه؛ بأن قصدوتا ولو تركناهم غلبونا؛ لئلا يتخذوا ذلك ذريعة إلى منع الجهاد وإلى قتل المسلم, فالاحتيلط للمسلمسن أولى من الاحتياط لأولاد المشركين. قال: (وإن دفعوا بهم عن أنفسهم ولم تدع ضرورة إلى رميهم .. فالأظهر: تركهم) أي: وجوبًا؛ لنهيه صلى الله عليه وسسلم عن قتل النساء والصبيان, وهذا القول صححه القفال. وقال في (المحرر) إنه أولى القولين, ولم يرجع الرافعي في (الشرحين) شيئًا. وكذا الحكم لو تترسوا بهم في القلعة, وقيل: هذه أولى بالجواز من مسألة الكتاب (¬1) , فلو لم يدفعوا بهم عن أنفسهم, بل فعلوا بهم خديعة ومكرًا لعلمهم أن شرعنا يمنع من قتل الذرية .. لم يمتنع حصارهم ولا رميهم وإن أدى إلى قتل الأطفال قطعًا, قاله الماوردي وغبره, وخصوا القولين بما إذا دفعوا بذلك عن أنفسهم. قال: (وإن تترسوا بالمسلمين: فإن لم تدع ضرورة إلى رميهم)؛ بأن كانوا ¬

_ (¬1) في هامش (ت): (ورجع في زوائد "الروضة" [10/ 245] الجواز. والقول الثاني –وقطع به-: إنه يجوز رميهم كما يجوز نصب المنجنيق على القلعة وإن كان يصيبهم, ولئلا يتخذوا ذلك ذريعة إلى تعطييل الجهاد).

تَرَكنَاهُم, وَإلَّا .. جَازَ رَميُهُم فِي الأَصَحِّ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ يدفعون عن أنفسهم (.. تركناهم) أي: وجوبًا, فلا يجوز رميهم في هذه الحالة صيانة للمسلمين. والفرق بينهم وبين النساء والصبيان على طريقة المصنف في (الروضة) أن المسلم محقون الدم لحرمة الدين, فلم يجز قتله من غير ضرورة, والذرية حقنوا لحق الغانمين, فجاز قتلهم لغير ضرورة. قال: (.. جاز رميهم في الأصح) أي: بقصد قتال المشركين, ويتوقى المسلم بحسب الإمكان؛ لأن مفسدة الإعراض أكثر من مفسدة الإقدام, ولا يبعد احتمال قتل طائفة للدفع عن بيضة الإسلام, والجزئيات مغتفرة بالإضافة إلى الكليات. والثاني: لا يجوز الرمي إذا لم يمكن ضرب الكفار إلا بضرب المسلمين؛ لأن دم المسلم لا يباح بأمر موهوم بدليل صورة الإكراه. قال الرافعي: وأشعر إيراد الغزالي بخصيص الوجهين بما إذا تترس كافر بمسلم, وتبعه (الحاوي الصغير) قال: لا كافر بمسلم. ثم إذا جوزنا الرمي فرمى فقتل مسلمًا .. فلا قصاص؛ لأنه ينافي الجواز, وتجب الكفارة للعصمة, وكذا الضمان على لمذهب إذا علم إسلام المرمي إليه؛ لإمكان توقيه وتترسهم (¬1). ¬

_ (¬1) في هامش (ت): (لم يذكر الشارح رحمه الله بقية اللطرق, وقال في "الروضة" [10/ 246]: وفي الدية طرق: أصحها – وهو ظاهر النص, وبه قال المزني وابن سلمة-: إن علم أن المرمي مسلم .. وجبت, وإلا .. فلا. والثاني – قاله أبو إسحق-: إن قصده بعينه .. وجبت, سواء علمه مسلمًا أم لا, وإلا .. فلا. والثالث: قولان مطلقان. والرابع – قاله ابن الوكيل-: إن علم أن هناك مسلمًا .. وجبت, وإلا .. فقولان)

وَيحرُمُ الِانصِرَافُ عَنِ الصَّفِّ إِذَا لَم يَزِد عَدَد الكُفَّارِ عَلَى مِثلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم نجوز الرمي فرمى وقتل .. ففي وجوب القصاص طريقان: أحدهما: قولان كالمكره. والثاني: يجب قطعًا, كالمضطر قتل رجلًا ليأكله, بخلاف المكره؛ فإنه ملجأ, ولأن هناك من يحال عليه, وهو المكره. وتترسم بالذمي والمستأمن والعبد كالمسلم, في الرمي والدية والكفارة, لكن حيث تجب دية ففي العبد القيمة. فرع: تترس كافر بمال مسلم أو فرسه فرمى إليه مسلم فأتلفه .. ضمن ن كان في غير التحام الحرب, وكذا أن كان فيه وأمكنه أن لا يصيب مال المسلم فأصابه, فإن لم يمكنه الدفع إلا بالإصابة, فإن جعل كالمكره .. فلا ضمان, وإن جعل مختارًا .. ضمن كما يلزمه القصاص. قال: (ويحرم الانصراف عن الصف) أي: على من لزمه الثبات ولو غلب على ظنه أنه إذا ثبت في الأصح؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ}. وفي (الصحيحين) [خ 2767 - م 89]: (اجتنبوا السبع الموبقات) وعد منها: الفرار من الزحف. وعلم من قوله: (عن الصف) أنه لا يحرم من غيره, كما لو لقي مسلم مشركين .. فله الانصراف إن طلباه, وكذا إن طلبهما ولم يطلباه .. له الفرار بعد في الأصح؛ لأن فرض الجهاد والثبات إنما هو في الجماعة. قال: (إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا)؛ لقوله تعالى: {فَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الآية, وهو أمر بلفظ الخبر؛ لأنه لو كان خبرًا .. لم يقع, بخلاف المخبر عنه.

إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَو مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَستَنجِدُ بِهَا, وَيَجُوزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الأصَحِّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى في وجوب المصابرة للضعف: أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين: إما أن يقتل فيدخل الجنة, أو يسلم فيفوز بلأجر والغنيمة, والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا. وأفهم من كلامه: أنهم إذا زادوا على الضعف .. جاز مطلقًا, وهو كذلك. وحكى القرطبي في (تفسيره) أنهم إذا بلغوا اثني عشر ألفًا .. حرم الانصراف وإن زاد الكفار على مثليهم عند جمهور العلماء, منهم: مالك وأبو حنيفة وداوود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة) , وأنهم جعلوا ذلك مخصصًا للآية. قال: (إلا منحرفًا لقتال أو متحيز لفئة يستنجد بها) أي: فإنه لا يجوز لهما الانصراف إلا بشرط قصد العود؛ لقوله تعالى: {ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ}. و (المتحرف للقتال) من ينصرف ليكمن في موضع ثم يبرز, أو من مضيق إلى متسع يمكن فيه القتال, أو يتحول عن مقابلة الشمس أو الريح الذي يسف التراب على وجهه إلى موضع واسع. و (المتحيز) اسم فاعل من تحيز, أصله: تحيوز, تفعيل, من الحوز, اجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون, فقبلت الواو ياء؛ وأدغمت الياء في الياء, فصارت: تحيز. قال: (ويجوز) الانصراف للمتحيز (إلى فئة بعيدة في الأصح)؛ لإطلاق الآية, ولأن هذا أمر بينه وبين الله تعالى, ولا تمكن مخادعة الله في العزائم, فإذا ظهرت له تلك العزيمة .. جاز التوجه إليها. روى أبو داوود [2640] والترمذي [1716] عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية, فحاص الناس حيصة –أي: حادوا حيدة- فقدمنا المدينة, فاختفينا بها وقلنا: هلكنا, ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يا رسول الله؛ نحن الفرارون, فقال: (بل أنتم العكارون, وأنا فئتكم). و (العكارون) الكرارون إلى الحرب العاطفون نحوها. والوجه الثاني: يشترط أن يكون إلى فئة قريبة؛ ليتصور الاستنجاد بها في القتال وإتمامه. وعلى الأول: يشترط أن لا يحصل بسبب الانصراف كسر للمسلمين وقوة للكافرين, كما قاله الإمام والغزالي, وتبعهما (الحاوي الصغير). قال الرافعي: ولم يذكره المعظم, وكأنهم رأوا ترك القتال والانهزام في الحال مجبورًا بعزمه على الاتصال بفئة أخرى. تنبيهان: أحدهما: يستثنى من التحريم الانصراف مع ما ذكره المصنف: النساء إذا انصرفن؛ فلا يأثمن, وكذلك العبيد بغير إذن السادة, والصبيان, والمغلوب على عقله بلا سكر, والعاجز بمرض ونحوه, ومن لم يبق معه سلاح, فلهم الانصراف بكل حال, وكذا من مات فرسه ولا يقدر على القتال راجلًا ولو أمكنه الرمي بالحجارة؛ فلا يقوم مقام السلاح على الأصح, كذا قاله الرافعي في الباب الأول, ثم أرسل الخلاف هنا, وذهل في (الروضة) عن ذلك, فصحح في زوائده مقابله. الثاني: لم يبين ضابط القريبة, قال الإمام: ولا ينزل القرب هنا على ما دون مسافة القصر, بل المراد: أن يكون بالقرب من المعترك بحيث يقدر المتحيز إليهم على إدراك المسلمين عند الاستنجاد بهم. وصحح في (الروضة) الاكتفاء باجتماعهم في دار الحرب. فرع: إذا عصى بالفرار من اثنين .. هل يشترط في توبته أن يعود إلى القتال أو يكفيه أن ينوي أنه متى عاد لا ينهزم إلا كما أمر الله تعالى؟ فيه وجهان.

وَلاَ يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إِلَى بَعِيدَةٍ الجَيشَ فِيمَا غَنِمُوا بَعدَ مُفَارَقَتِهِ, وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إِلَى قَرِيبَةٍ فِي الأَصَحِّ, فَإِن زَادُوا عَلَى مِثلَينِ .. جَازَ الِانصِرَافُ, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطلق في (البسيط) وغيره: أن الجهاد لا يلزم بالنذر، وأن المنهزم عاص ليس عليه إلا الإثم. قال: (ولا يشارك متحيز إلى بعيدة الجيشَ فيما غنموا بعد مفارقته) , سواء أجزناه أم منعناه؛ لأن النصرة تفوت ببعده, أما ما غنموه قبل مفارقته .. فيشارك فيه, كذا نص عليه. قال: (ويشارك متحيز إلى قريبة في الأصح) (¬1)؛ لبقاء نصرته ونجدته, فهو كسرية قريبة يشارك الجيش فيما غنموه. والثاني: لا؛ لمفارقته. قال الغزالي: ويصدَّق بيمينه: أنه قصد التحرف والتحيز. وقال البغوي: إن عاد بعد انقضاء القتال .. لم يصدق, أو قبله .. صدق بيمينه. فرع: الجاسوس إذا بعثه الإمام لينظر عدد المشركين وينقل أخبارهم فغنم الجيش في غيبته شيئًا .. شاركهم فيه الأصح؛ لأنه كان من مصلحتهم, وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف. قال: (فإن زادوا على مثلين .. جاز الانصراف)؛ لقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ} الآية. ¬

_ (¬1) في هامش (ت): (لم يذكر المصنف في هذا الباب حد القرب والبعد, وإنما ذكر ذلك في (باب قسم الفيء والغنيمة) فيما إذا بعث الإمام سريتين, قال هناك [روضة 6/ 379]: ثم ذكر ابن كج ةالإمام: أن شرط الاشتراك أن يكونوا بالقرب مترصدين للنصرة. وحد القرب: أن يبلغهم الغوث والمدد منهم إن احتاجوا, ولم يتعرض أكثر الأصحاب لهذا واكتفوا باجتماعهم في [دار] الحرب. قلت: هذا المنقول عن الأكثرين هو الأصح أو الصحيح, والله أعلم).

إَلاَّ أَنَّهُ يَحرُمُ انصِرَافُ مِئَةِ بَطَلٍ عَن مِئَتَينِ وَوَاحِدٍ فِي الأَصَحِّ. وَتَجُوزُ المُبَاَرَزَةُ, فَإِن طَلَبَهَا كَافِرٌ .. استُحِبَّ الخُرُوجُ إلَيهِ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا أنه يحرم انصراف مئة بطل عن مئتين وواحد ضعفاء في الأصح)؛ لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا, والانهزام ذل, وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف. والثاني: يجوز الانصراف؛ لأن اعتبار الأوصاف يعسر فأنيط الحكم بالعدد. ومأخذ الخلاف: النظر إلى مجرد العدد أو المعنى , ويعبر عنه بأنه هل يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه أو يقيده. وطردوا الوجهين فى عكسه , وهو فرار مئة من ضعفائنا عن مئتين إلا واحدًا من أبطالهم , فإن اعتبر المعنى .. جاز, أو العدد .. فلا. ولا فرق في وجوب مصابرة المسلمين لضعفهم بين أن يكونوا خيالة والمسلمون رجالة أو بالعكس, قال المصنف: وفيه نظر , ويمكن تخريجه على أن العبرة بالمعنى أو العدد. وحيث جاز الانصراف .. استحب الثبات إن غلب ظن الظفر به , وإن غلب الهلاك .. استحب أيضا , كما قاله فى زوائد (الروضة) وقيل: يحرم؛ لقوله تعالى {ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ}. قال: (وتجوز المباررزة) , وهي: ظهور اثنين من الطائفتين بين الصفين للقتال, وأصلها من البروز, وهو: الظهور. والمراد: يجوز ابتداؤها بشرط أن لا يتضرر المسلمون بقتل المبارز. واستدل لها بقوله تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا} وهو: الإسراع في المبارزة {وثِقَالًا} , وهو: الثبات والمصابرة. وقيل: تكره المبارزة؛ لقوله تعالى: {وقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً} وقيل: تستحب, وقيل: لا تجوز؛ لأنه لا يأمن أن يخرج إليه أقوى منه فيقتله فيوهن المسلمين. قال: (فغن طلبها كافر .. استحب الخروج إليه)؛ لما روى أبو داوود [2658 بنحوه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بإسناد صحيح عن علي كرم الله وجهه قال: لمّا كان يوم بدر تقدم عتبة بن ربيعة وتبعه أخوه وابنه, فنادى: من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار, فقال: من أنتم؟ فأخبروهم, فقالوا: لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بني عمنا, فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قم يا حمزة, قم يا علي, قم يا عبيدة بن الحارث) , فأقبل حمزة إلى عتبة, وأقبلت إلى شيبة, واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان, فأثخن كل منهما صاحبه, ثم ملنا إلى الوليد فقتلناه, واحتملنا عبيدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومخ ساقه يسيل, فقال: أشهيد أنا يا رسول الله؟ قال: (نعم) قال: وددت أن أبا طالب كان حيًا؛ ليعلم أننا أحق منه بقوله [من الطويل]: ونسلمه حتى نصرع حوله .... ونذل عن أبنائنا والحلائل ثم أنشأ يقول [من الطويل]: فإن تقطعوا رجلي فإني مسلم .... أرجي به عيشًا من الله عاليًا (¬1) وألبسني الرحمن من فضل منه .... لباسًا من الإسلام غطى المساويا وروى الشيخان [خ 3969 _ م 3033] عن قيس بن عبادة –وهو آخر حديث في (صحيح مسلم) - قال: سمعت أبا ذر يقسم قسمًا: أن {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نزلت في الذين بارزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث, وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة. ولما خرج مرحب يوم خيبر يطلب المبارزة .. خرج له علي –وقيل: محمد بن مسلمة- فقتله بإذن النبي صلى الله عليه وسلم, وكان يرتجز ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب .... شاكي السلاح بطل مجرب (¬2) ¬

_ (¬1) في هامش (د): (نسخة: راضيًا). (¬2) في هامش (د): (رجل شاكي السلاح أي: ذو شوكة وحدة في السلاح, قال الأخفش: هو مقلوب شائك).

وَإِنَّمَا تَحسُنُ مِمَّن جَرَّبَ نَفسَهُ وَبِإذنِ الِإمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال له علي رضي الله عنه [من الرجز]: أنا الذي سمتني أمي حيدرة .... أضرب بالسيف رؤوس الكفرة كليث غابات شديد القسورة .... أكيلهم بالسيف كيل السندرة (¬1) وإنما قال ذلك؛ لأن أمه فاطمة بنت أسد قد افترسه, فأراد علي أن يذكره بأنه هو الأسد الذي يقتله, فكاشفه بذلك, فلما سمعه .. أرعب بتذكر المنام, فقتله. قال: (وإنما تحسن) المبارزة, (ممن جرب نفسه) , فغيره يكره له ذلك. قال: (وبإذن الإمام)؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (قم يا حمزة ...) إلخ. فإن بارز بغير إذنه جاز في الأصح؛ لأن التغرير بالنفس في الجهاد جائز. والثاني: يحرم؛ لأن للإمام نظرًا في تعيين الأبطال. والمراد ب (الإمام) صاحب الراية. فرع: قال الشافعي: لا أكره لمن يعلم من نفسه في الحرب بلاء أن يعلم ولا يركب الأبلق. والمراد ب (الإعلام) أن يجعل في صدره أو لحيته ريش النعام, أو يشد على عمامته عصابة ملونة, وركوب الأبلق من الخيل, فإن عرف من نفسه الفشل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1807) , والحاكم (3/ 38) , وأحمد (4/ 51). وفي هامش (د): (كليث غابات كريه المنظرة ... أوفيهم بالصاع كيل الندرة السندرة: نوع من المكاييل, وقيل: السندرة: العجلة, يقال: فلان سندري, إذا كان مستعجلًا جادًا في أموره).

وَيَجُوزُ إِتلَافُ بِنَائِهِم وَشَجَرهِم لِحَاجَةِ القِتَالِ والظَّفَرِ بِهِم, وَكَذَا إِن لَم يُرجَ حُصُولُهَا لَنَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ والضعف .. كره له ذلك؛ لأنه إذا انهزم وهو بهذه العلامة .. كان ذلك قوة للمشركين. وكره الحسن الإعلام في الحرب, واسدل الشافعي بأن حمزة يوم بدر غرز ريش النعام في صدره, وشد أبو دجانة على رأسه عصابة حمراء, وركب أبو محجن الأبلق, وكل هؤلاء كانوا أهل شجاعة وشدة بأس رضي الله عنهم. قال: (ويجوز إتلاف بنائهم)؛ لقوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ}. قال: (وشجرهم لحاجة القتال والظفر بهم)؛ لقوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإذْنِ اللَّهِ} , وسبب نزولها: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخل بني النضير (¬1) , فقال واحد من الحصن: إن هذا فساد يا محمد, وإنك تنهى عن الفساد, فنزلت, رواه الشيخان [خ 1032, م 1746] من حديث ابن عمر, وقيل في ذلك (¬2) [من الوافر]: وهان على سراة بني لؤي .... حريق بالبويرة مستطير و (قطع صلى الله عليه وسلم كرومًا لأهل الطائف) رواه أبو داوود في (مراسليه) [317] , و (قطع النخيل) رواه البيهقي. وقوله: (لحاجة القتال والظفر بهم) قيد في جواز إتلاف البناء وقطع الشجر. وقال الماوردي: يجب إذا علمنا أنا لا نصل إليهم إلا به. قال: (وكذا إن لم يرج حصولها لنا) أي: حصول الأبنية والأشجار؛ مغايظة ¬

_ (¬1) في هامش (د): (نضير بالضاد المعجمة من الضير, وهو الذل والضرر). (¬2) في هامش (د): (والقاتل حسان بن ثابت, أجابه أبو سفيان رضي الله عنه بقوله [من الوافر]: أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في جولنبها السعير ستعلم أبناء منه بنزه ... وتعلم أي أرضينا تضير النزه: البعد).

فَإِن رُجِيَ .. نُدِبَ التَّركُ. وَيحرُمُ إِتلَافُ الحَيَوَانِ, إِلاَّ مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيهِ لِدَفعِهِم أَو ظَفَرٍ بِهِم, ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم, قال تعالى: {ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ}. قال: (فإن رجي .. ندب الترك)؛ حفظا لها على المسلمين. وفي (الموطأ) أن أبا بكر بعث جيشًا إلى الشام فتهاهم عن قتل الشيوخ وأصحاب الصوامع وقطع الأشجار المثمرة. وعبارة (الروضة) كره الإتلاف, ولا يحرم على الأصح. هذا إذا دخلنا بلادهم مغيرين ولم يمكننا الاستقرار بها, فلو قهرناهم وفتحناها .. حرم القطع والتخريب؛ لأنها غنيمة, وكذا إذا فتحناها صلحًا على أنها لنا ولهم. قال: (ويحرم إتلاف الحيوان) أي: المحترم؛ لما روى النسائي [7/ 206] والحاكم [4/ 233] عن عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها .. سأله الله عنها) قيل: وما حقها؟ قال: (يذبحها ويأكلها, ولا يقطع رأسها ويطرحها). (وفي سنن أبي داوود) (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان بغير مأكلة). وخالف الأشجار؛ لأن للحيوان حرمتين: حق مالكه, وحق الله, فإذا سقطت حرمة المالك لكفره .. بقيت حرمة الخالق في بقائه على حظره, ولذلك يمنع مالك الحيوان من إجاعته وعطشه, بخلاف الأشجار. قال: (إلا ما يقاتلون عليه لدفعهم أو الظفر بهم) فلا يحرم قتله؛ لأنها كأداة القتال, وإذا جاز قتل النساء والصبيان عند التترس بهم .. فالخيل أولى. وفي (الصحيحين) (أن رجلًا من المسلمين رأى في غزوة مؤتة رجلًا من الروم وعليه لأمة حسنة, فكمن له وراء حجر, فلما جاوزه خرج من ورائه فعقر فرسه, فسقط الأرض وجلس على صدره وذبحه وأخذ لأمته وسلاحه, فأخذه خالد بن الوليد, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرده, ولم ينكر عليه عقر الفرس).

أَو غَنِمنَاهُ وَخِفنَا رُجُوعَهُ إلَيهِم وَضَرَرَهُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الشافعي [أم 4/ 245]: (أن حنظلة بن الراهب عقر لأبي سفيان فرسه يوم أحد, فسقط عنه, فجلس حنظلة على صدره ليذبحه, فجاء شداد بن الأسود فقتل حنظلة واستنقذ أبا سفيان, ولم ينكر صلى الله عليه وسلم فعل حنظلة). قال ابن عبد البر (¬1) وغيره: افتخرت الأوس فقالوا: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب, ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت, ومنا من أجيزت شهادته بشهادتين خزيمة بن ثابت, ومنا من اهتز لموته عرش الرحمن سعد بن معاذ (¬2) , فقال الخزرجيون: زيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب. قال: (أو غنمناه وخفنا رجوعه إليهم وضرره) , فلا يحرم قتله أيضًا؛ دفعًا لهذه المفسدة ومغايظة, ولا يجوز للمسلم أن يعقر فرسه في الحرب حتى لا يفر. تتمة: نقل رؤوس الكفار إلى بلاد المسلمين اتفقوا على أنه لا يحرم, وفي كراهته أوجه: أحدها: لا يكره؛ لأن أبا جهل لما قتل حمل رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, رواه ابن ماجه [1391] من رواية عبد الله بن أبي أوفى بإسناد جيد. وروى النسائي [سك 8619] عن فيروز الديلمي أنه قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسزد الكذاب). والثاني –وهو الصحيح, وبه قطع العراقيون والروياني-: أنه يكره, لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحمل إليه رأس كافر قط. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" (1/ 281). (¬2) في هامش (د): "ثبت في " الصحيحين" لأخ 3803, م 2466] عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" قال العلماء: اهتزاز العرش فرح الملائكة بقدومه لما رأوا من منزلته).

فَصلٌ: نِسَاءُ الكُفَّارِ وَصِبيَانُهُم إذَا أُسِرُوا .. رَقُّوا, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى البيهقي [9/ 132]: أن أبا بكر لما حملت إليه رأس يناق البطريق .. أنكر ذلك, وقال: ما فُعل هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا له فائدة. وما روي من حمل رأس أبي جهل قد تكلموا في ثبوته, وبتقدير الثبوت؛ فإنه حمل في الوقعة من موضع إلى موضع ولم ينقل من بلد إلى بلد, ولأنهم أرادوا أن ينظر الناس إليه فيتحققوا موته. والثالث: إن كان نقلها منكيًا للعدو .. لم يكره. والرابع: إن كان فيه إنكاء للعدو وإظهار لقوة المسلمين .. استحب النقل, واختاره الماوردي. ولا تباع جيفة كافر؛ لما روى البيهقي [9/ 133] عن ابن عباس: أن رجلًا من المشركين قتل يوم الأحزاب, فبعث المشركون إلى رسزل الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا بجسده ونعطيك اثني عشر ألفًا, فقال صلى الله عليه وسلم: (لا خير في جسده ولا ثمنه) , وقد تقدم نظير هذا (في ميراث المرتد). قال: فصل: نساء الكفار وصبيانهم إذا أسروا .. رقوا) بمجرد الأسر وكانوا كسائر الغنيمة, خمسهم لأهل الخمس والباقس للغانمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم السبي كما يقسم المال, والمجانين كالصبيان. واستثنى الماوردي في (الأحكام) من لا كتاب لها, وقال: إذا امتنعت من الإسلام .. قتلت عند الشافعي, فلو قتل صبي أو امرأة .. وجبت قيمته؛ لأنه صار مالًا بنفس الأسر, فإن كان الصبي منفردًا عن أبويه .. ففيه قيمة عبد مسلم؛ لأنه محكوم بإسلامه تبعًا لسابيه, فإن قتله عبد .. لزمه القصاص. وقوله: (رقوا) بفتح الراء, أي: صاروا أرقاء بمجرد الأسر, ولا يجوز ضم رائه بالاتفاق.

وَكَذَا العَبِيدُ, وَيجتَهِدُ الِإمَامُ فِي الأَحرَارِ الكَامِلِينَ, وَيَفعَلُ الأَحَظَّ لِلمُسلِمِينَ مِن قَتلٍ وَمَنِّ وَفِدَاءٍ بِأَسرَى أَو مَالٍ وَاستِرقَاقٍ , ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا العبيد) كسائر الأموال المغنومة لا يتخير الإمام فيها؛ لأن عبد الحربي ماله, ولا يجوز للإمام قتلهم ولا المن عليهم. وفي (المهذب) لو رأى الإمام قتل العبد لشره وقوته .. قتله وضمن قيمته للغانمين, وهذا محكي عن أبي يعقوب الأبيوردي. والصحيح: أنه لا يجوز, ونقله الرافعي عن جمهور الأصحاب. وسكت المصنف عن الخنثى, وصرح الرافعي في الباب الثاني بإلحاقه بالمرأة, وقال القاضي أبو الفتوح: يجوز المن عليه ومفاداته (¬1) وإن حكمنا بامتناع قتله وملك الغانمين له؛ لأن الحكم يذلك لأجل الاحتياط, فإذا رأى الإمام مخالفته بلاجتهاد .. جاز, بخلاف النساء والصبيان. قال: (ويجتهد الإمام في الأحرار الكاملين, ويفعل الأحظ للمسلمين من قتل ومن وفداء بأسرى أو مال واسترقاق). المراد ب (الكامل) البالغ العاقل الذكر, فيتخير الإمام فيه بين أربع خصال: أن يقتلهم صبرًا بضرب العنق لا بتحريق ولا تريق ولا مثله؛ للنهي عنها. وأن يمن عليهم بتخلية سبيلهم. وأن يفاديهم بالرجال أو بالمال. وأن يسترقهم ويكون مال الفداء ورقابهم إذا استرقوا كسائر أموال الغنيمة, وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة: يتخير الإمام بين القتل والاسترقاق. وقال مالك: يتخير بين القتل والاسترقاق والفداء, وإنما يجوز الفداء بالرجال دون المال. لنا في قول الله تعالى: {فَإمَّا مَنًا بَعْدُ وإمَّا فِدَاءً} وكل واحد من الأمور الأربعة نقل عن فعل ¬

_ (¬1) في غير (ت): (لا يجوز المن عليه ولا مفاداته).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم فقتل بدر بن أبي عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وطعيمة بن عدي صبرًا, رواه الشافعي [أم 4/ 238] وغيره. ووقع في (المهذب) المطعم بن عدي, وهو وهم؛ لأن المطعم مات قبل بدر. وفي (الصحيحين) [خ 1846, م 1357]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم فتح مكة بقتل عبد العزى بن خطل). وفي (أبي داوود) [2677] و (النسائي) [7/ 107 بنحوه]: (وأمر بقتل عكرمة بن أبي جهل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وامرأتين كانتا قينتين لمقيس بن صبابة). ضبط الجوهري مقيس بن صبابة ب (الصاد) , فقال: مقيس بن صبابة بكير الميم, رجل من قريش قتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح. و (من صلى الله عليه وسلم على جماعة؛ منهم: ثمامة بن أثال) رواه مسلم [1764] , (وعلى أبي العاصي بن الربيع) رواه أبو داوود [2685]. و (من يوم بدر على أبي عزة الجمحي) (¬1) الشاعر, واسمه عمرو, وقع في الأسر ولم يكن معه مال, فقال: يا رسول الله؛ إني ذو عيلة, فأطلقه لبناته الخمس على أن لا يرجع إلى القتال, فرجع إلى مكة ومسح عارضيه, وقال: خدعت محمدًا مرتين, وجاء عام أحد, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تقتله) قلم يقع في الأسر غيره, فقال: يا محمد؛ إني ذو عيلة فأطلقني, فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) (¬2) وأمر بقتله, رواه الشافعي [أم 4/ 238] وابن ماجه [3982 ممختصرًا]. ¬

_ (¬1) البيهقي (9/ 65). (¬2) قي هامش (د): (قال الخطابي: يروى على النهي بالسكون وكسر الغين لالتقاء الساكنين, وعلى الخبر بالضم, وهو مثل ضرب, أي: لا يستعمل ويخدع مرة بعد أخرى في شيء واحد, وقيل: المراد به: أمر الآخرة دون الدنيا. "زركشي"). قال الحافظ في "الفتح" (10/ 530): (قال ابن يطال: وهذا الكلام مما لم يسلق إليه النبي صلى اللع عليه وسلم, وأول ما قاله لأبي عزة الجمحي. وصنيع أبي عبيد في طتاب "الأمثال: مشكل على قول ابن بطال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أول من قال ذلك,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى مسلم منه [2998] (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). وأفاد أبو داوود الطيالسي في هذا الحديث [1813]: أن معناه: لا يعاقب العبد على ذنب في الدنيا ثم يعاقب عليه في الآخرة. ويدل للمفادة بالأسرى: ما روى مسلم [1641] وأبو داوود [3300] والنسائي [سك 8538] عن عمران بن حصين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى رجلًا أسره أصحابه برجلين أسرتهما ثقيف من أصحابه) , وأخذ المال في فداء أسرى بدر مشهورٌ, رواه مسلم [1763] وألو داوود [2683] والنسائي والحاكم [2/ 329]. ويدل الاسترقاق: قوله تعالى: {حَتَّى إذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ} أي: بالاسترقاق. وروى الشافعي [أم 4/ 238] وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استرق من بني قريظة وبني المصطلق وهوزان) , وادعى القاضي أبو الطيب في هذا الإجماع. وشمل إطلاق المصنف (الاسترقاق) كل الشخص, وفي جواز استرقاق بعضه وجهان: أصحهما: نعم. قال البغوي: فإن منعناه وضرل الرق على بعضه .. رق كله. قال الرافعي وكان يجوز أن يقال: لا يرق منه شيء.

فَإِنْ خَفِيَ الْأَحَظُّ حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيٌّ، عَرَبِيٌّ فِي قَوْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى الأول يقال: لنا صورة يسري فيه الرق كما يسري فيها العتق، وسيأتي في (باب النذر) حكم ما إذا نذر الإمام قتل كافر بعد الظفر به، وما اتفق للسلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى في ذلك. قال: (فإن خفي الأحظ ... حبسهم حتى يظهر)؛ لأنه راجع إلى الاجتهاد لا إلى التشهي كما تقدم، وجعله القاضي حسين خصلة خامسة، ولم يتابع عليه. قال: (وقيل: لا يسترق وثي)، كما لا يجوز تقريره بالجزية، وإلى هذا ذهب الإصطخري. والأصح: نعم؛ لما روى البيهقي [6/ 323] عن ابن عباس: أنه قال في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}: (إن ذلك كان يوم بدر وفي المسلمين قلة، فلما كثروا واشتد سلطانهم .. أنزل الله تعالى في الأسرى: فَإمَّا مَنًا بَعْدُ وإمَّا فِدَاءً، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالخيار فيهم: إن شاؤوا .. قتلوهم، وإن شاؤوا .. استعبدوهم، وإن شاؤوا .. فادوهم، ولم يفرق بين كافر وكافر). قال: (وكذا عربي في قول) أي: قديم؛ لما روى الشافعي [أم4/ 271] في القديم بإسناد واه عن معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: (لو كان الاسترقاق جائزًا على العرب .. لكان اليوم، إنما هو إسار وفداء). فعلى هذا: يكون الخيار بين ثلاثة أمور: القتل والمن والفداء، وكذلك على وجه الإصطخري في الوثني. فروع: للإمام قتل بعض، والمن على بعض، واسترقاق بعض، ومفاداة بعض على حسب ما يراه. وإذا قتل مسلم الأسير قبل أن يختار الإمام فيه شيئًا .. عزره، فإن قتله بعد

وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ عَصَمَ دَمَهُ وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي، -وَفِي قَوْلٍ: يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ وَإِسْلَامُ كَافِرٍ قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ، يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسترقاق .. ضمن قيمته للغانمين، وإن قتله بعد المن ووصوله إلى مأمنه .. ضمن ديته لأهله، وإن كان قبل وصوله إليهم .. فلا شيء عليه وإن قتله بعد المفاداة. قال: (ولو أسلم أسير .. عصم دمه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا قالوها عصموا مني دماءهم). قال: (وبقي الخيار في الباقي)؛ لأن المخير بين أشياء إذا سقط بعضها لعذر .. لا يسقط الخيار في الباقي، كما إذا سقط العتق في الكفارة لتعذره، لكن إنما تجوز المفاداة به إذا كان له عز وعشيرة يسلم بها دينه ونفسه. قال: (وفي قول: يتعين الرق) أي: بنفس الإسلام؛ لأنه أسير محرم القتل، فيمتنع المن عليه والفداء كالنساء والصبيان، وهل يقوم بذل الأسير الجزية وطلب عقد الذمة مقام الإسلام في تحريم القتل؟ فيه قولان: أصحهما: نعم. فعلى هذا: يبقى على خيرته فيما عدا القتل وجهًا واحدًا، قاله الماوردي. وعلى هذا: في جواز استرقاقه وجهان: أصحهما: الجواز. والثاني: لا، ويتعين عقد الذمة له. فرع: لم قتل مسلم أو ذمي الأسير قبل أن يرى الأمام رأيه فيه .. عزز ولا قصاص ولا دية؛ لأنه لا أمان له وهو حر إلى أن يسترق. قال: (وإسلام كافر قبل ظفر به يعصم دمه وماله)؛ لقوله تعالى {فَإن تَابُوا وأَقَامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} والمراد: التزامهم أحكامنا، بدليل قوله في الآية الأخرى: {فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}.

وَصِغَارَ وَلَدِهِ لَا زَوْجَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الصحيحين) (فإذا قالوها ... عصموا مني دماءهم وأموالهم)، ولسنا مأمورين بالشق عن قلبه. ولا فرق بين أن يسلم وهو محصور وقد قرب الفتح وبين أن يسلم في حال أمنه. وعن أبي حنيفة: أن إسلامه بعد المحاصرة ودنو الفتح لا يعصم نفسه عن الاسترقاق، ولا ماله عن الاغتنام. ولا فرق بين مال ومال. وعن أبي حنيفة: يجوز فيما في يده الحسية من الأموال دون العقارات. ولا فرق بين أن يكون في دار الإسلام أو دار الحرب. وقال مالك: إن أسلم في دار الإسلام .. عصم ماله الذي معه في دار الإسلام دون ما معه في دار الحرب. لنا: إطلاق الخبر السابق. قال: (وصغار ولده)، فيحكم بإسلامهم تبعًا له؛ لما روى الشافعي [أم7/ 349] والبيهقي [9/ 114]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر بني قريظة فأسلم ثعلبة وأسيد ابنا سعية، فعصم إسلامهما أموالهما وأولادهما الصغار). والحمل كالمنفصل، فلا يسترق تبعًا لأمه، وهل يعصم إسلام الجد ولد ابنه الصغير؟ فيه أوجه: أصحها: نعم، والثاني: لا، والثالث: إن كان الأب ميتًا ... عصم، وإلا .. فلا. والمجنون من اولاده كالصغير، فلو كان بلغ عاقلًا ثم جن .. عصمه أيضًا على الصحيح. وفي المرأة قول شاذ: إن إسلامها لا يعصم أولادها الصغار، قال الرافعي: فإن صح .. فيشبه أنها لا تستتبع الولد في الإسلام. قال: (لا زوجته على المذهب)، فلا يصونها من الاسترقاق ولو كانت حاملًا. ولابد من تقيد صغار ولده بالأحرار، والذي قاله المصنف هو المنصوص هنا،

فَإِنْ اسْتُرِقَّتْ .. انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الحَالِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ أَسْرُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ .. انْتَظَرَتْ الْعِدَّةَ، فَلَعَلَّهَا تَعْتِقُ فِيهَا ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ونص على أن المسلم إذا أعتق كافرًا فالتحق بدار الحرب .. لا يرق كما سيأتي، وقيل: فيهما قولان، والمذهب: تقريرهما. والفرق: أن الولاء ألزم من النكاح؛ لأن النكاح يقبل الرفع، بخلاف الولاء، ويجري الخلاف في زوجة المسلم الحربية كما سيأتي في كلام المصنف، وكذا زوجة الحربي إذا أسلم وتخلفت كما قاله في (الكفاية). قال: (فإن استرقت ... انقطع نكاحه في الحال)، سواء قبل الدخول أو بعده؛ لأنه زال ملكها عن نفسها، فلأن تزول العصمة بينها وبين الزوج أولى؛ لأنها صارت أمة كتابية، وهي لا تنكح هذا إذا قلنا: تسترق، ولذلك أتى بـ (الفاء)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سبى أو طاس وبني المصطلق الرجال والنساء، فقسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها، ومعلوم أنه كان فيهم من لها زوج قال: (وقيل: إن كان) أي: الاسترقاق (بعد الدخول .. انتظرت العدة فلعلها تعتق فيها) فيدوم النكاح، كما لو ارتدت بعد الدخول. وعلى هذا: إن عتقت وأسلمت قبل انقضاء العدة .. استمر النكاح، وكذا إن عتقت ولم تسلم؛ لأن إمساك الحرة الكتابية للنكاح جائز، فلو أسلمت حامل تحت حربي ... لم تسترق هي ولا ولدها؛ لأنهما مسلمان. فائدة: معنى (لعل) الترجي، ولا يترجى بها إلا ما هو مشكوك فيه، فلا تقول: لعل الميت يعود، ولكن: لعل المسافر يؤوب، وفيها عشر لغات: لعل، وعل

وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ، وَكَذَا عَتِيقُهُ فِيالْأَصَحِّ، لَا عَتِيقٍ مُسْلِمٍ وَزَوْجَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِذَا سُبِيَ الزَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا .. انْفَسَخَ النِّكَاحُ إنْ كَانَا حُرَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولعنَّ، ورعنَّ، ورغنَّ، وعنَّ، ولأن، وأنَّ، ولغنَّ - باللام والغين المعجمة والنون- ولعلت، بزيادة التاء في آخرها. قال: (ويجوز إرقاق زوجة ذمي) أي: إذا كانت حربية وينقطع به نكاحه؛ لأن محل الرق الرقبة وهي فارغة عن استحقاق الذمي؛ فإن حقه المنفعة. فإن قيل: كلام الأصحاب هنا مخالف لقولهم: إن الحربي إذا بذل الجزية عصم نفسه وزوجته من الاسترقاق .. قلنا: المراد هناك: الزوجة الموجودة حين العقد فيتناولها العقد على جهة التبعية، والمراد هنا: الزوجة المتجددة بعد العقد؛ فإن العقد لم يتناولها، أو يحمل الأول على ما إذا كانت زوجته داخلة تحت القدرة حين عقد الذمة، والثاني على ما إذا لم تكن كذلك. قال: (وكذا عتيقه في الأصح)؛ لأن الذمي لو نقض العهد والتحق بدار الحرب .. استرق، فعتيقه أولى. والثاني: لا يسترق؛ لأن مال الذمي معصوم عن الاغتنام، والوجهان مفرعان على المنع في عتيق المسلم، فإن جوزناه .. فهنا أولى. قال: (لا عتيق مسلم وزوجته على المذهب) المراد: إذا أعتق المسلم كافرًا فالتحق بدار الحرب؛ لأن الولاء بعد ثبوته لا يرتفع. وأشار بقوله: (وزوجته) إلى أن المسلم إذا تزوج حربية في دار الحرب فسبيت .. ففي جواز استرقاقها طريقان: أظهرهما: المنع. والفرق بينه وبين الذمي: أن المسلم يتحيل الأمان في نكاحه ولا أمان في الذمي، والذي رجحه المصنف في هذه الصورة تبع فيه (المحرر)، وكلام (الروضة) و (الشرحين) يقتضي: الجواز. قال: (وإذا سبي الزوجان أو أحدهما .. انفسخ النكاح إن كانا حرين)، سواء كانا صغيرين أو كبيرين، وسواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده؛ لأن الرق إذا حدث يزيل ملكها عن نفسها، فلأن تزول العصمة بينها وبين الزوج من باب أولى، ولأن

قِيلَ: أَوْ رَقِيقَيْنِ. وإِذَا أُرِقَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ... لَمْ يَسْقُطْ فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين امتنعوا يوم أوطاس من وطء المسبيات؛ لأن لهن أزواجًا، فأنزل الله تعالى: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء} ِ أي: المتزوجات {إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} رواه مسلم، فحرم المتزوجات إلا المملوكات، فدل على ارتفاع النكاح، وإلا .. لما حللن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا لا توطأ حامل حتى تضع) ولم يفصل بين متزوجة وغيرها. وقال أبو حنيفة: لا ينفسخ النكاح إذا سبي الزوج وحده. وقال: (قيل: أو رقيقين)؛ لحدوث السبي، ولإطلاق الحديث، وكما لو سبيت أم ولد؛ فإنها تصير قنة. والأصح: لا ينقطع؛ لأنه لم يحدث رق، بل انتقال من شخص إلى شخص كالمبيع وغيره. قال: (وإذا أرق) أي: الحربي (وعليه دين ... لم يسقط)؛ لأن شغل الذمة قد حصل ولم يوجد ما يقتضي الإسقاط. هذا إذا كان لمسلم وكذا لذمي على الأصح، وإن كان لحربي .. فالظاهر: سقوطه، وفيه احتمالان للإمام. فلو كان للمسلم الذي سباه .. ففي سقوطه الوجهان فيما إذا كان له على عبد غيره دين فملكه .. هل يسقط؟ وهذا ظاهر في قدر حصته، أما الخمس .. فلا يملكه، فينبغي أن لا يسقط مقابلة قطعًا. ولو كان الدين لبعض الغانمين .. فيظهر أن يقال: أن وقع في حصته ... فعلى الوجهين، وإن وقع في حصة غيره ... لم يسقط قطعًا. قال: (فيقضي من ماله إن غنم بعد إرقاقه)، ويكون الدين مقدمًا على الغنيمة كما يقدم على الوصية وإن زال ملكه بالرق، كما أن الدين الذي على المرتد يقضي من ماله وإن حكمنا بزوال ملكه، ولأن الرق مالموت والحجر وكلاهما يعلق الدين بالمال. فإن غنم المال قبل استرقاقه .. ملكه الغانمون ولا يقضي منه الدين، كما لو انتقل

وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ قَبِلَا جِزْيَةً .. دَامَ الْحَقُّ، وَلَوْ أُتْلِفَ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَا .. فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ملكه بوجه آخر، وإن غنم مع استرقاقه .. فوجهان: أحدهما: يقدم الدين كما في التركة. وأصحهما: تقدم الغنيمة؛ لتعلقها بالعين، كما يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن، وليس من المعية أن يقع الاغتنام مع الأسر؛ لأن المال يملك بنفس الأخذ والرق لا يحصل بنفس الأسر في الرجال الكاملين، ولكن يظهر ذلك في النسوة وفيما إذا وقع الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر، وإذا لم يوجد مال يقضي منه الدين .. فهو في ذمته إلى أن يعتق. وإن كان المسبي مستأجرًا لمسلم .. لم تنفسخ الإجازة على الأصح، وإن كان مستأجرًا لحربي اتفسخت. وإن كان مستأجرًا لذمي .. فوجهان. وفي حلول الدين المؤجل بالرق وجهان مرتبان على الخلاف في الحلول بالفلس، وأولى بالحلول؛ لأنه يشبه الموت من حيث إنه يزيل الملك ويقطع النكاح. قال: (ولو اقترض حربي من حربي أو اشترى منه ثم أسلما أ, قبلا جزية) أي: معًا أو مرتبًا، وكذا إن قبلا أمانًا على الصحيح. قال: (.. دام الحق)، كما إذا أسلم الزوجان قبل قبض المهر الصحيح دون الخمر والخنزير. ولو سبق المقترض إلى الإسلام أو الأمان .. فالنص: أن الدين مستمر، كما لو أسلما. قال: (ولو أتلف عليه) أي: ألف حربي على حربي شيئًا (فأسلما) وكذا لو غصب منه (.. فلا ضمان في الأصح)؛ لأنه لم يلتزم شيئًا، والإسلام يجب ما قبله، والإتلاف ليس عقدًا يستدام، ولأن الحربي إذا قهر حربيًا على مالع ملكه، والإتلاف نوع من القهر، ولأن إتلاف مال الحربي لا يزيد على إتلاف مال المسلم، وهو لا يوجب الضمان على الحربي. والثاني: يجب الضمان؛ لأنه لازم لديهم فكأنهم تراضوا عليه.

وَالْمَالُ الْمَاخُوذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَهْرًا غَنِيمَةً، وَكَذَا مَا أَخَذَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ سَرِقَةً، أَوْ وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ فِي الأَصَحْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: تخصيص المتلف بكونه لحربي وكذا إسلامهما ليس شرطًا في عدم الضمان، بل لو أتلف الحربي على مسلم مالًا أو غصبه منه أو أسلم المتلف فقط .. لا ضمان أيضًا. ولو قهر بعض أهل الحرب بعضًا ... ملك القاهر المقهور، حتى لو قهر العبد سيده ... عتق وصار السيد رقيقًا له، قاله القاضي أبو الطيب والإمام. قال: (والمال المأخوذ من أهل الحرب قهرًا غنيمة)؛ لما تقدم في بابه، وإنما أعاده لضرورة التقسيم. قال: (وكذا ما أخذه واحد أو جمع من دار الحرب سرقة، أو وجد كهيئة اللقطة في الأصح) اشتمل كلامه على مسألتين: الأولى: ما أخذ من دار الحرب سرقة، والأصح عند الأكثرين: أنه غنيمة؛ لأن دخوله دار الحرب والتغرير بالنفس يقوم مقام القتال. والثاني: أنه لمن أخذه خاصة؛ لأنه ليس مأخوذا بقوة الجند ولا بقوة الإسلام حتى يكون فيئًا ولا بالقتال حتى يكون غنيمة، وجزم به الرافعي في (باب زكاة المعدن)، والإمام هنا، وادعى الاتفاق عليه، والفوراني والغزالي. ويوافقه ما ذكره البغوي وغيره: أن الرجل إذا دخل دار الحرب وأخذ منهم شيئًا على وجه السوم ثم جحده أو هرب به .. فهو له خاصة. كل هذا إذا لم يؤمنوه، فإن أمنوه .. فالأصح: أنه لا يملكه، وعليه رده إلى صاحبه، ويجبر عليه إذا طلبه. والثالث: أنه فيء، والتقييد بدار الحرب جرى فيه على الغالب؛ فإنه لا فرق بين دار الحرب وغيرها، فإنهم لو دخلوا دارنا فسرق منهم شيء ... كان حكمه كما لو سرق في دار الحرب، وإليه أشار في (التهذيب)

فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ ... وَجَبَ تَعْرِيفُهُ. وَلِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ بِأَخْذِ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الثانية: الذي يؤخذ على هيئة اللقطة .. الأصح- الذي أجاب به عامة الأصحاب-: انه غنيمة؛ لما تقدم. والثاني- وبه قال الإمام والغزالي-: أنه لآخذه، وهو منهما بناء على قولهما: إن المسروق والمختلس يكونان لأحدهما، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في (باب اللقطة). قال: (فإن أمكن كونه لمسلم)؛ بأن كان هناك مسلمون (.. وجب تعريفه)؛ لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بتعريف اللقطة واحتمال كونها لحربي لا يمنع من ذلك، وبعد التعريف يعود الخلاف المذكور في أنه غنيمة أو للآخذ، ولم يصحح الشيخان شيئًا في قدر مدة التعريف. وقال أبو حامد: يعرف يومًا أو يومين وعن بعضهم ثلاثة أيام. وقال الإمام: يكفي أن يبلغ الخبر إلى الأجناد الذين هناك. والذي نص عليه في (الأم) أنه يعرفه بين المسلمين الذين هناك، فإذا لم يعرفوه ... رد في المغنم، وهو موافق لمقالة الإمام، وفي (المهذب) و (التهذيب) يعرف سنة كغيره. قال: (وللغانمين التبسط في الغنيمة بأخذ القوت وما يصلح به) كالزيت والسمن؛ لما روى البخاري [3154] عن ابن عمر قال: (كنا نصيب في المغازي العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه). و (في أبي داوود) [2694] عنه: (أن جيشًا غنموا طعامًا وعسلًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يؤخذ منهم الخمس) يعني: مما تناولوه. والمعنى فيه: الحاجة الداعية إليه، فإن الطعام يعز في دار الحرب؛ فإنهم لا يبيعون منهم ويخبؤون أطعمتهم عنهم، فجعلها الشارع على الإباحة،

لَحْمٌ وَشَحْمٌ وَكُلُّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأنه قد يفسد وقد يتعذر نقله، أو تتجاوز مؤنة النقل ثمنه، ومحل ذلك قبل القسمة كما ذكره في (المحرر). ونبه بذكر (القوت) على أنه لا يجوز أخذ ما فوق حاجته، فلو أخذ فوق حاجته ... فعن النص: أنه يؤدي إلى المغنم، ولو أضاف به غيره من الغانمين .. فلا بأس، أو غير الغانمين ... فكما لو أضافه لمغصوب، وقد تقدم. وأفهم: أنه لا يجوز أخذ شيء من الأموال للانتفاع بها كلبس وركوب، فإن فعل .. لزمته الأجرة كما تلزمه القيمة إذا أتلف عينًا؛ لما روى أحمد [4/ 108] وأبو داوود [2152] وابن حبان [4850] عن رويفع بن ثابت الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها .. ردها إليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين إذا أخلقه ... رده إليه). أما إذا احتاج إليه لبرد وغيره ... فقال الماوردي: يستأذن الإمام ويحسب عليه من سهمه، ويجوز أن يأذن له في لبسه بالأجرة للحاجة ثم يرده، ولا يجوز أن يستعمل السلاح إلا أن يضطر إليه في القتال ثم يرده إلى المغنم. قال: (ولحم وشحم وكل طعام يعتاد أكله عمومًا)، سواء أذن الإمام في ذلك أم لا؛ لما روى أبو داوود [2697] والحاكم [2/ 126] عن عبد الله بن أبي أوفى قال: (أصبنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر طعامًا، فكان كل واحد منا يأخذ منه قدر كفايته). قال الرافعي: وفي رواية عنه: (كنا نأخذ من طعام المغنم ما شئنا). والمراد بـ (الشحم) الذي يؤكل، فإن كان لدهن الدواب أو تصلب حوافرها .. فلا في الأصح المنصوص. قال الرافعي: وعلى الجواز ينبغي أن يجوز الادهان بها.

وَعَلَفُ الدَّوَابِّ تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا، وَذَبْحُ مَاكُولٍ لِلَحْمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (عمومًا) احترز به عن نحو الفانيد والسكر والأدوية التي تندر الحاجة إليها، فالأصح فيها: المنع؛ لندرة الحاجة، فمن احتاج إليها .... أخذ بقدر حاجته بقيمته. قال الرافعي: وينبغي مراجعة الأمير فيه، واعتبره في (الشرح الصغير). فرع: باع غانم ما أخذه لغانم آخر ... فهو إبدال مباح بمباح كإبدال الضيفان لقمة بلقمة، وكل واحد منهما أولى بما صار إليه، ولو تبايعا صاعًا بصاعين .. لم يكن ذلك ربًا؛ لأنه ليس بمعاوضة محققة، واعترضه في (المهمات) بما فيه نظر. قال: (وعلف الدواب تبنًا وشعيرًا ونحوهما)؛ للحاجة إلى ذلك، فأشبها قوته. والمراد: الدواب التي لا يستغني عنها في الحرب، كفرسه والبهيمة التي تحمل سلاحه وماءه؛ لأن أمير جيس لعمر كتب إليه يستأذنه في طعام بلد دخلوه، فكتب إليه: أن يأكلوا ويعلفوا دوابهم ولا يبيعوا. وقيل: لا يأخذ إلا علف واحدة، ولو كان معه دابة أخرى يستظهر بها لركوبة أو لحمولته ... فله علفها في الأصح، وأما البزاة والفهود والنمور ... فلا يجوز إطعامها. و (العلف) هنا بفتح اللام. قال: (وذبح مأكول للحمه)؛ لأنه مأكول عادة فكان كتناول الأطعمة، وسواء في ذلك الغنم وغيرها، وأشار الإمام إلى تخصيصه بالغنم، وصرح به الغزالي؛ لأن الأغنام كالأطعمة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في ضالتها: (هي لك أو لأخيك أو للذئب). وقيل: لا يجوز الذبح؛ لندور الحاجة، فإن اضطر ... جاز قولًا واحدًا. ونبه بقوله: (للحمه) على أنه يجب رد جلد المذبوح إلى المغنم إلا ما يؤكل مع اللحم، ولا يجوز أن يتخذ من الجلد سقاء ولا حذاء ولا شراكًا، فإن فعل ... وجب

والصحيح: جواز الفاكهة، وأنه لا تجب قيمة المذبوح، وأنه لا يختص الجواز بمحتاج إلى طعام وَعَلَفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رد المصنوع لذلك، زلا شيء له إن زادت قيمته بالصنعة، فإن نقص ... لزمه أرشه، وإن استعمله ..... لزمته أجرته. قال: (والصحيح: جواز الفاكهة) رطبًا ويابسًا؛ لحديث ابن عمر المتقدم الذي ذكر فيه العنب. والثاني: لا؛ لعدم الحاجة إليها. قال الإمام: ويمكن الفرق بين ما يتسارع إليه الفساد ويشق نقله وبين غيره، والجمهور لم يفرقوا. قال صاحب (المهذب) وتباح الحلوى كالفواكه. قال: (وأنه لا تجب قيمة المذبوح) كما لاتجب قيمة الطعام المأخوذ للأكل، وأشار الغزالي إلى القطع به إذا تعذر سوقه. والثاني: تجب القيمة لبقية الغانمين وأهل الخمس؛ لأن الأخبار التي وردت إنما هي في الطعام، والحيوان ليس بطعام، ولهذا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلًا كما تقدم. وفائدة إباحة الذبح مع التضمين: نفي الإثم، وعدم ضمان ما نقص بالذبح، وأنه يضمن قيمة اللحم خاصة، وذلك دون قيمة الحيوان. قال: (وأنه لا يختص الجواز بمحتاج إلى طعام وعلف)؛ لإطلاق الأحاديث والآثار الواردة في الباب، فصار كالماء المباح يستوي فيه الغني والفقير. لكن نقل الإمام عن المحققين فيما إذا قل الطعام وازدحموا عليه: أن الإمام يضع يده عليه: ويقسمه على ذوي الحاجات، ويقول لمن معه ما يكفيه: اكتفي بما معك ولا تزاحم ذوي الحاجات. والثاني: يختص بالمحتاج؛ لاستغناء غيره عن أخذ حق الغير. قال البغوي: ولهم التزود لقطع مسافة بين أيديهم، والذي يأخذه لا يملكه

وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالحِيَازَةِ، وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ .. لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالأخذ، لكنه كالضيف أبيح له الأخذ للأكل، وفي (الحاوي الصغير) أنه يملكه، ولا يعرف لغيره. قال: (وأنه لا يجوز ذلك لمن لحق الجيش بعد الحرب والحيازة)؛ لأنه أجنبي عنهم، كغير الضيف مع الضيف. والثاني: الجواز؛ للحاجة لحضور دار الحرب التي هي مظنة عزة الطعام. وعبارة (الكتاب) و (المحرر) و (الروضة) تفهم جواز التبسط قبل الحيازة، فيحتاج إلى الفرق بينه وبين الغنيمة. وعطف المسألة على التي قبلها يقتضي ضعف الخلاف، وهو خلاف ما في (الروضة). قال: (وأن من رجع إلى دار الإسلام ومعه بقية .. لزمه ردها إلى المغنم)؛ لزوال الحاجة، ولتعلق حق الجميع بها. والثاني: لا؛ لإباحة الأخذ. والثالث- وبه قالمالك وأحمد-: إن كان قليلًا لا يبالي به ككسر الخبز وبقية التبن في المخالي .. لا يرد، وإلا .. فيرد. وقال أبو حنيفة: إن قسمت الغنيمة .. باعه وتصدق بثمنه، وإلا .. رده إلى المغنم. والوصول إلى دار يسكنها أهل الذمة أو العهد وهي في قبضتنا كدار الإسلام كما قاله في (الكفاية)؛ لأن الرافعي جعلها كذلك في منع التبسط فيها. ومحل ما ذكره المصنف: ما إذا كان قبل القسمة، فإن كان بعدها وأمكن افرقته كما فرقت الغنيمة .. فرق، وإن لم يمكن لقلته أو لتفرق الغانمين ... فعن الصيدلاني: جعله في المصالح، وخطأه الإمام، وقال: إخراج الخمس منه ممكن، وإنما هذا في الأربعة الأخماس.

وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ، وَكَذَا مَا لَمْ يَصِلْ عُمْرَانُ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصَحِّ. وَلِغَانِمٍ رَشِيدٍ وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسِ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ القِسْمَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم عطف المسألة على ما قبلها يقتضي: أن الخلاف أوجه، وهو في (الروضة) أقوال. و (المغنم) الموضع الذي تجتمع فيه أموال الغنيمة. قال: (وموضع التبسط دارهم)؛ لأنها موضع العزة، فإن انتهوا إلى عمران دار الإسلام وتمكنوا من الشراء ... فإنه لا يجوز التبسط قطعًا. قال: (وكذا ما لم يصل عمران الإسلام في الأصح)؛ لبقاء الحاجة إليه. وروى ابن أبي شيبة [7/ 684] عن ابن عباس: أنه لم ير بأسًا أن يأكل الرجل الطعام في دار الشرك حتى يرحل منه. والثاني: المنع؛ لأن مظنة الحاجة دار الحرب فيناط الحكم بها. فعلى الأصح: لو وجدوا في دار الحرب سوقًا وتمكنوا من الشراء .. ففي جواز التبسط وجهان؛ لانعكاس التوجيهين، وقطع الإمام بالجواز فيها، وقال: لم أر أحدًا منعه بهذا السبب، وجعل دار الحرب مظنة الحاجة كما أن السفر مظنة المشقة، فيجوز الترخص وإن عدمت في وقت. قال ابن الرفعة: وينبغي أن يكون الخلاف هنا مرتبًا على الخلاف فيمن ملك قدر كفايته، وأولى بالجواز. والمراد بـ (عمران الإسلام) ما يجدون فيه حاجتهم من الطعام والعلف كما هو الغالب، فلو لم يجدوا فيها ذلك .. فلا أثر له في منع التبسط في الأصح. قال: (ولغانم رشيد ولو محجور عليه بفلس اإعراض عن الغنيمة قبل القسمة)؛ لأن الغرض الأعظم من الجهاد إعلاء كلمة الله تعالى والذب عن الملة، والغنائم تابعة، فمن أعرض عنها .. فقد جرد قصده للغرض الأعظم. وصورة الإعراض: أن يقول: أسقطت حقي من الغنيمة. فإن قال: رهبت نصيبي منها للغانمين وأراد التمليك .. فأقوى الوجهين في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الشرح) و (الروضة) المنع؛ لأنه مجهول. وجعلوا المحجور عليه بالفلس كغيره؛ لمعنى الإخلاص، ولأن اختيار التملك كابتداء الاكتساب وهو لا يجب عليه، وأيضًا الغنيمة لا تملك قبل القسمة كما سيأتي، وإنما ملك أن يتملك كالشفعة فيسقط نصيبه بالإعراض. وتقييد (الغانم) بكونه رشيدًا ليس في (المحرر)، ولابد منه؛ فلا يصح إعراض الصبي والمجنون. وقوله: (بفلس) خرج به المحجور عليه بسفه كما أظهر احتمالي الإمام، ورجح في (المهمات) جواز إعراضه، لكن لو رشد الصبي أو المحجور عليه بسفه قبل القسمة .. صح إعراضه. وبقي من الشروط: أن يكون حرًا، فلا يصح إعراض العبد ويصح إعراض سيده؛ لأن الحق له، وكذا وارث من مات من غير إعراض، بخلاف ولي الصبي والمجنون، وإن قلنا: لا ملك للصبي وإنما له حق التملك بخلاف حق الشفعة ... فإن للولي إسقاطه إذا رأي المصلحة فيه. وكان ينبغي للمصنف أن يقول: (قبل القسمة وقبل قوله: اخترت القسمة)؛ فإن ذلم يمنع من الإعراض كما هو أشبه الوجهين. وأما إذا قسم الإمام قسمة بحكم؛ بأن خص بعضهم ببعض الأنواع والأعيان أو أفرز لكل طائفة شيئًا أو لكل واحد نصيبًا ... فالأصح: جواز الإعراض قبل الاختيار أيضًا؛ بناء على عدم الملك بذلك؛ إذ لابد مناختيار التملك كما صححه الرافعي، لكن نص الشافعي وجماعة على أنهم يملكون بإفراز الإمام مع قبضهم له، وكذا مع حضورهم. وسكت الأصحاب عما لو رجع بعد إعراضه، ويشبه أن له ذلك قبل القسمة لا بعدها، ويصير إعراضه كالهبة والقسمة كالقبض، وهذا كما لو أعرض عن كسر الخبز والسنابل ونحوها؛ فإن له تملكها قبل أن يأخذها غيره.

وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ بَعْدَ فَرْزِ الْخُمُسِ وَجَوَازِهِ لِجَمِيعِهِمْ، وَبُطْلَانُهُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَسَالِب، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: جوازه) أي: الإعراض (بعد فرز الخمس) أي: وبعد إفراز ما يخرج من رأس مال الغنيمة؛ لأن إفراز الخمس لا يتعين به حق كل واحد من الغانمين، بل كل واحد على ما كان عليه وإن تميز به حقهم عن الجهات العامة. والثاني: لا يجوز؛ لأن بالإفراز يصير الباقي لهم كسائر الأموال المشتركة. ولا فرق في جريان الخلاف بين أن يطلب الغانمون القسمة من الإمام أو يقسم بنفسه، وخصه الإمام بحالة طلب القسمة. قال: (وجوازه لجميعهم)؛ لأن المعنى الذي لأجله صح إعراض الواحد موجود في الجميع، وحينئذ تصرف الأخماس الأربعة إلى مصارف الخمس. والثاني: لا يجوز؛ لأنه يلزم منه صرف حقوقهم إلى مصارف الخمس، وليس لتلك المصارف إلا الخمس للآية فلا يبقى مصرف. قال: (وبطلانه من ذوي القربى)؛ لأنهم يستحقون سهمهم بلا عمل، وهو منحة من الله من غير تعب وشهود وقعة، فأشبه الإرث. والثاني: يصح كإعراض الغانمين، ومال إليه ابن الرفعة. والوجهان فيما إذا أعرضوا كلهم، فإن أعرض بعضهم ... فينبغي أن يكون الحكم كذلك، بخلاف إعراض بعض الغانمين؛ فإنه يصح قطعًا. ومقتضى كلام (الحاوي الصغير) أنه يصح إعراض بعض ذوي القربى، وليس كذلك. وإنما خص ذوي القربى بالذكر دون بقية أهل الخمس كاليتامى؛ لأنها جهات عامة لا يفرض فيها إعراض كالفقراء والصدقات. قال: (وسالب)؛ لأن السلب متعين له كالإرث. وقيل: يصح كإعراض بقية الغانمين، ولأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل عمرو بن عبد ود فقال له عمر: (هلا استلبته درعه؛ فإنه ليس للعرب درع خير

وَالْمُعْرِضُ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَمَنْ مَاتَ ... فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ، وَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِقِسْمَةٍ، وَلَهُمْ التَّمَلُّكْ، وَقِيلَ: يَمْلِكُونَ، وَقِيلَ إنْ سَلِمَتْ إلَى الْقِسْمَةِ .. بَانَ مِلْكُهُمْ، وَإِلَّا ... فَلَا، وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَالْمَنْقُولِ ... ، ـــــــــــــــــــــــــــــ منها؟)، فقال: (إني لما ضربته .. اتقاني بسوءته؛ فلم أسلبه). قال: (والمعرض كمن لم يحضر)، فيضم نصيبه إلى المغنم ويقسم أخماسًا. وقيل: يرجع إلى أهل الخمس خاصة؛ لأن الغنائم في الأصل لله تعالى، قال تعالى: قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ، فمن أعرض .... رجعت حصته إلى أصلها. قال: (ومن مات ... فحقه لوارثه)؛ لأنه حق ثبت للمورث فينتقل للوارث كغيره من الحقوق، ولا يخفي أن المراد: إذا لم يعرض؛ لأن المعرض لا حق له. قال: (ولا تملك) أي: الغنيمة (إلا بقسمة)؛ لأنهم لو ملكوا بالاستيلاء ..... لم يصح إعراضهم كالمحتطب ونحوه، ولأنها لو تأخرت حولًا .... لم تجب الزكاة. قال: (ولهم التملك) أي: بين الحيازة والقسمة. وليس المراد: تجويز التملك قبل القسمة باختيارهم، بل المراد: أن لهم حق التملك شرعًا وإن لم يتمكلوا. قال: (وقيل: يملكون) أي: بانقضاء الحرب وحيازة المال؛ لأنه قبل الحيازة معرض للاسترداد فلم يكمل الاستيلاء والحيازة. و (الحوز) الجمع والضم. قال: (وقيل: إن سلمت إلى القسمة ... بان ملكهم، وإلا .... فلا)، فعلى هذا: الملك موقوف؛ لأن قصد الاستيلاء على المال لا يتحقق إلا بالقسمة، فإذا اقتسموا ... تبينا قصد التملك بالاستيلاء فتبين حصول الملك. قال: (ويملك العقار بالاستيلاء كالمنقول)، فيختص الغانمون به كاختصاصهم بالمنقول المملوك بجامع المالية. وعن أبي حنيفة: يتخير الإمام فيها بين أن يقسمها بين الغانمين وبين أن يقفها على المسلمين كما فعل عمر. وحجتنا عليه: القياس على المنقول بجامع المالية، ولعموم قوله تعالى:

وَلَوْ كَانَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ وَأَرَادَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنَازَعْ .... أُعْطِيَهُ، وَإِلَّا .... أُعْطِيَهُ، وَإِلَّا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا ... أُقْرِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ {واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ}؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قسم خيبر بين الغانمين، وهذا مراد المصنف بالتشبيه، وإلا ... فقد سبق أن المنقول لا يملك إلا بالقسمة. ولم يذكر في (الروضة) هذا التشبيه. ومراده بـ (العقار) العامر، أما الموات ... فلا يملك بالاستيلاء كما صرحوا به في باب (إحياء الموات)؛ لأن الكفار لم يملكوه، فكيف يتملك عنهم؟! وبه صرح الجرجاني في (التحرير) في (باب الغنيمة). ومراد المصنف: أنه يختص به الغانمون كاختصاصهم بالمنقول بجامع المالية، وليس المراد: أنه يملك بمجرد الاستيلاء؛ فإن في ملكهم العقار الأوجه الثلاثة السابقة. قال: (ولو كان فيها كلب أو كلاب تنفع وأراده بعضهم) أي: بعض الغانمين أو بعض أهل الخمس (ولم ينازع .. أعطيه)؛ إذ لا ضرر في ذلك على غيره. قال: (وإلا) أي: وإن نوزع (.. قسمت إن أمكن)؛ وذلك بأن توجد عدة كلاب وأمكن قسمتها عددًا. وذكروا في (الوصية) اعتبار قيمتها عند من يراها واعتبار منافعها، فيمكن القول به هنا. قال: (وإلا .. أقرع)؛ لأن القرعة تقطع المنازعة. وصرح الجرجاني بأن الكلب لا يدخل في القسمة، غير أنه لا مناسبة لذكر هذه المسألة هنا، وهي في (المحرر) قبل (فصل نساء الكفار وصبيانهم) عقب ذكر إتلاف الحيوان، وهو مناسب. والمراد بـ (النفع) الاصطياد وحراسة الزرع أو الماشية، وكذا حراسة الدور على الأصح.

وَالصَّحِيحُ أَنْ سَوَادَ الْعِرَاقِ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ ثُمَّ بَذَلُوهُ وَوُقِفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والصحيح: أن سواد العراق فتح عنوة وقسم) روى أبو عبيد في كتاب (الأموال) بإسناد صحيح: أن سواد العراق فتحه عمر، وحكى الشيخ أبو حامد فيه الإجماع. وإنما اختلفوا في كيفية فتحه: فقال الجمهور: فتح عنوة؛ إذ لو كان صلحًا لم يقسم. وقيل: فتح صلحًا، وأنه رده عليهم بخراج يؤدونه كل سنة. وقيل: بعضه كذا، وبعضه كذا. وقيل: بالوقف، وهو رأي أبي الطيب بن سلمة؛ فإنه قال: لا أدري كيف كان. وتعبير المصنف بـ (الأصح) يقتضي: أن يكون الخلاف وجهين، وحكاهما الماوردي قولين منصوصين. وإضافة (السواد) إلى (العراق) من باب إضافة الجنس إلى بعضه؛ فإن السواد أزيد من العراق بخمسة وثلاثين فرسخًا كما قاله الماوردي. سمي سوادًا؛ لأنهم خرجوا من البادية فرأوا خضرة الزرع بين الأشجار الملتفة فقالوا: ما هذا السواد؟ وقيل: سمي بذلك؛ لكثرة ما حكي من سواد القوم. وقيل: لعدم طلوع الشمس فيه على الأرض. والصحيح: أن عمر فتحه عنوة وقسمه بين الغانمين، ثم خاف أن يتعلقوا بأذناب البقر ويتركوا الجهاد، فاستمال قلوبهم عنها بعوض، ووقفها على المسلمين، ثم آجرها من سكان العراق يؤدونه كل سنة بإجازة مؤبدة، واحتمل ذلك للمصلحة العامة. قال: (ثم بذلوه ووقف على المسلمين) أي: ثم القسمة بذلة الغانمون ووقفه

وَخَرَاجُهُ أُجْرَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر؛ لما روى البيهقي [9/ 141]: أن عتبة بن فرقد اشترى أرضًا من أرض السواد، فأتى عمر فأخبره، فقال: (ممن اشتريتها؟) قال: (من أهلها)، فلما حضر المهاجرون والأنصار .... قال له عمر: (هؤلاء أربابها، أبعتموه شيئًا؟) قالوا: (لا)، قال: (ارجع فرد الأرض على من باعك، وخذ الثمن منه) فدل على أنها وقف، وإلا ... لم يرد الشراء. وعن سفيان الثوري قال: أرض العراق لا يجوز بيعها. قال: (وخراجه أجرة تؤدى كل سنة لمصالح المسلمين)، فيقدم الأهم فالأهم. وعلى هذا: لا يجوز رهنه ولا هبته ولا بيعه، ويجوز لأربابها إجارتها إجارة مؤقتة، وفي إجارتها لهم مؤبدة وجهان: الأصح: المنع. وليس لأحد من المسلمين أن يأخذ قطعة منها ممن اتصلت إليه من آبائه وأجداده، ويقول: أنا أعطي غلته؛ لأن عمر رضي الله عنه آجرها منهم على التأبيد، ولا تنفسخ الإجارة بموت العاقدين. وقال أبو حنيفة: لم يتملكه عمر، بل ضرب عليهم خراجًا مع تقرير ملكهم، وزعم أن ذلك خراج لا يسقط بالإسلام. وفي وجه- اختاره ابن سريج-: أنه يصح بيع أرض العراق؛ لأن عمر باعها من سكانها ليؤدوا الثمن على ممر الأيام، إلا أن هذا ثمن غير مقدر ولا آخر له. وعلى الجملة: لا يخلو مذهب من إشكال، وهو: أن لا يتقدر الثمن أو تتأبد الإجازة أو لا يسقط الخراج بالإسلام، لكن الاعتماد على النقل، والشافعي أعلم القوم بالأخبار والتواريخ. والذي يؤخذ من خراج هذه الأرض يصرفه الإمام في مصالح المسلمين كما ذكره المصنف، ويجوز صرفه إلى الفقراء والأغنياء من أهل الفيء. وقدره في كل سنة على كل جريب شعير درهمان، وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم، وجريب الشجر وقصب السكر سبعة، والنخل ثمانية، والكرم عشرة، وقيل: النخل عشرة، والزيتون اثنا عشر.

وَهُوَ مِنْ عَبَّادَانَ إِلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ طُولًا، وَمِنَ الْقَادِسِيَّةِ إِلَى حُلْوَانَ عَرْضًا. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: أَنَّ الْبَصْرَةَ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ .. فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ غَرْبِيِّ دِجْلَتِهَا وَمَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الجريب): عشر قصبات في مثلها، و (القصبة): ستة أذرع، فالجريب مساحة مربعة من الأرض بين كل جانبين منها ستون ذراعًا. فائدة: أطراف السواد فتح في أيام أبي بكر، وهو أزيد من العراق؛ لأن مساحة العراق مئة وخمسة وعشرون فرسخًا في عرض ثمانين، والسواد مئة وستون فرسخًا وعرضه ثمانون. وسمي عراقًا؛ لاستواء أرضه وخلوها من الجبال والأودية، والعراق في كلام العرب: الاستواء. قال: (وهو من عبّادان إلى حديثة الموصل طولًا، ومن القادسية إلى حُلوان عرضًا) بإجماع أهل التاريخ ومصنفي الفتوح ومن عرف أسماء البلدان. والذي قاله المصنف تبع فيه (المحرر). وقال في (الشرح): إن فيه تساهلًا؛ لأن البصرة كانت سبخة أحياها عثمان بن أبي العاصي وعتبة بن غزوان بعد فتح العراق، وهي داخلة في هذا الحد، فلذلك استدركه المصنف على إطلاق (المحرر)، فقال: (قلت: الصحيح: أن البصرة وإن كانت داخلة في حد السواد .. فليس لها حكمه إلا في موضع غربيِّ دِجلتها وموضع شرقيها)، وأشار بذلك إلى موضعين في البصرة، أدخلهما في الحد صاحب (المهذب) وغيره. فالموضع شرقي دجلة يسمى: الفرات، والموضع الغربي يسمى: نهر المراة. قال الماوردي رحمه الله: حضرت الشيخ أبا حامد وهو يدرس في تحديد السواد، وأدخل فيه البصرة، ثم أقبل علي وقال: هكذا تقول؟ قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: لأنها كانت مواتًا وأحياها المسلمون، فأقبل على أصحابه وقال: علقوا ما يقول؛ فإن أهل البصرة أعرف بها.

وَأَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنَ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وكان مبلغ ارتفاع العراق في زمن عمر رضي الله عنه مئة ألف ألف وسبعة وثلاثين ألف ألف درهم، ثم تناقص إلى أن بلغ في أيام الحجاج ثمانية عشر ألف ألف درهم؛ لظلمه وغشمه، فلما ولي عمر بن عبد العزيز .. ارتفع بعدله وعمارته في السنة الأولى إلى ثلاثين ألف ألف درهم، وفي الثانية إلى ستين ألف ألف درهم، وقال: إن عشت .. لأردنه إلى ما كان في أيام عمر رضي الله عنه، فمات في تلك السنة. فائدة: (عبّادان): بقرب البصرة. و (حديثة الموصل) قيدت بذلك؛ لإخراج حديثة أخرى عند بغداد، سميت الموصل؛ لأن نوحًا ومن معه في السفينة لما نزلوا على الجودي .. أرادوا أن يعرفوا قدر الماء المتبقي على الأرض، فأخذوا حبلًا وجعلوا فيها حجرًا ثم دلوه في الماء، فلم يزالوا كذلك حتى بلغوا مدينة الموصل، فلما وصل الحجر .. سميت: الموصل. و (القادسية): بينها وبين الكوفة نحو مرحلتين، وبين بغداد نحو خمس مراحل، سميت بذلك؛ لأن قومًا من قادس نزلوها. ويقال: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم دعا لها بالقدس، وأن تكون محلة للحاج، حكاه الجوهري. و (حلوان) بضم الحاء: بلد معروف. و (البصرة) مثلثة الباء، حكاه الأزهري وغيره، أفصحها: الفتح، بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر سنة سبع عشرة، ويقال لها: قبة الإسلام وخزانة العرب، لم يعبد صنم قط بأرضها، وهي أقوام البلاد قبلة. قال: (وأن ما في السواد من الدور والمساكن يجوز بيعه والله أعلم)؛ لأن أحدًا لم يمنع من شرائها، ولأن وقفها يؤدي إلى خرابها.

وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا، فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يمنع كالمزارع، كذا أطلقه الرافعي والمصنف. والظاهر: أن موضع الخلاف في الأبنية التي كانت موجودة يوم ردها عمر إلى أهلها، فأما ما حدث بعد ذلك .. فيجوز بيعه بالاتفاق. واستثنى أبو الفرج الزاز في (تعليقه) الخانات ونحوها، فلا يجوز بيعها؛ لأن عمر وقفها كالأراضي، ويستثنى أيضًا: أبنية البصرة؛ فإنها وإن دخلت في حد السواد .. فيجوز بيعها بالاتفاق كما تباع أراضيها إلا الموضعان المستثنيان. وإذا أراد الإمام اليوم أن يقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله عنه .. جاز إذا استطاب قلوب الغانمين في النزول عنها بعوض أو دونه، فإن أبَوا أو بعضهم .. فلا، وهو أحق بها، ولا يجوز له رد شيء من النساء والصبيان إلى الكفار إلى باستطابة قلوبهم. قال: (وفتحت مكة صلحًا)؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} يعنى: أهل مكة، فدل على أنهم لم يقاتلوا، وقال: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ}، وصح: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من دخل المسجد .. فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان .. فهو آمن، ومن ألقى سلاحه .. فهو آمن، ومن أغلق بابه .. فهو آمن) رواه مسلم [1780]، واستثنى أناسًا أمر بقتلهم كما تقدم، فدل على عموم الأمان للباقي. وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ} فأضاف الدور إليهم وحقيقتها الملك. وقال أكثر أهل المغازي: إنها فتحت عَنوة، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال الماوردي: أسفلها دخله خالد عَنوة، وأعلاها دخله الزبير صلحًا، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من جهته، فصار حكم جهته الأغلب. قال: (فدُورها وأرضها المُحياة مِلك يباع)؛ لحديث أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله؛ أتنزل غدًا بدارك بمكة؟ فقال: (وهل ترك لنا عقيل من رباع) وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا علي؛ لأنهما كانا مسلمين،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وترجم عليه البخاري (باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها). وروى البيهقي [6/ 34]: أن عمر اشترى دار السجن بمكة من صفوان بن أمية بأربع مئة، وفي رواية: بأربعة آلاف. وباع حكيم بن حزام دار الندوة بمكة من معاوية بمئة ألف، رواه الزبير بن بكار. وحديث: (مكة لا تباع رباعها، ولا تؤجر دورها) ضعيف وإن رواه الحاكم [2/ 53]. تنبيهان: أحدهما: محل الخلاف بين العلماء في بيع نفس الأرض، أما البناء .. فهو مملوك يجوز بيعه بلا خلاف. الثاني: قال الروياني: يكره بيع دور مكة وإجارة رباعها، ونازعه المصنف في (شرح المهذب) في دعوى الكراهة، وقال: الأحسن أن يقال: إن ذلك خلاف الأولى؛ لأن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، ولم يثبت في هذا شيء. واعترض على المصنف بأنه صرح بكراهة بيع المصحف والشطرنج، ولم يثبت فيها نهي. تتمة: الصحيح: أن مصر فتحت عَنوة، وممن نص عليه مالك في (المدونة) وأبو عبيد والطحاوي وغيرهم، وأن عمر وضع على أراضيهم الخراج. وقيل: فتحت صلحًا ثم نكثوا، ففتحها عمر ثانيًا عَنوة. وفي (وصية الشافعي) في (الأم) ما يقتضي: أنها فتحت صلحًا؛ فإنه أوصى على أرض له بمصر، على أنه يحتمل أن تكون من الموات الذي أحيي، ولا منع فيه، أو من أرض اتصلت بالشافعي من غير بيت المال.

فَصْلٌ: يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ أَمَانُ حَرْبِيٍّ وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ فَقَطْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (تاريخ بغداد) للخطيب: كان الليث بن سعد اشترى شيئًا من أرض مصر، قال: وإنما استجاز ذلك؛ لأنه كان يحدِّث عن يزيد بن أبي حبيب: أنها فتحت صلحًا. والأكثرون على خلاف قولهما. وكان مالك وجماعة من أهل عصره ينكرون على الليث ذلك الفعل؛ لأنها عندها عَنوة. والليث ويزيد بن أبي حبيب مصريان، وهما أعرف بحال مصر من غيرهما. وأما الشام .. فنقل الرافعي عن الروياني: أن مدنها فتحت صلحًا وأرضها عَنوة، وقد أشكل حالها على من حضرها وعلى عمر بن الخطاب، فتورعوا وأعطوها حكم الصلح. وقال الجرجاني: لا خلاف أنه يجوز بيع أراضي الخراج بالشام؛ لأنها غير موقوفة، وإنما صالح الإمام أهلها على أن تكون الأرض لهم بخراج معلوم يؤدونه كل سنة. ورجح الشيخ: أن دمشق فتحت عَنوة. قال: (فصل: يصح من كل مسلم مكلف مختار أمان حربي وعدد محصور فقط). (الأمان) ضد الخوف والأصل فيه: قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} الآية، أي: استأمنك فأمنه، أو استعانك فأعنه. و (كَلامَ اللَّهِ) قيل: جميع القرآن، وقيل: سورة براءة. {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَامَنَهُ} أي: بعد انقضاء مدة الأمان. وفي (الصحيحين) [خ 3180 - م 1371] عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم –أي: عبيدهم- فمن أخفر مسلمًا –أي: نقض عهده- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الذمة) العهد والأمان والحرمة والحق، وسمي أهل الذمة بذلك؛ لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم. ومعنى: (يسعى بها أدناهم) إذا أعطى العبد الأمان .. جاز ذلك على جميع المسلمين؛ لأن عمر أجاز أمان عبد على جميع الجيش. وأمَّنت به أم هانئ بنت أبي طالب يوم الفتح رجلين من أحمائها؛ وهما: الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية، فقال صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا مَن أجرت، وأمَّنا مَن أمَّنت) رواه الترمذي [1579]. فيصح أمان الحر والعبد –وإن كان سيده كافرًا- والمرأة والخنثى والفقير والمحجور عليه لسفه والمريض والشيخ والهرم والفاسق. وفي وجه: لا؛ لأنه نوع ولاية، وليس هو من أهلها. وفي وجه ثالث: إن كان فسقه بسبب إعانته على المسلمين .. لم يصح أمانه، وإلا .. فيصح. وقال أبو حنيفة: لا يصح أمان العبد إلا إذا كان مأذونًا له في القتال. واحترز عن أضداد ما ذكر فلا يصح أمان كافر؛ لأنه متَّهم، ولا أمان الصبي وإن راهق، ولا المجنون؛ لأنه عقد فأشبه سائر العقود، لكن لا يقتل مَن أمَّناه إن جهل فساد أمانهما، بل يعرَّف أنه لا أمان له ليرجع، وكذا حكم أمان المكره. وأطلق (الحربي) ومراده: غير الطليعة والجاسوس ونحوه ممن لا يصح أمانه كما سيأتي. وشمل إطلاقه: مَن عيّن الإمام قتلّه وعدمَ المَنِّ عليه، فظفر به بعض الرعية وأمَّنه، والظاهر: النفوذ كما أفتى به الطوسي وغيره. ثم إنما يجوز من الآحاد لكافر أو كفار محصورين كعشرة ومئة، ولا يجوز لهم أمان ناحية وبلدة؛ لئلا يتعطل الجهاد. قال الإمام: ولو أمن مئة ألف منا مئة ألف .. فكل واحد لم يؤمن إلا واحدًا، لكن إذا ظهر الانسداد .. رد الجميع.

وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ فِي الأَصَحِّ، وَيَصِحُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وهو ظاهر إن أمنوهم دَفعة، فإن وقع مترتبًا .. فينبغي صحة الأول فالأول إلى ظهور الخلل، واختاره المصنع، وقال: إنه مراد الإمام، وسواء كان الكافر المؤمن في دار الحرب أو في حال القتال أو الهزيمة. قال: (ولا يصح أمان أسير لمن هو معهم في الأصح)؛ لأنه مقهور معهم، ولا يعرف وجه النظر والمصلحة، وهو غير آمن على نفسه، ولأن الأمان يقتضي أن يكون آمنًا، والأسير في أيديهم ليس بآمن. والثاني: يصح؛ لأنه مسلم مكلف مختار أمن أمانًا ليس فيه إضرار. والذي صححه الشيخان تبعا فيه صاحب (المهذب)، ونقله في (البيان) عن القفال. والمنصوص في (الأم) صحة أمان الأسير الموثق والمخلى، وجرى عليه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم. ثم محل الوجهين: إذا كان مختارًا، فإن أكره على عقده .. لم يصح قطعًا، وخصهما الإمام بما إذا أمن غير من أسره، فإن أمن من أسره .. فلا خلاف في عدم الصحة، وإطلاق المصنف شامل للأمرين. ومراده بقوله: (معهم) الذي هو في أيديهم بالحبس والقيد كما قال ابن الرفعة؛ ليخرج أسير الدار، وهو الذي أطلق من القيد والحبس وأمنوه على أن لا يخرج من دارهم وبقي عاجزًا عن الخروج؛ فيصح أمانه قطعًا، كما جزم به في (التنبية) وغيره ثم على القول بصحة الأمان مقتضى عبارته: أن يعتبر مطلقًا، وليس كذلك؛ فقد قال الماوردي: حيث قلنا بصحة أمانه، فإن أطلقه .. لم يكن آمنًا من المسلمين إلا في دار الحرب؛ لأن إطلاق العقد يتوجه إلى دار العقد لاختلاف الدارين. قال: (ويصح بكل لفظ يفيد مقصوده)، سواء كان صريحًا كأجرتك، أو أمنتك، أو أنت آمن، أوفي أماني، أولا بأس عليك، أو لا خوف عليك، وكذا

وَبِكِتَابَةٍ وَرِسَالَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تخف؛ لما روى الشافعي والبيهقي: أن الهرمزان لما حمله أبو موسى الأشعري إلى عمر .. قال له عمر: (تكلم لا بأس عليك) فتركه. واعترض بأن الهرمزان كان أسيرًا، والأسير لا يجوز أمانه. وأجيب بأن الآحاد هم الذين لا يؤمنون الأسير، أما الإمام .. فله الأمان كما له المن. ويصح بالكناية مع النية، كأنت على ما تحب، وكن كيف شئت. وكذا لو قال بالعجمية: مَتَرْس، كما قال في (المحرر)، وهي بفتح الميم والتاء وسكون الراء، ومعناه: لا تخف؛ لما روى ابن مسعود قال: (إن الله يعلم كل لسان، فمن أتى منكم أعجميًا فقال: مَتَرْس .. فقد أمنه) رواه البيهقي عن عمر بمعناه [9/ 96]. قال: (وبكتابة)؛ لما روى البيهقي [9/ 94] عن فضل بن زيد الرقاشي قال: جهز عمر جيشًا كنت فيهم فحصرنا قرية رام هرمز، فكتب عبد أمانًا في صحيفة وشدها في سهم رمى به إلى المشركين، فجاؤوا وقالوا: قد أمنتمونا، قالوا: لم نؤمنكم، إنما أمنكم عبد، فكتبوا بذلك إلى عمر، فكتب إليهم عمر: إن العبد من المسلمين، وذمته ذمتهم. وتصح بالإشارة، سواء كان قادرًا على العبارة أم لم يكن؛ لما روي عن عمر أنه قال: (والذي نفسي بيده؛ لو أن أحدكم أشار بيده إلى مشرك فنزل على ذلك ثم قتله .. لقتلته) كذا استدل به الرافعي، وهو غريب. وإهمال المصنف الإشارة في الإيجاب مع ذكره لهما في القبول يقتضي عدم الاكتفاء بها، وهو خلاف المذهب، وكأنه تبع (المحرر) في ذلك. قال: (ورسالة)؛ لأنها أقوى من الكتابة، سواء كان الرسول كافرًا أو مسلمًا؛ لأن بناء الباب على التوسعة في حقن الدم، ومقتضى هذا: جواز كون الرسول صبيًا، وينبغي تقييده بالموثوق بخبره.

وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْكَافِرِ بِالأَمَانِ، فَإِنْ رَدَّهُ .. بَطَلَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَقْبَلْ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط علم الكافر بالأمان) كسائر العقود، فلو قتله مسلم قبل علمه .. جاز وإن كان القاتل هو الذي أمنه، كذا صرح به الإمام وبعض المراوزة وتبعهم الشيخان، ولم يذكر الشافعي والعراقيون هذا الشرط وهو الصواب، بل إذا علم المسلم بالأمان حَرُم عليه قتله وإن لم يعلم الكافر، ويدل لذلك ما روى الشيخان عن أم هانئ أنها قالت: يا رسول الله؛ زعم علي أنه قاتلٌ رجلًا أَجرْته، فقال صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا مَن أجرت يا أم هانئ). قال: (فإن ردَّه .. بطل)؛ لأن ثابت بن قيس بن شماس أمَّن الزبير بن باطا يوم قريظة فلم يقبل فقتله، رواه ابن إسحاق كذلك، وهذا بخلاف ما تقدم عند قول المصنف: (ويحل قتل راهب وأجير وشيخ وأعمى)، فلينظر في ذلك. والزبير بفتح الزاي وكسر الباء كما تقدم، وباطا بموحدة بلا مد ولا همز، وهو والد عبد الرحمن بن الزبير، قتل الزبير بن باطا يوم بني قريظة، قتله الزبير بن العوام. قال: (وكذا إن لم يقبل) أي: ولم يرد (في الأصح) الأمانُ لا يصح من أحد الطرفين دون الآخر كغيره من العقود. والثاني: يكفي السكون؛ لأن مبنى الباب على التوسعة. وليست المسألة ذات وجهين كما اقتضته عبارة المصنف، إنما هو تردد للإمام، والترجيح بحث له. والمنقول عن (التهذيب) و (تعليق الشيخ إبراهيم والمَروروذي) وغيرهما: الاكتفاء بالسكون، وهو ظاهر نص (الأم)، ومقتضى كلام العراقيين وغيرهم. نعم؛ يشترط مع السكون ما يشعر بالرضا، وهو الكف عن القتال، كما صرح به الماوردي. ومحل الخلاف: إذا كان سكوته لا لغباوة ودهشة، فإن كان عن ذلك .. لم يبطل قطعًا، بل يعرَّف بذلك. فلو قال الكافر: قبلت أمانك فخذ حذرك مني .. فهو رد للأمان.

وَتَكْفِي إِشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ، وَيَجِبُ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَجُوزُ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً، وَلَا يَجُوزُ أَمَانٌ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ. وَلَيْسَ لِلإِمَامِ نَبْذُ الأَمَانِ إِنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتكفي إشارة مفهمة للقبول)، سواء أشار بها ناطق أو أخرس؛ لما تقدم عن عمر، والفرق بينها وبين الإشارة بالطلاق والرجعة وسائر العقود: أن المقصود حقن الدم، فكانت الإشارة شبهة. واحترز بـ (المفهمة) عن المجردة عن الإفهام؛ فلا يصح بها الأمان، ثم محل اعتبار القبول: إذا لم يسبق منه استيجاب، فإن تقدم .. كفى، ولا يحتاج بعده إلى قبول قطعًا. قال: (ويجب أن لا تزيد مدته على أربعة أشهر، وفي قول: يجوز ما لم تبلغ سنة)؛ لما سيأتي في الهدنة، ويؤخذ منه أنه لا يجوز التأييد من طريق أولى. ويجوز دون أربعة أشهر قطعًا، فلو زاد الجائز .. بطل الزائد، ولا يبطل في الباقي على الأصح تخريجًا على تفريق الصفقة. هذا فر الرجال، أما النساء .. فلا يحتاج فيهن لتقييد بمدة كما نص عليه في (الأم)؛ فإذا أقامت ببلاد الإسلام .. لم تمنع؛ لأن الأربعة أشهُر إنما هي للرجال، ومنعوا من السنة؛ لئلا تترك الحرب، والمرأة ليست من أهله. قال: (ولا يجوز أمان يضر المسلمين كجاسوس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). فلو أمنه .. لم ينفذ، قال الإمام: وينبغي أن لا يستحق تبليغ المأمن؛ لأن دخول مثله خيانة فينبغي أن يغتال، والطليعة كالجاسوس. و (الجاسوس) صاحب سر الشر، بخلاف الناموس؛ فإنه صاحب سر الخير، كما يقال: تجسس في الشر، وتحسس في الخير بالمهملة. قال: (وليس للإمام نبذ الأمان إن لم يخف خيانة)؛ لأنه لازم من جهة المسلمين، فإن خافها .. نبذه كالهدنة، وأولى، وهذا بخلاف عقد الجزية؛ فإنه لا يرفعه إلا إذا تحققنا الخيانة.

وَلَا يَدْخُلُ فِي الأَمَانِ مَالُهُ وَأَهْلُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْهُمَا فِي الأَصَحِّ إِلَّا بِشَرْطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المصنف تفهم اختصاص النبذ بالإمام، وليس كذلك، بل للمؤمن نبذه إذا ظهرت خيانته، كما قاله البغوي. قال: (ولا يدخل في الأمان ماله وأهله بدار الحرب)؛ لأن فائدة الأمان تحريم قتله واسترقاقه ومفاداته، لا أهله وماله، فيجوز اغتنام أمواله هناك وسبي أولاده المخلفين، وزعم في (البسيط) أنه لا خلاف فيه. قال: (وكذا ما معه منهما في الأصح إلا بشرط)؛ لقصور اللفظ عن العموم. والثاني: يدخل ما معه منهما؛ لاحتياجه إلى ذلك. نعم؛ يدخل ثيابه التي لا يستغني عنها، وما يستعمله من الآلة التي لابد له منها، وما ينفقه في مدة أمانه؛ لضرورته إلى ذلك. فلو أمنه على نفسه وماله، فإن كان ماله حاضرًا .. صح، وإن كان غائبًا .. لم يصح إلا من الإمام أو من قام مقامه. وإفصاح المصنف بـ (التصحيح) لم يتبع فيه (المحرر)، فإنه قال: رجح منهما المنع، وكذلك عبر في (الشرح الصغير)، ولم ينقل الترجيح في (الكبير) إلا عن الإمام. ووقع في المسألة اختلاف ترجيح للرافعي والمصنف، والمنصوص في (الأم) في (سير الواقدي) الدخول من غير شرط، وعليه جرى العراقيون. والمراد بـ (ما معه) في دار الإسلام وإن لم يكن في حوزته. والمراد بـ (الأولاد) صغار ولده، وأما زوجته .. فلا تدخل إلا إذا صرح بها. وكلام المصنف وغيره يقتضي: أن الذي معه لغيره لا يدخل قطعًا، وليس كذلك؛ فقد نص في (الأم) على التسوية بين ما معه من ماله ومال غيره. وإذا صح الأمان .. عصم من القتل والسبي، فلو قتل .. قال الإمام: الوجه عندنا: أنه يضمن بما يضمن به الذمي.

وَالْمُسْلِمُ بِدَارِ الْكُفْرِ إِنْ أَمْكَنَهُ إِظْهَارُ دِينِهِ .. اسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ، وَإِلَّا .. وَجَبَتْ إِنْ أَطَاقَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والمسلم بدار الكفر إن أمكنه إظهار دينه)؛ لكونه ذا عشيرة يحمونه ولم يخف فتنة في دينه) .. استحب له الهجرة)؛ لئلا يكثر سوادهم أو يميل إليهم أو يكيدوا له، وإنما لم تجب؛ لقدرته على إظهار دينه، ولهذا بعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان يوم الحديبية إلى مكة؛ لقوة عشيرته، ولأن الله تعالى لما أوجبها على المستضعفين .. دل على أنها لا تجب على غيرهم. وفي وجه: تحرم الإقامة؛ لعموم ما سيأتي من الأحاديث، ولأنه بينهم ذليل وإن كفوا عنه، ولا يأمن أذاهم. وقال الماوردي: إن رجا ظهور الإسلام هناك بمُقامه .. فهو أفضل، وإن قدر على الامتناع والاعتزال .. وجب أن يقيم؛ لأن موضعه دار إسلام، فيحرم أن يصيرها باعتزاله عنها دار حرب. فإن تساوى حاله في المُقام والهجرة .. تخيَّر بينهما. ولا فرق في وجوب الهجرة بين الرجل والمرأة وإن لم تجد محرمًا، ولم يقيدوه بحالة الأمن، والظاهر: أنه مقيد بها. قال: (وإلا .. وجبت إن أطاقها)، وتحرم عليه الإقامة؛، مع قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) روا أبو داوود [2471] والنسائي [سك 8658]. وفي (سنن أبي داوود) [2638] و (الترمذي [1604]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين). وأما حديث ابن عباس في (الصحيحين) [خ 1834 - م 1353]: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية) ففي معناه قولان: أحدهما: لا هجرة كاملةُ الفضلِ كالتي قبل الفتح. والثاني: لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام.

وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ عَلَى هَرَبٍ .. لَزِمَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسميت هجرة؛ لأنهم هجروا ديارهم فرارًا بدينهم، وقيل في حقهم: {لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} تنبيهان: أحدهما: يستثنى من الوجوب: من في إقامته مصلحة للمسلمين؛ فقد حكى ابن عبد البر وغيره: أن إسلام العباس كان قبل بدر وكان يكتمه ويكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار المشركين، وكان المسلمون يتقوون به، وكان يحب القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إليه: أن مُقامك بمكة خير، ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة. الثاني: لا تختص الهجرة بدار الكفر، بل كل من أظهر حقًّا ببلد من بلاد الإسلام ولم يقبل منه ولم يقدر على إظهاره .. لزمته الهجرة منه، قال صاحب (المعتمد) والبغوي في (تفسير سورة العنكبوت)، ويدل لذلك قوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. وقال الزمخشري: إن كان الرجل ببلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه لبعض الأسباب والعوائق، أو علم انه في غير بلده أقوم بحق الله وأدوم على العبادة .. حقت عليه المهاجرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شبرًا من الأرض .. استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام). قال: (ولو قدر أسير على هرب .. لزمه)؛ إقامة لدينه، سواء كان في حبس أو قيد. وحكى الإمام وجهًا: أنه لا يجب إذا أمكنه إقامة شعار دينه، قال: والأصح: المنع؛ فإن المسلم بين الكفار مقهور مهان.

وَلَوْ أَطْلَقُوهُ بِلَا شَرْطٍ .. فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ .. حَرُمَ، فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ .. فَلْيَدْفَعْهُمْ وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ، وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ .. لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أطلقوه بلا شرط .. فله اغتيالهم) أي: قتلًا وسبيًا وأخذ مال؛ لأنهم لم يستأمنوه. وقتل الغيلة: أن يخدعه فيذهب به إلى موضع، فإذا صار إليه .. قتله. قال: (أو على أنهم في أمانه .. حرم)؛ عملًا بما التزمه، وكذا لو أطلقوه على أنه في أمان منهم على الًاصح المنصوص؛ لأنهم إذا أمنوه .. وجب أن يكونوا في أمان منه. وقيل: له اغتيالهم. قال: (فإن تبعه قوم .. فليدفعهم ولو بقتلهم) كالصائل، ويكون الدفع واجبًا. قال: (ولو شرطوا أن لا يخرج من دارهم .. لم يجز الوفاء)، بل يجب عليه الخروج ويحرم الوفاء بالشرط؛ لأن في ذلك ترك إقامة الدين. هذا إذا لم يمكنه إظهار دينه، فإن أمكنه .. لم يحرم الوفاء؛ لأن الهجرة حينئذ مستحبة لا واجبة، فتستثنى هذه الصورة من إطلاق المصنف. فإن حلفوه: أن لا يخرج، فحلف مكرهًا .. خرج ولا كفارة عليه؛ لأنه لم تنعقد يمينه، ولا طلاق عليه إن حلفوه بالطلاق. وإن حلف بغير إكراه ابتداء بلا تحليف ليثقوا به ولا يتهموه بالخروج .. نظر: إن حلف بعد ما أطلقوه .. لزمته الكفارة بالخروج، وإن حلف وهو محبوس: أن لا يخرج إذا أطلق .. فالأصح: أنه ليس بيمين إكراه. قال البغوي: ولو قالوا: لا نطلقك حتى تحلف: أنك لا تخرج، فحلف، فأطلقوه .. لم تلزمه كفارة بالخروج، ولو حلف بالطلاق .. لم يقع، كما لو أخذ اللصوص رجلًا وقالوا: لا نتركك حتى تحلف بالطلاق: أنك لا تخبر بمكاننا، فحلف، ثم أخبر بمكانهم .. لا تلزمه الكفارة؛ لأنه يمين إكراه.

وَلَوْ عَاقَدَ الإِمَامُ عِلْجًا يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ .. جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الرافعي: وليكن هذا تفريعًا على أن التخويف بالحبس إكراه. قال المصنف: قلت: ليس هو كالتخويف بالحبس؛ فإنه هناك تلزمه الهجرة والتوصل إليها بما أمكنه، ثم على الأحوال لا يغتالهم؛ لأنهم أمنوه. قال: (ولو عاقد الإمام عِلْجًا) وهو الكافر الغليظ الشديد، يقال: استعلج خلقه، أي: غلظ، سمي بذلك؛ لدفعه عن نفسه، ومنه العلاج؛ لدفعه الداء، وجمعه: عُلوج وأَعلاج ومَعْلوجاء، وفي الحديث: (الدعاء والبلاء يتعالجان إلى يوم القيامة) أي: يتصارعان، رواه البزار والحاكم [1/ 492] من حديث عائشة. قال: (يدل على قلعة) أي مسماة معينة خفي طريقها، أو ليدلهم على طريق إليها خال من الكفار أو سهل أو كثير الماء والكلأ. و (القلعة) –في (الصحاح) بسكون اللام، وفي (المحكم) بفتحها-: الحصن المنيع في جبل، وجمعها: قِلاع وقِلَع. قال: (وله منها جارية .. جاز) وهي جعالة بجُعل مجهول غير مملوك، احتملت؛ للحاجة، كالعقد على المنافع قبل أن تخلق يجوز وإن كان في غرر؛ للحاجة، وسواء كانت الجارية معينة أو مبهمة، وفي المبهمة وجه. وسواء كانت المعينة حرة أو أمة؛ لأن الحرة ترق بالأسر، ويجب كون الجُعل منها، فلو قال: أعطيك جارية مما عندي أو من مالي .. لم يصح؛ لكون مجهولًا كسائر الجُعالات. وفي (سنن البيهقي) –بإسناد على شرط الصحيح- عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب، وإنكم ستفتحونها) فقام رجل فقال: يا رسول الله؛ هب لي ابنة بقيلة، قال: (هي لك)، فأعطوه إياها لمّا فتحت، فجاء أبوها فقال: أتبيعنيها؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: احكم بما شئت، قال: ألف درهم، قال: قد أخذتها، قالوا له: لو قلت: ثلاثين ألفًا .. لأخذتها، قال: وهل عدد أكثر من الألف؟! وبقيلة المذكور جاهلي قديم من المعمَّرين، عاش ثلاث مئة وخمسين سنة، أدرك

فَإِنْ فُتِحَتْ بِدِلَالَتِهِ .. أُعْطِيَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام ولم يسلم، وعاش إلى أن غزا خالد الحيرة في خلافة الصديق رضي الله عنه، واسمه: عبد المسيح. والرجل الذي قال: (وهل عدد أكثر من الألف) خريم بن أوس الطائي. وابنة بقيلة اسمها: الشيماء. فرع: لا تجوز هذه المعاقدة مع مسلم في الأصح عند الإمام، وتبعه (الحاوي الصغير). والذي أورده العراقيون الجواز، وقال في (البحر) إنه المشهور، وهو مقتضى كلام الرافعي في (الغنائم). قال في (الروضة) (ولأن المسلم قد يكون أعرف وهو أنصح) اهـ، أراد: أنصح من النصح، فالتبس على شيخنا في (التنقيح) (أنصح) بـ (أصح)، فعزا الصحة إلى الرافعي، وهو وهم. قال: (فإن فتحت بدلالته .. أعطيها)، ولا يكون لغيره فيها حق، سواء فتحت عَنوة أو صلحًا؛ لأنه استحقها بالشرط, وشملت عبارته: ما إذا لم يوجد فيها إلا تلك الجارية، وهو الأصح؛ وفاء بالشرط. وقيل: لا تعطى له؛ لأنه تنفيل، ولا يجوز للإمام أن ينفل جميع الغنيمة. هذا إذا فتحها من شارطه، فإن فتحها طائفة أخرى بالطريق التي دلنا عليها .. فلا شيء له [عليهم]؛ لأنه لم يجر معهم شرط، وهذا يرد على إطلاق المصنف. وكلامه يفهم: أنه يعطى متى فتحت بدلالته في تلك المرة أو غيرها، وفي الثانية وجهان.

أَوْ بِغَيْرِهَا .. فَلَا فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ .. فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُعَلِّقِ الْجُعْلَ بِالْفَتْحِ .. فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ .. فَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ بَعْدَ الظَّفَرِ قَبْلَ التَسْلِيمِ .. وَجَبَ بَدَلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في (الروضة) إن تركناها ثم عدنا ففتحناها بدلالته .. فله الجارية على الصحيح، فإن فتحناها بطريق آخر .. فلا شيء له على الصحيح. قال: (أو بغيرها .. فلا في الأصح) صورة المسألة: أن يدل العلج على قلعة فيتجاوزها الإمام ثم يعود إليها بعد الانصراف عنها ويفتحها عَنوة .. ففي استحقاق الدليل الجاريةَ وجهان: أصحهما: لا يستحق؛ لأنها لم تفتح بدلالته. والثاني: يستحق؛ لأن الوصول إلى فتحها بدلالته. فلو فتحها طائفة أخرى بدلالته .. فلا شيء عليهم؛ لعدم الشرط معهم. ثم إذا فتحت بدلالته ولم يوجد في القلعة سواها .. سلمت إليه، ولا حق فيها لغيره إن كانت مبهمة، وكذا إن كانت معينة على الصحيح؛ وفاء بالشرط، وفي وجه: لا تسلم إليه؛ لأن تنفيل كل الغنيمة ممتنع كما تقدم. قال: (وإن لم تفتح .. فلا شيء له)؛ لأن تسليمها لا يمكن إلا بالفتح. أما إذا أمكننا الفتح فلم نقاتل .. ففي استحقاقه شيئًا تردد للإمام. قال: (وقيل: إن لم يعلِّقِ الجُعلَ بالفتحِ .. فله أجره المثل)؛ لوجود الدلالة. وفي (الحاوي) يستحب أن يضرخ له. قال: (فإن لم تكن فيها جارية أو ماتت قبل العقد .. فلا شيء له)؛ لفقد المشروط فيها. قال: (أو بعد الظَّفَر قبل التسليم .. وجب بدل)؛ لأنها حصلت في يد الإمام وحوزه، فكان التلف من ضمانه. وقيل: لا يجب؛ لأن الجارية ليست من حقائق الأعراض، وإنما جرى وعد يفي به عند الإمكان.

أَوْ قَبْلَ ظَفَرٍ .. فَلَا فِي الأَظْهَرِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ بَدَلٍ، وَهُوَ أُجْرَةُ مِثْلٍ، وَقِيلَ: قِيمَتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الروضة) وبدل الجارية حيث حكمنا به، هو أجرة المثل إن قلنا بضمان العقد، وقيمتها إن قلنا بضمان اليد، هكذا قال الإمام، ولكن الأظهر من قولي الصداق: وجوب مهر المثل، والموجود لجمهور الأصحاب هنا: قيمة الجارية. قال: (أو قبل ظفر .. فلا في الأظهر)؛ لعدم القدرة عليها، فأشبه ما إذا لم تكن. والثاني: نعم؛ لأن العقد تعلق بها وهي حاصلة، ثم تعذر التسليم وصار كما إذا قال: من رد عبدي فله هذه الجارية، فرده وقد ماتت الجارية .. يلزمه بدلها. قال: (وإن أسلمت .. فالمذهب: وجوب بدل)؛ لأن إسلامها يمنع استرقاقها، فيعطى قيمتها من بيت المال، كما لو فسخ البائع بعيب في الثمن وقد أعتق المشتري المبيع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عاقد أهل مكة على أن يرد إليهم من جاء من المسلمات، فنسخ الله تعالى ذلك وأمر برد مهورهن. والطريقة الثانية: القطع بالوجوب، وهو فيمن أسلمت بعد الظفر أظهر منه فيمن أسلمت قبله. قال: (وهو أجره مثل، وقيل: قيمتها) هذا الخلاف حكاه في (المحرر) فيما إذا ماتت كما سبق، ولم يتعرض له في صورة الإسلام، وكذا فعل في (الشرحين) و (الروضة). والموجود لعامة الصحاب: وجوب القيمة لا جَرَم، جزم به صاحب (الحاوي الصغير)، وصححه في (التنجيز)، ونقله في (المهمات) عن النص، فهو المفتى به، عكس ما في (المنهاج). ومحل الخلاف: إذا كانت معينة، فإن كانت مبهمة ومات كل من فيها وأوجبنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البدل .. فتجب أجرة المثل قطعًا؛ لتعذر تقويم المجهول، كذا قاله الرافعي، وهو حسن. تتمة: قال: من دلني على القلعة .. فله كذا، وهي بقربه، فقال شخص: ها هي ذه .. ففي استحقاقه الجُعل وجهان: قال ابن كَج: المذهب: الاستحقاق، كما لو رد عبده من البلد التي هو فيها. ولو شرط الإمام: أن من قتل فرسه في المعركة كان له مثلها أو ثمنها .. جاز، ويلزم الوفاء من خمس الخمس، ويجوز المثل وإن لم يكن للدابة مثل؛ للمصلحة، قاله الروياني. ... خاتمة حاصرنا قلعة فصالح زعيمها على أمان مئة شخص منهم .. صح؛ للحاجة، ويعيّن الزعيم مئة، فإن عدد مئة وأغفل نفسه .. جاز قتله. واستدل له الرافعي وغيره بأن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه حاصر مدينة السوس وهو في الأهواز، فصالحه دهقانها على أن يفتح له المدينة ويؤمن مئة رجل من أهلها، فقال أبو موسى: (اللهم؛ أنسه نفسه)، فلما عزلهم قال له أبو موسى: (أفرغت؟) قال: نعم، فأمنهم وأمر بقتل الدهقان، فقال: أتغدرني وقد أمنتني؟! قال: (أمنت العدة التي سميت، ولم تسم نفسك)، فنادى بالويل وبذل مالًا فلم يقبله منه وقتله. ***

كِتَابُ الجِزْيَةِ

كتاب الجزية

كِتَابُ الْجِزْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الجزية لما فرغ من قتال المشركين عقبه بالجزية؛ لأن الله تعالى غيَّا القتال بها. وسميت جزية؛ لأنها جزت عن القتل، أي: كفَّت عنه، ولفظها مأجوذ من المجازاة؛ لكفنا عنهم، وجمعها: جِزى، كقربه وقرب. وهي المال المأخوذ من الكفار في كل سنة بالتراضي؛ لإسكاننا إياهم في دارنا، أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم، أو لكفنا عن قتالهم على اختلاف في ذلك، وليست مأخوذة في مقابلة الكفر ولا التقرير عليه، بل هي نوع إذلال لهم، ولعل الله تعالى أن يخرج منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر. والذي يفيد الكافر الأمن ثلاثة: الأمان الذي يصح من آحاد الناس، وقد تقدم. وعقد الجزية، وهو أمان بمال لا إلى غاية معينة. وعقد الهدنة، وهو أمان بلا مال إلى غاية معينة، وهذان مخصوصان بالإمام. والأصل في الباب قبل الإجماع: قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، دلت على ثلاثة أحكام: وجوب جهادهم، وجواز قتلهم، وحقن دمائهم بأخذ الجزية. وفي (صحيح البخاري) [3157]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من محبوس هَجَر)، وهذه هجر البحرين من اليمن، وهو مذكر مصروف. وأما هجر التي تنسب إليها القلال الهجرية .. فهي قرية من قرى المدينة.

صُورَةُ عَقْدِهَا: أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الإِسْلَامِ أَوْ أَذِنْتُ فِي إِقَامَتِكُمْ بِهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الإِسْلَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أبو داوود [3036] والبيهقي [9/ 202]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من أهل نجرن، ومن أهل أيلة). وانعقد الإجماع على أخذها منهم. والمعنى فيه: أن الصغار والذل يحملهم على الإسلام مع مخالطة المسلمين الداعية لهم إلى معرفة محاسن الإسلام، ولأن في أخذها معزة لنا وإهانة لهم، وربما يحملهم ذلك على الإسلام. قال: صورة عقدها: أقركم بدار الإسلام أو أذنت في إقامتكم بها على أن تبذلوا جزية وتنقادوا لحكم الإسلام) أي: فيما سوى العبادات، قال الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} أي: بالتزام أحْكام الإسلام كما فسره الشافعي في (الأم)؛ لأن الحكم على الشخص بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله عد صغارًا، قال ابن سيده: الصاغر: الراضي بالذل. وأطبق الأصحاب على اعتبار هذين الشرطين، واستشكل القاضي حسين اشتراط الانقياد إلى جريان الأحكام وهي من مقتضيات العقد، والتصريح بمقتضى العقد لا يشترط في صحته، وأقيم هذا وجهًا، وهو شاذ مذهبًا، متَّجه تعليلًا. واشترط الماوردي ثالثًا: وهو أن لا يجتمعوا على قتال المسلمين ليكونوا آمنين منهم كما أمنوهم، ونقله الإمام عن الأئمة، ويأتي فيه إشكال القاضي حسين. ولا يخفى أن المراد بـ (دار الإسلام) غير الحجاز كما سيأتي. والمراد بـ (أحكام الإسلام) حقوق الآدميين في المعاملات وغرامة المتلفات؛ لتخرج بذلك العبادات. ونقل الإمام عن العراقيين: أن المراد: أنهم إذا فعلوا ما يعتقدون تحريمه يجري عليهم حكم الله فيه، ولا يعتبر فيه رضاهم كالزنا والسرقة، وأما ما يستحلونه كحد الخمر .. فلا يقام عليهم في الأصح وإن رضوا بحكمنا. وإذا نكح مجوسي محرمًا .. لم نتعرض له.

وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا، لَا كَفُّ اللِّسَانِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: اشتراط ذكر قدرها) كالثمن والأجرة. والثاني: لا ويحمل على الأقل عند الإطلاق، والخلاف ضعيف، فكان ينبغي أن يعبر بالصحيح. قال: (لا كف اللسان عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه)؛ لأنه داخل في شرط الانقياد. والثاني –وهو قول أبي إسحاق-: يشترط إذ به تحصل المسالمة وترك التعرض من الجانبين. وقيل: يشترط عدم الزنا بمسلمة وإصابتهم باسم النكاح وإفتان المسلمين عن دينهم وقطع الطريق عليهم والدلالة على عوراتهم. قال: (ولا يصح العقد مؤقتًا على المذهب)، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه بدل عن الإسلام والإسلام لا يؤقت. وقيل: قولان: أحدهما: يصح كالأمان. وشرط المؤقت أن يكون معلومًا، فلو قال الإمام: أقركم ما شئت أنا .. فقولان مرتبان، وأولى بالجواز؛ لما روى مالك [2/ 703] مرسلًا، والبخاري [2730] متصلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أقركم ما أقركم الله) إلا أن ذلك كان في انتظار الوحي ولا يتصور الآن. فلو قال: أقركم ما شئتم .. جاز؛ لأن لهم نبذ العهد متى شاؤوا فليس فيه إلا التصريح بمقتضاه، لكن قالوا في نظيره من الهدنة: لا يصح؛ لأنه يجعل الكفار محكمين في المسلمين. قال: (ويشترط لفظ قبول)، كقبلت أو رضيت بذلك كغيره من العقود، فلو قال: قررني بكذا، فأجابه .. تم العقد. واشتراط المصنف القبول اللفظي محله في الناطق، أما الأخرس .. فتكفي فيه

وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ فَقَالَ: دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ رَسُولًا، أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ .. صُدِّقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإشارة؛ لأنها بمنزلة نطقه، وسكتوا عن شرط اتصاله بالإيجاب، وقياس كونه عقدًا: اشتراط الفورية. قال: (ولو وُجد كافر بدارنا فقال: دخلت لسماع كلام الله تعالى، أو رسولًا، أو بأمان مسلم .. صُدق)؛ لأن قصد ذلك يؤمنه. والغالب: أن الحربي لا يدخل بلاد المسلمين إلا بأمان، ثم الداخل لسماع كلام الله تعالى لا نمكنه من المُقام فوق أربعة أشهر، وفيما دون ذلك إلى المدة التي يتبين لمثله فيها حجج الإسلام ومحاسنه وجهان: أحدهما: لا يترك أكثر منها. والثاني: يترك أربعة أشهر, وقوله: (أو رسولًا) أي: أنه دخل رسولًا وإن لم يكن معه كتاب، وفيه احتمال للإمام، والمنصوص: أنه إن اتهم حلف. وقال الماوردي والروياني: ما اشتهر من أن الرسول لا يقتل محله في رسالة فيها مصلحة للمسلمين من هدنة وغيرها، فإن كان في وعيد وتهديد .. فلا، ويتخير فيه بين الخصال الأربع كالأسير. ورد المصنف ذلك وصوب أمانة مطلقًا؛ لما روى أحمد [1/ 390] والحاكم [3/ 52] –وقال: صحيح الإسناد- عن ابن مسعود: أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم رسولين لمسيلمة، فقال لهما: (أتشهدوا أني رسول الله؟) قالا: أتشهد أن مسيلمة رسول الله؟ فقال: (لو كنت قاتلًا رسولًا .. لضربت أعناقكما) فجرت السنة بأن لا تقتل الرسل. والرجلان: ابن النواحة، وابن أثال. ولم يقتل للنبي صلى الله عليه وسلم سوى رسولين: حبيب بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني بعثه إلى مسيلمة فقتله، والحارث بن عمير الأزدي أحد بني لهب

وَفِي دَعْوَى الأَمَانِ وَجْهٌ، وَيُشْتَرَطْ لِعَقْدِهَا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أرسله بكتابه إلى ملك بصرى فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فضرب عنقه صبرًا. فعند ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف مقاتل إلى مؤتة في جمادى سنة ثمان من الهجرة. قال: (وفي دعوى الأمان وجه) أنه لا يصدق؛ لإمكان إقامة البينة عليه؛ لأنه يدعي خلاف الظاهر. فرع: دخل حربي دار الإسلام وأقام مدة ثم عرفنا به .. لا نأخذ منه شيئًا؛ لما مضى من الزمان على الأصح، وأفتى البغوي بأنه تؤخذ منه جزية ما مضى، كمن سكن دارًا غصبًا عليه الأجرة. وعلى الوجهين: لنا قتله واسترقاقه وغنم ماله ويكون فيئًا، فإن بذل الجزية وهو من أهلها .. وجب قبولها منه، إلا أن يكون جاسوسًا، ولا يمتنع ببذلها رقة على الصحيح، وسيأتي هذا في الخنثى إذا بانت ذكورته. قال: (ويشترط لعقدها الإمام أو نائبه)؛ لأنها من المصالح العظام فاختصت بمن له النظر العام. وقيل: يصح من الآحاد كالأمان، وهو شاذ متروك، فلو عقدها أحدهم بغير إذن الإمام .. فلا يغتال المعقود له، بل يلحق بمأمنه. فلو أقام سنة أو أكثر .. فقيل: يؤخذ منه لكل سنة دينار، والأصح: لا؛ لأن القبول ممن لا يملك الإيجاب لغوٌ. فرع: يكتب الإمام بعد عقد الذمة أسماءهم وأديانهم وحلاهم، فيتعرض لسنه أهو شيخ أم شاب، وللونه من شقرة أو سمرة وغيرها، ويصف وجهه ولحيته وجبهته وحاجبيه

وَعَلَيْهِ الإِجَابَةُ إِذَا طَلَبُوا، إِلَّا جَاسُوسًا يَخَافُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعينيه وشفتيه وأسنانه وآثار وجهه إن كانت، ويجعل على كل طائفة عريفًا يضبطهم، ويشترط إسلامه ليعتمد خبره بمن مات منهم أو أسلم، ومن قدم عليهم ومن بلغ، وليحضرهم لأداء الجزية وللشكوى لمن يستعدي عليهم من المسلمين ومن يتعدى منهم، قال الرافعي: ويجوز في هذا أن يكون ذميًا. قال: (وعليه الإجابة إذا طلبوا)؛ لما روى مسلم [1731] عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية .. أوصاه إلى أن قال: (فإن هم أبوا .. فسلهم الجزية، فإن هم أجابوا .. فاقبل منهم وكف عنهم). وفي قول شاذ: إنها لا تجب إلا إذا رأى فيه مصلحة كالهدنة. والضمير في (وعليه) عائد على العاقد الإمام أو نائبه، وإنما أفرده؛ لأن العطف بـ (أو) يجب بعده ذلك. ومحل الوجوب: قبل الأسر؛ فإن الأسير إذا طلب عقد الجزية لا يجب تقريره على الأصح كلما اقتضاه كلام (الروضة). قال: (إلا جاسوسًا يخافه)؛ فإنه لا يجب عليه إجابته للضرر الذي يخشى منه، بل لا يقبل الجزية منه، وكذا لو كان يخاف غائلتهم ويرى أن ذلك مكيدة منهم .. فلا يجيبهم. والجاسوس تقدم في الفصل الذي قبل هذا الباب. وإذا عقد الذمة مع اختلال شرط .. لم يلزم الوفاء، ولا يجب المسمى، ويبلغوا المأمن. قاعدة: كل عقد فسد يسقط فيه المسمى إلا مسألة واحدة، وهي ما إذا عقد الذمة معهم على السكنى في أرض الحجاز؛ فإنهم إذا سكنوه ومضت المدة .. وجب المسمى؛ لأنه استوفى العوض، وليس لمثله أجرة فيرجع إلى المسمى.

وَلَا تُعْقَدُ إِلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تعقد إلا لليهود والنصارى) من العرب والعجم؛ لقوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}. وأخذها النبي صلى الله عليه وسلم من أكيدر دومة وكان من غسان أو من كندة، وأخذها من أهل اليمن وأكثرهم عرب. قال: (والمجوس)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هَجَر كما تقدم، وقال: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) رواه البخاري [3157]. وأخذها منهم أبو بكر وعمر وعثمان. قال: (وأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ) ولو بعد التبديل مطلقًا من غير خلاف ولا تفصيل؛ تغليبًا لحقن الدم، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم كما تقدم؛ لأن الأصل في الميتات والأبعاض التحريم. وخرج بقوله: (قبل النسخ) ما إذا كان ذلك بعد بعثة نبينا وعيسى صلى الله عليهما وسلم؛ فإنها لا تعقد لهم؛ لأنهم تمسكوا بدين سقطت حرمته. وقال المزني: يقرون، وقد تقدم في (النكاح) أن نسخ النصرانية ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واليهودية ببعثة عيسى عليه السلام، وقيل: ببعثة نبينا صلى الله وسلم. قال: (أو شككنا في وقته) فلم نعرف أدخلوا فيه قبل النسخ أم بعده، أو دخلوا فيه قبل التبديل أو بعده، فيجوز تقريرهم بالجزية؛ تغليبًا للحقن كالمجوس، وبذلك حكمت الصحابة رضي الله عنهم في نصارى العرب، وهم: بهراء، وتنوخ، وبنو تغلب، وفي (النكاح) و (الذبيحة) غلبوا التحريم في مثلهم؛ أخذًا بالأحوط في البابين.

وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُودَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشافعي: والذي يروى من حديث ابن عباس من إحلال ذبائحهم، إنما هو من حديث عكرمة. أشار إلى أنه يتوقف في الاحتجاج به، والأكثرون وثقوه، ويكفي إخراج البخاري له، وهو عكرمة مولى ابن عباس، وليس هو عكرمة بن خالد الثقة، ولا عكرمة بن خالد الضعيف. وفهم من إطلاق المصنف: أن يهود خيبر كغيرهم، وهو كذلك. وانفراد ابن أبي هريرة بإسقاط الجزية عنهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقاهم وجعلهم بذلك خولًا، أي: عبيدًا. وسئل ابن سريج عما يدعونه من أن علي بن أبي طالب كتب لهم كتابًا بإسقاطهم؟ فقل: لم ينقل أحد من المسلمين ذلك. قال ابن الصباغ: وقد أظهروا في زماننا كتابًا ذكروا أنه بخط علي بن أبي طالب، وبان كذبهم فيه؛ فإن شهادة سعد بن معاذ ومعاوية، وتاريخه بعد موت سعد وقبل إسلام معاوية؛ لأن سعدًا توفي يوم الخندق، ومعاوية أسلم يوم الفتح. وأما الصابئة والسامرة .. فحكمهم كما سبق في (النكاح) إن خالفا الأصول .. لم يصح، وإلا .. صح. وقطع الإصطخري بأن الصابئة لا يقرون ولا تحل ذبائحهم ولا نساؤهم؛ فإنهم يقولون: إن الفلك حي ناطق، وإن الكواكب السبعة آلهة. وأما من ليس له كتاب ولا شبهة كتاب كعبدة الأوثان والشمس والملائكة ومن في معناهم .. فلا يقرون بالجزية، سواء فيهم العربي والعجمي. وعند أبي حنيفة: تؤخذ الجزية من العجم منهم. وعند مالك: تؤخذ من جميع المشركين إلا مشركي قريش. قال: (وكذا زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داوود عليهما السلام)، وكذا صحف شيث، وهو ابن آدم لصلبه؛ لأن الله تعالى أنزل عليهم صحفًا، فقال: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، وقال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِالْأَوَّلِينَ}.

وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي تقرير هؤلاء بالجزية وجهان: أحدهما: لا يقرون، إما لأنها ليست كتبًا منزلة تتلى، أو لأنها مواعظ لا أحكام فيها. والأصح –كما قال المصنف-: يقرون؛ لإطلاق قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، ولأن المجوس يقرون لشبهة كتاب، فهؤلاء أولى. وداوود عليه السلام: هو أبو سليمان داوود بن إيشا –بهمزة مكسورة ثم مثناة من تحت ساكنة ثم شين مجمعة –من ذرية يهود بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. قيل: أنزل الله الزبور عليه في ست ليال، وعاش مئة سنة، مدة ملكه منها أربعون. ولما مات شهد جنازته أربعون ألف راهب سوى غيرهم من الناس، وفي (الصحيحين) [خ 1975 - م 1159/ 182]: (أن داوود كان أعبد الناس)، وفي (الترمذي) (أعبد البشر). وكان عليه السلام أحمر الوجه، أبيض الجسم، طويل اللحية فيها جعودة، حسن الصوت والخلق، طاهر القلب صلى الله عليه وسلم. قال: (ومَن أحد أبويه كتابي والآخر وثني على المذهب)، سواء كان الكتابي الأب أو الأم؛ تغليبًا لحقن الدم، وفي الذبيحة والمناكحة غلبنا التحريم احتياطًا. وقيل: فيه قولان، وقيل: لا يقرون، وقيل: يلحق بالأب، وقيل: بالأم. ومحل الخلاف: إذا بلغ ودانَ ابنُ الوثني من كتابية بدين أمه، فإن دان بدين أبيه .. لم يقر قولًا واحدًا. ولو أحاط الإمام بقوم فزعموا: أنهم أهل كتاب، أو أن آباءهم تمسكوا بذلك

وَلَا جِزْيَةَ عَلَي إمْرَأَةٍ وَخنْثَى، وَمَنْ فِيهِ رِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدين قبل التبديل ..... فإنه يقرهم بالجزية؛ لأن ذلك لايعرف إلا من جهتهم قال: (ولا جزية على إمرأة)، لما وي البيهقي [5/ 195] بإسناد صحيح عن عمر: أنه كتب إلى أمراء الأجناد: أن لا تأخذوا الجزية من النساء والصبيان. وحكي إبن المنذر فيه الإجماع، وخالف إبن حزم فأوجبها علي النساء والصبيان والعبيد ولو جاءتنا إمرأة حربية تطلب عقد الذمة بجزية أو بعثت بذلك إلينا من دار الحرب .. أعلمها الإمام: أنه لاجزية عليها، فإن رغبت مع ذلك البذل فهذه هبة لا تلزم إلا بالقبض، وإن طلبت الذمة بلا جزية أجابها وشرط عليها التزام الأحكام. قال) وَخَشِيَ)؛ لإحتمال كونه انثي، فلو بانت ذكورته ...... فهل تؤخذ منه جزية السنين القادمة؟ وجهان قال في) الروضة) الذي ينبغي أن يكون الأصح: الأخذ، وبه جزم في) باب الأحداث) من) شرح المهذب) قال ابن الرفعة: وينبغي تصحيح عكسه، كما إذا دخل حربي دارنا ثم أطلعنا عليه ... لا نأخذ منه شيئآ؛ لما مضي علي الصحيح؛ لأن عماد الجزية القبول وهذا حربي لم يلتزمها. قال: (ومن فيه رق)، أما كامل الرق ... فبالإجماع. واستدال الرافعي تبعا ل (الحاوي) بأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لا جزية علي رقيق) ولا يعرف إلا من قول عمر. والمدير والمكاتب وولد وأم الولد التابع لها كالقن، وكذا من بعضه حر علي المذهب؛ لأنه غير مقبول بالكفر، فكان كمن تمحض رقة.

وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ ... لَزِمَتْهُ، أَوْ كَثِيرا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ ... فَالصَّحِيحُ: تَلْفِيقُ الإِفَاقَةِ، فَإِذَا بَلَغَتْ سَنَةُ ..... وَجَبَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يؤدي بقدر ما فيه من الحرية، وكما لا يجب علي سيده بسببه. وإذا عتق العبد، فإن كان من أولاد من لا يقر بالجزية .... فيسلم أو يبلغ المأمن، وأذاكان ممن يقر ... فيسلم أو يبذل الجزية، وإلا ... فيبلغ المأمن، سواء أعتقه مسلم أو ذمي. وعن مالك: إذا أعتقه مسلم ... لم تضرب عليه الجزية؛ لحرمة ولائه. قال) وصبي) لقوله صلي الله عليه وسلم لمعاذ) خذ من كل حالم _ أي: محتلم _ دينارآ) رواه الترمذي [623] وأبو داوود [3033] وروي أبو شيبة [7/ 582] بإسناد صحيح: أن عمركتب إلي عماله: ألا تضربوا الجزية علي النساء والصبيان. فرع ... لو عقد علي الرجال أن يؤدوا عن نسائهم وصبيانهم شيئأ غير ما يؤدونه عن أنفسهم, فإن كان من أموال النساء والصبيان ... لم يجز، قاله الإمام. قال: (ومجنون)؛ لأن الجزية لحقن الدم، والمجنون محقون الدم، ولذلك إذا وقع في الأسر ... رق. وفي وجه ضعيف: عليه الجزية كالمريض. قال: (فإن تقطع جنونه قليلا كساعة من شهر) أو شهرين) .. لزمته) ويغتفر الزمن اليسير. قال: (أو كثيرا كيوم ويوم ... فالصحيح: تلفيق الإفاقة، فإذا بلغت سنة وجبت)؛ اعتبارا للأيام المتفرقة بالأيام المجتمعة. والثاني: لاشيْ عليه قطعآ، كمن بعضه رقيق

وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يَبْذُلْ جِزْيَةُ .. أُلْحِقَ بِمَامَنِهِ، وَإِنْ بَذَلَهَا ... عُقِدَ لَهُ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ كَجِزْيَةِ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: حكمة كالعاقل، وما يطرأ ويزول ... ينزل منزلة الأغماء، فتؤخذ منه جزية كاملة في آخر الحول، ونقله في) التنبيه) عن النص والرابع: ينظر إلي الأغلب ويحكم بموجبه، فإن كانت الإفاقة أقل ... لم يجب، وإلا وجب. والخامس _ واختاره القفال _: النظر إلي آخر السنة، فإن كان عاقلا .. أخذت منه الجزية وإلا .. فلا، كما أن في تحمل العقل يعتبر اليسار والإعسار بآخر الحول. فلو أسرنا من يجن ويفيق .. قال الإمام: إن غلبنا الجنون ... رق ولم يقتل، وإن غلبنا الإفاقة ... ولم يرق بالأسر، والظاهر: الحق، ويتجه أن يعتبر وقت الأسر وصححه في (الوسيط). قال الرافعي: وهو في الحقيقة كوجه التلفيق في مسألة الجزية وطروء الجنون في أثناء السنة كالموت، وطروء الإفاقة كالبلوغ. قال: (ولو بلغ ابن ذمي ولم يبذل جزية .. ألحق بمنامه)، لأنه كان في أمان أبيه. قال: (وإن بذلها .. عقد له)؛ لأن عقد الأب لنفسه دونه، وقد ثبت له الآن حكم الاستقلال، فأشبه من لا أب له. فعلي هذا: يرفق الإمام ليلتزم ما إلتزم أبوه. قال: (وقيل عليه كجزية أبوه) المراد: أنه يكتفي بجزية أبيه من غير استئناف عقد؛ لأنه لما تبعه في الأمان .. تبعه في الذمة، وادعي الإمام: أنه ظاهر النص، وقال في (الحاوي) إنه ظاهر مذهب الشافعي، وصححه القاضي حسين. ولأن أحدا من الأئمة لم يستأنف العقد للأولاد عند بلوغهم. فعلي هذا: إذا أبي أن يبذل جزية أبيه ... فقيل: يقبل منه، وقيل: كذمي عقد بأكثر ثم إمتنع من الزائد، وسيأتي. وشمل إطلاقه: ما إذا بلغ الابن سفيها فإن قلنا: تؤخذ منه جزية أبيه .. أخذت

وَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ هَرِمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ وَفَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ كَسْبٍ، فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ .. فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ. وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنِ اسْتِيطَانِ الحِجَازِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من ماله وإن زادت علي الدينار، وإن قلنا بالإستئناف ... فللسفيه الإستقلال بها، لحقن دمه بأقل الجزية، فإن عقدها بأكثر منه ... لزمة. وسكت المصنف عن بقية الموانع ولاشك أن إفاقة المجنون كالبلوغ. والأصح في زوائد) الروضة) في عتق العبد: استئناف العقد، وقيل: عليه كجزية سيدة، وقيل عصبته؛ لأنهم أخص به قال: (والمذهب: وجوبها علي زمن وشيخ وهرم وأعمي وراهب وأجير)، لأنها بمثابة كراء الدار، فيستوي فيها المعذور وغيره. والطريق الثاني: البناء علي جواز قتلهم: إن قلنا بالجواز ضربت عليهم الجزية، وإلا .. فلا؛ إلحاقا بالنساء والصبيان. قال: (وفقير عاجز عن كسب)؛ لعموم الآية. قال: (فإذا تمت سنة وهو معسر ... ففي ذمته حتي يوسر)، كغيره من المعسرين، فإذا أيسر ... طولب بها والثاني_ وبه قال أبو حنيفة وأحمد _: لا تجب؛ لأنها حق مالي يجب في كل حول فلم تلزم كالزكاة. وفي وجه آخر: أنه لايمهل، بل يقال له: إما أن تحصل، وإلا ... بلغناك المأمن؛ لقدرته علي إسقاطها بالإسلام. وسكت الشيخان عن تفسير الفقير هنا، وفيه وجهان: أحداهما: مستحق الزكاة لو كان مسلمآ. والثاني: من لا يملك فاضلا عن قوت يومه آخر الحول ما يقدر به علي أداء الجزية كما في زكاة الفطر، حكاه الدرامي والزاز في (تعليقه)، والأشبه: الثاني. قال (ويمنع كل كافر من إستيطان الحجاز)؛ لما روي أن النبي

وَهِيَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم قال لئن عشت إلي قابل ... لأخرجن اليهود والنصاري من جزيرة العرب) أخرجه مسلم [1767] بدون: لئن عشت) والبيهقي بها [9/ 207] في الصحيحين [خ 3053 - م 1637/ 20] من حديث ابن عباس قال: اشتد الوجع برسول الله صلي الله عليه وسلم، فأوصي عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي (مسند أحمد) [1/ 195] والبيهقي) [9/ 208] آخر ما تكلم به النبي صلي الله عليه وسلم: أخرجوا يهود الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب) قال الجويني والقاضي حسين: الجزيرة هى الحجاز. والمشهور أن الحجاز بعض الجزيرة، فلما مات النبي صلي الله عليه وسلم .. لم لم يتفرغ أبو بكر لإخراجهم، فأجلاهم عمر، وهم زهاء أربعين ألفآ. ولم ينقل: أن أحدا من الخلفاء أجلاهم من اليمن مع أنها الجزيرة، فدل أن المراد: الجزيرة فقط. فائدة: (الاستيطان) اتخااذ المكان وطنآ، والموطن: المشهد من مشاهد الحرب، قال تعالي: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}، فيؤخذ من هذا ومن عبارة المصنف: أن الكافر أن يتخد دارا بالحجاز وإن لم يسكها ولم يستوطنها. والصواب: أن ذلك لا يجوز، لأن ما حرم إستعماله .... حرم اتخاذه، كالأواني وآلات اللهو، وإليه يشير قول الشافعي في (الأم) ولا يتخذ الذمي شيئا من الحجاز دارا .. وعلي هذا: تستثني هذه الصورة من قول المصنف في الباب الذي قبله: (فدورها وأرضها المحياة ملك يباع) قال: (وهي مكة والمدينة واليمامة وقراها)، كذا فسره الشافعي. فالطائف مع واديها _ وهو وج من قري مكة، وخبير من قري المدينة.

وَقِيلَ: لَهُ الإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ الْمُمْتَدَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في (الوسيط) و (النهاية) إن في بعض الكتب تصحيف اليمامة بالتهامة. قال إبن صلاح: وهو غلط موشح بعحمة؛ فإن تهامة لا تدخلها الألف واللام. وجزيرة العرب: من أقصي عدن إلي ريف العراق في الطول، وفي العرض من جدة وما والاها من ساحل البحر إلي أطراف الشام. ونقل الهروي عن مالك: أن الجزيرة: المدينة الخاصة، والصحيح عنه كما قال الشافعي. وسميت جزيرة العرب؛ لإحاطة بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات بها. وسمي الحجاز حجازآ؛ لأنه حجز بين تهامة ونجد. وقيل بإحتجازه بالحرار الخمس، حرة واقم، وحرة راجل ـ بالراء والجيم _ وحرة ليلي، وحرة بني سليم، وحرة النار، وحرة وبرة _ وهي في صحيح مسلم [1817] من حديث (إنا لا نستعين علي قتالنا بمشرك) وهي بفتح الباء وسكونها. و (اليمامة) مدينة بقرب اليمن علي أربع مراحل من مكة، ومرحلتين من الطائف. قيل: سميت بإسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وكانت تسكنها. قال: (وقيل له الإقامة في طرقه الممتدة)؛ لأنها ليست من مجتمع الناس ولا موضع إقامة، ولأن المراد: المنع من الإختلاط بالعرب حرمة لهم. والمشهور: أنهم يمنعون؛ لأن الحرمة للبقعة. فرع. لايمنعون من ركوب بحر الحجاز، ويمنعون من الإقامة في سواحله الممتدة والزائر المسكونة فيه.

وَلَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ .. أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهً إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنِ اسْتَاذَنَ .. أَذِنَ لَهُ إِنْ كَانَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةِ وَحَمْل مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ لَيْسِ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ .. لَمْ يَاذَنْ إِلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَىْءٍ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي حسين: ولا يمكنون من المقام في المركب أكثر من ثلاثة أيام كالبر، ولعله أراد إذا أذن الإمام وأقام بموضع واحد، قاله إبن الرفعة قال: (ولو دخل بغير إذن الإمام) أي: نائبه) ... أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع)؛ لأن الدخول إنما أجيز للحاجة، فوقف علي رأي الإمام أو نائبه، ويعزر عند العلم بالمنع؛ لجرأته علي حرمات الله، فإن جهل ذلك وأمكن صدقه ... فلا؛ لأنه لا يعرف حدود الله العامة. فرع: لا يدخلون سائر المساجد إلا بإذن؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال في المسجد وانزل ثقيفا فيه، وكذا سبي بني قريظة والنضير. وجواز الإذن منوط بالحاجة مثل: أن يسلم، أو يسمع القرآن، أو يستفتي، ولا يدخلون للأكل والشرب، بخلاف المسلم، قاله ابن الصباغ وغيره. والآذن له الإمام ونائبه، وكذا آحاد المسلمين علي الأصح وجلوس الحاكم فيه للحكم إذن أن كانت له خصومة، فإن دخله بلا إذن .. عزر، فإن كان جنبآ ... مكن من المكث فيه علي الأصح. قال: (فإن استأذن .. أذن له أن كان مصلحة للمسلمين كرسالة وحمل ما يحتاج إليه) أي: يحتاج إليه المسلمون من ميرة أو متاع، وفي معناه: عقد الهدنة للمصلحة. واحترز عما إذا لم تكن مصلحة؛ فلا يجوز. قال: (فإن كان لتجارة ليس فيها كبير حاجة ... لم يأذن إلا بشرط أخذ شيء منها)

وَلَا يُقِيمُ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ، فَإِنْ كَانَ رَسُولًا ... خَرَجَ إِلَيْهِ الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ يَسْمَعُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك كالعطر ونحوه، ولا يتقدر ذلك، بل هو إلي إجتهاد الإمام، فإن عمر كان يأخذ من القبط إذا إتجروا إلي المدينة عشر بعض الأمتعة كالقطنية، ويأخذ نصف العشر من الحنطة والشعير ترغيبا لهم في حملها؛ للحاجة إليهما. والأصح: أنه يجوز أن يأذن لهم بعير شيء. وما يؤخذ من الذمي والحربي من الضريبة لا يؤخذ في كل سنة إلا مرة كالجزية، فإذا كان يطوف بالحجاز أو بلاد الإسلام تاجرآ ... تكتب له براءة حتي لا يطالب في بلد آخر قبل الحول. قال: (ولا يقيم إلا ثلاثة أيام) أي: فأقل؛ لما روي أبي شيبة [7/ 635] عن نافع عن ابن عمر: لا تتركوا اليهود والنصاري بالمدينة فوق ثلاث، قدر ما يبيعون سلعتهم) ولأن الثلاث في حكم القلة شرعآ، ولا يحتسب منها الدخول والخروج، كما سبق في صلاة المسافر. ولو أقام أكثر من ذلك لإنجاز حاجة .. لم يكن قطعيآ. ومحل منع الزائد علي الثلاث: في الموضع الواحد، فلو أقام بموضع من الحجاز ثلاثة أيام، ثم إنتقل إلي آخر وهكذا .. لم يمنع؛ لأنه لم يصر مقيما في موضع لكن يستثني موضع الضرورة، كما إذا مرض في الحجاز وكان لا يطيق أن يحمل؛ لخوف تلفه أو زيادة مرضه .. قال الشافعي: يترك حتي يطيق الحمل ثم يحمل. قال: (ويمنع من دخول مكة)؛ لقوله تعالي: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} ويدل علي أن المراد به هنا: الحرم قوله تعالي {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} إن خفتم انقطاع التجارة والميرة؛ إذ من المعلوم أن الجلب ليس المسجد نفسه. قال: فإن كان رسولا ... خرج إليه الإمام أو نائبه يسمعه) حسما للباب.

فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ ... نُقِلَ. وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ: فَإِنْ مَاتَ .. لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْحِجَازِ وَعَظُمَتِ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ .. تُرِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا امتنع من أدائها إلا إليه، وإلا ... بعث إليه من يسمع وينهي إليه، وكذا إن دخل لتجارة .. خرج إليه يشتري منه، فإن جاء كافر ليناظر .. خرج إليه من يناظره. فرع: جوز ابن كج للطبيب الذمي دخول الحرم، ونص الشافعي يعارضه؛ فإنه منع دخول الطبيب والصانع في البناء وغيره. قال إبراهيم المروروذي: والمعني في منع المشركين من الحرم: أنهم اخرجوا النبي صلي الله عليه وسلم منه ، فعاقبهم الله بالمنع من دخوله في كل حال. قال: (فإن مرض فيه ... نقل وإذا خيف موته)؛ لأنه ظالم بالدخول وليس لعرق ظالم حق) وسواء أذن له أم لا؛ لأن المحل غير قابل لذلك بالإذن، فلم يؤثر الجهل به. قال: (فإن مات .. لم يدفن فيه) تطهيرا للحرم. قال: (فإن دفن .. نبش وأخرج)؛ لأن بقاء جيفته فيه أشد من دخوله حيآ. وأطلق المصنف) النبش)، وقيده الرافعي بما إذا لم يتقطع؛ فإن تقطع ترك، وحكاة في المطلب) عن النص، وجري عليه الجمهور محتجين بأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يأمر بنقل من مات منهم ودفن قبل الفتح. وقيل: ينبش أيضآ، وبه أجاب الإمام والغزالي. قال: (وإن مرض في غيره من الحجاز وعظمت المشقة في نقله ... ترك)؛ مراعاة لأعظم الضررين. وهذا فيما إذا خيف موته لا خلاف فيه وفيما إذا لم يخف علي الأصح؛ لأنه يجوز دخوله في الحياة.

وَإِلَّا ... نُقِلَ، فَإِنْ مَاتَ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ ... دُفِنَ هُنَاكَ. فَصْلٌ: أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن لم تعظم المشقة (.... نقل) رعاية لحرمة الدار. قال: (فإن مات وتعذر نقله ... دفن هناك)؛ للضرورة. والمراد (بالتعذر) حصول التغير لبعد المسافة من الحل، وفي معناه التقطيع. واحترز ب (التعذر) عما إذا أمكن نقله؛ فإنه لا يدفن فيه هذا كله في الذمي، أما الحربي .. فلا يدفن. بل تغري الكلاب علي جيفته، فإن تأذي الناس برائحته ... وروي كالجيفة. تتمه: حرم المدينة لا يلحق بحرم مكة فيما ذكرناه؛ لاختصاص حرم مكة بإيجاب قصدها بالنسك ومنع دخولها من غير إحرام، بخلاف المدينة. وثبت أنه صلي الله عليه وسلم أدخل الكفار مسجده، وكان ذلك بعد نزول (سورة براءة) فإنها نزلت سنة تسع ، وقدم الوفود عليه سنة عشر، وفيهم وفد نصاري نجران، وهم أول من ضرب عليهم الجزية ‘، فأنزلهم مسجده وناظرهم من أمر المسيح وغيره. قال: فصل: أقل الجزية دينار لكل سنة)؛ لما تقدم من قوله صلي الله عليه وسلم لمعاذ: خذ من كل حالم دينارآ). قال الشافعي: فهو مبين لما أريد بالجزية في قوله تعالي: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قال ولا نعلم النبي صلي الله عليه وسلم صالح أحدا علي أقل من دينار ثم روي [1/ 209] بسنده عن مطرف بن مازن وغيره بإسناد حسن: (أن النبي

وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ مُمَاكَسَتُهُ حَتَّى يّاخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ وَغَنيٍّ أَرْبَعَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلي الله عليه وسلم فرض علي أهل الذمة من أهل اليمن دينارا لكل سنة) وسيأتي صلي الله عليه وسلم ي (أن النبي صلي الله عليه وسلم ضرب علي نصاري أيلة ثلاث مئة دينار وكانو ثلاث مئة نفر) ونقل الشيخ أبو حامد فيه الإجماع، وسواء في ذلك الغني والفقير والمتوسط؛ لإطلاق الأحاديث، ولأنها شرعت لحقن الدم أو لسكني الدار، فاستوي فيها الغني والفقير. وظاهر كلام المصنف: تعين الدينار، وهو الصواب الموجود في كتب الأصحاب؛ فإنهم إقتصروا علي ذكره. فلو أرادوا الدراهم .... وجب قدر قيمته بالسعر، وهو المفهوم من قوله صلي الله عليه وسلم: دينارا وعدله من المعافري)؛ فإن العدل بفتح العين -: البدل. و (المعافري) بفتح الميم: برد منسوب لمعافر، بلد باليمن. وقال الإمام أقلها اثنا عشر درهما خالصة مصكوكة يتخير الإمام بينهما؛ لقضاء عمر به. والأصحاب حملوه علي أن قيمة الدينار كانت حينئذ كذلك. وفهم من عبارة المصنف: أنه لا أحد لأكثرها، وهو كذلك، إلا أن الذي أطلقه من الأقل محله عند قوة المسلمين فإن لم تكن بهم قوة .. نقل الدرامي عن المذهب: أنها تجوز أنها علي أقل من دينار قال: (ويستحب للإمام مماكسته) أي مشاححته (حتي يأخذ من متوسط دينارين وغني أربعة)؛ لما روي البيهقي [9/ 196]: أن عمر وضع علي الغني ثمانية وأربعين درهما وعلي المتوسط أربعة وعشرين درهمآ، وعلي الفقير اثني وعشرين درهما وروي البخاري عن ابن نجيح قال لمجاه: ماشأن أهل الشام

وَلَوْ عُقِدَتٌ بِأَكْثَرَ ثُمَّ عَمِلُوا جَوّازَ دِينَار .... لَزِمَهُمٌ مَا أَلٌتَزَمٌوهُ, فَإِنْ أَبَوْا ... فَالَأصَحُّ: أَنَّهُمٌ نَاقِصُونَ. وَلَوُّ أَسلَمَ ذِ مَّيِّ أَو مَاتَ بَعدَ سِنِينَ .. ُأخِذِتْ جِزْيَتُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَهً عَلَي اَلوَصَايَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم أربعه دنانير وأهل اليمن دينار؟ قال: فعل ذلك من قبل اليسار, ولأن الإمام يتصرف للمسلمين فينبغي أن يحتاط لهم. وللخروج من الخلاف, فإن أبا حنيفه لا يجيزها إلا كذلك. هذا بالنسبه إلي ابتداء العقد, فأما إذا انعقد لهم العقد علي شيئ ... فلا يجوز أخد زائد عليه, كذا نص عليه في (سير الواقدي). نعم, يستثنى من ذلك السفيه, فلا يصح عقده ولا عقد الولي له بالزيادة علي المذهب, خلافًا للقاضي حسين, والاعتبار في الغني والفقير بوقت الأخذ لا بحاله العقد. ولو شرط علي قوم: أن علي فقير دينارًا ومتوسط دينارين وغني أربعة .. جاز ومن ادعي منهم أنه فقير أو متوسط .. قبل قوله, إلا أن تقوم بينه بخلافه. قال: (ولو عقدت بأكثر ثم علموا جواز دينار ... لزمهم ما التزموه) كمن اشتري شيئًا بأكثر من ثمن مثله ثم علم الغبن. قال: (فإن أبوا .. فالأصح: أنهم ناقضون) كما لو امتنعوا من أداء الجزيه, وحينئذ هل يبلغون المأمن أو يقتلون؟ قولان يأتيان, فإن بلغناهم المأمن ثم عادوا وطلبوا عقدهم بدينار .. أجيبوا إليه. والوجه الثاني: أنه يقنع منهم بالدينار كما في الابتداء. قال: (ولو أسلم ذمي أو مات بعد سنين .. أخذت جزيته مِن تَرِكته مقدمه علي الوصايا) , لأنها دين يجب استيفاؤه والمطالبة به في حال الكفر, فلا يسقط بالإسلام, ولا يتداخل بتكرر الأعوام, كالخراج وسائر الديون والأجر. وتقديمها على الوصايا لا خلاف فيه, وكذا الميراث كما قاله الإمام, وإنما لم يذكره المصنف, لأنها إذا قدمت علي الوصايا .. فعلي حق الورثه أولى.

وَيُسَوَّي بَينَهَا وَبَينَ دَيْنِ آدَمِيِّ عَلَي اَلْمَذْهَبِ– أَوْ فِي خِلاَلِ سَنَهٍ .. فَقِسْطٌ, وَفِي قَوْلٍ: لاَ شَئَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة المسألة: إذا خلف وارثًا, فإن لم يخلفه .. فتَرِكته كلها فيء, فلا معني لأخذ الجزية من تركته ثم ردها إلي بيت المال. فلو كان له وارث لا يستغرق والباقي لبيت المال على سبيل الفيء .. فيؤخذ من نصيب الوارث ما يتعلق به من الجزية, ويسقط الباقي. قال: (ويسوّي بينها وبين دَين آدمي على المذهب) , فيوفي الجميع إن وفت التركة, وإلا .. ضارب الإمام مع الغرماء بالجزية. ويقابل المذهب: أنه على الأقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي, إلا أن الأصح هناك: تقديم حق الله, والأصح هنا: استواؤهما, والفرق: أن الجزية غلب فيها حق الآدمي من جهه أنها أجره. وفي) الوسيط) طريقة جازمة بتقديم الجزية, وهي وهم. قال: (أو في خلال سنة .. فقسط) كالأجره, لأنها وجبت بالسكني, فإذا سكن بعض المده .. وجب القسط. وسكت الأصحاب عما لو حجر عليه بفلس في أثنائها, ونص الشافعي في (الأم) علي أنه يضارب مع الغرماء بحصة جزيته لما مضي عليه من الحول. ولو جن بعد مضي نصف السنه وتمت وهو مجنون .. نص في (الأم) أيضًا علي أخذ جزيته بالقسط. قال: (وفي قول: لا شيء) , لانه مال يراعي فيه الحول فيسقط بالموت في خلال الحول كالزكاة, وكما لو مات واحد من العاقلة في الحول, ومنهم من قطع بالأول, ومنهم من قطع بالثاني. وقيل: لا يجب بالموت, والقولان في الإسلام, كذا وقع في (الروضة) بإثبات (لا) , والصواب: وقيل: يجب بالموت, والقولان في الإسلام. وحكي الرافعي في أول (عقد الهدنه) طريقة إخري حذفها في (الروضة) ,

وَتُؤْخَذُ بِإِهَانَهِ, فَيَجْلِسُ الآخِذُ, وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطْأَطِئُ رَاسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ, وَيَضَعُهَا فِي الْمِيَزانِ, وَيَقْبِضُ الآخِذُ لِحْيَتَهُ, وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيِه, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي: أن الخلاف فيما إذا مات بعد أربعة أشهر, فان مات قبل ذلك .. لم يجب شيء جزما ً. فإن أوجبنا .. فهل للإمام المطالبة في الأثناء بقسط ما مضي؟ وجهان: أصحهما: لا, وهل يجوز اشتراط تعجيل الجزية؟ وجهان من غير ترجيح. فروع: إذا بلغ في أثناء الحول ... خيِّر بين أن يدفع عند تمام حول أصحابه قسط ما مضي وبين أن يؤخر إلي تمام الحول الثاني فيعطي لحول وشيء, وبين أن يدفع عند تمام حول من بلوغه الحول. ولو غاب وعاد مسلمًا وقال: أسلمت من وقت كذا فلا جزية علي, وأنكر الإمام ذلك,, فهل المصدق الذمي , لأن الأصل عدم الوجوب, أو الإمام, لأن الأصل بقاء الكفر؟ قولان عن صاحب (الإشراف) صحح في (الروضة) في (باب النكول) أن القول قول من أسلم, وهو المنصوص في (الأم). وحكي في تحليفه وجهان: هل ذلك واجب أو مستحب؟ وكذلك إذا نكل .. هل يقضي عليه المال أولا؟ ولو مات الإمام أو عزل وولي غيره ولم يعرف مقدار الجزية .. رجع إلي قولهم, لتعذر معرفته من غيرهم. وطريق ذلك: أن يسألهم أفرادًا, فإن توافقوا علي قدر يجوز العقد به .. أقرهم عليه بعد تحليفهم, ويكتب الإمام في ديوان الجزية: أنه رجع إلي قولهم حيث أشكل أمرهم, لجواز أن تشهد بيّنه بخلاف ما قالوه فيرجع إليها. قال: (وتؤخذ بإهانةٍ, فيجلس الآخذ, ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه ويحني ظهره, ويضعها في الميزان, ويقبض الآخذ لحيته, ويضرب لِهزِمتيه) , لأنه بهذه

وَكُلهُ مُسُتَحَبٌ, وَقِيلَ: وَاجِبُ, فَعَلَي الأَوَّلِ: لَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بالأَدَاءِ, وَحَوَالَهٌ عَلَيْهِ, وَأَنَ يَضْمَنَهَا. قُلْتُ: هَذِهِ الهَيئهُ بَاطِلَهُ, وَدَعْوَي استِحبَابِهَا أَشَدُ خَطَأَ وَالله أَعَلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهيئه فسر بعضهم قوله تعالى: {وَهُم صَاغِرُونَ} و (الهمزمتان) بكسر اللام والزاي, وفي الحديث: انها الشدقان, وقيل: العظمان النائتان في الحيين تحت الاذنين, ولكل إنسان لِهزِمتان. وعبر في (الوسيط) بقوله: (ويضرب لهازمه) , فعبر عنهما بالجمع, وذلك جائز لانها تجمع كذلك, قال العذري [من الرجز]: يا خاز باز أرسل اللهازما .... إني أخاف أن تكون لازما ويستحب علي هذا القول أن يقول له مع ذلك: يا عدو الله, أد حق الله تعالي قال الرافعي: ويشبه أن يكون الضرب من أحد الجانبين, ولا يراعي الجمع بينهما. هذا كله فيمن يؤدي باسم الجزيه, فأما من يؤديها باسم الصدقه .. فتسقط عنه الإهانه قطعًا, صرح به الرافعي في الكلام علي تلك المسأله. قال: (وكله مستحب) , لأنه يسقط بتضعيف الصدقه. قال: (وقيل: واجب) , ليحصل الصغار المذكور. قال: (فعلي الأول: له توكيل مسلم بالأداء, وحوالهُ عليه, وأن يضمنها) ويكون الصغار في التزام المال والانقياد للاحكام. وعلي القول بالوجوب: لا يجوز جميع ذلك, لأن فيه إهانه مسلم. ولو وكل ذميًا بالأداء ... قال الإمام: الوجه طرد الخلاف, لأن كلًا منهم مقصود بالصغار في نفسه, اما لو وكل مسلمًا في عقد الذمه فإنه يجوز, لأن الصغار مراعيّ عند الأداء لا عند العقد. قال: (قلت: هذه الهيئه باطله, ودعوي استجابها أشد خطأ والله اعلم) , هو كما قال, إذ هو منصوص الشافعي.

وَيُسَتَحبُّ للإِمَامِ إِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيُهِمْ إِذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمٌ ضِيَافَةَ مَن يَمُرُّ بِهِم مِنَ الْمُسْلِمِينَ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في (الروضه) لا نعلم لهذه اصلًا معتمدا, وانما ذكرها طائفه من الخراسانيين. وقال الجمهور: تؤخذ برفق كسائر الديون, لما روي مسلم [2613/ 119] وابو داوود [3040]: ان هشام بن حكيم بن حزام وجد رجلا وهو علي حمص يشمس ناسا من القبط في اداء الجزيه, فقال: ما هذا؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان الله عز وجل يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا). ولفظ الشافعي في (الام اخذ) وان منهم الجزيه اخذها باجمال ولم يضرب احدًا منهم ولم ينله بقول قبيح, والصغار ان يجري عليهم الحكم لا ان يضربوا ولا يؤذوا. ولو استشهد المصنف بهذا النص .. كان اولي, فالصواب: الجزم بانها باطله مردوده علي مخترعها, فلم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من الخلفاء الراشيدين. وقد قال الرافعي في اول الباب: الاصح عند الاصحاب: تفسير الصغار بالتزام الاحكام. وقوله: (ودعوى استحبابها اشد خطأ) ليس في (الروضه) , وكان القياس ان يقول: اشد بطلانًا, وكان ينبغي ان يزيد: ودعوي ايجابها اشد, لكن هذا يعلم منه ذلك من باب اولى. ثم انه لم يبين هل هي محرمه او مكروهه, وقل من تعرض لذلك. قال: (ويستجيب للإمام إذا أمكنه ان يشترط عليهم اذا صولحوا في بلدهم ضيافه من يمر بهم من المسلمين) , سواء كانوا مجاهدين أم غيرهم اذا رضوا بذلك, لما روى البيهقي [9/ 195] من حديث ابي الحويرث: (ان النبي صلى الله عليه وسلم صالح اهل أيله على ثلاث مئه دينار- وكانوا ثلاث مئه رجل - وان يضيفوا من يمر بهم المسلمين ثلاثا). وروي مالك في (الموطأ) ان عمر اشترط عليهم ضيافه ثلاثه ايام لمن يمر بهم.

زَائدًا عَلَي أَقَلّ جِزِيَة, وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنْهَا, وَتُجْعَلُ عَلَي غَنِيِّ وَمُتَوَسِّطٍ, لاَ فَقِيرٍ فِي الأَصَحّ, وَيَذْكُرُ عَدَدَ الضِّيفَانِ رِجَالًا وفُرسَانًا, ـــــــــــــــــــــــــــــ من المسلمين, ولأن فيه مصلحه للاغنياء والفقراء. أما الاغنياء .. فلأنهم قد يأبوا البيع منهم إذا مروا بهم فيلحقهم الضرر, فإذا علموا ان ضيافتهم عليهم واجبه,,, باعوا منهم. واما الفقراء .. فلأنهم يضطرون الي المرور بهم وقد لا يتصدقون عليهم, ولو صولحوا عن الضيافه بمال ... فلا حق فيه لاهل الخمس, بل يختص به الطارقون, كما قاله الرافعي في أول (باب الفئ والغنيمه). قال: (زائدا علي أقل جزيه) اي: يجب ان يكون زائدا علي اقل الجزيه، وهو دينار, لما تقدم من مصالحه اهل ايله ولان الجزيه يجب فيها التمليك, والاطعام ليس بتمليك, فلم يجز الاكتفاء به كما في التغذيه في الكفاره. قال: (وقيل: يجوز منها) , لانه ليس عليهم الا الجزيه, فاذا علمنا آخر الحول انها لم تبلغ الاقل .. لزمهم التتميم, وهذا الوجه يختص عند قائله بكون الضيف من اهل الفيء بهم, لانها من الجزيه وهي مختصه بهم, وبهذا قال اكثر البصريين. قال: (وتجعل علي غني ومتوسط) , لا حتمالهما لذلك وقدرتهما عليها. قال: (لا فقير في الأصح) , وهو ظاهر النص وجعله الرافعي الاشبه, لانها تتكرر ويعجز عنها فيشق عليه القيام بها. والثاني: تقرر عليه كالجزيه, فتوظف علي الغني مثلا عشره, وعلي المتوسط خمسه, وعلي الفقير ثلاثه علي حسب اجتهاده, ولا يفاوت بينهم في صفه الطعام والادام كيلا يتضرر الاغنياء بميل الضيف اليهم. والثالث: يضرب علي المعتمل دون غيره واستحسنه الرافعي, وجزم به جماعه. ونقل في (الذخائر) عن الاصحاب: انه يشترط عليهم تزويد الضيف كفايه يوم وليله. قال: (ويذكر عدد الضيفان رجالا وفرسانا) , لانه انفي للغرر واقطع للمنازعه,

وَجِنسَ الطَّعَامِ وَالأدْمِ, وَقَدرَهمَا وَلِكلِّ وَاحِدٍ كَذَا, وَعَلَفَ الدَوَاَبِّ, وَمَنْزِلَ الضَّيَفانِ, مِنْ كَنِيسةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقول: أقررتكم على أن على الغني منكم اربعه دنانير او اكثر وضيافه عشره انفس مثلا في كل يوم, فيها رجاله كذا وركبانًا كذا. وكلام المصنف صادق بأمرين: اما يشترط ذلك علي كل واحد منهم, او علي المجموع, بان يقول: تُضيفوا في كل سنه الف مسلم مثلًا, وهم يوزعون فيما بينهم او يتحمل بعضهم عن بعض. قال صاحب (البيان) وهذا انما يشترط اذا جعلت من الجزيه, فان قلنا بالاصح .. لم يشترط التعرض للعدد, وأقره الشيخان علي ذلك. فعلي هذا: يكون المذكور في الكتاب مفرعًا علي الضعيف, وهذا البيان واجب لا يصح العقد إلا به. قال: (وجنس الطعام والادم, وقدرهما, ولكل واحد كذا) اي: من الخبز, وكذا من السمن او الزيت, لانه انفي للغرر والاعدل في تقدير الطعام: ثلاثه ارطال من الخبز في كل يوم, ومن الادم ما يكفي ذلك. اما الفاكهه .. فقال الماوردي: ان كانوا يأكلونها في غالب الايام .. شرطت عليهم في زمانها, وليس للأ ضياف ان يكلفوهم ما ليس بغالب من اقواتهم, ولا ذبح دجاجهم, ولا الفواكه النادره والحلوي, ولا ما لا يتضمنه شرط صلحهم. قال: (وعلف الدواب) اي: من التبن والحشيش ولا يحتاج الي ذكر صفته ولا قدره, والاطلاق لا يقتضي الشعير. وعباره المصنف قد تفهم اشتراط ذكر صفه العلف وقدره, والذي في (الروضه) و (المحرر) خلافه. واطلق الشيخان ذكر (الدواب) , وقال الشافعي في (الام) الضيف الواحد تعلف له دابه واحده, فلا يلزم لكل ضيف سوي علف دابه واحده. قال: (ومنزل الضيفان, من كنيسه وفاضل مسكن) , نفيًا للجهاله, وكذلك بيوت الفقراء الذين لا يضيفون ولا يخرجون اهل المنازل منها انما يسكنون في الفاضل

وَمُقَامَهُمْ , وَلَا يُجَاوِزُ ثَلاَثَه أيَّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أهلها, ثم أن تساووا في الجزيه تساووا في الضيافة قال المارودي: ويجب أن يعلو الأبواب, ليدخلها المسلمون ركبانا كما شرطه عمر علي أهل الشام, ويجوز شرطه علي الفقير الذي لا يضيف. قال: (ومُقامهم) اي: مقام الضيفان - وهو بضم الميم وعباره (المحرر) مدة المقام, وهي أوضح, اي: قدر اقامتهم. قال: (ولا يجاوز ثلاثه أيام) , ففي (الصحيحين) [خ 6019 - م 48/ 14] عن ابي شريح الخزاعي - واسمه خويلد بن عمرو -: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جائزه الضيف يوم وليله, والضيافه ثلاثه ايام, وما زاد فهو صدقه) , ووهم الحاكم فاستدركه عليهما. ولان الضيافه تختص بالمسافرين. ومن قصد اقامه اكثر من ثلاث .... انقطع سفره. قال في (الروضه) ويبين ايضا عدد ايام الضيافه في الحول بمئه يوم او اقل او اكثر. لكن لم يصرح الرافعي ولا من بعده في الاعداد المذكوره بانها توظف عليهم في كل اسبوع مره او في الشهر او في العام, ويبعد ان يكون ذلك في كل يوم, لما فيه من المشقه التي لا تحتمل غالبا. فروع: لو اراد الضيف ان ياخذ منهم ثمن الطعام ... لم يلزمهم, واذا اراد ان ياخذ الطعام ويذهب به ولا ياكله ... فله ذلك, بخلاف الوليمه, لان هذه معاوضه وتلك مكرمه, ولا يطالب بطعام الايام الثلاثه في اليوم الاول, ولا تلزمهم اجره الطيب والحمام وثمن الدواء. ولو تزاحم الضيفان علي ذمي .. فالخيار له, ولو قل عددهم وكثر الضيفان .. فالسابق احق , فان تساووا .. اقرع.

وَلَوْ قَالَ قَوْم: نُؤَدَّي الْجِزْيَة بِاسمِ صًدًقَةٍ لاَ جِزيةٍ .... فَلِلأِمَامِ إِجَابَتُهُم إِذَا رَأي, وَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاة فَمِن خَمْسَهِ أَبِعَرة: شَاتَانِ, وَخَمْسَهِ وَعِشْرِينَ: بِنْتِا مَخَاضِ, وَعِشْرِينَ دِينَارًا: دِينَارُ, وَمئِتيْ دِرْهَمِ: عَشَرَة وَخُمُسُ اَلمُعَشَّرَاتِ, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشافعي: ان غلب بعضهم بعضا ودخل المنزل .. كان احق. واذا شرطت الضيافه ثم راي الامام نقلها الي الدنانير .. لم يجز ذلك علي الاصح الا برضاهم, لان الضيافه قد تكون اهون عليهم, فان ردت الي الدنانير .. فهل تبقي للمصالح العامه ام تختص باهل الفئ؟ وجهان: اصحهما: الاختصاص كالدينار المضروب. ولو امتنع من الضيافه اثنان او ثلاثه .. اجبروا عليها, فان امتنع الجميع .. انتقض عهدهم كالجزيه, قاله في (الاستقصاء) وقال الجيلي: اذا امتنع الجميع .. قوتلوا, فان قاتلوا,, انتقض عهدهم. قال: (ولو قال قوم: نؤدي الجزيه باسم صدقه لا جزيه .. فللامام اجابتهم اذا راي) , لما روي البيهيقي [9/ 187] عن عمر رضي الله عنه: انه فعل ذلك بمن تنصر من العرب قبل بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي: تنوخ وبهراء وبنو تغلب, لما طلبها منهم ... ابوا من دفعها وقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما تؤدي العجم, فخد منا كما يأخذ بعضكم من بعض - يريدون الزكاه - فقال عمر: (انها طهره للمسلمين ولستم من اهلها) , فقال: خذ ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزيه, فأبي, فارتحلوا وارادوا ان يلتحقوا بالروم, فصالحهم عمر علي ان يضعف عليهم الصدقه ويأخذوها جزيه باسم الصدقه, ولم يخالفه احد من الصحابه, فكان ذلك كالاجماع, ذكره الشافعي وقال: قد حفظه اهل المغازي. وساقه احسن سياق. والاصح: انه لا فرق في ذلك بين العرب والعجم. وقيل: يختص بهم ويشترط عليهم بقدر الزكاه في الزروع والثمار وغيرها. ويكفي ان يقول للامام: جعلت عليهم ضعف الصدقه او صالحتكم علي ضعفها. قال: (ويضعف عليهم الزكاه, فمن خمسه ابعره: شاتان, وخمسه وعشرين: بنتا مخاض, وعشرين دينارا: دينار, ومئتي درهم: عشره وخُمس المعشرات) ,

وَلَو وَجَبَ بِنَتَا مَخاَض ِمَعَ جُبرَانٍ ... لَم يُضَعِّفِ الجُبرِانَ فِي الَاصَحَّ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ لما روى ابن ابي شبيه [3/ 88]: ان عمر صالحهم علي ان يضعف عليهم الزكاه مرتين, اي: في الاموال الظاهره والباطنه, كما تجب الصدقه علي المسلمين فيهما. واقتصار المصتف علي الخمس في المعشرات محمول علي السقي بلا مؤنه, والا .. فالواجب حينئذ العشر, فكان حقه ان يقول: والعشر فيما فيه نصف العشر. وعلم من ذلك: ان في الركاز الخُمسين, وعليه نص في (الام). وتضعيفها غير متعين, بل يجوز تربيعها وتخميسها علي ما يراه من المصلحه, كما صرح به القاضي حسين والبغوي وغيرهما, ونص عليه في (الام) في (الزروع). قال: (ولو وجب بنتا مخاض مع جبران .. لم يضعف الجبران في الاصح) , لما في تضعيف الجبران من تضعيف الضعف, فيؤخذ مع كل بنت مخاض شاتان او عشرون درهما, وذلك انا ضاعفنا حين اخذنا منهم مكان الحقه حقتين, ثم انتقلنا الي ابنتي لبون, فاذا اخذنا مع لبون اربع شياه ... فهذا جبران مضاعف, ولولا التضعيف .. لاخذنا منه شاتين. ومقابل الاصح: انه يضعف, لانه بعض الصدقه المأخوذه في الاصل, فيؤخذ مع كل بنت مخاض اربع شياه او اربعون درهما, فيكون المأخوذ مع بنتي المخاض ثماني شياه او ثمانون درهما, هذا هو الصواب في نقل هذا الوجه, وبه صرح في (الابانه) و (النهايه) , وو قع في (الشرح والروضه) فيه خلل. ثم قال الامام: وهذا الوجه غلط لا شك فيه, ولا ينبغي ان يعد من المذهب وإن

وَلَوْ كَانَ بَعْضَ نِصَابٍ .. لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ فِي الأَظْهَرِ، ثُمَّ الْمَاخُوذُ جِزْيَةٌ؛ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ. فَصْلٌ: يَلْزَمُنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ، وَضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ [عَلَيْهِمْ] نَفْسًا وَمَالًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتهر نقله، وحينئذ كان ينبغي للمصنف أن يعبر بـ (الصحيح) لا بـ (الأصح). قال: (ولو كان بعض نصاب .. لم يجب قسطه في الأظهر)؛ لأن الأثر عن عمر ورد في تضعيف ما يجب على المسلم، وبعض النصاب لا وجوب فيه. والثاني: يجب قسطه؛ رعاية للتضعيف، فيجب في عشرين شاة شاة، وفي مئة درهم خمسة دراهم، وفي بعيرين ونصف شاة، وفي وسقين ونصف العشر أو الخمس، وأجري القولان في الأوقاص، فعلى الثاني: يؤخذ من سبعة أبعرة ونصف ثلاث شياه، ومن ثلاثين ونصف بنت مخاض وبنت لبون. قال: (ثم المأخوذ جزية) حقيقة وإن تبدل اسمه. فـ (جزية) مرفوع على الخبرية، وفي بعض النسخ (جزية)، وهي منصوبة على أنها مصدر مؤكد بغيره، أو على إسقاط الخافض، بدليل قول (المحرر) و (الشرح) و (الروضة): جزية في الحقيقة. قال: (فلا تؤخذ من مال من لا جزية عليه)، كالصبيان والمجانين، ولا من النساء، بل تصرف مصرف الجزية، ولهذا قال عمر: (هؤلاء حمقى أبوا الاسم ورضوا بالمعنى). تتمة: روى البلاذري في كتاب (المغازي والفتوح): أن عمر رضي الله عنه لما ضعف على بني تغلب .. اشترط عليهم أن يؤخذ ذلك من أموال صبيانهم ونسائهم، وهو مذهب مالك، وخالفه أبو حنيفة في الصبيان، والشافعي فيهما. قال: (فصل: يلزمنا الكف عنهم، وضمان ما نتلفه [عليهم] نفسًا ومالًا)؛ لأن الله تعالى منع من

وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: إِنِ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ .. لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قتالهم حتى يعطوا الجزية، والإسلام يعصم النفس والمال، وكذلك الجزية، فإذا أتلفنا عليهم نفسًا أو مالًا .. وجب علينا ضمانه كما يجب ضمان المسلم؛ لأن ذلك فائدة عقد الذمة. روى أبو داوود [3047] عن صفوان بن سليم، عن عدة من أبناء الصحابة، عن آبائهم دنية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس .. فأنا حجيجه يوم القيامة). وخرج بـ (المال): الخمر والخنزير، فإذا أتلفا عليهم .. فلا ضمان، وسواء أظهروه أم لا، لكن لو غصبهما مسلم من ذمي .. وجب ردهما على الصحيح، وعليه مؤنة الرد. قال: (ودفع أهل الحرب عنهم) إن كانوا في بلاد الإسلام؛ لأنه لابد من الذب عن الدار ومنع الكفار من طروقها، وحكى ابن حزم فيه الإجماع. هذا إذا كانوا في بلاد الإسلام، فإن كانوا مستوطنين دار الحرب وبذلوا الجزية .. لم يجب الذب عنهم قطعًا، وإن كانوا منفردين ببلد في جوار الدار .. وجب الذب على الأصح، فكلام المصنف مخصوص بالصورة الأولى، وإنما وجب الذب عنهم؛ لأنهم إنما بذلوا الجزية لعصمة الدماء والأموال. ويلزمنا أيضًا دفع من قصدهم من المسلمين وأهل الذمة؛ ففي (سنن أبو داوود) [3045] بإسناد صحيح عن العرباض بن سارية: أن صاحب خيبر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه بعض ما يلقون، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس فاجتمعوا، فخطبهم وقال: (إن الله لا يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم). قال: (وقيل: إن انفردوا ببلد .. لم يلزمنا الدفع)، كما لا يلزمهم الدفع عنا.

وَنَمْنَعُهُمْ إِحْدَاثَ كَنِيسَةٍ فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: اللزوم إذا أمكن؛ إلحاقًا لهم بأهل الإسلام في العصمة والصيانة. هذا إذا جرى العقد مطلقًا، فإن جرى بشرط الدفع .. وجب لا محالة، وفيه احتمال للإمام. وإذا التزمنا الدفع عنهم فلم ندفع ومضى الحول .. لم تجب جزية، كما لا تجب الأجرة إذا لم يوجد التمكين من الانتفاع، ويستأنف الحول من حين المعاونة. ولو أغار أهل الحرب على أموال أهل الذمة ثم ظفر الإمام بهم فاسترجعها .. لزمه ردها على أهل الذمة، فإن أتلفوا .. فلا ضمان عليهم، كما لو أتلفوا مال مسلم، ويجب عليه استنقاذ من أسر منهم. ثم إن المصنف لما فرغ من بيان ما يلزمنا بعقد الذمة .. شرع في بيان ما يجب عليهم وهو خمسة: الواجب الأول: في حكم البيع والكنائس. قال: (ونمنعهم) أي: وجوبًا (إحداث كنيسة في بلد أحدثناه) كبغداد والقاهرة والبصرة والكوفة؛ لما روى أبو أحمد بن عدي [3/ 361] عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبن كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها). وروى البيهقي [9/ 202]: أن عمر لما صالح نصارى الشام .. كتب إليهم كتابًا أنهم لا يبنون في بلادهم ولا فيما حولها ديرًا ولا كنيسة ولا قلابة ولا صومعة راهب، ورواه ابن أبي شيبة [7/ 634] عن ابن عباس أيضًا، ولا مخالف لهما من الصحابة. وقال الحسن البصري: من السنة: أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة، ويمنع أهل الذمة من بناء ما خرب منها، ولأن إحداث ذلك معصية ولا يجوز في دار الإسلام. وهكذا الحكم في البيع وبيت نار المجوس والصوامع ومجتمع صلواتهم، فإن بنوا ذلك .. هدم، وسواء شرط عليهم ذلك أم لا. قال الروياني: ولو صالحهم على التمكين من إحداثها .. فالعقد باطل.

أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً .. لَا يُحْدِثُونَهَا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فالبلاد التي أحدثها المسلمون أو أسلم أهلها عليها أو فتحت عنوة أو صلحًا على أن تكون الأرض للمسلمين .. لا يقرون على كنائسها. ولا ترميم في هذه البلاد الأربع، وإنما الترميم حيث قيل به في البلاد التي صولحوا عليها لتكون الأرض لهم في بلاد المسلمين وجهل حاله. قال الشيخ في (كتاب الوقف): على أني لا أرى الفتوى بذلك؛ فإنه في سنة ثلاث عشرة أو نحوها رأيت في منامي رجلًا من أكابر العلماء في ذلك الوقت عليه عمامة زرقاء، فعندما طلع الفجر من تلك الليلة .. طلبني ذلك العالم، فوجدته في ذلك المكان الذي رأيته فيه وبيده كراسة في ترميم الكنائس يريد أن ينتصر لجواز الترميم ويستعين بي، فذكرت المنام واعتبرت. ومعنى قولنا: لا نمنعهم الترميم ليس المراد: أنه جائز، بل هو من جملة المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر ونحوه، ولا نقول: إن ذلك جائز لهم، وهكذا ترميم الكنائس عند من يقول به في بعض الأحوال ينبغي أن لا يأذن لهم ولي الأمر فيه، كما يأذن في الأشياء الجائزة في الشرع، وإنما معناه: تمكينهم بالتخلية وعدم الإنكار. وإذا علم ذلك .. فلا يلزم منه جواز الوقف والترميم، لأن ذلك يستدعي كونه مباحًا شرعًا، ألا ترى أنا نقرهم على الصليب ولا يستحق صانعه أجرة ونقرهم على التوراة والإنجيل، ولو اشتروها أو استأجروا من يكتبها .. لم نحكم بصحته، فكذلك الترميم إذا مكناهم منه .. لا يحل للسلطان ولا للقاضي أن يقول لهم: افعلوا ذلك، ولا أن يعنيهم عليه، ولا لأحد من المسلمين أن يعمل لهم فيه، ولو استأجروا له وترافعوا إلينا .. حكمنا ببطلان الإجارة، ولا نزيد على مجرد التمكين والتخلية. قال: (أو أسلم أهله عليه) كالمدينة الشريفة واليمن، فإنهم يمنعون أيضًا. قال: (وما فتح عنوة .. لا يحدثونها فيه)؛ لأن المسلمين ملكوها بالاستيلاء، وذلك كأصبهان وبلاد المغرب والأهواز وفارس وقيسارية وجرجان وبلاد الجبل. وكما لا يجوز إحداثها لا يجوز إعادتها إذا هدمت.

- وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ فِي الأَصَحِّ- أَوْ صُلْحًا بِشَرْطِ الأَرْضِ لَنَا وَشَرْطِ إِسْكَانِهِمْ وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ لَهُمْ .. جَازَ- وَإِنْ أُطْلِقَ .. فَالأَصَحُّ: الْمَنْعُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا في كنائس التعبد، أما التي للمارة من أهل الذمة .. فلا يمنع كما تقدم في (الوقف) وغيره. قال: (ولا يقرون على كنيسة كانت فيه في الأصح)؛ لكونها ملكت للمسلمين بالاستيلاء، قال ابن الرفعة: وعليه ينطبق نص (الأم) في (سير الواقدي). والثاني –وصححه الماوردي-: يجوز تقريرهم عليها؛ لأن المصلحة قد تقتضي ذلك، وليس فيه إحداث ما لم يكن. وموضع الوجهين في العامرة عند الفتح، أما المتهدمة والتي هدمها المسلمون .. فلا يقرون عليها قطعًا. قال: (أو صلحًا بشرط الأرض لنا وشرط إسكانهم وإبقاء الكنائس لهم .. جاز) هذا لا خلاف فيه، وكأنهم صالحوا على أن تكون البيع والكنائس لهم؛ لأنه إذا جاز الصلح على أن كل البلد لهم .. فعلى بعضه أولى، وكذلك لو شرطوا إحداثها، قاله الروياني. وظاهر عبارة (الحاوي الصغير): المنع. قال: (وإن أطلق) أي: شرط الأرض لنا ولم يذكر إبقاء الكنائس ولا عدمه (.. فالأصح: المنع)، فيهدم ما فيها من الكنائس؛ لأن إطلاق اللفظ يقتضي صيرورة جميع البلد لنا. والثاني: أنها تبقى وتكون مستثناة بقرينة الحال؛ فإن شرطنا تقريرهم وقد لا يتمكنون من الإقامة إلا بأن يبقى لهم مجمع لعبادتهم. فائدة: قال الشيخ عز الدين: لا يجوز للمسلم دخول كنائس أهل الذمة إلا بإذنهم؛ لأنهم يكرهون دخوله إليها. ومقتضى ذلك: الجواز بالإذن، وهو محمول على ما إذا لم يكن فيها صور، فإن

أَوْ لَهُمْ .. قُرِّرَتْ، وَلَهُمُ الإِحْدَاثُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان وهي لا تنفك عن ذلك .. حَرُم؛ بناء على تحريم دخول البيت الذي فيه صور كما حكاه صاحبا (الشامل) و (البيان) عن الأصحاب في (باب الوليمة). وقد توقف ابن الرفعة في هذه المسألة في (كتاب اللعان). نعم؛ لو كانت مما يقرون عليها .. جاز بغير إذنهم؛ لأنها واجبة الإزالة، وغالب كنائسهم الآن بهذه الصفة. قال: (أو لهم .. قررت) أي: ما فتح صلحًا بشرط كون الأرض لهم يؤدون خراجها .. تقرر فيها كنائسهم؛ لأنها ملكهم. قال: (ولهم الإحداث في الأصح)؛ لأن الملك والدار لهم، وكذلك يمكنون من إظهار الصليب والخنزير فيها، وإظهار ما لهم من الأعياد. والثاني: لا؛ لأن البلد تحت حكم الإسلام. لكن قوله: (ولهم) عبارة موهمة، والمراد: عدم المنع؛ فإن الجواز حكم شرعي، ولم يرد الشرع بإبقاء الكنائس. وعبارة (المحرر) سالمة من ذلك؛ فإنه قال: ولا يمنعون من الإحداث في الأظهر، فعدول المصنف إلى قوله: (ولهم) .. مستدرك؛ لأن عدم الإذن أعم من الإذن. وحيث قلنا: لا يجوز الإحداث، وجوزنا إبقاء الكنائس .. لم يمنعوا من عمارتها إذا تهدمت في الأصح. وفي وجوب إخفاء بنائها وجهان: الأصح: لا. وإذا تهدمت الكنيسة المبقاة .. فلهم إعادتها على الأصح، وليس لهم توسيع خطتها على الصحيح. فائدة: سئل ابن الصلاح عن كنيسة هدم أهلها بعضها وجددوه لا لاستهدام، بل لطلب التجمل والإحكام، هل ينقض؟ فأجاب: إن زادوه عما كان عليه .. نقض الزائد، وإن أعادوه إلى ما كان عليه .. لم ينقض.

وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا -وَقِيلَ: نَدْبًا- مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ، وَالأَصَحُّ: مَنْعُهُمْ مِنَ الْمُسَاوَاةِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِمَحِلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ .. لَمْ يُمْنَعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويمنعون وجوبًا –وقيل: ندبًا- من رفع بناء على بناء جار مسلم) هذا هو الواجب الثاني عليهم؛ لأن في الشروط العمرية: ولا يطلعون علينا من منازلهم. وفي (البخاري) عن ابن عباس: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، ورواه الدارقطني [3/ 252] والطبراني [طس 5993] والبيهقي [6/ 205] مرفوعًا من رواية عمر بن الخطاب. وذكروا فيها معنيين: أحدهما: ما فيه من التطاول والمباهاة، وقال تعالى: {وهم صاغرون}. والثاني: لإشرافهم على عورات المسلمين. واختار الإمام الأول وضعف الثاني، لأنه قد يقدر على الاطلاع وإن لم يطل. ثم أصح الطريقين: أن ذلك على سبيل الإيجاب، فلا يسقط بالرضا؛ لأنه حق للدين. وقيل: مستحب؛ لأنها ملكه، فلا يمنع من التصرف فيها. ومحل الخلاف: إذا شرط ذلك عليهم، فإن لم يشرط .. قال الماوردي في (الأحكام): يستحب أن لا يعلو، والذي يقتضيه كلام الشافعي والأصحاب: أنه لا فرق. قال: (والأصح: منعهم من المساواة)؛ لأن التمييز بين المسلم والذمي مطلوب في البناء كالتمييز في اللباس. والثاني: لا؛ لأنه لم يعل على المسلمين. قال: (وأنهم لو كانوا بمحلة منفصلة .. لم يمنعوا) أي: من رفع البناء؛ لانتفاء خوف الاطلاع على عورة المسلمين. والثاني: المنع، وهو ظاهر نص (الأم)؛ لأنه استعلاء في جوار الإسلام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي تخصيص الخلاف بما إذا أمن، فلو أعلى بناءه لدفع السراق .. فلا منع قطعًا. فروع: إذا ملك الذمي دارًا عالية .. لم يكلف هدمها، لكن يمنع من الإشراف على المسلمين وطلوع سطحها بلا تحجير، صرح به الماوردي وغيره. ولو استأجر دارًا عالية .. لم يمنع من سكناها بلا خلاف. ولو رفع بناءه على المسلم فأراد المسلم أن يرفع بناءه عليه .. لم يؤخر هدم بنائه لذلك، فلو تأخر ولم ينقض حتى رفع المسلم داره على داره .. قال ابن الصلاح: الظاهر: أنه لا يسقط حق النقض بذلك، وهو كما لو رفع بناءه فحكم حاكم بنقضه فباعه لمسلم .. هل يصح ويسقط حق النقض أو لا؟ قال ابن الرفعة في (حاشية الكفاية): يظهر تخريجها على وجهين، فيما إذا باع المستعير ما بناه على الأرض المستعارة بعد رجوع المعير، وكذا بيع البناء على الأرض المستأجرة بعد انقضاء أيامها، وفي ذلك وجهان. وفي جواز إخراجهم الرواشن في الطرق السابلة وجهان: الأصح: المنع، ويجريان في آبار حشوشهم إذا حفروها في أفنية دورهم كما تقدم في (باب الصلح).

وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويمنع الذمي من ركوب الخيل) هذا هو الواجب الثالث، لقوله تعالى: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} فأمر أولياءه بإعدادها لأعدائه. وفي (الصحيحين) [خ2849 - م1871] من حديث عروة البارقي: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) وعني به الغنيمة، وهم مغنومون، فلا سبيل إلى أن يصيروا غانمين. وروى: (الخيل ظهروها عز)، وهم ضربت عليهم الذلة. وقيل: لا يمنع، كما لا يمنع من لبس الثياب النفيسة. واستثنى الجويني البرذون الخسيس كالقتبيات، كذا عبر به في (الوسيط). وهذا اللفظة يستعملها العجم يعنون بها الخيل التي يحمل عليها بالأكف. وفي الحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إذالة الخيل) وهو: امتهانها في الحمل عليها واستعمالها. هذا إذا كانوا في بلد مع المسلمين، فلو انفردوا بقرية .. ففي منعهم من ركوبها وجهان، لا ترجيح فيهما عند الرافعي، ويظهر ترجيح الجواز كما في نظيره من البناء. فائدة: قال ابن الصلاح: ينبغي منعهم من خدمة الملوك والأمراء كما يمنعون من ركوب الخيل؛ فإن المعنى يجمع ذلك في قرب. وقال في (البحر): يجوز تعليمهم القرآن إذا رجي إسلامهم ولا يجوز إذا خيف منهم الاستهزاء به؛ فقد سمع عمر أخته تقرأ سورة طه فأسلم، قال: وهكذا القول في تعليم الفقه والكلام وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يمنعون من تعلم

لَا حَمِيرٍ وَبِغَالٍ نَفِيسَةٍ، وَيَرْكَبُ بِإِكَافٍ وَرِكَابِ خَشَبٍ لَا حَدِيدٍ، وَلَا سَرْجٍ، وَيُلْجَأُ إِلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعر والنحو، ومنه بعض الفقهاء ذلك، فإن في استقامة ألسنتهم تسليطًا على من قصر فيه من المسلمين. قال: (لا حمير وبغال نفيسة)؛ لأنه لا شرف فيها. وألحق الإمام والغزالي البغال النفيسة بالخيل؛ لما في ركوبها من التجمل، وجزم به الفوراني، ولم يقيده بالنفيسة، كما قيل: مركب قاض وإمام عدل وعالم وسيد وكهل يصلح للرحل ولغير الرحل. قال: (ويركب بإكاف وركاب خشب لا حديد، ولا سرج)؛ لئلا يتشبه بالمسلمين، وقال ابن أبي هريرة: يجوز الحديد. و (الإكاف) بكسر الهمزة: البردعة، وقد تقدم في (باب الخيار). تنبيه: لا خلاف في منعهم من الركوب بلجم الذهب والفضة وحمل السلاح وتقليد السيوف، ويركبون عرَضًا وهو: أن يجعل الراكب رجليه من جانب وظهره إلى جانب. قال ابن كج: هذا في الذكور البالغين، أما النساء والصبيان .. فلا يلزمون الصغار، كما لا جزية عليهم، وقيل: لهم الركوب على الاستواء. واستحسن الرافعي أن يتوسط، فيفرق بين أن يركب إلى مسافة قريبة إلى البلد وبين السفر؛ فلا يكلف ذلك. قال: (ويُلجأ إلى أضيق الطرق)؛ لما روى الشيخان عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحده في طريق .. فاضطروه إلى أضيقه).

وَلَا يُوَقَّرُونَ، وَلَا يُصَدَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ، وَيُؤْمَرُ بِالْغِيَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن خلت الطريق عن الزحمة .. فلا حرج، وليكن التضييق عليه بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه الجدار. قال: (ولا يوقرون، ولا يصدرون في مجلس)؛ لأن الله تعالى أذلهم، وهذا النهي للتحريم، والمراد: إذا اتفق اجتماعهم مع المسلمين. وما أحسن ما اتفق لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي الزاهد لما دخل على الملك الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش، وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني، فوعظه الطرطوشي حتى بكى، ثم أنشده [من السريع]: يا ذا الذي طاعته قربة .... وحقه مفترض واجب إن الذي شرفت من أجله .... يزعم هذا أنه كاذب وأشار إلى النصراني، فأقامه الأفضل من موضعه؛ لاستحضاره تكذيب المعصوم الذي هو سبب شرفه وشرف أهل السماوات والأرض صلى الله عليه وسلم. والطرطوشي بضم الطاءين نسبة إلى طرطوش، مدينة ببلاد الأندلس، مات بالإسكندرية ودفن بها بكوم وعلة قبل الباب الأخضر سنة عشرين وخمس مئة. فرع: لا تجوز مودة الكافرين، للآية الكريمة، قاله الشيخان هنا وفاقًا للبغوي، وقالا في (باب الوليمة): تكره مخالطتهم ومودتهم. ويمكن الفرق بين المخالطة والمودة: فالمخالطة ترجع إلى الظاهر، والمودة الميل القلبي، فذلك مكروه، وهذا حرام؛ لقصة حاطب بن أبي بلتعة، فأما المودة على الإحسان الدنيوي فقط من غير ميل ولا موافقة على المعاصي .. فمكروه. قال: (ويؤمر بالغيار) وهذا هو الواجب الرابع. ودليله: أن عمر صالحهم على تغيير زيهم بمحضر من الصحابة، وإنما لم يفعل

وَالزُّنَّارِ فَوْقَ اَلثِّيَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيهود المدينة ونصارى نجران؛ لأنهم كانوا قليلين معروفين، فلما كثروا في زمن الصحابة وخشوا من التباسهم بالمسلمين .. احتاجوا إلى التمييز. والأولى: أن يكون غيار اليهود متميزًا عن غيار النصارى، فلليهود الأصفر، وللنصارى الأزرق، وللمجوس الأسود والأحمر، كذا قاله الرافعي. والذي قال: إنه الأولى .. لا دليل عليه، فلو جعل غير الأصفر لليهود .. كان أولى؛ لأنه كان زي الأنصار. ولو لبس اليهود والنصارى لونًا واحدًا .. جاز، ولو تميزوا بلباس وصار مألوفًا لهم .. منعوا من العدول عنه كيلا يقع الاشتباه. والأمر بالغيار واجب على الصحيح إذا كانوا في بلاد الإسلام، فإن انفردوا بمحلة .. فلهم تركه، حكاه في (البحر)، وهو قياس ما تقدم. وشمل إطلاق المصنف: النساء، وهو الأصح، ولا يشبه موتاهم بموتى المسلمين. و (الغيار) بكسر الغين: الشيء الذي يمتاز به). قال: (والزُّنّار فوق الثياب)؛ لأن عمر صالحهم عليه، كما رواه البيهقي [9/ 202]. وهو خيط غليظ يجعل في أوساطهم خارج الثياب فيه ألوان، وليس لهم إبداله بمنطقة ولا منديل، وإن لبسوا القلانس .. ميزت عن قلانس المسلمين بعلامة في رأسها. و (الزُّنّار) بضم الزاي وتشديد النون، قاله الجوهري وابن سيده. وإنما جمع بين الغِيار والزُّنار؛ ليكون أثبت للعلامة، فإن المسلم قد يلبس الملون.

وَإذَا دَخَلَ حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ .. جُعِلَ فِي عُنُقِهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ وَنَحْوُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن يونس: إن التمييز يحصل بأحدهما، ومراده: انه يكتفي بشرط أحدهما، فإن شرطهما .. وجبا. وعبارة (الشرح) و (الروضة) والجمع بين الغيار والزنار تأكيد ومبالغة في الاشتهار، ويجوز أن يقتصر الإمام على اشتراط أحدهما. وإذا لبست المرأة خفًا .. فليكن أحدهما أسود والآخر أبيض أو أحمر، وقال القاضي: تخيط المرأة على ثيابها علامة تتميز بها، ولا يمنعون مع التمييز بما سبق من لبس الطيلسان؛ لأن التمييز قد حصل، وفي وجه: يمنعون منه؛ لأنه أَجَلُّ لُبس المسلمين). ولا يمنعون من التظاهر بالديباج والحرير على الصحيح، ولا من لبس فاخر الثياب. وقال القاضي حسين: من حمى كافرًا أو دفع عنه الغيار كأهل نيسابور .. عصى؛ لأن إعزاز من أذله الله كإذلال من أعزه الله. وقال المارودي: يمنعون من التختم بالذهب والفضة؛ لما فيه من التطاول والمباهاه. وفي (فتاوى قاضي خان) لا بأس ببيع الزنار من النصارى والقلنسوة من المجوس؛ لأن في ذلك إذلالًا لهم. وقال الحليمي: لا ينبغي لفعلة المسلمين وصناعهم أن يعلموا للمشركين كنيسة أو صليبًا، فأما نسج الزنار .. فلا بأس به؛ لأن فيه صغارًا. وأفتى ابن تيمية بأنهم يمنعون من إظهار الأكل والشرب في شهر رمضان. قال: (وإذا دخل حمامًا فيه مسلمون أو تجرد عن ثيابه) أي: في غير الحمام) .. جُعل في عنقه خاتم حديد أو رصاص ونحوه) وهذا التمييز واجب على الصحيح، وقيل: مستحب.

وَيُمْنَعُ مِنْ إِسْمَاعِهِ اٌلْمُسْلِمِينَ شِرْكًا وَقَوْلَهُ فِي عُزَيْرٍ وَاٌلمَسِيحِ، وَمِنْ إِظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ وَعِيدٍ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد ب (الخاتم) ههنا: الطوق والرصاص، بفتح الراء، والعامة تكسرها، وحكي عن ثعلب. وقوله: (ونحوه) معطوف على (خاتم) لا على (رصاص)، ويعني به: الجلاجل. وإذا كان له شعر أمر بجز ناصيته، ومنع من إرسال الضفائر كما يفعل الأشراف والأجناد. وذكر المارودي: أن نساء أهل الذمة يمنعن من فرق الشعر والذوائب في الحمامات دون منازلهن. وقوله: (فيه مسلمون) أشار به إلى أن لفظ الحمام مذكر، وهذا لا خلاف فيه، تقول: الحمام بعته وشريته ودخلته ورأيته. وأما تمييز النساء في الحمامات .. فينبني على جواز دخوله مع النساء المسلمات، والأصح في زيادات (الروضة) منعه؛ لأنهن أجنبيات في الدين. وقد يفهم من هذا السياق: أن لنساء المسلمين أن يدخلنه للا حجر وعن ابن أبي هريرة أنه قال: لا يجوز إلا عن ضرورة؛ لما روى أبو داوود [4006] والترمذي [2803] وابن ماجه [3750] والحاكم [4/ 516] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة خلعت ثوبها غي غير بيت زوجها .. فهي ملعونة). والأصح في زيادات (الروضة) أنه لا يحرم دخولهن بلا عذر، لكن يكره: وجزم في (الإحياء) بحرمة دخولهن إلا لنفاس أو مرض. وكره أحمد بناء الحمام وبيعه وإجازته، وحرمه القاضي من أصحابه، ولم يدخل أحمد حمامًا أبدًا. قال: (ويمنع من إسماعه المسلمين شركًا وقوله في عُزير والمسيح، ومن إظهار خمر وخنزير وناقوس وعيد) هذا هو الواجب الخامس عليهم، وهو: الانقياد لحكم.

وَلَوْ شُرِطَتْ هَذِهِ اٌلأُمُورُ فَخَالَفُوا .. لَمْ يَنْتَقِضِ اٌلْعَهْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرع، فيمنع من إظهار ما ذكره؛ لما فيه من إظهار شعار الكفر، وقيل: لا يمنع من الناقوس في الكنيسة تبعًا. وفهم من التقييد بـ (الإظهار) أنه لا يمنع فيما بينهم، وكذا إن انفردوا بقرية، نص عليه في (الأم)، وفي الشروط العمرية: وأن لا يضرب الناقوس في الكنائس إلا ضربًا خفيفًا. وظاهر عبارة المصنف: منعهم من ذلك، سواء شرط عليهم في العقد أم لا، وبه صرح القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والروياني والمَحاملي، ونقله في (الذخائر) عن الأصحاب. وإذا أظهروا خمورهم .. أريقت، وقياسه: إتلاف الناقوس إذا أظهروه. وإذا فعلوها ما يعتقدون تحريمه .. يجري عليهم حكم الله فيه، ولا يعتبر رضاهم، وذلك كالزنا والسرقة؛ فإنهما محرمان عندهم كشرعنا، وأما ما يعتقدون حله .. فقد سبق أن حد الخمر لا يقام عليهم على الأصح. ويلزمهم كف اللسان والامتناع من إظهار المنكرات، وكذا قراءتهم التوراة والإنجيل ولو في كنائسهم؛ لما في إظهار ذلك من المفاسد. قال: (ولو شرطت هذه الأمور فخالفوا .. لم ينتقض العهد). الأمور المشترطة عليهم في عقد الذمة ثلاثة أقسام: الأول: ما لا تنتقض الذمة بمخالفته قطعًا كهذه الأمور؛ لأنهم يتدينون بها من غير ضرر على المسلمين فيها، فإذا فعلوها .. عزروا عليها؛ مبالغة في إهانتهم وإذلالهم، والمراد بشرط هذه الأمور إذا شرط عليهم: أن ينقض العهد بها، فإن شرط عليهم النقض بها .. فبتاه الإمام على الخلاف في أن عقد الذمة هل يصح مؤقتًا؟ إن صح .. صح وانتقض بها، وإلا .. فباطله من أصله. والمنقول عن الأصحاب: عدم الانتقاض وفساد الشرط، ويتأبد العقد، ويحمل ذلك على التخويف.

وَلَوْ قَاتَلُونَا، أَوِ اٌمْتَنَعُوا مِنَ اٌلْجِزْيَةِ، أَوْ مِنْ إِجْرَاءِ حُكْمِ اٌلإِسْلاَمِ .. اٌنْتَقَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قاتلونا، أو امتنعوا من الجزية، أو من إجراء حكم الإسلام .. انتفض)؛ لمخالفة موضوع العقد، وهذا هو القسم الثاني، وهو: ما ينتقض به قطعًا. وجزم (الحاوي الصغير) بالانتقاض بالتمرد عن الأحكام، وتبع في ذلك الإمام، أما إذا قاتلونا .. فسواء شرط عليهم الامتناع أم لا انتفض؛ لأن القتال ينافي عقد الذمة. وكلام المصنف محمول على ما إذا لم تكن شبهة. فإن أعانوا البغاة وادعوا: أنهم لم يعرفوا الحال .. فقد سبق بيانه في بابه، وكذا إذا صال عليهم جماعة من متلصصي المسلمين وقطاعهم فقتلوهم دفعًا .. لا يكونون بذلك ناقضين. واستشكل الإمام النقض بالقتال؛ لأنه فعل والعقود لا تقطع بالأفعال. وأجاب بأن الذمة لما كانت جائزة من جانب الذمي .. التحقت في حقه بالعقود الجائزة، والعقد الجائز إذا انتفى مقصوده بالكلية .. لم يبعد انقطاعه وإن كان الصادر فعلًا، وهذا بمثابة انقطاع الإيداع بالعدوان. وأما إذا امتنعوا من إجراء الأحكام عليهم أو منعوا الجزية .. فينتقض عهدهم، سواء كان الممتنع واحدًا أو جماعة؛ لأن الذمة لا تنعقد إلا بهما، فألحق الدوام بالابتداء. وسواء منعوا أصولها أو منعوا الزائد على الدينار كما تقدم، وهو الأصح. قال الإمام: هذا بالنسبة إلى القادر، أما العاجز إذا استمهل .. فلا ينقض عهده، قال: ولا يبعد أخذها من الموسر قهرًا ولا ينتقض، ويخص قولهم بالمتغلب المقاتل، وأقره الرافعي عليه. لكن المنصوص كما قاله القاضي حسين: انتقاض العهد وعدم الاستباحة، وأما عدم الانقياد لأحكام الإسلام .. فإنه يحمل عليه قهرًا. قال الإمام: وإنما يؤثر إذا كان يتعلق بقوة وعزة، فأما الممتنع هاربًا .. فلا

وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ، أَوْ دَلَّ أَهْلَ اٌلْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةِ اٌلْمُسْلِمِينَ، أَوَ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِيِنِه، أَوْ طَعَنَ فِي اٌلإِسْلَامِ أَوِ اٌلْقُرْآنِ، أَوْ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوءٍ .. فَالأَصَحُ: أَنَّهُ إِنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدَ بِهَا .. انُتَقَضَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتقض، وجزم به في (الشرح) و (الحاوي الصغير). قال: (ولو زنى ذمي بمسلمة أو أصابها بنكاح، أو دل أهل الحرب على عورة المسلمين، أو فتن مسلمًا عن دينه، أو طعن في الإسلام أو القرآن، أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء .. فالأصح: أنه إن شرط انتقاض العهد بها .. انتقض، وإلا .. فلا) هذا هو القسم الثالث، وهو الذي فيه خلاف: والأصح: أنه إن شرط .. انتقض؛ لأن هذه الأشياء وإن اقتضى العقد المنع منها بتحريمها لا تخلُّ بمقصوده. والثاني: ينتقض قطعًا؛ لما فيه من الضرر. والثالث: إن شرط .. انتقض، وإلا .. فوجهان. والمصنف صحح في (الروضة) في المسائل الأربع: أنه إن لم يجر ذكرها في العقد .. لم ينتقض، وكذا إن جرى في الأظهر، عكس ما في الكتاب، ثم إنه عبر بـ (الأصح)، وهي ذات طرق أو بعضها ذات طرق، وبعضها ذات أوجه. وأما فتنة المسلم عن دينه .. فمثله إذا دعاه إلى دينهم. وأما إذا طعنوا في الإسلام أو القرآن .. ففيه طريقان: أحدهما: الانتقاض بلا خلاف كالقتال. وأظهرهما: أنه كالزنا بمسلمة ونحوه، فيأتي فيه الخلاف. وأما الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نسبته إلى أمر مستقبح .. فيلحق بالقتال قطعًا، سواء شرط عليه الكف عنه أم لا. وقال أبو بكر الفارسي: من شتم منهم النبي صلى الله عليه وسلم .. قتل حدًا؛

وَمَنِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ .. جَازَ دَفْعُهُ وَقِتَالُهُ، أَوْ بِغَيْرِهِ .. لَمَ يَجِبْ إِبْلاَغُهُ مَامَنَهُ فِي الأَظْهَرِ، بَلْ يَخْتَارُ الإِمَامُ فِيهِ قَتْلًا وَرِقًّا وَمَنًّا وَفِدَاءً، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الاِخْتِيَارِ .. امْتَنَعَ الرِّقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه صلى الله عليه وسلم قتل ابن خطاب وغيره بذلك، وقد تقدم هذا في قبول توبة المرتد. قال: (ومن انتقض عهده بقتال .. جاز دفعه وقتاله)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}، ولأنه صار حربيًا لنا في دار الإسلام، وحينئذ فيتخير الإمام فيمن ظفر به منهم من الأحرار الكاملين كما يتخير في الأسير، كذا قطع به الرافعي، لكن حكى الإمام في (قتال البغاة) قولًا بأنه يبلغهم المأمن إذا انكفوا عن الأذى، واستبعده. قال: (أو بغيره .. لم يجب إبلاغه مأمنه في الأظهر، بل يختار الإمام فيه قتلًا ورقًا ومنًا وفداء)؛ لأنه كافر لا أمان له كالحربي. وروى البيهقي [9/ 201]: أن عمر صلب يهوديًا زنى بمسلمة. والثاني: يجب أن يبلغ المأمن، كمن دخل بأمان صبي. وأجاب الأول عن هذا بأنه يعتقد في نفسه أمانًا، وهنا فعل باختياره ما أوجب انتقاض الأمان. مهمة: التخير بين هذه الأمور ليس على إطلاقه، بل شرطه: أن لا يطلب الذمي الذي انتقض عهده تجديد العهد، فإن طلبه .. وجب إجابته إلى عقد الذمة، ولا يجوز قتله، كذا نبه عليه الرافعي في (باب قطع السرقة). ثم ما اقتضاه كلام الشيخين من تصحيح عدم البلوغ إلى المأمن يشكل عليه ما قالاه في (باب الهدنة) إن من دخل دارنا بأمان أو بهدنة لا يغتال وإن انتفض عهده، بل يبلغ المأمن مع أن حق الذمي آكد من حق المستأمن، والفرق مشكل. قال: (فإن أسلم قبل الاختيار .. امتنع الرق)، بخلاف الأسير؛ لأنه لم يحصل في يد الإمام بالقهر فخف أمره.

وَإِذَا بَطَلَ أَمَانُ رِجَالٍ .. لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُ نِسَائِهِمْ وَالصِّبْيَانِ فِي الأَصَحَّ، وَإذَا اخْتَارَ ذِمِّيٌّ نَبْذَ الْعَهْدِ وَاللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ .. بُلِّغَ الْمَامَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا بطل أمان رجال .. لم يبطل أمان نسائهم والصبيان في الأصح)؛ لأنه قد ثبت لهم الأمان ولم توجد منهم خيانة. والثاني: يبطل؛ لأنهم دخلوا تبعًا فيزول بزوال الأصل. وعلى الأصح: لا يجوز سبيهم، ويجوز تقريرهم في دارنا، وإن طلبوا الرجوع إلى دار الحرب .. أجيب النساء دون الصبيان؛ لأنه لا حكم لا ختيارهم قبل البلوغ، فإن بلغوا وبذلوا الجزية .. أقروا بها، وإلا .. ألحقوا بدار الحرب. قال: (وإذا اختار ذمي نبذ العهد واللحوق بدار الحرب .. بُلِّغ المأمن)؛ لأنه لم يوجد منه خيانة ولا ما يوجب نق ض عهده فبلغ مكانًا يأمن فيه على نفسه. وقيل بإجراء القولين؛ لأنه بعد نبذ العهد كافر لا أمان له. وصورة المسألة: أن ينبذ ذلك من غير أذى، فأما مع الأذى .. فقد تقدم حكمه، وهذا بناه المصنف على أن الذمة عقد جائز من جهة الذمي، وأنه لا يجبر على الوفاء بالذمة. وحكى الإمام في (باب البغاة) فيه الاتفاق. و (المأمن) بفتح الميمين: موضع الأمن، والمراد به: أقرب بلاد الحرب من دار الإسلام، ولا يلزم إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك، إلا أن يكون بين أول بلاد الكفر ومسكنه بلد للمسلمين يحتاج إلى المرور عليه. وقال في (البحر) لو كان له مأمنان .. ألحق بما يسكنه منهما، فإن سكن بلدين .. تخير الإمام. تتمة: إذا رجع المستأمن إلى بلاده الإمام لتجارة أو رسالة .. فهو باق على أمانه في نفسه وماله، فإن رجع للاستيطان .. انتقض عهده. فإن رجع فمات في بلاده واختلف الوارث والإمام: هل انتقل للإقامة فهو حربي، أو للتجارة فلا ينتقض عهده؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجاب فيها بعض علماء العصر بأن قول الإمام؛ لأن الأصل في رجوعه إلى بلاده الإقامة، ولأن الوارث يدعي سفرين والإمام يدعي سفرًا، والأصل: عدم الثاني؛ لأن المارودي قال إذا اختلف الزوجان في السفر هل هو للعود أو النقلة: إن سفر النقلة واحد وسفر العود اثنان .. فكان القول في الثاني قول منكره. ... خاتمة روى الحافظ أبو نعيم وابن عبد البر وغيرهما عن جعفر بن محمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو عاش إبراهيم .. لأعتقت أخواله، ولو ضعت الجزية عن كل قبطي). وروي أبو عبيد في كتاب (الأموال) عن يزيد بن أبي حبيب: أن الحسن بن علي كلم معاوية في أهل حَفْن من كورة أَنْصِنا- قرية أم إبراهيم- فسامحهم بالجزية إكرامًا لإبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن روى أنس بن مالك أنه قال: (لو عاش إبراهيم .. لكان صديقًا نبيًا). قال أبو عمر: لا أدري ما وجه هذا القول، فقد ولد نوح غير نبي، ولو لم يلد النبي إلا نبيًا .. لكان كل أحد نبيًا؛ لأنهم من ولد نوح عليه السلام. قال المصنف: ما روي عن بعض المتقدمين: (لو عاش إبراهيم .. لكان نبيًا) باطل، وفيه جسارة على الكلام في المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم الزلات. و (حَفْن) بفتح الحاء المهملة وإسكان الفاء. و (أنصنا) بفتح أوله وإسكان النون بعده صاد مهملة مكسورة ونون وألف: من صعيد مصرن كذا ضبطه أبو عبد الله البكري، وقال: إنها كانت مدينة السحرة في زمن فرعون. ***

كتاب الهدنة

كتاب الهدنة

كِتَابُ الْهُدْنَةِ عَقْدُهَا لِكُفَّارِ إِقْلِيمٍ يَخْتَصُّ بِالأِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الهدنة لفظها مشتق من الهدون, وهو: اللين والسكون, ومنه قيل للمصالحة: المهادنة, لأنها ملاينة أحد الفريقين, ومنه قولهم: هدنة علي دخن. قال الجاحظ: وهذا من كلمات النبي صل الله عليه وسلم لم يسبق إليها. وهي في الشرع: معاقدة أهل الحرب علي ترك القتال مدة معلومة بعوض أو غيره, وتسمي: موادعة, ومعاهدة, ومسالمة. وفي الحديث: (أن النبي صل الله عليه وسلم وادع اليهود علي غير جزية لما نزل المدينة حين كان في المسلمين قلة) و (وهادن قريشاَ عام الحديبية عشر سنين حين لم يقو الاسلام بعد. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالي: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر} أي: كونوا آمنين فيها أربعة أشهر, وقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}. قال: (عقدها لكفار افليم يختص بالإمام أو نائبه فيها) , لما فيها من الخطر, والإمام هو الذي يتولي الأمور العظام, وهو أعرف بالمصالح من الآحاد وأقدر علي التدبير منهم, ولو جاز ذلك من الآحاد .. لأدي إلي تعطيل الجهاد, ولا يقوم إمام أهل البغي في ذلك مقام إمام أهل العدل, فلو عقدها واحد من الناس لأهل إقليم .. لم يغتالوا, بل يردوا إلي الأمن.

وَلِبَلْدَةٍ يَجُوزُ لِوَالِي الإِقْلِيمِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا تُعْقَدُ لِمَصْلَحَةٍ كَضَعْفِنَا لِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةِ أَوْ رَجَاؤِ إِسْلَامِهِمْ أَوْ بَذْلٍ جِزْيَةٍ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من تعبيره بـ (العقد) اعتبار الإيجاب والقبول, والمعتبر فيه ما تقدم في الأمان. وفي (الإشراف) للهروي: لو عقدها رئيس الكفار لأهل بلد أو إقليم وسكت الباقون .. جاز. وشروط الهدنة أربعة ذكرها المصنف: أحدهما: أن يكون لكفار إقليم, وهو أحد إقاليم الأرض, أي: أقسامها, وهي سبع أقاليم في الربع المسكون من الأرض, أطولها وأعرضها الأول, وأقصرها طولا وعرضا السابع, وبقيتها مختلفة طولا وعرضآ, وهذه الأقاليم وضعها الملوك الأولون الذين طافوا الربع العامر كالإسكندر وأزدشير. والمراد بـ (الإقليم) هنا: بحر الروم والهند والعراق. قال: (ولبلدة يجوز لوالي الإقليم أيضاَ) , لأن الحاجة قد تدعو إلي ذلك, لاطلاعه علي مصالح ذلك الإقليم, ولقلة المفسدة فيه ولو أخطأ. قال: (وإنما تعقد لمصلحة) , فلا يكفي انتفاء المفسدة, لما فيه من موادعتهم بلا مصلحة, وقد قال الله تعالي: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ}. قال: (كضعفنا لقلة عدد وأهبة) , كما عقدها النبي صل الله عليه وسلم في الحديبية لكثرة عدد المشركين إذ ذالك ومنعهم من دخول مكة. قال: (أو رجاء إسلامهم أو بذل جزية) , لأنه صل الله عليه وسلم هادن صفوان بن أمية أربعة أشهر عام الفتح وقد كان مستظهراَ عليه, ولكنه فعل ذلك لرجاء إسلامه, فأسلم قبل مضيها. قال القفال في (محاسن الشرية) لما هادن أهل مكة .. اتسع الناس في التصرف وتلاقي المسلمون والمشركون, فسمع المشركون القرآن, فذكر أهل

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ .. جَازَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا سَنَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ المغازي: أنه أسلم في تلك السنين من المشركين أكثر مما أسلم قبل ذلك, وهذا هو الشرط الثاني وهو حاجة المسلمين إليه. وعبارة (الروضة) و (المحرر) أن يكون للمسلمين إليه حاجة وفيه مصلحة وهو الصواب في التعبير فإذا طلب الكفار الهدنة, فإن كان فيها ضرر علي المسلمين .. لم يجابوا, وإلا .. فوجهان: أحدهما: تجب إجابتهم. والصحيح: لا تجب, بل يجتهد الإمام ويفعل الأصلح. قال الإمام: وما يتعلق باجتهاد الإمام لا يعد واجبًاوإن كان يتعين عليه رعاية الأصلح. قال: (فإن لم يكن) أي: بنا ضعف) .. جازت أربعة أشهر) وهذا هو الشرط الثالث. وهو المدة, لقوله تعالي: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر} , وكذلك هادن النبي صل الله عليه وسلم صفوان بن أمية. قال الشافعي: وكانت مهادنة النبي صل الله عليه وسلم للمشركين أربعة أشهر أقوي ما كان عند منصرفه من تبوك. وحكي الفوراني قولاَ: إنها تجوز سنة فما فوقها إلي ما دون سنتين, وغلطه الإمام. قال: (لاسنة) , لأنها مدة تجب فيها الجزية فلا يجوز تقريرهم فيها بغيرها, ولقوله تعالي: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وهي عامة إلا فيما خص الدليل, وهو أربعة أشهر.

وَكَذَا دُونَهَا فِي الأَظْهَرِ، وَلِضَعْفٍ تَجُوزُ عَشْرَ سِنِينَ فَقَطْ، وَمَتَى زَادَ عَلَى الْجَائِزِ .. فَقَوْلَا تَفْرِيِقِ الصَّفْقَةِ، وَإِطْلَاقُ الْعَقْدِ يُفْسِدُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا دونها في الأظهر) , لزيادتها علي مدة السياحة. والثاني: يجوز, وبه قطع أبو إسحاق, لنقصها عن مدة الجزية. قال الماوردي: هذا كله بالنسبة إلي نفوس المعقود لهم, أما أموالهم .. فيجوز العقد لها مؤبداَ, وفي جوازه_ كذلك_ للذرية وجهان. وإذا طلب الكافر الأمان ليسمع كلام الله تعالي .. وجبت إجابته قطعاَ, ولا يمهل لذلك أربعة أشهر علي الأصح, بل لا بد من مجالس يحصل فيها البيان, ثم يقال له: الحق بمأمنك. قال: (ولضعف تجوز عشر سنين فقط) , لأنه النبي صل الله عليه وسلم هادن قريشاَ هذه المدة, رواه أبو داوود. وقوله: (فقط) يفهم: أنه لا تجوز الزيادة. نعم, يجوز في هذه الحالة أن يعقد علي عشر ثم عشر قبل انقضاء الأولي, كما جزم به الفوراني وغيره. وقيل: تجوز الزيادة للحاجة, وبه قال أبو حنيفة, وهو نظير القول بأن المسافر إذا أقام ببلد لشغل يرجو تجارة يقصر أبداَ. وقيل: لا يجوز أكثر من سنة. وقيل: لا يجوز أكثر من أربعة أشهر. أما إذا لم تدع الحاجة إلي العشر .. فلا يجوز إلا ما تدعو الحاجة إليه. قال: (ومتي زاد علي الجائز .. فقولا لا تفريق الصفقة) , لأنه جمع بين ما يجوز وما لا يجوز في عقد واحد, فيبطل القدر الزائد بلا خلاف. وفي القدر الجائز قولا تفريق الصفقة. وقيل: يصح في غير الزائد قطعاَ, لعدم العوض, ولسهولة العقد مع الكفار. قال: (وإطلاق العقد يفسده) , لأن الإطلاق يقتضي التأبيد.

وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ بِأَنْ شُرِطَ مَنْعُ فَكِّ أَسْرَانَا، أَوْ تَرْكُ مَالِنَا لَهُمْ، أَوْ لِيَعْقِدَ لَهُمْ ذِمَّةً بِدُونِ دِينَارٍ، أَوْ بِدَفْعِ مَالٍ إِلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يحمل مطلقه عند الضعف علي عشر سنين, وعند القوة قولان: أحدهما: علي سنة. والثاني: علي أربعة أشهر, وبه جزم الماوردي والروياني. لكن يستثني من إطلاقه: ما إذا قال الإمام: أقركم ما شئت, كما سيأتي. قال: (وكذا شرط فاسد علي الصحيح, بأن شرط منع فك أسرانا) , وكذلك رد مسلم أسروه وأفلت منهم) أو ترك مالنا لهم, أو ليعقد لهم ذمة بدون دينار, أو بدفع مال إليهم) , وكذلك عليأن يقيموا بالحجاز ويدخلوا الحرم, أو يظهروا الخمر في دارنا, أو رد نسائهم إذا جئن مسلمات, وهذا هو الشرط الرابع, وهو: أن لا يتقترن العقد بمفسد, فإن ذلك مفسد للعقد, لقوله تعالي: {لَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ} , وفي شرط ذلك إهانة ينبو الإسلام عنها. ويقابل الصحيح: أنه يصح ويلغو الشرط, وبه جزم المحاملي في (اللباب) والماوردي, وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بالأصح, لقوة الخلاف. والمراد بقوله: (مالنا) مال المسلمين, وينبغي أن يلتحق به مال أهل ذمتنا. لكن يستثني من دفع المال إليهم: ما تقتضي الضرورة دفعه إليهم, بأن كانوا يعذبون الأساري ففديناهم, أو أحاطوا بنا وخفنا الاصطلام, فيجوز الدفع, بل يجب علي الأصح. وذكر ابن إسحاق وغيره: أن النبي صل الله عليه وسلم لما بلغه اجتماع الأحزاب .. قال للأنصار: (إن العرب قد كالبتكم ورمتكم عن قوس واحدة, فهل ترون أن ندفع شيئاَ من ثمار المدينة إليهم) فقالوا: يا رسول الله, إن قلت عن وحي .. فسمعاَ وطاعة, وإن قلت عن رأي .. فرأيك متبع, وإلا .. [فكنا] بالإسلام؟! فسر صل الله عليه وسلم بقولهم. لا ندفع إليهم ثمرة إلا بشراء أو قريَ ونحن كفار, فكيف وقد أعزنا الله تعالي واستنبطوا منه جواز إعطاء المال للعدو إذا كانت فيه مصلحة.

وَتَصحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الإِمَامُ مَتَى شَاءَ، وَمَتَى صَحَّتْ .. وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ حَتَّى تَنْقَضِي أَوْ يَنْقُضُوهَا بِتَصْرِيحٍ، أَوْ قِتَالِنَا، أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لَنَا، أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتصح الهدنة علي أن ينقضها الإمام متي شاء) , لأن النبي صل الله عليه وسلم وادع أهل خيبر وقال: (أقركم علي ما أقركم الله) رواه البخاري من حديث ابن عمر. لكن لو اقتصر الإمام اليوم علي هذه اللفظة, أو قال: هادنتكم إلي أيشاء الله .. فسد العقد, لأن النبي صل الله عليه وسلم يعلم بالوحي ما عند الله, بخلاف غيره. ولو قال: هادنتكم ما شاء فلان, وهو مسلم عدل ذو رأي .. جاز, فإذا نقضها .. انتقضت. ولو قال: ما شاء فلان منكم .. لم يجز, لأن الكافر ليس له علي المسلمين سبيل. قال: (ومتي صحت .. وجب الكف عنهم) أي: علي العاقد ومن بعده من الأئمة, وفاء بالعهد, قال تعالي: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} , لكن لو رأي الإمام الثاني العقد فاسداَ, فإن كان فساده بطريق الاجتهاد .. لم يفسخه, وإن كان بنص أو إجماع .. فسخه. وعلي الإمام أن يدفع عنهم الأذية من جهة المسلمين وأهل الذمة, لا من جهة أهل الحرب, لأن الهدنة للكف عنهم لا لحفظهم, بخلاف أهل الذمة. فرع: قال الماوردي في (الأحكام) يجوز شراء أولاد المعاهدين منهم ولا يجوز سبيهم. قال: (حتي تنقضي أو ينقضوها بتصريح, أو قتالنا, أو مكاتبة أهل الحرب بعوره لنا, أو قتل مسلم) , لقوله تعالي: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} , وقال تعالي:

وَإِذَا انتَقَضَتْ .. جَازَتْ الإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ وَبَيَاتُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} , فمتي صرحوا بنقض العهد, أو قاتلوا المسلمين, أو آووا عيون المشركين, أو كاتبوا أهل الحرب بعورة المسلمين, أو قتلوا مسلماَ, أو أخذوا مالآ, أو سبٌوا رسول الله صل الله عليه وسلم .. انتقض عهدهم كما تنتقض الذمه به. وإنما ينتقض العهد بقتالهم لنا إذا كانوا مختارين له, فلو أكرههم عليه البغاة وثبت ذلك .. فلا. وأفهمت عبارة المصنف: أنها لا تنفسخ بموت الإمام الذي عقدها ولا بعزله, وهو كذلك, ولهذا ينبغي للإمام أن يكتب عقد الهدنة ويشهد به ليعمل به من بعده, ولا بأس أن يقول فيه: لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمتي. وقوله: (قتل مسلم) يفهم: أنهم لو قتلوا ذمياَ في دارنا أن الحكم يختلف, وليس كذلك. قال: (وإذا انتقضت .. جازت الإغارة عليهم وبياتهم) , لقوله تعالي: {وَإِن نَّكَثُو اأَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ} الآية, ولأنهم صاروا حينئذ كما كانوا قبل الهدنة. هذا إذا علموا أن ما فعلوه ناقضاَ, فإن لم يعلموا .. فهل يقاتلون في الحال أو يتوقف علي الإنذار؟ فيه وجهان, الموافق لإطلاق المعظم: الأول. والثاني: إن لم يعلموا لم يقاتلوا حتي ينذروا, لما روي الترمذي [1580] وأبو داوود [2753] والنسائي [سك 8679] عن سليم بن عامر- رجل من حمير- قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد, فكان يسير نحو بلادهم, حتي [إذا] انقضي العهد .. غزاهم, فجاء رجل علي دابة يقول: الله أكبر, وفاء لا غدر, فإذا هو عمرو بن عبسة السلمي, فأرسل إليه معاوية فسأله, فقال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: (من كان بينه وبين قوم عهد .. فلا يشد عقدة ولا يحلها حتي ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم علي سواء) , فرجع معاوية والناس.

وَلَوْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَاقُونَ يِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ .. انْتَقَضَ فِيهِمْ أَيْضَا، وَإِنْ أَنْكَرُوا باعْتِزَالِهِمْ أَوْ إِعِلَامِ الإِمَامِ بِبَقَائِهِمْ عَلَى الْعَهْدِ .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل الإغارة والبيات: إذا كانوا في بلادهم, فأما في بلادنا .. فلا يغتال, بل يبلغ المأمن. و) البيات) بفتح الباء: الإغارة علي العدو ليلاَ, قال تعالي: {بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} فخص وقتي الدعة والسكون, لأن مجئ العذاب فيهما أفظع وأهول, لما فيه من البغتة والفجأة. قال: (ولو نقض بعضهم ولم ينكر الباقون بقول ولا فعل .. انتقض فيهم أيضاَ) , لأن سكوتهم يشعر بالرضا فجعل نقضاَ منهم, كما أن هدنة البعض وسكوت الباقين هدنة في حق الجميع. وهذا بخلاف عقد الذمة, فليس نقضه من بعضهم نقضاَ من الباقين, لأن النبي صل الله عليه وسلم لما هادن بني قريظة .. أعان بعضهم أبا سفيان بن حرب علي حرب رسول الله صل الله عليه وسلم, وهو حيي بن أخطب وأخوه وآخر, فنقض النبي صل الله عليه وسلم عهدهم وغزاهم. وكذلك لما هادن قريشاَ عام الحديبية .. دخل بنو خزاعة في عهده عليه الصلاة والسلام, وبنو بكر في عهد قريش, فقتل رجل من بكر رجلا من خزاعة وأعانه ثلاثة نفر من قريش, وسكت الباقون, فجعل النبي صل الله عليه وسلم ذلك نقضاَ للعهد, وسار إلي مكة ففتحها. ولا فرق في الحكم بين السوقة وغيرهم كما قاله الجمهور. وحكي ابن كج وجهين فيما إذا نقضها السوقة ولم يعلم بهم الرؤساء. ولو نقض الرؤساء وامتنع الأتباع .. ففي الانتقاض أيضاَ وجهان قال: (وإن أنكروا باعتزالهم أو إعلام الإمام ببقائهم علي العهد .. فلا) , لقوله تعالي: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} , وإنما ذكر مثالين, لأن الأول إنكار فعلي, والثاني قولي.

وَلَوْ خَافَ خِيَانَتَهُمْ .. فَلَهُ نَبْذ عَهْدِهِمْ إِلَيْهِم وَيُبَلِّغُهُمُ الْمَامَنَ، وَلَا يَنْبُذُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِتُهَمَةٍ .. وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَاتِينَا مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو خاف خيانتهم .. فله نبذ عهدهم إليهم) , لقوله تعالي: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} الآية, ويخالف عقد الذمة حيث لا يجوز نبذه بالتهمة كما سيأتي, لأنهم في قبضة الإمام, فمتي تحققت خيانتهم .. أمكنه تداركها, بخلاف أهل الحرب. وفي قول: لا ينبذ كالجزية, وقول: إنه ينبذ عقد الذمة أيضاَ. تنبيهان: أحدهما: لا يكتفي بمجرد الخوف, بل لا بد من أمارة تدل عليه, فلو لم تظهر أمارة يخاف بسببها .. لم يجز نبذ العهد ولا اعتبار بالوهم المجرد, ونص عليه, وجزم به الماوردي والقاضي أبو الطيب وغيرهما. الثاني: اعتبر ابن الرفعة في النقض حكم الحاكم, لأنه يحتاج إلي نظر واجتهاد, وبه صرح الماوردي, فلا ينتقض بنفس الخوف, بل لا بد من الحكم به. قال: (ويبلغهم المأمن) أي: يلزمه ذلك وفاء بالعهد, ولأن العقد لازم قبل ذلك كما صرح به الأصحاب. قال: (ولا ينبذ عقد الذمة بتهمة) كما تقدم, والفرق بينهما: أن عقد الذمة آكد, لأنه مؤبد ولأنه معارضة. قال: (ولا يجوز شرط رد مسلمة تأتينا منهم) , لقوله تعالي: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}. وروي أبو داوود في قصة الحديبية: أنه جاءت نسوة مؤمنات مهاجرات, فنهاهم الله تعالي أن يردوهن, ولأنه لا يؤمن أن يصيبها زوجها الكافر أو أن تتزوج كافراَ, ولأنها عاجزة عن الهرب منهم, ولأنها أقرب إلي الافتتان, لنقصان عقلها وقلة معرفتها. وفي (البخاري) [2713]: (أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة في مدة الهدنة, فجاء أخواها عمارة والوليد في طلبها, وجاءت سبيعة بنت الحارث

فَإِنْ شُرِطَ .. فَشَدَ الْشَّرْطُ، وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ شُرِطَ ؤَدُّ مَنْ جَاءَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ رَدًا فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ .. لَمْ يَجِبْ دَفْعُ مَهْرٍ إِلَى زَوْجِهَا فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسلمية مسلمة, فجاء زوجها في طلبها, وقالوا: يامحمد, قد شرطت لنا رد النساء فاردد علينا نساءنا, فتوقف رسول الله صل الله عليه وسلم توقفاَ لأمر الله تعالي حتي نزلت: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} إلي قوله: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فامتنع صل الله عليه وسلم من ردهما ورد النساء كلهن). وأفهم تقييده بـ) المسلمة) جواز شرط رد الكافرة ورد الرجل المسلم, والفرق: أن المرأة أقرب إلي الافتتان كما تقدم. قال: (فإن شرط .. فسد الشرط) , لأنه أحل حراماَ, والشريعة استقرت علي منع الرد, سواء كان لها عشيرة أم لا. قال: (وكذا العقد في الأصح) كالشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد. والثاني: لا, لأنها ليست بآكد من النكاح, وهو لا يفسد بالشروط الفاسدة. وهذا الخلاف هو عين الخلاف المتقدم أول الباب حيث قال: وكذا شرط فاسد علي الصحيح, لكنه ضعفه هناك وقواه هنا, فخالف, وسلم من هذا في (الروضة) , فإنه عبر أولاَ بالأصح, ثم أحال عليه ثانياَ. قال: (وإن شرط رد من جاء, أو لم يذكر رداَ فجاءت امرأة .. لم يجب دفع مهر إلي زوجها في الأظهر) , وهو مذهب الأئمة الثلاثة, لأن البضع ليس بمال حتي يشمله الأمان كما لا يشمل الأمان زوجته, ولأنه لو وجب بدل البضع .. لكان ذلك مهر المثل لا ما أنفق الزوج. والثاني: يجب, لقوله تعالي: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} والمراد: الصداق, ولأن البضع متقوم, وهو حقه, وقد حيل بينه وبينه, فوجب بدله روخص بعضهم القولين بما إذا دخل بها وقطع بوجوبه قبل الدخول. ويجري الخلاف أيضاَ فيما إذا جاءت كافرة ثم أسلمت عندنا, فلا نردها ولا غرم, وقيل: في رد المهر وجهان, والزوج العبد كالحر. واحترز المصنف عما إذا شرط ترك الرد, فإنه لا غرم قطعاَ, والمراد: جاءت امرأه حرة بالغة.

وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ، وَكَذَا عَبْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغروم: هو الذي بذله الزوج. فإن لك يكن دفع إليها شيئاَ, أو كان غير متمول, أو جاء في طلبها غير الزوج ووكيله .. فلا غرم, وهي المصدقة في عدم القبض. وإذا جاءت مميزة تصف الإسلام .. لم ترد علي الصحيح, وإن لم نحكم بصحة إسلامها احتياطاَ, ولا غرم في الحال في الأصح, فإن بلغت ووصفت الكفر .. ردت, وإلا غرمنا حينئذ علي قول الغرم. ولو جاءت أمة مسلمة .. لم ترد علي سيد ولا زوج وعتقت, وفي قيمتها لسيدها ومهرها لزوجها من المصالح قولان, وقيل: لا قيمة قطعاَ. ولو كان تحت المهادن عشر نسوة فأسلمن وهاجرن وجاء الزوج يلطلبهن .. قيل له: اخر أربعاَ منهم, فإذا اختارهن .. أعطي مهورهن, قاله الماوردي والروياني. ومحل الغرم: خمس الخمس المرصد للمصالح علي المذهب. وفي وجه: إن كان للمرأة مال .. أخذ منه. ولو جاءت بعد انقضاء مدة الهدنة .. لم تغرم لزوجها شيئاَ بلا خلاف. قال: (ولا يرد صبي ومجنون) , لضعفهما, ولا يجوز الصلح بشرط ردهما أيضاَ, ولا فرق بين أن يطلبه أبوه أو غيره. وما صرحوا به من امتناع الرد .. يخالف ما رجحاه في (باب اللقيط) أن الحيلولة بين الصبي إذا أسلم وبين أهله مستحبة لا واجبة. ولا فرق في المجنون بين من بلغ مجنوناَ, ومن طرا جنونه بعد البلوغ, فإن بلغ أو أفاق ووصف كفراَ لا يقر أهله عليه .. بلغ المأمن, وإن وصف ما يقر أهله عليه وبذل الجزية .. قبلت منه, وإلا .. بلغ المأمن. قال: (وكذا عبد) , لأنه جاء مسلماَ مراغماَ لهم, والظاهر: أنهم يهينون العبد ويسترقونه ولا عشيرة له تحميه. والثاني: يرد عملاَ بعموم الشرط. ومراد المصنف بـ (العبد) الذكر البالغ العاقل, أما الأمة .. فلا ترد قطعاَ كالحرة, وكذا المستولدة والمكاتبة.

وَحُرُّ لاَ عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى المَذْهَبِ، وَيُرَدُّ منْ لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبتهُ إلَيهَا لاَ إلي غَيرِهَا، إلاَّ أَنْ يَقدِرَ الْمَطلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَالِبِ الَهَرَبِ مِنهُ، وَمَعْنَي الرَّدَّ: أَنْ يُخَليِ بَيْنهُ وَبَيْنَ طَالبِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل يعتق العبد الذي جاء مسلمًا .. قال في (الحاوي) إن غلبهم على نفسه ثم أسلم وهاجر .. عتق؛ لأن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض، وأن أسلم ثم غلبهم على نفسه وجاءنا، فإن فعل ذلك قبل أن هادناهم .. فكذلك؛ لأنه غالب في حالة الإباحة، وإن فعله بعد الهدنة .. لم يعتق؛ لأن أموالهم محرمة حينئذ لا يملكها بالقهر، ثم لا يرد للسيد، بل يبيعه الإمام لمسلم أو يدفع قيمته من بيت المال ويعتقه عن المسلمين كافة وولاؤه لهم. قال: (وحر لا عشيرة له علي المذهب)؛ لأنه مستذل عندهم كالعبد. والثاني: يرد؛ لعموم الأدلة. كل هذا إذا شرط لهم الرد, وإلا .... فلا يجوز بلا خوف فيهما كما قلناه. قال: (ويرد من له عشيرة طلبته إليها)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد أبا جندل علي أبيه سهيل بن عمرو، كما رواه الشيخان [خ 2734 - م 1785]، كذا استدلوا به, وفيه نظر؛ لأن ذلك كان قبل العقد, والمعنى فيه: أنهم يذبون عنه ويحمونه. واسلم أبي جندل العاصي، وغلط من سماه عبد الله، إنما عبد الله أخوه. واحترز هنا عما إذا لم يطلبه؛ فإنه لا يرد ولو شرطوه، كذا نص عليه في (البويطي)، كما لا يجب الغرم إذا لم تطلب المرأة، ثم هل الاعتبار في الطلب بحضور العشيرة أو واحد منهم أو يكفي بعث رسولهم إذا غلب الاعتبار في الطلب بحضور العشيرة أو واحد منهم أو يكفي بعث رسولهم إذا غلب الظن صدقة؟ لم يتعرضوا له، والظاهر: الثاني. قال: (لا إلى غيرها)؛ إذ لا فائدة في ردة إلى غير عشيرته. قال: (إلا أن يقدر المطلوب علي قهر الطالب والهرب منه)، وعلى ذلك حمل رد النبي صلي الله عليه وسلم أبا بصير؛ فإنه قد جاء في طلبه رجلان، فرده إليهما، فقتل أحدهما في الطريق، وأفلت الآخر. قال: (ومعني الرد: أن يخلي بينه وبين طالبه)؛ عملًا بقضية الشرط، ولا يبعد

وَلاَ يُجْبَرُ عَلْي الرُّجُوعِ، وَلاَ يلَزَمُهُ اَلرُّجُوعُ، وَلَهُ قَتلُ الطَّالِبِ، وَلنَا التَّعرِيضُ لَهُ بِهِ لاَ التَّصريحُ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاَءَهُم مُرتَدًا مِنَّا .. لَزِمَهُمُ اٌلَوَفَاءُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ تسمية التخلية ردًا كما في الوديعة. قال: (ولايجبر علي الرجوع)؛ لأن إجبار المسلم علي الإقامه بدار الحرب لا يجوز، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بصير امتناعه ولا قتله طالبه، بل سره ما فعل، وعرض له بذلك، ولو كان واجبًا .. لأمره بالرجوع إلى مكة. قال: (ولا يلزمه الرجوع)؛ لما تقدم، فإن اختار الإقامة في دار الإسلام ... لم يمنع، ويقول الإمام للطالب: لا أمنعك منه إن قدرت عليه، ولا أعينك إن لم تقدر. قال: (وله قتل الطالب)؛ لقصة أبي بصير. قال في (الدقائق) (قول المحرر والظاهر: أن له قتل الطالب .... فيه إشارة إلي احتمال له, ولم يرد إثبات خلاف؛ فإنه لا خلاف فيه) اه والاحتمال للإمام، وآقامه الرافعي وجهًا، وصرح في (الروضة) بنقله عن الإمام، وقد أقام في (الروضة) و (المنهج) و (أصليهما) ما لا يحصى من احتمالات للإمام وجوهًا كما تقدم. قال: (ولنا التعريض له به لا التصريح)؛ لما تقدم، ولأن عمر قال لأبي جندل حين رده إلى أبيه: (اصبر أبا جندل؛ فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب) يعرض له بقتل أبيه، رواه أحمد في [مسند 4/ 325]. وفي جواز التعريض احتمال للإمام بالمنع لا يلزم بعقد الهدنة ما لزمنا، وحمل قتل أبي بصير علي أنه قتله دفعًا عن نفسه، واستدل الإمام لجواز التعريض بقوله صلي الله عليه وسلم لأبي بصير: (ويل أمه! مسعر حرب) وهو مشكل؛ لأنه عليه السلام لم يكن له خائنة الأعين، وهو الإضمار الذي يخالف الأظهار. قال: (ولو شرط أن يردوا من جاءهم مرتدا منا ... لزمهم الوفاء) به؛ عملًا بالشرط، سواء كان رجلًا أو إمرأة، حرًا أو رقيقًا.

فَإِنْ أَبَوْا .... فقد نَقَضُوِاٌ، وَالْأَظْهَرُ: جَوَازُ شَرْطِ أَنْ لَا يَرُدُّوا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أبوا ... فقد نقضوا)؛ لمخالفتهم الشرط، وهل يكون الرد في حقهم معناه التخليه كما سبق في حقنا أو لابد من التسليم؟ فيه نظر، وكلام المصنف يقتضي الأول. قال: (والأظهر: جواز شرط أن لا يردوا)؛ لأنه عليه السلام شرط ذلك لسهيل بن عمرو. والثاني: المنع، ولابد من استرداده لإعلاء الإسلام، قال الماوردي: والصحيح عندي: صحة هذا الشرط في الرجال دون النساء احتياطًا للأبضاع، وحاول تنزيل القولين عليهما، فإن أبطلنا الشرط ... فالواجب عليهم التمكين دون التسليم، وعلى هذا جرى الإمام والغزالي وصاحب (الحاوي الصغير). تتمة: لو جاءتهم امرأة منا مرتدة وهاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة وطلبها زوجها ... لا يغرم لها مهرًا، بل نقول: هذه بهذه، ونجعل المهرين يتقاصا، ويدفع الإمام المهر إلى زوج المرتدة ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلي الزوج. هذا إن تساوس القدران، فإن كان مهر المهاجرة أكثر .. صرفنا مقدار مهر المرتدة منه إلي زوجها والباقي إلي زوج المهاجرة، وإن كان مهر المرتدة أكثر ... صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلي زوجها والباقي إلي زوج المرتدة، وبهذة المقاصة فسر مفسرون قوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} الآية. *********** خاتمة حكم قيمة من ارتد من عبيدنا وإمائنا وقيمة من أسلم من عبيدهم وإمائهم حكم المهر في الوجوب علينا وعليهم والتقاص، إلا في شئ واحد، وهو: أن المرتدين إذا عادوا إلي الإسلام ... لم نرد على أهل الذمة ما أخذناه منهم من مهور النساء، ونرد ما أخذناه من قيمة العبيد والإماء، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. ***********

كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح

كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ذَكَاةُ حَيَوَانٍ مَاكُولٍ بِذَبْحٍ فِي حَلْقٍ أوْ لَبَّةٍ إِنْ قَدَرَ عَلَيْه، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصيد والذبائح الصيد مصدر صاد يصيد صيدًا، ثم أصلق علي المصيد، قال الله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}. والأصل فيه: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} إلي قوله: {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} دل منطوقها علي حل صيد البحر، ومفهومها علي حل صيد البر في حالة عدم الإحرام. والذبائخ: جمع ذبيحة، وأصلها: قوله تعالي {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}، والمذكي منها. ومن السنه: ما سنذكره، وأجمعت الأمة على حلهما. والرافعي ذكر هنا الصيد والذبائح والأضحية والأطعمة والنذر، فتبعه المصنف هنا وفاقًا للمزني وأكثر الأصحاب، وخالفه في (الروضة) فذكرها في آخر ربع العبادات؛ لأن طلب الحلال فرض عين. قال: (ذكاة حيوان مأكول بذبح في حلق أو لبة إن قدر عليه) بالإجماع. وروي الدارقطني [4/ 283] والبيهقي [9/ 278] عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بديل بن ورقاء يصيح في فجاج مني: ألا إن الذكاة في الحلق واللبة)، ورواه الشافعي موقوفًا علي ابن عمر وابن عباس، وهو أصح من رفعه، فلا يحل شيء من الحيوان المأكول من غير ذكاة؛ لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} إلي قوله {إلا ما ذكيتم}. و (الذكاة) بالذال المعجمة معناها في اللغة: التطييب والتتميم، فقولهم: له.

وَإِلاَّ .. فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ. وَشَرْطُ ذَابِحٍ وَصَائِدٍ: حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ، وَتَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ، وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيُّ مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوِ اصْطِيَادٍ .. حَرُمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رائحة ذكية، أي: طيبة، سمي بها الذبح؛ لتطييب أكله بالإباحة، وإذا قيل: فلان ذكي ... فمعناه: تام للفهم. و (الحلق) أعلي العنق. و (اللبة) بفتح اللام: أسفله. قال: (وإلا) أي: وإن لم يقدر عليه (... فبعقر مزهق حيث كان)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في بعير ند فضرب بسهم: (إن لهذة البهائم أوابد كأوابد الوحش، ما غلبكم منها ... فاصنعوا به هكذا) متفق عليه [خ 2488 - م 1968]. قال: (وشرط ذابح وصائد: حل مناكحته) وفاقًا وخلافًا؛ لقوله تعالي: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} والمواد بالطعام هنا: الذبح، والذي تحل مناكحته هو المسلم والذمي، سواء ذبح الذمي ما يستحله أو ما لا يستحله كالإبل، خلافًا لمالك. وتحرم ذبائح المجوس والمرتدين وعبدة الأوثان، وكذلك نصاري العرب؛ لما روى شهر بن حوشب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبائحهم. ولو أكره مجوسي مسلمًا علي الذبح ... حل، وكا لو أكره محرم حلالًا على ذبح الصيد، فينبغي أن يزيد في الشروط: أن لا يكون الذابح محرمًا في الوحش أو المتولد منه؛ فإن مبوحه ميتة. قال: (وتحل ذكاة أمة كتابية) وإن حرمت مناكحتها؛ لعموم الآية المذكورة، ولأن الرق لا أثر له في الذبيحة، بخلاف المناكحة، ولهذا تستثني هذة المسألة من حل المناكحة، وتستثني أيضًا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (ولو شارك مجوسي مسلمًا في ذبح أو اصطياد .. حرم) بلا خوف، وكذلك الوثني والمرتد وغيرهما ممن لا كتاب له؛ تغليبًا للتحريم، وكان الأشمل أن يقول: ولو شارك من لا تحل ذكاته من تحل في كذا وكذا ... حرم

وَلَوْ أَرْسَلاَ كَلْبَيْنِ أوْ سَهْمَيْنِ: فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَ أَوْ أَنْهَاهُ إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ .. حّلَّ، وَلَوِ انْعَكَسَ أوْ جَرَحَاُ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يُذَفِّفْ أَحَدُهُمَا .. حَرْمَ. وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيِّ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ، وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أرسلا كلبين أو سهمين: فإن سبق آلة المسلم فقتل أو أنهاه إلي حركة مذبوح ... حل)، كما لو ذبح المسلم شاة فقدها المجوسي. قال: (ولو انعكس أو جرحاه معًا أو جهل مرتبًا ولم يذفف أحدهما ... حرم)؛ تغليبًا للحرمة. وقوله: (أو جهل) من زياداته علي (المحرر) و (الشرح)، أما ما اصطاده المسلم بكلب المجوسي ... فإنه حلال قطعًا. فرع: أرسل مجوسي ونحوه سهمه على صيد ثم أسلم ووقع الصيد .. لم يحل نظرًا إلي أغلظ الحالين. ولو كان مسلمًا في حالتي الرمي والإصابة وتخللت الردة بينهما ... لم يحل أيضًا. قال: (ويحل ذبح صبي مميز)، سواء كان مسلما أو كتابيًا؛ لأن قصده صحيح بدليل صحة العبادة منه إن كان مسلمًا، فاندرج تحت الأدلة كالبالغ. وقيل: لا يحل أخذًا من قولنا: إن عمده خطأ، وإذا قلنا بحلها ... كرهت؛ لقصوره عن المكلفين، وهي في غير المراهق أشد. قال: (وكذا غير مميز، ومجنون وسكران في الأظهر)؛ لأن لهم قصدًا في الجملة، لكن يكره أيضًا؛ خوفًا من عدولهم عن محل الذبح. والثاني: المنع؛ لأن الشارع لم يعتبر قصدهم، فأشبه ما إذا سقطت سكين من يد نائم فذبحت شاة. وقيل: تحل ذبيحة السكران، وفي المجنون قولان، والذي صححه المصنف هنا

وَتُكْرَهُ ذكاة أعْمَى، وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ وَكَلْبٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تبع فيه (المحرر)، وصححه في (الروضة) من زوائده، ولم يصحح في (الشرحين) شيئًا، بل قوة كلامه في (الشرح الصغير) تقتضي المنع. ويستثني من (المجنون) من له أدني تمييز، ومن (السكران) من له أدني قصد؛ فتحل ذبيحتهما قطعًا، كما قاله البغوي. وحكي الدارمي في ذكاة النائم وجهين، وخرج بذبحهم صيدهم بالسهم والكلب، والمذهب في (شرح المهذب) حله أيضًا. قال: (وتكره ذكاة أعمي)؛ لأنه قد يخطئ المذبح. ومفهموم كلامه: حل ذكاة المرأة، وهو كذلك؛ ففي (البخاري) [5502] (أن جارية لآل كعب كانت ترعي غنمًا لهم، فمرضت منها شاة، فكسرت مروة وذبحتها فسأل مولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجاز لهم أكلها). و (المروة) الحجر الأبيض، وفيه دليل علي جواز الذبح به، وعلي جواز ذبح الحائض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل. وفي وجه: يكره ذبحها للأضحيه. والخنثي كالأنثي. وأما الخرس ... فنقل ابن المنذر الإجماع على حل ذبيحته، وقال ابن عباس: (لا تؤكل ذبيحة الأقلف)، وهي رواية الحسن. قال: (ويحرم صيده برمي وكلب)، وكذا غيره من الجوارح (في الأصح)؛ لعدم صحة قصده، فصار كاسترسال الكلب بنفسه.

وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يحل كذكاته، قال الرافعي: والأشبه: أن الخلاف مخصوص بما إذا دله بصيير علي الصيد فأرسل، وكذا صورها في (التهذيب). أما إذا لم يدله أحد ... فقال ابن الرفعة: يظهر الجزم بالتحريم، لكن في (البحر): أن البصير إذا أحس بصيد في ظلمة أو من وراء شجرة أو نحوهما فرماه ... حل بالإجماع؛ لأنه وقع له نوع علم، قال: وهذا يقدح فيما ذكرناه؛ لأن إحساسهما مع عدم البصر واحد. فرع: أخبر فاسق أو كتابي: أنه ذكى هذة الشاة ... قبلناه؛ لأنه من أهل الذكاة. ولو وجدت شاة مذبوحة ولم يدر أذبحها مسلم أو مجوسي، فإن كان في البلد مسلمون ومجوس ... لم تحل. قال: (وتحل ميتة السمك والجراد) بالإجماع، وروى ابن ماجه [3218] والترمذي عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لنا ميتتان الحوت والجراد). وسواء في ذلك ما صيد حيًا ومات والذي مات حتف أنفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من العنبر وهو الحوت الذي طفا، وكان أكله منه بالمدينة، رواه مسلم [1935]. وحكى الروياني عن بعض أصحابنا الخراسانيين: أنه يستحب أن لا يؤكل السمك الطافي، ولعله لأجل الخروج من الخلاف. وأفهمت عبارته: أن غير السمك من حيوان البحر ترم ميتته، وسيأتي في الكتاب تصحيح حلها.

وَلَوْ صَادَهُمَا مَجُوسِيٌّ، وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنَ الطَّعَامِ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ إِذَا أُكِلَ مَعَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوابه: أن المصحح في (الروضة) و (شرح المهذب): أن اسم السمك يقع علي الجميع. فإن قيل: جعله في (المحرر) و (المنهاج) قسيمًا للسمك وغيره ... قيل: هو غيره صورة، ولهذا قال في (الشرح): وما ليس على صورة السمك المشهورة. قال: (ولو صادهما) أى: السمك والجراد (مجوسي) ... فإنه حلال، ولا اعتبار بفعله، وكذا لو ذبح مجوسي سمكة .... فإنها تحل. قال الحسن: رأيت سبعين صحابيًا كلهم يأكل صيد المجوس من الحيتان ولا يتلجلج في صدورهم شيء من ذلك، وهو في السمك مجمع عليه، وخالف مالك في الجراد. فرع: يكره ذبح السمك، إلا أن يكون كبييرًا يطول بقاؤه فيسحب ذبحه على الأصح إراحة له. وقيل يستحب تركه ليموت بنفسه. فرع: في (فتاوي القاضي حسين): الجراد والقمل إذا تضرر بها الناس ... كالصائل يدفع بالأخف فالأخف, فإن لم يكن الدفع إلا بالتحريق ... جاز, فيؤخذ من هذا: أن سلق الجراد بالنار ممتنع، لكن المفهوم من كلام الأكثرين الجواز. قال: (وكذا الدود المتولد من الطعام كخل وفاكهة إذا أكل معه في الأصح)؛ لعسر فصله، ولأنه كجزئه طبعًا وطعمًا، فإن كان منفردًا ... فالأصح: تحريمه. قال في (الدقائق): وهذه المسألة لم يصرح بها في (المحرر) وإنما أشار إليها. وقال في (الروضة): (الخلاف جار وإن قلنا بنجاسة ميتة الدود) اهـ

وَلاَ تُقْطَعُ بَعْضُ سَمَكَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ أَوْ بَلَعَ سَمَكَةً حَيَّةً .. حَلَّ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو فيما إذا كان منفردًا ... غلط؛ فلا خلاف في عدم حله إذا قلنا بنجاسته. وينبغي أن يقيد جواز أكله معه بما إذا لم ينقله اختيارًا إلى موضع آخر من ذلك الطعام، فإن فعل ذلك .. امتنع أكله علي الأصح. وحيث جاز أكله لا فرق بين أن يكون حيًا أو ميتًا، وينبغي تقييد جوز أكله إذا تولد في المائع كالخل بما إذا لم يكثر ويتغير به، فإن كان كذلك .. فقياس ما ذكروه فيما لا نفس له سائلةٌ أن يمتنع؛ لأن الأصح: أنه ينجسه في هذه الحالة، ويقاس بالمدود: التمر والباقلاء المسوسان إذا طبخا، وكذلك العسل الذي وقع فيه النمل إذا طبخ، أما النملة الواحدة إذا طبخت وتَهَرَّت .. فلا تمنع من الأكل. ولو وقع في القدر جزء آدمي .. قال في (الإحياء): حرم أكل ما فيها لحرمة الآدمي، وخالفه في (الروضة) فقال: المختار: أنه لا يحرم لاستهلاكه. ويستثنى أيضًا: الجنين يوجد في بطن أمه المذكاة؛ فإن ذكاته ذكاة أمه كما سيأتي في (الأطعمة). قال: (ولا تقطع بعض سمكة) أي: حية؛ فإن ذلك حرام؛ لما فيه من التعذيب، وكذلك يحرم قلبها وشيها حية، كذا قاله الشيخ أبو حامد. قال المصنف: (هذا تفريع على اختياره في حرمة ابتلاع السمك حيًا وذلك مباح) اهـ. وهذا يشكل؛ فلا يلزم من جواز الابتلاع جواز القلي؛ لما فيه من التعذيب بالنار. قال: (فإن فعل أو بلع سمكة حية ... حل في الأصح) أي: حل المأكول؛ لأن المبان من الحي كميتته وميتة السمك حلال، ولأنه ليس في ابتلاعها أكثر من قتلها، وهو جائز، ويذكر أنه ينفع لبعض العلل، لكن ادعى ابن حزم الإجماع على تحريم ابتلاع السمك حيًا.

وَإِذَا رَمَى صَيْدًا مُتَوَحِّشًا، أَوْ بَعِيرًا نَدَّ، أَوْ شَاةً شَرَدَتْ بِسَهْمٍ، أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ فِي الْحَالِ .. حَلَّ، وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يَمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ .. فَكَنَادٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا رمي صيدًا متوحشًا، أو بعيرًا ند، أو شاة شردت بسهم، أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئًا من بدنه ومات في الحال .. حل)، أما المتوحش .. فبالإجماع، وأما الإنسي إذا توحش .. فلحديث رافع بن خَديج المتقدم. وقال ابن عباس: (ما أعجزك من البهائم .. فهو بمنزلة الصيد) رواه البخاري تعليقًا بصيغة جزم، وأسنده البيهقي [9/ 246]. واستعمل المصنف (ند) في البعير و (شرد) في الشاة؛ لأنه يقال: ند البعير يند: إذا ذهب على وجهه، ولا يستعمل ذلك في الشاة، وأما الشراد .. فيستعمل في جميع الدواب، قال صلى الله عليه وسلم لخوات بن جبير: (ما فعل بعيرك الشارد؟) قال: عقله الإسلام يا رسول الله، وأعوذ بالله من الحور بعد الكور، أشار بذلك إلى قصته مع ذات النحيين في الجاهلية، ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم. قال: (ولو تردى بعير ونحوه في بئر ولم يمكن قطع حلقومه .. فكناد)، فتصير جميع أجزائه كلها مذبحًا؛ لتعذر الوصول إليه كالناد. وقد روى الأربعة وابن السكن في (سننه الصحاح المأثورة) عن أبي العشراء

قُلْتُ: الأَصَحُّ: لاَ يَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ، وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدارمي عن أبيه أنه قال: يا رسول الله؛ إنما يكون الذبح في الحلق واللَّبَّة؟ فقال: (لو طعنت في فخذها لأجزأك) قال أبو داوود: وهذا لا يصلح إلا في المتردية والمتوحش. وقال الترمذي وأحمد: لا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث، واعترض عليهما بأن له عن أبيه أربعة عشر حديثًا، ووهم (الوسيط) فيه فجعله هو الراوي الصحابي. واسلم أبي العشراء: مالك بن قحطم, كقرطم. قال: (قلت: الأصح: لا يحل بإرسال الكلب، وصححه الروياني والشاشي والله أعلم) إنما نقله الشاشي عن الماوردي؛ لأن الحديد يستباح به الذبح مع القدرة، وعقر الكلب لا يستباح به مع القدرة. والثاني: يحل كما في صيد الممتنع. ووقع في (الكفاية) و (المطلب): أن المصنف صحح هذا، وهو سبق قلم. والروياني هو: أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل، الملقب فخر الإسلام، صاحب (البحر) وغيره من التصانيف المفيدة، كان يقول: لو أحرقت كتب الشافعي .. لأمليتها من حفظي، ولهذا كان يقال له: شافعي زمانه، ولد في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربع مائة، واستشهد يوم الجمعة حادي عشر المحرم سنة اثنين وخمس مئة. والشاشي المذكور هو صاحب (الحلية)، ويلقب أيضًا فخر الإسلام، واسمه محمد بن أحمد، مولده في المحرم سنة تسع وعشرين وأربع مئة، ووفاته في شوال سنة سبع وخمس مئة، ودفن مع شيخه أبي إسحاق في قبر واحد، فاتحدا لقبًا وزمنًا ورأيًا رضي الله عنهما.

وَمَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ بِعَدْوٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ .. فَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي جُرْحٌ يُفْضِي إِلَى الزُّهُوقِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مُذَفِّفٌ. وَإِذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ كَلْبًا أَوْ طَائِرًا عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ: فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، أَوْ أَدْرَكَهَا وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلاَ تَقْصِيرٍ؛ بِأَنْ سَلَّ السِّكِّينَ فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانٍ أَوِ امْتَنَعَ بِقُوَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ .. حَلَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومتى تيسر لحوقه بعدو أو استغاثه بمن يستقبله .. فمقدوره عليه) لا يحل إلا بالذبح، فإن رمى غير مقدور عليه فصار مقدورًا عليه ثم أصاب غير مذبحه .. لم يحل, ولو رمى مقدورًا عليه فأصاب مذبحه .. حل. ويجوز قراءة: (استغاثة) بالغين والثاء المعجمتين، و (استعانة) بالعين المهملة والنون، من العون. قال: (ويكفي في الناد والمتردي جرح يفضي إلى الزهوق)؛ بأن يكون مدميًا يجوز وقوع القتل به؛ لحديث رافع وأبي العشراء. قال: (وقيل: يشترط مذفف)؛ ليكون كقطع الحلقوم والمري في المقدور عليه. وقيل: يشترط ذلك في المتردي دون الناد، لأن الناد كالصيد، ولا يشترط فيه أن يتبع الرمي الرمي. فرع: تردى بعير فوق بعير فغرز رمحًا في الأول فنفذ إلى الثاني .. قال القاضي حسين: إن كان عالمًا بالثاني .. حل، وكذا إن كان جاهلاً على المذهب، كما لو رمى صيدًا فأصابه ونفذ منه إلى آخر. قال: (وإذا أرسل سهمًا أو كلبًا أو طائرًا على صيد فأصابه ومات: فإن لم يدرك فيه حياة مستقرة، أو أدركها وتعذر ذبحه بلا تقصير؛ بأن سل السكين فمات قبل إمكان، أو امتنع بقوته ومات قبل القدرة .. حل).

وَإِنْ مَاتَ بِتَقْصِيرِهِ؛ بِانَ لاَ يَكُونَ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ غُصِبَتْ أَوْ نَشِبَتْ فِي الْغِمْدِ .. حَرُمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما فيما إذا لم يدرك فيه حياة مستقرة بأن كان قد قطع حلقومه ومريئه أو أجافه أو خرق أمعاءه .. فيستحب أن يمر السكين على حلقومه ليريحه، فإن لم يفعل وتركه حتى مات .. حل؛ لأنه قدر عليه في حالة لا يحتاج فيها إلى التذكية. وعن الشيخ أبي حامد: لا يستحب الإمرار في هذة الحالة، حكاه في (الذخائر) عنه، كما لو ذبح شاة فاضطربت. وأما في إدراكها وتعذر الذبح من غير تقصير .. فكما لو لم يدركه حيًا. و (الطائر) مفرد، وجمعه طير. وللحياة المستقرة قرائن وأمارات تغلب على الظن بقاء الحياة، ويدرك ذلك بالمشاهدة، ومن أماراتها الحركة الشديدة وانفجار الدم بعد قطع الحلقوم والمريء. والأصح: أن الحركة الشديدة تكفي وحدها، فإن شككنا في حصولها ولم يترجح ظن .. فالأصح: التحريم. قال: (وإن مات بتقصيره؛ بأن لا يكون معه سكين أو غصبت أو نشبت في الغمد .. حرم)؛ لأنه كان من حقه أن يستصحب الآلة في غمد يواتيه، فصار كما لو تردى بعير فلم يطعنه حتى مات. وقال ابن أبي هريرة والطبري: يحل في صورة انتشابها في الغمد لأجل العذر وفي الغصب وجه أيضًا: أنه غير مقصر. ولا يشترط العدو في الطلب في الأصح، فلو مشى على عادته .. كفى، كما يكتفى به في السعي إلى الجمعة وإن عرف التحرم بالصلاة بأمارته. ولو حال بينه وبين الصيد سبع فلم يصل إليه حتى مات بالجرح .. حل، والفرق بينه وبين غصب السكين: أن غصبها عائد إليه ومنع السبع عائد إلى الصيد، وإذا لم يقصر؛ بأن اشتغل بقلب الصيد المنكب على وجهه أو اشتغل بطلب المذبح .. حل؛ لأنه لم يجد منه بدًا.

وَلَوْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ .. حَلاَّ، وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ .. حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ، أَوْ بَغَيْرِ مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا .. حَرُمَ الْعُضْوُ وَحَلَّ الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ .. حَلَّ الْجَمِيعُ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ و (نشبت) بكسر الشين المعجمة، أي: عسر إخراجها. و (السكين) يذكر ويؤنث، والغالب عليه التذكير، وحكى الكسائي: سكينة، سميت بذلك؛ لأنها تسكن حرارة الحياة، وسميت مدية؛ لأنها تقطع مدة حياته. قال: (ولو رماه فقده نصفين .. حلا)؛ لإطلاق حديث أبي ثعلبة: (ما أصبت بقوسك .. فاذكر اسم الله عليه، ثم كل) فأمره بالأكل ولم يفرق، وهذا لا خلاف فيه. فلو كانت إحدى القطعتين أقل من الأخرى، فإن كانت التي مع الرأس أقل .. أكل بلا خلاف؛ فإن ذلك يجري مجرى الذكاة، وإن كان بالعكس .. حلا أيضًا، خلافًا لأبي حنيفة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. واحتج الأصحاب بالقياس على ما سلمه. قال: (ولو أبان منه عضوًا بجرحٍ مذفف .. حل العضو والبدن)؛ لأن ذكاة بعضه ذكاة كله. هذا إذا مات في الحال؛ لأن محل ذكاة الصيد كل البدن، فلو لم يمت في الحال وأمكن ذكاته فتركه حتى مات .. صار ميتة. قال: (أو بغير مذفف ثم ذبحه أو جرحه جرحًا آخر مذففًا .. حرم العضو)؛ لأن الجراحة الأولى لم تصر ذكاة للأصل فلم تصر ذكاة للفرع، ولأنه أبين من حي (وحل الباقي)، فإن لم يبنه بالجراحة الأولى .. فقد صار مقدورًا عليه فيتعين ذبحه. قال: (فإن لم يتمكن من ذبحه ومات بالجرح) أي: الأول (.. حل الجميع)؛ لأن الجرح السابق كالذبح للجملة فيتبعها العضو، وكذلك صححه في (المحرر).

وَقِيلَ: يَحْرُمُ الْعُضْوُ. وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ قَدَرَ عَلَيْهِ: بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ – وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ – وَالْمَرِيءِ، وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: يحرم العضو)؛ لأنه أبين من حي، فأشبه ما إذا قطع ألية شاة ثم ذبحها .. لا تحل الألية، وهذا صححه في (الشرحين) و (الروضة)، أما باقي البدن .. فلا خلاف في حله. وقال أبو حنيفة: لا يحل العضو المبان بحال. قال: (وذكاة كل حيوان قدر عليه) وحشيًا كان أو إنسيًا (بقطع كل الحلقوم- وهو: مخرج النفس- والمريء, وهو مجرى الطعام)، وهو تحت الحلقوم؛ لأن الحياة تفقد بفقدها. و (المريء) بالهمزة، قال تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}. وقال الإصطخري: يكفي قطع أحدهما لفقد الحياة بفقده. وفي وجه آخر ضعيف اختاره الروياني في (الحلية): لا يضر بقاء شيء يسير من الحلقوم والمريء. وخرج بقوله: (قطع) ما لو اختطف رأس عصفور بيده أو ببندقة أو نحو ذلك؛ فإنه يكون ميتة؛ لأنه لا يسمى ذكاة، بل هو في معنى الخنق، لا في معنى القطع. ودخل في قوله: (قدر عليه) ما لو خرج بعض الجنين حيًا وهو مستقر الحياة، لكن الأصح في (الروضة) حله بذبح الأم؛ بناء على أن ما خرج بعضه كالمتصل على اضطراب فيه، ويشترط كون التذفيف متمحضًا بذلك، فلو أخر في قطعهما وأخر في نزع الحشوة أو نخس الخاصرة ... لم يحل. ولو انهدم سقف على شاة أو جرحها سبع فذبحت وفيها حياة مستقرة .. حلت وإن تيقن موتها بعد يوم أو يومين، وإن لم يكن فيها حياة مستقرة .. لم تحل، وقيل: تحل فيهما، وقيل: لا، فيهما. قال: (ويستحب قطع الودجين)؛ لأنه أوحى وأسهل لخروج الروح فهو من

وَ (الْوَدَجَانِ): عِرْقَانِ فِي جَانِبَي الْعُنُقِ. وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ .. عَصَى، فَإِنْ أَسْرَعَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ .. حَلَّ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، وَكَذَا إِدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ. وَيُسَنُّ نَحْرُ إِبِلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإحسان في الذبح، وخروجًا من خلاف مالك (و (الودجان)) بفتح الواو والدال (عرقان في جانبي العنق) من مقدمه يحيطان بالحلقوم، وقيل: يحيطان بالمريء، وأنكر على صاحب (التنبيه) قوله: وأن تقطع الأوداج كلها، وإنما هما ودجان فقط. وأجيب عنه بأن إطلاق صيغة الجمع علي اثنين صحيح حقيقة عند طائفة ومجازًا عند الأكثرين، أو أن المراد: يستحب قطع المجموع، كقوله في (باب سنن الوضوء): والطهارة ثلاثًا ثلاثًا، مع أن الأولى فرض. قال: (ولو ذبحه من قفاه .. عصى)؛ للعدول عن محل الذبح، ولما فيه من التعذيب، ولأنه لم يحسن في الذبح والقطع من صفحة العنق كالقطع من القفا. قال: (فإن أسرع فقطع الحلقوم والمريء وبه حياة مستقرة .. حل)، كما لو قطع يد الحيوان ثم ذكاه، وعن مالك وأحمد: لا يحل. قال: (وإلا .. فلا)؛ لأنها ليست ذكاة شرعية. قال الإمام: ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المريء، ولكنه إذا قطع المريء وبعض الحلقوم انتهى إلى حركة المذبوح؛ لِما ناله من قبل بسبب قطع القفا .. حل، وأقصى ما وقع التعبد به: أن تكون فيه حياة مستقرة عند الابتداء بقطع المذبح. قال: (وكذا إدخال سكين بأذن ثعلب) لقطع الحلقوم والمريء داخل الجلد؛ فإنه حرام للتعذيب، ثم ينظر: فإن انتهى إلى قطعهما بعد الإنتهاء إلى حركة المذبوح .. لم يحل ولا يفيده قطعهما، وإن انتهى إليه قبل .. حل. و (الثعلب) مثال لا قيد، فلو فعل ذلك بغيره .. كان الحكم كذلك. قال: (ويسن نحر إبلٍ)؛ لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} على أشهر التفاسير، ولأنه أسهل لخروج روحها لطول أعناقها، وقضية هذا التعليل: أن يشاركها فيه النعام والإوز، وكل ما طال عنقه من الصيود كالزرافة إن قلنا بحل أكلها.

وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ قَائِمًا مَعْقُولَ رُكْبَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وذبح بقر وغنم)؛ لما روى مسلم [1211/ 119]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر). وفي (الصحيحين) [خ 5558 - م1966]: (ضحى بكبشين أقرنين، يذبح ويكبر، ووضع رجله على صفاحهما). و (الذبح): قطع الحلقوم. قال: (ويجوز عكسه)؛ لأن الجميع موح من غير تعذيب، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم .. فكل) ولكنه خلاف الأولى، وقيل: مكروه. وحكى مجلي عن الشيخ أبي حامد: أن نحر البقر والغنم حرام إجماعًا. وعن مالك: لا يحل الخيل بذلك، والجمهور على أنها كالبقر، وكذا حمار الوحش وكل الصيود. قال: (وأن يكون البعير قائمًا معقول ركبة)؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ} قال ابن عباس: (قيامًا على ثلاث قوائم معقولة) رواه الحاكم [4/ 233]. قال الشاعر [من الكامل]: ألفَ الصفون فلا يزال كأنه .... مما يقوم على الثلاث كسيرا وروى أبو داوود [1762]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر سبع بدنات بيده قيامًا فكن يزدلفن إليه بأيها يبدأ). وفي (الصحيين) [خ 1713 - م 1320] عن ابن عمر: أنه أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها، فقال: (ابعثها قيامًا مقيدة سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم). والمستحب أن تكون المعقولة اليسرى؛ اقتداء به وبأصحابه صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابو داوود [1764] بإسناد صحيح، فإن لم يكن قائمًا .. فباركًا. و (النحر): الطعن بما له حد في المنحر، وهو الوهدة التي في أعلى الصدر وأصل العنق.

وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الأَيْسَرِ، وَتُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى، وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ، وَأَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال البندنيجي: ولا حد له، بل إذا نحر المكان .. أجزأه. وكلام المصنف يفهم: أن إيجاب قطع الحلقوم والمريء واستحباب قطع الودجين مخصوص بالذبح، والذي في (الحاوي) و (النهاية) و (الرافعي) وغيرها: أن المقطوع من البعير الحلقوم والمريء أيضًا. قال: (والبقرة والشاة مضجعة) بالإجماع، والخيل والصيد كالبقر. وقال في (الدقائق): إن لفظة (البقر) من زوائده، وليس كذلك، بل هي ثابتة في أكثر نسخ (المحرر). قال: (لجنبها الأيسر)؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار. ولفظة (الأيسر) من زياداته، وهي حسنة، فلو كان أعسر .. استحب أن يستنيب غيره ولا يضجعها على يمينها، كما تقدم في أن مقطوع اليمين لا يشير بسبابة يده اليسرى. قال: (وتترك رجلها اليمنى)؛ لتستريح بتحريكها (وتشد باقي القوائم)؛ كيلا تضطرب حالة الذبح فيزل الذابح. وفي (الكفاية): يشد ما عدا اليسرى، وكأنه سبق قلم. ويستحب أن يضجعها برفق. قال: (وأن يحد شفرته)؛ لما روى مسلم [1955] وغيره عن شداد بن أوس قال: خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم .. فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم .. فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).

وَيُوَجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ، وَأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (يحد) بضم الياء و (الشفرة): السكين العظيمة، ويندب إمرارها برفق وتحامل يسير ذهابًا وإيابًا. ويكره أن يحدها والشاة تنظر إليه، وأن يذبح شاة والأخرى تنظر إليها. ففي (سنن البيهقي): أن عمر رضي الله عنه رأي رجلاً يفعل ذلك فضربه بالدرة. ويكره أن يبين الرأس في الحال، وأن يزيد في القطع حتى يبلغ (النخاع) هو: خيط أبيض داخل عظم الرقبة يمتد إلى الصلب، وأن يكسر العنق، وأن يقطع عضوًا منها، وأن يحركها، وأن ينقلها إلى مكان حتى تخرج روحها منها. والأولى: أن تساق إلى المذبح برفق، وأن يعرض عليها الماء قبل الذبح؛ لأن ذلك أعون على سهولة سلخها. قال: (ويوجه للقبلة ذبيحته) كما فعل النبي؛ لأنها أفضل الجهات، وهو في الأضحية والهدي أشد استحبابًا. فإن قيل: ينبغي الكراهة في هذة الحالة؛ لأنها حالة إخراج نجاسة فكانت كالبول .. فالجواب: أنها حالة يستحب فيها ذكر الله، بخلاف تلك. واختلفوا في كيفية التوجيه على ثلاثة أوجه: أصحها: يوجه المذبح؛ ليكون الذابح مستقبلاً أيضًا. والثاني: يوجه جميع بدنها. والثالث: قوائمها. قال: (وأن يقول: باسم الله)؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللهِ عَلَيْهِ}. وفي (الصحيحين) [خ 985 - م 1960] أنه صلى الله عليه وسلم لما ذبح أضحيته قال: (باسم الله). فلو لم يسم .. حلت؛ لأن الله تعالى أباح ذبائح أهل الكتاب وهم لايسمون غالبًا، فدل على أنها غير واجبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم يذبح علي اسم الله سمى أو لم يسم). وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله تعالي؟ فقال: (اسم الله في قلب كل مسلم). وفي (البخاري) [7398] عن عائشة: أن قومًا قالوا: يا رسول الله؛ إن قومًا حديثو عهد بجاهلية يأتونا بلحمان لاندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا، أنأكل منها أم لا؟ فقال: (اذكروا اسم الله وكلوا). وأما قوله تعالى: {وَلاَ تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}، فالمراد به: ما ذبح للصنم، بدليل قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}، وسياق الآية يدل له؛ فإنه قال: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}. وقال ابن مسعود: المقصود بها تحريك أكل الميتة، وذلك أن مجوس الفرس قالوا لقريش: تأكلوا مما قتلتم ولا تأكلوا مما قتل الله؟ فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}، وقد أجمعوا على أن أكل ذبيحة المسلم الذي لم يسم عليها ليس بفسق. وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن ترك التسمية عمدًا .. لم يحل، وإن نسيها .. حل. وحكى الروياني عن النص: أن التسمية تستحب عند صيد السمك والجراد وعن الماوردي لا يستحب ذلك؛ لأنه لم يرد بها شرع، قال: ويستحب في الأضحية خاصة أن يكبر قبل التسمية وبعدها ثلاثًا، والأصح: أنه يستحب: اللهم منك وإليك. وفي (البحر): أن بعض السلف كان يقول: اللهم تقبل مني كما تقبلت من

وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، وَاسْمِ اللهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدِ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم خليلك وموسى كليمك وعيسى روحك ومحمد عبدك ورسولك، وأن أصحابنا قالوا: لا يكره ذلك ولا يستحب. وروى ابن ماجه [3121]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين ذبح كبشي أضحيته: ({وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضَ} الآية)، وفي (أبي داوود): أنه علَّم فاطمة ذلك، فينبغي أن يسن. ثم إن هذا الحكم لا يختص بالذبح، بل رمي الصيد وإرسال الكلب في معناه، وحيث قلنا: يستحب .. يكره تعمد تركه، وفي (تعليق الشيخ أبي حامد) و (الإستذكار): أنه يأثم به، وفيه نظر. وقوله: (باسم الله) تقدم في (باب أسباب الحدث): أنه يكتب بالألف. قال: (ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه موطن يشرع فيه ذكر الله تعالى فيشرع ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم, كالأذان والصلاة. وقيل: لا يستحب؛ لما روى البيهقي [9/ 286]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (موطنان لا أُذكر فيهما: عند الذبيحة وعند العطاس)، لكنه ضعيف. وقال ابن أبي هريرة: لا يستحب ولا يكره، وكرهها في هذه الحالة أبو حنيفة وابن المنذر. قال: (ولا يقل: باسم الله، واسم محمد)؛ فذلك غير جائز؛ لأن من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه فقط، كما في اليمين باسمه والسجود له من غير شركة مخلوق. قال الرافعي: إن أراد: أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد صلى الله عليه وسلم .. فينبغي أن لا يحرم، وقوله من قال: لا يجوز .. محمول على الكراهة، قال: وقد تنازع جماعة من فقهاء قزوين فيه: هل تحل ذبيحته؟ وهل يكفر أو لا؟ والصواب ما بيناه.

فَصْلٌ: يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ بكُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونص الشافعي على أنه إذا قال: أذبح للنبي صلى الله عليه وسلم أو تقربًا له .. أنه لا يحل أكلها. تتمة: عد الصيمري من الآداب: أن لا يذبح على قارعة الطريق، وصرح في (الإحياء) بتحريمه، وهو الأشبه؛ للأذى كالبول، إلا أنه قد يفرق بغلظ نجاسة البول، بدليل تحريمه في إناء في المسجد، وكراهة إخراج الدم فيه، والعفو عن يسير الدم دون البول. وقال الروياني: من ذبح للجن وقصد التقرب إلى الله تعالى ليصرف شرهم عنه .. فهو حلال، وإن قصد الذبح لهم .. فحرام. روي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبائح الجن)، قال أبو عبيد: هو أن يشتري الرجل دارًا أو يستخرج عينًا فيذبح خوفًا من أن يصيبه فيها الجن. قال: (فصل: يحل ذبح مقدور عليه وجرح غيره) كذا في (المحرر): يجوز ذبح المقدور عليه, والصواب: عبارة (الروضة)، وهي: المقدور عليه لا يحل إلا بالذبح في الحلق واللَّبَّة. قال: (بكل محدد يجرح كحديد نحاس وذهب وخشب وقصب وحجر وزجاج)؛ لأن ذلك أوحى لإزهاق الروح. وفي معنى الذهب: الفضة - وبه صرح في (الشامل) - والرصاص، قاله الرافعي، وفيه نظر.

إِلاَّ سِنًّا وَظُفْرًا وَسَائِرَ الْعِظَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إلا سنًا وظفرًا وسائر العظام)، فإن ذبح بها .. لم يحل؛ لما في (الصحيحين) عن رافع بن خَديج أنه قال: يا رسول الله؛ إنا لاقوا العدو غدًا وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه .. فكلوا ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك، أما السن .. فعظم، وأما الظفر .. فمدى الحبشة). ثم قيل: النهي عن العظم تعبد، وإليه مال ابن عبد السلام، وقال: إن للشرع عللاً تعبدية كما أن له أحكامًا تعبدية. وقال ابن الصلاح: إنه من الأحكام التي لا يعقل معناها. وقال المصنف في (شرح مسلم) معناه: لا تذبحوا بها؛ لأنها تنجس الدم، وقد نهيتكم عن تنجيس العظام في الاستنجاء؛ لكونها زاد إخوانكم الجن. وقال في (محاسن الشريعة) نهى عن ذلك؛ لما فيه من التعذيب. وقال ابن الجوزي في (مشكل الصحيحين): إن اجتناب الذبخ بالعظم كان معهودًا عند العرب، فأشار صلى الله عليه وسلم إليه. وقال في (الأم) و (المختصر): الذكاة بالعظم مكروه, ولم يبن لي أنه يحرم, وجرى على هذا العراقيون وغيرهم. وإطلاق المصنف (العظام) يشمل عظم الآدمي وغيره والمتصل والمنفصل. وفي سن الآدمي وعظمه وجه غريب حكاه في (الكفاية)، وعلم بهذا أن دعواه

وَلَوْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ ثِقَلِ مُحَدَّدٍ كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلاَ نَصْلٍ وَلاَ حَدَّ، أَوْ سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ، أَوْ جَرَحَهُ نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عُرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا، أَوِ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ .. حَرُمَ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ في (شرح المهذب) الإجماع على تحريم الذكاة بالعظم مردودة، وهو قد صرح بالخلاف في (تصحيحه). وقال بعض أصحابنا: إن كان العظم من مأكول اللحم .. حلت الذكاة به، وإلا .. فلا، حكاه الخطابي، وهو غريب أيضًا، لكن يستثنى: ما إذا قتله الكلب بظفره أو نابه؛ فإنه يحل بالنص والإجماع. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما الظفر .. فمدى الحبشة) معناه: أنهم كفار وقد نهيتكم عن التشبه بهم. وذكر ابن القطان في الكلام على (أحكام عبد الحق): أنه وقع الشك في (أما السن .. فعظم ... إلخ) هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوف على رافع بن خَديج؟ ورَدَّ عليه في ذلك تلميذه ابن المواز في كتاب (بغية النقاد). قال: (ولو قتل بمثقل أو ثقل محدد كبندقة وسوط وسهم بلا نصل ولا حد، أو سهم وبندقة، أو جرحه نصل وأثَّر فيه عرض السهم في مروره ومات بهما، أو انخنق بأُحْبُولة، أو أصابه سهم فوقع بأرض أو جبل ثم سقط منه .. حرم). أما المسائل الثلاثة الأول .. فلأنه وَقِيذ وقد حرم الله تعالى الموقوذة. وفي (الصحيحين) [خ 2054 - م 1929/ 3] عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المعراض؟ فقال: (إذا أصاب بحده .. فكل، وإن أصاب بعرضه .. فلا تأكل؛ فإنه وَقِيذٌ). وأما التي تليها .. فلقوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ}، ولأنه اجتمع المبيح والمحرّم، وموته بالأحبولة يدخل في المنخنقة.

وَإِنْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِالأَرْضِ وَمَاتَ .. حَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (أو أصابه سهم فوقع بأرض) أشار به إلى أنه إذا أصابه السهم في الهواء ولم يؤثر فيه جرحًا بل كسر جناحه فوقع فمات، أو جرحه جرحًا لا يؤثر فعطل جناحه فوقع ومات .. لم يحل؛ لعدم مبيح يحال الموت عليه. أما إذا جرحه السهم مؤثرًا ثم سقط علي الأرض .. فسيذكر حكمه عقبه؛ لأن صدمه الأرض وإن تخيل تأثيرها لكنها ضرورية. وحمل بعض الشارحين كلام المصنف على ما إذا ضربه فوقع بسطح ثم سقط منه، كما هو في (المحرر) و (الشرح) و (الروضة)، وقال: إن المصنف سبق قلمه، وهو أيضًا محتمل. وكذلك الحكم إذا رمى طيرًا في الهواء فوقع في ماء لا يحل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم: (وإن وجدته غريقًا في الماء .. فلا تأكل)؛ لاحتمال موته من الغرق، والأصل: التحريم. أما إذا رمى طير الماء، فإن كان على وجه الماء فأصابه فمات .. حل والماء له كالأرض، وإن كان خارج الماء ووقع بعد الإصابة .. فوجهان، قطع البغوي بالتحريم. فلو كان الطائر في هواء الماء .. قال في (التهذيب): إن كان الرامي في البر .. لم يحل, أو في سفينة .. حل. كل هذا إذا لم ينته الطائر في الهواء إلى حركة المذبوح، فإن انتهى إليها .. حل جزمًا. قال: (وإن أصابه سهم بالهواء فسقط بالأرض ومات .. حل)؛ لأن الوقوع بالأرض لابد منه فعفي عنه، وكذلك لو كان الطائر على شجرة فأصابه السهم فسقط بالأرض .. حل، فإن سقط على غصن ثم على الأرض .. لم يحل، كما لو سقط على سطح ثم على الأرض ومات .. لم يحل.

وَيَحِلُّ الاِصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن سقط حين أصابه السهم .. حل، قاله القاضي حسين. وليس الانصدام بالأغصان أو بأحرف الجبل عند التدهور من أعلاه كالانصدام بالأرض؛ فإن ذلك الانصدام ليس بلازم ولا غالب، والانصدام بالأرض لازم. ولإمام الحرمين احتمال في الصورتين؛ لكثرة وقوع الطير على الشجر والانصدام بطرف الجبل إذا كان الصيد فيه. فرع: قال البغوي: لو أرسل كلبًا في عنقه قلادة محددة فجرح الصيد بها .. حل، كما لو أرسل سهمًا. قال الرافعي: وقد يفرق بأنه قصد بالسهم الصيد ولم يقصده بالقلادة. قال ابن الرفعة: وهذا منه حمل لكلام البغوي على ظاهره، وليس كذلك، بل هو محمول على ما ذكره شيخه القاضي حسين، وهو فيما إذا كان معلمًا أن يضرب بتلك الحديدة فيصير كالرمي. قال: (ويحل الاصطياد بجوارح السباع والطير ككلب وفهد وباز وشاهين)؛ لقوله تعالى: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} ومراده بحل الاصطياد بهما: أن جرحهما في أي موضع كان يقوم مقام الذبح في المقدور عليه. وأما الاصطياد بمعنى إثبات الملك على الصيد .. فلا يختص بالجوارح، بل يحصل بأي طريق تيسر، ثم ذبحه كذبح الحيوانات الإنسية. قال ابن عباس: (الجوارح): الكلاب والطيور المعلمة، مشتقة من الجرح،

بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الكسب، قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} وقيل: من الجراحة. و (مكلبين) من التكليب، وهو: الإغراء، وقيل: من الكلب، وهو: الشدة، ويستدل للكلب بخصوصيته بحديث عدي بن حاتم المتفق على صحته. وفي (الترمذي) [1467] عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي؟ فقال: (ما أمسك عليك .. فكل) قال: والعمل عليه عند أهل العلم. وفي وجه ضعيف محكي عن أبي بكر الفارسي: أنه لا يحل اصطياد الكلب الأسود البهيم كمذهب أحمد؛ للأمر بقتله. وما ذكره المصنف من كون الفهد كالكلب هو الذي نص عليه الأصحاب، واستبعد الإمام تعليمه. والنمر كالفهد يحل أكل ما اصطاده, وقال في (شرح المهذب): قوله في (الوسيط): فريسة الفهد والنمر حرام .. غلط مردود، ليس هو وجهًا في المذهب، بل هما كالكلب، نص عليه الشافعي وكل الأصحاب، وقوله الإمام: إن النمر يبعد تعليمه لعدم انقياده، فإن تُصوِّر نادرًا فكالكلب .. لا يخالف ما قدمناه، والشيخان قد جزما في البيع بعدم صحة بيعه، وعللاه بعدم صلاحيته للصيد، فهو مخالف لما هنا. قلت: يمكن حمل الافتراس الذي وقع في (الوسيط) على دق العنق للأكل، وذلك أصله في اللغة، وفي العرف فريسة الفهد أو السبع أكيلته، ويقال: أكل الذئب الشاة، ولا يقال: افترسها. قال: (بشرط كونها معلمة)؛ للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ثعلبة الخشني: (ما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه .. فكل، وما صدت

بِأَنْ تَنْزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا وَتَسْتَرْسِلَ بَإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكَ الصَّيْدَ وَلاَ يَاكُلَ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته .. فكل) متفق عليه [خ 5478 - م 1930]، فصرح بأن غير المعلم لا يحل ما قتله. ويشترط في كون الكلب معلمًا أمور شرع المصنف في بيانها، فقال: (بأن تنزجر جارحة السباع بزجر صاحبها وتسترسل بإرساله)، كذا أطلقه الجمهور، وهو المذهب. وقال الإمام: يعتبر في ابتداء الأمر, فإذا اشتد عدوه .. فوجهان: أصحهما: يشترط أيضًا. و (الاستشلاء) الاستدعاء، واستعمله الشافعي رحمه الله بمعنى الإغراء، وهما لغتان، الأولى أشهرهما وأفصحهما. وممن ذكر الأولى: ابن فارس في (المجمل)، وأنشد فيه قول زياد الأعجم [من الطويل]: أتينا أبا عمرو فأشلى كلابه .... علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل واحترز المصنف بذلك عن الطيور، فلا يشترط فيها ذلك؛ لأنه لا مطمع في انزجارها بعد الطيران. ويبعد أيضًا اشتراط انكفافها في أول الأمر، وأما استرسالها بالإرسال- أعني هيجانها عند الإغراء - فلابد منه كالسباع. قال: (ويمسك الصيد) أي: يحبسه على صاحبه ولا يقتله، فإذا جاء صاحبه .. خلى بينه وبينه ولا يدفعه عنه. قال: (ولا يأكل منه)؛ لحديث عدي بن حاتم الآتي.

وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الأَظْهَرِ، وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الأُمُورِ بِحَيْثُ يَظُنُّ تَادِيبَ الْجَارِحَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ .. لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي قول شاذ: لا يضر أكله منه. واشترط ابن الصباغ في (فتاويه): أن لا يكون معلم الجارحة مجوسيًا، والمجزوم به في (شرح المهذب): أن ذلك لا يعتبر. قال: (ويشترط ترك الأكل في جارحة الطير في الأظهر) كما في جوارح السباع. والثاني: لا؛ لأن ذلك يعسر فيها، وبهذا قال أبو حنيفة. وقد قيل: إن سبيل تعليم الطير إطماعها في الإطعام مما يصاد. قال: (ويشترط تكرر هذه الأمور بحيث يظن تأديب الجارحة)، ولا يضبط ذلك بعدد، بل المرجع فيه إلى أهل الخبرة بها. وقيل: يشترط تكرره ثلاثًا، وقيل: مرتين. قال: (ولو ظهر كونه معلمًا ثم أكل من لحم صيد .. لم يحل ذلك الصيد في الأظهر)؛ لما روى الشيخان [خ 175 - م 1929/ 2] عن عدي بن حاتم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها .. فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل .. فلا تأكل)، ولأن عدم الأكل شرط في التعليم. والثاني- وبه قال مالك-: يحل؛ لما روى أبو داوود [2846] بإسناد حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ثعلبة: (كل وإن أكل منه)، وأجيب عنه بأن في رجاله داوود بن عمرو الأودي، وهو متكلم فيه، وإن صح .. حمل على ما إذا أطعمه صاحبه منه أو أكل منه بعدما قتله وانصرف. وقيل: إن كانت الجارحة بازيًا ونحوه .. حل قولاً واحدًا؛ لأنه إنما يعلم بالأكل

فَيُشْتَرَطُ تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ، وَلاَ أَثرَ لِلَعْقِ الدَّمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والكلب يعلم بالضرب على ترك الأكل، فإذا أكل .. علم أنه غير معلم، وهو ضعيف؛ إذ يلزم منه التحريم إذا لم يأكل منه، كما يحرم صيد الكلب بالأكل منه. قال الإمام: وددت لو فصل فاصل بين أن يمكث زمانًا ثم يأكل وبين أن يأكل بنفس الأخذ، لكن لم يتعرضوا له. قال المصنف: ما تمناه الإمام مشهور، صرح به صاحبا (البيان) و (التحرير) والدرامي، فقالوا: إن أكل عقب القتل .. فالقولان، وإلا .. فيحل قطعًا. وقال القفال: لو أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع وصار يقاتل دونه .. فهو كما لو أكل؛ لأنه أمسك على نفسه. وقوله: (ثم أكل) لابد من تقييده بمرة كما في (المحرر)؛ ليخرج ما إذا تكرر منه الأكل وصار عادة له؛ فإنه يحرم ما أكل منه قطعًا ولا يأتي فيه القولان. ونبه بقوله: (ذلك الصيد) على أنه لا ينعطف التحريم على ما اصطاده قبله، وهو كذلك. ثم إنه لا يخرج بالأكل عن التعليم إلا إذا أكل مما أرسل عليه، فإن استرسل المعلم بنفسه فقتل فأكل .. لم يقدح في كونه معلمًا بلا خلاف. وقوله: (من لحم صيد) قد يخرج جلده وحشوته، وفي ذلك طريقان: أصحهما: على قولي اللحم. والثاني: القطع بالحل؛ لأنها غير مقصودة، فلو حذف المصنف اللحم .. كان أشمل. قال: (فيشترط تعليم جديد) أشار بـ (الفاء) إلى مفرع على التحريم، كما صرح به الرافعي وغيره، وعلله في (شرح المهذب) بفساد التعليم الأول، وفيه نظر؛ لتصريحه بعدم انعطاف التحرم على ما صاده قبل ذلك. قال: (ولا أثر للعق الدم)؛ لأنه لم يتناول ما هو مقصود، قال الروياني وغيره:

وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنَ الصَّيْدِ نَجِسٌ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بلا خلاف، لكن أشار الإمام فيه إلى وجه ضعيف، وهو إنما يعرف عن النخعي وعطاء؛ فإنهما قالا: إنه يحرم بذلك. فائدة: سأل الملك الكامل الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقال: أخي إسماعيل الصالح له غرام في رمي البندق، فهل يحل له ذلك؟ قال: لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال: (إنه يفقأ العين ويكسر العظم). والذي أجاب به الشيخ صرح به في (الذخائر)، وخالفهما المصنف فأفتى بحله؛ لأنه طريق إلى الاصطياد، قال: وهو مقتضى الحديث الثانبت في (الصحيحين) [خ 6220 - م1954/ 55] عن عبد الله بن مُغَفَّل: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: (إنه لا ينكأ العدو ولا يقتل الصيد، ولكن يفقأ العين ويكسر السن). وقد ذكر البخاري في (صحيحه) عن الحسن البصري: أنه كره الرمي به في القرى خوفًا من أن يصيب إنسانًا، ولم ير به بأسًا في سواها، فإذا رمى به طائرًا وأدرك به حياة مستقرة وذكاه .. حل، وإلا .. فلا. وخصه المصنف بالطيور الكبار التي لا تموت منه غالبًا وتدرك فيها حياة مستقرة. قال: (ومعض الكلب من الصيد نجس) كغيره مما ينجسه الكلب، فإذا غسل سبعًا وعفر .. أكل. قال: (والأصح: أنه لا يعفى عنه)، كما لو أصاب ثوبًا أو إناء .. فلا بد من غسله وتعفيره. والثاني: يعفى عنه مع الحكم بنجاسته؛ لأن الله تعالى أباح الأكل ولم يشترط

وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ، وَلاَ يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ. وَلَوْ تَحَامَلَتِ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا .. حَلَّ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغسل، ولأنه يشق الاحتراز عنه، فأشبه الدم الذي في العروق، وقواه في (المطلب). قال: (وأنه يكفي غسله بماء وتراب)؛ لعموم الأمر بذلك. قال: (ولا يجب أن يقور ويطرح) خلافًا لمن أوجب ذلك، وعلله بأن نجاسة الكلب سرت في اللحم فلا يطهر بماء، وقائل هذا يطرده في كل لحم وفيما في معناه، بخلاف ما يناله لعابه من غير عض، وهو بعيد. وقال القفال: إن أصاب نابه عرقًا نضاخًا بالدم .. سرت النجاسة إلى جميعه وحرم أكله، وغلطه الإمام؛ لأن الدم إذا كان يفور .. يمنع عرض النجاسة فيه، كالماء المتصعد من فوارة إذا وضعت نجاسة على أعلاه .. لم ينجس ما تحته، وهذا الوجه نقله في (الوسيط) عن القفال، وإنما هو عن بعض أصحابه. والرابع: يكفي غسله بالماء مرة واحدة من غير تعفير، فجميع ما في المسألة كما قاله في (شرح المهذب) ستة أوجه: أصحها: أنه كغيره. والثاني: يغسل مرة. والثالث: أنه طاهر. والرابع: معفو عنه. والخامس: يجب تقويره. والسادس: التفرقة المنسوبة للقفال. قال: (ولو تحاملت الجارحة على صيد فقتلته بثقلها .. حل في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، ولأنه يعز تعليمه أن لا يقتل إلا جرحًا، وليس كالإصابة بعرض السهم؛ فإن ذلك من سوء الرمي.

وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوِ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوِ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ .. لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا لَوِ اسْتَرْسَلَ فَأغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ في الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني- وبه قال أبو حنيفة-: يحرم؛ لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)، وادعى المزني: أن هذا أولى القولين، وصححه صاحب (المرشد)، وبه جزم في (البويطي)، والقولان في (الأم) من غير ترجيح. واحترز بقوله: (بثقلها) عما إذا مات فزعًا منه أو بشدة عدوه؛ فإنه لا يحل قطعًا. والمصنف أطلق الخلاف ومحله: إذا لم يجرح الكلب الصيد، فإن جرحه ثم تحامل عليه .. حل قطعًا. قال: (ولو كان بيده سكين فسقط وانجرح به صيد أو احتكت به شاة وهو في يده فانقطع حلقومها ومريئها أو استرسل كلب بنفسه فقتل .. لم يحل) أشار بهذا إلى اعتبار القصد في العقر المبيح من غير ذكاة. فأما في المسألة الأولى .. فلأنه لم يذبح بقصد الذبح والأعمال بالنيات، وفيها وجه ضعيف: أنه يحل. والثانية في معناها، سواء حرك هو أيضًا يده أم لا. وأما الثالثة .. فلأنه لم يرسل الكلب، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أرسلت كلبك). قال: (وكذا لو استرسل فأغراه صاحبه فزاد عدوه في الأصح)؛ لاجتماع الإغراء المبيح والاسترسال المانع، فغلب جانب المنع. والثاني: يحل؛ لظهور أثر الإغراء بزيادة العدو.

وَإِنْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ .. حَلَّ. وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إِلَى غَرَضٍ فَاعْتَرَضَ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ .. حَرُمَ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرجهما القاضي على القولين فيما إذا كانت سفينة مشحونة فوضع إنسان فيها عدلاً فغرقت .. هل يضمن الجميع أو القسط؟ أما إذا لم يزد عدوه .. فحرام قطعًا. ومحل الوجهين: إذا لم يتقدم إغراء وزجر، فإن تقدم بأن انزجر ثم أغراه فاسترسل واصطاد .. حل بلا خلاف، وإن لم ينزجر فأغراه فزاد عدوه .. فعلى الوجهين، وأولى بالتحريم، وقطع به العراقيون. وقوله: (صاحبه) يفهم: أنه لو أغراه فضولي .. لا يكون الحكم كذلك، وليس كذلك؛ فقد قال الشافعي في (المختصر): وسواء استشلاه صاحبه أو غيره. قال في (البحر): يعني: إذا استشلا الأجنبي كلب غيره فقتل الصيد .. فهو حلال. قال: (وإن أصابه سهم بإعانة ريح .. حل)؛ لأن الاحتراز عن ذلك لا يمكن فسقط اعتباره فلم يتغير به حكم الإرسال، وتردد فيه الإمام. أما إذا أصاب الأرض ثم ازدلف من ذلك الموضع فأصاب صيدًا ... ففيه وجهان: أحدهما: يحل كما لو أعانته الريح. والأصح: يحرم؛ لأن الأرض أعانته وقَوَّته فغيرت حكمه. وأصل الوجهين: إذا رمى سهمًا عند المسابقة فأصاب الأرض ثم ازدلف وأصاب الغرض .. ففي حسبانه قولان. قال: (ولو أرسل سهمًا لاختبار قوته أو إلى غرض فاعترض صيد فقتله .. حرم في الأصح)؛ لأن الرمي إلى غير شخص عبث لا يترتب عليه حكم شرعي، ولهذا لا يقصر راكب التعاسيف وإن بلغ مسافة القصر؛ لشبهه بالعابث. والثاني: يحل؛ لأنه وجد قصد الفعل والاعتبار به، كما لو قطع ما ظنه ثوبًا فإذا هو حلق شاة .. حل، والفرق: أنه هناك قصد عينًا.

وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ سِرْبَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَةً .. حَلَّتْ، وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً فَأَصَابَ غَيْرَهَا .. حَلَّتْ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا .. حَرُمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي معنى ما ذكره المصنف: ما لو أرسله على ما لا يؤكل عادة كذئب أو خنزير فأصاب صيدًا؛ فإنه لا يؤكل أيضًا على الأصح. قال: (ولو رمى صيدًا ظنه حجرًا أو سرب ظباء فأصاب واحدة .. حلت). أما الأولى .. فكما لو أراد ذبح شاة معينة فذبح غيرها وهو يظن أنها هي، ولأنه قتله بفعله، ولا اعتبار بالقصد كذبح الصبي والمجنون مع أنه ليس لهما قصد صحيح، وقيل: يحرم، وبه أجاب الصيدلاني، ويحكى عن أبي حنيفة؛ لأنه لم يوجه قصده إلى صيد. وأما الثانية .. فلأنه قصد السرب وهذه منها. و (السرب) بكسر السبن المهملة: القطيع من الظباء، والطائفة من القطا والوحش والنساء، وهو بفتح السين: الإبل وما رعي من المال. قال: (وإن قصد واحدة فأصاب غيرها .. حلت في الأصح)، سواء كان ذلك الغير على سمت الأول أم لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ثعلبة: (فما أصبت بقوسك .. فاذكر اسم الله عليه ثم كل) وهو قد قصد الصيد، وبهذا قال أبو حنيفة. والثاني: لا؛ لأنه أصاب غير ما قصد، وبهذا قال مالك، قال في (المهمات): وهذا هو المنصوص في (البويطي)، والذي صححه الشيخان خلاف المنصوص. والثالث: إن كان المصاب من السرب الذي رآه ورماه .. حل، وإلا .. فلا، وكذلك الكلب إذا أرسله على صيد فقتل غيره .. الأصح: حله مطلقًا؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، ومنهم من فرق بين أن يعدل عن ذلك أم لا. قال: (ولو غاب عنه الكلب والصيد ثم وجده ميتًا .. حرم)؛ لاحتمال موته.

وَإِنْ جَرَحَهُ وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا .. حَرُمَ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب آخر، ولا أثر لتلطخه بالدم؛ لاحتمال أنه أصابته جراحة أخرى. وصورة المسألة- كما قاله الماوردي-: أن يغيب عنه أن يجرحه الكلب، فلو بلغ منه مبلغ الذبح وهو يراه ثم غاب عنه ثم وجده ميتًا .. حل قطعًا؛ لأنه صار مذكى عند مشاهدته، فلم يحرمه ما حدث بعده. قال: (وإن جرحه وغاب ثم وجده ميتًا ... حرم في الأظهر) هذه تسمى مسألة الإنماء، وقطع بعضهم فيها بالحل، وبعضهم بالتحريم، فكان ينبغي أن يعبر بالمذهب. ويدل لما صححه المصنف: ما رواه البيهقي [9/ 241] عن ابن عباس أنه قال: (كل ما أصميت، ودع ما أنميت)، فالإصماء: أن يقتل الصيد مكانه، ومعناه: سرعة إزهاق الروح، والإنماء: أن يصيب إصابة غير قاتلة في الحال ثم يغيب ولا يعلم هل قتله ذلك أم لا؟ وفي (مراسيل أبي داوود) [382] عن زياد بن أبي مريم قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رميت صيدًا ثم تغيب فوجدته؟ فقال: (هوام الأرض كثيرة) ولم يأمره بأكله. والثاني: يحل؛ لعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته .. فكله ما لم ينتن) رواه مسلم [1931] من حديث أبي ثعلبة. وقوله: (ما لم ينتن) يحتمل أن يكون خشية من أن تنهشه حية فيتغير اللحم من سمها فيفسد، ويحتمل أنه نهي تنزيه كأكل ما تغير ريحه، ولأنه لم يتحقق سبب جديد، فالأوجه: الإضافة إلى الأول، ولذلك نوجب القصاص بجرح حصل الموت بعده وإن احتمل طروء سبب آخر، فلهذا قال في زوائد (الروضة): الحل أصح دليلاً، وصححه في (الإحياء)، وثبتت فيه أحاديث صحيحة، ولم يثبت في التحريم شيء، وقد علق الشافعي رحمه الله الحل على صحة الحديث، وعبر عنه في (التصحيح) بالمختار، وفي (شرح المهذب) بالصواب، وفي (شرح مسلم) بأنه أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة.

فَصْلٌ: يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِضَبْطِهِ بِيَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وموضع الخلاف: إذا لم يكن قد أنهاه بالجرح إلى حركة مذبوح، وإلا .. حل قطعًا، وإذا لم يجد فيه غير جرحه، فإن وجده في ماء أو به جراحة أخرى .. حرم قطعًا تتمة: للمسألة نظائر: منها: إذا مشط المحرم شعره فانتف منه شيء وشك هل انتتف بالمشط أو كان منتفًا .. الأصح: أنه لا فدية، ولم يحيلوه على السبب. ومنها: إذا قد ملفوفًا وقد تقدمتا. ومنها: إذا بالت ظبية في ماء ثم ظهر تغيره .. المذهب المنصوص: نجاسته؛ إحالة على السبب الظاهر، وهو يشكل على الرافعي في (تصحيحه) الحرمة في مسألة الكتاب. ومنها: إذا جرح المحرم صيدًا ثم غاب عنه ثم وجده ميتًا ولم يدر هل مات بسبب جراحته أو بسبب آخر .. الأصح فيها: وجوب الأرش لا كمال الجزاء؛ إذ الشك فيه أوجب عدم وجوبه، وهو نظير مسألة الكتاب. قال: (فصل: يملك الصيد) أي: الذي يحل اصطياده (بضبطه بيده)، ممتنعًا كان أو غير ممتنع؛ لأنه يعد بذلك مستوليًا عليه، فأشبه سائر المباحات وإن لم يقصد ملكه حتى لو أخذه لينظر إليه ويرسله؛ لقوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}. أراد بما تناله الأيدي: الصغار- وقيل: البيض- وبالثاني: كبار الصيد. ومر صلى الله عليه وسلم بظبي حاقف- أي: مثخن عاجز- فهم أصحابه بأخذه فقال: (دعوه حتى يجيء صاحبه) رواه مالك [1/ 351] والنسائي [5/ 182] وابن حبان [5111] والحاكم [3/ 624].

وَبِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ، وَبِإِزْمَانٍ وَكَسْرِ جَنَاحٍ، وَبِوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ نَصَبَهَا، وَبِإِلْجَائِهِ إِلَى مَضِيقٍ لاَ يُفْلِتُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان الصائد غير مميز كالأعمى والمجنون، فإن لم يأمره به أحد .. ملكه أيضًا، وإن أمره به غيره .. فهل هو له إن كان حرًا أو لسيده إن كان عبدًا أو للآمر؟ فيه الوجهان في التوكيل فى تملك المباح. أما الذى لا يحل اصطياده، بأن كان محرمًا أو الصيد لغيره .. فلا يملكه قطعًا ولو سعى خلفه فوقف الصيد للإعياء .. لم يملكه، لأن وقوفه استراحة، وهو يعينه على امتناعه. قال: (وبجرح مذفف، وكسر جناح) بحيث يعجز معها عن الطيران؛ لأنه يعد بذلك مستوليًا عليه، فأشبه سائر المباحات، ويكفي فى ذلك إبطال شدة عدوه بحيث يسهل أخذه. والمراد: إزالة الامتناع بكسر جناح الطير الذي يمتنع بالطيران، ورجل ما يمتنع بالجري، وكسرهما مما يمتنع بهما كالدراج والقبيح، ومن طريق الأولى قطع الحلقوم والمريءء أو إخراج الحشوة بسهمه أو جارحته، فو جرحه فعطش ووقف، فإن كان لعجزه عن الوصول إلى الماء .. ملكه، وإن كان العطش لعدم الماء .. فلا. قال: (وبوقوعه في شبكة نصبها)، سواء طرده أو وقع نفسه، سواء نصبها محل عدوان أم لا، وسواء قصد بنصبها الاصطياد أم لا؛ لأنه يعد بذلك مستوليًا عليه، فلو تقطعت الشبكة وأفلت، فإن قطعها الصيد .. عاد مباحًا يملكه من أخذة إلا .. لم يزل الملك، وفي (باب النذر) من (الوسيط): إن انفلت من الشبكة .. لم يزل الملك فيه على الصحيح. واحترز بـ (نصب الشبكة) عما إذا وقعت منه فتعلق بها صيد؛ فالأصح: أنه لا يملكه. قال: (وبإلجائه إلى مضيق لا يفلت منه)؛ بأن يدخله بيتًا ونحوه؛ لأنه يصير في قبضته.

وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي مِلْكِهِ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِتَوَحُّلٍ وَغَيْرِهِ .. لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا: لو دخل السمك حوضًا له فسد المنفذ بحيث لا يمكنه الخروج منه، فإن كان الحوض صغيرًا يمكنه تناول ما فيه باليد .. ملكه، وإن كان كبيرًا لا يمكنه أن يتناول ما فيه إلا بجد وتعب أو إلقاء شبكة فى الماء .. لم يملكه به، ولكنه يصير به أولى من غيره فلا يصيده أحد إلا بإذنه. ولو استرسل الصيد بعد ما أخذه الكلب .. فالأصح: أنه لا يملكه. قال: (ولو وقع صيد في ملكه) أي: اتفاقًا (وصار مقدورًا عليه بتوحل وغيره .. لم يملكه فى الأصح)، سواء في ذلك المزرعة وغيرها، كما لو حفر حفيرة فوقع فيها صيد؛ لأنه لم يقصد بسقي الأرض وحفرها الاصطياد، والقصد مرعي فى التملك. والثاني: يملكه كما لو وقع في الشبكة، قال الإمام: والخلاف حيث لا يقصد به توحل الصيود، إلا .. فنكنصب الشبكة. وأشار بقوله: (غيره) إلى أنه إذا عشش طائر في ملكه وباض وفرخ وحصلت القدرة على البيض والفرخ .. لا يملكه؛ لأن الدار لم تبن لذلك، بخلاف نصب الشبكة، فلو قصد ببناء الدار تعشيش الطائر فعشش أو وقعت الشبكة من يده بلا قصد فتعلق بها صيد .. فالأصح: الملك في الأولى نظرًا للقصد دون الثانية. ولو دخل بستان إنسان وأخد منه صيدًا ممتنعًا .. ملكه قطعًا. ولو دخل داره فأغلق عليه الباب قاصدًا تملكه، وإن لم يقصده .. لم يملكه في الأصح. قال في (المهمات): ووقع فى (الشرح الصغير) و (الروضة) في فرخ الطائر إذا عشش في ملكه ثلاثة أجوبة متعارضة؛ فإنه حكم هنا بأن الملك فى الطائر وشبهه أولى من المتحجر، وفي (باب الوليمة) بأن المتحجر أولى بالملك منها، وفي (باب الإحياء) جعل الجميع سواء، قال: وفي (كتاب الوسائل) لأبي الخير بن جماعة المقدسي: أنه لو استأجر سفينة فدخل فيها سمك .. ففيه وجهان: أحدهما: أنه للمستأجر.

وَمَتَى مَلَكَهُ .. لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِانْفِلاَتِهِ، وَكَذَا بِإِرْسَالِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: للمالك؛ لأن هذا ليس من المنافع التي تقع الإجارة عليها. قال: (ومتى ملكه .. لم يزل ملكه بانفلاته) كما لو أبق العبد أو شردت البهيمة، ومن أخذه .. لزمه رده، سواء كان يدور في البلد أو التحق بالوحوش في البرية. قال: (وكذا بإرسال المالك له في الأصح)؛ لأن رفع اليد عنه لا يقتضي زوال الملك، كما لو سبب بهيمة. فعلى هذا: ليس لمن عرفه أن يصيده، ومن لم يعرفه وصاده .. لا يملكه، ولهذا قال القفال: بعض العوام يحتسبون بإرسال الطيور المملوكة ويسمونه إعتاقًا، ولا ينبغي ذلك؛ لأنه يخلط ملكه بالطيور المباحة فيظن من أخذه أنه يملكه. نعم؛ لو قال المالك عند إرساله: أبحته لغيري .. حصلت الإباحة، ولا ضمان على من أكله، لكن لا ينفذ تصرفه فيه، ولا يحل تناوله لمن عرف أنه مملوك إلا إذا سمع الإباحة. ولو قال عند إرساله: أعتقته .. لم يزل ملكه عنه، قاله المسعودي، وحاول ابن الرفعة جريان وجه فيه. والوجه الثاني: أن ملكه عنه يزول كما لو أعتق العبد. والثالث: إن قصد بإرساله القربة .. زال، وإلا .. فالقولان. والوجهان في الكتاب يجريان فيما لو صب ماءه أو أعرض عن سواقط الثمار أو كسرة خبز، ورجح المصنف: إن أخذها يملكها ويصح تصرفه فيها، وهو ظاهر أحوال السلف. فرع: أعرض عن جلد ميتة فأخذه غيره ودبغه ملكه على المذهب كما تقدم في (الغضب).

وَلَوْ تَحَوَّلَ حَمَامُهُ إِلَى بُرْجِ غَيْرِهِ .. لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَإِنِ اخْتَلَطَ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ .. لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ، وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهِ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ بَاعَاهُمَا وَالْعَدَدُ مَعْلُومٌ وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ .. صَحَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو اشترى سمكة فوجد فى جوفها درة، فإن لم تكن مثقوبة .. فهي له، وإلا .. فللبائع إذا ادعاها؛ قاله البغوي، قال الرافعي: ويشبه أن يقال: الدرة لصائد السمكة كالكنز الموجود في الأرض يكون لمحييها. قال: (ولو تحول حمامه إلى برج غيره .. لزمه رده)؛ لبقاء ملكه؛ كالضالة؛ فإن حصل منها بيض أو فرخ .. تبع الأنثى؛ فيكون لمالكها. وإن ادعى إنسان تحول حمامه من برجه إلى برج غيره .. لم يقبل قوله، والورع: أن نصدقه إلا أن نعلم كدبه. و (البرج): الحصن، والجمع: بروج وأبراج، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} فائدة: نقل أبو نعيم والزمخشري وغيرهما عن مجاهد في قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}: أنه بروج الحمام، ونقل الروياني عن بعض مشايخه أنه قال: ينبغي للمتقين اجتناب طيور البروج واجتناب بنائها. قال: (وإن اختلط وعسر التمييز .. لم يصح بيع أحدهما وهبته شيئًا منه لثالث)؛ لعدم تحقق الملك. قال: (ويجوز لصاحبه في الأصح)؛ للحاجة الداعية إليه. والثاني: المنع؛ للجهالة، وينبغي تخصيص الخلاف بما إذا جهلا العدد والقيمة، فإن علماهما .. فينبغي القطع بالصحة؛ لصيرورتها شائعة. قال: (فإن باعاهما والعدد معلوم والقيمة سواء) مثل إن كان لأحدهما مئتان وللآخر مئة وزعا الثمن على أعدادهما. قال: (.. صح) وتحتمل الجهالة للضرورة.

وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ: فَإِنْ َّفَّفَ الثَّانِي أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الأَوَّلِ .. فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ ذَفَّفَ الأَوَّلُ .. فَلَهُ، وَإِنْ أَزْمَنَ .. فَلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فلا)؛ لأن كل واحد لا يعرف ما يستحقه من الثمن، كذا جزم به الرافعي والمصنف، ونقله ابن الرفعة عن الإمام فقط، وهو كذلك في (النهاية). فروع: اختلطت حمامة مملوكة بحمامات برجه .. قال البغوي: له أن يأكل بالاجتهاد واحدة واحدة حتى تبقى واحدة، وقال الروياني: لا يأكل واحدة منها حتى يصالح صاحب الحمامة أو يقاسمه. ولو انثالت حنطته على حنطة غيره أو انصب مائع في مائع وجهل المقدار .. قال الرافعي: فليكن كاختلاط الحمام. ولو اختلط درهم أو دراهم حرام بدراهمه ولم يتميز أو دهن بدهن ونحو ذلك .. فطريقه أن يفصل قدر الحرام ويصرفه إلى الجهه التي يجب صرفه فيها ويبقى الباقي له يتصرف فيه. ولو اختلفا فى مقدار المختلط .. قال الماوردى: القول قول من انثال الطعام على صبرته. ولو اختلط حمام مملوك بحمام بلد غير مملوك ولا محصور .. جاز الاصطياد، وكذا لو اختلط حمام أبراج مملوكة لا يكاد ينحصر بحمام بلد أخرى مباحة لا ينحصر .. ففى جواز الاصطياد وجهان: أصحهما: الجواز. قال: (ولو جرح الصيد اثنان متعاقبان: فإن ذفف الثاني أو أزمن دون الأول .. فهو للثاني)؛ لأنه ملكه بذلك، ولا شيء عليه للأول بجراحته؛ لأنه كان مباحًا حينئذ. قال: (وإن ذفف الأول .. فله) ويكون على الثاني أرش ما نقص. قال: (وإن أزمن .. فله) أي: للأول أيضًا؛ لإزمانه إياه.

ثُمَّ إِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي بَقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ .. فَهُوَ حَلاَلٌ، وَعَلَيْهِ لِلأَوَّلِ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ، وَإِنْ ذَفَّفَ لاَ بِقَطْعِهِمَا أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ .. فَحَرَامٌ، وَيَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ثم إن ذفف الثاني بقطع حلقوم ومريء .. فهو حلال، وعليه للأول ما نقص بالذبح) وهو ما بين قيمته زمنًا ومذبوحًا، قال الإمام: وإنما يظهر التفاوت إذا كان فيه حياة مستقرة، فإن كان متألمًا بحيث لو لم يذبح لهلك .. فما عندي أنه ينقص منه بالذبح شيء. قال: (وإن ذفف .. لا بقطعهما) يعني الحلقوم والمريء (أو لم يذفف ومات بالجرحين .. فحرام). أما الأولى .. فلأن المقدور عليه لا يحل إلا بقطعهما. وأما الثانية .. فلاجتماع المبيح والمحرم. قال: (ويضمنه الثاني للأول)؛ لإفساد ملك الأول عليه. وظاهر كلام المصنف أنه يضمن جميع قيمته زمنًا، وهو كذلك فيما إذا كان جرحه مذففًا، فإن جرح بلا تذفيف ومات بالجرحين .. ففيما يجب عليه كلام له مقدمة، وهي: إذا جنى رجل على عبد أو بهيمة أو صيد مملوك قيمته عشرة دنانير جراحة أرشها دينار، ثم جرحه آخر جراحة أرشها دينار، فمات بالجرحين .. ففيما يلزم الجارحين أوجه: أحدها: يجب على الأول خمسة وعلى الثاني أربعة ونصف؛ لأن الجرحين سريا وصارا قتلاً فلزم كل واحد نصف قيمته يوم جنايته، قاله ابن سريج، وضعفه الأئمة؛ لأن فيه ضياع نصف دينار على المالك. والثاني - قاله المزني وأبو إسحاق والقفال -: يلزم كل واحد خمسة. والثالث – حكاه الإمام عن القفال أيضًا -: يلزم الأول خمسة ونصف، والثاني خمسة؛ لأن جناية كل واحد نقصت دينارًا، والأرش يسقط إذا صارت الجناية نفسًا فيسقط عن كل واحد نصف الأرش؛ لأن الموجود منه نصف القتل، واعترض عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن فيه زيادة الواجب على المتلف، وأجاب عنه القفال بأن الجناية قد تنجر إلى إيجاب زيادة كمن قطع يدي عبد فقتله آخر. وأجيب عنه بأن قاطع اليدين لا شركة له في القتل، والقتل يقطع أثر القطع ويقع موقع الاندمال، وهناك بخلافه. والوجه الرابع: عن أبي الطيب بن سلمة: كذلك لكن لا يزيد الواجب على القيمة، فيجمع ما لزمهما وهو عشرة ونصف، وتقسم القيمة وهي عشرة على العشرة والنصف ليراعى التفاوت بينهما ويبسط أنصافًا، فيكون أحدًا وعشرين، فيلزم الأول أحد عشر من أحد وعشرين جزءًا من عشرة، والثاني عشرة من أحد وعشرين جزءًا من عشرة. والخامس: عن الإمام والغزالي: يلزم الأول خمسة ونصف، والثاني أربعة ونصف. والسادس: عن ابن خيران وصاحب (الإفصاح) وأطبق عليه العراقيون وصححه (الحاوى الصغير): أنه يجمع بين القيمتين، فيكون تسعة عشر، فيقسم عليه ما فوتا وهو عشرة، فيكون على الأول عشرة أجزاء من تسعة عشر، وعلى الثاني تسعة أجزاء من تسعة عشر جزءًا من عشرة. ونعود إلى مسألة الكتاب وهي مسألة الصيد فتقول: إذا جرح الثاني جراحة غير مذففة .. نظر، إن مات قبل أن يتمكن الأول من ذبحه .. لزم الثاني تمام قيمته مزمنًا؛ لأنه صار ميتة بفعله، بخلاف ما لو جرح شاة نفسه وجرحها آخر وماتت .. فإنه لا يجب على الثاني إلا نصف القيمة؛ لأن كل واحد من الجرحين حرام، والهلاك حصل بهما، وهنا فعل الأول اكتساب وذكاة. وإن تمكن من ذبحه فذبحه .. لزم الثاني أرش جراحته إن نقص بها، وإن لم يذبحه وتركه حتى مات .. فالأضح: أنه يضمن زيادة على الأرش، ولا يكون تركه الذبح مسقطًا للضمان، كما لو جرح رجل شاته فلم يذبحها مع التمكن .. لا يسقط الضمان.

وَإِنْ جَرَحَاهُ مَعًا فَذَفَّفَا أَوْ أَزْمَنَا .. فَلَهُمَا، وَإِنْ ذَفَّفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الآخَرِ .. فَلَهُ، وَإِنْ ذَفَّفَ وَاحِدٌ وَأَزْمَنَ الآخَرُ وَجُهِلَ السَّابِقُ .. حَرُمَ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى هذا: فيما يضمن وجهان: أحدهما: كمال قيمته مزمنًا كما لو ذفف. وأصحهما: لا، بل هو كمن جرح عبده وجرحه غيره؛ لأن الموت حصل بهما، وكلاهما إفساد، أما الثاني .. فظاهر، وأما الأول .. فلأن ترك الذبح مع التمكن يجعل الجرح وسرايته إفسادًا، ولهذا لو لم يوجد الجرح الثاني وترك الذبح .. كان الصيد ميتة، فعلى هذا: تجيء الأوجه في كيفية التوزيع على الجرحين، فحصة الأول تسقط وحصة الثاني تجب. قال: (وإن جرحاه معًا فذففا أو أزمنا .. فلهما)؛ لاشتراكهما في سبب الملك، كما لو اشتركا في قتل الكافر .. اشتركا في استحقاق السلب، وكذلك إذا أزمن أحدهما وذفف الآخر .. استوى قدر الجراحتين ومحلهما من مذبح وغيره، أو تفاوتا فيهما. قال: (وإن ذفف أحدهما أو أزمن دون الآخر .. فله)؛ لانفراده بسبب الملك، ولا ضمان على الآخر. قال: (وإن ذفف واحد وأزمن الآخر وجهل السابق .. حرم على المذهب)؛ لاحتمال تقدم الإزمان، فلا يحل بعده إلا بقطع الحلقوم والمريء. والطريق الثاني: حكاية قولين كمسألة الإنماء السابقة، ووجه الشبه اجتماع المبيح والمحرم، ومن قال بالأول .. قال هناك: جرح يحال عليه الموت، وهو معهود في القصاص وغيره، وهاهنا بخلافه. تتمة: الاعتبار في الترتيب والمعية بالإصابة، لا بابتداء الرمي، فإن اختلفا في هذه الحالة الأخيرة، فادعى كل أنه أزمنه أولاً وأنه له .. فلكل تحليف الآخر، فإذا حلفنا فهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لهما، أو أحدهما .. فهو له وله على الناكل أرش ما نقص بالذبح. وصورة المسالة: أن يذفف في غير المذبح، أما لو ذفف فيه .. فهو حلال قطعًا، فلو اختلفا وادعى كل أنه أزمنه وأنه له .. فلكلٍّ تحليف صاحبه، فإن حلفا .. فهو لهما ولا شيء لواحد على الآخر، وإن حلف أحدهما فقط .. فالضمان له وله على الناكل أرش ما نقص بالذبح. * ... * ... * خاتمة رماه شخص ثم رماه آخر، فوجد ميتًا ولم يعلم القاتل منهما .. قال فى (الأم): حل وكان بينهما نصفين، واعترض عليه بأنه كان ينبغي أن يحرم، وبتقدير حله ينبغي أن لا يكون بينهما بل لمن أثبته منهما، واختلفوا في الجواب على ثلاثة أوجه: أحدها: ترك الكلام على ظاهره وتسليم الاعتراض. والثاني: حمله على أنه أراد صيدًا يمتنع برجله وجناحه كالحجل فأصاب أحدهما رجله والآخر جناحه، وفيه وجهان: أحدهما: أنه بينهما. وأصحهما: أنه للثاني، فإن قلنا: إنه بينهما .. فالمسألة مفروضة فيه. والثالث: إجراء النص على ظاهره، والأصل بقاؤه على الامتناع حتى يعلم أن الأول أزمنه، والظاهر أنه مات بالثاني، وإنما جعل لهما لأنه في يدهما. * ... * ... *

كتاب الأضحية

كتاب الأضحية

كِتَابُ الأُضْحِيَةِ هِيَ سُنَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأضحية هي بالتشديد والتخفيف: ما يذبح من النعم تقربًا إلى الله تعالى يوم النحر وأيام التشريق. ويقال: أضحية بضم الهمزة وكسرها، وضحية وأضحاة، سميت باسم أول زمان فعلها. وقول الشاعر [من البسيط]: ضحوا بأشمط عنوان السجود به .... يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا استعارة، والمراد: قتلوا عثمان ضحوة النهار، أو في شهر الأضحية، ومن ثم قال إبراهيم المروروذي: إنها مشتقة من الضحوة. والأصل فيها قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} أي: من أعلام دين الله. وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ} على أشهر الأقوال. وروى الترمذي [1493] والحاكم [4/ 221] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله من إراقة الدم؛ إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسًا). وذكر الرافعي وابن الرفعة حديث: (عظموا ضحاياكم؛ فإنها على الصراط مطاياكم) وهو في (مسند الفردوس) لأبي منصور الديلمي [268]، لكن بلفظ: (استفرهوا) بدل (عظموا)، وقال ابن الصلاح: إنه غير ثابت. قال: (هي سنة) أي: مؤكدة؛ لأنها من الشعائر الظاهرة.

لاَ تَجِبُ إِلاَ بِالْتِزَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت بالنحر وهي سنة لكم). وفي رواية الدارقطني [4/ 282]: (كتب علي النحر وليس بواجب عليكم). قال في (العدة): وهي سنة على الكفاية، إذا فعلها واحد من أهل البيت .. كفى عن الجميع، وإن تركوها .. كره لهم؛ لما في (الموطأ) [2/ 486] عن أبي أيوب الأنصاري قال: كنا نضحي بالشاه الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة، وهو حديث صحيح. ولأن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان مخافة أن يرى الناس ذلك واجبًا، رواه البيهقي [9/ 264] عنهما بإسناد حسن. وروى مسلم [1977/ 41] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي .. فليمسك عن شعره وظفره) قال الشافعي: دل على سنيتها؛ لأنه وكله إلى خيرته. والمخاطب بها الحر المستطيع، وحكى القاضي حسين وجهًا: أنها فرض كفاية، إذا تركها أهل بلد ... أثموا. وكلام المصنف يشمل أهل البوادي والحضر والسفر والحاج وغيره؛ ففي (صحيح مسلم): (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بمنى عن نسائه بالبقر). وشذ العبدري فقال: لا تسن للحاج بمنى؛ فإن الذي ينحره بها هدي لا أضحية، وهذا خلاف ما نص عليه الشافعي والأصحاب. قال: (لا تجب إلا بالتزام)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله .. فليطعه) وهذا وإن فهم من ذكر السنة لكن رفع به توهم الوجوب بحمل السنة على الطريقة التي هي أعم من الواجب والمندوب.

وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ لاَ يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلاَ ظُفْرَهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ، وَأَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأوجبها أبو حنيفة على المقيم بالبلد إذا ملك نصابًا زكويًا، ولم يشترط مالك الإقامة. وعلم من قوله: (لا تجب إلا بالتزام) أنها لا تصير واجبة بمجرد الشراء، وهو الصواب، لكن يزد على حصره ما إذا قال: جعلت هذه الشاه أضحية .. فإنها تجب التضحية بها بلا خلاف وإن لم يعلقه بشيء، وكذا إن علق بشفاء مريض ونحوه في الأصح، وليس ذلك بنذر، بل ألحقه الأصحاب بالتحرير كالوقف والعتق. قال: (ويسن لمريدها) أي: غير المحرم (أن لا يزيل شعره ولا ظفره في عشر ذي الحجة حتى يضحي)؛ لحديث أم سلمة المتقدم، وسواء في ذلك شعر الرأس واللحية والإبط والعانة والشارب وغيرها. وقيل: يحرم ذلك؛ لظاهر الأمر، وإليه ذهب أحمد وإسحاق. وعبارة المصنف أشمل من قوله في (الشرح) و (الروضة) يحلق، فإن خالف .. كره، والعلة فيه أنه يبقى كامل الأجزاء؛ ليشملها العتق من النار. وقيل: للتشبيه بالمحرمين، وهو ضعيف؛ فإنه لا يترك الطيب والمخيط وغيرهما. وقيل: محل الكراهة إذا دخل العشر واشترى الأضحية أو عينها مما عنده. وفي قول: لا يكره القلم. وعن إبراهيم المروروذي: أن سائر أجزاء البدن كالشعر. وقيل: لا كراهة، إنما هو خلاف الأولى. قال: (وأن يذبحها بنفسه)؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولأنها قربة فندبت مباشرتها، وكذلك الهدي. وأفهمت عبارة المصنف: أن له أن يستنيب، وبه صرح غيره؛ لأن النبي صلى الله

وَإِلاَّ .. فَلْيَشْهَدْهَا. وَلاَ تَصِحًّ إِلاَّ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم ساق مئة بدنة، فنحر منها ثلاثًا وستين، ثم أعطى عليًا المدية فنحر ما غبر؛ أي: ما بقي. واستثنى منه الماوردي المرأة فقال: المستحب لها أن توكل، وجزم به المصنف في (المناسك)، والأولى أن يكون الوكيل فقيهًا مسلمًا، وتكره استنابة الكافر والصبي، وفي الحائض وجهان: أصحهما: عدم الكراهة، وجزم القاضي حسين بالكراهة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يذبح أضاحيكم إلا طاهر). فإن قيل: سيأتي أنه تشترط النية عند الذبح إن لم يسبق تعيين، فكيف جازت استنابة الكافر وليس من أهلها؟ فأجاب ابن الرفعة بحمل كلام الأصحاب على ما إذا كانت معينة وقلنا: لا تشترط النية، أو على ما إذا كان الموكل حاضرًا ونوى عند الذبح كما في تفرقة الكافر والزكاة والكفارة. قال: (وإلا ... فليشهدها) يعني إذا لم يحسن الذبح ... فالأفضل أن يشهدها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: (قومي فاشهدي أضحيتك؛ فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب تحملتيه)، قال عمران بن حصين: يا رسول الله؛ هذا لك ولأهل بيتك، فقال: (لا، بل للناس عامة) رواه الحاكم [4/ 222]، وقد تقدم في (صفة الصلاة). والأفضل لغير الإمام أن يضحي في بيته بمشهد أهله، ويختار للإمام إذا ضحى عن المسلمين أن يذبح في المصلى بنفسه عقب الصلاة؛ اقتداء به صلى الله عليه وسلم وبخلفائه، ويخلي بين الناس وبينها، فإن ضحى من ماله .. ذبح حيث شاء. قال: (ولا تصح إلا من إبل وبقر وغنم) بإجماع، وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح: أنه جوزها ببقر الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد، وبه قال داوود.

وَشَرْطُ إِبِلٍ أَنْ يَطْعُنَ فِي الْسَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَبَقَرٍ وَمَعْزٍ في الثَّالِثَةِ، وَضَانٍ فِي الثَّانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وشرط إبل أن يطعن في السنة السادسة، وبقر ومعز في الثالثة، وضأن في الثانية)؛ لما روى مسلم [1963]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن). وما ذكره المصنف هو الصحيح، وقد تقدم في أول (الزكاة) بيان ذلك. وقيل: الثني من البقر ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة، وقيل: من الإبل ما دخل في السابعة. قال الماوردي: واختلاف القول فين سن المعز والبقر والإبل ليس خلافًا، بل الأول بيان لابتداء سنها والثاني لانتهائه، والمعنى فيه أن هذه الحيوانات بها ينتهى إلى الكمال من الحمل والنزوان، وحاله قبل ذلك حال الصغير من الإنسان. وقال بعض أهل البادية: الإجذاع: أن الصوفة تكون على الظهر قائمة، فإذا أجذع نامت. وقيل: يجزئ الجذع من المعز؛ لما روى الشيخان [خ5555 - م1965] عن عبد الله بن عامر الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنمًا فقسمها على أصحابه، فبقي عتود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ضح أنت به). و (العتود) من أولاد المعز: ما له حول. وأجيب عنه بأنه منسوخ بحديث أبي بردة بن نِيَار لما قال: يا رسول الله؛ إن عندي عناقًا هي خير من شاتين، فهل تجزئ عني؟ قال: (نعم، ولن تجزئ عن أحد بعدك) رواه الشيخان [خ955 – م1961/ 5]

وَيَجُوزُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، وَخَصِيٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (يطعن) هو بضم العين، تقول طعن يطعن في السن بالضم طعنًا، وطعن فيه بالقول يطعن أيضًا. قال: (ويجوز ذكر وأنثى) بالإجماع، لكن التضحية بالذكر أفضل على الأصح؛ لأن لحمه أطيب، إلا أن تكون الأنثى لم تلد فحينئذ آثرها الشافعي عليه. قال: (وخصي)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين، أي: خصيين، رواه أحمد [6/ 220] وأبو داوود [2788] وابن ماجه [3122] والحاكم [4/ 227] والبيهقي [9/ 268]، ولأن الخصي يزيد في اللحم طيبًا، وقال الجاحظ: إنه تبقى معه زهرة الصبا وإن أسن، ولأن الخصية غير مقصودة بالأكل فلا يضر عدمها. وفي قول حكاه ابن كج: يضر ذلك؛ لفوات عضو مأكول، وضعفه في (شرح المهذب) بأنه منابذ للحديث الصحيح.

وَالْبَعِيرُ وَالبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، والشَّاةْ عَنْ وَاحِدٍ، وَأَفْضَلُهَا بَعِيرٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ ضَانٌ ثُمَّ مَعْزٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والبعير والبقرة عن سبعة)، المراد هذا عن سبعة وهذه عن سبعة؛ لما روى مسلم [1213/ 138] عن جابر قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة). وسواء اتفقوا في نوع القربة أو اختلفوا كما إذا أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية، ثم إن قلنا: القسمة إفراز- وهو الأصح في (شرح المهذب) - صحت قسمة اللحم، وإن قلنا: بيع .. فبيع اللحم الرطب بمثله لا يجوز، وهذا هو الصحيح في (باب القسمة) من (الروضة). فعلى هذا: طريقه أن يدفع المتقرب نصيبه إلى الفقراء مشاعًا، ثم يشتريه منهم مريد اللحم بالدراهم، أو يبيع مريد اللحم نصيبه للمتقرب بدراهم. وعن أحمد وإسحاق: تجزئ البدنة عن عشرة؛ لما روى الترمذي [905] وحسنه عن ابن عباس قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة عشرة) ونسب ابن يونس هذا القول لأبي إسحاق المروزي، وهو واهم في ذلك، إنما هو إسحاق بن راهويه كما قاله القاضي حسين وغيره. ووقع له نظير ذلك في بابي (السواك) و (الردة) وقد تقدم ذكرهما، وأجاب الأصحاب بأن الصحيح وقفه على ابن عباس وأحاديث السبعة أصح بالإجماع. قال: (والشاة عن واحد) بالاتفاق، فلو اشترك اثنان في شاتين على الشيوع .. لم يجز في الأصح. قال: (وأفضلها بعير)؛ لكثرة اللحم. قال: (ثم بقرة)؛ لأنها كسبع شياه، قال في (الدقائق) إنه زائد على (المحرر)، والظاهر أن نسخ (المحرر) مختلفة. قال: (ثم ضأن ثم معز)؛ لطيب الضأن، ويدل لهذه الجملة ما في (الصحيحين) [خ881 - م 850/ 10] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَعِيرٍ، وَشَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ فِي بَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الساعة الثانية بقرة، وفي الساعة الثالثة كبشًا أقرن ...) فقدم البدنة على البقرة، والبقرة على الكبش. قال: (وسبع شياه أفضل من بعير)؛ لطيب اللحم، ولكثرة الدم المراق، وقيل: البدنة أو البقرة أفضل منها؛ لكثرة اللحم. قال الرافعي: وقد يؤدي التعارض في مثل هذا إلى التساوي، ولم يذكروه. قال: (وشاة أفضل من مشاركة في بعير)؛ للانفراد بإراقة الدم، ولطيب اللحم. قال الشافعي: وكثرة أثمانها أحب إليَّ من كثرة أعدادها، وفي العتق كثرة العدد أحب إليَّ من كثرة ثمنه. وأفضلها البيضاء؛ لقوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}، قيل: تعظيمها باستسمانها وحسن لونها. فالبياض أحسن الألوان، ثم الصفراء، ثم العفراء وهي التي لم يصف بياضها، ثم السوداء؛ لما روى الشيخان عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين). و (الأملح) الذي بياضه أكثر من سواده، وقالت عائشة: الأملح: الذي ينظر في سواد ويمشي في سواد ويبرك في سواد. وروى الحاكم [4/ 227] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين) وقال البخاري: لا يصح رفعه، بل هو موقوف على أبي هريرة.

وَشَرْطُهَا سَلاَمَتُهَا مِنْ عَيْبٍ يَنْقُصُ لَحْمًا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعل (الحاوي) الحمراء بين الصفراء والبلقاء، قال: إلا أن لحم الأسود أطيب. ويستحب لمن ضحى بعدد أن يفرقه في أيام الذبح، قاله الماوردي والروياني. قال المصنف: وهذا وإن كان أرفق بالمساكين لكنه خلاف السنة؛ فقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم مئة بدنة في يوم واحد، فالسنة المسارعة إلى الخيرات. وكثرة اللحم أفضل من كثرة الشحم، إلا أن يكون اللحم رديئًا أو خشنًا. ويستحب تسمين الأضحية. قال: (وشرطها سلامتها من عيب ينقص لحمًا) إما في الحال كقطع فلقة من الفخذ ونحوه، أو في المآل كالعرج البين ونحوه؛ لأن المقصود منها اللحم، فاعتبر نفي ما ينقصه كما اعتبر في عيب المبيع ما ينقص المالية؛ لأنه المقصود فيها، وهذا الضابط الذي ذكره المصنف يغني عن التفصيل. والأصل فيه: قوله صلى الله عليه وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لاتنقي)

فَلَا تُجْزِئُ عَجْفَاءُ، وَمَجْنُونَةٌ، وَمَقْطُوعَةُ بَعْضٍ أُذُنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: لا مخ لها، رواه الأربعة عن البراء بن عازب، قال أحمد: ما أحسنه من حديث. فنص على الأربعة، وفهم معناه وهو اتصاف الذبيحة بنقص ما هو مستطاب من الحيوان. وقوله: (ينقص) بفتح أوله وضم ثالثه، وهي لغة القرآن، وبها ضبطه المصنف. قال: (فلا تجزئ عجفاء) وهي: التي ذهب مخها من الهزال، وقد يكون خلقة، أو لهرم أو مرض، فإن قل هزالها ولم يذهب مخها .. أجزأت، كذا أطلقه الرافعي وكثيرون. وفي (الحاوي) إن كان خلقيًا .. أجزأت، أو لمرض .. فلا. قال: (ومجنونة)؛ لأن ذلك يورث الهزال، ولأن النهي ورد عن الثولاء وهي: المجنون التي تستدبر المرعى ولا ترعى إلا قليلًا فتهزل بذلك، فلا تجزئ اتفاقًا، وكذلك لا تجزئ الهيماء وهي: التي لا تروى بقليل الماء ولا بكثيره. والهيام بضم الهاء: داء مؤثر في اللحم. قال: (ومقطوعة بعض أذن) أي: وإن قل من قبل الأذن أو دبرها؛ لذهاب جزء مأكول، هذا إذا أبينت، وإلا .. أجزأت على الأصح كما سيأتي، وقيل: إن كان قليلًا لا يضر، واختاره الروياني في (الحلية). وقال أبو حنيفة: إن كان المقطوع دون الثلث أجزأ.

وَذَاتُ عَرَجٍ وَعَوَرٍ وَمَرَضٍ وَجَرَبٍ بَيِّنٍ، وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُهَا وَلَا فَقْدُ قُرُونٍ، وَكَذَا خَرْقُ أُذْنٍ وَشَقُّهَا وَثَقْبُهَا فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وذات عرج وعور ومرض وجرب بين)؛ للحديث المتقدم، والمراد: العرجاء التي يسبقها الغنم إلى المرعى الطيب، وإلا .. أجزأت. فلو كانت سليمة فاضطربت عند إضجاعها للذبح فانكسرت رجلها .. لم تجزئ على الأصح، واختار الشيخ إجزاءها. وأما العور .. فيمنع وإن بقيت الحدقة في الأصح، والعمياء من باب أولى. وتجزئ العشواء في الأصح، وهي: التي تبصر في النهار دون الليل. وضابط المرض البين: الذي يحصل بسببه الهزال وفساد اللحم. وقيل: المرض يمنع مطلقًا، ورجحه الغزالي، وفي قول: لا يمنع الإجزاء مطلقًا. وقوله: (بين) يعود على الأربعة. قال: (ولايضر يسيرها) أي: يسير الأربع؛ لأنه غير مؤثر في اللحم، وأشار إلى ذلك في الحديث المتقدم بقوله: (البين عرجها البين مرضها) إلى العور. قال: (ولا فقد قرون)؛ لأنه لا يتعلق بالقرون كبير غرض، وهذه تسمى الجلحاء والجماء، لكن ذات القرون أفضل؛ لما روى أبو داوود [3148] وابن ماجه [3130] والحاكم [4/ 228] والبيهقي [3/ 403] عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير التضحية الكبش الأقرن). أما مكسورة القرن- وهي العضباء- فإنها تجزئ، قال القفال: هذا إذا لم يؤثر ألم الكسر في نقص اللحم. وتكره التضحية بالعصماء، وهي: التي انكسر غلاف قرنها الباطن، فإن القرن الظاهر غلاف القرن الباطن. قال: (وكذا خرق أذن وشقها وثقبها في الأصح)؛ لأن ذلك لا ينقص من لحمها شيئًا. والثاني: يضر؛ لحديث علي رضي الله عنها قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه

قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: يَضُرُّ يَسِيرُ الجَرَبِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء) رواه الأربعة، والأولى حمله على الكراهة. قال الترمذي: (المقابلة): ما قطع من طرف أذنها، و (المدابرة): ما قطع من جانب الأذن، و (الشرقاء) بالمد: التي شقت أذنها طولًا؛ لأن ذلك يشينها، و (الخرقاء) المثقوبة الأذن من الكي. قال: (قلت: الصحيح المنصوص: يضر يسير الجرب والله أعلم)؛ لأنه يفسد اللحم. وفي معنى الجرب: البثور والقروح، ولا فرق في الجرب وغيره من الأمراض بين مرجو الزوال وغيره. ويجزئ الفحل الكثير النزوان، والأنثى الكثيرة الولادة. مهمة: لم يتعرض الرافعي لإجزاء الحامل، وهي في (شرح المهذب) في آخر (باب زكاة النعم) نقل فيها عن الأصحاب عدم الإجزاء وبه جزم المتولي والشيخ أبو حامد وصاحبا (البيان) و (الشامل) والبندنيجي وصاحب (الإستقصاء). قلت: ويدل له قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلَى وهْنٍ}، و (الوهن) الضعف، وهو مانع لها من الإجزاء.

وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ كَرُمْحِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُّمَّ مُضِيُّ قَدْرِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل العجلي عن الصيمري في (الإيضاح) أنه قال: الحامل والحائل سواء، ثم قال: ورأيت في تصنيف لبعض أصحابنا أنه لا تجزئ التضحية ابتداء بالحامل؛ لأن الحمل ينقص اللحم. فإذا عين الحامل للنذر .. يجوز، وهذا كالعرجاء لو نذر التضحية بها .. يجوز ويلزم، ولا يجوز التضحية بها ابتداء. هذا لفظه، ونحا نحوه ابن الرفعة في (الكفاية) فقال: عدم الإجزاء أوجه، حكاه العجلي عن بعض الأصحاب، ثم قال: والمشهور الإجزاء، وعلله بأن ما حصل من نقص في اللحم بسبب الحمل ينجبر بالجنين، فهو كالخصاء، لكنه صحح أنه عيب وهو المذهب المعتمد. ولا تجزئ مفقودة الأذن خلقة، ولا التي قطع بعض ضرعها أو أليتها أو لسانها. وتجزئ فاقدة الألية والضرع خلقة على الأصح والتي ذهب بعض أسنانها، وفي فاقدة جميع الأسنان خلاف: أطلق البغوي وجماعة المنع، وصححه المصنف، وجعله في (الشرح الصغير) الأظهر، ونقل الإمام عن المحققين الإجزاء. وقيل: إن كان لمرض أو أثر في الأكل ينقص اللحم .. منع، وإلا .. فلا، واستحسنه الرافعي، قال: لكنه يؤثر فيه بلا شك، فرجع إلى المنع المطلق. وتجزئ المكوية، وقيل: فيها وجهان؛ لتصلب الموضع. قال: (ويدخل وقتها إذا ارتفعت الشمس كرمح يوم النحر ثم مضي قدر ركعتين وخطبتين)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك .. فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك .. فإنما هو

خَفِيفَتَيْنِ، وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ آخِرَ التَّشْرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء) وحاصل الحكم: أنه مبني على صلاة العيد، فمن يقول: يدخل بالطلوع- وهو المصحح في (الروضة) من زوائده و (شرح المهذب) و (تصحيح التنبيه) والمجزوم به في (الوجيز) و (المنهاج) - يعتبر قدر الركعتين والخطبتين عقبه، ومن قال بالارتفاع قدر رمح- كما صرح به جماعة- يعتبر ذلك بعده. قال: (خفيفتين)؛ لما روى مسلم [469/ 189] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أخف الناس صلاة في تمام). وعبارة المصنف و (المحرر) تقتضي الخفة في الخطبتين فقط، وهو وجه ضعيف، والأصح: اعتبار الخفة في الركعتين أيضًا، وعبارة (الروضة) قدر ركعتين وخطبتين خفيفات، قال الإمام: لأنا نعلم أو نظن ظنًا غالبًا أنه صلى الله عليه وسلم لو خفف .. لضحى عقبه، قال: وما أدري من يعتبر خفة الصلاة يكتفي بركعتين مشتملتين على أقل ما يجزئ من صلاة وخطبة، وصححه القاضي، وقال الروياني: إنه أقيس. وقيل: تعتبر في الخطبة الخفة قطعًا، والوجهان في الصلاة. وقيل: تعتبر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وخطبته، وهو صلى الله عليه وسلم قرأ (سورة ق) و (اقتربت)، وخطب خطبة متوسطة. قال: (ويبقى حتى تغرب آخر التشريق)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عرفة كلها موقف وأيام منى كلها منحر) رواه البيهقي [5/ 239] عن جبير بن مطعم، وصححه ابن حبان [3854]، وفي رواية: (في كل أيام التشريق ذبح). ولأن ثالث أيام التشريق حكمه حكم اليومين قبله في الرمي وتحريم الصوم فكذلك

قُلْتُ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ فَضِيلَةٌ، والْشَّرْطُ طُلُوعُهَا، ثُمَّ مُضِيُّ قَدْرِ الرَّكْعَتَيْنِ والْخُطْبَتَيْنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ نَذّرَ مُعَيَّنَةً فَقَالَ: للهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ .. لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلهُ .. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الذبح، لكن التضحية في الليل مكروهة؛ خشية أن يخطئ المذبح أو يصيب نفسه أو تتأخر تفرقة اللحم طريًا. وروى الطبراني في (أكبر معاجمه) [11/ 190] عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى ليلًا) لكنه ضعيف. فإن وقفوا العاشر غلطًا .. حسبت أيام التشريق على الحقيقة لا على حساب وقوفهم. وأيام التشريق عند الشافعي ثلاثة بعد يوم النحر، وهو مذهب علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز وجبير بن مطعم والحسن البصري وسليمان بن موسى الأشدق فقيه أهل الشام وداوود الظاهري. وقال الأئمة الثلاثة: يومان بعده، وهو مذهب عمر وابنه وأنس. قال: (قلت: ارتفاع الشمس فضيلة، والشرط طلوعها، ثم مضي قدر الركعتين والخطبتين والله أعلم)؛ لأن بطلوع الشمس يخرج وقت الصبح فيدخل وقت غيرها، والمسألة تقدمت في (صلاة العيدين). قال: (ومن نذر معينة فقال: لله علي أن أضحي بهذه .. لزمه ذبحها في هذا الوقت)؛ وفاء بما التزم. وأشار بقوله: (فقال .. إلخ) إلى أنه لو نوى جعل هذه الشاة أو البدنة أضحية أو هديًا ولم يتلفظ بذلك .. لم تصر أضحية ولا هديًا على الجديد الصحيح. قال: (فإن تلفت قبله .. فلا شيء عليه)؛ لأن ملكه زال عنها، وصارت وديعة عنده. وهذا بخلاف ما إذا قال: لله علي أن أعتق هذا العبد .. لا يزول ملكه عنه؛ لأنه لو أتلف الأضحية ضمنها، ولو أتلف العبد .. لم يضمنه وإن كان لا يجوز بيعه؛ لأن العبد هو المستحق لذلك فلا يضمن لغيره.

وَإِنْ أَتْلَفَهَا .. لَزِمَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا مِثْلَهَا وَيَذْبَحَهَا فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه: لا يزول ملكه عنها حتى يذبح ويتصرف باللحم كمسألة العبد، وهو غلط، وفي العبد وجه مخرج من هذه. قال: (وإن أتلفها .. لزمه أن يشتري بقيمتها مثلها ويذبحها فيه)؛ إقامة للمثل مقامها. ولا شك أن الإتلاف تارة يكون من الأجنبي وتارة من المعين، فإن وجد من الأجنبي .. لزمه القيمة يأخذها المضحي ويشتري بها مثل الأولى، فإن لم يجد بها مثلها .. اشترى دونها، فإن لم يجد دونها ... اشترى شقصًا على الأصح. والثاني: يجوز إخراج القيمة دراهم. والثالث: يشتري بها لحمًا ويتصدق به. وإن وجد من المعين .. فوجهان: أحدهما أنه كالأجنبي. والأصح: أنه يلزمه أكثر الأمرين من قيمتها، وتحصيل مثلها كما لو باع الأضحية المعينة وتلفت عند المشتري. فرع: تعييب المعينة بالنذر بآفة سماوية تمنع الإجزاء، لا يلزمه بسببه شيء كما لو تلفت، وعند أبي يوسف: عليه التضحية بسليمة إن كان ممن تجب عليه الأضحية، ويحكى ذلك عن أبي جعفر الإستراباذي. لنا: ما روى ابن ماجه [3146] وابن حبان في (الثقات) [5/ 366] عن أبي سعيد الخدري أنه قال: اشتريت كبشًا لأضحي به، فعدا الذئب فأخذ أليته، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ضح به) لكن أعله ابن حزم [المحلي 7/ 360] بأن في سنده جابرًا الجعفي وهو كذاب.

وَإِنْ نَذَرَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ .. لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِيهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ .. بَقِيَ الأَصْلُ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ. وِتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ إِنْ لَمْ يَسْبِقُ تَعْيِينٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: اشترى شاة وجعلها أضحية، ثم وجد بها عيبًا قديمًا .. لم يجز ردها؛ لزوال الملك عنها كمن اشترى عبدًا وأعتقه ثم وجد به عيبًا، لكن يرجع به، وفيما يفعله به وجهان: أحدهما: يصرف مصارف الأضحية. والثاني: أنه للمضحي لا يلزمه صرفه للأضحية، وهذا هو الأصح، ووقع في (الروضة) وهم في نسبته إلى (الشامل)، والموجود فيه الأول. فلو زال العيب قبل الذبح .. فهل تكون أضحية؟ الأصح: لا؛ لأن السلامة وجدت بعد زوال الملك. قال: (وإن نذر في ذمته ثم عين .. لزمه ذبحه فيه)؛ لأنه التزم أضحية في الذمة وهي مؤقتة. وقيل: لا؛ لأنه في الذمة كدماء الجيران. قال: (وإن تلفت) أي: المعينة (قبله .. بقي الأصل عليه في الأصح)؛ لأن ما التزمه ثبت في ذمته، والمعين وإن زال ملكه عنه فهو مضمون عليه، كما لو كان لرجل على آخر دين فاشترى منه سلعة بذلك الدين ثم تلفت السلعة قبل التسليم في يد بائعها .. فإنه ينفسخ البيع ويعود الدين، كذلك هاهنا يبطل التعيين ويعود ما في ذمته كما كان. والثاني: لا يجب الإبدال؛ لأنها تعينت بالتعيين. وكان ينبغي للمصنف أن يقول: على المذهب؛ ففي (الروضة) طريقان، وقيل: وجهان. قال: (وتشترط النية عند الذبح إن لم يسبق تعيين)؛ لأن الأعمال بالنيات.

وَكَذَا إِنْ قَالَ: جَعَلْتُهَا أُضْحِيَةُ فِي الأَصّحِّ، فَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ .. نَوَى عِنْدَ إِعْطَاءِ الْوَكِيلِ أَوْ ذَبْحِهِ، وِلِهُ الأَكْلُ مِنْ أُضَحِيَةِ التَّطَوُّعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: جواز تقديم النية على الذبح كالنية في تفرقة الزكاة. قال: (وكذا إن قال: جعلتها أضحية في الأصح) أي: لا بد فيها من النية مع ذلك؛ لما تقدم. والثاني: لا تشترط نية أخرى كما لو قال لعبده: أعتقتك، وبه جزم في (أصل الروضة) في المسألة العاشرة تبعًا للرافعي، وصحح في (شرح المهذب) هنا وفي (باب العقيقة) ما صححه هنا. قال: (فإن وكل بالذبح .. نوى عند إعطاء الوكيل أو ذبحه)؛ لأنه قائم مقامه فصار كالوكيل في تفرقة الزكاة، وهذا مفرع على الأصح في جواز تقديم النية، وإنما يجوز تفويض النية إلى الوكيل إذا كان مسلمًا، وقد تقدم شيء يتعلق بهذا قريبًا. قال: (وله الأكل من أضحية التطوع)؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا}، وكذا من هدي التطوع إجماعًا، بل يستحب. وفي (الصحيحين) [خ1990 - م 1137]: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم). وفيهما [م1218/ 147] عن علي: أنه قام على بُدْن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أمره أن يأخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر، فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم متطوعًا بها. وفي (البيهقي) [3/ 283]: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل من كبد أضحيته). وقيل: يجب؛ لظاهر الأمر. واحترز عن الأضحية والهدي المنذورين؛ فإنه لا يجوز، سواء كانا معينين ابتداء

وَإِطْعَامُ الأَغْنِيَاءِ، لَا تَمْلِيكُهُمْ، وَيَاكُلُ ثُلُثًا، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفًا، وًالأَصَحُّ: وُجُوبُ تَصَدُّقٍ بِبَعْضِهَا، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ أو كانا معينين عن شيء في الذمة؛ لأنه يشبه دماء الجبرانات في الحج، فإذا أكل منها شيئًا .. غرمه. قال: (وإطعام الأغنياء)؛ لقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرّ}، وهذا لا خلاف فيه. قال مالك: أحسن ما سمعت: أن القانع: الفقير، والمعتر: الزائر، وكذا قاله الشافعي في (اختلاف الحديث). والمشهور: أن القانع: السائل، والمعتر: الذي يتعرض للسؤال. وقيل: القانع: الجالس في بيته، والمعتر: الذي يسأل. قال: (لا تمليكهم)؛ لأن الآية دلت على الإطعام لا على التمليك، وهذا تبع الشيخان فيه الإمام، وهو من فقهه؛ فإنه قال: الهبة للأغنياء ممتنعة؛ لأنهم ضيفان الله على لحوم الأضاحي، والضيف لا يهب لكن يطعم. وأفتى الشيخ بأن له أن يهديها إلى غيره، قال: وليس ذلك من هدية التمليك، وإنما معناها رفع يده وتسليط غيره عليها، ولا ملك له ولا للمهدى إليه؛ لأن المقصود الأعظم منها تمليك الفقراء والإباحة للمضحي والأغنياء، هذا حقيقتها. قال: (ويأكل ثلثًا) هذا هو الجديد؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرّ}، جعلها ثلاثة أقسام، واختلفوا على هذا في الثلثين: فقيل: يتصدق بهما، وقيل: يهدي للأغنياء ثلثًا ويتصدق على الفقراء بثلث، وصححه في (تصحيح التنبيه). قال: (وفي قول: نصفًا) ويتصدق بالنصف؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ}، جعلها قسمين، وهذا هو القديم. قال: (والأصح: وجوب تصدق ببعضها)؛ لظاهر الأمر. والثاني: لا يجب؛ لأن القصد إراقة الدم بنية القربة.

وَالأَفْضَلُ: بِكُلِّهَا إلَّا لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهاَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: لا خلاف أن الفرض يسقط بما ينطلق عليه الاسم وإن قل، وينبغي أن لا يكتفي بما لا يشبع الفقير الواحد منها. والمراد بـ (التصدق) تمليك الفقراء اللحم نيئًا، ولا يجزئ المطبوخ؛ فإنه يشبه الخبز في الفطرة. ودخل في إطلاق البعض: الجلد، ولا يجزئ التصدق به، ودخل فيه الكرش والكبد والطحال، وينبغي أن لا يتأدى به الواجب؛ لأن هذه الأشياء لا تسمى لحمًا، ولا تكفي المرقة قطعًا. ويجوز صرف الواجب لواحد، وللفقراء التصرف فيه بالبيع وغيره. وإذا أكل الجميع .. الأصح أنه يضمن أقل جزء؛ لأنه لو اقتصر عليه ابتداء .. أجزأه. وقيل: يضمن القدر المستحب، وهو النصف أو الثلث، ويخالف الابتداء؛ لأن إخراج الجزء كان موكولًا إلى اجتهاده، فلما أكل الجميع .. ظهر حيفه، فسقط اجتهاده ورجع إلى ما اقتضاه إطلاق القرآن، وإهداء الجميع كأكله. قال: (والأفضل: بكلها)؛ لأنه أعظم أجرًا ومسارعة إلى الخيرات، غير أن شعار الصالحين الأكل منها. قال: (إلا لقمًا يتبرك بأكلها)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أكل من كبد البدن التي نحوها كما تقدم. وفي (الرافعي) عن علي رضي الله عنه أنه قال في خطبة البصرة: (إن أميركم هذا قد رضي من دنياكم بطمريه، وإنه لا يأكل اللحم في السنة إلا الفلذة من كبد أضحيته).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: إذا أكل البعض وتصدق بالبعض .. هل يثاب على الجميع أو على ما تصدق به؟ وجهان كالوجهين فيمن نوى صوم التطوع ضحوة هل يثاب على جميع النهار أو على بعضه. قال الرافعي: ينبغي أن يحصل له ثواب التضحية بالجميع والتصدق بالبعض، وصوبه في (الروضة) و (شرح المهذب)، وبه صرح إبراهيم المروروذي. ويجوز صرف الأضحية إلى المكاتب على الأصح، ولا يجوز صرف شيء منها إلى عبد إلا أن يجعله به رسولًا إلى غيره. ونص في (البويطي) على أنه لا يطعم منها ذميًا. وإذا مات المضحي وعنده من لحمها شيء .. كان للوارث أكله وإهداؤه، قال الشيخ: ولا يورث عنه، ولكن ينبغي أن يكون لوارثه ولاية القسمة والتفرقة كما كان له، قال: ولا نقل فيه بخصوصه. ومحل التضحية: بلد المضحي حيث كان في وقتها. وفي نقلها وجهان خرجا من نقل الزكاة، وفيه وقفة في المتطوع بها، وهل يتعين فقراء بلد الذبح؟ فيه وجهان. ويجوز الادخار من لحم الأضحية مما له أكله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ادخاره إلا لثلاثة أيام، ويتصدق بالفاضل لأجل قوم من فقراء الأعراب دفوا بالمدينة- أي: نزلوا بها- ثم قال: (إنما كنت نهيتكم من أجل الدافة، أما الآن .. فكلوا وتصدقوا وادخروا) قال الجمهور: وكان نهي تحريم، وقيل: تنزيه. وهل كان النهي خاصًا بأهل المدينة أم عامًا؟ فيه وجهان. فلو وقعت الدافة في زماننا .. فوجهان: صحح الشيخان أنه لا يحرم الادخار،

وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ يُذْبَحُ، وَلَهُ أَكْلُ كُلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي نص عليه الشافعي في (الرسالة) أنه يعود التحريم، وقول الغزالي في (الوجيز) (يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث) بعيد منكر نقلًا ومعنىً، ولا يكاد يوجد في كتاب متأخر ولا متقدم. قال: (ويتصدق بجلدها أو ينتفع به) كنطع أو خف أو غيرهما، ولا يجوز بيعه ولو من التطوع، ولا أن يجعله أجرة الجزار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من باع جلد أضحيته .. فلا أضحية له) رواه الحاكم [2/ 390] وقال: صحيح الإسناد. وفي قول غريب: يجوز بيعه ويصرف ثمنه إلى ما تصرف الأضحية إليه. وفي وجه: لا يجوز أن ينفرد بالانتفاع به. وعند أبي حنيفة: يجوز أن يبيعه ويتصدق بثمنه، وأن يشتري بعينه ما ينتفع به في البيت. لنا: القياس على اللحم، والقرن كالجلد. قال: (وولد الواجبة) أي: المنفصل في حياتها (يذبح) ويكون واجبًا إذا عينها بالنذر ابتداء أو عما في الذمة، سواء علقت به حالة النذر أو بعدها؛ لأنه معنى يزيل الملك فاستتبع الولد كالعتق، فإن ماتت الأم ... بقي الولد أضحية، كولد المدبرة لا يرتفع تدبيره بموتها. وفي وجه في المعين عما في الذمة: أنه لا يتبعها، بل هو ملك للمضحي أو للمهدي؛ لأن ملك الفقراء غير مستقر فلا يستتبع. قال: (وله أكل كله) قياسًا على اللبن، ولأنه كالجزء فجاز أكله كيدها ورجلها، هذا رأي الغزالي. وقال الروياني: لكل منهما حكم الأضحية، فيتصدق من كل واحد منهما بشيء. وقيل: يكفي التصدق من أحدهما.

وَشُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لابد من التصدق من الأم؛ لأنها الأصل، وصححه الغزالي. والمصنف في (شرح المهذب) فرض الأوجه في أضحية التطوع، وهو واضح. أما الواجبة، فإن جوزنا الأكل منها .. فالأوجه أيضًا، وإلا .. فلا يؤكل ويجب التصدق بجلده كاللحم. وأما إطلاق (الروضة) و (الشرحين) .. فمشكل إن لم يحمل على هذا؛ لأنه يلزم من جواز أكل الولد جواز أكل الواجب، فكلام (المحرر) و (المنهاج) غير منتظم. أما إذا ضحى بشاة فوجد في جوفها جنينًا .. فالأصح جواز أكله، وفيه إشكال إذا قلنا: لا تجزئ الحامل كما تقدم. قال: (وشرب فاضل لبنها)؛ لقوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}، ولأنه يستخلف بخلاف الولد، وروى البيهقي [9/ 288] عن علي رضي الله عنه: أنه رأى رجلًا يسوق بدنة معها ولدها فقال: (لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها) قال أبو زرعة: صحيح. قال الشافعي: والتصدق به أفضل. ويجوز أن يسقيه غيره بغير عوض ولا يجوز بيعه قطعًا. وقال المتولي: إن لم نجوز أكل لحمها .. لم يشربه، وينقل لبن الهدي إلى مكة إن تيسر، فإن أمكن تجفيفه وإلا .. فيتصدق به على الفقراء هناك، وإن جوزنا الأكل .. شربه. ويجوز أن يركبها ويركبها بغير أجرة من غير إجحاف، فإن حصل بسببه نقص .. ضمنه، وإن تلفت منه .. ضمنها، وإن تلفت في يد المستعير .. ضمنها دون المعير، وليس له الإجار، فإن أجرها وسلمها وتلفت في يد المستأجر .. ضمنها دون المستأجر، لكن يضمن المنافع بأجرة المثل على الأصح.

وَلاَ تَضْحِيَةَ لِرَقِيقِ، فَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ ... وَقَعَتْ لَهُ، وَلاَ يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إِذْنٍ، وَلَا تَضْحِيَةً عَنِ الغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا عَنْ مَيْتٍ إِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان في بقاء صوفها مصلحة ... لا يجزه، وإن كان بقاؤه يضر بها إلى حين الذبح .. جزه، وله أن ينتفع به، والأفضل أن يتصدق به. وفي (التتمة): أن صوف الهدي يستصحبه ويتصدق به على مساكين الحرم كالولد، ويستحب أن يتصدق بجلالها وقلائدها. قال: (ولا تضحية لرقيق)؛ لأنه لا ملك له، وكذلك المدبر والمستولدة. قال: (فإن أذن سيده ... وقعت له)؛ لأنه نائب عنه، فصار كما لو أذن له في الصدقة، هكذا أطلقوه وفيه نظر؛ لأنه أذن له أن يضحي عن نفسه لا عن سيده، فكيف تقع عن السيد من غير نية منه ولا من العبد نيابة؟! إلا أن يقال: بطل خصوص كونها عن العبد، وبقي عموم الإذن له فوقعت عن السيد. قال: (ولا يضحي مكاتب بلا إذن) كما يمتنع عليه التبرع، فإن أذن له .. فقولان بناءً على القولين في نفوذ تبرعاته بالإذن. وأما المبعض إذا ملك ببعضه .. فله أن يضحي بها من غير إذن السيد. قال: (ولا تضحية عن الغير بغير إذنه)؛ لأنها عبادة ولم يرد من الشارع إذن في فعلها عن الغير، لكن يستثنى من ذلك الإمام؛ فله أن يضحي عن المسلمين من بيت المال كما تقدم. وحيث امتنعت، فإن كانت الشاة معينة .. وقعت عن المضحي، وإلا .. فلا، ويشبه أن يقال: للأب أن يضحي عن ولده الصغير بخلاف غيره كما في الفطرة، ولا تجوز التضحية عن الحمل كما لا فطرة عليه، ولا تجوز لولي الطفل والمجنون أن يضحي عنه من مال المحجور، ويجوز من مال الولي. قال: (ولا عن ميت إن لم يوص بها)؛ لقوله تعالى: {وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى}، وجوزها أبو الحسن العبادي، ومنعها البغوي. قال الرافعي: والقياس جوازها عنه؛ لأنها ضرب من الصدقة، والصدقة تصح عن الميت، وتصل إليه بالإجماع.

فَصْلٌ: يُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنِ الغُلَامِ بِشَاتَيْنِ، وَالجَارِيَةِ بِشَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن أبي داوود) [2783] و (البيهقي) [9/ 288] و (الحاكم) [4/ 229]: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يضحي بكبش عن نفسه وكبش عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه أبدًا) لكنه من رواية شريك القاضي، وهو ضعيف. وقد تقدم في (الوصايا): أن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة وضحى عنه مثل ذلك. تتمة: قال القفال إذا جوزنا الأضحية عن الميت .. لا يجوز الأكل منها لأحد، بل يجب أن يتصدق بجميعها؛ لأن الأضحية وضعت عنه فلا يجوز الأكل منها إلا بإذنه، وهو متعذر، فوجب التصدق بها عنه. قال: (فصل: يسن أن يعق عن الغلام بشاتين، والجارية بشاة) هذا (باب العقيقة). قال الأصمعي: وهي في اللغة: اسم للشعر الذي على رأس المولود. قال أبو عبيد: وكذلك كل مولود من البهائم، فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد يسمى عقيقة. وهي في الشرع: اسم لما يذبح يوم حلق رأسه تسمية لها باسم ما يقاربها. قال الشافعي: أفرط في العقيقة رجلان: الحسن قال: إنها بدعة، والليث قال: إنها واجبة، ثم لما نشأ داوود بعد الشافعي وافق الليث. والحجة عليهما: حديث أبي داوود [2835]: (من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل) والمعنى فيه إظهار البشر بالنعمة ونشر النسب. والأصل فيها: قوله صلى الله عليه وسلم: (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة)

وَسِنُّهَا وَسَلاَمَتُهَا، وَالأَكْلُ والتَّصَدُّقُ كَالأُضْحِيةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أم كرز الصحابية، وصححه الحاكم [4/ 237] وابن حبان [5312]. قال القفال والحليمي: وإنما كانت الأنثى على النصف من الذكر؛ لأن الغرض منها استبقاء النفس، فأشبهت الدية؛ لأن كلاً منهما فداء عن النفس، والشاة الواحدة عن الغلام يتأدى بها أصل السنة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا، رواه أبو داوود [2834] وغيره. ويسن أن يقول عند ذبحها: باسم الله والله أكبر، اللهم لك وإليك، اللهم هذه عقيقة فلان، رواه البيهقي [3/ 312] مرفوعًا من رواية عائشة بلفظ: (قولوا باسم الله). وهذا إذا كان جعلها عقيقة قبل الذبح، وإلا .. فلابد أن ينوي عند الذبح أنها عقيقة فلان. ويسن أن يكون ذبحها صدر النهار عند طلوع الشمس. قال: (وسنها وسلامتها، والأكل والتصدق كالأضحية) وكذا الإهدار والادخار وقدر المأكول وامتناع البيع، وفي (الحاوي): يجزئ ما له دون السن المعتبر، قال الرافعي: وينبغي أن تتأدى السنة بسبع بدنة أو سبع بقرة. والصحيح: أن الإبل والبقر أفضل من الغنم، لكن قال أبو نصر محمد بن هبة الله البندنيجي صاحب (المعتمد): ليس للشافعي نص في غير الغنم في العقيقة، وعندي لا يجزئ غيرها. وظاهر عبارة المصنف أنه لا بد من التصدق بشيء من اللحم، وهو كذلك، وأغرب في (الوجيز) فقال: التصدق بالمرقة يغني عن التصدق باللحم، قال الرافعي: ولا يوجد لغيره.

وَيُسَنُّ طَبْخُهَا، وَلاَ يُكْسَرُ عَظْمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واقتصار المصنف على ما ذكر من إلحاقها بالأضحية يوهم الحصر، وليس كذلك؛ فالهدية والادخار وقدر المأكول وامتناع البيع ووجوب النية وتعين الشاة فيها بالنذر كذلك. قال: (ويسن طبخها) رواه البيهقي عن عطاء بن أبي رباح، وعن عائشة أنه السنة. ويقال: تطبخ بخل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نعم الإدام الخل) والأصح بحلو تفاؤلاً بحلاوة أخلاق الولد، والأصح: أنه لا يكره الحامض. وإذا طبخ .. لا يتخذ دعوة، بل الأفضل أن يبعث به مطبوخًا إلى الفقراء، نص عليه، فإن دعاهم .. فلا بأس. وظاهر عبارة المصنف: أن جميعها يطبخ، وليس كذلك، بل تستثنى رجل الشاة، فإنها تعطى للقابلة من غير طبخ؛ لأن فاطمة فعلت ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الحاكم [3/ 179] وقال: صحيح الإسناد. وهذه القابلة سلمى خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي امرأة أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي قبلت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي غسلت فاطمة مع علي وأسماء بنت عميس. قال: (ولا يكسر عظم) تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود. وفي (البيهقي) [9/ 302] عن عائشة أنها قالت: (السنة شاتان متكافئتان عن الغلام، وعن الجارية شاة، وتطبخ جدولاً، ولا يكسر عظم، ويأكل ويطعم ويتصدق، وذلك يوم السابع). ورواه المصنف من كلام عطاء بن أبي رباح، فلو كسره .. فالأصح لا كراهة؛ لأنها طيرة وقد نهي عنها.

وَأَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ سَابِعِ وِلاَدَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأن تذبح يوم سابع ولادته)؛ لما روى أصحاب السنن الأربعة عن الحسن عن سمرة – ولم يسمع منه غيره-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهين بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى) هذه هي الراوية الصحيحة كما قال أبو داوود. وفي رواية ضعيفة: (ويحلق رأسه ويدمى) قال قتادة: بأن يأخذ منه صوفة ويستقبل بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل الدم على رأسه ثم يغسل ويحلق، وهذا مكروه عند الشافعي؛ لأنه فعل الجاهلية، كذا وقع في (الشرح) و (الروضة)، والمشهور: تحريم التضمخ بالنجاسة. واختلف في معنى: (رهين)، فقيل: لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه، قال الخطابي: وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد ابن حنبل: أنه إذا لم يعق عنه .. لم يشفع في والديه يوم القيامة، ونقله الحليمي عن عطاء الخراساني ومحمد بن مطرف، وهما إمامان عالمان متقدمان على أحمد. والأصح: أنه يحسب من السبعة يوم ولادته، وقد سبق في (باب ضمان الولاة) تصحيح خلافه، فإن ولد ليلاً .. حسب اليوم الذي يليه قطعًا، نص عليه في (البويطي). فروع: يستحب أن يعق عن من مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: تسقط بالموت، فإن مات قبلها .. ففي (شرح المهذب) في آخر الباب: يستحب، وفي (الكفاية): لا يستحب؛ لأنه لم يدرك الوقت المطلوب، وهذا هو المعروف. ولا بأس بلطخ رأس المولود بالخلوق والزعفران. وقيل: يستحب، وهو المذكور في (المهذب)، ورجحه المصنف. وفعل العقيقة أفضل من التصدق بثمنها كالأضحية. والمختار: أنه لا يجاوز بها مدة النفاس، فإن أخرها ... لم يتجاوز بها مدة الرضاع، فإن تجاوزها .. فلا يتجاوز مدة الحضانة وهي سن التمييز، فإن تجاوزها .. فلا يتجاوز مدة البلوغ، لإن تجاوزها .. سقطت عن غيره، وهو مخير في العق عن نفسه في الكبر، روي أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما أنزلت عليه (سورة البقرة)، ولكنه ضعيف أنكره البيهقي [9/ 300] وغيره. فائدتان: إحداهما: قال في (الإحياء): لا أرى رخصة في تثقيب آذان الصبية لأجل تعليق حلي الذهب فيها؛ فإن ذلك جرح مؤلم، ومثله موجب للقصاص فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان، والتزين بالحلي غير مهم، فهذا وإن كان معتادًا .. فهو حرام، والمنع منه واجب، والاستئجار عليه غير صحيح، والأجرة المأخوذة عليه حرام. اهـ فإن قيل: في (البخاري) [5189] في حديث أم زرع: أناس من حلي أذني. وفيه أيضًا [4895]: فجعلن يلقين من أقراطهن وخواتيمهن في ثوب بلال .. فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر على التعليق لا على التثقيب. وفي (الرعاية) للحنابلة: أن تثقيب آذان البنات للزينة جائز، ويكره للصبيان. وفي (فتاوى قاضي خان) من الحنفية: لا بأس بتثقيب آذان الصبية؛ لأنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية ولم ينكره عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وَيُسَمَّى فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحسن بن إسحاق بن راهويه: ولد أبي إسحاق مثقوب الأذنين، فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى فسأله عن ذلك فقال: يكون ابنك رأسًا إما في الخير وإما في الشر. الثانية: روى الحاكم: أن محمد بن نصر المروزي كان يتمنى على كبر سنه أن يولد له ولد، فولد له، فلما بشر به .. رفع يديه وقال: {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إسْمَاعِيلَ}، ثم مسح وجهه بباطن كفيه، فاستعمل في تلك الكلمة الواحدة ثلاث سنن: تسمية الولد، وحمد الله على الموهبة، وتسميته إسماعيل. قال: (ويسمى فيه)؛ للحديث المتقدم، ويجوز قبله وبعده. ولو مات قبل التسمية .. استحب تسميته، بل تستحب تسمية السقط، فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى .. سمي بما يسمى به الذكر والأنثى كحمزة وطلحة وهند. وأحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن ونحوهما، ولا تكره التسمية بأسماء الملائكة والأنبياء وياسين وطه، خلافًا لمالك، وعن الحارث بن مسكين أنه كره التسمية بأسماء الملائكة؛ ففي كتاب أبي عمرة محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي في قضائه مصر قال: شهد رجل عند الحارث بن مسكين، فقال له الحارث: ما اسمك؟ قال: جبريل، قال له الحارث: لقد ضاقت عليك أسماء بني آدم حتى تسميت بأسماء الملائكة، فقال له الرجل: كما ضاقت الأسماء حتى تسميت باسم الشيطان فإن اسمه الحارث. وكره مالك أيضًا التلقيب بالمهدي، وأباحها بالهادي. وفي (مسند الحارث بن أبي أسامة) [مطالب 3101]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له ثلاثة من الولد ولم يسم أحدهم محمدًا ... فقد جهل). وتكره الأسماء القبيحة كحرب ومرة وكليب وشيطان وظالم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أخنع اسم عند الله تعالى رجل تسمى بشاه شاه ملك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأملاك، لا ملك إلا الله) فتحرم التسمية بذلك، وفي (شرح الأذرعي) عن القاضي أبي الطيب التحريم في قاضي القضاه، وأفظع منه حاكم الحكام، وفي (منهاج الحليمي): يحرم أن يقال: الطبيب؛ فإن الطبيب الله تعالى. ويستحب تغيير الاسم القبيح باسم حسن، والاسم الذي فيه تزكية بغيره، روى البخاري في (الأدب) [824] والبيهقي في (الشعب) [5230] وابن عبد البر عن عبد الله بن الحارث بن أبزى عن أمه رائطة بنت مسلم عن أبيها أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينًا فقال: (ما اسمك؟) قلت: غراب، قال: (أنت مسلم) وإنما غير اسمه لما فيه من البعد، ولأنه من خبيث الطير، وغير اسم عتلة بن المنذر السلمي حين أتاه فقال: (ما اسمك) قال: عتلة، قال (أنت عتبة) كأنه كره العتلة لما فيها من الغلظة والشدة. والألقاب الحسنة لا ينهى عنها؛ فقد لقب الصديق بعتيق وعمر بالفاروق وحمزة بأسد الله وخالد بسيف الله، وما زالت الألقاب الحسنة في الجاهلية والإسلام. قال الزمخشري: إلا ما أحدثه الناس في زماننا من التوسع، حتى لقبوا السفلة بألقاب العلية، وهب أن العذر مبسوط فما أقول في تلقيب من ليس من الدين في قبيل ولا دبير بفلان الدين، وهي لعمرو الله القضية التي لا تساغ. ومعنى اللقب: اسم زائد على الاسم يشعر بضعة المسمى أو رفعته، والمقصود به الشهرة، فما كان مكروهًا .. نهي عنه. ويكره كراهة شديدة تسمية البنت بست الناس أو ست العرب أو ست القضاة أو العلماء، واللفظ أيضًا غير صحيح. والجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته مكروه، ونص الشافعي على أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التكني بأبي القاسم لا يجوز، سواء كان اسمه محمدًا أم لا. قال الرافعي: ومنهم من حمله على كراهة الجمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته، وجوز الانفراد، ويشبه أنه أصح، وضعفه المصنف، واختار مذهب مالك وهو الجواز مطلقًا، وكان محمد بن الحنفية يكنى بأبي القاسم، وكذلك محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن الأشعت بن قيس، وآخرون. وكان لطلحة عشرة من الولد الذكور سماهم أسماء الأنبياء: محمد السجاد، وعمران وموسى ويعقوب وإسماعيل وإسحاق وزكريا ويوسف وعيسى ويحيى. وكان للزبير عشرة سماهم أسماء الشهداء: عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخالد وعمرو ومصعب وحمزة وجعفر، فاجتمع طلحة والزبير فقال له الزبير: إنك سميت أبناءك أسماء الأنبياء، وأنا سميت أبنائي أسماء الشهداء، والنبوة قد انقطعت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الشهادة فباقية، فقال: فعلت ذلك تبركًا بهم. وكان للعباس عشر بنين: الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم وعبد الرحمن ومعبد والحارث وكثير وعون وتمام، تباعدت قبور خمسة منهم تباعدًا شديدًا، فعبد الله بالطائف، وعبيد الله بالمدينة، والفضل بالشام، ومعبد بأفريقية، وقثم بسمرقند. وكان لأنس بن مالك عشرة كلهم حمل العلم، وهم النضر وموسى وعبد الله وعبيد الله وزيد وأبو بكر وعمر ومالك وثمامة ومعبد. وكان للحسن بن عرفة صاحب (الجزء المشهور) عشرة أولاد سماهم بأسماء العشرة، قال أبو نعيم. وكذلك عبد الرحمن بن أبي ليلى قتل بدير الجماجم عن عشرة بنين له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وممن ولد له في الإسلام مئة مولود جعفر بن سليمان الهاشمي، وعبد الله بن عمير الليثي، وخليفة بن السعدي. ومن غريب ما ذكر في كثرة أولاد الصحابة: أن أبا ليلى رضي الله عنه وقع إلى الأرض من صلبه ثلاث مئة ولد، قاله ابن أبي خثيمة، وذكر غيره أنه شهد وقعة الجمل ومعه سبعون من بنيه. وذكر الحافظ أبو نعيم: أن بهية بنت عبد الله البكرية وفدت مع أبيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا لها ولولدها، قال: فولدت ستين ولدًا أربعين رجلًا وعشرين امرأة، استشهد منهم عشرون في سبيل الله عز وجل. وفي تفسير القرطبي عند قوله تعالى: {السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ} عن ابن عباس أنه قال: إذا كان يوم القيامة .. أخرج الله تعالى أهل التوحيد من النار، وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي، حتى إذا لم يبق فيها من وافق اسمه اسم نبي .. قال الله تعالى لباقيهم: (أنتم المسلمون وأنا السلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن) فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين. وفي كتاب (الخصائص) لابن سبع: عن ابن عباس أنه قال: (إذا كان يوم القيامة .. نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة؛ لكرامة محمد نبيه صلى الله عليه وسلم). وقال مالك: سمعت أهل المدينة يقولون: ما من أهل بيت فيهم اسم محمد إلا رزقوا رزق خير، قال ابن رشد: يحتمل أن يكونوا عرفوا ذلك بالتجربة، أو عندهم في ذلك أثر. والتسمي بعبد النبي .. قيل: يجوز إذا قصد به النسبة إليه صلى الله عليه وسلم، ومال الأكثرون إلى المنع خشية التشريك واعتقاد حقيقة العبودية، كما أنه لا يجوز التسمية بعبد الكعبة وعبد العزى وعبد علي وعبد الحسين وقنبر وهو عبد علي، كل هذا من مبتدعات الشيعة والرافضة.

وَيُحْلَقَ رَاسُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا، وَيُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَيُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويسن أن يهنأ الوالد بالولد بما جاء عن الحسن وهو: بارك الله في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده ورزقت بره، وأن يرد المهنأ يبارك الله لك وبارك عليك. قال: (ويحلق رأسه بعد ذبحها، ويتصدق بزنته ذهبًا أو فضة)؛ لما روى الشافعي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة لما ولدت الحسن والحسين أن تحلق شعورهما، وأن تتصدق بزنته فضة، ففعلت ذلك، وفعلته في سائر أولادها من الإناث). وهن والذكور في ذلك سواء، قال الماوردي: ومن الناس من كرهه في الإناث؛ لأن حلق رؤوسهن مثلة. وقال البندنيجي: حلق الرأس يكون قبل الذبح، ونقل عن النص. وفي (المهذب) وغيره: أنه بعده، وقوة لفظ الخبر تعطيه، قال المصنف: فهو أرجح، ولا خلاف أن الذهب أفضل. قال: (ويؤذن في أذنه حين يولد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بالحسن والحسين، رواه أبو داوود [5064] والترمذي [1514] والحاكم [3/ 179]. والحكمة فيه: أنه أول قدومه إلى الدنيا ينخسه الشيطان، فناسب أن يطرد عنه؛ فإنه يدبر عند سماع الأذان والإقامة كما في الحديث في (الصحيح). وفي (مسند رزين): (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في أذن مولود (سورة الإخلاص)، ومناسبته ظاهرة. والمراد: في أذنه اليمين، واستحب جماعة الإقامة في اليسرى بعد الأذان في اليمنى كما كان يفعله عمر بن عبد العزيز. ويستحب قراءة {وإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، نقله في (البحر) عن الأصحاب.

وَيُحَنَّكَ بِتَمْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (كتاب ابن السني): عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام الصلاة في أذنه اليسرى .. لم تضره أم الصبيان) وهي التابعة من الجن، وقيل: مرض يأخذهم في الصغر. قال: (ويحنك بتمر)؛ لحديث أبي موسى الثابت في (الصحيحين) [خ5467 - م 2145] قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم وحنكه بتمر ودعا له بالبركة ودفعه إلي، وكان أكبر أولاد أبي موسى. و (التحنيك): أن يمضغ التمر ونحوه ويجعل في حنك المولود حتى ينزل إلى جوفه شيء منه، وينبغي أن يكون المحنك من أهل الخير، وممن ترجى بركته. ولا يتعين التمر، بل في معناه الرطب، فإن لم يكن .. فالعسل؛ لأنه شفاء، فإن لم يكن .. فشيء حلو، وغير ما مسته النار أولى مما مسته كما قيل في فطر الصائم. تتمة: قال ابن سراقة: آكد الدماء المسنونة الهدايا ثم الضحايا ثم العقيقة ثم العتيرة ثم الفرع، وفي (الصحيحين) [خ5473 - م1976]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا فرع ولا عتيرة) فـ (الفرع) بفتح الفاء والراء: أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه؛ رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (العتيرة): ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من شهر رجب، سموها الرجبية، وفي استحبابهما وجهان: أحدهما: لا، وعلى هذا: ففي كراهتها وجهان: المنصوص: لا والثاني: تستحبان، ورواه المصنف عن النص وصححه، وأجاب عن الحديث بنفي الوجوب، أو نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم. وقال الروياني في (البحر): كان ابن سريج يذبح العتيرة في شهر رجب، وانفرد بذلك من بين سائر العلماء. * ... * ... * خاتمة يكره تبييض اللحية بالكبريت وغيره، ونتفها أول طلوعها إيثارًا للمرودة، وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسينًا، والزيادة فيها، والنقص منها بازيادة في شعر العذارين، ونتف جانب العنفقة، وتركها شعثة، والنظر إليها إعجابًا وافتخارًا ويحرم خضابها بالسواد على الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض الشيخ الغربيب) وهو الذي يسود شيبته بالخضاب. ولو قيل بتحريم نتف الشيب .. لم يبعد؛ لما روى عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم يوم القيامة) حسنه الترمذي [2821]، ونص الشافعي على تحريم نتف اللحية وحلقها. وفي (الإحياء) كل أهل الجنة جرد مرد إلا هارون فله لحية تبلغ سرته، وكذلك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رويناه في (مشيخة ابن كليب)، لكن الذهبي عدها من الموضوعات [ميزان 6/ 234]. وفي (تاريخ دمشق) [3/ 512 - 513] عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء: (ثم صعدت إلى السماء الخامسة؛ فإذا أنا بهارون، ونصف لحيته بيضاء ونصفها أسود، تكاد لحيته تضرب سرته من طولها، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المجيب في قومه، هذا هارون بن عمران) اهـ وجمع هارون: هارونون. * ... * ... *

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

كِتَابُ الأَطْعِمَةِ حَيَوَانُ الْبَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأطعمة هي جمع طعام، والمراد: بيان ما يباح أكله وشربه من المطعوم والمشروب. وللإنسان في ذلك حالتا اضطرار واختيار؛ فلذلك عقد له هذا الكتاب. والأصل فيه: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}، والمراد هنا: ما تستطيبه النفس وتشتهيه، ولا يجوز أن يراد الحلال؛ لأنهم سألوه عما يحل لهم فكيف يقول أحل لكم الحلال؟! واسم الطيب يقع على أربعة أشياء: الحلال، ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ}. والطاهر، ومنه قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. وما لا أذى فيه كقولهم: هذا يوم طيب وليلة طيبة. وما تستطيبه النفس كما يقال: هذا طعام طيب. ومقصود الباب: الكلام في المطاعم ومعرفة أحكامها من المهمات، فإن الله تعالى أجرى العادة بالحاجة إليها. وفي تناول الحرام جاء الوعيد الشديد، فمنه في (الترمذي) [614] و (ابن حبان) [5567] عن كعب بن عجرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا كعب بن عجرة؛ لا ينبت لحم من الحرام إلا كانت النار أولى به) وفي رواية: (لا يدخل الجنة لحم بنت من سحت). قال: (حيوان البحر) وهو الذي لا يعيش إلا في الماء وعيشه خارجه كعيش المذبوح.

السَّمَكُ مِنْهُ حَلاَلٌ كَيْفَ مَاتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قسمان: منه ما ليس له رئة كأنواع السمك، ومنه ما له رئة كالضفدع؛ فإنها تجمع بين الماء والهواء. روى القزويني وغيره عن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى خلق في الأرض ألف أمة ست مئة في البحر، وأربع مئة في البر). قال: (السمك منه حلال)؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} أي: مصيده ومطعومه، وقال أبو بكر وعمر وابن عباس وجمهور الصحابة والتابعين: طعامه: ما طفا على وجه الماء، وإلى هذا يشير قوله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). قال: (كيف مات) أي: سواء كان ذلك بسبب ظاهر كصدمة حجر أو انحسار ماء أو ضرب من الصائد، أو مات حتف أنفه طافيًا أو راسبًا، خلافًا لأبي حنيفة. لنا: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (الحل ميتته) والصحيح في حديث العنبر: أنهم وجدوه بشاطئ البحر ميتًا فأكلوا منه وقدموا بوشائق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكله. لكن يستثنى ما إذا انتفخ الطافي وصار بحيث يخشى أن يورث الأسقام .. فيحرم للضرر، قاله الشيخ أبو محمد في (التبصرة)، وإليه أشار القفال في (محاسن الشريعة). فرعان: أحدهما: وجدنا سمكة في جوف سمكة أو في جوف سبع .. حل أكلها، إلا أن تكون قد تقطعت وتغير لونها .. فتحرم في الأصح؛ لأنها كالروث والقيء، ولو استحالت حرمت جزمًا. الثاني: صغار السمك التي تقلى من غير أن يشق جوفه في حل أكله وجهان:

وَكَذَا غَيْرُهُ فِي الأَصَحِّ، وَقِيلَ: لاَ، وَقِيلَ: إِنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ .. حَلَّ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحح جماعة تحريمه بسبب ما في جوفه؛ فإن ينجس الدهن فيتنجس الجميع، قال الرافعي: وعلى المسامحة فيه جرى الأولون، قال الروياني: وبه أفتي، ورجيعها طاهر عندي، وفي طهارته وجه تقدم في (باب النجاسة). قال: (وكذا غيره في الأصح) وهو ما غاير السمك في الصورة المشهورة؛ لأن صيد البحر يقع على الجميع. وقال الشافعي: يؤكل فأر الماء وخنزيره، فعلى هذا: لا تشترط ذكاته في أصح القولين أو الوجهين كالسمك؛ لما روى البخاري عن أبي بكرة: (كل دابة تموت في البحر .. فقد ذكاها الله لكم). وكلام المصنف اشتمل على مسألتين: إحداهما: أصل الحل. والثانية: عدم الاحتياج إلى التذكية، ويقابل الأصح في الثانية الاحتياج، ويقابله في الأولى الوجهان المذكوران عقبه. قال: (وقيل: لا)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خص السمك والجراد بالحل، وهذا لا يسمى سمكًا. قال: (وقيل: إن أكل مثله في البر .. حل) كالبقر والشاء، فعلى هذا: ما لا نظير له حلال أيضًا؛ لقصة العنبر إذ لا نظير لها في البر، ولذلك لما أعلموا بها النبي صلى الله عليه وسلم .. لم ينكر عليها، وأكل من بقية لحمها. قال: (وإلا .. فلا، ككلب وحمار)؛ اعتبارًا لما في البحر بما في البر، ولأن

وَمَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ كَضِفْدِعٍ وَسَرَطَانٍ وَحَيَّةٍ .. حَرَامٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم يتناوله فأجري عليه حكمه، وعلى هذا: لا يحل ما أشبه الحمار وإن كان في البر حمار الوحش. وإذا حكمنا بحل ما سوى السمك .. فالأصح: أنه لا يشترط فيها الذكاة؛ لأنها حيوانات تعيش في الماء فأشبهت السمك. قال: (وما يعيش في بر وبحر كضفدع وسرطان وحية .. حرام)، أما الضفدع .. فصح أن طبيبًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه يجعله في دواء فنهاه عن قتلها، رواه أبو داوود [5227] والنسائي [7/ 210] والحاكم [4/ 410/411]، فلو كان أكلها مباحًا .. لم ينه عن قتلها. وصح عن ابن عمر أنه قال: (لا تقتلوا الضفادع؛ فإن نقيقها: تسبيح). وقال بعض الفقهاء: إنما حرم؛ لأنه كان جار الله في الماء الذي كان عليه العرش قبل خلق السماوات والأرض .. وقيل: إنما حرم؛ لأنه سم، وادعى الماوردي الاتفاق عليه. وفي قول ضعيف: إنه حلال بشرط الذكاة. وأما السرطان .. فلاستخباثه، وفيه قول ضعيف أيضًا: إنه حلال، وإليه ذهب الحليمي إذا ذبح. وأما حيات الماء وعقاربه وما فيه من ذوات السموم الضارة التي تفضي إلى موت أو سقم .. فلا يحل أكلها بحال. وخالف في (شرح المهذب) فقال: الصحيح المعتمد: أن جميع ما في البحر تحل ميتته إلا الضفدع، ويحمل ما ذكره الأصحاب أو بعضهم في الحية والسلحفاة والنسناس على ما يكون في غير البحر. واحترز بقوله (كضفدع وسرطان) عن البط والإوز ونحوهما وسيأتي.

وَحَيَوانُ الْبَرِّ تَحِلُّ مِنْهُ الأَنْعَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الضفدع) بكسر الضاد والدال على الأشهر، ويجوز فتح ضادها مع كسر الدال، وحكى ابن السيد ضم الضاد وفتح الدال، وهو شاذ. وأما التمساح فحرام على الأصح؛ لخبثه، وعلله الشيخ في (التنبيه) بأنه يتقوى بنابه، ومقتضى هذه العلة أن يحرم القرش؛ لأنه في معناه، بل أشد منه ضررًا، وبه أجاب شيخنا رحمه الله، لكن أجاب الشيخ محب الدين الطبري فيه بالحل تبعًا لابن الأثير في (النهاية)، قال: ويقال له: اللخم بفتح اللام والخاء المعجمة. والسلحفاة البحرية وهي اللجا بالجيم صرح في (شرح المهذب) بأنها غير مأكولة، وهو الأصح عند الأصحاب، وصرحوا بكراهة قتلها. والأصح تحريم النسناس؛ لأنه على خلقة الناس، كذا قاله القاضي أبو الطيب وغيره، وقال الجوهري: هو جنس من الخلق، يثب أحدهم على رجل واحدة، وقال المسعودي: له عين واحدة تخرج من الماء ويتكلم، ومتى ظفر بالإنسان .. قتله، يوجد في جزائر الصين، يقفزون كما يقفز الطير، وفي (المحكم): أنه سبع من أخبث السباع. وقال ابن قتيبة: النمس: ابن عرس، وقال الرافعي في (كتاب الحج): النمس أنواع، وبهذا يجمع بين هذه الأقوال. فرع: الدنيلس: نوع من الصدف، قال أرسطاطاليس: إنه أصل السرطان، وحكمه حل الأكل؛ لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه، ولم يأت على تحريمه دليل، كذا أفتى به الشيخ شمس الدين بن عدلان وعلماء عصره وغيرهم، وما نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام من الإفتاء بتحريم أكله لم يصح؛ فقد نص الشافعي على أن حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه يؤكل لعموم الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (الحل ميتته). قال: (وحيوان البر تحل من الأنعام) وهي الإبل والبقر والغنم؛ لقوله تعالى:

وَالْخَيْلُ وَبَقَرُ وَحْشٍ وَحِمَارُهُ، وَظَبْيٌ وَضَبْعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}، وقوله: {وَمَنَافِع وَمِنْهَا تَاكُلُونَ}، وأجمعت الأمة على ذلك. قال: (والخيل) سواء كانت عربية أو عجمية أو متولدة منهما؛ لما روى جابر قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن في لحوم الخيل) رواه الشيخان [خ 5520 - م 1941]، ولفظ البخاري: (وأرخص في لحوم الخيل). وأما حديث خالد في النهي عن أكل لحوم الخيل .. فقال أحمد وغيره: منكر، وقال أبو داوود [3784]: منسوخ. وأما قوله تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ولم يذكر الأكل؛ لأنه في سياق الامتنان فرده البيهقي بأن الآية مكية بالاتفاق، ولحوم الخيل إنما أحلت يوم خيبر سنة سبع بالاتفاق. وفي (الصحيحين) [خ 5095 - م 3597]: عن أسماء قالت: (نحرنا فرسًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة)، وفي (مسند أحمد) [6/ 346]: (فأكلناه نحن وأهل بيته). قال: (وبقر وحش وحماره)؛ لأنهما من الطيبات. وفي (الصحيحين) [خ 1821 - م 1196]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل الحمار الوحشي) ويستوي في ذلك الأبل والوعل والتيتل وهو الذكر المسن من الأوعال، وكذلك تؤكل جميع كباش الجبل وغنمه، ولا فرق في حمار الوحش بين أن يتأنس أو يبقى على توحشه، كما لا فرق في تحريم الأهلي بين الحالين. قال: (وظبي) بالإجماع. قال: (وضبع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الضبع صيد، فإذا أصابه المحرم .. ففيه كبش مسن، ويؤكل) رواه أبو داوود [3795] والحاكم [1/ 453] من حديث جابر وقال: صحيح الإسناد.

وَضَبٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى الشافعي [1/ 341] بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: سألت جابرًا عن الضبع، أصيد هو؟ قال: نعم، قال الشافعي: ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير. ومن عجيب أمرها أنها تحيض وتكون سنة ذكرًا وسنة أنثى. قال: (وضب)؛ لما في (الصحيحين) [خ 5391 - م 1945] عن ابن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأُتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في البيت: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت: أحرام هو؟ قال: (لا، ولكنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه) قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر. وبهذا قال مالك وأحمد. ومعنى أعافه: أكرهه تقذرًا. وهو حيوان معروف، للذكر ذكران وللأنثى فرجان، لا تسقط أسنانه إلى أن يموت، وهو واليربوع مستثنيان من الحشرات، وحرمه أبو حنيفة، فإن صح عنه .. فهو محجوج بالنصوص وإجماع من قبله. وأما أم حبين .. فالأصح: أنها حلال، وهي دويبة صفراء كبيرة الجوف، وقال البندنيجي: إنها ضرب من الضباب.

وَأَرْنَبٌ وَثَعْلَبٌ وَيَرْبُوعٌ وَفَنَكٌ وَسَمُّورٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وأرنب)؛ لما روى الشيخان [خ 2572 - م 1953]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه وأمر بذلك). وروى أبو داوود [3785] عن أنس قال: (كنت غلامًا حزوَّرًا، فصدت أرنبًا فشويتها وبعث معي أبو طلحة بعجزها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم). و (الحزوَّرة) بالتشديد والتخفيف: المراهق. ولم تبلغ أبا حنيفة الأحاديث فحرمها محتجًا بأنها تحيض كالضبع، وهي محرمة عنده أيضًا. قال: (وثعلب)؛ لأنه من الطيبات ونابه ضعيف، وأوجب عمر فيه على المحرم جفرة، ولا يفدى إلا ما يؤكل. وقال ابن حزم وابن الصلاح: لم يرد في تحليل الثعلب حديث. وحكى العبادي في (طبقاته) عن أبي سعيد الدارمي صاحب البويطي أنه حرمه. قال: (ويربوع)؛ لأن العرب تستطيبه، وأوجب فيه عمر جفرة على المحرم أيضًا. وقال في (شرح المهذب): لا خلاف في حله، وفيه نظر؛ ففي (الشرح الصغير) وجه: أنه حرام، وصححه في (البيان)، وهي دويبة مثل الجرذ لها رأس مدور وعين ضخماء مستديرة، بيضاء الطرف، قصيرة اليدين والرجلين. قال: (وفنك وسمور) هذان فيهما وجهان: أصحهما –كما قاله المصنف-: الحل كالثعلب. و (الفنك) بفتح الفاء والنون: دويبة يتخذ جلدها فروًا. و (السمور) بفتح السين وضم الميم المشددة كسفود وكلوب: حيوان بري يشبه السنور، تتخذ من جلده الفراء للينها وخفتها، يألف المياه كثيرًا والمواضع المخصبة.

وَيَحْرُمُ بَغْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (تهذيب الأسماء واللغات) أنه طائر، وهو سبق قلم. وأعجب منه ما وقع لابن هشام السبتي في (شرح الفصيح) أنه ضرب من الجن، ونظيره وما قبله السنجاب والقاقم والحواصل، وفي الحَمَسَة وجه. فروع: الأصح: حل الوبر؛ لأن العرب تستطيبه، ويفديه المحرم، وهو دويبة أكبر من ابن عرس وأصغر من الهرة الوحشية، ليس لها ذنب، كَحلاء العينِ. وأما الببر –ببائين موحدتين الأولى مفتوح والثانية ساكنة- فهو ضرب من السباع، يعادي الأسد من العدو لا من المعاداة، ويقال له: الفرانق، شبيه بابن آوى، يحرم أكله؛ لأنه يتقوى بنابه. والقنفذ بالذال المعجمة حلال؛ لأنه مستطاب لا يتقوى بنابه، وقيل: حرام؛ لما روى أبو داوود [3793]: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده فقال: (خبيث من الخبائث). وجوابه: أن إسناده غير قوي، ومثله في جريان الخلاف الدلدل، وهو دابة قدر السخلة ذات شوك طويل يشبه السهام، وفي (الصحاح): أنه عظيم القنافذ. وأما ابن عرس –وجمعه بنات عرس- ففي (شرح المهذب): أنه حلال بلا خلاف، وفيه وجه في (الشرح الصغير)، وليست المسألة في (الروضة). قال: (ويحرم بغل)؛ لتولده بين حرام وحلال. وروى مسلم عن جابر قال: (ذبحنا في خيبر الخيل والحمر فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل).

وَحِمارٌ أَهْلِيٌّ، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَيْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن تولد بين فرس وحمار وحشي .. حل بلا خلاف، ويلتحق بـ (البغل) في التحريم كل حيوان متولد بين مأكول وغيره كالسِّمع وسيأتي. وكذا الحمار المتولد بين الوحشي والأهلي، سواء كان المأكول الذكر أو الأنثى. وجعل بعضهم الزرافة من ذلك وقال: هي متولدة بين مأكول وغيره فتحرم، وهي بفتح الزاي وضمها لغتان مشهورتان، وفي (شرح المهذب) أنها حرام بلا خلاف، والذي ذهب إليه المتولي فيها الحل، وبه أفتى البغوي وقال: إنها لا تتقوى بنابها كالثعلب. وقال بعضهم: الذي يتقوى بنابه بالقاف، وفي (شرح التنبيه) لابن يونس في حلها وجهان. قال: (وحمار أهلي)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وأما حديث: (أطعم أهلك من سمين حمرك (فاتفق الحفاظ على ضعفه، ولو صح .. حمل على حال الاضطرار. قال: (وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير) ففي (الصحيحين) [خ 5530 - م 1932]: أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وفي (مسلم) [1934]: (وكل مخلب من الطير) ودخل في عمومه الكلب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الكلب خبيث وخبيث ثمنه) وكذلك الخنزير؛ لعموم الآية والإجماع. والمراد من (ذي الناب): الذي يعدو على الحيوان ويتقوى بنابه طالبًا غير مطلوب، والتحريم منوط بذلك على النص.

كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍ وَفِيلٍ وَقِرْدٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَشَاهِينٍ وَنَسْرٍ وَعُقَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (المخلب) بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة يكون للطير والسباع كالظفر للإنسان. قال: (كأسد ونمر وذئب ودب وفيل وقرد وباز وصقر وشاهين ونسر وعقاب) وكذلك جميع جوارح الطير؛ لاستخباثها، خلافًا لمالك حيث قال: تكره. وقال أحمد: ليس الفيل من أطعمة المسلمين، وعن البوشنجي أنه اختار لنفسه حل الفيل كمذهب مالك. وقال البندنيجي: يحل القرد، ولم يعد جماعة النسر مما له مخلب، وقالوا: حرم لاستخباثه. وذكر ابن خالويه للأسد خمس مئة اسم، وزاد علي بن جعفر عليه مئة وثلاثين اسمًا. و (النمر) بفتح النون وكسر الميم ويجوز إسكانها: حيوان معروف، أخبث من الأسد، سمي بذلك لتنمره واختلاف لون جسده، يقال: تنمر فلان؛ أي: تنكر وتغير؛ لأنه لا يوجد غالبًا إلا غضبانَ، وهو ذو قهر وسطوات عتيدة، ووثبات شديدة، معجب بنفسه، فإذا شبع نام ثلاثة أيام، ورائحة فمه طيبة. و (الذئب) بالهمز وعدمه معروف، يلتحم عند السفاد كالكلب، وهو موصوف بالانفراد والوحدة، ومن طبعه أنه لا يعود إلى فريسة شبع منها، وينام بإحدى عينيه والأخرى يقظى حتى تكتفي العين النائمة من النوم، ثم يفتحها وينام بالأخرى ليحرس باليقظى ويستريح بالنائمة، وهو أكثر الحيوان عواء إذا كان مرسلاً، فإذا أخذ وضرب .. لم يسمع له صوت، وفيه قوة حاسة الشم، فيشم الشيء من فرسخ. وكلم الذئب ثلاثة من الصحابة: أهبان بن أوس الأسلمي، ورافع بن عميرة، وسلمة بن الأكوع. و (الدب) من السباع، يحب العزلة، وإذا جاء الشتاء دخل وِجاره، ولا يخرج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا أن يطيب الهواء، وإذا جاع مص أصابع يديه ورجليه فيندفع عنه بذلك الجوع، ويخرج أسمن ما كان، ويسفد الذكر الأنثى مضطجعة على الأرض، وتضع جروها قطعة لحم غير مميز الجوارح، فلا تزال تلحسه حتى تتميز أعضاؤه. و (الفيل) جمعه فيلة وأفيال، وكنيته أبو الحجاج، والفيل المذكور في القرآن كنيته أبو العباس واسمه محمود، والذكر ينزو إذا تم له خمس سنين، وتحمل الأنثى سنتين، وهو صاحب حقد ولسانه مقلوب، ولولا ذلك لتكلم، ويخاف من الهرة خوفًا شديدًا، وفيه من الفهم ما يقبل به التأديب والتعليم، والهند تعظمه؛ لما اشتمل عليه من الخصال المحمودة، ويعمر كثيرًا. و (القرد) جمعه قردة وقرود، وهو حيوان قبيح مليح ذكي سريع الفهم، أهدى ملك النوبة إلى المتوكل قردًا خياطًا، تلد الأنثى في البطن الواحدة العشرة والاثني عشر، والذكر شديد الغيرة على الإناث، وهذا الحيوان شبيه بالإنسان في غالب حالاته، فإنه يضحك ويطرب، ويتناول الشيء بيده، ويأنس بالناس، ويمشي على أربع مشيه المعتاد، وعلى رجليه حينًا يسيرًا. و (الباز) فيه ثلاث لغات: أفصحها بازي بتخفيف الياء، وثانيها: باز، وثالثها: بازي بالتشديد وأنكرها الجوهري، ولفظه يذكر بلا خلاف. وهو من أشد الحيوان تكبرًا وأضيقها خلقًا. وقيل: لا يكون إلا أنثى وذكرها من نوع آخر من الحدأة والشاهين، ولهذا اختلف أشكالها. و (الصقر) بالصاد والزاي والسين، وكذلك كل كلمة فيها صاد وقاف فيها اللغات الثلاثة كالبصاق. قال في (شرح المهذب): يقال للبزاة والشواهين وغيرهما مما يصيد: صقور، واحدها صقر، والأنثى صقرة. و (الشاهين) جمعه شواهين، وليس بعربي، لكن تكلمت العرب به، وهو في الحقيقة من جنس الصقر، ولذلك قال في (التحرير): أنكر على الشيخ جعله الصقر

وَكَذَا ابْنُ آوَى وَهِرَّةُ وَحْشٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قسيمًا للبازي والشاهين مع أنه يتناولهما، قال: ويجاب عنه بأنه ذكر العام ثم الخاص وهو جائز، والمصنف وقع هنا في ذلك ويجاب عنه بما أجاب. قال: (وكذا ابن آوى وهرة وحش في الأصح) أما ابن آوى .. فلأنه كريه الرائحة تستخبثه العرب؛ لأكله الميتة، وفيه شبه من الذئب وشبه من الثعلب، وهو فوق الثعلب ودون الكلب، وجمعه بنات آوى، ولا ينصرف؛ لأنه على أفعل وهو معرفة، وصياحه يشبه صياح الصبيان، وهو طويل المخالب والأظفار، يعدو ويأكل مما يصيد من الطيور وغيرها، وخوف الدجاج منه أشد من خوفها من الثعلب؛ لأنه إذا مر تحتها وهي على جدار تساقطت. وأما هرة الوحش .. فلأنها تصطاد بنابها فأشبهت الأسد. وقيل: يحل ابن آوى؛ لضعف نابه، والهرة؛ لأنها حيوان تنوع إلى أهلي ووحشي، حرم الأهلي منه فيجعل الوحشي كالحمار، وأصل الخلاف التردد في أنه وحشي الأصل أو إنسي توحش وتوالد عند خلو القرى في سني القحط، فيحل على الأول دون الثاني. واحترز بـ (الوحشية) عن الأهلية، فإنها حرام أيضًا على الصحيح؛ ففي الحديث أنها سبع، وفي (سنن البيهقي) [9/ 317]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الهر). ولأن لها نابًا تصطاد به وتأكل الجيف. وقيل: يحل أكلها؛ لضعف نابها، فلو قال المصنف: (وهرة) وحذف لفظ وحش .. كان أشمل وأخصر. أما ابن مقرض – وهو الدلق بفتح الدال واللام- فالصواب: أنه حلال كما وقع في (الشرح) و (الحاوي) الصغيرين، وهو دويبة أكحل اللون طويل الظهر ذو قوائم أربع، أصغر من الفأرة، يقتل الحمام ويقرض الثياب. وأما النمس الذي يأوي الخراب من الدور ونحوها .. فهو نوع من القردة، فالظاهر أنه حرام؛ لأنه يفترس الدجاج، فهو كابن آوى.

وَيَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ وَحِدَأَةٍ وَفَارَةٍ وَكُلِّ سَبُعٍ ضَارٍ، وَكَذَا رَخَمَةٌ وَبُغَاثَةٌ، وَالأَصَحُّ: حِلُّ غُرَابٍ زَرْعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحرم ما ندب قتله كحية وعقرب وغراب أبقع وحدأة وفأرة وكل سبع ضار)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) متفق عليه [خ 3314 - م 1198]. ولأن هذه مستخبثات شرعًا وطبعًا، لكن يستثنى من عموم تحريم ما أمر بقتله البهيمة المأكولة اللحم إذا وطئها آدمي؛ فإنها تؤكل مع الأمر بقتلها. وأما الغراب الأبقع .. فلا خلاف في تحريمه. وأما الغداف الصغير وهو بدال مهملة رمادي اللون صغير الجثة .. فصحح في (أصل الروضة) و (التصحيح) و (الكفاية) تحريمه، وحاصل كلام الرافعي فيه الحل. والحية الذكر والأنثى، والعقرب الأنثى والذكر عقربان بضم العين والراء. قال: (وكذا رخمة)؛ لخبث غذائها، وروى البيهقي [9/ 317] عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكلها). وهي طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، يقال له: الأنوق، والجمع رخم، ويقال لها: ذات الاسمين. قال: (وبغاثة)؛ لاستخباثها، وباؤها مثلثة، وهو طائر أبيض بطيء الطيران أصغر من الحدأة ذات مخلب ضعيف. وكذلك يحرم العقعق على الصحيح، والبوم والضوع على الأصح، وهو بضم الضاد المعجمة وفتح الواو وبالعين المهملة، قيل: إنه ذكر البوم، فإن صح ذلك .. جرى الخلاف فيه كما جرى في البومة. قال: (والأصح: حل غراب زرع) وهو أسود صغير، يقال له الزاغ، وقد يكون

وَتَحْرِيمُ بَبَّغَا وَطَاوُوسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ محمر المنقار والرجلين؛ لأنه مستطاب، وقيل: حرام؛ لأنه من جنس الغربان. وحكم بيض ما ذكرناه حكم لحم. قال: (وتحريم ببغا)؛ لخبث لحمها، وهي بفتح الباء الأولى وتشديد الثانية، هذا الطائر المعروف الأخضر الذي يقال له: الدرة بدال مهملة مضمومة، كذا قال الصاغاني وغيره، ولا يعرف اسم ذكر من لفظها، وليست من طير العرب، بل من اليمن والنوبة. وقيل: هي حلال؛ لكلها الطيبات، ولأنها ليست من ذوات السموم ولا من ذوات المخالب، ولا أمر بقتلها ولا نهي عنه. وهو حيوان دمث الخلق ثاقب الفهم، له قوة على حكاية الأصوات وقبول التلقين، ويتناول مأكوله برجله كما يتناول الإنسان الشيء بيده، من أكل لسانها .. صار فصيحًا جريئًا في الكلام. قال: (وطاووس)؛ لخبث لحمه، وقيل: حلال؛ لعدم أكله المستقذرات واللحوم، وهو مع حسنه يتشاءم به. وأما الشقراق – ويقال له الشرقراق- فجزم البغوي بحله والصيمري والعجلي بتحريمه وهو قول الأكثرين.

وَتَحِلُّ نَعَامَةٌ وَكُرْكِيٌّ وَبَطٌّ وَإِوَرٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو طائر يسمى الأخيل، والعرب تتشاءم به، وهو أخضر ملون حسن المنظر على شكل الحمام، كثير ببلاد الشام والروم. وأما ملاعب ظله .. فقال أبو عاصم يحرم، وهو طائر يسبح في الجو مرارًا كأنه ينقض على طائر. والنهاس حرام كالسباع التي تنهس. واللقاط حلال إلا ما استثناه النص وهو ذو المخلب. قال البوشنجي: وما يتقوت بالطاهرات حلال بالإجماع إلا ما استثناه النص، وما يتقوت بالجيف حرام. قال: (وتحل نعامة) بالإجماع، ولأن الصحابة قضوا فيها إذا قتلها المحرم ببدنة. وهي تذكر وتؤنث، والنعام اسم جنس مثل حمام وحمامة وجراد وجرادة. وتوصف بالحمق ولا سمع لها، لكنها تدرك بالشم ما تحتاج فيه إلى السمع فتشم رائحة القناص من بعد، وهي كثيرة الصبر على العطش، وتبتلع العظم الصلب والحجر والحديد فيذوب في جوفها كالماء. قال: (وكركي) بلا خلاف، وما أوهمه كلام العبادي من جريان الخلاف فيه لأنه من طير الماء الأبيض شاذ. وهو طائر كبير، وكنيته أبو العيزار، وفي طبعه الحذر والتحارس بالنوبة في الليل، وإذا كبر أبواه عالهما، ولا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه ويعلق الأخرى، وإذا وضعها .. وضعها وضعًا خفيفًا مخافة أن تنخسف به الأرض. قال: (وبط وإوز)؛ لأنهما من الطيبات. و (البط): هو الإوز الذي لا يطير، والإوز بكسر الهمزة وفتح الواو. وتحل الحبارى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكلها، وكذلك كل

وَدَجَاجٌ وَحَمَامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أشبهها، ولم يحك المصنف فيها خلافًا، والرافعي جعل الجميع من طير الماء وجميعه حلال إلا اللقلق، وإلا طير الماء الأبيض؛ فإن الصميري قال: إنه حرام لخبث لحمه. قال أبو عاصم: طير الماء أكثر من مئتي نوع، لا يوجد لأكثرها اسم عند العرب؛ لأنها لا توجد ببلادهم. ويحل من طير الماء مالك الحزين، وهو البلشون، قاله ابن بري، وهو الطويل العنق والرجلين من أعاجيب الدنيا؛ لأنه لا يزال يقعد بقرب المياه ومواضع نبعها من الأنهار وغيرها، فإذا نشفت يحزن لذهابها، وكلما نقصت .. حزن، ولا يشرب منها عند ذلك خوفًا من زيادة نقصها، ويبقى على ذلك حزينًا كئيبًا، وربما ترك الشرب حتى مات عطشًا. والبجع – وهو الحوصل، وجمعه حواصل-: طائر كبير الحوصلة، تتخذ منها الفراء، وهو حلال كما جزم به الرافعي وغيره عمومًا. واللقلق حرام على الأصح؛ لأنه يأكل الحيات ويصف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل ما دف ودع ما صف) كذا استدل به الرافعي وغيره، وهو غريب. يقال: دف الطائر بجناحيه إذا حركهما، وصف إذا لم يحركهما، قال الله تعالى: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ}. قال: (ودجاج) بالإجماع، سواء أنسية ووحشية، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكله، رواه الشيخان [خ 4385 - م 1649/ 9]. والدجاج يقع على الذكر والأنثى، وفي داله ثلاث لغات: أفصحها: الفتح. قال: (وحمام)؛ لأنه من الطيبات.

- وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ- وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبٍ وَصَعْوَةٍ وَزُرْزُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو كل ما عب وهدر). (العب) شدة جرع الماء من غير تنفس. (والهدير) ترجيع الصوت ومواصلته من غير تقطيع له، والمصنف تبع (المحرر) في الجمع بين هذين الوصفين. وفي (الروضة) في (جزاء الصيد) قال: المراد بالحمام: كل ما عب الماء وهو أن يشربه جرعًا، ولا حاجة إلى وصفه بالهدير – أي: مع العب- فإنهما متلازمان، ولهذا اقتصر الشافعي على العب. وفي (الروضة) هنا: كل ذي طوق من الطير حلال، واسم الحلال يشمل الجميع، فيدخل فيه القمري والدبسي واليمام والفواخت والورشان – وهو ساق حر - والقطا والحجل واليعاقيب – وهي ذكور الحجل- واسم الجنس القبج بفتح القاف وإسكان الباء الموحدة والجيم، والقبجة يقع على الذكر والأنثى حتى تقول: يعقوب، فيختص بالذكر، وكذا النعامة حتى تقول: ظليم، والنحلة حتى تقول: يعسوب ومثل هذا كثير. قال: (وما على شكل عصفور وإن اختلف لونه ونوعه كعندليب وصعوة وزرزور)، وكذلك النغر والحمرة والبلبل؛ لأنها من الطيبات. روى الشافعي [315]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها .. إلا سأله الله عنها) قيل وما حقها؟ قال: (أن يذبحها ويأكلها، ولا يقطع رأسها فيطرحها).

لاَ خُطَّافٌ وَنَمْلٌ وَنَحْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه: أن العندليب حرام، وجزم البندنيجي بتحريم الزرزور، وعده الرافعي في البيع مما يصح بيعه للانتفاع بصوته، ولم يعلله بكونه مأكولاً. و (الصعوة) من صغار العصافير وهي بصاد مهملة مفتوحة وعين مهملة ساكنة. قال: (لا خطاف)؛ للنهي عن قتله، وهو في (البيهقي) [9/ 318] بإسناد مرسل, وحكى أبو عاصم العبادي عن محمد بن الحسن حله؛ لأنه يتقوت بالطاهرات غالبًا، وحكاه في (شرح المهذب) قولاً عندنا، وجمعه: خطاطيف، ويسمى زوار الهند، وتعرف عند الناس الآن بعصفور الجنة؛ لأنه زهد فيما في أيديهم من الأقوات. ومن عجيب أمره أن عينه تقلع فتعود، ولا تفرخ في عش عتيق حتى تطينه بطين جديد. وأما الخفاش – ويقال له الخشاف والوطواط - فقطع الشيخان بتحريمه مع جزمهما في (محرمات الإحرام) بوجوب قيمته إذا قتله المحرم أو في الحرم مع تصريحهما بأن ما لا يؤكل لا يجب ضمانه، وقد تقدم بيانه في (الحج). قال: (ونمل ونحل)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهما، رواه أبو داوود [5225] وابن ماجه [3224] من حديث ابن عباس، وصححه ابن حبان [5646]، ولأنهما من الحشرات المستخبثة وفيهما وجه، والخلاف جار في الهدهد. والصرد – وهو بالحروف المهملة - طائر فوق العصفور يصيد العصافير. وأطلق الرافعي والمصنف في (كتاب الحج) تحريم قتل النمل وكراهة تحريقها بالنار. قال الخطابي: إن النهي الوارد في قتل النمل المراد به النمل السليماني، وهو الكبير، أما الصغير .. ففي (الإستقصاء) نقلاً عن (الإيضاح) للصيمري: أنه لا يحرم قتله؛ لأنه مؤذٍ، وذكره البغوي في (شرح السنة) أيضًا، ووافق عليه في

وَذُبَابٌ وَحَشَرَاتٌ كَخُنْفُسَاءَ وَدُودٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (شرح المهذب)، قال: وسئل ابن عباس عن قتل المحرم لها فقال: تلك ضالة لا شيء فيها. قال: (وذباب)؛ لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}، وسمي ذبابًا لأنه كلما ذب آب؛ أي: رجع، وواحدته: ذبابة، ولا تقل ذبانة، وكنيته أبو جعفر. والذباب أجهل الخلق؛ لأنه يلقي نفسه في الهلكة، وضرب الله به المثل في القرآن، وهو أصناف كثيرة. قال: (وحشرات)؛ لاستقذارها، وهي صغار حيوان الأرض وصغار هوامها، الواحدة حشرة بالتحريك، فمنه ذات السموم والإبر والذر والقراد. ووافق على تحريم الحشرات أبو حنيفة وأحمد وداوود، وقال مالك: هي حلال؛ لقوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية، ولحديث التلب بن ثعلبة بن ربيعة قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريمًا، رواه أبو داوود [3792]، واحتج الشافعي والجمهور بعموم ما تقدم. قال: (كخنفساء ودود)؛ لاستخباثهما وكنية الخنفساء أم الفسو، وهي أنواع منها: الجعل وحمار قبان وبنات وردان والصرصار والحنطب ذكر الخنافس. و (الدود) جمع دودة، وجمع الجمع ديدان، وهي أنواع كثيرة يدخل فيها اليساريع والأرضة والحلم ودود القز ودود الفواكه الذي تقدم في (باب الصيد والذبائح). ولا يستثنى من الحشرات إلا اليربوع والضب كما تقدم. والأوزاغ كلها محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها، ووقع في

وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَاكُولٍ وَغَيْرِهِ. وَمَا لاَ نَصَّ فِيهِ: إِنِ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ وَطِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الْعَرَبِ فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ .. حَلَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الرافعي) أنه نهى عن قتلها وهو سبق قلم. ويحرم سام أبرص وهو كبار الأوزاغ. وتحرم حرباء الظهيرة، والعضاة وهي بالعين المهملة والضاد المعجمة: دويبة أكبر من الوزغ، وقال الأزهري: دويبة ملساء تتردد تشبه سام أبرص إلا أنها لا تؤذي، وهي أحسن منه. ومنها: اللحكاء بضم اللام وفتح الحاء المهملة: دويبة كأنها سمكة ملساء مشربة بحمرة، توجد في الرمل، فإذا أحست بالإنسان .. دارت في الرمل وغاصت. قال: (وكذا ما تولد من مأكول وغيره) كالسمع وهو بكسر السين وسكون الميم: حيوان متولد بين الذئب والضبع، فغلب فيه جانب التحريم، وهو سبع مركب، فيه شدة الضبع وجرأة الذئب، أسرع من الريح عدوًا، كثير الوثبات، وعد منه في (شرح المهذب) الزرافة وقد تقدمت عند ذكر البغل. قال: (وما لا نص فيه) أي: لا خاصًا ولا عامًا بتحريم ولا تحليل، ولا ورد في شرعنا أمر بقتله ولا نهي عن قتله، فإن ثبت تحريمه في شرع من قبلنا فهل يستصحب تحريمه؟ قولان: أظهرهما: لا، وهو مقتضى كلام عامة الأصحاب. قال: (إن استطابه أهل يسار وطباع سليمة من العرب في حال رفاهية .. حل)؛ لأن الله تعالى أناطَ الحلَ بالطيب، والتحريمَ بالخبيث. وعلم بالعقل أنه لم يرد ما يستطيبه ويستخبثه كل العالم؛ لاستحالة اجتماعهم على ذلك عادة لاختلاف طبائعهم وشهواتهم، فاعتبر أن يكون المراد بعضهم، والعرب بذلك أولى؛ لأن بلغتهم نزل القرآن، وهم المخاطبون به. وعلى هذا أيضًا: فطباع العرب مختلفة لاختلاف الأزمنة والأمكنة والشدة

وَإِنْ اسْتَخْبَثُوهُ .. فَلاَ، وَلَوْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ .. سُئِلُوا وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمُ اعْتُبِرَ بِالأَشْبَهِ بِهِ. وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلاَّلَةٍ .. حَرُمَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والرخاء، فقيل: يرجع في ذلك إلى من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، والأشبه: أن يرجع في كل عصر إلى الموجودين فيه، ويعتبر فيهم أن يكونوا من سكان البلاد والقرى، ومن أهل اليسار والرفاهية والسعة. فلا يعتبر أجلاف البوادي الذين يأكلون ما دب ودرج، ولا أهل الجدب والشدة فما استطابوه .. فهو حلال. قال: (وإن استخبثوه .. فلا)؛ لما تقرر. قال: (ولو جهل اسم حيوان .. سئلوا وعمل بتسميتهم)، فإن سموه باسم حيوان حلال .. حل، أو حرام .. حرم؛ لأن المرجع في ذلك إلى الاسم، وهم أهل اللسان. قال: (وإن لم يكن له اسم عندهم .. اعتبر بالأشبه به) إما صورة أو طبعًا أو طعمًا، فإن تساوى الشبهان أو لم نجد ما يشبهه .. فوجهان: أصحهما في (الروضة) و (شرح المهذب): الحل. قال: (وإذا ظهر تغير لحم جلالة .. حرم) وبه قال أحمد؛ لأنها صارت من الخبائث. وقد روى النهي عن أكلها وشرب لبنها وركوبها أبو داوود [3779 و3781] وغيره، وهي التي تأكل الجلة بفتح الجيم وهي العذرة والبعر وغيرهما من النجاسات، وتكون من الإبل والبقر والغنم والدجاج، والحكم منوط – كما قاله المصنف - بالتغير على الأصح. وقيل: إن كان أكثر علفها نجاسة .. ثبت، وإلا .. فلا، وهو ظاهر كلام المصنف في (التحرير). قال: (وقيل: يكره) وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ لأن النهي الوارد فيه إنما هو لتغير اللحم، وذلك لا يوجب التحريم، كالمذكى إذا نتن وتروح .. فإنه يكره أكله على الصحيح، وقال الغزالي: يحرم.

قُلْتُ: الأَصَحُّ: يُكْرَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: الأصح: يكره والله أعلم) هذا الذي ذهب إليه الأكثرون. وبيضها ولبنها كلحمها، ويكره ركوبها؛ لما تقدم من النهي عنه. تنبيه: إطلاق التغير يقتضي أنه لا فرق بين اليسير والكثير، لكن الماوردي خص الخلاف بما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو قريبًا منها، فإن كانت يسيرة .. لم يعتبر بها جزمًا. وإطلاقه يشمل الأوصاف الثلاثة، والرافعي إنما قيده بالرائحة، والظاهر أنه ليس بقيد؛ فإن تغير الطعم أشد. وقد صرح الشيخ أبو محمد في (التبصرة) بأنه لا فرق بين تغير الطعم واللون أو الرائحة. وتخصيصه التغير باللحم جرى فيه على الغالب، وإلا .. فتغير جلدها ولبنها وبيضها كذلك وفاقًا وخلافًا. فروع: الأول: السخلة المرباة بلبن كلبة أو خنزيرة حتى نبت لحمها كالجلالة. وقال الشيخ عز لدين: لو غذى شاة عشر سنين بمال حرام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره. اهـ وهذا هو أشبه احتمالي البغوي؛ لأن الأعيان لا توصف بحل ولا حرمة. وفي (الإحياء) في الباب الثالث من (الشبهات): ترك الأكل من شاة أعلفت بعلف مغصوب من الورع.

فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ .. حَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: لا تحرم الزروع والثمار التي سقيت بالمياه النجسة وإن كثر الزبل والنجاسة في أصولها؛ لأنه لا يظهر أثر النجاسة ورائحتها فيه. والذي أصاب البقل من ذلك الماء النجس يطهر بالغسل، ولذلك قيل: كل البقل ولا تسأل عن المبقلة. الثالث: قال الشيخ عز الدين: لا يحرم أكل النقانق والشواء والهرائس وإن كانت لا تخلو من الدم غالبًا؛ فإن دم المذكاة لا يتحقق له انصباب عن محل الذكاة إلى سائر الجسد، ومحل الذكاة واجب الغسل ولم تجر العادة بأنه لا يغسل. الرابع: الجبن الصقلي: إن تحققنا نجاسته وأن فيه أنفحة خنزير .. لم يؤكل، وإن لم نتحقق ذلك .. جاز أكله؛ لما روى أبو داوود [3815] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجبنة من تبوك، فدعى بسكين فسمى وقطع). وروى [10/ 12] البيهقي عن سلمان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: (إن الله أحل حلالاً وحرم حرامًا، فما أحل .. فهو حلال، وما حرم .. فهو حرام، وما سكت عنه .. فهو عفو) وفي هذه النصوص ما يدل على جواز أكله وبيعه، ومن قصد الورع بترك ذلك .. فقد استبرأ لدينه وعرضه، لكن الورع لا يلزم كل الناس. والخامس: قال أبو حيان التوحيدي في كتاب (الإمتاع والمؤانسة): إن الكلب الكلِب إذا عض حيوانًا وذبح ذلك الحيوان .. لا يحل أكله؛ لأن من أكله .. كَلِب. قال: (فإن علفت طاهرًا فطاب .. حل)؛ لزوال العلة، ولا تقدير للعلف، وحده الماوردي بأربعين يومًا في البعير وثلاثين في البقرة وسبعة في الشاة وثلاثة في الدجاجة؛ لأن الغالب زوال التغير بذلك، والقائل بهذا لا يرى ذلك محتومًا، بل متى زال النتن .. زال. فإن زالت الرائحة لا بالعلف بل بالغسل أو الطبخ أو التشميس أو بمضي الزمان .. لم يَزُل التحريم ولا الكراهة، وعلى هذا: يشكل الفرق بين هذا وبين الماء النجس إذا زال تغيره بنفسه .. فإنه يطهر، وهذه لا يزول حكمها.

وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ كَخَلٍّ وَدُبْسٍ ذَائِبٍ .. حَرُمَ. وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحِجَامَةً وَكَنْسٍ .. مَكْرُوهٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر كلام المصنف: أن المراد بالنجس الذي أكلته: نجس العين، أما المتنجس كالشعير والتبن ونحوهما .. فلا تسمى الدابة بأكله: جلالة. وجلدها يطهر بالدبغ؛ لأنه نجس كاللحم، وقيل: إن لم يظهر فيه نتن .. فهو طاهر. قال: (ولو تنجس طاهر كخل ودبس ذائب .. حرم)؛ لما روى أبو داوود [3838] وابن حبان [1393] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال: (إن كان جامدًا .. فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا .. فلا تقربوه). ولا ينافيه حديث ميمونة في (الصحيحين) [خ5538]: أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال: (ألقوها وما حولها وكلوه)، فإن المراد به: الجامد؛ لأن إلقاء ما حولها لا يمكن إذا كان ذائبًا، والرواية الأولى تفسره. هذا إذا قلنا بتعذر تطهيره وهو الأصح كما تقدم في النجاسة والبيع، فإن قلنا: يمكن تطهيره بالغسل فإذا غسل .. حل. ويجوز أن يطعم بعيره ونحوه الخبز المعجون بماء نجس، نص عليه، وفي (فتاوى) صاحب (الشامل) أنه يكره أن يطعم الحيوان المأكول نجاسة. قال المصنف: وهذا لا يخالف النص؛ لأن العجين ليس بنجس العين، ولا يكره أكل البيض المصلوق بماء نجس، كما لا يكره الوضوء بماء سخن بالنجاسة. قال: (وما كسب بمخامرة نجس كحجامة وكنس .. مكروه) سواء كسبه حر أو عبد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عن خراجه، رواه الشيخان [خ 2210 - م1577/ 62]. قال ابن عباس: فلو كان حرامًا .. لم يعطه؛ لأنه حيث حرم الأخذ حرم الإعطاء كأجرة النائحة، إلا عند الضرورة كما إذا أعطى الشاعر ليدع هجوه والظالم كي لا يمنعه حقه .. فإنه يحرم الأخذ دون الإعطاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن خزيمة: يحرم كسب الحجام على الحر دون العبد؛ لما روى مسلم [1568]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسب الحجام خبيث) والنبي صلى الله عليه وسلم أعطى الأجرة لأبي طيبة وهو رقيق، والمذهب الأول. والجواب: أنه أراد بـ (الخبيث): الدنيء، كقوله تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} أراد به الرديء؛ لقوله: {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ}، ولأن الناس لم يزالوا في عصره صلى الله عليه وسلم وإلى وقتنا هذا يكتسبون به من غير نكير. وسئل ابن عباس عن كسب حجام له ما يصنع به؟ فقال: كله. وقال القاضي حسين إذا أكل الحجام كسب نفسه لا يكره؛ لأنه لابد له منه، وإنما يكره إذا كان له عبيد يخارجهم وهم حجامون، أو أكل غير سيدهم من كسبهم، والمشهور الأول، وفي علة الكراهة وجهان: أصحهما: مباشرة النجاسة. وثانيهما: دناءة الحرفة، فعلى الأول يكره كسب الكناس الذي يستخرج العذرة من المراحيض، والزبال والقصاب والدباغ، وألحق الماوردي بهم السماك، وكذلك الجرائحي والفاصد. وقيل: لا يكره كسب الفاصد، ورجحه المصنف؛ لأنه قلما يباشر النجاسة. وعلى الثاني: تتعدى الكراهة إلى كسب أصحاب الحرف الدنيئة كالحلاق وقيّم الحمام. وفي الحمامي وجهان من حيث مشاهدته العورات، أما الكسب باستئجار الحمامات واستغلالها .. فأخف، والعرف قاض بدنائته أيضًا. وفي كسب الحائك وجهان: أصحهما: لا يكره. وفي كسب الصباغين والصواغين وجهان؛ لكثرة إخلافهم الوعد، والوقوع في الربا، وفي (مسند أبي داوود الطيالسي) [2574]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكذب الناس الصباغون والصواغون).

وَيُسَنُّ أَنْ لاَ يَاكُلَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسئل الحسن البصري عن كسب الماشطة فقال: حرام؛ لأن فعلها غالبًا لا يخلو عن حرام أو تغيير لخلق الله، وبه أجاب ابن عقيل الحنبلي في كتاب (الفنون). قال: (ويسن أن لا يأكله ويطعمه رقيقه وناضحه)؛ لما روى مالك [2/ 974] وأبو داوود [3415] والترمذي [1277] عن ابن محيصة عن أبيه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أجرة الحجام فنهاه، فلم يزل يسأله حتى قال له: (اعلفه ناضحك ورقيقك). ولأن دناءة العبد تناسب دناءة الكسب. وذكره (الناضح) تبع فيه الحديث، والمراد: دوابه. وفي كراهة التصديق به احتمال، وهل الكراهة مقصورة على الأكل حتى لو اشترى به ثوبًا .. لم يكره؟ الظاهر: التعميم، لكن كلام الأكثرين مخصوص بالأكل. فائدة: الأشبه بمذهب الشافعي: تفضيل التجارة على الزراعة وعمل اليد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكتسبون بها. وفضل الماوردي والمصنف الزراعة؛ لأنها أقرب إلى التوكل، ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بعض دور الأنصار آلة حرث فقال: (ما دخل هذا دار قوم إلا دخلها الذل) رواه البخاري [2321]. وقيل: الصناعة أطيب؛ لأن الكسب فيها يحصل بكد اليمين، وروى الخطيب البغدادي في (المتشابه) [1/ 124] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الذنوب ما لا تكفره الصلاة ولا الصوم ولا الحج ولا العمرة)، قيل: فما يكفرها يا رسول الله؟ قال: (عَرَق الجبين في الحرفة) وفي رواية: (تكفرها الهموم في طلب المعيشة). وفي (الصحيحين) [خ 2072]: (ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (تاريخ أصبهان) لأبي نعيم في ترجمة عمرو بن سعيد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بعثت ملحمة ومرحمة، ولم أبعث تاجرًا ولا زارعًا، ألا وإن شرار هذه الأمة التجار والزراعون، إلا من شح على دينه). وفي (أدب الشاهد) لابن سراقة: (أفضل المكاسب: المأخوذ من الكفار، ثم الاحتطاب، ثم التجارة، وأفضلها البز، ثم العطر، ثم باقي التجارات، ثم الصنائع. اهـ وقال في (الإحياء): التجارة محك الرجال، وبها يمتحن دين الإنسان وروعه، قال: ويكره بيع الطعام وبيع الأكفان وشراء الحيوان. وكره ابن سيرين الدلالة والصرف. وقال القاضي والماوردي: يمنع المحتسب من يكتسب بالكهانة واللهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي. فروع: يحرم أكل ما يضر البدن كالرمل والزجاج والسم القاتل والطين والطَفل، ومن هذا تناول الأدوية في غير وقتها؛ لأنها تزيل الصحة. ويجوز شرب الدواء الذي فيه قليل سم إذا احتيج إليه وكان الغالب السلامة. وقال الإمام: لو تصور شخص لا يضره السم .. لم يحرم عليه. وقال إلكيا: من أكل الطين حتى اصفر لونه وأضر ببدنه .. عصى الله تعالى، وردت شهادته، وقد تقدم في أوائل (الربا) حكم أكله، وقد روى النهي عنه علي وعائشة وأبو هريرة وأنس وغيرهم، وكلها أحاديث لا أصل لها كما قاله العقيلي. وقال أحمد: لا أعلم فيه شيئًا يصح، إلا أنه يضر البدن، وأطبق الحفاظ على ذلك حتى ذكرها ابن الجوزي من (الموضوعات). ومن أكل شيئًا يضره .. لزمه أن يتقيأه إذا كان دافعًا لضرره أو لشيء منه. وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل إلا جلد ما يؤكل لحمه إذا مات ودبغ .. فإنه

وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيْتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يجوز أكله في القديم؛ لعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما حرم من الميتة أكلها) وصححه المصنف. وفي الجديد: يؤكل؛ لتحقق الضابط المذكور. وأما جلد ما لا يؤكل إذا دبغ .. فيحرم قولاً واحدًا؛ لأن الدبغ لا يزيد على الذكاة، والذكاة لا تفيده الحل. ويستثنى أيضًا: المستقذرات الطاهرة كالمني والمخاط، واستثنى المحاملي: الماء المستقذر والجواب: أن الاستقذار فيه عارض. قال: (ويحل جنين وجد ميتًا في بطن مذكاة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) رواه أبو داوود [2821] والترمذي [1476] وحسنه، وابن ماجه [3199] وابن حبان [5889] وأحمد [3/ 93] عن أبي سعيد الخدري، والحاكم [4/ 114] من حديث أبي هريرة وقال: صحيح الإسناد. وقال الإمام في (الأساليب) والغزالي في (الإحياء): إنه صح صحة لا يتطرق احتمال إلى متنه ولا ضعف إلى سنده. وقال أبو حنيفة: لا يحل إلا أن يخرج حيًا فيذبح، وروى الحديث بالنصب؛ أي: يذكى كذكاة أمه.

وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا وَوَجَدَ مُحَرَّمًا .. لَزِمَهُ أَكْلُهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلاَلاً قَرِيبًا .. لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ، وَإِلاَّ .. فَفِي قَوْلٍ: يَشْبَعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل الجويني بأنه لو لم يحل الجنين بذكاة الأم .. لما جازت ذكاتها مع ظهور الحمل كما لا تقتل الحمل قصاصًا. وقال مالك: إن أشعر تشترط ذكاته، وإلا .. فيحل بذكاة الأم. ولا يخفى أن مراد الأصحاب إذا مات بذكاة أمه، فلو مات قبل ذكاتها .. كان ميتة لا محالة؛ لأن ذكاة الأم لم تؤثر فيه. قال: (ومن خاف على نفسه موتًا أو مرضًا مخوفًا ووجد محرمًا) كميتة ودم ولحم خنزير وما في معناه. قال: (.. لزمه أكله) كما يجب دفع الهلاك بأكل الحلال، وخوف طول مدة المرض كخوف الموت، وكذا خوف الضعف عن المشي أو الركوب أو الانقطاع عن الرفقة، وكذا يحل له الأكل إذا عيل صبره أو أجهده الجوع. ولا يشترط فيما يخاف منه تيقن وقوعه لو لم يأكل، بل تكفي غلبة الظن. ولا خلاف أنه لا يجب الوصول إلى الإشراف على الموت؛ فإن الأكل حينئذ لا ينفع، لكن يستثنى العاصي بسفره، فليس له الأكل حتى يتوب. ثم الذي يأكله المضطر الظاهر أنه حلال، لكن قال العبادي: لو حلف لا يأكل حرامًا فأكل ميتة وهو مضطر .. حنث؛ لأنه حرام ولكن رخص فيه الشارع، ولعل هذا منه بناء على أن الأعيان توصف بالحل والحرمة. قال: (وقيل: يجوز) ولا يجب؛ لأنه قد يريد التورع عن الحرام لتردده في الانتهاء إلى حد الضرورة، كالمصول عليه يتردد في القدر الدافع للصائل فيتورع. قال: (فإن توقع حلالاً قريبًا .. لم يجز غير سد الرمق)؛ لاندفاع الضرورة به. و (الرمق) بقية الروح، وقيل: القوة، فـ (سد الرمق) على هذا بالشين المعجمة، نبه عليه الشيخ محب الدين الطبري، وصوبه في (المهمات). قال: (وإلا) أي: وإن لم يتوقع حلالاً قريبًا (.. ففي قول: يشبع)؛ لأنه

وَالأَظْهَرُ: سَدُّ الرَّمَقِ، إِلاَّ أَنْ يَخَافُ تَلَفًا إِنْ اقْتَصَرَ. وَلَهُ أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيْتٍ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ طعام جاز منه ما يسد الرمق فجاز الشبع كالمذكى، والاضطرار علة لابتداء الأكل دون استدامته، كما أن فقد طول الحرة علة لابتداء نكاح الأمة دون استدامته. وعلى هذا: ليس المراد بالشبع أن يمتلئ حتى لا يبقى للطعام مساغ؛ فإنه حرام قطعًا، وإنما المراد أن يأكل حتى يكسر سورة الجوع بحيث لا ينطلق عليه اسم جائع. وعلى هذا: لو وجد لقمة حلالاً بعد سد الرمق حرمت الميتة حتى يأكل تلك اللقمة، فإذا أكلها .. فله بعد ذلك إتمام الشبع على الأصح؛ لأنه إذا لم يشبع .. لم يقو على السير، ويحتاج إلى ملازمة الحرام والعود إليه مرة بعد أخرى. قال: (والأظهر: سد الرمق)؛ لأنه بعد غيره مضطر فزال الحكم بزوال علته. وفي قول ثالث: إذا كان قريبًا من العمران .. اقتصر على سد الرمق، وإلا شبع؛ ليقوى على قطع المسافة. وقال الإمام والغزالي: إن كان ببادية ويخاف إن لم يشبع لم يقطعهما ويهلك .. وجب القطع بالشبع، وإن كان ببلد وتوقع الحلال قبل عود الضرورة .. اقتصر على سد الرمق، وإن احتمل واحتمل .. فهو موضع الخلاف. وقال المصنف: هذا التفصيل هو الراجح، والأصح من الخلاف الاقتصار على سد الرمق. قال: (إلا أن يخاف تلفًا إن اقتصر) أي: على سد الرمق، فيجب أن يشبع محافظة على إبقاء الروح. فرع: يجوز التزود من الميتة إن لم يرج الوصول إلى الحلال، وإن رجاه .. ففي (التهذيب) وغيره: يحرم، وصحح المصنف جوازه، بل قال القفال: من حمل الميتة من غير ضرورة .. لم يمنع ما لم يتلوث بالنجاسة. قال: (وله أكل آدمي ميت)؛ لأن حرمة الحي أعظم من حرمته، وقيل:

وَقَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، لاَ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَامَنٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يحل لقوله صلى الله عليه وسلم: (كسر عظام الميت ككسره حيًا) رواه أبوداوود [3199] وابن ماجه [1616] من حديث عائشة وصححه ابن حبان [3167]. وأجاب الأول بأنه محمول على غير حالة الضرورة. ويستثنى ما إذا كان الميت مسلمًا والمضطر ذميًا .. فالأصح: المنع؛ لكمال شرف الإسلام، ومن باب أولى إذا كان الميت نبيًا؛ فإن إبراهيم المروروذي قال: لا يجوز. وأفهم كلام المصنف: أنه ليس له قتل الحي ثم أكله؛ لأنه معصوم، لكن إطلاقه الأكل يقتضي مجيء التفصيل السابق. وقال الماوردي: إنما يأكل منه سد الرمق قطعًا حفظًا للحرمتين، ولا يجوز طبخه ولا شيه إن أمكن أكله نيئًا، بخلاف سائر الميتات. وإن وجد ميتة آدمي وميتة غيره .. أكل الميتة ولو كانت خنزيرًا كما جزم به في (الروضة) تبعًا لـ (الشرح)، وحكى القاضي حسين وجهين في حل ميتة الآدمي في هذه الحالة. وإن وجد المحرم صيدًا ولحم آدمي .. أكل الصيد. قال: (وقتل مرتد وحربي)؛ لأنهما ليسا معصومين؛ وإنما يعتبر إذن الإمام في غير محل الضرورة أدبًا، وكذلك الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة على الأصح فيهن. وله قتل من عليه قصاص وأكله وإن لم يحضره السلطان. قال: (لا ذمي ومستأمن وصبي حربي)؛ لحرمة قتلهم، ولهذا لا يجوز للوالد قتل ولده للأكل ولا للسيد قتل عبده؛ لأنه تلزمه الكفارة بقتله. قال ابن الرفعة: هذا في العبد المسلم، أما الذمي .. فيشبه أن يكون كالحربي.

قُلْتُ: الأَصَحُّ: حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلأَكْلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ .. أَكَلَ وَغَرِمَ، أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ .. لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ إِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قلت: الأصح: حل قتل الصبي والمرأة الحربيين للأكل والله أعلم)؛ لأنهما ليسا بمعصومين، ولأن منع قتلهم لم يكن لحرمة أزواجهم، بل لصيانة ناموس الولاية وحفظ توقع المالية، ولهذا: لا كفارة بقتلهم. قال: (ولو وجد طعام غائب) أي: ولم يجد غيره (.. أكل وغرم)؛ لأنه قادر على أكل الطاهر بعوض مثله، وسواء قدر على البدل أو كان عاجزًا عنه؛ لأن الذمم تقوم مقام الأعيان، وقيل: لا غرم. وأغرب الزنجاني في (الترغيب) فقال: وإن لم يكن حاضرًا .. ينادي ثلاثًا وله أكله؛ لما روى أبو داوود [2612] عن الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها .. فليستأذنه، فإن أذن له .. فليحلب وليشرب، وإن لم يكن فيها .. فليصوت ثلاثًا، فإن أجاب .. فليستأذنه، فإن أذن له، وإلا .. فليحلب وليشرب ولا يحمل). ولو كان الطعام لصبي أو مجنون ووليه غائب .. فكذلك، وإن كان حاضرًا .. فهو في مالهما كالكامل في ماله، وهذه من الصور التي يجوز فيها بيع ماله نسيئة، ومن المعسر بلا رهن للضرورة، وفي القدر المأكول وفي وجوب الأكل ما سبق من الخلاف. قال: (أو حاضر مضطر .. لم يلزمه بذله إن لم يفضل عنه)؛ إبقاء لمهجته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك)، اللهم إلا أن يكون غير المالك نبيًا .. فإنه يجب على المالك بذله له.

فَإِنْ آثَرَ مُسْلِمًا .. جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه مسألة علمية، وصورها بعضهم في زمن عيسى عليه السلام أو الخضر على القول بحياته. قال الشيخ عز الدين: ولو وجد مضطرين ومعه ما يكفي أحدهما، فإن تساويا في الضرورة والقرابة والصلاح .. احتمل أن يتخير بينهما وأن يقسمه عليهما، فإن كان أحدهما أولى مثل الوالد والقريب أو وليًا لله تعالى أو إمامًا مقسطًا .. قدم الفاضل على المفضول، قال: فإن تساويا ومعه رغيف لو أطعمه لأحدهما عاش يومًا وإن قسمه بينهما عاشا نصف يوم .. دفعه إليهما ولا يجوز التخصيص. قال: (فإن آثر مسلمًا .. جاز)؛ لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. وكلامه يفهم عدم الاستحباب، والمذهب: أنه مستحب. قال حذيفة العدوي: طلبت يوم اليرموك ابن عم لي في الجرحى ومعي شيء من الماء، فوجدته فقلت: أسقيك؟ فأشار برأسه أن نعم، فسمع رجلاً يتأوه فأشار إلي أن انطلق إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاصي، فقلت: أتشرب؟ قال: نعم، فإذا آخر يقول: آه فأشار هشام أن انطلق إليه، فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات، فعجبت من إيثارهم رحمهم الله. واحترز بـ (المسلم) عن الكافر؛ فلا يجوز إيثاره وإن كان ذميًا، وكذلك البهيمة. فرع: في (فتاوى القاضي حسين): لو كان بيد المضطر ميتة .. لم يكن أحق بها من مضطر آخر؛ لأن اليد لا تثبت عليها لذي اليد، وكذلك لو قال: له علي شيء، وفسره بالميتة .. لم يقبل. اهـ

أَوْ غَيْرَ مُضْطَرٍّ .. لَزِمَهُ إِطًعَامُ مُضْطَرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَإِنْ مَنَعَ .. فَلَهُ قَهْرُهُ وَإِنْ قَتَلَهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إِنْ حَضَرَ، وَإِلاَّ .. فَبِنَسِيئَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيما قاله نظر، والظاهر: الجزم باختصاصه بقدر الضرورة منها كسائر المباحات؛ لحديث: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه .. فهو أحق به). قال: (أو غير مضطر .. لزمه إطعام مضطر مسلم أو ذمي)، وكذلك المستأمن والبهيمة المحترمة وإن كانت ملكًا لغير صاحب الطعام دون الحربي والمرتد والكلب العقور، وكذا لو كان يحتاج إليه في ثاني الحال في الأصح. ولو كان للإنسان كلب مباح المنفعة جائع وشاة .. لزمه ذبح الشاة لإطعام الكلب، وله أن يأكل من لحمها؛ لأنها ذبحت للأكل. قال: (فإن منع .. فله قهره)، وكذلك لو بذله بأكثر من ثمن المثل. قال: (وإن قتله) ويكون بذلك مهدرًا؛ لأنه صال عليه بمنع الطعام. فإن قتل المالك المضطر في الدفع .. لزمه القصاص، وإن منعه فمات جوعًا .. لم يضمنه، وفيه احتمال للماوردي، وفيما على المالك بذله وما للمضطر أخذه من سد الرمق والشبع ما تقدم من الخلاف في الميتة. قال: (وإنما يلزمه بعوض ناجز إن حضر، وإلا .. فبنسيئة) فلا يلزمه البذل مجانًا على الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

فَلَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا .. فَالأَصَحُّ: لاَ عِوَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). واعترض في (المهمات) على بيعه نسيئة وقال: الصواب: أنه يبيعه بثمن حال، غير أنه لا يطالب وهو معسر كما تقدم في بيع الولي مال الطفل للمضطر. وفي وجه: يجب بذله مجانًا، كمن خلص مشرفًا على الوقوع في ماء أو نار .. فإنه لا أجرة له. كل هذا إذا كان المضطر قادرًا على الثمن ولم يؤد تشاغله به إلى تلفه، فإن أدى إلى التلف .. وجب الإطعام مجانًا على الأصح. قال: (فلو أطعمه ولم يذكر عوضًا .. فالأصح: لا عوض) حملاً على المسامحة المعتادة في الطعام، لا سيما في حق المضطر. والثاني: يلزمه؛ لتخليصه من الهلاك، فيرجع بالبدل كالعفو عن القود، كذا في (الرافعي) هنا. والصحيح في (الجنايات): أنه إذا عفا مستحق القصاص ولم يذكر مالاً .. لا شيء له. ويشكل على الصحيح: أن في (الشرح) و (الروضة) بعد هذا: أنه لو أوجز

وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ، أَوْ مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا .. فَالْمَذْهَبُ: أَكْلُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ المالك طعامه المضطر قهرًا .. استحق قيمته في أحسن الوجهين، وهو نظير مسألة الغسال إذا لم يشترط له أجرًا. ولو قال المالك: أطعمته بعوض، وقال المضطر: بلا عوض .. صدق المالك على الأصح. قال: (ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره، أو محرم ميتة وصيدًا .. فالمذهب: أكلها) أما الأولى .. فلأن إباحة الميتة للمضطر بالنص وإباحة مال الغير بالاجتهاد، ولأن حق الله تعالى أوسع. والثاني: يأكل طعام الغير ويضمن بدله؛ لأنه قادر على أكل الطعام الطاهر بعوض فوجب عليه أكله. والثالث: يتخير بينهما، والخلاف أوجه، وقيل: أقوال. فإن كان المالك حاضرًا فبذله مجانًا أو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن بمثلها ومعه ثمنه أو رضي بذمته .. لزمه القبول. وإن لم يبعه إلا بزيادة كثيرة .. لم يلزمه شراؤه على المذهب، لكن يستحب. وإذا لم يلزمه الشراء .. فهو كما لو لم يبذله أصلاً، وإذا لم يبذله .. لا يقاتله عليه المضطر إن خاف المقاتلة على نفسه أو خاف إهلاك المالك في المقاتلة، بل يأكل الميتة. وإن كان لا يخاف لضعف المالك وسهولة دفعه .. فهو على الخلاف المذكور فيما إذا كان غائبًا. وقال البغوي: يشتريه بالغالي ولا يأكل الميتة، ثم يأتي الخلاف في لزوم المسمى أو ثمن المثل. وأما المسألة الثانية – وهي إذا اضطر محرم أو حلال في الحرم ووجد صيدًا حرامًا وميتة- ففيها أيضًا ثلاثة أقوال: أصحها: يأكل الميتة؛ لأن في الصيد تحريم ذبحه وتحريم أكله، وفي الميتة تحريم واحد، وما خف تحريمه أولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يأكل الصيد؛ لأن تحريمه أخف، إذ يختص ببعض الناس في حالة الاختيار دون بعض، بخلاف الميتة؛ فإنها حرام على الكافة. والثالث: يتخير. فروع: إذا لم يجد المضطر المحرم إلا الصيد .. ذبحه وأكله وافتدى، وإن وجد صيدًا وطعام الغير .. فثلاثة أوجه: أحدها: يتعين الصيد. والثاني: طعام الغير. والثالث: يتخير. هذا مع غيبة المالك، فإن حضر ومنعه .. تعين الصيد، وإن بذله .. تعين الطعام. ولو وجد ميتة وصيدًا وطعام الغير .. فالأصح: تتعين الميتة، وقيل: طعام الغير، وقيل: الصيد، وقيل: يتخير بين الثلاثة، وقيل .. بين الميتة وطعام الغير، وقيل: بين الميتة والصيد، وقيل: بين الصيد وطعام الغير ويترك الميتة. ولو وجد ميتتين إحداهما من جنس ما يؤكل كالشاة والأخرى مما لا يؤكل كالذئب فهل يتخير أو يأكل مما يأكل جنسه؟ وجهان يجريان فيما إذا كانت إحداهما طاهرة في الحياة كالحمار والأخرى نجسة كالكلب، والأصح: الأول في الأولى، وفي الثانية يتعين الطاهر. وفي (تعليق البغوي): أن المضطر يجب عليه السؤال والإخبار بحاله حتى يضجر عن السؤال. ولو عم الحرام الأرض بحيث لم يبق حلال .. جاز أن يستعمل من ذلك ما تدعو الحاجة إليه، قال الإمام: ولا ينبسط فيه كما ينبسط في الحلال، بل يقتصر على ما تمس حاجته إليه دون أكل الطيبات وشرب المستلذات ولبس الناعمات.

وَالأَصَحُّ: تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ لِأَكْلِهِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: جَوَازُهُ، وَشَرْطُهُ: فُقْدَانُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ عز الدين: وصورة ذلك: أن يكون المستحقون بحيث يتوقع معرفتهم في المستقبل، فلو أيسنا منه .. لم تتصور هذه المسألة؛ لأن المال حينئذ يكون للمصالح العامة. ولو اضطرت امرأة إلى الطعام وامتنع المالك من بذله إلا بوطئها .. قال الشيخ محب الدين الطبري: لم أر فيه نقلاً، والذي ظهر لي أنه لا يجوز لها تمكينه، وصوبه المتأخرون، وخالف إباحة الميتة؛ فإن الاضطرار فيها إلى نفس المحرم، وهنا الاضطرار ليس إلى نفس المحرم، وإنما جعل المحرم وسيلة إليه، وقد لا تندفع به الضرورة؛ لأنه قد يصر على المنع بعد وطئها، وهذه تقدمت الإشارة إليها في (باب حد الزنا). والمنصوص: أنه لا يجوز للإنسان أكل الترياق المعجون بلحوم الحيات إلا في حالة الضرورة بحيث يجوز له أكل الميتة. قال: (والأصح: تحريم قطع بعضه لأكله)؛ لأنه قد يهلك بذلك، ولأنه كقطعه من غيره. والثاني: لا؛ لأنه إتلاف بعض لاستبقاء الجميع فأشبه قطع اليد بسبب الأَكِلَة. قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا أظهر، وبه قال الشيخ أبو حامد وغيره، فلذلك قال المصنف: (قلت: الأصح: جوازه، وشرطه) أي: شرط قطع بعضه لأكله (فقدان الميتة ونحوها)، فإن وجد شيئًا يأكله .. حرم قطعًا، وهذا الشرط صرح به في (الشرحين).

[وَأَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ]، وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ لِغَيْرِهِ وَمِنْ مَعْصُومٍ، وَاللهُ أَعِلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [قال: (وأن يكون الخوف في قطعه أقل)]. قال: (ويحرم قطعه لغيره ومن معصوم والله أعلم)؛ لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لإصلاح الكل. تتمة: من مر ببستان إنسان أو زرعه .. لم يجز أن يأكل منه بغير إذنه إلا أن يكون مضطرًا كما تقدمت الإشارة إليه قريبًا، وحكم الثمار الساقطة من الأشجار حكم سائر الثمار إن كانت داخل الجدار، وكذلك إذا كانت خارجه إلا أن تجري عادتهم بإباحتها، فإن جرت بذلك .. فالأصح: الإباحة. ويجوز أن يأكل طعام قريبه بغير إذنه إذا غلب على ظنه أنه لا يكره ذلك، ويختلف ذلك بالأشخاص والأحوال والأزمان، فإن شك .. فحرام بلا خلاف. * ... * ... *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة يكره أن يأكل فوق شبعه، واختار الشيخ عز الدين والشيخ تحريمه؛ لإضرار البدن وإضاعة المال، سواء كان ذلك بقلاً أو مشروبًا أو غير ذلك. وفي (فتاوى قاضي خان): أن المرأة إذا أكلت الفتيت للسمن .. يجوز إن لم يكن زائدًا على الشبع. وروى الحاكم [4/ 311] وابن عدي [7/ 74] عن أبي جحيفة أنه قال: أكلت ثريدة بلحم وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشئ فقال: (اكفف عنا جشاءك يا أبا جحيفة؛ فإن أكثر الناس شبعًا في الدنيا أطولهم جوعًا يوم القيامة)، قال: فما أكل أبو جحيفة ملئ بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تعشى لا يتغدى، وإذا تغدى لا يتعشى. ويكره أن يعيب الطعام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عاب طعامًا قط، إن أعجبه .. أكله، وإلا .. تركه. قال الحليمي: هذا في غير المصنوع للآدمي، أما المصنوع إذا عاب صناعته .. فلا كراهة، وإنما كره عيب الطعام لأنه نعمة الله، وعيب النعمة مخالف للشكر، فمن أكل من نعمة الله .. شكره؛ إذ مكنه منه وأوصل منفعته إليه. وإذا استضاف مسلم لا اضطرار به مسلمًا .. لم تجب عليه ضيافته، والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على الاستحباب. وعن أحمد والليث: أنها واجبة. ويكره أن يشرب من فم القربة، ويسن أن يحمد الله في آخره وفي آخر الأكل. ويستحب أن يأكل اللقمة الساقطة، وأن يلعق أصابعه، ويلعق القصعة؛ لما روى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الترمذي [1804] وابن ماجه [3271] عن نبيشة الأسلمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل في قصعة ثم لحسها .. استغفرت له القصعة). وروى البزار أنها تقول: (اللهم؛ أجره من النار كما أجارني من لعق الشيطان). * ... * ... *

كتاب المسابقة والمناضلة

كتاب المسابقة والمناضلة

كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب المسابقة والمناضلة هذا الباب لم يسبق الشافعي أحد إلى تصنيفه. و (المسابقة): مفاعلة من السبق بسكون الباء، وهو يطلق على الاستباق بالخيل وبالسهام، وقوله تعالى: {إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ}، قيل: معناه: ننتضل بالسهام، وقيل: نجري على الأقدام. و (النضال والمناضلة): المغالبة في رمي السهام على وجه مخصوص، قال الشاعر [من الطويل]: ألا رب يوم لو رمتني رميتها .... ولكن عهدي بالنضال قريب يقال: ناضل زيد عمرًا، أي: راماه. والأصل في جوازها قبل الإجماع: قوله تعالى: {وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} الآية. وفي (صحيح مسلم) [1917] عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن القوة الرمي ثلاثًا). وفي (الصحيحين) [خ 421 - م1870] وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى ما ضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق). وكانت العضباء ناقته صلى الله عليه وسلم لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن حقًا على الله أن

هُمَا سُنَّةٌ، وَيَحِلُّ أّخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يرفع شيئًا من هذه الدنيا إلا وضعه) رواه البخاري [2872] عن أنس بن مالك، وكان ذلك في السنة السادسة من الهجرة. ويكره كراهة شديدة لمن عرف الرمي أن يتركه، لما روى مسلم [1919] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تعلم الرمي ثم تركه .. فليس منا أو فقد عصى) وفي رواية للحاكم [2/ 95]: (فهي نعمة كفرها). قال: (هما سنة) يعني: الفروسية والرماية أدبان مستحبان، للحاجة إليهما في الجهاد، وهذا إذا قصد ذلك، فأن قصد يهما قطع الطريق .. عصى، وإن قصد غيرهما .. فمباحان، لأن الأعمال بالنيات، وما ذكره الشيخان من كونهما سنة .. فيه نظر، بل ينبغي أن يكونا من فروض الكفايات، لأنهما وسيلة إلى الجهاد، ومقدمة الواجب واجبة، وظاهر كلامهم تساويهما في الطلب. وينبغي أن تكون المناضلة آكد، لأن السهم ينفع في السعة والضيق، بخلاف الفرس العتيق. وعبارته تشمل النساء، وليس بمراد، لأن الصيمري صرح بمنعه ذلك لهن، ويلتحق بهن كل من له عذر يمنعه من الرمي أو الركوب. قال: (ويحل أخذ عوض عليهما)، لقوله صلى الله عليه وسلم: (رهان الخيل طِلق) بكسر الطاء، أي: حلال، رواه أبو نعيم في (معرفة الصحابة) من رواية رفاعة بن رافع. وروى البيهقي [10/ 21] عن أنس بن مالك وابن عمر أنه قيل لهما: أكنتم تراهنون

وَتَصِحُّ المُنَاضَلَةُ عَلَى السِّهَامِ، وَكَذَا مَزَارِيقُ وَرِمَاحٌ وَرَمْيٌ بِأَحْجَارٍ وَمْنَجَنِيقٍ وَكُلُّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ عَلَى الْمَذْهَبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: نعم، راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له، فجاءت سابقة فهش لذلك وأعجبه. والرهن لا يكون إلا بعوض، ولأن فيه حثًا على الاستعداد للجهاد. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) رواه الشافعي [1/ 349] و (الأربعة)، وصححه ابن حبان [4689]. قال الرافعي: والأثبت في الروايات: السبق- بفتح الباء- وهو: المال الذي يأخذه السابق)، ويروى: السبق، بالتسكين وهو مصدر سبق يسبق. وعن أبي حنيفة: لا يجوز شرط المال فيهما، ورآه قمارًا. وقوله في الحديث: (أو نصل) يشمل نصل السيف والسكين والرمح والمزاريق والسهام، ويصح على جميع أنواع القسي، حتى على الرمي بالمسلات والإبر. قال: (وتصح المناضلة على السهام) سواء فيها العربية وهي النبل والعجمية وهي النشاب، لعموم ما تقدم. قال: (وكذا مزاريق ورماح ورمي بأحجار ومنجنيق، وكل نافع في الحرب على المذهب)، لأنها كالسهام، بل بعضها أنكى. و (المزاريق): الرماح الصغار، وذكره الرماح بعده من ذكر العام بعد الخاص.

لاَ عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ، وَبُنْدُقٍ وَسِبَاحَةٍ وَشَطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ، وَوُقُوفٍ عَلَى رِجْلِ، وَمْعْرِفَةِ مَا بِيَدِهِ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجه مقابله: قلة ما يرمى بها في الحروب. وأما الرمي بالأحجار واليد والمقلاع والمنجنيق .. فقال الماوردي: هي كالسهام قطعًا، وحكى غيره فيها وجهين، أما مراماتها .. فهي الشلاق وسيأتي. وقوله: (كل نافع في الحرب) يدخل فيه التردد بالسيوف والرماح، والأصح: جواز المسابقة عليها، لكن كان ينبغي له أن يعبر فيها بالأصح. قال: (لا على كرة صولجان، وبندق وسباحة وشطرنج وخاتم، ووقوف على رجل، ومعرفة ما بيده) أي: من فرد وزوج، لأن هذه السبعة لا ينتفع بها في الحرب. ووقع في (الشرح) و (الروضة) التمثيل بالبندق والجلاهق، وهو بضم الجيم: البندق الطين الذي يرمى به، واحدته: جلاهقة، وقد تقدم في (باب الوصية). و (الكرة) بضم الكاف وتخفيف الراء، وجمعها كرى، وحكى أبو حنيفة الدينوري في (كتاب النبات): أكره بالهمزة في أوله، قال ابن سيده: وأحسبه غلطًا منه. و (الصولجان) عصًا محنية الرأس، فارسي معرب، والجمع: الصوالجة، والهاء للعجمة، وكذلك كل كلمة فيها صاد وجيم، لأنهما لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب، ومن هنا يؤخذ جواز اللعب بالخاتم، وبه صرح الصميري. والمراد بـ (السباحة) أن تكون على عوض، وفيه وجه، وأما بلا عوض .. فيجوز قطعًا، وأما الغطس فيه .. فقال المروروذى: إن جرت العادة بالاستعانة به في الحرب .. فكالسباحة، وإلا .. امتنع.

وَتَصِحُّ الْمُساَبَقَةُ عَلَى خَيْلٍ، وَكَذَا فِيلُ وَبَغْلٌ َوِحِمَارٌ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصح: لا يجوز عقدها على إشالة الحجر ونحوه باليد، وتسمية العامة العلاج، وجوزه المروروذي، ولا تجوز على المراماة بالأحجار، وتسمية الفقهاء المداحاة، والعوام الشلاق وهو حرام مطلقًا، وهو غير الرمي بالأحجار المذكور في الكتاب. والظاهر أن اللكام لا يجوز، وأما الثِّقاف .. فلا تقل فيه، والأشبه جوازه، لأنه ينفع في حال المسابقة، وقد يمنع خشية فساد بعض الأعضاء. قال: (وتصح المسابقة على خيل)، للحديث السابق، ولأنها التي يقاتل عليها غالبًا، والمصنف هنا أطلقها، ونقل في زوائد (الروضة) عن الدارمي: أن الذي تجوز عليه المسابقة من الخيل قيل: ما يسهم له وهو الجذع أو الثني، وقيل: وإن كان صغيرًا. تنبيه: لم يتعرض للإبل هنا ولا في (المحرر)، وكأنهما أهملاها، لوضوح حكمها، والعجب أنهما قالا بعد ذلك: وسبق إبل الكتف. وهي كالخيل بلا خلاف، ويدل له ما تقدم من المسابقة بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعرب تقاتل عليها أشد قتال، وإنما لم يسهم لها من الغنيمة لأن السهم منوط بزيادة المنفعة، وسرعة الانعطاف في الخيل وأقدامها لا توجد في الإبل، والقصد هنا ما فيه غنى في القتال والإبل كذلك. قال: (وكذا فيل وبغل وحمار في الأظهر)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا في خف أو حافر)، ولأن الأصح عند الأصوليين: أن الصورة النادرة تدخل في العموم. والثاني: لا، لعدم صلاحيتها للكر والفر. وقيل: بالمنع قطعًا، وقيل: بالجواز قطعًا، فلذلك عبر في (الروضة) بالمذهب.

لاَ طَيْرٌ وَصِرَاعٌ [فِي الأَصَحُ،] ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكت عن البقر، لأن المذهب عدم جواز المسابقة عليها. ولا تجوز على الكلاب ومهارشة الديكة ومناطحة الكباش بلا خلاف، لأن ذلك سفه، ومن فعل قوم لوط الذين أهلكهم الله بذنوبهم. قال: (لا طير وصراع [في الأصح])، لعدم نفعهما في الحرب، وأما ما رواه أبو البختري وهب بن وهب بن وهب: (لاسبق إلا في خف أو نصل أو حافر أو جناح) .. فمن وضعه لما رأي هارون الرشيدي مولعًا بحب الحمام. قال الخطيب أبو بكر في (تاريخه) [13/ 486]: قيل لأحمد: أتعرف من رواه؟ فقال: ما رواه إلا أبو البختري الكذاب. وكان أبو البختري قاضي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم بعد بكار بن عبد الله الزبيري، ثم تولى قضاء بغداد بعد أبي يوسف، وتوفي سنة مئتين للهجرة في خلافة المأمون. وقال أبو خيثمة والشيخ تقي الدين القشيري في (الاقتراح): إنما وضع هذا الحديث غياث بن إبراهيم النخعي للمهدي، فلما قام من عنده .. قال: أشهد أن قفاه قفا كذاب. والوجه الثاني: تصح المسابقة على الطيور؛ لأنه يحتاج إليها في الحرب لنقل الأخبار، وكذلك الصراع قد يحتاج إليه. وفي (مراسيل أبي داوود) [308]: أن النبي صلى الله عليه وسلم صارع ركانة على شياه، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. ووقع في (المهذب): يزيد بن ركانة، والصواب: ركانة بن عبد يزيد القرشي. وأجاب الأولون بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يريد قوته، ولهذا لما أسلم .. ردها إليه، ولركانة وابنه يزيد صحبة. وذكر ابن عبد البر [عاب 2/ 77] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمر به غلام فأجازه في البعث، وعرض عليه سمرة بن جندب فرده، فقال سمرة: يا رسول الله؛ أجزت هذا ورددتني ولو صارعته لصرعته؟!

وَالأَظْهَرُ: أَنَّ عَقْدَهُمَا لاَزِمٌ لاَ جَائِزٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصارِعه)، فصارَعه فصرَعه فأجازه في البعث. وأفهمت عبارة المصنف: جواز المصارعة بلا عوض، وهو المعروف، وصحح البغوي عدم جوازها. وإطلاقه (الطير) يقتضي العموم، وصور في (البحر) المسألة بالحمام خالصة وهو الظاهر، لأن غيرها لا يتأتى منه ذلك. و (الصراع) بكسر الصاد معروف، ووقع في (الكفاية) بضمها وكأنه سبق قلم. و (الصُّرَعة) الذي يملك نفسه عند الغضب؛ لأن حلمه يصرع غضبه. فروع: تجوز المسابقة بالسفن والزوارق بلا عوض، والأصح: منعها بعوض؛ لأن الحرب تقع فيها لا بها، وكذلك المسابقة على الأقدام بعوض الأصح منعها وبغيره جائزة، لما روى أبو داوود [2571] والنسائي [سك 8894] وابن ماجه [1979] عن عائشة أنها قالت: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسابقته فسبقته على رجل، فلما حملت اللحم .. سابقته في سفرة أخرى فسبقني فقال: (هذه بتلك السبقة). وعلى الأول في جوازه على المشابكة باليد وجهان، ولا خلاف في جواز هذه الأشياء بغير عوض. وقال الروياني: ليس للولي صرف مال الصبي في تعليم المسابقة والمناضلة. اهـ ويظهر في ولد المرتزق الذي أثبت اسمه في الديوان جواز ذلك، لما فيه من المصلحة. قال: (والأظهر: أن عقدهما) أي: المسابقة والمناضلة (لازم لا جائز) كالإجارة. والثاني: جائز كالجعالة؛ لأنه عقد يبذل العوض فيه على ما لا يوثق به. والأصح: طرد القولين، سواء كان العوض منهما أو من أحدهما. قال الشيخ أبو محمد والأئمة: والقولان فيمن التزم المال، أما من لم يلتزم

فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ، وَلاَ تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ شُرُوعِ وَبَعْدَهُ، وَلاَ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ فِيهِ، وَلاَ فِي مَالٍ. وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ: عِلْمُ المَوْقِفِ وَالغَايَةِ، وَتَسَاوِيهمَا فِيهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ شيئًا .. فجائز في حقه قطعًا، وقد يكون العقد لازمًا من جانب وجائزًا من جانب كالرهن والكتابة. وقيل بطردهما فيمن لم يلتزم، لأنه يقصد بمعاقدته تعلم الفروسية والرمي فيكون كالأجير. قال: (فليس لأحدهما فسخة)، لأن الفسخ من شأن العقود الجائزة، لكن يستثنى ما لو ثبت بالعوض المعين عيب يثبت حق الفسخ. قال: (ولا ترك العمل قبل شروع وبعده)، سواء كان مفضولاً أو فاضلاً؛ لأن ذلك ثمرة اللزوم. قال: (ولا زيادة ونقص فيه) كغيرة من العقود اللازمة. قال: (ولا في مال)، اللهم إلا أن يفسخا العقد الأول ويستأنفا عقدًا جديدًا، فإن فرعنا على الجواز .. انعكست هذه الأحكام. قال: (وشرط المسابقة: علم الموقف والغاية) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما سابق بالخيل كما تقدم. قال: (وتساويهما فيهما)، فإن شرطا تقدم موقف أو تقدم غاية .. لم يجز؛ لأن المقصود معرفة فروسية الفارس وجودة سير الفرس، وهو لا يعرف مع تفوت المسافة. فلو لم يعينا غاية وشرطا المال لمن يسبق منهما .. لم يجز كما جزم به في (المحرر). ولو عينا غاية وقالا: إن اتفق السبق دونها كفى .. لم يجز في الأصح، أو إن لم يتفق السبق عندها فإلى غاية أخرى عيناها .. جاز في الأصح. وسكت الشيخان عن تعيين الفارسين، وقد صرحوا به، وكأن المصنف تركه لوضوحه.

وَتَعْيِينُ الْفَرسَيْنِ وَيَتَعَيَّنَانِ، وَإِمْكَانُ سَبْقِ كُلُّ وَاحِدٍ، وَالعِلْمُ بِالْمَالِ الَمْشُروطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتعيين الفرسين)؛ لأن المقصود امتحانهما ولو كان ذلك بالوصف على الأصح، لأن الوصف يقوم مقام التعيين كما في السلم والصرف. فإن هلك أحد الفرسين .. انفسخ العقد، فإن عقد على الوصف ثم أحضر فرس .. فينبغي أن لا ينفسخ بهلاكه كما قال الرافعي. قال: (ويتعينان) فيمتنع إبدالهما. قال: (وإمكان سبق كل واحد) أي: من الفرسين، فإن كان أحدهما يقطع بتخلفه أو بتقدمه .. لم يجز؛ لأن هذا العقد أدخل فيه المال للحث على السبق الذي يمرن في الحروب ويهذب الخيل، وإذا علم سبق أحدهما .. زال المعنى، ويصير من أكل المال بالباطل. ومراده بـ (الإمكان): الغالب، فإن أمكن نادرًا .. لم يصح في الأصح. وعلم من هذا أنه لا تجوز المسابقة بين الخيل والإبل، ولا بين الخيل والحمير، وهو الأصح، لكن يجوز بين البغل والحمار على الأصح، لتقاربهما. وقال الشيخ أبو إسحاق: إذا تباعد النوعان كالعتيق والهجين والنجيب والبختي .. لم يجز، ومال إليه الرافعي. وقال المصنف: إطلاق الأكثرين محمول على ما إذا لم يقطع بسبق العتيق والنجيب، فقول أبي إسحاق ضعيف إن لم يرد به هذا، فإن أراده .. ارتفع الخلاف. قال: (والعلم بالمال المشروط) أي: جنسًا وقدرًا وصفة كسائر الأعواض، ويجوز كونه عينًا ودينًا، وحالاً ومؤجلاً، وبعضه كذا وبعضه كذا، فإن كان معينًا .. كفت مشاهدته، وإن كان في الذمة .. وصف. فلو عقدا على مجهول .. فسد العقد، وفي استحقاق السابق أجرة المثل وجهان.

وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِن غَيْرِهِمَا، بِأَنْ يَقُولَ الإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ: مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا .. فَلَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَيَّ كَذَا. وَمِنْ أَحَدِهِمَا، فَيَقُولُ: إِنْ سَبَقْتَنِي .. فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُكَ .. فَلاَ شّيْءَ عَلَيْكَ، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الآخَرِ كَذَا .. لَمْ يَصِحَّ إِلاَّ بِمُحَلَّل فَرَسُهُ كُفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: عد في (الروضة) شرط السبق عشرة، اشتمل الكتاب منها على سبعة. والثامن: ما استدركه الرافعي على (الوجيز) وأهمله في (المحرر): أن يستبقا على الدابتين، فلو شرطا إرسالهما ليجريا بأنفسهما .. فالعقد باطل؛ لأنها تنفر ولا تقصد الغاية، بخلاف الطيور إذا جوزنا المسابقة عليها، لأن لها هداية إلى الغاية. والتاسع: أن تكون المسافة بحيث يمكن للفرسين قطعها غالبًا، فإن لم يكن كذلك .. بطل العقد. والعاشر: اجتناب الشروط الفاسدة. قال: (ويجوز شرط المال من غيرهما؛ بأن يقول الإمام أو أحد الرعية: من سبق منكما .. فله من بيت المال أو علي كذا)؛ لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية، وسواء تسابق اثنان أو أكثر، وخص مالك جوازه بالإمام. قال: (ومن أحدهما، فيقول: إن سبقتني .. فلك علي كذا، وإن سبقتك .. فلا شيء عليك)؛ لأن المقصود خلو العقد عن القمار، فإن المخرج حريص على أن يسبق كيلا يغرم والآخر حريص عليه ليأخذ. وعن مالك: لا يجوز، لأنه نوع من القمار. قال: (فإن شرط أن من سبق مهما فله على الآخر كذا .. لم يصح إلا بمحلل فرسه كفء لفرسيهما)؛ لأن ذلك يخرج العقد عن صورة القمار. وفي (سنن أبي داوود) [2572] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فَإِنْ سَبَقَهُمَا .. أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاآ مَعًا. فَلاَ شَيْءَ لِأَحَدِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ (من أدخل فرسًا بين فرسين- يعني: وهو لا يؤمن أن يسبق- فليس بقمار، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وهو آمن أن يسبق .. فهو قمار) وصححه ابن حبان). وقيل: لا يجوز، ولا اعتبار بالمحلل، لأن كلاً منهما قد يغنم وقد يغرم، وذلك قمار، والمذهب الأول. وينبغي للمحلل أن يجري فرسه بين فرسيهما، فإن أجراها بجنب أحدهما .. جاز إن تراضيا به، والحديث خرج مخرج الغالب. وإنما سمي محللاً، لأن العوض صار حلالاً، ولهذا يشترط أن يكون مكافئًا لفرسيهما، فلو كان ضعيفًا عنهما أو أفره منهما .. لم يصح. ولا يشترط أن يكون بين كل اثنين محلل كما تفهمه عبارة المصنف، بل يكفي محلل واحد بين المتسابقين ولو بلغوا مئة. وقوله: (فرسه) مثال؛ فإن البعير وجميع ما يتسابق عليه كذلك. و (المحلل) بكسر اللام: من حلل الشيء إذا جعله حلالاً. قال: (فإن سبقهما .. أخد المالين) لسبقه، هذا إذا جاء بعده معًا، إن ترتبا .. فله ما أخرجه الثاني، وفيما أخرجه الثالث أوجه: أصحها: للمحلل أيضًا، فعلى هذا عبارة الكتاب على إطلاقها؛ أي: سواء جاءا معًا أو مرتبًا. والثاني: للثاني. والثالث: لهما. قال: (وإن سبقاه وجاءا معًا .. فلا شيء لأحد)؛ لعدم سبقه وعدم سبق أحدهما الآخر، وكذلك الحكم لو ترتبا وجاء هو مع الثاني، أما لو جاءا مرتبًا وهو مشكل .. فالسابق يجوز ما أخرجه وله على الأصح المنصوص ما أخرجه الثاني، خلافًا لابن خيران، ولا شيء للمحلل جزمًا.

وَإِن جَاءَ مَعَ أَحَدِهِمَا .. فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ، وَمَالُ الآخَرِ لِلْمُحَلَّلِ وَلِلَّذِي مَعَهُ. وَقِيلَ: لِلْمُحَلَّل فَقَطْ. وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ المُحَلَّلُ ثُمَّ الآخَرُ .. فَمَالُ الآخَرِ لِلأوَّلِ فِي الأَصَحَّ. وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا وَشْرَط لِلثَّانِي مِثْلُ الأَوَّلِ .. فَسَدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن جاء مع أحدهما .. فمال هذا لنفسه، ومال الآخر للمحلل وللذي معه)، لأنهما سبقا، (وقيل: للمحلل فقط)، هذا قول ابن خيران، لأنه منع فيما إذا شرطا أن المحلل يأخذ السبقين إن سبق، وأن كل واحد منهما إن سبق .. أحرز ما أخرجه وأخذ ما أخرجه الآخر، لكن الصحيح المنصوص الجواز. قال: (وإن جاء أحدهما ثم المحلل ثم الآخر .. فمال الآخر للأول في الأصح)؛ لأن المحلل مسبوق. والثاني: أنه له وللمحلل معًا، لأنهما سبقا الآخر. والثالث: أنه للمحلل خاصة، وهذا ضعيف إذا قلنا بالمنصوص، فإن فرعنا على قول ابن خيران فهل هو للمحلل أو يحرزه مخرجه ولا يستحقه المحلل ولا السابق؟ وجهان، ولا خلاف أن الأول يحرز ما أخرجه. وحاصل ما ذكره أن الصور الممكنة ثمانية: أن يسبقهما وهما معًا، أو مرتبين، أو يسبقاه وهما معًا، أو مرتبين، أو يتوسط بينهما، أو يكون مع أولهما، أو ثانيهما، أو ثاني الثلاثة معًا، ولا يخفى الحكم في الجميع. قال: (وإن تسابق ثلاثة فصاعدًا وشرط للثاني مثل الأول .. فسد)؛ لأن كل واحد منهما يؤخر نفسه ولا يجهد في السبق؛ لوثوقه به سَبق أو سُبق، وكذلك لو شرط له أكثر بطريق الأولى على الأصح.

وَدُونَهُ يَجُوزُ فِي الأَصَحُ. وَسَبْقُ إِبِلٍ بِكَتِفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يجوز، لأن ضبط الفرس في شدة عدوه ليكون ثانيًا يحتاج إلى حذق. والذي جزم به المصنف تبع فيه (المحرر)، والصحيح في (الشرحين) و (الروضة): الجواز، لأن كل واحد منهما يجتهد ويسعى أن يكون سابقًا أو مصليًا. قال: ودونه يجوز في الأصح)؛ لأنه يسعى ويجتهد ليفوز بالأكثر. والثاني: المنع؛ لأنه إذا كان يتحصل على شيء .. فقد يتكاسل فيفوت مقصود العقد. فلو كانوا عشرة مثلاً، وشرط لكل واحد سوى الفسكل مثل المشروط لمن تقدمه .. جاز في الأصح على ما في (الروضة)، وامتنع على ما في (المنهاج). ولو تسابق اثنان وشرط كل المال أو الأكثر أو نصفه للثاني .. لم يصح، أو الأقل .. صح في الأصح. وأسماء خيل السباق ذكرها الرافعي، ولم يتعرض لها المصنف في (الروضة)، وأشرت إلى ذلك في (المنظومة) بقولي [من الرجز]: مُهمةٌ خيلُ السباق عشَرة .... في (الشرح) دون (الروضة) المعتبرة وهي مجل ومصل تالي .... والبارع المرتاح بالتوالي ثم حظي عاطف مؤمل .... ثم السكيت والأخير الفسكل قال: (وسبق إبل بكتف) تبع (المحرر) في لفظة (كتف)، عبارة (الشرح) و (الروضة) والجمهور: (بكتد) بالدال المهملة، وفتح تائها أشهر من كسرها، وهو: مجتمع الكتفين بين أصل العنق والظهر.

وَخَيْلٍ بِعُنُقٍ، وَقِيلَ: بِالقَوَائِمِ فِيهِمَا. وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ بَيَانُ أَنْ الرَّمْيَ مُبَادَرَةٌ- وَهِيَ: أَنْ يَبْدُرَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ العَدَدِ الْمَشْرُوِط - ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الماوردي: فيه تأويلان: أحدهما: هذا. والثاني: الكتف، وكأن المصنف رأى ترادفهما، وأن الكتف أشهر فعبر به. قال: (وخيل بعنق) ويسمى الهادي، فمتى سبق أحدهما الآخر بعنقه أو ببعضه .. فهو السابق. والسبب في ذلك: أن الإبل ترفع أعناقها في العدو فلا يمكن اعتبارها، والخيل تمدها، فينظر في الفرسين: إن استويا في حلقة العنق طولاً وقصرًا .. فالذي تقدم بالعنق أو ببعضه هو السابق، وإن اختلفا فإن تقدم أقصرهما عنقًا .. فهو السابق، وإن تقدم الآخر .. نظر، إن تقدم بقدر زيادة الحلقة فما دونها .. فليس بسابق، وإن تقدم بأكثر .. فسابق، ووراء ذلك سبعة أوجه في (الشرح) و (الروضة) وغيرهما. قال: (وقيل: بالقوائم فيهما) أي: في الخيل والإبل؛ لأن العدو بهما، وهذا أقيس عند الإمام، والأول الموجود لعامة الأصحاب. هذا كله إذا أطلقا العقد، فإن شرطا في السبق أقدامًا معلومة .. لم يحصل السبق بما دونها. ولو سبق أحدهما في وسط الميدان والآخر في آخره .. فهو السابق. ولو عثر أو ساخت قوائمه في الأرض فتقدم الآخر .. لم يكن سابقًا، وكذا لو وقف بعد جريه لمرض ونحوه، فإن وقف بلا علة .. فهو مسبوق. قال: (ويشترط للمناضلة بيان أن الرمي مباردة، وهي: أن يبدر أحدهما بإصابة العدد المشروط) أي: مع استوائهما في العدد المرمي، ولا بد من هذا القيد، وهو يرد على إطلاق الكتاب و (التنبيه). فإذا شرطا أن من سبق إلى عشرة من عشرين فله كذا، فرمي كل واحد عشرين وأصاب أحدهما العشرة والآخر دونها .. فالأول ناضل، وإن أصاب كل منهما عشرة .. فلا ناضل منهما.

أَوْ مُحَاطَّةٌ- وَهُوَ: أَنْ تُقَابَلَ إِصَابَاتُهُمَا وَيُطْرَحَ الْمُشْتَرَكُ، فَمَنْ زَادَ بِعَدَدِ كَذَا .. فَنَاضِلٌ- وَبَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو محاطة) أي: بتشديد الطاء (وهو: أن تقابل إصاباتهما ويطرح المشترك، فمن زاد بعدد كذا .. فناضل). مثاله: إذا شرطا خلوص خمسة من عشرين، فإذا رميا عشرين وأصاب كل واحد خمسة .. لم ينضل أحدهما الآخر، وإن أصاب أحدهما خمسة والآخر عشرة .. فالثاني ناضل. وما جزم به المصنف من اشتراط كون الرمي مبادرة أو محاطة تبع فيه (المحرر)، وهو كذلك في (التنبيه)، وأقره عليه في (التصحيح). وصحح في (الروضة) و (الشرح الصغير) أنه لا يشترط التعرض لهما في العقد، فإن أطلقا .. حمل على المبادرة، ونقله في (الكبير) عن البغوي فقط. وخصهما الماوردي بما إذا كان لهم عرف في ذلك، فإن لم يكون .. اشترط قطعًا، وعليه يحمل اختلاف الكلامين. قال: (وبيان عدد نوب الرمي) أي: في المحاطة والمبادرة جميعًا لينضبط العمل، فهي في المناضلة كالميدان في المسابقة. و (نوب الرمي): هي الأرشاق، وهي جمع رشق بكسر الراء، كأن يرموا سهمًا سهمًا، أو خمسة خمسة، أو عشرة عشرة. ويجوز أن يتفقا على أن يرمي أحدهما الجميع ثم الآخر كذلك، والإطلاق محمول على سهم سهم، فلو رمى أحدهما أكثر من النوبة المستحقة له إما باتفاق أو بإطلاق العقد .. لم تحسب الزيادة له إن أصاب فيها، ولا عليه إن أخطأ. فلو عقدا على عدد كثير على أن يرميا بُكْرةَ كل يوم كذا وعشية كذا .. جاز، ولا يفترقان كل يوم إلا بعد استكمال عدده إلا أن يعرض عذر كمرض أو ريح عاصف، ثم يرميان على ما مضى في ذلك اليوم أو بعده، ويجوز أن يشترطا الرمي طول النهار فيلزمهما الوفاء به. وتستثنى أوقات الضرورة كالصلاة والطهارة والأكل والشرب وقضاء الحاجة كما في

وَالإِصَابَةِ، وَمَسَافَةِ الرَّمْيِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإجارة، وليس عروض الحر بعذر. وإذا غربت الشمس قبل الفراغ من وظيفة ذلك اليوم .. لم يرميا ليلاً إلا أن يشترطاه، فيحتاجون إلى ما يستضيئون به، وقد يكتفون بضوء القمر. قال: (والإصابة) فيشترط بيان عددها كخمسة من عشرين، ويشترط أن يكون ذلك ممكنًا لا نادرًا كتسعة من عشرة أو عشرة من عشرة، فإنه لا يصح في الأصح. فإن كان ممتنعًا كمئة متوالية .. لم يصح، أو متيقنًا كإصابة الحاذق واحدة من مئة .. فوجهان. قال: (ومسافة الرمي)؛ لاختلاف الغرض بها. وقيل: لا يشترط، وينزل على العادة الغالبة للرماة في تلك الجهة إن كانت، فإن لم تكن عادة .. وجب قطعًا. قال الرافعي: وعلى هذا يحمل ما أطلقه الأكثرون من اشتراط إعلام المسافة. ولو تناضلا على أن يكون السبق لأبعدهما رميًا ولم يقصدا غرضًا .. صح العقد على الأصح. ولو ذكرا غاية لا تبلغها السهام .. بطل العقد، وكذا لو كانت الإصابة فيه نادرة على الأرجح. والغالب: أن الإصابة تقع في مئتين وخمسين ذراعًا، لما روى أبو نعيم والطبراني في (أكبر معاجمه) [5/ 34] عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: كيف تقاتلون العدو؟ قال: إذا كانوا على مئتين وخمسين ذراعًا .. قاتلناهم بالنبل، فإن كانوا على أقل من ذلك .. قاتلناهم بالحجارة. والمراد بـ (بعض الصحابة): عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بـ (القاف)، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه، وهو حمي الدبر. وقيل: إلى ثلاث مئة وخمسين ذراعًا، لأن الإصابة في ذلك ممكنة. وهذا الذراع لم يذكره الأصحاب، والظاهر أن المراد: ذراع اليد المعتبر في مسافة الإمام والمأموم وفي القلتين.

وَقَدْر الْغَرضِ طُولاً وَعَرْضًا إِلاَّ أَنْ يَعْقِدَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرضٌ مَعْلُومٌ .. فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيهِ، وَلْيُبَينَا صِفَةَ الرَّمْيِ مِنْ قَرْعٍ- وَهُوَ: إِصَابَةُ الشَّنُ بِلاَ خَدْشٍ- أَوْ خَزْقٍ- وَهُوَ: أَنْ يَثقُبَهُ وَلاَ يَثْبُتَ فِيهِ- أَوْ خَسْقٍ- وَهُوَ: أَنْ يَثْبُتَ- أَوْ مَزْقٍ، وَهَوَ: أَنْ ينْفُذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقدر الغرض) وهو بفتح الغين المعجمة والراء: العلامة التي يرمي إليها من خشب أو قرطاس أو دائرة. قال: (طولاً وعرضًا)؛ لاختلاف الغرض باختلاف الأغراض. قال: (إلا أن يعقد بموضوع فيه غرض معلوم .. فيحمل المطلق عليه) كما تقدم في المسابقة، وكذا الحكم في سمكه وارتفاعه من الأرض. وقوله: (عليه) يمكن عوده إلى المسألتين، أعني: مسافة الرمي وقدر الغرض، ليوافق ما تقدم ترجيحه في المسافة، فإن لم تكن عادة جارية أو غالبة .. فلا بد من الإعلام بلا خلاف. فلو قال أحدهما: ينصب الغرض حيث يستقبل الشمس، وقال الآخر: يستدبرها .. أجيب الثاني، لأنه أصلح للرمي. قال: (وليبينا صفة الرمي) المراد: صفة الإصابة كما عبر به في (الشرحين) و (الروضة) و (المحرر). والعجب أن المصنف في (التحرير) استدركه على (التنبيه) فقال: كان الأولى أن يقول: صفة الإصابة؛ لأن الأشياء المذكورة صفة للإصابة لا للرمي، ثم اعتذر عنه فقال: لكنها من توابع الرمي ومتعلقاته، فأطلق عليها اسمه مجازًا، فكان الأولى له أن يعبر بالإصابة كأصله، وهذا البيان مندوب إليه، وظاهر ما في (التنبيه) وغيره اشتراطه. قال الرافعي: والأصح: أنه لا يشترط التعرض لشيء منها. قال: (من قرع- وهو: إصابة الشن بلا خدش- أو خزق – وهو: أن يثقبه ولا يثبت فيه – أو خسق – وهو: أن يثبت – أو مرق وهو: أن ينفذ)، لأن الأغراض تختلف بهذه الصفات.

فَإِنْ أَطْلَقَا .. اقْتَضَى القَرْعَ، وَيَجُوزُ عِوَضُ المُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ عِوَضُ المُسَابَقَةِ وَبِشَرْطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه الألفاظ الأربعة مفتوحة الأول ساكنة الثاني. فـ (القرع): مأخوذ من قرعت الباب، ومنه قول المتلمس [من الطويل]: لذي الحكم قبل اليوم لا تَقرِع العصا .... وما عُلِّم الإنسانُ إلا ليعلما و (الخزق): من خزقت الثوب وخزقته، والخزق بالخاء والزاي المعجمتين: الطعن، و (الخسق) لغة فيه، وأنما يتصور في الشن المعلق. لكن بقي (الخرم) وهو: أن يقطع طرف الشن، ويكون بعض النصل فيه وبعضه خارجه. و (الشن) بفتح الشين هو الغرض، وأصله: الجلد البالي، وجمعه شنان، ككلب وكلاب. قال: (فإن أطلقا .. اقتضى القرع)؛ لأنه المتعارف. قال: (ويجوز عوض المناضلة من حيث يجوز عوض المسابقة وبشرطه) فيخرجه أحد المتناضلين أو كلاهما أو الإمام أو غيره. فإن كانا حزبين .. فكل حزب كشخص، فإن أخرجه أحد الحزبين أو أجنبي .. جاز، وإن أخرجاه .. اشترط محلل إما واحد وإما حزب، وإن أخرج الحزبان وشرطوا لواحد من أحد الحزبين: أنه إن كان الفوز لحزبه .. شاركهم في أخذ المال، وإن كان للحزب الآخر .. فلا شيء على ذلك الواحد، بل يغرم أصحابه، واشتمل كل حزب على محلل على هذه الصورة .. فثلاثة أوجه: أصحها: لا يجوز، لأن المحلل من إذا فاز .. استبد بالمال، وهذا يشارك أصحابه فيه. والثاني: الصحة. والثالث: يصح في الصورة الثانية دون الأولى. ولو شرط كل حزب كل المال لمحللهم .. بطل قطعًا؛ لأنه يكن فائزًا بغيره.

وَلاَ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قَوْسِ وَسَهْمٍ، فَإِنْ عُيِّن .. لَغَا، وَجَازَ إِبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إِبْدَالِهِ .. فَسَدَ الْعَقْدُ .. وَالأَظْهَرُ: اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ بِالَّرمْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يشترط تعيين قوس وسهم)؛ لأن اختلاف أنواع القسي والسهام لا يضر هنا. قال: (فإن عين .. لغا، وجاز إبداله بمثله) سواء حدث فيه خلل يمنع استعماله أم لا، بخلاف الفرس. واحترز بقوله: (بمثله) عن الانتقال من نوع إلى نوع كالقسي الفارسية والعربية، فإنه لا يجوز إلا بالرضا، لأنه ربما كان به أرمى. قال: (فإن شرط منع إبداله .. فسد العقد) كسائر الشروط الفاسدة. وقيل: لا. والخلاف مفرع على الأصح، وهو فساد الشرط؛ لأن الرامي قد تعرض له أحوال خفية تحوجه إلى الإبدال، وفي منعه منه تضييق عليه. قال: (والأظهر: اشتراط بيان البادئ بالرمي)؛ لأن الأغراض تختلف بذلك، وللرماة فيه تنافس ظاهر؛ لأن المبتديء بالرمي يجد الغرض نقيًا لا خلل فيه، فعلى هذا: لو أطلقا العقد .. فسد كما صرح به في (المحرر) وأفهمه لفظ الكتاب. والثاني: لا يشترط، وعلى هذا وجهان: أحدهما: يقرع بينهما. والثاني: ينزل على عادة الرماة. قال ابن كج: من رمى من غير استئذان أصحابه .. لم يحسب ما رماه أصاب فيه أم أخطأ، اتباعًا لعرفهم، وقال ابن القطان: يحسب ولا يشترط الاستئذان. تنبيهان: أحدهما: إذا شرط تقديم واحد أو اعتمدناه في القرعة .. هل يقدم في كل رشق

وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ يَخْتَارَانِ أَصْحَابًا .. جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أو في الرشق) الأول فقط؟ وجهان. ولو شرط في العقد أن يرمي فلان أولاً ثم فلان بعدة وهكذا في الحزب الآخر .. لم يجز، لأن التقديم إلى الزعيم. الثاني: تعيين الموقف للمتناضلين مشترط، فيشترط تساويهما فيه. فلو شرط أن يكون أحدهما أقرب إلى الهدف .. بطل العقد. ولو قدم أحدهما أحد قدميه عند الرمي .. لم يضر. وإذا وقف الرماة صفًا قبالة الهدف .. فالواقف في الوسط أقرب إلى الغرض لكنه مغتفر. قال: (ولو حضر جمع للمناضلة فانتصب زعيمان يختاران أصحابًا .. جاز) تجوز المناضلة بين حزبين فصاعدًا، لما روى البخاري [2899] عن سلمة بن الأكوع: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: (ارموا يا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا، وأنا مع بني فلان) أحد الفريقين، فأمسكوا أيديهم، فقال: (ما لكم؟) قالوا: كيف نرمي وأنت مع بني فلان؟! قال: (ارموا وأنا معكم كلكم). وفي (ابن حيان) [4695] و (الحاكم) [2/ 94]: أنه قال لهم: (ارموا وأنا مع ابن

وَلاَ يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهَا بِقُرْعَةٍ، فَإِنِ اخْتَارَ غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلاَفُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذرع) قال: فأمسك القوم أيديهم، فقال: (ما لكم؟) قالوا: لا والله! لا نرمي وأنت معه يا رسول الله، إذن ينضلنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (ارموا وأنا معكم جميعًا) فرموا عامة يومهم، ثم تفرقوا على السواء لم ينضل بعضهم بعضًا. وابن الأذرع: هو محجن بن الأذرع الأسلمي، مات في آخر خلافة معاوية. فإذا حضر جمع للمناضلة فانتصب زعيمان واختار أصحابًا .. جاز على الصحيح، ويكون كل حزب فيما يتفق لهم من الخطأ والصواب كالشخص الواحد. ومنع ابن أبي هريرة جواز ذلك؛ لئلا يأخذ بعضهم برمي بعض، وللجواز أربعة شرائط. أحدها: أن يكون لكل حزب زعيم كما ذكره المصنف، فلا يكفي أن يكون لهما زعيم واحد كما لا يجوز أن يتولى واحد في طرفي البيع، ولا يجوز أن يعقدا قبل تعيين الزعيمين. الثاني: تعيين رماة كل حزب، فيعين هذا واحدًا وهذا واحدًا، وهكذا إلى أن يتم العدد، ولا يجوز أن يختار واحد جميع حزبه أولاً، لئلا يأخذ الحذاق. الثالث: استواء عدد الحزبين عند العراقيين، وبه أجاب البغوي. وقال الإمام وأتباعه: لا يشترط التساوي في الرمي والإصابة، ومحل ذلك قبل العقد. الرابع: إمكان قسمة السهام بلا كسر. فرع: لابد من تساوي القوسين والسهمين في اللين والخفة والرزانة؛ لأن ذلك يؤثر في القرب والبعد تأثيرًا عظيمًا. قال: (ولا يجوز شرط تعيينها بقرعة)؛ لأنها قد تجمع الحذاق من جانب وغيرهم من جانب فيفوت المقصود. قال: (فإن اختار غريبًا ظنه راميًا فبان خلافه) أي: بأن لا يحسن الرمي أصلاً.

بَطَلَ العَقْدُ فِيهِ، وَسَقَطَ مِنَ الْحِزْبِ الآخَرِ وَاحِدٌ، وَفِي بُطْلاَنِ الْبَاقِي قَوْلاَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ صَحَّحْنَا. فَلَهُمُ جَمِيعًا الخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازُوا وَتَنَازعُوا فِيَمْن يَسْقُطُ بَدَلُهُ .. فَسخَ الْعَقْدُ. وَإِذَا نَضَلَ حِزْبٌ .. قُسِمَ الْمَالُ بِحَسَبِ الإِصَابَةِ، وَقِيلَ: بِالسَّويَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (.. بطل العقد فيه، وسقط من الحزب الآخر واحد)، ليحصل التساوي كما إذا خرج أحد العبدين المبيعين مستحقًا، فإنه يسقط من الثمن ما يقابله. تنبهان: أحدهما: عبارة المصنف تقتضي أن الذي يسقط من الحزب الآخر لا يتعين، وقال ابن الصباغ وصاحب (المهذب): يسقط من الحزب الآخر من اختاره الزعيم في مقابلة الذي لا يحسن الرمي. الثاني: من عبارته يؤخذ اشتراط كونه يحسن الرمي، فلو بان ضعيف الرمي أو قليل الإصابة .. فلا فسخ لأصحابه، ولو بان فوق ما ظنوه .. في فسخ للحزب الآخر، كذا أطلقوه. قال الرافعي: وينبغي أن يكون فيه الخلاف في اشتراط تداني المتناضلين، وقد يستدل بإطلاقهم على أن ذلك لا يعتبر. قال: (وفي بطلان الباقي قولا تفريق الصفقة) كغيره من العقود، وقطع فيه بعضهم بالبطلان. قال: (فإن صححنا .. فلهم جميعًا الخيار) أي: بنفس الفسخ والإجازة لهذا الحزب والحزب الآخر، فإن شاؤوا .. فسخوا العقد، وإن شاؤوا أجازوه. قال: (فإن أجازوا وتنازعوا فيمن يسقط بدله .. فسخ العقد)؛ لتعذر إمضائه. قال: (وإذا نضل حزب .. قسم المال بحسب الإصابة)؛ لأنهم استحقوا بها، فمن لا إصابة له لا شيء له، وهذا الذي جعله في (المحرر) أشبه فتبعه المصنف، وكأنه سبق قلم؛ فإن الأشبه في (الشرح) و (الروضة): الثاني، وقطع به بعضهم. قال: (وقيل: بالسوية) كما يجب على المنضولين بالسوية، وهذا هو المفتى به.

وَيُشْتَرَطُ فِي الإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّصْلِ، فَإِنْ تَلِفَ وَتَرٌ أَوْ قَوْسٌ، أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ .. حُسِبَ لَهُ عَلَى الأَصّحِّ، وَإِلاَّ .. لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَقَلَتِ الرِّيحُ الغَرَضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَهُ .. حُسِبَ لَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويشترط في الإصابة المشروطة أن تحصل بالنصل)؛ لأنه المفهوم من الإصابة عند الإطلاق، فإن أصاب بالفوق وهو موضع الوتر من السهم أو العرض .. لم يحسب له وحسب عليه. وفي وجه: إذا أصاب بالفوق .. لا يحسب عليه، وهو ضعيف. قال: (فإن تلف وتر أو قوس، أو عرض شيء انصدم به السهم وأصاب .. حسب له على الأصح)، لأن الإصابة مع ذلك تدل على جودة الرمي. ومحل ما ذكره المصنف إذا كان انقطاع الوتر أو انكسار القوس قبل خروج السهم من القوس، أما بعده .. فلا أثر له. قال: (وإلا) أي: وإن لم يصب (.. لم يحسب عليه) إحالة على السبب العارض. قال: (ولو نقلت الريح الغرض فأصاب موضعه .. حسب له) هذا إذا كان الشرط الإصابة، وعن ابن القاص خلافه؛ لأنه زال المرمي إليه. قال: (وإلا .. فلا يحسب عليه) أي: إن لم يصب موضعه .. لم يحسب عليه؛ إحالة على السبب العارض. وعبارة (المحرر): وإلا .. فلا؛ أي: لم يحسب له، والذي في (الروضة) و (أصلها): فلو أصاب الغرض في الموضع المنتقل إليه .. حسب عليه لا له، فإن

وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ فَثَقَبَ وَثَبَتَ ثُمَّ سَقَطَ، أَوْ لَقِيَ صَلاَبَةً فَسَقَطَ .. حُسِبَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد في (المنهاج) هذه .. فهي مخالفة لما فيه مخالفة لما فيه، وإن أراد غيرها .. ففيه نظر. قال: (ولو شرط خسق فثقب وثبت ثم سقط، أو لقي صلابة فسقط .. حسب له). أما في الأولى .. فكما لو نزعه غيره، وأما في الثانية .. فلظهور سبب الرجوع عن الخسق وهو الصلابة، فلو خدشه ولم يثقبه .. فليس بخاسق، وكذا إن ثقبه ولم يثبت في الأظهر. وفي الصورة الثانية قول: إنه لا يحسب لا له ولا عليه. تتمة: قال ابن كَجّ: لو تراهن رجلان على قوة يختبران بها أنفسهما كالقدرة على رقي جبل أو إقلال صخرة أو أكل كذا أو الظهور من أحد جانبي النهر إلى الآخر .. فهذا كله من أكل الأموال بالباطل، وكله حرام. ومن هذا النمط ما يفعله العوام في الرهان على حمل كذا من موضع كذا إلى مكان كذا، وإجراء الساعي من طلوع الشمس إلى الغروب، كل ذلك ضلالة وجهالة مع ما يشتمل عليه من ترك الصلوات وفعل المنكرات. * * * خاتمة يستحب أن يكون عند الغرض شاهدان؛ ليشهدا على ما وقع من إصابة وخطأ، وليس لهما أن يمدحا المصيب ولا أن يذما المخطاء؛ لأن ذلك يخل بالنشاط. * * *

فهرس الكتاب كتاب دعوى الدم والقسامة 7 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال 29 كتاب البغاة 43 فصل: في شروط الإمام الأعظم وما معه 59 كتاب الردة 77 كتاب الزنا 101 كتاب حد القذف 137 كتاب قطع السرقة 149 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنع وفيما يكون حرزًا لشخص دون آخر 174 فصل: في شروط السارق وفيما تثبت به السرقة 184 باب قاطع الطريق 202 فصل: في اجتماع عقوبات 214 كتاب الأشربة 221 فصل: في التعزير 236 كتاب الصيال وضمان الولاة 249 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 274 كتاب السير 285 فصل: فيما يكره من الغزو ومن يحرم قتله من الكفار وما يجوز قتالهم به 316 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 239 فصل: في الأمان 367 كتاب الجزية 385 فصل: في مقدار مال الجزية 403

فصل: في أحكام الجزية الزائدة على ما مر 415 كتاب الهدنة 437 كتاب الصيد والذبائح 453 فصل: في آلة الذبح 472 فصل: فيما يملك به الصيد 487 كتاب الأضحية 499 فصل: في العقيقة 523 كتاب الأطعمة 539 كتاب المسابقة والمناضلة 583 فهرس الكتاب 607 * * *

كتاب الأيمان

كِتَابُ الأيْمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأيمان هي جمع يمين, وهو والحلف والإيلاء والقسم ألفاظ مترادفة. وأصلها في اللغة: اليد اليمنى, وأطلقت على الحلف؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه, وقيل: لأنها تحفظ الشيء على الحالف كما تحفظ اليد. وهي في الشرع: تحقيق ما يحتمل المخالفة أو تأكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته. والأصل في الباب: قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآية, وقوله تعالى: (ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ). و (العُرضة) في الأيمان: أن يحلف به في كل حق وباطل. وفي (البخاري) [6617] عن ابن عمر: أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف: (لا ومقلب القلوب

لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمعت الأمة على انعقاد اليمين وتعلق الكفارة بها. قال: (لا تنعقد إلا بذات الله تعالى أو صفة له) هذا الذي اقتصر عليه في (الشرح الصغير): أنها ذات وصفات, وهو في (الروضة) ثلاثة: ذات وأسماء وصفات. والمراد بـ (الذات) هنا: الحقيقة, وهو اصطلاح المتكلمين, وقد أنكر عليهم بعض الأدباء وقال: لا تعرف (ذات) في لغة العرب بمعنى الحقيقة, وإنما (ذات) بمعنى صاحبة. وهذا الإنكار منكر, بل الذي قاله الفقهاء والمتكلمون صحيح, كما نبه عليه المصنف في (تهذيبه) قال: ومنه قوله تعالى: {وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} أي: الحالة التي بينكم, وهو قول الكوفيين, وعن الزجاج: معناه: حقيقة وصلكم. قال الواحدي: فذات عندي بمعنى النفس, كما يقال: ذات الشيء ونفسه. والتقييد بـ (ذات الله أو صفته) تخرج به صورتان: إحداهما: الحلف بالمخلوق كالنبي والكعبة وجبريل والصحابة والآل, وذلك مكروه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا إلا بالله) رواه النسائي [7/ 5] وابن حبان [4357]. وفي (الصحيحين) [خ6108 - م1646/ 3]: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم, فمن كان حالفا .. فلا يحلف إلا بالله). وان النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب, فسمعه يحلف بأبيه فقال: (إن الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم, فمن كان حالفا .. فليحلف بالله أو ليصمت) , قال عمر رضي الله عنه: فما حلفت بها بعد ذلك ذاكرا ولا آثرا, أي: حاكيا عن غيره أن حلف بها. وقد جاء عن ابن عباس: (لأن أحلف بالله تعالى مئة مرة فآثم .. خير من أن أحلف

كَقَوْلِهِ: وَاللهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بغيره فأبر) ذكره المصنف في (شرح مسلم) [11/ 105] , ورواه الطبراني في (معجمه الكبير) [9/ 183]. وروى الحاكم [1/ 18] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله .. فقد كفر) وروي: (فقد أشرك) [4/ 330] , وحمل هذا على من اعتقد فيما حلف به من التعظيم ما يعتقده في الله تعالى. قال الرافعي: وأخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية, قال الأصحاب: أي: محرما مأثوما عليه. فمن حلف بغير الله .. لا ينعقد يمينه ولم تتعلق الكفارة بالحنث فيه, خلافا لأحمد في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ فإنه قال: ينعقد به؛ لأنه أحد ركني الشهادة كاسم الله تعالى. لنا: القياس على ما سلمه, وإذا سبق اللسان إليه لم يوصف بالكراهة ويكون بمثابة لغو اليمين, وعلى هذا يحمل ما في (الصحيحين) [م11/ 9] من قوله صلى الله عليه وسلم – للأعرابي الذي قال: لا أزيد على هذا ولا أنقص-: (أفلح – وأبيه – إن صدق). والجواب: أن هذه الكلمة تجري على اللسان لا يقصد بها اليمين. وقيل: اختلف في تصحيح هذه الزيادة, ولذلك لم يذكرها مالك في (الموطأ) , بل قال [1/ 175]: (أفلح إن صدق). وقيل: الحديث منسوخ بالنهي عن الحلف بالآباء. الثانية: إذا قال: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني: وستأتي. قال: (كقوله: والله) , سواء جر أو نصب أو رفع, وسواء تعمد أم لا؛ لأن اللحن لا يمنع انعقاد اليمين.

وَرَبِّ العَالَمِينَ, وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ, ومَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القفال: إذ رفع لا ينعقد إلا أن ينوي اليمين. قال: (ورب العالمين) (الرب): يطلق في اللغة على المالك والسيد والمدبر والمربي والمنعم, وهذه صفات الله تعالى. ومما جاء بمعنى المالك: قول صفوان لأبي سفيان بن حرب: لأن يربني رجل من قريش .. أحب إلي من أن يربني رجل من هوزان. ولم يطلقوا الرب إلا على الله وحده, وهو في غيره على التقييد والإضافة. و (العالمون) جمع عالم, وهو: كل موجود سوى الله تعالى, ولا واحد له من لفظه, واختلفوا في اشتقاقه: فقيل: من العلامة؛ لأن كل مخلوق علامة تدل على وجود خالقه. وقيل: من العلم, وهو مذهب من يخصه بمن يعقل. قال: (والحي الذي لا يموت) , قال الله تعالى: {وتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}؛ فهو الحقيق بذلك, ولا يتوكل على من يموت, فلا يصح لذي عقل أن يثق بعد هذه الآية بمخلوق. قال: (ومن نفسي بيده)؛ لما روى أبو داوود [3259] بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتهد في اليمين قال لا والذي نفس أبي القاسم بيده.

وَكُلِّ أسْمِ مُخْتَصِّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ اليَمِينَ. وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ الإطْلَاقِ كَالرَّحِيمِ, وَالخَالِقِ, وَالرَّازِقِ, وَالرَّبِّ .. تَنْعَقِدُ بِهِ اليَمِينُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكل اسم مختص به سبحانه وتعالى)؛ لأن الأيمان منوطة بمن عظمت حرمته ولزمت طاعته, وإطلاق هذا مختص به سبحانه وتعالى, والحلف بالأسماء: منها: ما يختص الباري سبحانه وتعالى به ولا يطلق في حق غيره. ومنها: ما أطلق على غيره لكن الغالب استعماله في حق الله مطلقا ومقيدا في غيره. ومنها: ما يطلق في حق الله تعالى وغيره ولا غالب, فهذه ثلاثة أقسام, وهي في كلام المصنف على هذا الترتيب. فمثل الأول: بالله, وبرب العالمين, والحي الذي لا يموت, ومن نفسي بيده, ومثله: مالك يوم الدين, والقدوس, والرحمن, وخالق الخلق, والواحد الذي ليس كمثله شيء. وقال البندنيجي: أكثر العلماء على أن الأسم الأعظم (الله) , واختاره السهيلي, ولهذا قال ابن كج: لا صريح في اليمين سواه. قال: (ولا يقبل قوله: لم أرد به اليمين)؛ لأنها لا تحتمل غير اليمين, وهذا لا خلاف فيه في الظاهر, وكذا فيما بينه وبين الله تعالى في الأصح. قال: (وما انصرف إليه سبحانه وتعالى عند الإطلاق) أي: وينصرف إلى غيره بالتقييد (كالرحيم, والخالق, والرازق, والرب .. تنعقد به اليمين) , سواء قصد

إلَّا أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ, وَمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ وَالحَيِّ .. لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَالصِّفَةُ: كَوَعِزَّةِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ .. يَمِينٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أو أطلق, ومثله في (الروضة): بالجبار والحق والرب والتكبر والقادر والقاهر, قال: وكذا الخالق والرازق والرحيم على الصحيح, وقيل: من القسم الأول المختص بالله. فائدة: الألف واللام في أسماء الله تعالى للكمال, قال سيبويه: تكون لام التعريف للكمال, تقول: زيد الرجل, تريد الكامل في الرجولية, وكذلك هي في أسماء الله تعالى, فإذا قلت: الرحمن, أي: الكامل في معنى الرحمة, والعليم, أي: الكامل في معنى العلم, وكذلك تتمة الأسماء, فهي لا للعموم ولا للعهد, ولكن للكمال. قال: (إلا أن يريد غيره)؛ لأنه قد يستعمل في غيره, كرحيم القلب ورب الدار وخالق الكذب وقاهر العدو ورازق الجيش, قال تعالى: {وتَخْلُقُونَ إفْكًا} , وقال: {فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ}. وقيل: الحلف بكل اسم من التسعة والتسعين صريح. قال: (وما استعمل فيه وفي غيره سواء كالشيء والموجود والعالم والحي .. ليس بيمين إلا بنية)؛ لأنها لما استعملت فيهما .. أشبهن كنايات الطلاق, وهذا الذي صححه في زوائد (الروضة). وصحح الرافعي تبعا لأبي حامد والإمام وغيرهما: أنه وإن نوى لا يكون يمينا, ومن هذا النوع السميع والبصير والعليم والحليم. واستثنى الماوردي من ذلك: ما يكثر استعماله في الله سبحانه ويقل في غيره؛ فيكون يمينا ظاهرا لا باطنا. قال: (والصفة: كوعزة الله وعظمته وكبريائه وكلامه وعلمه وقدرته ومشيئته .. يمين)؛ لأنها صفات لم يزل سبحانه موصوفا بها فكانت كاليمين بأسمائه المختصة, فينعقد اليمين بها وإن أطلق.

إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالعِلْمِ المَعْلُومَ, وَبِالقُدْرَةِ الْمقْدُورَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والصفات المعنوية الزائدة على الذات عند الأشاعرة ثمانية, وهي المشار إليها بقول الأول [من الطويل]: حياة وعلم قدرة وإرادة ... كلام وإبصار وسمع مع البقا صفات لذات الله جل قديمة .... لدى الأشعري الحبر ذي العلم والتقى ولم يلتزم منها بشيء شيوخه .... وكل بمشتقاتها قال مطلقا وروي عن مالك كراهة الحلف بالصفات, ويعارضه ما في (البخاري) [279] في (أبواب الغسل) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب, فجعل أيوب يحثي في ثوبه, فناداه ربه: يا أيوب؛ ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك, ولكن لا غنى بي عن بركتك). قال: (إلا أن ينوي بالعلم المعلوم) , كما يقال: اللهم اغفر لنا علمك فينا, أي: معلومك. قال: (وبالقدرة المقدور) ولا يكون يمينا لاحتماله, كما يقال: انظر إلى قدرة الله, أي: مقدور الله. وظاهر تخصيص الاستثناء بصفتي العلم والقدرة يقتضي: تعلق الحكم بهما فقط, وهو وجه جزم بع كثيرون: أنه إذا نوى بما عداهما .. لا يقبل, والأصح في زوائد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الروضة) و (الشرحين): القبول أيضا كخلق الله. ورزق الله ورحمة الله لا ينعقد بها اليمين إذا نوى بذلك المرزوق والمرحوم, وبه جزم الرافعي, وقال في (البسيط): لا خلاف فيه؛ لأنه ذكر مخلوقا. ولو قال: والقرآن, أو ما مثبت في المصحف .. كان يمينا, كما لو حلف بكلام الله, وصرح الجمهور بأن قوله: والقرآن .. صريح, خلافا للقفال, ولو قال: والمصحف وأطلق .. فهو يمين, صرح به بعض الأصحاب, وبه أفتى الدولعي خطيب دمشق. تنبيه: ما جزم به من أن عظمة الله تعالى صفة .. هو المعروف, وبنى عليه بعضهم منع قولهم: سبحان من تواضع كل شيء لعظمته, قال: لأن التواضع للصفة عبادة لها, ولا نعبد إلا الذات.

وَلَوْ قَالَ: وَحَقِّ اللهِ .. فَيَمِينٌ, إلَّا أَنْ يُرِيدَ العِبَادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنع القرافي ذلك وقال: الصحيح: أن عظمة الله المجموع من الذات والصفات, وهذا المجموع هو المعبود, وعلى هذا يصح إطلاق التسبيح. قال: (ولو قال: وحق الله. فيمين, إلا أن يريد العبادات) المراد: أنه ينعقد إن نواه قطعا, وكذا إذا أطلق في الأصح؛ لأنه الغالب في الاستعمال فنزل الإطلاق عليه, ومعناه: وحقيقة الإلهية. وقيل: لأن حق الله القرآن, قال تعالى: {وإنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ}. وقيل: إنه كناية, وعزاه الإمام للأئمة؛ لأنه يطلق على العبادات التي أمر الله بها, وعند التردد لا يخلص لأحدهما إلا بالنية, فإذا أراد به غير اليمين .. انصرف عن اليمين؛ لاحتمال اللفظ وقوته بالنية. قال المتولي: إذا قال: وحق الله –بالرفع- ونوى اليمين .. فيمين, وإن أطلق .. فلا, وإن نصب وأطلق .. فوجهان, جزم البغوي بالمنع. ولو قال: وحرمة الله. فكقوله: وحق الله, وقيل: كعظمة الله, قال الرافعي: وفي كتب الحنفية: أنه قال: وسلطان الله .. كان يمينا إن أراد به القدرة, وإن أراد به المقدور .. فلا, قال: وبه نقول, وأنه لو قال: بأسم الله لأفعلن .. فهو يمين, وأنه لو قال: ورحمة الله وغضبه .. فلا. وفي (فتاوى ابن الصلاح): ولو قال: وقدر الله كان يمينا؛ لقوله تعالى: (ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي: ما عظموه حق عظمته. فائدة: قال ابن الرفعة: (كلام المحاملي وابن الصباغ والماوردي والروياني يقتضي: أن الحلف بالطالب الغالب يمين صريحة؛ لأن فيها تنبيها على استجلاب منافعه واستدفاع مضاره –قال-: وسماعي من أقضى القضاة جمال الدين بن الحسن يحيى خليفة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم العزيز بمصر رحمه الله: أن الحلف بذلك لا يشرع, وكان يذكر: أنه نقله عن أئمة المذهب, ويوجهه بأن الله تعالى وإن كان طالبا غالبا .. فأسماؤه توقيفية, ولم يرد تسميته بذلك) اهـ وسيأتي جواز التحليف بذلك في (كتاب الدعوى والبينات). وكان الجمال يحيى من صدور الشافعية, ناب عن قاضي القضاة ابن رزين, وكان يعرف فقهاء كثيرا, قال له يوما قاضي القضاء: لو أردت .. عزلتك, قال: لا تطيق ذلك, قال: ولم؟ قال: كنا عند الفقيه أبي طاهر فحصلت له حالة, فقال: من له حاجة يذكرها, فقلت: أنا أريد أن أكون نائب حكم ولا يعزلني أحد, فقال: لك ذلك. توفي في شهر رجب سنة ثمانين وست مئة, والذي قال الجمال يحيى ذهب إليه الخطابي فقال: وما جرت به عادة الحكام في تغليظ الأيمان وتوكيدها إذا حلفوا الرجل أن يقولوا: بالله الطالب الغالب المدرك المهلك .. لا يجوز أن يطلق في حقه تعالى ذلك. وإنما استحسنوا ذكرها في الأيمان؛ ليقع الردع بها للحالف؛ لأنه إذا توعد بالطالب والغالب .. استشعر الخوف وارتدع عن الظلم إذا كان يعلم أن الله سبحانه طالبه بحق أخيه, وأنه سيغلبه على انتزاعه منه. وإذا قال: المدرك المهلك .. علم أنه يدركه إذا طلبه, ويهلكه إذا عاقبه. وإنما أضيفت هذه الأفعال إليه على معنى المجازاة منه لهذا الظالم على ما يستبيحه من حق أخيه المسلم, فلو جاز أن يعد ذلك في أسمائه وصفاته .. لجاز في أسمائه الخزي والمضل؛ لأنه قال: {وأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ} , و {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُؤ}. وأجاب في (مشكل الوسيط) في (باب اليمين في الدعاوى) عنه, وجوز إطلاق

وَحُرُوفُ القَسَم: (بَاءٌ) وَ (وَاوٌ) وَ (تَاءٌ) , كَـ (بِاللهِ) وَ (واللهِ) و (تَاللهِ) , وَتَخْتَصُ التَّاءُ بِاللهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك على الله تعالى في التسبيح والتحميد والتمجيد. قال: (وحروف القسم: (باء) و (واو) و (تاء) كـ (بالله) و (والله) و (تالله).) كذا قاله الأكثرون, وفي (لباب المحاملي) أربعة: الألف والباء والتاء والواو. وإنما بدأ المصنف بـ (الباء)؛ لأنها الأصل, وهي أعم من أختيها, والواو تليها؛ لأنها لا تدخل إلا على مضمر, بخلاف الباء, وأما التاء .. فمتأخرة عنهما. وقال الماوردي: الأصل الواو ثم الباء ثم التاء. قال: (وتختص التاء بالله تعالى) , قال الله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} , والمنصوص هنا وفي (الإيلاء): أن تالله يمين, وفي (القسامة): أنه ليس بيمين, وللأصحاب في ذلك طرق: أحدها: العمل بظاهرها. والثاني: قولان, أظهرهما: القطع بأنه يمين؛ لاشتهاره عرفا. وحمل ما نقل في (القسامة) على التصحيف بالياء المثناة من تحت. وسمع دخولها شذوذا على غيره فقالوا: تربي وترب الكعبة. فرع: إذ قال: (بله) بتشديد اللام ونوى بذلك اليمين .. قال الشيخ أبو حامد والإمام والغزالي: انعقدت ولا يضره اللحن. وقال المصنف: ينبغي أن لا يكون يمينا؛ لأن هذه كلمة أخرى, وقال ابن الصلاح: إنها لغة لبعض العرب, وممن حكاها الزجاج, وأنشد على ذلك [من الرجز]: أقبل سيل جاء من عند الله .... يحرد حرد الجنة المغلة قال: فينبغي أن يجعل ذلك يمينا عند الإطلاق.

وَلَوْ قَالَ: اللهُ, وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ .. فَلَيْسَ بِيَمِينِ إِلَّا بِنِيَّةٍ. وَلَوْ قَالَ: أَقْسَمْتُ أَوْ أُقْسِمُ, أَوْ حَلَفْتُ, أَوْ أَحْلِفُ بِاللهِ لأَفْعَلَنَّ .. فَيِمَيِنٌ إنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: الله, ورفع أو نصب أو جر .. فليس بيمين إلا بنية) , لأجل حذف حرف القسم. وفي حديث ركانة: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله ما أردت إلا واحدة) رواه صاحب (البيان) بالرفع, والروياني بالجر. وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: (الله قتلت أبا جهل) بالنصب. وأصح الوجهين عند الإطلاق: أنه لا يكون يمينا, وقال ابن الصلاح: الأقوى من حيث العربية في الرفع والنصب: أن كلا منهما يمين عند الإطلاق, ولا يبعد مجيء وجه مفصل بين العارف بالعربية وغيره. قال سيبويه: ولا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله إلا في القسم. ولو سكن الهاء فقال: والله لأفعلن .. فظاهر كلام الروياني في (البحر): أنه يكون يمينا. فائدة: قال في (الروضة): لو قال: آليت أ, أولي .. فهو كحلفت أو أحلف, ذكره الدرامي, وهو ظاهر. قال: (ولو قال: أقسمت, أ, أقسم, أو حلفت, أو أحلف بالله لأفعلن .. فيمين إن نواها)؛ لاطراد العرف باستعمال ذلك في اليمين لاسيما وقد نواه, قال تعالى: {وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} , وقال: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}. قال: (أو أطلق)؛ لكثرة الاستعمال, هذا الذي قطع به الأكثرون.

وَلَوْ قَالَ: قَصَدْتُ خَبَرًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا .. صُدِّقَ بَاطِنًا, وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى المَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا يكون ذلك يمينا؛ لأن صلاحية (أقسمت) للماضي و (أقسم) للمستقبل, وكذا حلفت وأحلف. واحترز بقوله: (بالله) عما لو قال: أقسمت أو أقسم من غير ذكر الله؛ فليس بيمين وإن نواه. وأما حديث ابن عباس في (الصحيح) [خ7046 - م2269] في الرؤيا التي فسرها الصديق بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم, فقال له: (أصبت بعضا وأخطأت بعضا) , فقال أبو بكر: أقسمت عليك لتخبرني بالخطأ, فقال: (لا تقسم) .. فقال صاحب (البيان): المراد به: المعنى اللغوي لا الشرعي, أي: لا تقسم قسما شرعيا يوجب الكفارة, وكذا قاله القاضي عياض في (شرح مسلم). قال المصنف: والذي قاله عجيب؛ فإن الذي جميع نسخ (مسلم): (فوالله يا رسول الله لتحدثني) , وهذا صريح يمين وليس فيها أقسم , قال: وهذا الحديث دليل على أن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم يكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة, فإن كان لم يؤمر بالإبرار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة, ولعلها ما علم من انقطاع السبب مع عثمان والحروب المترتبة عليها .. فكره ذكرها مخافة شيوعها, أو أنه أخطأ في تعيين بعض الرجال الذين يأخذون بالسب بعده صلى الله عليه وسلم وكان في بيان ذلك مفسدة فلم يبر صلى الله عليه وسلم قسمه. قال: (ولو قال: قصدت خبرا ماضيا أو مستقبلا .. صدق باطنا)؛ لاحتمال ما يدعيه, فلا تلزمه كفارة فيما بينه وبين الله تعالى. قال: (وكذا ظاهرا على المذهب)؛ لظهور الاحتمال, والذي صححه المصنف هو المنصوص هنا, ونص في (الإيلاء) على أنه إذا قال: أقسمت بالله لا وطئتك, ثم قال: أردت يمينا ماضية .. لا يقبل, وللأصحاب في ذلك طرق: أصحها: قولان فيهما, أظهرهما: القبول.

وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاللهِ, أَوْ أَسْأَلُكَ بِاللهِ لَتَفْعَلَنَّ, وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمينٌ, وَإلَّا .. فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يقبل مطلقا. والثالث: تقرير النصين. والفرق: أن حق الله مبني على المسامحة, بخلاف حق الآدمي. ومحل الطرق: إذا لم تعلم له يمين ماضية, فإن علمت .. قبل قوله في إرادتها بأقسمت أو حلفت قطعا, ولو قال: شهدت بالله أو أشهد بالله .. فيمين إن نواها, وإن نوى غيرها .. فلا. ولو قال: عزمت بالله أو أعزم بالله لأفعلن .. لم يكن يمينا إلا أن ينوي بها اليمين. قال: (ولو قال لغيره: أقسم عليك بالله, أو أسألك بالله لتفعلن, وأراد يمين نفسه .. فيمين)؛ لاشتهاره في ألسنة حملة الشرع, وفيه وجه ضعيف, وعلى المذهب: يندب للمخاطب إبراره إن لم تكن مفسدة كما تقدم. قال: (وإلا .. فلا) هذا يشمل ثلاث صور: قصد يمين المخاطب. وإذا لم يقصد يمينا بل التشفع إليه بالله. أو يطلق. ومسألة الإطلاق تؤخذ من تعبير المصنف دون (المحرر) كما قاله في (الدقائق). وفي الثلاثة لا ينعقد اليمين؛ لأنه لم يحلف لا هو ولا المخاطب. ولو قال: لعمرو الله لأفعلن .. فهو يمين إن نوى, وإن أطلق .. فلا في الأصح, وكذلك: على عهد الله وميثاقه وذمته وأمانته وكفالته. وإن قال: وايم الله أو أيمن الله لأفعلن كذا, فإن نوى .. فيمين, وإن

وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الإسْلَامِ .. فَلَيْسَ بِيَمِينٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أطلق .. فلا على الأصح. قال: (ولو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو بريء من الإسلام .. فليس بيمين)؛ لانتفاء الاسم والصفة, ولا كفارة عليه في الحنث, ثم بهذا قال مالك. وكذا لو قال: فهو بريء من الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم أو من الإسلام أو من الكعبة, أو مستحل للخمر أو الميتة, خلافا لأبي حنيفة وأحمد. لنا: أن قوله ذلك يتضمن تعظيم الإسلام وإبعاد النفس عن اليهود وذلك ليس بقسم. هذا إذا قصد القائل تبعيد النفس عن ذلك, فأما من قال ذلك على قصد الرضا بالتهود وما في معناه إذا فعل ذلك الفعل .. فهو كافر في الحال. قال الأصحاب: وإذا لم يكفر في الصورة الأولى فليقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله, وليستغفر الله, ويستدل له بما ثبت في (الصحيحين) [خ4860 - م1647]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن حلف فقال في حلفه: باللات والعزى .. فليقل: لا إله إلا الله). وجزم في (الأذكار) بأن هذا الحلف حرام تجب التوبة منه, وبه جزم الماوردي وابن الرفعة في (المطلب). ويستحب أيضا لكل من تكلم بقبيح أن يستغفر الله, وتجب التوبة من كل كلام محرم, وجزم صاحب (الإستقصاء) بوبجوب التشهد, وهو ظاهر الحديث. فرع: لو قال: أيمان البيعة لازمة لي .. قال أصحابنا: كانت البيعة في زمن رسول الله

وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ .. لَمْ تَنْعَقِدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم بالمصافحة, فلما ولي الحجاج .. رتبها أيمانا تشتمل على ذكر الله تعالى وعلى الطلاق والإعتاق والحج وصدقة المال. فإن لم يرد القائل الأيمان التي رتبها الحجاج .. لم يلزمه شيء, وإن أرادها .. نظر: إن قال: بطلاقها وعتاقها لازم لي .. انعقدت يمينه بهما ولا حاجة إلى النية, وإن لم يصرح بذكرهما لكن نواهما .. فكذلك؛ لأنهما تنعقدان بالكناية مع النية. وإن نوى اليمين بالله أو لم ينو شيئا .. لم تنعقد يمينه ولا شيء عليه. قال: (ومن سبق لسانه إلى لفظها بلا قصد .. لم تنعقد) كحالة اللجاج والغضب, وذلك كقوله: لا والله, وبلى والله؛ لقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} أي: قصدتم, بدليل الآية الأخرى: {ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}. قالت عائشة رضي الله عنها: (لغو اليمين هو قول الرجل: لا والله, وبلى والله) رواه البخاري [4613] كذلك, وصحح ابن جبان [4333] رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكذلك رفعه أبو داوود [3249] من رواية إبراهيم بن ميمون الصائغ الذي قتله أبو مسلم الخراساني بفرندس ظلما في سنة إحدى وثلاثين ومئة. قال أبو داوود: كان إبراهيم الصائغ إذا رفع المطرقة فسمع النداء سيبها. وكلام المصنف يفهم: أن الحالف لابد وأن يكون له قصد؛ فلا تنعقد يمين الصبي والمجنون والمكره, وفي السكران الخلاف في طلاقه

وَتَصِحُّ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: قال ابن الصلاح: المراد من تفسير اللغو ببلى والله ولا والله: أن يقول أحدهما مرة والآخر أخرى, أما إذا جمعهما في كلام واحد .. فقال الماوردي: الأولى لغو؛ لأنها غير مقصودة, والثانية منعقدة؛ لأنها استدراك مقصود منه, وكلام الإمام والغزالي يقاضي: أن لغو اليمين أن يقصد اللفظ دون الحكم. الثاني: من حلف وقال: لم أقصد اليمين .. ففي الطلاق والعتاق والإيلاء لا يصدق في الظاهر؛ لتعلق حق الغير. قال الإمام: وفي اليمين أيضا لو اقترن بها ما يدل على القصد .. لم يصدق ظاهرا. قال: (وتصح على الماضي والمستقبل)؛ لأن لفظ اليمين يقع عليها, قال تعالى: {ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} , فعم الماضي والمستقبل, وقال: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} , وقال: {ويَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وهُمْ يَعْلَمُونَ}. وقال صلى الله عليه وسلم: (لأغزون قريشا ثلاث مرات) رواه أبو داوود [3278] وابن حيان [4343]. فمن حلف على الماضي كاذبا عالما .. فهي اليمين الغموس, سميت بذلك؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار, وهي من الكبائر. ففي (البخاري) [2653] عن عبد الله بن عمرو بن العاصي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس, واليمين الغموس). وتجب الكفارة بها, وتعلق الإثم لا يمنع وجوبها, كما أن الظهار منكر من القول وزور وتتعلق به الكفارة, وإن كان جاهلا .. ففي وجوب الكفارة قولا, كما لو فعل المحلوف عليه ناسيا. وقال الأئمة الثلاثة: لا تجب الكفارة باليمين الغموس. والذي أطلقه المصنف من انعقاد الغموس صرح به جماعة منهم القاضي حسين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنكره ابن الصلاح وقال: إنها غير منعقدة عندنا كقول الحنفية, لكنا نعتبر في الكفارة مجرد العقد والخنث وقد وجدا, ولا نعتبر الانعقاد. وكذا صرح به الماوردي فقال: إنها يمين محلولة غير معقودة؛ لأن الحنث اقترن بها, ويوافقهما قول الإمام قبل (باب من حلف على غريمه لا يفارقه): إنه يستحيل فرض الانعقاد فيها. وعلى هذا: يصح قول المصنف: (تصح) ومعناه: تترتب عليها آثارها, وهي الكفارة لا الانعقاد. وكما تجب الكفارة في الغموس .. يجب التعزيز أيضا كما تقدم في بابه. والمراد بـ (المستقبل): إذا كان ممكنا, أما غير الممكن كما إذا حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن الحجر ذهبا .. ففيه وجهان: الأصح: انعقاد اليمين به أيضا. وهل تجب الكفارة في الحال أو قبل الموت؟ وجهان: أصحهما الأول. ولو حلف لا يصعد السماء ولا يقتل ميتا .. فالأصح: عدم انعقادها؛ لامتناع الحنث. فائدة: التورية في الأيمان نافعة, والعبرة فيها بنية الحالف إلا إذا استحلفه القاضي بغير الطلاق والعتاق كما سيأتي في (الدعاوى) , وهي وإن كان لا يحنث بها لا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق المستحق بالإجماع. فمن التورية: أن ينوي باللباس الليل, وبالفراش والبساط الأرض, وبالأوتاد الجبال, وبالسقف والبناء السماء, وبالإخوة إخوة الإسلام, وما ذكرت فلانا, أي: ما قطعت ذكره, وما رأيته, أي: ما ضربت رئته, وبما عرفته: ما جعلته عريفا, وبما سألته حاجة, أي: شجرة صغيرة, وبما أكلت له دجاجة: كبة من الغزل, ولا فروجة, أي: دراعة, ولا في بيتي فرش, يعني: صغار الإبل, ولا حصير, أي: الملك, وما ضربت له رجلا, أي: قطعة من جراد, ومال له عندي جارية,

وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ... أي: سفينة, وما عندي فهد ولا كلب, الكلب: المسمار في قائم السيف, والفهد: المسمار في وسط الرحل, وما كتبت اليوم شيئا, أي: ما خرزت الجلود, وما ظلمته, أي: ما أخذت له ظليما. وقد تقدمت جملة من هذا في (الطلاق) , وكل هذا يجمعه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب). وقال عمر رضي الله عنه: (أما في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب). وقال ابن عباس: (ما أحب بمعاريض الكلام حمر الوحش). قال: (وهي مكروهة) أي: في الجملة؛ لأن الله تعالى نهى عنها, ويكره الاستكثار منها أيضا؛ لقوله تعالى: {ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} أي: لا تكثروا الحلف بالله, ولأنه ربما يعجز عن الوفاء بموجبها. وفي (سنن ابن ماجه) [2103] و (ابن حبان) [4356]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الحلف حنث أو ندم). قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا قط. قال: (إلا في طاعة) كالجهاد وكالأيمان الواقعة في الدعاوى إذا كانت صادقة, فإنها لا تكره, لكن الأفضل أن لا يحلف؛ لأن عثمان رضي الله عنه امتنع منها بين يدي عمر رضي الله عنه وقال: (أخشى من موافقة قدر). وكذلك لا تكره إذا دعت إليها ضرورة كتأكيد وتعظيم أمر, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعمر في صلاة العصر: (والله ما صليتها) تطييبا لقلبه, وكقوله: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرا).

فإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ .. عَصَى وَلَزِمَهُ الحِنْثُ وَكَفَّارَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (الصحيح): (والله لا يمل الله حتى تملوا) قيل: حتى بمعنى الواو. وقيل: معناه: أن الله لا يمل أبدا, مللتم أو لم تملوا, فجرى مجرى قولهم: حتى يشيب الغراب ويبيض القار. وقيل: معناه: أن الله لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله, فسمى فعل الله تعالى مللا على طريق الازدواج في الكلام كقوله: {وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}. وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا, وأمره الله تعالى بالحلف على تصديق ما أخبر به في ثلاث مواضع من القرآن؛ في (سورة سبأ) و (يونس) و (التغابن). ولا تجب اليمين أصلا, وقال ابن عبد السلام: إن كان المدعى عليه كاذبا في يمينه .. لم تحل, فضلا عن أن تجب عليه, وإن كان صادقا في يمينه والمدعى به مما لا يباح بالإباحة كالدماء والأبضاع, فإن علم الدعى عليه أن خصمه لا يحلف .. وجب عليه الحلف, وإن كان يباح بالإباحة وعلم أو ظن أنه يحلف .. وجب عليه الحلف؛ دفعا لمفسدة كذب الخصم. قال: (فإن حلف على ترك واجب أو فعل حرام .. عصى ولزمه الحنث وكفارة)؛ لأن الإقامة على هذه الحالة معصية, وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها .. فليأت الذي هو خير, وليكفر عن يمينه). لكن إنما يلزمه الحنث إذا لم يكن له طريق سواه, وإلا .. فلا, كما لو حلفت لا ينفق على زوجته .. فإن له طريقا, بأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها؛ لأن الغرض حاصل مع بقاء التعظيم. وعكس مسألة المصنف: أن يحلف على فعل واجب أو ترك حرام, فيعصي بالحنث ويطيع باليمين وعليه الكفارة.

أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ, أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ .. سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ, أَوْ تَرْكِ مُبَاحِ أَوْ فِعْلِهِ .. فَالأَفْضَلُ: تَرْكُ الحِنْثِ, وَقِيلَ: الْحِنْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو ترك مندوب, أو فعل مكروه .. سن حنثه وعليه كفارة)؛ لقوله تعالى: {ولا يَاتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ والسَّعَةِ} الآية. وفي (الصحيحين) [خ3133 - م1649/ 7] عن أبي موسى الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها .. إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها). فإن قيل: لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي الذي قال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه؟ .. قلنا: يحتمل أنه لما حلف .. تضمنت يمينه ما هو طاعة وهو امتثال الأمر, ويحتمل أنه سبق لسانه إليه فكان من لغو اليمين. قال: (أو ترك مباح أو فعله .. فالأفضل ترك الحنث)؛ لقوله تعالى: (ولا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) , ولما فيه من تعظيم اسم الله. قال: (وقيل: الحنث)؛ لينتفع المساكين بالكفارة. وفي وجه ثالث: يتخير بين الوفاء والحنث. وعلم مما ذكرناه أن اليمين تغير حال المحلوف عليه عما كان وجوبا وتحريما وندبا وكراهة وإباحة, وعن أبي حنيفة خلافه.

وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: الزوج لا يلزمه الوطء, فإذا آلى وانقضت المدة لزمه .. قلنا: المراد: أن اليمين لا تصير المباح حراما ولا الحرام واجبا, كما صار إليه أبو حنيفة فيها, ويمين المولي كذلك. قال: (وله تقديم كفارة بغير صوم على حنث جائز)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحلف على يمين ثم أرى غيرها خيرا منها .. إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) رواه الشيخان. وقال صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة؛ إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها .. فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير) رواه أبو داوود [3271] والنسائي [7/ 11]. وأيضا: فإن الكفارة حق مالي يتعلق بسببين, فجاز تقديمها على أحدهما لا عليهما كزكاة الفطر, وبهذا قال مالك والأوزاعي والثوري وأربعة عشر صحابيا لكن قالوا: يستحب كونها بعد الحنث خروجا من خلاف أبي حنيفة؛ فإنه لا يجوز تقديمها على الحنث بكل حال. والخلاف بيننا وبينه ينبني على أن اليمين عندنا سبب الكفارة, والحق المالي يجوز إخراجه بعد وجوب سببه أو أحد سببيه, كما تعجل الزكاة على الحول بعد كمال النصاب. وعنده السبب الحنث, والتقديم على السبب لا يجوز كما لا يجوز تقديم الزكاة على ملك النصاب وكفارة الوقاع عليه. وأما الصوم .. فلا يقدم؛ لأنه عبادة بدنية لا يجوز تقديمها على وقت وجوبها بغير حاجة كصوم رمضان, واحترزنا بغير الحاجة عن الجمع بين الصلاتين. وفي وجه أو قول قديم: يجوز تقديم الصوم أيضا؛ لعموم الحديث, أما التقديم قبل انعقاد اليمين .. فلا يجوز بالإجماع.

قِيلَ: وَحَرَامٍ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ, وَاللهُ أَعْلَمُ. وَكَفَارَةِ ظِهَارٍ عَلَى العَوْدِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قيل: وحرام) أي: إذا كان الحنث بارتكاب حرام, كان إذا حلف لا يزني أو لا يشرب الخمر .. فهل يجوز التكفير قبل أن يشرب؟ فيه وجهان: أحدهما –وبه قال ابن القاص-: المنع؛ لأنه يتطرق به إلى ارتكاب محظور. والثاني: يجوز؛ لوجود أحد السببين, والتكفير لا تتعلق به استباحة ولا تحريم, بل المحلوف عليه محظور قبل اليمين وبعدها. قال: (قلت: هذا أصح والله أعلم) , وقال في (الشرح الصغير): إنه أظهر, وفي (الكبير): إنه أقيس عند جماعة, ونقل تصحيحه في (الروضة) عن الأكثرين. تنبيهان: أحدهما: إذا كفر بالإعتاق يشترط في إجزائه بقاء العبد حيا مسلما إلى الحنث, فلو مات أو تعيب أو ارتد قبل الحنث .. لم يجزئه, كما لو مات المدفوع إليه الزكاة قبل الحول أو صار غنيا, قاله القاضي حسين. وأبدى صاحب (التهذيب) احتمالا فيما إذا مات العبد أو ارتد في أنه يجزئ, كما لو ماتت الشاة المعجلة. الثاني: قال الدرامي: لو قدم ثم لم يحنث .. استرجع, أي: حيث يقتضي الحال الاسترجاع. وقال الإمام: لا فرق بين البابين. وقال القاضي حسين في (باب تعجيل الزكاة) في ضمن بحث مع الخصوم: إن تقديم الكفارة على الحنث عندنا مراعى, فإن حنث .. وقع عن الواجب, وإن أيس من الحنث وكان قد شرط الرجوع .. فله الاسترجاع. قال: (وكفارة ظهار على العود) أي: له تقديمها على العود إذا كفر بالمال؛ لأن الظهار أحد السببين, والكفارة منسوبة إليه كما أنها منسوبة إلى اليمين. ومنهم من جعله على الخلاف في الحنث المحرم, وليس بشيء.

وَقَتْلٍ عَلَى المَوْتِ, وَمَنْذورٍ مَالِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتصور بين الظهارة والعود بما إذا ظاهر من رجعية ثم كفر ثم راجع, أو ظاهر وطلق رجعيا فكفر ثم راجع, أو بائنا وكفر ثم نكحها وقلنا: يعود الحنث, أو ظاهر مؤقتا وصححناه وكفر وصار عائدا بالوطء. وأما إذا ظاهر وأعتق على الاتصال عن ظهاره .. فهذا ليس بتكفير قبل العود, بل هو مع العود, ولأن الاشتغال بالإعتاق عود. واحترز بقوله: (على العود) عن تقديمها على الظهار؛ فلا يجوز على المشهور, وفي (البحر) في (باب تعجيل الزكاة) وجه: أنه يجوز. قال: (وقتل على الموت) فيجوز تقديم كفارته على الموت بع حصول الجرح؛ لأنه بعد وجود السبب, وكذا تقديم جزاء الصيد قبل الموت بعد الجرح. هذا في التكفير بالإعتاق, أما بالصوم .. فلا يتقدم على الصحيح كما سبق. ولا يجوز تقديك كفارة القتل على الجرح بكل اعتبار, لا في الآدمي ولا في الصيد. قال: (ومنذور مالي) , فيجوز تقديمه كما إذا قال: إن شفى الله تعالى مريضي أو رد غائبي .. فلله علي أن أعتق أو أتصدق بكذا؛ فيجوز تقديم العتق والصدقة قبل الشفاء ورجوع الغائب. قال الرافعي: وفي (فتاوى القفال) ما ينازع فيه, واعترضه في (المهمات) بأنه قدم في (باب تعجيل الزكاة): أن الأصح في هذا المنع, وتبعه في (الروضة) فيهما. واحترز بـ (المالي) عند البدني؛ فإنه لا يجوز تقديمه على المشروط قطعا.

فَصْلٌ: يَتَخَيَّرُ فِي كَفَّارَةِ اليَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ, وَإِطْعَامِ عَشَرةِ مَسَاكِينَ؛ كُلُّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ, وَكِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَقَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ إزَارٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: الحامل والمرضع إذا شرعتا في الصوم ثم أرادتا الإفطار .. فلهما إخراج الفدية على الأصح. وعلى هذا: ففي جواز تعجيلها لسائر الأيام وجهان بناء على الخلاف في تعجيل زكاة عامين. قال: (فصل: يتخير في كفارة اليمين بين عتق كالظهار, وإطعام عشرة مساكين؛ كل مسكين مد حب من غالب قوت بلده, وكسوتهم بما يسمى كسوة كقميص أو عمامة أو إزاز)؛ لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية, وهي تشمل على تخبير في الابتداء وترتيب في الانتهاء, وليس لنا كفارة فيها ذلك إلا هي وما ألحق بها من نذر اللجاج والغضب, وانعقد الإجماع على التخبير فيها. وأشار بقوله: (عتق كالظهار) إلى ما يجزئ من الرقاب وما يشترط فيها. ويجب لكل مسكين مد من الحب من أي نوع كان من غالب قوت بلد الحالف. وقيل: العبرة بغالب قوت نفسه لا بلده؛ لظاهر الآية. وإنما اعتبر المد بحديث المجامع في نهار رمضان؛ فإنه عليه الصلاة والسلام دفع إليه ستين مدا وقال: (تصدق به) ولأنه سداد الرغيب وكفاية المقتصد ونهاية الزهيد. وروى نافع عن ابن عمر: أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين, لكل

لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ وَمِنْطَقَةٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ مسكين مد من حنطة, وكان يعتق رقبة إذا أكد اليمين. وجوز الصيمري والماوردي والروياني أن يطعم كل مسكين من الخبز اللين رطلين, قالوا: فإن كان يابسا أو دقيقا أو عصيدة .. لم يجزئ. ويكفي ما ينطلق عليه الاسم من الكسوة؛ لأن الشارع أطلقها ولا عرف له فيها, وهي تمليك كالطعام. ويكفي فيها السراويل والقباء والمقنعة, لا التبان في الأصح, وهو سراويل قصير لا يبلغ الركبة, ولا يشترط المخيط. وفي قول قديم – وإليه ذهب مالك وأحمد -: يشترط أن يستر العورة بحيث تصح الصلاة فيه, فيجزئ الإزار للرجل دون المرأة. وقال أبو حنيفة: لا تجزئ العمامة ولا السراويل, ولا يكفي منها ما لا يعتاد لبسه كالجلود, فإن اعتيدت: أجزأت. ولو عين إحدى الخصال الثلاثة بالنذر .. لم تتعين؛ لما فيه من تغيير إيجاب الله تعالى, قاله القاضي حسين. تنبيه: تقدم أنها سميت كفارة لأنها تستر الذنب, فإن كان عقد اليمين طاعة وحلها معصية مثل: لا زنيت, فإذا زنى .. كفرت إثم الحنث, وإن كان عكسه مثل: لا صليت, فإذا صلى .. كفرت إثم اليمين, وإن كان العقد والحل مباحين مثل: لا ألبس هذا .. تعلقت الكفارة بهما, وهي بالحنث أحق؛ لاستقرار وجوبها به. قال: (لا خف وقفازين ومنطقة)؛ لخروج ذلك عن الكسوة الملبوسة, أما

وَلَا تُشْتَرَطُ صَلَاحِيَتُهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ, فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ, وَقُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المنطقة .. فبلا خلاف, ولهذا لا يمنع المحرم من لبسها, وأما الخف .. فعلى الأصح. وقيل: يجزئ؛ لإطلاق اسم اللبس عليه. ولم يذكر في (الشرح) و (الروضة) القفازين, ولا يبعد طرد الخلاف فيهما؛ لأنهما كالخف, وبه صرح القاضي حسين. وزاد في (المحرر) التكة, وحكى الروياني فيها خلافا, وهي: رباط السراويل بفتح التاء لا غير, وكسرها من لحن العوام, ومثل الخف أيضا المداس والنعل والجورب. قال: (ولا تشترط صلاحيته للمدفوع إليه, فيجوز سراويل صغير لكبير لا يصلح له, وقطن وكتان وحرير لامرأة ورجل)؛ لوقوع اسم الكسوة على ذلك. وفي وجه: يشترط أن يتمكن الآخذ من لبسه؛ لقوله تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} , فلو أخذ الولي ما يكفي الصبي .. جاز بلا خلاف, وسواء الجنس الجيد والرديء. ويجزئ المنديل الذي يحمل باليد, والعمامة أيضا, وكثير من المشارقة يطلقون المنديل عليها, وفي الاكتفاء بالمنديل نظر؛ لأن الصحيح: عدم إجزاء الدرع, وهو: ثوب لا أكمام له, وهو ساتر لغالب البدن, والمنديل لا يسمى كسوة عادة ولا لغة. وأما القلنسوة .. فقيل: تجزئ؛ لما في (البهيقي) [10/ 56] عن عمران بن

وَلَبِيسٍ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ, فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الثَّلَاثَةِ .. لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ حصين: أنه سئل: هل تجزئ في الكفارة؟ فقال: إذا قدم وفد على الأمير فأعطاهم قلنسوة قلنسوة .. قيل: قد كساهم. والأصح: لا تجزئ؛ لأنه لا يقع عليها اسم كسوة. وقيل: تجزئ القلنسوة الكبيرة التي تغطي الرأس والأذنين والقفا, دون الصغيرة التي تغطي قحف الرأس, والطاقية والقبع أولى بعدم الإجزاء منها. قال: (ولبيس لم تذهب قوته) كالطعام القديم, أما الذي ذهبت قوته –وهو الخلق بفتح الخاء واللام- فلا يجزئ؛ لأنه يشبه الطعام المسوس والعبد الزمن, ويجزئ المرقع للزينة لا للبلى, ويجوز اللبد إذا اعتيد لبسه, ويجزئ المتنجس وعليه أن يعرفهم بذلك حتى لا يصلوا فيه, ولا يجزئ ما نسج من صوف ميتة. وفي وجه: لا يجوز دفع الحرير للرجل, قال القاضي: ولو قيل باعتبار عرف البلد .. لم يبعد. ولا يجوز إعطاء الزلالي والبسط والأنطاع والهميان؛ لخروجها عن اسم الكسوة. قال الماوردي: ولو أعطى عشرة مساكين ثوبا طويلا, فإن دفعه إليهم بعد قطعة .. أجزأ, وإلا .. فلا؛ لأنه ثوب واحد. قلت: قد تقدم في (كفارة الظهار) أنه لو وضع لهم ستين صاعا وقال: قد ملكتم هذا بالسوية, أو أطلق فقلبوه .. جاز خلافا للإصطخري, وهي كمسألة الثوب, إلا أن يفرق بأن هذا ثوب واحد وتلك أمداد مجتمعة. قال: (فإن عجز عن الثلاثة .. لزمه صوم ثلاثة أيام) للآية. والمراد بـ (العجز): أن لا يقدر على المال الذي يصرفه في الكفارة كمن يجد كفايته فقط, وقال الرافعي: من يحل له أخذ الزكاة بالفقر والمسكنة وقد يملك نصابا وهو لا يفي دخله بخرجة فيزكيه؛ لئلا يخلو نصاب عنها, ويأخذ الزكاة.

وَلَا يَجِبُ تَتابُعُهَا فِي الأَظْهَرِ, فِإِنْ غَابَ مَالُهُ .. انْتظَرَهُ وِلَمْ يَصُمْ. وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إِلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً وَقُلْنَا: يَمْلِكُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ واعترض على تعبيره بـ (العجز) عن الثلاثة بأن الثلاثة ليست بواجبة, بل الواجب أحدهما مبهما, ولأن من قدر على خصلة أو ثنتين غير قادر على الثلاثة, ولا يجزئه الصوم. فرع: تقدم في (باب الحجر): أن السفيه حكمه حكم المعسر, حتى إذا حلف وحنث .. كفر بالصوم على الأصح, وقيل: يكفر بالمال. قال: (ولا يجب تتابعها في الأظهر)؛ لإطلاق الآية. والثاني: تجب؛ لقراءة أبي بن كعب وابن مسعود: (ثلاثة أيام متتابعات) والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل, وقياسا على الظهار والقتل حملا للمطلق على المقيد. والجواب: أن هذه القراءة لم تثبت, والصوم هنا خفف بقلة العدد, فكذا بالتفرقة, بخلاف الظهار والقتل. قال: (فإن غاب .. انتظره ولم يصم) وإن كانت الزكاة تحل له؛ لقدرته على التكفير بالمال من غير ضرورة, وأخذه الزكاة لحاجة يختص بمكانه, والكفارة منوطة بمكانه, كما أنه إذا فقد الرقبة وماله حاضر ينتظر أيضا, بخلاف فاقد الماء؛ فإنه يتيمم لضيق وقت الصلاة. فإن قيل: المتمتع في الحج إذا كان معسرا بمكة موسرا ببلده .. يكفر بالصوم, فهلا كان هذا مثله؟! فالجواب: أن مكان الدم مكة فاعتبر يساره وإعساره بها, ومكان الكفارة مطلق فاعتبر يساره مطلقا. قال: (يكفر عبد بمال)؛ لعدم ملكه. قال: (إلا إذا ملكه سيده طعاما أو كسوة وقلنا: يملك) .. فإنه يكفر بذلك, وشرط المسألة: أن يملكه ذلك ليكفر به, أو يملكه مطلقا ثم يأذن له في التكفير.

بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ, فَإِنْ ضَرَّهُ وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ .. صِامَ بِلَا إِذْنٍ, أَوْ وُجِدَا بِلَا إذْنٍ .. لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ... واحترز بقوله: (طعاما أو كسوة) عما إذا ملكه عبدا ليعتقه عن الكفارة .. فإنه ممتنع؛ لأن العتق يستعقب الولاء, وهو لا يكون لرقيق. وقيل: يصح والولاء له. وقيل: موقوف, إن عتق قبله .. كان له, وإلا .. فللسيد. قال: (بل يكفر بصوم)؛ لعجزه عن غيره, ولا فرق بين كفارة اليمين والظهار في ذلك. قال: (فإن ضره) بأن كان في شدة حر, أو برد شديد, أو نهار طويل وكان يضعفه عن العمل. قال: (وكان حلف وحنث بإذن سيده .. صام بلا إذن)؛ لوجود الرضا. قال: (أو وجدا) أي: الحلف والحنث (بلا إذن .. لم يصم إلا بإذن)؛ لأن حق السيد على الفور, والكفارة على التراخي, بخلاف صوم رمضان, فإن شرع فيه بغير إذنه .. كان له تحليله؛ لأنه لم يأذن في السبب, وعليه فيه ضرر, فكان له منعه كالحج. وحيث احتاج إلى إذن فصام بدونه .. أجزأه كما لو صلى الجمعة بلا إذن.

وَإنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا .. فَالأَصَحُّ: اعْتِبَارُ الحَلِفِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو مات العبد وعليه كفارة .. فللسيد أن يكفر عنه بالإطعام وإن قلنا: لا يملك بالتمليك؛ لأن التكفير عنه في الحياة يتضمن دخلوه في ملكه, والتكفير بعد الموت لا يستدعي ذلك, ولأن الميت ليس له ملك محقق, والرق يزول بالموت فهو والحر سواء, أما لو أعتق عنه .. فلا يجوز؛ لأجل ثبوت الولاء. قال: (وإن أذن في أحدهما .. فالأصح: اعتبار الحلف) , فإذا حلف بإذنه وحنث بغير إذنه .. صام بغير إذنه, وعكسه عكسه؛ لأن إذنه في الحلف إذن فيهما يترتب عليه, كما أن إذنه في النكاح إذن في اكتساب المهر والنفقة. والثاني: المعبر الحنث؛ لأن اليمين مانعة منه, فليس إذنه فيها إذنا في التزام الكفارة, وهذا هو الأصح في (الشرحين) و (الروضة) , ولعل الذي في الكتاب و (المحرر) سبق قلم من الحنث إلى الحلف, وهذه المسألة نظير رجوع الضامن في أقسامها الأربعة كما سبق في بابه. ولو حلف وهو في ملك زيد, ثم انتقل إلى ملك عمرو .. فهل للثاني المنع إن كان الأول قد أذن فيهما, أو في أحدهما ثم انتقل عنه قبل التكفير, أو كان الحلف في ملك شخص والحنث في ملك آخر؟ في جميع ذلك نظر.

وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ .. يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لَا عِتْقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا عتق العبد ثم حنث .. كفر كالأحرار, وإن عتق بعد الحنث .. صام إن كان معسرا, وإن كان موسرا واعتبرنا حال الأداء أو أعلاهما .. كفر بالمال, أو حال الوجوب .. كفر بالصوم. تنبيه: التعبير بالعبد يخرج الأمة, فللسيد منعها من الصوم للاستمتاع الناجز والصوم على التراخي, وكذلك قال أصحابنا: حيث أطلق العبد .. شمل الأمة إلا هنا, فالتفصيل المذكور خاص بالعبد. قال: (ومن بعضه حر وله مال .. يكفر بطعام أو كسوة)؛ لقدرته على ما تقدم على الصوم, فلا يصوم على الأصح, كما لو وجد ثمن الماء .. لا يباح له التيمم. قال: (لا عتق)؛ لنقصه عن أهلية الولاء والإرث. وقيل: في عتقه قولان كالمكاتب بالإذن. وقال المزني وابن سريج: فرضه الصوم كالعبد, واستدل المزني بأن نفقته عند الشافعي نفقة المعسرين فكذلك كفارته, وأجيب بأن المزني في النفقات جعله كالحر. تتمة: أصح الأوجه: أن سبب وجوب الكفارة: الحنث واليمين معا. والثاني: اليمين فقط, والحنث شرط, كالزكاة تجب بملك النصاب بشرط الحول.

فصل: حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا .. فَلْيَخْرُجْ فِي الحَالِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: الحنث فقط؛ لأنه قبله لم يكن مخاطبا بها, ومتى أتى بكفارة اليمين أو القتل أو جزاء الصيد .. كانت أداء, وكذلك كفارة الظهار بعد العود وقبل الجماع, فإن فعلت بعد الجماع .. كانت قضاء كما صرح به البندنيجي. وإذا مات الحالف قبل التكفير .. أخرجت من تركته وإن لم يوص بها كالدين, وإذا أعتق الوارث عنه .. كان الولاء للميت؛ لوقوع العتق عنه. قال: (فصل: حلف لا يسكنها أو لا يقيم فيها .. فليخرج في الحال). (السكنى) مشتقة من السكون وهو ضد الحركة, سكن بالمكان يسكن: أقام, والمسكن: المنزل. والمراد بـ (الخروج): أن يخرج ببدنه دون أهله ومتاعه؛ فإنه المحلوف عليه. واستدل الماوردي لذلك بقوله تعالى: {رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} فأطلق إسكانهم مع خلوهم عن مالهم فدل على أن المعتبر البدن. وقال تعالى: {يُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} , لكن الجمهور فسروا المتاع بالاستمتاع. ولا يكلف الخروج عن العادة من العدو والهرولة, ولا فرق بين أن يخرج من باب قريب منه أو بعيد عنه, لغرض أو لغيره. وظاهر عبارة المصنف: أنه يكفي مطلق الخروج, سواء قصد التحول أم لا, وظاهر نص (الأم) و (المختصر): أنه لابد من الخروج بنية التحول؛ ليقع الفرق بينه وبين الساكن, وبهذا صرح المتولي وصاحب (المستظهري) والشيخ نصر والشاشي وصاحب (الإستقصاء) , وفي (التنبيه) و (الشامل): والشيخان أطلقا

فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ .. حَنِثَ وَإنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ, وَإِنِ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الخُرُوجِ كَجَمْعِ مَتَاعٍ وَإخْرَاجِ أَهْلٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ .. لَمْ يَخْنَثْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك؛ لأن من كان ساكنا في دار فخرج منها إلى السوق مثلا .. يعده أهل العرف ساكنا نظرا إلى عادة الساكنين من الدخول والخروج. قال: (فإن مكث بلا عذر .. حنث وإن بعث متاعه)؛ لأن المحلوف عليه سكناه, وهو موجود, والسكنى تطلق على الدوام كالابتداء, يقال: سكن شهرا, فإن مكث بعذر كما إذا أغلق عليه الباب, أو منع من الخروج, او خاف على نفسه أو ماله لو خرج, أو كان مريضا أو زمنا لا يقدر على الخروج .. لم يحنث. وجعل الماوردي من الأعذار: أن يضيق وقت الصلاة ويعلم أنه لو اشتغل بالخروج .. لفاتته, فإن طرأ العجز بعد الحلف .. ففي حنثه الخلاف في المكره. قال: (وإن اشتغل بأسباب الخروج كجمع متاع وإخراج أهل ولبس ثوب .. لم يحنث)؛ لأنه لا يعد ساكنا. وقيل: يحنث؛ لأنه أقام مع التمكن من الخروج, ونسب الإمام الأول للمراوزة والثاني للعراقيين. وقيد الشاشي الخلاف بما إذا لم يقدر على الاستنابة, فإن قدر ولم يفعل .. حنث, وأجرى القاضي وغيره الخلاف من غير تقييد.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فِي الحَالِ .. لَمْ يَحْنَثْ, وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلِكُلِّ جَانِبٍ مَدْخَلٌ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا وَهُوَ فِيهَا أَوْ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ .. فَلَا حِنْثَ بِهَذَا, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو احتاج إلى مبيت ليلة لحفظ متاع .. فأصح احتمالي ابن كج: لا يحنث. قال: (ولو حلف لا يساكنه في هذه الدار فخرج أحدهما في الحال .. لم يحنث)؛ لعدم المساكنة, فإن المفاعلة لا تتحقق إلا من اثنين, فلو مكث ساعة .. حنث؛ لصدق الاسم, فلو اشتغل بأسباب الخروج .. فهو كما سبق. قال: (وكذا لو بني بينهما جدار) أي: من طين أو غيره (ولكل جانب مدخل في الأصح) , سواء كان موجودا أو أحدثاه؛ لاشتغاله برفع المساكنة. والثاني: يحنث؛ لأنهما قبل كماله يقطع بأنهما متساكنان. ونظيره: ما لو تبايعا وبني بينهما جدار .. فإن ذلك لا يقطع الخيار على الأصح؛ للبقاء في مجلس العقد, وهذا هو الأصح في (الشرح الصغير) , ونقل في (الكبير) و (الروضة) تصحيحه عن الجمهور, ولم ينقلا ترجيح الأول إلا عن البغوي فقط, والمصنف تبع فيه (المحرر). هذا كله إذا قيد المساكنة ببعض المواضع لفظا, وإليه أشار بقوله: (هذه الدار) , فإن لم يقيدها, فإن نوى موضعا معينا من بيت أو دار أو محلة أو بلد .. فالأصح: أن اليمين محمولة على ما نوى, وإلا .. فيحنث بالمساكنة في أي موضع كان, فلو حلف لا يساكنه وأطلق وكانا في موضعين بحيث لا يعدان متساكنين .. لم يحنث. وفي وجه ضعيف: لابد من مفارقة أحدهما مكانه في الدار أو المحلة, ولا يحنث بالبلد قطعا. ولو حلف لا يساكن زيدا وعمرا .. بر بخروج أحدهما, ولو قال: لا ساكنت زيدا ولا عمرا .. لم يبر بخروج أحدهما. قال: (ولو حلف لا يدخلها وهو فيها أو لا يخرج وهو خارج .. فلا حنث بهذا)؛

أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ [أَوْ لَا يَلْبَسُ] أَوْ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ, فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الأَحْوَالَ .. حَنِثَ. قَلْتُ: تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةٍ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَهُرِ غَلَطٌ؛ لِذُهُولٍ, واسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الأَصَحِّ, .. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الدخول: الانفصال من خارج إلى داخل, والخروج عكسه, ولم يوجد ذلك في الاستدامة, ولهذا لا يقال: دخلت الدار شهرا, وإنما يقال: دخلتها منذ شهر. وفي قول أو وجه: يحنث بالاستدامة فيهما؛ لأنها كالابتداء في التحريم بالنسبة إلى ملك الغير, ولهذا: لو دخل دار الغير وهو لا يعلم ثم علم فاستدام .. أثم. قال: (أو لا يتزوج أو لا يتطهر [أو لا يلبس] أو لا يركب أو لا يقوم أو لا يقعد, فاستدام هذه الأحوال .. حنث. قلت: تحنيثه باستدامة التزوج والتطهر غلط؛ لذهول) هو كما قال, وزاد في (الروضة) تبعا لـ (الشرح): أو لا يتوضأ وهو متوضئ؛ فإن الشافعي في (الأم) نص على عدم الحنث في هذه المسائل, وذلك أن الاستدامة فيها ليست كالابتداء؛ لأنه لا يقال: تزوجت شهرا وتطهرت شهرا, بخلاف الباقي. و (الذهول) بالذال المعجمة نسيان الشيء والغفلة عنه. قال: (واستدامة طبب ليست تطيبا في الأصح)؛ لأنه لم يحدث فعلا بدليل تطيب المحرم قبل الإحرام إذا استدامه لا تلزمه الفدية. والثاني: نعم؛ لأنه منسوب إلى الطيب. وفي (الكفاية) وجه ثالث: إن استدام أثره .. حنث, أو رائحته .. فلا اعتبار ببقاء العين وزوالها.

وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ وَصَلَاةٌ, وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا .. حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ دَاخِلَ الْبَابِ أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا وطء وصوم وصلاة والله أعلم) فلا يحنث باسدامتها على الأصح. ويتصور اليمين في الصلاة إذا حلف ناسيا للصلاة .. فإن اليمين تنعقد, وكذلك إذا حلف غيره, فلو حلف لا يستقبل القبلة وهو مستقب فاستدام .. حنث قطعا, هذا هو المنقول في (الشرح) و (الروضة) و (التهذيب) و (الكفاية) , ووقع في بعض شروح هذا الكتاب: لا يحنث, وهو سبق قلم, لكنه وقع كذلك في (تعليق البغوي). واستدامة السفر سفر, فإن رجع في الحال .. فلا؛ لأنه أخذ في ترك السفر. وأما استدامة الغصب .. فنقل الرافعي عن البغوي: أنها ليست غاصبا, وبه جزم في (الروضة) , وهو مشكل؛ فإنه يصدق أن يقال: غصبه شهرا وسنة ونحو ذلك. وقد صرح الأصحاب بأن مستديم الغصب غاصب, وبه جزم الماوردي, لا جرم في (المهمات): الصواب المفتى به عكس ما في (الروضة). فرع: حلف لا يشارك فلانا وهو شريكه فاستدام .. أفتى ابن الصلاح بحنثه, إلا أن يريد شكرة مبتدأة, وأفتى بأنه إذا حلف لا يملك هذه العين وهو مالكها بأنه يحنث. قال: (ومن حلف لا يدخل دارا .. حنث بدخول دهليز داخل الباب أو بين بابين)؛ لأنه من الدار, ومن جاوز الباب عد داخلا. وحكي عن النص: أنه لا يحنث, وحمل على الطاق خارج الباب.

لَا بِدُخُولِ طَاقٍ قُدَّامَ الْبَابِ, وَلَا بِصُعُودِ سَطْحِ غَيْرِ مُحَوَّطٍ, وَكَذَا مُحَوَّطُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الدهليز) بكسر الدال: ما بين الباب والدار, فارسي معرب, وجمعه دهاليز. قال: (لا بدخول طاق قدام الباب)؛ لأنه لا يقال دخل الدار. وفي وجه: يحنث؛ لأنه من الدار بدليل دخوله في بيعها. و (الطاق): المعقود أمامها متصلا بها, فارسي معرب أيضا, وجمعه أطواق. كل هذا إذا لم يكن للطاق باب يغلق كالدرب؛ فإن كان .. قال المتولي: هو من الدار مسقفا كان أو غير مسقف. كذا نقله عنه الرافعي وأقره, وهو مشكل؛ لخروجه عن العرف. وقوله: (قدام الباب) تفسير للطاق لا تقييد. قال: (ولا بصعود سطح غير محوط) المراد: إذا صعده من خارج بأن تسور إليه من الجدار أو دار .. جاز؛ لأن السطح حاجز يقي الدار الحر والبرد فهو كحيطانها, وهو لو وقف على العتبة في سمك الحائط .. لم يحنث, فكذا هنا, ولأن الدار حرز يقطع السارق منها بخلاف السطح, سواء كان محوطا بحجر أو آجر, أو محصرا بقصب أو خشب. وفي وجه ضعيف: يحنث بغير المحوط؛ لأنه جزء من الدار بدليل دخوله في بيعها. قال: (وكذا محوط في الأصح)؛ لأنه لا يقال له في العرف داخل الدار. والثاني: يحنث؛ لإحاطة حيطان الدار به, ولهذا لو صلى على سطح الكعبة وهو على هذه الهيئة .. صحت صلاته, وهذا يبطل بما إذا كان التحويط من جانب واحد فإنه لا أثر له.

وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَاسَهُ أَوْ رِجْلَهُ .. لَمْ يَحْنَثْ, فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا .. حَنِثَ, وَلَوِ انْهَدَمَتْ فَدَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ .. حَيِثَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن كانت السترة عالية بحيث يحجز مثلها لو كان في العرصة .. حنث, وإلا .. فلا. ولو حلف لا يخرج منها فصعد السطح .. حنث, قاله ابن الصباغ. ولو حلف ليخرجن منها فصعده .. بر في الأصح. قال: (ولو أدخل يده أو رأسه أو رجله .. لم يحنث)؛ لأنه لا يمسى داخلا ولا خارجا, وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه إلى عائشة وهو معتكف, ولم يعد ذلك خروجا مبطلا للاعتكاف. ونظيره: ماسح الخف إذا أخرج بعض رجله عن مقرها ثم أحدث ثم أعادها قبل استكمال النزع .. يحوز المسح عليها ولو أدخل بعضها ابتداء ثم أحدث قبل استقرارها. لم يجز المسح؛ تمسكا بالأصل حتى يظهر خلافه. قال: (فإن وضع رجليه فيها معتمدا عليهما) أي: وباقي بدنه خارج (.. حنث)؛ لأنه يسمى داخلا. واحترز بقوله: (معتمدا) عما إذا مدهما وهو قاعد .. فلا حنث, ويقاس الخروج في جميع ذلك بالدخول. قال: (ولو انهدمت فدخل وقد بقي أساس الحيطان .. حنث)؛ لتحقق الدخول فيها, كذا قاله في (التهذيب) , وتبعه في (المحرر) و (المنهاج) , واستبعده في (المطلب) بأن حقيقة الأساس هو البناء المدفون في الأرض تحت الجدار البارز. وعبارة (الشرح) و (الروضة): إن بقي أصول الحيطان والرسم .. حنث, وهي أولى من عبارة الكتاب. والظاهر: ما قاله الإمام: إن انهدم بعضها, فإن كان يسمى دارا .. حنث به,

وَإنْ صَارَتْ فَضَاءٌ أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا .. فَلَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ .. حَنِثَ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ, لَا بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن سميت رسوم دار .. فلا, وذكر مثله الغزالي في (البسيط) , والجاجرمي والفوراني والماوردي. والحاصل: أن الحكم يدار مع اسم الدار وعدمه, وهو ظاهر نص (الأم) و (المختصر) , وأطبق عليه الأصحاب, وكأن الرافعي والمصنف لم يمعنا النظر في المسألة. كل هذا إذا قال: هذه الدار, فإن قال: لا أدخل هذه .. حنث بالعرصة, ولو قال: دارا .. لم يحنث بفضاء ما كان دارا, وهذه ترد على الكتاب؛ فإنه صور المسألة في أولها بقوله: (دارا) لكن مراده هذه الدار. قال: (وإن صارت فضاء أو جعلت مسجدا أو حماما أو بستانا .. فلا)؛ لزوال مسمى الدار. ومقتضى عبارة الكتاب: انحلال اليمين بذلك, حتى لو أعيدت لم يحنث, وهو كذلك إذا أعيدت بآلة أخرى, فإن أعيدت بآلتها الأولى .. فالأصح في زوائد (الروضة) الحنث. قال: (ولو حلف لا يدخل دار زيد) وكذلك لا يدخل بيته (.. حنث بدخول ما يسكنها بملك لا بإعارة وإجازة وغصب)؛ لأن الإضافة إلى من يملك تقتضي ثبوت الملك حقيقة, بدليل أنه لو قال: هذه الدار لزيد .. كان إقرارا له بالملك, حتى لو قال: أردت أنه يسكنها .. لم يقبل. وعن القاضي حسين: أنه إن حلف بالفارسية حمل على المسكن. قال الرافعي: ولا يكاد يظهر فرق بين اللغتين. قال القمولي: وأفتى بعض علماء عصرنا بالحنث بدخول الدار التي يسكنها بإجازة أو إعارة؛ لأنه المفهوم عرفا وهو قول الأئمة الثلاثة. ولا يحنث بدخول الدار الموقوفة عليه إن قلنا: لا يملكها, وإن قلنا: يملكها .. حنث. ولو حلف لا يدخل مسكن زيد .. حنث بدخول ما يسكنه بإجازة أو إعارة؛ لأنه

إِلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ, وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْكُنُهُ, إِلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَبَاعَهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا فَدَخَلَ وَكَلَّمَ .. لَمْ يَحْنَثْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ـَ وجد المسكون حقيقة, فلو دخل مسكنه المغضوب .. فوجهان: صحح المصنف أنه يحنث إلا أن ينوي مسكنه المملوك .. فلا يحنث بغيره. ومقتضى عبارة المصنف: أنه لو حدثت له دار أخرى .. حنث بدخولها, وهو قياس ما فرقوا به بين الولد المتجدد والعبد المتجدد, فإنه إذا حلف لا يكلم عبد فلان .. حنث بالموجود في ملكه والمتجدد اعتبارا بالمالك, وإن قال: لا أكلم ولد فلان .. حنث بالموجود دون المتجدد, والفرق: أن اليمين ينزل على ما للمحلوف عليه قدرة على تحصيله, ويشكل عليه ما لو حلف لا يمس شعر فلان فحلقه ونبت شعر آخر فمسه. فإنه يحنث كما صرح به صاحب (الكافي) وغيره. قال: (إلا أن يريد مسكنه) فيحنث بالمعار ونحوه؛ لأنه مجاز اقترنت به النية, قال الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} والمراد: بيوت الأزواج التي يسكنها. قال: (ويحنث بما يملكه ولا يسكنه)؛ لأنه دخل في دار زيد حقيقة قال: (إلا أن يريد مسكنه) فلا يحنث بذلك اعتبارا بقصده. وهذا متفق عليه إذا كان الحلف بالله تعالى, فإن كان بالطلاق أو العتاق .. لم يقبل في الحكم. هذا إذا كان يملك الجميع, فإن كان يملك بعذ الدار .. فظاهر نص (الأم) –وأطبق عليه الأصحاب-: أنه لا يحنث وإن كثر نصيبه. وفي معنى الملك ما لا يعرف إلا به كسوق أو دار او خان بالبلد لا يعرف إلا به كسوق أمير الجيوش بمصر, وسوق يحيى ببغداد, وخان أبي يعلى بقزوين, ودار الأرقم بمكة, فإذا حلف لا يدخل ذلك .. حنث بدخوله وإن كان من يضاف إليه ميتا؛ لتعذر حمل الإضافة على الملك فتعين أن يكون للتعريف, ومثله في (الروضة) بدار العقيقي بدمشق. قال: (ولو حلف لا يدخل دار زيد أو لا يكلم عبده أو زوجته فباعهما أو طلقها فدخل وكلم .. لم يحنث)؛ تغليبا للحقيقة, لأنه لم يدخل داره, ولم يكلم عبده

إِلَّا أَنْ يَقُولَ: دَارَهُ هَذهِ, أَوء زَوْجَتَهُ هَذِهِ, أَوْ عَبْدَهُ هَذَا .. فَيَحْنَثُ, إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا دَامَ مِلْكُهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ, فَنُزِعَ وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخرَ مِنْهَا. لمَ ْيَحْنَثْ بِالثّانِيِ, وَيَحْنَثُ بِالأَوَّلِ فِي الأَصَحِّ0000000000000 ـــــــــــــــــــــــــــــ وزوجته حقيقة؛ لزوال الملك بالبيع والطلاق. وكذلك إذا قال: لا أكلم زوج هذه المرأة وسيد وهذا العبد فكلمه بعد زوال الملك أوا لنكاح. ولو عبر بقوله: فأزال ملكهما بدل (فباعهما) .. كان أعم؛ لتدخل الهبة وغيرها. ولو اشترى زيد دارا بعد بيع الأولى .. قال الصيدلاني: إن أراد الأولى .. لم يحنث بالثانية, وإن أراد أي دار كانت في ملكه .. حنث بالثانية دون الأولى, وإن أراد ما جرى عليه ملكه. حنث بأيهما دخل. قال: (إلا أن يقول: داره هذه, أو زوجته هذه, أو عبده هذا .. فيحنث)؛ تغليبا للتعيين فإنه أقوى. قال: (إلا أن يريد ما دام ملكه) عملا بالإرادة, وضبط المصنف بخطة الكاف وبالفتح والضم, وكلاهما صحيح. وضابط هذا النوع: أن تعلق اليمين بشيء بعينه مضافا إلى غيره. وضابط النوع قبله: أن تعلق اليمين بشيء غير معين مضافا إلى غيره إضافة ملك لا تعريف. قال: (ولو حلف لا يدخل من هذا الباب, فنزع ونصب في موضع آخر منها .. لم يحنث بالثاني, ويحنث بالأول في الأصح). أصل هذه المسألة: أن الباب عند الإطلاق هل يحمل على المنفذ أو على الخشب المنصوب أو عليهما, وفي ذلك أوجه: أصحها: أولها؛ لأنه المحتاج إليه في الدخول دون المنصوب, ويتفرع عليها مسألة الكتاب, والأصح فيها الحنث اعتبارا بالمنفذ الأول وإن لم يكن الخشب عليها.

أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا .. حَنِثَ بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ أَوْ خَيْمَةٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: عكسه اعتبارا بالخشب. والثالث: لا يحنث بواحد منهما, إنما يحنث بالأول إذا كان الخشب عليه. هذا كله عند الإطلاق, فإن نوى شيئا من ذلك .. حمل عليه بلا خلاف. ولا فرق عند الرافعي وجماعة بين أن يسد الباب الأول أم لا. وقيد صاحبا (المذهب) و (التهذيب) المسألة بأن يكون الأول قد سد, وتبعهما المصنف في (نكت التنبيه) , قال ابن الرفعة ولم يتعرض له الجمهور, ولا يظهر لسده أثر في الاعتبار, وإنما وقع في كلامهما جريا على الغالب في أنه لا يفتح باب إلا ويسد الأول, ويحتمل أن يكون وجها في المسألة. وصورة المسألة –كما قال المصنف-: إذا أشار إلى الباب, فإن قال: لا أدخلها من بابها ففتح باب جديد فدخل منه .. حنث في الأصح؛ لأن المفتوح ثانيا ينطلق عليه اسم (بابها). ونقل الرافعي في آخر الباب عن الحنفية –ووافقهم عليه-: أنه لو حلف لا يدخل هذه الخيمة فنقلت وضربت في موضع آخر فدخلها .. حنث. قال: (أو لا يدخل بيتا) أي: ولا نية له (.. حنث بكل بيت من طين أو حجر أو آجر أو خشب أو خيمة)؛ لأن اسم البيت يقع على ذلك حقيقة في اللغة, واستدل بعضهم لذلك بقوله تعالى: {وجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا}.

وَلَا يَحْنَثُ بِمَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واعترض عليه بأنه لا يحنث بالمساجد كما سيأتي, وسماها الله تعالى بيوتا, وسواء كان الحالف حضريا أو بدويا, هذا هو الأصح المنصوص. وقيل: لا يحنث بالخيمة ونحوها إن كان حضريا, وصححه الجاجرمي. وقيل: إن قربت قريته من البادية .. حنث, وإلا .. فلا؛ لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه. كل هذا عند الإطلاق, فإن نوى نوعا منها .. انصرف إليه, وفيما إذا تلفظ بالبيت بالعربية, فإن قاله بالفارسية .. فالأصح في (الشرح الصغير): لا يحنث ببيت الشعر والخيام, لأن العجم إنما يطلقونه على المبني, وهو وارد على إطلاق المصنف. قال: (ولا يحنث بمسجد وحمام وكنيسة وغار جبل)؛ لأنها ليست للإيواء والسكنى, واسم البيت لا يقع عليها إلا بضرب من التقييد كما يقال: الكعبة بيت الله والبيت الحرام. وقيل: يحنث بالكعبة والمسجد؛ لأن الله سمى كلا منهما بيتا, والتكرر في القرآن يجعل اللفظ صريحا. وقيد الإمام والمتولي موضع الخلاف في المسجد بالمسقف. ولا يحنث بساحة المدرسة والرباط, ولا بدخول دهليز دار وصحنها أو صفتها على الأصح؛ لأنه يقال: لم يدخل البيت وإنما وقف في الدهليز والصفة, وهذا بخلاف ما تقدم في دخول الدار, فإنه يحنث بدهول دهليزها؛ لانه يقال: دخل الدار بذلك. والأصح في زوائد (الروضة): أنه لا يحنث بدخول بيت الرحى. وما ذكره في (غار الجبل) ظاهر إذا لم يقصد به الإيواء, أما ما اتخذ منها بيتا

أَوْ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ, فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ .. حَنِثَ, وَفِي قَولٍ: إِنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ .. لَمْ يَحْنَثْ, فَإِنْ جَهِلَ حُضُورَهُ .. فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي. قُلْتُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ, فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ واسْتَثْنَاهُ .. لَمْ يَحْنَثْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ للسكنى .. فيحنث به من اعتاد سكناه؛ لقوله تعالى: {يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا} {وتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتًا} أما الغار .. فلا يسمى بيتا. قال: (أو لا يدخل على زيد, فدخل بيتا فيه زيد وغيره .. حنث)؛ لوجود صورة الدخول عليه. قال: (وفي قول: إن نوى الدخول على غيره دونه .. لم يحنث) كما في مسألة السلام الآتية, والفرق: أن الاستثناء لا يصح من الأفعال. قال: (فإن جهل حضوره .. فخلاف حنث الناسي) , سواء كان فيه وحده أم مع غيره. والأصح عدم الحنث؛ لقوله تعالى: {ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَاتُم بِهِ} [الأحزاب: 5] , ولقوله صلى الله عليه وسلم: (وضع عن أمتي الخطأ والنسيان) واليمين داخلة في هذا العموم. ولو دخل لشغل ولم يعلم به. فأولى بعدم الحنث؛ لانضمام قصد الشغل إلى الجهل, وقيل: الجاهل أولى بالحنث من الناسي, وقال القفال: يحنث في الطلاق دون الأيمان بالله تعالى. لكن يستثنى ما إذا قال: لا أدخل عليه عامدا ولا ناسيا .. فإنه يحنث إذا دخل ناسيا بلا خلاف. ثم إذا حكمنا بعدم الحنث في الناسي والجاهل .. لا ينحل اليمين على الأصح كما تقدم في الطلاق. قال: (قلت: ولو حلف لا يسلم عليه, فسلم على قوم هو فيهم واستثناه .. لم يحنث)؛ لأنه سلم بلفظ عام يقبل التخصيص بالنية وقد خصه, بخلاف الدخول.

وَإِنْ أَطْلَقَ .. حَنِثَ فِي الأَظْهَرِ, وَاللهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ: حَلَفَ لَا يَاكُلُ الرُّؤُوسَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ. حَنِثَ بِرُؤُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق بين أن يستثنيه باللفظ أو بالنية على الأصح. قال: (وإن أطلق .. حنث في الأظهر والله أعلم) نظرا إلى عموم اللفظ, وهو الراجح في (الشرحين). والثاني: لا؛ لأن اللفظ يصلح للجميع وللبعض فلا يحنث بالشك. وفهم من تحنيثه عند الإطلاق تحنيثه إذا قصد من باب أولى. تتمة: يجري الخلاف فيما لو سلم الحالف من صلاة وزيد من المأمومين به, كذا قاله الرافعي, وقال ابن الصلاح: إنه قياس المذهب, وبه جزم المتولي, وفيه نظر؛ لأنه خارج عن العرف, ولاسيما إذا بعد عن الإمام بحيث لا يسمع كلامه فإنه لا يعد مكلما. وقد صرح الرافعي في هذا في (كتاب الطلاق) بعدم الحنث, ويحتمل التفصيل بين أن يقصده أم لا كما سيأتي في قراءة الآية المفهمة. قال: (فصل: حلف لا يأكل الرؤوس) وكذلك لا يشتريها (ولا نية له. حنث برؤوس تباع وحدها) وهي رؤوس الغنم والبقر والإبل؛ لأن ذلك هو المتعارف أكله, فإنها تفرد وتقصد بالأكل فيحنث بها دون غيرها, ومجموع ما في ذلك خمسة آراء ما بين قول ووجه: أصحها: ما قاله المصنف. والثاني: أنه يحنث بالرؤوس مطلقا. والثالث: عن ابن سريج: لا يحنث إلا برؤوس البقر والغنم.

لَا طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ, إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: عن أبي هريرة: أنه إنما يحنث بأكل رؤوس الغنم خاصة. والخامس: أنه لا يحنث في البلد الذي لم تجر العادة فيها ببيع غير رؤوس الغنم إلا برؤوس الغنم. واحترز بقوله: (لا نية له) عما إذا نوى مسمى الرأس .. فلا يختص بما يباع وحده, أو نوى نوعا خاصا .. فلا يحنث بغيره على المنصوص. والرأس: يجمع في القلعة على ارؤس, وفي الكثرة على رؤوس, ويقال لبائعه: رآس, والعامة تقول: رواس. قيل: كان مروان بن أبي حفصة بخيلا, وكان لا يأكل من اللحم إلا الرؤوس, فقيل له في ذلك فقال: لأن الرأس أعلم سومه وآمن خيانة بائعه ومبتاعة, ولا يؤذخ مه شيء إلا عرف, وفيه طعوم مختلفة. قال: (لا طير وحوت وصيد)؛ لأنها لا تفرد بالبيع, ولا تفهم من اللفظ عند الإطلاق. قال: (إلا ببلد تباع فيه مفردة) فإنه يحنث بأكلها هناك؛ لانها كرؤوس الأنعام في غيرها, ففي غير تلك البلد إذا أكلها .. لم يحنث؛ عملا بعرف البلد, كذا صححه المصنف في (التصحيح). والثاني –وهو الأقوى في (الشرحين) و (الروضة) -: الحنث كخبز الأرز, وهو أقرب إلى ظاهر النص. وهل يعتبر نفس البلد أو كون الحالف من أهله وجهان. وظاهر كلام المصنف: أنه لا فرق بين أن يأكل بعض الرأس أو كله. وفي (فروع ابن القطان): إذا قال: الرؤوس .. لابد من أكل ثلاثة منها. قال القفال: سمعت الشيخ أبا زيد يقول: لا أدري ماذا بنى الشافعي عليه مسائل الأيمان, إن كان يتبع اللفظ .. فمن حلف لا يأكل الرؤوس ينبغي أن يحنث بكل

وَالْبَيْضُ يُحْمَلُ عَلَى مُزَايِلِ بَائِضِهِ فِي الحَيَاةِ كَدَجَاجٍ وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ, لَا سَمَكٍ وَجَرَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رأس, وإن اتبع العرف .. فأصحاب القرى لا يعدون الخيام بيوتا, ولم يفرق بين القروي والبدوي. قال الرافعي: والفرق أنه يتبع اللفظ تارة, وذلك عند ظهوره وشموله وهو الأصل, وتارة يتبع العرف إذا اشتهر واطرد أبدا. قال: (والبيض يحمل على مزايل بائضة في الحياة كدجاج ونعامة وحمام) وكذلك العصافير والإوز والبط ونحوها؛ لأنه المفهوم عند الإطلاق. والثاني: يحنث بهذه البيوض خلا بيض الحمام والعصافير. والثالث: لا يحنث إلا بيض الدجاج والإوز. والرابع: لا يحنث إلا بيض الدجاج. وفرع الماوردي على الثالث أنه يحنث بأكل بيض النعام أهل البادية دون أهل الأمصار. قال المتولي: ولا يحنث بأكل خصية الشاة وإن حلف بالعجمية, وأما المتصلب في الجوف الذي خرج بعد الموت .. فالأصح في زوائد (الروضة) الحنث بأكله. قال: (لا سمك وجراد) فإنه لا يحنث بأكل بيضهما؛ لأنه لا يؤكل منفردا, فلا ينزل اليمين عليه. قال الأذرعي: وبيض السمك هو البطارخ, فلو حلف لا يأكل بيض السمك .. حنث بالبطارخ؛ لأنه بيضه, قال: ولا يجوز أكل مصارين السمك المملوحة مع بيضة؛ لأنها محتوشة عن النجاسة. والبيض: جمع بيضة, تقول: باضت الطائر فهي بائض, ودجاجة بياضة وبيوض: إذا أكثرت البيض, ورجل بياض يبيع البيض, والبيض كله بالضاد إلا بيظ النمل فالبظاء المشالة.

وَاللَّحْمُ عَلَى نَعَمٍ وَخَيْلٍ وَوَحْشٍ وَطَيْرٍ, لَا لَحْمِ سَمَكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: لا فرق في الحنث بين أكله وحده أو مع اللحم, أو في الطبيخ إذا ظهر فيه, فأما إذا أكله في يشء لا تظهر صورته فيه كالناطف المعمول ببياضه .. لم يحنث قاله المتولي, وبه أجاب المسعودي, فسعد بالجواب لما أقفلت المسألة على شيخه القفال, فتوقف فيمن حلف لا يأكل البيض ثم لقي رجلا فحلف ليأكلن مما في كمه فإذا هو بيض, فقال المسعودي: يتخذ منه ناطفا ويأكله فيكون قد أكل ما في كمه ولم يأكل البيض, فاستحسن ذلك منه. قال: (واللحم على نعم وخيل ووحش وطير)؛ لوقع اسم اللحم عليه حقيقة, قال تعالى: {ولَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ}. والمراد بـ (النعم): الإبل والبقر والغنم. و (الخيل) من زوائده على (المحرر) وعلى (الشرح) و (الروضة) , وقد صرح به ابن الصباغ وغيره. قال: (لا لحم سمك)؛ لأنه يصح أن يقال: ما أكلت لحما, بل سمكا, ولأنه لا يفهم من الإطلاق عرفا وإن سماه الله تعالى لحما طريا, كما لا يحنث بالجلوس في الشمس إذا حلف لا يجلس في ضوء السراج وإن سماها الله تعالى سراجا, وكما لا يحنث بالجلوس على الأرض إذا حلف لا يجلس على بساط وإن سماها الله تعالى بساطا. وقيل: يحنث به؛ لظاهر الآية. وظاهر إطلاق المصنف أنه لا فرق بين المأكول وغيره, وهو في المأكول بلا خلاف, وفي غيره كالميتة والخنزير والذئب وجهان: أقواهما في زوائد (الروضة): عدم الحنث؛ لأنه يقصد باليمين المعتاد, ولأنه واقع على المأكول شرعا كالبيع والنكاح. هذا كله عند الإطلاق, فإن نوى شيئا .. حمل عليه.

وَشَحْمِ بَطْنٍ, وَكَذَا كَرِشٌ وَكَبِدٌ وَطِحَالٌ وَقَلْبٌ فِي الأَصَحِّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق بين المطبوخ والمشوي والنيء والقديد والطري. واقتصاره هنا على استثناء السمك ولم يذكر معه الجراد كما فعل في البيض يوهم الحنث بالجراد, والصواب: عدم الحنث به. ورام الرافعي تخريج خلاف فيه من الخلاف المتقدم في (باب الربا) أن الجراد هل هو من جنس اللحم؟ وخالفه المصنف فجزم في زوائد (الروضة) بعدم الحنث؛ لعدم الإطلاق لغة. قال: (وشحم بطن) , وكذلك شحم العين؛ لأنهما يخالفان اللحم اسما وصفة. وقال مالك: إذا حلف لا يأكل لحما فأكل شحما .. حنث, وإن حلف لا يأكل شحما فأكل اللحم .. لم يحنث؛ لأن اللحم مع الشحم يقع عليه اسم اللحم, واللحم لا يدخل في الشحم؛ لأن الله تعالى حرم لحم الخنزير, فتاب ذكر لحمه عن شحمه؛ لأنه دخل تحت اسم اللحم, وحرم على بني إسرائيل الشحوم بقوله: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) فلم يحرم عليم بذلك اللحم؛ لأنه لم يدخل في اسم الشحم. قال: (وكذا كرش وكبد وطحال وقلب في الأصح)؛ لصحة نفيه عنها في الحلف عند الإطلاق. والثاني: يحنث, وبه قال أبو حنيفة؛ لأنها في حكم اللحم. ولا يحنث بأكل المخ جزما. و (الكرش) بفتح الكاف وكسر الراء, ويجوز إسكانها مع كسر الكاف وفتحها, وهي من الحيوان كالمعدة للإنسان, وهي مؤنثة, وجمعها في القلة: أكراش, وفي الكثرة: كروش. و (الكبد) مؤنثة, وهي بكسر الباء, ويجوز إسكانها مع فتح الكاف وكسرها, والجمع: أكباد وأكبد كبود. و (الطحال) بكسر الطاء معروف.

وَالأَصَحُّ: تَنَاوُلُهُ لَحْمَ رَأسٍ وَلِسَانٍ وَشَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ, وَأَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الجوهري: ويقال: إن الفرس لا طحال له, وهو مثل لسرعته وجريه كما يقال للبعير: لا مرراة له؛ أي: لا جسارة له. روى البيهقي في (الشعب) [4662] عن علي أنه قال: (العقل في القلب, والرحمة في الكبد, والرأفة في الطحالة). قال: (والأصح: تناوله) يعني: اللحم (لحم رأس ولسان)؛ لصدق الاسم عليهما. والثاني: لا؛ لأنه لا يطلق عليهما إلا مضافا, والخلاف جار في لحم الخد والأكارع, لكنه جزم هنا بطريقة الوجهين. وصحح في (الروضة) تبعا لـ (الشرح) القطع بالتناول, وسكت الشيخان هنا عن الجلود, وفي (الرافعي) في (باب الربا): أنها جنس آخر غير اللحم. وذكر صاحب (الإستقصاء) هناك أنها قبل أن تغلظ وتخشن من جنس اللحم؛ لأنها لا ينتفع بها في غير الأكل فهي كسائر أجزاء اللحم, فإذا غلظت وخشنت .. كانت جنسا آخر؛ لأنه لم تجرد العادة بأكلها, وهذا متعين هنا. وقال ابن أبي عصرون: لا يحنث بقانصة الدجاج وجها واحدا؛ لأنها لا تدخل في مطلق اسم اللحم. قال: (وشحم ظهر وجنب) وهو الأبيض الذي لا يخالطه الأحمر؛ لأنه لحم سمين, ولهذا يحمر عند الهزال. والثاني: لا؛ لأنه شحم, قال تعالى: {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} , وإذا كان شحما .. كان كشحم البطن والعين, وبهذا قال أبو حنيفة ومالك. قال: (وأن شحم الظهر لا يتناوله الشحم) , وكذا شحم العين؛ لما ذكرناه كونه لحما.

وَأَنَّ الأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ لَيْسَا شَحْمًا وَلاَ لَحْمًا. وَالأَلْيَةُ لاَ تَتَنَاوَلُ سَنَامًا وَلاَ يَتَنَاوَلُهَا، وَالدَّسّمُ يَتَنَاوَلُهُمَا وَشَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ، وَلَحْمُ بَقَرٍ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يتناول؛ لما قلناه من كونه شحمًا. وقيل: إن كان الحالف عربيًا .. فهو شحم؛ لأنهم يعدون ذلك شحمًا، وإن كان عجميًا .. فهو لحم؛ لعرفهم. قال: (وأن الألية والسنام ليسا شحمًا ولا لحمًا)؛ لأنهما يخالفان كلًا منهما في الاسم والصفة. والثاني: هما لحم؛ لقربهما من اللحم السمين. والثالث: أنهما من اللحم؛ لأنهما ينبتان فيه وأشبهاه في الصلابة. وعطف المصنف يقضي قوة الخلاف، وهو قد عبر في (الروضة) بالصحيح، وحكاية الخلاف في الألية والسنام فيه توقف، إنما حكاه الماوردي وصاحب (الشامل) و (المهذب) وغيرهما في الألية خاصة. قال: (والألية لا تتناول سنامًا ولا يتناولها)؛ للمخافة في الاسم والصفة، وهذا لا خلاف فيه، فتجب قراءة الألية هنا بالرفع على الابتداء، ولا يجوز أن يكون معطوفًا على ما قبله؛ لإيهام جريان الخلاف فيه. قال: (والدسم يتناولهما وشحم ظهر وبطن وكلَّ دهن)؛ لصدق الاسم عليه. قال ابن سيده: الدسم: الودك، وقال: الودك: الدسم. وقال الجوهري: الدسم معروف، وقال: الودك: دسم اللحم. وعلى كل حال: لا يحنث بدهن السمسم، قاله البغوي، وفي معناه دهن الجوز واللوز ونحوهما، ولم يذكروا اللبن، وفي (الصحيح) [خ 211 – م 358]: أنه صلى الله عليه وسلم شربه ثم تمضمض وقال: (إن له دسمًا). قال: (ولحم بقر يتناول جاموسًا)؛ لدخوله تحت اسم البقر، ولهذا كان جنسًا واحدًا في (باب الربا)، ويكمل نصاب البقر بالجواميس في الزكاة. وفي تناول لحم البقر الوحشية وجهان: أصحهما: نعم، وقياس هذا تناول الضأن المعز؛ لأنهم جعلوها في (باب الربا) جنسًا واحدًا، وفيه نظر؛ للعرف.

وَلَوْ قَالَ – مُشِيرًا إِلَى حِنْطَةٍ -: لاَ آكُلُ هَذِهِ .. حَنِثَ بَأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحِينِهَا وَخُبْزِهَا. وَلَوْ قَالَ: لاَ آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ .. حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةٍ وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً، لاَ بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِيِنهَا وَخُبْزِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: حلف لا يأكل الميتة .. لم يحنث بالمذكى، وفي السمك والجراد وجهان: أصحهما: لا يحنث كمن حلف لا يأكل دمًا فأكل كبدًا أو طحالًا. قال: (ولو قال – مشيرًا إلى حنطة -: لا آكل هذه .. حنث بأكلها على هيئتها) بلا خلاف. قال: (وبطحينها وخبزها)؛ عملًا بالإشارة، هذا عند الإطلاق، فإن نوى شيئًا .. اعتبرت نيته. قال: (ولو قال: لا آكل هذه الحنطة .. حنث بها مطبوخة ونيئة ومقلية)؛ لوجود الاسم كما لو قال: لا آكل هذا اللحم فجعله شواء. والمراد: إذا طبخت مع بقاء حباتها، فلو عصدت أو هرست .. فلا؛ لزوال الاسم. قال: (لا بطحينها وسويقها وعجينها وخبزها)؛ لزوال اسم الحنطة، وصار كما لو زرعها وأكل حشيشها، أو لا آكل هذا البيض فصار فراخًا فأكله، هذا هو الصحيح، وفي الأربعة وجه قوي.

وَلاَ يَتَنَاوَلُ رُطَبٌ تَمْرًا وَلاَ بُسْرًا، وَلاَ عِنَبٌ زَبِيبًا، وَكَذَا الْعُكُوسُ. وَلَوْ قَالَ: لاَ آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ فَأَكَلَهُ، أَوْ لاَ أُكَلَّمُ هَذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا .. فَلا حِنْثَ فِي الأَصَحِّ. وَالْخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَأَرُزًّ وَباقِلاَءَ وَذُرَةٍ وَحِمِّصٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: من هذه الحنطة .. فكذلك، وقيل: يحنث بما يتخذ منها. ولو قال: لا آكل حنطة .. لم يحنث بالأربعة، ويحنث بها على هيئتها. قال: (ولا يتناول رطب تمرًا ولا بسرًا، ولا عنب زبيبًا، وكذا العكوس)؛ لاختلافهما اسمًا وصفة وإن كان أصلة واحدًا. قال الجوهري: البسر أوله طلع، ثم خلال بفتح الخاء المعجمة، ثم بلح، ثم بسر، ثم رطب، ثم تمر، الواحدة بُسْرًة وبُسُرة. قال: (ولو قال: لا آكل هذا الرطب فتتمر فأكله، او لا أكلم هذا الصبي فكلمه شيخًا .. فلا حنث في الأصح)؛ لزوال الاسم كما في الحنطة. والثاني: يحنث؛ لأن الذات باقية، وإنما تبدلت الصفة. وقوله: (شيخًا) مثال، فلو قال: بالغًا أو شابًا .. لدخل الشيخ من باب أولى. والخلاف جار فيما لو قال: لا أكلم هذا العبد فعتق، أو لا آكل لحم هذا السخلة أو الخروف فصار كبشًا فذبحه وأكله، أو من هذا البسر فصار رطبًا، أو العنب فصار زبيبًا، أو العصير فصار خمرًا، أو هذا الخمر فصار خلًا. قال: (والخبز يتناول كل خبز كحنطة وشعير وأرز وباقلاء وذرة وحمص)؛ لصدق الاسم على ذلك. وقيل: لا يحنث بخبز الأرز إلا بطبرستان.

وَلَوْ ثَرَدَهُ فَأَكَلَهُ .. حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَاكُلُ سَوِيقًا، فَسَفَّهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ بِإِصْبَعٍ .. حَنِثَ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَهُ .. فَلاَ، أَوْ لاَ أَشْرَبُهُ .. فَبِالْعَكْسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المتولي: يحنث بخبز البلوط أيضًا، وقد تقدم (الوكالة): حتى يتعلق بالحلف على أكل الخبز .. فلينظر منه. والذرة بالذال المعجمة لا غير. قال: (ولو ثرده فأكله .. حنث)؛ لصدق الاسم، اللهم إلا أن يصير في المرقة كالشيء الذي يتحسى فإنه لا يحنث بتحسيه. قال: (ولو حلف لا يأكل سويقًا، فسفه أو تناوله بإصبع .. حنث)؛ لأنه يعد أكلًا. والمراد بإصبع مبلولة أو حمله على إصبعه، وهذا قاعدة، وهي أن الأفعال المختلفة الأجناس كالأعيان لا يتناول بعضها بعضًا، فالأكل ليس شربًا وعكسه. قال: (وإن جعله في ماء وشربه .. فلا)؛ لأن الحلف على الأكل ولم يوجد، ولو كان خاثرًا بحيث يؤخذ بالملاعق .. فالأصح: أنه ليس بشرب. ولو حلف: لا أطعم .. تناول الأكل والشرب جميعًا. قال: (أو لا أشربه .. والعكس) فيحنث في الثانية؛ لوجود المحلوف عليه، دون الأولى؛ لأنه لم يشرب. فروع: لو حلف لا يذوق شيئًا فأدرك طعمه بوضعه في فيه أو مضغه ثم مجه ولم ينزل إلى حلقه .. حنث في الأصح، ولو ازدرده .. حنث وإن ولم يدرك طعمه، كذا قاله الغزالي، وفيه نظر. ولو حلف لا يأكل ولا يشرب ولا يذوق فأوجر في حلقه حتى وصل إلى جوفه .. لم يحنث؛ لعدم وجدان المحلوف عليه، لا للإكراه. ولو حلف لا يفطر .. انصرف إلى الأكل والوقاع ونحوهما، ولا يحنث بالردة

أَوْ لاَ يَاكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ .. حَنِثَ، أَوْ شَرِبَهُ .. فَلاَ، أَوْ لاَ شَرِبَهُ فَبِالْعَكْسِ، أَوْ لاَ يَاكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا .. حَنِثَ، وَإِنْ شَرِبَهُ ذَائِبًا .. فَلاَ، وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ .. حَنِثَ إِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً00000 ـــــــــــــــــــــــــــــ والجنون والحيض، وفي حنثه بدخول الليل خلاف بين الشيخ أبس إسحاق وابن الصباغ تقدم. قال: (أو لا يأكل لبنًا أو مائعًا آخر فأكله بخبز .. حنث)؛ لأنه كذلك يؤكل، ويدخل في اللبن: لبن الأنعام والصيد، والحليب والرائب، واللبأ، والشيراز وهو: لبن يغلي وتصير فيه حموضة، والروغ وهو: لبن نزع زبده وذهبت مائيته. ولا يحنث بأكل الجبن والأقط والمصل والقريشة. وفي وجه يحنث بجميع ما يستخرج من اللبن. قال: (أو شربه .. فلا)؛ لعدم الأكل. قال: (أو لا يشربه .. فبالعكس) فيحنث في الثانية؛ لوجود المحلوف عليه، دون الأولى؛ لعدمه. قال: (أو لا يأكل سمنًا فأكله بخبز جامدًا أو ذائبًا .. حنث)؛ لأنه فعل المحلوف عليه وزاد، فأشبه ما لو حلف لا يدخل على زيد فدخل على زيد وعمرو، وهذا هو الأصح. وقال الإصطخري: لا يخنث؛ لأنه لم يفرده في الأكل، فأشبه من حلف لا يأكل ما اشتراه زيد فأكل ما اشتراه زيد وما اشتراه عمرو. أما لو حلف لا يأكل السمن أو الزبد .. فإنه لا يحنث بالادهان. قال: (وإن شربه ذائبًا .. فلا)؛ لأنه لم يأكله. قال: (وإن أكله في عصيدة .. حنث إن كانت عينة ظاهرة)؛ لأنها مميزة في الحس، فهو قد أكل المحلوف عليه وزيادة، هذا هو المنصوص، وفيه وجه بعيد، أما إذا لم يظهر .. فلا حنث.

وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ: رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ و (العصيدة) معروفة، ويقال فيها: العصيد، سميت بذلك لأنها تعصد؛ أي: تلوى. قال: (ويدخل في فاكهة: رطب وعنب ورمان)؛ لأن الفاكهة ما يتفكه به؛ أي: يتنعم بأكله، وهذه خلقت لذلك، قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمَّانٌ}. واتفق أهل اللغة على ان ثمر النخل والرمان من الفاكهة، والعطف يقتضي المغايرة، فقال الفراء: عطفهما على الفاكهة ترغيبًا لأهل الجنة، كما عطف الصلاة الوسطى على الصلوات.

وَأُتْرُجٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال يونس بن حبيب: عطفهما لفضلهما كقوله [تعالى]: {ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكَالَ}، [وقوله]: {وإذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ومِنكَ ومِن نُّوحٍ} الآية، وهم من الأنبياء. وقال أبو حنيفة: لا يحنث بالرطب والرمان، وخالفه صاحباه واتفقوا على انه لا يحنث بالبلح. وشرط الفاكهة: النضج، فلو تناوله قبل إدراكه ونضجه وطيبه .. لم يكن حانثًا. وحلف لا يأكل العنب والرمان .. لم يحنث بشرب عصيرهما، ولا بدبسهما ولا بامتصاصهما ورمي الثفل؛ لأنه لا يسمى أكلًا. قال: (وأتراج)؛ لوقوع الاسم عليه، وهو بضم الهمزة، ويقال له: أترانج بالنون، الواحدة أتراجة، وحكي: ترنج وترنجة وهو المتك، واحدته متكة، وفسر به قوله تعالى: {وأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًا}. قال أبو داوود في (سننه): رأيت بمصر أترنجًا تشق الواحدة منها لثقلها البعيرُ. فائدة: علي ابن الحسن بن الحسين بن محمد الخلعي من أصحاب الشافعي، نسبة إلى بيع الخلع، قبره معروف في القرافة بإجابة الدعاء، كان يقال له: قاضي الجن، اخبر أنهم أبطؤوا عنه جمعة ثم أتوه فسألهم عن ذلك فقالوا: كان في بيتك شيء من هذا الأترنج، وإنا لا ندخل بيتًا هو فيه. قلت: ولهذا ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل للمؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة؛ لأن الشياطين تهرب من قلب المؤمن القارئ للقرآن، فناسب ضرب المثل به، بخلاف سائر الفواكه. وروى الطبراني [طب 22/ 339] عن حبيب بن عبد الله بن أبي كبشة عن أبيه عن جده

وَرَطْبٌ وَيَابِسٌ. قُلْتُ: وَلَيْمُونٌ وَنَبِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (كان رسول صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الترج والحمام الحمر). قال: (ورطب ويابس)؛ لوقوع ذلك عليه لغة وعرفًا، فيحنث بالتمر والزبيب والسفرجل والتفاح والإجاص والخوخ والتين والمشمش اليابس. وقال الماوردي: إن تجديد له بعد الجفاف اسم جديد كالتمر والزبيب .. لم يحنث بأكله، وإن لم يتجدد كالخوخ والمشمش والتين .. فوجهان، واستحسنه ابن الصلاح. وقال الزبير: يحنث بالموز بلا خلاف، وفي (التتمة): لا يحنث باليابس مطلقًا. قال: (قلت: وليمون)؛ لما سبق، وألحقوا به النارنج، وقيدهما الفارقي بالطريين، فالمملحان منهما ليسا فاكهة، وهو ظاهر منقاس. و (الليمون) بفتح اللام وإثبات النون في آخره، الواحدة ليمونة، والجمع ليمون، قاله في (تثقيف اللسان). والعجب أن شيخنا الشيخ شهاب الدين أنكر على المصنف في (نكته) إثبات النون وقال: المعروف: ليمون بغير نون. ولليمون خاصية عجيبة في دفع السموم. قال: (ونبق)؛ لأنه يتفكه به قال الزبيري: ولا فرق فيه بين رطبه ويابسه، قال: وكذلك العناب والزعرور. و (النبق) بفتح النون وكسر الباء: حمل السدر، الواحدة: نبقة، ويجمع على نبقات.

وَكَذَا بِطِّيخٌ وَلُبُّ فُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَغَيْرِهمَا فِي الأَصَحِّ، لاَ قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ وَبَاذِنْجَانٌ وَجَزَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا بطيخ)؛ لأن له نضجًا وإدراكًا كالفواكه، والمراد: البطيخ الأصفر. قال: (ولب فستق وبندق وغيرهما في الأصح)؛ لأنهما يعدان من يابس الفاكهة. والثاني: لا في المسألتين؛ لعدم اشتهاره في العرف. والفستق بضم الفاء وفتحها، والبندق معروف، وهو في (تهذيب الأزهري) بالفاء بدل الباء. قال: (لا قثاء وخيار وباذنجان وجزر)؛ لأنها من الخضروات لا الفواكه، فأشبهت البقل، وانفرد الغزالي بتحنيثه بالقثاء. قال ابن الفركان: ومن العجيب أن الخيار لا يكون من الفاكهة، مع أن لب الفستق والبندق من الفاكهة، والعادة جارية بجعل الخيار في أطباق الفاكهة دون لب الفستق والبندق. وفي اندراج الزيتون في الفاكهة وجهان في (البحر). وفي عطف المصنف القثاء على الخيار ما يقتضي المغايرة بينهما، لكن في (الصحاح) في موضوعين: الخيار: القثاء، وليس بعربي، فشكل على المصنف المغايرة بينهما. ومن غريب أمر القثاء: أن الحائض إذا عبرت المَقْثأة تغيرت وذبلت وفسدت. و (الباذنجان) بالذال المعجمة معروف، ولم يصح في فضل أكله شيء، ومن الموضوعات: (الباذنجان لما أكل له). قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قطعت في ثلاث مجالس ولم أجد لذلك سببًا، إلا

وَلاَ يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ يَابِسٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أُطْلِقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ .. لَمْ يَدْخُلْ هِنْدِيٌّ. والطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى ـــــــــــــــــــــــــــــ أني أكثرت من أكل الباذنجان في أحدها، ومن الباقلاء في الآخر، ومن الزيتون في الثالث. قال: (ولا يدخل في الثمار يابس والله أعلم)؛ لأن العرب لا تستعمل هذا الحرف إلا في الرطب، لكن فيه نظر من جهة العرف. وعبارة الرافعي: وذكر أنه لو حلف لا يأكل الثمار .. اختصت بالرطب، ولم تتناول الثمرة اليابسة. قال: (ولو أطلق بطيخ وتمر وجوز .. لم يدخل هندي) أي: في الجميع، فلا يدخل في البطيخ الهندي وهو الأخضر، قاله المصنف في (تصحيحه) في (البيع): ولا في التمر التمرُ الهندي، ولا في الجوز الجوزُ الهندي؛ لأنهما يختلفان صورة وطعمًا، وهذا حكاه الرافعي عن البغوي خاصة، وتبعه صاحب (الكافي). وحكى الإمام عن القاضي التحنيث بالجوز الهندي دون التمر الهندي واستحسنه؛ لأن اسم التمر لا يطلق عليه ما لم يضف إلى الهند، وقطع به في (الوجيز)، ولم يرجح في (الشرح) و (الروضة) شيئًا، ثم جزم في (المحرر) بما جزم به المصنف. وفي عدم تحنثه بالبطيخ الأخضر في عرف مصر والشام إشكال، فلعل ما قاله البغوي عرف بلادهم، ولهذا قال في (العباب): إن تسميته بالهندي لغة الفرس، وتسمية أهل اليمن والحجاز: الحَبْحَب، وكذلك خيار الشنبر لا يدخل في الخيار. قال: (والطعام يتناول قوتًا وفاكهة وأدمًا وحلوى)؛ لأن اسم الطعام يقع على الجميع بدليل قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًا لِّبَنِي إسْرَائِيلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}. ومقتضى كلامه: أنه لا يحنث بالدواء، وقد حكى الشيخان فيه وجهين بلا ترجيح، وجعله المصنف داخلًا في اسم الطعام في (باب الربا)، وأسقط الدم، والفرق بين البابين مشكل؛ لأنا إذا نظرنا إلى اللغة .. اتحدا، أو إلى العرف .. فأهله لا يسمون الفاكهة والحلوى ونحوها طعامًا.

وَلَوْ قَالَ: لاَ آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ .. تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ .. فَثَمَرٌ دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والحلوى إن قصرتها .. كتبتها بالياء، وإن مددتها .. فبالألف، وهو كل حلو، وقال الخطابي: لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة، فيخرج السكر والعسل. والحلو غير الحلوى، وصوبه المصنف في (الروضة). روى البيهقي في (الشعب) [5934] عن أبي أمامة الباهلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة). وفي (الصحيح) [خ 5216 – م 1474/ 21]: (كان صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل). ونص الشافعي في (كتاب الوكالة) على انه إذا قال: اشتر لي طعامًا .. حمل على الحنطة. والقوت محمول على ما يقتات من الحبوب والتمر والزبيب واللحم إن كان ممن يقتات ذلك، وإلا .. فوجهان، وتقدم في أول (زكاة النبات) بيان القوت، وتفسير لفظه ومعناه. قال: ولو قال: لا آكل من هذه البقرة .. تناول لحمها) كذا في (الروضة) وغيرها؛ لأن المفهوم عرفًا، ولم يبينوا هل يختص به أو يتناول الشحم والكلية والكبد وغيرهما، والذي يظهر التناول، وإنما ذكروا اللحم لإخراج اللبن والولد كما سيذكره، وفي الجلد احتمال. قال: (دون ولد ولبن)؛ حملًا على الحقيقة المتعارفة، إلا أن ينويهما كما قاله البغوي. قال: (أو من هذه الشجرة .. فثمر دون ورق وطرف غصن)؛ حملًا على المجاز

فَصْلٌ حَلَفَ لاَ يَاكُلُ هذِهِ التَّمْرَةَ، فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إِلاَّ تَمْرَةً .. لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ لَيَاكُلَنَّهَا فَاخْتَلَطَتْ .. لَمْ يَبْرَا إِلاَّ بِالْجَمِيعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المتعارف؛ لأن الحقيقة تعذرت فهجرت، والمجاز الراجح مقدم على الحقيقة المرجوحة. تتمة: حلف لا يشرب من ماء النيل أو من النيل .. حنث بالشرب منه بيده أو فيه أو في إناء، وكذلك لو كرع منه؛ خلافًا لأبي حنيفة. ولو قال: لا أشرب ماء النيل أو ماء هذا النهر أو الغدير .. لم يحنث بشرب بعضه، هذا هو الصواب، والذي وقع في (الروضة) بخط المصنف عكس ذلك سبق قلم. قال: (فصل: حلف لا يأكل هذه التمرة .. لم يحنث) لجواز أن تكون هي المحلوف عليها، والأصل براءة ذمته عن الكفارة، والورع أن يكفر؛ لاحتمال أنها غير المحلوف عليها. روي الترمذي [2518] والنسائي [8/ 327] عن الحسن بن على قال: حفظت من رسول الله صلي الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) والمراد: دع المشكوك فيه وخذ بغيره، وهذا أصل في الورع، وهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين ...). فإن تيقن أنه أكل المحلوف عليها .. حنث جزمًا. قال: (أو ليأكلنها فاختلطت .. لم يبرأ إلا بالجميع)؛ لاحتمال أن تكون المتروكة هي المحلوف عليها.

أَوْ لَيَاكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ .. فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا، أَوْ لاَ يَلْبَسُ هَذَيْنِ .. لَمْ يَحنَثْ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا .. حَنِثَ، أَوْ لاَ يَلْبَسُ هَذَا وَلآ هَذَا .. حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا، أَوْ لَيَاكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ .. فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ فِي الْغَدِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ .. حَنِثَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو ليأكلن هذه الرمانة .. فإنما يبر بجميع حبها)؛ لأن يمينه تعلقت بالجميع كما تقدم في الطلاق. وخرج بـ (الحب): القشور والشحم؛ لأن اليمين محمولة على المأكول عادة، كما لو حلف ليأكلن هذه التمرة فأكلها إلا قمعها ونواتها .. لم يحنث، ولو أكلها إلا يسيرًا منها كنقرة طائر .. حنث، خلافًا لمالك. قال: (أو لا يلبس هذين .. لم يحنث بأحدهما)؛ لأن الحلف عليهما. قال: (فإن لبسهما معًا او مرتبًا .. حنث)؛ لوجود الجميع المحلوف عليه، واستعمل المصنف (معًا) للاتحاد في الزمان، والراجح خلافه كما تقدم. قال: (أو لا يلبس هذا ولا هذا .. حنث بأحدهما)؛ لأنهما يمينان، واليمين لا ينحل، بل إذا لبس الآخر .. حنث. نعم؛ إذا قال: لا ألبس أحدهما أو واحدًا منهما، ولم يقصد واحدًا .. حنث بأحدهما وانحلت اليمين، فلا يحنث بالآخر. قال: (أو ليأكلن هذا الطعام غدًا فمات قبله .. فلا شيء عليه)؛ لأنه لم يبلغ زمن البر والحنث. وقيل على الخلاف الآتي في تلف الطعام، وهو الأشبه في (التنبيه) و (الشرح الصغير). قال: (وإن مات أو تلف الطعام في الغد بعد تمكنه من أكله .. حنث)؛ لأنه تمكن من البر ولم يفعل، فصار كما لو قال: لآكلن هذا الطعام، وتمكن من أكله فلم يأكله حتى تلف .. فإنه يحنث قطعًا، وكذلك لو تلف بعضه. وفي قول: لا يحنث؛ لأن جميع اليوم ظرف له.

وَقَبْلَهُ قَوْلاَنِ كَمُكْرَهٍ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ .. حَنِثَ، وَإِذَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ .. فَكَمُكْرَهٍ. أَوْ لأَقْضِيَنَّ حَقَّكَ عِنْدَ رَاسِ الْهِلاَلِ .. فَلْيَقْضِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَإِنْ قَدَّمَ أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ قَدْرُ إِمْكَانِهِ .. حَنِثَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والخلاف كالخلاف فيمن مات في أثناء وقت الصلاة بعد التمكن، هل يقضي أو لا، لكن الأصح هنا الحنث. قال: (وقبله .. قولان كمكره) فيأتي فيه الخلاف، والأصح: عدم الحنث. فإن قلنا: يحنث .. فهل يحنث في الحال لحصول اليأس أو بعد مجيء الغد؟ قولان، قطع ابن كج بالثاني. وفائدة الخلاف: أنه لو كان معسرًا يكفر بالصوم .. جاز أن ينوي صوم الغد عن الكفارة. وحيث أطلقوا قولي المكره .. أرادوا به ما إذا اختار الحلف ثم أكره على التحنث، أما إذا أكره على الحلف .. فلا خلاف في عدم الوقوع. قال: (وإن أتلفه بأكل وغيره قبل الغد .. حنث)؛ لأنه فوت البر باختياره، ولكن الأصح: أنه يحنث في الغد، لا عند أكل شيء منه. وصحح البغوي أنه يحنث إذا مضى من الغد وقت إمكان الأكل. قال: (وإذا تلف أو أتلفه اجنبي .. فكمكره)؛ لفواته بغير اختياره، والأصح: عدم الحنث. قال: (أو لأقضين حقك عند رأس الهلال .. فليقض عند غروب الشمس في آخر الشهر)، وكذا لو قال: مع أو عند رأس الشهر، أو عند الاستهلال، أو أول الشهر .. فهذه الألفاظ تقع على أول جزء من الليلة الأولى منه، ولفظتها (عند) و (مع) تقتضيان المقارنة. قال: (فإن قدم أو مضى بعد الغروب قدر إمكانه .. حنث)؛ لتفويته البر على نفسه، وينبغي أن يعد المال ويترصد ذلك الوقت فيقضي فيه.

وّإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ حِنَئِذٍ وَلَمْ يَفْزُغْ لِكْثْرَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ .. لَمْ يَحْنَثْ .. أَوْ لاَ يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا .. فَلاَ حِنْثَ، أَوْ لاَ يُكَلَّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ .. حَنِثَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: له فسخه في الليلة الأولى ويومها، ويروى عن أبي حنيفة ومالك. وقال الإمام والغزالي: المحلوف عليه في هذه المسألة لا يكاد يقدر عليه، فإما أن يتسامح به ويقضي بالممكن، أو يقال: التزم محالًا فيحنث بكل حال، ولا ذاهب إليه. قال: (وإن شرع في الكيل حينئذ ولم يفرغ لكثرته إلا بعد مدة .. لم يحنث)، وكذلك إذا شرع في أسباب القضاء ومقدماته كحمل الميزان، فلو أخر القضاء عن الليلة الأولى للشك في الهلال .. ففيه قولا حنث الناسي. قال: (أو لا يتكلم فسبح أو قرأ قرآنًا .. فلا حنث)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم [537]. ولأن القراءة إنما تسمى كلامًا مع الإضافة، ولم يتناول اليمين المطلقة كما لو حلف لا يدخل بيتًا فدخل مسجدًا، وسواء كان ذلك في الصلاة أو خارجها. وقال أبو حنيفة: إن قرأ خارج الصلاة .. حنث؛ لأن القراءة كلام الله تعالى، فإذا قرأه .. كان متكلمًا. لنا: أن الكلام في العرف ينصرف إلى كلام الآدميين. وفي التسبيح والدعاء وجه: أنه يحنث به؛ لأنه مباح للجنب، فأشبه سائر الكلام. وروى مسلم [2137] عن سمرة بن جندب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت). وقال الجيلي: لو حلف لا يسمع كلام زيد، فسمعه يقرأ .. لم يحنث. قال: (أو لا يكلمه عليه .. حنث)؛ لأنه كلمه، كما يزول تحريم الهجران به.

وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا .. فَلاَ فِي الْجَدِيدِ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا مَقْصُودَهُ وَقَصَدَ قِرَاءَةً .. لَمْ يَحْنَثْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وألحق به الرافعي ما لو سلم من صلاة والمحلوف عليه من المأمومين به، وقد سبق ما فيه من الإشكال. ولا بد أن يسمعه، فلو كلمه وهو أصم .. لم يحنث في الأصح، فلو تكلم بشيء فيه تعريض له ولم يواجهه .. لم يحنث كما سيأتي في خاتمة الباب. قال: (وإن كاتبه أو راسله أو أشار إليه بيد أو غيرها .. فلا في الجديد) وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه يصدق نفي الكلام عنه فيقال: ما كلمه بل كاتبه أو راسله أو أشار إليه، قال تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنسِيًا} {فَأَشَارَتْ إلَيْهِ}، وسواء أشار الناطق أو الأخرس، وإنما جعلنا إشارته كنطقه في المعاملات للضرورة. والقديم – وبه قال مالك وأحمد: يحنث بذلك بدليل قوله تعالى: {لاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ رَمْزًا}، ولقوله تعالى: {ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلاَّ وحْيًا أَوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}، فاستثنى الرمز والرسالة من التكلم، فدل على أنهما منه. قال: (وإن قرأ آية أفهمه بها مقصوده وقصد قراءة .. لم يحنث)؛ لأنه لم يكلمه. وإن فتح عليه في صلاته بتسبيح أو قراءة آية وكان مقتديًا به .. لم يحنث كما جزم به الشيخان وغيرهما، وهذا يؤيد ما تقدم في (شروط الصلاة): أن القارئ إذا قصد الرد المجرد على الإمام لا تبطل صلاته. فرع: سبق في النشوز أن هجران المسلم فوق ثلاثة أيام حرام إذا كان لحظوظ النفوس وتعنتات أهل الدنيا، فأما إذا كان المهجور مبتدعًا أو متجاهرًا بالظلم أو الفسق .. فلا تحرم مهاجرته أبدًا، وكذا إذا كان في المهاجرة مصلحة دينية، أو كان فيه صلاح لدين المهاجر أو المهجور .. فلا يحرم.

وَإِلاَّ .. حَنِثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن مكالمتهم. ورأيت بخط ابن الصلاح: أن سعد بن أبي وقاص هاجر عمار بن ياسر حتى مات، وأن عائشة كانت مهاجرة لحفصة، وعثمان هجر عبد الرحمن بن عوف إلى أن مات، وطاووس هجر وهب بن منيه غلى أن مات، وكذلك الحسن وابن سيرين، وهجر سعيد بن المسيب اباه فلم يكلمه إلى أن مات، وكان أبوه زياتًا، وكان الثوري يتعلم من ابن أبي ليلى ثم هجره، ومات ابن أبي ليلى ولم يشهد الثوري جنازته. قال: (وإلا .. حنث) أي: إذا لم يقصد القراءة بل الإفهام .. يحنث؛ لأنه كلمه، ولهذا تبطل الصلاة بمثل ذلك. ويدخل في كلام المصنف حالة الإطلاق، وقد تقدم في الصلاة البطلان بها أيضًا، لكن في تخريج هذا عليه نظر. فرع: في (المبتدأ) للروياني: لو قيل له: كلم زيدًا اليوم، فقال: والله لا كلمته .. انعقدت يمينه على الأبد إلا أن ينوي اليوم، فإن كان في طلاق وقال: أردت اليوم .. لم يقبل في الحكم. قال المصنف: الصواب: قبوله في الحكم. وخالف البغوي والروياني فيما إذا ادعاه، وقالا: يتقيد اليمين بالحالة الراهنة؛ للعرف. تتمة: حلف ليثنين على الله بأجل الثناء وأعظمه .. قال المتولي: طريق البر أن يقول: سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، قال: ولو قال:

أَوْ لاَ مَالَ لَهُ .. حَنِثَ بُكُلَّ نَوْعٍ وَإِنْ قَلَّ، حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ، وَمُدَبَّرٍ، وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ، وَمَا وَصَّى بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأحمدن الله بمجامع الحمد أو بأجل المحامد .. فطريقه أن يقول: الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. قال المصنف: وليس للمسألتين دليل يعتمد. ولو قال: لأصلين على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة عليه .. فليقل: اللهم؛ صل على محمد كلما ذكره الذاكرون وسها عن ذكره الغافلون؛ لأن الشافعي كان يستعمل هذه الكيفية كثيرًا. قال المصنف والصواب الذي ينبغي أن يجزم به: أن أفضل الصلاة ما يقال عقب التشهد في الصلاة، وفيما قاله نظر. قال: (أو لا مال له .. حنث بكل نوع وإن قل، حتى ثوب بدنه) أي: الذي لا يسلبه اسم الفقر؛ لوجود حقيقة المال في ذلك، قال تعالى: {ولا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وهو يتناول الجليل والحقير. وقال أبو حنيفة: يختص بالمال الزكوي؛ لنه عرف الشرع. وقال مالك: يختص بالذهب والفضة دون غيرهما. واقتضى إطلاق المصنف: أنه يحنث بالمنافع؛ لأنهم قسموا المال إلى منافع وأعيان، لكن الأصح: أنه لا يحنث بها؛ لأنها لا تفهم في العرف بذلك. وقوله: (حتى ثوب بدنه) مجرورة عطفًا على ما تقدم، وهي من زياداته على (المحرر). قال: (ومدبر، ومعلق عتقه، وما وصى به)؛ لأنه ملكه.

وَدَيْنٍ حَالٍّ، وَكَذَا مُؤَجَّلٌ فِي الأَصَحِّ، لاَ مُكَاتَبٌ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ودين حال)، هذا إذا كان على مليء مقر؛ لأنه متى شاء .. أخذه كالمودع له عند إنسان. وفيه وجه مخرج من قولنا: لا زكاة في الدين، وأفهم أنه إذا كان معسر .. لا يحنث. وقال الرافعي: فيه وجهان: أقواهما: الحنث، ورجح المتولي المنع، وأجرى الوجهان في الدين على الجاحد. قال: (وكذا مؤجل في الأصح)؛ لأنه ثابت في الذمة يصح الإبراء منه والاعتياض عنه، وأما عدم المطالبة به .. فلا يخرجه عن كونه مالًا، كما لو أجر داره وسلمها .. لم تكن له المطالبة بها وهي ماله. وقال أبو حنيفة: لا يحنث بالدين حالًا كان أو مؤجلًا. والوجه الثاني: المنع؛ لأنه غير موجود، وهذا اختاره ابن أبي هريرة وصرح بأنه غير مملوك له، وزيفه الإمام، سواء كان الذي عليه معسرًا أو موسرًا، وقيل بالمنع في المعسر، والوجه: الجزم بأنه إذا كان على الجاحد المليء بينة .. يحنث كما لو كان له مال مغصوب يمكنه انتزاعه بنفسه أو بغيره كما صرح به المتولي. قال: (لا مكاتب في الأصح)؛ لعدم قررته على كل التصرفات فيه، فهو كالخارج عن ملكه. والثاني: يحنث؛ لبقاء الملك. والمراد: المكاتب كتابة صحيحة، أما الفاسدة .. فيحنث به. ويحنث بالآبق والمغصوب، وبأم الولد في الأصح؛ لأن رقبتها مملوكة للسيد، وله منافعها وأرش جناية عليها. وفي (الشرح) و (الروضة) عن (البيان) طريقة قاطعة بانه لا يخنث بالمكاتب، والذي نقلاه عن (البيان) إنما هو في مسالة ما لو حلف: لا عبد له وله مكاتب، وهي مسألة حسنة فيها وجهان من غير ترجيح. والخلاف في المكاتب مفرع على ثلاثة اوجه حكاها ابن الرفعة: أن المكاتب هل

أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ .. فَالْبِرُّ بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا، وَلاَ يُشْتَرَطُ إِيلاَمٌ، إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: ضَرْبًا شَدِيدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ هو مملوك للسيد أو لنفسه أو لا مالك له ككسوة الكعبة؟ وقال في (الحاوي الصغير): الغصب: الاستيلاء على مال غير مستولدة ومكاتب ظلمًا، فيؤخذ منه أن المكاتب مال. واجاب عنه الشارحون بأن الأيمان مبينة على العرف، وهو جواب ضعيف. ولو حلف لا ملك له وفي نكاحه زوجة .. لم يحنث، وبناه المتولي على أن النكاح عقد ملك أو عقد حل، فإن قلنا بالأول .. حنث. قال في (الروضة): المختار: أنه لا يحنث إذا لم تكن له نية؛ لأنه لا يفهم منه أن الزوجة مال. وينبغي أن لا يحنث بالكلب والسرجين وغيرهما من النجاسات، ولا بالزيت النجس. قال: (أو ليضربنه) أي: وأطلق (.. فالبر بما يسمى ضربًا)؛ لصدق الاسم، فلا يحصل بوضع اليد ورفعها، ولا بالشتم والسب بلا إشكال. وقال مالك: يحنث بكل ما آلم القلب من أقوال وأفعال. ولو مات المحلوف عليه فضربه بعد الموت .. لم يتخلص من يمينه، وإن أغمي عليه أو سكر وضربه بر. قال: (ولا يشترط إيلام)؛ لأنه يقال: ضربه فلم يؤلمه، ويخالف الحد والتعزير؛ فالإيلام فيهما مشترط؛ لأن المقصود منهما الزجر. قال الرافعي: وفيه وجه: أنه يشترط الإيلام، وقد ذكرناه في (الطلاق)، والذي سبق في (الطلاق) في (الروضة) تصحيح اشتراطه، وفي (الشرح) هناك: أنه الأشهر. قال: (إلا أن يقول: ضربًا شديدًا) فيتعلق البر حينئذ بالإيلام بلا خلاف، وكذلك الحكم لو قال: ضربًا مبرحًا.

وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ وَعَضٌّ وَخَنِقٌ وَنَتْفُ شَعَرٍ ضَرْبًا، قِيلَ: وَلاَ لَطْمٌ وَوَكْزٌ. أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِئَةَ سَوْطٍ أَوْ خَشَبَةٍ، فَشَدَّ مِئَةً وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً، أَوْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِئَةُ شِمْرَاخٍ .. بَرَّ إِنْ عَلِمَ إِصَابَةَ الْكُلِّ، أَوْ تَرَكَمَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ أَلَمُ الْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن سيده والجوهري: الضرب المبرح: الشديد. قال: (وليس وضع سوط عليه وعض وخنق ونتف شعر ضربًا)؛ لأنه لا يسمى بذلك عرفًا، وقد توقف المزني في العض؛ لحصول الإيلام به. وقال أبو حنيفة وأحمد: يحنث بكل ذلك؛ لأن الغرض الإيلام وقد حصل. قال: (قيل: ولا لطم ووكز)؛ لأنه لا يسمى ضربًا عادة، إذ الضرب إنما يطلق على ما كان بآلة مستعملة فيه. والأصح: أنهما ضرب؛ لأنه يقال: ضربه بيده وإن تنوعت أسماء الضرب، والرافعي والمصنف جزما في (الطلاق) بما صححاه هنا، ولم يحكيا فيه خلافًا. و (اللطم): الضرب على الوجه بباطن الراحة. و (الوكز): الضرب باليد مطبقة، قال تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}، وقرأ ابن مسعود: (فلكزه) والمعنى واحد. وقيل: الوكز في جميع الجسد، واللكز في الصدر خاصة. قال: (أو ليضربنه مئة سوط أو خشبة، فشد مئة وضربه بها ضربة، أو بعثكال) أي: عرجون (عليه مئة شمراخ .. بر إن علم إصابة الكل، او تراكم بعض على بعض فوصله ألم الكل)؛ لقوله تعالى: {وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ ولا تَحْنَثْ}. وقد تقدم في (باب حد الزنا) ما رواه أبو داود في (سننه) [4467]: أن رجلًا من الأنصار اشتكى حتى أضنى، فدخلت إليه أمة لغيره، فهش لها فوقع عليها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مئة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة، ولأن ضرب المئة قد حصل. وقيل: لابد من ملاقاة الجميع لبدنه أو ملبوسه، ولا يكفي التحامل.

قُلْتُ: وَلَوْ شَكَّ فِي إِصَابَةِ الْجَمِيعِ .. بَرَّ عَلَى النَّصِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: ما ذكره الشيخان من البر في الخشبة تبعا فيه البغوي والفوراني والإمام والغزالي، ووقع كذلك في (النهاية) وبعض كتب الخراسانين، واعترض عليهم بأن لفظ الخشبة لا يصدق على الشماريخ ولا يصح، إلا أن يحمل على عرف جرت عادة أهله بإطلاق الخشب على عيدان الشماريخ. وفي (النهاية) عن جماهير الأصحاب فيما إذا قال: مئة سوط: أنه لا يبر بالشماريخ؛ لأنها لا تسمى سياطًا، والشافعي فرض المسألة فيما إذا حلف ليضربن عبده بها، ووقائع الأعيان لا تعم. الثاني: قوله: (وصله ألم الكل) هي عبارة (المحرر)، وهي تنافي قوله قبل ذلك: (لا يشترط الإيلام). وعبارة (الروضة) و (الشرحين): (ثقل الكل) وهو أحسن، وقد تقدمت المسألة في (الطلاق)، وإدخال الألف واللام على (كل) قليل كما تقدم. قال: (قلت: ولو شك في إصابة الجميع .. بر على النص والله أعلم)، عملًا بالظاهر وهو الإصابة؛ لإطلاق الآية. وقال أبو حنيفة والمزني: لا يبر؛ لأن الأصل عدم الإصابة ما لم يتيقن. والجواب: أن غلبة الظن أجريت في الحكم مجرى اليقين كما نحكم بخبر الواحد والقياس بغلبة الظن. وفي المسألة قول مخرج من نصه على الحنث فيما إذا حلف ليدخلن الدار اليوم إلا أن يشاء زيد، فلم يدخل ومات زيد ولم يعلم مشيئته .. فإنه يحنث، والأصح: تقرير النصين. والفرق: أن الضرب سبب ظاهر في الانكداس، فيكتفي به، وأما المشيئة .. فالأصل عدمها؛ إذ لا دليل عليها. والثاني: في المسألة قولان، بالنقل والتخريج، وشبه القولان بالقولين في إعتاق العبد المنقطع الخبر عن الكفارة.

أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِئَةَ مَرَّةٍ .. لَمْ يَبَرَّ بِهَذَا، أَوْ لاَ أُفَرِقُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ، فَهَرَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ .. لَمْ يَحْنَثْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (التنبيه): وإذ لم يتحقق بر .. فالورع أن يكفر، كذا يوجد في كثير من النسخ، وعليها شرح الشراح. قال المصنف: والصواب الذي ضبطناه عن نسخة المصنف: لم يبر، وهو المخرج. ثم إذا قلنا بعدم الحنث .. فالورع أن لا يضربه ليبر، بل يكفر عن يمينه. فإن قيل: المصنف جزم في (باب حد الزنا) بأنه إذا شك في إصابة الجميع بعدم سقوط الحد، ولم يحك فيه خلافًا، وهنا نقل عن النص خلافه .. قلنا: الفرق أن الحد يتعلق به الإيلام بالجميع ولم يتحقق، وهنا المعتبر الاسم وقد وجد. قال: (أو ليضربنه مئة مرة .. لم يبر بهذا) أي: لا يبر بضربه بعثكال عليه مئة شمراخ، ولا بمئة غصن، ولا بمئة سوط مشدودة ضربة واحدة؛ لأنه لم يضربه إلا مرة واحدة، وكذا لو حلف ليضربنه مئة ضربة على الأصح؛ لأن الجميع يسمى ضربة واحدة، بدليل ما لو رمى في الجمار بالسبع دفعة واحدة. وكلام الإمام يفهم أن شيخه شرط على هذا توالي الضربات. قال ابن الصلاح: وينبغي أن لا يشترط، والوجه المقابل لكلام المصنف: أنه يحصل بكل ضربة. قال: (أو لا أفارقك حتى أستوفي، فهرب ولم يمكنه اتباعه .. لم يحنث)؛ لأنه حلف على فعل نفسه، فلا يحنث بفعل غيره. وقيل: على قولي الإكراه. والمراد بـ (المفارقة): المؤثرة في البيع اللزوم إذا كان بالأبدان كما صرح به

قُلْتُ: الصَّحِيحُ: لاَ يَحْنَثُ إِذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ فَارَقَهُ، أَوْ وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ وَكَانَا مَاشِيَيْنِ، أَوْ أَبْرَأَهُ، أَوْ احْتَالَ عَلَى غَرِيمٍ ثُمَّ فَارَقَهُ، أَوْ أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ .. حَنِثَ، وَإِنِ اسْتَوْفَى وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ نَاقِصًا: إِنْ كَانَ جِنْسَ حَقِّهِ لَكِنَّهُ أَرْدَأُ .. لَمْ يَحْنَثْ، وإِلاَّ .. حَنِثَ عَالِمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الغزالي والمارودي وابن الصباغ والمحاملي وغيرهم. قال: (قلت: الصحيح: لا يحنث إذا أمكنه اتباعه والله أعلم)؛ لأنه حلف على فعل نفسه، فلا يحنث بفعل غيره، والمصنف استدراك هذا على المفهوم؛ فإنه قيد عدم الحنث بعدم إمكان الاتباع، فيفهم الحنث عند إمكانه. وقال ابن كج: يحنث إذا أذن له. وقيل: يحنث إذا أمكنه منعه، قاله الصيدلاني. وقيل: يحنث إذا أمكنه متابعته. قال: (وإن فارقه، أو وقف حتى ذهب وكانا ماشيين، أو أبرأه، أو احتال على غريم ثم فارقه، أو أفلس ففارقه ليوسر .. حنث)؛ لأن المفارقة منسوبة إليه في المسألتين الأوليين، وفي الثالثة فوت البر باختياره، وفي الرابعة وهي ما إذا أحاله الغريم، وكذا إذا احتال عليه، فلأن الحوالة وإن قلنا: هي استيفاء فليست استيفاء حقيقة؛ إنما هي كالاستيفاء في الحكم، اللهم إلا أن ينوي أن يفارقه وذمته مشغولة بحقه .. فحينئذ ينبني الأمر على ما قصده ولا يحنث، قاله المتولي. وأما في الخيرة .. فلوجود المفارقة وإن كان تركه واجبًا، كما لو قال: لا أصلي الفرض فصلى .. حنث وإن كانت الصلاة واجبة عليه شرعًا. قال: (وإن استوفى وفارقه فوجده ناقصًا: إن كان جنس حقه لكنه أردأ .. لم يحنث)؛ لأن الرداءة لا تمنع الاستيفاء. قال: (وإلا) أي: وإن كان غير جنس حقه؛ بأن كان حقه دراهم فوجد المأخوذ فلوسًا أو مغشوشًا. قال: (.. حنث عالم)؛ لأنه فارقه قبل استيفاء الحق.

وَفِي غَيْرِهِ الْقَوْلاَنِ. أَوْ لاَ أَرَى مُنْكَرًا إِلاَّ رَفَعْتُهُ إِلَى الْقَاضِي، فَرَأَى وَتَمَكَّنَ فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى مَاتَ .. حَنِثَ – وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ، فَإِنْ عُزِلَ .. فالْبَرُّ بِالرَّفْعِ إِلَى الثَّانِي – أَوْ إِلاَّ رَفَعْتُهُ إِلَى قَاضٍ .. بَرَّ بِكُلَّ قَاضٍ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي غيره القولان) أي: قولا حنث الناسي، وكذلك الحكم لو استوفى حقه ثم وجد به عيبًا .. لا يخرجه عن إطلاق الاسم، لكن أرشه كثير لا يسمح به، فإن علم بذلك قبل التفرق .. حنث، أو بعده .. خرج على قولي المكره، وإن كان الأرش قليلًا .. لم يحنث. فإن قيل: نقصان القدر وإن قل يوجب الحنث، فهلا أوجبه عيب قليل الأرش؟ .. قلنا: لأن نقص القدر محقق والأرش مظنون. فإن قيل: فلا تحنثوه إذا كثر الأرش .. قيل: لأن الظن يقوى إذا كثر ويضعف إذا قل، قاله الماوردي. قال: (أو لا أرى منكرًا إلا رفعته إلى القاضي، فرأى وتمكن فلم يرفع حتى مات .. حنث)؛ لتفويته البر باختياره، فإن لم يتمكن .. فخلاف المكره، ولا تلزمه المبادرة إلى الرفع، بل له المهلة مدة عمره وعمر القاضي، فمتى رفعه إليه .. بر. ولا يشترط في الرفع أن يذهب إليه مع صاحب المنكر، بل يكفي أن يحضر عند القاضي وحده فيخبره، أو يكتب إليه بذلك، أو يرسل رسولًا فيخبره. قال: (ويحمل على قاضي البلد، فإن عزل .. فالبر بالرفع إلى الثاني)؛ لأن التعريف بـ (أل) يرجع إليه. وقيل: لا يختص به، بل يرفع إلى أي قاض كان، وتكون الألف واللام للجنس. فإن كان في البلد قاضيان .. فيرفع إلى من شاء منهما، فإن كان كل منهما في جانب .. فيظهر أن يتعين قاضي الشق الذي فيه فاعل المنكر، كذا في (الجواهر)، وفيه نظر. قال: (أو إلا رفعته إلى قاض .. برَّ بكل قاض)، سواء كان في تلك البلد أو غيرها.

أَوْ إِلَى الْقَاضِي فُلاَنٍ فَرَآهُ ثُمَّ عُزِلَ: فَإنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا .. حَنِثَ إِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَتَرَكَهُ، وَإِلاَّ .. فَكَمُكْرَهٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ .. بَرَّ بالرَّفْعِ إِلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو إلى القاضي فلان فرآه ثم عزل: فإن نوى ما دام قاضيًا .. حنث إن أمكنه رفعه فتركه)؛ لتفويته البر باختياره، كذا في (المحرر). والذي في (الروضة): إذا عزل .. لم يبر بالرفع إليه وهو معزول ولا يحنث وإن كان يمكنه؛ لأنه ربما ولي ثانيًا، واليمين على التراخي، فغن مات احدهما قبل أن يولى .. بان الحنث. أما إذا لم يعزل ولم يرفع إليه حتى مات أحدهما بعد التمكن .. حنث، فإن لم يتمكن فقولا المكره، فالذي في (المنهاج) محله في (الروضة) في الموت دون عزل، وأما العزل فجزم بعدم الحنث فيه حتى يموت احدهما فيتبين الحنث. قال: (وإلا .. فكمكره) فيأتي فيه القولان. قال: (وإن لم ينو .. بر بالرفع إليه بعد عزله)؛ لتعلقه بالعين، وإن أطلق .. فوجهان؛ لتقابل العين والصفة، والأصح: أنه يبر بالرفع إليه بعد العزل تغليبًا للعين. و (فلان): كناية عن اسم علم لمن يعقل، ومعناه واحد من الناس، كما أن (فُلُ) كناية عن نكرة من يعقل، تقول: يا فل، معناه: يا رجل، وهو محذوف النون لا على سبيل الترخيم، ولو كان ترخيمًا .. لقالوا: يا فلان، وربما قيل ذلك في غير النداء للضرورة، قال أبو النجم [من الرجز]: في لجة امسك فلانًا عن فُلِ. تتمة: رأى المنكر بين يدي القاضي المرفوع إليه .. قال في (الوسيط): لا معنى للرفع إليه وهو يشاهده، وقال المتولي: إنما يحصل البر بأن يخبره. ولو رآه الحالف بعد اطلاع القاضي عليه .. فوجهان: احدهما: انه فات البر بغير اختياره، فيكون على القولين.

فَصْلٌ: حَلَفَ لاَ يَبِيعُ أَوْ لاَ يَشْتَرِي، فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ .. حَنِثَ – وَلاَ يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ - ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصحهما – وبه اجاب البغوي-: أنه يبر بالإخبار. وفي الأحوال الثلاثة لو لم ير الحالف منكرًا حتى مات .. فلا شيء عليه، وفي حال تعيين القاضي لو لم ير منكرًا حتى مات القاضي .. فكذلك لا شيء عليه، ولو رآه بعد عزله فغن نوى الرفع إليه في حال القضاء .. فلا شيء عليه، وإن قصد غيره .. فليخبره. قال: (فصل: حلف لا يبيع او لا يشتري، فعقد لنفسه أو لغيره) أي: عقدًا صحيحًا بولاية أو وكالة (.. حنث) أما عقده لنفسه .. فبلا خلاف؛ لصدور الفعل منه، وأما لغيره .. فعلى الصحيح؛ لأن إطلاق اللفظ يشملها. وقيل: لا؛ لانصراف العقد لغيره. وقيل: إن أضاف العقد للموكل .. لم يحنث؛ لأنه حلف على الشراء المطلق، وعند التصريح بالسفارة لغيره لم يحصل، وإن نواه .. حنث. ثم إن مطلق الحلف على العقود ينزل على الصحيح، فلا يحنث بالفاسد، وقد تقدم في نكاح العبد أن الشافعي عمم هذه القاعدة إلا في مسألة واحدة، وهي ما إذا أذن لعبده في النكاح فنكح فاسدًا .. فإنه أوجب فيه المهر كما في النكاح الصحيح على قول. هذا إذا أطلق اليمين، فإن أضاف فيها العقد إلى ما لا يقبله كما لو حلف لا يبيع الخمر أو المستولدة فأتى بصورة البيع، فإن قصد أن لا يورد صيغة العقد عليها .. حنث، وإن أطلق .. لم يحنث. قال: (ولا يحنث بعقد وكيله له)، سواء كان مما يتولاه الحالف بنفسه عادة أم لا؛ لأنه لم يفعل.

أوْ لاَ يَتَزَوَّجُ أَوْ لاَ يُطَلِّقُ أَوْ لاَ يَعْتِقُ أَوْ لاَ يَضْرِبُ، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ .. لَمْ يَحْنثْ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ لاَ يَفْعَلَ هُوَ وَلاَ غَيْرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الربيع قولًا فيمن لا يتولى ذلك الشيء بنفسه كالسلطان ونحوه: أنه يحنث للعرف. واختلفوا هل هو من كسبه او ليس من كسبه؟ وإلى هذا ذهب مالك رحمه الله تعالى، قال ابن الصلاح: ولا ينبغي التسامح مع العامة بإطلاق عدم الحنث؛ فإنهم لا يعرفون الفرق بين مباشرة العقد والتسبب إليه في إطلاقهم. قال: (أو لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يعتق أو لا يضرب، فوكل من فعله .. لم يحنث)؛ لأنه حلف على فعله ولم يفعل، سواء كان ممن يتعاطى ذلك بنفسه قطعًا او جرت عادته فيه بالاستنابة على الأصح. هذا إذا كان المحلوف عليه يتعاطاه الحالف وغيره كما مثله المصنف، فإن كان لا يتعاطاه في العرف العام إلا بالمباشرة دون الأمر كحلق العانة .. لم يحنث بفعل غيره قطعًا. وجعل الماوردي منه: لا قرأت ولا كتبت ولا حججت ولا اعتمرت. وإن كان لا يمكن إلا بالأمر كالحلف على الاحتجام والفصد وحلق الرأس .. حنث بالأمر؛ لأنه لا يمكن إلا كذلك. وصحح الرافعي في (كتاب الحج) في مسألة الحلق خلاف ما صححه هنا. قال: (إلا أن يريد أن لا يفعل هو ولا غيره) عملًا بإرادته، قال الرافعي: كذا أطلقوه مع قولهم: إن اللفظ حقيقة لفعل نفسه، واستعماله في المعنى الاخر مجاز، ففي هذا استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز جميعًا، وهو مستبعد عند أهل الأصول، قال: والأولى أن يؤخذ معنى مشترك بين الحقيقة والمجاز فيقال: إذا نوى أن لا يسعى في تحقيق ذلك الفعل .. حنث بمباشرته وبالأمر به؛ لشمول المعنى، وإرادته هذا المعنى إرادته المجاز وحده.

أَوْ لاَ يَنْكِحُ .. حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لاَ بِقَبُولِهِ هُوَ لِغَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الروضة): هذا الذي ذكره الرافعي حسن، والأول صحيح على مذهب الشافعي وأصحابنا المتقدمين في جواز إدارة الحقيقة والمجاز بلفظ واحد. مهمة: حلف لا يبيع لزيد مالًا فوكل الحالف رجلًا بالبيع وأذن له في التوكيل فوكل الرجل زيدًا حتى باع .. جزم الشيخان بحنث الحالف، سواء علم زيد أم لا؛ لأن اليمين منعقدة على نفي فعله، وقد فعل زيد باختياره. والصواب الجاري على القواعد: أنه إن كان ذلك الغير لا يأتمر بائتماره .. يحنث، وإن كان يأتمر بأمره .. فعلى القولين في الناسي، وينبغي أن يستثني من ذلك: ما إذا كان قد وكل قبل يمينه .. ففي (فتاوى القاضي حسين): أنه إذا حلف لا يبيع أو لا يهب ولا يوكل وكان قد وكل قبل ذلك ببيع ماله، فباع الوكيل بعد يمينه بالوكالة السابقة .. لم يحنث؛ لأنه بعد اليمين لم يباشر ولم يوكل. قال: (أو لا ينكح .. حنث بعقد وكيله له)، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن الوكيل في النكاح سفير محض. وفي وجه: لا يحنث؛ لأنه لم يفعل، وسواء جرت عادته بالتوكيل فيه أم لا، وصححه في (التنبيه)، وأقره المصنف عليه، ولم يصحح في (الشرح) و (الروضة) شيئًا. ومثله: لو حلف لا يطلق أو لا يعتق فوكل غيره ففعله. وفي وجه: إن كان ممن عادته التوكيل .. حنث في الثلاث اعتبارًا بعادته. قال: (لا بقبوله هو لغيره)؛ لأن النكاح تجب إضافته إلى الموكل، فلا يحنث به الوكيل، ولأنه لا يطلق عليه أنه تزوج. هذا إذا اطلق، فإن نوى لا يفعله هو ولا غيره .. فكما سبق، فكان ينبغي للمصنف تأخير الاستثناء إلى هنا.

أَوْ لاَ يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ فَبَاعَهُ بِإِذْنِهِ .. حَنِثَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، أَوْ لاَ يَهَبُ لَهُ فَأَوْجَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ .. لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إِنْ قَبِلَ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الأَصَحِّ، وَيَحنَثُ بِعُمْرَى وَرُقْبَى، وَصَدَقَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو لا يبيع مال زيد فباعه بإذنه .. حنث)؛ لصدق الاسم، وكذلك لو باعه بإذن الحاكم لحجر أو امتناع. قال: (وإلا .. فلا)؛ لفساد البيع. وذكره (البيع) مثال، وإلا .. فسائر العقود لا تتناول إلا الصحيح، وكذلك العبادات إلا الحج؛ فإنه يحنث بفاسده، ولا يستثنى غيره. قال: (أو لا يهب له فأوجب له فلم يقبل .. لم يحنث)؛ لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض. وقال ابن سريج: يحنث؛ لأنه يقال وهبه فلم يقبل. قال الإمام: ولا شك انهم يطردون هذا الخلاف في البيع وغيره. قال: (وكذا إن قبل ولم يقبض في الأصح)؛ لأن نقل الملك لم يوجد. والثاني: يحنث؛ لأن الهبة قد حصلت والمختلف الملك. والذي صححه المصنف تبع فيه (المحرر)، وصححه في زوائد (الروضة)، ولم يصحح في (الشرح) شيئًا، بل نقل تصحيح الأول عن المتولي والثاني عن البغوي. وأفهمت عبارته: أنه إذا قبضها .. يحنث بلا خلاف، لكن متى يحنث؟ فيه وجهان في (الحاوي): أحدهما: حالة القبض؛ لأن الملك حصل به. والثاني: أن القبض دال على الملك حالة الهبة، فعلى هذا يكون حانثًا من وقت العقد. قال: (ويحنث بعمري ورقبي، وصدقة) أي: صدقة تطوع على الصحيح في الثلاثة؛ لأنها أنواع من الهبة كما تقدم في بابها، فكل صدقة هبة ولا ينعكس.

لاَ إِعَارَةٍ، وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ. أَوْ لاَ يَتَصَدَّقُ .. لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يحنث بالعمرى والرقبى دون الصدقة؛ لأن الهبة والصدقة تختلفان اسمًا وحكمًا، فإن الصدقة حرام على النبي صلى الله عليه وسلم دون الهبة. وأما الزكاة وصدقة الفطر .. فلا يحنث بهما، وتردد فيهما القفال. والكفارات كالزكوات، صرح به الماوردي. قال: (لا إعارة)؛ إذ لا ملك فيها. قال: (ووصية)؛ لأنها تمليك بعد الموت، والميت لا يحنث بها. وقيل: يحنث بها؛ لأنها سبب في نقل الملك. قال: (ووقف) بناء على أنه لا يملكه، فإن قلنا: يملكه الموقف عليه .. حنث. ولا يحنث بالضيافة على الأصح. قال: (أو لا يتصدق .. لم يحنث بهبة في الأصح)؛ لأنها ليست صدقة، ولهذا حلت للنبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: يحنث كعكسه. ويحنث بالصدقة الواجبة والمندوبة، سواء تصدق على غني أو فقير؛ لشمول الاسم للقسمين جميعًا، وخالف أبو حنيفة في الغني. وقال المتولي: يحنث بالوقف؛ لأنه صدقة، وقال: إنه إذا دفع الصدقة لذمي .. لم يحنث؛ لأنه لا قربة فيها، قال الرافعي: وهذا ممنوع. فروع: حلف لا يبر فلانًا .. تناول جميع التبرعات من الهبة والهدية والضيافة والإعارة والوقف وصدقة التطوع، يحنث بأيها وجد. ولو كان المحلوف عليه عبده فأعتقه .. حنث، وكذا لو كان عليه دين فأبرأه منه، ولا يحنث بأن يدفع إليه الصدقة المفروضة ولا بالقرض.

أَوْ لاَ يَاكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ .. لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مِنْ طَعَام اشْتَرَلهُ زَيْدٌ فِي الأَصَحِّ، وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ اشْتَرَاهُ سَلَمًا، وَلَوِ اخْتَلَطَ مُشْتَرَاهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ .. لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو حلف لا يطلق فخالع .. حنث، أو لا يشارك فقارض .. حنث؛ لأنه نوع من الشركة، قاله صاحب (الكافي). وأفتى العماد بن يونس بانه إذا حلف لا يستودع فأعطاه رجل درهمًا يشتري به شيئًا، وكان ليلًا فأمسكه إلى الغد .. لا يحنث؛ لأنه وكالة لا وداعة. قال: (أو لا يأكل طعامًا اشتراه زيد .. لم يحنث بما اشتراه مع غيره) أي: مشاعًا؛ لأن كل جزء يقال فيه: هذا اشتراه زيد .. يصدق فيه: بل اشتراه عمرو؛ لأن زيدًا لم يختص بشراء شيء منه، فأشبه ما لو قال: لا أدخل دار زيد فدخل دارًا لزيد وعمرو، وجزم المصنف في هذه، وحكاية الخلاف في التي بعدها طريقة البغوي، وطريقة الجمهور طرد الخلاف. والوجه الثاني: الحنث؛ لأنه ما من جزء إلا وقد ورد عليه شراء زيد. والثالث: إن أكل أكثر من النصف .. حنث، وإلا .. فلا. وموضوع الخلاف عند الإطلاق، فلو أراد أن لا يأكل طعامه أو من طعامه .. فقال البغوي: يحنث بالمشترك، وأقره الرافعي عليه، وفيه نظر. قال: (وكذا لو قال: من طعام اشتراه زيد في الأصح)؛ لما سبق، هذا قول الجمهور، ويقابله الوجهان السابقان. قال: (ويحنث بما اشتراه سلمًا)؛ لأنه نوع من الشراء، وكذا ما يملكه بالتولية والاشتراك، لا ما ملكه بإرث وهبة أو وصية، أو رجع إليه برد بعيب أو إقالة، أو خلص له بقسمة وإن جعلنا الإقالة والقسمة بيعًا، وكذا الصلح على الصحيح؛ لأن لفظ الصلح موضوع للرضا بترك الحق لا للتملك. ولا يحنث بما اشتراه له وكيله، ويحنث بما اشتراه لغيره بالوكالة. قال: (ولو اختلط مشتراه بمشترى غيره .. لم يحنث حتى يتيقن أكله من ماله)، وذلك بأن يأكل قدرًا صالحًا كالكف والكفين، بخلاف عشر حبات وعشرين.

أَوْ لاَ يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ .. لَمْ يَحْنَثْ بِدَارٍ أَخَذَهَا بِشُفْعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يحنث وإن أكل الجميع؛ لأنه لا يمكن الإشارة إلى شيء منه بأن زيدًا اشتراه. والثالث: إن أكل أكثر من النصف .. حنث، وإلا .. فلا. قال: (أو لا يدخل دارًا اشتراها زيد .. لم يحنث بدار أخذها بشفعة)؛ لعدم صدق الشراء، والمراد: أخذ بعضها؛ لأن الدار كلها لا تؤخذ بالشفعة عندنا. فروع: حلف لا يلبس حليًا .. حنث بالخلخال والسوار والطوق والدملج وخات الذهب والفضة. وقال أبو حنيفة: لا يحنث بخاتم الفضة؛ لأنه مألوف، ولا بالمخنقة المتخذة من اللؤلؤ حتى تمزج بذهب أو فضة. وعندنا: يحنث به؛ لأنه حلي، قال الله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا}. فلو تحلى بالخرز والصفر، فإن كان في عرفهم حليًا كأهل البوادي وسكان السواد .. حنث. ولو حلف لا يلبس خاتمًا .. لم يحنث بلبسه في غير الخنصر؛ لأن الرجل لا يعد بذلك لابسًا للخاتم، بخلاف المرأة. وإن من عليه رجل فحلف لا يشرب له ماء من عطش فأكل له خبزًا أو لبس له ثوبًا .. لم يحنث. وإن قال: لا صليت، فأحرم بفرض أو نفل .. حنث، وقال القفال: إلا صلاة الجنازة فلا يحنث بها؛ لأنها لا يطلق عليها صلاة عرفًا. وإن قال: لا تسريب .. لا يحنث حتى يحضن الجارية ويطأ وينزل على الأصح. وإذا حلف لا يسكن دار فلان فسكن دارًا له ولغيره فيها شركة قليلة أو كثيرة .. لم يحنث، نص عليه في (الأم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى ابن العربي: أنه حضر فخر الإسلام الشاشي عمن حلف لا يلبس ثوبًا معينًا واحتاج إلى لبسه، فأمره أن يسل منه خيطً ثم يلبسه. وإن حلف لا يكلم الناس .. حنث إذا كلم واحدًا، وإن قال: لا اكلم ناسًا .. فثلاثة. تتمة: سئل بعض العلماء عن رجل حلف لينفرد بعبادة لله تعالى لا يشاركه فيها غيره، أو نذر ذلك، فقال: لا سبيل إلى ذلك إلا بأن يطوف بالبيت منفردًا، قال: وفي معنى ذلك الانفراد بالإمامة العظمى؛ فإن الإمام لا يكون إلا واحدًا، فإذا انفرد بها واحد .. فقد قام بعبادة هي أعظم العبادات، وعليه حمل قول سليمان صلوات الله عليه وسلامه: {وهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي}؛ فإنه انفراد بهذه العبادة، وهي القيام بمصالح الإنس والجن والطير وغيرها. ولنختم الباب بأصول مأثورة وفروع منثورة في (فتاوى القفال) و (البحر) وغيرهما. حلف لا يكلم زيدًا ثم ولاه ظهره، ثم قال: يا جدار افعل كذا .. لم يحنث وإن كان غرضه إفهام زيد، وكذا إذا أقبل على الجدار وتكلم ولم يقل يا زيد ولا يا جدار .. لم يحنث؛ لأن عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة .. أشارت عليهما ام سلمة أن لا تفعل وحلفت إن خرجت أن لا تكلمها، فخرجت، فلما عادت إلى المدينة كانت أم سلمة تقول بحضرتها: يا حائط؛ ألم أقل لك؟ يا حائط؛ ألم أنهك؟ ففعلت غرضها وسلمت من الحنث. وفي (الحاوي): لو حلف لا يتزوج امرأة كان لها زوج فطلق امرأته ثم تزوجها .. لم يحنث؛ لأن اليمين تنعقد على غير زوجنه التي هي في نكاحه، فإن كانت بائنًا فتزوجها .. حنث. ومنها: رجل له على آخر دين، فقال: إن لم أقبضه منك اليوم .. فامرأتي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طالق، وقال صاحبه: غن أعطيتكم اليوم .. فامرأتي طالق، طريقه: أن يأخذ منه صاحبه جزءًا فلا يحنثان. ومنها: حلف لا يتزوج سرًا فتزوج بولي وشاهدين .. حنث؛ لأن التزويج لا يصح بدون ذلك، وإن شهد ثلاثة .. لم يحنث. وحكى القاضي أبو الطيب في (شرح التلخيص) في (كتاب الصلح): أنه لو حلف لا يكتب بهذا القلم وكان مبريًا فكسر برايته واستأنف ببراية اخرى .. لم يحنث وإن كانت الأنبوبة واحدة؛ لن القلم اسم للمبري دون القصبة، وإنما سميت القصبة قبل البري قلمًا مجازًا لا حقيقة. وكذلك لو قال: بهذه السكين ثم أبطل حدها وجعل الحد من ورائها وبرى بها .. لم يحنث. ولو حلف لا يزور فلانًا فشيع جنازته .. لم يحنث. وإن حلف لا يركب ظهر إنسان واجتاز به النهر ونحوه .. لم يحنث. ولو حلف لا يسكن هذا البيت أو لا يصطاد ما دام زيد واليًا أو فلان قاضيًا ونحو ذلك فعزل فلان ثم ولي .. لم يحنث بالمحلوف عليه؛ لانقطاع الديمومة، صرح به الخوارزمي وغيره. * * *

كتاب النذر

كتاب النذر

كِتَابُ النَّذْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب النذر جمعه نذور، يقال: نذر ينذر بكسر الذال المعجمة في المضارع، وضمها لغتان. وهو في اللغة: الوعد بخير أو شر، وفي الشرع: الوعد بالخير دون الشر. وحده بعضهم بانه التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع. وأصل الباب: قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}، وقوله تعالى: {والْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصه .. فلا يعصه) رواه البخاري [6696] وغيره. واختلفوا فيه على أربعة آراء: أحدها: أنه مكروه، وإليه ذهب مالك، وهو الذي أشار إليه في (شرح المهذب)، ونقل عن النص؛ لما في (الصحيحين) [خ 6608 - م 1639/ 3] وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: (إنه لا يريد شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل). قال ابن دقيق العيد: وفي الكراهة إشكال على القواعد؛ لأن وسيلة الطاعة طاعة، ووسيلة المعصية معصية. والثاني: أنه خلاف الأولى، واختاره ابن أبي الدم، ورد بان هذا فيه نهي مقصود. والثالث: أنه قربة، وبه جزم المتولي في (كتاب الوكالة) - فإنه قال: لا يجوز التوكيل فيه؛ لنه قربة - والقاضي حسين هنا، والرافعي في نذر الكافر، وفي (شرح

هُوَ ضَرْبَانِ: نَذْرُ لَجَاجٍ، كَإِنْ كَلَّمْتُهُ .. فَلِلّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المهذب) في (باب ما يفسد الصلاة) ما يقضيه، ويدل عليه قوله تعالى: {ومَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} أي: يجاز عليه. والرابع: التفصيل: فيحتسب نذر التبرر، وهو الذي ليس معلقًا على شيء، ولا يستحب المعلق، وقد اختاره ابن الرفعة، قال، وقال ابن سراقة في (التلقين): إنه مباح والوفاء به لازم. ويستثني من إطلاق انه قربة: ما إذا نذر أن يطيب غير الكهبة من المساجد .. فالراجح عند الإمام من احتماليه: عدم صحة نذره، واختار في (شرح المهذب) صحته. والشرط في الناذر: أن يكون مسلمًا مكلفًا مختارًا، فلا يصح من الكافر كإحرامه بالحج، وقيل: يصح منه النذر ويلزمه الوفاء به إذا أسلم؛ لما روى الشيخان [خ 2043 – م 1656] عن عمر: أنه نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له: (أوف بنذرك). وحمل الأصحاب الخبر على الاستحباب؛ لأنه لا يحسن ان يترك بسبب الإسلام ما عزم عليه في الكفر من خصال الخير. قال مجلي: ويمكن بناؤها على أن الكفار مخاطبون بالفروع أم لا، وفيه مظر؛ لأن القائل بأنهم مخاطبون بها قائل بسقوطهم بالإسلام. ولا يصح نذر الصبي والمجنون والمكره، وفي السكران الخلاف في تصرفاته. ويصح من المحجور عليه نذر القرب البدنية دون المالية لعجزه عن التصرف فيها كما جزم به الرافعي هنا، وفصل في (كتاب الحجر) فقال: تصح في الذمة دون العين. قال: (هو ضربان: نذر لجاج) وهو التمادي في الخصومة، ويسمى عين الغضب وعين الغلق بفتح الغين المعجمة واللام. قال: (كإن كلمته .. فلله علي عتق أو صوم) وكذلك غيرهما من العبادات كالصدقة، وكذا: إن لم أكلمه .. فلله علي كذا ثم كلمه في الأولى ولم يكلمه في الثانية.

وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَفِي قَوْلٍ: مَا الْتَزَمَ، وَفي قَوْلٍ: أَيُّهُمَا شَاءَ. قُلْتُ: الثَّالِثُ أَظْهَرُ، وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، واللهُ أَعْلَمُ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما مثل بالعتق والصوم ليعلم أنه لا فرق بين المال والبدن. قال: (وفيه كفارة يمين) لما روى مسلم [1645] عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفارة النذر كفارة اليمين). وبالاتفاق: لا يكفر نذر التبرر، فتعين أن يراد به هذا. وروى البيهقي [10/ 33]: أن رجلًا قال لعمر: إني جعلت مالي في رتاج الكعبة إن كلمت اخي، فقال: (إن الكعبة لغنية عن مالك، كلم أخاك وكفر عن يمينك) وروي نحو ذلك عن عائشة وحفصة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر، ولا مخالف لهم. قال: (وفي قول: ما التزم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر وسمى .. فعليه ما سمى)، ولأنه التزام عبادة عند مقابلة شرط، فيلزمه عند وجوده. قال: (وفي قول: أيهما شاء) وبه قال أحمد؛ لنه اختار الوفاء بما نذر، فهو الذي التزمه، وإن اختار كفارة اليمين .. فالذي أتى به حلف؛ لأنه يقال: حلفت بطلاق امراتي لأفعلن كذا، ولأنه يشبه النذر ويشبه اليمين، ولا سبيل إلى جمعهما ولا إلى تعطيلها، فوجب التخيير. وروي هذا الحكم عن جماعة من الصحابة أيضًا. قال: (قلت: الثالث أظهر، ورجحه العراقيون والله أعلم). وعن أبي حنيفة ثلاث روايات كالأقوال، والمشهور عند أصحابه: لزوم الوفاء.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتُ فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٌ .. لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِالدُّخُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: نص الشافعي على أن الحلف بالعتق من نذر اللجاج والغضب، وأنه مخير فيه بين الكفارة والعتق، أما لو قال: إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله .. فإنه يعتق بلا خلاف، وإنما التخيير في التزام العتق. فرع: عدد أنواعًا من القرب فقال: إن فعلت كذا .. فعلى حج وعتق وصدقة، فإن أوجبنا الوفاء .. لزمه ما التزم، وإن أوجبنا الكفارة .. لزمه كفارة واحدة على المذهب. وعن الشيخ أبي أحمد احتمال في تعددها. قال: (ولو قال: إن دخلت فعلي كفارة يمين أو نذر .. لزمه كفارة يمين بالدخول) أما الأولى .. فبالاتفاق تغليبًا لحكم اليمين. وأما الثانية .. فهو الذي نص عليه الشافعي محتجًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة يمين). وعلى القول الثاني: تلزمه قربة من القرب، والتعيين إليه، وليكن ما يعينه مما يلتزم بالنذر. وعلى الثالث: يتخير بين ما ذكره وبين الكفارة. فغن قال: إن فعلت كذا فعلي يمين أو فلله علي يمين .. فالصحيح: أنه لغو. ولو قال: إن دخلت الدار فلله علي أن آكل اللحم مثلًا فدخلها .. لزمه كفارة يمين على الصحيح، وقيل: لغو. ولو قال: ابتداء مالي صدقة أو في سبيل الله .. ففيه أوجه: أحدها – وهو الأصح عند الغزالي وبه قطع القاضي حسين -: انه لغو؛ لأنه لم يأت بصيغة التزام.

وَنَذْرُ تَبَرُّرٍ؛ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً إِنْ حَدَثَتْ نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ نِقْمَةٌ، كَإِنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي .. فَلِلّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ كَذَا؛ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِنْ حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يلزمه التصدق به. والثالث: يصير ماله بذلك صدقه كما قال: جعلت هذه الشاة أضحية. قال: (ونذر تبرر) أي: يطلب به مطلق البر والتقرب إلى الله تعالى، وهذا هو الضرب الثاني الذي أشار إليه، وهو نوعان كما ذكره. قال: (بأن يلتزم قربة إن حدثت نعمة أو ذهبت نقمة، كإن شفى الله مريضي .. فلله علي أو علي كذا، فيلزمه ذلك إن حصل المعلق عليه) ويجوز تقديمه إن كان ماليًا، وفي (فتاوي القفال) ما ينازع فيه، كذا في (الرافعي) هنا، وتبعه في (الروضة)، لكن فيها في (باب تعجيل الزكاة) المنع. واستدل للوجوب إذا حصل المعلق عليه بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، {وأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدتُّمْ}. وفي (سنن أبي داوود) [3312]: أن امرأة ركبت البحر، فنذرت إن نجاها الله تعالى أن تصوم شهرًا، فنجت فلم تصمه حتى ماتت، فجاءت بنتها أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تصوم عنها. وأطلق المصنف (النعمة) و (النقمة)، وخصهما الشيخ أبو محمد بما يحصل على ندور، فلا يصح في النعم المعتادة كما في سجود الشكر. قال الإمام – ووافقه طائفة من الأصحاب وطرده القاضي حسين -: في كل مباح، وهو أفقه، لكن التعبير بالحدوث يفهم امتناعه في النعم الحاصلة، وهو قياس سجود الشكر، وهو يقوي مقالة الشيخ أبي محمد. وأفهمت عبارة المصنف: أن النذر لا يصح إلا بالقول، وهو الصحيح. وقيل: يصح بالنية وحدها؛ لأن اعتماد القرب عليها لحديث: (الأعمال بالنيات) ويظهر أنه مخرج من القديم، وهو لزوم الأضحية بمجرد النية. وأجيب عنه بان قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما لكل امرئ ما نوى) يقتضي

وَإِنْ لَمْ يُعَلَقْهُ كَلِلّهِ عَلَيَّ صّوْمٌ .. لَزِمَهُ فِي الأَظْهَرِ. وَلاَ يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون ما نواه له لا عليه، ولو جعلناه بمجرد النية ملتزمًا .. لكان عليه، فيكون بخلاف الخبر. فرع: علق النذر بمشيئة زيد .. لم ينعقد وإن شاء زيد كما جزم به في (الروضة). ولا نزاع أنه لو قال: لله علي أن أصوم إن شاء الله .. انه لا يلزم شيء. فرع: نذر شيئًا إن شفى الله مريضه، ثم شك هل هو صدقة أو عتق أو صلاة أو صوم؟ أفتى البغوي بانه يحتمل أن يلزمه الجميع كمن نسى صلاة من خمس، واحتمال أن يقال: يجتهد بخلاف الصلاة؛ لأنا تيقنا هناك وجوب الجميع عليه فلا يسقط إلا باليقين، وهنا تيقنا أن الجميع لم يجب عليه، إنما وجب شيء واحد واشتبه، فيجتهد كالقبلة والأواني. اهـ وهذا نظير ما لو كانت عليه زكاة ولم يدر هل هي بقرة أو شاة او دراهم أو دنانير، فعند ابن عبد السلام: يلزمه الجميع كالصلاة المنسية، وقد تقدمت في (باب زكاة النقد). قال: (وإن لم يعلقه بشيء كلله علي صوم .. لزمه في الأظهر)؛ لإطلاق الخبر السابق. والثاني: لا يلزمه شيء؛ لأن أهل اللغة قالوا: النذر وعد بشرط ولا شرط هنا، ومنعه الأول ولا شرط فيه. قال: (ولا يصح نذر معصية) كالصلاة محدثًا، وكالصلاة حائضًا والقراءة جنبًا، وشرب الخمر وقتل النفس والزنا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر في معصية الله تعالى) رواه مسلم [1641]. ومن هذا: نذر ذبح الولد أو ذبح النفس، فلا ينعقد شيء من ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حنيفة: ينعقد نذر ذبح الولد ويلزمه ذبح شاة، وسلم أنه لو نذر ذبح والده أو أخيه لا ينعقد. وعن أحمد رحمه الله: أنه تلزمه كفارة يمين، وأخرى: أنه يلزمه ذبح كبش. وإذا عرف أنه لا ينعقد نذر فعل المعصية، فإذا لم يفعل ما نذره .. فقد أحسن، ولا تلزمه كفارة يمين على المشهور؛ لأنه لم توجد صيغة اليمين ولا حقيقته. وعن الربيع رواية قول: إنه تلزمه كفارة يمين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) رواه أحمد [4/ 433] والنسائي [7/ 27] والحاكم [4/ 305] والبيهقي [10/ 56] من رواية عمران بن حصين، ورواه الأربعة عن عائشة. وأجاب المصنف بأنه ضعيف باتفاق المحدثين، وحمله الجمهور على نذر اللجاج، وجعلوا ما رواه الربيع من كيسه، وبعضهم يحكي الخلاف في المسألة وجهين. واستبعد الإمام وجوب الكفارة وقال: يجوز أن يجعل النذر كناية عن اليمين، فأما إلحاقه بالأيمان مطلقًا .. فلا معنى له. تنبيهان: أحدهما: يستثنى من إطلاقهم: ما إذا نذر عتق العبد المرهون .. فقد حكى الشيخان عن المتولي أنه ينعقد مع قولهم في (كتاب الرهن): إن الإقدام على عتق المرهون لا يجوز، وما لو نذر أن يصلي في أرض مغصوبة .. يصح النذر ويصلي في موضع آخر كما صرح به البغوي في (التهذيب)، والقفال في (الفتاوى)، والجاجرمي في (الإيضاح). وبعدم الانعقاد جزم المحاملي في (المقنع). وفي (فتاوى القفال): لو نذر أن يصلي في ثوب نجس .. لم ينعقد نذره على

وَلا وَاجِبٍ، وَمَنْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكَهُ .. لَمْ يَلْزَمْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر، وقياس ما أفتى به في الأرض المغصوبة أن يصح، ويصلي في ثوب طاهر، وقد يفرق. الثاني: احترز بـ (المعصية) عن المكروه كصوم الدهر، فإذا نذره .. انعقد ولزمه الوفاء بلا خلاف، كذا في (شرح المهذب)، وكلام المتولي يفهم عدم الانعقاد، وأشار إليه الرافعي تفقهًا؛ لأن المكروه لا يتقرب به إلى الله تعالى. قال: (ولا واجب) كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والحج الواجب؛ لأنه محتم بإيجاب الشرع فلا معنى لالتزامه، سواء علقه على حصول نعمة أم لا، كذا أطلقه المصنف، وهو صحيح في الواجب على الأعيان كالمكتوبات وصوم رمضان. وأما الواجب على الكفاية .. فحاصل ما في (الروضة): أنه يصح، وقد ذكر المصنف في آخر الباب أنه يصح نذر الجماعة مع ترجيحه أنها فرض كفاية، فإن تعين فرض الكفاية .. ألحق بفرائض الأعيان، فلا يصح نذرها بلا خلاف. وذكر الإمام أن فروض الكفايات التي يحتاج في أدائها إلى بذل مال أو معاناة مشقة تلزم بالنذر كالجهاد وتجهيز الموتى. وقال المتولي: المذهب: عدم انعقاد نذر صلاة الجنازة، وسكتوا عن الواجب المخير إذا عين خصلة بالنذر هل يتعين؟ والقياس تعين أعلاها بناء على الصحيح أن الواجب أحدها، فكأنه تطوع بالزائد، والنذر يصح في التطوع، بخلاف ما إذا عين أدناها، لكن في (تعليق القاضي حسين) الجزم بأنه لا يتعين؛ لما فيه من تغيير إيجاب الله تعالى. قال: (ومن نذر فعل مباح أو تركه) كالأكل والنوم ونحوهما (.. لم يلزمه)، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله) رواه أحمد [2/ 185] وأبو داوود [3267]. وفي البخاري [6704]: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي وهو يخطب رجلًا قائمًا في الشمس، فسأل عنه فقالوا: هذا أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال صلى الله عليه وسلم: (مروه فليتكلم وليقعد وليستظل وليتم صومه). وأبو إسرائيل هذا: اسمه قيصر العامري، قاله الحافظ عبد العظيم، وقال البغوي وابن بشكوال: اسمه قشير، وقيل: يسير، ووقع في (المهذب) بخط المصنف: ابن إسرائيل، وهو سبق قلم. فإن قيل: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: (أوف بنذرك) والضرب بالدف ليس بقربة .. فالجواب: أنه لما اتصل باتصال السرور برسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأغاظ الكفار وأرغم المنافقين .. كان من القرب. وكذلك استحب ضربه في النكاح؛ ليخرج عن معنى السفاح. وفسر الرافعي والمصنف المباح بما لم يرد فيه ترغيب ولا ترهيب كالأكل والنوم والقيام والقعود، أما المباح الذي يحصل به التقوى على العبادة .. فإنه يثاب على قصده دون فعله، ولذلك قال معاذ: (إني أنام وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) رواه البخاري [4342]. نعم؛ يستثنى من إطلاقه ما إذا نذر الحلق وقلنا: إنه استباحة محظور .. فالأصح في زوائد (الروضة): وجوبه، فهذا مباح وجب بالنذر. فرع: الأصح في زوائد (الروضة) و (شرح المهذب): أن من التزم بالنذر ألا يكلم الآدميين .. لم يلزمه ذلك؛ لما فيه من التضييق والتشديد، وليس ذلك من شرعنا، ويدل له حديث أبي إسرائيل المتقدم.

لَكِنْ إِنْ خَالَفَ .. لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (البخاري) [3834]: أن امرأة حجت صامتة عن الكلام، فقال لها ابو بكر رضي الله عنه: (تكلمي؛ فإن هذا لا يحل). وقال القفال: يحتمل أن يلزمه؛ لأنه مما يتقرب به إلى الله. ويدل له ما رواه البخاري [6075] عن عائشة: أنها نذرت أن لا تكلم ابن الزبير، فلما دخل عليها بالمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وكلمته .. أعتقت أربعين نسمة، وكانت إذا ذكرت ذلك بكت إلى أن تبل خمارها وتقول: (إن النذر شديد). قال: (لكن إن خالف .. لزمه كفارة يمين على المرجح) وهو الذي رجحه الشيخان في الكلام على نذر اللجاج والغضب؛ لأنه نذر في غير معصية الله. والثاني – وهو المرجح في (الشرح) و (الروضة) هنا وجزما به في أول (الإيلاء): لا كفارة؛ لأنه لم توجد صيغة اليمين ولا حقيقته، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا إسرائيل بذلك. فروع: الأول: نقل الشيخان عن التهذيب وأقراه: أن الإمام إذا نذر الاستسقاء .. لزمه أن يخرج بالناس ويصلي بهم. ولو نذر واحد من الناس .. لزمه أن يصلي منفردًا، وإن نذر أن يستسقي بالناس .. لم ينعقد؛ لأنهم لا يطيعونه، ولو نذر أن يخطب .. لزمه. قال في (المهمات): والذي نقلاه من لزوم إخراج الناس خلاف مذهب الشافعي؛ فالذي نص عليه في (الأم): أن الناس لا يلزمهم الخروج مع الإمام إذا نذر؛ لأن طاعته تجب فيما يعود إلى صلاح المسلمين لا فيما يختص به.

وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ .. نُدِبَ تَعْجِيلُهَا، فَإِنْ قَيَّدَ بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالاَةٍ .. وَجَبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: في فتاوى الغزالي: إذا قال المشتري: إن خرج المبيع مستحقًا فلله علي أن أهبك مئة دينار .. لا يلزمه شيء إذا خرج مستحقًا؛ لأنه مباح، والمباح لا يلزم بالنذر، وليس نذر لجاج، قال: ولا يؤثر قضاء القاضي في ذلك، إلا إذا نقل مذْهَب مُعتَبرٍ في لزوم ذلك بالنذر، لكن على ما قال المصنف هنا تلزمه كفارة يمين إن لم يفعله على ما فيه من الاضطراب. الثالث: نذر السلطان صلاح الدين في بعض نصارى الساحل أنه إن ظفر بهم أن يقتلهم ولا يمن عليهم، ثم ظفر بهم أحد نوابه فأعطاهم الأمان، فاستفتى صلاح الدين في ذلك، فاختلف عليه الفقهاء، وكانت فتيا الشيخ شهاب الدين الطوسي رحمه الله: أن لا أمان لهم؛ لقبح ما تعاطوه في الإسلام، فأخذ صلاح الدين بفتياه وأحضره معه على قتلهم؛ تحريًا في التقليد وتبريًا من الاستبداد، فلما أخذتهم السيوف .. التفت صلاح الدين فإذا الشيخ شهاب الدين يبكي، فقال له: ما هذا؟ أرجوعًا عن الفتيا بعد الفوات؟ فقال: لا، ولكن رحمة جبلية لهذه الصورة الإنسانية، فكان بكاؤه كبكاء آدم رحمة جبلية على العصاة والكافرين من ذريته. قال: (ولو نذر صوم أيام .. ندب تعجيلها) مسارعة إلى براءة الذمة، فلو مات قبله وبعد التمكن .. فُدي عنه، أو صيم على الخلاف المعروف، وما ذكره من ندب التعجيل محله عند انقضاء المانع، فلو عارضه ما هو أقوى منه كالمجاهد والمسافر تلحقه المشقة بالصوم .. فالأولى تأخيره ليزول المانع، لا سيما إن وجد ذلك قبل النذر. قال: (فإن قيد بتفريق أو مولاة .. وجب)؛ عملًا بما التزمه، أما إذا قيد بالموالاة .. فواجب قطعًا، وإن قيد بالتفريق .. فوجهان: أحدهما: يجب، وصححه في (شرح المهذب). والثاني: لا، وصححه الإمام والغزالي. ولو نذر عشرة متفرقة فصامها متوالية .. أجزأت على الثاني، وأجزأ منها خمسة على الأول.

وَإِلاَّ .. جَازَ. أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ .. صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْهُ وَلاَ قَضَاء. وَإِنْ أَفْطَرَتْ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: لاَ يَجِبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِلاَ عُذْرٍ .. وَجَبَ قَضَاؤُهُ، وَلاَ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. جاز) أي: وإن لم يقيد بتفريق ولا موالاة .. جاز التفريق والموالاة؛ لحصول الوفاء على التقديرين. قال: (أو سنة معينة .. صامها وأفطر العيد والتشريق وصام رمضان عنه ولا قضاء)؛ لأن هذه الأيام لو نذر صومها .. لم ينعقد نذره، وهذا بناء على الجديد وهو عدم جوازها، فإن قلنا بالقديم: إنه يصح صومها للمتمتع – وهو المختار عند المصنف – لزمه صومها وقضاؤها إن لم يصمها، ولا خلاف أنه إذا نذر صوم الدهر .. لزمه، وكان حكمه كذلك. قال: (وإن أفطرت لحيض أو نفاس .. وجب القضاء في الأظهر)؛ لأن الزمان قابل للصوم، وإنما أفطرت لمعنىً فيها فتقضي كصوم رمضان. وخالف ما لو نذرت صوم أيام حيضها .. فإنه لا يصح ولا قضاء؛ لأنه معقود على معصية، وهنا دخل في العموم، وهذا الذي رجحه البغوي وصاحبا (التنبيه) و (المرشد) فتبعهم (المحرر). قال: (قلت: الأظهر: لا يجب، وبه قطع الجمهور والله أعلم)؛ لأن زمانها يقعا مستثنىً شرعًا كالعيد، فعلى هذا: في الفطر بالمرض وجهان: قال في (الكفاية): أظهرهما: وجوب القضاء، والذي في الروضة: أن فيه هذا الخلاف، ورجح ابن كج وجوب القضاء على المذهب. قال: (وإن أفطر يومًا بلا عذر .. وجب قضاؤه)؛ لتفويته باختياره، وهذا لا خلاف فيه، ومع ذلك يأثم. قال: (ولا يجب استئناف سنة)؛ لأن التتابع كان للوقت، لا أنه مقصود كما في رمضان، ولا فرق في ذلك بين أن يفطر بعذر أو بغيره.

فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ .. وَجَبَ فِي الًاصَحَّ. أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنّةٍ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ .. وَجَبَ. وَلاَ يَقْطَعُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَفِطْرُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَيَقْضِيهَا تِبَاعًا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ، وَلاَ يَقْطَعُهُ حَيْضٌ، وَفِي قَضَائِهِ الْقَوْلاَنِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ .. لَمْ يَجِبْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو أفطر جميع السنة .. لم يلزمه التتابع في قضائها كصوم رمضان. قال: (فإن شرط التتابع) أي: في نذره السنة المعينة (.. وجب) أي: استئناف السنة (في الأصح)؛ لأن ذكر التتابع يدل على كونه مقصودًا. والثاني: لا يجب؛ لأن شرط التتابع مع تعيين السنة لغو. فإن قال: لله علي صوم هذه السنة .. حمل على العربية، فإذا كان في أثنائها .. لزمه صوم ما بقي منها إلا العيدين وأيام التشريق. فلو قال في أثناء سنة: لله علي صوم هذه السنة صام باقيها وإن كان يومًا، وكأنه قال: باقي هذه السنة. قال: (أو غير معينة وشرط التتابع .. وجب) عملًا بما التزمه وهذا لا خلاف فيه. قال: (ولا يقطعه صوم رمضان عن فرضه وفطر العيد والتشريق)؛ لاستثناء ذلك شرعًا. واحترز بقوله: (عن فرضه) عمَّا لو صامه لا عن فرضه بل عن نذر أو غيره .. فإنه لا يصح صومه؛ لما سبق، وينقطع به التتابع قطعًا. قال: (ويقضيها) أي: رمضان والعيدين والتشريق. قال: (تباعًا متصلة بآخر السنة) عملًا بما شرطه، هذا هو المنصوص الذي قطع به الجمهور، وقيل: وجهان: أصحهما: هذا. وثانيهما: لا قضاء كالسنة المعينة. قال: (ولا يقطعه حيض)؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه. قال: (وفي قضائه القولان) أي: السابقان في المعينة. قال: (وإن لم يشرطه .. لم يجب) أي: التتابع؛ لعدم الالتزام، فيصوم ثلاث.

أوْ يَوْمَ الإثْنَيْنِ أَبَدًا .. لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ، وَكَذَا العِيدُ وَالتَّشْرِيقُ فِي الأَظْهَرِ، فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا لِكَفَّارَةٍ .. صَامَهَا، وَيَقْضِي أَثَانِيَهُمَا، وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَقْضِي إِنْ سَبَقَتِ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ. قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مئة وستين يومًا، أو اثني عشر شهرًا بالهلال، وإن انكسر شهر .. أتمه ثلاثين، وشوال وذو الحجة منكسران بسبب العيد والتشريق. قال: (أو يوم الإثنين أبدًا .. لم يقض أثاني رمضان)؛ لأن وجوب صوم رمضان سابق على النذر فلا يتقدم عليها النذر. وقوله: (أثاني) بحذف النون هو الصواب. ووقع في (المهذب) و (المحرر) و (الشرح) و (الروضة): أثانين رمضان بالنون، وهي لغة قليلة، ويم الاثنين لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه مثنى. قال: (وكذا العيد والتشريق في الأظهر)؛ لتعينهما للإفطار. والثاني: يقضي؛ لأنه لم يتحقق وقوعه فيه فلم يخرج عن نذره، وبخلاف ما إذا نذر صوم سنة معينة حيث قلنا: لا يقضي؛ لأن وقوعها في السنة لازم، ووقوع العيد في يوم الاثنين غير لازم. ثم إن كلام المصنف يقتضي: أن كل إثنين وقع في رمضان لا يقضى قطعًا مع جريان خلاف في العيد والتشريق، وليس كذلك، بل خامس الأثاني فيه الخلاف كالعيد. قال: (فلو لزمه صوم شهرين تباعًا لكفارة .. صامها ويقضي أثانيهما) وإن سبق النذر الكفارة؛ لأنه أدخل على نفسه صوم الشهرين بعده. قال: (وفي قول: لا يقضي إن سبقت الكفارة النذر. قلت: ذا القول أظهر والله أعلم) كما لا يقضي الأثاني الواقعة في رمضان؛ لتقدم وجوبها على النذر. ووجه مقابله: أن الوقت غير متعين لصوم الكفارة، ولو صام في الشهرين أثانيهما .. لوقعت عن نذره، فإذا تركه .. قضى، بخلاف أثاني رمضان، وهو أظهر عند البغوي وطائفة من العراقيين، وتبعهم في (المحرر)، قال في (المهمات): وهو الصواب المنصوص المفتى به، لكن بشكل على الرافعي ما لو نذر صوم الدهر وكان عليه كفارة حين النذر .. فإن زمانها مستثنىّ كما قاله.

وَتَقْضِي زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فِي الأَظْهَرٍ. أَوْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ .. لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ .. صَامَ آخِرَهُ وَهُوَ الْجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ .. وَقَعَ قَضَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ وقياس قوله في الأثاني: أن يفدي عن النذر كما لو لزمت الكفارة بعد أن نذر .. وإذا نذر صوم الإثنين أبدًا ثم صامه عن نذر آخر مطلق .. لم يصح عن النذر المعين بلا خلاف، وهل يجزئ عما نوى؟ على قولين: أظهرهما: الإجزاء، بل نقل الإمام الاتفاق عليه. قال: (وتقضي زمن حيض ونفاس في الأظهر)؛ لأن الوقت غير متعين لصوم الكفارة. والثاني: لا تقضيها؛ لتقدم وجوبها على النذر كما لا تقضى الأثاني الواقعة في رمضان. وموضع الخلاف إذا لم تكن لها عادة غالبة، فإن كانت .. فعدم القضاء فيما يقع في عادتها أظهر، وبه قطع بعضهم، أما لو أفطرت بعذر المرض .. فالمشهور وجوب القضاء، وقيل: على الخلاف. ولو نذر صوم يوم الشك .. لم يصح على الأصح، فإن صححنا .. فليصم غيره، قال في (الروضة) هنا: فإن صامه .. خرج عن نذره على ما في ذلك من النظر. قال: (أو يومًا بعينه .. لم يصم قبله) كالواجب بالشرع، فإن فعل .. لم يصح، ولا يجوز تأخيره عنه بلا عذر، فإن أخر وفعل .. صح وكان قضاء، هذا هو المذهب، وقيل: وجهان: ثانيهما: لا يتعين كالزمان، فيجوز قبله وبعده. ويجريان أيضًا في تعيين السنة والشهر، فلو نذر صوم خميس ولم يعين .. كفاه أي خميس كان، وإذا مضى خميس .. استقر في ذمته، حتى لو مات قبل أن يصوم .. فدي عن قال: (أو يومًا من أسبوع ثم نسيه .. صام آخره وهو الجمعة، فإن لم يكن هو .. وقع قضاء) كذا قاله الشيخان وغيرهما. قال في (المطلب): ويجوز أن يقال: يلزمه صوم جميع الأسبوع، كما إذا عين الصلاة وقتًا له مزية كليلة القدر .. فإنه لا تجوز الصلاة في غيرها ويلزمه أن يصلي كل

وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ ثُمَّ نَذَرَ إِتْمَامَهُ .. لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ .. لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ يَوْمٌ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ ليلة من ليالي العشر الأخير؛ ليصادفها، فإن لم يصل في ليالي العشر كلها .. لم يقضها إلا في مثله. ويدل لأن آخر الأسبوع الجمعة ما روى مسلم [2789] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله التربة يوم السبت، والجبال يوم الأجد، والشجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر ساعة منه). وقول الشاعر [من الطويل]: ألم تر أن الدهر يوم وليلة ... يكران من سبت عليك إلى سبت فقل لجديد الثوب: لا بد من بلى ... وقل لاجتماع الشمل: لا بد من شت وقال ابن سيده: أوله الأحد، وقال المصنف في (التحرير) و (شرح المهذب): سمي يوم الاثنين لأنه ثاني الأسبوع، والخميس لأنه خامسه، والصواب الأول. قال: (ومن شرع في صوم نفل ثم نذر إتمامه .. لزمه على الصحيح)؛ لأنه عبادة صحيحة يصح التزامها بالنذر. والثاني: لا يصح؛ لأنه نذر صوم بعض اليوم. قال: (وإن نذر بعض يوم .. لم ينعقد)؛ لأنه ليس بقربة. قال: (وقيل: يلزمه يوم)؛ لأنه قد ورد الأمر بإمساك بعض النهار كمن أصبح مفطرًا يوم الشك ثم بان أنه من رمضان، ولكن لا سبيل إلى صيامه؛ لأن صيام بعض اليوم غير معهود شرعًا، فيلزمه يوم كامل، وكذلك لو نذر أن يصلي بعض ركعة .. لم تنعقد على الأصح، وقيل: يصح وتلزمه ركعة.

أوْ يَوْمَ قدُومِ زَيْدٍ .. فَالأَظْهَرُ: انْعِقَادُهُ، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ .. فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ نَهَارًا وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا .. وَجَبَ يَوْمٌ آخَرُ، أَوْ وَهُوَ صَائِمٌ نَفْلًا .. فَكَذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما لو نذر سجدة واحدة .. فالأصح: عدم الانعقاد؛ لأنها ليست قربة، ولو نذر بعض نسك .. ينبغي أن يكون على الخلاف فيما لو أحرم به، وقد ذكره في زوائد (الروضة) هناك عن الروياني: أنه ينعقد بنسك كالطلاق، قال: وفيه نظر. ولو نذر بعض طواف .. ينبغي أن ينبني على أنه هل يصح التطوع بشوط على حدته، والمنصوص لم الأم: أنه يثاب عليه كما لو صلى ركعة ولم يضف إليها أخرى. قال: (أو يوم قدوم زيد .. فالأظهر: انعقاده)؛ لإمكان الوفاء به بأن يعلم قدومه غدًا. والثاني: لا ينعقد؛ لتعذر الوفاء به، لأنه إن قدم ليلًا .. فهو إنما نذر صوم اليوم، فإن أراد باليوم الوقت .. فالليل لا يقبل الصوم، وإن قدم نهارًا .. فالنية لم توجد من الليل، ولا تجزئه نية من النهار، وإذا لم يمكن الوفاء بالملتزم .. يلغو الالتزام. قال: (فإن قدم ليلًا أو في يوم عيد أو في رمضان .. فلا شيء عليه)؛ لأنها أوقات غير قابلة للصوم. نعم؛ يستحب أن يصوم من الغد أو يومًا آخر شكرًا لله تعالى. قال: (أو نهارًا وهو مفطر) إما لعدم النية من الليل، أو لتناول مفطر (أو صائم قضاء أو نذرًا .. وجب يوم آخر) كما لو نذر صوم يوم معين ففاته. واستحب الشافعي أن يعيد الصوم الواجب الذي هو فيه أيضًا؛ لأنه بان أنه صائم يومًا مستحق الصوم لكونه يوم قدوم فلان. ولو قدم نهارًا والناذر مفطر .. استحب له أن يمسك بقية يومه كالمسافر يقدم في رمضان مفطرًا. قال: (أو وهو صائم نفلًا .. فكذلك)، فيلزمه يوم آخر عن نذره؛ لأنه لم يأت

وَقِيلَ: يَجِبُ تَتْمِيمُهُ وَيَكْفِيهِ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوَمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ، فَقَدِمَا فِي الأَرْبِعَاءِ .. وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ النَّذْرَيْنِ وَيَقْضِي الآخَرَ. فَصْلٌ: نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إِتْيَانَهُ .. فالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ إِتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالواجب عليه بالنذر، والنفل لا يقوم مقام الفرض، هذا هو المنصوص في (الأم). قال: (وقيل: يجب تتميمه ويكفيه)، فيكون أوله تطوعًا وآخره فرضًا كمن دخل في صوم تطوع ثم نذر إتمامه. قال: (ولو قال: إن قدم زيد فلله علي صوم اليوم التالي ليوم قدومه، وإن قدم عمرو فلله علي صوم أول خميس بعده، فقدما في الأربعاء .. وجب صوم الخميس عن أول النذرين ويقضي الآخر)؛ لتعذر صومه، بخلاف الأول، وللبغوي احتمال في انعقاد النذر الثاني. وقال في (شرح المهذب): لو قال: إن قدم زيد فلله علي أن أصوم أمس يوم قدومه .. صح نذره على المذهب. تتمة: لو تبين للناذر أن فلانًا يقدم غدًا فنوى الصوم من الليل .. فالأصح الإجزاء، وخصه المتولي بما إذا قلنا: يلزم الصوم من أول اليوم، فإن قلنا: يلزم من وقت القدوم .. لم يجزئه. ولو نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدًا فقدم يوم الاثنين .. فهو كما لو نذر الأثاني كلها أبدًا، وقد تقدم حكمه. قال: (فصل: نذر المشي إلى بيت الله تعالى أو إتيانه .. فالمذهب: وجوب إتيانه بحج أو عمرة)؛ لأن الله تعالى أوجب قصده بنسك فلزم بالنذر كسائر القرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل الرافعي وغيره بما روى ابن عباس: أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى بيت الله، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تمشي بحج أو عمرة. ولأن مطلق كلام الناذر محمول على ما ثبت له أصل في الشرع، فمن نذر أن يصلي .. تلزم الصلاة المعهودة لا الدعاء؛ لأن قصد مكة في الشرع هو بالحج أو العمرة. والمصنف تابع (المحرر) في التعبير، وسنذكر مثله في قوله: (أمشي إلى بيت الله)، والمراد فيهما: إذا قال: بيت الله الحرام أو نواه، ففي هذه الصور طريقان: المذهب الوجوب، وقيل: قولان. وكذا الحكم لو قال: آتي مكة أو زمزم أو الصفا أو مسجد الخيف أو منى أو مزدلفة أو مقام إبراهيم أو دار أبي جهل، أو ذكر بقعة من الحرم .. لزمه القصد بالنسك. فلو قال: بيت الله ولم يقل الحرام ولا نواه .. فهي مسألة (التنبيه) التي أقره عليها المصنف، والأظهر فيها: أنه لا ينعقد نذره؛ لأن المساجد كلها بيوت الله، وقيل: يلزمه؛ لأن الإطلاق ينصرف إليه، أما إذا نواه .. فهو كالتصريح به. ووجوب إتيانه بحج أو عمرة في مسألة الكتاب هو المنصوص بناء على الحمل على واجب الشرع، وإلا .. ففي لزوم ضم شيء آخر إليه وجهان: أصحهما: نعم. وهل هو الصلاة أو النسك أو يتخير؟ فيه أوجه. قال الإمام: ولو قيل يكفي الطواف لم يبعد. ولو قال في نذره: أمشي إلى بيوت الله بلا حج ولا عمرة .. فالأصح انعقاد نذره، ولو نذر المشي إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى .. فالأصح أنه لا يلزمه شيء؛ لأنهما لا يقصدان بالنسك فأشبها سائر المساجد. والثاني: يلزم؛ لأن الرحال تشد إليهما.

فَإِنْ نَذَرَ الإِتْيَانَ .. لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ، وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا .. فَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الْمَشْيِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا: ففي وجوب المشي وجهان: صحح الشيخان وجوبه، والأصح في (المهمات): عدمه، وعليه أيضًا: أنه لا بد من ضم عبادة إلى الإتيان على الأصح. واختلفوا في ذلك، فقيل: صلاة ركعتين، وقال الإمام: ركعة، وفي الاكتفاء بصلاة الفرض وجهان: وقيل: يكفي الاعتكاف ولو ساعة؛ لأنه أخص القرب بالمسجد، وقيل: يتخير بينهما، وهو الأصح. وأما الإتيان إلى غير المساجد الثلاثة .. فلا يلزم بالنذر، واختلف الشيخان في أعمال المطي إليها كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك، فقال الشيخ أبو محمد: يحرم، وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره، والصحيح: أنه لا يحرم ولا يكره. ولو نذر المضي إلى عرفات .. فالأصح: أنه إن نوى بإتيانها التزام الحج وعبر عنه بشهود عرفة أو نوى أن يأتيها محرمًا .. انعقد نذره بالحج، وإن لم ينو ذلك .. لم ينعقد. قال: (فإن نذر الإتيان .. لم يلزمه مشيٌ) هذا لا خلاف فيه، وله أن يركب قطعًا. قال: (ولو نذر المشي أو أن يحج أو يعتمر ماشيًا .. فالأظهر: وجوب المشي).

وَإِنْ كَانَ قَالَ: أَحُجُّ مَاشِيًا .. فِمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ، وَإِنْ قَالَ: أَمْشِي إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى .. فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا مفرع على أن الحج راكبًا أو ماشيًا أفضل، وفيه قولان: أصحهما – وصوبه المصنف -: الركوب؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكبًا، رواه البخاري [1517] من رواية أنس، ولأن فيه زيادة مؤنة وإنفاق في سبيل الله. والثاني – وصححه الرافعي –: المشي؛ لكثرة التعب، ولما في (الصحيح) [م 1211/ 126] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أجرك على قدر نصبك). وفي قول أو وجه: أنهما سواء؛ لتعارض المعنيين. وقال ابن سريج: هما سواء ما لم يحرم، فإذا أحرم .. كان المشي أفضل؛ لما روى الحاكم عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج من مكة ماشيًا حتى يرجع إليها .. كتب الله بكل خطوة سبع مئة حسنة من حسنات الحرم، وحسنات الحرم: الحسنة بمئة ألف) لكن ضعفه البيهقي [4/ 331]. وقال في (الإحياء): من سهل عليه المشي .. فهو أفضل في حقه، ومن صعب وساء خلقه لو مشى .. فالركوب أفضل. فإن قلنا: المشي أفضل .. لزم بالنذر، وإن قلنا: الركوب أفضل أو سوينا .. لم يلزمه المشي بالنذر. قال: (وإن كان قال: أحج ماشيًا .. فمن حيث يحرم) سواء أحرم من الميقات أو من دونه؛ لأنه التزم المشي في الحج وابتداؤه من الإحرام. وقيل: يلزمه من دويرة أهله؛ للعادة، فإن من قال: حججت ماشيًا .. فهم منه المشي في جميع الطريق، ولقول عمر: إتمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك. وقوله: أمشي حاجًا كقوله: أحج ماشيًا على الصحيح. وقيل: أمشي حاجًا يقتضي أن يمشي من مخرجه إلى الحج. قال: (وإن قال: أمشي إلى بيت الله تعالى .. فمن دويرة أهله في الأصح)؛ لأن ذلك مدلول لفظه.

وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ فَرَكِبَ لِعُذْرٍ .. أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الأَظْهَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: من الميقات؛ لأن المقصود من الإتيان الحج أو العمرة. قال: (وإذا أوجبنا المشي فركب لعذر .. أجزأه) هذا لا خلاف فيهز وفي (الصحيحين) [خ 1865 – م 1642] عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يهادى بين رجلين، فسأل عنه فقالوا: نذر أن يحج ماشيًا، فقال: (إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه) وأمره أن يركب. قال: (وعليه دم في الأظهر)؛ لما روى البيهقي [10/ 80] بإسناد ضعيف عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في جوف الليل في ركب؛ إذا أبصر بخيال قد نفرت منه إبلهم، فأنزل رجلًا فنظر فإذا هو بامرأة عريانة ناقضة شعرها، فقال: ما لك؟ قالت: نذرت أن أحج البيت ماشية عريانة ناقضة شعري، وأنا أكمن النهار وأتنكب الطريق بالليل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: (ارجع إليها فمرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دمًا). وروى أبو داوود [3288] عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ أختي نذرت أن تحج ماشية، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يصنع بمشي أختك شيئًا، فلتحج راكبة ولتكفر عن يمينها). وفي رواية: (ولتهد هديًا) [3290] وفي أخرى: (ولتهد بدنة) [3289] وهذا الحديث وحديث عقبة الآتي محمولان على أنهما عجزتا كما هو الغالب، ولأن ما أوجب تركه الدم مع القدرة .. أوجبه مع العجز كسائر دماء النسك. والثاني: لا دم عليه، كما لو نذر الصلاة قائمًا .. يصلي قاعدًا للعجز. وفرق الأول بأن الصلاة لا تجبر بالمال، بخلاف الحج. واحترز بقوله أولًا: (إذا أوجبنا المشي) عما إذا لم نوجبه .. فإنه لا يجبر تركه بدم، والدم: شاة على الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولتهد هديًا) ومطلق الهدي محمول عليها، ولأنه ترفه بترك المشي فأشبه ما إذا ترفه باللبس والطيب. وقيل: الدم بدنة؛ لرواية: (ولتهد بدنة).

أَوْ بِلاَ عُذْرٍ .. أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً .. لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مَغْصُوبًا .. اسْتَنَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بلا عذر .. أجزأه على المشهور)؛ لأنه أتى بأصل الحج ولم يترك إلا هيئة، فصار كترك الإحرام من الميقات أو من المبيت بمنى، لكنه يعصي بذلك؛ لأنه ترك الواجب مع القدرة. والثاني: لا يجزئه؛ لأنه لم يأت بما التزم، وهو قديم. فعلى هذا: لو مشى في البعض .. قضى ومشى حيث ركب وركب حيث مشى. قال: (وعليه دم)؛ لترفهه، وهل الدم شاة أو بدنة؟ فيه القولان السابقان. وفي وجه أو قول: لا دم؛ لأنه إنما يجب بترك أبعاض النسك والمشي ليس من أبعاضه، إنما هو صفة، ثم في نهاية المشي في الحج وجهان: أصحهما – وهو المنصوص -: أنه بفراغه من التحللين؛ لأنه بذلك خرج عن الإحرام. والثاني: بالتحلل الأول؛ لأنه فارق اسم الحج المطلق، ويباح له اللبس وغيره. ولم لم يكن للعمرة إلا تحلل واحد – وهو فراغها – لزمه المشي إليه قولًا واحدًا، ولا خلاف في جواز ترك المشي لرمي أيام التشريق. وما وقع في (التنبيه) من توقفه على الرمي وهم، قاله في (شرح المهذب). ويستثنى من التوقف على التحللين ما لو فسد الحج، وظاهر كلام الرافعي: أن الأصح جواز الركوب؛ لأن الإفساد أخرجها عن وقوعها عن النذر، ويستأنف عنها حجة ويمشي فيها. ولو نذر الحج حافيًا .. لزمه الحج ولا يلزمه الحفاء، بل له أن يلبس النعلين في الإحرام، ولا فدية عليه بلا خلاف؛ لأنه ليس بقربة. قال في (المهمات): وينبغي أن يلزمه الحفاء في الموضع الذي يستحب فيه، وهو عند دخول مكة. قال: (ومن نذر حجًا أو عمرة .. لزمه فعله بنفسه، فإن كان معضوبًا .. استناب)؛ حملًا له واجب الشرع.

وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ الإِمْكَانِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فَأَخَّرَ فَمَاتَ .. حُجَّ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ عَامَهُ وَأَمْكَنَهُ .. لَزِمَهُ – فِإِنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الدقائق): قوله (استناب) يتناول الاستنابة بأجرة أو جعل أو تبرع، وهي مراد (المحرر) وإن لم يصرح بالتبرع. قال: (ويستحب تعجيله في أول) سني (الإمكان)؛ مبادرة لبراءة الذمة، فإذا خشي العضب .. لزمته المبادرة أيضًا كما تقدم في حجة الإسلام. ولو نذر المعضوب أن يحج بنفسه .. لم ينعقد نذره، وإن نذر أن يحج من ماله أو أطلق .. انعقد. قال: (فإن تمكن فأخّر فمات .. حُج من ماله) كحجة الإسلام. واحترز عما إذا مات قبل الإمكان .. فلا شيء عليه، قال في (شرح المهذب): ولا خلاف فيه. قال: (وإن نذر الحج عامه وأمكنه .. لزمه) أي: في ذلك العام على الصحيح في تعيين الزمان في العبادات، فلا يجوز تقديمه عليه كالصوم. وفي الحاوي وجه: أنه يجوز كما يجوز تقديم حجة الإسلام قبل وجوبها. واحترز بقوله: (عامه) عما إذا لم يقيده بعامه .. فيلزمه لكن في أي عام شاء، وبقوله: (وأمكنه) عما إذا نذر حج السنة ولا زمان يسع الاتيان به، والأصح: لا ينعقد؛ لتعذر اللزوم. وقيل: ينعقد، ويقضي في سنة أخرى. هذا فيمن حج، فإن لم يكن .. فإنه يقدم حجة الإسلام، ولو قدم النذر .. وقعت عن حجة الإسلام كما تقدم في (كتاب الحج). قال: (فإن منعه مرض .. وجب القضاء) كما لو نذر صوم سنة معينة فأفطر فيها لعذر المرض .. فإنه يقضي. هذا إذا منعه بعد الإحرام، فإن منعه قبله .. فلا، قاله المتولي؛ لأن المنذور حج في تلك السنة ولم يقدر عليه.

أَوْ عَدُوٌّ .. فَلاَ فِي الأَظْهَرِ – أَوْ صَلاَةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ .. وَجَبَ الْقضَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسيان وخطأ الطريق والضلال كالمرض. قال: (أو عدو .. فلا في الأظهر) كما في حجة الإسلام إذا صد عنها في أول سني الإمكان .. لا يجب قضاؤها، ويفارق المرضَ لاختصاصه بجواز التحلل به من غير شرط، بخلاف المرض. والقول الثاني: يجب، ومنهم من قطع به، ويجريان فيما لو منعه سلطان أو رب الدين وهو لا يقدر على أدائه، وفي الحصر العام والخاص اختلاف منتشر. ومنع العدو لا فرق فيه بين أن يكون قبل الإحرام أو بعده. فروع: نذر القران فأفرد او تمتع .. فقد أتى بالأفضل؛ ليخرج عن نذره، كذا قاله الشيخان. وأفاد في (المهمات): أن الدم لا يسقط عنه بعدوله إلى الإفراد. ولو نذر أن يحرم بالحج من شوال أو من بلد كذا .. لزمه في الأصح، كذا ذكره الرافعي والمصنف هنا، وجزما في الحج بأنه لا يتعين الزمان. ولو نذر أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم .. قال ابن كَج: عندي أنه يلزمه الوفاء به وجهًا واحدًا، قال: ولو نذر أن يزور غيره .. فوجهان. ولو نذر ستر الكعبة أو تطييبها .. لزمه ذلك، بخلاف سائر المساجد. قال الشيخ عز الدين: وحكم مشاهد العلماء والصلحاء كضريح الشافعي وذي النون المصري حكم البيوت لا المساجد. قال: (أو صلاة أو صومًا في وقت فمنعه مرض أو عدو .. وجب القضاء)؛ لأن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع، وقد تجب الصلاة والصوم مع العجز فلزما بالنذر، والحج لا يجب إلا عند الاستطاعة، والاعتكاف كالصوم والصلاة.

أَوْ هَدْيًا .. لَزِمَهُ حَمْلُهُ إِلَى مَكَّةَ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعبيره بـ (القضاء) يقتضي تعيين المذكورات في الوقت المعين بالنذر، وهو الذي صححه في الروضة في (الصوم) وقال: الخلاف يجري في الصلاة أيضًا، لكنه في (باب الاعتكاف) جزم في الصلاة بعدم التعيين، وهو تابع للرافعي في جميع ذلك. قال: (أو هديًا) أي: نذر أن يهدي شيئًا معينًا إلى الحرم (.. لزمه حمله إلى مكة) أي: عند الإمكان؛ لأنها محل الهدي وإن لم يسمها ولا نواها لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} وقيل: لا يلزمه حمله إليها إذا لم يصرح بها؛ حملًا على أقل واجب الشرع، فإن دم الإحصار يجزئ في غير الحرم. واقتضى كلامه تعيين النعم، وهو الأظهر؛ لأن اسم الهدي عند الإطلاق ينصرف إليه، ولا بد أن يكون بصفة الأضحية؛ لأنا سلكنا به مسلك الواجب. وقوله: (لزمه حمله) يعلم منه أن مؤنة حمله عليه، وكذلك علق الحيوان كما صرح به المارودي؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به .. فهو واجب، وهذا بخلاف ما لو قال: جعلت هذا هديًا إلى الكعبة .. لا تلزمه المؤنة، بل يباع بعضه فيها، قاله الفوراني وغيره. قال الرافعي: وأطلق مطلقون أن المؤن في ماله، فإن لم يكن له مال .. بيع بعضه في المؤنة. قال: (والتصدق به على من بها) غريبًا كان أو مستوطنًا، سواء في ذلك الفقير والمسكين. ثم إذا حصل المنذور في الحرم، فإن كان حيوانًا يجزئ في الأضحية .. وجب ذبحه وتفرقته عليهم، والأصح: تعين الحرم لذبحه كما تقدم ي (محرمات الإحرام). وإن كان من غير النعم كالظباء أو لا تجزئ في الأضحية .. لم يلزمه ذبحه في الأصح، بل يتصدق به حيًا؛ لأن الذبح ينقصه، فلو ذبحه تصدق باللحم وغرم ما نفص بالذبح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان غير حيوان .. تصدق به، فإن عسر التصدق به كاللؤلؤ والطيب والثوب الواحد .. باعه وفرق ثمنه عليهم. وإن نوى أن يخص به الكعبة .. اختص بها، فإن كان شمعًا .. أشعله فيها، أو دهنًا .. جعله لمصابيحها، وإن كان متاعًا لا يستعمل فيها .. باعه وصرف ثمنه في مصالحها، وإن لم يمكن نقله كالعقار .. باعه ونقل ثمنه؛ فإن ابن عمر سئل عن امرأة نذرت أن تهدي دارًا فقال: (تبيعها وتتصدق بثمنها على فقراء الحرم). ولو تلف المنذور المعين في يده كما لو كانت بقرة فماتت .. فالأصح: لا ضمان. فروع: من نذر الهدي وأطلق .. لزمه الجذع من الضأن، أو الثني من المعز والإبل والبقر. وإن نذر بدنة في الذمة .. لزمه، فإن لم يجدها .. أخرج بقرة، فإن فقدها .. فسبع من الغنم. ويستحب لمن أهدى شيئًا من البدن أن يشعرها بحديدة في صفحة سنامها اليمين، وأن يقلدها حزب القرب ونحوها من الخيوط المفتولة والجلود، ويقلد البقر والغنم ولا يشعرها. وصوب المصنف إشعار البقر. فإن عطب منها شيء قبل المحل .. نحره حتمًا في المنذور وندبًا في غيره وغمس نعله في دمه وضرب به صفحة سنامه وخلى بينه وبين المساكين. والذين يباح لهم الأكل من الواجب هم فقراء الركب والقافلة، وأما فقراء رفقته المختصين به .. فالأصح: تحريمه عليهم.

أَوِ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ .. لَزِمَهُ، أَوْ صَوْمًا فِي بَلَدٍ .. لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَكَذَا صَلاَةٌ إِلاَّ المَسْجِدَ الْحَرَامَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو التصدق على أهل بلد معين .. لزمه) سواء مكة وغيرها، وهذا تفريع على منع نقل الزكاة. ومقتضى كلامه: أنه لا فرق بين أهل الذمة والمسلمين والأغنياء والفقراء، وليس كذلك؛ فقد نص في (الأم) على تخصيصه بالمساكين، وصرح القاضي حسين والمروروذي والمارودي في (الإقناع) بأنه لا يجوز وضع المنذور في أهل الذمة. قال: (أو صومًا في بلد .. لم يتعين) أي: ذلك البلد، بل يلزمه الصوم ويصوم حيث شاء، كما أن الصوم الذي هو بدل واجبات الإحرام لا يختص بالحرم. وقيل: يتعين كالصلاة، ومال إليه الشيخ أبو زيد، ففي (سنن ابن ماجه) [3177]: (من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام فيه ما تيسر .. كتب له بمئة ألف شهر رمضان فيما سواه). وألحق به ابن سراقة في (التلقين) نذر العتق. وقال الشيخ زين الدين بن الكتناني: إن جميع القرب كذلك، فإذا نذر حسنة بالحرم .. وجب فعلها فيه؛ لأن الحسنة فيه بمئة ألف حسنة، والتضعيف قربة. قال: (وكذا صلاة) أي: إذا نذرها في بلد .. لا يتعين؛ لأنها لا تختلف باختلاف البقاع، هذا هو المشهور. وقيل: يتعين، وقيل: إن عين الجامع .. تعين، حكاهما في (الذخائر). وإطلاق المصنف محمول على صلاة النفل، فلو نذر صلاة الفرض في المسجد .. ففي (الوسيط): أنه يلزمه، فإن صلى في مسجد أكثر منه جماعة .. جاز. قال: (إلا المسجد الحرام) فيتعين بالنذر؛ لعظم فضله، وصح: أن الصلاة فيه بمئة ألف صلاة، رواه أحمد [3/ 343] وغيره. والمراد بـ (المسجد الحرام): جميع الحرم لا موضع الطواف فقط؛ فإن حرم مكة كمسجدها في المضاعفة كما جزم به الماوردي وتبعه المصنف في (مناسكه)،

وَفِي قَوْلٍ: وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالأَقْصَى. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: تَعْيِينُهُمَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجزم صاحب (الحاوي الصغير) بأن غير المسجد من الحرم كالمسجد في تعيينه للصلاة، وبه جزم الماوردي في مساجد الحرم كمسجد الخيف. قال: (وفي قول: ومسجد المدينة والأقصى)؛ لأنهما مسجدان تشد الرحال إليهما كما تقدم فتعينا بالنذر كالمسجد الحرام، لا جرم رجحه المصنف فقال: (قلت: الأظهر: تعيينهما كالمسجد الحرام والله أعلم) هو نصه في البويطي، وقطع به (المراوزة). وروى ابن ماجه [1407] عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: قلت: يا رسول الله؛ أفتنا في البيت المقدس، قال: (أرض المحشر والمنشر، ايتوه فصلوا فيه؛ فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره). والقول الثاني: لا يتعين؛ لما روى أبو داوود [3298] والحاكم [4/ 304] والبيهقي [10/ 82] عن جابر: أن رجلًا قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله؛ إني نذرت لله إن فتح الله عليك أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، فقال: (صل هاهنا) ثم أعاد فقال (صل هاهنا) ثم أعاد عليه فقال: (شأنك إذن). وهذا مبني على أنه إذا نذر الإتيان إليهما .. لا يلزمه كما صححه العراقيون والروياني، وهل تقوم الصلاة في أحدهما مقام الصلاة في الآخر؟ فيه أوجه، والصواب في (الروضة) – ونص عليه في (البويطي) -: أنه يقوم مسجد المدينة مقام الأقصى دون العكس؛ لحديث جابر المذكور، وجميع هذا تقدم في (باب الاعتكاف). وينبغي أن يلتحق بالمساجد الثلاثة في التعيين مسجد قباء؛ ففي (الصحيحين) [خ 1194 – م 13299/ 516]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين). وروى الترمذي [324]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ركعتان فيه كعمرة).

أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا .. فَيَوْمٌ، أَوْ أَيَّامًا .. فَثَلاَثَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الإمام أنه لو قال: أصلي في مسجد المدينة، فصلى في غيره ألف صلاة .. لم يخرج عن نذره، كما لو نذر الألف صلاة .. لا يخرج عن نذره بصلاة واحدة في مسجد المدينة، وأن شيخه كان يقول: لو نذر صلاة في الكعبة فصلى في أطراف المسجد .. خرج عن نذره. قال: (أو صومًا مطلقًا) أي: من غير تعرض لعدد بلفظ ولا نية (... فيوم)؛ لأن الصوم اسم جنس يقع على القليل والكثير، والظاهر أنه لو قال: صومًا كثيرًا أو طويلًا أو عريضًا .. لا يلزمه أكثر من يوم. قال في (الروضة): ولو قال: أصوم دهرًا أو حينًا .. كفاه يوم. واستشكل ابن الصلاح – تبعًا للماوردي والروياني – الاكتفاء بيوم وقال: ينبغي أن لا يكتفى به إذا حملنا النذر على واجب الشرع؛ فإن أقل ما وجب بالشرع صيام ثلاثة أيام. وحاول ابن الرفعة دفع هذا الإشكال فقال: لا نسلم أنه أقل صوم وجب بالشرع ابتداء، ولئن سلمنا أن ذلك يشمل ما وجب بإيجاب الشرع ابتداء أو بسبب من المكلف .. فصوم يوم فقط يجب بالشرع في جزاء الصيد، وعند إفاقة المجنون وبلوغ الصبي قبل طلوع الفجر آخر يوم من رمضان. والعجب من المعترض والمجيب، فإن أقل صوم واجب بالشرع ابتداء يوم فإن رمضان ثلاثون عبادة بدليل وجوب النية كل ليلة، وأن بعضه لا يفسد بفساد بعض. وعند مالك: جميعه عبادة واحدة فتكفي له نية واحدة، ومن يقرر هذا الأصل كيف ينكر ما تقدم. قال: (أو أيامًا .. فثلاثة)؛ لأنها أقل الجمع، ويحتمل مجيء وجه بيومين بناء على أنهما الأقل. ويجب التبييت في النية لصوم النذر على الأصح بناء على أنه يسلك به مسلك واجب الشرع، وصح في شرح المهذب الجزم به سواء سلكنا به مسلكًا الواجب أو الجائز.

أَوْ صَدَقَةً .. فَبِمَا [كَانَ،] أَوْ صَلاَةً .. فَرَكْعَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ: رَكْعَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: نذر صوم رمضان في السفر .. فالأصح عدم انعقاده؛ لأنه التزام يبطل رخصة الشرع. والخلاف جار فيمن نذر إتمام الصلاة في السفر إذا قلنا: الإتمام أفضل، وفيمن نذر القيام في النوافل، أو استيعاب الرأس بالمسح، أو تثليث الطهارة، أو أن يسجد للتلاوة أو الشكر عند مقتضيها، وصحح (الحاوي الصغير) في الأولين الانعقاد. ولو نذر اعتكافًا .. قال المتولي: كفاه أقل شيء، ويندب أن يتمه يومًا. قال: (أو صدقة .. فبما [كان]) ينطلق عليه الاسم مما يتمول ولا يتقدر بخمسة دراهم ولا بنصف دينار وإن حملنا المطلق على الواجب من جنسه. فإن قيل: لم يختلفوا هنا في الاكتفاء بما ينطلق عليه الاسم، وإذا قال: لله علي هدى .. ففي إجزاء ما يقع عليه الاسم قولان .. فالجواب: أن الصدقة يتصور وجوب القليل فيها كالواجب في أحد الخلطاء، فلهذا اختص به، وأما أقل الهدي: فلا يتصور وجوبه. فروع: نذر التصدق بمال عظيم .. قال القاضي أبو الطيب في (باب الإقرار): لا يتقدر بشيء، قال: ورأيت بعضهم يوجب فيه مئتي درهم، وقد تقدم ما في ذلك في (باب الإقرار). ولو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بشيء .. صح نذره، ويتصدق بما شاء من قليل وكثير. ولو قال: فعلي ألف ولم يعين شيئًا باللفظ ولا بالنية .. لم يلزمه شيء. قال: (أو صلاة .. فركعتان)؛ حملًا على أقل واجب الشرع. قال: (وفي قول: ركعة)؛ حملًا على جائزه، فلا يكفيه سجود التلاوة والشكر؛

فَعَلَى الأَوَّلِ: يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: لاَ. أَوْ عِتْقًا .. فَعَلَى الأَوَّلِ: رَقَبَةٌ كَفَّارَهٍ، وَعَلَى الثَّانِي: رَقَبَةٌ. قُلْتُ: الثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن ذلك لا يسمى صلاة، والقولان مأخوذان من معاني كلام الشافعي، ولم يستثنى من المرجح إلا مسالة الإعتاق، وقال المصنف (باب الرجعة): المختار: أنه لا يطلق ترجيح واحد من القولين، بل يختلف الراجح منهما بحسب المسائل؛ لظهور دليل أحد الطرفين بعض بعضها وعكسه في بعض، وكذلك الخلاف في الرجعة والإبراء. وبين في (المهمات) أن لفظ (المختار) في (الروضة) بمعنى الأصح والراجح. قال: (فعلى الأول: يجب القيام فيهما مع القدرة)؛ لأنا ألحقناه بواجب الشرع. [قال]: (وعلى الثاني: لا)؛ إلحاقًا بجائزه، ولو نذر أن يصلي قاعدًا .. قال في (الروضة): جاز أن يقعد، وإن صلى قائمًا .. فقد أتى بالأفضل، وقال بعد ثلاثة أوراق: يلزمه القيام، ووقع الموضعان كذلك في (الشرح الصغير) أيضًا. قال: (أو عتقًا .. فعلى الأول: رقبة كفارة) وهي السليمة المؤمنة؛ حملًا على الواجب. قال: (وعلى الثاني: رقبة) ولو كافرة؛ لوقوع الاسم. قال: (قلت: الثاني هنا أظهر والله أعلم)، وقال في (الروضة): صححه الأكثرون، وهو الراجح في الدليل. اهـ وهو المنصوص في (الأم)، ولم يحك ابن خيران في (اللطيف) عن الشافعي غيره. تنبيه: قال في (التحرير): قول (التنبيه): (أو عتقًا) كلام صحيح، ولا التفات إلى

أَوْ عِتْقَ كَافِرَةٍ أَوْ مَعِيبَةٍ .. أَجْزَأَهُ كَامِلَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ ناَقِصَةُ .. تَعَيَّنَتْ، أَوْ صَلاَةً قَائِمًا .. لَمْ يَجُزْ قَاعِدًا، بِخِلاَفِ عَكْسِهِ، أَوْ طُولَ قِرَاءةِ الصَّلاَةِ، أَوْ سُورَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ الْجَمَاعَةَ .. لَزِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أنكره لجهله، ولكن لو قيل: إعتاق .. كان أحسن، والعجب أن عبارة (المحرر) إعتاقًا، فغيرها بخلاف الأحسن. قال: (أو عتق كافرة أو معيبة .. أجزأه كاملة)؛ لإتيانه بما هو أفضل. قال: (فإن عين ناقصة .. تعينت)؛ لتعلق النذر بعينها، ولم يجز غيرها. فروع: لا يصح بيع العبد المنذور إعتاقه، كما لا يصح بيع أم الولد، وقد تقدمت الإشارة إليه في (شروط المبيع). ولو قال: لله علي أن أعتق هذا العبد وكان ملك غيره فملكه يومًا .. لا يلزمه عتقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر فيما لا يملك ابن آدم). ولو قال: لله علي أن أعتق هذا العبد الكافر .. لا يصح؛ لأنه جعل الكفر صفة، ولو قال: هذا العبد، وكان كافرًا .. صح كنظيره من الوقف. وفي (فتاوى القاضي حسين): لو قالت امرأة كان يموت لها أولا: إن عاش لي ولد فلله علي عتق رقبة .. فشرط لزوم العتق أن يعيش لها ولد أكثر مما عاش أولادها الموتى وإن قلت تلك الزيادة، وقال أبو عاصم العبادي: متى ولدت حيًا لزمها العتق وإن لم يعش أكثر من ساعة، قال المصنف: والأول أصح. قال: (أو صلاة قائمًا .. لم يجز قاعدًا)؛ لأنه دون ما التزم. قال: (بخلاف عكسه)؛ لإتيانه بالأفضل، وفي المسألة بسط في (المهمات). قال: (أو طول قراءة الصلاة، أو سورة معينة، أو الجماعة .. لزمه)؛ لأن ذلك طاعة، ومحل الجزم بذلك في الصلاة الملتزمة بالنذر، أما لو أفرد الصفة بالالتزام والأصل واجب كتطويل القراءة والركوع والسجود في الفرائض، وكقراءة سورة كذا في الصبح مثلًا أو أن يصليها في جماعة .. فالأصح اللزوم أيضًا.

وَالصَّحِيحُ: انْعِقَادُ النَّذْرَ بِكُلِّ قُرْبَةٍ لاَ تَجِبُ ابْتِدَاءً كَعِيَادَةٍ، وَتَشْيِيعِ جَنَازَةٍ، وَالسَّلاَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لا تتغير عن وصفها ويجريان في نذر الوتر وسائر الرواتب، فلو نذر الجماعة في الفريضة فصلاها منفردًا .. قال القاضي أبو الطيب: لا يلزمه أن يعيدها في جماعة؛ لأن الفرض سقط فسقط النذر، بخلاف ما لو نذر ركعتين جماعة فصلاهما منفردًا .. فإنه لا يجزئه. قال صاحب (التقريب): ولو نذر أن يصلي صلاتين .. لم يخرج عن نذره بأربع ركعات بتسليمه واحدة. قال: (والصحيح: انعقاد النذر بكل قربة لا تجب ابتداء) المراد القربات التي لم تشرع لكونها عبادة، وإنما هي: أعمال وأخلاق مستحسنة رغب الشرع فيها لعظم فائدتها، وقد يبتغى بها وجه الله تعالى فينال الثواب فيها. قال: (كعيادة، وتشييع جنازة، والسلام)؛ لأن ذلك من حق المسلم على المسلم. ومن ذلك زيارة القادمين بقصد القربة، وتشميت العاطس، فكلها تلزم بالنذر على الأصح. والثاني: المنع؛ لأنها ليست على أوضاع العبادات. وشملت عبارته فعل المكتوبة أول الوقت، وصلاة الفجر، وقيام الليل، والتراويح، وتحية المسجد وركعتي الإحرام والطواف إذا لم نوجبها. ولو نذر تأجيل الدين بأن قال: إن شفي الله مريضي فلا أطالب فلانًا بديني سنة .. ففيه الوجهان، حكاه في (البحر) في (باب بيع اللحم بالحيوان). وطردهما الماوردي فيما لو قال: لله علي أن أتزوج، وقصد به غض البصر وتحصين الفرج، قال: فإن قصد الاستمتاع .. لم يجب قطعًا. واحترز بقوله: (لا تجب ابتداء) عن الصلاة والصوم والحج والعتق فيلزم بالنذر، وزاد القاضي حسين في الضابط: أن لا يكون فيه إبطال رخصة؛ ليخرج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما إذا نذر أن لا يفطر في السفر في شهر رمضان .. فلا ينعقد نذره كما تقدم، لكن يرد على الضابط صور: منها: إذا قال: إن شفى الله مريضي فالله علي أن أعجل زكاة مالي .. فالأصح في زوائد (الروضة) عدم الانعقاد. ومنها: لو نذر الاعتكاف صائمًا .. فإنه يلزمه الأمران قطعًا. ومنها لو نذر قراءة (الفاتحة) إذا عطس .. قال القاضي في (فتاويه): إن كان به علة ونوى شفاءه في العطاس .. انقعد نذره بلا خلاف، وإن لم تكن به علة .. فعندي ينعقد نذره أيضًا. قال: ولو عطس هذا الناذر في ركوع أو سجود .. فعليه أن يقرأ الفاتحة بعد صلاته، فإن عطس في القيام .. قرأها في الحال؛ لأن تكرير الفاتحة في الصلاة لا يبطلها. قال: ولو نذر أن يحمد الله عقب شرب الماء .. انعقد نذره. وقول المصنف: (والسلام) أجود من قول (المحرر): السلام على الغير؛ لأنه يوهم الاحتراز عن السلام نفسه عند دخوله بيتًا خاليًا، ولا يصح الاحتراز عنه؛ فإنهما سواء، كذا قاله في (الدقائق). تتمة: نذر أن يتوضأ أو يغتسل لكل صلاة .. قال المتولي: ينعقد نذره، ولا يخرج عنه بالوضوء عن حدث، بل بالتجديد، والذي جزم به من الانعقاد جزم به القاضي حسين، وحكى في (التهذيب) وجهًا ضعيفًا: أنه لا يلزم، والمراد بالتجديد الذي يخرج به عنه: التجديد المشروع، وهو أن يكون صلى بالأول صلاةً ما على الأصح. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة في (فتاوى القفال): لو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أشتري بدرهم خبزًا وأتصدق به .. لا يلزمه الشراء إذا شفي، ويكفيه أن يتصدق بخبز قيمته درهم. ومن نذر كسوة يتيم .. وجب ثوب واحد قميص أو إزار كما في كسوة الكفارة، وقال بعضهم: لا يخرج عن نذره باليتيم الذمي؛ لأن مطلقه في الشرع المسلم، وقال المصنف: ينبغي أن يكون فيه خلاف مبني على أنه يسلك به مسلك واجب الشرع أم جائزه كما لو نذر إعتاق رقبة. ولو نذر زيتًا أو شمعًا ونحوه ليسرج في المسجد ونحوه، فإن كان ينتفع به – ولو على الندور – مصلٍ هناك أو من يقرأ على القبر أو غيرهما .. صح ولزمه الوفاء به، وإن كان يغلق ولا يتمكن أحد من دخوله والانتفاع به .. لم يصح، وإن وقد على القبر خاصة .. لم يصح، فإن حصل شيء منه .. رد إلى مالكه، وإلى وارثة بعده، فإن جهل .. صرف في مصالح المسلمين. وقال الشيخ عز الدين: المهدى إلى المساجد من زيت وشمع إن صرح بأنه نذر .. وجب صرفه إلى جهة النذر ولا يجوز بيعه وإن أفرط في الكثرة، وإن صرح بأنه تبرع .. لم يجز التصرف فيه إلا على وفق إذنه، وهو باق على ملكه، فإن طالت المدة وعرفت أن باذله مات .. فقد بطل إذنه ووجب رده إلا وارثه، فإن لم يعرف له وارث صرف في مصالح المسلمين، وإن لم يعرف قصد المهدي .. أجري عليه أحكام المنذور التي تقدمت، أو يصرف في مصالح المسلمين. * * *

كتاب القضاء

كتاب القضاء

كِتَابُ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب القضاء هو بالمد: الولاية المعروفة، وجمعه أقضية كغطاء وأغطية ورداء وأردية. قال عمر بن عبد العزيز: يحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. وهو في الأصل: إحكام الشيء وإمضاؤه وفراغه، ومنه: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} فالقاضي ينهي الأمر ويفرغ منه. وقضى بمعنى أوجب، ومنه: {وقَضَى رَبُّكَ}، فالقاضي يوجب الحكم على المحكوم عليه. والقضاء: الإتمام، ومنه: {فَإذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ}، فسمي القضاء قضاء؛ لأن القاضي يتم الأمر بالفصل ويمضيه ويفرغ منه. وسمي حكمًا لما فيه من منع الظالم من الظلم، ومنه الحكمة التي توجب وضع الشيء في محله، أو من إحكام الشيء مأخوذ من حكَمة اللجام؛ لمنعها الدابة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو في الشرع: فصل الخصومة بحكم الله تعالى. ونقل ابن بري عن بعضهم: أنه فرق بين القضاء والحكم بأن الحكم: إظهار ما يفصل به بين الخصمين قولًا، والقضاء: إيقاع ما يوجبه الحكم فعلًا. وقال ابن عبد السلام: الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه، بخلاف المفتي؛ فإنه لا يجب عليه إمضاءه. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى {وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}، {وإنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ}، {وإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} إلى غير ذلك من الآيات. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب .. فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ .. فله أجر) رواه الشيخان [خ 7352 – م 1716]، وفي رواية للحاكم [4/ 88]: (إذا اجتهد فأخطأ .. فله أجر، وإن أصاب .. فله عشر أجور). قال المصنف: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، إن أصاب .. فله أجران باجتهاده وإصابته، وإن أخطأ .. فله أجر باجتهاده في طلب الحق، وسيأتي في نقض الحكم بيان هذا الحديث. فأما من ليس بأهل للحكم .. فلا يحل له أن يحكم، فإن حكم .. فلا أجر له، بل هو آثم ولا ينفذ حكمه، سواء وافق الحق أم لا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى الأربعة والحاكم [4/ 90] والبيهقي [10/ 117]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة .. فرجل عرف الحق فقضى به، واللذان في النار: رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى للناس على جهل). فالقاضي الذي ينفذ حكمه هو الأول، والثاني والثالث لا اعتبار بحكمهما، ولذلك كان السلف يتحامون الدخول في القضاء؛ لخطر أمره روى البيهقي [10/ 97] عن محارب بن دثار: أنه كان إذا جلس للقضاء قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس هذا المجلس الذي ابتليتني به وقدرته عليه إلا وأنا أكرهه وأبغضه، فاكفني شر عواقبه. قال: وطُلب قعنب التميمي للقضاء فلم يقبل، فلم يزل به الأمير إلى أن ولي كرهًا، فدخل منزله فسقط عليه البيت فمات متواريًا. وقال أبو جعفر المنصور للّيث بن سعد: أوليك القضاء؟ فلم يفعل، فاستشاره في رجل يوليه، فأشار بعثمان بن الحكم الجذامي، فلما بلغه ذلك .. عاهد الله أن لا يكلم الليث أبدًا. وقال: وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور، فاختفى ثلاثة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيام ودعا الله فمات في اليوم الثالث. وورد في كتاب السلطان بتولية نصر بن علي الجهضمي عشية قضاء البصرة فقال: أشاور نفسي الليلة وأخبركم غدًا، فأتوا إليه من الغد فوجدوه ميتًا. ولما مات عبد الرحمن بن أذينة قاضي البصرة .. طلب أبو قلابة عبد الله بن زيد للقضاء، فهرب حتى أتى الشام، فوافق ذلك عزل قاضيها فذكر للقضاء فهرب حتى أتى اليمامة، فسئل عن ذلك فقال: ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر فما عسى أن يسبح حتى يغرق. وقال مكحول: لو خيرت بين القضاء والقتل .. اخترت القتل. وامتنع الشافعي رضي الله عنه لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب. وامتنع أبو حنيفة رحمه الله لما استدعاه المنصور، فحبسه وضربه. وحكى القاضي الطبري وغيره: أن الوزير ابن الفرات طلب أبا علي بن خيران ليوليه القضاء، فهرب منه فختم دوره نحوًا من عشرين يومًا، وأشرت إلى ذلك في المنظومة بقولي [من الرجز]: وطيَّنوا البابَ على أبي علي ... عشرين يوما لِيَلِي فما وَلِي وما أحسن قول قاضي القضاة شرف الدين بن عين الدولة [من المتقارب]: وليت القضاء وليت القضا .... ء لم يك شيئًا توليته فأوقعني في القضاء القضا .... وما كنت قدمًا تمنيته وقال قاضي القضاة عماد الدين بن السكري وقد عاتبه بعض أصحابه على توليته القضاء [من السريع]: يا ذا الذي آلمني عتبه .... أنسيت ما قدر في الماضي والله ما اخترت سوى قربه .... فاختار أن يعكس أغراضي إن الذي ساقك لي واعظًا .... هو الذي صيرني قاضي

هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر [من المتقارب]: فيا ليتني لم أكن قاضيا ... ويا ليتها كانت القاضيه قال: (هو فرض كفاية) بل هو أسنى فروض الكفايات وأعلى مراتب الولايات. فأما كونه فرضًا .. فلقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}. وقوله تعالى: {ومَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}، ولأن طباع البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق، وقل من ينصف من نفسه. ولا يقدر الإمام على فصل كل الخصومات بنفسه، فدعت الحاجة إلى ولاية القضاء. وأما كونه على الكفاية .. فلأنه أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وهما على الكفاية. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًا إلى اليمين قاضيًا فقال: يا رسول الله؛ تبعثني أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: (اللهم اهده وثبت لسانه) قال: فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين، رواه أبو داوود [3577] والحاكم [4/ 93] وقال: صحيح الإسناد. واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة واليًا وقاضيًا، وقلد معاذًا قضاء بعض اليمين. وبعث أبو بكر أنسًا إلى البحرين قاضيًا، وبعث عمر أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيًا، وابنَ مسعود إلى الكوفة، وعثمان قلد شريحًا القضاء، وعلي قلد ابن

فَإِنْ تَعَيَّنَ .. لَزِمَهُ طَلَبُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس قضاء البصرة، فلو كان فرض عين .. لم يكف واحد. وقال الرافعي: هو فرض كفاية لا غنى عنه بالإجماع. فقوله: (بالإجماع) متعلق بلا غنى عنه لا بالأول؛ فإنه بعد ذلك نقل عن ابن كج كراهته. وعن القاضي أبي الطيب: استحباب نصب القضاء في البلدان، قال ابن الرفعة: ولم أره لغيره، فعلى المشهور: إذا قام به من فيه الكفاية .. سقط الفرض عمن خوطب به، وهم من تكاملت فيهم الشروط الآتية، فإذا امتنعوا كلهم .. أثموا جميعًا، وحينئذ فالأصح: أن للإمام إجبارهم على التولية. فإن قيل: لم يذكروا هنا ما يسقط به الفرض .. فالجواب: أنه محمول على ما ذكروه في (السير) من أنه لا يكفي أن يكون في الإقليم مفت واحد تعسر مراجعته بل المعتبر مسافة القصر. لكن في (الوسيط) و (النهاية) قبيل (باب القسمة): أنه لا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاضٍ، ونقله شريح الروياني عن الإصطخري؛ لما في إحضار الخصوم من البلد البعيد من المشقة. قال: (فإن تعين .. لزمه طلبه) كغيره من فروض الكفايات إذا تعينت، فإن توقف على بذل مال .. لزمه كما يلزمه شراء الرقبة للكفارة والطعام في المجاعة، هذا هو المشهور. وقال الماوردي: لا يلزمه طلبه؛ لأن فرض التقليد على الإمام، قال ابن الرفعة: ولعله إذا علم به الإمام، وإلا .. لزمه إعلامه كما أطلقه ابن الصلاح وغيره، وعلى هذا: يستحب بذل المال ولا يجب. هذا كله إذا لم يعرض عليه، فإن عرض .. لزمه القبول بلا خلاف. وشمل إطلاقه ما إذا خاف على نفسه من الميل، وهو كذلك؛ لأن فرض العين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يسقط بخوف العاقبة، وعليه مراقبة الله فيما عليه وله. ويندب أن يقول إذا دعي: سمعًا وطاعة. والصحيح: أنه إذا امتنع من الدخول فيه .. أجبر عليه؛ لأن الناس مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه صاحب الطعام إذا منعه من المضطر. وفي وجه: لا يجبر، واستدل له الرافعي بحديث: (إنا لا نكره أحدًا على القضاء) وهو غريب، والأول أصح، وحمل الحديث على حالة عدم التعين. فإن قيل: هو بامتناعه من الواجب المتعين عليه فاسق، قال الرافعي: فيمكن أن يقال: يؤمر بالتوبة أولًا ثم يولى. واختار المصنف أنه لا يفسق؛ لأن امتناعه غالبًا بتأويل فلا يعصي وإن كان مخطئًا. وعلم من كلام المصنف: أنه لا يصير مولّىً بمجرد تعيينه وتكامل الشروط فيه، بل لا بد من تولية من الإمام؛ لأن الولاية عقد فافتقرت إلى عاقد. وحكى الماوردي فيه الإجماع، وشذ بعض أهل المذاهب فجعل ولاية القضاء عند اجتماع شروطها منعقدة بلا عاقد. وكلام الخطابي يقتضي: الانعقاد عند الضرورة من عينه الإمام ونحوه؛ فإنه ذكر في قصة مؤتة: أنه لما أصيب زيد ثم جعفر ثم ابن رواحة .. أخذها خالد من غير إمرة ففتح له، ووافق الحق، فصار ذلك أصلًا في الضرورات إذا وقعت في مهمات الدين. وترجم البخاري عليه: (باب من تأمر في الحرب من غير إمرةٍ إذا خاف العدو)، والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فليرتض المسلمون رجلًا) وخالد ارتضاه المسلمون فكان مولّىً من جهة النبي صلى الله عليه وسلم.

وَإِلاَّ: فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ وَكَانَ يَتَوَلاَّهُ .. فَلِلْمَفْضُولِ الْقَبُولُ، وَقِيلَ: لاَ. وَيُكْرَهُ طَلَبُهُ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن لم يتعين عليه (فإن كان غيره أصلح وكان يتولاه .. فللمفضول القبول) بناء على أن الإمامة العظمى تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل وهو الأصح، لأن تلك الزيادة خارجة عن حد الإمامة، والقضاء أولى بالجواز؛ لإمكان التدارك فيه بنظر من فوقه من الولاة، بخلاف الإمام. قال: (وقيل: لا) أي: لا يجوز القبول بناء على منع الانعقاد. ويدل له ما روى الحاكم [4/ 92] والبيهقي [10/ 118]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استعمل رجلًا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله عنه .. فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين). وقال الماوردي: محل القولين: إذا لم يكن عذر في تولية المفضول، فإن كان بأن كان أطوع في الناس أو أقرب إلى القلوب، أو كان الأفضل غائبًا أو مريضًا .. انعقدت قطعًا، فإن منعنا ولاية المفضول .. حرم الطلب والتولية والقبول، وإن أجزنا .. جاز القبول، وكره الطلب، وقيل: يحرم. واحترز بقوله: (وكان يتولاه) عما إذا كان لا يصلح ولا يتولاه .. فإنه كما لو لم يوجد. قال: (ويكره طلبه)؛ لما فيه من الخطر، لأن الولاية تفيد قوة بعد ضعف، وقدرة عن عجر، تتخذها النفس المجبولة على الشر ذريعة إلى الانتقام من العدو، والنظر للصديق، وتتبع الأغراض الفاسدة، ولا يوثق بحسن عاقبتها وسلامة مجاورتها، فالأولى أن لا يطلب ما أمكن، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: (لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة .. وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة .. أعنت عليها) متفق عليه [خ 6622 – م 1652].

وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ .. فَلَهُ الْقَبُولُ. وَيُنْدَبُ الطَّلَبُ إِنْ كَانَ خَامِلًا يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال صلى الله عليه وسلم: (من طلب القضاء واستعان عليه .. وكل إليه، ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه .. أنزل الله ملكًا يسدده). وقال: (من ولي القضاء .. فقد ذبح بغير سكين) رواهما أبو داوود [3573 – 3566]، وقال الترمذي: حسنان غريبان [1323 – 1325]. ومعنى الذبح في الحديث: أنه متعرض للذبح؛ فإنه يريد أن يحكم على الصديق والعدو بحكم واحد. وقيل: صار كمذبوح؛ فإنه يحتاج إلى إماتة شهوته وقهر نفسه بالمنع من المخالطة، وبغير سكين كناية عن شدة الألم؛ فإن الذبح بغيرها تعذيب، ويحتمل أنه عدل عن السكين؛ لأنه مفسد للدين لا للبدن. قال: (وقيل: يحرم) بناء على امتناع ولاية المفضول، وعلى هذا: تحرم توليته. قال: (وإن كان مثله .. فله القبول)؛ إذ لا محذور فيه، وقد أتاه من غير مسألة فيعان عليه. وعلم من قوله: (فله) أنه لا يجب عليه، وهو الأصح؛ لأن غيره قد يقوم به. وقد صحح ابن حبان [5056]: أن ابن عمر امتنع لما سأله عثمان القضاء. وظاهر عبارته استواء القبول وعدمه في حقه. وحكى الشيخ أبو خلف الطبري وجهين في الأَولى له، وصحح: أنه الأولى عدم القبول؛ لما فيه من الخطر، خصوصًا إذا خاف على نفسه اتباع الهوى، قال الرافعي: وينبغي أن يحترز؛ فإن أهم الغنائم حفظ السلامة. قال: (ويندب الطلب إن كان خاملًا يرجو به نشر العلم)؛ لحصول المنفعة بنشره. و (الخامل): الساقط الذِّكر الذي لا يعرف.

أَوْ مُحْتَاجًا إِلَى الرِّزْقِ، وَإِلًا .. فَالأَوْلَى تَرْكُهُ. قُلْتُ: وَيْكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو محتاجًا إلى الرزق) أي: مع الشهرة؛ لأنه يكسب كفايته بسبب هو طاعة، لما في العدل من جزيل الثواب. وقال القفال: لا يندب الطلب بحال، ولكن تستحب له الإجابة إذا طلب، وقال بعض أصحابنا: يكره الطلب مطلقًا؛ لظاهر حديث عبد الرحمن بن سمرة. وفي (صحيح مسلم) [1733]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدًا سأله ولا أحدًا حرص عليه). و (حرص) بفتح الراء، ومن الصور التي يستحب فيها الطلب أيضًا: إذا كانت الحقوق مضاعة؛ لجور أو عجز، أو فسدت الأحكام بتولية جاهل فقصد بالطلب تدارك ذلك، ويندب حينئذ بذل المال لتحصيله، وقد أخبر الله تعالى عن يوسف عليه السلام: أنه طلب فقال:، وإنما طلب ذلك شفقة على المسلمين لا منفعة لنفسه. هذا إذا لم يكن هناك قاض مولّىً، فإن كان وهو غير أهل .. فكالعدم، وإن كان أهلًا والطالب يروم عزله .. فهذا الطلب محظور وهذا الطالب مجروح، سواء كان فاضلًا أو مفضولًا. قال: (وإلا) أي: وإن كان مع الشهرة مكفيًا (.. فالأولى تركه) أي: ترك الطلب إذا كان من أهل العفة والأمانة مكفيًا معروفًا بالعلم يرجع إليه في الفتاوى .. فالأولى له الاشتغال بنشر العلم والفتيا؛ لما في القضاء من الأخطار، وعلى هذا: يحمل امتناع من امتنع من تقليد القضاء من السلف الصالح. قال: (قلت: ويكره على الصحيح والله أعلم) أي: الطلب والقبول إن لم يطلبه، وهذا الذي صححه الرافعي في (الشرح)، وقال هنا: إنه يروى عن الشافعي: أنه أوصى المزني في مرض موته أن لا يتولى القضاء، وعرض عليه كتاب الرشيد بالقضاء .. فلم يجبه إليه. اهـ. والمعروف: أن الذي كتب بالقضاء إلى الشافعي المأمون بن الرشيد كما تقدم.

وَالاِعْتِبَارُ فِي التَّعْيِينِ وَعَدَمِهَ بِالنَّاحِيَةِ. وَشَرْطُ الْقَاضِي: مُسْلِمٌ، مُكَلَّفٌ، حُرٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ولأن الولايات تستخرج من النفوس خبايا البليات، ومن العصمة ألا يقدر. قال: (والاعتبار في التعيين وعدمه بالناحية) فلا يجب على من يصلح للقضاء طلب القضاء ببلدة أخرى لا صالح بها، ولا قبوله إذا ولي. قال الرافعي: يجوز أن يفرق بينه وبين القيام بسائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر كالجهاد وتعلم العلم ونحوهما، فإن تلك يمكن القيام بها والعود إلى الوطن، وعمل القضاء لا غاية له، فالانتقال له هجرة، وترك الوطن بالكلية تعذيب. قال: (وشرط القاضي: مسلم) فلا تجوز تولية الكافر لا على المسلمين ولا على الكافرين؛ لقوله تعالى: {ولَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}، ولا سبيل أعظم من القضاء. قال الماوردي والروياني: وما جرت به العادة من تنصيب الحاكم بين أهل الذمة منهم .. فتقليد رئاسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء، ولا يلزمهم حكمه بإلزامه، بل بالتزامهم، ولا يلزمون بالتحاكم عنده. وهذا الشرط داخل في اشتراط العدالة، والمصنف كثيرًا ما يكتفي باشتراط العدالة عن اشتراط الإسلام. قال: (مكلف) فلا يولى صبي ولا مجنون؛ لنفصهما، ولأنهما لا يتعلق بقولهما حكم على أنفسهما فعلى غيرهما أولى. وقد ادعى الإمام الإجماع عليه في المجنون، وسواء المنقطع وغيره. وقال الماوردي: لا يكفي العقل الذي يتعلق به التكليف حتى يكون صحيح الفكر جيد الفطنة بعيدًا عن السهو والغفلة؛ ليتوصل إلى وضوح المشكل. قال: (حر) فلا تصح ولاية الرقيق، ولا من بعضه رقيق، سواء تعلق به سبب العتق كالمكاتب والمدبر أو لا بالقياس على الشهادة، ولأنه ناقص عن ولاية نفسه، فعن ولاية غيره أولى.

ذَكَرٌ، عَدْلٌ، سَمِيعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ذكر) فلا تصح ولاية المرأة ولو فيما تقبل شهادتها فيه ولو بين النساء؛ لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}. وفي (البخاري) [4425] عن أبي بكرة نفيع بن الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأه)، ولأنهن ناقصات عقل ودين، والمرأة مأمورة بالستر، والقاضي يحتاج إلى مخالطة الرجال. وأبعد ابن جرير فجوز تقليد المرأة القضاء مطلقًا. وجوزه أبو حنيفة فيما يجوز أن تكون شاهدة فيه. فلو ولى حنفي امرأة فيما تقبل شهادتها فيه على معتقده فحكمت .. قال الإصطخري: نقض قضاءها، وقال غيره: لا. والخنثى المشكل كالمرأة، فإن بانت ذكورته قبل التولية .. صحت توليته قطعًا، وإن بانت بعدها .. لم تبن صحتها على المذهب. قال: (عدل) فلا يولى الفاسق؛ لأن الله تعالى شرط العدالة في أقل الحكومات فقال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ}، ولأنه ممنوع من النظر في مال الولد مع وفور شفقته فنظره في أمر الكافة أولى بالمنع، والعدالة معتبرة في سائر الولايات. والمراد: فاسق بما لا شبهة له فيه. قال المارودي: وهو أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفًا عن المحارم، متوقيًا للمآثم، بعيدًا عن الريب، مأمونًا في الرضا والغضب، مستعملًا لمروءة مثله في دينه ودنياه، فإن انخرم منها شيء .. منع الولاية كما يمنع قبول الشهادة. ومن لا تجوز شهادته من المبتدعة لا تجوز توليته القضاء، وقال الماوردي: لا تجوز تولية الشيعة. قال: (سميع)؛ لأن الأصم لا يفرق بين الإقرار والإنكار، فإن كان يسمع ولو بصياح في أذنه .. فهو سميع، فلو طرأ الصمم على السمع .. انعزل.

بَصِيرٌ، نَاطِقٌ، كَافٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (بصير) فلا يولّى الأعمى؛ لأنه لا يعرف الطالب من المطلوب، فلو سمع البينة ثم عمي .. قضى على الأصح. وفي وجه ضعيف اختاره ابن أبي عصرون – وبه قال مالك –: تصح ولايته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة. والجواب: أنه كان في إمامة الصلاة دون الحكم، لكن روى الطبراني في (معجمه الكبير) [11/ 147]: أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على الصلاة وغيرها من أمورها المدينة. وتستثنى صورتان: إحداهما: إذا نزل من في القلعة على حكم أعمى. والثانية: إذا سمع البينة قبل العمى. ويجوز أن يكون القاضي أعور بخلاف الإمام كما تقدم في (قتال البغاة). قال: (ناطق) فلا تصح تولية الأخرس؛ لأنه كالجماد، وفي من فهمت إشارته وجه ضعيف. قال: (كاف) الكفاية: كلمة جامعة، وهي شرط في صحة كل ولاية، وهي هنا: النهضة والقيام بعمل القضاء، فلا تجوز تولية المغفل ومختل النظر بكبر أو مرض ونحوهما.

مُجْتَهِدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحتجوا لاعتبار هذا الشرط بما روى مسلم [1826]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: (إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تتأمرن على اثنين، ولا تليَنَّ مال يتيم). قال الشيخ عز الدين: وذلك أن الولاية لها شرطان: العلم بأحكامها والقدرة على تحصيل مصالحها ودرء مفاسدها، وقد نبه عليهما يوسف عليه السلام بقوله: {إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}. فإذا فقد الشرطان .. حرمت الولاية. ومن لا تقبل شهادته من أهل البدع لا يصح تقليده القضاء، وكذا لا يجوز تقليد من لا يقول بالإجماع، أو لا يقول بأخبار الآحاد، وكذا حكم نفاة القياس الذين لا يقولون بالاجتهاد أصلًا، بل يتبعون النصوص فإن لم يجدوا .. أخذوا بقول سلفهم كالشيعة. فإن كانوا مجتهدين في مجرى الكلام ويثبتون الأحكام على عموم النصوص وإشاراتها .. جاز تقليدهم على الأصح. قال: (مجتهد) فلا تصح تولية الجاهل بالأحكام الشرعية وطرقها المحتاج إليها، ولأنه لا يصلح للفتوى فالقضاء أولى، قال الله تعالى: {ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا}. والضمير في (عنه) يعود على ما ليس للإنسان به علم، ويكون المعنى: أن الله يسأل سمع الإنسان وبصره وفؤاده عما قال مما لا علم له به، فيقع تكذيبه من جوارحه، وذلك غاية الخزي. ويحتمل عوده على (كل) التي هي السمع والبصر والفؤاد؛ أي: أن الله يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده فكأنه قال: كل هذا كان الإنسان عنه مسؤولًا، فهو على حذف مضاف. ولا يخفى أنه يستثنى من هذا المحكَّمُ في النكاح كما تقدم في بابه. وقال أبو حنيفة: تجوز تولية العامي، ثم هو يسأل أهل العلم.

وَهُوَ: أَنْ يَعْرِفَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ، وَخَاصَّةُ وَعَامَّهُ، وَمُجْمَلَهُ وَمُبَيَّنَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهو: أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام)؛ لأن أهلية الاجتهاد لا تحصل إلا بالعلم بالكتاب والسنة. وآيات الأحكام – كما قيل – خمس مئة آية، وفيه نظر؛ فإن الأحكام كما تستنبط من الأوامر والنواهي تستنبط من القصص والمواعظ ونحوهما، وكذلك قيل: أحاديث الأحكام خمس مئة حديث. وكان الحافظ عبد الغني جعل (العمدة) خمس مئة حديث كذلك. قال الغزالي: ولا حاجة إلى تتبع الأحاديث على تفرقها وانتشارها، بل يكفي أن يكون له أصل مصحح وقعت العناية فيه بجمع أحاديث الأحكام كـ (سنن أبي داوود)، وسبقه إلى ذلك البندنيجي، واعترض عليه المصنف في التمثيل بـ (سنن أبي داوود) بأنه لم يستوعب الصحيح من الأحكام ولا اشترطه، وكم في (الصحيحين) من حديث حكمي ليس فيه، ولا يرد؛ فإنه لم يدع استيعاب الجميع، بل الاعتناء بالجميع. ولا يشترط حفظ الآيات عن ظهر قلب، قال الروياني: وكذلك الأخبار، لكن نقل الفوراني عن النص: أنه يشترط حفظ جميع القرآن. قال: (وخاصه وعامه) فـ (الخاص): خلال العام، و (العام): لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر. ولا بد من معرفة العام المخصوص، والمراد به الخصوص والخاص الذي أريد به العموم. وأفرد المصنف الضمير حملًا على لفظ (ما). قال: (ومجمله ومبينه) فـ (المجمل): ما لم تتضح دلالته، و (المبين) ضده. قال: (وناسخة ومنسوخه) فيعلم ما نسخ لفظه وبقيت تلاوته وعكسه، وجميع أنواعه التي قررها العلماء فيه.

وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ وَغَيْرَهُ، وَالْمُتَّصِلَ وَالْمُرْسِلَ، وَحَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَلِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَنَحْوًا، وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِجْمَاعًا وَاخْتِلاَفًا، وَالْقِيَاسَ بِأَنْوَاعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن برهان: ولا بد من معرفة أسباب النزول، وكذلك لا بد من معرفة المطلق والمقيد، والمتشابه والمفصل، والنص والظاهر؛ لأن الجهل بهذه الأشياء يمنع من الاجتهاد. قال: (ومتواتر السنة وغيره) وهو الآحاد. وقيل: لا يوجد اليوم حديث متواتر إلا ثلاثة تواتر معناها: حديث إتيان الحوض، وحجة الوداع، (ومن كذب علي متعمدًا ...)، واقتصر بعضهم على الحديث الثالث. قال: (والمتصل والمرسل، وحال الرواة قوة وضعفًا)؛ لأنه بذلك يتوصل إلى تقرير الأحكام. قال: (ولسان العرب لغة ونحوًا) فيعرف صيغ الأمر والنهي، والخبر والاستفهام، والوعيد والوعد، والإطلاق والتقييد، والأسماء والأفعال والحروف، وما لا بد منه في فهم الكتاب والسنة. قال الزمخشري: علوم العربية ترتقي إلى اثني عشر علمًا، غير أن أصولها أربعة: اثنان يتعلقان بالمفردات هما اللغة والتصريف، ويليهما الثالث وهو علم النحو؛ فإن المركبات هي المقصود منه وهو كالنتيجة لها، ثم علم المعاني. قال: (وأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم إجماعًا واختلافًا)؛ حتى لا يخالف الإجماع باختيار قول ثالث. قال: (والقياس بأنواعه) أي: جليه وخفيه، وصحيحه وفاسده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يشترط التبحر في هذه العلوم، بل تكفي معرفة جمل منها، فلا يكون في النحو كسيبويه، وفي اللغة كالخليل، بل المعتبر ما يوصله إلى معرفة الحكم، وتعلم ذلك سهل؛ لأنه جمع ودون. واقتصار المصنف على الأدلة الأربعة المتفق عليها يقتضي أنه لا تشترط معرفة المختلف فيها كالاستصحاب، والمصالح المرسلة، وقياس العكس، والأخذ بأقل ما قيل، ولا بد من معرفتها؛ لترتب بعض الأحكام عليها. وأفهم أنه لا تشترط معرفة أصول الاعتقاد، لكن حكى الرافعي عن الأصحاب اشتراطه، وهذا إنما حكاه الغزالي في (المستصفى) عن الأصوليين، ثم خالفهم وقال: يكفي اعتقاد جازم، ولا تشترط معرفتها على طريق المتكلمين؛ فإنها لم تكن في عهد الصحابة. واجتماع هذه العلوم إنما يعتبر في المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الأبواب، أما المقلد .. فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه. قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: لا يخلو العصر عن مجتهد إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة. وأما قول الغزالي والقفال: إن العصر خلا عن المجتهد المستقل .. فالظاهر أن المراد: مجتهد قائم بالقضاء؛ فإن العلماء كانوا يرغبون عنه. قال ابن الرفعة: ولا يختلف اثنان أن ابن عبد السلام وابن دقيق العيد بلغا رتبة الاجتهاد. وقال ابن الصلاح: إمام الحرمين والغزالي والشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الأئمة المجتهدين في المذهب. وقال مالك: خصال القضاء لا تجتمع الآن في أحد، فإذا اجتمعت في شخص خصلتان .. رأيت أن يولى العقل والورع، فبالعقل يسأل وبالورع يكف، فمن شأن ابن آدم أن لا يعلم كل شيء، ومن شأنه أن يعلم ثم ينسى، ومن شأنه أن يعلم ثم يزيده الله علمًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال عمر بن عبد العزيز: لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيًا حتى تكون فيه خمس خصال: العفة والحلم والعلم واستشارة ذوي الرأي وأن لا يبالي بملامة الناس. وقال القاضي أبو الطيب: من جمع شرائط القضاء ولكن بلسانه لكنة تمنعه من تقويم (الفاتحة جاز أن يولى القضاء. ويستحب أن يكون القاضي كامل الأعضاء، قرشيًا، حسن الصفات والخط، ولا يشترط أن يحسن الكتابة على الأصح، وأن يكون زائد الورع، كثير التقوى، خاليًا عن الشبهة في الاعتقاد، متضلعًا بعلوم الشروط والأقضية، متصفًا بكل صفة جميلة تزيده هيبة في النفوس وعظمة. ورعاية العلم والتقوى أولى من رعاية النسب، وأن يكون حكيمًا ذا فطنة ويقظة لا يؤتى من غفلة ولا يخدع لغرة، صحيح الحواس، عالمًا بلغات أهل ولايته، جامعًا للعفاف نزهًا، بعيدًا من الطمع، بريئًا من الشحناء، صدوق اللهجة، ذا رأي ومشورة، إذا وعد وفى، لين الكلمة، ظاهر السكينة والهيبة والوقار. وروي: أن عليًا ولى أبا الأسود الدؤلي القضاء ساعة ثم عزله فقال: لمَ عزلتني؟ فو الله ما خنت ولا جنيت! فقال: (بلغني أن كلامك يعلو الخصوم). وقال الحليمي: ينبغي للإمام أن لا يولي الحكم بين الناس إلا من جمع إلى العلم السكينة والتثبت، وإلى الفهم الصبر والحلم، وكان عدلًا أمينًا، نزهًا عن المطاعم الدنيئة، ورعًا عن المطامع الرديئة، شديدًا قويًا في ذات الله، متيقظًا متحفظًا من سخط الله، ليس بالنكس الخوار فلا يهاب، ولا المتعظم الجبار فلا ينتاب، بل وسطًا خيارًا. ولا يدع الإمام مع ذلك أن يديم الفحص عن سيرته والتعرف بحاله وطريقته، فيقابل منه ما يجب تغييره بعاجل التغيير، وما يجب تقريره بأحسن التقرير، وأن يكف الأمراء والعمال عن معارضته ومزاحمته، ويأمرهم جميعًا بطاعته فيما يتصل بالانقياد للأحكام من نقض أو إبرام. ويتوقى أن يقال في ولايته: هذا حكم الله وهذا حكم الديوان؛ فإن هذا شرك

فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا أَوْ مُقَلِّدًا .. نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من قائله، إذ لا حكم إلا الله، وإن سمع الوالي من قال ذلك وأقره عليه .. فهو مثله. قال: (فإن تعذر جمع هذه الشروط فولى سلطان له شوكة فاسقًا أو مقلدًا ... نفذ قضاؤه للضرورة)؛ لئلا تتعطل مصالح الناس. ويؤيده: أنا ننفذ قضاء البغاة لمثل هذه الضرورة؛ كذا نقله الرافعي عن الغزالي ثم قال: وهو حسن، لكن قال ابن شداد وابن أبي الدم وابن الصلاح: ما قاله الغزالي لا نعلم أحدًا قاله، بل قطع الأصحاب قاطبة بأن الفاسق لا ينفذ حكمه وإن ولاه الإمام، وحكاه القاضي عن النص، وجزم به الشيخان في (باب البغاة). وإذا كان قاضي البغاة تعتبر فيه مع العلم العدالة بلا خلاف فكيف تنفذ أحكام قاضي أهل العدل مع فسقه؟ وهذه المقالة لم ينفرد بها الغزالي، بل جزم بها الدرامي في (الاستذكار)، والجاجرمي في (الإيضاح). ويستدل له بإجماع الأمة على تنفيذ أحكام الحكام الظلمة وأحكام من ولوا. وأما القاضي العادل إذا استقضاه أمير باغ .. أجابه إليه، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك لمن استقضاه زياد فقالت: إن لم يقض لهم خياركم .. قضى لهم شراركم. والمنقول: أن قضاء الفاسق لا ينفذ، وقال ابن الرفعة: كلام صاحب الكافي دال على تردد فيه إذا كان ثَمَّ من يصلح، فإن لم يكن .. فلا وجه إلا تنفيذ حكمه، قال: ولو استولى الكفار على إقليم فولوا القضاء رجلًا مسلمًا .. يظهر نفاذ حكمه للضرورة، قال: وإذا ابتلينا بولاية امرأة أو صبي القضاء .. ففي نفوذه وقفة. قال الأذرعي: وخرج بـ (السلطان) ما إذا ولى قاضي القضاة في النواحي من ليس بأهل .. فالظاهر أن حكمه لا ينفذ، ويفارق السلطان لخوف سطوته وبأسه، بخلاف القاضي غالبًا.

وَيُنْدَبُ لِلإِمَامِ إِذَا وَلَّى قَاضِيًا أَنْ يَاذَنَ لَهُ فِي الاِسْتِخْلاَفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أطلق الرافعي أنه إذا استخلف من لا يصلح للقضاء .. فأحكامه باطلة لا يجوز إنفاذها. فرع: إذا لم يكن في البلد إلا مفت واحد يصلح للفتوى .. تعين عليه أن يفتي، فإن كان هناك غيره .. فهو من فروض الكفايات، ومع هذا لا يحمد التسارع إليه؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم – مع مشاهدتهم الوحي – يحيل بعضهم على بعض في الفتوى، ويحترز عن استعمال الرأي والقياس ما أمكن، وقد أطال المصنف هنا في الروضة في صفات المفتي والمستفتي. فرع: لا يشترط أن يكون للمجتهد مذهب مدون، وإذا دونت المذاهب .. فهل يجوز للمقلد أن ينتقل من مذهب إلى مذهب؟ الأصح: الجواز كما لو قلد في القبلة هذا أيامًا وهذا أيامًا. ولو قلد مجتهدًا في مسائل وآخر في مسائل أخرى واستوى المجتهدان عنده أو خيرناه .. فالذي يقتضيه فعل الأولين الجواز، كما أن الأعمى إذا قلنا: لا يجتهد في الأواني والثياب .. له أن يقلد في الثياب واحدًا وفي الأواني آخر؛ لكن الأصوليون منعوا منه للمصلحة. وقال أبو إسحاق: إذا اختار من كل مذهب ما هو أهون .. فسق به، وعن ابن أبي هريرة: لا يفسق. قال: (ويندب للإمام إذا ولى قاضيًا أن يأذن له في الاستخلاف)؛ ليكون أسهل له وأسرع إلى فصل الخصومات، ويتأكد ذلك عند اتساع الخطة وكثرة الرعية واتساع العمل. قال الماوردي: وإذا قلده بلدًا وسكت عن ذكر ضواحيها، فإن جرى العرف

فَإِنْ نَهَاهُ .. لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. اسْتَخْلَفَ فِيمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لاَ فِي غَيْرِهِ فِي الأَصَحِّ. وَشَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ كَالْقَاضِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ بإفرادها عنها .. لم تدخل في ولايته، وإن جرى بإضافتها .. دخلت، وإن اختلف العرف .. روعي أكثرهما عرفًا، فإن استوى .. روعي أقربهما عهدًا. قال: (فإن نهاه .. لم يستخلف)؛ لأنه لم يرض بنظر غيره. فإن كان ما فرضه إليه لا يمكنه القيام به .. قال القاضي أبو الطيب: كان النهي كالعدم. قال الرافعي: والأقرب أحد أمرين: إما بطلان التولية وبه قال ابن القطان، وإما اقتصاره على الممكن وترك والاستخلاف، قال المصنف: وهو أرجحهما. قال: (وإن طلق .. استخلف فيما لا يقدر عليه)؛ لأن العرف يقتضيه فحملت التولية عليه. قال: (لا في غيره في الأصح)؛ لأن العرف لا يقتضيه. والثاني: يستخلف في الجميع كالإمام، واختاره ابن أبي عصرون؛ لأن الإمام لما ولاه .. صار ناظرًا للمسلمين، فله الاستنابة فيما له التصرف فيه كالإمام. كل هذا في الاستخلاف العام، أما الأمور الخاصة كتحليف وسماع بينة .. فقطع القفال بجوازه للضرورة، ومقتضى كلام الأكثرين أنه على الخلاف. ومحل الخلاف عند الإطلاق في العجز المقارن، أما الطارئ كما لو مرض أو أراد أن يغيب عن البلد لشغل .. فيجوز له الاستخلاف قطعًا، قاله في (التهذيب)، ولا يأتي هذا في حالة النهي. قال ابن سريج: ولو جعل لرجل التزويج والنظر في أمر اليتامى .. لم يكن له أن يستنيب فيه، ونقله الرافعي عنه في (فصل العزل) وأقره، فليس للعاقد ولا لناظر الأيتام الاستنابة فيما فوض إليهما. قال: (وشرط المستخلف كالقاضي)؛ لأنه فرعه فاشترط فيه ما اشترط فيه. ويؤخذ من هذا: أنه له أن يستخلف أباه وابنه، وبه صرح الماوردي والبغوي

إِلاَّ أَنْ يُسْتَخْلَفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ – كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ – فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَيَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ أَوِ اجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ إِنْ كَانَ مُقَلِّدًا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ خِلاَفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهما، كما أن للإمام أن يستخلف في أعماله من يرى من أولاده، ومحل جواز استخلاف الولد أو الوالد إذا ثبتت عدالته عند عيره، لكن يستثنى من ذلك إذا فوض الإمام إليه اختيار قاض .. فإنه لا يختار ولده كما لا يختار نفسه. قال: (إلا أن يستخلف في أمر خاص – كسماع بينة – فيكفي علمه بما يتعلق به)، ولا تشترط فيه رتبة الاجتهاد، كذا نقله الرافعي هنا عن الجويني وغيره، وجزم في الكلام على التزكية بأنه إذا نصب حاكمًا في الجرح والتعديل .. تعتبر فيه صفات القضاء. وإذا جوزنا الاستخلاف فاستخلف حنفيًا أو مالكيًا أو بالعكس .. فالمشهور: الجواز. قال: (ويحكم باجتهاده أو اجتهاد مقلده) أي: بفتح اللام (إن كان مقلدًا)؛ لأنه إنما يحكم بما يعتقده. قال: (ولا يجوز أن يشرط عليه خلافه)؛ لأنه لا يعتقد ذلك. والمراد: إذا شرط على النائب المجتهد أن يخالف اجتهاده ويحكم باجتهاد المنيب .. لم يجز، وكذا إذا جاز تولية المقلد للضرورة .. فاعتقاد مقلده في حقه كاجتهاد المجتهد لا يجوز أن يشترط عليه الحكم بخلافه. فلو خالف وشرط القاضي الحنفي على نائبه الشافعي الحكم بمذهب أبي حنيفة.

وَلَوْ حَكَّمَ خَصْمَانِ رَجُلًا فِي غَيْرِ اللهِ تَعَالَى .. جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في (الوسيط): له الحكم بالمسائل التي اتفق عليها المذهبان فقط. وسئل الدامغاني عن حنفي ولى شافعيًا على أن يحكم بمذهب أبي حنيفة هل يصح؟ قال: نعم؛ لأن القاضي أبا حازم ولى ابن سريج ببغداد على أن لا يقضي إلا بمذهب أبي حنيفة فالتزمه. وفي (فتاوي القاضي حسين): لو شرط عليه أن لا يقضي بشاهد ويمين ولا غائب .. لغا الشرط وقضى باجتهاده. قال: (ولو حكم خصمان رجلًا في غير حَقِّ الله تعالى .. جاز)؛ ففي (سنن البيهقي) [10/ 145]: أن عمر وأبي بن كعب تحاكما إلى زيد بن ثابت في نخل، وعثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم [5/ 268]، وعمر والعباس إلى أبي بن كعب في أرض بالقرب من المسجد، ولم ينكر ذلك أحد. واستدل الرافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: (من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل .. فعليه لعنة الله). ولو لم يكن لحكمه اعتبار ولزوم .. لما كان لهذا التهديد معنىً، والحديث غريب لا يعرف. نعم؛ روى أبو داوود [4916] والنسائي [8/ 226] وابن حبان [504] والحاكم [1/ 24]: أن هانئًا الحارثي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه .. سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلِمَ تكنى بذلك؟! قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء .. أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما أحسن هذا؟! فما لك من الولد؟) قال: شريح وعبد الله ومسلم، قال: (من أكبرهم؟) قال: شريح، قال: (فأنت أبو شريح) ودعا له ولولده. وكان شريح بن هانئ من أعيان أصحاب علي، شهد معه حروبه كلها، وعاش مئة وعشرين سنة.

مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَجُوزُ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عَدَمُ قَاضٍ فِي الْبَلَدِ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَالٍ دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ إِلاَّ عَلَى رَاضٍ بِهِ، فَلاَ يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما حدود الله تعالى .. فلا يحكم فيها؛ إذ ليس لها طالب معين، ولأنها أمور خطرة فتناط بنظر الحكام، وهذا الاستثناء من زيادات (المنهاج) على (المحرر) ولا بد منه، لكن قوله: (خصمان) يوهم اعتبار الخصومة، وليس كذلك؛ فإن التحكيم يجري في النكاح، فلو قال: اثنان .. كان أحسن. وقوله: (رجلًا) يوهم عدم جواز اثنين. وقال في (المطلب): لو تحاكما إلى اثنين .. لم ينفذ حكم أحدهما حتى يجتمعا. قال: (مطلقًا) أي: سواء كان في الأموال أم غيرها، وسواء كان هناك قاض أم لم يكن، وسواء كان المحكم فيه قصاصًا أم نكاحًا أو غيرهما مما سيأتي. قال: (بشرط أهلية القضاء)؛ لأن ذلك منزل منزلة الحكم، فإذا لم يكن أهلًا .. لم ينفذ حكمه اتفاقًا. قال: (وفي قول: لا يجوز)؛ لأن تقليد القضاء من مناصب الإمام فلا يثبت للآحاد، ولأن في ذلك افتتانًا على الإمام والحكام، وإنما تحاكم عمر وعثمان مع خصميهما؛ لأنهما خصميهما؛ لأنهما إمامان فتحكيمهما تولية للحكم، واختاره الإمام والغزالي. قال: (وقيل: يشترط عدم قاض في البلد)؛ لأن في جواز ذلك مع وجود القاضي تفويت الحكومات عليه. قال: (وقيل: يختص بمال دون قصاص ونكاح ونحوهما) كاللعان واحد القذف؛ لأنها أمور خطرة فتناط بنظر القاضي ومنصبة. والصحيح: لا فرق؛ لأن من صح حكمه في المال .. صح في غيره كالمولَّى من جهة الإمام. قال: (ولا ينفذ حكمه إلا على راض به، فلا يكفي رضا قاتل في ضرب دية على عاقلته) إن لم يرضوا بحكمه، ولا يكفي رضا القاتل.

فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ .. امْتَنَعَ الْحُكْمُ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الأَظَهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يكفي رضاه، والعاقلة تبع له. وخصه السرخسي بقولنا: تجب الدية على الجاني، ثم تتحملها العاقلة، فإن قلنا: تجب عليهم ابتداء .. اشترط رضاهم قطعًا، واستحسنه الرافعي. وما ذكره من اشتراط الرضا محله: إذا كان المحكم غير القاضي، فلو كان أحد المتحاكمين القاضي نفسه .. فالمذهب أنه لا يشترط رضا الآخر؛ لأن المحكم نائبه، وهذا حيث له أن يستنيب. فروع: ليس للمحكم الحبس على الأصح، بل غايته الإثبات والحكم. قال في (الوسيط): وإذا حكم بشيء من العقوبات كالقصاص وحد القذف .. لا يستوفيه؛ لأن ذلك خرم لأُبَّهة الولاية، وإذا رفع حكمه إلى القاضي .. لم ينقضه إلا حيث ينقض حكم قاضي الإمام. والراجح: أنه ليس له أن يحكم بعلمه؛ لانحطاط رتبته. وإذا ثبت الحق عند المحكم وحكم به أو لم يحكم .. فله أن يشهد على نفسه في المجلس خاصة؛ لأن قوله بعد الافتراق لا يقبل كالقاضي بعد العزل، قاله الماوردي. وإذا تحاكم رجل وبكر إلى فقيه ليزوجها منه وجوزنا التحكيم فيه فقال المحكم: حكمتني لأزوجك من هذا فسكتت .. كان سكوتها إذنًا كما لو استأذنها الولي فسكتت. قال: (فإن رجع أحدهما قبل الحكم .. امتنع الحكم)، حتى لو أقام المدعي شاهدين فقال المدعى عليه: عزلتك .. لم يكن له أن يحكم. قال: (ولا يشترط الرضا بعد الحكم في الأظهر) كحكم الحاكم. والثاني: يشترط؛ لأن رضاهما معتبر أولًا في ابتداء الحكم، فكذلك في انتهائه.

وَلَوْ نَصَبَ قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ وَخَصَّ كُلًا بِمَكَانٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ نَوْعٍ .. جَازَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَخُصَّ فِي الأَصَحِّ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو نصب قاضيين ببلد وخص كلًا بمكان أو زمن أو نوع) بأن جعل أحدهما يحكم في الأموال والآخر في الدماء والفروج. قال: (.. جاز)؛ لأن الضرورة قد تدعو إلى ذلك، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا وأبا موسى حاكمين إلى اليمن، وأردفهما بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم. قال ابن كج: وكذا لو ولاهما على أن يحكم كل واحد منهما في الواقعة التي يرفعها المتخاصمان إليه. فإن شرط عليهما الاجتماع في الحكم .. لو يجز، قال ابن الرفعة: بالاتفاق؛ لأن اختلاف الاجتهاد غالب، والتقليد ممتنع، فيؤدي إلى بقاء الخصومات واستمرار المنازعات. قال: (وكذا إن لم يخص في الأصح) كما إذا عمم؛ لأنهما كالوكيلين والوصيين. والثاني: لا يجوز كالإمامة العظمى، وصححه الإمام والغزالي وابن أبي عصرون، ونقله مجلي عن الأصحاب، فعلى هذا: إن ولاهما معًا .. بطلت ولايتهما، أو متعاقبين .. صحت تولية الأول دون الثاني. قال: (إلا أن يشترط اجتماعهما على الحكم) فإنه لا يجوز؛ لأن بذلك يكثر الخلاف في مواقع الاجتهاد فتتعطل الحكومات. فرعان: أحدهما: تلوية القضاء تنعقد بما تنعقد به الوكالة، وهو المشافهة باللفظ، والمراسلة والمكاتبة عن الغيبة. وصريح اللفظ: وليتك القضاء، واستخلفتك واستنبتك، واقض بين الناس، أو احكم ببلد كذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والكنايات: اعتمدت عليك في القضاء، أو فوضته إليك، أو أسندت. وعند المشافهة يشترط القبول على الفور، وفي المراسلة والمكاتبة لا يشترط الفور. وسبق في (الوكالة) خلاف في اشتراط القبول، وفي الفور يأتي مثله هنا. والثاني: إذا خلا الزمان عن إمام وعن سلطان ذي كفاية .. فأطلق الإمام في (الغياثي) أن الأمور موكولة إلى العملاء، ويلزم الأمة الرجوع إليهم، ويصيرون ولاة العباد، فإن عسر جمعهم على واحد .. استقل أهل كل ناحية باتباع علمائهم، فإن كثر علماء ناحية .. فالمتبع أعلمهم، فإن استووا واتفقوا على أحدهم .. فذاك، وإن تنازعوا أقرع. تتمة: يجب على الإمام نصب قاض في كل بلدة وناحية خالية عن قاض، فإن عرف حال من يوليه عدالة وعلمًا .. فذاك، وإلا .. أحضره وجمع بينه وبين العلماء؛ ليعرف علمه، ويسأل عن سيرته جيرانه وخلطاءه. فلو ولى من لا يعرف حاله .. لم تنعقد توليته وإن عالم بعد ذلك كونه بصفة القضاء. وما ذكروه من عدم الصحة قد استشكل قديمًا؛ لأنه قد تبين اجتماع الشروط حالة الولاية، وليس هو مما تعتبر فيه النية حتى يقال: إنه أقدم عليه مترددًا فلا يصح كما لو اقتدى بمن بان رجلًا، بل هذا نظير البيع والنكاح والإجارة وغيرها من العقود المستجمعة للشروط في نفس الأمر لا في ظن العاقد. وقد أجابوا في جميعها بالصحة كما إذا باع مال أبيه على ظن حياته، بل هذه أولى بالصحة؛ لظنه هناك عدم وجود الشروط، لأن الفرض أنه ظنه لغيره، وهاهنا لم يظن شيئًا. والجواب: أن تولية الحاكم حكم بأهلية المولَّى، وليس للحاكم أن يحكم إلا بعد

فَصْلٌ: جُنَّ قَاضٍ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ عَمِيَ، أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ وَضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ، لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قيام المستند، حتى لو حكم ثم قامت بينة بعد ذلك على وفق الحكم .. لم يكن ذلك الحكم نافذًا. ويجوز أن يجعل الإمام نصب القاضي إلى والي الإقليم وأمير البلد وإن لم يكن المعجول إليه صالحًا للقضاء؛ لأنه سفير محض. قال: (فصل: جن قاض، أو أغمي عليه، أو عمي، أو ذهبت أهلية اجتهاده وضبطه بغفلة أو نسيان .. لم ينفذ حكمه)؛ لأن القضاء عقد جائز، ولهذا له عزل نفسه، وللإمام عزله. وقيل: لا يبطل به وإن بطلت الوكالة به؛ لأنه أقوى منها، حكاه في (البحر) وضعفه، والذي جزم به الرافعي والمصنف في الإغماء حكاه الروياني وجهًا وضعفه واستبعده، والقول بعدم انعزاله وجه محكي في (الوكالة)، وفي الحكمين في الشقاق، وقد حكاه الرافعي فيه، ولم يحكه في (القضاء)، والقضاء أقوى من الوكالة وأولى بعدم الانعزال، كما قال في (البحر). واختار الشيخ عدم الانعزال بالإغماء، وأنه لا يسلب الولايات؛ لأنه مرض يطرأ ويزول، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في بابي (الوكالة) (والقراض). وينبغي أن يفصل بين أن يطول زمنه فينعزل به، أو لا فلا يوثر كالنوم. وأما العمى .. ففيه الوجه الشاذ الذي تقدم، وفي معناه الخرس والصمم، وذهاب أهلية الاجتهاد والضبط؛ فإنه ركن في القضاء. وهل العمى إذا عرض سالب للولاية أو مانع؟ فيه وجهان اختلف في تصحيح ما يترتب عليهما، فصححوا عود ولايته إذا شفي، وصححوا فيما إذا عمي بعد الدعوى عنده وسماع البينة نفوذَ قضائه على المتحاكمين المعروفين، فحينئذ تستثنى هذه من إطلاق المصنف.

وَكَذَا لَوْ فَسَقَ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الأَحْوَالُ .. لَمْ تَعُدْ وِلاَيَتُهُ فِي الأَصَحِّ. وَلِلإِمَامِ عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراده بعدم نفوذ حكمه: انعزاله كما صرح به الأصحاب. قال: (وكذا لو فسق في الأصح)؛ لوجود المنافي. والثاني: ينفذ حكمه كالإمام الأعظم والمسألة تقدمت في (الوصايا). وقال الماوردي والروياني: إن أصر على الفسق .. انعزل، وإن أقلع بتوبة ومعصية حفية .. لم ينعزل. قال: (فإن زالت هذه الأحوال .. لم تعد ولايته في الأصح) كالوكالة، ولأن الشيء إذا .. بطل لم ينقلب إلى الصحة بنفسه وإن زال المانع كالبيع ونحوه. والثاني: تعود من غير استئناف؛ لأن التولية الأولى اقتضت دوام الولاية، فإذا وجد المانع ثم زال .. وجب العود؛ لمقتضى السبب الأول. وفي (أمالي السرخسي): القطع بأن الإغماء إذا زال .. تعود الولاية، بخلاف الجنون. ولو ارتد ثم أسلم .. لم تعد ولايته قطعًا. ويجري الخلاف في الوصي وقيم الحاكم، بخلاف الأب والجد؛ لقوة ولايتهما. ولو زالت أهلية الناظر المشروط في أصل الوقف ثم عادت .. عادت ولايته جزمًا كما أفتى به المصنف؛ لقوته، إذ ليس لأحد عزله ولا الاستبدال به. ولو أخبر الإمام بموت القاضي أو جنونه أو فسقه فولى غيره ثم بان خلافه .. لم يقدح ذلك في ولاية الثاني. وإذا أنكر كونه قاضيًا .. نقل في (البحر) عن جده أنه ينعزل، وأقره ابن الرفعة عليه، ويشبه أن يقال: إن كان له غرض في ذلك .. لم ينعزل، وإلا .. انعزل كالوكيل. ولو سافر القاضي سفرًا طويلًا بغير إذن الإمام .. لم ينعزل بذلك. قال: (وللإمام عزل قاض ظهر منه خلل)؛ لأنه يجب عليه أن ينظر للمسلمين بالمصلحة، وهذا عين المصلحة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ففي (سنن أبي داوود): أن النبي صلى الله عليه وسلم عزل إمامًا كان يصلي بقوم ويبصق في القبلة، وقال: (لا يصلي بهم بعدها أبدًا) وإذا ثبت هذا في إمامة الصلاة .. فالقاضي أوبى. قال في (الوسيط): وتكفي فيه غلبة الظن، وبه جزم في (الشرح الصغير). ومن غلبة الظن: كثرة شكوى رعيته، وكراهيتهم له، فقد عزل عمر سعدًا عن الكوفة لما شكوه إليه، واعتذر عن عزله، وأدخله عند موته في الستة الذي جعل الأمر شورى بينهم وقال: (إني لم أعزله لعجز ولا لخيانة) رواه البخاري في (باب مناقب عمر). قال الشيخ عز الدين: ومن دقيق النظر الذي لا يفهمه إلا مثل عمر رضي الله عنه من إقامة حقوق الله وحقوق المسلمين: أن عمر عزل خالد بن الوليد عن قنسرين، وأشخصه إلى المدينة لما بلغ عمر إضافة الناس الفتوح إلى خالد، ونسوا إضافة ذلك إلى الله تعالى، فعزله خوفًا على المسلمين من ذلك. لكن في (مسند أحمد) [3/ 475] في عزله سبب آخر غير هذا، أخرجه عن ناشرة بن سمي اليزني قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول في خطبته: (إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس وذا الشرف وذا اللسان، فنزعته وأمرت أبا عبيدة، فقال أبو عمرو بن حفض: والله ما عدلت! نزعت عاملًا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغمدت سيفًا سله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعت لواء نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: إنك حديث السن مغضب في ابن عمك). وفي (أمالي ابن عبد السلام): يجب العزل مع الريبة؛ دفعًا للمفسدة، لقوله صلى الله عليه وسلم (من ولي من أمور المسلمين شيئًا ثم لم يجتهد لهم ولم

أَوْ لَمْ يَظْهَرْ وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ وَفي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، لَكِنْ يَنْفُذُ الْعزْلُ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ينصح .. فالجنة عليه حرام). قال: (أو لم يظهر وهناك أفضل منه)؛ لما في ذلك من تحصيل مصلحة زائدة. قال: (أو مثله) وكذا دونه (وفي عزله به مصلحة كتسكين فتنة) هذا قيد في المثل لا في الأفضل، وقيده في (المحرر) بعدم الفتنة في عزله أيضًا فقال: أو مثله وفي عزله به للمسلمين مصلحة، وليس في عزله فتنة. قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم تكن فيه مصلحة .. فليس له عزله. وشملت عبارة المصنف مسألتين: إحداهما: أن لا تكون في عزلة مصلحة. والثانية: أن يكون الموجود دون المتولي فلا يجوز العزل فيهما. هذا ظاهر كلامه، وسوى في (الروضة) و (الشرحين) بين المثل والدون فقال: وإن كان مثله أو دونه، فإن كان بالعزل به مصلحة من تسكين فتنة ونحوها ولو على سبيل الاحتمال .. فللإمام عزله، فإن لم تكن فيه مصلحة .. لم يجز. ونقل في (الشرح الكبير) هذا التفصيل عن الإمام، وجزم به في (الروضة) و (الشرح الصغير). كل هذا إذا وجد من يصلح للقضاء، وإلا .. لم يجز عزل الصالح، ولا ينعزل بالعزل. قال: (لكن ينفذ العزل في الأصح)؛ للمصلحة وطاعة السلطانة. والثاني: لا؛ لأنه لا خلل في الأولى، فلا خلل في عزله. ونقل ابن أبي الدم طريقة ثالثة: أنه ينعزل قولًا واحدًا.

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرَ عَزْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: سكوت المصنف عن العزل بعزل نفسه يوهم أنه لا ينعزل بذلك، والذي جزم به الشيخان: أن للقاضي أن يعزل نفسه كالوكيل. وقال الماوردي في (الإقناع): لا ينعزل إلا بإذن من ولاه؛ لأنه لم يول نفسه فلم يجز أن يعزلها. وفي (البحر) و (الحاوي): إن كان معذورًا .. جاز اعتزاله، وإلا .. فلا بد من إعلام الإمام واستعفائه. وقال القاضي شريح: إن لم يتعين عليه .. انعزل، وإن تعين .. لم ينعزل بعزل نفسه في أظهر الوجهين، وبهذا جزم ابن عبد السلام. هذا في الأمر العام، أما الوظائف الخاصة كالإمامة والأذان والتصوف والتدريس والطلب والنظر ونحوه .. فلا ينعزل أربابها بالعزل من غير سبب كما أفتى به كثير من المتأخرين، منهم قاضي القضاة تقي الدين بن رزين والشيخ؛ فقال: ولي تدريسًا .. لم يجز عزله بمثله ولا بدونه، ولا ينعزل بذلك، ولا شك في التحريم. وفي (الروضة) في آخر (باب الفيء): أنه إذا أراد ولي الأمر إسقاط بعض الجند المثبتين في الديوان بسبب .. جاز، وبغير سبب لا يجوز. وإذا ثبت هذا في الحقوق العامة .. ففي الخاصة أولى، وقد قالو: إن الفقيه لا يزعج من بيت المدرسة، لثبوت حقه بالسبق. قال: (والمذهب: أنه لا ينعزل قبل بلوغه خبر عزله)؛ لعظم الضرر بنقص الأحكام وفساد الأنكحة وإبطال التصرفات العامة، بخلاف الوكيل. وقيل: على قولين كالوكيل، لكن يستثنى من هذا ما إذا علم الخصم أنه

وَإِذَا كَتَبَ الإِمَامُ إِلَيْهِ: إِذَا قَرَاتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ، فَقَرَأَهُ .. انْعَزَلَ، وَكَذَا إِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الأَصَحَّ، وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَانْعِزَالِهِ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ مَيْتٍ، والأَصَحُّ: انْعِزَالُ نَائِبِهِ الْمُطْلَقِ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الاِسْتِحْلاَفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معزول .. فلا ينفذ حكمه عليه؛ لعلمه أن غير حاكم باطنًا، ذكره المارودي في (النكاح). فإن رضيا بحكمه .. كان كالتحكيم بشرطه، ولم يتعرضوا لما يحصل به بلوغ الخبر، وينبغي إلحاق ذلك بخبر التولية، بل أولى حتى يعتبر شاهدان، وتكفي الاستفاضة. قال: (وإذا كتب الإمام إليه: إذا قرأت كتابي فأنت معزول، فقرأه .. انعزل)؛ لوجود القراءة، ولا ينعزل قبل القراءة قطعًا. واحترز المصنف بقوله: (إذا قرأه) عما إذا كتب إليه: عزلتك أو أنت معزول من غير تعليق على القراءة .. فإنه كما لو عزله بلفظه، ففيه الطريقان. قال: (وكذا إن قرئ عليه في الأصح)؛ لأن الغرض إعلامه، سواء كان قارئًا أو أميًا وجوزناه. والثاني: لا ينعزل؛ لأنه علقه على أمر لم يوجد، والانعزال في الأمي أولى. والظاهر: أنه تكفي هاهنا قراءة موضع العزل فقط لا جميع الكتاب، ولا يأتي في الخلاف السابق في الطلاق فيما إذا ذهب بعضه أو انمحق. قال: (وينعزل بموته وانعزاله من أذن له في شغل معين كبيع مال ميت) كالوكيل؛ فإنه ينعزل بموت الموكل، وكذا بيع مال غائب أو سماع بينة في حادثة معينة. قال: (والأصح: انعزال نائبه المطلق إن لم يؤذن له في الاستخلاف)؛ لأن

أَوْ قِيلَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ عَنْ نَفْسِكَ، أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قَالَ: اسْتَخْلِفْ عَنِّي .. فَلاَ. وَلاَ يَنْعَزِلُ قَاضٍ بِمَوْتِ الإِمَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستخلاف هاهنا لحاجته إلى من يعاونه في العمل وقد زال بزوال ولايته. قال: (أو قيل له: استخلف عن نفسك، أو أطلق)؛ لظهور غرض المعاونة، وبطلانها ببطلان ولايته. قال: (فإن قال: استخلف عني .. فلا)؛ لأنه مأذون من جهة الإمام، وكان الأول سفيرًا محضًا في التولية. والثاني: ينعزل مطلقًا كما ينعزل الوكيل بموت الموكل. والثالث: لا مطلقًا؛ رعاية لمصلحة الناس. والرابع: إن استخلف بالإذن .. لم ينعزل، وإلا .. انعزل. والخامس: إن كان المولي قاضي القضاة .. لم ينعزل بموته وعزله من ولاَّه، قاله المارودي. فرع: تنازع خصمان في الحضور إلى الأصل والنائب، طلب أحدهما الرفع إلى الأصل والآخر إلى النائب .. قال في (الحاوي): إن كان القاضي يوم الترافع ناظرًا .. فالداعي إليه أولى بالإجابة من الداعي إلى نائبه؛ لأنه الأصل، وإن كان الناظر نائبه .. فالداعي إليه أولى؛ لأنه أعجل. وقال الإمام والغزالي: يجاب الداعي إلى الأصل مطلقًا. قال: (ولا ينعزل قاض بموت الإمام) أي: ولا بانعزاله؛ لأن الإمام يعقده للمسلمين، فإذا مات .. لم يبطل ما عقده لغيره، كولي المرأة إذا زوجها ثم مات .. لم يبطل النكاح.

وَلاَ نَاظِرُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ، وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدً عَزْلِهِ: حَكَمْتُ بِكَذَا، فَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ .. لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ .. قُبِلَتْ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم من ولاه الإمام حكمًا عامًا يختص بمصالح الولاية كالقاضي، وذلك كنظر الجيوش والحسبة ووكالة بيت المال، فلا ينعزل متولي ذلك بموت الإمام. وقد غلط بعض الفقهاء فأفتى بعزل وكيل بيت المال بعزل السلطان ظنًا منه أنه كالوكيل ينعزل بموت الموكل، والصواب: عدم انعزاله؛ لأنه ليس وكيلًا عنه، بل متوليًا كالحاكم. قال: (ولا ناظر يتيم ووقف بموت قاض)؛ لئلا تنسد أبواب المصالح، وجعلهما الغزالي كالخلفاء. قال: (ولا يقبل قوله بعد عزله: حكمت بكذا)؛ لأنه لا يملك الحكم حينئذ فلا يقبل إقراره به. قال: (فإن شهد مع آخر بحكمه .. لم يقبل على الصحيح)؛ لأنه يشهد بفعل نفسه. والثاني: يقبل؛ لأنه لم يجر لنفسه بذلك نفعًا ولم يدفع ضررًا. ومحل الخلاف في غير الإقرار، فإذا شهد أنه أقر في مجلس حكمه .. قبلت شهادته قطعًا؛ لأنه لم يشهد على فعل نفسه. قال الماوردي: ولا يحتاج في هذا الإقرار إلى استرعاء؛ لأن الإقرار في مجلس الحكم استرعاء، فإن أراد أنه يقبل مع شاهد آخر أو مع يمين المدعي .. فواضح، وإن أراد أن يقبل وحده معه إلزام الحكم .. ففيه نظر. قال: (أو بحكم حاكم جائز الحكم .. قبلت في الأصح) كما تقبل شهادة المرضعة كذلك. والثاني: المنع؛ لأنه قد يريد نفسه وكما لا يجوز لشاهد الفرع إبهام شاهد الأصل وإن وصفه بالعدالة وزكَّاه.

وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ: حَكَمْتُ بِكَذَا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلاَيَتِهِ .. فَكَمَعْزُولٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل الوجهان في الكتاب فيما إذا لم يعلم القاضي أنه يعني نفسه فإن علم .. فكما لو أضاف إلى نفسه، أو هما إذا علم، وإلا .. قبل قطعًا؟ فيه احتمالان للرافعي، صحح المصنف الأول. قال: (ويقبل قوله قبل عزله: حكمت بكذا)؛ لقدرته على الإنشاء حينئذ، حتى لو قال على سبيل الحكم: نساء هذه القرية طوالق من أزواجهن .. قبل قوله من غير حجه. وعن مالك: لا يقبل قوله إلا بحجة بينة. ورد بولي البكر المجبر إذا قال: زوجتها من هذا .. فإنه يقبل بالإجماع، ففرق مالك بأن ولي البكر غير مهتم؛ لتمام شفقته، بخلاف الحاكم. قال الشيخ عزل الدين: وقول مالك متجه. قال: (فإن كان في غير محل ولايته .. فكمعزول)؛ لأنه ليس له إنشاء الحكم ثَمَّ، فلا يقبل إقراره. والمراد بـ (محل ولايته): بلد قضائه. وظن بعضهم أنه لا ينفذ حكمه في غير مجلسه المعد للحكم، وهو خطأ صريح نبه عليه ابن الصلاح والمصنف في (الطبقات). وقوله: (كمعزول) يفهم أن الولاية ليست ثابتة له في هذه الحالة، ويؤيده أن الواحد من العصبات لا يسمى وليًا في النكاح قبل الإذن حقيقة، لكن كلام الإمام مصرح بأن الولاية ثابتة، وإنما تعذر الشرط نفوذ الحكم، ولهذا إذا عاد .. لا يحتاج إلى تولية جديدة.

وَإِذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرَشْوَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَبْدِيْنِ مَثَلًا .. أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُما، وَإِنْ قَالَ: حَكَمَ بِعَبْدِيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا .. أُحْضِرَ. وَقِيلَ: لاَ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا ادعى شخص على معزول أنه أخذ ماله برشوة أو شهادة عبدين مثلًا) أي: أو غيرهما ممن لا تقبل شهادته. قال: (.. أحضر وفصلت خصومتهما)؛ لأن هذا كالغصب، وله أن يوكل ولا يحضر، فإذا حضر أو وكيله .. استؤنفت الدعوى. وإنما يجب إحضاره إذا ذكر شيئًا يقتضي المطالبة شرعًا كما مثله المصنف، فلو طلب إحضاره إلى مجلس الحكم ولم يعين شيئًا .. لم يجب إليه؛ إذ قد لا يكون له حق، وإنما قصد ابتذاله بالخصومة. و (الرشوة) مثلثة الراء: عطية بشرط أن يحكم له بغير حق، أو يمتنع عن الحكم عليه بحق، بخلاف الهدية؛ فإنها عطية مطلقًا. وأول من ارتشى في الأحكام يرفأ حاجب عمر، فلما علم به .. عزله. قال: (وإن قال: حكم بعبدين، ولم يذكر مالًا .. أحضر)؛ ليجيب عن دعواه كما لو طلب إحضار غيره، كذل صححه في (الروضة)، ولم يطلقه في (أصلها)، بل نقله عن الروياني وغيره، وظاهر ما في (الصغير) و (المحرر) ترجيح الوجه الثاني؛ إذ قال في (المحرر): رجحه مرجحون، وفي (الشرح) الصغير رجعه البغوي، ولم يتعرض فيهما لتجيح الأول. قال في (الدقائق): وليس ما في (المنهاج) مخالفًا لما في (المحرر)؛ لأنه لا يمنع أن الأول رجحه آخرون أو الأكثرون، قال: وقد صحح هو الأول في (الشرح)، وصححه آخرون. اهـ وليس في (الشرحين) هاهنا إلا ما تقدم من الإغراء. قال: (وقيل: لا حتى تقوم بينة بدعواه)؛ لأن الظاهر جريان حكمه على الصواب، واختاره الشيخ.

فَإِنْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ .. صُدِّقَ بِلاَ يَمِينٍ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: بِيَمِينٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ ادُّعِيَ عَلَى قَاضٍ جَوْرٌ فِي حُكْمٍ .. لَمْ يُسْمَعْ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن حضر وأنكر .. صدق بلا يمين في الأصح) واستحسنه الرافعي في) الكبير)، ورجحه في (الصغير) أيضًا، وصححه الشيخ في (الحلبيات)؛ لأنه أمين الشرع فيصان منصبه عن التحليف والابتذال بالمنازعات الباطلة كالمودع. قال: (قلت: الأصح: بيمين والله أعلم)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (واليمين على من انكر) واختاره العراقيون والروياني، ولا فرق في ذلك بين أن يدعي عليه الحكم في مال أو دم. ثم إن المصنف خالف هذا في (الروضة) في (الدعاوى)، فصحح في الباب الثالث: أن القاضي المعزول لا يحلف، وهو الصواب؛ فقد نص عليه الشافعي كما نقله شريح الوياني في (روضته)، والعموم مخصوص بالمعنى كما خصت الملامسة بالمحارم، فإن اليمين إنما توجهت على المنكر لاتهامه بدفع الضرر عن نفسه، وهو منتف عن القاضي؛ لأنه أمين الشرع فلا تتطرق إليه تهمة، وأحكامه الأصل فيها السداد حتى يقوم دليل على خلافه. هذا فيمن عزل مع بقاء أهليته أما من ظهر فسقه وجوره وعلمت خيانته .. فالظاهر أنه يحلف قطعًا، ولا يأتي فيه خلاف. والدعوى على نائب المعزول كالدعوى على المعزول؛ لانعزاله بعزله على الأصح، وأما امناؤه الذين يجوز لهم اخذ الجرة إذا حوسب بعضهم فبقي عليه شيء فقال: أخذت هذا المال أجرة على عملي، وصدقه المعزول .. لم ينفعه تصديقه، ويسترد منه ما يزيد على أجرة المثل. قال: (ولو ادعي على قاضٍ) أي: في حال ولايته (جور في حكم .. لم يسمع، ويشترط بينة)؛ لأنه لو فتح باب التحليف .. لتعطل القضاء، وعلله الشيخ بأن القاضي نائب الشرع، والدعوى على النائب دعوى على المستنيب، والدعوى على الشرع لا تسمع.

وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ .. حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ. فَصْلٌ: لِيَكْتُبِ الإِمَامُ لِمَنْ يُوَلِّيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن فرض إقامة بينة عادلة .. فقد خرج عن إنابة الشرع، فتسمع إذ ذاك كما أن المعزول ليس نائبًا للشرع الآن. وكذلك الشاهد إذا ادعي عليه أنه شهد بالزور وأريد تحليفه كما سيأتي في كلام المصنف في (الدعوى). وعن الشيخ أبي حامد: أن قياس المذهب التحليف في الجميع كسائر الأمناء إذا ادعيت خيانتهم. قال: (وإن لم تتعلق بحكمه .. حَكَمَ بينهما خليفتُه أو غيره)؛ لأجل فصل الخصومة. تتمة: إذا لم يتظلم متظلم على القاضي المعزول .. لم يجب على المولى تتبع أحكامه، وفي جوازه وجهان: أحدهما: نعم احتياطًا. والثاني – وهو الذي يظهر من جزم (الروضة) -: لا؛ لأنه قدح فيه، ولأن الظاهر منها السداد، فإن ظهر له فيها المخالفة، فإن تعلقت بحق الله كطلاق وعتق .. قال القاضي أبو الطيب: فسخها، وإلا .. لم يتعرض لها؛ لأن لها مستحقًا معينًا. هذا في أحكام الصالح للقضاء، اما من لا يصلح .. فتنتقض أحكامه كلها، أصاب فيها أم أخطأ؛ لأنه حكم من لا يجوز حكمه فأشبه احكام بعض الرعية من غير تحكيم، كذا صرح به طوائف من العراقيين. قال: (فصل: ليكتب الإمام لمن يوليه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم كتابًا حين بعثه إلى اليمن وهو ابن سبع عشرة سنة، رواه أصحاب السنن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكتب لحبان الصدائي، رواه أحمد مطولًا [4/ 168]، وابن أبي شيبة مختصرًا وكتب لوائل بن حجر. وكتب أبو بكر لأنس حين بعثه إلى البحرين، وختمه بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري في (الزكاة) [3106]. وروى حارثة بن مضرب: أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: أما بعد: فإني بعثت إليكم عمارًا أميرًا وعبد الله بن مسعود قاضيًا ووزيرًا، فاسمعوا لهما وأطيعوا؛ فقد آثرتكم بهما. وقال القفال الشاشي: ينبغي أن يتخذ الإمام لنفسه نسخة منه؛ ليتذكر بها إن نسي أنه ولاه. ويستحب أن يعظه فيه، وأن يوصيه بتقوى الله، والعمل بما في العهد، ومشاورة أهل العلم، وتفقد الشهود والأطفال وغير ذلك. وفي معنى الإمام: القاضي الكبير إذا استخلف في أعماله البعيدة. وينبغي للقاضي أن يتصفح كل ما يكتب عنه؛ لاحتمال أن يصف عليه الكاتب شيئًا. وإتيان المصنف بـ (لام الأمر) يقتضي وجوب الكتابة، وليس كذلك بالاتفاق، بل هو مستحب، ولهذا لم يكتب النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل، بل اقتصر على وصيته. ويستحب أن يقرأ عليه عهد عمر الذي كتبه إلى أبي موسى، رواه أحمد والدراقطني [4/ 206] والبيهقي [10/ 135]. قال الشيخ أبو إسحاق في (الطبقات): وهو من أجل كتاب؛ فإنه بين فيه آداب القضاء وصفة الحكم وكيفية الاجتهاد واستنباط القياس، ولفظه:

وَيُشْهِدْ بِالْكِتَابِ شَاهِدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا ولي إليك؛ فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا احل حرامًا او حرم حلالًا. ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق، واجعل للمدعي أمدًا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة .. أخذت له بحقه، وإلا .. استحلت عليه القضية؛ فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حد، أو مجربًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو نسب، فإن الله تعالى تولى منكم السرائر، ودرأ بالبينات والأيمان. وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات؛ فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر، ويجزل عليه الذخر، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه .. كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه .. شأنه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام. قال: (ويشهد بالكتاب شاهدين) سواء قرب محل الولاية أم بعد؛ لقوله تعالى: {وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}، فيقرآنه أو يقرأه الإمام عليهما. فإن قرأه غير الإمام .. فالأحوط أن ينظرا فيه، ولو أشهدهما ولم يكتب .. كفى؛ فإن الاعتماد على الشهود، وهذه الشهادة ليست على قواعد الشهادات؛ إذ ليس هناك

يَخْرُجَانِ مَعَهُ إِلَى الْبَلَدِ يُخْبِرَانِ بِالْحَالِ، وَتَكْفِي الاِسْتِفَاضَةُ فِي الأَصَحِّ، لاَ مُجَرَّدُ كِتَابٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ قاض تؤدي عنده الشهادات، بل يكفي إخبار محل اهل الولاية بها. قال: (يخرجان معه إلى البلد يخبران بالحال) ولا يشترط لفظ الشهادة ولا تقدم دعوى. وقال الماوردي: يشهدان عند اهل العمل، فإذا شهدا .. لزمهم طاعته. قال: (وتكفي الاستفاضة في الأصح)؛ لأنها آكد من الشهادة، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين الإشهاد. والثاني – وبه قال أبو إسحاق -: لابد من الإشهاد؛ لأن العقود لا تثبت بالاستفاضة كالبيع والوكالة والإجارة. ومحل الخلاف في البلد القريب، ومنهم من أطلقه كما فعل المصنف. قال الرافعي: ويشبه أن لا يكون في هذا خلاف، ويكون التعويل على الاستفاضة. قال: (لا مجرد كتاب على المذهب)؛ لإمكان تحريفه، قال تعالى: {ولَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}، ولأن الخط لا يعتمد في كثير من الأحكام. والطريقة الثانية حاكية لوجهين. وجه القبول: عدم الجرأة في مثل ذلك على الإمام، وصححه الهروي والجاجرمي. وخص الإمام والغزالي موضع الخلاف بظهور مخايل الصدق في الكتابة، فإن تجرد عن ذلك .. لم يكف قطعًا. وذكر المصنف في زوائد (الروضة) و (شرح المهذب) أنه يجوز الاعتماد في الفتوى على خط المفتي إذا اخبره من يقبل خبره أنه خطه، أو كان يعرف خطه ولم يشك فيه، وينبغي اعتباره هنا أيضًا.

وَيَبْحَثُ الْقَاضِي عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ وَعُدُولِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفهم كلام المصنف انه لا يكفي مجرد إخبار القاضي لهم، ولا خلاف في ذلك إن لم يصدقوه، فإن صدقوه .. ففي لزوم طاعته عليهم وجهان في (الحاوي)، وقياس ما سبق في (الوكالة) انه تلزمهم طاعته؛ فإن الإمام لو أنكر توليته .. كان القول قوله. قال: (ويبحث القاضي عن حال علماء البلد وعدوله)؛ لأنه لا بد له منهم، فندب تقديم العلم بهم، وهذا قبل خروجه، فإن لم يتيسر .. سأل في الطريق، فإن لم يجد .. فحين يدخل، يسأل عنهم سرًا وعلانية ليعاملهم إذا دخل عليهم بما يليق بهم؛ ففي الناس بر وفاجر، وأمين وخائن، اللهم إلا أن يكون يعلم بحالهم. نصيحة: قال الشيخ: ينبغي للقاضي أن لا يغفل عن ثلاثة أمور: مراقبة الله تعالى في الإخلاص، والنبي صلى الله عليه وسلم في أنه لا يدخل في شريعته ما ليس منها، وعباد الله اجمعين في أنه لا يحصل لأحد منهم أذى من جهته إلا إذا وجب عليه بالشرع شيء، فيكون فعله تنفيذًا لحكم الشرع لا من جهة نفسه. ولا يعجل بمدح ولا ذم، ولا قول ولا فعل، ولا يسمع من أحد في أحد حتى يتروى. وإذا قيل له في أحد شيء فطباع التأثر .. فيمسك نفسه ويصبر حتى ينظر في ذلك القول إذا خلي وحده، ويحاسب نفسه مع ربه، ويعرض ما هَمَّ به على الشرع المبين. ويجرد نفسه عن الغرض، ويفعل ذلك مرة بعد مرة، فإذا تبين له أمر .. أقدم عليه. وفي (كامل ابن عدي) وغيره عن الحسن: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذ احدًا بقرف أحد، ولا يسمع كلام أحد في أحد.

وَيَدْخُلُ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الزبيلي في (أدب القضاء): يجب على من ولي القضاء أن يذكر مقامه بين يدي الله تعالى يوم يدعى للحساب. وقال محمد بن واسع: أول من يدعى للحساب يوم القيامة القضاة. وقال عبد الله بن وهب: العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين. ولذلك لما عرض عليه القضاء .. جنن نفسه ولزم بيته، وقرئ عليه كتاب (أهوال يوم القيامة) فخر مغشيًا عليه، ولم يتكلم حتى مات في اليوم الثالث في سنة تسع وتسعين ومئة. قال: (ويدخل يوم الإثنين)؛ ففي (البخاري) [3906]: ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فيه حين تعالى النهار. فإن فاته .. فيوم الخميس؛ لما روى ابن ماجه [2237] عن أبي هريرة: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم؛ بارك لمتي في بكورها يوم الخميس). ويستحب ان يكون دخوله أول النهار؛ للحديث المذكور، وكذلك كل من له وظيفة كقراءة أو تسبيح أو اعتكاف ونحوها من العبادات، أو صنعة أو عمل من العمال، أو أراد سفرًا أو إنشاء أمر كعقدة نكاح؛ لما روى الأربعة واحمد [3/ 417] عن صخر بن وداعة الغامدي – بالغين المعجمية والدال المهملة، ولا يعرف له غير هذا الحديث -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أو جيشًا .. بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلًا تاجرًا، وكان إذا بعث تجارة .. بعثها أول النهار، فأثرى وكثر ماله.

وَيَنْزِلُ وَسَطَ الْبَلَدِ، وَيَنْظُرُ أَوَّلًا فِي أَهْلِ الْحَبْسِ – فَمَنْ قَالَ: حُبِسْتُ بِحَقٍّ .. أَدَامَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وينزل وسط البلد)؛ لئلا يطول الطريق على بعضهم، ويجمع الناس، ويقرأ عليهم العهد، ويتسلم المحاضر والسجلات من القاضي الذي كان قبله ليحفظها على أربابها، ويتسلم منه أموال الأيتام والضوال والوقوف وغيرها. قال: (وينظر أولًا في اهل الحبس)؛ لأنه عذاب، وإدامته بلا سبب لا سبيل إليها. قال الرافعي: وهذا مستحب، وقال الإمام: واجب، وليس هذا من تعقيب أحكام القاضي الأول حتى يجب فيه الاستعداد، بل لنه قد يكون فيه مظلوم لا يتمكن من التظلم. وكيفية النظر أن يبعث أمينين او أمينًا وشاهدين ليكتبا أسماء من فيه وأسماء من حبسهم وفي أي شيء حبسوا، ويقرع الأمين بينهم، فمن خرجت قرعته قدم اسمه ثم يقدمه في النظر في أمره، وإذا نظر في الأيتام .. قدم من شاء. والفرق أن المحابيس ينظر لهم، والأيتام ينظر عليهم، وموضع الباءة بهذا وما بعده إذا لم يزاحمه حق يعظم الضرر بتأخيره من خصوم حضروا، أو فصل معضلة أشكلت على من قبله، أو حفظ ما أشرف على الضياع ليتم لا قيم له ونحو ذلك، فالبداية به متعينة، وكلام الأصحاب محمول على الحالة الأولى. قال: (فمن قال: حسبت بحق .. أدامه)؛ لأنه يستحقه، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان حدًا .. أقامه عليه وأطلقه. وإن كان تعزيرًا .. فقال الغزالي: يطلقه الثاني، ولم يتعرض الجمهور لهذا. فإن بانت خيانته عند الثاني ورأى إدامة حبسه .. فالقياس الجواز. قال ابن الصلاح: كلام الغزالي محمول على ما إذا كان فيما مضى من حبسه كفاية في تعزيره. وجزم الماوردي والروياني بانه يحسبه وإن لم يكمل مدة الحبس في نظر الأول؛ لأن القاضي الثاني لا يعزر لذنب غيره.

أَوْ ظُلْمًا .. فَعَلَى خَصْمِهِ الْحُجَّةُ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا .. كَتَبَ إِلَيْهِ لِحْضُرَ – ثُمِّ الأَوْصِيَاءِ، فَمَنْ ادَّعَى وِصَايَةً .. سَأَلَ عَنْهَا وَعَنْ حَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان حبس بمال .. أمر بأدائه، فإن ادعى الإعسار .. فعلى ما سبق في (التفليس)، فإن لم يؤد ولم يثبت إعساره .. رد إلى الحبس، وإن أدى أو ثبت إعساره .. نودي عليه؛ لاحتمال خصم آخر، فإن لم يحضر أحد .. أطلق. قال: (أو ظلمًا .. فعلى خصمه الحجة) ويكون القول قول المحبوس بيمينه. لم يخلق الله محبوسًا تسائله ما بال حبسك إلا قال مظلومًا فإن اعترف الخصم بالظلم أو كان القاضي يعلمه .. أطلقه. وحيث اطلق من ادعى أنه حبس ظلمًا .. لم يطالب بكفيل على الأصح. قال: (فإن كان غائبًا .. كتب إليه ليحضر) لفصل الخصومة بينهما، فإن قال: لا خصم لي أو لا أعلم كيف حبست .. نودي عليه لطلب الخصم، فإن لم يحضر أحد .. حلف وأطلق. قال: (ثم الأوصياء) وكذا اولياء المجانين والسفهاء؛ لأن الوصي يتصرف في حق من لا تمكنه المرافعة والمطالبة كالأطفال وأصحاب الجهات العامة، وإنما ينظر في الأوصياء بعد ثبوت الوصاية عنده بطريقه. هذا إذا كان الأيتام في عمله، فإن كانوا في غيره والأوصياء والمال في عمله .. فالأصح عن الشيخين في آخر (باب القضاء على الغائب): أن الاعتبار بمكان الطفل لا المال، ومال إليه الإمام، وصححه ابن أبي الدم، وهو أحد جوابي القاضي حسين. قال: (فمن ادعى وصاية .. سأل عنها) أي: حال الوصية، وهل لها حقيقة أو لا؟ قال: (وعن حاله) بالنسبة إلى الأمانة والكفاية.

وَتَصَرُّفِهِ، فَمَنْ وَجَدَهُ فَاسِقًا .. أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ، أَوْ ضَعِيفًا .. عَضَدَةُ بِمُعِنٍ، وَيَتَّخِذُ مُزَكِّيًا وَكَاتِبًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتصرفه) فإن قال: فرقت ما أوصى به، فإن كان لمعين .. لم يتعرض له، أو لجهة عامة وهو عدل .. أمضاه، أو فاسق .. ضمنه. قال: (فمن وجده فاسقًا .. أخذ المال منه)، وكذا لو شك في عدالته في احد الوجهين. قال: (أو ضعيفًا .. عضده بمعين)؛ لأن ذلك من المصالح العامة، وكذلك إذا كان المال كثيرًا لا يمكن الواحد حفظه والتصرف فيه، فإن أقام الوصي بينة أن القاضي قبله .. نفذ وصايته، وقبل تصرفه .. قرره. ثم بعد الأوصياء ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على الأطفال وتفرقة الوصايا، فمن تغير بفسق أو غيره .. صرفه، وإلا .. أبقاه. ثم ينظر في الأوقاف العامة والمتولين عليها، وفي اللقط والضوال، ويقدم من ذلك الأهم فالأهم. قال: (ويتخذ مزكيًا) يعرفه حال من يجهل عدالته من الشهود؛ لأنه لا يمكنه البحث عنهم، وستاتي صفة المزكي في الفصل الآتي. وإفراده المزكي أراد به الجنس، وكان حقه أن يقول: مزكين، لكنه إنما لم يذكره لأنه يوجد من شرط التعديل كما سياتي. قال: (وكاتبًا)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له كُتَّاب فوق الأربعين، ذكر السهيلي منهم ثلاثة وعشرين، منهم الخلفاء الأربعة، وذكر أبو نعيم وابن منده منهم السجل. وفي (سنن أبي داوود) [2928] في (كتاب الخراج): كان السجل كاتبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن دحية: كان يكتب له ثم تنصر، فأظهر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فيه معجزة، وهو أنه لما دفن .. لفظته الرض ولم تقبله. وفي (صحيح البخاري) في (باب علامات النبوة) [3617] عن أنس: أن رجلًا كان نصرانيًا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا، عَدْلًا، عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم، فعاد نصرانيًا، فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض. وأفرد المصنف الكاتب؛ ليعلم أنه لا يشترط فيه العدد، بل يتخذ ما تقع الكفاية به واحدًا أو جماعة، والأولى أن يقتصر على واحد إن حصلت الكفاية به. قال الماوردي: وللكاتب أن يتخذ كاتبًا كما يجوز للقاسم أن يتخذ قاسمًا. قال: (ويشترط كونه مسلمًا)؛ لقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} الآية، وقد تقدم في (قسم الفيء والغنيمة) حديث أبي موسى وغيره. وجزم في (التنبيه) والمحاملي في (التجريد) بالجوز؛ لأن ما يكتبه لابد أن يقف عليه القاضي ثم يمضيه، والمشهور الأول، ولا يأتي هذا الوجه إذا كان القاضي أميًا. قال الشافعي: ولا ينبغي لقاض ولا وال أن يتخذ كاتبًا ذميًا، ولا يضع الذمي في موضع يفضل به مسلمًا، فيعز بالمسلمين أن تكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم، والقاضي أقل الخلق في هذا عذرًا. قال: (عدلًا)؛ لأن القاضي قد يغفل عما يكتبه، فإذا كان فاسقًا .. لم تؤمن خيانته. والثاني – وبه جزم في (التنبيه) وأقره عليه في (التصحيح) -: الاستحباب. قال: (عارفًا بكتابة محاضر وسجلات)؛ ليعلم صحة ما يكتبه من فساد. و (المحاضر) جمع كحضر بفتح الميم، وهو: ما يكتب فيه ما جرى للمتحاكمين في المجلس وحجتهما، فإن كتب مع ذلك تنفيذ الحكم .. سمي سجلًا. ولا ينبغي التخصيص بهما، بل سائر الكتب الحكمية كذلك. وأهمل المصنف اشتراط الحرية؛ لدخولها في وصف العدالة، واعترض عليه بان العدالة لا تنافي الرق، وأيضًا فقد جمع بينهما في المترجم كما سيأتي فدل على عدم الدخول. كل هذا فيما يتعلق بالحكم، فإن اراد أن يستكتب في خاصة نفسه .. جاز له أن يستكتب من شاء.

وَيُسْتَحَبُّ فِقْهٌ، وَوُفُورُ عَقْلٍ، وَجَودَةُ خَطٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويستحب فقه)؛ لئلا يؤتي من قبل الجهل. والمراد به: الفقه في احكام الكتابة، ومعرفة شروط المحاضر والسجلات، واستعمال الألفاظ الموضوعة لها، والتحرز من الألفاظ المجملة. قال: (ووفور عقل)؛ لئلا يدلس عليه، وجزم الماوردي والقاضي أبو الطيب باشتراطه. ويستحب فيه أيضًا أن يكون ذا عفة عن الطمع، لا يستمال بهدية. قال: (وجود خط)؛ ليزين ما يكتبه، وذلك بأن يكون ضابطًا للحروف وما يحصل بسببه الاشتباه. قال علي رضي الله عنه: الخط الحسن يزيد الحق وضوحًا. قال الرافعي: والأولى أن يجلسه القاضي بين يديه، وقال الماوردي وغيره: عن جهة يساره؛ ليشاهد ما يكتبه. ويستحب أن يكون حاسبًا؛ لأنه يحتاج إلى الحساب في كتب المقاسمات والمواريث، وأن يكون فصيحًا عارفًا بلغات الخصوم، قوي الخط، قائم الحروف، عالمًا بمواضع التدليس، ضابطًا لا يلتبس في خطه تسعة بسبعة ولا خمسة عشر بخمسة وعشرين. فائدة: قوله تعالى: {يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ}: قيل: الخط الحسن، وقيل: ملاحة العين. وقال الجوهري: التواضع في الأشراف، والسخاء في الأغنياء، والتعفف في الفقراء. وقال الزمخشري: الوجه الحسن، والشعر الحسن، وطول القامة، والاعتدال والتمام في الأعضاء، والقوة في البطش، والحصافة في العقل، والجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، وإبانة في التكلم،

وَمُتَرْجِمًا، وَشَرْطُهُ: عَدَالَةٌ، وَحُرِّيَّةٌ، وَعَدَدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحسن تأتِّ في مزاولة الأمر، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف. قال: (ومترجمًا)؛ لأن القاضي قد لا يعرف لسان الخصوم والشهود، والمراد: يتخذه عارفًا باللغات التي يغلب وجودها في ذلك العمل. فإن كان القاضي يعرف لغة الخصوم .. لم يتخذه. واستدلوا لاتخاذ المترجم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن ثابت: (تعلم لغة العبرانية؛ فإن اليهود يكتبون بها، وما أحب أن يقف على كتبي كل أحد) قال: فتعلمتها في نصف شهر، فكنت أقرأ كتبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكتب لهم، رواه أبو داوود [3640] والحاكم في (كتاب الأيمان) من (مستدركه) [1/ 75] وقال: صحيح الإسناد، والبخاري تعليقًا بصيغة جزم. وهل اجرة المترجم على صاحب الحق او في بيت المال؟ فيه وجهان: أقربهما الثاني. وعلى الأول: اجرة من يترجم للمدعي .. عليه، ومن يترجم للمدعى عليه .. عليه. و (الترجمان) جمعه تراجم، كزعفران جمعه زعافر، وجعل الجوهري تاءه زائدة فذكره في رجم، والمعروف أنها أصلية، فكان حقه أن يذكرها في بابها. قال: (وشرطه: عدالة، وحرية، وعدد)؛ لأنه ينقل إلى القاضي قولًا لا يعرفه فأشبه المزكي والشاهد، بخلاف الكاتب؛ فإنه لا يثبت شيئًا. وحكى في (الذخائر) تبعًا للإمام وجهًا: انه يكفي واحد، واختاره ابن المنذر؛ لحديث زيد بن ثابت، وأشار افمام إلى تخصيص الخلاف بما إذا كان يحضره من يعرف لسانهما. فلو كان الخصمان اعجميين وليس هناك غيرهما .. فالوجه القطع باشتراط العدد. وزاد في (المحرر) اشتراط التكليف، وأسقطه المصنف؛ لدخوله في شرط العدالة، وشرط الماوردي انتفاء التهمة، فلا تقبل ترجمة الوالد والولد كما لا تقبل

وَالأَصَحُّ: جَوَازُ أَعْمَىً، وَاشْتِراطُ عَدَدٍ فِي إِسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ شهادتهما، وهو ظاهر إن كانت الترجمة عن القاضي بالحكم لأبيه أو ابنه، أو عن الخصم بما يتضمن حقًا لبيه أو ابنه، فإن كانت بما يتضمن حقًا عليهما .. فلا يظهر؛ لامتناعه وجه. والمراد بـ (العدد): أقل العداد، فإن كان الحق مما يثبت برجل وامرأتين .. قبلت الترجمة من رجل وامرأتين، خلافًا للإمام. وفي الزنا هل يشترط أربعة أو يكفي رجلان؟ قولان كالشهادة على الإقرار، وهل يكفي للخصمين اثنان أو يجب لكل منهما اثنان؟ قولان كشهود الفرع. وعلم من اشتراط العدد اشتراط لفظ الشهادة، وهو كذلك. وأشار الرافعي تفقهًا إلى جريان الوجه الآتي في المسمع هنا حتى يكتفي بلفظ الخبر، وقد صرح بنقله الماوردي وضعفه. هذا في نقلهما من الخصوم إلى القاضي، أما نقلهما عن القاضي إلى الخصوم .. فقال الماوردي: ان المغلب عليه الخبر؛ لأن الشهادة لا تكون إلا عند قاض فيكفي فيها الواحد حرًا كان أو عبدًا، ولا يشترط العدد، وفي كلام القاضي ما يوافقه، وهو ظاهر. قال: (والأصح: جواز أعمىً)؛ لأن الترجمة تفسير للّفْظ فلا يحتاج إلى معاينة وإشارة، بخلاف الشهادة. والثاني: لا يجوز كالشاهد، فالذي صححوه هنا غلبوا فيه شائبة الرواية، وهو مخالف ما سبق من اشتراط العدالة والحرية من تغليب الشهادة. قال: (واشتراط عدد في إسماع قاض به صمم) كالمترجم. والثاني: لا؛ لأن المسمع لو غيَّر .. أنكر عليه الخصم والحاضرون، بخلاف المترجم. والثالث: إن كان الخصمان أصمين .. اشترط، وإن كانا سميعين .. فلا. والمراد هنا: صمم يسمع معه برفع الصوت، وإلا .. استحالت المسألة؛ إذ لا تصح ولايته.

وَيَتَّخِذُ دِرَّةً لِلتَّاديِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كله في إسماع الخصم القاضي، أما إسماع ما يقوله القاضي وما يقوله الخصم .. فلا يشترط فيه العدد، قاله القفال؛ لأنه إخبار محض. ثم إذا اشترطنا العدد في المسمع .. اشترطنا لفظ الشهادة في الأصح، وإذا لم نشترط العدد .. اشترطنا الحرية على الأصح كهلال رمضان. وسكت المصنف عن اعوان القاضي ووكلائه، واشترط الزبيلي فيهم العدالة والصدق. وقال ابن أبي الدم: ينبغي أن يكونوا من ذوي الدين والعفة والأمانة والقنع والبعد عن الطمع. واشترط شريح الروياني في الوكلاء مع ذلك أن يعرفوا طرفًا من الفقه. وأجرة العون على الطالب إن لم يمتنع المدعي عليه من الحضور، فإن امتنع .. فالأجرة عليه؛ لأنه متعد بالامتناع عن الحضور، فكانت كأجرة الحد تجب على المحدود. قال: (ويتخذ درة للتأديب)، قال ابن المنذر: روينا عن عمر أنه كانت له درة. قال الشعبي: وهي اهيب من سيف الحجاج. وفي (مرج البحرين) لابن دحية: أنه أول من اتخذها، وأول من حملها، وأول من ضرب بها، لكن روى البيهقي في (دلائله) [1/ 246] عن ميمونة بنت كردم ما يخالف ذلك. و (الدِّرَّة) يكسر الدال المهملة وتشديد الراء معروفة، ويقال لها: المخفقة، وفي حفظي من شيخنا رحمه الله: أن درة عمر كانت من نعل رسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ما ضرب بها احدًا على ذنب وعاد إليه. وعبارة المصنف تفهم أنه لا يؤدب بالسوط، وبه أجاب في (تتمة التتمة)؛ لأن الضرب بالسياط من شأن الحدود، والذي ادعاه غير مقبول؛ فالمنصوص جواز الضرب بالسياط في غير الحدود.

وَسِجْنًا لأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويؤخذ من عبارة المصنف: أنة يؤدب من أساء الأدب في مجلسه بما يقتضيه اجتهاده، وله أن يعزر اللدد في الخصومة ومن اجترأ عليه كقوله أنت: تجور أو تميل أو تظلم، والأولى أن يعفو عنه إن لم يحمل على ضعفه، والتعزيز أولى إن حمل عليه. وأما حكم شاهد الزور .. فتقدم في (فصل التعزير). فائدة: لما ولي قاضي القضاة تقي الدين القشيري .. منع نوابه من ضرب المستترين بالدرة وقال: لايجوز في هذا الزمان؛ لأنه صغار يعير به من يأتي من ذرية المضروب وأقاربه، بخلاف أراذل الناس الذين لا يتأثرون بذلك. قال: (وسجنا لأداء حق وتعزيز)؛ لأن عمر اشترى دارًا بأربعة آلاف وجعلها سجنًا، رواه عبد الرزاق [9213]. وفي (البخاري (: بأربع مئة، وحبس الحطيئة الشاعر لما هجا الزبرقان بن بدر بقوله [من البسيط]: دع المكارم لا ترحل لبغيتها .... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فسأل عمر حسانًا ولبيدًا فقالا: إنه هجاه، فأمر به عمر فحبس في قعر بئر، فمكث أيامًا، وكتب أبياته التي في (المهذب (وغيره، ثم كلمه فيه عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاصي حتى أخرجه، وهدده بقطع لسانه إن عاد يهجو أحدًا، ثم إنه اشترى منه أعراض المسلمين بأربعة آلاف درهم. وحبس عمر آخر، فكتب إليه وهو في الحبس [من الرجز]: يا عمر الفاروق طال حبسي .... وول مني إخوتى وعرسي في حدث لم تقترفه نفسي .... والأمر أضوى من شعاع الشمس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحبس صبيغًا اليمني حين سأله عن الذرايات والمرسلات والنازعات، وضربه ونفاه إلى العراق، وقيل: إلى البصرة. وروي: أن عليا بنى سجنا بالكوفة. وقال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ما سجنا أحدًا، ولم يكن لهما سجن، وجوابه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجن بالمدينة في تهمة دم، رواه أبو داوود والترمذى والنسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة، وقد تقدم فى (باب كيفية القصاص) عند قول المصنف: (ويحبس القاتل). وروى أبو داوود ايضا: (ان النبى صلى الله عليه وسلم سجن رجلا أعتق شركًا فى عبد فوجب عليه استتمام عتقه حتى باع غنيمة له). وروى ابن شعبان في كتابه: أنه صلى الله عليه وسلم حكم به. وروى ابن القاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بات في سجن ليلة مظلوما .. خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). واستدل القرطبي بقوله تعالى: (تحسبونهما من بعد الصلوة)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) قال ابن المبارك: العقوبة: الحبس. وتقدم في أول (باب الجنايات) عند قول المصنف: (ولو أمسكه فقتله آخر): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمسك الرجل الرجل حتى قتله آخر .. يقتل القاتل، ويصبر الممسك) وروي: (وحبس الممسك) وهو بمعناه. ولما حبس الإمام أحمد .. قال له السجان: يا أبا عبد الله؛ الحديث الذى يروى في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال: فأنا منهم، قال أحمد: أعوانهم من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يأخد شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، أما انت .. فمن أنفسهم. فروع: قال الشافعي: إذا حبس القاضي المديون .. لا يغفل عنه، بل يستكشف حاله، فإن كان غريبا .. وكل به من يبحث عنه حتى يظهر له أنه مفلس فيخليه، ومن حبس فى حق رجل ثم جاء آخر يدعي عليه .. أخرجه وسمع الدعوى ثم رده، ولا يتوقف ذلك على إذن غريمه. وقال مالك: لايجوز إخراجه لسماع الدعوى عليه؛ لما فيه من إسقاط حق الأول. لنا: أنه توصل إلى الحقين. وقال شريح: لو أراد الزوج السفر بها فأقرت بدين لإنسان .. حبسها ومنعها من الخروج، ولا يقبل قول الزوج: إن قصدها بذلك منع السفر. والمخدرة تحبس كغيرها، صرح به الزبيلي. وقال العبادى: لا تحبس، بل يوكل بها، والأجرة عليها كأجرة السجان على المحبوس حيث لا مال في بيت المال. وقال الزبيلي: لايجوز أن يقفل على المحبوس باب الحبس نهارًا، ولا أن يحبس فى بيت مظلم، وأن القاضي إذا خاف أن المحبوس يهرب من حبسه .. نقله إلى حبس اللصوص، ولو جن في الحبس أو مرض فيه ولم يجد من يخدمه .. أخرج. وفي (فتاوى الشاشي): يمنع من شم الريحان ونحوه إلا لمرض؛ لأنه ترفه، فإذا مات .. إخرج ودفع لاهله ليتولوه، وليس لغرمائه منع دفنه، فإن منعوه .. عزروا. وقال الماوردي: لايمنع من محادثة من يزروه إلا أن يرى القاضي ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (تفليس "الروضة"): أنه يمكن من عمل الصنعة على الأصح. وتحبس المرأة عند نساء ثقاة، أو ذى رحم محرم، ولا تمنع من إرضاع ولدها في الحبس، ويمنع الزوج منها، قاله الماوردي والروياني وابن الرفعة. قال الشيخ: وفيه نظر، بل ينبغيأن لايمنع؛ لأنه حق واجب عليها، أما المحبوس إذا دعا زوجته أو أمته .. لم يمنع إن كان في الحبس موضع خال، فإن امتنعت .. أجبرت الأمة ولم تجبر الزوجة. وإن اقتضى رأى الحاكم أن يمنع زوجته وأمته .. كان له ذلك، هذا هو المفتى به في المسألة، قاله الشيخ وغيره، والمصنف ذكرها في أول (باب التفليس)، ونقل فيها عن (فتاوى الغزالي (أن الأمر راجع إلأى رأى الحاكم، وعن (فتاوى ابن الصلاح): أن ذلك ممنوع. وفى تقييد المحبوس إذا كان لجوجا وجهان، وفي (البحر) لايمنع المحبوس من التطلع إلى الطريق من كوة، وقد تقدم في (الجمعة): أن المحبوس على حق لا يأثم بترك الجمعة إن كان معسرا، ولا يلزمه الاستئذان للخروج. وقال بعض الفقهاء: يلزمه أن يستأذن كل جمعة، فإذا منع .. امتنع؛ لأن أبا يعقوب البويطي كان إذا سمع النداء يوم الجمعة .. اغتسل ولبس ثيابه ومشى إلى باب السجن فيقول له السجان: أين تريد؟ فيقول له: أجيت داعي الله، فيقول له: ارجع عافاك الله، فيقول: اللهم؛ إنى قد أجبت داعيك فمنعوني، وكذلك كان يفعل محمد بن سيرين لما حبس. قال الخطيب: وكان سبب حبسه أنه اشترى زيتا بأربعين ألفا، فوجد فى زق منه فأرة فقال: الفأرة كانت فى المعصرة، فصب الزيت كله، وكان يقول: عيرت رجلًا بالفقر منذ ثلاثين سنه .. فعوقبت به بعد ذلك. وإذا هرب المحبوس .. لا يلزم القاضي طلبه، وللخصم طلبه، فإذا أحضره سأله عن سبب هربه، فإن تعلل بإعسار .. لم يعزره، وإلا .. عزره. ولو أراد مستحق الدين أن يلازمه بدلا عن الحبس .. مكن، إلا أن يقول: إنه تشق

وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ فَسِيحًا، بَارِزًا، مَصُونًا مِنْ أذَى حَرًّ وَبَرْدِ، لاَئِقًا بِالْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه الطهارة والصلاة مع ملازمته ويختار الحبس .. فيجيبه. وأجرة السجن على المحبوس؛ لأنها أجرة المكان وهو الذى شغله، وأجرة السجان على صاحب الحق إذا لم يتهيأ صرف ذلك من بيت المال. قال: (ويستحب كون مجلسه فسيحًا، بارزًا، مصونًا من أذى حر وبرد)؛ لأن المجلس الضيق يتأذى به الخصوم والمراد بـ (البارز): أن يصل أليه كل أحد من قوي وضعيف، و (صيانته من الحر والبرد) بأن يكون في الصيف في مهاب الرياح وفي الشتاء في كن. قيل: خير المجالس ما سافر فيه النظر، ولم يتأذ به الجليس إذا حضر. قال: (لائقًا بالوقت والقضاء) هذه من زياداته على (المحرر (، وكان المراد به: أنه يستحب جلوسه بمرتفع كدكة ونحوها، ويوضع له فراش ووسادة؛ ليعرفه كل داخل. قال الماوردي: ويفعله وإن كان موصوفًا بالزهد والتواضع؛ للحاجة إلى قوة الرهبة والهيبة. قال الشافعي: وحسن أن توطًا له الفرش والوسائد؛ لأنه أرفق به وأهيب له. قال الماوردي: ويجلس في صدر المجلس، فلو خالف وجلس في بيته .. كره، قاله في (المرشد (وغيره. فإن جلس فيه لا للحكم فحضرت خصومة .. فلا بأس ويستحب أن يستقبل القبلة؛ لأنها أشرف المجالس كما رواه الحاكم وصححه [4/ 270]، وقيل: يستدبرها كالخطيب، حكاه ابن أبى الدم. ويكره له مد رجله والاتكاء، ويستحب أن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والعصمة والتسديد. والأولى: ماروته أم سلمة: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: (اللهم؛ إنى أعوذ بك أن أزل او أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أوجل يجهل علي، أو أعتدي أو يعتدى علي (اللهم؛ أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وأكرمني بالتقوى حتى لا أنظق إلا بالحق ولا أقضى إلا بالعدل (رواه الحاكم. واستحب الماوردي والروياني أن يصلي قبل جلوسه ركعتين إن كان مسجدًا تحية المسجد، وإلا .. لم يصلهما في وقت الكراهة، ويندب أن يأتى المجلس راكبًا ويسلم على الناس يمينًا وشمالًا، قالا: وإذا كان القاضي زاهدًا في الدنيا .. فذلك أعظم لهيبته، وليستكمل ما جرت العادة به من العمامة والطيلسان، وأن يضع بين يديه القمطر مختومًا؛ ليجعل فيه المحاضر والسجلات، وأن يكون مطرق الرأس عند دخول الخصوم، مراعيا للوقار، ولا يبدأ أحدًا بكلام ولا سلام. حكى أن المهدى أمير المؤمنين تقدم مع خصم له إلى مجلس عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، فلما رئه القاضي مقبلًا أطرق إلى الأرض حتى جلس مع خصمه مجلس المتحاكمين، فلما انقضى الحكم .. قام القاضي فوقف بين يديه، فقال المهدي: (والله لو قمت حين دخلت إليك لعزلتك) وذلك لأن قيامه له قبل الحكم ميل، وترك قيامه له بعد الحكم ترك حق الامام قال الشافعي: وأحب أن لا يكون القاضي جبارًا عنيفًا، ولا مهينًا ضعيفًا وقال عمر: لا يصلح لأمور الآمة إلا رجل قوي من غير ضعف، لا تأخذه في الله لومة لائم. فرع: إذا جلس للقضاء ولا زحمة .. كره له أن يتخذ حاجبًا في الأصح؛ لما روى الترمذى [1332] عن عمرو بن مرة الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما

لاَ مَسْجِدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وال أو قاض أغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة .. أغلق الله أبواب السماء دون حاجته وخلته ومسكنته (. وال أو قاض أغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة .. أغلق الله أبواب السماء دون حاجته وخلته ومسكنته (. وروى أبو داوود [2941] والحاكم [4/ 94]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ولي من أمور الناس شيئًا فاحتجب .. احتجب الله عنه يوم القيامة (. ولا كراهة له في أوقات خلوته في المسألتين. وقال الماوردي: إنما يركه اتخاذ الحاجب إذا كان وصول الخصم إليه موقوفًا على إذنه، فأما من وظيفته ترتيب الخصوم والإعلام بمنازل الناس- أي: وهو المسمى في زماننا بالنقيب- فهذا لا بأس باتخاذه، بل صرح القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ باستحبابه. قال ابن أبى الدم: ولو قيل: إنه متعين .. لم يبعد. ويشترط في النقيب المذكور أن يكون عدلًا أمينًا عفيفًا، واستحب الماوردي أن يكون حسن المنظر، جميل المخبر، عارفًا بمقادير الناس، بعيدًا عن الهوى والعصبية. وفي (اللطيف (لابن خيران: يستحب كونه كهلًا، كثير الستر على الناس. واستحب ابن المنذر كونه خصيًا، وقال الصيمري: هذا لا أصل له. قال: (لا مسجدًا) أى: لا يتخذه مجلسًا للحكم؛ ففي (الصحيحين ([م 569]: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فقال: (إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة (ولأن مجلس القضاء لا يخلو عن اللغط والتخاصم، ويغشاه الحيض والجنب والصبيان والكفار والدواب وما تجب صيانة المسجد عنه. وظاهر عبارته: أنه لا يستحب، وهو وجه جرم به المحاملي والجرجاني. والجمهور على الكراهة؛ لحديث: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم (رواه ابن ماجه [750]، وله طرق يعتضد بها. وموضع الكراهة إذا اتخذه لذلك، فلو اتفق حضوره فيه ففصل قضية أو قضايا ..

وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا بأس؛ صلى الله عليه وسلم قضى فيه بين المتلاعنين، وبين الزبير وصاحب شراج الحرة وغيرهما، فهذه تستثنى من الكراهة، وكذلك إذا احتاج إليه لعذر من مطر ونحوه، وإقامة الحدود فيه أشد كراهة، كذا نص عليه. وقال الخفاف: تحرم إقامتها فيه، وهو مقتضى كلام الماوردي في (الإقناع)، وبه جزم ابن الصباغ والبنذنيجى، والرافعي في آخر (باب الشرب)؛ فإنه قال: لاتقام الحدود فيه، ويسقط الفرض لو أقيمت كما لو صلى في مكان مغصوب. قال: (ويكره أن يقضي في حال غضبه)؛ لما روى الشيخان [خ 7158 - م 1717] عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان). وفي (شعب البيهقي) [8036]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل). وروى البخاي [6116] عن أبى هريرة: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني فقال: (لا تغضب (فكرر السؤال مرارًا وهو يقول: (لا تغضب) زاد البيهقي [10/ 105]: قال الرجل ففكرت حين قال صلى الله عليه وسلم ما قال؛ فإذا الغضب يجمع الشر كله. وروى أبو داوود [4744] والترمذي [2021] عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه .. دعاه الله سبحانه على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما شاء ( وفي (الصحيحين) [خ 6114 - 2608] عن أبى هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) وما جزم به المصنف من الكراهة هو المشهور. وشذ الماوردي فقال: إنه خلاف الأولى، وخص الإمام والبغوي وغيرهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكراهة بما إذا كان الغضب لغير الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للزبير وهو غضبان وطاهر كلام الأكثرين: أنه لا فرق. وفرق الفارقي بأن الغضب لله يؤمن معه من التعدي، بخلاف الغضب لحظ النفس. فائدة: سبب الغضب: هجوم ما تكرهه النفس ممن دونها، وسبب الحزن هجوم ما تكرهه ممن فوقها، والغضب يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه، والحزن يتحرك من خارجه إلى داخله، ولذلك يقتل الحزن ولا يقتل الغضب؛ لبروز الغضب وكمون الحزن، فصار الحادث عن الغضب السطوة والانتقام والحادث عن الحزن المرض والأسقام؛ لكمونه، فمن ذلك أفضى الحزن إلى الموت ولم يفض الغضب إليه، كذا قاله الماوردي. وقال الراغب: الغضب: ثوران دم القلب لإرادة الانتقام، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (اتقو الغضب؛ فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم). وإذا وصف الله تعالى به. فالمراد به: الانتقام دون غيره. والغضب نقيض الرضا، يقال: رجل غضبان وامرأة غضبى، وفي لغة لبني أسد غضبانة، والغضوب: الكثير الغضب، والغضبة: سريع الغضب، وحكي أنه يقال: غضبت لفلان إذا كان حيًا، وغضبت به إن كان ميتًا. وفي (الصحيحين) [ح 3282 - م2610]: أن الغضبان إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. ذهب عنه ما يجد. وفي (سنن أبى داوود) [4751]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغضب:

وَجُوعِ وَعَطَشِ مُفْرِطَيْنِ، وَكُلَّ حَالِ يَسُوءُ خُلُقُهُ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاء ـــــــــــــــــــــــــــــ شعلة من الشيطان، خلق من النار، وإنما تطفا النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ (. قال: (وجوع وعطش مفرطين)؛ لما روى الدارقطني [4/ 206] والبيهقي [10/ 105] بسند تفرد به القاسم العمري- وهو ضعيف- عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان (ويغنى عنه قول عمر لأبي موسى: (وإياك والقلق والضجر ... إلخ). قال: (وكل حال يسو خلقه) كما إذا كان مهموما هما شديدا، أو مريضا مرضا مؤلما، أو في حر مزعج، أو برد مؤلم، أو غلبة النعاس أو الفرح، أو كان حاقنا أو حاقبًا أو حازقًا، أو تاقت نفسه إلى الطعام؛ لأن هذه الأحوال لا يتمكن معها من الاجتهاد. وأصل ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يقضي القاضي وهو غضبان (. ومعلوم أنه لم يرد الغضب نفسه، بل الاضطراب الحاصل به المغير للعقل والخلق، وهو في هذه الأحوال متغير العقل. والموجود في غالب نسخ الكتاب: (وكل حال يسيء خلقه)، والذي بخط المصنف: (وفي كل حال يسوء خلقه). قال: (ويندب أن يشاور الفقهاء)؛ لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وشاورهم في الأمر). وفي (سنن البيهقي) [7/ 46] عن الحسن أنه قال: كان غنيا عن المشاورة، ولكن أراد أن يستن به الحكام بعده. وقد شاور صلى الله عليه وسلم في أساري بدر، وفي حفر الخندق، وفي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصالحة على ثلث ثمار المدينة وشاور أبو بكر في ميراث الجدة أم الأم، وعمر في أم الأب وفي دية الجنين وفي ميراث الجد مع الإخوة وشاور عثمان في أحكام. وقال أبو هريرة: ما رأيت أحدًا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي (سنن البيهقي) [10/ 112] وغيره: المستشير معان، والمستشار مؤتمن قال الشافعي: يشاور من جمع العلم والأمانة، وقال القاضي والبندنيجي: إنما يشاور الذين تجوز توليتهم القضاء، وقال الروياني وآخرون: الذين يجوز لهم الإفتاء، وهو الظاهر، فيشاور الأعمى والعبد والمرأة، لا الجاهل والفاسق، وإنما يشاور من هو فوقه أو مثله في العلم، لا من دونه على الأصح. ويستحب أن يجمع أصحاب المذاهب المختلفة؛ ليذكر كل واحد دليله، فيتأمله القاضي ويأخذ بأرجحها. ثم المشاورة تكون عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الآراء فأما الحكم المعلوم بنصأو إجماع أو قياس جلي .. فلا مشاورة فيه، وتعبيره بـ (الفقهاء) يقتضي أنه لا يكفي الواحد، وبه صرح في (البحر (

وَأَنْ لاَ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ بِنَفْسِهِ، وَلاَ يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن المستحبات للحاكم أن يحضر أصدقاءه الأمناء ويلتمس منهم أن يخبروه بعيوبه؛ ليسعى في إزالتها. قال: (وأن لا يشتري ويبيع بنفسه)؛ لئلا يحابى، أو يمنعه ذلك عما هو بصدده؛ فقد روى النقاش: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عدل وال اتجر في رعيته) وفي (الرافعي) عن شريح أنه قال: اشترط علي عمر حين ولأني القضاء أن لا أبيع ولا أبتاع ولا أقضي وأنا غضبان وكتب عمر إلى عماله: أن تجارة الأمير في إمارته خسارة. وسواء في ذلك مجلس الحكم وغيره، وهو في المجلس أشد كراهة. وعن أبي حنيفة: لا تكره له مباشرة البيع والشراء، فظاهر عطف المصنف المسألة على ما قبلها أنه خلاف الأولى، والمشهور كراهته، ومع ذلك .. فالبيع صحيح، كما يكره للإنسان أن يشتري صدقته خسية أن يحابى فيها. وينبغي أن يستثنى بيعه من أصوله أو فروعه؛ لانتفاء المعنى، إذ لا ينفذ حكمه لهم، وفي معنى البيع والشراء: السلم والإجارة والتجارة وسائر المعاملات. ونص في (الأم (على أنه لا ينظر في نفقة عياله ولا أمر صنعته، بل يكل ذلك إلى غيره؛ ليتفرغ قلبه. قال: (ولا يكون له وكيل معروف) خشية أن يحابى أيضًا، فإن عرف وكيله .. استبدل به، فإن لم يجد وكيلًا .. عقد بنفسه للضرورة؛ فإذا وقعت خصومة لعامله .. أناب في فصلها.

فَإِنْ أَهْدَى إِلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَهٌ أَوْ لَمْ يُهْدِ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ .. حَرُمَ قَبُولُهَا، وَإِنْ كَانَ يُهْدِي وَلاَ خُصُومَةَ لَهُ .. جَازَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، وَالأَوْلى أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أهدى إليه من له خصومة أو لم يهد قبل ولايته .. حرم قبولها، وإن كان يهدي ولا خصومة له .. جاز بقدر العادة، والأولى أن يثيب عليها). الذي يأخذه الحكام من الرعية من غير عوض ينقسم إلى هدية ورشوة وقد تقدما، والأولى للحاكم أن يسد باب الهدية؛ لأنه أبعد عن التهمة، ثم ينظر فإن كان للمهدي خصومة في الحال .. حرم قبول هديته؛ أنه يدعو إلى الميل إليه، وانكسار قلب خصمه، وإن لم تكن له خصومة فإن لم تعهد منه الهدية قبل توليه القضاء .. حرم قبولها منه في محل ولايته؛ لأن هذه هدية سببها العمل ظاهرًا. وقال صلى الله عليه وسلم: (هدايا العمال غلول) ويروى: (سحت) الأول رواه أحمد [5/ 424] والبيهقي [10/ 138] بإسناد حسن. وأيضًا القاضي نائب الشرع فيجب أن يصون منصبه عن التهمة؛ كي ينقاد الناس إلى أحكامه، ولا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضى به عليهم. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية؛ لأنه معصوم، وغيره ليس كذلك. روى البيهقي [10/ 138]: أن رجلًا كان يهدي إلى عمر كل سنة فخذ جزور، فجاء يخاصم إليه فقال: يا أمير المؤمنين؛ اقض بيننا قضاء فصلا كما تفصل الفخذ من الجزور، فكتب عمر إلى عماله: لا تقبلوا هدية؛ فإنها رشوة. وقال عمر بن عبد العزيز: كانت الهدية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هدية، واليوم رشوة فإن زاد المهدي على القدر المعهود منه .. صارت كهدية من لم تعهد منه الهدية. وقال الماوردي والروياني: إن كانت الزيادة من جنس الهدية .. جاز قبولها؛

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لدخولها في المألوف، وإن كانت من غير جنسها .. منع من قبولها؛ لخروجها عن ذلك. وحيث قلنا بالتحريم .. لا يملكها المهدي له على الأصح، فيردها على مالكها، فإن لم يعرفه .. وضعها في بيت المال. وقول المصنف: (بقدر العادة) ليست في (المحرر)، ولو قال: كالعادة .. كان أشمل؛ ليعم القدر والصفة، ولم أر أحدًا ضبط العادة في ذلك، والظاهر: أنها تثبت بمرة؛ لما تقدم من التعليل، وتقدم في (الوليمة) الخلاف في أن الإجابة إليها واجبة أو مستحبة، وذلك في غير القاضي؛ فإنه لا يحضر وليمة أحد الخصمين في حال خصومتهما ولا وليمتها. ونزول القاضي على أهل ولايته ضيفًا وأكله طعامهم كقبول هديتهم. وأما الرشوة .. فأجمعوا على أنها على الأمراء والحكام والعمال حرام، وأما بذلها، فإن كلن على أن يعمل غير الحق أو على أن لا يعمل به .. فحرام أيضًا بالاتفاق، وإن كان على الحكم بالحق .. لم يحرم، والمتوسط بينهما له حكم موكله منهما، فإن وكلاه .. حرم عليه؛ لأنه وكيل بالأخذ، فهو آثم بذلك، فإن لم يقدر على وصوله إلى حقه إلا بذلك .. جاز كفك الأسير، وإن قدر بدونها .. لم يجز وهكذا حكم ما يعطى على الولايات والمناصب يحرم على الآخذ مطلقًا، ويفصل في الدافع. فروع: إذا لم يكن للقاضي رزق في بيت المال .. كان محتاجًا، قال الهروي: له أن يأخذ من الخصوم أجرة عمله. وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والجرجاني: له أن يقول: لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي جعلًا قال الشيخ: والمقالتان خطأ نستغفر الله لقائلهما، أما إذا تعين عليه وهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مستغن .. فلا يجوز أن يأخذ عليه رزقًا من بيت المال على الصحيح كما إذا أعتق عبدًا عن الكفارة على عوض. وقيل: يجوز كصاحب الطعام في المخمصة، فإن كان محتاجًا .. جاز؛ لأنه لا يلزمه تضييع نفسه لغيره، وإن كان له كسب ويعطله الحكم عنه .. فيأخذ ما يكفيه لنفسه وخادمه بلا إسراف ولا تقتير، وإن لم يتعين عليه ولم يوجد متبرع .. جاز أن يأخذ من بيت المال ما يحتاج إليه لنفسه وخادمه وعياله على ما يليق بحالهم؛ لأن عمر استقضى شريحا وجعل له كل شهر مئة درهم، وبالقياس على عامل الزكاة، بل أولى؛ لأنه أهم. وكذلك الإمام يأخذ ما يليق به من الخيل والغلمان والدار الواسعة، ولا يلزمه الاقتصار على ما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم؛ لأنه قد بعد العهد بزمن النبوة التي كانت سبب الظفر وإلقاء الرعب والهيبة في القلوب، فلو اقتصر الإمام على ذلك اليوم .. لم يطع وتعطلت الأمور. وقال الماوردي: لا يستحق القاضي الرزق إلا حين وصوله إلى عمله وتصديه للنظر فيه، فلو لم يتصد للنظر .. لم يستحقه. ولا يجوز عقد الإجازة على القضاء على الصحيح، وينبغي للإمام ان يجعل شيئا من بيت المال مع رزق القاضي لثمن ورق المحاضر والسجلات وأجرة الكاتب ونحوه. ولا يضيف القاضي احد الخصمين، وله أن يضيفهما معا على الصحيح، وله أن يشفع لأحدهما، وأن يؤدي المال عمن عليه؛ لأنه ينفعهما، ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويزور القادمين. قال الشيخ: ولا يلتحق بالقضاة: المفتي والواعظ ومعلم القرآن والعلم؛ لأنه ليس لهم أهلية الإلزام، والأولى في حقهم إن كانت الهدية لأجل ما يحصل منهم من الفتوى والوعظ والتعليم عدم القبول؛ ليكون عملهم خالصا لله تعالى، وإن أهدي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليهم تحببا وتوددا لعلمهم وصلاحهم .. فالأولى القبول، وهذه هدية السلف. وأما إذا أخذ المفتي الهدية ليرخص في الفتيا، فإن كان بوجه باطل .. فهذا رجل فاجر، يبدل أحكام الله تعالى ويشتري بها ثمنًا قليلًا وإن كان بوجه صحيح .. فهو مكروه كراهة شديدة، ويحتمل تحريمه. وفي حديث (القوس) ما يقتضي أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن حرام، والحديق المذكور رواه أبو داوود [3409] وابن أبي شيبة [5/ 98] عن عبادة بن الصامت: أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن، فأهدى له قوسا فأخذها وقال: أرمي عليها في سبيل الله، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: (إن كنت تحب أن يطوقك الله طوقا من نار .. فاقبلها (وحمله الجمهور على أنه كان عمله محتسبا، فحذره النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أجره وتوعده عليه، ولأن أهل الصفة كانوا يعيشون بصدقة الناس، وأخذ المال منهم مكروه، ودفعه إليهم مستحب. أما إذا قصد المهذي بالهدية استمالة قلب المهدى إليه ليوليه شيئًا مما بيده من الأحكام .. فذلك حرام عليهما، ومن فعل ذلك .. فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. فوائد: الأولى: قال الشيخ رحمه الله: إذا ابتلي إنسان بالقضاء .. لا يحل له أن يأخذ عليه شيئًا إلا أن يرزقه الإمام، أو يكتب مكتوبا يستحق عليه أجرة مثله إذا لم تكن كتابة ذلك واجبة عليه، ولا يجوز له أن يأخذ على الحكم ولا على تولية نيابة القضاء ولا مباشرة وقف أو مال يتيم شيئًا، وكذلك حاجب القاضي وكل من يلي أمور المسلمين، ومن فعل خلاف ذلك .. فقد غير فريضة الله، وباع عدله الذي بذله لعباده بثمن قليل، ولهذا تجد بعض الفجرة الذين يفعلون ذلك يأخذونه خفية، وهذه علامة الحرام، فإن الحلال يأخذه صاحبه ولا يستحيي من أخذه، والله يعلم المفسد من المصلح. الثانية: هل يجوز للقاضي الاستعارة من رعيته ممن لم تجر له عادة بها منه قبل

وَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ وَشَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم كالملبوس والمركوب والمساكن ونحوها؟ لا نقل فيها، والظاهر: التحريم؛ لأن المنافع كالأعيان، إلا أنه لا بأس باستعارة كتب العلم، ويتأكد التجنب مطلقًا حالة المحاكمة. الثالثة: إذا كان القاضي فقيرًا هل يحرم عليه قبول الصدقة من أهل ولايته؟ قال الشيخ في تفسيره: ينبغي أن يقال: إن لم يكن المتصدق عارفًا بأنه القاضي ولا القاضي عارفًا به .. فلا شك في الجواز، وإلا .. فيحتمل أن يكون كالهدية، ويحتمل الفرق؛ لأن المتصدق إنما يبتغي ثواب الآخرة. وأفتى في (الحلبيات) بجواز قبول القاضي الصدقة ممن لم تكن له بها عادة؛ لأنها تقع في يد الرحمن، وخصوص القضاء غير مقصود بها، وإذا وقف عليه أحد من أهل عمله فإن شرطنا القبول في الوقف فكالهدية. الرابعة: ما بنعم به الملوك على القضاة من الخلع وغيرها .. الذي يظهر أنه حلال؛ لأنه لا يفعل لاستمالة قلب القاضي في محاكمة، ولذلك لا يشترط القبول في ذلك كما تقدم في (باب الهبة). قال: (ولا ينفذ حكمه لنفسه ورقيقه وشريكه في المشترك)؛ للتهمة في ذلك، وكذلك شريك مكاتبه. والمراد بـ (الحكم للعبد): فيما ليس بمال كالقصاص في الطرف والتعزير، وكذلك الحكم في المبعض، أما حكمه على نفسه .. فيقبل، وهل هو حكم أو إقرار؟ وجهان. قال: (وكذا أصله وفرعه على الصحيح)؛ لأنهم أبعاضه، فيشبه قضاؤه لهم قضاءه لنفسه، ولأن التهمة هنا أكثر من التهمة في الشهادة، وكذا إن علا الأصل أو سفل الفرع، ومثله رقيق أصله وفرعه، وشريك أحدهما المشترك. والوجه الثاني- وهو مذهب أبي ثور-: ينقذ، واختاره ابن المنذر؛ لعموم الأمر بالقضاء بين الناس، ولأن القاضي أسير البينة فلا تظهر فيه تهمة، بخلاف الشهادة،

وَيَحْكُمُ لَهُ وَلِهَؤُلاَءِ الإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ، وَكَذَا نَائِبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نَكَلَ، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إِقْرَارِهِ. عِنْدَهُ أَوْ يَمِينِهِ أَوِ الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ وَالإِشْهَادَ بِهِ .. لَزِمَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهذا لو أراد أن يقضي لهم بعلمه .. لم يجز قطعًا، بخلاف الأجانب، فلو حكم لولده على ولده .. فالأصح كذلك. واختار فى (المرشد) الجواز؛ لاستوائهما فى القرب، كما يجوز أن يبيع مال أحدهما للآخر. وفهم من اقتصاره على (الأصل والفرع) جوازه لمن سواهما من الأقارب والزوجة والمعتق، واحتج له ابن المنذر بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لعائشة على الذين تكلموا فى الإفك، وأقام عليهم الحد، وحكم لابن عمته على الأعرابي وقال: (أول ربا أضعه ربا العباس). قال: (ويحكم له ولهؤلاء الإمام أو قاض آخر)؛ دفعًا للتهمة. قال: (وكذا نائبه على الصحيح)؛ لأنه حاكم وإن كان نائبًا، فأشبه سائر الحكام. والثانى: لايجوز من نائبه؛ للتهمة، ورجحه الشاشي، وقد تقدم هذا الحكم فى (النكاح). والصحيح: أنه لايقضي على عدوه، كما لايشهد عليه، وجوز فى (الأحكام السلطانية) ذلك؛ لأن أسباب الحكم ظاهرة، بخلاف الشهادة. وإذا ولي وصي اليتيم القضاء .. قال ابن الحداد: لم يكن له أن يسمع البينة، ولا أن يحكم له، والصحيح: الجواز؛ لأن كل قاض ولي لليتيم. قال: (وإذا أقر المدعى عليه أو نكل، فحلف المدعي وسأل القاضي أن يشهد على إقراره عنده أو يمينه أو الحكم بما ثبت والإشهاد به .. لزمه)؛ لأنه قد ينكر بعد ذلك فلا يتمكن القاضي من الحكم عليه إن قلنا: لا يقضي بعلمه، وإن قلنا: يقضي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به .. فربما نسي أو يعزل فلا يقبل قوله، وهذا لا خلاف فيه. ولو أقام المدعي بينة بما ادعاه وسأله الإشهاد عليه .. فالأصح: أنه يلزمه أيضًا. وقيل: لايلزمه الإشهاد؛ لأن له بينة فلا يحتاج إلى بينة أخرى. ولو حلف المدعى عليه وسأله الإشهاد ليكون حجة له فلا يطالبه مرة أخرى .. لزمه إجابته. وعبارة المصنف تقتضي أنه لا يجب مالم يسأله المدعي، وهو كذلك، بل قال في (الروضة) فى (باب القضاء على الغائب): لايجوز الحكم على المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي على الأصح، لكن لم يبين المصنف صيغة الحكم اللازم. ونقل الشيخان عن صاحب (الشامل) أنه يقول: حكمت له به، أو نفذت الحكم به، أو ألزمت صاحب الحق، وقول القاضي: حكمت بكذا حكمٌ، وكذا: قضيت على المذهب. ولو قال: ثبت عندى بالبينة العادلة كذا، أو صح .. فمقتضى تعبير المصنف: أنه ليس بحكم، وهو الذى صححه (فى باب القضاء على الغائب)، ونقله فى (البحر) عن نص (الأم) وأكثر الأصحاب؛ لأن الحكم هو الإلزام، والثبوت ليس بإلزام. قال الرافعى: (ويقرب منه ما اعتاد القضاة إثباته على ظهر الكتب الحكمية، وهو صح عنده، وقبله قبول مثله، وألزم العمل بموجبه) اهـ وفيه نظر؛ لأن الإلزام تصريح بالحكم. وفائدة الخلاف فى أن الثبوت حكم أو لا يظهر فى صور: منها: رجوع الحاكم والشهود بعده، هل يغرمون؟ إن قلنا: نعم .. فنعم، وإلا .. فلا. ومنها: وجوب التحليف قبل التلفظ به فى الميت ونحوه.

أَوْ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، أَوْ سِجِلًا بِمَا حَكَمَ .. اسْتُحِبَّ إِجَابَتُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: حضور شاهد الأصل، أو برؤه من المرض بعد الثبوت بشهود الفرع. ومنها: إذا حدث فسق الشهود بعده ونحوه. قال: (أو أن يكتب له محضرًا بما جرى من غير حكم، أو سجلًا بما حكم) به (.. استحب إجابته)؛ لأن فى ذلك تقوية لحجته، والحق يثبت بالشهود لا بالكتابة. قال: (وقيل: يجب)؛ توثيقًا لحقه كما يجب الإشهاد، والأصح: الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الأئمة كانوا يحكمون ولا يكتبون المحاضر والسجلات. ومحل الخلاف: إذا كان عنده قرطاس من بيت المال، أو أتى به الطالب، فإن لم يكن ذلك .. لم تجب إجابته جزمًا، ومحله أيضًا فى البالغ العاقل، فلو تعلقت الحكومة بصبي أو مجنون له أو عليه .. وجب التسجيل جزمًا كما قطع به الزبيلي وشريح الروياني، وهو ظاهر، ويشبه أن يلتحق به الغائب؛ حفظًا لحقه. وكذا ما تعلق بوقف ونحوه مما يحتاط له، ثم إذا حكم بشيء فطلب منه الإشهاد على حكمه .. لزمه الإشهاد، وإن طلب منه أن يكتب سجلًا .. فعلى التفصيل، والخلاف المذكور فى كتابة المحضر. ونقل ابن كج وجهًا ثالثًا: أنه يجب التسجيل فى الدين المؤجل، وفى الوقوف وأموال المصالح، ولايجب فى الديون الحالة والحقوق الخاصة. وقدذكر الشيخان وغيرهما صفة المحضر والسجل، وهى غير خفية على الحكام. قال فى (الكفاية): ولا خلاف أن الدافع لو طلب الكتاب الذى وصل بوجوب الحق عليه بعد وفاء الحق .. لايسلم إليه؛ لأن الورقة قد تكون ملك الخصم، وكذا لو باع واحد شيئًا .. لايلزمه تسليم كتاب الأصل ولا تمزيقه؛ لأنه ملكه وحجة له عند

وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ: إِحْدَاهُمَا لَهُ، وَالأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ. وَإِذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ بَانَ خِلَاف نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْماعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ .. نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدرك، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في (باب بيع الأصول والثمار)، وسيأتي في المسألة التي بعدها عن مالك وأحمد: أن قضاء القاضي إضا نقض وكان به مكتوب .. يقطع. قال: (ويستجب نسختان: إحداهما له، والأخرى تحفظ في ديوان الحكم) وإن لم يطلب ذلك الخصم، بل يستحب للقاضي مهما وقعت قضية أن يكتبها؛ لأنه كفيل بحفظ الحقوق على أهلها، ولأنه إذا كانت نسخة واحدة ودفعها للمحكوم له .. لم يؤمن ضياعها. قالوا: والتي يدفعها للخصم تكون غير مختومة لينظر فيها ويعرضها على الشهود؛ لئلا ينسوا، والتي بديوان القضاء تختم ويكتب على رأسها اسم الخصمين، ويضعها في حرز له. قال: (وإذا حكم باجتهاد ثم بان خلاف نص كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي .. نقضه هو وغيره)؛ لأن الحق أحق أن يتبع، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه .. فهو رد). فأما النقض لمخالفة الإجماع .. فبالإجماع، والباقي في معناه؛ لأنه غير معذور في هذا الخطأ لمخالفة القاطع، وقد تقدم ما قاله عمر لأبي موسى في ذلك، وأنه كان يفاضل بين دية الأصابع؛ لتفاوت منافعها، حتى روي له الخبر في التسوية فنقض حكمه، رواه الخطابي في (معالمه). ونقض علي قضاء شريح بأن شهادة المولى لا تقبل بالقياس الجلي، وهو أن ابن العم تقبل شهادته وهو أقرب من المولى، ونقض قضاءه أيضًا في ابني عم أحدهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخ لأم بأن المال للأخ متمسكًا بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، ال له على: قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}. وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن رد عبدًا بعيب أنه يرد معه خراجه، فأخبره عروة عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان) فرجع وقضى بأخذ الخراج من الذي أخذه، رواه الشافعي في (مسنده) [1/ 243]. وقوله: (نقضه) معناه: أنه يلزمه ذلك وإن لم يرفع إليه، خلافًا لابن سريج؛ فإنه قال: لا يلزمه إعلام الخصمين إن علما بالخطأ، بل إذا ترافعا إليه نقضه، والصحيح اللزوم وإن علما. أما حقوق الله تعالى .. فعليه المبادرة لفصلها. وقوله: (وغيره) أي: من الحكام لا المفتين؛ لأن من لا يملك العد .. لا يملك الحل. وفي معنى قوله: (باجتهاده) ما إذا كان مقلدًا وحكم بخلاف نص إمامه كوجه ضعيف .. فإنهم جعلوا نص إمامه بالنسبة إليه كنص الشارع بالنسبة إلى المجتهد. وليس المراد بالنص: ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا، بل المراد به ما هو أعم، حتى يشمل، كذا نقله في (المطلب) عن النص، وإطلاقه (السنة) يشمل متواترها وآحادها. وفي النقض بخبر الواحد وجه حكاه شريح الروياني. والمراد بـ (القياس الجلي): ما تعرف به موافقة الفرع الأصل بحيث ينتفي احتمال افتراقهما أو يبعد كالتحاق الضرب بالتأفيف، وبعضهم لا يسميه قياسًا، بل فحوى خطاب. وزاد بعضهم على ما ذكره المصنف رابعًا وهو: مخالفة القواعد الكلية. وصيغة النقض أن يقول: نقضته أو أبطلته أو فسخته، فلو قال: هذا باطل أو ليس بصحيح .. فوجهان.

لاَ خَفِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند مالك وأحمد: أنه إذا نقض وكان به مكتوب .. يقطع، ولم يذكره أصحابنا، والظاهر: أنه إذا خصمعلى ظاهره بالنقض .. كفى. قال: (لاخفي)؛ لأن الظنون المتعادلة لو نقض بعضها ببعض .. لما استمر حكم، ولشق الأمر على الناس. و (الخفي): ما لا يزيل احتمال الموافقة ولا يبعده، فمنه ما علته مستنبطة كقياس الأرز على البر بعلة الطعم، وجعله ابن القاص من الجلي، والصحيح الأول. ومنه: قياس الشبه، وهو أن تشبه الحادثة أصلين فتلحق بأشبههما، هذا إذا جعلنا قياس الشبه حجة، وفيه خلاف لأصحابنا. فإذا بان له الخطأ بقياس خفي لكنه أرجح مما حكم به وأنه الصواب .. فليحكم فيما يحدث بعد ذلك به، ولا ينقض ما حكم به أولًا، بل يمضيه. وقد تقدم عن عمر أنه حكم بحرمان الأخ من الأبوين في المشركة، ثم شرك بعد ذلك ولم ينقض قضاءه الأول، وقال: (ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي)، وقضى في الجد يمئة قضية مختلفة كما تقدم. فائدة: الصحيح: أن المصيب في المسائل الفرعية الاجتهادية واحد، والذاهب إلى غيره مخطئ لا إثم عليه. والثاني: أن كل مجتهد مصيب؛ لأن كلًا منهم مأمور بالعمل بما غلب على ظنه، وغير الحق لا يؤمر بالعمل به. واستدل الفريقان بالحديث المتقدم أول الباب: (إذا حكم الحاكم فاجتهد .. فله أجران، وإن أخطأ .. فله أجر) فالقائلون: كل مجتهد مصيب قالوا: قد جعل للمخطئ أجرًا فلولا إصابته .. لم يكن له أجر.

وَالْقَضَاءُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحتج الأولون بأنه سماه مخطئًا، وأما الأجر .. فإنه يحصل على تعبه في الاجتهاد. أما أصول التوحيد .. فالمصيب فيها واحد بإجماع من يعتد به، والمخطئ فيها آثم، ولا يجوز التقليد فيها إلا عبيد الله بن الحسن العنبري وداوود. تذنيب: إذا حكم قاض بنفي خيار المجلس، أو بنفي العرايا، أو بتحريم الجنين بذكاة أمه، أو بشهادة فاسقين، أو بصحة النكاح بحضورهما بلا إعلان أو بلا ولي، أو ببيع أم الولد، أو بالتفرقة بلعان ثلاث مرات، أو بتحريم الرضاع بعد الحولين، أو بقتل مسلم بكافر أو بإرثه منه وعكسه، أو بإبطال قتل المرأة بالرجل حتى يغرم وليها نصف الدية .. ففي نقض ذلك خلاف، رجح ابن الرفعة النقض في الجميع، ونقل الرافعي عن الروياني عدم النقض في الجميع؛ لأنها اجتهادية، والأدلة فيها متعارضة. وكذلك ينقض قضاء من حكم بملك العغاصب الثوب المغصوب إذا قطعه، والشاة المغصوبة إذا ذبحها، والأرض المغصوبة إذا بنى فيها، ويظهر أن يأتي فيه الخلاف. قال: (والقضاء ينقذ ظاهرًا لا باطنًا)؛ لأنا مأمورون باتباع الظاهر والله يتولى السرائر، والرافعي وغيره أوردوا ذلك حديثًا، قال الحافظ جمال الدين المزي: لا نعرفه. فإذا حكم بشهادة شاهدين ظاهرهما العدالة وكانا كاذبين .. لا يفيد الحل باطنًا، سواء كان الحكم بمال أو نكاح أو غيرهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء .. فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار) متفق عليه] خ 2680 - م 1713 [.

وَلاَ يَقْضِي بِخِلافِ عِلْمِهِ بِالإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا كان المحكوم به نكاحًا .. لم يحل للمحكوم له الوطء ولا الاستمتاع، وعليها الامتناع والهرب ما أمكنها، فإن أكرهت .. فلا إثم عليها، فإن وطئ .. فهو عند الشيخ أبي حامد زان، وعند ابن الصباغ والروياني ليس بزان؛ لأن أبا حنيفة يجعلها منكوحة بالحكم، وذلك شبهة. فرع: الأصح: أن الشاهد تقبل شهادته فيما لا يعتقده كشافعي يشهد بشفعة الجوار؛ لأنه مجتهد فيه، والاجتهاد إلى القاضي لا إلى الشاهد، فيؤديه عند منيرى جوازه. والثاني: لا، كما لا يقضي القاضي بخلاف ما يعتقده، وعلى القول بالجواز هل له الامتناع من الأداء؟ فيه وجهان: أصحهما: لا يمتنع. قال: (ولا يقضي بخلاف علمه بالإجماع)؛ لأنه لو حكم به .. لكان قاطعًا ببطلان حكمه، والحكم بالباطل محرم، كما إذا شهد شاهدان بزوجية وهو يعلم أن بينهما محرمية أو طلاقًا بائنًا، أو شهدا بموت إنسان يوم كذا وهو يعلم حياته حينئذ، أو برق عبد وهو يعلم أنه أعتقه. وعن الإصطخري: أنه يتعين القضاء بالعلم في مواضع: منها: أن يقر عنده بالطلاق الثلاث ثم يدعي زوجيتها، أو يدعي أن فلانًا قتل أباه وهو يعلم أنه قتله غيره، أو أن هذه أمتي تصدقه وهو يعلم أنها ابنته. وعبارة (المحرر) و (الشرحين) و (الروضة): لا يقضي بخلاف علمه بلا خلاف، وفيه نظر؛ فإن الماوردي والروياني والشاشي وابن يونس وابن الرفعة حكوا وجهًا: أنه يقضي بالبنية، وصواب العبارة: لا يقضي بما علم خلافه؛ فإن من يقضي بشهادة شاهدين لا يعلم كذبهما ولا صدقهما قاض، بخلاف علمه، وقضاؤه حق بالإجماع ما لم تكن ريبة، وكذا إن كانت على المذهب. والمراد بـ (العلم) هنا: اليقين لا الظن المؤكد، بخلاف ما سيأتي في (الشهادة) بالعلم؛ فإن المراد به: الظن الغالب، وكذلك قولهم: إنَّ شرط تحمل الشهادة

وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ إِلاَّ فِي حُدُودِ اللهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ العلمُ، المراد به: الظن الغالب. قال: (والأظهر: أنه يقضي بعلمه إلا في حدود الله تعالى) في القضاء بالعلم ثلاثة أقوال: أحدهما: يحكم به؛ لقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}، وهو يعلم أن أحدهما محق فيلزمه الحكم للمحق، ولأنه إذا حكم بما يفيد الظن وهو شاهدان أو شاهد ويمين .. فبالعلم أولى، ولذلك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند على أبي سفيان بنفقة ولدها من غير بينة؛ لعلمه بأمرهم. وقال الربيع: كان الشافعي يرى القضاء بالعلم، ولا يبوح به مخافة قضاة السوء، فعلى هذا: قال الماوردي والروياني: يشترط لنفوذه أن يقول: قد علمت أن له عليك ما ادعاه، وقد حكمت عليك بعلمي، فإن أغفل شيئًا من ذلك .. لم ينفذ. والثاني: لا يحكم به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك). وتداعى رجلان عند عمر فقال أحدهما: إنه شاهدي، فقال: (إن شئتما شهدت ولو أحكم، أو أحدكم ولا أشهد). ولأن علمه لو أقيم مقام شاهدين .. لا يعقد النكاح بحضوره وحده. فعلى هذا: لو شهد عند شاهد بما علمه فهل يقوم علمه مقام شاهد آخر؟ فيه وجهان: أصحهما: المنع. وأجاب القائل بالأول عن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم المحق منهما، وأثر عمر لم يثبت. والمغلب على حضور شاهدي النكاح التعبدُ، وبهذا القول قال مالك وأحمد. وحيث قلنا بالجواز .. فهو مكروه كما أشار إليه في (الأم). والقول الثالث: يحكم في غير حدود الله تعالى، وهي حد الزنا والسرقة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمحاربة والشرب؛ لأنها تدرأ بالشبهات، ويندب سترها. وروى أحمد بسند صحيح عن أبي بكر الصديق أنه قال: لو رأيت رجلًا على حد من حدود الله تعالى .. ما أخذته به، ولا دعوت له أحدًا حتى تقوم البينة عندي. ويجوز في المال قطعًا، وكذا في القصاص وحد القذف على الأصح، وهذا هو الأظهر. كل هذا فيما علمه بالمشاهدة، أما ما علمه بالتواتر، فإن قلنا: يقضي إذا علمه بالمشاهدة .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان. والفرق أن المحذور ثَمَّ التهمةُ، فإذا شاع الأمر .. زالت. ومحل الخلاف فيمن يجوز الحكم له بالبينة، فأما أصله وفرعه وشريكه .. فلا يقضي لهم بعلمه بلا خلاف كما تقدم. وعبارة المصنف تقتضي طرد الخلاف، سواء حصل له العلم قبل الولاية أو بعدها، في محل الولاية أو في غيره. نعم؛ لو أقر عنده شخص في مجلس حكمه .. فالذي جزم به الرافعي: أنه يقضي عليه وإن منعنا القضاء بالعلم. والخلاف الذي ذكره المصنف جار في الجرح والتعديل أيضًا، وهي الطريقة الصحيحة، وقال العراقيون: يقضي بعلمه في الجرح والتعديل وجهًا واحدًا. وعبارة الرافعي: لو عرف عدالتهما .. فله أن يقضي، ويغنيه علمه بها عن مراجعة المزكين، وفيه وجه؛ لقيام التهمة، وسيأتي في آخر الباب. واللوث إذا عاينه الحاكم .. له اعتماده قطعًا، وأشار إلى أنه لا يقضي بعلمه في الإعسار وإن جاز له أن يشهد به كما تقدم في بابه. وقوله: (حدود الله) ليس على إطلاقه، بل لو علم ردة شخص .. جاز له القضاء فيه بعلمه فيما يظهر، وكذلك حكم التعزير.

وَلَوْ رَأَى وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّكَ حَكَمْتَ أَوْ شَهِدْتَ بِهَذَا .. لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَتَذَكَّرَ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ فِي وَرَقَةٍ مَصُونَةٍ عِنْدَهُمَا، وَلَهُ الْحَلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ حَقٍّ أَوْ أَدَائِهِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ مُوَرِّثِهِ إِذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو رأى ورقة فيها حكمه أو شهادته أو شهد شاهدان أنك حكمت أو شهدت بهذا .. لم يعمل به ولم يشهد)؛ لإمكان التزوير ومشابهة الخط. قال: (حتى يتذكر)؛ لأنه ما لم يتذكر شهد بما لم يعلم، وقال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، دلت الآية على أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم. وقيل: ولو تذكر بناء على منع القضاء بالعلم. قال: (وفيهما وجه في ورة مصونة عندهما): أنه يجوز الاعتماد عليه إذا وثق به ولم تداخله ريبة السجل والمحضر؛ لبعد التحريف في مثل ذلك، وهو رواية عن مالك وأحمد. وقال أبو يوسف: يجوز له الحكم بخطه إذا عرف صحته ولم يتذكر، قال: وهو عرف القضاة في عصرنا. ومقتضى إطلاق الأصحاب: أن المراد: تذكر الحكم والتحمل على التفصيل، وأنه لا يكفي تذكر أصل القضية فقط. قال: (وله الحلف على استحقاق حق أو أدائه اعتمادًا على خط مورثه إذا وثق بخطه وأمانته)؛ لاعتضاده بالقرينة، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم). والفرق بينه وبين القضاء والشهادة على الخط- حيث لا يجوز ما لم يتذكر-: أن اليمين تتعلق بنفسه والشهادة والحكم بغيره. واحتج ابن دقيق العيد لجواز اليمين على غلية الظن بحلف عمر بحضرة النبي

والصَّحِيحُ: جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِخَطٍّ مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم أنَّ ابن صياد هو الدجال، ولم ينكره عليه. وضابط وثوقه: أن يكون بحيث لو وجد في تلك التذكرة لفلان علي هذا .. لم يجد في نفسه أن يحلف على نفي العلم به، بل يؤديه من التركة. واحترز بقوله: (إذا وثق) عما إذا غلب على ظنه كذبه .. فلا يحلف قطعًا، واقتصاره على خط مورثه يوهم منع الحلف على خط نفسه، وهو الذي نقله الشيخان هنا عن (الشامل)، وجرى عليه في (البيان)؛ لإمكان التذكر في خط نفسه، بخلاف مورثه، لكن المصنف سوى بينهما في (باب الدعاوي) حيث قال: (يجوز البت بظن مؤكد يعتمد خطه أو خط أبيه) وكذا ذكراه في (الشرح) و (الروضة) هناك. والظاهر: أن ذكر المورث ليس بقيد، حتى لو رأى شيئا بخط مكاتبه الذي مات قبل العتق، أو خط مأذونه القن بعد الموت، أو عامله في القراض، أو شريكه في التجارة .. جاز له أن يحلف عليه بالشرط السابق؛ لوجود العلة وهو الظن المذكور. قال: (والصحيح: جواز رواية الحديث بخط محفوظ عنده)؛ لعمل العلماء به سلفًا وخلفًا، ولأن باب الرواية أوسع من الشهادة؛ لأن الفرع يروي مع حضور الأصل ولا يشهد. والثاني: المنع إلى أن يتذكر كالشهادة. تتمة: تجوز الرواية بالإجازة، خلافًا للماوردي والقاضي حسين، وهو أحد قولي الشافعي، وهي سبعة أنواع بينها المصنف وغيره. والأصح: صحة الإجازة العامة كأجزت للمسلمين، أو كل أحد، أو من أدرك زماني، لا لزيد ولمن يولد له في الأصح. والإجازة للطفل الذي لا يميز صحيحة على الأصح.

فَصْلٌ: لِيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ، وَقِيامٍ لَهُمَا، وَاسْتِمِاعٍ، وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كتب الإجازة .. استحب أن يتلفظ بها، فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة .. صحت كالقراءة عليه مع سكوته. قال: (فصل: ليسوِّ بين الخصمين في دخول عليه) وإن اختلفا في الشرف، فلا يدخل أحدهما قبل الآخر، وإذنه لأحدهما وحجب الآخر جور يأثم به القاضي، فلو أذن لهما فتقدم أحدهما من تلقاء نفسه أو تقدم في الممر .. فذلك قريب. ولفظ الخصم يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث؛ لأنه في الأصل مصدر، قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ}. ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول: خصمان وخصوم. و (الخصم) بفتح الخاء وكسر الصاد: الشديد الخصومة. قال: (وقيام لهما) فيقوم لهما أو يترك، ولا يخص أحدهما بقيام. وكره ابن أبي الدم القيام لهما جميعًا؛ لأن أحدهما قد يكون شريفًا والآخر وضيعًا، فإذا قام لهما .. علم الوضيع أن القيام لأجل خصمه، فيزداد الشريف تيهًا والوضيع كسرًا، فترك القيام لهما أقرب إلى العدل. قال: (واستماع، وطلاقة وجه) ونحو ذلك من وجوه الإكرام، ويقبل عليهما معًا بمجامع لبه ويسمع لهما، ولا يمازح أحدهما ولا يضاحكه، ولا يشير إليه إشارة إكرام؛ لقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} الآية. قيل: نزلت في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي. وفي (سنن البيقهي) [10/ 135]: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي بالقضاء بين المسلمين .. فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومعقده ومعقده، ولا يرفع صوته على أحدهما).

وَجَوَابِ سَلاَمٍ، وَمَجْلِسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وجواب سلام) فإن سلما أجابهما معًا، وإن سلم أحدهما دون الآخر .. قال للآخر: سلم، أو يصبر حتى يسلم صاحبه فيجيبهما معًا. قال الرافعي: وقد يتوقف في هذا إذا طال الفصل، وكأنهم احتملوا طوله للتسوية. وقيل: يجوز ترك السلام مطلقًا، واستبعده الإمام، واعترضه في (المهمات). وقال الماوردي: إذا حضر الخصمان إلى الحاكم .. سقط عنهما سنة السلام. والواجب أن يسوي بينهما في الأفعال دون القلب، فإن كان يميل إلى أحدهما بقلبه ويحب أن يلهج بحجته على الآخر .. لم يأثم؛ لأنه لا تمكنه التسوية بينهما في ذلك، ولا يستطيع التحرز من الميل والمحبة كما قال صلى الله عليه وسلم في الميل إلى بعض نسائه: (اللهم؛ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك). قال: (ومجلس) فيجلسهما بين يديه. ويجوز إجلاس الشريفين عن يمينه وشماله؛ ففي (سنن أبي داوود) [3583] عن عبد الله بن الزبير قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم). ولأن النظر إليهما والاستماع لكل منهما حينئذ يكون أسهل، وإذا جلسا .. تقاربًا، إلا أن يكونا رجلًا وامرأة غير محرم فيتباعدان. ويستحب أن يجلسا بين يدي القاضي على الركب؛ ليتميزا عن غيرهما، ولأنه أهيب، وهي عادة العرب في المخاصمات، والمرأة متربعة كيف كانت؛ لأنه أستر لها. ولا يجوز أن يرتفع الموكل في المجلس عن الوكيل والخصم؛ لأن الدعوى متعلقة به أيضًا بدليل تحليفه إذا وجب اليمين، كذا حكاه ابن الرفعة عن الزبيلي وأقره،

وَالأَصَحُّ: رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي أن يكون مفرعًا على وجوب التسوية، فإن قلنا باستحبابها .. لم يتجه فيما ذكره غير الاستحباب. وبالجملة هو فقه حسن، والبلوى به عامة، وقد رأينا من يوكل فرارًا من التسوية بينه وبين خصمه. وملخص ما في التسوية في المجلس وجهان: المذهب استحبابها، والأكثرون على وجوبها. قال: (والأصح: رفع مسلم على ذمي فيه) أي: في المجلس، لقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. قال الشيخ: وهذا من عطف الخاص على العام؛ لأن العلماء أخص من المؤمنين ويكون المعنى: أنه يرفع المؤمنين على غير المؤمنين، ويرفع العلماء من المؤمنين على بقية المؤمنين. وروى البيقهي [10/ 136] عن الشعبي قال: خرج علي إلى السوق، فإذا هو بنصراني يبيع درعًا فعرفها علي فقال: هذه ردعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتيا شريحًا فلما رأى القاضي أمير المؤمنين .. قام من مجلسه وأجلسه فيه، وجلس شريح أمامه إلى جنب النصراني، فقال له علي: لو كان خصمي مسلمًا .. لقعدت معه مجلس الخصم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تساووهم في المجالس) اقض بيني وبينه يا شريح. فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه درعي، ذهبت مني منذ زمان، فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال: ما أكذب أمير المؤمنين! الدرع درعي، فقال شريح لأمير المؤمنين: هل من بينة؟ فقال علي: صدق شريح، فقال النصراني: أشهد أن هضه أحكام الأنبياء، ثم أسلم النصراني، فأعطاه علي الدرع وحمله على فرس عتيق. قال الشعبي: فلقد رأيته يقاتل المشركين عليه.

وَإِذَا جَلَسَا .. فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: لِيَتَكَلَّمِ الْمُدَّعِي، فَإِذَا ادَّعَى .. طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ، .... ـــــــــــــــــــــــــــــ والوجه الثاني: يسوي بينهما كما أنه يسوي بينهما في الإقبال عليهما والاستماع منهما. قال الرافعي: ويمكن أن يكون الوجهان في رفع المجلس جاريين في سائر وجوه الإكرام، وقد صرح بذلك الفوراني قبله، وجزم في (التنبيه) بتقدمه عليه في الدخول. قال: (وإذا جلسا) بين يديه وكذلك إذا انتصبا كما هو الواقع غالبًا، وهو خلاف الأولى والأدب، قال الماوردي: لا تسمع الدعوى منهما وهما قائمان حتى يجلسا بين يديه تجاه وجهه. قال: (.. فله أن يسكت)؛ لأنهما حضرا ليتكلما. قال: (وله أن يقول: ليتكلم المدعي)؛ لما فيه من إزالة هيبة القدوم، وكذا إذا عرف المدعي يقول له: تكلم. ولو خاطبهما بذلك الأمين الواقف عنده .. كان أولى، والأولى أن يستأذنه الخصم في الكلام. فإن طال سكوتهما لغير سبب .. قال: ما خطبكما، وهو أكمل ألفاظ الاستدعاء، وفيه وجه: أنه يسكت ولا يقول لهما شيئًا، فإن لم يدَّعِ واحد منهما .. أقيمها من مكانهما. قال: (فإذا ادعى) أي: دعوى صحيحة (.. طالب خصمه بالجواب)؛ لأن به تنفصل الخصومة فيقول: ما تقول؟ أو اخرج من دعواه ونحو ذلك. وقيل: لا يطالبه بالجواب حتى يسأل المدعي؛ لأنه حقه، فيقول: وأنا أسأل جوابه أو أطالبه بالجواب؛ لأنه حقه، فلا يطالب به خصمه إلا بسؤاله كاليمين؛ فإنه لا يحلفه إلا بمسألته، وصحح هذا الهروي، وقال في (الدعاوى) من (الشرح الصغير): إذا أشبه. فلو كتب المدعي دعواه في رقعة وقال: أدعي بما في هذه .. ففيه وجهان:

فَإِنْ أَقَرَّ .. فَذَاكّ، وِإِنْ أَنْكَرَ .. فَلَهُ أَنْ يَقُولَ للْمُدَّعي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ وَأَنْ يَسْكُتَ، فَإِنْ قَالَ: لِيْ بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ .. فَلَهُ ذَلِكَ، أَوْ لاَ بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ أَحْضَرَهَا .. قُبِلَتْ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: لا يقبل القاضي هذا منه حتى ينطق بذلك بلسانه. والثاني: يقبله منه، ويقرؤها على المدعى عليه، ويطالبه بالجواب، فإن كتب الآخر الجواب في رقعة .. استويا، ولا ترجيح في الوجهين. قال: (فإن أقر .. فذاك) أي: فقد لزمه ما أقر به، فحينئذ للمدعي أن يطلب من القاضي الحكم عليه فيقول: اخرج من حقه، أو كلفتك الخروج منه، أو ألزمتك به. والأصح: أن الحق يثبت بمجرد الإقرار دون حكم، بخلاف البينة، واستبعد الرافعي مقابله؛ فإنه لا خلاف أن للمدعي الطلب بعد الإقرار، وللقاضي الإلزام. قال: (وإن أنكر) أي: والدعوى فيما لا قسامة فيه. قال: (.. فله أن يقول للمدعي: ألك بينة؟)؛ لما روى مسلم] 139 [عن وائل بن حجر: أن رجلًا من حضر موت وآخر من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فال الحضرمي: يا رسول الله؛ إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال صلى الله عليه وسلم للحضرمي: (ألك بينة؟) قال: لا، قال: (فلك يمينه). وفي وجه: لا يقول له ذلك؛ لأنه كالتلقين. قال: (وأن يسكت)؛ تحرزًا من اعتقاد ميله إلى المدعي. وقيل: له أن يقول: قد أنكرك فهل لك بينة، أو ما تقول؟ قال: (فإن قال: لي بينة وأريد تحليفه .. فله ذلك)؛ لأنه إن تورع عن اليمين وأقر .. سهل الأمر على المدعي، واستغنى عن إقامة البينة، وإن حلف .. أقام البينة، وإن كذبه .. فله في التحليف غرض صحيح. قال: (أو لا بينة لي، ثم أحضرها .. قبلت في الأصح)؛ لأنه ربما لا يعرف، أونسي ثم عرف وتذكر.

وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ .. قُدِّمَ الأَسْبَقُ، فَإِنْ جُهِلَ أَوْ جَاؤُوا مَعًا .. أُقْرِعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يقبل، ونسبه الماوردي إلى الأكثرين؛ للمناقضة، فلنفيه البينة ثلاث صور: إحداها: لا بينة لي حاضرة، فإذا أحضرها .. سمعت جزمًا. الثانية: لا بينة لي حاضرة ولا غائبة، ثم يأتي ببينة، والأصح في (أصل الروضة) سماعها. الثالثة: لا بينة لي، وهي صورة الكتاب، فلو قال: شهودي عبيد أو فسقة، ثم يأتي بأحرار عدول .. قبلت شهادتهم إن مضى زمان يمكن فيه العتق والاستبراء، كذا قاله الشيخان. وينبغي القبول وإن لم يمض الزمان كما لو قال: لا بينة لي؛ لأنه قد لا يطلع على الحرية والعدالة، ثم يطلع عليهما. ولو قال: كل بينة أقيمها باطلة أو كاذبة أو بينة زور، ثم أحضرها .. قبلت في الأصح؛ لأنه ربما لم يعرف أو نسي ثم عرف وتذكر. والثاني: لا؛ للمناقضة، إلا أن يذكر لكلامه تأويلًا، ككنت جاهلًا أو ناسيًا، ونسبه الماوردي والروياني إلى الأكثيرين. فرع: قال المدعي للمدعى عليه: أبرأتك من اليمين .. سقط حقه من اليمين في هذه الدعوى، وله استئناف الدعوى وتحليفه، كذا قاله الشيخان. قال ابن الرفعة: يظهر أنه لا تسوغ الدعوى عليه ثانيًا؛ لانقطاع الخصومة. قال: (وإذا ازدحم خصوم .. قدم الأسبق)؛ لأنه أحق من المتأخر بسبقه، والاعتبار بسبق المدعي دون المدعي عليه. قال: (فإن جهل أو جاؤوا معًا .. أقرع)؛ قطعًا للمنازعة، فإن آثر بعضهم بعضًا .. جاز، فإن كثروا وعسر الإقراع .. كتب أسماءهم في رقاع ووضعت بين يديه

وَيُقَدَّمُ مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفزٌونَ وَنِسْوَةٌ وَإِنْ تَأَخَّرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ليأخذ واحدة واحدة، فيسمع دعوى من خرج اسمه، قاله ابن الصباغ وغيره، وفسر الروياني الإقراع بهذا. وتقديم القاضي الأول فالأول على سبيل الوجوب، فإن كان فيهم مريض يتضرر بالصبر إلى نوبته .. قال الروياني: الأولى لغيره تقديمه، فإن لم يفعلوا .. قدمه القاضي إن كان مطلوبًا، ولا يقدمه إن كان طالبًا. فرع: الازدحام على المفتي والمدرس فيما هو من العلوم فرض كفاية كالازدحام على القاضي، فيقدم بالسبق، وإن كان ذلك العلم لا يجبب تعلمه .. فالخيرة إلى المعلم والمفتي، وفي وجه: يجوز تخصيص بعضهم. وقال الإمام والغزالي: الأولى المنع منه؛ فإنه لا يدري من المفلح منهم، فيعم الجميع، فإن لم يتأت تعليم الجميع .. قدم بالسبق أو بالقرعة. قال: (ويقدم مسافرون مستوفزون ونسوة وإن تأخروا)؛ لدفع الضرر، ولأن النساء عورة. و (المستوفز): الذي شد رحله، ويضره التخلف عن الرفقة. قال الرافعي: وينبغي أن لا فرق في المسافر والمرأة بين المدعي والمدعى عليه، والأصح: أن تقديمها مستحب، ومنهم من يشعر كلامه بالوجوب. والمسافرون بعضهم مع بعض كالمقيمين، فيعتبر السبق والقرعة، وكذا النسوة، فلو تعارضت النسوة والمسافرون .. ففي المقدم منهما نظر. وقوله: (وإن تأخروا) راجع إلى المسافرين والنسوة، وغلب المذكر على المؤنث. وكذا قوله: (ما لم يكثروا). وإطلاقه النسوة يفهم أنه لا فرق بين الشابة والعجوز، والقياس إلحاق العجوز بالرجال؛ لانتفاء المحذور، ومن له مريض بلا متعهد ينبغي إلحاقه بالمريض،

مَا لَمْ يَكْثُرُوا، وَلاَ يُقَدَّمُ َسَابِقٌ وَقَارِعٌ إِلاَّ بِدَعْوَى، وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ لاَ يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ، وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ فَعَرَفَ عَدَالَةً أَوْ فِسْقًا .. عَمِلَ بِعِمْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي تقديم المسلم على الكافر كما يرفعه عليه في المجلس. قال: (ما لم يكثروا)؛ دفعًا للضرر عن المقيمن في الأولى وعن الرجال في الثانية. قال: (ولا يقدم سابق وقارع إلا بدعوى) واحدة؛ لئلا يطول على الباقين، فإن كان له دعوى أخرى .. فليحضر في مجلس آخر وينتظر فراغ القاضي، وحينئذ تسمع دعواه الثانية، سواء كانت على الذي ادعى عليه أولى أو على غيره. وفي وجه ضعيف: أن الزيادة على الأولى مسموعة إذا اتحد المدعى عليه. وعلى هذا: قال في (الوسيط): تسمع إلى ثلاث دعاوى، ومنهمم من أطلقه. قال: (ويحرم اتخاذ شهود معينين لا يقبل غيرهم)؛ لمخالفة قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (شاهدك أو يمينه)، والإجماع على قبول كل عدل، ولأن فيه مشقة على الناس في قطع المسافة إليهم. قال الماوردي: وأول من فعل ذلك إسماعيل بن إسحاق المالكي، وتبعه بعض القضاة في البلاد، وهل ذلك مكروه أو حرام؟ الذي في (البحر) و (الحاوي) الأول، وجزم القاضي أبو الطيب بالثاني، وعبارة (الروضة): لا يجوز، فإن رتب ومًا وكان يقبل غيرهم .. فلا كراهة. قال: (وإذا شهد شهود فعرف عدالة أو فسقًا .. عمل بعلمه) فترد شهادة الفاسق، ولا يحتاج أن يبحث عن عدالة العدل، وقد تقدم فيه وجه عند القضاء بالعلم. فرع: شهد عليه معروفان بالعدالة قبل الحكم، ثم اعترف .. فقيل: يستند الحكم إلى الإقرار فقط، والصحيح: إلى المجموع.

وَإِلاَّ .. وَجَبَ الاسْتِزْكَاءُ بِأَنْ يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَبْعَثَ بِهِ مُزَكِّيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن لم يعرف منهم عدالة ولا فسقًا (.. وجب الاستزكاء) وبهذا قال مالك وأحمد؛ لأنه حكم بشهادة، فيسقط فيه البحث عن شرطها كما إذا طعن الخصم، ولا يجوز الاكتفاء بأن الظاهر من حال لمسلم العدالة، كما لا يجوز الاكتفاء بأن الظاهر من حال من كان في دار الإسلام الإسلام. هذا في جهل العدالة والحرية، فأما في جهل الإسلام .. فيرجع فيه إلى قولهم؛ لأنهم قادرون على إنشائه. وفي (الحاوي) في (كتاب الشهادات) وجه: أنه لا يقنع بقوله: إني مسلم، حتى يختبر بالإتيان بالشهادتين. وفي الحرية وجه: أنه يرجع لقوله، وقال في (المهذب): إنه ظاهر النص. ومحل ما ذكره إذا لم يصدقهما الخصم، فإن صدقهما فيما شهدا به .. قضى بإقراره، ولا حاجة إلى البحث، لكن الحكم هنا بالإقرار لا بالبينة، ثم بين المصنف كيفية الاستزكاء فقال: (بأن يكتب ما يتميز به الشاهد) من اسم وكنية ولقب وولاء إن كان، واسم أبيه وجده وحليته وحرفته وسوقه ومسجده؛ لئلا يشتبه بغيره، وإن كان مشهورًا وحصل التمييز ببعض هذه الأوصاف .. كفى. قال: (والمشهود له وعليه) بأن يكتب ذلك؛ لأنه قد يكون بينهما ما يمنع الشهادة له أو عليه من قرابة أو عداوة. قال: (وكذا قدر الدين على الصحيح)؛ لأنه قد يغلب على الظن صدق الشاهد في القليل دون الكثير. والثاني: لا يكتبه؛ لأن العدالة لا تتجزأ، فمن قبل في القليل .. قبل في الكثير. قال: (ويبعث به مزكيًا) ليعرفه حاله، كذا في نسخة المصنف، وفي (المحرر): ويبعث به إلى المزكي، وفي (الروضة) و (الشرحين): ويكتب إلى كل مزك كتابًا ويدفعه إلى صاحب مسألته.

ثُمَّ يُشَافِهُهُ المُزَكِّي بِمَا عِنْدَهُ، وَقِيلَ: تَكْفِي كِتَابَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة (التنبيه): يكتب ذلك فى رقاع ويدفعها إلى أصحاب المسائل، ولايعلم بعضهم ببعض، وأقلهم اثنان، وقيل: يجوز واحد. وأصل هذا أنه ينبغي أن يكون للقاضي مزكون وأصحاب مسائل. فأصحاب المسائل: الذين يبعثهم القاضي إلى المزكين ليعرفوه ما اتضح عندهم من أحوال الشهود. والمزكون: هم الذين يرجع إليهم فى أحوال الشهود. وقيل: أصحاب المسائل اسم مشترك بين المزكين وبين رسل الحاكم إليهم. ومراد المصنف بـ (المزكي): اثنان، لا ما يقتضيه لفظه من الوحدة. قال: (ثم يشافهه المزكي بما عنده)؛ لأن الحكم يقع بشهادته فاعتبر ذلك، فإن اتصل به جرح .. لم يظهره، بل يقول للمدعى: زدني في الشهود، وإن كان تعديلًا .. عمل بمقتضاه. وقوله: (يشافهه المزكي) إن أراد به صاحب المسألة– كما هو ظاهر عبارته- ... فذاك، وسماه مزكيًا؛ لأنه ينقل للقاضي التزكية عن المزكين. وإن أراد المبعوث إليه- كما اقتضاه كلام (المحرر) وغيره- .. فهو وجه قال به أبو إسحاق، ومنعُ الاعتماد على قول أصحاب المسائل؛ لأنهم شهود فرع، وشهادة الفرع لا تقبل مع حضور شاهد الأصل. قال: (وقيل: تكفي كتابته) أي: مع أصحاب المسائل إلى القاضي، وهو الذى عليه الحكام فى بلاد الإسلام، يكتفون برؤية سجل العدالة. والأصح: لا يكفي؛ لأن القاضي لا يعتمد على خط نفسه وإن وثق مالم يتذكر، فكيف بخط غيره المحتمل التزوير. قال الرافعي: هذا ظاهر إن كان الحاكم يحكم بشهادة المزكيين، فأما إذا ولي بعضهم الحكم بالعدالة والجرح .. فلتكن كتابة ككتاب القاضي، وليكن الرسولان كالشاهدين على كتاب القاضي.

وَشَرْطُهُ كَشَاهِدٍ مَعَ مَعْرِفَةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَخُبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يُعَدِّلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وشرطه كشاهد) في الإسلام والتكليف والحرية والذكورة والعدالة، وعدم العداوة في الجرح، وعدم الأبوة والبنوة في التعديل، فلا تسمع شهادة الأب بتعديل الابن وعكسه على الأصح. قال: (مع معرفة الجرح والتعديل)؛ ليكون على بصيرة من ذاك. قال: (وخبرة باطن من يعدله لصحبة أو جوار أو معاملة)؛ لما روى البيهقي] 10/ 125 [عن خرشة بن الحر قال: شهد رجل عند عمر بن الخطاب فقال: لا أعرفك، ولا يضرك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، فقال: بأي شي تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل، قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فعاملته بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا، قال: فرافقته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: لست تعرفه، ثم قال للرجل: ائتني بمن يعرفك. ومن جهة المعنى أن الناس يخفون عوراتهم، ولا يتحقق الاطلاع عليها، فاعتبر ما يغلب على الظن بذلك، وهو الخبرة الباطنة. واعتبر الإمام والغزالي والجاجرمي شرطًا ثالثًا وهو: أن لا يكون المزكي من أهل الأهواء والعصبية والمماطلة واللجاج؛ لأن اللجوج ينصر هواه، ويرتكب ما يهواه، ولا يرجع عن الخطأ؛ لضعف تقواه. وينبغي أن يكون المزكي وافر العقل، ويجتهد في إخفاء أمرهم؛ لئلا يشتهروا في الناس بالتزكية. والمراد بالمزكي هنا: من يشهد بالعدالة لا أصحاب المسائل، ولا تشترط فيهم الخبرة الباطنة إذا اكتفينا بشهادتهم كما صرح به ابن الرفعة. قال الماوردي: ولايجوز للحاكم أن يقول لهم: من أين لكم ذلك.

وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَةٍ، وَأَنَّهُ يَكْفِي: هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ: يَزِيدُ: عَلَيَّ وَلِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: ظاهر إطلاق المصنف أنه لا يشترط التقادم في المعرفة الباطنة، وظاهر لفظ الشافعي يقتضيه، قال الرافعي: ويشبه أن شدة الفحص كالتقادم فليس ذكره للاشتراط، بل لكون الغالب أن الباطن لا يعرف إلا به. وسكت المصنف عن التعديل بالاستفاضة، قال الرافعي: ولايبعد أن له التعديل بذلك، فإذا سمع الناس يذكرون صلاح شخص وأمانته وعدالته .. قال القاضي: له تعديله وإن لم يكن من أهل الخبرة بحاله إذا تكرر ذلك على سمعه مرارًا بحيث يغلب على ظنه، ويشهد له من السنة حديث الجنازة لما مر بها على النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها خيرًا فقال: (أنتم شهداء الله في الأرض). قال: (والأصح: اشتراط لفظ شهادة) بأن يقول: أشهد أنه عدل، كسائر الشهادات. والثاني: لا يشترط، بل يقوم مقامها: أعلم وأتحقق وغيرهما، وهو شاذ. قال: (وأنه يكفي: هو عدل)؛ لأنه أثبت العدالة التي اقتضاها ظاهر قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وهذا نص عليه فى (حرملة). قال: (وقيل: يزيد: عليَّ ولي)، قال الإمام: وهو أبلغ عبارات التزكية، وهو المنصوص في (الأم) و (المختصر). وظاهر عبارته أنه لا فرق بين أن يقدم عليَّ أو لي. وفي (الرونق) و (اللباب): لا يقبل حتى يقول: لي وعليَّ، فإن قال: عليَّ ولي .. لم يقبل في أحد الوجهين. والثاني: يقبل، سواء قدم أو أخر، وهو غريب.

وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجوز أن يزكي أحد الشاهدين الآخر على الأصح، وعن (كتاب حرملة) جوازه، والمذهب الأول. ولايحصل التعديل بقوله: لا أعلم منه إلا خيرًا؛ لأنه قد لا يعرف منه إلا الإسلام، ولا بقوله: لا أعلم منه ما يوجب رد الشهادة؛ لأنه قد لا يعرف منه ما يوجب القبول أيضًا. قال: (ويجب ذكر سبب الجرح) وإن كان الجارح ذا فضل وفقه كما قاله في (الأم)؛ لأن أسبابه مختلف فيها، وقد يظن الشاهد ما ليس بجرح جرحًا. وعلم من كلام المصنف أنه لا بد من التصريح بالسبب، وهو الصحيح، فيقول: هو زان أو سارق أو قاذف أو كاذب ونحو ذلك، لكن هل يشترط ذكر رؤية السبب أو سماعه بأن يقول: رأيته يزني أو سمعته يقذف؟ وجهان: أقيسهما: لا، فإذا بين السبب .. نظر فيه القاضي بعد ذلك. وقال الإمام والغزالي: إذا كان الجارح عالمًا بالأسباب .. اكتفي بإطلاقه؛ وإلا .. فلا. وقيل: يكفي التعريض بذكر ماينبه على ما يقع به الجرح مثل أن يسكت، أو يستعفي عن ذكره، أو يقول: الله أعلم بالسرائر، حكاه القاضي والإمام، ولا يجعل الجارح بذكر الزنا قاذفًا؛ للحاجة إلى ذلك كالشاهد. قال المصنف: والصواب: أنه غير قاذف وإن لم يوافقه غيره؛ لأنه مسؤول عنه، فهو فى حقه فرض كفاية أو عين، بخلاف شهود الزنا؛ فإنهم مندوبون إلى الستر مقصرون. وأما التعديل .. فلا حاجة إلى بيان سببه؛ لأن العدالة بالتحرز من أسباب الفسق، وهي كثيرة يعسر ضبطها وعدها. وفي (العدة) وجه ضعيف: أنه يجب بيان سببه أيضًا، وجزم به في (الحاوي) فى موضعين، ولا يخفى أن الجرح لا يكون إلا عند القاضي، أو من نصبه للجرح أو التعديل.

وَيَعْتَمِدُ فِيهِ الْمُعَايَنَةَ أَوْ الاِسْتِفَاضَةَ، وَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ، فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ: عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ وَأَصْلَحَ .. قُدِّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويعتمد فيه) أى: في الجرح (المعاينة) والسماع كما إذا رآه يزني أو يشرب الخمر، أو سمعه يقذف إنسانًا، أو يقر على نفسه بذلك. قال: (أو الاستفاضة) وكذا خبر التواتر؛ لحصول العلم بذلك، أما العدد اليسير .. فلا يجرح بقولهم، لكن له أن يشهد على شهادتهم بشرطه. وقيل: يعتمد خبر واحد من الجيران إذا وقع فى القلب صدقه. وقال في (العدة): إذا استفيض فسق الشاهد للناس .. فلا حاجة إلى البحث والسؤال، ويجعل المستفيض كالمعلوم. وقال: (ويقدم على التعديل)؛ لزيادة علم الجارح، لأن التعديل بأمر ظاهر والجرح بباطن فقدمت شهادة علم ما خفي على غيره، كما لو قامت بينة على الحق وبينة على الإبراء .. تقدم بينة الإبراء؛ لأن المعدل ناف والجارح مثبت فهو أولى، وكذلك الحكم لو جرحه اثنان وعدله ثلاتة فأكثر إلى مئة، قاله القاضي حسين وغيره، وألحق به الإمام ما لو عدلوه وتحقق القاضي فسقه بالتسامع. قال: (فإن قال المعدل: عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح .. قدم)؛ لزيادة العلم، وهذا كالمستثنى من تقديم بينة الجرح. وفي (البيان) عن الأصحاب استثناء صورة أخرى، وهي ما إذا شهد بالجرح في بلد ثم انتقل لبلد أخرى فشهد اثنان بالتعديل .. فتقدم على الجرح؛ لأن العدالة طارئة على الجرح، والتوبة ترفع المعصية. واقتصر في (الذخائر) على استثناء هذه الصورة، وقال: لا يشترط اختلاف البلدين، بل لو كانا في بلد واختلف الزمان .. فكذلك، كذا أطلقوه. وقال ابن الرفعة: وينبغي أن يخص بتخلل مدة الاستبراء بينهما. اهـ وهو الذى نص عليه فى اختلاف العراقيين من (الأم).

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ عَدْلٌ وَقَدْ غَلِطَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أنه لا يكفي في التعديل قول المدعى عليه: هو عدل وقد غلط) أي: فيما شهد به؛ لأن الاستزكاء حق لله تعالى، ولأن الحكم بشهادته حكم بتعديله، وهو لا يثبت بواحد. والثاني: يحكم بشهادته بلا بحث؛ لأن البحث لحقه وقد اعترف بعدالته، وهذه المسألة محلها فيما تقدم عند قوله: (وإلا .. وجب الاستزكاء)، وهناك ذكرها في (المحرر). فرع: عُدِّل الشاهد ثم شهد في واقعة أخرى، فإن لم يطل الزمان .. حكم بشهادته، ولا يطلب تعديله ثانيًا؛ وإن طال .. فوجهان: أصحهما: يطلب تعديله؛ لأن طول الزمان يؤذن بتغير الحال، كما قيل: تغير الأوقات ينكر المعارف، ثم يجتهد الحاكم فى طوله وقصره. وقال بعض الأصحاب: يسأل عنه في كل ستة أشهر، ولو قيل: كل سنة .. كان أولى. وإذا عدل شاهد والقاضي يتحقق فسقه بالتسامع .. قال الإمام: يجب القطع بأنه يتوقف فيه، ولا يقضي بعلمه. تتمة: إذا ارتاب القاضي بالشهود أو توهم غلطهم لخفة عقل وجدها فيهم .. فينبغي أن يفرقهم، ويسأل كل واحد عن وقت تحمل الشهادة عامًا وشهرًا ويومًا وغدوة وعشية، وعن مكانه محلة وسكة ودارًا وصفة وصحنًا، ويسأل أتحمل الشهادة وحده أم مع غيره، وأنه كتب شهادته أم لا، وأنه كتب قبل فلان أو بعده، وكتبوا بحبر أو مداد ونحو ذلك، يستدل على صدقهم إن اتفقت كلمتهم، ويقف على عورة إن لم تتفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقال: إن أول من فرق الشهود دانيال النبي عليه السلام، شهد عنده شهود بالزنا على امرأة ففرقهم وسألهم فقال أحدهم: زنت بشاب تحت شجرة كمثرى، وقال آخر: تحت شجرة تفاح، فعرف كذبهم. وفرق الشهود داوود عليه السلام، ثم علي كرم الله وجهه. أما إذا لم تكن ريبة بأن كانوا وافري العقل فقهاء .. لم يفرقهم؛ لأن فيه تهمة لهم وطعنًا فيهم، وقال الروياني: يفرقهم. ثم إن التفريق والاستفصال جعله الغزالي بعد التزكية، والصحيح: أنه قبلها، فإن اظله على عورة .. استغنى عن الاستزكاء والبحث عن حالهم، وإن لم يطلع، فإن عرف عدالتهم .. حكم، وإلا .. استزكى، وهل هذا التفريق والاستفصال واجب أو مستحب؟ فيه أوجه: الصحيح: أنه مستحب، وقيل: واجب، وقيل: إن سأله الخصم .. وجب، وإلا .. فلا. ... خاتمة قال الشيخ: اختلف الفقهاء في أن الثبوت حكم بالثابت أو ليس بحكم، والصحيح عندنا وعند المالكية: أنه ليس بحكم، وعند الحنفية: أنه حكم، ولا يتجه في كونه حكمًا إلا أنه حكم بتعديل البينة وقبولها وجريان ذلك الأمر المشهود به، وله فائدتان: عدم احتياج حاكم آخر إلى النظر فيها، وجواز التنفيذ في البلد، فإن في تنفيذ الحكم في البلد من غير اقترانه بحكم خلافًا. فإذا صرح بالحكم كما ذكرناه .. جاز التنفيذ، وأما صحته .. فالصحيح: أنه لا يدل عليها؛ لأن الحاكم قد يثبت الشيء ثم ينظر في كونه صحيحًا أو باطلًا، وكثيرًا ما يوجد في إسجالات الحكام: ليسجل بثبوته والحكم به، فيحمل على التصرف المعهود كما هو الواقع اليوم في الكتب الحكمية، والمراد: ذلك التصرف المدرج في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكتاب، وقد يكون صحيحًا مجمعًا عليه، وقد يكون فاسدًا مجمعًا عليه، وقد يكون مختلفًا فيه. وقد يقع في ألفاظ الحكام: الحكم بما قامت به البينة، فـ (ما) إن كانت مصدرية .. فهو كقوله: بقيام البينة، وإن كانت موصولة- وهو الظاهر- فهي كإثبات جريان العقود المحكوم بها، فالقاضي تارة يقتصر على الثبوت، وتارة يضيفه إلى الأحكام كقوله: ثبت عندي أن هذه الدار وقف، أو ملك فلان، أو أن هذه المرأة زوجة فلان، فهذا مثل الحكم لا يمكن التعرض لنقضه، إلا أن يتحقق أن مستنده جريان عقد مختلف فيه كقول الحنفي: ثبت عندي أن هذه زوجة فلان زوجته نفسها ونحو ذلك، فإن قلنا: الثبوت حكم .. امتنع على غيره إبطاله، وإن قلنا: ليس بحكم .. لم يمتنع. وأما إذا حكم بصحة العقد .. فهذه أعلى درجات الحكم، فلا سبيل إلى نقضه باجتهاد مثله، فإذا كان في محل مختلف فيه اختلافًا قريبًا .. لم ينقض فيه قضاء القاضي، وكثيرًا ما يكتب: ليسجل بثبوته وصحته، فيحتمل عود الضمير على الثبوت، فيراجع فيه، فإن عسرت المراجعة .. حمل على الحكم؛ لصحة التصرف، كما لو صرح به لأنه المتعارف. ومعنى صحته: كونه بحيث تترتب آثاره عليه، ومعنى حكم القاضي بذلك: إلزامه لكل أحد. فإذا كان في محل مختلف فيه .. نفذ وصار كالمجمع عليه، ومن شرط هذا الحكم: ثبوت ملك المالك، وحيازته، وأهليته، وصحة صيغته في مذهب القاضي. وأما الحكم بالموجب .. فهو أحط رتبة من الحكم بالصحة؛ فإن الحكم بالصحة يستدعي ثلاثة أشياء: أهلية التصرف، وصحة الصيغة، وأن التصرف في محله، ولذلك اشترط فيه ثبوت الملك والحيازة، والحكم بالموجب يستدعي شيئين: أهلية التصرف، وصحة الصيغة فيحكم بموجبهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعناه: أنه إن كان مالكًا .. صح، فكأنه حكم بصحة تلك الصيغة الصادرة من ذلك الشخص، وهذا نافع في الصور المختلف فيها، فإذا وقف على نفسه فحكم حاكم بموجب ذلك .. كان حكمًا منه بأن الواقف من أهل التصرف، وأن صيغته هذه صحيحة حتى لا يحكم بعده ببطلانها من يرى الإبطال، وليس حكمًا بصحة وقفه، وذلك لتوقفه على كونه مالكًا لما وقفه ولم يثبت، فإذا ثبت حُكِمَ حينئذ بصحة الوقف، والرافع للخلاف الحكم بصحة الصيغة؛ لأنه المختلف فيه. وإنما جاز الحكم بالموجب مع عدم ثبوت الملك؛ لأنه قد يعسر إثبات الملك وهذه اللفظة- وهي الحكم بالموجب- لا توجد في شيء من كتب المذاهب إلا في كتب أصحابنا. فإن قيل: الموجب أمر مبهم يحتمل ان يكون الصحة، ويحتمل أن يكون غيرها، وحكم القاضي إذا لم يعين .. لم يصح، فلا يرفع الخلاف. ولا يمنع الحكم من قاض يرى خلاف ذلك، ويدل لذلك، ما نقله الرافعي عن أبي سعد الهروي- ومال عليه-: أن ما يكتب على ظهور الكتب الحكمية وهو: صح ورود هذا الكتاب علي فقبلته قبول مثله وألزمت العمل بموجبه .. ليس بحكم؛ لاحتمال أن المراد تصحيح الكتاب وإثبات الحجة. فالجواب: أنا إذا أعدنا الضمير على الكتاب .. صح ما قالاه؛ لأن مضمون الكتاب وموجبه صدور ما تضمنه من إقرار، وأنه ليس بزور، فلذلك قال الرافعي: إنه ليس بحكم، وهذا صحيح إذا أريد ذلك أو احتمل، أما إذا حكم بموجب الوقف أو موجب الإقرار .. فليس موجبه إلا كونه وقفًا، أو كون المقر به لازمًا. وقول من قال: (موجبة يحتمل الصحة والفساد) ممنوع؛ فاللفظ الصحيح موجبه حكمه، واللفظ الفاسد لا يوجب شيئًا. وإذا كان اللفظ يحتمل موجبتين .. وجب على الحاكم أن يبين حكمه، وإبهام ذلك لا يجوز عند القدرة، إلا أن يخشى من ظالم ونحوه كما قاله الرافعي في موضع آخر،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيفعل ذلك ملاينة له، فإذا علم ذلك .. عمل بمقتضاه، وبدون ذلك لا يحمل حكم القاضي إلا على البيان الواضح. فتلخص: أنه إذا حكم بموجب وقف أو بيع أو إقرار ونحوها .. فهو حكم على العاقد بمقتضى قوله، وعلى المقر بمقتضى إقراره، وليس لحاكم آخر نقضه لاقتضاء مذهبه بطلانه؛ لأن فيه نقض الاجتهاد بالاجتهاد.

بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب القضاء على الغائب لم يبوب له في (المحرر)، بل جعله فصلًا، وترجمه الشافعي وكثير من الأصحاب بـ (باب كتاب القاضي إلى القاضي)؛ لأنه مقصود الباب. والأصل في جواز العمل بكتب القضاة الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب .. فقصة سليمان عليه السلام وبلقيس في قوله تعالى: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} الآية، فأنذرها بكتابه، ودعاها إلى دينه بطيب خطابه، واقتصر منه على قوله: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَاتُونِي مُسْلِمِينَ} فأوجز واختصر. وهكذا تكون كتب الأنبياء في لفظها المختصر. وأما السنة .. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى ابن هرمز أن أسلم تسلم والسلام، فلما وصل إليه كتابه .. مزقه، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمزق الله ملكه. وكتب إلى قيصر، فلما وصل كتابه وضعه على رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم: (ثبت الله ملكه (فكان كما قال. وكتب صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم كتابه المشهور في الأحكام والديات، وجهز صلى الله عليه وسلم جيشًا وأمر عليهم عبد الله بن جحش، ودفع إليه كتابًا مختومًا وقال: (لا تنقضه حتى تبلغ موضع كذا، فإذا بلغته فاقرأه واعمل بما فيه) ففعل ذلك.

هُوَ جَائِزٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمع الخلفاء الراشدون على الكتابة إلى أمرائهم وقضاتهم، وقد تقدم عهد عمر إلى أبي موسى. وكتب علي إلى ابن عباس: أما بعد: فإن الإنسان يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فلا تكن بما نلت من دنياك فرحًا، ول بما فاتك منها ترحًا، ولا تكن ممن يرجو الآخر بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، فكأن قد والسلام. قال ابن عباس: ما انتفعت ولا اتعظت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكتاب. ولم يزل الحكام من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن يكتب بعضهم إلى بعض، ويعملون على ذلك من غير إنكار. ولأن ضرورات الحكام إلى ذلك داعية؛ إذ في المنع إضاعة للحقوق التي ندبوا إلى حفظها. قال: (هو جائز) أي: في الجملة؛ للحاجة، وبه قال مالك وأحمد، واستدلوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (وكان قضاء منه على زوجها أبي سفيان وهو غائب. وقال عمر في قصة الأسيفع: من كان له عليه دين .. فليأتنا غدًا؛ فإنا بائعوا ماله وقاسموه بين غرمائه، وكان الأسيفع غائبًا، هكذا ترجم عليه البخاري. وفي الاستدلال بحديث هند نظر؛ لأن أبا سفيان كان حاضرًا بمكة كما رواه الحاكم وغيره، ولهذا قال في (شرح مسلم (: لا يصح الاستدلال به؛ لأن شرط صحة القضاء على الغائب أن لا يكون في البلد، أو مستترًا لا يقدر عليه كما سيأتي، وذكر الرافعي في (النفقات) ما يدل على أن ذلك كان استفتاء. وحكى المزني قولًا للشافعي بمنعه كمذهب ابي حنيفة، والحق القاضي حسين

إِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَهٌ وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ، فَإِنْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌ .. لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا تُسْمَعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالغائب ما إذا أحضره المجلس فهرب قبل أن يسمع احاكم البينة، أو بعده وقبل الحكم .. فإنه يجكم عليه قطعًا. قال: (إن كان عليه وادعى المدعي جحوده) أشار إلى أن لجوازه شرطين: أحدهما: أن تكون عليه بينة؛ لأن الدعوى لقصد ثبوت الحق، وطريقه محصورة في إقرار أو يمين مردودة أو بينة، والأولان مفقودان عند غيبة المدعى عليه، فلو قلنا: لا تسمع .. لجعلت الغيبة طريقًا إلى إسقاط الحقوق. الشرط الثاني: أن يدعي المدعي جحوده؛ لأن البينة شرط، وهي لا تقام على مقر، فاحتيج إلى التصريح بالجحود. وعلم من كلامه أن لا يكلف البينة على الجحود، وحكى الإمام فيه الاتفاق، قال: وهي من المشكلات؛ فإنه إن كان يدعي جحوده في الحال .. فهو محال؛ لأنه لا يعلم حاله، وإن كان يدعي جحوده لما كان حاضرًا .. فالقضاء في الحال لا يرتبط بجحود ماض. قال: (فإن قال: هو مقر) أي: وأنا أقيم البينة استظهارًا مخافة أن ينكر (.. لم تسمع بينته) لتصريحه بالمنافي لسماعها؛ إذ لا فائدة فيها مع الإقرار. قال: (وإن أطلق) أي: لم يتعرض لجحود ولا إقرار (.. فالأصح: أنها تسمع)؛ لأنه قد لا يعلم جحوده في غيبته، ويحتاج إلى الإثبات، فجعلت الغيبة كالسكوت. والثاني: لا تسمع إلا عند تعرض البينة للجحود؛ لأن البينة إنما يحتاج إليها عنده. فعلى هذا: يشترط أن يقول: هو جاحد، وعلى الأول الشرط أن لا يقول: وهو مقر. وفي (فتاوى القفال (ان هذا كله فيما إذا أراد إقامة البينة على دينه ليوفيه

وَأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَنِ الْغَائِبِ، وَيَجِبُ أَنْ يُحَلَّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ: أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضي .. يسمع بينته ويوفيه، سواء كان مقرًا أو جاحدًا. ويقوم مقام الجحود ما في معناه، كما لو اشترى عينًا وخرجت مستحقة فادعى الثمن على البائع الغائب .. فلا خلاف أنها تسمع وإن لم يذكر الجحود؛ لأن إقدامه على البيع كاف في الدلالة على جحوده، قاله الإمام والغزالي. قال: (وأنه لا يلزم القاضي نصب مسخر ينكر عن الغائب)؛ لأن الغائب قد يكون مقرًا فيكون إنكار المسخر كذبًا. قال الرافعي: ومقتضى هذا التوجيه: أنه لا يجوز نصب المسخر، لكن الذي أورده أبو الحسن العبادي وغيره أنه مخير بين النصب وعدمه. والثاني: يلزمه؛ لتكون البينة على إنكار منكر، قال في (المطلب (: وهو قياس المذهب في الدعاوي على التمرد. قال: (ويجب أن يحلفه بعد البينة: أن الحق ثابت في ذمته)؛ لأن المدعى عليه لو كان حاضرًا .. لكان له أن يدعي براءته منه ويحلفه، فينبغي للقاضي أن يحتاط له فيحلفه بعد قيام البينة وتعديلها أنه ما أبرأ عن الدين الذي يدعيه ولا عن شيء منه، ولا اعتاض ولا استوفى ولا أحال عليه، ولا أخذ من جهته، بل هو ثابت في ذمة المدعى عليه، يلزمه أداؤه. ويجوز أن يقتصر في حلفه على ثبوت المال في ذمته ووجوب تسليمه. وفيما قاله الجمهور إشكال؛ لأن المدعى عليه لو كان حيًا حاضرًا عاقلًا وقال بعد إقامة البينة: حلِّفْهُ على استحقاقه ما ادعاه .. لم يجب إليه؛ لأن فيه قدحًا في البينة، فكيف يحلفه عليه في غيبته؟! وأجاب بعضهم بفرض المسألة فيما إذا قامت البينة على إقراره، فإن المدعى عليه لو كان حيًا حاضرًا عاقلًا وصدق الشهود ولكن قال: أشهدت على أنه يقبضني فلم يقبضني .. كان له تحليفه على الصحيح. قال: (وقيل: يستحب)؛ لأن دعوى الأداء والإبراء دعوى جديدة لا تفوت،

وَيَجْرِيَانِ فِي الدَّعْوَى عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ. وَلَوِ ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى الْغَائِبِ .. فَلاَ تَحْلِيفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإليه ذهب الصيمري، وبه جزم المتولي في (باب الفلس)، وهو ظاهر كلام ابن سراقة في (التلفين)، واستحسنه الإمام وقال: إنه منقاس. ور يشترط التعرض في اليمين لصدق الشهود، بخلاف اليمين مع الشاهد؛ لأن البينة ههنا كاملة. وفيه وجه: أنه يشترط، لكن يستثنى من إطلاق المصنف ما إذا كان للغائب وكيل حاضر .. فالمشهور- كما قاله ابن الرفعة في كتابيه-: أنه لا يحتاج إلى ضم اليمين إلى البينة. قال: (ويجريان في الدعوى على صبي ومجنون)، وكذلك على ميت ليس له وارث حاضر؛ لعجزتهم عن التدارك، بخلاف الغائب، فإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي .. فهو على حجته. حادثة: سئل الشيخ عماد الدين بن يونس عن رجل مات وخلف ورثة بعضهم غائبون وبعضهم أطفال، ولهم رهن بدين على رجل، فمات المديون أيضًا، فحضر وكيل الغائبين وهو بمسافة القصر ووصيُ الأيتام مجلس الحكم، وادعيا الدين والرهن وأثبتاه، والتمسا من الحاكم بيع الرهن وصرف ثمنه في الدين، فهل يجوز له بيعه وإيفاء الدين من ثمنه، أو يتوقف البيع والإيفاء على حضور الغُيَّب وبلوغ الأطفال وحلفهم، أو يباع الرهن ويوفى الدين وتوقف اليمين إلى الحضور والبلوغ؟ فقال: يباع ويوفى الدين من ثمنه، وتوقف اليمين إلى الحضور والبلوغ. قال: (ولو ادعى وكيل على الغائب .. فلا تحليف)، بل يحكم بالبينة ويعطي المال المدعى به؛ لأن التحليف على البت لا سبيل إليه، وعلى نفي العلم لا يفيد. قال الرافعي: ويقال: إن المسألة وقعت بمرو، وتوقف فيها فقهاء الفريقين، ثم أفتى القفال بما ذكرناه. ووجدتُ في (تعليق (الشيخ أبي حامد مثل هذا الجواب في (باب الوكالة)،

وَلَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِى: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ .. أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والسبب في ذلك: أنا لو وقفنا الأمر إلى أن يحضر الموكل لانْجرَّ الأمر إلى أن يتعذر استيفاء الحقوق بالوكلاء. اهـ وادعى الإمام في (الدعاوى) إجماع الأصحاب عليه، ونبه الشيخ في (باب الوقف) على ان المراد بفقهاء الفريقين: الفقهاء والمحدثون. وفي (فتاوى ابن الصلاح (: لو ادعى على ميت وأقام بينة، ثم وكل وكيلًا وغاب إلى مسافة القصر، وطلب وكيله من الوارث إيفاء الدين مما في يده من التركة، فأبى الوارث حتى يحلف الوكيل على نفي المسقطات .. لم يكن له ذلك كما لو كانت الدعوى على حاضر وادعى ذلك. قال: (ولو حضر المدعى عليه وقال لوكيل المدعي: أبرأني موكلك .. أُمر بالتسليم)، هذه مسألة مبتدأة ليست من تمام التي قبلها، وصورتها: أن يكون المدعى عليه حاضرًا، فيدعي عليه وكيل صاحب الحق ويقيم البينة فيقول بعد إقامتها: موكلك الغائب أبرأني، ويريد التأخير إلى حضور الموكل فيحلفه .. فإنه لا يجاب إليه، بل يؤمر بتسليم المدعى به، ثم يثبت الإبراء من بعد أن كانت له به حجة، وهل له تحليف الوكيل على أنه لا يعلم أن موكله أبرأه؟ قال الشيخ أبو حامد: له ذلك، ومن الأصحاب من خالفه وقال: لا يحلف الوكيل. فرع: يجوز القضاء على الغائب بشاهد ويمين كالحاضر، وهل تكفي يمين أم تشترط يمينان إحداهما لتكميل الحجة والثانية لنفي المسقطات؟ وجهان: أصحهما: الثاني. فرع: تعلق برجل وقال: أنت وكيل فلان الغائب، ولي عليه كذا وأدعي عليك وأقيم البينة في وجهك، فإن علم أنه وكيل وأراد أن لا يخاصم .. فليعزل نفسه، وإن لم يعلم .. فينبغي أن يقول: لا أعلم أني وكيل، وهل للمدعي إقامة بينة على وكالة من تعلق به؟ وجهان:

وَإِذَا ثَبَتَ مَالٌ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُ مَالٌ .. قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِلاَّ: فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إِنْهَاءَ الْحَالِ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ .. أَجَابَهُ، فَيُنْهِي سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ، أَوْ حُكْمًا لِيَسْتَوْفِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: نعم؛ ليتسغني عن ضم اليمين إلى البينة. وأصحهما: لا؛ لأن الوكالة حق فكيف تقام بينة بها قبل الدعوى؟!. قال: (وإذا ثبت مال على غائب وله مال .. قضاه الحاكم منه)؛ لأنه نائب عنه وكما لو كان حاضرًا وامتنع. والأصح: انه إذا وفاه .. لا يطالب بكفيل؛ لأن الأصل عدم الدافع والحكم قد تَمَّ. فرعان: أحدهما: اعترف المدعي بعد ثبوت دينه أن للغائب مالًا عنده، فهل للحاكم قضاؤه منه من غير بينة على أنه ملك للغائب؟ أفتى ابن الصلاح بأن له ذلك ما لم يتصل بإقراره ما يمنعه ككونه رهنًا لغيره ونحوه. الثاني: إن قضى دينه من الناض .. أحلفه عند الشروع في قضائه، ثم قضى بعد يمينه، وإن كان يقضي من بيع العقار .. أحلفه قبل بيعه، ثم بيع وقضي دينه من ثمنه، ولا يجوز أن يباع قبل حلفه؛ لجواز نكوله عن اليمين فيفوت استدراك البيع، قاله الماوردي في (الدعاوى). قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن له مال حاضر (فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب .. أجابه)؛ مسارعة إلى قضاء الحقوق. قال: (فينهي سماع بينة ليحكم بها ثم يستوفي، أو حكمًا ليستوفى) أشار إلى ان الغائب إذا لم يكن له مال حاضر وسأل المدعي الكتابة لقاضي بلد الغائب .. فللقاضي حالتان: إحداهما: أن يثبت عنده الحق بسماع البينة ولا يحكم، فيجوز له الإنهاء ليحكم بها بشرطه الآتي، وهو بعد المسافة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانية: أن يثبت عنده ويحكم به، فينهي ذلك لينفذه؛ لما روى الأربعة عن الضحاك بن سفيان قال: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض الأعراب ثم كتب إلى أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فورثتها. ولأن الحاجة تدعو لذلك؛ فإن من له بينة في بلد وخصمه في بلد آخر .. لا يمكنه حملها إلى بلد الخصم، ولا حمل الخصم إلى بلد البينة، فيضيع الحق. ولا يشترط في هذه الحالة بعد المسافة كما سنذكره، ثم إنما يجيبه إذا كان أهلًا للقضاء، فإن كان غير صالح .. ففي (الإيضاح (للصيمري: أن في جواز ترك مكاتبته وجهين. وجه اللزوم: أنه من قبل الإمام، فلزم أن يكتب إليه إذا علم أنه يوصل الحق إلى أهله. ومقتضى ما صححه في (الروضة (في الشاهد إذا ادعى لغير صالح الوجوب هنا أيضًا. فرع: يجوز للقاضي أن يطلق فيكتب إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين. وعن أبي حنيفة: أنه لا يجوز الإطلاق الكلي، وللقاضي أبي سعد الهروي حكاية مبنية على ذلك، قال: تحملت شهادة مع الشيخ أبي سعيد المتولي على كتاب حكمي من قاضي هراة إلى مجلس القاضي حسين، وكانت الشهادة على الختم والعنوان إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، فرد القاضي الكتاب وقال: الشهادة على الختم دون مضمون الكتاب غير مقبولة عند الشافعي رضي الله عنه، والعنوان من غير تعيين المكتوب إليه غير جائز عند أبي حنيفة رحمه الله، فلا أقبل كتابًا اجتمع الإمامان على رده، كما أن من احتجم وأمسك ذكره وصلى .. لا تصح صلاته على المذهبين.

[وَالإِنْهَاءُ: أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ]. وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا كان الكتاب إلى معين، فشهد شاهدا الحكم عند حاكم آخر .. فإنه تقبل شهادتهما، ويمضيه اعتمادًا على الشهادة. وعند أبي حنيفة: لا يقبل غير المعين شهادتهما إذا لم يكتب: وإلى كل من يصل إليه. ويجري هذا الخلاف فيما إذا مات الكاتب وشهد الشاهدان على حكمه عند المكتوب إليه، أو مات المكتوب إليه وشهدا عند من قام مقامه .. فعند أبي حنيفة: لا تقبل شهادتهما ولا يعمل بالكتاب، وعندنا: تقبل شهادتهما، ويمضي الحكم، والعزل والجنون والعمى كالموت. ولو كتب القاضي إلى خليفته ثم مات القاضي أو عزل .. تعذر على الخليفة القبول والإمضاء إن قلنا، ينعزل بانعزال الأصل. [قال: (والإنهاء: أن يشهد عدلين بذلك)]. قال: (ويستحب كتاب به) أي: قبل الإشهاد؛ ليتذكر بذلك الشهود، وإنما لم يجب؛ لأن الاعتماد على الشهادة، فلو شهد بخلاف ما فيه .. سمع. وقيل: يجب عليه إن أوجبنا كتب السجل عند طلب الخصم. وقيل: يجب مطلقًا؛ فقد ينسى الشهود أو تختلف شهادتهم. قال: (يذكر فيه ما يتميز به المحكوم عليه) من اسم وكنية وقبيلة وصنعة وحلية، وكذا المحكوم له؛ ليسهل التميز. فإن لم يرفع في نسب المحكوم عليه إلى أن يتميز .. فالحكم باطل، حتى لو أقر

وَيخْتِمُهُ , ـــــــــــــــــــــــــــــ رجل أنه فلان المعني بالكتاب ... لم يلزمه شيء, لبطلان الحكم إلا أن يقر بالحق. وقيل: يلزمه الحق إذا اعترف أنه المعني بالكتاب. وصفة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم , حضر– عافانا الله وإياك– فلان, وادعي علي فلان الغائب المقيم ببلدك كذا, وأقام عليه شاهدين وهما فلان وفلان, وقد عدلا عندي, وحلَّفتُ المدعي, وحكمت له بالمال, فسألني أن أكتب إليك في ذلك, فأجبته إليه وأشهدت عليه فلانًا وفلانًا. ولا تشترط تسمية الشاهدين علي الحكم, ولا أصل الإشهاد, ولا النص على أسامي شهود الحق, بل يكفي أن يكتب: شهد عندي شهود عدول, ويجوز أن لا يصفهم بالعدالة, ويكون الحكم بشهادتهم تعديلًا لهم. ويجوز ألا يتعرض لأصل شهادة شهود, فيكتب: حكمت بكذا بحجة أوجبت الحكم لأنه قد يحكم بشاهد ويمين, وقد يحكم بعلمه إذا جوزنا القضاء بالعلم, وهذه حيلة يدفع بها القاضي قدح أصحاب الرأي إذا حكم بشاهد ويمين. وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يكفي الكتاب المجرد؛ لأن الخط لا يعتمد عليه. وعن مالك: أن المكتوب إليه إذا وثق بالخط والختم واتصلت بمثله كتبه .. جاز قبوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت كتبه مقبوله من غير شهادة, وفي (المهذب (وجه مثله عن الإصطخري. قال: (ويختمه)؛ حفظًا للكتاب وإكرامًا للمكتوب إليه, ويدفع إلي الشاهد نسخة غير مختومة؛ ليطالعها ويتذكر عند الحاجة. والمقصود من الكتاب ومن الختم الاحتياط, فلو ضاع أو انمحى أو انكسر الختم وشهدا بمضمونه المضبوط عندهما ... قبلت شهادتهما, وقضي بها, خلافًا لأبي حنيفة.

ويَشَهَدَانِ عَلَيهِ إِنْ أنَكَر, فَإنْ قَاَلَ: لَسْتُ الَمٌسَمَّى فِي اَلَكَتابِ ... صَدًقَ بِيمَيِنِه, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: شهود الكتاب والحكم يشترط ظهور عدالتهم عند المكتوب إليه, وهل تثبت عدالتهم بتعديل الكاتب إياهم وجهان: قال الفقال الشاشي: نعم, للحاجة. وأصحهما: المنع , لأنه تعديل قبل أداء الشهادة, ولأن الكتاب إنما يثيت بقولهم, فلو ثبت به عدالتهم .. ثبتت بقولهم, والشاهد لا يزكي نفسه. قال: (ويشهدان عليه إن أنكر) أي: علي حكم القاضي الكاتب عند القاضي المكتوب إليه, فلا تقبل في الباب شهادة رجل وامرأتين, خلافًا لأبي حنيفة. قال الرافعي: وحكي ابن كج وجهًا مثله إذا تعلقت الحكومه بمال, وذكر أنه لو كان الكتاب برؤية هلال رمضان ... اكتفي بشاهد واحد علي قولنا: إنه يثبت بشهادة واحد, إجراء للكتاب مجرى المكتوب فيه, وأنه لو كتب في الزنا– وجوزنًا كتاب القاضي إلي القاضي في العقوبات– هل يشترط أربعة, أو يكفي اثنان؟ فيه القولان في الإقرار به. اھ والذي جزم به الماروي واليندنيجي والقاضي حسين وغيرهم: أنه لا يكفي رجل وامرأتان إذا كان المحكوم به مالًا. ومقتضي الدليل: الاكتفاء بالشاهد الواحد؛ ففي (الصحيحين ([خ 64]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلًا, وأمره أن يدفعه إلي عظيم البحرين) , لكن فساد الزمان أوجب الاحتياط خشية التزوير. كل هذا بالنسبة إلي كتاب القاضي للقاضي, أما كتاب القاضي للخليفة أو الخليفة للقاضي, فإن تعلقت بأحكام وحقوق ... لم تثبت إلا بالشهادة, وأما الكتب إليهم في الأموال والأعمال .. فمقبولة علي ما جرت به العادة في أمثالهم. قال: (فإن قال: لست المسمى في الكتاب .. صُدقِّ بيمينه) , لأنه أخبر بنفسه,

وَعَلَى اَلمُدَّعِي اَلَبَيِّنَهُ بِأنَّ هَذَا اَلمَكْتُوبَ اسمُهُ وَنَسَبُهٌ, فَإِنْ أَقَامَهَا فَقَاَلَ: لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيِه ... لَزِمَهُ اَلحُكْمُ إِنْ لَم يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهٌ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ, وَإِنْ كَانَ .. أُحْضِرَ, فَإِنِ اعتَرَفَ بِالحَقِّ ... طُولِبَ وَتُرِكَ الأَوَّلُ, وَإِلَّا .. بَعَثَ إِلى الكَاتِبِ لَيَطْلُبَ مِنَ الشُّهوِد زِيَادَةَ صِفَةِ تُمَيِّزُهُ, وَيَكَتَّبُهَا ثَانِيًا. وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الحَاكِمِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ .. فَفِي إِمضَائِهِ إِذَا عَادَ إَلَى وِلَايَتِهِ خِلاَفُ الَقَضَاءِ بِعِلْمِهِ, وَلَوْ نَادَاهُ فِي طَرَفَي ِولاَ يَتِهِمَا .. أَمضَاهُ, ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل فراغ ذمته (وعلى المدعي البينة بأن هذا المكتوب اسمه ونسبه) , لأن الأصل عدم تسميته بهذا الاسم. هذا إذا لم يكن معروفًا به, فإن كان معروفًا به .. حكم عليه, ولا يفيده إنكاره. قال: (فإن أقامها) أي: بأنه اسمه ونسبه (فقال: لست المحكوم عليه .. لزمه الحكم إن لم يكن هناك مشارك له في الاسم والصفات)؛ لأن الظاهر أنه المحكوم عليه. قال: (وإن كان ... أحضر؛ فإن اعترف بالحق ... طولب وترك الأول)؛ لتعلق الخصومة بالمعترف. قال: (وإلا) أي: وإن أنكر (... بعث) يعني: الحاكم (إلي الكاتب ليطلب من الشهود زيادة صفة تميزه, ويكتبها ثانيًا) فإن لم يتميز بذلك ... وقف الأمر حتى ينكشف. ولو أقام المحضر بينة على موصوف بتلك الصفات كان هناك وقد مات, فإن مات بعد الحكم .. فقد وقع الإشكال, وإن مات قبله فإن لم يعاصره المحكوم له ... فلا إشكال, وإن عاصره .. حصل الإشكال علي الأصح. قال: (ولو حضر قاضي بلد الغائب ببلد الحاكم فشافهه بحكمه ... ففي إمضائه إذا عاد إلى ولايته خلاف القضاء بعلمه) , فان قلنا: نعم ... فنعم, وإن قلنا: لا ... فالأصح: المنع, كما لا يجوز الحكم بشهادة سمعها في غير محل ولايته. قال: (ولو ناداه في طرفي ولايتهما .. أمضاه) إذا كانا جميعًا في, محل الولاية, لأنه أبلغ من الشهادة والكتاب, وأولى بأن يعتمد عليه.

وَلَوِ اقَتَصَرَ عَلَي سَمَاعٍ بَيَّنه .. كَتَبَ: سَمِعْتٌ بَيِّنُهٌ عَلَى فُلاَنٍ, وَيُسَمِّيهَا إِنْ لَم يُعًدِّلْهَا, وَإِلَّا .. فَاَلَأصَحُّ: جَوَازُ تَرْكِ الَتَّسَمِيِه. وَاَلكِتَابُ بِاَلحُكْمِ يَمَضِي مَعَ قُرْبِ اَلَمَسَافِة, وَبِسَمَاعِ الِبيَّنِه لَا يُقَبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ إِلاَّ فِي مَسَافَهِ قُبولِ شَهَاَدَهٍ عَلَى شَهَادَةِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا لو كان في البلد قاضيان وجوزناه, فأخبرأحدهما الآخر بحكمه .. فإنه يمضيه, وكذا لو أخبر به نائبه في البلد وعكسه. قال: (ولواقتصر علي سماع بينة .. كتب: سمعت بينة علي فلان, ويسميها إن لم يعدلها) , ولا حاجة هنا إلى تحليف المدعي. هذا إذا كانت شاهدين, فإن كانت شاهدًا ويمينًا أو اليمين المردودة ... وجب بيانها, فقد لا يكون مقتضى ذلك حجة عند المكتوب إليه. قال: (وإلا) أي: وإن عدلها الكاتب وهو أولي, لأن أهل بلدهما أعرف بهما. قال: (.. فالأصح: جواز ترك التسمية) , كما أنه إذا حكم .. استغنى عن تسمية الشهود. والثاني: لا, وهو قول الإمام والغزالي. قال الرافعي: والقياس الأول, وهو المفهوم من إيراد البغوي. وهل يأخذ المكتوب إليه بتعديل الكاتب, أو له البحث وإعادة التعديل؟ لفظ الغزالي يقتضي الثاني, قال الرافعي: والقياس الأول, وصوبه المصنف. قال: (والكتاب بالحكم يمضي مع قرب المسافة, وبسماع البينة لا يقبل على الصحيح إلا في مسافة قبول شهادة على شهادة) وهي التي تسمى العدوى, لا القصر علي الصحيح كما سيأتي. والفرق بينهما: أن الحكم هناك قديم, وليس بعده إلا الاستيفاء, وسماع البينة بخلافه؛ فإنه إذا لم تبعد المسافة .. لم يعسر إحضار الشهود عند القاضي الآخر, بل لو تجاور البلدان .. جاز.

فَصْلٌ: ادَّعَي عَيْنًا غَاِئَبَه عَنِ اَلْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ وَعَبَدٍ وَفَرَسٍ مَعرُوفَاتٍ ... سَمِعَ بَيَّنَهُ وَحَكَمَ بِهَا, وَكَتَبَ إِلَي قَاضِي بَلدِ المَالِ لِيُسَلِّمَهُ لِلمُدَّعِي, وَيَعَتَمِدُ فِي اَلَعقَارِ حُدُودَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: عدل القاضي الكاتب شهود الحق, فجاء الخصم ببينة علي جرحهم ... سمعت, وتقدم على التعديل. وإن استمهل لبينة الجرح .. أمهل ثلاثة أيام, وكذا لو قال: أبرأتني أو قضيت الحق واستمهل؛ ليقيم البينة عليه, فلو قال: أمهلوني حتي أذهب إلى بلدهم وأجرحهم, فإني لا أتمكن من جرحهم إلا هناك, أو قال: لي بينة هناك دافعة .. لم يمهل, بل يؤخذ الحق منه, فإن أثيت جرحًا أو دفعًا .. استرد, وسواء في ذلك كتاب الحكم وكتاب نقل الشهادة. قال: (فصل: ادعى عينًا غائبه عن البلد يؤمن اشتباهها كعقار وعبد وفرس معروفات .. سمح بينته وحكم بها, وكتب إلى قاضي بلد المال ليسلمه للمدعي) , كما تسمح البينة ويحكم علي الغائب, ولم يذكروا في هذا خلافًا. وقوله: (معروفات) غلب فيه غير العاقل على العاقل, وهو خلاف المعروف, وفي (المحرر (و (الشرح (و (الروضة (عبر ب (معروفين) , وهو الصواب تغليبًا للعاقل وهو العبد. قال: (ويعتمد في العقار حدوده)؛ ليتميز، والمراد: الحدود الأربعة، فلا يجوز الاقتصار علي ثلاثة منها، كما جزم به في (الروضه (هنا, وقد تقدم هذا في (الأصول والثمار) وغيرها, ويأتي في (باب الدعاوى (أيضًا, وتعتمد فيه البقعة أيضًا والسكة, ولا يجب التعرض للقيمة في الأصح؛ لحصول التمييز بدونه. هذا في الدار المجهولة عند الحاكم, فإن كانت معروفة عنده ... فيميزها بذكر الاسم.

أَو لَا يُؤْمَنُ ... فَالأَظهَرُ: سَمَاعٌ اَلَبَيِّنِة, وَيُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي اَلَوَصفِ وَيَذْكُرُ اَلْقِيَمَةَ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكت المصنف عن غير العقار, وفي الكتاب العراقين: أن العبد والثوب والفرس إن تميز بصفة ... فهو كالعقار. قال: (أو لا يؤمن) أي: اشتباهها (.. فالأظهر: سماع البينه) أي: على عينها وهي غائبة, لأن الصفة تميزها عن غيرها, والحاجة داعية إلى إقامة الحجة عليها كالعقار. والثاني: المنع, لكثرة الاشتباه, كما لو شهدوا علي غائب مجهول النسب مع ذكر حلاه, والرافعي لم يرجع شيئًا في (الكبير (وأغرب في (الشرح الصغير (فحكى الخلاف وجهين. قال: (ويبالغ المدعي في الوصف)، ليحصل التمييز, فيذكر الشيات والشامات, وجنس المدعى به ونوعه, وفيما يضبطها به بعد ذلك أقوال: أحدها: يجب ذكر الصفات المعتبرة في السلم. وثانيها: يجب ذكر القيمة, ويستغى به ذكر الصفات. وثالثها– والأصح –: إن كانت من ذوات الأمثال .. وجب ذكر الصفات, واستحب ذكر القيمة, وإن كانت من ذوات القيم ... وجب ذكر القيمة واستحب ذكر الصفات, وكلام الرافعي والمنصف في (الدعوى والبينات) يخالف كلامهما هنا. قال: (ويذكر القيمة) , لأنه لا يصير معلومًا إلا بها. ومقتضى كلام المصنف: أن هذا شرط مع المبالغه في الوصف, وهو ما أورده الماوردي.

وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا, بَلْ يَكْتُبُ إِلَى قَاضِي بَلَدِ اَلْمَالِ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ, فَيَاخُذهُ وَيَبْعَثُهُ إِلَي الكَاتِبِ لِيَشَهَدُوا عَلَى عَيَنْهِ, وَالأَظهَرٌ: أَنَّهٌ يُسَلِّمُهُ إِلى الُمُدَّعِي بِكَفِيل بِبَدَنِهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا فيما يمكن ضبطه بالصفات, والذي لا يمكن كالجواهر والياقوت يذكر لونه إن اختلف وقيمته, وقال القاضي أبو الطيب والبندنيجي والإمام: يكفي ذكر القيمة. قال: (وأنه لا يحكم بها) أي: ببينة الصفة, لأن الحكم مع خطر الاشتباه والجهاله بعيد. والثاني: يحكم بها كالعقار؛ فإذا حكم .. كتب إلى قاضي بلد المال بذلك, فإذا وصل إليه .. أحضرالخصم المدعى عليه وأمره بإحضار المدعى به, فإذا أحضره واعترف أنه موصوف بالصفات المذكورة ... نظر, فإن أبدى دافعًا بأن ادعى أن هناك عبدًا آخر مثلًا في يده أو يد غيره متصفًا بها أيضًا ..... انقطعت الطلبة عنه في الحال؛ لبطلان القضاء بالإبهام, وإن لم يظهر ذلك .. قال المارودي: سلم إلي طالبه, وقال ابن القاض: لا يسلم له حتى يحلف أن هذا العبد هو المشهود له به عند القاضي الكاتب. قال: (بل يكتب الي قاضي بلد المال بما شهدت به, فيأخذه ويبعثه الي الكاتب ليشهدوا علي عينه) هذا تفريع علي الصحيح, ومحله إذا لم يبد الخصم دافعًا كما تقرر. قال: (والأظهر: أنه يسلمه إلى المدعي بكفيل ببدنه) , احتياطًا للمدعى عليه ,حتى إذا لم يعينه الشهود .. طولب برده. وقيل: لا يكفله ببدنه, بل يكلفه بقيمة المال. والثاني: أن القاضي يبعثه للمدعي, ثم يقبض منه الثمن ويضعه عند عدل, أو يكلفه بالثمن, فإن سلم له .. استرد المال, وبان بطلان البيع, وإلا .. فهو صحيح, وسلم الثمن للمدعى عليه, وهو بيع يتولاه القاضي للمصلحة كما يبيع الضوال. وتعبير ب (الأظهر) يقتضي قوه الخلاف, وعبر في (الروضة) بقوله: بأظهرهما وأشهرهما, فجمع بين القوة والضعف في المقابل.

فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى عَيْنِه ... كَتَبَ بِبَرَاءَةِ اَلْكَفِيلِ, وَإِلّا .. فَعَلى اَلمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ, أَوْ غَائِبَةُ عَنِ المَجلِسِ لاَ الَبلَدِ .. أُمِرَ بِإِحضَارِ مَا يُمكِنُ إِحضَارُهُ لِيَشهَدُوا بِعَيْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فظاهر عبارة المصنف: أن أخذ الكفيل واجب, وهو ما عزاه الرافعي للأرغياني, ولم يحك خلافه, لكن حكي الإمام فيه خلافًا, ورجح عدم الوجوب. نعم؛ يستثنى من إطلاقه ما لو كانت الدعوى بجارية ... فالمرجع انها تسلم إلى أمين في الرفقة لا إلى المدعي, واستحسنه الرافعي, وقال في (الروضة): إنه الصحيح أو الصواب؛ لأن حفظ البضع واجب. قال: (فإن شهدوا علي عينه ... كتب ببراءة الكفيل) أي: بعد تتميم الحكم وتسليم العين إلى المدعي، لأن الحق قد اتصل بمستحقه, وبان بطلان البيع وتم الحكم, وإلا ... فالبيع صحيح, ويسلم الثمن إلى المدعي عليه, وهذا بيع يتولاه القاضي لمصلحة كما يبيع الضوال. وحكي الفوارني بدله أنه يسلم إليه المال, ويأخذ القيمة فيدفعها إلى المدعى عليه للحيلوله بينه وبين ملكًا, ثم هذه القيمة مستردة, سواء ثبت أن المال للمدعي أو لم يثبت. قال: (وإلا ... فعلي المدعي مؤنة الرد) أي: إذا لم يشهدوا بعينه .. لزم المدعي الرد ومؤنته, ويختم العين المدعاة عند تسليمها إليه بختم لازم, حتى لو كان المدعي عبدًا .. جعل في عنقه قلادة ويختم عليها. قال: (أو غائبة عن المجلس لا البلد .. أمر بإحضار ما يمكن إحضاره ليشهدوا بعينه) , لتيسر ذلك, والفرق بينه وبين الغائب بعد الشقة وكثرة المشقة. أما ما لا يمكن كالعقار .. فيحده المدعي, وتشهد البينة بتلك الحدود. فإن قالوا: نعرفه بعينه ولا نعرف الحدود .. بعث القاضي من يسمع البينة على عينه, أو يحضر هو بنفسه, ولو كان العقار مشهورًا بالبلد .. لم يحتج إلى تحديده كما تقدم. وإن كان مما يعسر إحضاره كشيء ثقيل أو مثبت في الأرض أو جدار وضر قلعه .. فحكمه حكم العقار, فلو عبر بتيسر الإحضار ... كان أشمل, فإن كان القاضي

وَلاَ تُسمَعُ شَهَادَةُ بِصِفَةٍ. وَإِذَا وَجَبَ إِحْضَارٌ فَقَالَ: لَيْسَ بِيَدِي عَيَنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .. صُدِّقَ بِيَمينِهِ, وَلِلمُدَّعِي دَعوَى القيِمَةِ , فَإِنْ نَكَلَ فَحَلفَ اَلمُدَّعِى أَوْ أَقَامَ بَيِّنةَ ... كُلَّفَ الإِحْضَارَ وَيُحْبَسُ عَلَيِه, ـــــــــــــــــــــــــــــ يعرفه .. قال الغزالي: حكم به دون إحضار, وهو صحيح إن كان معروفًا عند الناس أيضًا, فإن اختص هو بمعرفته وعلم صدق المدعي .. فكذلك تفريعًا علي القضاء بالعلم. قال: (ولا تسمع شهادة بصفة) أي: بصفة غائبة عن مجلس الحكم دون البلد, بل إن كان الخصم حاضرًا ... أمر بإحضارها ليقيم البينة علي عينها, ولا تسمع البينة على صفتها؛ لأنه إنما جاز السماع حالة غيبته للحاجة, وهي منتفية هنا. قال الرافعي: ويشبه أن يجيء فيه وجه كما هو في المشبه به, وقطع الإمام بعدم السماع في هذه الصورة. وما جزم به من عدم السماع بالصفة ذكره في (الروضة) ثم قال بعده: ولو شهدوا انه عصب عبدًا صفته كذا فمات العبد ... لستحق_بناء علي الشهادة- قيمته علي تلك الصفة. اھ وهذا عزاه الرافعي لصاحب (العدة) , وتبعه (الحاوي الصغير) , وهو مخالف لكلامهما الأول. قال: (وإذا وجب إحضار فقال: ليس بيدي عين بهذه الصفة ... صدق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم عين بتلك الصفة, وتكون يمينه علي حساب جوابه. قال: (وللمدعي) أي: بعد أن يحلف المدعى عليه (دعوى القيمة)؛ لاحتمال أنها هلكت, قاله البغوي وغيره. ومقتضى إطلاقه: أنه لا فرق في دعوى القيمة بين ان تكون العين متقومة أو مثلية, ويشبه تخصيصه بالمتقوم, فإن كانت مثلية ... ادعى المثل؛ لأنه يضمن به. قال: (فإن نكل فحلف المدعي أو أقام بينة .. كلف الإحضار)؛ ليشهد الشهود على عينه كما سبق (ويحبس عليه) , لأنه امتنع من حق واجب عليه إذا لم يبين عذره فيه.

وَلَاَ يُطلَقُ إِلاَّ بإِحْضَارٍ أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ. وَلَوْ شَكَّ اَلمُدَّعِي هَلْ تَلِفَتِ الَعَيْنُ فَيَدَّعِي قِيمَةٌ أَمْ لاَ فَيَدَّعِيها, فَقَاَل: غَصَبَ مِنِّي كَذَا, فَإِنْ لَزِمَهُ رَدُّهُ, وَإِلَّا فَقِيمَتُةُ؟ .... سُمِعَتٌ دَعْوَاهُ, وَقِيلَ: لَا, بَلْ يَدَّعِيهَا وَيُحَلِّفيُهُ ثُمَّ يَدِّعي الْقيِمَةَ, وَيَجْرِيَانِ فِيَمنْ دَفَعَ ثَوبًا لِدَلاَلٍ لِيبَيِعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ, أَو أَتْلَفَهٌ فَقِيمتَهٌ, أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيطْلُبُهُ؟ وحَيْثُ أَوجَبْنَا الإِحضَارَ فَثَبَتَت للِمُدَّعِي ... اسْتَقَرَّت مُؤنَتُهُ عَلَى الَمُدَّعَى عَلَيْهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يطلق إلا بإحضار او دعوى تلف) فحينئذ تؤخذ منه القيمة, وتقبل دعوي التلف مع مناقضته لقوله الأول، للضرورة, لأنه قد يكون صادقًا, ولأنا لو لم نقبل قوله ... لخلد عليه الحبس, وقيل: لا يطلق إلا بإحضار أو إقامة بينة علي التلف. قال: (ولو شك المدعي هل تلفت العين فيدعي قيمة أم لا فيدعها, فقال: غصب مني كذا, فإن بقي لزمه رده, وإلا فقيمته؟ .. سمعت دعواه) على هذا التردد, للحاجة, وعليه عمل القضاة, وعلي هذا: يحلف المدعي عليه أنه لا يلزمه رد العين ولا قيمتها. وقوله: (فإن بقي .. لزمه رده وإلا ... فقيمته) ظاهر إذا كان المدعى متقومًا, فإن كان مثليًا .. ينبغي أن يقول: وإلا .. فمثله, وهو ما نقله العبادي في تعليقه عن القاضي حسين. قال: (وقيل: لا, بل يدعيها ويحلفه) أي: على العين (ثم يدعي القيمة) أي: بعد حلفه ينشئ الدعوى بالقيمة, لأن الدعوى المترددة غير جائزة. قال: (ويجريان فيمن دفع ثوبه لدلال ليبيعه فجحده وشك هل باعه فيطلب الثمن, أو أتلفه فقيمته, أم هو باق فيطلبه؟) فعلى الأول: يدعي أن عليه الثوب أو ثمنه أو قيمته, ويحلفه يمينًا واحده أنه لا يلزمه تسليمه ولا ثمنه ولا قيمته, وعلي الثاني: يدعي العين في دعوى والقيمة في دعوى والثمن في أخرى. قال: (وحيث أوجبنا الإحضار) أي: إحضار العين علي المدعى عليه (فثبتت للمدعي .. استقرت مؤنته علي المدعى عليه) , لأنه المحوج إلى ذلك.

وَإِلَّا .. فَهِي وَمُؤْنُةُ الرَّدَّ عَلَى المُدَّعِي. فَصْلٌ: الْغَائِبُ الَّذِي تُسمَعُ البَيَّنَةُ وَيَحْكُمُ عَلَيِه: مَنْ بِمَسَافَهٍ بَعِيدَةٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن لم تثبت له (.. فهي) أي: مؤنة الإحضار (ومؤنة الرد علي المدعي)؛ لأنه المحوج إليه. وفي (أمالي السرخسي): أن القاضي يتفق علي النقل من بيت المال, فإن لم يكن في بيت المال شيء .. اقترض, فإن بان المال للمدعي .. لزم عليه رد القرض, لظهور تعديه, وإلا ... كلفه المدعي, لظهور تعنته. ووقع في (الشرح) و (الروضة) النقل عنه مقلوبًا, ولم يذكره في (المهمات). قال في (المطلب): ولو تلف في الطريق بانهدام دار ونحوه .. لم يضمنها بلا خلاف. تتمه: قال في (الوجيز): لا تلزمه منفعة العبد التي تعطلت, كما لا تلزمه منفعه المحكوم عليه, ويحتمل هذا للحاجة, قال الرافعي: وليحمل ما ذكره علي إحضار المدعى عليه العبد الغائب عن مجلس الحكم دون البلد خاصة, والفرق بين الحالتين زيادة الضرر. قال: (فصل: الغائب الذي تسمع البينة ويحكم عليه: مَن بمسافة بعيدة) , لأن القريب يسهل إحضاره, وألحق القاضي حسين بالغائب ما إذا حضر المجلس فهرب قبل أن يسمع الحاكم البينة, أو بعده وقبل الحكم ... فإنه يحكم عليه قطعًا كما تقدم. وهذا معني قول غيره: يحكم علي المتمرد والمتواري في البلد كما سيأتي. وألحقّ في (الأسرار) وغيره به الأخرسَ الذي لا يفهم؛ لأنه في معنى الصبي والمجنون.

وَهِيَ الَّتي لاَ يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكَّرُ إِلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا, وَقِيلَ: مَسَافَةُ قَصْرٍ, وَمَنْ بِقَرِيَبِه كَحَاضِرٍ ... فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنُتُهُ وَيَحْكُمُ بِغَيِر حُضُوِرِهِ إِلَّا لِتَوَارِيِه أَوْ تَعَزُّزِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وهي التي لا يرجع منها مبكر إلى موضعه ليلًا) , لما في إيجاب الحضور عليه منها من المشقة الحاصلة بمفارقة الأهل والوطن في الليل. هذا كله إذا كان الخصم الخارج عن البلد في محل ولاية القاضي, فإن كان خارجها ... فيجوز أن يسمع الدعوى عليه, ويحكم ويكاتب, قاله الماوردي وغيره. قال: (وقيل: مسافة قصر) , لأن الشارع اعتبرها في مواضع, والقريبة ما دونها. قال: (ومن بقريبة كحاضر .. فلا تسمع بينته ويحكم بغيرحضوره) , لأن القضاء مبني على الفصل بأقرب الطرق, ولو حضر ربما أقر فأغنى عن سماع البينة والنظر فيها. قال الرافعي وغيره: ويجري الخلاف فيما إذا كان بالبلد وتأتى إحضاره, والأشبه تخصيصه بما إذا كان جميع البلد في محل ولاية القاضي, فإن كان موضع الخصم في غير محل ولايته .. فكما لوكان خارج البلد. وإذا قلنا: تسمع البينة على الحاضر .. لم يحكم عليه بها في الأصح إلى أن يأتي فيبدي مطعنًا إن أمكنه, بخلاف الغائب عن البلد, فإن انتظاره يطول. قال: (إلا لتواريه أو تعززه) فحينئذ يجوز سماع الدعوى والبينة والحكم عليه, لتعذر الوصول إليه كالغائب, وإلا ... لا تخذ الناس ذلك ذريعة إلى إبطال الحق. وقيل: لا يجوز ولا يلتحق الامتناع بالعجز, وفي حلف المدعي كما يحلف في القضاء علي الغائب وجهان: قطع بعضهم بالمنع لتفريط الخصم.

وَالأَظْهَرُ: جَوَازُ اَلقَضَاءِ عَلَى اَلغَائِبٍ فِي ِقَصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ, وَمَنَعُهُ فِي حُدُودِ اللهِ تَعَالى. وَلَوْ سَمِعَ بَيِّنَهُ عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ قَبْل اَلْحُكْمِ .... لَمْ يَستَعِدْهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأظهر: جواز القضاء علي الغائب في قصاص وحد قذف, ومنعه في حدود الله تعالى) كحد الزنا والشرب وقطع الطريق إذا اعترف بها عند القاضي الكاتب, أو قامت عليه البينة بها ثم هرب. والفرق: أن المقصود بالكتاب الاستيثاق, وحق الله تعالى مبني على المسامحه والدرء, بخلاف حق الآدمي. والثاني: الجواز مطلقًا كالأموال. والثالث: المنع مطلقًا؛ لخطر الدماء. وما اجتمع فيه حق الله وحق الآدمي كالسرقة .. يقضى فيها علي الغائب بالمال دون القطع, وحقوق الله تعالى الماليه كحقوق الآدميين علي المذهب, فلهذا عبر المصنف بالحدود دون الحقوق. فرع: لا تسمع الدعوى والبينة على الغائب بإسقاط حق له, كما لو قال: له علي ألف قضيته إياها, أو أبرأني منه ولي بينة به, ولا آمن إن خرجت إليه أن يطالبني ويجحد القبض أو الإبراء, فاسمع بينتي واكتب بذلك إلى قاضي بلده ... لم يجبه؛ لأن الدعوى بذلك والبينة لا تسمع إلا بعد المطالبة بالحق. قال ابن الصلاح: وطريقه في ذلك أن يدعي إنسان أن رب الدين أحاله به, فيعترف المدعى عليه بالدين لربه وبالحوالة, ويدعي أنه أبرأه منه أو أقبضه, فتسمع الدعوى بذلك والبينة وإن كان رب الدين حاضرًا بالبلد. قال: (ولو سمع بينة علي غائب فقدم قبل الحكم .. ولم يستعدها) , بخلاف شهود الأصل إذا حضروا بعدما شهد شهود الفرع قبل الحكم .. لا يقضي بشهادتهم؛ لأنهم بدل, ولا حكم للبدل مع وجود الأصل. وأفهم قوله: (قبل الحكم) عدم الاستعادة بعده من باب أولى, بل على حجته.

بَلَ يُخْبِرُهُ وَيُمَكَّنُهُ مِنَ الجَرَحِ, وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَهٍ ثُمَّ وُلِّىَ .. وَجَبَتِ الِاسْتِعَادَهُ. وَإِذَا اَسَتُعِدَى عَلَى حَاضِرٍ بِاَلبَلَدِ .. أَحَضَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في إقامه البينة بالأبراء وجرح الشهود. قال: (بل يخبره ويمكنه من الجرح) , وكذلك كل ما أشبهه مما يمنع شهادتهم عليه من عداوة, وتقدم على بينة التعديل. قال الرافعي: ويشترط أن يؤرخ الجارح فسقه يوم الشهادة؛ لأنه إذا أطلق .. أمكن حدوثه بعد الحكم. أھ ولا معني لاشتراطه يوم الشهادة, بل لو جرحه قبلها ولم يمض زمن الاستبراء .. فكذلك, فإن مضت .. ولم يؤثر الجرح كما صرح به الماوردي. فرع: حكم علي بناء علي أنه بمسافة بعيدة, فبان أنه كان قد قدم البلد, أو صار على مسافة قريبة, فهل نقول: الحكم صحيح بناء علي ظاهر الحال؟ أو فاسد بناء على ما في نفس الأمر؟ تقدم في (النكاح) عن القفال: أنه لو زوج امرأة بحكم غيبة وليها, ثم بان_ كما ذكرنا أن النكاح لا يصح .. فنظيره هنا أن لا يصح الحكم, وهو متجه, ولكن الفرق بين البابين ظاهر. قال: ولو (عزل بعد سماع بينة ثم ولي .. وجبت الاستعادة) بلا خلاف؛ لأن السماع الأول بطل بالعزل, فلو خرج عن محل ولايته ثم عاد .. فله الحكم بالسماع الأول علي الصحيح, وقيل: لا؛ لعروض ما يمنع من الحكم, وهذه المسألة لا تعلق لها بهذا الباب بخصوصه, وإنما ذكرها استطرادًا, وكذا التي بعدها؛ لأن الباب معقود للغائب. قال: (وإذا استعدي على حاضر بالبلد) أي: متأهل لسماع الدعوى والجواب عنها (.. أحضره) أي: وجوبًا؛ إقامه لشعار الأحكام, ورعاية لمراتب الحكام

بِدَفْعِ خَتْمِ طِين رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك: إن كان من أهل المروءات .. لم يحضره إلا أن تعرف بينهما معاملة؛ صيانة له عن الابتذال. وعن ابن سريج: أنه يحضر ذوي المروءات في داره لا في مجلس الحكم, والمذهب: أنه لا فرق, ولكن استثني الشيخ من ذلك في (باب الفلس) حاضرًا وقعت الإجارة على عينه وكان يتعطل بحضوره مجلس الحكم حق المستأجر. ومقتضي إيجاب الإحضار وجوب الحضور, وهو كذلك؛ لقوله تعالى: {إَنَّمَا كَا، قَولَ الَمُؤمِنِيِنَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُوِلِهِ لِيَحكُمَ بَيَنهُم أَن يَقُوِلُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَاَ} قال الإمام: وذلك لأجل إجابه القاضي, فلو لم يطلبه القاضي وطلبه الخصم .. لم يجب الحضور, بل الواجب الأداء إن كان عليه, لكن المذكور في (الحاوي) و (المهذب) و (البيان) وجوب الحضور مطلقًا؛ لظاهر الآية. ويوم الجمعة كغيره, إلا إذا صعد الخطيب المنبر .. فلا يحضر أحد إلي الفراغ من الصلاة كما قاله الرفعي في آخر (باب الدعاوى). واليهودي يحضر يوم السبت, ويكثرعليه سبته. والاستعداء: من أعدى عليه الحاكم يعدي إذا ترك العدوان, وهو الظلم, كقولهم أشكاه؛ أي: ازال شكواه. قال: (بدفع ختم طين رطب)؛ ليعرضه علي الخصم, وليكن مكتوبًا عليه أجب القاضي فلانًا, وقد هجر هذا في هذا الأعصار, فالأولي ما اعتيد من الكتابة في كأغد. قال: (أو غيره)؛ لما روى البزار [768] وأبو يعلى [294] وأحمد [1/ 151] عن علي ابن أبي طالب: أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى رسول الله عليه وسلم تشكو إليه الوليد فقال لها: (ارجعي فقولي له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجارني (ثم جاءت فقالت: يا رسول الله؛ ما أقلع عني, قالت: فقطع رسول الله صلي الله عليه وسلم هدبة من ثوبه وقال: اذهبي بهذه وقولي له: إن رسول الله

أَوْ بِمُرَتَّبُ لِذَلِكَ¸فَإِنِ أمَتَنَع بِلَا عُذْرٍ .. أَحْضَرَهُ بِأَعْوَانِ الَسُّلْطَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلي الله عليه وسلم قال: هذه هدبة من ثوبه, وقولي له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجارني, قال: فلم تلبث إلا يسيرًا حتي رجعت فقالت: ما زادني إلا ضربًا, فرفع صلي الله عليه وسلم يديه وقال: (اللهم, عليك بالوليد بن عقبة أثم بي مرتين). قال البزار: وفي هذا الحديث من الفقه إباحه العدوى علي الخصم إذا لم يحضر مع خصمه, لأن الهدبه من الثواب إعداد عليه ليحضر مثل الخاتم, وهذه السنة باقية إلي اليوم بالحجاز. قال: (أو بمرتب لذلك) من الأعوان علي أبواب الحكام؛ صيانة للحقوق, وتكون مؤنة المحضر حينئذ علي الطالب إن لم يكن رزق من بيت المال, وإذا بعث بالختم فلم يجب .. بعث العون إليه. ويلزم المطلوب الحضور, إلا أن يعلم أن القاضي المطلوب إليه يقضي عليه بالجور برشوة أو غيرها .. فيسعه باطنًا أن من الحضور, وأما في الظاهر .. فلا يسوغ. قال: (فإن امتنع بلا عذر) كما إذا امتنع لسوء أدب (.. أحضره بأعوان السلطان) , توصلًا إلى إقامة الأحكام علي أربابها, وتكون المؤنة في هذه الحالة علي المطلوب علي الصحيح, لامتناعه, وقيل: علي الداعي. فإن كان عذر كمرض أو حبس أو خوف من ظالم ... بعث إليه من يحكم بينهما, أو يأمره بالتوكيل, فإن وجب تحليفه .. بعث إليه من يحلفه, فإن اختفى .. نودي علي بابه إن لم يحضر إلي ثلاث .. سُمَّر بابه أو ختم, فإن لم يحضر فيها .. سُمِّر أو ختم بطلب المدعي إذا ثبت عنده أنها داره, فإن عرف موضعه .. بعث نسوة وصبيانًا وخصيانًا يهجمون عليه. وإذا امتنع بعد وقوفه على أماره الطلب .. أشهد عليه الخصم شاهدين أنه امتنع, فإذا ثبت عند القاضي امتناعه .. بعث إلى صاحب الشرطة ليحضره, ولا يبالغ القاضي في طلب تزكية الشاهدين بالامتناع, وينبغي الاكتفاء بإخبار عدل واحد.

وَعَزَّرَهُ, أَوْ غَائِبٍ فِي غَيِر مَحَلِّ وَلاَيَتِهِ .. فَلَيسَ لَهُ إِحْضَارُهُ, أَو فِيهَا وَلَهُ هُنَاَك نَائِبُ .. لَم يُحضِرهُ, بَلْ يَسْمَعُ بَيّنةً وَيَكْتُب إِلَيِه, أَوْ لَا نَائِبَ .. فَالأَصَحُّ: ُيحضرهُ مِنْ مَسَافةِ العَدوَى فقَط, وَهِيَ الَّتي يَرْجِعً مِنْهَا المُبَكِّرُ لَيلًا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القفال: ولا يجوز أن يبعث إليه عون السلطان في أول وهلة حتى يشهد عدلان أنه أبي المجيء. قال: (وعزره)؛ لامتناعه نت طاعة أولي الأمر, وليس التعزير بحتم, بل إن شاء .. عفا عنه, وإن شاء .. عزره بالكلام أو غيره. قال: (أو غائب في غير محل ولايته .. فليس له إحضاره) , لعدم ولايته عليه. قال: (أو فيها وله هناك نائب .. لم يحضره, بل يسمع بينة ويكتب إليه)؛ لأن في إحضاره مشقة مع إمكان الحكم في ذلك الموضع الذي هو فيه, وقيل: يحضره بطلب الخصم, وقيل: يتخير. قال: (أو لا نائب .. فالأصح: يحضره من مسافة العدوى فقط, وهي التي يرجع منها المبكر ليلًا) أي: إلي موضعه, فإن كان أكثر من ذلك .. لم يحضره. والثاني: يحضره من دون مسافة القصر لا منها. والثالث_ وبه قطع العراقيون_: يحضره وإن بعدت المسافة؛ لأن عمر استحضر من نيف وعشرين يومًا, واستحضر قومًا من قنسرين إلى المدينة. وقيل: يحضره من دون ثلاثة أيام, حكاه القاضي شريح, والذي رجحه المصنف تبع فيه (المحرر) , ومقتضى كلام (الروضة (و (الشرح) موافقة العراقين, لأن عمر استدعى المغيرة بن شعبة في القصة المشهورة من البصرة إلى المدينة, وإذا كان هذا في حق الله تعالى .. ففي حق الآدمي أولى. وإذا استعدي علي امرأه خارجة عن البلد .. فالأصح: أنه يبعث إليها محرمًا أو نسوة ثقات كما في الحج. تنبيه: أطلق المصنف الإحضار, وشرطه بعد تحرير الدعوى وصحة سماعها, وبهذا

وَأَنَّ اَلمُخدَّرَةَ لَا تُحْضَرُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ صرح العراقيون ومنهم الماوردي والجرجاني وغيرهما, وجزم به في (البيان) و (الإستقصاء). وعبارة (التنبيه): لم يحضره حتى يحقق المدعي دعواه, فإن حقق الدعوى .. أحضره, وأقره المصنف عليه في (التصحيح) , وجزم به صاحب (الإشراف) و (الكافي) وغيرهما من المراوزه. وقال الإمام والغزالي وصاحب (العدة): لا يحضره حتي يقيم البينة, وأشار الرافعي إلى تفردهم بذلك, وقال في (المطلب): إنه تعطيل للحقوق؛ إذ ليس لكل خصم بينة. وقال العراقيون: لا يتعين الإحضار, بل إن أراد أن يرسل إليه من يحكم بينهما .. فعل, واستأنسوا له بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم أنيسًا للمرأه المقذوفة. هذا إذا لم يكن هنال من يتوسط بينهما, فإن كان وهو صالح للقضاء .. فهو بمنزلة خليفة القاضي, فيكتب إيه, وإلا .. فيحضره .. فائدة: قيل للمدة التي تقطع في اليوم عدوى؛ لأن القاضي يعدي فيها إذا استعدي علي الغائب, والإعداء: الإعانة, وتطلق العدوى علي مجاوزة المرض من صاحبه إلى غيره, فإنهم كانوا يعتقدون أن المرض بنفسه يتعدى, فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك, بل الله هو الذي يمرض وينزل الداء. قال علي لطلحة يوم الجمل: (عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق, فما, عدى فيما بدى)؛ لأنه بايعه بالمدينة بعد ما ظهر منك من الطاعة والمبايعة. قال: (وأن المخدرة لا تحضر)؛ دفعًا للمشقة عنها, وسبيل القاضي معها كسبيله مع المريض ونحوه, لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم الغامدية جهرًا, وقال

وَهِيَ مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأخرى: (اغد يا أنيس إلى امرأه هذا, فإن اعترفت .. فأرجمها) قالوا: وكانت الغامدية برزة والأخرى بالضد؛ لأن الغامدية حضرت بنفسها, وإرسال أنيس إنما كان لإعلامها بالقذف. والثاني: تحضر كغيرها, وبه أفتى القفال, وقال: لا معني للتخدر عندي، وليس له أصل في الشرع. فعلي الصحيح: إذا وجب عليها اليمين أرسل إليها من يحلفها, وإذا اقتضى الحال تغليظ اليمين بالمكان .. فالأصح: أنها تكلف الحضور إليه كما تقدم في (اللعان). و (المخدرة): الملازمة للخدر وهو الستر, ويقال لها: الخفرة من الخفر وهو شدة الحياء, وقوله: (لا تحضر) بضم أوله وفتح ثالثه, مضارع أحضر. قال: (وهي من لا يكثر خروجها لحاجات) كشراء الخبز والقطن وبيع الغزل, فإن كانت لا تخرج نادرًا لزيارة أو حمام .. فمخدرة. وقال الإمام: المخدرة: من لا تخرج اصلًا. وقال ابن أبي الدم: الأمر في ذلك إلى العرف. وقال ابن الرفعة: هي من لا تخرج لحوائجها, وإن خرجت ... استخفت. وأفهمت عبارة المصنف أن كونها في عدة أو اعتكاف لا يكون مانعًا من حضور مجلس الحكم, وبه صرح الصيمري في (الإيضاح) , لكن المريضة في حكم المخدرة. تتمة: لو كانت برزة ثم لازمت الخدر .. قال القاضي حسين في (الفتاوى): حكمها حكم الفاسق يتوب, فلا بد من مضي سنة وفي قول نصفها. ولو اختلفا في كونها مخدرة .. قال الماوردي والروياني: إن كانت من قوم الغالب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ علي نسائهم التخدر .. صدقت فيه بيمينها, وإلا .. صدق هو بيمينه. وقال القاضي: عليها البينة, وتمهل لإقامتها. ... خاتمة تصرف القاضي في مال الغائب مقيمًا كان أو غيره يكون بالحفظ والتعهد, فإذا أشرف على الهلاك .. أتى بما يقتضيه الحال بشرط الغبطة الائقة, فإن كان حيوانًا وخيف علي الهلاك .. باعه, وإن حصلت الحصانة بالإجارة .. اقتصر عليها، وله إيجار ملك الغائب وإقراض ماله, فإن كان للغائب دين .. لم يكن للحاكم استقضاؤه, إلا أن يكون موروثًا وأوصى الموروث باستقضائه .. فإن الحاكم ينصب له أمينًا يتقاضاه ويحفظه حتى يحضر صاحبه. وقد ذكر الرفعي المسألة في أبواب بينها في (المهمات) , وأما ما لم يتعين له مالك وحصل اليأس من معرفته .. فيبيعه ويصرف ثمنه في المصالح, وله أن يحفظه. ***

بًابُ الْقِسْمَةِ قَدْ يَقْسِمُ الشُّرَكَاءُ أَوْ مَنْصوُبُهُمْ ًاوْ مَنْصُوبُ الإِمَامِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ باب القسمة هي تمييز بعض الأنصباء من بعض. والقسام: الذي يقسم الأشياء بين الناس, قال لبيد [من الكامل]: فارضى بما قسم المليك فإنما ... قسم المعيشة بيننا قسَّامُها ولم يبوب لها في (المحرر) أيضًا. وهي بكسر القاف: الاسم من قسم يقسم. وهي عند العراقيين نوعان: قسمة رد, وقسمة لا رد فيها, وعند المراوزة ثلاثة أنواع: قسمة رد, وقسمة إفراز, وقسمة تعديل. ووجه ذكرها في خلال القضاء: أن القاضي لا يستغني عن القسام للحاجة إلى قسمه المشتركات, بل القاسم كالحاكم فحسن الكلام في القسمة مع الأقضية. والأصل في جوازها قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَأِذَا حَضَرَ اَلِقْسمَةَ} الآية, وقوله: {وَنَبِتٌهٌمْ أنَّ المَاءَ قِسَمةٌ بَيَنَهُمْ}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الشفعة فيما لم يقسم). وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون الغنائم, وكان له قسام. ولا خلاف بين المسلمين في جوازها ووجوبها, فالحاجة داعية إليها, لأنه قد يتبرم الشركاء أو بعضهم بالمشاركة, ويريدون الاستبداد بالتصرف, ولهذا نقل في (التهذيب) و (الكافي) عن الأصحاب أنه لا يجوز للإمام أن يخلي نواحي الإسلام من قسام تحصل بهم الكفاية. قال: (قد يقسم الشركاء أومنصوبهم أو منصوب الإمام) , لحصول الغرض بكل

وَشَرْطً مَنْصُوِبهِ: ذَكَرُ, حًرُّ, عَدْلُ, يَعْلَمُ الِمسًاحَةَ وَالحِسَابَ, فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ .. وَجَبَ قَاسِمَانِ, وَإِلَّا .. فَقَاسِمٌ, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك, وفي قول: لا يجوز أن يحكموا رجلًا في القرعة. قال: (وشرط منصوبه: ذكر, حر, عدل)؛ لأنها ولاية, ومن لا يتصرف بذلك ليس أهلًا للولايات, ولأنه يلزم كالحكام, ولأن القسام أعوان الحكام, فيلزم الحاكم أن يختار من القاسمين من تكاملت فيه شروط القسمة. وذكر في (المحرر) مع هذه الشروط التكليف, وحذفه المصنف, لدخوله في وصف العدالة. قال: (يعلم المساحة والحساب) لأنهما آله القسمة, والمساحة: ذرع الأرض, وأعتبر الماوردي والبغوي مع ذلك أن يكون نزهًا قليل الطمع, وهل تشترط معرفة التقويم؟ فيه وجهان؛ لأن في أنواع القسمة ما يحتاج إليه, ومقتضى كلام الجمهور: أنه ليس بشرط. وبه صرح البندنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ فجعلوه مستحبًا, فإن جهلها .. جاز, ويرجع إلي إخبار عدلين. وخرج ب (منصوب الإمام) منصوب الشركاء إذا لم يكن فيهم طفل ولا مجنون؛ فإنه لا يشترط فيه العدالة ولا الحرية, لأنه وكيل لهم, قال الرافعي: كذا أطلقوه. وينبغي أن يكون في توكيل العبد في القسمة الخلاف في توكيله في البيع والشراء. فإذا كان فيهم محجور عليه لصغر أو جنون أو سفه .. فلا بد في قاسمهم من العدالة. واعتبر شريح الروياني إذن الإمام في ذلك, ولو حكموا رجلًا فيها .. جاء خلاف التحكيم, فإن جوزناه .. فهو كمنصوب القاضي. قال: (فإن كان فيها تقويم .. وجب قاسمان)؛ لأنها شهادة بالقيمة, وظاهر كلام المصنف أنه لا خلاف فيه, وبه صرح في (البسيط). قال: (وإلا .. فقاسم) أي: إذا لم يكن فيها تقويم .. ففي الأصح: يكفي قاسم، لأن قسمته تلزم بنفس قوله فأشبه الحاكم, وحيث اكتفينا به ... قبل الحاكم قوله وحده؛ لأنه نائبه, وحيث اشترطنا اثنين .. قبل قولهما دون أحدهما

وَفِي قَوْلٍ: اثْنَانِ وَلِلإمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَقْوِيمِ فَيَعْمَلُ فِيهِ بِعَدْلَيْنِ, وَيَقْسِمُ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يحتاج القاسم إلى لفظ الشهادة على المشهور, لأنها تستند إلى عمل محسوس. وفي (الصحيح) في قصة الحمار الوحشي العقير لما قال صاحبه: شأنكم به .. أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق. قال: (وفي قول اثنان) كالمقومين والحكمين في جزاء الصيد, وادعي القاضي أنه المنصوص, وأن الأول مخرج ومأخذهما أنه حاكم أو شاهد, والراجح الأول, لأنه قسمته تلزم بنفس قوله, ولأنه يستوفي الحقوق لأهلها. وفي معني التقويم: ما إذا كان فيها خرص, لكن قال المصنف في (تصحيحه): الأصح: الاكتفاء بواحد, وهو نظير ما صححاه في (الزكاة) , ويؤيده ما صح: (أنه صلي الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة خارصًا). وقال الإمام: القياس أنه لا بد من اثنين, ولا يتجه بين الخرص التقويم فرق, فإن كل واحد منهما مبني قوله علي التخمين والحدس, وفرق الإمام بأن الخارص يعمل بإجتهاده فكان كالحاكم, والمقوم يخبر بقيمة الشيء فهو كالشاهد. قال: (وللإمام جعل القاسم حاكمًا في التقويم فيعمل فيه بعدلين, ويقسم) هذا كالمستثنى من اشتراط العدد. وصورة المسأله: أن يفوض إليه سماع البينة فيه, وأن يحكم به, وحينئذ فله اعتماد قوله وحده, فلو فوض إليه أن يحكم باجتهاده في التقويم .. لم يجز كما قاله الإمام والغزالي وإن قلنا إن القاضي يقضي بعلمه, لأنه لا معني له. فلو لم تكن القسمة بإذن الحاكم بل المفوض لها الشركاء ... ففي (الحاوي).

وَيَجَعَلُ الإِمَامَ رِزْقَ مَنْصُوِبِه مِنْ بَيْتِ المَالِ, فَإَنْ لَمْ يَكُنْ .. فَأُجرَتُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ, فَإَنِ اسَتَاجَرُوُهُ وَسَمَّى كُلُّ قَدْرًا .. لَزِمَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ و (البحر) أنهم يحملونه في العدد على ما اتفقوا عليه من واحد أو أكثر, ولا يقبل الحاكم قول هذا القاسم, لأنه ليس نائبًا عنه, ولا تسمع شهادته, لأنه يشهد على فعل نفسه. قال: (ويجعل الإمام رزق منصوبه من بيت المال) , لأنه من المصالح العامة, وكان علي رضي الله عنه يرزق قاسمه عبد الله بن نجي من بيت المال, ولكن ما يرزقه قدر كفايته وكفاية عائلته وغلمانه على ما يليق به من النفقة والكسوة وغيرهما. وقيل: لا يرزقه من بيت المال, ولأنه لا يحتاج إلى تفريغ النفس لهذا العمل, بخلاف القاضي. قال: (فإن لم يكن .. فأجرته علي الشركاء) سواء طلب القسمة جميعهم أم بعضهم, لأن العمل لهم, وقيل: علي الطالب وحده. وخالف القاضي حيث امتنع عليه أن يعتاض علي الحكم, لأن القضاء حق الله تعالى, والقسمة محض حق الآدمي, وأيضًا فللقاسم عمل يباشره فالأجرة في مقابلته, والحاكم مقصور علي الأمر والنهي, ولا ينصب حينئذ قاسمًا معينًا, بل يدع الناس يستأجرون من شاؤوا. قال: (فإن استأجروا وسمَّى كل قدرًا .. لزمه) قل أوجل, تساووا فيه أو تفاضلوا, ومحل الجزم به إذا استأجروه جميعًا بأن قالوا: استأجرناك لتقسم بيننا كذا بدينار علي فلان ودينار علي فلان مثلًا, أو وكلوا كيلًا عقد لهم كذلك. فإن استأجروه في عقود مرتبة فعقد واحد لإفراز نصيبه ثم الثاني كذلك ثم الثالث .. جاز عند القاضي حسين, وأنكره الإمام وقال: لا سبيل إلى استقلال بعضهم بالاستئجار لإفراز نصيبه, لأن فيه تصرفًا في نصيب غيره بالتردد والتقدير, قال: فإن انفراد أحدهم برضاهم .. كان أصلًا ووكيلًا , ولا حاجة إلى عقد الباقين.

وَإِلَّا .. فَالأٌجْرَةُ مُوَزَّعَةُ عَلَى الْحِصَصِ, وَفِي قَوْلِ: عَلَى الُّرٌّؤُوسِ. ثُمَّ مَا عَظُمَ الضُّرًرُ فِي قِسْمَتِهِ كَجَوْهَرَةِ وَثَوْبِ نَفِسَيْنِ وَزَوَجَي خُفّ؛ إِنْ طَلَبَ الُشَرَكَاءُ كُلُّهُمْ قِسْمَتَهٌ .. لَمْ يُجِبُهمُ الْقَاضِي, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا) أي: وإن لم يسموا له أجرة وأطلقوا التسميةه (. فالأجرة موزعة علي الحصص) لأنها من مؤن الملك فكانت كنفقة المشترك. قال: (وفي قول: علي الرؤوس)؛ لأن العمل في النصيب القليل كهو في الكثير, بل قد يكون في الجزء القليل أغمض, هذه طريقة المراوزه, وتابعهم المصنف تبعًا ل (المحرر) وجزم العراقيون بالأول, وصححها في (الروضة) , وقال في (الكفاية): إنها أصح باتفاق الأصحاب, وهي الصواب. هذا في غير قسمة التعديل, أما فيها .. فإنها توزع بحسب الحصص على الأصح؛ لأن العمل في الكثير أكثر. ولو استأجروه لكتابة صك .. كانت الأجره علي قدر الحصص كما قطع به الرافعي في (كتاب الشفعة) قال: (ثم ما أعظم الضرر في قسمته كجوهرة وثوب نفيسين وزوجي خف؛ إن طلب الشركاء كلهم قسمته .. لم يجبهم القاضي)؛ لأنه سفه, وهذا يفهم المنع إذا طلبها بعضهم من باب أولى. ومحل الجزم بعدم الإجابه إذا عظم الضرر, وهو أن تبطل المنفعة بالكلية, أما إذا نقصت كسيف يكسر .. فالأصح أنه لا يجيبهم أيضًا. وقوله: (زوجي خف) يريد به فردتين, يقال: عندي زوجا خف وزوجا نعل, وزوجا حمام الذكرو الأنثى وكذا كل فردين لا يصلح أحدهما إلا بالآخر, والزوج اسم للفرد منهما.

وَلاَ يَمْنَعُهُمْ إِنْ قَسَمُوا بِأنْفُسِهِمْ إِنْ لَم تَبطُلْ مَنْفَعٌتُهُ كَسَيْفٍ يُكسَرُ, وَمَا يَبْطُلُ نَفًعُهُ اَلمَقْصُودُ كَحَمَّامٍ وَطَاَحُونِةٍ صَغِيرَينَ .. لَا يُجَابُ طَاِلبُ قِسْمَتِهِ فِي الأَصَحَّ, فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَمَّامَيَنِ. ِ. أُجِيبَ, وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشرُ دَارٍ لَا َيصلُحُ لِلسُّكْنَى وَالبَاقِي لِآخَرَ .. فَالأَصحُّ: إِجْبَاُر صَاحِبَ العُشرِ بِطَلَب صَاحِبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يمنعهم إن قسموا بأنفسهم إن لم تبطل منفعه كسيف يكسر)؛ لإضاعه المال. قال: (ومال يبطل نفعه المقصود كحمام وطاحونة صغيرين .. لا يجاب طالب قسمته) أي: جبرًا (في الأصح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) رواه مالك [2/ 745] وغيره, وفي رواية: (نهي عن قسمة الضرار). وقيل: ما لا ينتفع به بعد القسمة بوجه ما. وقيل: ما ينقص القيمة نقصًا فاحشًا, وعلى هذين الوجهين يخرج مقابل الأصح في كلام المصنف, فيخرج بقوله: (مقصود) الوجه الثاني, وبقوله: (نفعه) الوجه الثالث الناظر للقيمة, والأصح للمنفعة, ونقصان القيمة بتبعها. ولفظ (الحمام) تقدم أنه مذكر بلا خلاف. و (الطاحونة): الرحى, فغلب المصنف المذكر في قوله: (صغيرين) , ولم يقل: صغيرتين. قال: (فإن أمكن جعله حمامين) أو طاحونين (.. أجيب) أي: الطالب؛ لانتفاء الضرر. ولو اجتاج إلى إحداث بئر ومستوقد .. أجبر أيضًا علي الأصح؛ لتيسر التدارك, وهذا يشبه الخلاف في بيع دار لا ممر لها مع إمكان تحصيله ببيع أوإجازة, لكن الصحيح هناك المنع؛ لأن شرط المبيع أن يكون منتفعًا به في الحال ولم يكن. قال: (ولو كان له عشر دار لا يصلح للسكنى والباقين لآخر .. فالأصح: إجبار صاحب العشر بطلب صاحبه)؛ لأن الطالب ينتفع بالقسمة, وضرر صاحب العشر

دُونَ عَكسِهِ. وَمَا لاَ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ فُقِسْمَتُهُ أَنَواعٌ: أَحَدُهَا: بِالأَجْزَاءِ كَمِثْليَّ, وَدَارٍ مُتَّفِقِه أَبَنِيةٍ, وَأَرْضِ مُشْتَبِهَةِ الأَجْزَاءِ, فَجُبْرُ الْمُمْتَنِعُ, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ لا ينشأ من مجردها, بل سببه قلة نصيبه. والثاني: المنع؛ للضرر الذي يلحقه. قال: (دون عكسه)؛ لأنه متعنت مضيع لماله. والثاني: يجبر؛ ليتميز ملكه. فرع: لأربعه أرض، لواحد نصفها ولكل من الباقين السدس, ولا ضرر في قسمتها نصفين, وفي قسمتها أسداسًا ضرر بصاحب السدس, فطلب صاحب النصف القسمة .. فالثلاثة إن شاؤوا أخذوا النصف مشاعًا, أو يأخذ كل واحد السدس, فإن شاؤؤا اخذ النصف ثم أراد بعضهم إفراز نصيبه .. لم يجب إليه, ولو طلب الثلاثة القسمة ليأخذوا النصف .. أجبر صاحب النصف النصف, قاله الإمام والروياني. قال: (وما لا يعظم ضرره فقسمته أنواع: أحدها: بالأجزاء كمثلي) وقد فسره في (كتاب الغصب) , ويشترط في الحبوب كونها سليمة, والنقد كونه خالصًا؛ فإن الحبوب المعيبة معدودة من المتقومات, وكذلك النقد المغشوش, ويظهر أثر ذلك فيما إذا جعلنا القسمة بيعًا. وفي حكم المثلي: الثوب الغليظ الذي لا تنقص قيمته بقطعه، وكذا كل متساوي الأجزاء حتى اللبن المشترك في قالب واحد الأشكال, وأما المتفاوت القوالب .. ففيه الخلاف الآتي في قسمة التعديل. قال: (ودار متفقة أبنية, وأرض مشتبهة الأجزاء, فيجبر الممتنع) , سواء كانت الأنصباء متساوية أو متفاوتة؛ لينتفع الطالب بماله على الكمال, ويتلخص من سوء المشاركة مع أنه لا ضرر فيها علي الشريك كما لو اختلط له درهم بعشر. والمذهب: أنه لا فرق بين أن يكون الشركاء اثنين أو أكثر فلو كانوا سته مستوين فامتنع خمسة .. أفراد للطالب السدس, والباقي مشترك بين الباقين.

فَتُعَدَّلُ السِّهَامُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا ًاوْ ذَرَعًا بِعَدَدِ الأَنْصِبَاءِ إِنِ اسَتوَت, وَيَكْتُبُ فِي كُلَّ رُقْعَةٍ اسْمَ شَرَيكٍ أَو جُزءٍ مُمَيَّزٍ بِحَدٍّ أَو جِهَةٍ, وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ مُستَوِيَةٍ, ثُمَّ يُخْرِجُ مَنْ لمْ يَحضُرْهَا رُقعَةً عَلَى الجُزْءِ الأوَّلِ إِنْ كَتَب الأَسمَاءَ, فَيُعطِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ, أَوْ عَلَى اسْمِ زَيْدٍ إِنْ كَتَبَ الأَجْزَاءَ, ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو طلبها اثنان .. قسمت أثلاثًا, لطالبي القسمة مشتركًا بينهما, والباقي مشترك بين الباقين. ولوطلبها ثلاثة .. قسمت نصفين, وهذه تسمي: قسمة المتشابهات. قال: (فتعدل السهام كيلًا) أي: في المكيل (أو وزنًا) أي: في الموزونات (أو ذرعًا) أي: في المذروعات كالأرض المتساوية الأجزاء. قال: (ويكتب في كل رقعة اسم شريك أو جزء مميز بحد أو جهة, وتدرج في بنادق مستوية, ثم يخرج من لم يحضرها) , كذا هو في النسخ بضمير مفرد, وعبارة (الروضة) و (الشرح): من لم يحضر الكتابة والإدراج, فكان ينبغي أن يقول: من لم يحضرهما, أو لم يحضر كما عبر به في (المحرر) , والصبي والأعجمي أولى. وقوله: (اسم شريك أو جزء) أي: إن شاء .. كتب أسماء الشركاء؛ لاخرج على السهام, وإن شاء .. كتب السهام؛ لتخرج على أسماء الشركاء. وقوله: (مستوية) أي: وزنًا وشكلًا من الطين مجفف أو شمع, وكما تقسم بالرقاع المذكورة .. تقسم بالحصى والعصي والبعر ونحوها. قال: (رقعة على الجزء الأول إن كتب الأسماء, فيعطي من خرج اسمه) ثم يؤمر بإخراج أخرى على الجزء الذي يليه, فمن خرج اسمه من الآخرين .. أخذه, وتعين الباقي للثالث. قال: (أو على اسم زيد إن كتب الأجزاء) إذا كتب الرقاع أسماء الأجزاء .. أخرجت رقعة باسم زيد, ثم أخرى باسم عمرو, ويتعين الثالث للثالث, وتعيين من

فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الَانْصِبَاءُ كَنِصْفِ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ .. جُزِّئَتِ الأَرضُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ وَقُسِّمَت كَمَا سَبَقَ, وَيَحتَرِزُ عَنْ تَفْرِيِق ِ حِصَّةِ وَاحِدٍ .. ـــــــــــــــــــــــــــــ يبدأ به من الشركاء والأجزاء منوط بنظر القاسم, فيقف أولًاعلى أي طرف شاء, ويسمي أي شريك شاء. ثم إخراج الرقاع على الوجه المذكور لا يختص بقسمة المتشابهات, بل يأتي في قسمة التعديل إذا عدلت الأجزاء بالقيمة. قال: (فإن اختلفت الأنصباء كنصف وثلث وسدس .. جزئت الأرض على أقل السهام) وهي ستة في مثالنا. قال: (وقسمت كما سبق) هذا صريح في أنه يكتب اسم الشريك أو الجزء كما سبق, وهو خلاف ما صحح في (الروضة)؛ فإنه حكى في المسألة طريقين: أحداهما: قولان: في قول: يثبت أسماء الشركاء والعبيد في العتق. وفي قول: يثبت الأجزاء هنا, والرق والحرية هناك. والطريق الثاني_ وهو المذهب, وبه قطع الجمهور_: الفرق, ففي العتق يسلك ما شاء من الطريقين, وهنا لا يثبت الأجزاء على الرقاع؛ لأنه لو أثبتها وأخرج الرقاع على الأسماء .. ربما خرج لصاحب السدس الجزء الثاني أو الخامس, فيفرق ملك من له النصف أو الثلث. اھ فصحح أنه لا يكتب في هذه الحالة الأجزاء على الرقاع, والجواب: أنه لا منافاة بين العبارتين؛ لأن الأصح: أن الخلاف في الأولوية, فيجوز سلوك كل من الطريقين. قال: (ويحترز عن تفريق حصة واحد) فيكتب أسماء الشركاء في ست رقاع, لصاحب السدس رقعة, ولصاحب الثلث رقعتان, ولصاحب النصف ثلاثة, وتخرج على السهام, فإن خرج اسم صاحب السدس .. أعطي السهم الأول, ثم يقرع بين الآخرين, فإن خرج اسم صاحب الثلث .. أعطي السهم الثاني والثالث بلا قرعة, والباقي لصاحب النصف. وإن خرج اسم صاحب النصف أولًا .. أعطي ثلاثة أسهم الأول وتالييه, ثم يقرع

الثَّانِي: بِالتَّعْدِيلِ كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ إِنْبَاتٍ وَقُرْبِ مَاءٍ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي الأَظْهَرِ، وَلَوِ اسْتَوَتْ قِيمَةُ دَارَيْنِ أَوْ حَانُوتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بين الآخرين كما تقدم، ولا تخرج السهام على الأجزاء في هذا القسم. وقيل: يقتصر على ثلاث رقاع. وفي (الروضة) و (أصلها): قيل: يكتب أسماءهم في ثلاث، وقيل: في ست. قال: وليس فيه إلا أن اسم صاحب الأكثر أسرع خروجًا، وذلك لا حيف فيه؛ لتساوي السهام، فالوجه تجويز كل من الطريقين. قال: (الثاني: بالتعديل كأرض تختلف قيمة أجزائها بحسب قوة إنبات وقرب ماء)، وكذلك اختلاف الجنس كبستان بعضه نخل وبعضه عنب، ودار بعضها حجر وبعضها لبن، فإذا ساوى ثلثها لجودته ثلثيها مثلاً .. جعل الثلث سهمًا والثلثان سهمًا إن كانت بينهما نصفين، فإن اختلفت كنصف وثلث وسدس .. جعلت ستة أسهم بالقيمة لا بالمساحة. قال: (ويجبر عليها في الأظهر)؛ لأنه لا تمكن قسمتها بلا ضرر إلا كذلك. والثاني: لا إجبار؛ لاختلاف الأغراض والمنافع، وهذا صححه القاضي حسين والبغوي، فعلى الأول أجرة القسام توزع بحسب المأخوذ قلة وكثرة، لا بحسب الشركة على الأصح كما تقدم؛ لأن العمل في الكثير أكثر. قال: (ولو استوت قيمة دارين) أشار بهذا إلى ثاني قسمي قسمة التعديل، فإنها تقسم إلى ما يعد شيئًا واحدًا وهو ما سبق، وإلى ما يعد شيئين فصاعدًا وهو هذا، ثم هو ينقسم إلى عقار وغيره. قال: (أو حانوتين) أي: كبيرين، أما إذا اشتركا في دكاكين صغار متلاصقة لا تحتمل آحادها القسمة وتسمى العضائد، فطلب أحدهما أن يقسم أعيانًا .. فقيل: لا يجبر الممتنع، والأصح: يجبر للحاجة، قال مجلي: ومحلهما إذا لم تنقص بالقسمة، وإلا .. لم يجبر جزمًا.

وَطَلَبَ جَعْلَ كُلٍّ لِوَاحِدٍ .. فَلاَ إِجْبَارَ، أَوْ عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ مِنْ نَوْعٍ .. أُجْبِرَ، .. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وطلب جعل كل لواحد .. فلا إجبار) سواء تجاور الداران والحانوتان أو تباعدا؛ لشدة اختلاف الأغراض بذلك، وقال مالك: يجبر عند التجاور، وقال أبو حنيفة: يجبر إن كان إحدى الدارين حجرة الأخرى. ولو كان بينهما رية ذات مساكن، فطلب أحدهما أن يقسم جميع القرية، وطلب الآخر أن يقسم كل مسكن منها .. قسمت القرية بينهما نصفين، لكل منهما نصفها بما اشتمل عليه من مساكنه؛ لأن القرية حاوية لمساكنها كالدار الجامعة لبيوتها. ولو كان بينهما دار لها علو وسفل، فطلب أحدهما قسمتها علوًا وسفلاً .. أجبر الآخر عند الإمكان، وإن طلب جعل العلو لواحد والسفل لآخر .. لم يجبر عليه؛ لأن العلو تابع والسفل متبوع، ولأن العلو مع السفل كدارين متلاصقين؛ لأن كلاً منهما يصلح اتخاذه مسكنًا. قال: (أو عبيد أو ثياب من نوع .. أجبر)؛ لقلة الأغراض فيها وانتفاء الضرر، بخلاف الدور، وقيل: هي كالدور. وقيل: يجبر في العبيد قطعًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جزأ العبيد الستة الذين أعتقهم الرجل في مرضه ثلاثة أجزاء، وأقرع بينهم، وأجيب عنه بأنه إنما فعل ذلك لمزية الحرية، ولا حرية هاهنا. وعن أبي حنيفة: لا إجبار في العبيد، ولا في الخيل والإبل. وصورة ما ذكره المصنف: إذا أمكن التسوية عددًا أو قيمة، كما صورها به في (المحرر) و (الروضة) وغيرهما كعبدين متساويي القيمة لاثنين أو ثلاثة، فإن لم تمكن التسوية كثلاثة أعبد لاثنين بالسوية وقيمة أحدهم كقيمة الآخرين، فإن أجبرنا ثّمَّ فهاهنا قولان كقول الأرض المختلفة، وإن لم ترتفع الشركة إلا عن البعض، كما في طلب أحدهما القسمة في مثالنا؛ لتخصيص من خرج له الخسيس به، ويبقى شريكًا

اَوْ نَوْعَيْنِ .. فَلاَ. الثَّالِثُ: بِالرَّدِّ؛ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِئْرٌ أَوْ شَجَرٌ لاَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَيَرُدُّ مَنْ يَاخُذُهُ قِسْطَ قِيمَتِهِ، وَلاَ إِجْبَارَ فِيهِ، وَهِيَ بَيْعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بربع النفيس .. فالمذهب هنا عدم الإجبار. قال: (أو نوعين) أي: وأكثر (.. فلا) كما إذا كان أحدهما هنديًا والآخر تركيًا؛ لاختلاف الغرض بذلك، وإن امتنع ذلك في النوعين .. ففي الجنسين كعبد وثوب وحنطة وشعير أولى، فينتفي الإجبار، ويقسم ذلك بالتراضي، والذي ذكره المصنف هو المذهب. وطرد السرخسي الخلاف مع اختلاف النوع، والإمام والغزالي مع اختلاف الجنس أيضًا، وليس بشيء. قال: (الثالث: بالرد؛ بأن يكون في أحد الجانبين بئر أو شجر لا تمكن قسمته، فيرد من يأخذه قسط قيمته) أي: قيمة البئر فتنضبط قيمة ما اختص به ذلك الطرف، ويردها من يأخذ الطرف المختص به. مثاله: قيمة كل جانب ألف، وقيمة البئر أو الشجر ألف، فاقتسما ليرد أحدهما ما فيه البئر أو الشجر خمس مئة. وعبارة المصنف هاهنا صواب، بخلاف عبارة (المحرر) و (الشرحين) و (الروضة)؛ ففيها أنه يضبط قيمة ما اختص به ذلك الطرف، ثم تقسم الأرض على أن يرد من يأخذ ذلك الجانب تلك القيمة، وهي عبارة ظاهرة الخطأ. قال: (ولا إجبار فيه) أي: في هذا النوع؛ لأن فيه تمليكًا جديدًا فيما ليس مشتركًا بينهما، فكانا كغير الشريكين، ومنهم من طرد فيها خلاف قسمة التعديل. قال: (وهي بيع) أي: قسمة الرد؛ لوجود حقيقته، وهي مقابلة المال بالمال. وقيل: بيع في القدر المقابل للمردود فيما سواه، الخلاف في قسمة التعديل، وحيث قلنا: بيع .. تثبت فيها أحكامه من الخيارين والشفعة وغيرهما، إلا أنها لا تفتقر إلى لفظ البيع أو التمليك على الصحيح؛ بل يقوم الرضا مقامهما.

وَكَذَا التَّعْدِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِسْمَةُ الأَجْزَاءِ إِفْرَازٌ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا التعديل على المذهب)؛ لأنها تقطع النزاع، وإنما دخلها الإجبار للحاجة كما يبيع الحاكم مال المديون. والطريق الثاني: طرد القولين في قسمة الأجزاء. قال: (وقسمة الأجزاء إفراز في الأظهر)؛ لأنها لو كانت بيعًا .. لما دخلها الإجبار، ولما جاز الاعتماد على القرعة. ومعنى قولنا: (إفراز): أن القسمة تبين أن ما خرج لكل واحد منهما هو الذي ملكه. والثاني: أنها بيع؛ لأنه ما من جزء من المال إلا وكان مشتركًا بينهما، فإذا اقتسما .. ف: انه باع كل منهما ما كان في حصة صاحبه بحصته. وصحح الرافعي هذا في بابي (الربا) و (الزكاة)، وتبعه المصنف فيهما، وصحح في (تصحيح التنبيه) و (شرح المهذب) في (زكاة الثمار) الأول، وعبارة (المحرر): وذكر أن الفتوى عليه، وأشار بذلك إلى قول صاحب (العدة): إن الفتوى عليه، ثم قيل: القولان فيما إذا جرت بالإجبار، وإلا .. فبيع قطعًا، وصححه البغوي. وقيل: هما في الحالتين، ثم القول بأنها بيع لا يطلق على الجميع؛ فإن النصف الذي صار بيده كان نصفه له ونصفه لصاحبه، فهي إفراز فيما كان منه له، وبيع فيما كان لصاحبه، فإذا قلنا: هي بيع .. امتنع في الربوي التفرق قبل التقابض وقسمة المكيل وزنًا وعكسه وقسمة الرطب والعنب، ويجوز جميع ذلك على الإفراز، وإنما يشترط في الإفراز إمكان القسمة.

وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: الزرع لا تجوز قسمته خرصًا، وكذلك الثمار غير الرطب والعنب؛ فالأصح فيهما الجواز. واختار لشيخ في قسمة الرطب والعنب على الشجر المنع وفاقًا للبغوي والمحاملي، قال: وإن قلنا بالإفراز؛ لأن الخرص ظن لا يعلم به نصيب كل واحد على الحقيقة. وفي (الزكاة) جوز؛ للحاجة مع كون شركة المساكين ليست بشركة حقيقة بدليل أنه يجوز أداء حقهم من موضع آخر. فرع: قسمة الوقف عن الملك، إن قلنا: إنها بيع .. لا تجوز، وإن قلنا: إفراز .. جازت، واختاره الروياني والمصنف في زوائد (الروضة)، ومستندهما المصلحة، قال الشيخ: وليس هو الصحيح من مذهب الشافعي، ولا عله الفتوى ولا عمل القضاة الشافعية، وهذا حيث رد أو كان رد من أصحاب الوقف، فإن كان من المالك .. لم يجز، وأما قسمة الوقف بين أربابه .. فلا تجوز على القولين؛ لأن فيها تغير شرط الواقف. وقيل: يجوز على الإفراز إذا قلنا: الملك في الوقف للموقوف عليه؛ ليرغبوا في العمارة ولا يتواكلوا، فإذا انقرض البطن الأول وصار للبطن الثاني .. انتقضت القسمة. قال: (ويشترط في الرد الرضا بعد خروج القرعة)؛ لأنها بيع، والبيع لا يخرج بالقرعة، فافتقر إلى التراضي بعد خروجها. وقال الإصطخري: لا يشترط، ويلزم من خرج له الأكثر بدل ما يقابل الزائد قياسًا على قسمة الإجبار، فإن القرعة فيها ملزمة، وضعفه الأصحاب، وفرقوا بأن هذه القسمة يُعتبر التراضي في ابتدائها، بخلاف الإجبار.

وَلَوْ تَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ مَا لاَ إِجْبَارَ فِيهِ .. اشْتُرِطَ الرِّضَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ فِي الأَصَحِّ، كَقَوْلِهِمَا: رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ، أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ. وَلَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ غَلَطٌ أَوْ حَيْفٌ فِي قِسْمَةِ إِجْيَارٍ .. نُقِضَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه .. اشترط الرضا بعد القرعة في الأصح) كما لو حكما رجلاً فحكم بينهما، والخلاف هنا كالخلاف هناك. قال: (كقولهما: رضينا بهذه القسمة، أو بما أخرجته القرعة)، وكذا رضينا بما جرى، ولا يشترط لفظ البيع وإن جعلنا القسمة بيعًا. وقيل: لا بد من لفظ البيع أو التمليك. وقيل: لا يكفي قولهما: رضينا بما جرى، أو بهذا، بل لا بد من لفظ القسمة؛ ليؤدي معنى التمليك والتملك. مهمة: في كلام المصنف نظر من وجوه: منها: أن الخلاف في (الشرحين) قولان. ومنها: أنه انعكست عليه المسألة فجعل الخلاف فيما لا إجبار فيه، وهو قسمة الرد فقط، والخلاف إنما هو فيما فيه الإجبار، والظاهر أن المصنف أراد أن يكتب ما فيه إجبار فكتب: ما لا إجبار فيه، ويجوز أن تكون عبارة المصنف ما الإجبار فيه بالألف واللام، ثم تصحفت الألف واللام ألفًا. ومنها: أنه ذكر المسألة بعينها قبل هذا من غير فصل فقال: (ويشترط في الرد الرضا بعد خروج القرعة). ومنها: أنه مع تكراره غاير في الجواب، فجزم به أولاً، وحكى فيه الخلاف ثانيًا وجعله قويًا، وهو عكس ما في (الروضة)؛ فإنه عبر فيها بالصحيح، والمذكور في (الشرح) و (الروضة) هو الصواب، وهذا نبه عليه الشيخ برهان الدين الفزاري في اعتراضاته على الكتاب. قال: (ولو ثبت ببينة غلط أو حيف في قسمة إجبار .. نقضت) كغيرها من

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَاهُ وَاجِدٌ .. فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخصومات، فإن المدعي على الحاكم الجور في الحكم إن أقام بينة على ظلمه .. نقض. قال الشيخ أبو حامد وغيره: وطريقه أن يحضر قاسمين حاذقين؛ لينظرا ويمسحا فيعرفا الحال ويشهدا به. وأفهم إطلاقه (الغلط) أنه لا فرق بين الفاحض وغيره، أما إذا لم تقم بينة بذلك .. فليس له تحليف القاسم كما لا يحلف القاضي، ويغني عن البينة – كما قال أبو الفرج – ما إذا علم أنه يستحق ألف ذراع وبيده سبع مئة مثلاً. قال: (فإن لم تكن بينة وادعاه واجد .. فله تحليف شريكه)؛ لأن له فيه غرضًا ظاهرًا، فإن نكل وحلف المدعي .. نقضت القسمة كما لو أقر، وإن حلف .. مضت على الصحة. فرع: في (فتاوى القفال): لو كان بين الصبي ووليه حنطة مشتركة .. لم يصح أن يقاسمه بنفسه، سواء قلنا القسمة بيع أو إفراز؛ لأنه لا يجوز أن يبيع من نفسه ولا أن يقبض من نفسه. حادثة: سئل ابن الصلاح عن بستان بين اثنين، أجر أحدهما حصته مشاعًا، ثم أرادا قسمته، هل تصح؟ وإذا صحت .. فكيف حكم المستأجر في انتفاعه؟ أجاب: تصح القسمة على الصحيح، ويبقى حق المستأجر على الإشاعة ولا ينحصر في حصة المؤجر. اهـ. والذي قاله صحيح، وقضيته: أنه لا يمكن أحدهما من إحداث فواصل بين القسمين قبل انقضاء مدة الإجارة، بل يفضل بعلامة لا ينقص بها انتفاع المستأجر بجزء من الأرض.

وَلَوِ ادَّعَاهُ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِلْغَلَطِ، فَلاَ فَائِدَةَ لِهذِهِ الدَّعْوَى. قُلْتُ: وَإِنْ قُلْنَا: إِفْرَازٌ .. نُقِضَتْ إِنْ ثَبَتَ، وَإِلاَّ .. فَيَحْلِفُ شَرِيكُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ اسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ شَائِعًا .. بَطَلَتْ فِيهِ، وَفِي الْبَاقِي خِلاَفُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو ادعاه) أي: الغلط وعين قدره (في قسمة تراض وقلنا: هي بيع .. فالأصح: أنه لا أثر للغلط، فلا فائدة لهذه الدعوى) كما لا أثر للغبن في البيع والشراء. والثاني: أنها تنقض؛ لأنهما تراضيا لاعتقادهما أنها قسمة تعديل. وقوله: (قسمة تراض) تشمل قسمة الرد وغيرها من الأنواع الثلاثة. وقوله: (لا أثر للغلط فلا فائدة لهذه الدعوى) يجب أن يكون في غير قسمة الربوي. قال: (قلت: وإن قلنا: إفراز .. نقضت إن ثبت)؛ لأن الإفراز لا يتحقق مع التفاوت. وإذا نصبا قاسمًا وقلنا: لا يعتبر الرضا .. فهو الحاكم؛ لوقوع الجبر. قال: (وإلا) أي: وإن لم يثبت (.. فيحلف شريكه والله أعلم) هذا كله إذا اعتبرنا الرضا بعد خروج القرعة، فإن لم نعتبره .. فالحكم كما إذا ادعى الغلط في قسمة الإجبار، لكن يستثنى من إطلاقه ما إذا كان المقسوم ربويًا وتحقق الغلط في كيل أو وزن .. فإن القسمة باطلة لا محالة؛ للربا، فإطلاقه محمول على غير الربوي. قال: (ولو استحق بعض المقسوم شائعًا .. بطلت فيه، وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة) فيبطل في قول ويصح في آخر ويثبت الخيار، وهذا هو الأصح. وقال أبو إسحاق: تبطل القسمة قولاً واحدًا؛ لأن المقصود القسمة تميز الحقوق، وبالاستحقاق يصير المستحق شريك كل واحد، قال في (المهمات): الأصحاب في هذه المسألة على ثلاثة أقسام:

أَوْ مِنَ النَّصِيبَيْنِ مُعَيَّنٌ سَوَاءً بَقِيَتْ، وَإِلاَّ .. بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم: طائفة لم يتعرضوا لها. وآخرون: صححوا فيها ما صححه المصنف. والأكثرون: ذهبوا إلى البطلان، وهو المفتى به في المذهب؛ لأن ما قاله الرافعي والمصنف في تفريق الصفقة. قال: (أو من النصيبين معين سواء بقيت، وإلا .. بطلت) المراد: إذا استحق شيء معين فينظر: إن اختص المستحق بنصيب أحدهما أو كان المستحق من نصيب أحدهما أكثر .. بطلت القسمة؛ لأن ما يبقى لكل أحد لا يكون قدر حقه، بل يحتاج أحدهما إلى الرجوع على الآخر وتعود الإشاعة. وإن كان المستحقان من نصيبهما سواء .. ثبتت القسمة في الباقي كما جزم به المصنف، وفيه وجه آخر: أنها تبطل لمعنى التفريق. والمراد: بطلانها في الظاهر، وإلا .. فبالاستحقاق يتبين أن لا قسمة. لكن يستثنى من الإبطال ما قاله الشيخ عز الدين فيما إذا وقع في الغنيمة عين لمسلم أخذها منه الكفار، ولم يعلم بها إلا بعد القسمة .. فإنها ترد على صاحبها، ويعوض عنها من وقعت في نصيبه من خمس الخمس، ولا تنقض القسمة. قال: هذا إذا كثر الجند، فإن كانوا قليلاً كعشرة مثلاً .. فينبغي أن تنقض؛ إذ لا عسر في إعادتها. تتمة: تنازعا بيتًا في دار اقتسماها، فكل يدعي أنه وقع في سهمه، ولا بينة .. تحالفا، ونقضت القسمة كالمتبايعين. وقال الشيخ أبو حامد: إن اختص أحدما باليد على ما فيه النزاع .. صدق بيمينه، وهذا حكاه الماوردي عن مالك. وإذا ادعى أحدهما القسمة وأنكرها الباقون، فإن لم تكن متعلقة بقاسم من جهة الحاكم .. فالقول قول الباقي، وإن تعلقت بقاسم القاضي .. فالرجوع إليه؛ لأنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حاكم أو شاهد، ولو قسم إجبارًا وهو على ولايته .. قبل قوله: قسمت، كقول الحاكم في حال ولايته: حكمت، وإلا .. لم يسمع قوله ولا شهادته لأحدهما على الأصح. * ... * ... * خاتمة تقدم جماعة في أيديهم دار أو أرض أو منقول إلى القاضي، وطلبوا القسمة بغير إقامة بينة .. فالأصح عند الإمام والغزالي: أنه يجيبهم، وعند الشيخ أبي حامد وطبقته: أنه لا يجيبهم، وهذا صححه المصنف في زوائده. قال في (المهمات): محل هذا الخلاف إذا لم يكن لهم منازع، فإن كان .. لم يجبهم قطعًا، والمسألة مخرجة على أن تصرفات الحاكم حكم أم لا؟ وقد تقدمت في (النكاح). وإذا رهنا شيئًا وانفك نصيب أحدهما فأراد القسمة .. فهذه تقدمت في (الرهن) قبيل (فصل اختلفا في الرهن). والمنافع تقسم بالمهايأة مياومة أو مشاهرة أو مساناة ونحو ذلك؛ لأن المنافع كالأعيان، وقد رضي المتأخر منهما بالتأخير، ويخالف المهايأة في لبن البقرة المشتركة؛ فإنه لا يجوز، لأنه ربوي مجهول، وكذلك الشجرة المثمرة لتكون ثمرتها لهذا عامًا ولهذا عامًا؛ لما فيه من الزيادة والنقصان، وطريقهما: أن يبيح كل واحد لصاحبه مدة، ونفقة العين المعتادة على ذي النوبة، وكذا المؤن النادرة كالفطرة والفصد في الأصح، وقيل: عليهما. * ... * ... *

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات

كِتَابُ الشَّهَادَاتِ شَرْطُ الشَّاهِدِ: مَسْلِمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الشهادات هي جمع شهادة، وهي: الإخبار بما شوهد وعلم بلفظ خاص مأخوذ من الشهود وهو الحضور. قال الجوهري: الشهادة خبر قاطع، والشاهد: حامل الشهادة ومؤديها؛ لأنه مشاهد لما غاب عن غيره. وقيل: مأخوذة من الإعلام، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} أي: أعلم وبين. والأصل فيها: قوله تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}، وقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ}، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وهذا أمر إرشاد. وروى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة فقال: (هل ترى الشمس؟) قال: نعم، قال: (على مثلها فاشهد أو دع) صححه الحاكم [4/ 98]، وضعفه البيهقي [10/ 156]. وافتتح الباب في (المحرر) بحديث: (أكرموا الشود؛ فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم) رواه العقيلي [1/ 64] عن ابن عباس وضعفه، ورواه الخطيب البغدادي [5/ 94] وابن النجار، والبانياسي في (جزئه) المشهور، والنقاش في كتاب (القضاة والشهود)، وابو منصور الديلمي في (مسند الفردوس) بإسناد غريب. وقال الذهبي في (الميزان) [4/ 355]: إنه حديث منكر. ولأن الحاجة داعية إليها، ولا خلاف بين المسلمين فيها. قال: (شرط الشاهد: مسلم) قلا تقبل شهادة الكافر على مسلم ولا كافر؛ لقوله تعالى: {شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ}، والكافر ليس من رجالنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي عبارة المصنف تجوز، والذي في (المحرر) و (الروضة) وغيرهما الإسلام والحرية والتكليف، وهو الصواب. وقبل أبو حنيفة شهادة بعض الكفار على بعض، وأحمد في الوصية عند فقد المسلم؛ لقوله تعالى {أَوْءِاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} عملاً بتفسير ابن عباس وأبي موسى الأشعري. وعورضا بقول الحسن والزهري وغيرهما: من غير عشيرتكم، وأيده الشافعي بقوله تعال: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ}، والصلاة للمسلمين. وقيل: الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِّنكُمْ}، وأنكر ابن حزم دعوى النسخ فيها؛ لأن المائدة من آخر ما نزل لم ينسخ منها شيء، ولا خلاف أنها نزلت بسبب تميم الداري وعدي بن بداء. روى البخاري [2780] والدارقطني [4/ 168] وغيرهما عن ابن عباس قال: كان تميم الداري وعدي يختلفان إلى مكة، فخرج معهما فتى من بني سهم، فتوفي بأرض ليس بها مسلم، فأوصى إليهما فدفعا تركته إلى أهله، وحبسا جامًا من فضة مخوصًا بالذهب، فاستحلفهما النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كتمتما ولا اطلعتما؟) ثم وجد الجام بمكة فقالوا: اشترينا من عدي وتميم، فجاء الرجلان من ورثة السهمي فحلفا أن هذا الجام للسهمي، ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا قال: (فأخذوا الجام) وفيه نزلت هذه الآية، لفظ الدارقطني. وروى الترمذي [3059] عن تميم الداري في هذه الآية: أن تميمًا وعدي بن بداء كانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام بتجارتهما وقدم عليهما مولىَ لبني سهم يقال له: بديل ابن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك، وهو عظم تجارته، فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناها أنا وعدي بن بداء، فلما قمنا إلى أهله .. دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام، فسألونا عنه فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره.

حُرٌّ، مُكَلَّفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمس مشة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستخلفوا بما يعظم على أهله دينه فحلف فأنزل الله تعالى الآية قم قال: حديث غريب ليس إسناده بصحيح. وقال أبو عمر وغيره: ولا يعرف لعدي إسلام وهو الصواب، خلافًا لابن منده وأبي نعيم. واحتج الأصحاب بأن المعروف بالكذب ومرتكب الكبيرة من المسلمين لا تقبل شهادته، والكافر يكذب على الله، وشهد الله بكذبه وفسقه، وهو متلبس بأكبر الكبائر فأولى أن لا تقبل شهادته. وفي (سنن البيهقي) [10/ 163]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم إلا المسلمون؛ فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم). قال: (حر) فلا تقبل شهادة الرقيق قنًا كان أو مكاتبًا أو مدبرًا أو مبعضًا أو أم ولد؛ لأنه ناقص الحال قليل المبالاة، فلا يصلح لهذه الأمانة، ووافقنا أبو حنيفة على عدم قبول شهادته، وقبلها أحمد وإسحاق وابن المنذر، وقال الطبري: إنه القياس؛ إذ ليس للحرية أثر في التصديق والتكذيب، وحكى الشيخ تاج الدين الفزاري في (فتاويه) عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال: أنا أعتقده، وقبل الشعبي والنخعي شهادته في الشيء التافه. قال: (مكلف) فلا تقبل شهادة الصبي؛ لأنه لا حكم لقوله ولو كان مراهقًا. وقبل مالك شهادة الصبيان في الجراحة الحاصلة بينهم في اللعب ما لم يتفرقوا، وجعله الهروي قولاً للشافعي، وعن أحمد قولان كمذهبنا ومذهب مالك.

عَدْلٌ، ذُو مُرُوءَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا: ما روى الحاكم [2/ 286] عن ابن عباس: أنه سئل عن شهادة الصبيان فقال: قال الله تعالى: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وليسوا ممن نرضى. ولا تقبل شهادة المجنون؛ لأنه إذا لم تقبل شهادته على نفسه .. فعلى غيره أولى. قال: (عدل) وهو الذي اعتدلت أحواله دينًا ومروءة، فلا تقبل شهادة الفاسق؛ لقوله تعالى: {إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. وروى أبو داوود [3596] عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية). وقبله أبو حنيفة إذا غلب على الظن احترازه عن الكذب، لكن يستثنى منه إذا كان فسقه من جهة الدين كأهل الأهواء .. فإنهم فساق وتقبل شهادتهم وروايتهم على الصحيح الذي استمر عليه عمل السلف والخلف. وقال الروياني: إذا جلس الشهود عند عقد النكاح على الحرير .. لا ينعقد؛ لأن التحمل للشهادة كالأداء. وقال بعض أصحابنا بخراسان: ينعقد، ولا نحكم بفسقهم بهذا القدر إذا لم يواظبوا عليه ولم يتكرر، قال: وهذا أصح عندي؛ لأن الصحيح: أن ذلك معدود من الصغائر كما سيأتي. وروى البيهقي في (الشعب) [4885] عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مدح الفاسق في الأرض .. غضب الرب، واهتز له عرش الرحمن). قال: (ذو مروءة)؛ لأن من لا مروءة له .. لا يستحي، ومن لا يستحي .. يصنع ما يشاء. و (المروءة) بالهمز، ويجوز تركه مع تشديد الواو، وقيل: الرجولية، وقيل: الإنسانية، وقيل: أن لا يعمل عملاً في السر يستحي منه في العلانية، وحفظها من الحياء ووفور العقل، وطرحها إما لخبل أو قلة حياء وعدم مبالاة بنفسه. و (ذو المروءة): من يصون نفسه من الأدناس، ولا يشينها عند الناس، وقيل: من يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه.

غَيْرُ مُتَّهَمٍ، وَشَرْطُ الْعَدَالَةِ: اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَالإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يشترط أن يكون الشاهد معصومًا عن المعاصي كلها؛ فإنه لا معصوم إلا من عصم الله. قال: (غير متهم)؛ لقوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا}، والريبة حاصلة بالمتهم. وروى الحاكم [4/ 99] على شرط مسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة) فـ (الظنة): التهمة، و (الحنة): العداوة. وأهمل المصنف شرطًا سابعًا وهو: النطق، فشهادة الأخرس لا اعتبار بها، وثامنًا وهو: أن لا يكون محجوزًا عليه، ونقله في (الروضة) عن الصيمري، وجزم به الرافعي في (كتاب الوصية) ثم قال: فإن كان كما قال .. فهو شرط آخر غير ما تقدم. واعترضه ابن الرفعة بأن السفه في المال مؤذن بخبل في العقل، فهو داخل فيما تقدم. وجزم في (الجواهر) بقبول شهادة السفيه إذا كان سفهه بالتبذير وهو متصف بصفات العدالة، ولعل هذا في غير المحجور عليه وذاك في المحجور عليه. قال: (وشرط العدالة: اجتناب الكبائر) أي: جميعها، فيفسق بواحدة منها؛ لأن الله تعالى حكم في قذف المحصنات برد الشهادة، وفيه تنبيه على ردها بجميع الكبائر. قال: (والإصرار على صغيرة) فلا يشترط أن لا يقع منه، بل المضر الإصرار عليها؛ لأن الصغائر قل من يسلم منها إلا من عصم الله، قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} وهي الصغائر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعتبر الشافعي الأغلب، فإن كان الغالب الطاعة وندرت المعصية في بعض الأوقات .. فهو عدل، وإن كان الغالب الصغائر .. فهو فاسق وترد شهادته؛ لقوله تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم}، فاعتبر الكثرة والغلبة؛ لأن في النفس دواعي الطاعات ودواعي المعاصي فاعتبر الأغلب كما قيل [من الرجز]: من لك بالمحض وليس محض .... يخبث بعض ويطيب بعض وهو كما يعتبر في الماء إذا اختلط بمائع. وفسر الرافعي الإصرار بالمداومة على الفعل، لكنه قال: هل هو المداومة على نوع من الصغائر أو الإكثار من الصغائر سواء كانت من نوع أو أنواع؟ فيه وجهان، كلام الشافعي والجمهور يوافق الثاني. فعلى هذا: لا تضر المداومة على نوع من الصغائر غذا غلبت الطاعات، وعلى الأول تضر. وقال ابن عبد السلام: الإصرار: أن تتكرر منه الصغيرة تكرارًا يشعر بقلة مبالاته بذنبه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك، قال: وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر به الإصرار على أصغر الصغائر. وعطف المصنف (الإصرار) على (الكبائر) من عطف الخاص على العام؛ لأن الإصرار كبيرة. وحكى الزبيلي في (أدب القضاء) وجهًا: أنها لا تصير بالإصرار كبيرة، كما أن الكبيرة لا تصير بالمواظبة كفرًا. وقال الأستاذ أبو إسحاق: ليس في الذنوب صغيرة، ولم ينفرد بذلك؛ فقد قال به ابن عباس وطوائف من المتكلمين، ونسبه القاضي عياض إلى المحققين، وهو مشهور عند الأشعرية وإن كان غريبًا عند الفقهاء. وقال في (البسيط): إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقه، وقد فهما من مدارك الشرع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ عز الدين: المعاصي والطاعات إنما تكون كذلك بحسب ظن فاعلها، فمن أتى مصلحة يظنها أو يعتقدها مفسدة ثم ظهر كذب ظنه كما لو قتل من يظنه معصومًا فبان مستحق القتل ونحو ذلك .. فإنه يعصي ويفسق، وينعزل عن ولايته، وترد شهادته وروايته، لكن لا يحد؛ لعدم تحقق المفسدة. ومن أتى مفسدة يظنها مصلحة واجبة أو مندوبة أو مباحة كما لو وطىء امرأة يظنها زوجته فبانت أجنبية .. لم يعص، ولم يقدح في شهادته. قال: وقد يكون الشيء في الظاهر معصية، لكن تقترن به نية صالحة تخرجه عن ذلك كالشهادة على المكوس، وأخذ الظلمة الأموال إذا قصد بها الشاهد حفظها على أربابها، والشهادة لهم ليرجعوا به في وقت آخر عند إمكانه برجوع السلطان إلى العدل أو تولية عدل، فإن ذلك يجوز، وإن قصدوا إعانة الظلمة .. لم يجز، ويجوز أن يأخذوا الأجرة بنية ردها إلى أربابها، إلا أن يكونوا من العلماء الذين يقلدهم الناس .. فلا يجوز؛ لأنهم لا يطلعون على نياتهم. وللأصحاب في حد الصغيرة والكبيرة وجوه: أحدها: الكبيرة الموجبة للحد. الثاني: ما يلحق صاحبه الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة، وهذان الوجهان أكثر ما يوجد لهم، وهم إلى ترجيح الأول أميل، ولكن الثاني أمثل؛ فإن أكل الربا ومال اليتيم وقطع الرحم والعقوق والسحر والنميمة وشهادة الزور وغيرها من الكبائر، ولا حد فيها. الثالث: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة. الرابع: كل فعل نص الكتاب على تحريمه، وكل معصية توجب حدًا. الخامس: في (روضة الحكام) ما يوجب الحد أو القتل عمدًا بغير حق أو شبه عمد. السادس: ما أوجب الحد أو الوعيد، ذكره في (الحاوي). السابع: عن الحليمي: كل محرم لعينه منهي عنه لمعنى في نفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتحقيق: أنها كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن، أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك. وقد أعرض جماعة عن حدها واقتصروا على عدها، فقال الروياني: هي سبع، وقال ابن عباس هي إلى السبع مئة أقرب. منها: السبع الموبقات، وشهادة الزور، والإفطار في رمضان بلا عذر، واليمين الفاجرة، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم الصلاة على وقتها وتأخيرها عنه بلا عذر، وكتمان الشهادة بلا عذر، وأخذ الرشوة، والديانة والقيادة، والسعاية عند السلطان، ومنع الزكاة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا عذر، ونسيان القرآن بعد تعلمه؛ لما روى أبو داوود [462] والترمذي [2916]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها) لكن في إسناده رجل ضعيف. ومن الكبائر إحراق الحيوان بالنار، والنشوز، والظهار، واليأس من رحمة الله، والأمن من مكره، وأكل لحم الخنزير والميتة بلا ضرورة، والوطء في الحيض، والشرب من آنية الذهب والفضة، والتختم بالذهب للرجال، ولبس الحرير بلا ضرورة، وأخذ المال غصبًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (صحيح البخاري) [216]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل النميمة كبيرة). وفي (الأذكار) [1/ 431]: أن رجلاً أتى إلى عمر بن عبد العزيز فذكر له عن رجل شيئًا فقال: إن شئت .. نظرنا في أمرك، فإن كنت صادقًا .. فانت من أهل هذه الآية: {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}، وإن كنت كاذبًا .. فأنت من أهل هذه الآية: {هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}، وإن شئت .. عفونا عنك، قال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إلى ذلك أبدًا. قال: ورفع رجل رقعة إلى الصاحب ابن عباد يحثه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالاً كثيرًا، فكتب على ظهرها: النميمة قبيحة وإن كانت صحيحة، والميت يرحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمَّره الله، والساعي لعنه الله. وقال أبو طالب المكي: الكبائر سبع عشرة: أربع في القلب: الإشراك بالله، والإصرار على معصية الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكره. وأربع في اللسان: قذف المحصنات، وشهادة الزور، والسحر، واليمين الغموس. وثلاث في البطن: أكل أموال اليتامى ظلمًا، وأكل الربا وهو يعلم، وشرب كل مسكر. واثنان في الفرج: الزنا واللواط. واثنان في اليد: القتل والسرقة. وواحدة في الرجل: الفرار من الزحف. وواحدة في جميع الجسد: عقوق الوالدين. ومن الصغائر: النظر إلى ما لا يجوز، والضحك من غير عجب، والكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر، والاطلاع في بيوت الناس، وهجر المسلم فوق ثلاث، والنياحة والصياح وشق الجيب في المصائب، والجلوس مع الفساق إيناسًا لهم،

وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ عَلَى الصَّحِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والصلاة المكروهة في الأوقات المنهي عنها، والبيع والشراء في المسجد، وإمامة القوم وهم له كارهون، والكلام والإمام يخطب، والوصال في الصوم على الأصح، والاستمناء، وكثرة الخصومات وإن كان محقًا؛ لأن الخصومة لجاج في الكلام يوغر الصدر، ويهيج الغضب، ويورث الحقد، ويطلق اللسان في العرض، فمن خاصم .. تعرض لهذه الآفات، والخصومة مبدأ الشر. روى الترمذي [1994] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (كفى بك إثمًا أن لا تزال مخاصمًا). ومنها: الغيبة، وفي إطلاق القول بأنها من الصغائر نظر؛ فقد نقل القرطبي وغيره الإجماع على أنها من الكبائر، وقد غلظ أمرها في الكتاب والسنة، ولم يصرح من الأصحاب بكونها صغيرة إلا الغزالي وصاحب (العدة). وقال في (البحر): لو نوى العدلُ فعل كبيرة غدًا كالزنا أو القتل .. لم يصر به فاسقًا، بخلاف نية الكفر؛ لأن نية الاستدامة شرط في الإيمان، بخلاف هذا. اهـ وهذا ينبني على أن أفعال القلوب يؤاخذ بها، وورد في ذلك وعكسه أخبار، وحرره الغزالي فقال: الذي يرد على القلب أربعة أشياء: الخاطر وهو: حديث النفس، ثم بعده الميل، ثم بعدهما الاعتقاد، ثم العزم بعدها. فالخاطر والميل لا يؤاخذ بهما، والعزم يؤاخذ به قطعًا، وأما الاعتقاد .. فقد يكون اختياريًا فيؤاخذ به، وقد يكون اضطراريًا فلا يؤاخذ به. قال: (ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد .. فقد عصى الله ورسوله) رواه مالك [2/ 958] وأحمد [4/ 394] وأبو داوود [4899] وابن ماجه [3762] وابن حبان [5872] والحاكم [1/ 50] من حديث أبي موسى الأشعري. وفي (صحيح مسلم) [2260] من رواية بريدة: (من لعب بالنردشير .. فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه). والفرق بينه وبين الشطرنج: أن الشطرنج وضعت لصحة الفكر والتدبير، فهي

وَيُكْرَهُ شِطْرَنْجٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعين على الحروب، والنرد مصادفة كالأزلام، كذا قال ابن الرفعة وغيره، ومن هنا يؤخذ تحريم الطاب كما سيأتي. والثاني: أن الترد مكروه كالشطرنج، لكن كراهته شديدة، ونقل الشيخ موفق الدين الحنبلي في (المغني) الإجماع على تحريم اللعب به، ولعله محمول على ما إذا قامر به كما هو الغالب، ثم على القول بتحريمه: الصحيح: أنه من الصغائر، وصحح الإمام أنه من الكبائر. وقال الماوردي: النرد موضوع على البروج الاثني عشر والكواكب السبعة؛ لأن بيوته اثنا عشر، ونقطه من جانبي الفص سبعة، وهو فارسي معرب، ومعنى شير: حلو، وأول من وضعه أزدشير بن بابك. قال: (ويكره شطرنج) وهو بفتح الشين وكسرها والفتح أشهر. روى البيهقي [10/ 212] عن علي: أنه مر بقوم يلعبون به فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) وفي رواية [10/ 212]: (صاحبه أكذب الناس، يقول: قتلت، وما قتل). وعن وائلة بن الأسقع أنه قال: إن الله لينظر إلى الخلق كل يوم مئة وستين نظرة، ليس لصاحب الشطرنج منها نصيب. وسئل الأستاذ الإسفراييني عنه فقال: إذا سلمت اليدان من الخسران والصلاة من النقصان واللسان عن البهتان .. أرى ذلك أنسًا بين الخلان. وأما تسمية الفرس والفيل .. فقال الروياني: لا يضر؛ لأنها مجازات. والوجه الثاني: أنه حرام كالنرد، واختاره الروياني، وبه جزم الحليمي والأئمة الثلاثة، وإليه ذهب جمهور العلماء. وسئل مالك عنه فقال: أحق هو؟ قالوا: لا، قال: فماذا بعد الحق إلا الضلال.

فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَالٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ .. فَقِمَارٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وانفرد الغزالي بأنه مباح يصير بالمواظبة عليه مكروهًا، قال الرافعي: لأن اللعب به روي عن عبد الله بن الزبير وأبي هريرة وابن عباس وابن سيرين وأبي عمرو بن العلاء، وأقر لاعبه عمر والحسن بن علي، وكان يلعب به استدبارًا سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وهشام بن عروة والشعبي والشافعي، كذا حكاه عنهم ابن شاكر في (مناقب الشافعي). وظاهر كلام الرافعي: أن المراد بابن الزبير: الصحابي، ولهذا قدمه على أبي هريرة، وليس كذلك، بل المراد هشام بن عروة بن الزبير، كذا رواه البيهقي في (المعرفة) عن الشافعي. وعلى الصحيح: قال الزبيلي: هو من الصغائر، فلو لعبه مستحله مع من يعتقد تحريمه .. فالأرجح عند الشيخ: التحريم؛ لما فيه من مساعدة الآخر على المعصية، وهو كالبيع وقت النداء مع من لا تلزمه الجمعة. وقد تقدم في (السير) حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بالأزلام والشطرنج والنرد .. فلا تسلموا عليهم). وروى البيهقي [10/ 216] عن الشافعي أنه قال: اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة. قال: (فإن شرط فيه مال من الجانبين .. فقمار)، فيحرم حينئذ، واشار في (الأم) إلى نقل الإجماع فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا أخرج أحدهما المال ليبذله إذا غُلب ويمسكه إذا غَلب .. فليس بقمار، ولا ترد به الشهادة، ولكنه عقد مسابقة على ما ليس من آلات القتال فلا يصح. ويشترط أن لا يقترن به فحش، ولا إخراج صلاة عن وقتها عمدًا، فإن وجد ذلك .. ردت به الشاهادة إن تكرر، واستشكله الشيخان؛ لما فيه من معصية الغافل الساهي. والجواب: أنه لما عاد إليه وهو يعلم أنه يورث النسيان .. كان مستخفًا متهاونًا. فرع: أفتى الشيخ رحمه الله بتحريم اللعب بالطاب؛ لأن المعتمد فيه على ما تخرجه الجرائد الأربع، وسئل عنه شيخنا فأجاب بالكراهة كالشطرنج، والتحريم فيه أظهر؛ لما تقدم عن ابن الرفعة في النرد، وهو مأخوذ من قول الرافعي: ما يعتمد فيه على إخراج اللاعبين الكعبين؛ أي: الحصى ونحوه كالنرد، وما يعتمد فيه على الفكر كالشطرنج. وكره في (الأم) اللعب بالمنقلة وشطرنج المغاربة، كما هو مبين في (المطلب) و (الجواهر) و (المهمات). وأما الكنجفة، فإن كان فيها عوض .. فحرام بلا شك؛ لأنه قمار. واللعب بالخاتم مقتضى كلام الرافعي في (باب المسابقة) تجويزه، وبه صرح الصيمري هنا. وأما اللعب بالحمام .. فأطلق الشافعي كراهته كالشطرنج، وقال القاضي حسين: هذا إذا لم يسرق فيه طيور الناس، فإن فعل .. فهو حرام ترد به الشهادة، واتخاذها للفراخ أو حمل البطائق يجوز. قال الحليمي: ويحرم التحريش بين الديوك والكباش؛ لما فيه من إيلام الحيوان بلا فائدة، ويحرم التفرج على هذه الأشياء المحرمة؛ لأن فيه إعانة لهم على ذلك وحثًا عليها.

وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ وَسَمَاعُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكره اللعب بالمراجيح. قال: (ويباح الحداء وسماعه)؛ لما روى النسائي في (عمل اليوم والليلة) [532]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن رواحة: (حرك بالقوم) فاندفع يرتجز، وكان يحدو بالرحال. وروى البيهقي [10/ 227]: أن البراء بن مالك كان يحدو بهم أيضًا. وروى الشيخان [خ6149 - م2323/ 70] عن أنجشة العبد الأسود: أنه حدا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أنجشة؛ رفقًا بالقوارير) أراد النساء، وشبههن بالقوارير من الزجاج؛ لأنه يسرع إليها الكسر، وغذا كسرت لا تنجبر، وذلك أن الإبل إذا سمعت الحداء .. أسرعت في المشي، واشتدت فأزعجت الراكب وأتعبته، فنهاه عن ذلك؛ لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة. وواحد القوارير: قارورة، سميت بذلك لاستقرار المائع فيها. و (الحداء) بضم الحاء وبالمد كما ضبطه المصنف بخطه، وهو كذلك في (المحكم) و (الصحاح) وغيرهما، ويقال له: الحدو أيضًا، وهو تحسين الصوت الشجي بالرجز المباح وغيره؛ ليخفف الكلال، ويحدث نشاط النفس، فلم يكن له من الكراهة وجه سواء فيه الحادي والمستمع. وفي (الإحياء) و (رسالة القشيري) عن أبي بكر الدينوري: أنه كان بالبادية،

وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ بِلاَ آلَةٍ وَسَمَاعُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فأضافه رجل، فرأى عنده عبدًا أسود مقيدًا، فسأله عنه فقال مولاه: إنه ذو صوت طيب، وكانت لي عيس حملتها أحمالاً ثقيلة، وإنه حداها فقطعت مسيرة ثلاثة أيام في يوم، فلما حطت أحمالها .. ماتت كلها، قال: فشفعت فيه فشفعني، ثم سألته أن يحدو لي: فرفع صوته، فسقطت لوجهي من طيب صوته، حتى أشار عليه مولاه بالسكوت. قال: (ويكره الغناء بلا آلة وسماعه)؛ لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}؛ قال ابن مسعود: هو والله الغناء رواه الحاكم [2/ 411] وقال: صحيح الإسناد، وروى البيهقي [10/ 221] بإسناد حسن: أنه الملاهي. وقال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ} وهو الغناء والمزامير والملاهي؛ لأنها أصوات كلها مختصة بالمعاصي، فهي مضافة إلى الشيطان. وفي (سنن البيهقي) [10/ 223] عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) والأصح: وقفه عليه. وقال الغزالي: لا دلالة فيه؛ لأن كثيرًا من المباحات كلبس الثياب الجميلة ونحوها تنبت النفاق في القلب، وليس بمكروه. وقال القاضي أبو بكر بن العربي وابن حزم: لم يرد نص كتاب بتحريمه، ولا صحت به سنة، فهو مباح، لا سيما وقد ورد إباحته عن جماعة من الصحابة والتابعين. وفي وجه حكاه أبو الفرج الزاز: يحرم سماع كثيره دون قليله. وفي وجه: يحرم مطلقًا، وبه جزم الرافعي في (البيع) و (الغضب) فقال: إنه معصية، وتابعه المصنف في الموضع الثاني وحذف الأول. والغناء من الصوت ممدود، ومن المال مقصور. وكان الأحسن أن يعبر بـ (الاستماع) لا بالسماع، وحيث قلنا: يكره الإنشاد والاستماع .. فذلك إذا كان من زوجته أو أمته، فإن كان من امرأة أجنبية .. فهو أشد كراهة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى القاضي أبو الطيب تحريمه، وهذا هو الخلاف في أن صوتها عورة. وإن كان في السماع منها خوف فتنة .. فحرام بلا خلاف، وكذا السماع من صبي تخاف منه الفتنة. قال الشافعي: إذا صار الإنسان منسوبًا إلى الغناء وسمي به فيقال: فلان مغنٍ، يأخذ على غنائه أجرًا، ويدعوه الناس إلى دورهم أو يغشونه لذلك في داره .. فهو سفيه مردود الشهادة؛ لأنه تعرض لأخبث الأكساب، ونسب إلى أقبح الأنساب. وأما تحسين الصوت بقراءة القرآن .. فمسنون، والقراءة بالألحان الموضوعة للأغاني إذا أفرط فيه في المد والإشباع والحركات .. فالصحيح: أنه حرام، وقال الماوردي: يفسق به القارىء، ويأثم به المستمع؛ لأنه عدل به عن نهجه القويم. ويسن ترتيل القراءة وتدبرها، والبكاء عندها، وطلب القراءة من حسن الصوت، ولا بأس بترديد الآية للتدبر. فائدة: سئل القاضي حسين عن السماع فقال: من تعوده من الفقهاء أو غيرهم في كل أسبوع مرة أو في كل شهر مرارًا .. فسق وردت شهادته؛ إذ ليس كل فسق ترد به الشهادة. وقسمه الغزالي إلى مندوب ومباح ومحرم، فمن غلب عليه حب الله وحب لقائه .. كان السماع له محبوبًا، ومن غلب عليه عشق مباح في زوجته أو أمته .. كان له مباحًا، ومن غلب عليه الهوى المحرم كان في حقه حرامًا. وقال الشيخ عز الدين: الرقص لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء، قال: وأما الإنشاد المحرك للأحوال السنية المذكرة لأمور الآخرة .. فلا بأس به، قال: والسماع يختلف باختلاف السامعين والمسموعين، ثم ذكر له سبع مراتب، وحكى في فتواه التي سأله عنها الشيخ أبو عبد الله بن النعمان خلافًا للعلماء في السماع بالملاهي وبالدف والشبابة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الخلاف في اجتماعهما ابن المنير المالكي في فتواه أيضًا. وأفتى ابن الصلاح بالتحريم إذا اجتمعا كما سيأتي. وقال الشيخ: السماع على الصورة المعهودة منكر وضلالة لم يرد به نبي من الأنبياء، ولا أتى في كتاب منزل من سماء، بل هو من أفعال الجهال والشياطين. واجتماع الدف والشبابة قال جماعة من العلماء بتحريمه، ولم يقل الشافعي بإباحته، ومن زعم أن ذلك قربة .. فقد كذب وافترى على الله، ومن قال: إنه يزيد في الذوق .. فهو جاهل أو شيطان. قال: وقولهم: إن من أنكر ذلك من القشور، إن أرادوا به الفقهاء .. فقائل ذلك يستحق الأدب، وإن أرادوا أنهم وصلوا إلى ما لم يصل إليه الفقهاء .. فالواصل لا يقول ذلك. وكل يدعون وصال ليلى .... وليلى لا تقر لهم بذاكا قال: ومن نسب السماع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يؤدب أدبًا شديدًا، ويعزر تعزيرًا بليغًا، ويدخل في زمرة الكاذبين عليه صلى الله عليه وسلم، فليتبوأ مقعده من النار. وليس هذا طريقة أولياء الله وحزبه وأتباع رسوله، بل طريقة أهل اللهو واللعب والباطل، ويسوغ الإنكار على هذا باللسان والقلب واليد، ومن قال من العلماء بإباحة السماع .. فذلك حيث لا يجتمع فيه دف ولا شبابة، ولا رجال ونساء، ولا من يحرم النظر إليه، ولا كلام فاحش. والصغيرة إذا أصر عليها فاعلها .. صارت كبيرة، والاحتجاج بالذين لعبوا في المسجد بالحراب وبحديث بني النجار صحيح في النوع المباح من السماع،

وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ آلَةٍ مِنْ شِعَارِ الشَّرَبَةِ، كَطُنْبُورٍ وَعُودٍ وَصَنْجٍ وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيٍّ، وَاسْتِمَاعُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا في النوع المنهي عنه. ووافق الشيخ رحمه الله على ذلك علماء عصره من المذاهب الأربعة. والتصفيق باليد حكمه حكم اليراع من الغناء، قاله الشاشي وابن درباس. وقال الحليمي: يكره للرجال، ويباح للنساء. قال: (ويحرم استعمال آلة من شعار الشربة)؛ لأنها آلة الشرب، وتدعو إليه، وفيه تشبه بأهله وهو حرام. وكذلك لو رتب جماعة مجلسًا وأحضروا آلة الشرب وأقداحه وصبوا فيها السكنجبين، ونصبوا ساقيًا يدور عليهم ويسقيهم، ويجيب بعضهم بعضًا بكلامهم المعتاد بينهم. قال: (كطنبور وعود وصنج ومزمار عراقي، واستماعها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَّ والحرير والمعازف) رواه البخاري عن شيخه هشام بن عمار بإسناده، إلا أنه قال: قال هشام، ولم يقل: حدثنا، فزعم ابن حزم أنه منقطع لم يسمعه منه، ووهم في ذلك؛ فإنه سمعه منه، إلا أنه أخذه عنه حال المذاكرة لا حال التحديث، وهذه عادة البخاري مبالغة في الاحتياط، وقد وصله الإسماعيلي في (صحيحه) وأبو نعيم في (المستخرج) وأبو داوود في (سننه) [4036] بأسانيد صحيحة لا مطعن فيها. قال الجوهري وغيره: المعازف: آلات اللهو، والمعنى فيه – كما قاله في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الإحياء) -: أنها تدعو إلي شرب الخمر، والتشبه بأهل المعاصي حرام. ومن المعازف الرباب والجنك والكمنجة، فيحرم الضرب بها، وهو الاستعمال الذي عناه المصنف. وقال الغزالي: القياس تحليل العود وسائر الملاهي، ولكن ورد ما يقتضي التحريم. أما العود ... ففي إباحته وجه في (الحاوي) و (البحر)، وعلل بأنه يخفف الأحزان وينعش روحانية الإنسان، ومال إليه أبو منصور البغدادي، ونقل عن صاحب (المهذب)، لكن لم يذكره في كتبه الفقهية، وعزاه إليه أبوطاهر المقدسي، وهذة النسبة باطلة قطعا؛ فقد صرح هو في (المهذب) هنا وفي (الوصايا) هنا وفي (الوصايا) بتحريمه، وهو قضية ما في (التنبيه)، ومن عرف حال الشيخ وشدة ورعه ومتين تقواه .... جزم ببراءة ساحته عن ذلك، وكيف ذو لب في هذا العبد القانت أنه يقول في دين الله ما لم يكن، وكل من ترجمه لم يذكر في ترجمته شيئًا من ذلك. وأول من ضرب بالعود لامك بن المتوشلح. قالوا: وهو مركب من حركات نفسانية يذهب الهم ويقوي الهمة ويزيد في النشاط، وهذا لا وجه له؛ لأنه أكثر الملاهي طربًا وأشتغلتها عن ذكر الله وعن الصلاة، وأشرت إلي ذلك في (المنظومة) بقولي (من الزجر): ونغمات العود للمحزان .... قالوا تزيل أثر الأحزان فأجزم علي التحريم أي جزم .... والجزمأن لا تتبع ابن حزم فقد أبيحت عنده الأوتار .... والعود والطنبور والمزمار ونبه المصنف بقوله: (استعمالها) علي أن المحرم الإصغاء إليها، لا السماع من غير قصد؛ فإنه لا يحرم، فإن استمع وأصغي .... أثم. وقوله: (الشربة) هو بتاء في آخره، جمع شارب كظالم وظلمة، والأولي حذفها

لَا يَرَاعِ فِي الأَصَحِّ، قُلْتُ: الأَصَحُّ: تَحْرِيمُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كما عبر عنه في (الوجيز)، وهم الذين يجتمعون علي الشراب الحرام. و (الطنبور) معروف، و (الصنج) قال الجوهري: يتخذ من صفر، يضرب أحدهما بالآخر، مختص بالعرب، وأما الصنج ذو الأوتار ... فيختص به العجم. وقال الشيخ شرف الدين البازي: مراد الرافعي به ذو الأوتار، وهذا عجيب منه؛ فقد قال الرافعي بعد ذلك: إن الضرب بالصفاقتين حرام، ذكره الشيخ أبو محمد وغيره، وتوقف الإمام فيه، وهذا هو الصنج العربي. وعبر عن الصنج في (المهذب) بالصليل، وهو بكسر الصاد وتشديد اللام المكسورة. و (المزمار العراقي): هو الذي يضرب به مع الأوتار، وهو بكسر الميم واحد المزامير، وأول من أتخذها بنو إسرائيل. قال: (لا يراع في الأصح)؛ لأنه ينشط علي السير في الأسفار فأشبه الحداء. وفي (سنن أبي داوود) (4889) و (ابن حبان) (693) عن نافع عن ابن عمر: أنه سمع زمارة راع فجعل إصبعيه في أذنيه وعدل عن الطريق وجعل يقول: (يا نافع أتسمع؟) فأقول: نعم فلما قلت: لا ... راجع الطريق ثم قال: (هكذا رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يفعل). قال ابن حزم: فلما لم يأمر نافعًا بسد أذنيه، ولم ينبه الراعي .... دل علي جوازه، وسد الأذن تورعًا، أو كان في حالة ذكر ليجتمع فكره. قال الرافعي: ويروى: أن داوود عليه السلام كان يضرب بها في غنمه. وعن الصحابه الترخص فيه، وهذا صححه الغزالي، وهو الأقرب في (الشرح الكبير)، والأظهر في (الصغير)، واختاره أبو الطيب المقدسي وتاج الدين الفزازي وابن عبد السلام وابن دقيق العبد والجاجرمي في (الإيضاح) والخطابي والماوردي والروياني. قال: (قلت: الأصح: تحريمة والله أعلم) قياسًا علي المزمار، وهو الذي صححه البغوي وابن أبي عصرون، وقال في (الروضة): إنه الأصح، وهو هذه

وَيَجُوزُ دُفٌّ لِعُرْسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزمارة التي يقال لها: الشبابة، وقد صنف الإمام أبو القاسم الولعي خطيب الشام في تحريمها كتابًا مشتملًا علي نفائس، وأطنب في دلائل تحريمه. وقال الماوردي: تكره في الأمصار وتباح في الأسفار والمرعي، وتبعه الروياني. وقال ابن الصلاح: الخلاف في الدف الذي بالجلاجل وفي الشبابة محله إذا انفرد كل منهما، فأما إذا اجتمعا فيحرمان بإجماع من يعتد به، قال في (الجواهر): وكلام أصحابنا يأباه. و (اليراع): الشبابة، سميت بذلك لخلو جوفها، ومنه: رجل يراع؛ أي: لا قلب له. قال: (ويجوز دف) وهو الدائر المفتوح، وفي داله الفتح وهي لغة أهل الحجاز، والضم وهي لغة غيرهم. قال: (لعرس)؛ لما روى البخاري (514) عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: قالت جاء النبي صلي الله عليه وسلم فدخل حين بني علي، فجلس علي فراشي، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر؛ إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد فقال صلي الله عليه وسلم: (دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين) وترجم عليه: (باب الضرب بالدف في النكاح والوليمة). وفي (الترمذي) (1089) و (سنن ابن ماجه) (1895) عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، وأضربوه عليه بالدف)، وصحح ابن حبان وجماعة حديث: (فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف) وحسنه الترمذي (1088). وقال البغوي في (شرح السنة): يستحب في العرس والوليمة، ووقت العقد والزفاف، وقريبا منه من قبل ومن بعد.

وَخِتَانِ- وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الأَصَحِّ- وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ. وَيَحْرُمُ ضَرْبُ الكٌوبَةِ- وِهُوَ: طَبْلٌ طَوِيلٌ ضَيقُ الوَسَطِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحليمي: إذا قلنا بإباحته .. فإنما يجوز تعاطيه للنساء دون الرجال، والجمهور لم يفرقوا بينهما. قال: (وختان)؛ لما روى ابن أبي شبية (3/ 321) عن عمر: أنه كان إذا سمع صوت الدف ... بعث، فإن كان في النكاح أو الختان ... سكت، وإن كان في غيرهما ... عمل بالدرة. قال: (وكذا غيرهما في الأصح) كالعيد وقدوم الغائب إظهارًا للسرور؛ فقد روي الترمذي (3690) وابن حبان (4386): أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى المدينة من بعض مغازيه ... جاءته جارية سوداء فقالت: يا رسول الله؛ إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها: (إن كنت نذرت .... فأوف بنذرك). فمن الأصحاب من أطلق حله لذلك، وعليه جرى الإمام والغزالي. وأطلق صاحب (المهذب) والبغوي تحريمه؛ لأر عمر السابق. والثالث: يكره، وهو ما أورده القاضي أبو الطيب. قال: (وإن كان فيه جلاجل)؛ لإطلاق ما ورد من الأخبار، وقيل: يحرم في هذه الحالة. ولم يبين المصنف المراد بالجلاجل، وقال ابن أبي الدم: المراد به: الصنوج، وبه صرح في (الحاوي الصغير) حيث قال: ويدف بصنج، وقد يراد بها الحلق وغيرها مما يعمل في المزاهر التي جرت العادة بالضرب بها. قال: (ويحرم ضرب الكوبة، وهو طبل طويل ضيق الوسط)؛ لما روى أبو داوود (3678) وصححه ابن حبان (5365) عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة). قال الرافعي والمصنف تبعًا للغزالي: ولا يحرم من الطبول غيرها، والموجود لأئمة المذهب التحريم فيما عدا الدف.

لَا الرَّقْصُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ المُخَنَّثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و (الكوبة) بضم الكاف وسكون الواو، قال في (المهمات): وتفسيرها بالطبل خلاف المشهور في كتب اللغة، قال الخطابي: غلط من قال: إنها الطبل، بل هي النرد، وذكر مئله ابن العرابي والزمخشري وابن الثير. 1هـ وفيما قاله شيخنا نظر؛ فإن الجواليقي والجوهري قالا: إنها الطبل الصغير. وقال في (المحكم): الكوبة: الطبل والنرد، فجعلها مشتركة بينهما فلا يحسن الاعتراض علي الرافعي رحمه الله. قال: (لا الرقص) فإنه مجرد حركات علي استقامة أو اعوجاج، وفي (الصحيحين) (خ 455 - م 892/ 20) عن عائشة قالت: (جاء حبش يزفنون- أي: يرقصون- في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعت رأسي على منكبه وجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي انصرفت عنهم) وكانت عائشة إذ ذاك صغيرة أو قبل أن تنزل آية الحجاب؛ حتي لا يعارض ما رواه أبو داوود عن أم سلمة في قوله: (أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟!). وقال القفال: يكره مطلقًا، وقال الأستاذ أبو منوصر البغدادي: تكلفه علي الإيقاع مكروه، وجزم الغزالي بإباحته. وفرق الجاجرمي بين المداومة وغيرها، فحرمه عندها وأباحه عند غيرها. وفرق القاضي حسين والغزالي في (الإحياء) بين أرباب الأحوال الذين يقومون بوجد وغيرهم، فأولئك جائز لهم وغيرهم يكره لهم. قال: (إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنث) فذلك حرام علي الرجال والنساء، قال الحليمي، ونقل في (المهمات) عنه الكراهة، ونقل ابن أبي الدم عن الشيخ أبي علي كراهته. قال البيهيقي في (الشعب) (5123): إذا لم يكن في الرقص تكسر وتخنث ... فلا بأس به؛ فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد: (أنت مولانا) فحجل. وهو أن يرفع رجلًا ويقفز علي الأخرى من الفرح.

وَيُبَاحُ قَوْلُ شِعْرٍ وَإِنْشَادُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال لجعفر: (أشبهت خلفي وخلقي) فحجل، وقال لعلي: (أنت مني وأنا منك) فحجل. و (المخنث) بكسر النون وفتحها، والكسر أفصح والفتح أشهر، وهو الذي خلقته النساء في الحركات والهيئات. فإن كان ذلك خلقة ... فلا إثم فيه ولا عيب، وإن تكلفه .. فهو حرام مذموم شرعًا، وعليه حملت أحاديث لعنه. قال: (ويباح قول شعر وإنشاده) وكذا نظمه، وكذا يباح استماعه في الجملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم، منهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة. وروى مسلم (2255): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للشريد الثقفي: (أمعك شئ من شعر أميه بن أبي الصلت؟) قال: نعم، قال: (هيه فأنشده) فقال: هيه، فلم يزل كذلك إلى أن أنشده مئة بيت فقال: (كاد أن يسلم) يعني أمية، وإنما استحسن شعره؛ لأن أكثره عبر وأمثال وإذكار بالبعث والنشور، ووعد ووعيد بالجنة والنار. وأنشد النابغة الجعدي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم (من الطيل): ولا خير في حلم إذا لم يكن له .... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

إلَّا أَنْ يَهْجُوَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم ينكره عليه صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم أهدر دم كعب بن زهير، فورد إلي المدينة مستخفيًا، وقام إليه بعد صلاة الصبح ممتدحًا فقال: بانت سعاد .... إلى آخرها. فرضي عليه وأعطاه بردة ابتاعها منه معاوية بشعرة الآف درف، وهي التي مع الخلفاء إلي اليوم. وقال الأصمعي: سمعت شعر الهذليين علي محمد بن إدريس الشافعي. وروي الشافعي (1/ 366) وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشعر كلام حسنه كحسنه وقيبحه كقبيحه) والرافي جعله من كلام الشافعي نفسه، والصحيح: أنه مرسل. قال: (إلا أن يهجو) ولو كان صادقًا في هجوه، وعليه حمل الشافعي قوله عليه الصلاة والسلام: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا) رواه مسلم (2258)، فحمله علي الهجو والفحش. وقال أبو عبيدة: معناه: أن يغلب عليه فيشتغل عن القرآن والفقه، ولهذا ذم الامتلاء، والهجو والفحش قليله وكثيره مذموم، قال في (المطلب): وهو حسن، وليس إثم حاكيه كإثم منشئه. قال الرافعي: ويشبه أن يكون التعريض هجوًا كالتصريح، وبه جزم في (الشرح الصغير)، وقال ابن كج: ليس التعريض هجوًا. ويستثني من ذلك هجو المشركين، فإنه يجوز؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أمر به حسان، والقياس في الفاسق المتظاهر كذلك.

أَوْ يُفْحِشَ، أَوْ يُعَرِّضَ بِأمْرَأَةٍ مَعَيَّنَةٍ، وَالْمُرُوءَةُ: تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو يفحش)؛ لما فيه من الأذي. و (يفحش) بضم الياء وكسر مضارع أفحش، أي: تجاوز الحد. روي الترمذي (1974) وابن ماجه (4185) عن أنس: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أو يعرض بأمرأة معينه) فترد شهادته بذلك؛ لما في من الأذي والغيبة، وكذا ترد شهادته إذا كان يصف الأعضاء الباطنه؛ لما فيه من هتك الستر. فإن قيل: كعب بن زهير شبب بأمرأة بحضرة النبي صلي الله عليه وسلم ولم ينكر عليه ... فالجواب: أنها كانت امرأته أو أبنة عمه، وطال عهده بها وغيبته عنها، وكان في هدنة من النبي صلى الله عليه وسلم. وأورد على الأطلاق المصنف إذا شبب بزوجته أو أمته ... فإنه يجوز علي وجه، والأصح المنصوص: أن شهادته ترد بذلك إذا ذكرها بما حقه الإحقاء؛ لسقوط مروءته. وإذا شبب بغلام وذكر أنه يعشقه .... قال الروياني: يفسق وإن لم يعينه؛ لأن نظره بالشهوة حرام، واعتبر في (التهذيب) وغيره فيه التعيين كالمرأة. فرع: المادح إذا أطرى، فإن أمكن حمله على نوع مبالغة ... جاز، وإلا .... فهو كذب محض، والصحيح رد الشهادة به إن كثر. وخالف الصيدلاني والقفال؛ لأن الكاذب يوهم الكذب صدقًا، بخلاف الشاعر. فعلى هذا: لا فرق بين قليله وكثيره، قال الرافعي: وهو حسن بالغ؛ لأن غرض الشاعر إظهار الصنعه لا التحقيق. قال: (والمرءة: تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه) وقد تقدم بيانها، فلا تقبل شهادة من لا مروءة له، واختلفوا في تعاطي ما يخل بها، فعن الشيخ تقي

فَالأَكْلُ فِي سُوقٍ، وَالمَشْيُ مَكْشُوفَ الرَّاسِ، وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدين بين رزين ثلاثة أوجه: الحظر، والإباحة، والثالث: إن تعلقت به شهادة .... حرم تعاطي ذلك، وإلا ... فلا. قال: (فالأكل في سوق)؛ لما في (معجم الطبراني) (طب 8/ 249) عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأكل في السوق دناءة) لكن إسناده لين. والمراد ب (الأكل): أن ينصب مائدة ويأكل, وعادة مثله خلاف ذلك، فلو كان ممن عادته ذلك كالصنائعيين والسماسرة، أو كان ذلك في الليل فلا، وكالأكل في السوق، والشرب من سقايات الأسواق، إلا أن يكون سوقيًا أو غلبه العطش. قال: (والمشي مكشوف الرأس) كذلك البدن إذا لم يكن ممن يليق به ذلك، أو كان محرمًا بحج أو عمره. قال: (وقبلة زوجة وأمة بحضرة الناس؛ إذ لا يصدر ذلك إلا عن ذي همة دننيئة، وكان الأحسن أن يقول: وقبلة زوجة أو أمه أو كذا أو كذا. وعد في (الروضة) من هذا حكاية ما يتفق له مع زوجته في الخلوة، وجزم في (كتاب النكاح) بأن ذكر ذلك مكروه، وجزم في (شرح مسلم) بتحريمه، ومن هذا: أن يخرج عن حسن المعاشرة مع الأهلين والمعاملين وتضايق في اليسير. قال: (وإكثار حكايات مضحكة)؛ لما في (الترمذي) (2315): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للذي يحدث فيضحك به قومه فيكذب، ويل له ويل له) وقيل: إن هذا هو الهمزة اللمزة. في الصحيح: (من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه ... يهوي بها في النار سبعين خريفًا).

وَلَبْسُ فَقِيهٍ قَبَاءً وَقَلَنْسُوَةً حَيْثُ لَا يُعْتَادُ، وَإِكْبَابٌ عَلَي لَعِبِ الشَّطَرَنْجِ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ سَمَاعِهِ، وَإِدَامَةُ رَقْصٍ يُسْقِطُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد ب (الإكثار): أن يصير ذلك عادة له. وتقييده ب (الإكثار) يخرج ما إذا لم يكثر، أو كان ذلك طبعًا لا تطبعًا كما اتفق لنعيمان بن عمرو، وكان رجلا صالحًا من قدماء الصحابه، ومع ذلك كان فيه دعابة زائدة وممازحة شاهدة، وله في ذلك أخبار ظريفه، منها: قصته مع سويبط التي ضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا فأكثر، وقال فيه النبي صلي الله عليه وسلم: (إنه يحب الله ورسوله). قال: ولبس فقيه وقلنسوة حيث لا يعتاد)، وكذلك عكسه؛ لأن الإقدام علي ذلك لا يكون إلا من منحل عن ربقة المروءة، فتسقط الثقة بقوله. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحياء شعبة من الإيمان). واحترز المصنف عما يعتاد كالمسافر وفي بعض الأمكنة، فلا يؤثر ذلك في قبول الشهادة؛ إذ لا يخل بالمروءة حينئذ. و (القلنسوة): ما يلبس علي الرأس، وجمعها قلانس. قال: (وإكباب على لعب الشطرنج) وذلك بحيث يغلب عليه ويشغله عن مهماته، وإن لم يقترن به ما يحرمه؛ لإخلال ذلك بالمروءة، ويرجع في قدر الكثرة إلي العادة، هذا في اللعب به في الخلوة، أما علي الطريق ... فخارم للمروءة وإن قل. قال: (أو غناء أو سماعه، وإدامة رقص بسقطها)؛ لأن ذلك لا يدصر إلا من الأراذل الذين لا مروءة لهم.

وَالأَمْرُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِالأَشْخَاِص وِالأَحْوَالِ وَالأَمَاكِنِ، وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ وَدَبْغٍ مِمَّنْ لَا تَلِيقُ بِهِ تُسْقِطُهَا، فَإنِ اعْتَادَهَا وَكَانَت حِرْفَةَ أَبِيهِ ... فَلَا فِي الأَصَحِّ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأمر فيه يختلف بالأشخاص والأحوال والأماكن) ر فقد يستقيح من شخص دون شخص، وفي قطر دون قطر. ونبه ب (السماع) علي أن الاستماع لذلك من باب أولي بالحكم، وألحق بذلك الاكتساب بالشعر والغناء. قال: (حرفة دنيئة كحجامة وكنس) أي: للأخلية (ودبغ ممن لا تليق به تسقطها)؛ لإيذان ذلك بقلة المروءة، وكذلك ما أشبة ذلك كالزبال والحارس ونخال التراب- كما قاله الجرجاني في (التحرير) - والإسكاف، وقال القاضي: إن كان يخرز بشعر الخنزير ... لم تقبل شهادته، وإلا ... قبلت في الأصح، وكذلك الحكم في القصاب وقيم الحمام؛ لما روي ابن النجار في ترجمتة عبد الله بن خالد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبدًا ... جعله قيم مسجد، وإذا أبغض عبدًا ... جعله قيم حمام). وقوله: (دنيئة) هو بالهمز من الدناءى، وهي السقاطة، وأما غير المهموز ... فهو القريب. قال: (فإن اعتادها وكانت حرفة أبيه ... فلا في الأصح)؛ لأنه لا يتغير بذبك، وهي حرفة مباحة، بل من فروض الكفايات؛ لاحتياج الناس إليها، ولو ردت بها الشهادة ... لربما تركت فتعطل الناس. وقال صلى اله عليه وسلم: (اختلاف أمتي رحمة) وقد تقدم في شرح خطبة الكتاب بيان معناه. الوجه الثاني: يسقطها؛ لأن رضاهم بهذة الحرف يشعر بالخسة وقلة المروءة. قال في (الروضة): ولم يتعرض الجمهور لهذا القيد، وينبغي أن لا يقيد بصنعة آبائه، بل ينظر هل يليق به أم لا؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستثنى المحترف بالغناء؛ فترد شهادته مطلقًا كما نص عليه الشافعي وصرح به الجمهور، وحكى شريح فيه وجهين. والمراد: حرفة مباحة، بخلاف المنجم والعراف والكاهن والمصور والمستعبد، فلا تقبل شهادتهم؛ لأن شعارهم التلبيس علي العامة. ومما عمت به البلوي: التكسب بالشهادة مع أن شركة لأبدان حرام، وذلك قادح في العدالة، لاسيما إذا منعنا أخذ الأجرة علي التحمل، أو كان يأخذ ولا يكتب. فروع: في الحاتك طريقان: أصحهما: طرد الوجهين، وقيل: يقبل قطعًا، واستحسنه الإمام؛ لأنه ينسج غزلًا كما أن الخياط غزلًا منسوجًا، وألحق الماوردي السماك بالحائك. وفي الصباغ والصواغ أيضًا طريقان: المذهب: القطع بالقبول، وقيل بالوجهين؛ لما روي أبو داوود الطيالسي (2574) وغيره: أن النبي صلي الله عليه سلم قال: (أكذب الناس الصباغون والصواغون) قيل: المراد: الذين يصبغون الكلام ويصوغونه؛ أي يغيرونه، والمشهور: أنهم صباغوا الثياب وصاغة الحلي؛ لكثرة مواعيدهم الكاذبة. قيل: رأي أبو هريرة قومًا يتعادون فقال: ما شأنهم؟ قالوا خرج الدجال، فقال: كذبة كذبها الصباغون. وحكى شريح في قبول شهادة الأقلف وجهين، والصحيح: أنا إن أوجبنا الختان .... فتركه بلا عذر فسق. ونص الشافعي علي أنه لا تقبل شهادة المتعصب المشهور بذلك؛ لأنه غير بعيد من تهمة الكذب. وتقبل شهادة الطواف علي الأبواب وسائر السؤال، إلا أن يكثروا الكذب في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دعوى الحاجة وهو غير محتاج، أو يأخذ مالًا لا يحل له أخذه فيفسق بذلك. وكلام الرافعي هنا يشعر بجواز السؤال للقادر علي الكسب. وقد صرح المصنف في (صدقة التطوع) بتصحيح التحريم. ومما يخرم المروءة: مد الرجل بين الناس بلا مرض، وحمل الأطعمة والماء إلي المنزل ممن لا يليق به ذلك، فإن فعله اقتداء بالسلف الصالحيين .. لم يقدح فيه. وكذلك لبس الخشن والمرقع من الثياب، واعتياد البول قائمًا والبول في الماء حيث لا عذر، والبول في السوق والطرق ممن لا يليق به ذلك، والتحدث بمساوئ الناس؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) وفي (روضة الحكام) وجهان في قبول شهادة ذي الصدغين، وفي معناه الدبوقه. وفي ثالث: إن كان قوم يعتادون ذلك ... قبل، وإلا ... فلا، وهو الأقرب. واضطرب كلام الروياني في نتف اللحية، فقال في موضع: لا ترد به الشهادة، وقال في آخر: ترد به، وهو الصواب المنصوص. وألحق القاضي والزبيلي به نتف الأنف والإبط بحضرة الناس، وكذلك خضاب الشعر بالأسود؛ لأن الصواب تحريمه. وحاضر الدعوة بغير طلب إذا لم تكن دعوة سلطان، هذا في الأكل فقط، أما الانتهاب .. فحرام ترد به الشهادة. ومن ترك تسبيحات الركوع والسجود والسنن الراتبة أحيانًا ... لا ترد شهادته، فإن اعتاد تركها وترك غسل الجمعة ... ردت شهادته؛ لتهاونه بالدين. وحكي أبو الفرج في ركعتي الفجر والوتر وجين.

وَالتُّهَمَةُ: أَنْ يَجُرَّ إِلَيْهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا، فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَغَرِيمٍ لَهُ مَيْتٍ أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ، أَوْ بِمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والتهمة: أن يجر إليه نفعًا أو يدفع عنه ضررًا، فترد شهادته لعبده) أي: المأذون له؛ لما في ذلك من التهمة. قال: (ومكاتبه)؛ لأن له في ماله علقة، وفي (طبقات العبادي): أن أبا علي ابن خيران أجاز شهادته له. نعم؛ يستثني منه ما يوجد تبعًا، كما إذا شهد بشقص فيه شفعة لمكاتبه .. قال الرافعي هناك: قال الشيخ أبو علي: تقبل، قال الإمام: وكأنه أراد أنه يشهد للمشتري إذا ادعي الشراء ثم ثبتت الشفعة تبعًا، فأما شهادته للمكاتب ... فلا تقبل بحال. قال: (وغريم له ميت أو عليه حجر فلس)؛ لأنه إذا أثبت للغريم شيئًا .. أثبت لنفسه المطالبة، أما شهادة الغريم لغريمه الموسر ... فتقبل، وكذا المعسر قبل الحجر عليه علي الأصح؛ لتعلق الحق بذمته. قال: (أو بما هو وكيل فيه)؛ لأنه يثبت بشهادته ولاية علي المشهود به، وكذا الوصي والقيم في محل تصرفها، وكذلك الشريك في المشترك بأن يقول: هذا بيننا، ويجوز أن يشهد له بالنصف. فلو عزل الوكيل نفسه ثم شهد ... قبلت، إلا أن يكون قد خاصم .. فلا تقبل أبدًا، ذكره الهروي وابن القاص والعبادي. وأشعر كلام المصنف وغيره بالقطع بقبول شهادة الوكيل بما ليس وكيلًا فيه، وقال الماوردي: فيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لعدم تصرفه فيه. والثاني: لا؛ لأنه صار بالنيابة عن ذي الحق منهما وذكر في نظيرها من الموصي له أنه يقبل وجهًا واحدا، وفرق بأن الوكيل يجوز أن يتقرب بشهادته إلي موكله، بخلاف الموصى له، فصار الوكيل متهمًا، والموصي له غير متهم؛ لأنه لا يتقرب بها إلي الموصي بعد الموت. 1هـ

وَبِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمِنَهُ، وَبِجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ. وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثٍ لَهُ مَرِيضٍ أَوْ جَرِيحٍ بِمَالٍ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ .. قُبِلَتْ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يقال: إنه يتقرب بها إلي الوارث؛ ليجعل له الموصى به، أو لا ينازعه فيه. قال: (وببراءة من ضمنه)؛ لأنه يسقط به المطالبة عن نفسه. قال: (وبجراحة مورثه)؛ للتهمة. قال: (ولو شهد لمورث له مريض أو جريح بمال قبل الاندمال .... قبل في الأصح)؛ لأن شهادته لا تجر لنفسه نفعًا ولا تدفع عنه ضررًا. والثاني- وبه قال أب إسحاق-: لا تقبل كما لو شهد أن مورثه جرح، أما بعد الاندمال فتقبل قطعًا، وقد تقدم في (باب دعوى الدم والقسامة) مسألة المريض أبسط من هذا. فلو شهد الوارث لمورثه بالجراحة قبل الاندمال فردت- كما قاله المصنف- ثم أعادها بعد الاندمال ... لم تقبل في الأصح كالفاسق بعد التوبة. فروع: قال القاضي أبو سعيد الهروي: لا تقبل شهادة المودع في الورديعة للمودع إذا نازعه في الوديعة أجنبي؛ لأنه يستديم اليد لنفسه. وكذا شهادة المرتهن للراهن لا تقبل وتقبل الأجنبي. وأن الشهادة الغاصب علي المغصوب بالعين لأجنبي لا تقبل لغسقه، ولتهمته بدفع الضمان ومؤنة الرد، فإن شهد بعد الرد .. قبلت شهادته، وإن شهد بعد التلف .. لم تقبل؛ لأنه يدفع الضمان. وأن شهادة المشتري شراء فاسدًا بعد القبض لا تقبل للأجنبي، وأن شهادة المشتري شراء صحيحًا بعد الإقالة والرد بالعيب لا تقبل للبائع؛ لأنه يستبقي لنفسه الغلات والفوائد.

وَتُرَدُّ شَهَادَةُ عَاقِلَةٍ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ، وَغُرَمَاءِ مُفْلِسٍ بِفِسْق شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ. وَلَوْ شَهِدَا لِاثَنْيِن بِوَصِيَّةٍ فَشَهِدَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ .. قُبِلَتِ الشَّهَادَتَانِ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو شهد لأخيه بمال ثم مات المشهود له قبل استيفائه والأخ ورائه، فإن كان بعد حكم الحاكم .. لا ينقض، وإن كان قبله .. لا يحكم، قاله البغوي في (الفتاوي). قال: (وترد شهادة عاقلة بفسق شهود قتل) أي: تحمله؛ لأنهم يدفعون عن أنفسهم ضرر التحمل، وهذة تكررت أيضًا في الباب المذكور. أما لو شهد أن فلانًا تقبل لانتفاء التهمة، قاله ابن أبي عصرون. قال: (وغرماء مفلس بفسق شهود دين آخر)؛ لدفع ضرر المزاحمة، وكان ينبغي أن يقول: مفلس حجر عليه؛ فإن شهادتهم قبل الحجر مقبولة علي الأصح كما سبق، فإن أجيب عنه بأن المفلس في الاصطلاح: من حجر عليه .. فيقال: فلم قيد به في صورة التهمة السابقة. قال: (ولو شهدا لاثنين بوصية فشهدا للشاهدين بوصية فشهدا للشاهدين بوصية من تلك التركة .. قبلت الشهادتان في الأصح)؛ لانفال كل شهادة عن الأخرى، لأنها شهادة لا تجر نفعًا ولا تدفع ضررًا، وكذلك نقول في رفقاء القافلة: يجوز أن يشهد بعضهم لبعض في قطع الطريق إذا قال كل واحد منهم: أخذ مال فلان ولم يقل: أخذ مالنا، على ما هو مذكور في (باب قاطع الطريق). والوجه الثاني- وبه قال أبو حنيفة-: المنع؛ لاحتمال الموطأة، وعبر في (الروضة) بالصحيح لا بالأصح. فرع: شهد فقيران أن هذا المال لزيد من أول الحول إلى آخره، قال الروياني: إن كانا من جيران المال ... لم تقبل؛ للتهمة، وإن كانا بعيدين .... فالأصح: القبول.

وَلَا تُقْبَلُ لِأصْلٍ وَلَا فَرْعٍ، ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (التهذيب): لو شهد عدلان من الفقراء أن فلانا أوصى بثلث ماله للفقراء .. قبلت شهادتهما، ويشترط لصحة الدعوى بالوية علي الورثة أن يقول: وأنا قبلت ذلك، قاله القفال في (الفتاوي). قال: (ولا تقبل لأصل ولا فرع) وبه قال مالك وأبو حنيفة؛ لأن المشهود له بعضه، قاله القفال في (الفتاوي). قال: (ولا تقبل لأصل ولا فرع) وبه قال مالك وأبو حنيفة؛ لأن المشهود له بعضة، فشهادته له كشهادته لنفسه. وعن ابن القاص رواية قول القديم: أن شهادة كل واحد منهما للآخر مقبولة، وبه قال المزني، واختاره ابن المنذر. والمذهب: الأول، واستدل له الرافعي وغيره بحديث: (لا تجوز شهاة الوالد للولد، ولا الولد للوالد) وهو موضوع لكن يدل له حديث مسلم (2449/ 95) عن المسور بن مخرمة أنه قال: سمعت النبي صلي الله عليه سلم يخطب الناس على هذا المنبر- يعني منبر المدينة- وأنا حينئذ محتلم فقال: (إن فاطمة بضعة مني) كذا في (حيح مسلم) ولهله وهم، فإن المسور ولد في السنة الثانية من الهجرة بعد مولد ابن الزبير بأربعة أشهر فلم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا نحو ثمان سنين، ومن سنه كذلك .. لا يكون محتلمًا، وقد رواه الإسماعيلي في (صحيحه) بلفظ: (وأنا حيئنذ كالمحتلم)، يعني: في فهمة وحفظه، فبينت هذة الراواية الصواب. ولا عبرة بأبوة الرضاع وبنوته بالاتفاق، ولا تقبل أيضًا لمكاتب أصله وفرعه ومأذونهما. ويؤخذ من إطلاق المصنف أنه لا تقبل تزكية الوالد لولده، وهو الأصح، وكذلك لا تقبل شهادته له بالرشد. ولا فرق في المنع بين أن يكون المشهود له أجنبيًا أو أصلًا أو فرعًا، فلو شهد لأحد ابنيه علي الاخر .. لم تقبل، قاله الغزالي، وأفتي بهاء الدين بن الجميزي بجوازه، وبه صرح الشيخ عز الدين في (القواعد)؛ لأن الوازع الطبعي قد يعارض بظهور الصدق لضعف التهمة العارضة الفتاوي، وتقدم في انعقاد النكاح بابني الزوجين خلاف، والظاهر مجيئه هنا.

وَتُقْبَلُ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا عَلَى أَبِيهِمَا بِطَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا أَوْ قَذْفِهَا فِي الأَظْهَرِ، وَإِذَا شَهِدَ لِفَزْعٍ وَأَجْنَبِيِّ .. قُبِلَتْ لِلأَجْنَبِيِّ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: وَتُقْبَلُ لِكُلِّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة: شهد الوالد لولده أو العدو علي عدوه أو الفاسق بما يعلمونه من الحق والحاكم لا يشعر بالولادة ولا بالعداوة ولا بالفسق، فهل يأثم الشهود بذلك؟ قال ابن عبد السلام: المختار جوازه؛ لأنهم لم يحملوا الحاكم علي باطل، إنما حملوه على إيصال حق إلي المستحق، ولا إثم علي الحاكم؛ لتوفر ظنه، ولا علي الخصم؛ لأخذ حقه، ولا علي الشاهد؛ لمعونته. قال: وتقبل عليهما؛ لانتفاء التهمة، سواء شهد بمال أو عقوبة، وقيل: لا تقبل علي الأصل بقصاص أو حد قذف. قال: (وكذا علي أبيها بطلاق ضرة أمهما أو قذفها في الظهر)؛ إذ لا تهمة في ذلك. والثاني: لا تقبل؛ لأن أمهما تنتفع بذلك. وموضع القولين إذا شهد بطلاقها ثلاثًا، فلو شهد بطلاق رجعي ... قبلا قطعًا. ومحل الخلاف في الصورتين إذا كانت أمهما حيةر فإن كانت ميتة .. قبلا قطعًا، فلو شهدا بطلاق أمهما، فإن كانت شهادة حسبة .. سمعت، أو بعد دعواها .. فلا. قال: (وإذا شهد لفرع وأجنبي ... قبلت للأجنبي في الأظهر)؛ لاختصاص المانع بالفرع. والثاني: لا تقبل؛ لأن الصيغة واحدة وقد ردت في البعض، فكذا في البعض الآخر. قال: (قلت: وتقبل لكل من الزوجين)؛ لأن الحاصل بينهما عقد يطرأ ويزول، فلا يمنع قبول الشهادة كعقد الإجازة. واحتج له ابن المنذر بما تقدم من حكم النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة علي الذين

وَلِأَخٍ وَصَدِيقٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رموها بالقذف، وأقام عليهم الحد، وإذا جاز الحكم .. فالشهادة الأولي. والثاني: تقبل شهادته لها دون عكسه؛ لأن لها النفقة عليه، فهي متهمة. والثالث: لا تقبل من الجانبيين؛ لتهمة الإرث، وبه قال الأئمة الثلاثة، هذا ما حكاه الشيخان. وفي رابع: إن كان موسرًا .. قبلت، وإلا .. فوجهان. وفي خامس: إن شهدت له بمال هو قدر قوتها في ذلك اليوم ولا مال للزوج غيره ... ردت؛ لعود النفع إليها، وتقبل في غير هذة الحالة، حكاهما شريح في (روضته). واحترز المصنف عن شهادة أحدهما علي الآخر، فإنها مقبولة؛ إذ لا تهمة إلا شهادته بزناها فلا تقبل لأمرين: أحدهما: أنه شهد بجناية على محل حقه فأشبه الشهادة بالجناية على عباده. والثاني: أن شهادته بزناها دالة على عداوتها، فإنها لطخت فراشة وأدخلت العار عليه، فهو أبلغ في العدواة من الضرب والسب. قال: (ولأخ وصديق والله أعلم)؛ لأن الأخوة والصداقة لا يبعثان على شهادة الزور، فإنه يحب لأخيه وصديقه ما يحب لنفسه، ولا يحب لنفسه المال الحرام. ومنع مالك من قبول شهادة الصديق الملاطف لصديقة بالهدية وغيرها، ومن قبول شهادة الخ لأخيه إذ كان منقطعًا إليه يصله ويبره. ونبه ب (الأخ) على جميع الحواشي، وهم من عدا الأصول والفروع، ولا خلاف عندنا في ذلك. وأما المولى من أعلي ومن أسفل .. فقبل شهادته جمهور الأئمة، ومنعها شريح. قال الزمخشري عند قوله تعالي: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)} جمع الشافع لكثرة الشافعين، ووحد الديق لقتله، ألا تري أن ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم .. مضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته رحمة له وإن يسبق له بأكثرهم معرفة، وأما الصديق ..... فهو الادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك، فأعز من بيض الأنوق.

وَلَا تُقْبَلُ مِنْ عَدُوٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل لبعضهم: أيما أحب إليك أخوك أم ديقك؟ قال: لا أحب أخي إلا إذا كان صديقي. وقال ابن عباس: الصديق آكد من القرابة؛ لأن الجهنميين لم يستغيثوا بالآباء والأمهات. فرع: قال: القاضي حسين والروياني: لا تقبل شهادة القانع لأهل البيت، وهو: الذي ينقطع عن مكاسبه ويلتجئ إلي أهل بيت يؤاكلهم، ويرمي عن قوسهم. وقال القاضي شربيح: تقبل شهادته لهم كالصديق لصديقه. ويدل لعدم القبول ما وراء أبو داوود (3595): (أن النبي صلي الله عليه وسلم رد شهادة القانع لأهل البيت، وأجازها لغيرهم). وعلل الخطابي ذلك بالتهمة، وإلي هذا ذهب أبو حنيفة. ومسألة القانع ليست في كلام الرافعي ولا المصنف ولا ابن الرفعة، والحق فيها أن الحديث إن صح .. كان حجة لمن منع قبول شهادته، لكن في إسناده محمد بن راشد، وهو متكلم فيه. والذي أفتي به الشيخ: أن شهادته مقبوله كالصديق والزوج والوكيل في غير ما وكل فيه. وشهادة المحدود في القذف وغيره مقبوله بعد التوبة، ورد مالك شهادة ولد الزنا. قال: (ولا تقبل من عدو)؛ لأن العداوة من أقوي الريب، وتقدم في أول الباب: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لا تجوز شهادة ذي ظنه ولا ذي حنة). و (الظنة): التهمة و (الحتة): العداوة، والمراد: العداوة الدنيوية الظاهرة؛ لأن الباطنة لا يطلع عليها إلا مقلب القلوب، ففي (معجم الطبراني) (طس 437): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي قوم في آخر الزمان إخوان العلانية أعداء السريرة) نسأل الله العافية.

وَهُوَ: مَنْ يُبْغِضُةُ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ، وَيَحْزَنُ بِسُرُورِهِ، وَيَفْرَحُ بِمُيِبَتِهِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعني في منع شهادة العدو: أن العداوة تقتضي إلي الشهادة بالباطل؛ لأنها عظيمة الموقع في النفوس، تسفك بسببها الدماء وتقتحم العظائم. و (العدو): ضد الولي، وجمعه أعداء وعدي. وقيل لأيوب عليه اليلام لما شفي: أي شئ كان أشد عليك من جملة ما مر بك؟ قال: شماتة العداء، وكان نبينا لى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منها. قال: (وهو: من يبغضه بحيث يتمني زوال نعمته، ويحزن بسروره، ويفرح بمصيبته) هذا التفسير لخصه الرافعي من كلام الغزالي وإمامه، والذي ذكره الرافعي والجمهور إنما هو مجرد البغض، ولا ينشأ تمني زوال النعمة إلا من الحسد، وهو من الكبائر. والأشبه: الرجوع في ذلك إلي العرف؛ إذ لا ضابط له في الشرع ولا في اللغه، وسواء كانت العداوة مكتسبة أو موروثة. فروع: ولد العدو تقبل شهادته عندنا؛ إذ لا مانع بينه وبين المشهود عليه، ولمالك فيه ثلاثة أقوال: تقبل مطلقًا، إن كان الأب المعادي حيًا ... لم تقبل، وإلا .. قبلت. روي الحافظ أبو عمر النمري وابن النجار والعسكري في (الأمثال) عن محمد بن طلحة عن أبيه عن أبي بكر الديق: أن النبي صلى اله عليه وسلم قال: (الود والعداوة يورثان، والمودة في الآباء لة في الأبناء). ولو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه، ثم شهد عليه .. قبلت شهادته عليه دون عكسه؛ لئلا يتخذ خصومه الشهود وسيلة إلي ذلك.

وَتُقبَلُ لَهُ, وَكَذَا عَلَيهِ فِي عَدَاوَةِ دِينٍ كَكَافِرٍ وَمُبتَدَعٍ. وَتُقبَلُ شَهَادَةُ مُبتَدِعٍ لاَ نُكَفِّرُهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو زالت العداوة بعد الشهادة ثم أعادها .. لم تقبل في الأصح؛ للتهمة. ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادته فزال المانع ثم أعادها .. قبلت شهادته. ولو شهد لمكاتبه بمال أو لعبده بنكاح فردت فأعادها بعد عتقهما .. فبالقول أجاب في (الشامل (, وصححه الفارقي وابن عصرون. قال: (وتقبل له)؛ إذ لا تهمة, والفضل ما شهدت به الأعداء. قال: (وكذا عليه في عداوة دين ككافر ومبتدع) فتقبل شهادة المسلم على الكافر, والدين على الفاسق, لأن العداوة الدينية لا توجب رد الشهادة, وكذلك تقبل شهادة الجلاد على المحدود, وكذا لو قال العالم: لا تسمعوا الحديث من فلان؛ فإنه يخلط, أو لا تستفتوه؛ فإنه لا يحسن الفتوى .. لم يقدح ذلك في قبول شهادته؛ لأن هذا نصح للناس. قال: (وتقبل شهادة مبتدع لا نكفره). المبتدع: من أحدث في الشريعة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, كمذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة والرافضة, فهؤلاء قبول شهادتهم مبني على تكفيرهم, فمن كفرهم .. لم يقبل شهادتهم, ومن لم يكفرهم –وهم الأكثرون- اختلفوا فيهم: قال زاهر السرخسي: لما قرب أجل أبي الحسن الأشعري .. دعاني وقال: اشهد علي أني لا أكفر أحدًا من أهل القبلة؛ لأن الجميع يشيرون إلى معبود واحد. والذي نص عليه الشافعي والجمهور: أن شهادة جميعهم مقبولة إلا الخطابية, وهم أصحاب أبي الخطاب الأسدي الكوفي, كان يقول بإلهية جعفر الصادق, ثم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ادعى الإلهية لنفسه, وهؤلاء يعتقدون أن الكذب كفر, وأن من كان على مذهبهم لا يكذب فيصدقونه على ما يقول ويشهدون له بمجرد إخباره, ومنهم من يستظهر عليه بتحليفه, وهذه شهادة زور. ومحل رد شهادتهم إذا شهدوا على مخالفيهم ولم يبينوا سبب الشغل, فإن شهدوا على موافقيهم أو على مخالفيهم وصرحوا بمعاينة الفعل .. قبلت شهادتهم, صرح به القاضي وغيره. وجمهور أصحابنا وغيرهم لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة, لكن اشتهر عن الشافعي تكفير الذين ينفون علم الله تعالى بالمعدوم, ولا شك في ذلك. وأما النافين للرؤسة والقائلين بخلق القرآن .. فنقل العراقيون عن الشافعي تكفيرهم, وكان يقول لحفص الفرد: نصفك مؤمن ونصفك كافر, تقول بخلق القرآن فتكفر, وتقول بالرؤية فتؤمن. قال المصنف: والصواب أنهم لا يكفرون, وتأول النص على أن المراد كفران النعم, لا الخروج عن الملة. ونقل الربيع عن الشافعي أنه قال: لا تقبل شهادة القدرية؛ لأنهم كفار, وقال القفال: لا يكفرون, واختاره الإمام والغزالي والمصنف, وهو ظاهر النص. أما من نفى إمامة أبي بكر أو قذف عائشة .. فقد كفر, وقال الشافعي: ما أحد أشهد بالزور من أهل الأهواء من الرافضة. فائدة: قال الشيخ عز الدين في (القواعد (: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة, قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة, فإن دخلت في قواعد الإيجاب .. فهي واجبة أو في قواعد التحريم .. فمحرمة, أو المندوب .. فمندوبة, أو المكروه .. فمكروهة, أو المباح .. فمباحة. فمن أمثلة الواجبة الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله, وذلك

لاَ مُغَفَّلٍ لاَ يَضبُطُ وَلَا مُبَادِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واجب؛ حفظًا للشريعة, وكذلك تدوين أصول الفقه وحفظ الغريب. وللبدع المحرمة أمثلة منها: مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة, والرد على هؤلاء من البدع الواجبة. ومن أمثلة المندوبة: إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول كصلاة التراويح. ومن المكروهة: زخرفة المساجد وتزويق المصاحف. ومن المباحة: المصافحة عقب الصبح والعصر, والتويع في المآكل والملابس. وروى البيهقي بإسناده في (مناقب الشافعي ((1/ 469) أنه قال: المحدثات ضربان: أحدهما: ما خالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا .. فهو بدعة ضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير .. فهو غير مذموم, وقد قال عمر في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه, يعني: أنها محدثة لم تكن. قال: (.. لا مغفل لا يضبط)؛ لعدم الوثوق بقوله, والغلظ اليسير لا يقدح في الشهادة؛ لأن أحدًا من الناس لا يسلم, فمن غلب عليه الغلظ والنسيان .. فالأكثرون على عدم قبول شهادته, ومن تعادل غلظه وضبطه .. فالظاهر: أنه كمن غلب عليه الغلظ. قال: (ولا مبادر) أي بالشهادة قبل الاستشهاد؛ للتهمة. ففي (الصحيحين ([خ 6428_ م 2535] عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في معرض الذم: (يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون (. وفي (صحيح مسلم ([1719] من حديث زيد بن خالد الجهني: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها (فجمع بينهما بحمل الثاني على ما تجوز المبادرة إليه وهو شهادة الحسبة, وحمل الأول على ما لا تجوز. و (المبادر): من يشهد من غير تقدم دعوى. فإن شهد بعد الدعوى قبل أن يستشهد .. ردت شهادته أيضًا على الأصح؛ للتهمة.

وَتُقبَلُ شَهَادَةُ الحِسبَةِ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى, وَفِيمَا لَهُ فِيهِ حَقٌ مُؤَكَدٌ كَعِتقٍ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا رددناها .. ففي صيرورته مجروحًا وجهان: الأصح: لا, وبناهما الهروي على أن المبادرة من الصغائر أم من الكبائر. ولا فرق في رد شهادة المبادرين بين أن يكون صاحب الحق عالمًا بشهادته أم لا. نعم؛ إن لم يكن عالمًا يندب له إعلامه حتى يستدعيه فيشهد, وقيل: إن لم يعلم .. فله المبادرة. فرع: تقبل شهادة من اختبأ وجلي في زاوية محتبيًا لتحمل الشهادة, ولا يحمل على الحرص؛ لأن الحاجة قد تدعوا إليه. وحكى الفوراني قولًا قديمًا: إنها لا تقبل, وهو شاذ, وفي كراهة ذلك وجهان في (أدب القضاء (لشريح الروياني. وقال مالك: إن كان المشهود عليه جلدًا لا ينخدع .. قبلت الشهادة عليه, وإلا .. فلا, وعلى المشهور يستحب أن يخبر الخصم أني شهدت عليك؛ لئلا يبادر إلى تكذيبه فيعزره القاضي. فلو قال رجلان لثالث: توسط بيننا لنتحاسب ونتصادق, ولا تشهد علينا بما جرى .. فهذا باطل, وعليه أن يشهد, قال ابن القاص: وترك الدخول في ذلك أحب إلي. قال: (وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى, وفيما له فيه حق مؤكد) وهو ما لا يتأثر برضا الآدميين. و (الحسبة): اسم من الاحتساب, وهو طلب الأجر. قال: (كعتق) سواء كان عبدًا أو أمة, خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: تقبل في عتق الأمة دون العبد, وتقبل في الاستيلاد دون التدبير, وتقبل في العتق بالتدبير ولا تقبل في الكتابة, فإن أدى النجم الأخير .. شهد بالعتق. وفي شراء القريب قولان: أصحهما: لا تقبل فيه شهادة الحسبة؛ لأنهم يشهدون

وَطَلاَقٍ وَعَفوٍ عَن قِصَاصٍ, وَبَقَاُء العِدَّةِ وَانقِضَاؤُهَا, وَحَدٌ للهِ, وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بالملك, والعتق يترتب عليه, فيحمل إطلاق على إرادة العتق غير الضمني. قال: (وطلاق) أي: بلا عوض, سواء الرجعي والبائن؛ لأن المغلب فيه حق الله تعالى بدليل أن الواقع لا يرتفع بتراضي الزوجين, وأما الخلع .. فأطلق البغوي المنع فيه؛ لأنه لا ينفك عن المال, وهي لا تقبل فيه. وقال الإمام: تسمع للفراق دون المال, وهو الذي ذهب إلييه القاضي والغزالي وصاحب (الحاوي الصغير (, ولم يصحح الشيخان فيه شيئَا. قال: (وعفو عن قصاص)؛ لأنها شهادة على إحياء نفس وهو حق الله تعالى. وقيل: لا, لأن ترك القاتل الدعوى مع الحرص على الحياة يورث تهمة في شهادتهم, ومن ذلك تحريم الرضاع والمصاهرة والبلوغ والإسلام والاستلام والزكوات والكفارات والوقوف والوصايا العامة. فإن كانت لجهة خاصة .. فالأصح: المنع. (و) منه: (بقاء العدة وانقضاؤها) وتحريم المصاهرة. قال: (وحد الله) أي: كالزنا والشرب وقطع الطريق, وكذلك السرقة على الصحيح, لكن الأفضل في الحدود الستر. واحترز المصنف عن حق الآدمي, فلا تقبل فيه كالقصاص وحد القذف والبيع والإقرار. وقيل: تقبل الحسبة في الدماء فقط, وقبل: والأموال أيضًا, وقيل: تقبل إن لم يعلم المستحق به, والأصح: المنع مطلقًا. قال: (وكذا النسب على الصحيح)؛ لأنه متعلق حقوق الله تعالى كالطلاق والعتاق. والثاني: لا تقبل, وصححه الغزالي وفاقًا للقاضي حسين.

وَمَتَى حَكَمَ بِشَاهِديَنِ فَبَانَا كَافِرَينِ أَو عَبدَينِ أَو صَبِيَّينِ .. نَقَضَهُ هُوَ وَغَيُرهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيفية شهادة الحسبة: أن الشهود يجيئون إلى القاضي ويقولون: نحن نشهد على فلان بكذا, فأحضره لنشهد عليه, فإن جاؤوا وقالوا: فلان زنى .. فهم قذفة. فروع: تقبل الشهادة بالرضاع المحرم, قال الرافعي: وفي (فتاوى القفال (: أنهما لو شهدا أن فلانًا أخو فلانة من الرضاع .. لم يكف حتى يقولا: وهو يريد أن ينكحها, وأنه لو شهد اثنان بطلاق وقضى القاضي بشهادتهما ثم شهد آخران أن بينهما رضاعًا محرمًا .. لم تقبل؛ إذ لا فائدة لها في الحال, وهو كما مر أن الشهادة بالعتق لا تقبل حتى يكون المشهود عليه يسترقه, وهذا يقتضي أن شهادة الحسبة إنما تسمع عند الحاجة. اهـ قال في (المهمات (: ظاهر كلام الغزالي وآخرين –كما قاله في (المطلب (- يشعر بخلاف ما في الفتوى المذكورة, ولو جاء عبدًا إنسان وقالا: إن سيدنا أعتق أحدنا, وقامت على ما يقولان بينة .. سمعت وإن كانت الدعوى فاسدة؛ لأن البينة على العتق مستغنية عن تقدم الدعوى. قال: (ومتى حكم بشاهدين فبانا كافرين أو عبدين أو صبيين .. نقضه هو وغيره)؛ لأن الحق أحق أن يتبع. وقوله: (فبانا) ليس بقيد, فلو بان أحدهما .. كان كذلك. والمراد: ظهور ذلك يوم الحكم, فلو شهد عدلان على فسقهما مطلقًا ولم يسندا ذلك إلى حالة الحكم .. لم ينقض؛ لاحتمال حدوثه بعد الحكم, والمعنى بالنقض أنا نتبين أن القضاء لم ينفذ, فإن القضاء عندنا لا يغير الحكم, خلافًا لأبي حنيفة. وتظهر ثمرة هذا في الفوائد الحادثة من العين المحكوم بها من وقت الحكم إلى أن ينقض فيكون لرب العين, قال الماوردي: وليس تمزيق السجل نقضًا للحكم حتى ينقضه بالقول ويجب عليه أن يسجل بالنقض, فإن لم يسجله في الحكم .. لم يلزمه في النقض.

وكَذَا فَاسِقَانِ فِي الأَظهَرِ. وَلَو شَهِدَ كَافِرٌ أَو عَبدٌ أَو صَبِيٌ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعدَ كَمَالِهِ .. قُبِلَت, أَو فَاسِقٌ تَابَ .. فَلَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا فاسقان في الأظهر)؛ لأن النص والإجماع دلا على اعتبار العدالة. والثاني –وبه قال أبو حنيفة- لا ينقض؛ لأن فسقهم إنما يعرف ببينة تقم=وم عليه, وعدالة تلك البينة لا تدرك إلا بالاجتهاد, والاجتهاد لا ينقص بالاجتهاد. وقيل: ينقص قولًا واحدًا. وأطلق المصنف وغيره إذا بان فسقهما عند الحاكم .. نقضه, وقيده القاضي بما إذا كان الفسق ظاهرًا غير مجتهد فيه, وترك ابن الرفعة إظلاق البينة عليه. قال القاضي: فإن كان الفسق مجتهدًا فيه .. فلا خلاف أنه لا ينقض. وهذه المسألة مكررة في الكتاب في قوله في (النكاح): (ولو بان فسق الشاهد عند العقد .. فباطل على المذهب). قال: (ولو شهد كافر أو عبد أو صبي ثم أعادها بعد كماله .. قبلت)؛ لأنه لا عار عليهم فيما لأجله ردت شهادتهم, فإن الكافر يفتخر بدينه, والصبي والعبد ليس زوال مانعهما إليهما فلا تهمة في الإعادة. وأطلق المصنف الكافر تبعًا ل (المحرر) , ومرادهما إذا كان يظهر كفره, فإن كان يستره وأعادها .. فالأصح في (الروضة) –وهو القياس في (الرافعي) -: عدم القبول, وقد سوى المصنف بينهما في (باب صلاة الجماعة) فصحح أن مخفي الكفر كمعلنه, فيحتاج إلى الفرق, وكذا ينبغي أن يكون حكم كل من يكفر ببدعة إذا رجع عنها وتاب. ولو ردت شهادته لعداوة فزالت وأعادها .. لم تقبل في الأصح, ويجريان فيما لو شهد لمكاتبه بمال أو لعبده بنكاح فردت فأعادها بعد عتقها. قال: (أو فاسق تاب .. فلا)؛ لأنه قد يخفى فسقه والرد يظهره, فيسعى في دفع عار الرد السابق, ويواء في هذا المعلن بفسقه وغيره, وقال المزني في (المنثور (وأبو ثور: تقبل كما لو أعادها الثلاثة قبله.

وَتُقبَلُ شَهَادَتُهُ بِغَيرِهَا بِشَرطِ اختِبَارِهِ بَعدَ التَّوبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِها صِدقُ تَوبَتِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورة المسألة: أن يخفى على القاضي حكمهم. وجوزنا سماع الشهادة عند الجهل بالحرية والإسلام, وإلا .. فلو علم القاضي بالصبا والرق .. لا يصغي لسماع شهادتهم, وأما الفاسق, فإن احتاج إلى نظر فيه .. أصغى إليه ولم يمنعه إقامتها, وإن كان معلنًا به .. لم يصغ إليه, ويمنعه من إقامتها على الأصح. ثم إن أراد لا يختص بالفسق, بل من لا مرؤة له إذا خفيت حاله كذلك, نص عليه الشافعس, ولهذا جمع في (التنبيه (بينهما. فرع قال القاضي: بعد الحكم بشهادة شاهدين بان لي أنهما كانا فاسقين ولم تظهر بينة .. أفتى الغزالي بأنه إذا لم يتهم في قضائه بعلمه .. مكن من نقضه. قال: ولو قال: أكرهني السلطان على الحكم بقولهما وكنت أعرف فسقهما .. قبل قوله من غير بينة الإكراه. ولو بان بالبينة أن الشاهدين كانا والدي المشهود له أو لديه أو عدوي المشهود عليه .. نقض الحكم. قال: (وتقبل شهادته بغيرها) أي: غير تلك الشهادة التي يشهد بها حال فسقه بالاتفاق؛ إذ لا تهمة فيها. فرع: التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال ابن الصلاح: لا تقبل روايته, ونقله الصيمري في (شرح الإيضاح (كذلك, وقال: إنه مما تخالف فيه الرواية الشهادة. وخالفهما المصنف فقال في (شرح مسلم (: المختار القبول, ولا يقوى الفرق بينه وبين الشهادة. قال: (بشرط اختباره بعد التوبة مدة يظن بها صدق توبته)؛ لأن التوبة من أعمال القلوب, وهو متهم بترويج شهادته, فاعتبر الشرع ذلك؛ ليقوى ما ادعاه.

وَقَدَّرَهَا الأَكثَرُونَ بِسَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والكلام مسوق لبيان التوبة من المعصية الفعلية كالزنا والسرقة والشرب والغصب وغيرها من الكبائر إذا ظهرت على مرتكبيها, فمجرد إظهار التوبة عنها لا يكفي في قبول الشهادة, بل لا بد من اختباره. قال: (وقدرها الأكثرون بسنة)؛ لأن لمضي فصولها الأربعة أثرًا بينًا في تهييج النفوس وانبعاثها لشهواتها, فإذا مضت على السلامة .. أشعر ذلك بحسن السريرة, وقد اعتبر الشرع السنة في العنة والزكاة والجزية والتغريب. ثم هل المدة تقريب أو تحديد؟ وجهان في (الحاوي) , أظهرهما الأول. وقيل: تكفي ستة أشهر, ونسب إلى النص, قال القاضي أبو الطيب: ولا معنى له؛ لأنه لم يرد في الشرع التقدير بهذه المدة إلا في أقل الحمل. وقيل: شهران, وقيل: شهر واحد, نقله إبراهيم المروروذي والبغوي في (التعليقة). وعن البخاري: خمسين يومًا بدليل المخلفين في غزوة تبوك. وقيل: لا يتقدر شيء من ذلك,, وإنما المعلر حصول غلبة الظن بصدقه, ويخلف الحال فيه بالأشخاص وأمارات الصدق, فرب شخص كوم يعسر الوقوف على سرائره يطول استبراؤه, ورب معلن لا يتماسك في الإخفاء فيقرب, وصحح هذا القاضي حسين والعبادي والبغوي في (التعليقة) , والإمام والغزالي والشاشي وصاحب (الترغيب) , والشيخ عز الدين وغيرهم. تنبيهات: أحدها: احراز المصنف عمن ردت شهادته لغلطة في الشهادة .. فإنه لا يستبرأ, أو لحرصه على أدائها قبل الاستشهاد .. فإنه لا يستبرأ كما قاله البغوي. وقال الإمام: يستبرأ دون استبراء الفاسق.

وَيُشتَرَطُ فِي تَوبَةِ مَعصِيَةٍ قَولِيَّةٍ القَولُ, فَيَقولُ القَاذِفُ: قَذفِي بَاطِلٌ, وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيهِ وَلاَ أَعُودُ إِلَيهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ردت شهادته في القذف لنقصان العدد, إذا أوجبنا عليه الحد .. لا يجب استبراؤه عند الجمهور, فإن قذف سبًا .. اشترط استبراؤه بالمدة المذكورة. الثاني: يستثنى من إطلاقه ما إذا عصى الولي بالعضل والممتنع من القضاء إذا تعين عليه, فيزوج وتقبل في الحال كما تقدم, وكذلك ناظر الوقف بشرط الواقف بشرط الواقف إذا فسق ثم عاد عادت ولايته. وكذلك من كان يخفي الفسق إذا أقر به ليقام عليه الحد .. تقيل شهادته بعد توبته من غير استبراء, قاله الماوردي والروياني؛ لأنه لم يظهر التوبة عما كان مستورًا عليه إلا من صلاح. الثالث: ظاهر عبارته تخصيص الاستبراء بالفسق, فلو زال غيره من الموانع كالصبا والجنون والكفر والرق .. لا يشترط فيها مدة؛ لأنها لا يطول النظر في زوالها. قال: (ويشترط في توبة معصية قولية القول) أي: مع ما تقدم في التوبة الباطنة والظاهرة. وقال الشافعي: توبته إكذابه نفسه؛ لأنه أذنب حيث نطق بالقذف, كما أن التوبة من الردة بكلمة الشهادة. قال: (فيقول القاذف: قذفي باطل, وأنا نادم عليه ولا أعود إليه) , ولا يكلف أن يقول: كذبت, فربما كان صادقًا فكيف نأمره بالكذب؟! وقال الإصطخري: يشترط أن يقول: كذبت فيما قدمت ولا أعود إلى مثله؛ لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توبة القاذف إكذابه نفسه (كذا استدل به الرافعي, وهو غريب. ولا فرق بين أن يكون موجبًا للحد أو التعزير بأن قذف غير محصن, ولا بين أن يكون على صورة السب أو الشهادة كما تقدم.

وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ. قُلتُ: وَغَيرُ القَولِيَّةِ يُشتَرَطُ إِقلَاعٌ, وَنَدَمٌ, وَعَزمٌ أَن لاَ يَعوُد, َ وَرَدٌّ ظُلاَمَةِ آدَمِيِّ إِن تَعَلَقَت بِهِ, واللهُ أَعلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا شهادة الزور) فيقول في التوبة منها: كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله. قال: (قلت: وغير القولية بشرط إقلاع, وندم, وعزم أن لا يعود, ورد ظلامة آدمي إن تعلقت به والله أعلم) فلا تكمل التوبة إلا بذلك؛ لقوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} وهو الندم , {ولَمْ يُصِرُّوا} وهو العزم. وروي عن عمر أنه قال: (بقية عمر المرء لا قيمة لها, يدرك بها مما فات, ويحيي بها ما مات, ويبدل سيئاته حسنات). ولأن الإقلاع يتعلق بالحال, والندم بالماضي, والعزم بالمستقبل. والمراد ب (الإقلاع): تركه في الحال إذا كان ملتبسًا به أو مصرًا على معاودته. وشرط القاضي حسين في التوبة أن يستغفر الله بلسانه. هذا في حقوق الله الخالية عن الحد, فإن تعلق بآدمي .. وجب رابع وهو خروجه عنه إلى مستحقه إن أمكنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال .. فليستحله قبل أن لا يكون دينار ولا دررهم, فإن كان له عمل .. يؤخذ منه بقدر مظلمته, وإلا .. أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه (رواه مسلم. قال المصنف: حتى لو تلفت عنده وكان مفلسًا .. وجب عليه التكسب والأداء لتصح التوبة. وعلى هذا: لا تصح التوبة المكاس حتى يرد أموال الناس, وكذلك سائر الظلمة, ولا السارق حتى يرد ما سرق, فإن تعذر عليه المستحق أو وارثه .. سلمه للإمام أو قاض عادل, فإن تعذر .. تصدق به عنه عند انقطاع خبره بنية الغرامة؛ فإن لم يفعل .. لم تصح توبته, كذا في (الإحياء) و (الرقم) للعبادي. وفي (سنن أبي داوود) [2930] عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل صاحب مكس الجنة) قال البيهقي [7/ 16]: (المكس): هو النقصان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا كان العامل في الصدقات ينقص من حقوق المساكين ولا يعطيهم إياها بالتمام .. فهو حينئذ صاحب مكس يخاف عليه الإثم والعقوبة. وقال في (الكفاية (: شرط الأصحاب الندم والعزم خاصة, والإقلاع زاده الرافعي وغيره من المتأخرين, وكأن الجمهور إنما لم يتعرضوا له؛ لأنه من ثمرات التوبة, وكذلك اقتصر في (الإرشاد (على حدها بالندم. وقال في (الأحياء (: كثيرًا ما يطلق اسم التوبة على الندم, وجعل الترك كالثمرة والتابع, وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة (رواه ابن ماجه [4252] , وصححه الحاكم [4/ 243] وابن حبان [612]. واعتبر الأستاذ أبو إسحاق وغيره من الأصوليين شرطًا رابعًا وهو: الإخلاص لله تعالى, وحتى لو عوقب على جريمة فندم وعزم على عدم العودة لأجل ما حل به خوفًا من وقوع مثله .. لم يكف, وهذا لا يحتاج إليه؛ لأنه شرط في كل عبادة, والكلام في خصوص التوبة. وزاد غيره خامسًا وهو: أن لا يغرغر؛ لقوله تعالى: {ولَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ} , وسادسًا وهو: أن لا تطلع الشمس من مغربها. وقد تكون التوبة بالندم خاصة في حق من ليس متلبسًا بها في الحال ولا في المستقبل كتوبة المجبوب من الزنا؛ فإنها مقبولة خلافًا لبعض المعتزلة. والتوبة من أعظم العبادات فلا بد فيها من النية. ولا يشترط في التوبة عن ذنب التوبة عن غيره, فقد يتوب عن ذنب دون ذنب. ولا يبطل التوبة عن ذنب العود إليه, خلافًا للمعتزلة. وعبارة المصنف تشمل المال والقصاص وحد القذف, وكان الأحسن أن يقول: والخروج منها إن أمكنه؛ ليشمل الرد والإبراء من المال والعرض, ولئلا يوهم أنه إذا تعذر الرد .. لا تصح التوبة, وليس كذلك؛ فقد ذكر الأصحاب أن المغتاب يستحل ممن اغتابه, فإن تعذر بموته أو غيبته الشاسعة .. استغفر الله, ولا اعتبار بتحليل الورثة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال العبادي: والحسد كالغيبة في ذلك, وهو أن يهوى زوال نعمة المحسود, فيخبر المحسود بما أضمره ويستحله, ويسأل الله أن يزيل عنه هذه الخلة. قال في (الروضة): المختار بل الصواب: أنه لا يجب إخبار المحسود, بل لا يستحب, ولو قيل: يكره .. لم يبعد, ثم قال:: وهل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة, أو تشترط معرفتها للعافي؟ وجهان سبقا في (كتاب الصلح) , وهما إنما سبقا في (الضمان) بلا ترجيح, ورجح في الأذكار الاشتراط؛ لأن الإنسان قد يسمح بالعفو من غير بيان غيبة دون ما إذا كانت معينة, وكلام الحليمي يقتضي الجزم بالأول. تنبيه: مقتضى كلامهم أن ما توقف من المعاصي على حد واستوفى لا يكفي, بل لا بد معه من التوبة, وبه صرح البيهقي في (شعب الإيمان ([4062] فقال: وقد جاءت أحاديث في أن الحدود كفارة, وكأن هذا إذا تاب, بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للسارق حين قطعه: (تب إلى الله (, فقال أتوب إلى الله, ولكن صرح المصنف في (شرح مسلم (و (الفتاوى (: أن الاستيفاء مسقط للإثم وللطلب في الآخرة, وقضيته عدم الاحتياج للتوبة, والأشبه: التفصيل بين من سلم نفسه امتثالًا لأمر الله .. فيكون ذلك توبة, أو قهرًا .. فلا يبعد تنزيل الأحاديث على ذلك. فروع: الأول: لو قصر الشخص فيما عليه من الدين أو المظلمة ومات المستحق واستحقه وارث بعد وارث .. فمن المستحق له في الآخرة؟ إن كان صاحبه ادعاه فجحده وحلف .. فهو المستحق له بلا خلاف, وإلا .. ففيه أوجه. أصحها: أنه للأول. والثاني: لآخر من مات من ورثته أو ورثة ورثته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: -ذكره العبادي في (الرقم) -: أنه يكتب الأجر لكل وارث مدة حياته, ثم بعده لمن بعده. ولا خلاف أنه لو دفع الحق إلى بعض الوارثين عند انتهاء الاستحقاق إليه أو أبرأه .. أنه يسقط ويتوب عن معصية المماطلة, فإن كان من عليه الحق معسرًا ونوى الغرامة إذا قدر .. قال القاضي حسين: يستغفر الله له أيضًا, فإن مات قبل أن يقدر .. قالالرافعي: فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة. قال المصنف: وظواهر السنة الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة إذا كان معسرًا عاجزًا إن كان عاصيًا بالتزامه, فأما إذا استدان حيث تباح له الاستدانة كما لو استدان في غير معصية ولا سرف وهو يرجو الوفاء من سبب ظاهر فاستمر العجز إلى الموت, أو أتلف شيئًا خطأ وعجز عن غرامته حتى مات .. فالظاهر: أن هذا لا يطالب في الآخرة, والمرجو من فضل الله تعالى أن يعوض صاحب الحق. الثاني: من تاب عن معصية ثم ذكرها .. قال القاضي أبو بكر الباقلاني: يجب عليه تجديد التوبة منها كلما ذكرها. وقال إمام الحرمين: لا يجب, بل يسنحب, وعلى الأول: لو لم يجددها .. كان ذلك معصية جديدة تجب التوبة منها, والتوبة الأولى صحيحة. الثالث: قال ابن عبد السلام: إذا مات شخص وعليه دين تعدى بسببه أو بمظلمة .. أخذ من حسناته بمقدار ما ظلم به, فإن فنيت حسناته .. طرح عليه من عقاب سيئات المظلومين ثم ألقي في النار, وإن لم يتعد بسببه ولا بمظلمة .. أخذ من حسناته في الآخرة كما تؤخذ في الدنيا حتى لا يبقى له شيء, ولا يؤخذ ثواب إيمانه كما لا تؤخض في الدنيا ثياب بدنه, فإن فنيت حسناته لم يطرح عليه شيء من سيئات خصمه. تتمة: المرتد يعود إلى الإسلام, هل تقبل توبته بمجرد العود أو لا بد من الاستبراء كالفاسق يتوب؟ يصعب القول بعدم استبرائه مع أن معصيته أغلظ المعاصي, ويصعب

فَصلٌ: لاَ يٌحكَمٌ بِشَاهِدٍ إِلاَّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فِي الأَظهَرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ استبراؤه والإسلام يجب ما قبله, والذي اقتضاه كلام الأصحاب: أن توبته تقبل بمجرد الإسلام, وبه صرح الإمام, قال: وليس إسلامه توبة من كفره, وإنما توبته ندمه على كفره, ولا يتصور أن يؤمن ولا يندم على كفره, بل تجب مقارنة الندم على الكفر, ولذلك انعقد الإجماع الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره .. صحت توبته وإن استدام معاصي أخر؛ لأنه لما أسلم أتى بضد الكفر, فلم يبق بعده احتمال, وليس كذلك إذا تاب بعد الزنا والشرب. وقلب الماوردي: إذا أسلم عاد إلى حاله قبل الردة, فإن كان مقبول الشهادة .. قبل, وإلا .. فلا. قال: (فصل): لا يحكم بشاهد إلا في هلال رمضان في الأظهر)؛ لما تقدم في (كتاب الصيام) , وليست مكررة في الكتاب؛ لأنها ذكرت هنا لقصد الحصر وهو زائد على ذلك. ولا يرد على حصره القضاء بشاهد ويمين وإن قلنا: إن القضاء فيه شاهد على وجه؛ فإنا لم نكتف فيه به, بل اشترطنا معه اليمين. وإذا حكم حاكم في هلال رمضان بشهادة واحد .. لم ينقض بلإجماع, ووجب صومه بالاتفاق. وقال أبو حنيفة: يثبت رمضان في الغيم بواحد, وفي الصحو تعتبر الاستفاضة والاشتهار, ويختلف ذلك بصغر البلد وكبره, وقد تقدم في (الصيام) أن ثبوته بواحد بالنسبة إلى الصوم فقط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما يقبل فيه الشاهد الواحد: إذا مات ذمي فشهد عدل أنه أسلم .. لم يكف في إرثه وحرمانه, وفي الاكتفاء به في الصلاة عليه وجهان بناء على القولين في هلال رمضان. ومنها: الشهادة بالبلوغ, نقل ابن الفركاح عن الماوردي أنه يكتفى فيها بشاهد , وتكون شهادة لا خبرًا, والماوردي إنما قال: شاهدًا عدل بالبينة. ومنها: المسمع للقاضي كلام الخصوم, ولخصوم كلام القاضي, يقبل فيه كلام الواحد وهو من باب الشهادة كما ذكره الرافعي قبيل (القضاء على الغائب). ومنها: حكى الرافعي عن (التهذيب (أنه لا شهادة, وهو خلاف ما فهمه الرافعي عنه هنا. ومنها: سبق عن الغزالي في (اللقطة) الميل إلى الاكتفاء بواحد في الشهادة لمدعي ملكها. ومنها: سبق في (الأقضية): أن للقاضي أن يكتفي بخبر العون الواحد العدل في امتناع الخصم المتعزز. وذكر المصنف في 0القسامة) أن شهادة الواحد لوث, وفي (القسمة) الاكتفاء بقاسم واحد, وفي (زكاة النبات) الاكتفاء بخارص, وبقيت مسائل فيها خلاف: منها: لو نذر صوم شعبان فشهد واحد برؤيته .. قيه وجهان تقدما في أول (كتاب الصيام). ومنها: ثبوت هلال الحجة بواحد .. فيه وجهان حكاهما الدارمي والقاضي حسين.

وَيُشتَرَطُ لِلِزِنَا أَربَعَةُ رِجَالٍ, وَلِلإقرَارِ بِهِ اثنَانِ – وَفِي قَولٍ: أَربَعَةٌ - ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: هلال شوال .. قال أبو ثور: يثبت بواحد, قال الإمام: وهو متجه. وحكى الرافعي في (الباب الثالث) عن أبي الفرج السرخسي وجهًا: أنه يجوز اعتماد خبر الشخص الواحد إذا سكن القلب إليه. قال: (ويشترط لللزنا أربعة رجال)؛ لقوله تعالى: (والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) , وقوله تعالى: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ). وفي (صحيح مسلم ([1498/ 15] عن سعد بن عبادة أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: (نعم (ولأنه من أغلظ الفواحش, فغلظت فيه الشهادة ليكون أستر. وإنما تقبل إذا قالوا: حانت منا التفاتة فرأينا, وهذا لا خلاف فيه, وكذا لو قالوا: تعمدنا النظر لإقامة الشهادة على الصحيح, فإن قالوا: تعمدنا لغير الشهادة .. فسقوا بتعمده وردوا جزمًا. قال: (وللإقرار به اثنان) كغيره من الأقارير. قال: (وفي قول: أربعة)؛ لأنه تتعلق به إقامة الحد فأشبه نفس الزنا, وهذا الخلاف لا يختص بالإقرار بالزنا, بل يجري في الأقارير بالقذف فيقبل فيه اثنان على الصحيح. وإذا شهد بالإقرار على الزنا اثنان وقلنا: لا يثبت بذلك .. فلا حد عليهما جزمًا؛ لأنهما لم ينسباه إلى الزنا, وكذلك الحكم في اللواط وإتيان البهيمة لا يثبت إلا بأربعة على المذهب. ومقدمات الزنا كالقبلة والمفاخذة صرح الماوردي بأن فيها الخلاف في اللواط, وكلام القاضي حسين يقتضي أنه لا خلاف في ثبوتها بشاهدين. ويشترط في شهود الزنا أن يذكروه مفسرًا فيقولون: رأيناه أدخل فرجه في فرجها, وهل يشترط التشبيه بالمرود في المكحلة أو كالإصبع في الخاتم؟ فيه وجهان: أصحهما: لا. والمراد بالذكر هنا: الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الأصح, وأن يعينوا المزني

وَلِمَالٍ وَعقدٍ مَالِيٍّ كَبَيعٍ وَإقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ وَحَقِّ مَالِيِّ كَخِيَارٍ وَأجَلٍ .. رَجُلانِ أَو رَجُلٌ وَامرَأَتَانِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بها, وأن يذكروا مكان الزنا, وفي ذكر زمانه وجهان. واعتبر الروياني شرطًا رابعًا وهو تقدم لفظ الشهادة على لفظ الزنا, فإن العكس .. لم تسمع؛ لأنه صار متهمًا في دفع حد القذف عنه. ويستحب للشاهد أن يتوقف عن الشهادة فيه وفي الشرب ونحوهما. قال: (ولمال وعقد مالي كبيع وإقالة وحوالة وضمان وحق مالي كخيار وأجل .. رجلان أو رجل وامرأتان)؛ لعموم قوله تعالى: (واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ) , فكان على عمومه إلا ما خص بدليل, قال أبو الطيب: وهو إجماع, والمعنى في تسهيل ذلك: كثرة جهات المداينات وعموم البلوى بها. ودخل في (الخيار) خيار المجلس والشرط, ولا الفرق في الرجل والمرأتين بين أن تتقدم شهادته عليهما أو تتأخر عنهما, وسواء قدر على رجلين أو لم يقدر إلا على رجل وامرأتين, والخنثى كالمرأة. ومما يثبت بذلك الوقف وإن قلنا بانتقاله لله تعالى كما تقدم. وأما الشركة والقراض .. فلا يثبتان إلا برجلين على الراجح في (الشرح (و (الروضة (. قال في (المطلب (: ينبغي أن يقال: إن كان المدعي فيهما يروم إثبات التصرف .. فهو كالوكيل لا بد فيه من شاهدين, وإن كان يروم إثبات حصته من الربح .. ثبت برجل وامرأتين؛ إذ المقصود المال كما سيأتي في مسألة الصداق. تنبيهان: أحدهما: جعله الإقالة من أمثلة العقد إنما يأتي على الوجه الضعيف لا على الصحيح القائل: إنها فسخ, فلو قال: وعقد مالي وفسخه .. لاستقام, وكذا عطفه الحوالة على البيع, وهي بيع دين بدين.

وَلِغَيرِ ذَلِكَ مِن عُقُوَبةٍ للهِ تَعالَى أو لِآدمِيِّ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيهِ رِجَالٌ غَالِبًا كَنِكَاحٍ وَطَلاَقٍ وَرَجعَةٍ وَإسلاَم وَرَدَّةٍ وَجَرحٍ وَتَعدِيلٍ وَمَوتٍ وَإعسَارٍ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايةٍ وَشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ .. رَجُلاَنِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: مما يثبت برجل وامرأتين: الشفعة والمسابقة وحصول السبق, وقد تصحفت اللفظة على المصنف فقال: وخيول السبق بالخاء المعجمة والياء آخر الحروف. ومما يثبت بذلك: الصلح والمساقاة والمزارعة والرهن على الصحيح, والعارية والهبة والوصية بالمال أو بما ينتفع به, والصداق والجناية التي لا تقتضي إلا المال كقتل الخطأ, وقتل الصبي والمجنون, وقتل الحر العبد والمسلم الكافر, والأصل فرعه, والجائفة والخاشمة والمنقلة إذا لم يتقدمها إيضاح. إنما هو الأداء والعتق يترتب عليه. ومن هذا النوع: اللشهادة بطاعة المرأة؛ لاستحقاقها مؤن النكاح , واستحقاق الصيد بأزمانه , والسلب بقتل الكافر , والإقرار بكل ما ثبت برجل وامرأتين. قال (ولغير ذلك) أي: ما ليس بمال ولا يقصد به المال (من عقوبة الله تعالى أو لأدمى وما يطلع عليه رجل غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وردة وجرح وتعديل وموت وإعسار ووكالة ووصاية وشهادة .. رجلان) أما العقوبات .. فلما رواه مالك عن الزهري أنه قال: (مضت السنة أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا فى النكاح والطلاق) وهذا وإن كان مرسلا .. فهو حجة على أبى حنيفة؛ لأنه يقول بحجيته , وقد رواه ابن حزم [المحلى 9/ 397] بلفظ: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده ...) وألحق به التقارير؛ لأنها في معناه , ومقتضى هذا أنه لا يثبت بعلم القاضى كما صرح به في (الأقضية). وأما مايطلع عليه الرجال غالبا .. فلأن الله تعالى قضى في الشهادة فيما سوى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموال على الرجال دون النساء في ثلاثة مواضع: الطلاق والرجعة والوصية , ونص عليه الصلاة والسلام عليها فى النكاح , وفى حديث الزهري النص على أنه لا تقبل شهادة النساء فى النكاح ولا في الطلاق. وأما الوكالة فى الأموال .. فلا تثبت إلا برجلين؛ لعموم الآية , وقيل: تثبت بما يثبت به المال , وأختاره ابن سريج والقاضي حسين. تنبيه: يستثنى من مسألة النكاح ما إذا ادعت أنه ادعت أنه نكحها وطلقها وطلبت شطر الصداق , أو أنها زوجه فلان وطلبت الإرث , فيثبت نكاحها برجل وامرأتين , وبشاهد ويمين؛ لأن مقصودها المال , قال الرافعي في أخر (الدعاوى) , وبه أفتى الغزالي. ويستثنى من الجرح: ما لو ادعى تكذيب المدعي لشهوده بالمال .. فأنه يحكم فيه بشاهد ويمين كما نقله ابن الرفعة عن (البحر (, وعلله بأن تكذيبه لبينته يوجب سقوط حقه لا جرح الشهود. ويستثنى من الإسلام ما لو ادعاه واحد من الكفار قبل أسره وأقام شاهدا وامرأتين .. فإنه يكفيه؛ لأن المقصود نفي الاسترقاق, والمفادة دون نفي القتل, نقله الماوردي قبيل مسألة العلج. فروع: إذا كان المدعى به على إنسان مالًا وشهد به اثنان, فإن كان عينًا وطلب المدعي الحيلولة بينها وبين المدعى عليه إلى أن يزكى الشاهدان .. أجيب إليه على الأصح, وإن كان دينًا .. لم يستوف قبل التزكية على الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو سأل المدعي الحاكم أن يحجو على المدعى عليه في المال خشية أن يضيع ماله أو يحتال فيقر به لإنسان .. حكى الإمام عن الأكثرين أنه لا يجاب, ورجحه. وقال القاضي حسين: إن توهم القاضي ذلك فيه بأن عرفه محتالًا .. أجابه, وإلا .. فلا. وإن سأل المدعي أن يحبس المدعى عليه حتى تثبت عدالته .. حبس على الأصح إلى أن يزكي شاهديه؛ لأن الظاهر العدالة, ولأن المدعي فعل ما عليه من إحضار البينة, وبقي ما على الحاكم من التعديل والمرجع في مدة حبسه إلى القاضي. وفي وجه: لا يحبس, وصححه جماعة؛ لأنه عقوبة والأصل برتءة الذمة. والحق أنه لم يثبت بعد, ولا خلاف أنه لا يحبس؛ لاستزكاء البينة في حدود الله تعالى. ولو كان المدعى به نكاح امرأة .. فتجعل المرأة عند ثقة وتمنع من الخروج على الصحيح, فإن كانت المرأة مزوجة .. قال القاضي أبو سعد: لم يمنع منها زوجها قبل التعديل, وأقره الشخان عليه, واستشكله في (المهمات (بأنهما قالا في الأمة بتحتم الحيلولة احتياطًا للبضع. وكذا لو ادعت المرأة الطلاق وأقامت شاهدين .. يفرق الحاكم بينهما قبل التزكية, ومراعة الاحتياط في الحرة معتبرة أكثر. ولو أقام شاهدًا واحدًا وسأله أن يحبسه حتى يأتي بالثاني من مكان قريب .. ففي إجابته قولان: أظهرهما عند الجمهور: لا يحبس؛ لأن الحق لم يثبت بعد. والثاني: يحبس؛ لأنه لما حبس لكمال العدد ونقص العدالة .. فليحبس لكمال العدالة ونقص العدد, فلو كان الشاهد الثاني بعيدًا يتعذر حضوره في ثلاثة أيام .. لم يحبس قطعًا. فإن كان المدعى قصاصًا أو حد قذف .. حبس المشهود عليه؛ لأن الحق يتعلق ببدنه فيحتاط له, قال البغوي: سواء قذف زوجته أو أجنبية.

وَمَا تَختَصٌّ بِمَعرِفَتِهِ النِّسَاءٌ أَو لاَ يَرَاهُ رِجَالٌ غَالِبًا كَبَكَاَرةٍ وَوِلاَدَةٍ وَحَيضٍ وَرَضَاعٍ وَعُيُوبٍ تَحتَ الثِّيابِ يَثبُتُ بِمَا سَبَقَ وَبِأرَبعِ نِسوَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثمرة والغلة الحادثتان بعد شهادة الشاهدين وقبل التعديل للمدعي, وبين شهادة الشاهد الأول والثاني لا تكون له, إلا إذا أرخ الثاني ما شهد به بيوم شهادة الأول, أو بما قبله, حكاه القاضي عن النص. قال: (وما تختص بمعرفته النساء أو لا يراه رجال غالببًا كبكارة وولادة وحيض ورضاع وعيوب تحت الثياب يثبت بما سبق وبأربع نسوة) أما النسوة المنفردات .. فلما تقدم عن الزهري, والمعنى فيه: الحاجة؛ لتعذر إثباتها بالرجال غالبًا. وحكى الشافعي في (أحكام القرآن) الإجماع في الولادة وعيوب النساء. وأما اعتبار الأربع .. فلأن ما ليس بمال لا يثبت إلا برجلين, والله قد أقام الرجل مقام امرأتين, وفي (صحيح مسلم) [80]: (شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل). وعن الاصطخري: أن الرضاع وعيوب النساء الباطنة لا تثبت إلا بالنساء المتحضات, حكاه الإمام في (كتاب الرضاع). قال الماوردي في (كتاب اللعان): ويشترط في شهادة الرجال بالولادة أن يذكروا مشاهدة ذلك من غير تعمد نظر. ونبه ب (البكارة) على مقابلها وهي الثيوبة كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ}. تنبيهات: أحدها: كلامه صحيح في أن الحيض مما تمكن الشهادة عليه, وهو الصحيح كما صرح به في (الروضة) ههنا, بخلاف ما ذكره فيها وفي (أصلها) في (كتاب الطلاق)؛ لأن الدم وإن شوهد لا يعلم أنه حيض لاحتمال أنه استحاضة, وصرح بمثله في (الديات) عند الكلام على دية الشم, ويمكن حمل كلامه على عسر البينة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا على تعذرها بالكلية, لكن مسألة الرضاع مكررة؛ فإنها تقدمت في بابها, ثم إن الرافعي قيده هناك عن المتولي بما إذا كان من الثدي, فإن كان من إناء حلب فيه .. لم تقبل الشهادتين, لكن تقبل على أن هذا اللبن من هذه المرأة, وهذا قد يخرج من قول المصنف: (أو لا يراه رجال). واحترز ب (العيوب تح الثياب) عن العيوب الظاهرة في الوجه والكفين, فلا تقبل شهادتين بها؛ لأن العلة في قبولها مفقودة في ذلك, وقد صرح به الماوردي فقال: إنه لا تقبل في ذلك إلا شهادة الرجال إجماعًا, ولم يفصل بين الحرة والأمة. وعبارة المصنف أشمل من قول (المحرر (و (الروضة (: تحت الأزرار, فبين العبارتين كثير تفاوت. والجراحة على فرج المرأة لا تلحق بالعيب؛ لأن جنس الجراحة مما يطلع عليه الرجال غالبًا, قاله البغوي, وصوب المصنف أنها ملحقة بالعيوب تحت الثياب. والذي قاله البغوي نقله ابن الرفعة عن القاضي حسين والبندنيجي, قال: وقد أشار إليه الأصحاب, بل ادعى القاضي أبو الطيب الإجماع عليه. الثاني: ما قبل فيه شهادة النسوة على فعله لا يقبل على الإقرار به, وهو مفهوم من عبارة المصنف هنا؛ فإنه مما يسمعه الرجال غالبًا كسائر الأقارير. الثالث: قوله: (بما سبق وبأربع نسوة) يقتضي أنه لا يثبت بشاهد ويمين, وبه صرح الماوردي في (الرضاع) , قال الرافعي: وهو المرفق لإطلاق عامة الأصحاب. ولو اقتصر على قوله: (وبأربع) .. لعلم اختصاصه بالنسوة؛ لأن التاء لا تحذف إلا من المؤنث. الرابع: حبث قبلنا الشهادة بالعيوب يشترط في الشهادتين العلم بالطب كما حكاه الرافعي في (الوصية) عن (التهذيب (.

وَمَا لاَ يَثبُتُ بِرَجُلٍ وَامَرأتَينِ لَا يَثبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمينٍ, وَمَا يَثبُتُ بِهِم يَثبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وما لا يثبت برجل وامرأتين لا يثبت برجل ويمين) لأن الرجل والمرأتين أقوى وما لا يثبت بالأقوى لا يثبت بما دونه. قال: (وما بثبت بهم) أي: برجل وامرأتين (يثبت برجل ويمين)؛ لما روى مسلم [1712] وغيره عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين) قال عمرو بن دينار الراوي عن ابن عباس: وذلك في الأموال, رواه الشافعي [1/ 149] عقب روايته الحديث, ورواه أحمد [3/ 305] وأبو داوود [3605] والترمذي [1343] وابن ماجه [2368] والحاكم [3/ 517] عن جابر وأبي هريرة, ورواه البيهقي في (الخلافيات (مرفوعًا عن نيف وعشرين صحابيًا منهم: علي وابن عباس وأبو هريرة وجابر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعد بن عبادة, وبهذا يندفع قول بعض الحنفية: إنه خبر واحد لا ينسخ القرآن. وقال ابن الصلاح: الذي عليه جمهور الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: أن حديث الشاهد واليمين لا يضره أننه من رواية ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي الصالح عن أبيه عن أبي هريرة. قال عبد العزيز الدراوري: ولقيت سهلًا فسألته عنه فلم يعرفه, ولهذ كان سهيل بعد ذلك يقول: حدثني ربيعة ويسوق الحديث, فقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها عمن سمعها منهم, وكان أحدهم يقول: حجثني فلان عني بكذا وكذا, ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء, منهم الشافعي, وقال لابن عبد الحطم: إياك والرواية عن الأحياء. وروى الدارقطني عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استشرت جبريل عليه السلام في القضاء باليمين مع الشاهد فأشار بذلك في الموال (وبه قال جمهور العلماء, منهم الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم, زإليه ذهب مالك وأحمد, وخالف أبو حنيفة. ولا فرق في ذلك بين أن يتمكن من البينة الكاملة وهي رجلان أو رجل وامرأتان أو لا.

إلَّا عُيُوبَ النِسَاءِ وَنَحوَهَا, وَلاَ يَثبُتُ شَيءٌ بِامرَأَتَينِ وَيَمِين. وَإِنَّمَا يَحلِفُ المُدَّعِي بَعدَ شَهَادَةِ شَاهِدِةِ وَتَعدِيلِهِ, وَيَذكُرُ فِي حِلفِهِ صِدقَ الشَّاهِدِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي وجه: إن تمكن من البينة .. امتنع الحكم بالشاهد واليمين. وظاهر عبارة المصنف: أن القضاء بالشاهد واليمين معًا, وهو الصحيح. وقيل: باليمين فقط والشاهد يعضد جانب الحالف, وقيل: بالشاهد. وأثر الخلاف يظهر في الغرم عند الرجوع, فعلى الأصح: عليه نصف الغرم, وعلى الثالث: جميعه, وعلى الثاني: لا شيء. فرع: ادعى ملكًا تضمن وقفية بأن قال: هذه الدار كانت لأبي وقفها علي وأنت غاصب, وأقام شاهدًا وحلف معه .. حكم له الملك, ثم يصير وقفًا بإقرقره وإن قلنا في دعوى الوقف: لا يقبل شاهد ويمين, قاله في (البحر (. قال: (إلا عيوب النساء ونحوها) من الرضاع وغيره, فإنها لا تثبت بشاهد ويمين؛ لأنها أمور خطرة, بخلاف الأموال. وينبغي تقييد إطلاق المصنف وغيره بالحرة, أما الأمة .. فتثبت بذلك قطعًا؛ لأنه مال, وبذلك جزم الماوردي في الرهن المشروط في البيع. قال: (ولا يثبت شيء بامرأتين ويمين) , هذا في الأموال قطعًا, وكذا فيما تقبل فيه النسوة المنفردات في الأصح. قال: (وإنما يحلف المدعي بعد شهادة شاهدة وتعديله)؛ لأن جانبه إنما يتقوى حينئذ, وإنما يحلف من يقوى جانبه. وجوز ابن أبي هريرة تقديم اليمين على شهادة شاهدة, كما يجوز تقديم شهادة المرأتين على الرجل. قال: (ويذكر) أي: وجوبًا (في حلفه صدق الشاهد) فيقول: والله إن شاهدي لصادق؛ لأن اليمين والشهادة حجتان مختلفتا الجنس, فاعتبر ارتباط إحداهما بالأخرى؛ لتصيرا كالنوع الواحد.

فَإِن تَرَكَ الحَلِفَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصمِهِ .. فَلَهُ ذَلِكَ, وَإِن نَكَلَ .. فَلَهُ أَن يَحلِفَ يَميِنَ الرَّدِّ في الأَظهَرِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والأحسن أن يقول: إن شاهدي لصادق فيما يشهد به. وفي وجه: لا يجب أن يذكر صدق الشاهد؛ لأن اليمين بمنزلة شاهد آخر, ولا يلزم الشاهد أن يشهد بصدق الآخر. وأفاد تعبير المصنف ب (الواو) دون 0ثم9 أنه لا ترتيب بين الحلف على إثبات الحق وصدق الشاهد, وحكى الإمام فيه الاتفاق. قال: (فإن ترك الحلف) أي: مع الشاهد (وطلب يمين خصمه .. فله ذلك)؛ لأنه قد يكون له غرض في التورع عن اليمين, فإن حلف .. سقطت الدعوى. قال ابن الصباغ: وليس له أن يحلف بعد ذلك مع شاهده؛ لأن اليمين قد انتقلت من جانبه إلى جانب خصمه, إلا أن يعود في مجلس آخر فيستأنف الدعوى ويقيم الشاهد .. فحينئذ يحلف معه, كذا قاله الرافعي في آخر الباب, والظاهر أن هذه طريقة العراقيين. وكلام الرافعي أن الدعوى لا تسمع منه في مجلس آخر. قال: (وإن نكل) أي: المدعى عليه (.. فله) أي: فللمدعي (أن يحلف يمين الرد في الأظهر) كما أن له ذلك في الأصل؛ لأنها غير التي امتنع عنها, لأن تلك لقوة جهته بالشاهد, وهذه لقوة جهته بنكول المدعى عليه, ولأن تلك لا يقضى بها إلا في المال, وهذه يقضى بها في جميع الحقوق. والثاني: لا؛ لأنه يمكنه الحلف مع الشاهد. ويجري القولان فيما لو ادعى مالًا ونكل المدعى عليه ولم يحلف المدعي يمين الرد .. فالمنقول: أنه يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر؛ لأن يمينه حق للمدعي فلا يتمكن من إسقاطه. فرع: ادعى عليه أنه غصب مالًا فقال: إن كنت غصبته منه فامرأتي طالق, فأقام المدعي على الغصب شاهدًا وحلف معه أو رجلًا وامرأتين .. ثبت الغصب, وترتب عليه

وَلَو كَانَ بِيَدِهِ أَمَةٌ وَوَلَدُهَا فَقَالَ رَجُلٌ: هَذِهِ مُستَولَدَتِي عَلِقَت بِهَذَا ِفي مِلكِي وَحَلَف مَعَ شَاهِدٍ .. ثَبَتَ الٍاسِتيلاَدُ, لاَ نَسَبُ الوَلَدِ وَحُرِّيَتَهُ فِي الأَظهَرِ. وَلَو كَانَ بِيَدِهِ غُلاَم ٌفَقَالَ رَجُلٌ: كَاَن لِي وَأعتَقُتُهُ وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ .. فَالمَذهَبُ: انتِزَاعَهُ وَمَصِيُرهُ حُرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمان, ولا يقع الطلاق كما لو قال: إن ولدت فأنت طالق, فأقامت أربع نسوة على الولادة .. ثبتت الولادة والنسب ولا تطلق. فإن كان الغصب قد قضى فيه القاضي برجل وامرأتين, فقال المدعى عليه: إن كنت غصبته فزوجتي طالق .. فقال ابن سريج -ووافقه الأصحاب-: يقع الطلاق؛ صومًا للحكم عن النقض, وقال الجويني: لا يقع. قال: (ولو كان بيده أمة وولدها فقال رجل: هذه مستولدتي علقت بهذا في ملكي وحلف مع شاهد .. ثبت الاستيلاد)؛ لأن المستولدة ومنافعها ملك السيد, فهي كسائر الأموال الثابتة بالحجة الناقصة, فتسلم إليه وتعتق بإقراره لا بالشاهد واليمين, وفيه وجه: أنه بهما. قال: (لا نسب الولد وحريته في الأظهر)؛ لأنهما لا يثبتان بهذه الحجة فيبقى الولد في يد صاحب اليد. والثاني: يثبتان تبعًا لها, فينزع الولد ويكون حرًا نسبيًا بإقرار المدعي. ولم يصرح في (المحور (بالنسب وإنما قال: وهل يحكم له بالولد وينزع من يد المدعى عليه؟ قولان: أشبههما: المنع. قال: (ولو كان بيده غلام فقال رجل: كان لي وأعتقته وحلف مع شاهد .. فالمذهب: انتزاعه ومصيره حرًا) أي: بإقراره, وأن يضمن استحقاق الولاء؛ لأنه تابع, وهذا ما نص عليه, واحتج به المزني لمقابل الأظهر فيما سبق, ومن الأصحاب من خرج هنا قولًا من المسألة قبلها؛ لأنها شهادة تملك فتقدم. ومنهم من قطع بالنص, وفرق بأن المدعي ها يدعي ملكًا, وحجته تصلح لإثباته, والعتق يترتب عليه بإقراره, وفي صورة الاستيلاد إنما قدمت الحجة على ملك الأم, لا جرم أثبتناه ورتبنا عليه العتق إذا جاء وقته بإقراره, وأما الولد .. فقضية

وِلِوِ ادَّعَت وَرَثَةٌ مَالًا لِمُورِّوثِهِم وَأَقامُوا شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ بَعضُهُم .. أَخَذَ نَصِيبَهُ وَلا يُشَارِكَهُ فِيهِ. وَيبَطُلُ حَقُ مَن لَم يَحلِف بِنُكُولِهِ إِن حَضَرَ وَهُوَ كَامِلٌ, فَإِن كانَ غَائِبًا أَو صَبِيًا أو مَجنُونًا .. فاَلمَذهَبُ: أنَّهُ لَا يَقبِضُ نَصِيبَهُ, فَإِذَا زَالَ عُذرُهُ .. حَلَفَ وَأَخَذَ بِغَيرِ إِعَادَةِ شَهَادَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدعوى في الحجة كونه حر الأصل نسبيًا, والحرية لا يثبتان بهذه الحجة فافترقا. قال: (ولو ادعت ورثة مالا لموروثهم وأقاموا شاهدًا) أي: بالمال (وحلف معه بعضهم .. أخذ نصيبه ولا يشاركه فيه) أي: من لم يحلف, كذا نص عليه. ونص في (كتاب الصلح) أنهما لو ادعيا دارًا إرثًا وصدق المدعى عليه أحدهما في نصيب .. يشاركه المكذب, فخرج بعضهم من الصلح هنا قولًا: إن ما أخذه الحالف يشاركه فيه من لم يحلف؛ لأن الإرث ثبت على الشيوع. وقطع الجماهير بأنه لا شركة هنا كما نص عليه, وفرقوا بأن الثبوت هنا بشاهد ويمين, فلو أثبتنا الشركة .. لملكنا الناكل بيمين غيره, وهناك ثبت بإقرار المدعي, ثم رتب عليه إقرار المصدق بأنه إرث, وعلى المنصوص: تقضى من نصيب الحالف حصته من الدين لا جميعه. قال: (ويبطل حق من لم يحلف بنكوله إن حضر وهو كامل) , حتى لو مات .. لم يكن لوارثه أن يحلف, كذا ذكره الإمام والغزالي, وبه جزم القاضيان الحسين والماوردي. قال: (فإن كان غائبًا أو صبيًا أو مجنونًا .. فالمذهب: أنه لا يقبض نصيبه) , نص الشافعي في المجنون أنه يوقف نصيبه, قال الجمهور: مراده أنا نمتنع من الحكم في نصيبه, ونتوقف حتى يفيق فيحلف أو ينكل, ولا يؤخذ نصيبه. وقيل: مراده أنه يؤخذ نصيبه ويوقف, والصبي والغائب كالمجنون. وتعبيره ب (المذهب) مخالف لتعبيره في (الروضة (ب (الصحيح (. قال: (فإذا زال عذره) بأن حضر الغائب وبلغ الصبي وأفاق المجنون (.. حلف وأخذ بغير إعادة شهادة)؛ لأن الشهادة تثبت في حق البعض, فتثبت في حق الجميع وإن لم تصدر الدعوى منهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا بخلاف ما إذا أوصى لشخصين فحلف أحدهما مع شاهد والثاني غائب, فإذا عاد .. فلا بد من إعادة الشهادة؛ لأن ملكه منفصل, بخلاف حقوق الورثة؛ فإنها إنما تثبت أولا لحق شخص واحد وهو الميت. وما جزم به من عدم الإعادة محله إذا لم يتغير حال الشاهد بما يقتضي رد شهادته, فإن تغير .. فوجهان في (الشرح (و (الروضة (من غير ترجيح. والأقوى: منع الحلف؛ لاتصال الحكم في حق الحالف فقط, ولهذا لو رجع الشاهد .. لم يكن له أن يحلف. وينبغي أن يكون هذا فيما إذا ادعى الأول بجميع الحق, فإن ادعى بقدر حصته .. فلا بد من الإعادة جزمًا. فرعان: أحدهما: أقام بعضهم شاهدين, فثبت المدعى كله, فإذا حضر الغائب زكمل غير المكلف .. أخذ نصيبه بلا دعوى ولا بينة. ويقبض القاضي نصيب الصبي والمجنون عينًا كان أو دينًا. وأما نصيب الغائب, فإن كان عينًا .. قبضها حتمًا, وإن كان دينًا .. ففي وجوب قبضه وجهان جاريان فيمن أقر لغيره بدين وحمله إلى القاضي, والأصح فيهما: عدم الوجوب. الثاني: قال السرخسي: من حلف على دين أو عين للميت .. يحلف على الجميع لا على حصته فقط, سواء حلف كلهم أو بعضهم, وكذا الغريم والموصى له إذا قلنا: يحلفان, قال الرافعي: وفي كلام غيره ما يشعر بخلافه. والمراد: إذا امتنع جميع الورثو عن الحلف وعلى الميت دين .. فهل للغريم أن يحلف؟ فيه قولان: الجديد: المنع, وأجريا فيما لو كان قد أوصى لإنسان بشيء ولم يحلف الورثة هل يحلف الموصى له؟ فإن كانت الوصية بعين وادعاها في يد أجنبي .. فلا ينبغي أن يكون موضع خلاف, ويقطع بالجواز.

وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعلٍ كَزِنًا وَغَصْبٍ وَإتْلاَفٍ وَوِلاَدَةٍ إِلا بِالإبْصَارِ, وَتُقْبَلُ مِنْ أَصَم, وَالأَقْوَالُ كَعَقْدٍ يُشْتَرَطُ سَمْعُهَا وَإِبْصَارُ قَائِلِهَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا تجوز شهادة على فعل كزنًا وغصب وإتلاف وولادة إلا بالإبصار) أي: لها ولفاعلها, لأنه يصل به إلى العلم من أقصى جهاته, ولا يكفي السماع, لأن الأصل فى الشهادة البناء على العلم واليقين, قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ, وقال: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. وتقدم في أول الباب حديث: (على مثل هذا فاشهد أو دع (إلا أن فى الحقوق ما اكتفى فيه بالظن المؤكد, لتعذر اليقين فيه وتدعو الحاجة إلى إثباته كالملك, فإنه لا سبيل إلى معرفته يقينًا, وكذلك العدالة والإعمار. وقسم الشافعى والأصحاب المشهود به ثلاثة أقسام: ما يتوقف على البصر خاصة, وما يتوقف على السمع دون البصر, وما يتوقف عليهما معًا, وهو لا ينحصر فى ذلك, فإن الشهادة تجوز بما علم بباقى الحواس الخمس. فأما الذي يكفي فيه البصر دون السمع .. فالأفعال كالزنا والشرب والقتل والغصب والإتلاف والولادة والرضاع والاصطياد, فتشترط فيه الرؤية لها ولفاعلها, لأنها مشتقة من المشاهدة التى هى أقوى الحواس إدراكًا, فلم يجز أن يشهد إلا بأقوى أسباب العلم إدراكًا, ويجوز تعمد النظر إلى ما تحت الثياب للتحمل على ظاهر النص, لأن الزانيين هتكا حرمة أنفسهما. وقيل: عكسه: لأن الزنا مندوب إلى ستره, وحقوق الله تعالى مبنية على المساهلة. ولو وقعت فى يد امرأة أكلة .. جاز للرجل أن يراها ويداويها. ولا خلاف أنه يتعمد النظر إلى الوجه عند تحمل الشهادة لها وعليها, وكذا عند الأداء إن كان لا يعرفها, ليضبط حلاها, إلا أن يخاف الفتنة فلا ينظر, ويكف نفسه عن الشهادة إلا أن تكون متعينة فينظر ويضبط نفسه. قال: (وتقبل من أصم) لحصول العلم له بالمشاهدة. قال: (والأقوال كعقد يشترط سمعها وإبصار قائلها) فلابد من مشاهدة المقر أو

وَلاَ يُقْبَلُ أَعْمَىَ إِلا أَنْ يُقِر فِى أُذُنِهِ فَيَتَعَلقَ بِهِ حَتى يَشْهَدَ عِنْدَ قَاضِ بِهِ عَلَى الصحِيحِ, وَلَوْ حَمَلَهَا بَصِير ثُم عَمِىَ .. شَهِدَ إِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعْرُفَىِ الإِسْمِ وَالنسَبِ ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ العاقد حال تلفظه ببصره أو سماعه ما يتلفظ به, حتى لو نطق به من وراء حجاب وهو يتحققه .. لم يكف, لأن ما أمكن إدراكه بعلم الحواس لا يجوز أن يعمل فيه بالظن, لجواز إشتباه الاصوات, وقد يحاكى الانسان صوت غيره فيتشبه به. قال الماوردي: ولو حال بينهما ثوب خفيف يشف .. ففي جواز الشهادة وجهان, ومقتضى ما صححه الرافعى في نقاب المرأة الجواز. ويوجد فى بعض النسخ ههنا: (كعقد وإقرار وطلاق) , وليس ذلك فى أصل المصنف, لكن فيه كشط, وفى (المحرر (: كالنكاح والبيع وسائر العقود. قال: (ولا يقبل أعمى) , لإنسداد طريق المعرفة عليه مع إشتباه الاصوات. وقال مالك وأحمد: إذا عرف صوت شخص وتحققه .. جاز له الشهادة عليه, كما يجوز له أن يطأ زوجته إعتمادًا على حسها. والجواب: أن وطء الزوجة أخف, فإنه أبيح إعتمادًا على اللمس, أو بقول إمرأة واحدة إذا زفتها إليه, ولا تجوز الشهادة بمثل ذلك, لأنها فى حكم الولاية. والوجه المتقدم فى قضاء الاعمى جاز هنا. قال: (إلا أن يقر فى أذنه فيتعلق به حتى يشهد عند قاض به على الصحيح) , لحصول العلم بأنه المشهود عليه, فإن كان بمال .. فلابد أن يكون المشهود له معروف الاسم والنسب. والثاني – وبه قال أبو حنيفة:- لا يقبل, لجواز أن يكون المقر غيره, وحسمًا للباب. وقوله: (على الصحيح) يصح عودة إلى المستثنى على حدته, وإلى المستثنى منه على حدته, ففي كل وجهان, ويصح عوده إليهما جميعًا, وهو الاولى. قال: (ولو حملها بصير ثم عمى .. شهد إن كان المشهود له وعليه معروفي الاسم والنسب) , لحصول العلم.

وَمَنْ سَمِعَ قَوْلَ شَخْصٍ أَوْ رَأَى فِعْلَهُ: فَإِنْ عَرَفَ عِينَهُ وَاسْمَهُ وَنَسَبَهُ .. شَهِدَ عَلَيْهِ فِى حُضُورِهِ إِشَارَةٌ, وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ باسْمِهِ وَنَسَبِهِ, فَإِنْ جَهِلَهُمَا .. لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ مَوْتِهِ وَغَيْبَته ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا لو عمى ويد المقر فى يده فشهد عليه .. وتقبل شهادته فيما شهد فيه بالإستفاضة كالموت والنسب والملك على الأصح, بشرط أن لا يحتاج إلى تعيين وإشارة بأن يكون الرجل مشهورًا بأسمه وصفته. والثاني: لا تقبل, وقال الروياني: فإنه يصح عند عامة الاصحاب, وعليه يدل النص, وقال القاضى أبو الطيب: مراد الأصحاب بقبولها إذا سمع ذلك مرارًا وتكرارًا من قوم مختلفين من أزمان مختلفة, حتى صار بحيث لا شك فيه كالتواتر عنده. ولا تجوز له الشهادة إلا على هذا الوجه, وهو إشارة إلى أن الأستفاضة فى حق الأعمى لا تحصل إلا بذلك وإن كانت تحصل فى حق البصير بعدلين, والأصح: أنه تقبل أيضًا فى الترجمة كما تقدم فى (كتاب القاضي). وأما رواية ما تحمله قبل العمى .. فتصح قطعًا, وفى الذى سمعه فى زمن عماه وجهان: أصحهما عند الإمام والغزالى فى كتبه الفقهية: لا تقبل. وأصحهما عند الجمهور: القبول. قال: (ومن سمع قول شخص أو رأى فعله: فإن عرف عينه واسمه ونسبه .. شهد عليه فى حضوره إشارة, وعند غيبته وموته بإسمه ونسبه) , لحصول التمييز بذلك. قال: (فإن جهلهما) أي: اسمه ونسبه (.. لم يشهد عند موته وغيبته) , لعدم العلم, بخلاف ما إذا كان حاضرًا .. فإنه يشهد على عينه بالإشارة. فإن مات .. أحضر ليشهد على عينه, فإن دفن .. فقد تعذرت الشهادة عليه. وعبارته تفهم أن لو جهل أحدهما وعرف الاخر .. شهد, والمعروف أن ذلك لا يجوز, وكما لا يؤدى لا يتحمل. قال إبن أبى الدم: وأما شهادة الشاهد على من لا يعرفه اعتمادا على حليته وصفته

وَلاَ يَصِحُ تَحَمُلُ شَهَادَةٍ عَلَى مُتَنَقبَةٍ إعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا, فِإِنْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ بِاسْمٍ وَنَسَبٍ .. جَازَ, ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ كما يفعله كثير من جهلة الشهود, حتى إنهم يؤدونها على المشهود عليه فى غيبته أو موته .. فهذا لا يجوز قولًا واحدًا, ولا أعرف فيه خلافًا. نعم, يستثنى من إطلاقه ما إذا جهلها ثم سمع الناس من بعد يقولون: إنه فلان ابن فلان, واستفاض عنده ذلك .. فله أن يشهد في غيبته على اسمه ونسبه كما لو عرفها عند التحمل, حكاه الرافعي عن الأصحاب. وقد يدخل هذا في قوله أولًا: (عرفهما) وتعتمد في النسب معرفته أو الاستفاضة. وليس له اعتماد قول المشهود عليه: إنه فلان بن فلان كما يفعله شهود الزمان, بل يكتب حذر من ذكر أن اسمه فلان واسم ابيه فلان. وقد سئل القفال: هل يجوز أن يكتب فلان بن فلان وإن حلاه؟ فقال: لا يجوز, لأنه كذب, بل يكتب: جاءني رجل حليته كذا, وذكر أنه فلان بن فلان. قال: ولو أخبره ألف رجل أنه فلان بن فلان .. لا يجوز أن يشهد بذلك إلا أن يسمعه من الناس بحيث يستفيض عنده. قال: (ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة إعتمادًا على صوتها) , كما لا يتحمل الأعمى والبصير فى الظلمة إعتمادًا عليه, لأن الاصوات تتشابه. وعلم منه الامتناع فيما إذا لم يسمع صوتها ولم يرها من باب أولى, لكن تستثنى من إطلاقه مسألتان: إحداهما: إذا كان النقاب رقيقًا فيجوز التحمل على الأصح كما تقدم, لأنه لا يمنع المشاهدة. والثانية: إذا تحقق صوتها من وراء النقاب الكثيف ولازمها حتى أدعى على عينها,, فإنه يصح التحمل كنظيره من الاعمى. وقد أشار إليه الرافعي بحثًا, قال في (المطلب (: ولا إشكال فيه. قال: (فإن عرفها بعينها أو بإسم أو نسب .. جاز) أي: التحمل, ولا يضر النقاب, بل لا يجوز كشف الوجه حينئذ كما قال صاحب (الحاوى (و (العدة (وغيرهما.

وَيَشْهَدُ عِنْدَ الأَدَاءِ بِمَا يَعْلَمُ, وَلاَ يَجُوزُ التَحَملُ عَليْهَا بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ عَلَى الأَشْهَرِ, وَالعَمَلُ عَلَى خِلاَفِهِ. وَلَوْ قَامَتْ بَيْنَهٌ عَلَى عَيْنِهِ بِحَق فَطَلَبَ المُدعِىِ التَسْجِيل .. سَجلَ القَاضِىِ بِالحِليَة لاَ بِالإِسْمِ وَالنَسَبِ مَا لَمْ يَثْبُتَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال): (ويشهد عند الأداء بما يعلم) فإذا لم يعرف شيئًا منها .. فلتكشف وجهها ليراها ويظبط حليتها, وتكشفه أيضًا عند الأداء. ويجوز إستيعاب وجهها بالنظر للشهادة عند الجمهور. وقال الماوردى: الصحيح: أنه ينظر إلى ما يعرفها به, فإن عرفها بالنظر إلى بعضه .. لم يتجاوزه, ولا يزيد على مرة إلا أن يحتاج إلى التكرار. قال: (ولا يجوز التحمل عليها بتعريف عدل أو عدلين على الاشهر) وهو الذى أورده الأكثرون بناء على المذهب في أن التسامع لابد فيه من جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب. قال: (والعمل على خلافه) فيجوز التحمل عليها بذلك سلوكًا به مسلك الأخبار. وقال الشيخ أبو حامد: إذا سمع من عدلين أنها فلانة بنت فلان. جاز التحمل, ويشهد على إسمها ونسبها عند الغيبة. وقال الشيخ عز الدين في (الفتاوى الموصلية (: إنه المختار, لمسيس الحاجة. وتوسع الإصطخرى فقال: له إعتماد ولدها الصغير إذا قال له وهى فى نسوة: من أمك؟ فأشار إليها, وأدعي ابن كج أنه أشد وقعًا فى القلب وأثبت, فلو أقرت متنقبة فأمسكها الشاهد وأتى بها إلى الحاكم فقال: هذه أقرت بكذا .. ففيه ما تقدم فى شهادة الأعمى على مثل ذلك. قال: (ولو قامت ببنة على عينه بحق فطلب المدعى التسجيل .. سجل القاضى بالحلية لا بالإسم والنسب ما لم يثبتا) , لتعذر التسجيل على العين, فيكتب: حضر رجل ذكر أنه فلان, بن فلان ومن حليته كيت وكيت. ولا يكفى فى الاسم والنسب قول المدعى, ولا إقرار المدعى عليه, فإن نسبه لا يثبت بإقراره, فلو قامت بينة بنسبه على وجه الحسبة .. أثبته على الأصح.

وَلَهُ الشَهَادَةُ بِالتَسَامُعِ عَلَى نَسَبٍ مِنْ أَبٍ أَوْ قَبِيلَةٍ, وَكَذَا أُم فِىِ الأَصَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يتعرض المصنف لكيفية التحلية, وهي ذكر ما دل على المحلى من أوصافه الظاهرة كالطول والقصر , والبياض والسواد والسمرة والهزال, والكلام كاللثغة والفأفأة والتمتمة والسرعة, وعجلة اللسان وثقله. وما في العين من الكحل والشهلة. وما في الشعر من جعوده وسبوطه وبياض وسواد. وبما فى الفم من الأسنان دون الأضراس. ويجوز بالجراح والشجاج والآثار اللازمة ولا يجوز باللباس ونحوه. قال: (وله الشهادة بالتسامع على نسب) بالإجماع, لأن نسبه لا يدرك بالبصر, وغاية الممكن رؤية الولادة على الفراش, فأكتفي فيه بالاستفاضة للحاجة, ويجوز ذلك وإن لم يعرف عين المنسوب إليه, حكاه في (الكفاية) عن (الإشراف). كل هذا إن لم تكن ريبة, فإن كانت بأن كان المنسوب إليه حيًا فأنكر .. لم تجز الشهادة, فإن كان مجنونًا .. جازت على الصحيح, فإن طعن بعض الناس فى ذلك النسب .. امتنعت الشهادة على الأصح. والفرق بين الخبر المستفيض والمتواتر قد يلتبس, وبسببه أعترض على ابن الرفعة هنا. فالمتواتر: الخبر الذي بلغت رواته مبلغًا أحالت العادة تواطؤهم على الكذب, والمستفيض: الذي لا ينتهي إلى ذلك, بل أفاد الأمن من التواطؤ على الكذب, والأمن معناه: الوثوق, وذلك بالظن المؤكد. قال: (من أب أو قبيلة) هذا من تفصيل (المنهاج) وهو حسن, والذي في (المحرر) إطلاق النسب. قال: (وكذا أم في الأصح) كالأب. والثاني: لا, لإمكان رؤية الولادة. وأطلق الأكثرون الوجهين بلا ترجيح حتى في (الشرحين) و (الروضة) وقضية

وَمَوْتٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لاَ عِتْقٌ وَوَلاَءُ وَوَقْفٌ وَنِكَاحٌ وَمِلْكٌ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالأَكْثَرِينَ فِي الْجَمِيعِ: الْجِوِازُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام القفال وغيره أن يكون الأصح هنا عدم الجواز، وشذ في (الوسيط) فنقل طريقة قاطعة بالجواز. قال: (وموت على المذهب) كالنسب، ولأن أسبابه منها ما يخفى ومنها ما يظهر، والاطلاع عليها قد يعسر، فجاز أن يعتمد فيها على الاستفاضة. والطريق الثاني: أنه على الخلاف في الولاء وما في معناه؛ لأنه تمكن فيه المعاينة. قال: (لا عتق وولاء ووقف ونكاح وملك في الأصح)؛ لأن مشاهدته أسبابها متيسرة. وقال في (المهمات): إن هذا هو الصواب المنصوص. قال: (قلت الأصح عند المحققين والأكثرين في الجميع: الجواز والله أعلم)؛ لأن هذه الأمور إذا طالت مدتها .. عسر إقامة البينة عليها، والحاجة ماسة إلى إثباتها بالتسامع، فلا يشك أحد أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأن فاطمة زوجة علي رضي الله عنهما، والمستند الاستفاضة. وفي الحديث: (الولاء لحمة كلحمة النسب). وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، ومن أصحابنا ابن القاص وابن أبي هريرة والطبري، ورجحه ابن الصباغ، وقال في (العدة): إن الفتوى عليه للحاجة. وقول المصنف: (إن الأكثرين عليه) صحيح في الملك ممنوع في الباقي. وقد نص الشافعي والأصحاب في أن الحاكم يستحب له أن يجدد كتب الأوقاف مهما خاف انقراض الأصل. وأفهم إطلاقه أنه لا فرق في الوقف بين ما على الجهة العامة وعلى معين. وخص أبو محمد الخلاف بالعامية، وقطع في المعين بالمنع، قال الإمام: وهذا لا أعتد به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في (البسيط): إن المحققين على عدم الفرق، ومال ابن الرفعة إلى قول أبي محمد. وصورة الاستفاضة بالملك: أن يشتهر أنه ملكه من غير إضافة إلى سبب، فإن كان المستفيض سبب الملك كبيع ونحوه .. لم يتحمل عنه؛ لإمكان مشاهدته، اللهم إلا أن يكون ميراثًا .. فيجوز؛ لأن الميراث يستحق بالنسب والموت، وكل منهما يثبت بالاستضافة، قاله الماوردي والروياني وابن الصباغ. وموضع الخلاف في الملك بمجرد الاستضافة، فإن انضم إليها اليد والتصرف .. جازت قطعًا. والذي صححه المصنف في الملك مخالف لما رجحه في (الروضة)؛ فإنه قال: فيه وجهان: أقربهما لإطلاق الأكثرين: الجواز، والظاهر: أنه لا يجوز، وهو محكي عن نص حرملة وجماعة. تنبيهات: أحدهما: الذي صححوه من ثبوت الوقف بالاستفاضة هو في أصله، أما شروطه وتفاصيله .. فأفتى المصنف بأنها لا تثبت بالاستفاضة، بل إن كان وقفًا على جماعة معينين أو جهات متعددة .. قسمت الغلة بينهم بالسوية. وإن كان على مدرسة مثلًا وتعذرت معرفة الشروط .. صرف الناظر الغلة فيما يرى من مصالحها. وهذا مخالف لفتوى شيخه ابن الصلاح؛ فإنه قال: الشروط إذا شهد بها مفردة .. لا تثبت بالاستفاضة، وإن ذكرها في شهادته في أصل الوقف .. سمعت؛ لأن حاصلها يرجع إلى كيفية الوقف وذلك مسموع، ووافقه الشيخ برهان الدين بن الفركاح. والذي أفتى به المصنف هو المنقول كما قاله ابن سراقة في كتاب (أدب الشاهد). وأفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام بأن الشهادة بالاستفاضة لا تثبت بها حدود

وَشَرْطُ التَّسَامُعِ: سَمَاعُهُ مِنْ جَمْعٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَقِيلَ: يَكْفِي مِنْ عَدْلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الوقف، ذكر ذلك في إسجاله على تركة الجيش وفيه: ولم تثبت حدودها؛ لأن الحدود لا تثبت بالاستفاضة، وهو كلام صحيح، وإذا ثبت النكاح بالاستفاضة .. لا يثبت الصداق، بل يرجع إلى مهر المثل. الثاني: شهد جماعة أن النظر في الوقف الفلاني لزيد، لم يزيدوا على ذلك، ولم يكونوا شهدوا على الواقف، ولا قالوا: إن مستندنا الاستفاضة، وسئلوا عن مستندهم فلم يبدوه، بل صمموا على الشهادة؟ أجاب ابن الصلاح بأن هذا محمول على استنادهم إلى الاستفاضة، والشروط لا تثبت بذلك كما تقدم. الثالث: مما يثبت بالاستفاضة ولا ية القضاء والجرح والتعديل، وذكرهما المصنف في موضعها، والشهادة بالإعسار عن الإمام، وكذا بالرشد كما أفتى به ابن الصلاح، وعلى أن فلانًا وارث فلان أو لا وارث له غيره، نص عليه في (البويطي)، وعلى الغضب، قاله الماوردي في (الأحكام). قال: (وشرط التسامع: سماعه من جميع يؤمن تواطؤهم على الكذب)؛ لأن ذلك يغلب على الظن الصدق، وعبارة (الشرح) و (الروضة): جمع كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم، ويؤمن تواطؤهم، قال: وينبغي أن لا تشترط فيهم العدالة ولا الحرية والذكورة. وفي وجه: يكفي عدل واحد إذا سكن القلب إليه، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا. قال: (وقيل: يكفي من عدلين)؛ لأن الحاكم يعتمد قولهما. وحكى شريح وجهًا: أن الشهادة بالملك أقل ما يكتفي فيها بأربعة، ووجهًا آخر: أنه لابد من الزيادة على أربعة.

وَلاَ تَجُوزُ الشَّهّادّةُ عَلَى مِلْكٍ بِمُجَرَّدِ يَدٍ، وَلاَ بِيَدٍ وَتَصَرُّفٍ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَتَجُوزُ فِي طَوِيلَةٍ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الرافعي في (قسم الصدقات) وجهًا: أن أقل درجات الاستفاضة ثلاثة؛ للخبر: (حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه). ونقل ابن كج وجهين في أنه هل يشترط أن يقع في قلب السامع صدق المخبرين؟ تنبيه: لا يشترط عند الأداء التصريح بالاستضافة، بل لو صرح بها .. قال ابن أبي الدم: الصح: لا تقبل. لكن ذكر الرافعي في الجرح إذا جازت الشهادة فيه بالاستضافة .. أن الشاهد يبين ذلك فيقول: سمعت الناس يقولون فيه كذا. وذكر في الشهادات بالملك أنه لا يجوز الشهادة فيه بالاستصحاب، فلو بين ذلك فقال: أشهد له بالملك استصحابًا .. قطع القاضي بالقبول، والغزالي بالمنع، وهذا شاهد للخلاف الذي ذكره ابن أبي الدم، وصحح الشاشي وابن الصلاح جواز الشهادة بالعدالة بالاستفاضة. قال: (ولا تجوز الشهادة على ملك بمجرد يد)؛ لأن اليد لا تستلزم الملك، فقد يكون مستأجرًا أو مستعيرًا. وفي قول بعيد: يشهد بمجرد ذلك؛ لأن الظاهر من اليد الملك. قال: (ولا بيد وتصرف في مدة قصيرة) كاليد المجردة، ويجوز أن يشهد له باليد. قال: (وتجوز في طويلة في الأصح)؛ لأن امتداد المدة والتصرف من غير منازع يغلب على الظن الملك.

وَشَرْطُهُ: تَصَرُّفُ مُلاَّكٍ مِنْ سُكْنَى وَهَدْمِ وّبِنَاءٍ وَبَيْعٍ وَرَهْنٍ، وَتُبْنى شَهَادَةُ الإِعْسَارِ عَلَى قَرَائِنِ وَمَخَائِلِ الْضُّرِّ وَالإِضًاقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: المنع؛ لأن الغاصب والوكيل أصحاب يد وتصرف، لكن يشترط في هذا أن لا يعرف له منازع. وقيل: لا يمنع بمنازعة من لا حجة له. وضابط طولها: العرف، وقيل: أقلها سنة، وقيل: شهران، وقيل: فوقهما، وقيل: ستة أشهر، وقيل: عشرة أيام، وقيل: ما زاد على ثلاثة أيام، حكاها في (الكفاية). فإذا رأى صغيرًا في يد إنسان يستخدمه وهو يقول: هذا مولاي، وهو يدعوه كالأرقاء .. فالأصح في (الروضة) في (باب اللقيط): أنه يشهد أنه عبده. وهذا بخلاف ما لو رأى صغيرة في يد إنسان يدعي نكاحها فبلغت وأنكرت .. فإنها تصدق، والأصح: أنه لا يحكم عليا بالنكاح في صغرها. والفرق أن اليد في الجملة دالة على الملك، ويجوز أن يولد وهو مملوك ولا يجوز أن تولد وهي منكوحة، فلما كان النكاح طارئًا .. افتقر إلى بينة. واستثنى ابن سراقة في (التلقين) الدراهم والدنانير والثياب والحبوب ونحوها مما يتماثل، قال: فلا تجوز الشهادة فيها بالملك ولا باليد، إلا أن يكون ثوبًا منقطع النظير، أو عليه علامة يتميز بها، وموضع الخلاف إذا لم ينضم إليها تسامع، فإن انضم إليها .. أفاد الملك قطعًا. قال: (وشرطه: تصرف ملاك من سكنى وهدم وبناء وبيع ورهن)؛ لأن هذه الأمور ظاهرة في إثبات الملك. ووجه المنع: أنها قد تصدر ممن استأجر مدة طويلة ومن الموصى له بالمنفعة. قال الرافعي: وليجر هذا في الرهن؛ لأنه قد يصدر من المستعير. ودخل في إطلاقه (البيع) الإجازة؛ فإنها بيع منفعة. قال: (وتبنى شهادة الإعسار على قرائن ومخائل الضر وافضافة) وذلك بأن يرى

فَصْلٌ: تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَا إِقْرَارٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌ وَكِتَابَةُ صَكِّ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى خلوته؛ لأنه مما يعسر الاطلاع عليه، وقد تقدم في (باب الإعسار) أن شرط شاهده: خبرة باطنة، بخلاف الشهادة بالملك؛ فإنه يكتفى فيها بأسباب ظاهرة. و (الإضاقة) مصدر أضاق؛ أي: ذهب ماله، قاله الجوهري. ولو كان المراد هنا الفقر وسوء الحال .. لأتى بالضيق؛ فإنه مصدر لذلك. تتمة: لا يثبت الدين بالاستفاضة على الأصح، وما جازت الشهادة فيه اعتمادًا على الاستفاضة .. جاز الحلف عليه اعتمادًا عليها، بل أولى؛ لأنه يجوز الحلف على خط الأب دون الشهادة. قال: (فصل: تحمل الشهادة فرض كفاية في النكاح)؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُو}، ولأن النكاح مهم ديني يتوقف انعقاده عليه، فلو امتنع الجميع .. أثموا، وإذا طلب من اثنين وهناك غيرهما .. لم يعينا، بخلاف ما إذا تحمل جماعة وطلب من اثنين منهما الداء. وأشار بـ (النكاح) إلى كل ما يجب فيه الإشهاد كالرجعة إن أوجبناه فيها، والتوكيل في البيع المشروط فيه الإشهاد ونحوه. قال: (وكذا إقرار وتصرف مالي وكتابة صك في الأصح)؛ للحاجة إلى جميع ذلك، ولأن لكتابة الصكوك أثرًا في التذكر. ويقابل الأصح في الجميع الاستحباب؛ لأن استيفاء المقاصد لا يتوقف على ذلك، ثم إذا قلنا بالافتراض فيهما .. فذلك إذا حضره المتحمل له، أما إذا دعي للتحمل .. فلا تجب الإجابة في الأصح، إلا أن يكون المحتمل له معذورًا بمرض أو حبس، أو كانت مخدرة إذا أثبتنا للتخدر أثرًا.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إِلاَّ اثْنَانِ .. لَزِمَهُمَا الأَدَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا لو دعاه القاضي ليشهد على أمر يثبت عنده .. لزمه الإجابة. واستثني الماوردي من وجوب التحمل الحدودَ؛ فإنها تدرأ بالشبهات، وأداؤها واجب إن ترتب على تركها حد على غير الشاهد، مثل أن لا يكمل النصاب إلا به، فإن كمل وقد ندم الفاعل .. لم يجب. ثم الذي أطلقه من كتابه الصك المراد به في الجملة، وإلا .. فقد تقدم أن الخصم إذ طلب من القاضي كتابًا بما ثبت عنده أو حكم به .. أنه لا يجب على الصحيح، على أن الشاهد لا تلزمه كتابة الصك ورسم الشهادة إلا بأجرة، وأجرة رسم الشهادة ليست داخلة في أجرة التحمل، وللشاهد إذا كتب الصك أن يجبسه عنده للأجرة كقصارة الثواب، وهذه المسألة سبقت في (السير) فهي مكررة. و (الصك) فارسي معرب، والجمع: أصك وصكاك وصكوك، قاله الجوهري وغيره. فرعان: أحدهما: الأصح: جواز أخذ الأجرة على التحمل دون الداء، سواء تعينا أم لا. ولأخذ الأجرة شرط ذكره الشيخ عز الدين فقال: لا يجوز أخذها على شهادة يبعد تذكرها ومعرفة الخصمين فيها؛ لأن معطي الأجرة إنما يبذلها على تقدير الانتفاع بها عند الحاجة إليها، وله أخذ أجرة الركوب وإن لم يركب كما جزم به في (الحاوي الصغير (تبعًا لإطلاق (الوجيز). الثاني: للسلف خلاف في جواز أخذ الأجرة على رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنع من ذلك جماعة منهم: الإمام أحمد وإسحاق، وأجازها آخرون، وأفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي بالجواز لمن امتنع عليه الكسب لعياله بالتحديث دون غيره. قال: (وإذا لم يكن في القضية إلا اثنان .. لزمهما الداء) كما لو لم يتحملها إلا هما، أو مات غيرهما أو قام به مانع؛ لقوله تعالي: {وَلَا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}

فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ الآخَرُ وَقَالَ: احْلِفْ مَعَهُ .. عَصَى. وَإِنْ كَانَ شُهُودٌ .. فَالأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ طَلَبَ مِنَ اثْنَيْنِ .. لَزِمَهُمَا فِي الأَصَحِّ، فّإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ وَاحِدٌ .. لَزِمَهُ إِنْ كَانَ فِيمَا يثبتُ بَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: للتحمل والأداء، قاله الحسن البصري، أو للأداء كما قاله مجاهد، أو للتحمل كما قاله ابن عباس. والأصل في وجوب الأداء: قوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}. قال الماوردي: والاختيار أن يكون عدد الشهود ثمانية: اثنان يموتان، واثنان يمرضان، واثنان يغيبان، واثنان يحضران للأداء. قال: (فلو أدى واحد وامتنع الآخر وقال: احلف معه .. عصى)؛ لأن من مقاصد الشهادة التورع عن اليمين، وكذا الشاهدان على رد الوديعة إذا امتنعا وقالا للمودع: احلف على ردها. قال: (وإن كان) أي: في الواقعة (شهود .. فالأداء فرض كفاية)؛ لأن الغرض يحصل بالبعض، فأشبه رد السلام وغيره من فروض الكفايات، فإن قام به اثنان منهم .. سقط الفرض عن الباقين، وإن امتنعوا كلهم .. أثموا، سواء طلبهم مجتمعين أو متفرقين، والمدعو أولًا أعظمهم إثمًا؛ لأنه متبوع في الامتناع، كما لو أجاب أولًا .. فإنه يكون أكثرهم أجرًا. قال: (فلو طلب) أي: المدعي الأداء (من اثنين .. لومهما في الأصح)؛ لأن ترك ذلك يؤدي إلى التواكل، بخلاف التحمل. والثاني: لا يلزمهما كالتحمل. والأول فُرِّق بأنه هنا يطلب لأداء أمانة تحملها، وهناك يطلب منه تحمل أمانة. قال الإمام: وموضع الوجهين إذا لم يعلما إباء الباقين، فإن علماه .. وجب قطعًا، والخلاف جار فيما إذا طلب من واحد أيضًا كما نقله في (المطلب). قال: (فإن لم يكن إلا واحد .. لزمه إن كان فيما يثبت بشاهد ويمين، وإلا فلا)؛ لأن المقصود لا يحصل إلا به، فإن كان الحاكم يرى ذلك .. وجب عليه الأداء

وَقِيلَ: لاَ يَلْزَمُ الأّدّاءُ إِلاَّ مَنْ تَحَمَّلَ قَصْدًا لاَ اتِّفَاقًا. وَلِوُجُوبِ الأَدَاءِ شُرُوطٌ: أَنْ يُدْعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَقِيلَ: دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على الأصح، وإن كان لا يراه .. لم يجب على الأصح، وإن كان الحق لا يثبت به .. لم يلزمه؛ لأنه لا يحصل به غرض. وقيل: يلزمه؛ ليندفع عن المدعي بعض تهمة الكذب. قال: (وقيل: لا يلزم الأداء إلا من تحمل قصدًا لا اتفاقًا)؛ لأنه لم يوجد منه التوأم، وإذا تحمل قصدًا .. كان ملتزمًا كضمان الأموال. والأصح: أنه لا فرق؛ لأنها أمانة حصلت عنده فعليه الخروج عنها. ويشبه أن يكون محل الخلاف في المال وحقوقه، فلو سمع إنسانًا طلق امرأته أو أعتق عبده ثم جحد ورام استفراشها أو بيعه .. فالوجه اللزوم، وكذا لو سمعه قد عفا عن قود استحقه ثم رام القصاص وجحد العفو. قال: (ولوجوب الأداء شروط: أن يدعى من مسافة العدوى) وهي التي يتمكن المبكر إليها من الرجوع إلى موضعه في يومه، وهذا تفريغ على الصحيح في أن الشاهد يلزمه الحضور إلى القاضي للأداء منها. وقيل: ليس عليه الأداء إلا إذا اتفق اجتماعه معه. وقال الماوردي والروياني: لا يجب إلا إذا كان القاضي خارج البلد بعدت المسافة أو قرب، سواء كان ذا مركوب أم لا. وإن كان في البدل؛ فإن كان صغيرًا .. لزمه الإجابة، وإن كان كبيرًا، فإن جرت عادته بالمشي في جميع أقطاره .. لزمته، وإلا .. فلا، إلا أن يكون ذا مركوب فيلزمه، فإن لم يكن له مركوب وأحضر إليه ما يركبه، فإن لم ينكر الناس ركوب مثله .. لزمته، وإن أنكروه .. لم يلزمه. وظاهر قوله: (يدعى) أنه لا يجب ما لم يطلب، وهو كذلك في غير شهادة الحسبة، أما في الحسبة .. فالظاهر الوجوب مسارعة لإزالة المنكر، لا سيما إذا تعلق به عقد أو إثبات نسب وغير ذلك مما فيه خطر. قال: (وقيل: دون مسافة القصر)؛ لأنه في حكم الحاضر، والخلاف يبني

وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَإِنْ دُعِيَ ذُو فَسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، قِيلَ: أَوْ مخْتَلَفٍ فِيهِ .. لَمْ يَجِبْ. وَأَنْ لاَ يَكُونَ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ .. أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ، أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن الشهادة على الشهادة في مثلها هلى تقبل؟ والأصح: نعم. وأفهم أنه لو دعى من مسافة القصر فأزيد .. لم يجب قطعًا للمشقة، وهو ظاهر إذا دعاه المستحق، فإن دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإمام الأعظم .. تعين حضوره؛ فقد استحضر عمر الشهود من الكوفة إلى المدينة. قال: (وأن يكون عدلًا، فإن دعي ذو فسق مجمع عليه، أو مختلف فيه .. لم يجب) أما في المجمع عليه .. فلأنه لا فائدة له، سواء كان ظاهرًا أو خفيًا، بل يحرم عليه أن يشهد، وأما المختلف فيه كشرب النبيذ .. فعليه أن يشهد وإن عهد من القاضي التفسيق به ورد الشهادة به؛ لأنه قد يتغير اجتهاده. فلو كان أحد الشاهدين عدلًا والآخر فاسقًا فسقًا مجمعًا عليه .. فالصحيح: لا يلزم العدل الأداء إن كان الحق لا يثبت بشاهد ويمين. قال: (وأن لا يكون معذورًا بمرض ونحوه) أي: مما ترك الجمعة به كمن خاف على ماله ولو ضمن له الداعي حفظه، وكذا إذادعاه في وقت يتعطل فيه عن كسبه، ولو بذل له قدر كسبه .. لم يلزمه قبوله. قال: (فإن كان .. أشهد على شهادته، أو بعث القاضي من يسمعها) دفعًا للمشقة عنه، وكذا إذا كان يخاف من ظالم، ولو دعي في حر أو برد شديدين أو مطر .. لم يلزمه، ولا يرهق الشاهد الحضور، بل إن كان الصلاة أو أكل أو قضاء حاجة .. أمهل إلى أن يفرغ، ولا يمهل ثلاثة أيام على المشهور. تتمة: حيث لزم المرأة الإجابة .. لم يكن لزوجها منعها. ولو دعي للأداء عند من يعلم هل يقبل أو لا .. لزمه الإجابة، ولو كان القاضي متعينً في قبول الشهادة .. فالأصح وجوب الإجابة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو دعي للأداء عند أمير أو وزير .. فقال ابن القطان: لا تلزمه الإجابة، وقال ابن كج والماوردي والروياني: تلزمه إذا علم وصول الحق إلى ذي الحق بذلك. قال المصنف: قول ابن كج أصح، وينبغي أن يحمل قول ابن كج على ما إذا لم يخلص إلا عند الأمير أو الوزير، وإليه يرشد قولهم: إذا علم أنه يصل به إلى الحق، فلو علم أن القاضي يقدر على تخليصه .. فلا وجه لإقامة الشهادة عند من ليس أهلًا لسماعها. وقد جزم المصنف في (باب القضاء على الغائب) بأن سماع البينة يختص بالقضاة، والرافعي نقله عن (الوسيط) فقط، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا قبل (كتاب الردة) بورقة. وإذا قال ذو الحق للشاهد: عفوت عن هذه الشهادة، ثم طلبها منه، لزمه أداؤها؛ لأنه حق الله تعالى لا يسقط بالإسقاط. وإذا دعي الشاهد في وقت واحد إلى شهادتين بحقين متساويين .. تخير في إجابة من شاء منهما، فإن اختلف الحقان .. بدأ بأخوفهما فوتًا، فإن لم يخف .. تخير، ويحتمل الاقراع، قاله الشيخ عز الدين. وإذا امتنع الشاهد من أداء الشهادة حياء من المشهود عليه .. عصى، ولا يجوز للقاضي قبول شهادته في شيء أصلًا حتى يتوب، قاله القاضي حسين. ولو قال شخص للقاضي: لي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها بغير عذر فأحضره ليشهد .. لم يجبه القاضي؛ لأنه فاسق بزعمه. وفي (الحاوي): لو امتنع من الأداء وقال: ليس الحاكم عندي مستحقًا للحكم لفسق أو جهل .. لزمه الأداء، وليس للشاهد اجتهاد في صحة التقليد وفساده. وقال أحمد: لا يلزمه، وإنما يلزمه عند من يرضى من الحكام. وحكي أن الإمام أحمد لزمته شهادة، فدعي للأداء عند حاكم فامتنع وقال: إن القاضي ليس يرضى، فقال الداعي: تتلف علي مالي، فقال أحمد: الذي ولاه أتلف عليك مالك لا أنا.

فَصْلُ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ، وَفي عُقُوبَةٍ لآِدَمِيٍّ عَلَ الْمَذْهَبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرط الشهادة: أن يأتي بلفظ (أشهد) عند الأداء، فلو قال: أعلم أو أتحقق أو نحو ذلك .. لم يكف ذلك على الصحيح. فلو شهد واحد شهادة صحيحة، فقال الآخر: أشهد بما شهد به .. قال الماوردي: لا يكفي؛ لأنه موضوع آداء وليس موضع حكاية. قال ابن الرفعة: وبذلك يظهر أنه لا فرق بين أن يقول: بذلك أشهد أو: أشهد بذلك وإن كان العمل في وقتنا على خلافه. والصح: أنه لا تسمع الشهادة بالمجهول، وقيل: تسمع ويطالب بالبيان كالإقرار، والوجهان كالوجهين في الشهادة على الإقرار بالمجهول، والأصح أيضًا: عدم القبول، وهما في (الروضة) في (كتاب الدعاوي). ويستحب للشاهد استئذان الحاكم قبل الأداء؛ ليصغي إليه، فلو شهد قبل أن يستأذنه .. صحت شهادته في الأصح، لكن لو قال القاضي: كنت ذاهلًا أو لم أسمع .. لم يعتد بها. قال: (فصل: تقبل الشهادة على الشهادة في غير عقوبة) كالأموال وحقوقها، والأنكحة والبيع وسائر العقود والفسوخ، والطلاق والرضاع والولادة وعيوب النساء؛ للحاجة إلى ذلك، فإن شهود الواقعة قد يموتون أو يغيبون، وأيضًا الشهادة حق آدمي لازم، فيثبت بالشهادة كما يثبت بالإقرار. ولا فرق بين حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى، كالزكوات والكفارات ووقف المساجد والجهات العامة. قال: (وفي عقوبة لآدمي على المذهب) كالقصاص وحد القذف؛ لأن حق الآدمي مبني على الشح، وحق الله تعالى على المسامحة، ولأن حدود الله تعالى مندوب إلى سترها وتسقط بالشبهة فلم يحتج إلى التأكيد في إثباتها.

وَتَحَمُّلُهَا بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ فَيَقُولَ: أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا وَأُشْهِدُكَ، أَوِ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَوْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: تجوز الشهادة على الشهادة فيها أيضًا؛ لأنها من الحقوق التي تثبت بالشهادة، ويجب استيفاؤها إذ ذاك فكانت كحق الآدمي. ومرادهم بـ (عقوبة الآدمي): إثباتها، أما ردها .. فلا خلاف فيه، فلو شهدا على شهادة اثنين أن الحاكم حد فلانًا .. قبل بلا خلاف؛ فإنه حق آدمي، لأنه يسقط الحد عن نفسه. ويستثنى مع عقوبات الله تعالى الإحصان؛ فإنه لا تقبل فيه الشهادة على الشهادة في الأظهر كالزنا، كذا حكاه الرافعي عن ابن القاص، ووهم في (الكفاية) فنسبهما إلى ابن الصباغ. قال: (وتحملها بأن يسترعيه) أي: الأصل؛ لأنها نيابة فاعتبر فيها الإذن. و (الاسترعاء): التحفيظ، تقول: استرعيته الشيء فرعاه؛ أي: حفظه، وهو استفعال من الرعاية. وأشار المصنف بهذا إلى أن شرط التحمل: أن يعرف عند الأصل شهادة جازمة بحق ثابت، ولمعرفته أسباب: أحدهما: أن يسترعيه الأصل. قال: (فيقول: أنا شاهد بكذا وأشهدك، أو اشهد على شهادتي) أو أذنت لك أن تشهد على شهادتي، ويشترط تعرض الأصل للفظ الشهادة، فلو قال: اعلم أو استيفن .. لم يكف. قال: (أو يسمعه يشهد عند قاض) بأن لفلان على فلان كذا .. فيجوز له وإن لم يسترعه؛ إذا لا يقيمها عند القاضي إلا بعد تحققها، وحكي الإمام فيه اتفاق الأصحاب. وحكي أبو حاتم القزويني وجهًا: أنه لا يجوز حتى يسترعيه، وهذا هو السبب الثاني.

أَوْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي هَذَا وَجْهٌ، وَلاَ يَكْفِي سَمَاعُ قَوْلِهِ: لِفُلاَنٍ عَلَى فُلًانٍ كَذَا، أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا، أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا. وَلْيُبَيِّنِ الْفرْعُ عِنْدَ الأَدَاءِ جِهَةَ التَّحَمُّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألفًا من ثمن مبيع أو غيره) هذا هو السبب الثالث، وهو أن يتبين للشاهد سبب الوجوب، فله أن يشهد على الأصح وإن لم يسترعه ولم يكن عند حاكم؛ لأن لاستناد إلى السبب يقطع احتمال الوعد والتساهل. قال: (وفي هذا وجه) أي: أن الاستناد إلى السبب لا يكفي للتحمل؛ لأنه إن زال احتمال الوفاء بالعدة .. بقي إمكان التجوز والتوسع، وهذا الوجه عزاه الإمام للأكثرين، وكأنه أراد أكثر المراوزة، وكلام الرافعي يوهم تفرد الإمام بترجيحه، وليس كذلك، وقد تقدمت حكايته فيه. ويرد على حصره السباب فيما ذكره صور. منها: إذا سمعته يستدعي شاهدًا للتحمل .. فإن له أن يشهد وإن لم يسترعه كما قاله القاضي وابن الصباغ والشاشي وصاحب (البحر)، واستدركه الفارقي على (المهذب)، وحكي شريح فيه وجهين. ومنها: إذا سمعه يؤدي عند المحكم كما قاله القاضي والإمام، ولم يفصلا بين أن يقول: بجواز التحكيم أو لا، وبه صرح الفوراني والبغوي؛ لأنه لا يشهد عنده إلا وهو جازم بما شهد به. ومنها: لو كان حاكمًا أو محكمًا فشهدا عنده ولم يحكم به .. جاز له أن يشهد على شهادتهما؛ لأنه إذا جاز لغيره أن يشهد عليهما بذلك .. فهو أولى. قال: (ولا يكفي سماع قوله: لفلان على فلان كذا، أو أشهد بكذا، أو عندي شهادة بكذا)؛ لأن الناس قد يتساهلون في إطلاق ذلك على العدة ونحوها. قال: (وليتبين الفرع عند الأداء جهة التحمل) فإن استرعاه الأصل .. قال: أشهد أن فلانًا شهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته بكذا، وإن لم يسترعه .. بين أنه رآه يشهد عند القاضي، أو أنه أسند المشهود إلى سببه، قال الإمام: وذلك

فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ .. فَلاَ بَاسَ، وَلاَ يَصِحُ التَّحَمُّلُ على شَهَادَةِ مَرْودِ الشَّهَادَةِ، وَلاَ تَحْمِلُ النِّسْوَةُ، فَلَوْ مَاتَ الأَصْلُ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ .. لَمْ يَمْنَعْ شَهَادَةَ الْفَزْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الغالب على الناس الجهل بطريق التحمل. قال: (فإن لم يبين) أي جهة التحمل (ووثق القاضي بعلمه .. فلا بأس)؛ لانتفاء المحذور، لكن يستحب للقاضي أن يسأله بأي سبب ثبت هذا المال؟ وهل أخبرك به الأصل أو لا؟ وقد تقدم في (باب الردة) عد المواضع التي لا تسمع فيها البينة إلا مفصلة. قال: (ولا يصح التحمل على شهادة مردود الشهادة)؛ لأنه بناء على شفا جرف هار، وكشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار؛ وذلك كالكافر والعبد والصبي والفاسق والعدو. قال: (ولا تحمل النسوة) لم يصرح بها في (المحرر)، والمراد: أنه لا تقبل شهادة النساء على شهادة غيرهن ولو كانت الأصول نسوة فيما يشهدون فيه كالولادة والرضاع ونحوهما؛ لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل لا ما شهد به الأصل، ونفس الشهادة ليست بمال، ولأنه يطلع عليها الرجال. وفي وجه شاذ: أنها تقبل، حكاه ابن كج. فرع: تحمل فرع واحد عن أصل فيما يثبت بشاهد ويمين، فأراد ذو الحق أن يحلف مع هذا الفرع .. لم يجز؛ لأن شهادة الأصل لا تثبت بشاهد ويمين، ولو شهد على أصل واحد فرعان .. فله الحلف معهما، قاله الماوردي. قال: (فلو مات الأصل أو غاب أو مرض .. لم يمنع شهادة الفرع)؛ لأن ذلك ليس بنقص فلا يؤثر، أما عند الموت .. فهو الغاية، بل قال الشعبي: لا تسمع إلا في

وَإِنْ حَدَثَتْ رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةُ .. مَنَعَتْ، وَجُنُونُهُ كَمَوْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ فَاسِقٌ أَوْ عَبْدٌ فَأَدَّى وَهُوَ كَامِلٌ .. قُبِلَتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الحالة فقط، وحكاه ابن يونس عن المسعودي من أصحابنا، وهو تحريف. وأما عند المرض .. فدفعًا للمشفة، والمراد به: ما يجوِّز ترك الجمعة، لا ما يمنع الحضور كما قاله الإمام. قال: (وإن حدثت ردة أو فسق أو عداوة .. منعت) أي: شهادة الفرع ما دامت هذه الموانع بالأصل؛ لأن هذه الأحوال لا تهجم دفعة واحدة، بل الفسق يورث التهمة فيما تقدم، والردة تشعر بخبث سابق في العقيدة، والعداوة تنشأ من ضغائن كانت مستكنة. فإذا زالت هذه الوصاف .. فهل يشهد الفرع بالتحمل الأول أو يشترط تحمل جديد؟ وجهان: أصحهما: الثاني، قاله ابن سريج، وصححه الإمام. فإن حدثت هذه الأمور بعد الشهادة وقبل القضاء .. امتنع الحكم، ويلغز بصورة الفسق فيقال: عدل أدى وقبلت شهادته، ثم امتنع الحكم لأجل فسق شخص آخر. قال: (وجنونه كموته على الصحيح)؛ لأنه لا توقع ريبة في الماضي. والثاني: يمنع كالفسق، ويجريان في العمى، وأولى بأن لا يؤثر. ومأخذ الخلاف: أن الحكم عند شهادة الفرع هل يقع بشهادته أو بشهادة الأصل؟ فإن قلنا بالأول .. سمعت، وإلا .. لم تسمع. والمراد: الجنون المطبق لا المنقطع، ويخرج به الإغماء، وهو مع الغيبة لا يؤثر، فإن كان حاضرًا .. قال الإمام: ينتظر زواله لقربه، وجزم به في (الشرح الصغير)، والخرس كالجنون، قاله الهروي. ولو شهد الفرع في غيبة الأصل ثم حضر بعد القضاء .. لم يؤثر، وإن حضر قبله .. امتنع، لحصول القدرة على الأصل، وكذا لو أكذب الأصل الفرع قبل القضاء .. فإنه يمنع الحكم، وبعده لا يؤثر. قال: (ولو تحمل فرع فاسق أو عبد فأدى وهو كامل .. قلبت) كما في الأصل إذا تحمل وهو ناقص ثم أدى بعد كماله.

وَتَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ اثْنَانِ، وَشَرْطُ قَبُولِهَا: تَعَذُّرُ أَوْ تَعَسُّرُ الأَصْلِ بِمَوْتٍ أَوْ عَمىّ، أَوْ مَرَضٍ يَشُقُّ حُضُورُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الشيخ أبو علي وجهًا: أنه تعتبر العدالة عند التحمل؛ لأنها ولاية، وهو احتمال للقاضي حسين، يشبه ما لو وكل الحلال محرمًا في التزويج ثم تحلل الوكيل .. لا يصح النكاح. قال: (وتكفي شهادة اثنين على الشاهدين)؛ لأنها شهادة على شخصين، فجاز أن يجمعها عليهما في حقين كما لو شهدا على مقرين، وبهذا قال الأئمة الثلاثة. قال: (وفي قول: يشترك لكل رجل أو امرأة اثنان)؛ لأنهما إذا شهدا على شهادة أحد الأصلين .. كانا كشاهد واحد، وهذا صححه المزني والقاضي حسين والسرخسي، ووهم ابن الرفعة في (الكفاية) فنسب تصحيحه إلى المصنف وإنما صحح الأول، فعلى هذا: يجب في رجل وامرأتين ستة، وفي أربع نسوة ثمانية. قال: (وشرط قبولها: تعذر أو تعسر الأصل بموت أو عمى، أو مريض يشق حضوره)؛ لأن الأقوى في باب الشهادة لا يترك مع إمكانه، وشهادة الأصل أقوى من شهادة الفرع؛ لأنها تثبت نفس الحق، وشهادة الفرع إنما تثبت شهادة الأصل، وخالف الوكالة حيث جاز تصرف الوكيل مع حضور الموكل؛ لأن بابها أوسع. وأما التعذر بالموت .. فظاهر، فالموت والعمى مئالان للتعذر، والمرض والغيبة الآتية مثالان التعسر، وقيل: يقبل في الحضور كالراوية. وقيد المرض بما يشق معه الحضور، أي: مشقة ظاهرة، ولا يشترط أن لا يمكنه الحضور، وضبطه الإمام بما يجوز ترك الجمعة كما تقدم. واعتبر أبو علي أن يكون ملازمًا للفراش. فإن قيل: هذا يغني عن قوله فيما قبل: (فإن مات الأصل أو غاب أو فسق أو مرض .. لم تمنع شهادة الفرع) .. فالجواب: أن ذلك في بيان طرآن العذر، وهذا في المسوغ للشهادة. ولو قال: المصنف: كموت بالكاف .. كان أولى؛ فإن الجنون المطبق في حكم

أَوْ غَيْبَةٍ لِمَسَافَةِ عَدْوَى، وَقِيلَ: قَصْرٍ، وَأَنْ يُسَمِّيَ الأُصُولَ، وَلاَ يَشْتَرَطُ أَنْ يُزَكِّيَهُمُ الْفُرُوعُ، فَإِنْ زَكَّوْهُمْ .. قُبِلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الموت، وكذا الخرس الذي لا إفهام معه، والمحبوس كالمريض، وكذا من لا يمكنه الخروج خوفًا من ظالم كما أفتى به البغوي، وكذلك التخدر بالنسبة إلى المرأة. ويستثنى من شرط الغيبة شهود التزكية؛ فإن أصحاب المسائل تقبل شهادتهم عند القاضي على شهادة المزكي مع حضور المزكيين في البلد كما ذكره الشيخان في (فصل التزكية)، ولا يخفى أن ما أطلقه من العمى محله فيما لا تقبل فيه شهادة الأعمى، فإن كان حيث تقبل .. فليس بعذر إذا وجد قائدًا. قال: (أو غيبة لمسافة عدوى، وقيل: قصر) كذا بخط المصنف، والصواب: فوق مسافة العدوى كما هو في (المحرر) و (الروضة) وغيرهما؛ فإن المسوغ لشهادة الفرع غيبة الأصل فوق العدوى، وقد تقدم في الفصل قبله أن من شرط وجوب الأداء: أن يدعى من مسافة العدوى، فكيف تقبل فيها شهادة الفرع مع وجوب الأداء على الأصل. وفي (الروضة): منهم من أطلق في دون مسافة القصر وجهين، والأصح: لا تسمع في مسافة العدوى، والوجهان فيما فوقها أصحهما: تسمع. قال: (ولا يشترط أن يزكيهم الفروع) أي: على الصح، بل لهم إطلاق الشهادة، والقاضي يبحث على عدالتهم. وحكي وجه باشتراطها؛ لأن تركه يورث ريبة. ووجه ثالث: يشترط أن يقول الفرع: أشهدني على شهادته ولم يزل عدلًا إلى الآن، أو إلى أن مات. قال: (فإن زكوهم .. قبل) أي: على المشهور، وهذا بخلاف ما لو شهد اثنان في واقعة وزكى أحدهما الآخر .. فإنه لا تثبت عدالة الثاني على الأصح. والفرق: أن تزكية الفرع للأصول من تتمة شهادتهم، ولذلك شرط بعضهم

وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ .. لَمْ يَجُزْ. فَصْلٌ: رَجَعُوا عَنِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ .. امْتَنَعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التعرض لها، وهنا قام الشاهد المزكي بأحد شطري الشهادة فلا يصح قيامه بالثاني، وفي مسألة الكتاب وجه مخرج من مسألة تزكية أحد الشاهدين الآخر. قال: (ولو شهدوا على شهادة عدلين أو عدول ولم يسموهم .. لم يجز)؛ لأن القاضي قد يعرفهم بالجرح لو سموا. وفي (الكفاية) عن محمد بن جرير الطبري القبول، ولا يعد خلافه وجهًا في المذهب، بل إنه مذهب مستقل. تتمة: اجتمع شاهدا فرع وشاهد أصل .. تقدم شهادة الأصل، ثم يشهد شاهدًا الفرع كما إذا كان معه بعض ماء يكفيه يستعمله ثم يتيمم، قاله في (الإستقصاء). قال: (فصل: رجعوا عن الشهادة قبل الحكم .. امتنع) أي: الحكم بشهادتهم؛ لأن احتمال كذبهم في الرجوع مساو لاحتمال صدقهم في الشهادة، ولا يجوز الحكم مع الشك في صدق الشاهد فيما شهد به كما لو جهلت عدالتهم، وسواء كان في عقوبة أو بضع أو مال، ونقل الشيخ أبو حامد فيه الإجماع، خلافًا لأبي ثور، ونقله ابن القاص عن مالك أيضًا. وسواء اعترفوا بالتعمد أو الغلط، وهو في الأول فسقة، فإن كان في زنًا .. فقذفة، وكذا إن ادعوا الغلط في الأصح؛ إذ كان من حقهم التثبت والاحتياط، وعلى هذا: ترد شهادتهم. والمراد بـ (الرجوع): التصريح به، فلو قالوا بعد الداء: توقف في القضاء، ثم قالوا بعده: اقض فنحن على شهادتنا .. جاز في الصح.

أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ .. اسْتُوفِيَ، أَوْ عُقُوبَةٍ .. فَلاَ، أَوْ بَعْدَهُ .. لَمْ يُنْقَضْ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْفَى قِصَاصًا أَوْ قَتْلَ رِدَّةٍ أَوْ رَجْمَ زِنًا أَوْ جَلْدَهُ وَمَاتَ وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا .. فَعَلَيْهِمْ قَصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بعده وقبل استيفاء مال .. استُوفي)؛ لأن القضاء قد نفذ به، وليس هو مما يسقط بالشبهة حتى يتأثر بالرجوع، قال الشيخ أبو علي: وهكذا لو حكم حاكم باجتهاده ثم تغير اجتهاده .. لم يجز له نقض الحكم المبرم به. وقيل: لا يستوفي؛ لأن الظن قد اختل بالرجوع. قال: (أو عقوبة .. فلا)؛ لأنها تسقط بالشبهة. وفهم من إطلاقه: أنه لا فرق بين عقوبة لله وللآدمي، وفيه وجه بعيد، وهو في حدود الله أبعد. قال: (أو بعده) أي: بعد استيفاء الحكم به (.. لم ينقص)؛ لتأكد الأمر. قال في (البيان): وهو قول كافة العلماء إلا ابن المسيب والأوزاعي، لجواز كذبهم في الشهادة وصدقهم في الرجوع وعكسه، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فلا ينقض الحكم بأمر محتمل. وكان الشيخ زين الدين الكتناني بستشكله بأن بقاء الحكم بغير سبب خلاف الإجماع. قال: (فإن كان المستوفى قصاصًا) أي: في نفس أو طرف (أو قتل ردة أو رجم زنًا أو جلده ومات) أي: من الجلد ثم رجعوا (وقالوا: تعمدنا .. فعليهم قصاص أو دية مغلظة) أي على عدد رؤوسهم؛ لتسببهم في إهلاكه، وإنما وجبت الدية عليهم لا على عاقلتهم لاعترافهم. واحترز بقوله: (تعمدنا) عما لو قالوا: أخطأنا .. فلا قصاص، والدية مخففة على الصحيح، لكنها في مالهم؛ لأن إقرارهم منع تحمل العاقلة.

وَعَلَى الْقَاضِي قِصَاَصٌ إِنْ قَالَ: تَعَمَّدْتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وللقاضي تعزيرهم؛ لتركهم التحفظ. وقال ابن الصباغ والبندنيجي: لا يعزرهم؛ لأن الخطأ جائز عليهم، وهذه المسألة سبقت في أول (الجراح). واستثنى المصنف منها ما إذا اعترف الولي بعلمه بكذبهم .. فإنه لا يجب عليهم القصاص، لكن لا يكفي لحد القصاص قولهم: تعمدنا، بل لابد أن يقولوا: وعلمنا أنه يقبل قولنا، ونص عليه في (الأم). فإن قالوا: تعمدنا ولم نعلم ذلك، وأمكن صدقهم .. فشبه عمد. وظاهر عبارتهم أن شهود الزنا حدهم القصاص فقط، وليس كذلك، بل يحدون أولًا للقذف، ثم يرجمون، ولا يجب عليهم عند استيفاء القصاص تعزيز بسبب شهادة الزور. نعم؛ لو آل الأمر إلى الدية .. ففي وجوب التعزيز وجهان في (الحاوي) وغيره، والتعبير بـ (القصاص) يقتضى رعاية المماثلة. وفي (الرافعي): هل يرجمون أو يقتلون بالسيف؟ فيه احتمالان لعبادي: أصحهما: الأول، واستشكله في (المهمات) بأن شرط الاقتصاص بالحجر معرفة موضوع الجناية وقدر الحجر وعدده، والمرجوم في الزنا لا تنضبط هذه الأمور في حقه، قال: والصواب: الانتقال إلى السيف. والضمير في قوله: (جلده) يعود إلى الزنا، ولو حذفه .. كان أحسن، ليشمل حد القذف والشرب. قال: (وعلى القاضي قصاص إن قال: تعمدت) مؤاخذة بإقراره؛ فإنه اعترف بالعمدية. وصورة المسألة: إذا رجع القاضي دون الشهود. وسكت هنا عن الدية، لإشكال الأمر فيها، فإن الرافعي نقل وجوبها بكمالها عن البغوي ثم قال: وقياس مشاورة الشهود له في الصورة الثانية أَلاَّ يجب عليهم هنا إلا نصفها كما لو رجع بعض الشهود، وليس كما قال.

وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَهُمْ .. فَعَلَى الْجَمِيعِ قِصَاصٌ إِنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا، وَإِنْ قَالُوا: أَخْطَانَا .. فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَيْهِمْ نِصْفٌ، وَلَوْ رَجَعَ مُزَكٍّ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَضْمَنُ، أَوِ الْوَلِيُّ وَحْدَهُ .. فَعَلَيْهِ قِصَاصُ أَوْ دِيَةُ، أَوْ مَعَ الشُّهُودِ .. فَكَذَلِكَ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق: أن القاضي قد يستقل بالمباشرة فيما إذا قضى بعلمه، بخلاف الشهود، ونازعه ابن الرفعة في ذلك. قال: (وإن رجع هو وهم .. فعلى الجميع قصاص إن قالوا: تعمدنا)؛ لاعترافهم بالسبب في قتله عمدًا عدوانًا، وهذا لا خلاف فيه. قال: (وإن قالوا) أي: القاضي والشهود (أخطأنا .. فعليه نصف دية وعليهم نصف) وكذا لو عفا عن العمد على مال، وتكون الدية مخففة، ولا يلزم العاقلة إلا أن تصدقهم، كذا قاله الأصحاب. قال الرافعي: وقياسه أن لا يلزمه كمالها لو رجع كما لو رجع بعض الشهود. قال: (ولو رجع مزك .. فالأصح: أنه يضمن)؛ لأنه ألجأ القاضي إلى الحكم المؤدي إلى القتل. والثاني: لا؛ لأنه لم يتعرض للمشهود عليه، وإنما أثنى على الشاهد، والحكم يقع بشهادة الشاهد، فكان كالممسك مع القاتل، وهذا أصح عند صاحب (التهذيب). والثالث: يضمن بالدية دون القصاص. قال القفال: محل الخلاف إذا قال: علمت كذبهما، فإن قال: علمت فسقهما .. فلا شيء عليه؛ لأنه قد يصدق مع فسقه، وطرده الإمام في الحالين. قال: (أو الولي وحده .. فعليه قصاص أو دية)؛ لأنه القاتل. قال: (أو مع الشهود .. فكذلك)؛ لأنه المباشر، وهم معه كالممسك مع القاتل.

وَقِيلَ: هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءُ. وَلَوْ شَهِدَا بِطَلاَقٍ بَائِنٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي فَرَجَعَا .. دَامَ الْفِرَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: هو وهم شركاؤ)؛ لتعاونهم على القتل، و (المحرر) لم يرجح في هذه شيئًا، بل قال: رجح كلًا مرجحون، والرافعي في (شرحيه) نقل تصحيح الأول عن الإمام فقط، وتصحيح مقابله عن البغوي، ثم صحح المصنف في زوائده ما صححه الإمام. ولو رجع القاضي معهم .. فالدية مثلثة: ثلثها على القاضي، وثلثها على الوالي، وثلثها على الشهود، وحكم الرجوع تقدم في أول (النكاح). قال: (ولو شهدا بطلاق بائن أو رضاع أو لعان وفرق القاضي فرجعا .. دام الفراق)؛ لأن قولهما في الرجوع محتمل، فلا يرد القضاء بقول محتمل، لكن يجب الغرم على الشاهدين، سواء كان قبل الدخول أم بعده؛ لأنهما فوتا عليه ما يتقوم فيغرمان كما لو شهدا بعتق عبد ثم رجعا. وقال الأئمة الثلاثة: لا غرم عليهما بعد الدخول. لنا: القياس على ما وافقوا عليه، وهو الغرم قبل الدخول. ودخل في قوله: (طلاق بائن) ما إذا طلقها الحر طلقتين فشهدا بالثالثة. وفي قدر ما يغرمون في هذه الصور وجهان: أحدهما: ما يغرمونه لو كانت الشهادة بالثلاث؛ لأنهم منعوه بها جميع البضع فكانت كالثلاث. والثاني: ثلاثة؛ لأنه ممنوع من بعضها بثلاث طلقات، اختص الشهود بواحدة منها فكانت ثلث المنع منهم، فلزمهم ثلث الغرم. وعلى هذا: لو كان طلقها طلقة واحدة .. لزمهم ثلثان، حكاه الماوردي. وهذا ينبني على خلاف تقدم أن الطلقات الثلاث إذا وقعت متفرقة هل تترتب الحرمة الكبرى عليها أو على الأخيرة؟

وَعَلَيْهِمْ مَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفُهُ إِنْ كَانَ قَبْلَ وَطْءٍ، وَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهِمُ الْمُسَمَّى، وَفي قوْلٍ: نِصْفُهُ إِنْ كَانَ قَبْلَ وَطَءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان الطلاق بعوض .. قال ابن الرفعة: ينظر، إن كانت شهادتهم على الزوجة لإنكارها عقد الخلع .. فلها الرجوع بما غرموها، وإن كانت على الزوج لإنكاره الطلاق .. فهم قد ألزموه الطلاق في مقابلة بدل، إن لم يستحقه بالخلع .. استحقه بالحيلولة، فينظر، إن كان العوض قدر ما يغرمه الشهود في غير الخلع .. لم يرجع على الشهود بشيء، وإن كان أقل .. رجع عليهم بالفاضل. قال: (وعليهم) أي: على الشهود للزوج، وكان الصواب أن يقول: وعليهما؛ لأن المحدث عنه شاهدان. قال: (مهر مثل)؛ لأنه بدل ما فوتا، وهذا إذا كان بعد الدخول، فإن كان قبله .. فكذلك على الأصح. قال: (وفي قول: نصفه إن كان قبل وطء)؛ لأنه الذي فات على الزوج. قال: (وفي قول: عليهم المسمى)؛ لأنه الذي فات على الزوج، ويشهد له ما حكي عن التقديم: أن مفوضة البضع لو شهدوا بطلاقها قبل الفرض والمسيس ثم رجعوا .. أن المغروم المتعة، واختاره ابن الحداد، وغلطه الصحاب. قال: (وفي قول: نصفه إن كان قبل وطء) كذا نقله الربيع عن نصه، وهو مخرج من نصه فيما إذا أفسدت المرأة نكاحها برضاع، وقد تقدم ذلك في بابه.

وَلَوْ شَهِدَا بِطَلاَقٍ وَفَرقَ فَرَجَعَا فَقَامَتْ بَينَةٌ أَنَهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ .. فَلاَ غُرْمَ, وَلَوْ رَجَعَ شُهِودُ مَالٍ .. غَرِمُوا فِيِ الأَظْهَرِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: لم يذكر المصنف تبعًا لـ (المحرر) حكم ما إذا شهدا بطلاق رجعى, وملخص ما فيها أربعة أوجه: أحدها: لا يغرمان شيئًا, سواء رجعا أم لا, وجزم به الماوردى. والثانى: أنهما يغرمان كما في البائن, وهو الأظهر عند القاضى, وجزم به البغوي. والثالث: إن راجعها .. لم يغرما له شيئًا , فإن كانا غرمًا له .. استرداه, وإن لم يراجعها .. غرما له. قال: (ولو شهدا بطلاق وفرق) أي: قضى القاضي بالفرقة بينهما (فرجعا فقامت بينة أنه كان بينهما رضاع) وكذا إذا شهدا أنها بانت من قبل (.. فلا غرم) , لأنهما لم يفوتا شيئًا, ولو غرما قبل قيام البينة .. استردا المغروم. واحتزر بقوله: (فرق) عما إذا اتفق ذلك قبل قضاء القاضى .. فلا غرم من باب أولى. وأفهم قوله: (فلا غرم) أن الزوج لو غرم لها المهر .. استرده كما صرح به القاضى أبو الطيب في (شرح الفروع). قال: (ولو رجع شهود مال) سواء كان عينًا أو دينًا (.. غرموا في الأظهر) , لأنهم حالوا بينه وبين ماله بغير حق فأشبه من غصب عبدًا فأبق منه, وبهذا قال الائمة الثلاثة.

وَمَتَى رَجَعُوا كُلُّهُمْ .. وُزَّعَ عَلَيْهِمُ اَلْغُرْمُ, أَوْ بَعْضُهُمْ وَبَقِيِّ نِصَابٌ .. فَلاَ غُرْمَ, وَقِيلَ: يَغْرَمُ قِسْطَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يلزمهم الغرم, لآن العين إنما تضمن باليد أو الإتلاف, وهما معدومان هنا. وادعى الإمام والفوراني أن هذا هو الجديد, ووهم في (الكفاية) و (المطلب) في نسبة هذا إلى المصنف, فإنه صحح في كتبه كلها الأول كما صححه صاحب (التنبيه) , وعلى الأظهر: في أى وقت تعتبر القيمة؟ فيه في (البحر) و (الحاوي) وجهان: أحدهما: وقت الحكم. والثاني: أكثر ما كانت من وقت الحكم إلى وقت الرجوع. هذا في المتقوم, أما المثلى .. فالظاهر: أنه لا يضمن بمثله. وأفهم إطلاقه: أنه لا فرق بين أن يقولوا: تعمدنا أو أخطأنا, وهو كذلك, لأن ضمان المال لا يختلف بذلك. ولو لم يقولوا: رجعنا ولكن قامت البينة برجوعهم .. لم يغرموا, لأن الحق باق على المشهود عليه. ولو رجع شهود العتق .. لزمهم الضمان بالقيمة لا الثمن, لأنهم أتلفوا رقبة على مالكها, فأشبه ما لو قتلوها, وسواء كان قنًا أو مدبرًا أو أم ولد, وقال أبو حنيفة: لا غرم فى أم الولد. قال: (ومتى رجعوا كلهم .. وزع عليهم الغرم) أي: بالسوية عند إتحاد نوعهم, سواء رجعوا معًا أو مرتبًا. قال: (أو بعضهم وبقي نصاب .. فلا غرم) , لأنه بقي ما تقوم به الحجة, فكأن الراجع لم يشهد. ووقع في (الرافعى): أن إبن الحداد قال بهذا, والذي في (فروعه): الجزم بوجوب الغرم. قال: (وقيل: يغرم قسطه) , لأن الحكم وقع بشهادة الجميع, وكل منهم قد فوت قسطًا فيغرم ما فوت.

وَإِنْ نَقَصَ النَّصَابُ وَلَمْ يَزِدِ الشَّهُودُ عَلَيْهِ .. فَقِسْطٌ, وَإِنْ زَادَ .. فَقِسْطٌ مِنَ النَّصَابِ, وَقِيلَ: مِنَ العَدَدِ, وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .. فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُمَا نِصْفٌ, أَوْ وَأَرْبَعٌ فِيِ رَضَاعٍ .. فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ وَهُنَّ ثُلُثَانِ, فَإِنْ رَجَعَ هُوَ أَوْ ثِنتانِ .. فَلاَ غُرْمَ فِيِ الأَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن نقص النصاب ولم يزد الشهود عليه .. فقسط) بأن حكم بعتق أو قتل أو مال بشاهدين ثم رجع احدهما .. فعليه نصف الغرم. ولو رجم بشهادة أربعة ثم رجع بعضهم .. فعليه قسط من الدية. قال: (وإن زاد) أي: عدد الشهود عن النصاب ولم يثبت من العدد المعتبر إلا بعضهم كما إذا رجع من الثلاثة أو الخمسة اثنان. قال: (.. فقسط من النصاب, وقيل: من العدد) وهما مبنيان على الوجهين فيما إذا رجع بعضهم وبقي نصاب, إن قلنا: لا غرم هناك .. وزع الغرم هنا على العدد المعتبر وهو النصاب, وحصة من نقص من العدد المعتبر توزع على من رجع بالسوية, وهو المراد بقوله: (قسط من النصاب). وإن قلنا بالغرم هناك .. وزع هنا على جميع الشهود, وهو المراد بقوله: (وقيل: من العدد) فعلى الاثنين الراجعين من الثلاثة نصف الغرم على الأول وثلثاه على الثاني. قال: (وإن شهد رجل وامرأتان .. فعليه نصف وهما نصف) , لأن شهادتهما كشهادته. وفرع الشيخ شرف الدين البارزي على ذلك ما إذا شهد رجل وامرأتان على شىء وأخذوا أجره .. أنه يكون للمرأتين نصفها وللرجل النصف الأخر كالغرم, وهو ظاهر, والخنثى فى جميع ذلك كالمرأة. قال: (أو وأربع فى رضاع .. فعليه ثلث وهن ثلثان) , لما قلناه, (فإن رجع هو أو ثنتان, فلا غرم فى الأصح) , لبقاء النصاب, ومقابله: عليه أو عليهما ثلث الغرم.

وَإِنْ شَهِدَ هُوَ وَأَرْبَعُ بِمَالٍ .. فَقِيلَ: كَرَضَاعٍ, وَالأَصَحُّ: هُوَ نِصْفٌ وَهُنَّ نِصْفٌ, سَوَاءٌ رَجَعْنَ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُنَّ, وَإِنْ رَجَعَ ثِنْتَانِ .. فَالأَصَحَّ: لاَ غُرْمَ, وَأَنَّ شُهُودَ إِحْصَانٍ أَوْ صِفَةٍ مَعَ شُهُودِ تعْلِيقِ طَلاَقٍ وَعِتْقٍ لاَ يَغْرَمُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن شهد هو وأربع بمال .. فقيل: كرضاع) فيكون عليه ثلث الغرم وعليهن ثلثاه. قال: (والأصح: هو نصف وهن نصف) , لأنه نصف البينة, وهن وإن كثرن مع الرجل بمنزلة رجل واحد, (سواء رجعن معه أو وحدهن) , لأن المال لا يثبت بشهادة النساء, وإن كثرن .. فنصف. قال: (وإن رجع ثنتان .. فالأصح: لا غرم) , لبقاء الحجة. والثانى: عليهما ربع الغرم. وإذا شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا .. قال القاضى حسين في (كتاب الحدود): لا شىء على المرأة, وعلى الرجلين الغرم, وقال ههنا: يجب عليها الخمس. قال: (وأن شهود إحصان أو صفة مع شهود تعليق طلاق وعتق لا يغرمون). صورة المسألة: أن يشهد أربعة بزنا زيد واثنان بإحصانه, فيرجمه الحاكم, وأن يشهد اثنان بأن فلانًا علق طلاق زوجته أو عتق عبده بصفة وشهد أخران على وجود الصفة ثم رجعوا بعد نفوذ العتق والطلاق. وفي كل من المسألتين وجهان-وقيل: قولان-: أصحهما: اختصاصه بشهود الزنا, لأن الشاهد بالإحصان لم يشهد بموجب عقوبة, وإنما وصفوه بصفة كمال, ألا ترى أنه لو شهد اثنان على شخص بقذف, فادعى أنه عبد, فشهد اخران أنه حر, فجلد ثمانين ثم رجع الجميع .. فلا شىء على شاهدى الحرية. وأما شهود الصفة مع شهود تعليق الطلاق والعتق .. فلأنهم لم يشهدوا على فعله وهو الموجب للطلاق والعتق, وإنما أثبتوا صفة. والثاني: يغرمون, لأن الرجم يتوقف على ثبوت الزنا والإحصان جميعًا, فالقتل لم يستوف إلا بهم, وكذلك الطلاق والعتق وقع بقولهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال فى (المهمات) وهذا هو المعروف, وقد صححه الماوردي والجرجاني, والبندنيجي في (المعتمد). وقيل: إن شهدوا بالإحصان بعد شهود الزنا .. غرموا, أو قبلهم .. فلا, لأنهم لم يثبتوا إلا صفة كمال. فإن غرمنا شهود الإحصان .. فباعتبار النصابين في الأصح, فعليهم الثلث وعلى شهود الزنا ثلثان, وقيل: باعتبار الجنسين, فعليهم النصف. وإن غرمنا شهود الصفة .. فقال الرافعى والمصنف: لا يأتى فى ذلك إلا التصنيف, وليس كذلك, فقد تكون الصفة لا تثبت إلا بأربعة كالزنا فينعكس الحكم, فيكون الثلثان على شهود الصفة والثلث على شهود التعليق. وإذا قال شهود الإحصان: تعمدنا .. لزمهم القصاص كشهود الزنا. ولو رجع شهود الزنا فقط .. ضمنوا قطعًا, والأصح: أنهم يغرمون جميع الدية. تتمة: شهد ثمانية بالزنا والإحصان, ثم رجع أحدهم .. فلا غرم على الأصح, لبقاء الحجتين, وكذا لو رجع ثان وثالث ورابع, فإن رجع خامس .. فقط بطلت حجة الزنا, ولم تبطل حجة الإحصان. فإن لم يغرم شهود الإحصان .. فعلى الخمسة ربع الغرم, لبطلان ربع الحجة, وإن غرمناهم .. فلا غرم هنا لشهادة الإحصان على الأصح, لبقاء حجته, ويغرم الراجعون ربع غرم الزنا, وهو السدس إن ثلثنا والثمن إن نصفنا. وإن رجع ستة .. لزمهم نصف غرم الزنا, وهو الثلث إن ثلثنا والربع إن نصفنا, وإن رجع سبعة .. بطلت الحجتان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة شهد أربعة على رجل بأربع مئة, ثم رجع أحدهم عن مئة, وأخر عن مئتين, وثالث عن ثلاث مئة, والرابع عن الجميع .. فالبينة باقية بتمامها فى مئتين. والأصح: أنه لا يجب غرمها, ويجب على الأربعة غرم المئة بالرجوع عنها بإتفاقهم, وعلى الثاني والثالث والرابع ثلاثة أرباع المئة التى أختصوا بالرجوع عنها. والوجه الثانى: على كل راجع حصة ما رجع عنه, فعلى الأول ربع المئة, وعلى الثاني خمسون, وعلى الثالث خمسة وسبعون, وعلى الرابع مئة والله أعلم.

كتاب الدعوى والبينات

كتاب الدعوى والبينات

كِتَابُ الدَّعوَى وَالبَيِّنَاتِ كتاب الدعوى والبينات (الدعوى) هي في اللغة: الطلب, ومنه قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} وألفها للتأنيث, وجمعها: دعاوى كفتوى وفتاوى بفتح الواو وكسرها. قيل: سميت دعوى لأن المدعى يدعو صاحبه إلى مجلس الحكم, ليخرج من دعواه. (والبينات): جمع بينة, وهو الشهود, سموا بذلك لأن بهم تتبين الحقوق. وأفرد الدعوى وجمع البينة, لأن حقيقة الدعوى واحدة والبينات مختلفة. والأصل فى الباب: قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}. قال الحسن: من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب .. فهو ظالم, وفى (الصحيحين) (خ4552 - م 1711/ 1) عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعطي الناس بدعواهم, لادعى أناس دماء رجال وأموالهم, ولكن اليمين على المدعي عليه). وفي (البهيقي) (10/ 252) بإسناد حسن: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ووهم فى (الكفاية) فعزى هذه إلى مسلم. وإنما كانت البينة على المدعى لأنها حجة قوية لإنتفاء التهمة, لأنها لا تجلب لنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضررًا, وجانب المدعى ضعيف, لأنه يدعي خلاف الظاهر, فكلف الحجة القوية, ليقوي بها ضعفه, وعكسه المدعي عليه فأكتفى منه بالحجة الضعيفة. ولا خلاف بين المسلمين في هذه الجملة, قال الحسن: (كان رسول الله

تُشْتَرَطُ الدَّعْوى عِنْدَ قَاضٍ فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ وَقَذْفٍ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ عَيْنًا .. فَلَهُ أَخْذُهَا إِنْ لَمْ يَخَف فِتْنّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم لا يأخذ أحدًا بقرف أحد، ولا يصدق أحدًا على أحد). ولما كانت الخصومات تدور على خمسة: الدعوى والجواب واليمين والنكول والبينة .. ذكرها المصنف كذلك. قال: (تشترط الدعوى عند قاض في عقوبة) أي: لآدمي (كقصاص وقذف) أي: حد قذف؛ لعظم خطره، والاحتياط في إثباته واستيفائه. وشملت عبارته المحكم؛ فإنه قاض عند الخصمين، لكن تمثيله بالقصاص والقذف يفهم التصوير بحق الآدمي، وأن حدود الله تعالى لا يشترط فيها ذلك، وليس كذلك، بل لابد فيها من القاضي أيضًا، مع أنه لا تسمع فيها الدعوى أصلًا؛ لأنها ليست حقًا للمدعي، بل هو مأمور بالإعراض والدفع ما أمكن، إلا أنه يستثنى منه ما إذا قذفه بالزنا وأراد القاذف تحليفه أنه لم يزن .. فالأصح: أنه يجاب، ولا تسمع الدعوى بذلك، ويحلف على نفيه إلا في هذه الصورة، لكن يرد على المصنف السيد؛ فإنه يسمع الدعوى على عبده. قال: (وإن استحق عينًا .. فله أخذها) مستقلًا بها (إن لم يخف فتنة) بالاتفاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهند في أخذ ما في الذمة، فعين المال أولى. وشمل قوله: (استحق عينًا) المالك والمستأجر والموصى له بالمنفعة والموقوف عليه، وفيه نظر؛ فإن الاستقلال بالأخذ للمالك فقط فيما يتبادر من كلام الغزالي والرافعي، فيحمل كلام المصنف عليه؛ لأن مستحق العين حقيقة هو المالك، وأما غيره .. فيستحق المنفعة لا العين نفسها، والأشبه: أن مستحق المنفعة- لاسيما المؤبدة فيما نحن- فيه كالمالك، وقد نص الشافعي على أن لولي الطفل الأخذ. وفي معنى الفتنة: خوف الضرر على نفسه. ثم الكلام إنما هو في ذوي اليد العادية ومن في حكمها، فلو كانت في يد أمين

وَإِلاَّ .. وَجَبَ الرَّفْعُ إِلَى قَاضٍ، أَوْ دَنْنًا عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ مِنَ الأَداءِ .. طَالَبَةُ، وَلاَ يَحِلُّ أّخْذُ شَيْءٍ لَهُ، أَوْ عَلَضى مُنْكِرٍ وَلاَ بَيِّنَةَ .. أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مِنْ مَاِلهِ، وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ إِنْ فَقَدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باذل .. لم يجز له أخذها بغير إذنه ولا عمله، ولا دخول منزله لأجلها، بل سبيله الطلب. قال: (وإلا .. وجب الرفع إلى قاض)؛ لتمكنه من الخلاص به، فلا حاجة لإثارة الفتنة، وليس المراد أنه يكلف ذلك حتى يأثم بالترك، بل المراد امتناع الاستقلال بالأخذ في هذه الحالة. والمراد بالرفع إلى القاضي: الرفع إلى من له إلزام الحقوق والإجبار عليها من أمير ومحتسب ونحوهما، والرفع: تقريبك الشيء، فمعنى رفعه إلى السلطان قربه إليه، وقد تقدم ذلك في (باب الخيار) في البيع. قال: (أو دينًا) حالًا (على غير ممتنع من الأداء .. طالبه)؛ ليؤدي ما عليه. قال: (ولا يحل أخذ شيء له)؛ لأن الخيار في تعيين المال المرفوع إلى من عليه، فإن خالف وأخذ شيئًا من ماله .. رده، فإن تلف عنده .. ضمنه، فإن اتفقا .. جاء خلاف التقاص. قال: (أو على منكر ولا بينة .. أخذ جنس حقه من ماله) عند الظفر به؛ لعجزه عن أخذه إلا كذلك، وسواء أنكره في الظاهر والباطن، أو كان ينكر في الظاهر ويقر باطنًا. وعن القفال: ليس له الأخذ مطلقًا؛ بل يقتصر على التحليف. قال: (وكذا غير جنسه إن فقده على المذهب)؛ لما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله؛ إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت من ماله وهو لا يعلم، فهل على ذلك شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك (فجوز لها الأخذ من غير فرق بين الجنس وغيره. وقيل: في جواز الأخذ قولان: أحدهما: هذا.

أَوْ عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ أَوْ مُنْكِرٍ وَلَهَ بَيِّنَةٌ .. فَكَذَلِك، وَقِيلَ: يَجِبُ الرَّفْعُ إِلى قَاضٍ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا يأخذ غير الجنس؛ لأنه لا يتمكن من تملكه. وقال أبو حنيفة: يأخذ جنس حقه لا غيره، إلا أن يكون دراهم فيأخذ الدنانير وبالعكس. والمصنف أطلق الجواز من غير الجنس، ومحله إذا لم يجد أحد النقدين، فإن وجده .. لم يعدل إلى غيره، كذا نقله في (المطلب) عن المتولي وارتضاه ثم قال: ومحله أيضًا إذا كان الغريم مصدقًا أنه ملكه، فلو كان منكرًا كونه له .. لم يجز له أخذه وجهًا واحدًا، صرح به الإمام في (كتاب الوكالة) وقال: إنه مقطوع به. وقال أحمد: لا يأخذ من جنسه ولا من غير جنسه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك). وأجاب الشافعي بأن الحديث غير ثابت، ولو كانت ثابتًا .. لم تكن فيه حجة؛ إذ دلت السنة وإجماع كثير من أهل العلم على أن من أخذ حقه .. ليس بخائن، إنما الخيانة من يأخذ ما لا يستحق، والعجب من استدلال أحمد بالحديث وهو يقول: إنه باطل لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح، وأعله ابن حزم [المحلي 8/ 181] وابن القطان والبيهقي بقيس بن الربيع وشريك وغيرهما، لكن الحاكم قال: إنه على شرط مسلم، وقال الترمذي: إنه حسن غريب. قال: (أو على مقر ممتنع أو منكر وله بينة .. فكذلك) أي: يستقل بالأخذ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالمرافعة. قال: (وقيل: يجب الرفع إلى قاض) كما لو أمكنه تحصيل الحق بالمطالبة والتقاضي. وعلى هذا: لو كان المستحق يرجو إقراره لو أحضره عند القاضي وعرضه عليه .. وجب إحضاره. هذا كله في دين الآدمي، أما الزكاة إذا امتنع المالك من أدائها وظفر الفقير بجنسها

وَإِذَا جَازَ الأَخْذُ .. فَلَهُ كَسْرُ بَابٍ، وَنَقْبُ جِدَارٍ لاَ يَصِلُ الىَ الْمِالِ إلاَّ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من ماله .. فليس له الأخذ، بخلاف الدين، كذا أجاب به القاضي أبو بكر الشاشي في (فتاويه)، وهو في طبقة القاضي أبي الطيب، وهو متوجه؛ لتوقفها على النية، بخلاف الدين، وغفل عن هذا من فصل بين أن يتعين الفقراء أو لا إلحاقًا لها بالديون. فروع: ادعى من أخذ من ماله على الظافر أنه أخذ من ماله كذا، فقال: ما أخذت، فأراد استحلافه .. كان له أن يحلف أنه ما أخذ من ماله شيئًا، ولو كان مقرًا لكنه يدعي حيلة كذبًا ولو حلف لحلف .. فللمستحق الأخذ من ماله فيما يظهر، ويحتمل أن يفرق بين الأجل القريب والبعيد. ولو كان المدين صغيرًا أو سفيهًا أو مجنونًا بأن أتلف له شيئًا ولا بينة له بذلك .. فلا خلاف أنه ليس له الأخذ من ماله إن ظفر بجنس حقه، حكاه في (الذخائر) عن الغزالي، وغلط من قال خلاف ذلك. ولو كان المدين مقرًا، لكنه ادعى الفلس وأقام بينة أو صدق بيمينه، ورب الدين يعلم أن له مالًا كتمه، فإن لم يقدر على بينة .. فله الأخذ منه. ولو جحد قرابة من تلزمه نفقته أو ادعى العجز عنها كاذبًا أو أنكر الزوجية .. فعلى ما فصلناه، لكن إنما يأخذ قوت يوم بيوم فيما يظهر. قال: (وإذا جاز الأخذ .. فله كسر باب، ونقب جدار لا يصل إلى المال إلا به)؛ لأن من استحق شيئًا .. استحق الوصول إليه، ولا يضمن ما فوته، كمن لم يقدر على دفع الصائل إلا بإتلاف ماله فأتلفه .. لا يضمن. وحكي الرافعي وجهًا: أنه يضمن، ولو وكل في ذلك أجنبيًا .. لم يجز له، ولو فعل .. ضمن.

ثُمَّ الْمَاخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ يَتَمَلَّكُهُ، وَمِنْ غَيْرِهِ يَبِيعُهُ، وَقيلَ: يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ لِيَبِيعَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم كسر الباب ونحوه لا يجوز في ملك الغائب المعذور وإن جوزنا الأخذ، ولا في ملك الصبي والمجنون، وإنما ذلك مخصوص بالمتعدي بالمنع، وكذا لا يجوز ذلك في جدار غريم الغريم قطعًا. وإذا غصب منه نجاسة تختص بها كجلد ميتة وسرجين وكلب معلم وجحده .. فظاهر كلام الصحاب أنه لا يكسر بابًا ونحوه؛ لأنهم إنما تكلموا في المال خاصة. قال: (ثم المأخوذ من جنسه يتملكه) بدلًا عما استحقه؛ لأنه ثمرة الملك. والتعبير بـ (التملك) وقع في (الشرحين) و (الروضة) أيضًا، وهو يقتضي: أنه لا يملكه بنفس الخذ، بل لابد من إحداث تملك، والصواب خلافه كما صرح به القاضي والإمام والبغوي والمحاملي والماوردي وغيرهم؛ فإن الشارع قد أذن في قبضه، فأشبه ما إذا أقبضه الحاكم إياه. قال: (ومن غيره يبيعه) كما يتسلط على الأخذ ولا يتملكه على الصحيح. وقيل: يتملك منه قدر حقه للضرورة، وهو ضعيف، وإنما يجوز له بيعه بنفسه إذا كان القاضي جاهلًا بالحال ولا بينة للأخذ، فإن كان القاضي عالمًا به .. فالمذهب أنه لا يبيعه إلا بإذنه، وكما يجوز للظافر أن يبيع له أن يوكل فيه، قاله في (الروضة) في آخر (الطلاق). قال: (وقيل: يجب رفعه إلى قاض ليبيعه)؛ لأنه لا يتصرف في مال غيره لنفسه، ولم يرجح في (المحرر) في المسألة شيئًا، بل قال: رجح كلًا طائفة، والصحيح في (الشرح الصغير) و (الروضة): أنه يستقل ببيعه. قال الرافعي: وإذا أريد بيع المظفور به، فإن كان الحق من جنس نقد البلد .. بيع به، وإن لم يكن بأن ظفر بثوب وله حنطة .. فيباع الثوب بنقد البلد، ثم تشتري الحنطة بالثوب، والذي رجحه الرافعي هنا من امتناع البيع بغير نقد البلد سبق له نظير في (باب الفلس)، وخالف ذلك في بابي (الرهن) و (الوكالة).

وَالْمَاخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيعِهِ، وَلاَ يَاخُذُ فَوْقَ حَقِّهِ إِنْ أَمْكَنَ الاِقْتِصَارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: حقه دراهم صحاح فظفر بمكسرة .. فله أخذها وتملكها بحقه، ولو استحق مكسرة فظفر بصحاح .. فالمذهب جواز الأخذ؛ لاتحاد الجنس. وقيل: فيه الخلاف في اختلاف الجنس؛ لاختلاف الغرض، وإذا أخذها .. فليس له تملكها، ولا يشتري بها مكسرة، لا متفاضلًا؛ لما فيه من الربا، ولا متساويًا،؛ لأنه يجحف بالمأخوذ منه، لكن يبيع صحاح الدراهم بدنانير ويشتري بها دراهم مكسرة ويتملكها. قال: (والمأخوذ مضمون عليه في الأصح)؛ لأنه قبضه لغرض نفسه فكان من ضمانه كالمستام، بل أولى؛ فإن المالك لم يأذن فيه. والثاني: لا يضمنه من غير تفريط؛ لاستحقاقه أخذه وصرف ثمنه في دينه فأشبه المرهون. وموضع الخلاف إذا تلف قبل التمكن من البيع، فإن تمكن منه فلم يفعل .. كان ضامنًا بلا خلاف. ويؤخذ من كونه مضمونًا عليه قبل البيع أنه لو حدثت فيه زيادة قبل بيعه .. فهي على ملك المأخوذ منه، وبه صرح في زوائد (الروضة). قال: (فيضمنه إن تلف قبل تملكه وبيعه)، وكذا لو أخر البيع لتقصير فنقصت قيمته .. ضمن النقص، ولو نقصت ثم ارتفعت ثم تلفت .. ضمن بالأكثر، فلو اتفق رد العين .. لم يضمن النقص، وإذا باعه وتملك ثمنه ثم قضى المستحق عليه دينه .. لزمه رد المأخوذ، ومتى انتفع بالعين المأخوذة قبل التملك .. لزمه أجرتها، وليس له إبقاؤها في يده رهنًا؛ لأن الرهن عقد لا يقع إلا عن مراضاة. قال: (ولا يأخذ فوق حقه إن أمكن الاقتصار)؛ لحصول المقصود به، فإن زاد .. فالزيادة مضمونة عليه على الأصح.

وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَريمِهِ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ: مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن أمكنه بيع قدر حقه منه .. باعه، وإلا .. باع الجميع، وأخذ من ثمنه وسعى في رد الباقي، ويحفظه إلى الإمكان. قال: (وله أخذ مال غريم غريمه) كما يجوز الأخذ من مال الغريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا ..) الحديث. والرافعي والمصنف أطلقا المسألة، وهي تقتضي أه لا فرق بين أن يكون غريم الغريم جاحدًا أم لا، ولا بين أن يكون ماله من جنس حقه أو لا؛ فإنه يجوز له نقب جداره وغيره، وهذا أمر لا يمكن لأقول به على الإطلاق، والرافعي إنما نقل هذا الفرع عن البغوي، والذي يقتضيه كلامه: التصوير بما إذا كان غريم الغريم مماطلًا لغريمه أو جاحدًا له ولا بينة، أما إذا كان مقرًا ولا شعور له بالحال .. فصرح القاضي حسين وإبراهيم المرور وذي بمنع ذلك، وهو المتعمد. فرع: لزيد على عمرو دينان، أحدهما ببينة وقد قبضه والبينة لا تعلم القبض، والأخر بغير بينة ولم يقبضه .. قال أبو سعد الهروي وشريح الروياني: له أن يدعي به ويقيم البينة بالدين المقبوض ويقبضه عن دينه الآخر، وصححه في زوائد (الروضة). وقال القفال في (الفتاوى): ليس له ذلك. قال: (والأظهر: أن المدعي: من يخالف قوله الظاهر) وهو براءة الذمة، ويقابل الظهر أنه من لو سكت .. خلي ولم يطالب بشيء. والمدعي عليه: على الأول: من يوافق قوله الظاهر، وعلى الثاني: من لا يخلى إذا سكت، والقولان مستنبطان من مسألة اختلاف الزوجين في آنية المنزل، وقيل: منصوصان. ولم يذكر الرافعي ولا المصنف هنا شرط المدعي والمدعى عليه؛ اكتفاء بذكره في

وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ: مَنْ يُوَافِقُهُ، فَإذَا أَسْلّمّ زّوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ فَقَالَ: أَسْلَمْنَا مَعًا .. فَالنِّكَاحُ بَاقٍ، وَقَالَتْ: مُرَتَّبًا .. فَهُوَ مُدَّعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أول (دعوى الدم والقسامة) حيث قال: (وإنما تسمع من مكلف ملتزم على مثله). قال: (والمدعى عليه: من يوافقه) مثاله: ادعى زيد على عمرو عينًا أو دينًا فأنكر، فزيد: مدعٍ على القولين؛ لأنه لو سكت .. ترك، والظاهر براءة ذمة عمرو، وعمرو: مدعىً عليه عليهما؛ لأنه لا يخلى على سكوته، بل يطالب بالجواب، والظاهر معه، وإنما تظهر فائدتهما فيما ذكره المصنف. قال: (فإذا أسلم زوجان قبل وطء فقال: أسلمنا معًا .. فالنكاح باق، وقالت: مرتبًا .. فهو مدع) فإن اتفاق إسلامهما دفعة خلاف الظاهر، وهي مدعىً عليها؛ لموافقة قولها الظاهر، فتصدق، فتصدق بيمنها، وعلى مقابلة: هي مدعية وهو مدعىً عليه؛ لأنه لا يترك إن سكت، فإنها تزعم انفساخ النكاح، فيحلف ويستمر، كذا في (الشرحين) و (الروضة) هنا. وقال في (الصغير): سبقت المسألة في (النكاح)، والذي تقدم في الكتب الثلاثة على نكاح المشرك تصحيح أن القول قول الزوج، وهو مخالف لما رجحه هنا في حد المدعي والمدعى عليه. وعكس مسألة الكتاب لو قال: أسلمت فبلي فلا نكاح ولا مهر، وقالت: معًا فهما باقيان .. فالقول قوله في الفرقة، وكذا في المهر إن قلنا: المدعى عليه من يوافق قوله الظاهر، وقولها إن قلنا: المدعي من لو سكت ترك، كذا قاله الرافعي، وهو مشكل؛ لأنها إن لم تكن قبضت المهر .. فهي مدعية على كلا القولين، وإن كانت قد قبضت .. فالزوج مدع به وهو مخلىً وسكوته، وهي مدعية إن قلنا: المدعي من يدعي خلاف الظاهر. وقد يكون الشخص مدعيًا ومدعىً عليه في المنازعة الواحدة كما في صورة الاختلاف في العقود، وأما الأمناء المصدقون في الرد بأيمانهم .. فإنهم باليمين؛ لأنهم أثبتوا اليد لغرض المالك وقد ائتمنهم فلا يحسن تكليفهم بينة على الرد.

وَمَتَى ادَّعَى نَقْدًا .. اشْتُرِطَ بَيانُ جِنْسٍ وِنِوْعٍ وَنَوْعٍ وَقَدْرٍ وِصِحَّةٍ وَتَكْسِيرٍ إِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا قِيمَةٌ،. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من ذلك: أن دعوى المدعي تسمع وإن كذبة ظاهر الحال، كما إذا ادعى ذمي استئجار أمير أو فقيه لعلف دوابه وكنس بيته، أو أنه أقرض السلطان مالًا، أو أنه زوجه ابنته، ومن عرف منه التعنت برفع ذوي الأقدار إلى مجالس القضاة واستحلافهم ليفتدوا منه بشيء، خلافًا للإصطخري فإنه قال: إذا شهدت قرائن الأحوال بكذب المدعي .. لم يلتفت إلى دعواه. وعن مالك: لا تسمع دعوى الدنيء على الشريف إذا لم تعرف بينهما مخالطة أو معاملة. قال: (ومتى ادعى نقدًا .. اشترط بيان جنس ونوع وقدر وصحة وتكسير إن اختلفت بهما قيمة) أشار بهذا إلى أن شرط الدعوى الصحيحة: أن تكون معلومة ملزمة، فالشرط الأول: العلم، فالمدعي به إن كان نقدًا .. اشترط ما ذكره المصنف، فيقول مثلًا: لي عليه مئة درهم فضة كالملية، ولا خلاف أنه لو ادعى بألف صحاح ومكسرة .. لا يصح. وحكي الشيخان في (البيع) وجهًا: أنه يصح، وينبغي طرده في الدعوى، فلو لم تختلف الصحاح والمكسرة .. لم يحتج إلى ذكر ذلك. نعم؛ يستثنى ما إذا كان من دين سلم .. فإنه لابد من التعرض له وإن لم تختلف القيمة، وكون الدراهم سوداء أو بيضاء من اختلاف النوع، وكذلك كون الدنانير مشرقية أو مغربية. وجميع ما ذكره المصنف في النقد الخالص، أما المغشوش .. فيذكر قيمته من النقد الآخر، قال الشيخ أبو حامد وغيره: قال الرافعي- وكأنه جواب على أنها متقومة-: فإن قلنا: مثلية- وهو الأصح- فينبغي أن لا يشترط التعرض للقيمة، ومطلق الدينار ينصرف إلى الشرعي فلا حاجة إلى بيان وزنه.

أَوْ عَيْنًا تَنْضَبِطُ كَحَيَوانِ .. وَصَفَهَا بِصِشفَةِ السَّلَمِ- وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَهَا ذِكْرُ الْقِيمَةِ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو عينًا تنضبط كحيوان .. وصفها بصفة السلم)؛ لحصول التمييز بذلك. قال: (وقيل: يجب معها ذكر القيمة) احتياطًا، وكذلك الحبوب والثياب وغيرها مما يضبط بالصفة، وقد سبق في (السلم): أنه يصح في اللؤلؤ الصغار، فعلى هذا: يثبت في الذمة وتصح الدعوى بها. واحتراز عما لا ينضبط بالصفة كالجواهر واليواقيت، فتعتبر القيمة فتقول: جواهر قيمته كذا. وقوله: (معها) يقتضي: أن صفات السلم لا خلاف في اعتبارها، وهل يجب ذكر القيمة؟ فيه وجهان، وليس كذلك؛ فإن القائل بالقيمة لا يوجبها مع الصفات، بل يكتفي بها عنها كما بينه الرافعي في (باب القضاء على الغائب)، ولذلك لم يتعرض في (المحرر) لقوله: (معها)، فهي زيادة مضرة. تنبيه: سكت المصنف عن الشرط الثاني للدعوى، وهو أن تكون ملزمة، فلو قال: وهب لي كذا أو باع .. لم تسمع دعواه حتى يقول: ويلزمه التسليم إلي؛ لأنه قد يهب ويبيع ويبطل ذلك قبل القبض، ولا يشترط أن يقول: هي في يده؛ لأنه يجوز أن ينازعه ولو لم يكن في يده. وإذا ادعى ولم يقل للقاضي: مره بالخروج عن حقي، أو سله جواب دعواه .. طالبه القاضي بذلك على أقوى الوجهين عند المصنف، وقيل: لا يطالبه بذلك، فعلى هذا: طلب الجواب شرط آخر في صحة الدعوى. فرع: إذا ادعى دارًا .. اشتراط تعيينها، فيذكر بلدها والمحلة والسكة، وأنها أول دار أو غيرها، وعن يمين الداخل أو يساره، ولا يشترط ذكر فيمتها على الأصح، ولا يكفي

فَإِنْ تَلِفَتْ وَهِيَ مُتَقَوَّمَةٌ .. وَجَبَ ذِكْرُ الْقِيمَةِ- أَوْ نِكَاحًا .. لَمْ يَكْفِ الإطْلاَقُ فِي الَصَحِّ، بَلْ يَقُولُ: (نَكَحْتُهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا) إِنْ كَانَ يُشْتَرَطُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر ثلاثة حدود دون الرابع، كذا قاله الرافعي هنا، وقدم في (باب الصول والثمار) فيما إذا باع دارًا وذكر لها ثلاثة حدود وجهين ينبغي طردهما هنا. وقال القاضي حسين: ذكر الحدود الربعة ليس بشرط حتى لو علمت بحد أو حدين .. كفى. وتقدم في (القضاء على الغائب): أن محل هذا في الدار المجهولة عند الحاكم، أما المشهورة باسم لا يشاركها فيه غيرها في البلد كدار الندوة بمكة .. فإنه يميزها باسمها، قاله الماوردي، وقال: يقول في الدعوى بالدار: لي في يده، ولا يقول: لي عنده ولا عليه، وفي العبد والدابة يجوز (لي عنده) وفي (لي عليه) خلاف. قال: (فإن تلفت وهي متقومة .. وجب ذكر القيمة)؛ لأنها الواجبة عند التلف. فإذا ادعى سيفًا محلىً .. ذكره وقيمته بالذهب إن كانت حليته فضة، وبالفضة إن كانت حليته ذهبًا، قال الصحاب: لا تصح الدعوى بالمجهول إلا في الوصية على الأصح؛ لأنها لو لم تسمع .. لأدى إلى ضياعها غالبًا؛ فإن الدعوى بها إنما تكون عند منازعة الورثة، وفي هذه الحالة يبعد اطلاعه عليها، وكذلك تسمع دعوى الإقرار بالمجهول على الأصح، كما يصح اقرار به، ودعوى الإبراء من المجهول صحيحة إن صححناه، وكذلك دعوى الطريق في ملك الغير وحق أجراء الماء. كل هذا في المطلوب المعين، أما من حضر لطلب ما يعنيه القاضي له كالمفوضة إذا طلبت الفرض والواهب يطلب الثواب- على قولنا: إن الهبة تقتضيه- والرضخ والمتعة والحكومة .. فلا يتصور فيها إعلام. قال: (أو نكاحًا .. لم يكف الإطلاق في الأصح، بل يقول: (نكحتها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها) إن كان يشترط)؛ لأن النكاح فيه حق لله ولآدمي، وإذا وقع .. لا يمكن استدراكه، فلا تسمع دعواه إلا مفصلة كالقتل.

فَإِنْ كَاَنَتْ أَمَةً .. فَالأَصَحُّ: وُجُوبُ ذِكْرِ الْعَجْزِ عَنْ طَوْلٍ وَخَوْفِ عَنَتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: يكفي الإطلاق ويكون التعرض لذلك مستحبًا، كما اكتفي به في دعوى استحقاق المال؛ فإنه لا يشترط فيه ذكر السبب بلا خلاف، ولأنه ينصرف إلى النكاح الشرعي وهو ما وجدت فيه الشرائط. والثالث: إن ادعى دوام النكاح .. كفى الإطلاق، أو ابتداءه .. فلا؛ لأن ذلك شرط في الابتداء لا في الدوام. وعبارته تقتضي اشتراط وصف الولي بالرشد والشاهدين بالعدالة، وهو الأصح، وقيل: لايشترط. قال الرافعي: وقياس الأول وجوب التعرض لسائر الصفات المعتبرة في الولي، والصحيح: أنه لا يجب التعرض؛ لعدم الموانع كالعدة والردة والرضاع والإحرام بلا خلاف؛ لأن الأصل عدمها، ولأنه يعسر عدها. هذا إذا ادعى أنه نكحها، فإن ادعى أنها امرأته .. لم يحتج إلى وصف العقد؛ لأنه يدعى ملك البضع لا النكاح، قاله ابن أبي هريرة في (تعليقه). وإذا ادعت المرأة النكاح حيث تسمع .. فاشتراط التفصيل وعدمه كاشتراطه في دعوى الزوج. قال: (فإن كانت أمة .. فالأصح: وجوب ذكر العجز عن طول وخوف عنت)؛ لأن الفروج يحتاط لها كالدماء. والثاني: المنع، كما لا يشترط انتفاء الموانع. فرع: تصح دعوى النكاح من الزوج على الأب أو الجد إذا كانت الزوجة بكرًا بلا خلاف، فإن أقر .. فذاك، وإن أنكر .. حلف، فإن نكل .. حلف الزوج وسلمت إليه. فرع: تحته امرأه ادعى شخص زوجيتها .. فالصحيح: أن هذه الدعوى عليها لا على

أَوْ عَقْدًا مَالِيًّا كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ .. كَفَى الإِطْلاَقُ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ .. لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي، فَإِنِ ادَّعَى أَدَاءً أَوْ إِبْرَاءً أَوْ شِرَاءَ عَيْنٍ أَوْ هِبَتَهَا أَوْ إِقْبَاضَهَا .. حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِهِ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى عِلْمَهُ بِفِسْقِ شَاهِدِهِ أَوْ كَذِبِهِ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزوج؛ لأنها لا تدخل تحت يده، فلو أقام كل منهما بينة .. لم تقدم بينة من هي تحت يده، بل هما كائنين أقاما بينتين على نكاح خلية، فينظر، إن أطلقتا أو أرختا بتاريخ واحد .. فمتعارضتان، ولا قسمة هنا ولا قرعة، وإن اختلف تاريخهما .. قدمت السابقة، بخلاف نظيرها من المال على قول؛ لأن الانتقال فيه غالب دون النكاح. قال: (أو عقدًا ماليًا كبيع وإجازة وهبة .. كفى الإطلاق في الأصح)؛ لأنه أخف حكمًا من النكاح، ولهذا: لا يشترط فيه الإشهاد. والثاني: يشترط فيقول: تبايعنا بثمن معلوم ونحن جائزا التصرف، وتفرقنا عن تراض. والثالث: إن تعلق العقد بجارية .. وجب احتياطًا للبضع، واختاره الشيخ عز الدين في (القواعد). قال: (ومن قامت عليه بينة .. ليس له تحليف المدعى) أي: على استحقاق ما ادعاه؛ لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}، ولم يوجب اليمين إلا على من أنكر ولا بينة. قال: (فإن ادعى أداء أو إبراء أو شراء عين أو هبتها أو إقباضها .. حلفه على نفيه)؛ لاحتمال مايدعيه، وهذا إذا ادعى حدوث شيء من ذلك بعد قيام البينة ومضى زمن إمكانه، وإلا .. فلا يلتفت إلى قوله. نعم؛ يرد على قوله: (ادعى أداء) ما سيأتي قبيل قوله: (واليمين تفيد قطع الخصومة) أنه إذا قال الأجير للحج: قد حججت .. قبل قوله، ولا تلزمه بينة ولا يمين. قال: (وكذا إذا ادعى علمه بفسق شاهده أو كذبه في الأصح) فله تحليفه؛ لأنه لو أقر له به .. لبطلت الشهادة.

وَإِذَا اسْتَمْهَلَ لِيَاتِيَ بِدَافِعٍ .. أُمْهِلَ ثَلاَثَةَ أّيَّامٍ، وَلَوِ ادَّعَى رِقَّ بَالِغٍ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ .. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: لا؛ لأنه لم يدَّعِ عليه حقًا، وإنما ادعى عليه أمرًا لو ثبت .. نفعه، وهما جاريان فيما لو ادعى القاذف على المقذوف أنه زنى، وجواب الأكثرين فيها السماع، وفيما إذا توجهت على شخص يمين فقال: قد حلفني مرة أخرى، لكن لا تسمع الدعوى على القاضي والشاهد بالكذب، ولا يتوجه عليهما الحلف قطعًا وإن كان ينتفع بذلك؛ لأن ذلك يؤدي إلى فساد عام كما سيأتي. قال: (وإذا استمهل ليأتي بدافع .. أمهل ثلاثة أيام)؛ لأنها مدة قريبة لا يعظم فيها الضرر، ومقيم البينة قد يحتاج إلى مثلها للفحص عن الشهود، وقيل: يومًا فقط؛ لأنه قد يكون متعنتًا، ويشبه أن يرجع في ذلك إلى نظر القاضي واجتهاده، وظاهر عبارته وجوب الإمهال. وذكر الرافعي في الباب الثاني من (الكتابة): أن العبد إذا ادعى الأداء وأنكر السيد وأراد العبد إقامة البينة .. أمهل ثلاثة أيام، قال: وهل ذلك واجب أو مستحب؟ وجهان. قال: (ولو ادعى رق بالغ) عاقل؛ أي: مجهول النسب (فقال: أنا حر .. فالقول قوله)؛ لأن الأصل الحرية فدعواه موافقة لها، هذا إذا قال: أنا حر الأصل، فلو قال: أعتقتني أو أعتقني الذي باعني منك .. لم يقبل منه إلا ببينة، وإذا قلنا: القول قوله في ادعاء الحرية الأصلية .. فلا فرق في ذلك بين أن يكون المدعي استخدمه وتسلط عليه قبل ذلك أو لا، وسواء جرى عليه البيع مرارًا وتداولته الأيدي أم لا. فرع: أقام المدعي بينة برقه، وأقام هو بينة أنه حر الأصل .. أطلق البغوي وغيره أن بينة الرق أولى؛ لأن معها زيادة علم وهو إثبات الرق، وحكى الهروي عن الأصحاب أن بينة الحرية أولى، خلافًا لابن سريج، وكذا قاله شريح في (روضة الأحكام).

أَوْ رِقَّ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ .. لَمْ يُقْبَلْ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ فِي يَدِهِ .. حُكِمَ لَهُ بِهِ إِنْ لَمْ يَعْرِفِ اسْتِنَادَهَا إِلَى الْتِقَاطٍ، فَلَوْ أَنْكَرَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مُمَيِّزٌ .. فَإِنْكارُهُ لَغْوٌ، وَقِيلَ: كالبَالِغِ، وَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: قال القفال: لا تجوز الشهادة لغريب بأنه حر الأصل، وإنما تجوز إذا عرف حال أبيه وأمه والنكاح وحدوثه بينهما وإن لم يشاهد الولادة، كما تجوز بالبينة. قال: (أو رق صغير ليس في يده .. لم يقبل إلا ببينة)؛ لأن الأصل عدم الملك، والظاهر: أن المجنون البالغ كالصغير. قال: (أو في يده .. حكم له به إن لم يعرف استنادها إلى التقاط) كما لو ادعى الملك في دابة أو ثوب في يده. وحكى الدارمي وجهًا: أنه لا تقبل دعواه حتى يبين سببه كاللقيط يدعي رقه، وحيث حكمنا به .. فلا بد أن يحلف؛ لخطر شأن الحرية على المنصوص، وهذه المسألة تقدمت في الكتاب في (باب اللقيط). قال: (فلو أنكر الصغير وهو مميز .. فإنكاره لغو) كما لو كان غير مميز؛ إذ لا عبرة بقوله. قال: (وقيل: كالبالغ)؛ لأنه يعرب عن نفسه، وله كلام معتبر، فيحتاج مدعي الرق إلى بينة، فإن حكمنا له برقه في الصغر فبلغ وأنكر الرق .. فالأصح: استمرار الرق حتى تقوم ببينة بخلافه. قال: (ولا تسمع دعوى دين مؤجل في الأصح)؛ لأنه لا يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال فيفوت نظام الدعوى. والثاني: تسمع ليثبت في الحال ويطالب به في المستقبل، فقد يموت من عليه فيتعجل الطلب. والثالث: تسمع إن كان له بينة ليسجل فيأمن غيبتها وموتها، وإلا .. فلا، ولم يصرح في (الشرح الصغير) ولا في (المحرر) بترجيح، إنما قال: رجح المنع،

فَصْلٌ: أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى .. جُعِلَ كَمُنْكِرٍ نَاكِلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر في (الكبير) أنه الجواب في (فتاوي القفال)، وجزم في متن (الروضة) بأنه الأصح، والأقرب إلى نص الشافعي الوجه المفصل. تتمة: هذا إذا كان الدين كله مؤجلًا، فلو كان بعضه حالًا وبعضه مؤجلًا .. صحيت الدعوى به، فيدعي بجميعه؛ لاستحقاق المطالبة بالبعض، ويكون المؤجل باقيًا، كذا صرح به الماوردي، ثم استثنى صورة ثانية وهي المؤجل إذا وجب بعقد، كالمسلم فيه إذا ادعى به صاحبه قاصدًا بدعواه تصحيح العقد .. فإن الدعوى تصح؛ لأن المقصود منه مستحق في الحال، ونازعه في ذلك ابن أبي الدم. قال: (فصل: أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى .. جعل كمنكر ناكل) فترد اليمين على المدعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق، رواه الحاكم عن ابن عمر وقال: صحيح الإسناد، وخرجه الدارقطني] 4/ 157 [بإسناد فيه مجاهيل، وروى الشافعي في (المختصر) عن عمر أنه قضى بذلك، ولأن النكول كما يحتمل أن يكون تحرزًا عن اليمين الكاذبة يحتمل أن يكون تورعًا عن اليمين الصادقة، فلا يقضي به مع التردد والاحتمال. وعند أبي حنيفة وأحمد: يقضي على المدعى عليه بنكوله. و (الناكل) عن الشيء: الممتنع منه، يقال: نكل عن الشيء بفتح الكاف على المشهور ينكل بالضم نكولًا. ولو لم يعرف المدعي تحويل اليمين إليه بنكول المدعى عليه .. عرفه القاضي، وبين أنه إن حلف .. استحق، وإنما يحصل النكول بأن يعرض القاضي اليمين عليه فيمتنع. وإمساك الأخرس المفهم الإشارة عن الجواب كسكوت الناطق، ومن لايفهم لا تسمع الدعوى عليه.

فَإِنِ ادَّعَى عَشَرَةً فَقَالَ: لاَ تَلْزَمُنيِ الْعَشَرَةُ .. لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَ: وَلاَ بَعْضُهَا، وَكَذَا يَحْلِفُ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْي الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيهِ .. فَنَاكِلٌ، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونِ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ وَيَاخُذُهُ. وَإِذَا ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إِلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتُكَ كَذَا .. كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ: لاَ تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: لي عن هذه الدعوى مخرج، ليس بإقرار؛ لاحتمال الخروج بالنكول، قال القاضي أبو سعيد: وكذا لو قال: لك علي أكثر مما ادعيت، أو قال: الحق أحق أن يؤدى .. لم يكن إقرارًا؛ لأن المعنى حيث يكون حقًا، فأما أنا .. فبريء. قال: (فإن ادعى عشرة فقال: لاتلزمني العشرة .. لم يكف حتى يقول: ولابعضها، وكذا يحلف) أى إن حلف؛ لأن مدعي العشرة مدع لكل جزء منها، ولا بد أن يطابق الإنكار واليمين دعواه. وعن القاضي حسين: أنه لا يكلف في الإنكار بقول: ولاشيء منها، وإنما يكلف ذلك في اليمين. قال: (فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه .. فناكل) أى: فيما دونها، (فيحلف المدعي على استحقاق دون العشرة بجزء ويأخذه)؛ لأن ذلك طريق لأخذ حقه. فرع: ادعى عليه ألفًا فقال: لا أحلف وأعطي المال .. لا يجب على المدعي قبوله من غير إقرار، وله تحليفه؛ لأنه لا يأمن أن يدعى عليه بما دفعه إليه بعد هذا، وكذلك لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال المدعى عليه: أنا أبذل المال بلا يمين .. له أن يحلف، ويقول له الحاكم: إما أن تقر بالحق أو يحلف المدعي بعد نكولك، قاله البغوي والمروروذي وغيرهما. قال: (وإذا ادعى مالًا مضافًا إلى سبب كأقرضتك كذا .. كفاه في الجواب: لا تستحق علي شيئًا)؛ لأن المدعي قد يكون صادقًا في الإقراض وعرض ما يقتضي إسقاطه من أداء أو إبراء، فلو نفى السبب .. كذب، أو اعترف به وادعى المسقط ..

أَوْ شُفْعَةً .. كَفَاهُ: لاَ تَسْتَحِقُ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لاَ تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الشِّقْصِ، وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ هَذَا، فَإِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ الَمَذْكُورِ .. حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَهُ الْحَلِفُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ طولب ببينة، وقد يعجز عنها فيقبل الإطلاق للضرورة. قال: (أو شفعة .. كفاه: لا تستحق علي شيئا، أو لا تستحق تسليم الشقص)، وكذا إذا قال: غصبت عبدي فتلف عندك، أو مزقت ثوبي وأنا مطالك بالبدل، أو بعتك داري وأطلب الثمن؛ لأن المدعي قد يكون صادقا فى البيع والشراء والغصب والتمزيق وعرض ما يسقط الحق كما تقدم، فاقتضت الحاجة قبول الجواب المطلق، لكن يستنثى من إطلاقه ما إذا ادعى عليه وديعة .. فلا يكفي في الجواب: لا يلزمني تسليم شيء إليك؛ لأن المودع لا دفع عليه، أو يقول: هلكت في يدي، أو رددتها، حكاه الرافعي في ىخر (الدعاوى) عم أبي عاصم العبادي وبحث فيه. قال المصنف في زوائده: (قلت: الذي قاله ابن القاص صحيح) وتعبيره بابن القاص سبق قلم. قال: (ويحلف على حسب جوابه هذا) فإن أجاب بالإطلاق .. حلف كذلك، ولم يكلف التعرض لنفي السبب، وإن تعرض لنفيه في اليمين .. جاز. قال: (فإن أجاب بنفي السبب المذكور. حلف عليه)؛ لتحصل المطابقة بين اليمين والإنكار (وقيل: له الحلف بالنفي المطلق) كما له أن يجيب به في الابتداء. فرع: تقدم في (باب الإقرار) أنه لو ادعى عليه شخص مئة فقال: قبضت خمسين .. لم يكن مقرا بالمئة، وكذا لو قال: قضيت منها خمسين، كذا في (الروضة)، وفيه نظر، وجزم في (التنبيه) بأنه لو قال: قضيته .. كان إقرارا بالحق، وأقره عليه في (التصحيح).

وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرَيّ وَادَّعَاهُ مَالِكُهُ .. كَفَاهُ: لاَ يَلْزَمُنِي تَسَلِيمُهُ، فَلَوِ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ وَادَّعَى الرَّهْنَ أَوِ الإِجَارَةَ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا إِنِ اعْتَرَفَ بِالمِلْكِ جَحْدَهُ الرَّهْنَ وَالإِجَارَةَ .. فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ: إِنْ ادَّعَيْتَ مِلْكًا مُطْلَقًا .. فَلاَ يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ، وَإِنْ ادَّعَيْتَ مَرْهُوناَ .. فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو كان بيده مرهون أو مكرى وادعاه مالكه .. كفاه: لا يلزمني تسليمه)؛ لأنه جواب صحيح ولا يجب التعرض للملك. قال: (فلو اعترف بالملك وادعى الرهن أو الإجارة) أي: وكذبه المدعي (فالصحيح: أنه لا يقبل إلا ببينة)؛ لأن الأصل عدم ما ادعاه. والثاني: القول لقوله؛ لأن اليد تصدقه في ذلك. قال: (فإن عجز عنها وخاف أولًا إن اعترف بالملك جحده الرهن والإجارة .. فحيلته أن يقول: إن) كنت (ادعيت ملكًا مطلقًا .. فلا يلزمني تسليمه، وإن ادعيت مرهونًا .. فاذكره لأجيب) هذه الكيفية ذكرها القفال. قال القاضي حسين: لا يسمع الجواب مع التردد، بل حيلته أن يجحد ملكه إن جحد صاحب الدين والرهن أخذا من الظفر بغير جنس الحق. وعلى عكسه: لو ادعى المرتهن وخاف الراهن جحود الرهن لو اعترف بالدين .. فعلى المجزوم به في الكتاب: يفصل فيقول: إن ادعيت ألفًا لي عندك بها كذا رهنا .. فاذكره حتى أجيب، وإن ادعيت ألفًا مطلقًا .. فلا يلزمني. وعلى الثاني: صارت العين مضمونة عليه بالجحود، فلمن عليه الدين أن يجحده ويجعل هذا بذاك بشرط التساوي. فرع: ادعت على رجل ألفًا صداقًا .. يكفيه أن يقول: لا يلزمني تسليم شيء إليها. قيل للقفال: هل للقاضي أن يقول: هل هي زوجتك؟ فقال: ما للقاضي ولهذا

وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَال: َ لَيْسَ هِيَ لِي، أَوْ هِيَ لِرَجُلٍ لاَ أَعْرِفُهُ، أَوْ لاِبْنِي الطِّفْلِ، أَوْ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ مَسْجِدِ كَذَا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ تَنْصَرِفُ الخُصُومَةُ وَلَا تُنْزَعُ مِنْهُ، بَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ السؤال، لكن لو سأل فقال: نعم .. قضى عليه بمهر المثل، إلا أن يقيم البينة أنه نكحها بكذا فلا يلزمه أكثر منه. قال: (وإذا ادعى عليه عينا فقال: ليس هي لي، أو هي لرجل لا أعرفه، أو لابني الطفل، أو وقف على الفقراء، أو مسجد كذا .. فالأصح: أنه لا تنصرف الخصومة ولا تنزع منه، بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه التسليم إن لم تكن بينة) أما إذا اقتصر على قوله: (ليس هو لي) أو (هو لرجل لا أعرفه) .. ففيه ثلاثة أوجه: أحدهما: يسلم المال إلى المدعي؛ إذ لا مزاحم. والثاني: تصرف الخصومة عنه؛ لأنه تبرأ من المدعي، وينزع الحاكم المال من يده، فإن أقام المدعي بينة على الاستحقاق .. أخذه، وإلا .. حفظه إلى أن يظهر مالكه. والثالث: الأصح- كما قال المصنف-: لا تنصرف الخصومة ولا ينزع المال من يده، لأن الظاهر أن ما في يده ملكه، وما صدر عنه ليس بمزيل، ولا يظهر لغيره استحقاقه. ولو قال في الجواب: نصفه لي ونصفه لآخر .. ففي النصف الآخر الأوجه الثلاثة. وأما إذا أضافه إلى معلوم .. فالمضاف إليه ضربان: أحدهما: أن تمتنع مختاصمته وتحليفه، كما إذا قال: هو وقف على الفقراءـ، أو على المسجد الفلاني، أو على ابني الطفل .. ففي هذه قطع الغزالي والشيخ أبو الفرج بأن الخصومة تنصرف، ولا سبيل إلى تحليف الولي ولا الطفل، وقال البغوي: لا تسقط الدعوى بهذا، فإن أقام بينة .. أخذه، وإلا .. حلف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمه إذا كان هو قيم الطفل. والثاني: أشار إليه المصنف حيث قال:

وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيُفُهُ .. سُئِلَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ .. صَارَتِ الخُصُومَةُ مَعَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ .. تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَقِيلَ: يُسَلَّمُ إِلَى يَدِ الْمُدَّعِي، وَقِيلَ: يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ .. فَالأَصَحُّ: انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَيُوقَفُ الأَمْرُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ .. قَضَى بِهَا، وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ، فَيَحْلِفُ مَعَهَا، وَقِيلَ: عَلَى حَاضِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإن أقر به لمعين حاضر يمكن مخاصمته وتحليفه .. سئل، فإن صدقه .. صارت الخصومة معه)؛ لأنه المجيب عن ذلك. قال: (وإن كذبه .. ترك في يد المقر)؛ لأنا لم نعرف مالكه، والمقر أولى بحفظه؛ فإن يده تشعر بالملك ظاهرا، والإقرار الطارئ عارضه إنكار المقر له فسقط. قال: (وقيل: يسلم إلى يد المدعي، وقيل: يحفظه الحاكم لظهور مالك) هذه الأقوال تقدمت في (الإقرار) و (الشفعة) وفي (النكاح) فيما إذا ادعى كل من الزوجين سبق النكاح. قال: (وإن أقر به لغائب .. فالأصح: انصراف الخصومة عنه، ويوقف الأمر حتى يقدم الغائب)؛ لأن المال بظاهر الإقرار لغيره. والثاني- وهو ظاهر نص (المختصر)، وبه قال أبو حنيفة-: لا ينصرف؛ لأن المال في يده، والظاهر: أنه له، فلا يمكن منصرف الخصومة عنه بالإضافة إلى غائب قد يرجع وقد لا يرجع. ويخالف ما إذا أضاف إلى صبي أو مجنون، فإن هناك تمكن مخاصمة وليه. قال: (فإن كان للمدعي بينة .. قضى بها) أي: وسلمت له العين (وهو قضاء على غائب، فيحلف معها) كما تقدم في بابه. قال: (وقيل: على حاضر) فلا يحلف معها، وإن لم تكن بينة .. فله تحليف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمه إليه، فإن نكل .. حلف المدعي وأخذ المال من يده.

وَمَا قُبِلَ إِقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ .. فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجَوَابُ، وَمَا لاَ كَأَرْشٍ .. فَعَلَى السَّيِّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إذا عاد الغائب وصدق المقر .. رد المال عليه بلا حجة؛ لأن اليد له بإقرار صاحب اليد، والمصنف تبع في ترجيح الأول قول الرافعي: إنه أقوى مع النص، وهو في ذلك تابع لاختيار الإمام، والصواب: ترجيح الثاني؛ فإنه المنصوص في (الأم) و (المختصر). قال في (البحر): ولا معنى للوجهين مع النص، وهو الذي رجحه العراقيون، ومال إليه الماوردي وغيره. ومحل الوجهين إذا لم تكن مع صاحب اليد بينة تشهد بالملك للغائب، فإن كانت .. سمعت، وحكم بأنها للغائب في الظاهر، ويكون القضاء عليه وجها واحدا، ويحتاج المدعي أن يحلف مع البينة ههنا بلا خلاف. قال: (وما قبل إقرار عبد ربه كعقوبة) أي: من حدأو قصاص (.. فالدعوى عليه، وعليه الجواب) أي: الجواب المطلوب منه قطعا؛ لأن أثر ذلك يعود عليه. ومحل الوجهين إذا لم تكن مع صاحب اليد بينة تشهد بالملك الغائب، فإن كانت .. سمعت، وحكم بأنها للغائب في الظاهر، ويكون القضاء عليه وجها واحدا، ويحتاج المدعي أن يحلف مع البينة ههنا بلا خلاف. قال: (وما قبل إقرار عبد به كعقوبة) أي: من حد أو قصاص (.. فالدعوى عليه، وعليه الجواب) أي: الجواب المطلوب منه قطعا؛ لأن أثر ذلك يعود عليه. وشمل قوله: (كعقوبة) التعزير لحق الدمي، وأما حدود الله تعالى .. فلا دعوى فيها. قال: (وما لا) أي: وما لا يقبل فيه (كأرش) وكذلك ضمان المتلفات (.. فعلى السيد) فيتوجه فيه عليه؛ لأن الرقبة التي هي متعلقها حقه، فلو وجهت هنا على العبد .. فوجهان: اختار الإمام والغزالي المنع، والمقطوع به في (المهذب) السماع إن كان للمدعي بينة، أو لم تكن قلنا: المردودة كالبينة، وإلا .. فلا. قال الرافعي: وفي كل منهما إشكال، قال: والمتوجه أن يقال: تسمع لإثبات الأردش في ذمته لا لتعلقه برقيته، لكن يرد على المصنف أنه قد يدعى على العبد بما لا يقبل إقراره يه، وذلك في دعوى القتل خطأ أو شبه عمد في محل اللوث، فإنها تكون على العبد، ولا يقبل إقراره به؛ لأن الولي يقسم وتتعلق الدية برقبة العبد، صرح به الرافعي في الشرط الرابع في (كتاب القسامة)

فَصْلٌ: تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعىً عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَال وَلاَ يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ، وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفهم من كلام المصنف أن الدعوى على الماذون له في التجارة فيما يتعلق بها تكون عليه، وهو كذلك. تتمة: في (فتاوى القاضي حسين): لو ادعى نكاح مكاتبة- وصححناه- فالدعوى عليها وعلى السيد جميعا؛ لأن لا بد من اجتماعهما على التزويج، فلو أقر السيد وأنكرت .. حلفت، فإن نكلت وحلف المدعي .. حكم بالزوجية، ولو أقرت وأنكر السيد .. حلف السيد، فإن نكل .. حلف المدعي وحكم له بالنكاح، ويأتي مثل هذا في المبعضة. قال: (فصل: تغلظ يمين مدع ومدعى عليه فيما ليس بمال ولا يقصد به مال) كدعوى النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء واللعان والنسب والعتق والولادة والوكالة والشركة والقراض والوصاية والرضاع وعيوب النساء. وضابطه: كل ما لا يثبت إلا بشاهدين؛ لأن اليمين موضوعة للزجر عن التعدي فيشرع فيها التغليظ مبالغة وتأكيدا للردع، فاختص بما هو متاكد في نظر الشرع. وتوقف الإمام في الوكالة وقال: التغليظ أن يكون فيما يعظم خطره، والوكالة في درهم لا تزيد على مالك الدرهم، فلا يبعد منع التغليظ فيها، ولكن إطلاق الأصحاب ما قدمناه، والذي قاله ظاهر. قال: (وفي مال يبلغ نصاب زكاة)؛ لما تقدم (اللعان): أن عبد الرجمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين البيت والمقام فقال: (أعلى دم؟ قالوا: لا، قال: أفعلى عظيم من المال؟ قالوا: لا، قال: لقد خشيت أن يتهاون الناس

وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذا البيت- أي: ما يأنسوا به- فتذهب هيبته) فهذا يدل على أن التغليظ في الدماء والخطير من الأموال كان معروفا عندهم، فألحق بهما ما في معناهما. وخالف الإقرار حيث قبل في تفسير العظيم فيه أقلل ما يتمول؛ فإن الأصل فيه براءة الذمة. والتييد بالنصاب يفهم أن ما دونه لا تغليظ فيه، وهو كذلك، لكن استثنى الشيخان من ذلك تبعا للبغوي أن القاضي إذا رأى من الحالف جرأة ورأى التغليظ .. جاز، وحكاه ابن الرفعة عن القاضي حسين. واقتضى كلامه: أن المشهور خلافه، والمشهور: أن النصاب هنا تحديد، وفي الترغيب في كونه تقريبا أو تحديدا قولان. والمراد: نصاب الزكاة عينا أو قيمة، وهو عشرون دينارا، أو مئتا درهم خالصا، أو ما بلغت قيمته نصابا بأحدهما، فإن لم يبلغ ذلك .. فلا. وفي وجه شاذ: أن المعتبر نصاب زكاة ما كان، ويلزم منه التغليظ في خمسة أوسق شعيرا وذرة ونحوها تساوي ثلاثين درهما، وهذا الوجه مع شذوذه ظاهر عبارة المصنف، وهو غير مراد. وفي ثالث: أن المعتبر النصاب الخالص من الذهب المطبوع من النقد الغالب بالبلد أو قيمته، قاله الماوردي. وعن مالك: تغلظ في نصاب السرقة، وفي وجه غريب: تغلظ في المال الواجب بالجناية عمدا أو خطأ وإن قل. وعن ابن جرير: التغلظ يجري في قليل المال وكثيره، ووهم صاحب (البيان) في نسبته إلى ابن خيران. قال: (وسبق بيان التغليظ في اللعان) أي: بالزمان والمكان، وتقدم هناك أنه مستحب لا واجب، لكن هناك التغليظ يكون بحضور جمع ولم يذكروه هنا، قاله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرافعي، ويشبه مجيئه في يمين تتعلق بإثبات حق أو دفعه كاللعان. قال المصنف: الصواب القطع بعدم اعبتاره هنا، ومن به مرض أو زمانة لا تغليظ عليه في المكان؛ لعذره، وكذا الحائض؛ إذ لا يمكنها اللبث في المسجد، كذا قاله الرافعي، ونازعه في (المهمات). ويكون التغليظ أيضًا بزيادة الأسماء والصفات كقوله: والله الذى لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أو يقول: بالله الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك الذي يعلم السر وأخفى؛ لأن القصد الإتيان بغير ما ألفه الناس من أيمانهم؛ ليكون أردع عن اليمين الفاجرة. فإن كان يهوديًا .. فقد تقدم أنه يحلف بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، وإن كان نصرانيًا .. حلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وإن كان مجوسيًا حلف بالله الذي خلقه وصوره، وإن اقتصر على الاسم وحده .. جاز. فرع: قال المأوردي والروياني: لا يجوز أن يحلف أحد بطلاق أو عتاق أو نذر؛ لأنها تخرج عن حكم اليمين إلى إيقاع فرقة والتزام غرم، وهو مستبدع، وقد قال الشاعر] من الطويل [: رأيت كليبًا أحدثت في قضائها ... طلاق نساء لم يسوقوا لها مهرًا قال الشافعي رضي الله عنه: ومتى بلغ الإمام أن حاكمًا يستحلف الناس بالطلاق أو العتاق .. عزله عن الحكم؛ لأنه جاهل. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا من أهل العلم يرى الاستحلاف بذلك. ثم التغليظ يكون بطلب الخصم، والأصح: أن للقاضي أن يغلط وإن لم يطلبه الخصم كما صححه في (الشرح الصغير)، واستحسن بعضهم أن يحلف قائمًا في جميع الأيمان كما في (اللعان)، ذكره ابن الصباغ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: من أنواع التغليظ: أن يجعل المصحف في حجر الحالف حالة حلفه، ويضع يده عليه، قال الشافعي: وكان ابن الزبير ومطرف قاضي صنعاء يحلفان به، واستحسن الشافعي مع ذلك أن يقرأ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية. واستحب بعضهم قراءة قوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف يمينًا فاجرة ليقتطع بها مال امرىءٍ مسلم .. لقي الله وهو عليه غضبان). قال القاضي: ويكسر على اليهودى سبته ويخرج للتحليف والدعوى، وإذا غلظ القاضي عليه بلفظ فامتنع واقتصر على اسم الله .. فالأصح: أنه يكون بذلك ناكلًا؛ لأنه ليس له رد اجتهاد القاضي. ولو قال له الحاكم: قل والله، فقال: والرحمن .. كان ناكلًا قطعًا، ولو قال: قل والله أو بالله، فقال: تالله .. ففي جعله ناكلًا وجهان، وسواء الرجال والنساء والعبيد والإماء والمدعي والمدعى عليه في اليمين المردودة واليمين مع الشاهد في التغليظ إذا كانوا مسلمين، والأصح: أن المخدرة تخرج للتغليظ، وتحلف متنقبة. وقال الماوردى: لايجوز أن ينقل مستحلف من بلد ليغلظ يمينه بمكة أو المدينة، فإن قيل: فكيف كتب الصديق إلى المهاجر بن أبي أمية أخي أو سلمة أن يرسل إليه قيس بن مكشوح في وثاق من اليمن إلى المدينة حتى يحلفه بها؟ ونقل عمر أهل القسامة من مسافة اثنين وعشرين يومًا إلى مكة حتى أحلفهم على الحجر الأسود .. فالجواب: أن ذلك فعل من جهة السياسة الشرعية المعتبرة بالرأي والمصلحة.

وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعِلِهِ، وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ إِثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا .. فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَلَوِ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ: أَبْرَأَنِي .. حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويحلف على البت) أى: القطع والجزم (في فعله) نفيًا كان أو إثباتًا؛ لأنه يعلم حال نفسه ويطلع عليها، هكذا أطلقوه، وهو محمول على ما إذا صدر الفعل منه في حال عقله وتمييزه، فول صدر منه في جنونه أو إغمائه أو سكره الطافح، وتوجهت عليه اليمين بعد كماله .. فلا يظهر التوجيه المذكور. قال: (وكذا فعل غيره إن كان إثباتًا) فيحلف فيه على البت؛ لأنه يسهل الوقوف عليه. قال: (وإن كان نفيًا .. فعلى نفي العلم)؛ لأن النفي المطلق يعسر الوقوف على سببه، ولهذا لاتجوز الشهادة على النفي فيقول: والله ماعلمت أنه فعل كذا، أو ما أشبه ذلك. قال ابن الصلاح: إلا أن يكون فعل الغير منسوبًا إلى الحالف .. فيحلف على البت. فلو حلف على البت .. اعتد به؛ لأنه قد يعلم ذلك، أما لو حلفه على نفي العلم والحال يقتضي الحلف على البت .. فلايعتد بذلك قطعًا. ومراد المصنف بالنفي: المطلق لا المحصور؛ لأنه صرح في آخر هذا الباب أنه كالإثبات لإمكان الإحاطة به، فعلى هذا: يحلف في مثله على البت وإن كان ينفي فعل الغير، كما تجوز الشهادة به. وظاهر عبارته حصر اليمين في فعله وفعل غيره، وقد تكون اليمين على تحقق موجود لا على فعل ينسب إليه ولا إلى غيره، كما إذا قال لزوجته: إن كان هذا الطائر غرابًا .. فأنت طالق، فطار ولم يعرف، وادعت أنه غراب وأنكر، وقد قال الإمام: إنه يحلف فيه على البت. قال: (ولو ادعى دينًا لمورثه فقال: أبرأني .. حلف على نفي العلم بالبراءة)؛ لأنه حلف على نفي العلم، وكذا إذا ادعى أنه استوفاه منه.

وَلَوْ قَالَ: جَنَى عَبْدُكَ عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا .. فَالَأَصَحُّ: حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: جَنَتْ بَهِيمَتُكً .. حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ الْبَتُّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: جنى عبدك علي بما يوجب كذا .. فلأصح: حلفه على البت)؛ لأن فعل عبده كفعل نفسه، ولذلك سمعت الدعوى عليه. والثاني: على نفي العلم؛ لأنه يتعلق بالغير. وأطلق المصنف (العبد) ولم يفرق بين الحاضر والغائب، ولا بين المأذون وغيره، والمكاتب وغيره، ولا نص فى ذلك. ولو مات المأذون أو المكاتب أو عامل القراض الحر وقد عاملا ودعت الحاجة إلى تحليف المالك نفيًا أو إثباتًا .. فكيف الحال إذا لم يكن له اطلاع على تصرفهما؟ هل يحلف على البت أو على نفي العلم؟ فيه وقفة، ولا يختص هذا بالجناية على العبد، بل لو نفى البائع العيب عن العبد .. حلف على البت أيضًا كما جزم به الرافعي، وجزم الدارمي بأنه يحلف على نفي العلم. قال: (قلت: ولو قال: جنت بهيمتك) أى أتلفت زرعًا أو غيره حيث يجب الضمان بإتلافها. قال: (.. حلف على البت قطعًا والله أعلم)؛ لأنه لا ذمة لها، والمالك لا يضمن بفعلها، إنما يضمن بالتقصير في حفظها، وهذا أمر يتعلق بنفس الحالف. قال: (ويجوز البت بظن مؤكد يعتمد خطه أو خط أبيه)؛ لأن الظاهر يعضده، والمسألة سبقت في (كتاب القضاء). وظاهر عبارته أنه لايشترط في خط نفسه مع الظن المؤكد التذكر، والذي في (الروضة): أنه لو وجد بخط نفسه شيئًا .. لم يعتمده حتى يتذكر، وعزاه إلى (الشامل). والفرق بينه وبين اعتماد خط أبيه: أنه في خط نفسه يمكنه التذكر، بخلاف خط أبيه.

وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ، فَلَوْ وَرَّى أَوْ تَأَوَّلَ خِلاَفَهَا أَوِ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ القَاضِي .. لَمْ يَدْفَعْ إِثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يقال: لا يتصور الظن المؤكد في حق نفسه ما لم يتذكر، بخلاف خط الأب فلا إيراد. وقال ابن الرفعة: إذا غلب على ظنه كذب أبيه فيما وجده بخطه .. لم يجز له الإقدام على اليمين، وكذا لو استوى الاحتمالان عنده فيما يظهر. قال: (وتعتبر نية القاضي المستحلف)؛ لما روى مسلم] 1653/ 21 [عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليمين على نية المستحلف) وحملوه على الحاكم؛ لأنه الذي له ولاية الاستحلاف. والمعنى فيه أنه لو اعتبرت نية الحالف .. لبطلت فائدة الأيمان، وضاعت الحقوق؛ لأن كل أحد يحلف على ما يقصد، وسواء وافقه الحالف في المذهب أو خالفه، مجتهدًا كان الحالف أو مقلدًا. فإذا ادعى حنفي على شافعي شفعة الجوار، والقاضي يعتقد إثباتها .. فليس للمدعى عليه أن يحلف على عدم استحقاقها عليه عملًا باعتقاده، بل عليه اتباع القاضي، ويلزمه في الظاهر ما ألزمه به، وكذا في الباطن في الأصح. وكان ينبغي أن يقول: من له ولاية التحليف؛ ليشمل المحكم والإمام الأعظم والمنصوب للمظالم وغيره ممن يصح أداء الشهادة عنده. وألحق الشيخ عز الدين بالقاضي الخصم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يمينك ما يصدقك عليه صاحبك). قال: أراد به الخصم، والحديث في (صحيح مسلم)] 1653/ 20 [أيضًا. قال: (فلو ورى أو تأول خلافها أو استثنى بحيث لا يسمع القاضي .. لم يدفع إثم اليمين الفاجرة)؛ لأن اليمين شرعت ليهاب الخصم الإقدام عليها خوفًا من الله، فلو صح تأويله .. بطلت هذه الفائدة؛ فإن كل شيء قابل للتأويل في اللغة، وما ذكره من كون التورية على خلاف قصد القاضي لا يرفع الإثم مقيد بأمرين: أحدهما: أن يكون الحلف بالله، فإن حلفه القاضي بالطلاق أو العتاق فحلف

وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ فَأَنْكَرَ .. حُلِّفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وورَّى .. نفعته التورية؛ لأنه ليس له التحليف بهما كما تقدم قريبًا، وبه جزم في (شرح مسلم) و (الأذكار). الثاني: أنه لا يكون ظالمًا في نفس الأمر؛ فقد تقدم في (الوديعة): أن الظالم إذا طلب منه الوديعة مأمور بالإنكار، فإن اكتفى منه باليمين .. حلف أنه لا وديعة عنده، بل قال في (البسيط): يجب ذلك. واقتضى كلامه أنه لا يأثم ولو قدر على التورية. ومثله: لو ادعى على معسر فقال: لا يستحق علي، وتأوله باستحقاق التسليم الآن .. صح، ولا يؤاخذ بيمينه؛ لانتفاء المفسدة السابقة، بل خصمه ظالم بمطالبته إن علم ومخطئ إن جهل، قاله الشيخ عز الدين. تنبيه: جمع المصنف بين التورية والتأويل؛ لأن التورية: قصد ما يخالف ظاهره اللفظ، والتأويل: اعتقاد خلافه، فمن التورية أن يقول: ماله علي درهم ولا دينار، فدرهم: قبيلة، ودينار: رجل معروف، وما له قبلي ثوب ولا شقة ولا قميص، فالثوب: الرجوع، والشقة: البعد، والقميص: غشاء القلب. والاستثناء أن يقول عقب اليمين: إن شاءالله، إما سرًا أو ينويه بقلبه، وتنعقد اليمين في الجميع. وأحترز بقوله: (بحيث لا يسمع القاضي) عما إذا سمع .. فإن اليمين لا تنعقد قطعًا، وعليه الإعادة؛ لأنه طلب منه يمينًا جازمة ولم يأت بها. فائدة: قال في (شرح مسلم): التورية في غير تحليف الحاكم وإن كان لا يحنث بها لا يجوز فعلها؛ حيث يبطل بها حق المستحق بالإجماع. قال: (ومن توجهت عليه يمين لو أقر بمطلوبها لزمه فأنكر .. حلف) جميع ما تقدم من أول الفصل إلى هنا فيما يتعلق بالحلف وكيفيته، والكلام الآن في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحالف، ويدل لحلفه قوله صلى الله عليه وسلم: (واليمين على من أنكر). وصواب العبارة: ومن توجهت عليه دعوى كما هو في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر)، وبذلك اعترض عليه ابن الفركاح وغيره. وصوب الشيخ في (الحلبيات) عبارة المصنف وقال: قد تطلب اليمين من غير دعوى، كما إذا طلب القاذف يمين المقذوف أو وارثه على أنه مازنى .. فإنه يجاب إلى تحليفه على الأصح، وله غرض ألا يدعي الزنا حتى لا يكون قاذفًا، قال: لكن يحتاج أن يتأول (توجهت) بمعنى طلبت منه، ثم قال: لكن قول (المنهاج): (فأنكر) غير متضح؛ لأن الإنكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين، إلا أن يريد أنه صمم على الإنكار. ويجري التحليف في النكاح والطلاق والرجعة والفيئة في الإيلاء، وفي العتق والاستيلاد والولاء والنسب، ولا تسمع في حدود الله تعالى، ولايطلب الجواب؛ لأنها ليست حقًا للمدعي، فإن تعلق به حق آدمى كمسألة القذف المذكورة .. حلف، فإن حلف .. أقيم الحد على القاذف، وإن نكل .. حلف القاذف وسقط حد القذف، ولايثبت بحلفه حد الزنا على المقذوف. واحترز بقوله (لو أقر بمطلوبها .. لزمه) عما إذا ادعى دينًا على ميت، أو أنه أوصى له بشيء، وللميت وصي فأنكر ولا بينة .. فإنه لا يحلف الوصي؛ لأن المقصود من التحليف أن يصدق الخصم فيقر إن كان المدعى به حقًا، والوصي لا يقبل إقراره بالدين والوصية، وكذا لو أنكر الخصم وكالة الوكيل .. فليس للوكيل أن يحلفه على نفي العلم بالوكالة؛ لأنه – وإن علم الوكالة- لايجب عليه التسليم إليه. تنبيه: وقع في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) و (المنهاج) و (الكفاية) ما يوهم أن الأمة إذا ادعت الاستيلاد .. لا يحلف السيد، والصواب: أنه إن كانت المنازعة لإثبات النسب .. فهي مسألة هذه الكتب، وإن كانت لأمية الولد ليمتنع من بيعها ويعتق بموته .. حلف.

وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِ الظُّلْمِ فِي حُكْمٍ وَلَا شَاهِدٌ: أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ. وَلَوْ قَالَ مُدَّعَىً عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيُّ .. لَمْ يُحَلَّفْ، وَوَقِفَ حَتَّى يَبْلُغَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يحلف قاض على ترك الظلم في حكم) مراد المصنف أن هذه القاعدة تستثنى منها صور، فالقاضي لا يحلف على أنه ما ظلم، لارتفاع منصبه عن ذلك، أما ما لا يتعلق بالحكم كدعوى مال وغيره .. فهو كغيره، ويحكم فيه خليفته أو قاض آخر، وهذه المسألة تقدمت في (كتاب القضاء). قال: (ولا شاهد: أنه لم يكذب)؛ لأن من شأنه أن لا يشان بذلك. قال: (ولو قال مدعى عليه: أنا صبي) أي: وهو محتمل (.. لم يحلف، ووقف حتى يبلغ)؛ لأنه لو كان كاذبا .. لم يمتنع من الإقدام على الحلف، فلا فائدة فيها. ويستثنى مع ما ذكره إذا علق الطلاق على شيء من أفعال المرأة كالدخول، فادعته المرأة وأنكره الزوج .. فالقول قوله، فلو طلبت المرأة تحليفه على أنه لا يعلم وقوع ذلك .. لم يحلف، فإن ادعت وقوع الفرقة .. حلف على نفيها، كذا نقله الرافعي في (باب تعليق الطلاق) عن القفال وأقره. وكذا إذا طالب الإمام الساعي بما أخذه من الزكاة فقال: لم آخذ شيئا .. لم يحلف وإن كان لو أقر بالأخذ لزم، حكاه شريح عن الأصحاب. وكذلك لو قسم المال بين غرماء المفلس فظهر غريم آخر وقال لأحد الغرماء: أنت تعلم وجوب ديني وطلب يمينه .. لم يحلف، حكاه عن العبادي. ويستثنى من أن المدعي يحتاج إلى البينة والمدعى عليه يقبل قوله بيمينه مسائل: أحدها: إذا قوي جانب مدعي القتل باللوث .. فيقبل قوله فيه بيمينه. الثانية: أن يدعي زنا لزوجته .. فإنه يقبل قوله بلعانه؛ لرجحان جانبه. الثالثة: أن يقتضي ذلك مصلحة عامة وهو قبول قول الأمناء في تلف ما ائتمنوا عليه ورده على مؤمنيهم خاصة. الرابعة: إذا استحلق منبوذا .. لحقه من غير يمين.

وَالْيَمِينُ تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فِي الحَالِ لاَ بَرَاءَةَ، فَلَوْ حَلَّفَهُ ثُمّ أَقَامَ بَيِّنَةً .. حَكَمَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامسة: دعوى المرأة انقضاء عدتها بالحيض ونحوه. السادسة: دعوى الصبي الاحتلام تقبل من غير يمين. فرع: قال الزبيلي: لو اكترى من يحج عن أبيه، فقال الأجير: حججت .. قبل قوله، ولا يمين عليه ولا بينة، كما لو طلق امرأته ثلاثا وادعت أنها تزوجت ودخل بها وطلقها وانقضت عدتها .. قبل منها، ولا بينة عليها ولا يمين. قال: (واليمين تفيد قطع الخصومة في الحال لا براءة) احتج له البخاري] 2680 [بحديث: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ...). وروى أبو داوود] 3269 [والنسائي] سك 5963 [والحاكم] 4/ 95 [عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا بعدما حلف بالخروج من حق صاحبه) كأنه عليه الصلاة والسلام علم كذبه كما رواه أحمد] 1/ 296 [فدل على أن اليمين لا توجب براءة. وفي (البخاري) عن شريح وطاووس وإبراهيم: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، وليس بحديث صحيح كما زعمه إمام الحرمين. قال: (فلو حلفه ثم أقام بينة .. حكم بها) قياسا على إقرار المدعى عليه بعد حلفه، وكذا لو ردت اليمين على المدعي فنكل ثم أقام بينة. وقال مالك: إن كانت البينة حاضرة .. لم يجز؛ لاتصال الحكم باليمين. وقال ابن أبي ليلى: لا يجوز أصلا، واختاره ابن حزم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه، ليس لك إلا ذلك).

وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي .. مُكِّنَ فِي الأَصَحِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فنص على أنه ليس له إلا أحدهما لا كلاهما. وجوابه: أنه حصر حقه في النوعين؛ أي: لا ثالث لهما، وأما منع جميعها .. فلا دلالة للحديث عليه. كل هذا إذا لم يتعرض حالة التحليف للبينة، فإن قال: لا بينة لي حاضرة ولا غائبة .. فقد ذكره المصنف في (القضاء على الغائب)، والأصح: سماعها أيضا. فرع: أقام بدعواه بينة ثم قال: شهودي كاذبون أو مبطلون .. سقطت بينته، ولا تبطل دعواه على الأصح؛ لاحتمال أن يكون هو محقا في دعواه، والشهود مبطلون لشهادتهم بما لا يحيطون به علما، وفي مثل ذلك الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فرع: إذا اشتملت دعوى الشخص الواحد على أنواع فأراد تحليفه على بعضها دون بعض .. جاز، ولو أراد أن يحلفه على كلمنها يمينا .. فنظر، إن فرقها في الدعوى .. جاز، وإلا .. فلا، قاله الماوردي. قال: (ولو قال المدعى عليه: قد حلفني مرة) أي: فليس له تحليفي (فليحلف أنه لم يحلفني .. مكن في الأصح)؛ لأنه محتمل غير مستبعد، ولا يسمع غير ذلك من المدعي؛ لئلا يتسلسل. والثاني: المنع؛ إذ لا يؤمن أن يدعي المدعي أنه ما حلفه على أنه ما حلفه وهكذا، فيدور الأمر ولا ينفصل، وهذا نسبة الرافعي إلى ابن القاص، وتبعه عليه في (الروضة)، والذي في كلامه الجزم بالأول.

وَإِذَا نَكَلَ .. حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقُضِيَ لَهُ، وَلاَ يَقْضِي بِنُكُولِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وموضع الخلاف إذا قال: حلفني مرة عند قاض آخر، أو أطلق، فإن قال: عندك، فإن حفظ القاضي ذلك .. لم يحلفه ومنع المدعي مطالبته، وإن لم يحفظه .. حلفه، ولا تنفع إقامة البينة فيه؛ لما تقدم أن القاضي إذا تذكر حكمه .. أمضاه ولا يعتمد على البينة. قال: (وإذا نكل .. حلف المدعي وقضي له، ولا يقضي بنكوله) هذا ابتداء فصل في (المحرر)، وبوب عليه في (الروضة) (باب النكول)، ويدل له قوله تعالى: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي: بعد الامتناع من الأيمان الواجبة فدل على نقل الأيمان. وروى الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق) رواه الدارقطني] 213/ 4 [والحاكم] 4/ 100 [وقال صحيح الإسناد. وحكم بذلك عمر بحضرة الصحابة كما رواه الشافعي. ومن جهة المعنى: أن النكول كما يحتمل أن يكون تحرزا عن اليمين الصادقة؛ فقد ردت اليمين على زيد بن ثابت فحلف، وعلى عثمان فلم يحلف وقال: أخاف أن يوافق قدر بلاء فيقال: بيمينه، واشتهر ذلك عن الصحابة، ولا مخالف لهم. وإذا لم يقض بالنكول .. ردت اليمين على المدعي إذا كان الحق له، فإذا حلف .. قضي له. وقال أبو حنيفة أو أحمد: يقضى بالنكول. لنا: الإجماع قيلهما كما قاله مالك في (الموطأ). وظاهر قوله: (وقضي له) توقف الاستحقاق على الحكم، وأنه لا يثبت بمجرد الحلف، لكن الأرجح في (الروضة) عدم التوقف بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار، كما يثبت الحكم بالإقرار من غير حكم على الأصح. نعم؛ تستثنى صور يقضى فيها بالنكول للضرورة ستأتي.

وَالنُكُولُ: أَنْ يَقُولَ: أَنَا نَاكِلٌ، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ، فَيَقُولُ: لاَ أَحْلِفُ، فَإِنْ سَكَتَ .. حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ. [وَقَوْلُهُ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ .. حُكْمٌ بِنُكُولِهِ] ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والنكول: أن يقول) المدعى عليه بعد عرض اليمين عليه: (أنا ناكل، أو يقول له القاضي: احلف، لا أحلف)؛ لظهوره فيه، ولا يحتاج في هذه الحالة إلى قضاء بالنكول، حتى لو قال المدعى عليه بعد قوله: لا أحلف أو أنا ناكل: أحلف .. لم يجد إليه سبيلا. قال: (فإن سكت .. حكم القاضي بنكوله) كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء منزل منزلة الإنكار، فلا تشرع اليمين المردودة عند سكوت المدعى عليه إلا إذا حكم الحاكم بنكوله، وإنما يحكم الحاكم بنكوله إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة أو غبارة أو نحوهما. ويستحب للقاضي أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات، والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول. وعن أبي حنيفة: أن العرض ثلاثا شرط. وإذا تفرس فيه سلامة جانب .. شرح له حكم النكول؛ فإن لم يشرح وحكم بأنه ناكل وقال المدعى عليه: لم أعرف حكم النكول .. ففي نفوذ الحكم احتمالان: أظهرهما: النفوذ إذا كان من حقه أن يبحث ويعرف قبل أن ينكل. وإذا كان المدعى عليه لا يعرف معنى النكول .. وجب على القاضي أن يعرفه ذلك، وليس هذا تلقين دعوى. وحيث منعنا المدعى عليه من الحلف بعد نكوله أو ما في معناه .. فذلك إذا لم يرض المستحق، فإن رضي .. فوجهان: أصحهما: له العود إليه؛ فإن الحق له لا يعدوه. [قال: (وقوله للمدعي: أحلف .. حكم بنكوله)]

وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ، وَفِي الأَظْهَرِ: كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ .. لَمْ تُسْمَعْ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلَ بِشَيْءٍ .. سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْيَمِينِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (واليمين المردودة في قول كبينة) تغليبًا لجانب المدعي، فتنزل يمينه منزلة بينة يقيمها. قال: (وفي الأظهر: كإقرار المدعى عليه)؛ تغليبًا لجانبه، فينزل نكوله منزلة إقراره؛ لأن به توصل إلى الحق. ووقع في (الروضة) في الباب الخامس من هذا الباب ما يقتضي تصحيح الأول. قال: (فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء .. لم تسمع) هذه من فوائد القولين، وهي تفريع على الأظهر لكونه مكذبًا لبينته بإقراره، وعلى مقابله: تسمع، كذا قاله الشيخان هنا، وخالفاه قبيل الركن الثالث فرجحا السماع، وهذا هو الصواب؛ فإنه إقرار تقديري لا تحقيقي، فلم يصدر منه إقرار مكذب لها. وأشار بقوله: (بأداء أو إبراء) إلى أن التصوير في الدين، فإن كان المدعى عينًا، فرد المدعى عليه على المدعي، فحلف ثم أقام بينة بالملك .. سمعت، أفتى به علماء العصر. قال: (فإن لم يحلف المدعي ولم يتعلل بشيء .. سقط حقه من اليمين)؛ لإعراضه، (ولم يكن له مطالبة الخصم) كما لو حلف المدعى عليه، اللهم إلا أن يقيم بينة. وقيل: يتمكن مناستئناف الدعوى وتحليفه في مجلس آخر؛ لبقاء حقه. وعلم من هذا: أنه ليس له رد اليمين على المدعى عليه؛ لأن اليمين المردودة لا ترد، لأن ردها يؤدي إلى الدور.

وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ .. أَمْهِلَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: أَبَدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (يتعلل) المراد به: إبداء علة أو عذر، وهذا خلاف المستعمل في اللغة؛ لأنهم إنما يستعملونه بمعنى شغله وألهاه، ومنه تعليل الصبي بالطعام ليسكت. فرع: ادعى شريكان حقا لهما على إنسان فأنكر .. حلف لكل منهما يمينًا، فإن رضيا بيمين واحدة .. فالأصح في (الروضة): المنع، وجزم الإمام بالاكتفاء بها ورجحه الشيخ؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما. وحكى الماوردي عن الإصطخري قال: استحلف إسماعيل القاضي رجلا في حق رجلين يمينا واحدة، فأجمع فقهاء زماننا على أنه أخطأ. قال الداركي: فسألت أبا إسحاق المروزي فقال: إن ادعيا ذلك من جهة واحدة .. حلف لهما يمينًا واحدة كما إذا ادعيا دارًا إرثًا من أبيهما أو شركة بينهما، وإن كان من جهتين .. حلف لكل واحد على الانفراد. قال الماوردي: وقول أبي إسحاق صحيح، وهذا في الحقيقة وجه ثالث في المسألة. قال: (وإن تعلل بإقامة بينة أو مراجعة حساب .. أمهل)؛ لما تقدم في كتاب عمر لأبي موسى: واجعل للمدعي أمدًا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة .. أخذت له بحقه، وإلا .. استحلت عليه القضية، فإنه أنفلا للشك وأجلى للعمة. قال: (ثلاثة أيام)؛ لأنها مدة مغتفرة شرعًا، وفي الزيادة عليها إضرار بالمدعي، فإن لم يحلف بعدها .. سقط حقه من اليمين. قال: (وقيل: أبدًا)؛ لأن اليمين حقه، فله تأخيره إلى أن يشاء كالبينة. وقيل: يرجع إلى العرف، وبه جزم الدارمي. وقبل: لايمهل أصلًا إذا قال: أراجع الحساب كالمدعى عليه، حكاه الإمام في (كتاب الإقرار) وقال: إنه حسن متجه؛ إذ كان من حقه التفكر قبل الإحصار، وهو

فَإِنِ اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اسْتُخْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ .. لَمْ يُمْهَلْ، وَقِيلَ: ثَلاَثَةً، وَلَوِ اسْتَمْهَلَ فِي ابْتِدَاِء الْجَوَابِ .. أُمْهِلَ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَمَنْ طُولِبَ بِزكَاةٍ فَادَّعَى دَفْعَهَا إِلَى سَاع آخَرَ أَوْ غَلَطَ خَارِصٍ وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ غريب، فتلخصنا على أربعة أوجه، والرافعي لم يفصح بترجيح في (شرحيه)، غير أنه رجح الأول في (المحرر)، والذي عليه جمهور العراقيين وغيرهم الثاني، وكذلك الحكم إذا طلب الاستمهال ليسأل الفقهاء. قال: (فإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه .. لم يمهل)؛ لأنه مقهور محمول على الإقرار أو اليمين، بخلاف المدعي؛ فإن الحق له، اللهم إلا أن يرضى المدعي بإمهاله .. فإنه يمهل. قال: (وقيل: ثلاثة)، للحاجة، واختاره الروياني، وفي (الحاوي): يمهل دون ثلاثة أيام. واستحسنوا إمهاله ليسأل الفقهاء، وهذا الإمهال لم يتعرضوا لكونه واجبًا أو مستحبًا، وحكى الرافعي في نظيره من (باب الكتابة) وجهين، ثم حكى عن الروياني أنا إذا أمهلناه ثلاثًا فأحضر شاهدًا بعدها وطلب الإنظار ليأتى بالشاهد الثاني .. أنه ينظر ثلاثة أخرى. قال: (ولو استمهل في ابتداء الجواب .. أمهل إلى آخر المجلس) هذا إذا طلب ذلك لمراجعة الحساب ونحوه. وعبارة (المحرر): فقد ذكر أنه يمهل إلى آخر المجلس، وذاكر ذلك هو القاضي أو سعد. قال: (ومن طولب بزكاة فادعى دفعها إلى ساع آخر أو غلط خارص وألزمناه اليمين فنكل وتعذر رد اليمين .. فالأصح: أنها تؤخذ منه)؛ لأن مقتضى ملك النصاب ومضي الحول الوجوب، فإذا لم يأت بدافع .. أخذنا الزكاة، وليس هذا حكمًا بالنكول، خلافًا لابن القاص. والثاني: لا يطالب بشيء إذا لم يقم عليه حجة.

وَلَوِ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ دِيْنًا لَهُ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ .. لَمْ يُحَلَّفِ الْوَلِيُّ، وَقِيلَ: يُحَلَّفُ، وَقِيلَ: إِنِ ادَّعَى مُبَاشَرةَ سَبَبِهِ .. حُلِّفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا كالمستثنى من قوله: (ولا يقضي بنكوله) أي: ما تقجم من رد اليمين على المدعي هو الأصل، وقد يتعذر في هذه الصور. وقوله: (وألزمناه اليمين) أشار به إلى خلاف في المسألة، وهو أنه إذا ادعى مسقطًا أو اتهمه الساعي .. فإنه يحلفه على ما يدعيه، وهل اليمين واجبة أو مستحبة؟ فإن كانت دعواه لا تخالف الظاهر كقوله: لم يحل الحول بعد .. فهي ندب، وإن خالفته كقوله: بعته ثم اشتريته ولم يحل الحول .. فالأصح: استحبابهما أيضًا، فإن قلنا به فامتنع من اليمين .. فلا شيء عليه، وإن قلنا بوجوبها فنكل .. فهي مسألة الكتاب. وقوله: (وتعذر رد اليمين) أشار به إلى تفصيل، وهو أن المستحقين في البلد إن انحصروا ومنعنا النقل .. ردت اليمين عليهم، وإلا .. فقد تعذر الرد على السلطان أو الساعي. وقوله: (فالأصح) يقابله أوجه: أحدها: لا يطالب بشيء إذا لم يقم حجة. والثاني: يحبس حتى يقر فيؤخذ منه أو يحلف فيترك. والثالث: إذا ادعى خلاف الظاهر بأن قال: ما تم الحول أو الذي بيدي لفلان المكاتب .. لم يؤخذ منه، وإن قال: أديت في بلد آخر أو ساع آخر .. أخذت. قال: (ولو ادعى ولي صبي) أي: أو مجنون (دينًا له فأنكر ونكل .. لم يحلف الولي)؛ لأن إثبات الحق للإنسان بيمين غيره مستبعد، بل ينتظر بلوغ الصبي وإفاقة المجنون. قال: (وقيل: يحلف)؛ لأنه المستوفي، والصبي والمجنون ليس لهما أهلية اليمين. قال: (وقيل: إن ادعى مباشرة سببه .. حلف)؛ لأن العهدة تتعلق به، وفي (الشرح) و (الروضة): أن هذا لا بأس به، ورجحه العبادي والسرخسي، قال في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (المهمات): وهو المفتى به المنصوص عليه، وقد سبق في (كتاب الصداق) بيان ذلك، وأن ما قاله هناك لا ينافي ما قاله هنا. وتجري الأوجه فيما لو أقام شاهدًا هل يحلف معه؟ وفيما لو ادعى على الولي دينًا في ذمة الصبي هل يحلف الولي إذا أنكر؟ والوصي والقيم كالولي. ويجري في قيم المسجد والوقف إذا نكل المدعى عليه هل يحلف. وملخص هذا أن الحق إن كان لغير معين كالمسلمين ومال من لا وارث له والمال الموصى به للفراء، إذا ادعاه من أسندت تفرقته إليه .. يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يدفع الحق؛ لأنه لا يمكن القضاء بالنكول منغير يمين، لأن الحقوق تثبت بالإقرار أو البينة، وليس النكول واحدًا منهما، ولا يمكن رد اليمين على مستحق غير معين، ولا يمكن تركه؛ لما فيه من ترك الحق، فتعين لفصل الخصومة ما قلناه. وقيل: يقضى عليه بالنكول، ويؤخذ منه الحق؛ للضرورة. تتمة: أفتى ابن عبد السلام والشيخ بأنه إذا ثبت دين لطفل أو مجنون على تركة مستحقها كذلك أنه يؤخذ في الحال من غير توقف على بلوغه وحلفه؛ إذ لا يجوز تأخير حق يجب على الفور لأمر محتمل، قالا: ولا يشهد للتأخير شيء من أصول الشرع. قال الشيخ: ومن طالع كلام الرافعي والمصنف يعتقد أن المذهب: أنه ينتظر ويؤخر الحكم، وقد يترتب على ذلك ضياع الحق، وكثيرًا ما يتفق أن يموت رجلان لكل منهما على الآخر دين، ويترك كل ورثة صغارًا ولو أخر إلى البلوغ ربما ضاعت تركة الذي عليه الحق أو أكلها ورثته، فتأخير الحكم مع قيام البينة مشكل، لا سيما ونحن نعلم أن الصبي لا علم عنده من ذلك، واليمين الواجبة عليه بعد بلوغه إنما هي على عدم العلم بالبراءة، وهو أمر حاصل، فكيف يؤخر الحق لمثل ذلك؟! قال: فالوجه عندي: الحكم الآن، ويؤخذ الدين للصبي الذي ثبت له، وإن أمكن القاضي أخذ كفيل به حتى إذا بلغ يحلفه .. فهو احتياط، وإن لم يمكن ذلك .. فلا يكلف.

فَصْلٌ: ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً ... سَقَطَتَا، وَفِي قَوْلٍ: تُسْتَعْمَلَانِ، فَفِي قَوْلٍ، تُقْسَمُ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: ادعيا عينًا في يد ثالث) أي: ولم ينسبها ذو اليد إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها. قال: (وأقام كل منهما بينة ... سقطتا)؛ لتناقض موجبهما فأشبها الدليلين إذا تعارضا ولا مرجح، وبهذا قال أحمد ومالك في رواية. فعلى هذا: كأنه لا بينة ويصار إلى التحليف، قال الرافعي وهو منسوب إلى القديم، فالمسألة مما يفتى بها على القديم، وليس كذلك؛ فقد حكاه البندنيجي عن نص (الأم) و (البويطي)، فهو قديم وجديد. قال: (وفي قول: تستعملان)؛ صيانة لهما عن الإلغاء بقدر الإمكان، فتنزع العين ممن هي في يده؛ لاتفاق البيتين على أنها ليست له، ثم فيما يفعل على هذا القول الثلاثة الأقوال الآتية: وكأنهم هونوا أمرها لما كانت مفرعة على الضعيف كالأقوال المفرعة على القديم في ميراث المبتوتة في مرض الموت، وفي القولين المفرعين على القديم في امرأة المفقود، والذي يظهر ترجيح قول الوقف، وبه جزم الرافعي في (باب التحالف)، والأوفق لإطلاق الغزالي ترجيح مقابله. قال: (ففي قول: تقسم) أي: تجعل بينهما نصفين؛ لاستواء حجتيهما، هذا إذا قبلت القسمة، وبهذا قال أبو حنيفة، ويدل له ما روى أبو داوود [3608] وابن حبان [5068] والحاكم [4/ 95] بإسناد صحيح عن أبي موسى: أن رجلين ادعيا بعيرًا، وأقام كل منهما شاهدين، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين. ولأن البينة أقوى من اليد، ولو تساويا في اليد ... لقسم بينهما، فهذا أولى. وأجاب القائلون بالصحيح عنه باحتمال أن يكون ما تنازعا فيه في أيديهما، فأبطل البينتين وقسمه بينهما.

وَقَوْلٌ: يَقْرَعْ، وَقَوْلٌ: تَوَقَّفَ حَتَّى يَتَبَيَّتْ أَوْ يَصْطَلِحَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهُمَا وَأَقَامَا بَيْنَتِيْن ... بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (و) في (قول: يقرع) فيرجح جانب من خرجت له القرعة؛ لما روى أبو داوود في (مراسيله) [398] عن سعيد بن المسيب قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فجاء كل منهما بشهداء عدول على عدة واحدة، فأسهم بينهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم أنت تقضي بينهما) فقضى للذي خرج له السهم. ولأن القرعة تدخل في الحقوق المتساوية عند الاشتباه، وإذا قلنا بهذا ... فهل يحتاج من خرجت له القرعة إلى يمين؟ قولان لا ترجيح فيهما: أحدهما: لا، والقرعة مرجحة لبينته. والثاني: نعم، والبينة والقرعة تجعل أحدهما أحق باليمين. قال: (وقول: توقف حتى يتبين أو يصطلحا)؛ لأنه أشكل الحال فيما يرجى انكشافه فتوقف كما لو زوجها وليان مرتبان وجهل السابق. جوابه: أنه يمكن التذكر في النكاحين، بخلاف هذا. قال الإمام تبعًا للقاضي: هذا أعدل الأقوال، وصححه الفارقي، وفي (البيان) عن الربيع: أنه أصح، وهل هذه الأقوال في الأولوية أو التعيين؟ حكى الإمام فيه وجهين لا ترجيح فيهما. كل هذا إذا لم يقر الثالث لأحدهما، فإن أقر قبل إقامة البينة ... رجحت بينته، أو بعدها ... حكم للمقر له بالملك. قال: (ولو كانت في يدهما وأقاما بينتين ... بقيت كما كانت)؛ إذ لا مستحق لها غيرهما، وليس أحدهما بأولى من الآخر، هذا حاصل ما يفتى به من الطريقتين في المسألة. والطريقة الثانية- وبها قال ابن الصباغ-: يجعل المال بينهما؛ لأن بينة كل واحد منهما ترجحت فيما بيده.

وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَ غَيْرِهِ بِهَا بَيِّنَةٌ وَهُوَ بَيِّنَةٌ ... قَدَّمَ صَاحِبْ الْيَدْ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: دار في يد ثلاثة، ادعى أحدهم نصفها والثاني ثلثها والثالث سدسها، لا بينة ... جعلت أثلاثًا، كذا نص عليه في (المختصر)، واعترض عليه بأن مدعي السدس لا يدعي غيره فكيف يعطي الثلث؟! وأجيب بأن الصورة فيما إذا ادعى كل واحد منهم استحقاق اليد في جميعها، إلا أن الأول يقول: النص ملكي، والنصف الآخر لفلان وهو في يدي عارية أو وديعة، والآخران يقولان نحو ذلك، فكل واحد منهم صاحب يد في الثلث، وتبقى الدار في أيديهم كما كانت، ثم يجعل نصف الثلث الذي في يد مدعي السدس لذلك الغائب بحكم الإقرار، فأما إذا اقتصر كل واحد منهم على أن لي منها كذا ... فلا يعطى لمدعي السدس إلا السدس، ولا يتحقق بينهم في هذه الصورة نزاع. قال: (ولو كانت بيده فأقام غيره بها بينة وهو بينة ... قدم صاحب اليد) ويسمى الداخل؛ لأنهما استويا في إقامة البينة، وترجحت بينته بيده فقدمت كالخبرين اللذين مع أحدهما قياس. وروى الشافعي [1/ 330] والدارقطني [4/ 209] والبيهقي [10/ 256] عن جابر: أن رجلين تداعيا دابة، وأقام كل منهما بينة أنها دابته نتجها، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده، وبه قضى شريح، وإليه ذهب أكثر العلماء. وقيل: لا يقضي له إلا أن يحلف؛ لأن البيتين تعارضتا فسقطتا وبقيت اليد، وهي لا يقضى بها من غير يمين. واقتضى إطلاق المصنف: أنه لا يشترط في سماع بينة صاحب اليد أن يبين سبب الملك من شراء أو إرث ونحوه، وأنه لا يشترط أن يحلف مع بينته، وهو الأصح فيهما. فإن قيل: لو ادعيا لقيطًا في يد أحدهما وأقاما بينتين ... لم يترجح صاحب اليد؟ قلنا: الفرق: أن اللقيط لا يدخل تحت اليد، فلهذا سوينا بينهما بخلاف غيره. وقال أبو حنيفة: لا تسمع بينة صاحب اليد إلا في دعوى النتاج، وهو أن يتنازعا

وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتَهُ إِلَّا بَعْدَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعٍي. وَإِنْ أُزِيلَتْ يَدَهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَة بِمَلْكِهِ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا قَبْلَ إِزَالَة يَدِه وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ ... سَمِعْتُ وَقَدَّمْتُ، وَقِيلَ: لَا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ دابة وأقاما بينتين وإحداهما شهدت له أنه نتجها فتقدم، وكذلك إذا تنازعا ثوبًا لا ينسج إلا مرة كالقطن والكتان، وأقام كل واحد بينة على أنه ملكه، وأنه نسجه، ومن المنسوجات ما ينسج أكثر من مرة كالخز، فإنه ينسج ثم ينكث فيغزل ثم ينسج ثانيًا. وعن أحمد ثلاث روايات: إحداهما كمذهبنا، والثانية كمذهب أبي حنيفة، وأظهرها: لا تسمع بينة الداخل مطلقا، وحديث جابر حجة عليهما. قال: (ولا تسمع بينته إلا بعج بينة المدعي) أشار بهذا إلى أن بينة الداخل إذا أراد أن يقيمها قبل أن يدعى عليه ... لا تسمع على ظاهر المذهب؛ لأن الحجة إنما تقام على خصم، فإذا لم يكن خصم ... فلا حاجة إلى الحجة. وفي وجه: تسمع؛ لغرض التسجيل. وعن ابن سريج: أنها تسمع؛ لتسقط اليمين عن نصيبه، كالمودع تسمع البينة منه على الرد والتلف. وإن كانت يمينه كافية وإن أقامها بعد أن أقام الخارج البينة ولكن قبل أن يعدل ... فالأصح: أنها تسمع وبحكم بها؛ لأن يده بعد إقامة البينة مشرفة على الزوال فتمس الحاجة إلى تأكيدها ودفع الطاعن فيها، وإن أقامها بعد بينة المدعي وتعديلها ... فقد أقامها في أوان إقامتها، وإن لم يقمها بعد بينة المدعي وتعديلها ... فقد أقامها في أوان إقامتها، وإن لم يقمها حتى قضى القاضي للمدعي وسلم المال إليه ... فهذه أشار إليها المصنف حيث قال: (وإن أزيلت يده ببينة ثم أقام بنية بملكه مستندًا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده ... سمعت وقدمت)؛ لأنها أزيلت لعدم الحجة وقد قامت الحجة الآن. قال: (وقيل: لا) أي: لا تسمع ولا ينقض القضاء؛ لأن تلك اليد قضي بزوالها وبطلان حكمها فلا ينقض القضاء، وإلى هذا ذهب القاضي حسين. ونقل عنه الهروي أنه قال: أشكلت على هذه المسألة نيفًا وعشرين سنة؛ لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وتردد جوابي فيها، ثم استقر على أنه لا ينقض.

وَلَوْ قَالَ الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ، فَقَالَ: بَلْ مِلْكِي، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْن ... قَدَّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجْ، وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيٍء ثُمَّ ادَّعَاهُ ... لَمْ تَسْمَعُ إِلَّا أَنْ يُذْكَرُ انْتِقَالًا، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بقوله: (بينة) عما لو أزيلت بنكوله وحلف المدعي ... فإنها لا تسمع حتى يجمع بين كلامه هنا وبين ما سبق منه في الكلام على أن اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة. قال: (ولو قال الخارج: هو ملكي اشتريته منك، فقال: بل ملكي، وأقاما بينتين ... قدمت بينة الخارج)؛ لزيادة عملهما، ولو انعكس الحال فقال الداخل: هو ملكي اشتريته منك وأقام بينة، وأطلقت بينة الخارج للملك ... قدمت بينة الداخل؛ لأنها تقدم عند الإطلاق فعند ذكر الانتقال أولى، لكن إذا كانت بينته حاضرة ... لا تزال يده قبل إقامتها على الصحيح. ووجه مقابله: أنه اعترف أنه كان له فيدفع إليه، فإذا ثبت ما ادعاه ... استردا، أما لو زعم أن بينته غائبة ... فإنه يؤمر بالتسليم في الحال، وإذا أثبت ... استرد. فرع: تداعيا بعيرا لأحدهما عليه حمل ... فالقول قول صاحب الحمل مع يمينه؛ لانفراده بالانتفاع به، ولو تداعيا عبدًا لأحدهما عليه ثوب ... لم يحكم له بالعبد، والفرق: أن كون حمله على البعير انتفاع به قيده عليه، والمنتفعة في لبس الثوب للعبد لا لصاحب الثوب، فلا يد له. وقال البغوي: إذا تداعيا جارية حاملًا، واتفقا على أن الحمل لأحدهما ... فهي لصاحب الحمل. قال: (ومن أقر لغيره بشيء ثم ادعاه ... لم تسمع إلا أن يذكر انتقالًا)؛ لأن المكلف مؤاخذ بإقراره في المستقبل، فيستصحب ما أقر به إلى أن يثبت الانتقال. وخالف القاضي حسين جميع الأصحاب فقال: تسمع دعواه مطلقًا من غير ذكر تلق من المقر له؛ لأنه وإن لم يذكر في الدعوى تلقي الملك منه فهو في تأويل

ومن أخذ منه مال ببينة ثم ادعاه ... لم يشترط ذكر الانتقال في الأصح والمذهب: أن زيادة عدد شهود أحدهما لا ترجح، وكذا لو كان لأحدهما رجلان وللآخر رجل وامرأتان، وإن كان للآخر شاهد ويمين ... رجح الشاهدان في الأظهر، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ المتلقي، فيحمل عليه؛ إذ من الممكن أن يكون المقر اشتراها بعد الإقرار من المقر له. قال: (ومن أخذ منه مال ببينة ثم ادعاه ... لم يشترط ذكر الانتقال في الأصح) كالأجنبي؛ فإنه لا خلاف أنه إذا أقام ببينة مطلقة ... سمعت. والثاني: يشترط؛ لأنه صار مؤاخذًا بالبينة كما لو أقر، وهذه من صور قوله قبل ذلك: (ولو أزيلت يده ببينة) فكان الأحسن أن يذكرها عقبها. قال: (والمذهب: أن زيادة عدد شهود أحدهما لا ترجح)، بل يتعارضان؛ لما روى البيهقي [10/ 257] عن علي أنه قال: (لا يرجح بكثرة العدد)، ولأن ما يتقدر بالشرع لا يختلف حكمه بالزيادة والنقصان كدية الحر، وهذا هو الجديد. وفي القديم قولان: أشبههما: نعم؛ لأن القلب إلى قول الأكثر أميل، وكذلك إذا كانت إحداهما أظهر عدالة أو فقهًا، أو معها شهادة أحد الخلفاء الأربعة. أما الرواية، فترجح بذلك، إذ لا ضبط فيها، فيعمل فيها بما يغلب على الظن، وللشهادة نصاب مضبوط، وقيل: هي كالشهادة أيضًا، وعن الإصطرخي: أنه يرجح بجميع ذلك في الشهادة. ولا ترجيح بالشرف والسن قولًا واحدًا، وفي عدم الترجيح بالعلم نظر. قال: (وكذا لو كان لأحدهما رجلان وللآخر رجل وامرأتان) فلا ترجيح على المذهب؛ لقيام الحجة بكل منهما، وقيل: قولان. قال: (وإن كان للآخر شاهد ويمين ... رجح الشاهدان في الأظهر)، لأنها حجة مجمع عليها، ولأنها أبعد عن تهمة الكذب. والثاني: يتعادلان، لأن كلًا منهما حجة كافية في المال.

وَلَوْ شَهِدَتْ لِأَحَدُهُمَا بِمٍلْكٍ مِنْ سَنِةٍ وَلِلْآخِر مِنْ أَكْثَرُ ... فَالْأَظْهَرْ: تَرْجِيحُ الْأَكْثَر، وَلِصَاحِبُهًا الْأُجْرَة والْزِيَادَة الْحَادِثَة مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَلَوْ أَطْلَقَتْ بَيِّنَة وَأَرْخَتْ بَيِّنَة ... فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا سَوَاء، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلى الأول: لو كان مع صاحب الشاهد واليمين يد فهل يرجح هو أو صاحب الشاهدين أو يتعادلان؟ أوجه: أصحها ثالثها. قال: (ولو شهدت لأحدهما بملك من سنة ولآخر من أكثر ... فالأظهر: ترجيح الأكثر)؛ لأنها انفردت بإثبات الملك في زمان لا تعارضها فيه الأخرى، فوجب وقف المتعارض، ولأن ثبوت ملك المتقدم يمنع أن يملكه المتأخر إلا عنه، ولم تتضمنه الشهادة له، فلم يحكم له بها. والثاني: يتعارضان، ورجحه ابن سريج وابن كج؛ لأن المقصود إثبات المالك في الحال، ولا تأثير للسبق؛ فإنه غير منازع فيه. والطريقة الثانية: القطع بالأول، لكن الذي رجحاه هنا خالفاه في (باب اللقيط) فقالا: إن البينتين على اللقيط إذ قيدتا بتاريخين مختلفين ... يقدم السابق، بخلاف المال؛ فإنه لا يقدم فيه بسبق التاريخ على الأصح، والصواب: ما ذكراه في هذا الباب من ترجيح التقديم. وصورة المسألة: أن تكون العين في يدهما أو في يد ثالث، فإن كانت في يد أحدهما ... فسيذكرها المصنف. وصورها ابن الرفعة بما إذا شهدا مع ذلك بالملك في الحال، وهو مراد المصنف وغيره ممن أطلق المسألة؛ لما سيأتي في الشهادة بالملك القديم أنها لا تسمع، فضلًا عن أن ترجح. قال: (ولصاحبها الأجرة والزيادة الحادثة من يومئذ)؛ لأنها نماء ملكه، وإن قلنا بمقابل الأظهر ... ففيه الخلاف السابق في تعارض البينتين. قال: (ولو أطلقت بينة وأرخت بينة ... فالمذهب: أنهما سواء)؛ لأن المطلقة كالعامة بالنسبة إلى الأزمان.

وَقِيلَ: تَقَدَّمَ الْمُؤَّرِّخَةُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِصَاحِبْ مُتَأَّخِّرَة الْتَّارِيخُ يَدٍ ... قَدَّمَ، وَأَنَّهَا لَوْ شَهٍدَتْ بِمَلْكِهِ أَمْسَ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَال ... لَمْ تَسْمَعْ حَتَّى يَقُولُوا: وَلَمْ يَزَلْ مَلِكَهُ، أَوْ لَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: تقدم المؤرخة)؛ لأن معها زيادة علم، لأنها تثبت الملك من وقت معين، والأخرى لا تقتضي إلا الملك في الحال. لكن يستثنى: ما إذا شهدت بينة بالحق والأخرى بالإبراء، أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى ... فإن بينة البراءة أولى؛ لأنهما إنما تكون بعد الوجوب، وهذا بخلاف الرواية، فقد ذكر الأصوليون: أنه يرجح الخبر المروي مطلقًا على الخبر المؤرخ؛ لأن المطلق أشبه بالمتأخر. قال: (وأنه لو كان لصاحب متأخرة التاريخ يد ... قدم)؛ لتساقط البينتين فتبقى اليد، وهي أقوى من الشهادة على الملك ولهذا لا يزال بها. والثاني: ترجيح السبق؛ لأن الترجيح من جهة البينة يقدم على الترجيح من جهة اليد. والثالث: أنهما يتساويان؛ لتعارض المعنيين. وحكى ابن الصياغ والفوراني طريقة قاطعة بالأول، وبه يتم في المسألة طريقان، ويصح عطف المسألة على التعبير ب (المذهب). واحترز بقوله: (متأخرة التاريخ) عما إذا كانت اليد لصاحبه متقدمة التاريخ ... فإنها تقدم بلا خلاف، وهي تفهم من كلامه من باب أولى. قال: (وأنها لو شهدت بملكه أمس ولم تتعرض للحال ... لم تسمع حتى يقولوا: ولم يزل ملكه، أو لا نعلم مزيلًا له)؛ لأن دعوى الملك السابق لا تسمع، فكذلك البينة عليه. والثاني: تسمع؛ لأنها أثبتت الملك له سابقًا والأصل دوامه.

وَتَجُوزُ الشِّهَادَة بِمِلْكِهِ الآَنَ اسْتِصْحَابًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرٍهِمًا. وَلَوْ شَهِدَتْ بِإقْرَارِهِ أَمْسَ بِالمُلكِ لَهُ ... اسْتُدِيمَ. وَلَوْ أَقَامَهَا بِمَلِكْ دَابَّة أَوْ شَجَرَةٌ ... لَمْ يَسْتَحِقُّ ثَمَرَة مَوْجُودَةٌ، وَلَا وَلَدًا مُنْفَصِلًا، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن ابن سريج بناء الخلاف على أن الاستصحاب هل هو دليل شرعي أم لا؟ والطريقة الثانية: القطع بالأول، لكن تستثنى من إطلاقه صورتان: إحداهما: إذا شهدت إحداهما أنه كان ملكه بالأمس اشتراء من صاحب اليد، أو أقر له بالأمس ولم تتعرض للحال ... فإنها تقبل، وسيأتي في كلام المصنف. الثانية: لو كان بيده شخص يدعي رقه، فادعى آخر أنه كان له وأنه أعتقه وأقام بينة ... فقيل على القولين؛ لأنها شهادة بملك متقدم. والمذهب: القطع بالقبول، لأن المقصود هنا إثبات العتق، وذكر الملك السابق وقع تبعًا، ذكره الرافعي في (فصل اليمن مع الشاهد). قال: (وتجوز الشهادة بملكه الآن استصحابًا لما سبق من إرث وغيرهما) إعمالًا للاستصحاب، لأن الأصل البقاء. هذا إذا أطلق الشهادة، فإن صرح في شهادته بأنه اعتمد الاستصحاب ... لم تقبل كما لا تقبل شهادة الرضاع على امتصاص الثدي وحركة الحلقوم، وقال القاضي حسين: تقبل. فإن قالا: لا ندري هل زال أم لا ... لم تقبل قطعًا. قال: (ولو شهدت بإقراراه أمس بالملك له ... استديم) أي: حكم الإقرار وإن لم يصرح الشاهد بالملك في الحال. وقيل يطرد القولين في الشهادة بالملك المتقدم، والظاهر الأول، ولولاه بطلت فائدة الأقارير. قال الإمام: والخلاف منقاس، لكنه خرقٌ لما درج عليه الأولون. قال: (ولو أقامها بملك دابة أو شجرة ... لم يستحق ثمرة موجودة، ولا ولدًا منفصلًا).

وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا فِي الْأَصَحِ. وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحِجَّةٍ مُطْلَقَةٍ ... رَجِعَ عَلَى بَائِعَهُ بِالثَّمَنِ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويستحق حملًا في الأصح) تبعًا لها، كما لو اشتراها وهي حامل ... فإن الملك يثبت له على الحمل وإن لم يذكره حالة العقد. والثاني: لا؛ لاحتمال كونه لغيره بوصية، والمنقول الأول، وإنما الثاني احتمال للإمام فقط، والمراد: الحمل الموجود ثم عند الشهادة له بالأم، حتى لو انفصل الحمل بعد الشهادة وقبل التزكية ... كان للمدعي قياسًا على شراء الحامل. واحترز ب (الحمل) عن الولد المنفصل؛ فإنه لا يستحقه، وكذلك لو أقامها بملك شجرة ... لا يستحق ثمرتها. قال: (ولو اشترى شيئا فأخذ منه بحجة مطلقة) أي: ليست معترضة لملك سابق (... رجع على بائعه بالثمن)؛ لأن الأصل أن لا معاملة بين المشتري والمدعي ولا انتقال، فيستدام الملك المشهود به. واحترز بقوله: (مطلقة) عما لو أسندت الاستحقاق إلى حالة العقد فيرجع قطعًا، وعما لو أخذ منه بإقراراه بأنه ملك المدعي ... فلا يرجع على البائع بشيء. وموضع الخلاف إذا لم يصدقه المشتري، فإن صدقه ... لم يرجع على البائع قطعًا كما تقدم.

وقيل: لا، إلا إذا ادعى ملكا سابقا على الشراء. ولو ادعى ملكا مطلقا فشهدوا له مع سببه ... لم يضر، وإن ذكر سببا وهم سببا آخر ... ضر ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بقوله: (رجع على بائعه) إلى فرع حسن، وهو أن المشتري من المشتري إذا استحق الملك في يده ولم يظفر ببائعه هل له مطالبة البائع الأول؟ الأصح: لا، وبه أفتى القاضي حسين. قال: (وقيل: لا، إلا إذا ادعى ملكا سابقًا على الشراء)؛ وفاء بالأصل المذكور، لاحتمال انتقال الملك من المشتري إلى المدعي، وتكون المبايعة صحيحة، وهذا ينقل عن القاضي حسين. قال: (ولو ادعى ملكا مطلقًا فشهدوا له مع سببه ... لم يضر)؛ لأنها زيادة علم لكن لا تقدم هذه البينة بذكر السبب بناء على أن ذكر السبب مرجح؛ لأنهم ذكروا السبب قبل الدعوى به والإشهاد عليه. فإن أعاد دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك ... رجحت حينئذ. قال: (وإن ذكر سببًا وهم سببًا آخر ... ضر) فتبطل شهادتهم؛ لمناقضتها الدعوى. وقيل: لا يضر، بل تقبل على أصل الملك ويلغو السبب. تتمة: هذا نظير المرجح فيما إذا قال: له على ألف من ثمن عبد، فقال المقر له: لا، بل من ثمن دار ... فإنه لا يضر، ويحتمل الاختلاف في عين السبب، وفي الفرق عسر. ولو شهد شاهد بألف من ثمن مبيع وآخر بألف من قرض والدعوى مطلقة ... فقد سبق في (الإقرار) أنه لا يثبت بشهادتهما شيء، وقياس الوجه الثاني في كلام المصنف على ضعفه: ثبوت الألف.

فصل: قَالَ: آَجَرْتُكَ الْبَيْتُ بِعَشْرَة، فَقَالَ: بَلْ جَمِيعُ الْدَّارُ بِالْعَشْرَةِ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْن ... تَعَارَضَتَا، وَفِي قَوْلِ: يُقَّدِّمُ الْمُسْتَأجِرُ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: قال: آجرتك البيت بعشرة، فقال: بل جميع الدار بالعشرة، وأقاما بينتين ... تعارضتا)؛ لتكاذبهما، فتتساقطان على الصحيح، ويرجع إلى التحالف ثم ينفسخ العقد، أو يفسخ على ما سبق في بابه، وعلى القول بالاستعمال يقرع على الأصح، ولا تأتي القسمة والوقف على المشهور، أما القسمة ... فلأن التنازع هنا في العقد وهو لا يمكن أن يقسم، بخلاف الملك، وأما الوقف ... فلأن المنافع تفوت في مدة التوقف. وقال ابن سلمة: لا يقرع؛ لأن القرعة عند تساوي الجانبين، ولا تساوي؛ لأن جانب المكري أقوى بملك الرقبة. قال: (وفي قول: يقدم المستأجر)؛ لاشتمال بينته على زيادة، وهي اكتراء جميع الدار، فكان كما لو شهدت بينة بألف وبينة بألفين ... يثبت ألفان، وهذا من تخريج ابن سريج. فرع: اختلف المكري والمكتري في الرفوف، فإن كانت مسمرة ... فالقول قول المكري، وكذا حكم كل متصل كالأبواب والسلالم المسمرة وغيرها، وما لا يتصل بالدار من قماش ونحوه القول فيه قول المكتري كيده. وأما الرفوف والسلالم غير المسمرة ... فالعرف فيها مضطرب. قال ابن سريج: المنصوص: أنهما يتحالفان فيها وتكون بينهما. وقال: بعض الأصحاب: القول فيها قول المكتري مع يمينه؛ لأن الدار بيده بجميع ما فيها، وربما ينصب الساكن الرف بالمسمار، والعرف قاض بذلك.

وَلَوِ ادَّعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلَّ مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَوَزَنَ لَهً ثَمَنَهُ: فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُ ... حَكَمَ لِلْأَسْبَق، وَإِلَّا ... تَعَارَضَتَا. وَلَوْ قَالَ كُلَّ مِنْهُمَا: بَعَتْكَهُ بِكَذَا، وَأَقَامَاهُمَا: فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخَهُمَا ... تَعَارَضَتَا، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو ادعيا شيئا في يد ثالث، وأقام كل منهما بينة أنه اشتراه ووزن له ثمنه: فإن اختلف تاريخ) بأن شهدت عليه إحداهما أنه ابتاعه منه في رمضان وبينة الآخر أنه ابتاعه منه في شوال (... حكم للأسبق)؛ لزيادة العلم، ولأنه إذا باع من أحدهما ... لم يتمكن من البيع للآخر، فلو حصل منه إقرار لأحدهما ... سلمت إليه وفي حلفه للآخر خلاف، ولو أقام أحدهما بينة ... قضي له. قال: (وإلا ... تعارضتا)؛ لأن التاريخ لم يختلف، فإن قلنا بالسقوط ... استرد الثمن على الأصح إن لم تتعرض البينة لقبض المبيع، وإن تعرضت له ... فلا؛ لأن العقد استقر بالقبض، وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده، وإن قلنا بالاستعمال ... فالأشهر: لا يأتي الوقف، وتأتي القرعة والقسمة. ولم يفرقوا فيما إذا لم يختلف تاريخ البينتين بين أن يطلقا، أو يتحد تاريخهما، أو تطلق واحدة وتؤرخ أخرى، بل صرحوا بالتسوية، وشمل ذلك قول المصنف: (وإلا تعارضتا). قال: (ولو قال كل منهما: بعتكه بكذا، وأقاماهما: فإن اتحد تاريخهما ... تعارضتا) هذه المسألة غير التي قبلها، فتلك ادعى اثنان شراء ما في يده وكل يطالب به، وههنا ادعى اثنان بيع ما في يده منه، وكل يطالب بالثمن. وصورتها: دار في يد إنسان جاء اثنان فقال كل واحد منهما: ابتعت منك هذه الدار وكانت ملكي بكذا فأد الثمن، فإن أقر لهما ... طولب بالثمنين، وإن أقر لأحدهما ... طولب بالثمن الذي سماه وحلف للآخر، وإن أقر أنه ابتاعها منهما معًا ... لزمه لكل منهما نصف الثمن وحلف على الباقي، وإن أنكرهما ... حلف لكل منهما يمينًا واندفعا. وإن أقاما بينتين .. تعارضتا كما قال المصنف؛ لاستحالة كون الشيء الواحد ملكا في وقت واحد لهذا وحده، ولهذا وحده فعلى قول التساقط كأنه لا بينة، وعلى قول

وَإِنْ اخْتَلَفَ ... لَزِمَهُ الْثَّمَنَان، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا فٍي الْأَصَح ... ـــــــــــــــــــــــــــــ القرعة من خرجت له قضي لع بالثمن الذي شهد به شهوده، وللآخر تحليفه لا محالة؛ لأنه لو اعترف به بعد ذلك ... لزمه، وعلى القسمة لكل منهما نصف الثمن الذي سماه، وكأن الدار كانت لهما فباعاها بثمنين مختلفين أو متفقين. وفي مجيء قول الوقف الخلاف السابق، والظاهر مجيئه هنا، فلو لم تكن بينة ... حلف لهما يمينين، وإن أقام أحدهما بينة ... قضي له وحلف للآخر. قال: (وإن اختلف ... لزمه الثمنان)؛ لأن التنافي غير معلوم والجمع ممكن، لكن يشترط أن يكون بينهما زمان يمكن فيه العقد الأول، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني، ثم العقد الثاني، فإذا عين الشهود وقتًا لا يتأتى فيه ذلك ... لم يتصور لزوم الثمنين. قال: (وكذا لو أطلقتا أو إحداهما) أي: وأرخت الأخرى (في الأصح)، لإمكان الجمع. والثاني: أنهما كمتحدتي التاريخ؛ لأن الأصل براءة ذمة المشتري فلا يلزمه إلا اليقين. وصور الشافعي المسألة بما إذا قال كل واحد: إنه باعه الدار وهو مالك لها، وجرى عليه الأكثرون. وقضية إطلاق الكتاب وغيره أنه لا فرق في الحكم بين أن يذكر أنها ملكه وقت البيع أو لا، وهو ما حكاه أبو الفياض البصري في (تتمة الجامع الصغير) واستغربه الرافعي. فرع: شهد اثنان أنه باع من فلان ساعة كذا، وآخران أنه كان في تلك الساعة ساكتًا، أو شهد أنه قتل زيدًا ساعة كذا، وآخران أنه كان في تلك الساعة لا يتحرك ولا يعمل شيئا ... ففي قبول الشهادة الثانية خلاف للأصحاب؛ لأنها شهادة على النفي. قال المصنف: الأصح القبول؛ لأن النفي المحصور كالإثبات في إمكان الإحاطة

وَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْن مُسْلِمُ وَنَصْرَانِي فَقَالَ كُل مِنْهُمَا: مَاتَ عَلَى دِينِي: فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيَّا ... صَدَقَ الْنَّصْرَانِي، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْن مُطْلَقَتَيْن ... قَدَّمَ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ قُيِّدَتْ أَنْ آَخِر كَلَامَهُ إِسْلَام وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى ... تَعَارَضَتَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ دِينَهُ وَأَقَامَ كُلَّ بَيِّنَة أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِه ... تَعَارَضَتَا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ به، ويوافقه قول الرافعي في آخر (الطلاق): إنه لو رأى ذهبًا فحلف بالطلاق أنه الذهب الذي أخذه من فلان فشهد شاهدان أنه ليس ذلك الذهب ... وقع الطلاق على ظاهر المذهب وإن كانت هذه شهادة على النفي، لأنه نفي يحيط العلم به. فرع: قامت بينة أن هذا ابن زيد، لا يعرف له وارث سواه، وبينة أن هذا ابنه، لا يعرف له وارث سواه ... ثبت نسبهما، ولعل كل واحدة أطلقت علم ما لم تطلع عليه الأخرى. قال: (ولو مات عن ابنين مسلم ونصراني فقال كل منهما: مات على ديني: فإن عرف أنه كان نصرانيًا ... صدق النصراني) أي: مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء الكفر والمسلم يدعي النتقالًا الأصل عدمه. قال: (فإن أقاما بينتين مطلقتين ... قدم المسلم)؛ لأن مع بينته زيادة علم، وهو انتقاله من النصرانية إلى الإسلام، والأخرى استصحبت الأصل، والناقة أولى من المستصحبة. قال: (وإن قيدت أن آخر كلامه إسلام وعكسته الأخرى ... تعارضتا)؛ لاستحالة موته مسلمًا نصرانيًا، وتصير كأن لا بينة فيصدق النصراني بيمينه؛ لأن الظاهر معه. ونقل شريح الروياني عن جده وجهًا ضعيفًا: أنه يصير مسلمًا لحكم الدار. وإن قلنا بالاستعمال ... فعلى قول الوقف: توقف؛ لأن المدعى مال، وعلى قول القرعة: من خرجت له ... فله التركة، وعلى قول القسمة: تجعل بينهما نصفين كغير الإرث. قال: (وإن لم يعرف دينه وأقام كل بينة أنه مات على دينه ... تعارضتا)، سواء أطلقتا أم قيدتا باللفظ عند الموت، لاستحالة إعمالهما، أما إذا لم تكن بينة، فإن كان

وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ المُسْلمُ: أَسْلَمْتُ بضعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا، وَقَالَ النَصْرَانِيُّ: بَلْ قَبْلَهُ .. صُدِّقَ المُسْلِمُ بشيَمِنِهِ، وَإِنْ أَقَامَاهُمَا .. قُدِّمَ النَصْرَانِيُّ، فَلَوْ اتَفَقَا عَلَى إسْلَام الابْنِ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ المُسْلِمُ: مَاتَ الأَبُ فِي شَعْبَانَ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: فِي شَوَّالِ .. صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، ...... ـــــــــــــــــــــــــــــ المال في يد غيرهما .. فالقول قوله، وإن كان في يدهما .. حلف كل لصاحبه وجعل بينهما، وكذا لو كان في يد أحدهما في الأصح. وتقدم في (الجنائز): أن الميت يغسل ويصلى عليه في هذه المسائل، وتنوى الصلاة عليه إن كان مسلمًا، وكذا يقيد الدعاء بذلك. ويشترط في بيئته أن يفسر كلمة التنصر بما يختص به كثالث ثلاثة ونحوها، وهل يجب التفسير في بينة المسلم؟ وجهان. قال: (ولو مات نصراني عن ابنين مسلم ونصراني فقال المسلم: أسلمت بعد موته .. فالميراث بيننا، وقال النصراني: بل قبله) أي: فلا ميراث لك (.. صدق المسلم بيمينه)؛ لأن الأصل بقاؤه على دينه، فيحلف ويشتركان في المال، وإن أقام بينة .. قضي بها. هذا إن لم يتعرض لتاريخ موت الأب وإسلام الابن، بل أطلقا ذلك أو اتفقا على وقت موت الأب كرمضان، وقال المسلم: أسلمت في شوال، وقال أخوه: بل في شعبان؛ لأن الأصل بقاؤه على دينه فيشتركان. نعم؛ لو شهدت بينة المسلم بأنهم سمعوا منه النصرانية إلى نصف شوال مثلًا .. تعارضتا. قال: (وإن أقاماهما .. قدم النصراني)؛ لما مع بينته من زيادة العلم، لأنها ناقلة من النصرانية إلى الإسلام، وتلك ميتصحبة ولا فرق – كما قاله في (المحرر) ويره – بين كون هذا التاريخ مع الاتفاق على تايخ موت الأب أو دونه. قال: (فلو اتفقا على إسلام الإبن في رمضان، وقال المسلم: مات الأب في شعبان، وال النصراني في شوال .. صدق انصراني)؛ لأن الأصل بقاء الحياة.

وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ المُسلِمِ عَلَى بَيَّنَتِهِ. وَلَو مَاتَ عَن أَبَوَينِ كَافِرَينِ وَابنَينِ مُمسلِمَينِ فَقَالَ كُلُّ: مَاتَ عَلَى دِينِنَا .. صُدِّقَ الَأَبَوَانِ بِاليَمِينِ, وَفِي قَولٍ: يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَو يَصطَلِحُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وتقدم بينة المسلم على بينته)؛ لأنها نقلت من الحياة إلى الموت في شعبان, وتلك استصحبت, فمع الأولى زيادة علم. واعترض الإمام على الأصحاب بأن بينة النصراني أثبتت الحياة في شعبان؛ لأنها تشهد على الموت في شوال, والموت إنما يكون بعد الحياة, والحياة صفة ثابتة يشهد عليها كالموت, فيحكم بتعارضهما وجريان أقوال التعارض. وأجاب الرافعي بأن هذا الكلام لا اختصاص له بهذه الحالة, بل يمكن أن يقال في الحالين السابقين. واقتصر في (الشرح الصغبر) على موافقة الإمام, ولم يذكر بحثه معه. قال: (ولو مات عن أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال كل: مات على ديننا .. صدق الأبوان باليمين)؛ لأن الولد محكوم بكفره في الابتداء تبعًا للأبوين فيستصحب حتى يعلم خلافه. قال: (وفي قول: يوقف حتى يتبين أو يصطلحوا)؛ لأن التبعية نزول بالبلوغ وحصول الاستقلال. وقيل: القول قول الابنين؛ لظاهر الدار. قال في زوائد (الروضة): قول الوقف أرجح دليلًا, لكن الأصح عند الأصحاب الأول, وأنكروا على صاحب (التنبيه) ترجيحه قول الابنين, وهو ظاهر الفساد. اهـ وكأنه قلد ابن يونس في ذلك, والذي في (ابن الخل) لفظ الأبوين, وهو أعلم (بالتنبيه) من ابن يونس, وكذا ذكره جميع العراقيين لكن بلا ترجيح, وبالجملة نسخ (التنبيه) مختلفة. تنبيهان: أحدهما: قال ابن الرفعة: محل ما ذكرناه إذا كان الولدان بالغين ولم تكن أمهما

وَلَو شَهِدَت أَنَّهُ أَعتَقَ فِي مَرَضِهِ سَالِمًا, وأُخرَى غَانِمًا, وكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ: فَإنِ اختَلَفَ تَارِيخٌ .. قُدِّمَ الأَسبَقُ, وَإن اتَّحَدَ .. أُقرِعَ, وَإن أَطَلَقَتَا .. قِيلَ: يُقرَعُ, وَقِيلَ: فِي قَولٍ: يُعتَقُ مِن كُلَّ نِصفُهُ. قُلتُ: المَذهَبُ: يَعتِقُ مِن كُلُّ نِصفُهُ, واللهُ أَعلَمُ. وَلَو شَهِدَ أَجنَبِيَّانِ أنَّهُ أوصَى بِعِتقِ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلَثُهُ, وَوَارِثَانِ حَائِزَانِ أنَّهُ رَجَعَ عَن ذَلِكَ وَوَصَّى بِعِتقِ غَانِمِ وَهُوَ ثُلَثُهُ .. ثَبَتَت لِغَانِم, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ كافرة, فإن كانا صغيرين وأمهما كافرة وقامت بينة بإسلامها أو أقر الجدان بذلك .. فإنه يحكم بموته مسلمًا, وتكون الدعوى من الناظر في مالهما كما قاله في (المرشد). الثاني: لو انعكس الحال فكان الأبوان مسلمين والابنان كافرين, فإن لم يعرف للأبوين كفر قبل الإسلام .. حكم بالإسلام ولديهما ولا يمين عليهما والميراث لهما, وإن علم كفر الأبوين قبل الإسلام .. قال الماوردي: فيجوز أن يولد قبل إسلامهما فيحكم بكفره قبل بلوغه, ويجوز أن يولد بعده فيكون قبل البلوغ مسلمًا. قال: (ولو شهدت أنه أعتق في مرضه سالمًا, وأخرى غانمًا, وكل واحد ثلث ماله: فإن اختلف تاريخ .. قدم الأسبق)؛ لأن التصرفات المنجزة في مرض الموت يقدم فيها الأسبق فالأسبق, ولأن معها زيادة علم. قال: (وإن اتحد .. أقرع)؛ لعدم المرجح. قال: (وإن أطلقنا .. قيل: يقرع)؛ لاحتمال المعية والترتيب. قال: (وقيل: في قول: يعتق من كل نصفه)؛ لأنا لو قرعنا .. لم نأمن أن يخرج تارق على السابق, وله وللسابق حق الحرية, فيلزم منه إرقاق حر وتحرير رقيق, فلذلك اختاره المصنف فقال: (قلت: المذهب: يعتق من كل نصفه والله أعلم) وعبارة (المحرر): ورجح كلًا طائفة من الأصحاب. قال: (ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلثه, ووارثان حائزان أنه رجع عن ذلك ووصى بعتق غانم وهو ثلثه .. ثبتت) أي: الوصية الثانية (لغانم) فتقبل

فَإِن كَانَ الوَارِثَانِ فَاسِقَينِ .. لَم يَثبُتِ الرُّجُوعُ فَيَعتِقُ سَالِمٌ وَمِن غَانِمِ ثُلُثُ مَالِهِ بَعدَ سَالٍم ـــــــــــــــــــــــــــــ شهادة الوارث في الرجوع وفي الوصية الثانية؛ لأنهما أثبتا للرجوع بدلًا لا يساويه فلا تهمة, ولا نظر إلى تبديل الولاء وكون الثاني أهدى لجمع المال الذي يورث عنه؛ فإن مجرد هذا الاحتمال لو ردت الشهادة به .. لما قبلت شهادة قريب لقريب. وعن أبي حنيفة ومالك: لا تقبل شهادتهما على الرجوع بذلك, بل يعتق العبدان معًا. تنبيه: قوله هنا: (حائزان) لا فائدة له؛ فإن الحكم كذلك وإن لم يكونا حائزين, بل ولا وارثين, وإنما ذكره المصنف توطئة للمسألة التي بعده فإنه قيد فيها. قال: (فإن كان الوارثان فاسقين .. لم يثبت الرجوع فيعتق سالم) بشهادة الأجنبيين؛ لأن الثلث يحتمله ولم يثبت الرجوع فيه. قال: (ومن غانم ثلث ماله بعد سالم) أي: ويعتق من غانم قدر ما يحتمله ثلث الباقي بعد سالم من الثلثين, وكأن سالمًا هلك أو غصب من التركة. ولو قال الوارثان: أوصى بعتق غانم, ولم يتعرضا للرجوع عن سالم .. فالمذهب: القرعة, وقيل: قولان: ثانيهما القسمة. ولو كانت المسألة بحالها لكن سالم سدس المال .. فالوارثان متهمان برد العتق من الثلث إلى السدس, فلا تقبل شهادتهما بالرجوع في النصف الذي لم يثبتا له بدلًا, وفي الباقي الخلاف في تبعيض الشهادة, فإن قلنا: لا تبعض –وهو الذي أجاب به الشافعي في هذه المسألة- ردت شهادتهما فيه أيضًا, ويعتق العبدان الأول بشهادة الأجانب والثاني بإقرار الورثة, فإن لم يكونا حائزين .. عتق منه بقدر ما يستحقانه, وإن قلنا: تبعض .. عتق نصف الأول وكل الثاني. كل هذا لم يكن في التركة وصية أخرى, فإن كان أوصى بثلث ماله لرجل آخر وقامت البينتان لسالم وغانم كما ذكرنا .. قبلت شهادة الورثة بالرجوع عن وصية سالم؛

فَصلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ لا تهمة في الرجوع, فيجعل الثلث أثلاثًا بين الموصى له بالثلث وعتق سالم, فيعطى الموصى له ثلث الثلث, ويعتق من سالم ثلثاه وهو ثلث الثلث. تتمة: قال الشافعي: إ1ااختلف الزوجان في متاع البيت, فمن أقام البينة على شبء من ذلك .. فهو له, ومن لم يقم بينة .. فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه: أن هذا المتاع في أي\يهما معًا, فيحلف كل منهما لصاحبه على دعواه؛ فإن حلفا جميعًا .. فهو نصف بينهما نصفين. وإن حلف أحدهما دون الآخر .. قضي للحالف, وسواء اختلفا مع دوام النكاح أم بعد التفرق, واختلاف مرثتهما كهما, وكذلك أحدهما ووارث الآخر, وسواء ما يصلح للزوج كالسيف والمنكقة أو للزوجة كالحلي والغزل, أو لهما كالدرهم والدنانير, أو ملا يصلح لهما كالمصحف وهما أميان والنبل وتاج الملوك وهما عاميان. وقال أبو حنيفة: إن كان في يديهما حسًا .. فهو لهما, وإن كان في يديهما حكمًا, فما يصح للرجل .. فللزوج, أو لا ... فلها, والذي يصلح لهما .. لهما, وعن أحمد ومالك قريب من ذلك. احتج الشافعي بأن الرجل قد يملك متاع المرأة والمرأة متاع الرجل؛ إذ لو استعملت الظنون .. لحكم في دباغ وعطار تداعيا عطرًا ودباغًا في أيديهما أن يكون لكل ما يصلح له, وفيما إذا تنازع موسور ومعسر في لؤلؤ أن نجعله للموسر, ولا يجوز الحكم بالظنون. قال: (فصل): ترجمه في (المحرر) ب (كتاب إلحاق القائف) وهو في اللغة: متبع الثار, والجمع قافة كبائع وبائعة. والأصل فيه: حديث عائشة الثابت في (الصحيحين) [خ 6771 _ م 1459/ 39] قالت:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور فقال: (أي عائشة؛ ألم تري أن مجززًا المدجلي دخل فرأى أسامة بن زيد وزيدَا عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض). قيل: سمي مجززًا لأنه إذا أخذ أسيرًا جز ناصيته, قال أبو داوود [2261]: وكان أسامة أسود وزيد أبيض. وروى ابن سعد: أن أسامة كان أحمر أشقر وزيد مثل الليل الأسود. وفي (الرافعي): أن زيدًا كان بين البياض والسواد. وقال الشافعي: فلو لم تكن القيافة علمًا ولها اعتبار وعليها اعتماد .. لمنعه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يقر على خأ, ولا يسر إلا بالحق. وروى مالك [2/ 740]: أن عمر دعا قائفين في رجلين تداعيا مولودًا. وشك أنس في مولود له فدعا له قائفًا, رواه الشافعي [1/ 330] , ويقول لنا مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا اعتبار بقول القائف. وفي (عجائب المخلوقات) و (الرافعيط وغيرهما عن بعض التجار: أنه ورث من أبيه مملوكًا أسود شبخًا, قال: فكنت في بعض أسفاري راكبًا على بعير والمملوك يقوده, فاجتاز بنا رجل من بني مدلج, فأمعن فينا نظره ثم قال: ما أشبه الراكب بالقائد, قال: فرجعت إلى أمي فأخبرتها بذلك فقالت: صدق, إن زوجي كان شيخًا كبيرًا ذا مال ولم يكن له ولد, فزوجني بهذا المملوك فولدتك, ثم نكحني واستلحقك. وإنما ذكر المدجلي الأقدام لأنها ما يظهر به الشبه, قال القاضي أبو الطيب:

شَرطُ القَائِفِ: مُسلِمٌ, عَدلٌ, مُجَرِّبٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أنشدني بعض النسابة لبعض العرب [من الرجز]: قد زعموا أني أحب مطرفا .... بلى ورب البيت حبًا مشرفا يعرفه من قاف أو تقوفا .... في القدمين واليدين والقفا وطرف أذنيه إذا تشوفا وكانت العرب تحكم بالقافة وتفخر بها وتعدها من أشرف علومها وهي الفراسة غرائز في الطباع, يعان بها المجبول عليها, ويعجز المصروف عنها. قال: 0شرط القائف: مسلم, عدل) فلا يقبل الكافر والفاسق؛ لأنه حاكم أو قاسم. وشرط في (المحرر) البلوغ والعقل, فاستغنى المصنف عنهما بوصف العدالة. ولا تكفي الظاهرة, بل لابد من أهلية الشهادة, وهي أعم من مطلق العدالة؛ لشمول النطق والبصر وانتفاء العداوة والولادة. وكان الصواب أن يقول: إسلام , وكذا ما بعده فيأتي بالمصدر, ولهذا قال في (المحرر): أن يكون مسلمًا, وهو أحسن. قال: (مجرب) لما روى الترمذي [2033] وقال: حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حكيم إلا ذو تجربة). كما لا يولى القضاء إلا بعد معرفة علمه بالأحكام, فلو ادعى علمه بها .. لم يقبل حتى يجرب (. وفسر في (المحرر) التجربة بأن يعرض عليه الولد في نسوة ليس فيهن أمه ثم مرة أخرى ثم مرة أخرى كذلك, ثم مرة أخرى في نسوة فيهن أمه , فإن أصاب في الجميع .. فهو مجرب؛ لأنه يجوز أن يصيب في الأولى اتفاقًا وفي الثانية ظنًا وفي الثالثة يقينًا, والعجب من المصنف كيف حذف هذا الحكم, وفيه وجهان:

وَالأَصَحُّ: اشتِرطُ حُرٍّ ذَكَرٍ, لاَ عَدَدٍ وَلَا كَونِهِ مُدلِجِليًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: لا بد من التجربة ثلاثًا, وهو المحكي في (الشرح) عن الشيخ أبي حاد وأتباعخ. والثاني: كرة, ونقله في (الذخائر) عن ظاهرة الأحاب. وتوسط الإمام فاعتبر غلبة الظن به عن خبرة لا عن اتفاق, وهو نظير ما تقدم في جارحة الصيد. وأما العرض مع أمه .. فهذا من جهة الأولوية؛ فإن الأصح أنه لا يختص بها, بل يجوز مع الأب, وعند فقده مع أحد العصبات والقرابات. وعلم من قوله: (مجرب) أنه يشترط أن يكون بصيرًا ناطقًا, وهو كذلك. و (المجرب) بفتح الراء, قال الجوهري: هكذا تكلمت به العرب, وهو الذي جربته الأمور وأحكمته. وقال ابن سيدةه: المجرب: الذي اختبر ما عنده. قال: (والأصح: اشتراط حر ذكر) كالقاضي. والثاني: يجوز الرجوع إلى العبد والمرأة كالفتوى, وقيل: تشترط الحرية دون الذكورة, ونسبه في (الذخائر) إلى القاضي أبي الطيب, وإنما أعاد المصنف الحرية مع فهمها من العدالة لأجل الخلاف فيها. قال: (لا عدد) فيكفي قول الواحد كالقاضي والقاسم, ويدل له الحديث المتقدم. والثاني: لا بد من اثنين كما في التزكية والتقويم. قال: (ولا كونه مجدليًا) بل يجوز كونه من سائر العرب والعجم؛ لأن القيافة نوع من العلم, فمن تعلمه .. عمل بعلمه. وفي (سنن البيهقي) [10/ 264]: أن عمر كان قافئًا يقوف. والثاني: يشترط؛ لأن الصحابة رجعوا إلى بني مدلج دون سائر العرب, وقد يخص الله تعالى جماعة بنوع من الفضائل كما خص قريشًا بالإمامة, وصصح هذا الإمام والغزالي وبعض المراوزة.

وَإذَا تَدَاعَيَا مَجهُولًا .. عُرِضَ عَلَيهِ, وَكَذَا لَوِ اشتَرَكَا فِي وَطءٍ فَوَلَدَت مُمكِنًا مِنهُمَا وَتَنَازَعَاه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: يعرض الولد على القافة بعد موته على الأصح ما لم يتغير, قال البغوي: ولا يعرض بعد الدفن؛ لما في النبش من الهتك. قال في (المطلب): وإطلاق غيره يحمل على تقييده, ولو ألقت سقطًا مخططًا .. عرض على القافة. قال: (وإذا تداعيا مجهولًا .. عرض عليه) , سواء كان لقيطًا أو غيره, والمجنون البالغ كالطفل. وأطلق المصنف والرافعي العرض من غير فرق بين أن تكون لأحدهما عليه يد أو لا, والأشبه: تفصيل ذكره في (اللقيط) , وهو: أنه إن كان في يد عن التقاط .. لم يقر, وإن لم يكن عن التقاط .. قدم صاحب اليد. لكن ظاهر عبارته: أن تداعيهما شرط للعرض, وليس كذلك, بل إذا ادعاه أحدهما والآخر ساكت أو منكر .. كان الحكم كذلك؛ لأن الولد صاحب حق في النسب, فلا يسقط حقه بإنكار الغير, وكذلك لو أنكراه معًا, وسواء كان الولد صغيرًا أم بالغًا, وقيل: لا يرجع إلى القافة بعد بلوغه. قال: (وكذا لو اشتركا في وطء فولدت ممكنًا منهما وتنازعاه) أي: ولم تتخلل بين الوطأين حيضة كما سيأتي, فيعرض على القافة. وعند أبي حنيفة: يلحق الولد بهما أو بهم, ولا اعتبار بقول القاف. واحتج الأصحاب لاعتبار قول القاف بما تقدم , وبقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ} , فلو كان له أبوان .. لكان له قلب إلى كل منهما. وبأن الولد لا ينعقد من ماء شخصين؛ لا بد وأن يكون على التعاقب, وإذا اجتمع ماء الأول مع ماء المرأة وانعقد الولد منه .. حصلت عليه غشاوة تمنع اختلاط ماء الثاني بذلك.

بِأَن وَطئِاَ بِشُبهَةٍ أَو مُشتَرَكَةً لَهُمَا, أو وَطِىءَ زَوجَتَهُ وَطلَّقَ فَوطِئَهَا آخَرُ بِشُبهَةٍ أَو نِكَاحٍ فَاسِدٍ, أَو أَمَتَهُ فَبَاعَهَا فَوَطِئَهَا المُشتَرِي ولَم يَستَبرِئ وَاحِدٌ مِنهُمَا, [وَكَذَا لَو وَطِءَ مَنكُوحَةً فِي الأَصَحِّ] , ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيضًا فإنه لو تداعى الولد مسلم وكافر أو حر وعبد .. لا يلحق بهما بالاتفاق, فكذلك إذا تداعاه مسلمان. وقال إسحاق بن راهوية: السنة: الإقراع في دعوى الولد؛ لما روى الشافعي [7/ 177] وأحمد [4/ 374] وأبو داوود [2263] والنسائي [6/ 183]: وابن ماجه [2348] والبيهقي [10/ 267] عن زيد بن أرقم أنه قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم, فجاء رجل من اليمن فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليًا يختصمون إليه في أنهم ةقعوا على امرأة في طهر واحد, فسأل كلًا منهم أن يطيب بالولد لغيره فأبى, فقال: أنتم شركاء متشاكسون, إني مقرع بينكم, فمن قرع .. فله الولد, ثم أقرع بينهم فجعله لمن قرع, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: (القضاء ما قضى علي). وكان الشافعي يقول بهذا في القديم ثم رجع عنه, والحديث ضعفه البخاري, وقيل لأحمد: ما تقول فيه؟ قال: حديث القافة أحب إلي منه. قال: (بأن وطئًا بشبهة) أشار بهذا إلى أن الاشتراك في الوطء على الوجه المذكور يعرض من وجوه: منها: أن يطأها كل منهما بالشبهة كما إذا ظنها زوجته أو أمته. فلو كانت في نكاح صحيح فوطئها بشبهة .. فوجهان: أصحهما: أنه يعرض عليه أيضًا, وقيل: يلحق بازوج؛ لقوة الفراش. قال: (أو مشتركة لهما, أو وطء زوجته وطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد, أو أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرئ واحد منهما [وكذا لو وطء منكوحة في الأصح])؛ لأن هذه مواضع الاشتباه, فإذا ولدت ولدًا من الواطئين لزمن الإمكان .. عرض عليه.

فَإِذَا وَلَدَت لِمَا بَينَ سِتَّةِ أشهُرٍ وَأربَعٍ سِنِينَ مِن وَطأَيهِمَا وَادَّعَيَاهُ .. عُرِضَ عَلَيهِ, فَإِن تَخَلَّلَ بَينَ وَطأَيهِمَا حَيضَةٌ .. فَلِلثَّانِي, إلَّا أَن يَكُونَ الأَوَّلُ زَوجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيهان: أحدهما: (المحرر) قيد النكاح بالصحيح, وحذفه المصنف؛ بناء على أن ألفاظ العقود تنزل على الصحيح, لكن يعكر عليه التقييد بالصحة في الصورة الآتية, ولو قيد هنا وأطلق هناك .. كان أولى؛ لإمكان الإجابة عليه, أو يطلق فيهما؛ حملا للفظ على الصحيح. الثاني: أن ذلك لا يثبت إلا بالبينة على الوطء, ولا يكفي اتفاق الزوجين والواطئ عليه؛ لأن المولود حقًا في النسب, واتفاقهما ليس بحجة عليه. فإذا قامت البينة .. عرض على القائف, كذا قاله الرافعي هنا, وكلامه في (كتاب اللعان) يقتضي الاكتفاء بالاتفاق. فإن كان المدعى نسبه بالغًا واعترف بجريان وطء الشبهة .. وجب أن يغني عن البينة, وحينئذ فيجب تقييد كلام المصنف ببينة الوطء أو تصديق الولد المكلف. قال: (فإذا ولدت) أي: الموطوءة في طهر واحد (لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطأيهما وادعياه .. عرض عليه) أي: على القائف؛ لإمكان أن يكون منهما, وتداعياتهما ليس بشرط كما تقدم. قال: (فإن تخلل بين وطأيهما حيضة .. فللثاني)؛ لأن الحيض أمارة ظاهرة على البراءة عن الأول فيقطع تعلقه عنه, وإذا انقطع الأول .. تعين الثاني؛ لأن فراشه لم ينقطع بعد, ولا فرق بين أن يدعيه الأول أم لا. قال: (إلا أن يكون الأول زوجًا في النكاح صحيح) أي: والثاني بشبهة أو نكاح فاسد .. فلا يتعين للثاني, بل يكون كما لو تخللت الحيضة؛ لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء, والإمكان حاصل بعد الحيضة, بخلاف ملك اليمين؛ فإنه لا يثبت فراشًا. واحتراز ب (الصحيح) عما لو كان الأول زوجًا يناكح فاسد .. فالأصح أنه للثاني.

وَسَواءُ فِيهِمَا أَتَفَقَا إِسلاَمًا وَحُرِيَّةً أَم لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وسواء فيهما أتفقا إسلامًا وحرية أم لا) كما سبق في (اللقيط) , فالمصنف ذكر المسألة هناك. وتقدم حكم ما إذا لم يكن قائف, أو كان وتحير, أو نفاه عنهما, أو ألحقه بهما. تتمة: قال القاضي حسين: إذا قال القائف: الولد لفلان قبل أن يقول له القاضي: ألحق الولد بأحدهما .. لا يكون شيئًا, ولا بد من تنفيذ القاضي قول القائف إلا أن يكون في البلد قائف نصبه القاضي حكمًا, فلا يحتاج أن يقول: نفذت قوله. ونفقة الوالد إلى أن يعرض على القائف وفي مدة التوقف إلى الانتساب عليهما, فإذا التحق بأحدهما .. رجع الآخر إليه بما أنفق إن كان أنفق بإذن الحاكم على المشهور. ولو استلحق رجل صبيًا محهولًا, فلما باغ .. أنكر كونه ابنه .. ففي قبوله قولان كالقولين فيمن حكم بإسلامه تبعًا لأصله ثم بلغ وكفر, هل يقر؟ والأصح: لا يقر ولا ينقطع اللحوق هنا. خاتمة إذا ألحقه قائف بأحدهما بالأمارة الظاهرو, فآخر بالأمارة الخفية كالخلق وتشاكل الأعضاء فأيهما أولى؟ وجهان: رجح الشيخان الثاني؛ لأن فيه زيادة حذق وبصيرة, وجزم الماوردي بالأول. ويحتمل أن يقال: يعرض على ثالث, فإذا وافق أحدهما .. عمل به كما قيل بمثله في اختلاف جواب المفتيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو ادعاه مسلم وذمي وأقام أحدهما بينة .. تبعه نسبًا ودينًا, وإن ألحقه القائف بالذمي .. تبعه نسبًا لا دينًا, ولا تحصل حضانته للذمي. ولو ادعاه حر وعبد فألحقه القائف بالعبد .. ثبت النسب وكان حرًا؛ لاحتمال أنه ولد من حرة , كذا قاله الشيخان وغيرهما, وهذا فيما يلحقه العبد بنفسه. فلو تداعيا عمومة المجهول أو أخوته .. فدعوة الحر أولى, قاله الجويني وغيره؛ لأن العبد وإن كان مقبول القول على نفسه في الإلحاق فلا يجوز قبول قوله في إلحاق المجهول بأبيه أو بجده, والله أعلم.

كتاب العتق

كتاب العتق

كتاب العتق ـ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب العتق هو: إسقاط الملك عن الآدمي تقربًا إلى الله تعالى, وأصله من عتق الفرس إذا سبق, وعتق الفرخ إذا طار واستقل؛ لأن العبد به يخلص من أسر الرق. وخرج بالآدمي: الطير والبهائم, فلا يصح عتقها على الأصح, ويحتج لمقابله بم روى أبو نعيم عن أبي الدرداء أنه كان يشتري العصافير من الصبيان ويرسلها. قال ابن الصلاح: والخلاف فيما يملك باصطياد, أما البهائم الإنسية فإعتاقها من قبيل سوائب الجاهلية, وذلك باطل قطعًا. ولا يرد الوقف؛ لأنه نقل ملك إلى الله تعالى لا إسقاط, ولهذا يضمن بالقيمة فدل على بقاء الملك فيه. فإن قيل: ذكر الأصحاب أن عتق الكافر ليس بقربة .. فالجواب: أن الكافر قصد القربة وإن لم يصح له ما قصد, وإنما يكون العتق قربة إذا تنجز, أما تعلقه .. فلا, قاله الرافعي في (كتاب الصداق) , بخلاف التدبير. والأصل فيه: قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} , وفي غير موضع: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}. وفي (الصحيحين ([خ 2517 _ م 1509/ 24] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق رقبة مؤمنة .. كانت فداءه من النار). وخصت الرقبة بالذكر؛ لأن ملك السيد للرقيق كالغل في رقبته, فهو محتبس به كما تحتبس الدابة بحبل في عنقها, فإذا أعتق .. أطلق من ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا أعتق جماعة عبدًا مشتركًا حصل لكل منهم ثواب كامل؛ لما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم: (عتق النسمة أن ينفرد بعتقها, وفك الرقبة أن يعين في عتقها (صححه الحاكم [2/ 217]. والإجماع منعقد على صحته, وعتق العبد الصالح والقريب والمكدود وابذكر أفضل. فائدة: عاش النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين سنة, ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثًا وستين بدنة, وأعتق ثلاثًا وستين نسمة. فالذكور: أسلم, وأفلح, وأنجشة, وأيمن, وأنسة, وباذام, وبدر, وثوبان, وحاتم, وحنين, ودوس, ورافع, ورويفع, ورباح, وزيد جد هلال بن يسار بن زيد, وسابق, وسالم, وسعد, وسعيد, وسفينة , وسلمان, وسندرة, وشقران, وسمعون, وضميرة, وطهمان, وعمرون, وغيلان, وقفير, وكريب, وكركرة, ومابورا القبطي, ومكحول, ومدعم, ونبيه, ونفيع بن الحارث أبو بكرة, وهرمز, وهلال, وواقد, ووردان, ويسار, وأبو أثيلة, وأبو البشير, وأبو الحمراء, وأبو رافع, وأبو سلمى, وأبو صفية, وأبو ضميرة, وأبو عبيد, وأبو قيلة, وأبو كبشة, وأبو لقيط, وأبو مويهبة, وأبو هند. والإناث: سلمى أم رافع, وبركة أم أيمن, وميمونة بنت سعد, وخضرة, ورضوى, وأميمة, وريحانة, ورزينة, وركانة.

إِنَّمَا يَصِحُّ مِن مُطلَقِ التَّصَرُّفِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعتقت عائشة سبعًا وستين, وعاشت كذلك, وأعتق أبو بكر كثيرًا, واعتق العباس سبعين عبدًا, رواه الحاكم. وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين عبدًا, وأعتق حكيم بن حزام مئة مطوقين بالفضة. وأعتق عبد الله بن عمر ألفًا, واعتمر ألف عمرة, وحج ستين حجة, وحبس ألف فرس في سبيل الله. وأعتق ذو الكلاع الحميري في يوم واحد ثمانية آلاف عبد. وأعتق عبد الرحمن بن عوف ثلاثين ألف نسمة, وروى الحاكم [3/ 311] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم؛ اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة). قال: (إنما يصح من مطلق التصرف) فلا يصح من الصبي والمجنون؛ لعدم أهليتهما, ولما فيه من ضياع المال. وحكى الماوردي في (كتاب الوصية) وجهًا: أن إعتاق المميز ينفذ في مرض الموت إذا قلنا: تصح وصيته, والمذهب النع؛ لأن الوصية يقدر على الرجوع فيها. وشملت عبارته المسلم وغيره وإن لم يكن منه قربة كما تقدم, لكن تستثنى وصية السفيه بالعتق؛ فإنه يصح على المذهب, والمشترى قبل القبض يصح إعتاقه مع أنه ليس بمطلق التصرف. وكذلك الوارث يصح إعتاقه رقبة العبد الموصى بمنفعته وهو غير تام الملك فيه كما قاله الرافعي في (باب الوصية) , ولو يكتف في (الروضة) بإطلاق التصرف, بل ضم إليه: أن لا يصادف إعتاقه تعلق حق لازم لغيره؛ ليخرج الواقف والموقوف عليه إن قلنا: الملك له, وكذلك الراهن ومالك العبد المتعلق برقبته أرش جناية إذا كان

وَيَصِحُّ تَعلِيقُهُ وَإضَاَفتُهُ إِلَى جُزءٍ فَيَعتِقُ كُلُّهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ معسرًا على الأصح؛ لما فيه من تفويت الحق بغير بدل, بخلاف ما إذا كان موسورًا. ولا بد أن يكون أهلًا للولاء, فلا يصح من المبعض, ولهذا لا يكفر بالعتق, وكذلك عتق المكاتب نفسه بإذن على الأصح؛ لآستعقابه الولاء وليس من أهله؛ ولا بد أيضًا من قيد عدم الإكراه بغير حق, ويتصور الإكراه بحق في البيع بشرط العتق. قال: (ويصح تعليقه) بالصفات أي: المحققة الوقوع وغيرها قياسًا على التدبير؛ لما فيه من التوسعة لتحصل القربة, لكن يستثنى من إطلاقه المسجد؛ فإن وقفه تحرير كما صرح به الرافعي هناك, ومع ذلك لا يجوز فيه التعليق على الصحيح. وكلام المصنف يقتضي: أن العتق لا يفسد بالشروط الفاسدة, بخلاف الوقف, وبه صرح القفال, واقتضى كلام الإمام وغيره القطع به, لكن مقتضى كلام الرافعي في الوقف أنه يفسد بذلك, وهو غلايب. قال: (وإضافته إلى جزء فيعتق كله) , سواء كان معنيًا أو شائعًا؛ تشوفًا للتكميل, وسواء كان من الموسر أو المعسر إذا كان باقية له؛ لما روى أحمد [2/ 347] وأبو داوود /3929] والنسائي [سك 4951] عن أبي المليح عن أبيه: لأن رجلاظص أعتق شقصًا من غلام, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز عتقه وقال: (ليس لله شريك). وصح عن ابن عباس: أن رجلًا سأله عمن قال لخادمه: فرجك حر, قال: (هي حرة أعتق فيها قليلًا أو كثيرًا). قال ابن حزم: ولا يعرف له مخالف من الصحابة إذا كان باقية له, فإن كان لغيره .. فسيذكره المصنف. وفي كيفية عتقه إذا أضيف العتق إلى جزء شائع وجهان: أحدهما: يقع على الجزء المسمى, ثم يسري إلى الباقي.

وَصَرِيحُهُ: تَحرِيرٌ وَإِعتَاقٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصحهما: يقع على الجميع دفعة واحدة, وكأنه عبر عن الكل بالبعض. فإن أضافه إلى جزء معين .. فوجهان مرتبان, وأولى بالجواز؛ لحصوله دفعة واحدة, وقد تقدم بيان هذا الخلاف في (الطلاق) , ولا يخفى أن محل عتق الجميع إذا لم يمنع من التكميل مانع م=كمن رهن نصف عبده ولا يملك غيره, أو أعتق نصفه وهو معسر بقيمة الباقي. ومن ثمرة الخلاف في الإضافة إلى جزء شائع أنه لو أوصى بعتق بعض عبده, فإن قلنا: العتق يقع بطريق السراية .. لم يعتق عنه إلا ما وصى بعتقه, وإن قلنا بالتعبير عن الكل بالبعض .. أعتق عنه جميعه إذا احتمله الثلث. ومنها: إذا حلف لا يعتق عبدًا, فأعتق بعضه, إن قلنا: يقع على الجزء ثم يسري .. لم يحنث, وإن قلنا: توجه إلى الجميع .. حنث. ومنها: لو قال لمقطوعة اليمين: يمينك حر .. لا تعتق على المذهب كما لو قال لها: يمينك طالق. ومنها: إذا قال لوكيله: أعتق هذا العبد, فأعتق نصفه .. قال المتولي: على الأول لا يعتق, وعلى الثاني يعتق, ونقل الرافعي في آخر (التدبير) عن الروياني أنه قال: لا نعرف مسألة لا يسري العتق إلى باقي حصته إذا كان قابلًا للعتق إلا هذه. قال: (وصريحه: تحرير وإعتاق) , لما كان العتق حل القيد .. كان له صريح وكناية كالطلاق, فصريحه التحرير والإعتاث وما اشتق منهما؛ لورودهما في القرآن والسنة مكررين, وكذلك الاستعمال اللغوي كأنت حر أو محرر أو حررتك, أو أنت عتيق أو معتق أو أعتقتك, فلو قال: أعتقتك الله أو الله أعتقك .. فأوجه: ثالثها: صراحة الله أعتقك, بخلاف عكسه؛ فإنه دعاء. ولو قال لمن زاحمته في الطريق: إليك يا حرة, وكانت أمته .. ففي (فتاوى الغزالي): لا تعتق, وإنما أعتق الشافعي أمته بذلك تورعًا. ويستوي في ألفاظه الهازل واللاعب وغيرهما؛ لأن هزله جد كما رواه الترمذي وغيره.

وَكَذَا فَكٌّ رَقَبَةٍ فِي الأَصَّحُ, ولَا يَحتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ, وَتَحتَاجُ إلِيَهَا كِنَايَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا فك رقبة في الأصح)؛ لوروده في القرآن. وروى الحاكم [2/ 217] وأبو داوود عن البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: (أعتق النسمة: أن تنفرد بعتقها, وفك الرقبة) قال: أوليسا واحدًا يا رسول الله؟ قال: (لا, عتق النسمة: أن تنفرد بعتقها, وفك الرقبة: أن تعين في عتقها). والثاني: أنه كناية؛ لأنه يستعمل في العتق وفي غيره, ويجريان في قوله: فككت رقبتك من الرق. والظاهر: أن الترجمة صرائح العتق بجميع اللغات صرائح على المذهب كما سبق في نظيره من (الطلاق). فرع: ضرب رجل عبد غيره, فقال له سيد المضروب معاتبًا له: عبد غيرك حر مثلك .. لم يحكم بحريته بذلك, قاله والد الروياني. قال: (ولا يحتاج إلى نية)؛ لأنه لم يفهم منه غيره عند الإطلاق, وهذا معلوم من لفظ الصريح, لكنه ذكر كالتوطئة لحكم الكناية. وسكت الشيخان عما لو اشتهر لفظ للعتق في ناحية هل يكون حكمه حكم ما سبق في (باب الطلاق)؟ والقياس مجيء الخلاف فيه. ولو كان اسمها قبل الرق حرة فناداها به وقصد النداء .. لم تعتق في الأصح, ولو قال: يا حرة في معرض التوبيخ .. لم تعتق وإن لم يكن اسمها حرة, حكاه في (الكفاية) عن القاضي حسين, ولعله أراد في الظاهر. ومرادهم بعدم احتياجه للنية: نية الإيقاع, وإلا .. فلابد من قصد اللفظ بالجملة التي يقع بها العتق بمعناه كما تقرر في الطلاق؛ ليخرج العجمي إذا لفظ به ولم يعرف معناه. قال: (وتحتاج إليها كناية)؛ لأنها تحتمل العتق وغيره, فافتقرت إلى النية كغيرها من الكنايات, وتكون في محلها كما تقدم في (الطلاق) , وقل من تعرض

وَهِيَ: لاَ مِلكَ لِي عَلَيكَ, لاَ سُلطَانَ, لاَ سَبِيلَ, لاَ خِدمَةَ, أنتَ سَائِبَةٌ, أنَتَ مَولاَي, َ وكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَو كِنَايةٍ لِلِطَلاَقِ. وَقَولُهُ لِعَبدِهِ: أَنتِ حُرَةٌ, وَلِأمَتِهِ أنتَ حُرٌ .. صَرِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ لذلك ولو احتفت بها قرينة كالإمساك في الصوم. قال: (وهي: لا ملك لي عليك, لا سلطان, لا سبيل, لا خدمة)؛ لإشعارها بإزالة الملك مع احتمال غيره, ومثلها: لا يد, لا أمر ونحوها؛ لاحتمالها. وفي (لا خدمة لي عليك) وجه: أنه لا يكون شيئًا وإن نوى؛ لأن الخدمة لا تدل على الملك, إذ تجوز الوصية له بالخدمة دون الرقبة وقوله: أنت لله كناية, خلافًا لأبي حنيفة. قال: (أنت سائبة)؛ لإشعارها بالعتق تشبيهًا بسوائب الجاهلية. قال: (أنت مولاي)؛ لأن المولى مشترك بين معان فيا المعتق والمعتق. ولو قال لعبده: ياسيدي .. قال القاضي حسين والغزالي: هو لغو, ورأى الإمام أنه كناية, قال في (الشرح الصغير): وهو الأشبه , والمصحح في المذهب, وتبعه صاحب (الحاوي الصغير). وعد الصميري من الكنايات: لا أبيعك واذهب وامض. وعد في (المحرر) منها ترجمة قوله لأمته: يا سيدة البيت القائمة بتدبير أمره قال: (وكذا كل صريح أو كناية للطلاق)؛ لإشعاره بإزالة القيد, لكن يستثنى منه إذا قال: أنا منك طالق أو بائن ونحوهما ونرى إعتاق العبد أو الأمة .. فإنه لا يعتق على الصحيح, بخلاف نظيره من الطلاق. والفرق: أن الزوجية تشمل الجانبين والرق يختص بالعبد. قال: (وقوله لعبده: أنت حرة, ولأمته: أنت حر .. صريح) ويغتفر الخطأ في التذكير والتأنيث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فروع: قال لعبده: يا خواجا .. لم يعتق, قاله المروروذي. وفي (الأحياء) قبيل (باب ذم الغرور) بنحو ورقة: أن الزهري قال: من قال لعبده: خزاء الله .. عتق عليه. وفي (الكشاف) في سورة (يس): إذا قال الرجل: كل مملوك لي قديم حر, أو كتب ذلك في وصيته .. عتق منهم من مضى له حول وأكثر؛ لأن القديم هو المحول. وفي (فتاوى الغزالي): لو اجتاز بالمكاسين ومعه عبد فقال: هو حر خوفًا من المكس وقصد الإخبار .. لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى, وهو كاذب. قال الرافعي: ومقتضاه أنه لا يقبل ظاهرًا, وتعقبه في (المهمات) فجعله مقبولًا في الظاهر, وهو غير ظاهر, بل الصواب: أنه كما لو قيل له: أطلقت زوجتك فقال: نعم وقصد ب لك الكذب .. فإنها تطلق منه ظاهرًا, فكذلك هنا. ولو قال له: افرغ من هذا العمل قبل العشاء وأنت حر, وقال: أردت حرًا من العمل دون العتق .. دين, ولا يقبل ظاهرًا. وفي (طلاق) الروضة: أنه لو قال لامرأته: يا ابنتي وقعت الفرقة بينهما عند احتمال السن, كما لو قال لعبده أو أمته ذلك. قلت: المختار في هذا: أنه لا يقع الفرقة إذا لم تكن له نية؛ لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة. ولو قال: أول من يدخل الدار من عبيدي أو أي عبد من عبيدي دخل الدار أولًا .. فهو حر, فدخل اثنان معًا وثم ثالث .. لم يعتق واحد منهم, أما الثالث .. فظاهر, وأما الاثنان .. فلأنه لا يوصف واحد منهما بأنه أول. وقال الشيخ أبو علي: يحتمل وقوع العتق عليهما؛ لأن كل واحد منهما يوصف بأنه أول, لأنه لو قال: أول من رد آبقي .. فله دينار, فرده اثنان .. استحقا, قال: وعرضته على القفال فلم يستبعده, قال: في (المهمات): الحق أن الأول يطلق على المتعدد كما صرح به الرافعي في (باب المسابقة) , ونص عليه الشافعي في (الكتابة). وإذا قال: أول من يدخل الدار من عبيدي, أو أي عبد من عبيدي دخل أولًا ..

وَلَو قَالَ: عِتقُكَ إِليكَ أَو َخَيَّرتُكَ وَنَوَى تَفوِيضَ العِتقُ إليهِ فَأَعتَقَ نَفسَهُ فِي الَمجلِسِ .. عَتَقَ, أَو أعتَقتُكَ عَلَى أَلفٍ, أَو أنتَ حُرُّ عَلَى ألفٍ فَقَبِلَ, أَو قَالَ لَهُ العَبدُ: أَعتِقنِي عَلى ألفٍ, فَأجَابَهُ .. عَتَقَ فِي الحَالِ وَلَزِمَهُ الأَلفُ ..... ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو حر, فدخل واحد .. عتق على الأصح. ولو قال: آخر من يدخل, فدخل بعضهم بعد بعض .. لم يحكم بعتق واحد منهم إلى أن يموت السيد ليتبين الآخر. قال: (ولو قال: عنقك إليك أو خيرتك ,ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في المجلس .. عتق)؛ لأن العتق والطلاق يتقاربان فكل ما تقدم هناك يأتي مثله هنا. وتعبيره ب (المجلس) يقتضي؛ أنه لا يشترط الفور, لكن ظاهر عبارة (الشرح) و (الروضة) اشترطاه حيث قالا: فأعتق نفسه في الحال .. عتق, وهو يوافق ما ذكره في تفويض الطلاق أنها لو أخرت بقدر ما ينقطع به الإيجاب عن القبول ثم طلقت .. لم يقع, فليحمل إطلاق المصنف المجلس على مجلس التخاطب لا الحضور. وظاهر عبارته/ أن التفويض بالصريح نشترط معه نية التفويض, لكن صرح الشيخان في (الطلاق) بعدم الاحتياج, وإنما يشترط ذلك في التفويض بالكناية, وهو ظاهر. فعلى هذا: يكون قول المصنف: (ونوى) قيدًا في الأخير, ويقرأ (خيرتك) كما وقع في بعض نسخ (المحرر) من التخبير, لا [حررتك] , لكن عبارة الرافعي و (الروضة): ولو قال: جعلت عتقك إليك أو [حررتك] , ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في الحال .. عتق. قال: (أو أعتقتك على ألف, أو أنت حر على ألف فقبل) أي: في الحال (أو قال له العبد: أعتقني على ألف, فأجابه .. عتق في الحال, ولزمه الألف) أي: في

وَلَو قَالَ: بِعتُكَ نَفسَكَ بِألفٍ, فَقَالَ: اشتَرَيتُ .. فَالمَذهَبُ: صِحَّةُ البَيعِ, .... ـــــــــــــــــــــــــــــ الصور الثلاث كالخلع, بل أولى؛ لتشوف الشرع إلى تخليص الرقبة دون الفراق. فعلى هذا: هو من جانب المالك معاوضة فيها شائبة التعليق, ومن جانب المستدعي معاوضة نازعة إلى الجعالة, ولا يقدح كونه تمليكًا؛ إذ يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المقصود. وفي (الحاوي) وجه: أنه لا يعتق؛ لأن للزوجة مدخلًا في رفع النكاح بالفسخ, وليس للعبد مدخل في رفع الرق عن نفسه, فكان العتق أضيق خمًا. وقوله: (في الحال) تبع فيه (المحرر) ولا فائدة له, ولهذا لم يذكره في (الشرح) ولا في (الروضة) , وكأنهما انتقلا من مسألة إلى مسألة أخرى, فالللذي في (الشرح) وفي (الروضة) في الصور الثلاثة (عتق) ولم يقولا في الحال, ثم قالا: ولو قال: أعتقتك على كذا إلى شهر كذا, فقبل .. عتق في الحال والعوض مؤجل, فلعله انتقل الحكم من هذه إلى ما ذكره. ولو أعتقه على خمر أو خنزير .. عتق وعليه قيمته, وكذا إن قال: أعتقتك على أن تخدمني, ولو يذكر مدة, أو قال: على أن تخدمني أبدًا, ولو قال: على أن تخدمني شهرًا أو تعمل لي كذا, وفصله فقبل .. عتق وعليه ما التزم, وإن لم يفصل .. عتق وعليه القيمة, ولو خدمه نصف شهر ثم مات .. فللسيد نصف قيمته في تركته. ومسألة الخدمة نذكورة في (الإجارة) ةفي (الكتابة) وههنا, ففي (الكتابة) و (الإجارة) لا يشترط تفصيل أنواع الخدمة, وهنا كما ترى, فبين الأبواب اختلفا في ذلك في كلام الشيخين. قال: (ولو قال: بعتك نفسك بألف, فقال: اشتريت .. فالمذهب: صحة البيع) كالكتابة وأولى, لأن البيع أثبي والعتق فيه أسرع. فعلى هذا: لو أقر السيد بيعه من نفسه .. عتق, ولا يلزم العبد الثمن, ونقل الربيع قولًا: أنه لا يصح؛ فإنه عامل رقيق بالبيع المحقق, فمنهم من أثبته قولا ومنهم من نفاه. وصورة المسألة: أن يبيعه بثمن في ذمته حالا أو مؤجلا يؤديه بعد الحرية, فلو

وَيَعتِقُ فِي الحَالِ وَعَليهِ ألفٌ, وَالوَلاَءُ لِسَيِّدَهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باعه بثمن معين, فلا يصح قطعًا؛ لأنه لا يملكه. وحكى الماوردي عن أبي هريرة: أنه لا يصح بالحال, ويصح بالمؤجل كالكتابة. قال في (البحر): ونص الشافعي في (كتاب الإقرار) على جوازه؛ لأن العتق يحصل فيه قبل الأداء, بخلاف الكتابة, وهذه المسألة في (شرح) و (الروضة) في أوائل (الكتابة). قال: (ويعتق في الحال وعليه ألف) وكأنه أعتقه على مال كالخلع, ولهذا كان عتاقة على الأصح لا بيعًا؛ فلا يثبت فيه خيار المجلس, ولو كان بيعًا .. لتثبت فيه. قال: (والولاء لسيده)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق) ولو كان بيعًا .. لم يثبت فيه. وقيل: لا ولاء عليه؛ لأنه عتق على ملك نفسه, ونسب لابن سريج, هذا إذا باعه نفسه جميعها, فإن باعه بعضها .. فهل يسري على البائع؟ قال البغوي في (الفتاوى): نعم؛ إذا قلنا الولاء له كما لو أعتقه, فإن قلنا: لا ولاء له .. لم يسر كما لو باعه من غيره, ولا يجب على السيد أن يحط عنه شيئًا على المذهب. وحكى الإمام وجهًا: أنه يحب الإيتاء في كل عقد عتاقة فيه عوض كالكتابة. حادثة: عبد انتهى الملك فيه لبيت المال, فاشترى نفسه من وكيل بيت المال, اتفق هذا في بلاد الصعيد .. فأفتى الشيخ جلال الدين الدشاني –وهو أفقه تلامذة ابن عبد السلام- بالصحة, ورفعت القضية إلى القاضي بقوص- وهو القاضي شمس الدين الأصبهاني شارج (المحصول) – فقال: لا يصح؛ لأنه عقد عتاقة, وليس لوكيل

وَلَو قَالَ لِحَامِلٍ: أَعتَقتُكِ, أَو أَعتَقتُكِ دُونَ حَملِكِ .. عَتَقَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بيت المال أن يعتق عبد بيت المال. قال الشيخ: والصواب ما أفتى به الدشنائي؛ فإن هذا العتق إنما وقع بعوض فلا تضييع فيه على بيت المال. وقوله: ليس لوكيل بيت المال العتق إن أراد مجانًا حيث لم يؤذن له .. فصحيح, وليس مما نخن فيه وإلا .. فممنوع, بل له العتق بعوض إذا كان مصلحة, وبغير عوض إذا أذن له الإمام. وقد ذكر الرافعي في (الهدنة): أن العبد المسلم إذا أتانا .. فللإمام أن يدفع قيمته من بيت المال ويعتقه عن كافة المسلمين, وولاءه لهم. قال: (ولو قال لحامل) أي: لأمة حامل بمملوك له (أعتقتك, أو أعتقتك دون حملك .. عتقًا) أما الأولى .. فكبيعها, لكن هل يعتق بطريق التبعية كما يتبع الحمل الأم في البيع, أو بطريق السراية؟ فيه وجهان: أصحهما: الأول؛ لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص. وأما الثانية .. فلأن ابن عمر أعتق أمة واستثنى ما في بطنها له , ثبت ذلك عنه كما قاله ابن المنذر في (باب الهدنة) , ولا يعرف له مخالف, ولأنه جزء منها. ويخالف ما لو قال: بعتك الجارية دون حملها فإنه لا يصح, لأن العتق لا يبطل بالاستثناء لقوته. وهو كما لو استثنى عضوًا في البيع ,, بطل البيع. وزعم في الروضة في (كتاب الوصية): أنه لا خلاف في هذه الصورة, واعترض عليه بأن أبا علي والقاضي حكيا فيه وجهين مبنيين على الخلاف السابق.

وَلَو أَعتَقَهُ .. عَتَقَ دُونِهَا, وَلَو كَانَت لِرَجُلٍ وَالَحملُ لِآخَرَ .. لَم يَعتَق أَحَدُهُمَا بِعِتقِ الآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو عتقت قبل حروج الولد منها .. سرى العتق إليه على الأصح, قاله الشيخان في (كتاب العدة). وكلام المصنف: محمول على المجتن كله أو بعضه. وشمل إطلاقه ما لو قال لها: أنتي حرة بعد موتي, وفيها في (الرافعي) في (باب الوصية) وجهان: أحدهما: لا يعتق الحمل؛ لأن إعتاق الميت لا يسري. وأصحهما: يعتق؛ لأنه كعضو منها. قال: (ولو أعتقه .. عتق دونها)؛ لأن الأصل لا يتبع الفرع, وحكى ابن المنذر فيه الإجماع. وقال الإمام في (كتاب الوصية): لم يصر أحد من الأصحاب إلى خلافه غير الشيخ أبي بكر الطوسي, ونقله الرافعي عن الأستاذ أبي إسحاق أيضًا بالقياس على عكسه, وفرق الجمهور بأنه إنما وقع العتق عليه تبعًا لاندراجه في بيع الأم, فلا تتبعه أمه عند توجه العتق إليه ابتداء, وإنما يعتق منفردًا إذا نفخت فيه الروح, فأما قبل ذلك .. فلا, لأن إعتاق ما لم تنفخ فيه الروح لا يصح كما نقله الشيخان في (كتاب التدبير) عن القاضي حسين. قال: (ولو كانت لرجل والحمل لآخر .. لم يعتق أحدهما بعتق الآخر)؛ لأنه استتباع مع اختلاف المالك. وحكى القاضي حسين وجهًا: أنه يعتق الولد, ويجب على معتق الأم قيمته وقت انفصاله. ولا يسرس العتق من الولد إليها بلا خلاف, ويتصور الحمل لغير مالك الأم في الوصية والرد بالعيب إذا حدث الحمل على ملك المشتري ثم رد وقلنا: لا يتعدى للحمل الحادث, بخلاف الفلس على الأصح فيهما, وفي (الهبة) فيما إذا وهب الحامل وأطلق .. فإن الإمام حكى عن الجديد أنه لا يدخل الحمل في الهبة.

وَإِذَا كَانَ بَينَهُمَا عَبدٌ فَأعتَقَ أَحَدُهُما كُلَّهُ أو نَصِيبَهُ .. عَتَقَ نَصِيبُهُ, فَإن كَانَ مُعسِرًا .. بَقِيَ البَاقِي لِشَرِيكِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإذا كان بينهما عبد فأعتق أحدهما كله أو نصيبه .. عتق نصيبه) بالإجماع؛ لأنه مالك التصرف وقد وجه العتق على ملكه. وصورة المسألة: أن يقول: نصيبي منك حر, أو أعتقت نصفك الذي أملكه, فلو قال: نصفك حر, وكان يملك نصفه .. فهل يعتق نصيبه كله ابتداء, أو يقع على النصف مشاعًا فيعتق الربع ثم يسري إلى ربع آخر فقط إن كان معسرًا, أو إلى الجميع إن كان موسورًا؟ وجهان: قال الإمام: لا فائدة لهما إلا في تعليق طلاق أو عتق, كما لو قال: إن أعتقت نصيبي منه فامرأتي طالق, أو أمتي حرة .. فإن الطلاق والعتق يقعان على القول باختصاصه بنصيبه دون الوجه الآخر. قال ابن الرفعة: وكذلك إذا وكل أحد الشريكين الآخر في عتق نصيبه منه فقال الوكيل: أعتقت نصفك, ولم ينو عنه ةلا عن موكله .. ففي وقوعه عنه أو عن الموكل وجهان. وزاد في (المهمات) سؤال العتق على عوض, فإذا قال: أعتق النصف الذي لك على ألف, فأطلق إعتاق النصف, فإن قلنا: ينزل على نصفه .. استحق, وإن قلنا: يكون شائعًا ثم يسري .. لم يستحق إلا النصف الألف كما لو قالت: طلقني ثلاثًا بألف, فطلقها طلقة ونصفًا, هل تستحق ثلثي لألف لوقوع طلقتين, أو النصف فقط لأنه إنما أوقع نصف الثلاث والتكميل حكم شرعي؟ فيه وجهان: أرجحهما: في زوائد (الروضة): الثاني. ولو ملك المكاتب بعض قريبه فأعتق شريكه نصيبه, هل يسري أو يكون ملك المكاتب مانعًا لكونه يعتق عليه؟ فيه نظر. قال: (فإن كان معسرًا .. بقي الباقي لشريكه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد .. قوم العبد عليه قيمة عدل, فأعظى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد, وإلا .. فقد عتق منه ما عتق (رواه

وَإِلاَّ .. سَرَى إِلَيهِ, أَو إِلَى مَا أيسَرَ بِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخان [خ 2522_ م 1501/ 1] من حجديث عمر, ورواه الدارقطني [4/ 124] (ورق منه ما بقي). فإن قيل: في الكتب الستة: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق شقصًا من مملوك .. فعليه كله إن كان له مال, وإلا .. استسعى العبد غير مشقوق عليه) فلم لا عملتم بذلك .. قيل: السعاية محمولة على أنه يستسعي لسيده الذي لم يعتقه؛ أي: يخدمه بقدر نصيبه كي لا يتوهم أنه يحرم عليه استخدامه. فإن قيل: جاءت رواية: (فإن لم يكن له مال .. قوم العبد قيمة عدل ثم استسعى لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه) .. فالجواب: أن جماعة رووا الحديث ولم يذكروا السعاية فدل على أنها ليست من متنه, بل من كلام الراوي, ولذلك قال الخطابي: اضطرب سعيد بن أبي عروبة فذكرها مرة, ومرة لم يذكرها, فدل على أنها مدرجة من كلام قتادة لا من متن الحديث. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن معسرًا (.. سرى إليه, أو إلى ما أيسر به)؛ للحديث السلبق, وليس المقصود من الموسر أنه يعد من الأغنياء, ولكن أن يكون له من المال ما يفي بقيمة نصيب شريكه فاضلًا عن فوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته ودست ثوب يلبسه وسكنى يوم, ويصرف إبى ذلك كل ما يباع ويصرف في الديوان, والاعتبار بحالة الإعتاق دون ما بعده. والمريض ليس موسرًا إلا بثلث ماله, فإذا أعتق نصيبه من المشترك في مرض موته, فإن خرج جميع العبد من ثلث ماله .. قوم عليه نصيب شريكه وعتق جميعه, وإن لم يخرج منه إلا نصيبه .. عتق ولا سراية. وعند أبي حنيفة: لا سراية ولا تقويم, ولكن إذا كان المعتق موسرًا .. فيتخير الشريك بين ثلاثة أمور: أن يعتق نصيب نفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن يستسعي العبد حتى يؤدي قيمته نصيبه ويعتق, وعلى التقدير يكون ولاءه بينهما. وأن يضمن المعتق قيمة نصيبه, ثم المعتق يستسمي العبد فيما غرم, فإذا أداه .. عتق, وكان جميع الولاء له. وإن كان معسرًا .. فلا يضمنه الشريك, ويتخير بين الخصلتين الأوليين. وموضع السراية بالاتفاق إذا لم يتعلق بمحل السراية حق لازم, فلو أعتق نصيبه ونصيب شريكه مرهون .. سرى على الأصح؛ لأن حق المرتهن ليس بأقوى من حق المالك, وتنتقل الوثيقة إلى القيمة. ولو كان نصيب شريكه مدبرًا .. قوم أيضًا على الأظهر؛ لأن المدبر كالقن في البيع. ولو كان نصيب الشريك مستولدًا بأن استولدها وهو معسر .. لم يسر على الأصح؛ لأن السراية تتضمن النقل. وقيل: يسري؛ لأن السراية كالإتلاف, وإتلاف أم الولد يوجب القيمة. وقوله: (إلى ما أيسر به) هو الصحيح المنصوص كبدل المتلف, ولأنه يقربه من الحرية. وقيل: لا يسري؛ لأن تقويم البعض لا يفيده الاستقلال وكما لا يأخذ الشفيع البعض. ولو كان العبد بين ثلاثة فأعتق اثنان منهما نصيبهما معًا وأحدهما موسر والآخر معسر .. فإنه يقوم جميع نصيبه الذي لم يعتق على الموسر كما جزم به الشيخان. ولو أقر بحرية عبد في يد ثم اشترى بعضه وهو موسر .. ففي سرايته نظر. ويتجه أن يقال: إن قلنا: إنه بيع .. يسري, أو افتداء .. فلا. ولو كان عبد بين اثنين فباع أحدهما نصيبه للعبد هل يسري على الباقي إذا كان موسرًا؟ يتجه بناؤه على أنه عقد بيع أو إعتاقه.

وَعَلَيهِ قِيمَةُ ذَلِكَ يَومَ الإعتَاقِ. وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفسِ الِإعتَاقِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعليه قيمة ذلك يوم الإعتاق)؛ لأنه وقت الإتلاف أو وقت سببه. وظاهر عبارته: أن الواجب قيمة حصة الشريك إذا قومت وحدها لا ما يخصه من قيمة جميع العبد باعتبار التوزيع, حتى إذا كان العبد يساوي ثلاث مئة, ونصفه يساوي مئة, فأعتق أحد الشريكين نصفه وسرى إلى النصف الآخر .. لا يلزمه إلا مئة كما ذكره القاضي أبو الطيب في (باب الغصب) من (شرح الفروع) , وكذلك الماوردي والروياني؛ لأن العتق ينقص القيمة, قال ابن الرفعة: وهو ظاهر التوجيه, ومثله قول الأصحاب: إن الواجب للزوج إذا طلق قبل الدخول وتعذر الرجوع للشطر قيمة النصف لا نصف القيمة. وللشريك مطالبة المعتق بدفع القيمة وإجباره عليها, فلو مات المعتق .. أخذت من تركته, ولو لم يطالبه الشريك .. كان للعبد المطالبة, فإن لم يطلبه .. طالبه القاضي؛ لما في العتق من حق الله تعالى. وإذا اختلفا في قيمته, فإن كان حاضرًا والوقت قريب .. راجعنا المقومين, وإن مات أو غاب أو تقادم العهد .. فقولان: الأظهر: تصديق المعتق؛ لأنه غارم. قال: (وتقع السراية بنفس الإعتاق)؛ لما روى أبو داوود [3932]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق نصيبًا له من مملوك .. أعتق من ماله إن كان له مال) وفي (الصحيحين) [خ 2553_ م 1501/ 1] بنحوه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لله شريك) وبنفس اللفظ (صار لله) فلو أبقينا ملك الشريك .. لأثبتنا الشركة. فعلى هذا: يصير حكمه في الحال حكم الأحرار في الشهادة وافرث والجناية والحد وغيره, وهل تحصل الحرية دفعة واحدة؟ فيه وجهان في (الكفاية) , قال الإمام: ينقل الملك ثم يعتق, وقيل: يحصلان معًا والمشهور الأول. ويستثنى من كون السراية بنفس الإعتاق ما لو كاتبا العبد المشترك ثم أعتق أحدهما نصيبه .. فإنما يحكم بالسراية بعد العجز عن أداء نصيب الشريك على الصحيح؛ فإن في التعجيل ضررًا على السيد لفوات الولاء, وبالمكاتب لانقطاع الكسب عنه.

وَفِي قَولٍ: بِأَدَاءِ القِيمَةِ, وَفِي قَولٍ: إن دَفَعَهَا .. بَانَ أَنَّهَا بِالإعتَاقِ. وَاستِيلاَدُ أَحَدِ الشَّرِيكَينِ المٌوسِرِ يَسرِي, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: بأداء القيمة)؛ لما روى النسائي [سك 4922]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه, فإن كان موسرًا .. يقوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط, ثم يعتق). ولأنه عتق بعوض ورد في الشرع به فلا يسبق وقوع العتق دفع العوض كالكتابة, ولأن في إزالة ملك الشريك قبل أن يحصل العوض إضرارًا به؛ فإنه قد يفوته بهرب أو غيره, والضرر لا يزال بالضرر. وعلى هذا القول: إن اختلفا في القيمة .. فالقول قول الشريك كالمشتري مع الشفيع. قال: (وفي قول: إن دفعها .. بان أنها بالإعتاق)؛ لأن الحكم بالعتق يضر السيد, والتأخير إلى الأداء القيمة يضر بالعبد, والتوقف أقرب إلى العدل ورعاية الجانبين. وسكت المصنف عن الشق الآخر وهو يفهم أن المراد وإن لم يدفع .. بان أنه لم يعتق كما عبر في (التنبيه). والصواب في تقديره وإن فات الدفع كما عبر به في (الشرح) و (الروضة) أي: بأن كان معسرًا, فعدم الدفع لا نهاية له. وإذا اختلفا في القيمة لتلف أو غيبة أة تغير القيم لطول المدة .. فالمصدق الشريك على هذا القول أيضًا. قال: (والاستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري) كالإعتاق, بل هو أولى منه بالنفوذ؛ لأنه فعل والأفعال أقوى, ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور دون إعتاقهما, وإيلاد المريض من رأس المال وإعتاقه من الثلث. وقيل: العتق أولى؛ لأنه لا يفيد حقيقة العتق. وقيل: هما سواء؛ لتعارض المعنيين, والأوجه الثلاثة حكاها الرافعي في (الرهن) وعزى الأول للأكثرين.

وَعَلَيهِ قِيمَةٌ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحِصَّتُهُ مِن مَهرِ مِثلٍ, وَتَجِري الأَقوَالُ فِي وَقتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ, فَعَلَى الأَوَلِ وَالثَّالِثِ: لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الوَلَدِ, وَلاَ يَسرِي تَدبِيرٌ, وَلا يَمنَعُ السِّرَايَةَ دَينٌ مُستَغرِقٌ فِي الأَظهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وعليه قيمة نصيب شؤيكه)؛ للإتلاف بإزالة الملك. وتعبيره ب (قيمة النصف) صريح في إيجابها, لا نصف القيمة, وبينهما فرق تقدم, ونصف القيمة أكثره لأجل التشقيص, والصواب هنا قيمة النصف, لأنه إنما أتلف بعضًا. قال: (وحصته من مهر مثل) بسبب الاستمتاع بملك غيره, ويجب مع ذلك أرش البكارة لو كانت بكرًا, وهل يفرد أو يدخل في المهر؟ خلاف اضطرب فيه الترجيح كما تقدم. قال: (وتجري الأقوال في وقت حصول السراية, فعلى الأول والثالث: لا تجب قيمة حصته من الولد)؛ أما على القول الثاني .. فإنها تجب. قال: (ولا يسري تدبير)؛ لأنه كتعليق العتق بصفة, ولأن السراية على الميت ممتنعة, فإن قال: دبرت نصفك مثلًا, فإذا مات .. عتق ذلك الجزء فقط, ولو قال: دبرت يدك .. فوجهان: قيل: يلغو. وقيل: يعتق كله بعد موته. وإن دبر شركًا في عبد .. لم يقوم عليه في الأصح, وفي قول: إن التدبير يسري ويقوم عليه, فإن قيل: يرد عليه ما لو دبر حاملًا فإنه يثبت للولد حكم التدبير على المذهب كما ذكره في بابه فإنه تدبير سري .. فالجواب: أنه ليس على سبيل السراية كما سيأتي في مكانه. قال: (ولا يمنع السراية دين مستغرق في الأظهر) كما لا يمنع تعلق الزكاة. والثاني: يمنع؛ لأنه معسر يحل له أخذ الزكاة.

وَلَو قَالَ لِشَريكِهِ المُوسِرِ: أَعتَقتَ نَصِيبَكَ فَعَليكَ قِيمَةُ نَصِيِبي, فَأنكَرَ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ, فَلاَ يَعتِقُ نَصِيبُهُ, وَيَعتِقُ نَصِيبُ المُدَّعِي بِإقرَارِهِ إِن قُلنَا: يَسرِي بِالِإعتَاقِ, ولاَ يَسرِي إلَى نَصِيبِ المُنكِرِ. وَلَو قَالَ لِشَرِيكِه: إن أَعتَقَ نَصِيبَكَ فَنَصيِبي حُرٌّ بَعدَ نَصِيبِكَ, فَأعتَقَ الشَّرِيكُ وَهُوَ مُوسِرٌ .. سَرَى إلَى نَصِيبِ الأَوَّلِ إن قُلنَا: السِّرَايَةُ بِالِإعتَاقِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ كل هذا إذا كان من يسري عليه العتق غير محجور عليه, فإن حجر عليه بفلس بعد أن علق عتق حصته على صفة ووجدت الصفة قبل فك الحجر عنه, فإن قلنا: الاعتبار في نفوذ العتق بحالة وجود الصفة وهو الأصح .. لم يسر. قال: (ولو قال لشريكه الموسر: أعتقت نصيبك فعليك قيمة نصيبي, فأنكر) أي: ولا بينة للمدعي (.. صدق بيمينه, فلا يعتق نصيبه)؛ لأن الأصل عدم العتق, فلو كان معسرًا وأنكر وحلف .. لم يعتق من العبد شيء, فلو اشترى المدعي نصيب المدعي عليه .. عتق عليه ولا سراية. قال: (ويعتق نصيب المدعي بإقراره إن قلنا: يسري بالإعتاق) مؤاخذة له بإقراره. قال: (ولا يسري إلى نصيب المنكر) وإن كان موسورًا؛ لأنه لم ينشئ العتق, فأشبه ما إذا ادعى أحد الشريكين على رجل: إنك اشتريت نصيبي وأعتقته, وأنكر المدعى عليه بعتق نصيب المدعي ولا يسري. قال: (ولو قال لشريكه: إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر بعد نصيبك, فأعتق الشريك وهو موسر .. يرى إلى نصيب الأول إن قلنا: السراية بالإعتاق) وكذلك إذا قلنا بالتبيين إذا أديت القيمة, وإذا قلنا بالأداء .. فنصيب المعلق عمن يعتق؟ فيه وجهان. أما لو كان الشريك المعتق معسرًا .. فيعتق على كل منهما نصفه, فلو اقتصر على

وَعَليهِ قِيمَتُهُ. وَلَو قَالَ: فَنَصِيِبي حُرٌّ قَلبَهُ, فَأعتَقَ الشَّرِيكُ: فَإِن كَانَ المُعَلِّقُ مُعسِرًا .. عَتَقَ نَصِيبُ كُلَّ عَنهُ, وَالوَلاَءُ لَهُمَا, وَكَذَا إِن كَانَ مُوسِرًا وَأبطَلنَا الدَّورَ, وإلاَّ .. فَلاَ يَعتِقُ شَيءٌ , ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فنصيبي حر) أو: فجميع العبد حر .. كان الحكم كما لو قال: (بعد نصيبك) أو: بعد عتق نصيبك. قال: (وعليه قيمته)؛ لأن الراية أقوى من العتق بالتعليق, لأن السراية قهرية لا مدفع لها, وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه. قال: (ولو قال: فنصيبي حر قبله, فأعتق الشريك: فإن كان المعلق معسرًا .. عتق نصيب كل عنه) المنجز في الحال والمعلق قبله؛ لموجب التعليق ولا سراية. قال: (والولاء لهما)؛ لاشتركهما في العتق, وهذا لا خلاف فيه, وكذا إذا كانا معسرين. قال: (وكذا إن كان) أي: المعلق (موسورًا وأبطلنا الدور) أي: اللفظي وهو الأصح, فيعتق نصيب كل واحد منهما عنه ولا شيء لأحدهما على الآخر كما لو قال: مع نصيبك. قال: (وإلا) أي: وإن لم يبطل الدور اللفظي كما قاله ابن الحداد (.. فلا يعتق شيء)؛ لأنه لو نفذ إعتاق المقول له في نصيبه .. لعتق نصيب القائل قبله, ولو عتق .. ليرى, ولو سرى .. لبطل عتقه, فيلزم من مفوذه, وإذا لم ينفذ عتق حصة المقول له .. لم ينفذ عتق حصة المعلق, فعبر المصنف بقوله: (فلا يعتق شيء)؛ لتكون أنص على المراد من غيرها. وبقي من أقسان المسألة ما إذا قال: فنصيبي حر مع عتق نصيبك, أو في حال عتق نصيبك, إن قلنا بحصول السراية بالإعتاق .. عتق نصيب كل واحد عن نفسه على الأصح, وقال القفال والشيخ أبو علي: يعتق جميع على المقول له. حادثة: سئل الشيخ عن رجل مات وترك عبدًا, فادعت زوجته أنه عوضها إياه عن صداقها وأنها أعتقته, فهل يعتق نصيبها ويسري إلى باقيه, أو لا؟ فقال: يعتق نصيبها

وَلَو كَانَ عَبدٌ لِرَجُلِ نِصفُهُ وَلآخِرَ ثُلُثَهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ, فَأعتَقَ الآخِرَانِ نَصِيبَهِمَا مَعًا .. فَالقِيمَةُ عَلَيهِمَا نِصفَانِ عَلَى المَذهَبِ. وَشَرطُ السِّرَايَةِ: إِعتَاقُهُ بِاختِيَارِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يسري؛ لأن الإقرار بإعتاقه يحتمل أن يكون قبل الموت وبعده, والأول يقتضي المؤاخ1ة في نصيبها وعدم السراية, والثاني يقتضي السراية, فحمل على المتيقن وهو عدمها, ويؤاخذ بإقرارها في إسقاط صداقها. قال: (ولو كان عبد لرجل نصفه ولآخر ثلثه ولآخر سدسه, فأعتق الآخران نصيبهما معًا .. فالقيمة عليهما نصفان على المذهب)؛ لأن ضمان التلف يستوي فيه القليل والكثير كما لو مات عن جراحتهما المختلفة. والطريق الثاني: حكاية قولين: أحدهما: هذا. والثاني: أنها على الملكين كنظيره من الشفعة, وفرق الأول بأن الأخذ بالشفعة من مرافق الملك كالثمرة, وهنا سبيله سبيل ضمان المتلف, وموضع الخلاف إذا كانا مويرين, فإن كان أحدهما موسرًا فقط .. قوم عليه نصيب الثالث بلا خلاف, كذا قاله الشيخان. وحكى القاضي فيه وجهًا كمذهب مالك: أنه يخصه بالسراية ما كان يخصه لو كان موسرًا, لكنه خالفه في موضع آخر. وضبط المصنف بخطه (الآخران) بكسر الخاء؛ ليوافق قوله في (المحرر): فأعتق الثاني والثالث. وقوله: (معًا) المراد: أنه وقع ذلك اتفاقًا, أو علقا بصفة واحدة فوجدت, أو صفتين فوجدتا معًا. قال: (وشرط السراية: إعتاقه باختياره) , سواء باشر ذلك أو تسبب فيه بأن ملكه باختياره كالشراء والهبة وقبول الوصية. واحترز ب (الختيار) عما لو عتق عليه .. فلا يسري, كمن كاتب عبدًا فاشترى

فَلَو وَرِثَ بَعضَ وَلَدِهِ .. لَم يَسرِ. وَالمَرِيضُ مُعسِرٌ إلاَّ فِي ثُلُثِ مَالِهِ, وَالمَيتُ مُعسِرٌ, فَلَو أوصَى بِعِتقِ نَصِيبِه .. لَم يَسرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ شقصًا ممن يعتق على سيده, ثم عجزه السيد فصار الشقث له وعتق عليه .. فالأصح: أنه لا يسري. ومن قال: إن المصنف احترز ب (الاختيار) عما إذا أعتق مكرهًا واهم؛ لأن الكلام فيما يعتق منه الشقص, وهذا لا عتق فيه أصلًا. قال: (فلو ورث بعض ولده .. لم يسر)؛ لأن التقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات, ولم يوجد منه صنع ولا قصد إتلاف. وعبر في (المحرر) بالقريب بدل الولد, وهو أعم. قال: (والمريض معسر إلا في ثلث ماله) فإذا أعتق في مرض موته نصيبه ولم يخرج من الثلث غيره .. فلا سراية في الباقي, ولم يذكروا هنا إجازة الوارث؛ لأن السراية قهرية. والتحقيق: أن المريض موسر كالصحيح؛ فإن شفي .. لزمه ما جرى, وإن مات .. نظر في الثلث عند الموت, وفارق المفلس؛ لتعلق حق الغرماء بالأعيان. قال: (والميت معسر, فلو أوصى بعتق نصيبه .. لم يسر) ولو خرج جميعه من الثلث؛ لأن الموت ينقل المال إلى الوارث, ويبقى الميت معسرًا ولا تقويم على من لا يملك شيئًا وقت نفوذ العتق, بل لو كان العبد له فأوصى بإعتاق بعضه فأعتق .. لم يسر, فلو قال: أعتقوا نصيبي وكملوا العتق .. كملناه إن خرج من الثلث, وإلا .. فما يخرج. تتمة: أمة حامل من زوج, اشتراها زوجها وابنها الحر معًا وهما موسوران .. فالحكم كما لو أوصى سيدها بها لهما وقبلا الوصية معًا .. تعتق الأمة على الابن, والحمل يعتق عليهما ولا يقوم.

فَصلٌ: إذَا مَلَكَ أَهلٌ تَبَرُّعٍ أَصلَهُ أو فَرعَهُ .. عَتَقَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: إذا ملك أهل تبرع أصله أو فرعه .. عتق) أي: عليه, قال ابن المنذر: أجمعوا على ذلك, زكأنه لم يعبأ بخلاف داوود. واستدل لعتق الأصول بقوله تعالى: {واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} ولا تأتي خفض الجناح مع الاسترقاق. وفي (صحيح مسلم) [1510] عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه). وهذه الرواية محمولة على الرواية الأخرى (فيعتق عليه). وظن داوود أن الرواية بنصب (فيعتقه) عطفًا على (فيشتريه) فيكون الولد هو المعتق فقال: لا بد من إنشاء عتق, ولا يعتق بمجرد الملك شيء. والمشهور في الرواية الرفع, والضمير عائد على المصدر المحذوف الذي دل عليه الفعل, تقديره: فيعتقه الشراء, وعلى النصب ينعكس المعنى, والصواب الرفع, وتؤيده رواية (عتق عليه) , وفي أخرى (فهو حر). وأما عتق الفرع .. فلقوله تعالى: {وقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} , وقوله تعلى: {ومَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ ولَدًا (92) إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ إلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} , فدل على أنه لا تجتمع بنوة وملك. ولأن الله تعالى سمى أولد الرجل باسم نفسه فقال: {قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا} , وقال: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}. ولا فرق بين أن يدخل في ملكه قهرًا أو اختيارًا, بعوض أو بلا عوض, والتقييد ب (أهل التبرع) تبع فيه (المحرر) , ولم يذكره في (الروضة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يحسن الاحتراز به عن الصبي والمجنون؛ لأنهما إذا ملكا القريب .. عتق عليهما, إنما احترز به عن المكاتب إذا وهب له أو وصي له به, وكان القريب كسوبًا يقوم بكفاية نفسه .. فإنه يجوز له قبوله, وإذا قبله .. ملكه, ولا يعتق عليه؛ لضعف ملكه, ولأنه لو عتق .. لكان ولاؤه له, ولا يكون الولاء لرقيق. وكذلك لو وطء أمته فأتت منه بولد كما سيأتي في موضعه. وشملت عبارته الأب والأم والأجداد والجدات من الجهتين, والأولاد وأولادهم وإن سفلوا. وحكى القاضي حسين في الولد المنفي باللعان وجهين. أما ولد الرضاع .. فلا يعتق عند جمهور العلماء؛ وقال شريك بن عبد الله القاضي: يعتق, وخطأه الناس. وسواء اتفق الوالد والولد في الدين أو اختلفا. وخرج غير الأصول والفروع كالإخوة والأعمام وسائر الأقارب؛ فإنهم لا يعتقون بالملك. وعند أبي حنيفة وأحمد: يعتق كل ذي رحم محرم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من ملك ذا رحم محرم .. فقد عتق عليه) رواه ابن ماجه [2525 بنحوه] والنسائي [سك 4877] من حديث ابن عمر. وجوابه: أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة, وقال الترمذي: إنه خطأ عند أهل الحديث, وكذلك قال ابن عساكر. وقال الأوزاعي: يعتق كل قريب محرمًا كان أو غيره. وقال مالك في المشهور عنه: يعتق السبعة المذكورون في آية الميراث: الوالدان والأولاد والإخوة والأخوات, ولا يعتق العم والعمة, ولا الخال والخالة, فالمذاهب خمسة. ويستثنى من إطلاق المصنف مسائل:

وَلاَ يَشتَرِي لِطِفلٍ قَرِيبَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: صورة المريض الآتية في الكتاب. ومنها: إذا ملك المكاتب أباه كما تقدم, وإذا وكله في شراء عبد فاشترى الوكيل من يعتق عليه وكان معنيًا .. ففي (الروضة) في (كتاب القراض): أن الوكيل رده؛ لآنه لا يعتق على الموكل قبل رضاه بالعيب. زكذلك إذا أوصى له بمن يعتق على وارثه بأن أوصى له ببعض ابن أخيه فمات وقبل الأخ الوصية .. فإن الشقص يعتق, ولا سراية في الأصح؛ لأن الملك حصل للميت أولًا, ثم انتقل إلى الأخ إرثًا. وكذا إذا باع ابن أخيه بثوب ومات ووارثه أخوه, فرد الثوب بعيب. ويبقى النظر فيما إذا اشترى زوجته الحامل هل يعتق عليه الحمل؟ ينبغي تخريجها على أن الحمل يعلم أم لا, إن قلنا: نعم .. عتق, وإلا .. فلا, فلو اطلع على عيب بها ثم أراد ردها هل له ذلك؟ يحتمل بناؤه على العلتين. ولو اشتراها في مرض موته ثم انفصل قبل موته, فإن قلنا: الحمل يعلم .. لم يرث؛ لأنه لو ورث .. لكان وصية لوارث, وإن قلنا: لا يعلم .. فينبغي أن يرث؛ لأن الحرية لم تحصل له بالشراء, بل بعده, فإذا انفصل بعد موته .. كان الأمر كذلك. قال: (ولا يشتري لطفل قريبه) أي: الذي يعتق عليه؛ لأنه إنما يتصرف بالغبطة كما ليس له أن يعتق عبده عنه, ولا خصوصية للطفل, بل المجنون والسفيه كذلك, فلو قال: لمحجور .. كان أشمل. وظاهر عبارة الكتاب و (الروضة) و (أصليهما) تبعًا للغزالي: أنه يملكه ثم يعتق عليه, وهو المنقول عن النص, واستشكله في (المطلب) بأن البعضية إذا نافت الملك فكيف يحكم بوجوده مع اقترانها بسببه؟! ولهذا قال ابن الحداد: إذا قهر مسلم قريبه الحربي لا يملكه؛ لأن القرابة دافعة, ولقوة هذا السؤال قال الغزالي بعد ذلك: عندي أنه لا يملكه, بل يندفع الملك بموجب العتق, ويترتب العتق على سبب الملك لا على حقيقته, واختاره أيضًا هو في (تعليق الطلاق) تبعَا لأبي إسحاق المروزي,

وَلَو وَهَبَ لَهُ أَو وَصَّى لَهُ: فَإِن كَانَ كَاسِيًا .. فَعَلَى الوَليَّ قَبُولُهُ, وَيَعتِقُ وَيُنفِقُ مِن كَسبِهِ, وَإلَّا: فَإِن كَانَ الصَّبِيُّ مُعسِرًا .. وَجَبَ القَبُولُ, وَنَفَقَتُهُ فِي بَيتِ المال, أو مُوسِرًا .. حَرُمَ. وَلو مَلَكَ فِي مَرضِ مَوتِهِ قَرِيبَهُ بِلاَ عِوَضٍ .. عَتَقَ مِن ثُلُثِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي آخر (النهاية): إنما جوزنا الشراء ذريعة إلى تخليصه من الرق, وإلا .. فالمقتضي لعدم الملك موجود. قال: (ولو وهب له أو وصى له: فإن كان كاسبًا .. فعلى الولي قبوله, ويعتق وينفق) عليه (من كسبه)؛ لانتفاء الضرر وحصول الكمال للأب, ولا ينظر إلى احتمال توقع وجوب النفقة في المستقبل لزمانة تطرأ؛ لأن المنفعة محققة, والضرر مشكوك فيه والأصل عدمه. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن كاسبًا (فإن كان الصبي معسرًا .. وجب القبول)؛ لأنه يعتق عليه فيحصل بذلك كمال وثواب بلا ضرر, وفي وجه: يجوز ولا يجب. قال: (ونفقته في بيت المال) هذا في المسلم؛ لأنه محاويج المسلمين, أما الكافر .. فلا حق له فيه, ولهذا يقطع بسرقته, لكن الإمام ينفق عليه منه عند الحاجة بشرط الضمان كالمضطر يأكل طعام الغير بشرط الضمان, قاله الرافعي في (السرقة) , ورجح في اللقيط المحكوم بكفره أنه يتفق عليه ولا ضمان. قال: (أو موسرًا .. حرم) أي: القبول؛ لأنه يعتق عليه, ويطالب بنفقته, وفي ذلك ضرر, وفي (الحاوي) وجه: أنه يجب؛ لما يستفيده الزالد من عتق أبيه واستحقاق الولاء عليه, وقال الصيمري في (شرح الكفاية): إنه مذهب الشافعي. وتفصيله بين الكاسب وغيره يقتضي أن القريب القادر على الكسب لا تجب نفقته, وسبق في (النفقات) ما يخالفه من أن المراد بالكاسب القادر عليه, ولم يفصل, وكان الأحسن أن يعبر بوجوب النفقة وعدمه كما في (الروضة) وغيرها لا بالكسب وغيره. قال: (ولو ملك في مرض موته قريبه بلا عوض .. عتق من ثلثه)؛ لأنه دخل في ملكه وخرج بلا مقابل فاعتبر من الثلث كما لو تبرع به.

وَقِيلَ: مِن رَأسِ المَالِ, أَو بِعِوَضٍ بِلاَ مُحَابَاةٍ .. فَمِن ثُلُثِهِ, وَلاَ يَرِثُ, فَإِن كَانَ عَلَيهِ دَينٌ .. فَقِيلَ: لاَ يَصِحٌّ الشِّرَاءُ, وَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ, ولَا يَعتِقُ, بَل يُبَاعُ لِلدَّينِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وقيل: من رأس المال) فيعتق عليه جميعه؛ لأن الشرع أخرجه عن ملكه فكأنه لم يدخل وهذا هو الأصح في (الشرحين) و (الروضة) هنا, وفي (كتاب الوصية) في مسألة الإرث, وبه قطع الأستاذ أبو منصور, وهو الأولى. فعلى الأول: لا يرث؛ لئلا يجمع بين الوصية والإرث. وعلى الثاني: يرث؛ لأنه عتق بالشرع. وشمل قوله: (بلا عوض) الوصية والهبة, وبه صرح في (المحرر). قال: (أو بعوض بلا محاباة) كما إذا اشتراه بثمن مثله (.. فمن ثلثه)؛ لأنه فوت على الورثة ما بدله من الثمن. وأطلق المصنف العوض, وينبغي أن يكون مراده: المعاوضة المحضة, فأما غيرها كالصداق والخلع والصلح عن الدم .. فينبغي إلحاقها بما إذا ملك بلا عوض, فيكون على الخلاف المتقدم. قال: (ولا يرث)؛ لأن عتقه من الثلث وصية, ولا يجمع بينها وبين الميراث, كذا أطلقوه وعللوه. قال الرافعي: وكأنه تفريع على بطلان الوصية للوارث, فإن صححناها موقوفة على الإجازة .. لم يمتنع الجمع بينهما, فيحتمل أن يوقف الأمر على الإجازة, ويحتمل خلافه, وفي وجه ضعيف: أنه يرث. قال: (فإن كان عليه دين) أي: مستغرق (.. فقيل: لا يصح الشراء)؛ لأنه عقد عتاقة, فإذا لم يمكن تحصيلها .. وجب إبطال العقد. قال: (والأصح: صحته)؛ إذ لا خلل في العقد. قال: 0ولا يعتق, بل يباع للدين)؛ لأن عتقه يعتبر من الثلث, والدين يمنع منه كما يمنع الدين العتق بالإعتاق, ويخالف شراء الكافر للمسلم؛ لأن الكفر يمنع الملك للعبد المسلم.

أَو بِمُحَابَاةٍ فَقَدَرُهَا كَهِبَةٍ, وَالبَاقِي مِنَ الثُلُثِ. وَلَو وَهَبَ لِعَبدٍ بَعضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ فَقَبِلَ وَقُلنَا: يَستَقِلُّ بِهِ .. عَتَقَ وَسَرَى, وَعَلَى سَيِدِهِ قِيمَةُ بَاِقِيهِ. فَصلٌ: أَعتَقَ فِي َمَرَضٍ مَوتِهِ عَبدًا لاَ يَملِكُ غَيرَهُ .. عَتَقَ ثُلُثُهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (أو بمحاباة) كما إذا اشتراه بخمسين وهو يساوي مئة (فقدرها كهبة) فيأتي فيه الخلاف فيما لو وهب منه هل هو من الثلث أو من رأس المال؟ قال: (والباقي من الثلث) فعلى الأول: كله من الثلث, وعلى الثاني: يعتبر منه نصفه, وحيث عتق من رأس المال .. ورث على الصحيح, أو من الثلث .. فلا على الصحيح. قال: (ولو وهب لعبد بعض قريب سيده فقبل وقلنا: يستقل به) أي: بالقبول دون مراجعة السيد. قال: (.. عتق وسرى, وعلى سيده قيمة باقيه)؛ لأن قبوله كقبول سيده شرعًا, كذا جزم به الرافعي. واستشكل في (الروضة) السراية فقال: ينبغي أن لا يسري؛ لأنه ملكه قهرًا كالإرث, والذي حاوله بحثًا رجحه الرافعي في (كتاب الكتابة) قبل الحكم الرابع, وتبعه المصنف فيه. تتمة: جرح عبد أباه, فاشتراه الأب ثم مات بالجراحة, إن قلنا: تصح الوصية للقاتل .. عتق من ثلثه, وإلا .. لم يعتق. وعلى هذا: قال البغوي: ينبغي أن تجعل صحة الشراء على وجهين كما لو اشتراه وعليه دين. قال: (فصل: أعتق في مرض موته عبدًا لا يملك غيره .. عتق ثلثه)؛ لأن التبرع في مرض الموت يعتبر من الثلث, حتى لو مات عقب موت السيد .. مات وثلثه حر.

فَإِن كَانَ عَلَيهِ دَينٌ مُستَغرِقٌ .. لمَ يَعتِق شَيءٌ مِنهُ, وَلَو أَعتَقَ ثَلاَثَةَ لاَ يَملِكُ غَيرَهُم قِيَمتُهُم سَوَاء .. عَتَقَ أَحَدَهُم بِقُرعَةٍ, وكَذَا لَو قَالَ: أَعتَقتُ ثُلُثُكُم, أو ثُلُثُكُم حُرِّ .... ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو مات قبل السيد فهل يموت رقيقًا كله أو حرًا كله أو ثلثه؟ أوجه, صحح الصيدلاني الأول, وبه أجاب الشيخ أبو زيد في مجلس الشيخ أبي بكر المحمودي, فحمده وارتضاه, كذا حكاه الشيخان هنا, ونقلا في (الوصايا) عن الأستاذ تصحيح الثاني واقتصرا عليه, وإطلاق المصنف يقتضي ترجيح الثالث. قال ((فإن كان عليه دين مستغرق .. لم يعتق شيء منه)؛ لأن العتق وصية, والدين مقدم عليها. واحترز ب (المستغرق) عنل لا يستغرق, فالباقي بعد الدين كأنه كل المال. وأراد بقوله: (لم يعتق): عدم النفوذ, لكن يحكم بإعتاقه في الأصل, حتى لو تبرع متبرع بقضاء الدين أو إبراء المستحق .. نفذ, كما صرح به الرافعيفيما لو أوصى بشيء وعليه دين مستغرق. قال: (ولو أعتق ثلاثة لا يملك غيرهم قيمتهم سواء .. عتق أحدهم)؛ لأن رجلًا من الأنصار أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم, فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم, فأعتق اثنين وأرق أرعة, رواه مسلم. قال في (البحر): المراد: جزأهم باعتبار القيمة؛ لأن عبيد الحجاز غالبًا لا تختلف قيمتهم, وبهذا قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يقرع بل يعتق من كل ثلثه, فلو مات أحدهم قبل موت السيد .. فالمذهب أنه يدخل في القرعة, وللإمام احتمال أنه لا يدخل, وكأنه أعتق عبدين فقط, وأقامه الغزالي وجهًا, والتفريع على الأول. قال: (بقرعة)؛ لأنها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقًا, فلو اتفقوا على أنه إن طار غراب ففلان حر أو من وضع صبي يده عليه حر .. لم يجز. قال: (وكذا لو قال: أعتقت ثلثكم, أو ثلثكم حر) فيقرع بينهم؛ لتمييز الحر من غيره.

وَلَو قَالَ أَعتَقتُ ثُلُثَ كُلِّ عَبدٍ .. أُقرِعَ, وَقِيلَ: يَعتِقُ مِن كُلِّ ثُلُثَهُ. وَالقُرعَةُ: أَن تُؤخَذَ ثَلاَثَ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٍ, يُكتَبُ فِي ثِنتَينِ رِقٌ وَفِي َواحِدَةٍ عِتقٌ, وَتُدرَجُ فِي بَنَادِقَ كَمَا سَبَقَ وَتَخَرَجُ وَاحِدَةٌ بِاسمِ أَحَدِهِم؛ فَإِن خَرَجَ العِتقُ .. عَتَقَ وَرَقَّ الآخَرَانِ, أوِ الرِّقُّ .. رَقَّ وَأُخرِجَت أُخرَى بِاسمِ آَخَرَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: أعتقت ثلث كل عبد .. أقرع) أي: ويعتق واحد بالقرعة؛ لأن العبيد له على الخلوص, وإعتاق بعض العبد الخالص كإعتاق كله, فصار كما لو قال أعتقتكم. قال: (وقيل: يعتق من كل ثلثه) أي: ولا إقراع؛ لتصريحه بالتبعيض, وهذا هو القياس, ولكن تشوف الشارع إلى تكميل العتق أوجب اتباع القرعة. ونظير المسألة: إذا وصى بعتق ثلث كل من عبيده الثلاثة .. فيأتي فيه الوجهان: الأصح يعتق واحد بقرعة, وقيل: من كل ثلثه. ولو دبر عبدًا وأوصى بعتق عبد .. ففي قول: يقدم المدبر؛ لأن عتقه يقع بالموت, والموصى بعتقه يتوقف على إنشائه, فأشبه ما إذا قال: إذا مت فسالم حر ثم غانم, والأظهر: يسوي بينهما في الإقراع؛ لاستوائهما في حالة وجوب الحق بالعتق المنتظر, وحكاه في (البحر) عن نص (الأم). قال: (والقرعة: أن تؤخذ ثلاث رقاع متساوية , يكتب في ثنتين رق وفي واحدة عتق, وتدرج في بنادق كما سبق) أي: في (باب القسمة). والختيار أن تجفف حتى تيبس, وأن توضع مغطاة, ويؤمر من لم يشاهدها بالإخراج, وأن يكون المخرج قليل الفطنة ظاهر السلامة. قال: (وتخرج واحدة باسم أحدهم؛ فإن خرج العتق .. عتق ورق الآخران, أو الرق .. رق وأخرجت باسم آخر) وتجوز بأقلام متساوية, وبالنوى والبعر كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الغتائم , كذا استدل به الرافعي وغيره, قال ابن الصلاح: ولا أعرف له صحة.

وَيَجُوزُ أَن تُكتَبَ أَسمَاؤُهُم ثُمَّ تُخرَجُ رُقعَةٌ عَلَى الحُرِّيَّةِ, قَمَن خَرَجَ اسمُهُ .. عَتَقَ وَرَقَّا, وَإن كَانُوا ثَلاَثَةَ قِيَمةُ وَاحِدٍ مِئَةٌ, وَآخَرَ مِئَتَانِ وَآخرَ ثَلَاثُ مِئَةٍ .. أُقرِعَ بِسَهمَي رِقِّ وَسَهمِ عِتقٍ؛ فَإِن خَرَجَ العِتق ُلذَيِ المئَتَينِ .. عَتَقَ وَرَقَّا, أو لِلثَّاِلثِ .. عَتَقَ ثُلُثَاهُ, أَو لِلأَوَّلِ .. عَتَقَ, ثُمَّ يُقرَعُ بَينَ الآخَرَينِ بِسَهمِ رِقَّ وَسَهمِ عِتقٍ, فَمَن خَرَجَ .. تُمِّمَ لَهُ الثُلُثُ. وِإِن كَاُنوا فَوقَ ثَلاَثَةٍ وَأمكَنَ تَوزِيعَهُم بِالعَدَدِ وَالقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيَمتُهُم سَوَاءٌ .. جُعِلُوا اثنَينِ اثنَينِ, أَو باِلقِيمَةِ دُونَ العَدَدَ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِم مِئَةٌ, وَقِيمَةُ اثنَينِ مِئَةٌ, وثَلَاثَةُ مِئَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن تفاوت كداوة وقلم وحصاة .. منعه الصيدلاني, وتوقف فيه الرافعي. قال: (ويجوز أن تكتب أسماؤهم ثم تخرج رقعة على الحرية , فمن خرج اسمه .. عتق ورقًا)؛ لأن به يفصل الأمر أيضًا. وكلام المصنف يقتضي: أن الصفة الأولى أولى؛ فإنه عبر هنا بالجواز , لكن صوب القاضي والإمام وغيرهما هذه الكيفية؛ لأن الإخراج فيها يكون مرة واحدة, بخلاف الأولى؛ فإنها تحتاج إلى إعادة سهم الرق أولا. قال: (وإن كانوا ثلاثة قيمة واحد مئة, وآخر مئتان وآخر ثلاث مءة .. أقرع بسهمي رق وسهم عتق؛ فإن خرج العتق لذي المئتين .. عتق) أي: وتم الثلث (ورقا9؛ لزيادتهما عليه, (أو للثالث .. عتق ثلثاه)؛ لأنه الثلث, (أو للأول .. عتق, ثم يقرع بين الآخرين بسهم رق وسهم عتق, فمن خرج .. تمم منه الثلث) , فإن الثاني .. عتق نصفه, أو الثالث .. فثلثه. قال: (وإن كانوا فوق ثلاثة وأمكن توزيعهم بالعدد والقيمة كستة قيمتهم سواء) وكذلك تسعة واثنا عشر ونحو ذلك. فيجعلون ثلاثة ثلاثة, أو أربعة أربعة, ويفعل كما سبق في الثلاثة المتساوية, وكذا لو كانت الستة قيمة ثلاثة منهم وثلاثة خمسون فنضم إلى كل نفيس خسيسًا. قال: (.. جعلوا اثنين اثنين) ثم نفعل كما فعلنا في الثلاثة المتساويين القيم. قال: (أو بالقيمة دون العدد كستة قيمة أحدهم مئة, وقيمة اثنين مئة, وثلاثة مئة ..

جُعِلَ الأَوَّلُ جُزءًا ,وَالِاثنَانِ جُزءًا ,وَالثَلاثَةُ جُزءًا. وَإن تَعَذَّر بِالقِيمَةِ كَأَربَعَهٍ قِيَمُتُهم سَوَاءٌ .. فَفِى قَولٍ: يُجَزَّوُونَ ثَلاَثَةَ أَجزاءٍ: وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ وَاثنَانِ , فَأِن خَرَجَ العِتقُ لِوَاحِدٍ .. عَتَقَ ثُمَّ أُقرِعَ لِتَتمِيمِ الثُلُثِ , أَو لِاثنَينِ .. رَقَّ الآخَرَانِ ثُمَّ أُقرِعَ بَينَهُمَا , فَيَعتِقُ مَن خَرَجَ لَهُ العِتقُ وَثُلُثُ الآخَرِ ,وَفِى قَولٍ: يُكتَبُ اسمُ كُلَّ عَبدٍ فِي رُقعَهٍ , فَيَعتِقُ مَن خَرَجَ أَوَّلًا وثُلُثُ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل الأول جزءا , والاثنان جزءا , والثلاثه جزءا) , حينئذ يقرع , غير ان المثال هكذا وقع فى (المحرر) فتابعه المنصف , وهو غير مطابق , فان السته لها ثلث صحيح , وانما مثاله: خمسه قيمه احدهم مئه، واثنين مئه وفى هذه الصوره وجهان: اصحهما – وهو المنصوص -: تجزؤهم كما ذكره المنصف. وقيل: يجزؤون بالعدد , فيجعل اللذان قيمتهما مئه جزءا , والذى قيمته مئه مع واحد من الثلاثه الباقين جزءا , والباقين جزءا. قال: (وان تعذر) اى: توزيعهم (بالقيمه) اى: او بالعدد، فان لم يكن لهم ولا لقيمتهم ثلث صحيح (كاربعه قييمتهم سواء .. ففى قول: يجزؤون ثلاثه اجزاء: واحد وواحد واثنان) , لانه اقرب الى فعله صلى الله عليه وسلم. قال: (فان خرج العتق لواحد .. عتق) اى كله (ثم اقرع) اى: بين الواحد وبين الاثنين الباقيين (لتتميم الثلث) , فمن خرج له سهم الحريه .. عتق ثلثه , كذا قاله الرافعى , ويحتاج الى تامل , فانه ان خرج للواحد .. فعتق ثلثه واضح , وان خرج للاثنثن .. فكيف يفعل؟ هل يعتق من كل منهما سدسه، او يقرع بينهما ثانيا فمن خرجت له ثلثه؟ وقل من تعرض لذلك. قال: (او لاثنين .. رق الاخران ثم اقرع بينهما , فيعتق من خرج له العتق وثلث الاخر) طلبا للمساواه. قال: (وفى قول: يكتب اسم كل عبد فى رقعه , من خرج اولا وثلث الثانى) , لان ذلك اقرب الى فصل الامر , فيخرج رقعه على عتق , فمن خرج اسمه .. عتق ثلثه , لكن كلام المنصف يوهم انه يعتق ثلث الثانى من غير اعاده

قُلتُ: أَظهَرُهُمَا: الأَوَّلُ , واللهُ أعلَمُ. وَالقَولاَنِ فِي استِحبَابٍ , وَقِيلَ إيجَابٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قرعة , وليس كذلك , بل تعاد كما ذكرناه , وهو صريح كلام (المحرر). قال: (قلت: اظهرهما: الأول والله أعلم) اى: إنهم يجزؤون ثلاثة اجزاء بحيث يقرب من التثليث , لما قلناه من كونه اقرب إلى فعل النبى صلى الله عليه وسلم , وهذا صححه الرافعى , ونقله ابن الرفعه عن النص. وصورة المسألة: ثمانية قيمتهم سواء. وفى المسألة قولان: أظهرهما: يجزؤون ثلاثة وثلاثة واثنين , فتكتب اسماؤهم فى ثمانى رقاع , فإن كانوا اربعه .. فعلى يجزؤون واحدا يجزؤون واحدا وواحدا واثنين , وعلى الثانى: كل اسم فى رقعه. اما اذا امكن التسوية بالعدد القيمه او عكسه كسته قيمه احدهم مئة واثنين مئة وثلاثة مئة .. فوجهان: الصحيح المنصوص: يجزؤون واحدا واثنين وثلاثة , مراعاة للقيمة. والثانى: يجزؤون بالعدد , فاللذان قيمتهما مئة جزءا والذى قيمنه مئة مع واحد من الثلاثة جزءا والباقيان جزءا , فيقرع ويعتق قدر الثلث. قال: (والقولان فى استحباب) , لان المقصود يحصل بكل طريق. قال: (وقيل: ايجاب) , لأنه اقرب الى فعل النبى صلى الله عليه وسلم , وهذا نقله فى (شرح) و (الروضة) عن مقتضى كلام الاكثرين , ونقل الاول عن القاضى حسين. فرع: قال فى (البحر): لو كان فى العبيد اخوان او اب وابن .. كان الجمع بينهما اولى من التفرقه. وإن كان فيهم ام وابن بالغ ففرق بينهما .. جاز , او ام وابن صغير .. لم يجز , قال ابن الرفعه: وفيما قاله نظر , لان التفرقه بالحرية غير داخله فى التحريم , وفي

وَإذَا أعَتَقنَا بَعضَهُم بِقُرعَةٍ فَظَهَرَ مَالٌ وخَرَجَ كٌلٌّهٌم مِن الثٌلٌثِ .. عَتَقٌوا , وَلَهٌم كَسبٌهٌم مِن يَومِ الإعتَاقِ , وَلاَ يَرجِعٌ الوَارِثٌ بِمَا أنفَقَ عَلَيهِم , وَإن خَرَجَ ثُمَّ ظَهَرَ عَبدٌ آخَرُ .. أُقرِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتراضه نظر , لان التفرقه فى البيع جازت للضرورة , ولا ضرورة هنا عند امكان الضم اليها كما سبق. قال: وإن كان فيهم زوجان .. فهل تجوز التفرقه؟ وجهان , وجه المنع انها تفضى الى فسخ النكاح , وكل هذا اذا امكن الجمع. وقال: (وإذا اعتقنا بعضهم بقرعه فظهر مال) اى: للميت جهلناه وقت القرعه (وخرج كلهم من الثلث .. عتقوا , ولهم كسبهم) وكذا كل ما كان فى معنى الكسب كالولد وارش الجناية وغيرهما. قال: (من اليوم الإعتاق) وترتب على ذلك جميع احكام الحرية , حتى كانت امه زوجها الوارث بالملك .. بطل نكاحها , ولو وطئها الوارث بالملك .. لزمه مهرها , ولو زنى احدهما وجلد خمسين .. كمل حده إن كان بكرا ورجم إن كان ثيبا. ولو كان الوارث باع أحدهم .. بطل إعتاقه وكان ولاؤه للأول , ولو كاتبه .. بطلت كتابته ورجع على الوارث بما ادى , وصار حرا فى جميع الاحكام. قال: (ولا يرجع الوارث بما انفق عليهم) كمن نكح امراه نكاحا فاسدا على ظن انه صحيح ثم فوق القاضى بينهما .. لا يرجع بما انفق , لأنه انفق على ان لا يرجع. قال القاضى: ويحمل ان يرجع كما لو انفق على المبتوتة الحامل بقول القوابل ثم بان ان لا حمل .. فإنه يرجع. قال: (وان خرج) اى: من الثلث (ثم ظهر عبد اخر .. اقرع) اى: بينه وبين من بقى من العبيد , كما اذا اعتقنا واحدا من ثلاثه ثم ظهر مال يجرج به اخر .. اقرع , فمن خرج اسمه منهم .. عتق , فلو ظهر له مال اخر .. اقرعنا وهكذا.

وَمَن عَتَقَ بِقُرعَةٍ .. حُكِمَ بِعتقِهِ مِن يَومِ الإعتَاقِ , وَتُعتَبَرُ قِيَمتُهُ حِينَئذٍ , وَلَهُ كَسبُهُ مِن يَومِئذٍ غَيرَ مَحسُوبٍ مِنَ الثُلُثِ. وَمَن بَقِىَ رَقِيقًا قُوِّمَ يَومَ المَوتِ وحُسِبَ مِنَ الثُلُثَينِ هُوَ وَكَسبُهُ البَاقِي قَبلَ المَوتِ , لاَ الحَادِثُ بَعدَهُ ,فَلَو أُعتِقَ ثَلاَثَةً لاَ يَملِكُ غَيرِهِم قِيمَةُ كُلِّ مِئَهٌ ,فَكَسَبَ أَحَدَهُمُ مِئَةً .. أُقرِعَ , فَإن خَرَجَ العِتقُ لِلكَاسِبِ .. عَتَقَ وَلَهُ المِئَةُ , وَإن خَرَجَ لِغَيرِهِ .. عَتَقَ ثُمَّ أُقرِعَ , وَإِن خَرَجَت لِغَيرِهِ .. عَتَقَ ثُلُثَهُ , وَإن خَرَجَت لَهُ .. عَتَقَ رُبعُهُ , وَتَبِعَهُ رُبعُ كَسبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ومن عتق بقرعه .. حكم بعتقه من يوم الاعتاق , وتعتبر قيمته حينئذ) بخلاف من اوصى بعتقه , فانه تعتبر قيمته الموت , لانه وقت الاستحقاق. قال: (وله كسبه من يومئذ) اى: من يوم الاتاق , وكذا كل ما يختص به الحر من الحقوق كالكسب وغيره كما تقدم. قال: (غير محسوب من الثلث) , سواء فى حياه المعتق او بعد موته , لحصوله فى ملكه. قال: (ومن بقى رقيقا قوم يوم الموت) , لانه وقت استحقاق الوارث. قال: (وحسب من الثلثين هو كسبه الباقى قبل الموت) , لانه انما ملكه بعد ذلك. قال: (لا الحادث بعده) , لانه حدث على ملك الورثه , حتى لو كان على سيده دين .. بيع فى الدين , والكسب للوارث لا يقضى الدين منه , خلافا للاصطخرى. قال: (قلو اعتق ثلاثه لا يملك غيرهم قيمه كل مئه , فكسب احدهم مئه .. اقرع , فان خرج العتق للكاسب .. عتق وله المئه) , لمل سبق , وفهم كلامه انه يحكم برق الاخرين , لانهما ثلثا ماله. قال: (وان خرج لغيره .. عتق ثم اقرع) اى: بين المكتسب والاخر. قال: (وان خرجت لغيره .. عتق ثلثه) فيبقى ثلثاه , والمكتسب وكسبه للورئه. قال: (وان خرجت له) اى: للمكتسب (.. عتق ربعه , وتبعه ربع كسبه) , لانه يجب ان يبقى للوثه ضعف ما عتق , ولا يبقى ذلك الا بذلك , لانه عتق ربعه ,

فصل: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيمة الربع خمسه وعشرون تبعه من كسبه خمسه وعشرون غير محسوبه عليه , فيبقى من كسبه خمسه وسبعون ويبقى منه ما قيمته خمسه وسبعون وعبد قيمته مئه , فجمله التركه المحسوبه ثلاث مئه وخمسه وسبعون , منها قيمه العبيد كلهم ثلاث مئه , ومنها من كسب احدهم خمسه وسبعون , جمله ما عتق مئه وخمسه وعشرون , وجمله ما بقى للورثه مئتان وخمسون. واما ربع كسبه وهو خمسه وعشرون .. فانه غير محسوب عليه , لانه تابع لمل عتق منه , وفى هذه الصوره ياتى الدور , ويستخرج بطريق الجبر والمقابله , وقد وبينها فى (المحرر) , وحاصله: يعتق ربعه ويتبعه ربع ويتبعه كسبه كما قاله المنف. تتمه: سئل العبادى عمن له ثلاثه اعبد فقال: احدعبيدى حر , ثم قال: احد عبيدى حر , ثم قال ثالثا: احد عبيدى حر .. فقال: يعتق الجميع , قال: ولو قال: احد هؤلاء حر , وقاله ثانيا وثالثا .. لا يعتق الا واحد , لان قوله: احد عبيدى ينصرف الى المملوك , وقوله: احد هؤلاء لا يتعين فى الرق , فانه لو قال لعبده وحر: احدكما حر .. انصرف الى الحر. وقال القاضى حسين: لا يعتق فى المسالتين الاواحد , لانه قوله ثانيا: احد عبيدى حر) يقتضى ان يكون له عبيد ولم يكن له الا عبدان. فقيل له: رجل قال: عبيدى احرار , وليس له الا عبد؟ قال: احد زوجاتى طوالق وليس له الا زوجه او زوجتان لا يقع عليه طلاق وهو بعيد , والمساله فى (فتاوى البغوى) واجاب فيها بما اجاب به العبادى , وهو الصواب. قال: (فصل): هذا باب الولاء , وهو بفتح الواو والمد , مأخوذ من الموالاة , وهى المعاونة والمقاربة , فكانه أحد أقارب المعتق.

مَن عَتَقَ عَلَيهِ رَقِيقٌ أَو كِتَابَةٍ وَتَدبِيرٍ وَاستِيلاَدٍ وَقَرَابَةٍ وسِرَايَةٍ .. فَوَلاؤُهُ لَهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو في الشرع عبارة عن عصوبة متراخية عن عصوبة النسب, يرث بها المعتق ويلي أمر النكاح والصلاة عليه, ويعقل ذكور العصبة من بعده, وقد بالغ المصنف في اختصاره. والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعلى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ومَوَالِيكُمْ}. وروى أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولاء لحمة كلحمة النسب, لا يباع ولا يوهب) وفي (رواية كلحمة الثوب). واللحمة بضم اللام وفتحها, وقيل: في النسب بالفتح, وفي الثوب بالضم. ومعنى الحديث: المخالطة في الولاء, وأنها تجري مجرى النسب في الميراث, كما تخالط اللحمة سدى الثوب حتى يصيرا شيئًا واحدًا؛ لما بينهما من المداخلة الشديدة. وإنما قال: (لا يباع ول يوهل) لأن العرب كانت تبيعه كما قيل [من الطويل]: فباعوه مملوكًا وباعوه معتقًا ... فليس له حتى الممات خلاص فنهاهم الشارع عن ذلك, وهذا كالإجماع من أهل العلم, إلا أنه روي عن ميمونة أنها وهبت ولاء مواليها من العباس أو من ابن عباس. قال: (من عتق عليه رقيق بإعتاق) , سواء نجز ذلك أو علقه صفة فوجدت. قال: (أو كتابة وتدبير واستيلاد وقرابة وسراية .. فولاؤه له) أما إذا باشر العتق .. فلقوله صصلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق (متفق عليه. وأما في الباقي .. فقياسًا عليه, ولا ينتفي عنه بنفيه بأن أعتقه على أن لا ولاء عليه, أو أنه لفلان أو للمسلمين, فإن الشرط بلغو ويثبت له الولاء. ودخل في كلام المصنف ما لو التمس من مالك العبد عتقه عنه بمال أو مجانا فأجاب .. فإنه يعتق عنه وولاؤه له.

ثُمَّ لِعَصَبَتَهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا باع عبده نفسه .. فإن الولاء يثبت له على المذهب, ولا تشمله عبارة المصنف. ولو شهد بعتق عبد ثم اشتراه .. عتق عليه؛ لإقراره , وولاؤه موقوف على الظاهر النص. وقيل: يسلم له من ميراثه الأقل مما بذله ومن جملة الميراث, وصححه الجمهور. ولو أعتق مسلم كافرًا أو عكسه .. ثبت الولاء وإن لم يتوارثا. وادعى الماوردي الإجماع على أن المسلم إذا أعتق كافرًا .. ثبت له الولاء, وحكى الخلاف في ثبوته للكافر على المسلم. وفائدة ثبوت الولاء: الإرث إذا أسلم, وما نقله القاضي عبد الوهاب المالكي عن الشافعي أنه قال: إن المسلم يرث عبده الكافر .. لم يصح عن الشافعي. هذا إذا لم يطرأ استرقاق بعد الإعتاق, فلو أعتق الكافر كافرًا فالتحق العتيق بدار الحرب فاسترق ثم أعتقه سيده الثاني .. ففي ميراثه ثلاثة أوجه حكاها ابن القطان والدارمي: أحدها: للسيد الأول؛ لأن ولاؤه استقر له. والثاني: للثاني؛ لأن عتقه أقرب إلى الموت. والثالث بينهما, والراجح: الثاني؛ فإن ابن اللبان قال في (الإيجاز): إنه مذهب الشافعي ومالك, ورد الأول بأنه لما استرق .. بطل ولاؤه , وهذا الفرع تقدم في (الفرائض) عند قول المصنف: (فصل من لا عصبة له بنسب وله معتق). وإذا ثبت الولاء على العتيق .. استرسل وانتقل إلى عتيق وأولاده وأحفاده, لكن تستثنى صورتان ستأتيان. قال: (ثم لعصبته) أي: الأقرب فالأقرب كما سبق في (الفرائض) , ولا ينتقل الولاء لقير العصبة من الورثة؛ إذ لو انتقل إلى غيرهم .. لكان موروثًا وهو لا يورث لكن يورث به, ولأنه لو ورث .. لاشترك فيه الرجال والنساء.

وَلاَ تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلاَءٍ إِلاَّ مِنْ عَتِيقِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في (الروضة) هنا: أن من أعتق عن غيره بغير إذنه .. وقع العنق عن المعتق عنه وله الولاء دون المعتق، وهو سبق قلم، وعبارة الرافعي: من أعتق عن غيره بغير إذنه .. وقع العتق عنه وكان الولاء له دون المعتق عنه، خلافًا لمالك، وهذا هو الصواب. ونقل الشيخان في (الظهار) عن البغوي من غير مخالفة أنه لو قال: أعتق عبدك عني على ألف، فقال: أعتقته عنك مجانًا .. عتق عن المعتق دون المستدعي، ومسألتنا أولى بذلك، وقد تقدم في (الفرائض) الصور الأربعة التي يخالف فيها الولاء النسب. تنبيه: ظاهر عبارته أن الولاء لا يثبت في حياة المعتق لعصبته، بل إنما يثبت بعده وهو المشهور، وقال ابن المنذر: يثبت في حياته. ومراده بالعصبة: العصبة بنفسه لا بغيره، ولهذا قال بعده: (ولا ترث امرأة بولاء)؛ لأن البنت عصبة بأخيها وعند عدمه صاحبة فرض، ولا شيء لأصحاب الفروض في الولاء بحال. قال: (ولا ترث امرأة بولاء إلا من عتيقها)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق). وروى النسائي [سك 6365] بإسناد جيد: أن ابنة حمزة – واسمها فاطمة، وقيل:

وَأَوْلَادِهِ وَعُتَقَائِهِ، وَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الأَبِ بِلَا وَارِثٍ فَمَالُهُ لِلْبِنْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أمامة - أعتقت عبدا لها، فمات وترك ابنته ومولاته، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف والمعتقة النصف. وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبية عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يرث الولاء من يرث المال) فرواه الترمذي [2114] وقال: إسناده ضعيف. والمصنف قدم المسألة في (الفرائض) لكن بغير هذه العبارة. قال: (وأولاده وعتقائه) كالرجل، وزاد في (التنبيه) ثالثة وهي: جر الولاء إليها ممن أعتقت. وصورته: أن يتزوج عبدها بمعتقة رجل، فتأتي منه بولد، فولاؤه لمولى أمه، ثم تعتق المرأة عبدها، فينجر ولاء الولد إليها. قال: (وإن عتق عليها أبوها ثم أعتق عبدًا فمات بعد موت الأب بلا وارث .. فماله للبنت)، لأنها معتقة المعتق، فإن كان له عصبة كأخ وأبن عم قريب أو بعيد .. فميراث العتيق له؛ لأنه عصبة المعتق بالنسب، ولا شيء للبنت؛ لأنها معتقة المعتق، وهي متأخرة عن عصبة النسب. وصورة المسألة: امرأة اشترت أباها فعتق عليها، ثم أعتق الأب عبدًا ومات عتيقه بعد موته. قال الشيخ أبو علي: سمعت بعض الناس يقول: أخطأ في هذه المسألة أربع مئة قاض؛ لأنهم رأوها أقرب، وهي عصبة له بولائها عليه. وصورها في (الوسيط) بابن وبنت شريا أباهما فعتق عليهما، ثم اشترى الأب مملوكًا وأعتقه ومات، ثم مات العتيق، فقال القضاة الغالطون: ميراث العتيق بين الأخ والأخت؛ لأنهما معتقا معتقه. والصواب: أنه للأخ، ولا شيء للأخت؛ لأنها معتقة المعتق، فلو كان الأخ قد مات قبل أبيه وخلق ابنًا أو ابن ابن وان سفل أو كان للأب المعتق ابن عم بعيد .. فهو أولى من البنت كما تقدم.

وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ، وَمَنْ مَسَّهُ رِقُّ .. فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا لِمُعْتِقهِ وَعَصَبَتِهِ. وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ .. فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الأُمِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو مات هذا الأخ بعد موت الأب ولم يخلف إلا أخته .. فلها نصف ميراثه بالأخوة ونصف الباقي؛ لأن لها نصف ولاء الأخ لإعتاقها نصف الأب، فيجتمع لها ثلاثة أرباع الإرث. ولو مات الأب ثم مات الابن ثم مات العتيق ولم يخلف إلا البنت .. فلها ثلاثة أرباع الميراث أيضًا، النصف؛ لكونها معتقة نصف المعتق، ونصف الباقي؛ لثبوت ولاء السراية على نصف الأخ بإعتاقها نصف أبيه، والربع الباقي في هذه والتي قبلها لبيت المال. قال: (والولاء لأعلى العصبات) هو مراد (المحرر) بقوله: الولاء للكُبْر؛ لقول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت: الولاء للكُبْر، قاله أبو داوود، وأسنده البيهقي [10/ 303] وعبد الرزاق [16238] وهو بضم الكاف وسكون الباء؛ أي: أكبر الجماعة في الدرجة والقرب دون السن. مثاله: أعتق عبدًا ومات عن ابنين .. فولاء العتيق لهما، ثم مات أحدهما وخلق ابنًا .. فولاء العتيق لابن المعتق دون ابن ابنه. ولو مات المعتق عن ثلاثة بنين ثم مات أحدهم عن ابن وآخر عن أربعة والآخر عن خمسة .. فالولاء بين العشرة بالسوية، فإذا مات العتيق .. ورثوه اعتبارًا؛ لاستوائهم في القرب. قال: (ومن مسه رق .. فلا ولاء عليه إلا لمعتقه وعصبته) أي: عصبة معتقة ولا ولاء عليه لغير، كمعتق أبيه أو أمه، وذلك لأن نعمة من أعتقه عليه أعظم من نعمة من أعتق بعض أصوله فيخصص بالولاء، فإن لم يوجد .. فالولاء لعصباته، فإن فقدوا .. فالميراث بعدهم لبيت المال. قال: (ولو نكح عبد معتقا فأتت بولد .. فولاؤه لمولى الأم)؛ لأنه المنعم عليه فإنه عتق بإعتاق أمه.

فَإِنْ أَعْتَقَ الأَبَ .. أنْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ. وَلَوْ مَاتَ الأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الجَدُّ .. انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، فَإِنْ أُعْتِقَ الجَدُّ وَالأَبُ رَقِيقٌ. أنْجَرَّ فَإِنْ أَعْتَقَ الأَبَ بَعْدَهُ .. أنْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، وَقِيلَ: يَبْقَي لِمَوَالِي الأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الأَبُ فَيَنْجَرُّ إلَى مَوَالَي الجَدِّ، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الوَلَدُ أَبَاهُ .. جَرَّ وَلَاءَ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن أعتق الأب .. انجر إلى مواليه) فينتقل من موالي الأم إلى موالي الأب، ومعناه: بطلان ولاء موالي الأم وثبوته لموالي الأب؛ لما روى البيهقي [10/ 306]: أن الزبير بن العوام رأى فتية ظرافًا فأعجبه ظرفهم، فسأل عنهم فقالوا: رافع بن خديج زوج أمته من غلام فلان الأعرابي، ثم أعتقها فهؤلاء منها، فاشترى الزبير الغلام من الأعرابي وأعتقه، ووجه إلى رافع أن ولاءهم لي، فتحاكما إلى عثمان فحكم بالولاء للزبير، ولم يعرف لهم مخالف؛ لأن الولاء فرع النسب، والنسب معتبر بالأب، وإنما ثبت لموالي الأم لعدم الولاء من جهة الأب، فإذا عاد الولاء إلى جهة الأب .. عاد إلى موضعه. ومحل الانجرار إلى موالي الأب إذا لم يكن معتق الأب هو الابن نفسه، فإن اشترى الولد أباه فعتق عليه .. فالأصح أن ولاء الابن باق لموالي أمه كما سيأتي. قال: (ولو مات الأب رقيقًا وعتق الجد .. انجر إلى مواليه)؛ لأنه كالأب في النسب والتعصيب، فيجر الولاء كالأب. قال: (فإن أعتق الجد والأب رقيق .. انجر) كما لو مات الأب رقيقًا. قال: (فإن أعتق الأب بعده .. أنجر إلى مواليه)؛ لأن الجد إنما جره لكون الأب رقيقًا، فإذا اعتق .. كان أولى بالجر؛ لأنه أقوي من الجد في النسب. قال: (وقيل: يبقي لموالي الأم حتى يموت الأب فينجر إلى موالي الجد) وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه إنما ينجر لبقا، الأب رقيقًا، فإذا مات .. زال المانع، وهذا الوجه قطع به البغوي، وقال المصنف: إنه أقوي، لكن صحح الشيخ أبو علي عدم الانجرار. قال: (ولو ملك هذا الولد) أي: الذي ثبت عليه الولاء لموالي أمه (أباه .. جر ولاء إخوته إليه)، وهذا لا خلاف فيه كما صرح به في (المحرر)، والمراد: إخوته

وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ فِي الأَصَحُّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ المَنْصُوصُ: لا يَجُرُّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أبية، سواء كانوا من أمه أو من معتقة أخرى. قال: (وكذا ولاء نفسه في الأصح) كما لو أعتق الأب غيره ثم يسقط ويصير كحر .. لا ولاء عليه. قال: (قلت: الأصح المنصوص: لا يجره والله أعلم) بل يبقى ولاؤه لموالي الأم؛ لأنه لا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء، ولهذا لو اشترى العبد نفسه .. يعتق ويكون الولاء للسيد، وكذا المكاتب إذا عتق بأداء النجوم، وإذا تعذر الجو .. بقي الولاء في موضعه، وهذا الذي صححه الرافعي في (الشرحين) وهو ظاهر مذهب الشافعي، وكأن الذي وقع في (المحرر) سبق قلم. تتمة: تزوج معتق بحرة أهلية لا ولاء عليها، فولدت ولدًا .. فولاء الولد لمعتق الأب في الأصح، وقيل: لا ولاء عليه لأحد. وإذا تزوج حر لا ولاء عليه معتقة فأتت بولد .. فهل عليه لموالي الأم ولاء؟ فيه أوجه: أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: إذ كان أبوه حرًا ظاهرًا وباطنًا .. فلا، وإن كان ظاهرًا فقط كالمحكوم بحريته بالدار .. فنعم. * * * خاتمة أعتق كافر مسلمًا وله ابن مسلم وابن كافر، ثم مات العتيق بعد موت معتقه .. فولاؤه للمسلم فقط، ولو أسلم الآخر قبل موته .. فولاؤه لهما، ولو مات في حياة معتقه .. فميراثه لبيت المال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك لو أن المعتق المسلم قتل العبد المعتق وللسيد ابن .. لا يرثه المعتق؛ لأنه قاتل ولاء أبنه، بخلاف النسب؛ فإن ولد القاتل يرث، والفرق أن في (باب النسب) الأخوة ثابتة بين الأخ والمقتول فلهذا ورثه، وفي (الولاء) الابن إنما ثبت له الولاء بموت أبيه، وكذلك في التزويج. ونص الشافعي على أن المرأة إذا أعتقت أمة وكان لها ابن صغير وأخ .. لا يزوج العتيقة ولد المعتقة، إنما يزوجها السلطان لهذه العلة، وفي النسب إذا كأن الأخ صغيرًا .. زوج العم. * * *

كتاب التدبير

كتاب التدبير

كتاب التدبير ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب التدبير هو في اللغة: النظر في عواقب الأمور. وفي الشرع: تعليق عتق يقع بعد الموت. وحده بعضهم بأنه تعليق عتقه بالموت، وهو غير مانع؛ فإنه لو قال: إذا من فأنت حر قبل موتي بشهر فمات فجأة .. فهذا تعليق بالموت وليس تدبيرًا؛ لأنه يعتق من رأس المال. ولفظ مأخوذ من الدبر: لأن الموت دبر الحياة، وقيل: لأنه لم يجعل تدبيره إلى غيره، وقيل: لأنه دبر أمر حياته باستخدامه وأمر آخرته بعتقه. وكان معروفًا في الجاهلية فأقره الشرع، وقيل.: إنه مبتدأ في الإسلام، ولا يستعمل التدبير في غير العتق من الوصايا، وقد دبر المهاجرون والأنصار، وأجمع المسلمون على جوازه. وافتتحه في (المحرر) بقول جابر: (إن رجلًا أعتق غلامًا عن دبر لم يكن له مال غيره، فباعه النبي صلى الله عليه وسلم) رواه الشيخان [خ 2141 - م997]، واشتراه نعيم النحام. ووقع في (الرافعي) وبعض كتب الحديث والفقه: نعيم بن النحام، وهو وهم، واسم العبد المدبر: يعقوب، ومدبره أبو مذكور الأنصاري.

صَرِيحُهُ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إِذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُ .. فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي، وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي (سنن الدارقطني) [4/ 139]: أن النبي صلى الله عليه وسلم باعد بعد الموت، وهو خطأ، وفيه أيضًا: أنه إنما باع خدمته، وهو منقطع. قال: (صريحة: أنت حر بعد موتي، أو إذا مت أو متى مت .. فأنت حر، أو أعتقتك بعد موتي)؛ لأن هذه الصيغ لا تحتمل غيره وهو شأن الصريح، لكن كان ينبغي أن يقول: مثل كذا؛ لأن صرائحه لا تنحصر في ذلك، ومنها: حررتك بعد موتي، أو إذا مت .. فأنت عتيق. ووقع في (الكفاية): أن إذا مت .. فأنت حر كناية، وهو سبق قلم. قال: (وكذا دبرتك أو أنت مدبر على المذهب) كذا نص عليه هنا، ونص في (الكتابة) على أن قوله: كاتبتك على كذا .. لا يكفي حتى يقول: فإذا أديت .. فأنت حر وينوي ذلك، فقيل قولان فيها: أحدهما: أنهما صريحان؛ لاشتهارهما في معناهما كالبيع والهبة. والثاني: كنايتان؛ لخلوهما عن لفظ الحرية والعتق. والثالث: إن كان اللافظ فقيهًا .. افتقر إلى النية، وإلا .. فلا، والأصح: تقرير النصين. والفرق: أن التدبير مشهور يعرفه كل أحد ولا يحتمل إلا العتق بعد الموت، فاستغنى عن النية، والكتابة لا يعرفها إلا الخواص وتحتمل أمورًا منها المراسلة والمخارجة مثل: كاتبتك كل يوم بكذا. وموضح الخلاف: حيث لم ينو العتق، فإن نواه .. فلا خلاف فيه. قال: (ويصح بكناية عتق مع نية كخليت سبيلك بعد موتي)؛ لأنه نوع من العتق فدخلته كنايت

وَيَصِحُّ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوِ المَرَضِ .. فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْتَ .. فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي؛ فَإِنْ ُوِجَدِت الصِّفَةُ وَمَاتَ .. عَتَقَ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ ثُمَ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ .. اشْتُرِطَ الدُّخُولُ بَعْدَ المَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: دبرت نصفك أو ربعك .. صح، فإذا مات .. عتق ذلك الجزء ولم يسر كما تقدم. قال: (ويصح مقيدًا كإن مت في هذا الشهر أو المرض .. فأنت حر) فإن مات على تلك الصفة .. عتق، وإلا .. فلا، وهو كالمطلق في الإعتاق من الثلث، لكن شرط المقيد أن يكون إلى مدة يمكن بقاؤه إليها. فلو قال: إذا مت بعد ألف سنة فأنت حر .. ففي صيرورته مدبرًا وجهان في (البحر) في (باب الخيار)، وصحح: أنه لا يكون مدبرًا؛ للقطع بأنه لا يبقى إلى هذه المدة. قال: (ومعلقًا كإن دخلت .. فأنت حر بعد موتي)؛ لأنه دائر بين كونه عتقًا أو وصية، وتعليقهما جائز. قال: (فإن وجدت الصفة ومات .. عتق، وإلا .. فلا)؛ لأنه يصير مدبرًا ما لم يدخل. قال الإمام: وإذا وجد الدخول .. حصل التدبير، والتحق بالتدبير المقيد إن كان يختلف به غرض. قال: (ويشترط الدخول قبل موت السيد) كسائر الصفات المعلق عليها، فإن مات السيد قبل الدخول .. فلا تدبير. قال: (فإن قال: إن مت ثم دخلت فأنت حر .. اشترط الدخول بعد الموت)؛ اعتبارًا بمقتضى تعليقه ب (ثم)، فلو دخلها قبل موته .. لم يعتق. ومقتضى عبارته: أن هذه الصورة يعتق فيها بالتدبير، والصحيح: أنه يعتق بالصفة

وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا بالتدبير؛ لأن التدبير تعليق العتق بموته فقط، وهنا علقة بموته ودخول الدار بعده. تنبيه: ظاهر كلامه: أنه لو أتى بالواو .. لم يشترط في الترتيب. ونقل الشيخان عن البغوي فيها الاشتراط أيضًا إلا أن يريد الدخول قبله. والصواب: ما اقتضته عبارة المصنف، فقد قال الشيخان في (تعليق الطلاق): إن هذا وجه مفرع على أن الواو للترتيب، وجزما بأنه لا فرق بين أن يتقدم الأول أو يتأخر، فالذي قاله البغوي مبني على أن الواو للترتيب وهو ضعيف. قال: (وهو) أي: الدخول بعد الموت (على التراخي)، فلا يشترط فيه الفور؛ إذ ليس في الصيغة ما يقتضي ذلك. قال: (وليس للوارث بيعة قبل الدخول) كما لو أوصى لإنسان بشي، ليس للوارث بيعه قبل قبوله وإذ كان للموصي أن يبيعه، وكذلك كل تصرف يزيل الملك، وله التصرف بما لا يزيله كالاستخدام والإجارة. وفي وجه ضعيف: أن للوارث أيضًا أن يبيعه؛ لأن أحد شرطي العتق لم يوجد فصار كما لو قال: إذ أكلت هذين الرغيفين فأنت حر، فأكل أحدهما .. لم يمتنع بيعة، لكن في رجوع ذلك إلى خيرة العبد وشهوته وعدم الاعتراض عليه نظر؛ لأنه قد يكون عاجزًا لا منفعة فيه ولا خدمة فيبقى كلًا على الورثة، قال الدارمي: فيقال له: إن فعلت كذا وإلا .. جعلنا لهم التصرف فيك، وهذا متعين يجب تنزيل إطلاق المطلقين عليه. وقد قال الأصحاب في الموصى له: إنه إذا لم يقبل ولم يرد .. خيره الحاكم بينهما بطلب الوارث، فإن لم يفعل .. حكم عليه بالإبطال. وفي معنى البيع كل تصرف يزيل الملك، فلو نجز الوارث عتقه قبل الدخول .. ففيه احتمالان لابن أبي الدم:

وَلَوْ قَالَ: إِذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْتَ حُرٌّ .. فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لاَ بَيْعُهُ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ شِئْتُ فَأَنْتً مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إِنْ شِئْتً .. اشْتُرِطَتِ الْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةَ، وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتُ .. فَلِلتَّراَخِي. وَلَوْ قَالاَ لِعَبْدِهمَا: إِذًا مِتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ .. لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: المنع كما يمتنع بيعه وهبته. والثاني: نعم؛ لقوة العتق؛ ولأن المقصود عتقه كيف شاء تحقيقًا لغرض الميت، وهذا هو الصواب، فكم من رقبة يمتنع بيعها ويجوز عتقها كالمبيع قبل القبض وغيره. قال: (ولو قال: إذا مت ومضى شهر فأنت حر .. فللوارث استخدامه في الشهر)؛ لبقائه على ملكه. قال: (لا بيعة) لتعلق حق المعتق به، ثم هل هذا تدبير مطلق أو مقيد، أو لا مطلق ولا مقيد، وإنما هو مجرد تعليق لا تدبير؟ فيه أوجه: أصحها ثالثها. قال: (ولو قال: إن شئت فأنت مدبر أو أنت حر بعد موتي إن شئت .. اشترطت المشيئة متصلة) أي: اتصالًا لفظيًا؛ لأن الخطاب يقتضي جوابًا في الحال كالبيع، ولأنه كالتمليك وهو يفتقر إلى القبول في الحال. قال: (وإن قال: متى شئت .. فللتراخي)؛ لأنه صريح فيه، وهذا لا خلاف فيه، وكذا: مهما شئت. نعم؛ تشترط المشيئة في حياة السيد كسائر الصفات المعلق عليها، إلا إذا علق صريحًا بمشيئته بعد الموت .. فإنه يحصل العتق بذلك, وفي اشتراط الفور حينئذ عقب الصوت تفصيل، فإن قال: إذا مت فشئت .. اشترط في الأصح، ولو قال: إذا مت فمتى شئت فأنت حر .. لم يشترط قطعًا. قال: (ولو قالا لعبدهما: إذا متنا فأنت حر .. لم يعتق حتى يموتا) لأنهما علقة عتقه بموتهما، ثم إن ماتا معًا .. فالحاصل: عتق لا تدبير في الأصح، وإن ماتا مرتبًا .. فقيل: لا تدبير، والأصح: أنه بموت الأول صار نصيب الثاني مدبرًا، وأشار المصنف إلى هذا حيث قال:

فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا .. فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيِبِه. وَلاَ يَصحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لاَ يُمَيِّزُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإن مات أحدهما .. فليس لوارثه بيع نصيبه) أي: وله التصرف فيه بما لا يزيل الملك كالاستخدام والإجارة؛ لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك. وفية وجه: أن له بيعه كما تقدم في نظيره، أما كسب العبد بين موتيهما .. ففيه وجهان: أحدهما: أنه معدود من تركة الميت. والأصح: أنه يختص به الوارث وقد تقدم في (الوصايا) قبيل قوله: (فصل أوصى بشاة) أنه لو أوصى بعتق عبد فاكتسب مالًا بين الموت والإعتاق تصحيح أنه للعبد. والفرق: أن المعتق هناك مستحق حالة الاكتساب، فإنه واجب على الفور بخلافه هنا. فرع: قالا: إذا متنا معًا .. فالحكم كما تقدم، سواء قالاه معًا أو مرتبًا. ولم يحمل الشافعي قولهما متنا معًا على موتهما دفعة واحدة؛ لأنه يصدق أن يقال: ماتا معًا وإن ترتب موتهما. وكذلك الحكم إذا قال الزوج لامرأتيه: إن ولدتما معًا أو دخلتما معًا ونحو ذلك .. فأنتما طالقان، أو قال لعبديه: فأنتما حران .. فالمنقول في جميع ذلك أن الاقتران في الزمان لا يشترط، كذلك نقله ابن الرفعة والقمولي عن النص، وسبقهما إلى ذلك الماوردي والروياني. وقد تقدم الكلام على لفظة (معًا) في أول (الجنايات) عند قول المصنف: (فصل وجد من شخصين معًا). قال: (ولا يصح تدبير مجنون وصبي لا يميز)؛ لعدم أهليتهما للتبرع وهذا في الجنون المطبق، أما غيره .. فهو في حال إفاقته التامة كسائر المكلفين.

وَكَذَا مُمَيِّزٌ فِي الأَظْهَرِ، وَيَصحُ مِنْ سَفِيهٍ وَكَافِرٍ أَصْلِيِّ، وَتَدْبِيُر الْمُرْتَدِّ يَنْبَنِي عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ. وَلَوْ دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ .. لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمًذْهَبِ، وَلَوِ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ لَمْ يَبْطُلْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا مميز في الأظهر) كهبته وإعتاقه ونحوهما. والثاني: يصح؛ إذ لا تضييع فيه، بل هو باق على ملكه، والقولان كالقولين في وصيته. قال: (وصح من سفيه)؛ لأنه مكلف وله قول فأشبه النكاح والطلاق، بخلاف الصبي، وقيل: قولان كالصبي. والخلاف في المحجور عليه، أما من طرأ سفهه بعد رشده ولم يحجر عليه .. فتصرفه نافذ على الأصح، وتدبير المفلس كإعتاقه، وقد سبق في بابه وفي تدبير العاصي بسكره الخلاف في تصرفاته، وتدبير المكره باطل قطعًا. قال: (وكافر أصلي) حربيًا كان أو ذميًا أو مجوسيًا أو وثنيًا؛ لأنه صحيح الملك، قال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} فأضافها إليهم إضافة ملك، سواء كان ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام. قال: (وتدبير المرتد ينبني على أقوال ملكه) فإن قلنا ببقاء ملكه .. صح، أو بزواله .. فلا، أو بالوقف .. فموقوف، إن أسلم .. بانت صحته، وإن مات مرتدًا .. فلا. قال: (ولو دبر ثم ارتد .. لم يبطل على المذهب)؛ لأن الردة تؤثر في العقود المستقبلة دون الماضية. دليله: أنها لا تفسد المبيع والهبة السابقين عليها. والطريق الثاني: القطع بالبطلان. والثالث: البناء على أقوال الملك. قال: (ولو ارتد المدبر .. لم يبطل) أي: تدبيره وإن صار دمه مهدرًا، كما لا يبطل الاستيلاء والكتابة بها، فلو مات السيد قبل قتله .. عتق، ولو التحق بدار

وَلِحَرْبِيِّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ إِلَى دَارِهِمْ. وَلَوْ كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ .. نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرب فسبي .. فهو على تدبيره لا يسترق؛ لأن سيده إن كان حيًا .. فهو له، وإن كان ميتًا .. فولاؤه له، وإن كان سيده ذميًا .. ففي استرقاق عتيقه خلاف 0 ولو استولى الكفار عليه ثم تخلص .. فهو على تدبيره. قال: (ولحربي حمل مدبره إلى دارهم) سواء دبره في دار الحرب أو الإسلام، لأن أحكام الرق باقية عليه، وهكذا حكم مستولدته، بخلاف المكاتب؛ فإنه في حكم الخارج عن ملكه. فإن قيل: الحربي في دارنا إن لم يكن مستأمنًا .. لم يمكن من ذلك، وإن كان مكن وليس بحربي .. فما صورة المسألة؟ فالجواب: أن المراد: إذا دخل إلينا بأمان كما صورها الشافعي في (المختصر)، وذلك لا يخرجه عن كونه حربيًا. والمصنف أطلق (مدبره) وقيده في (الروضة (بالكافر، ومراده: الأصل؛ ليخرج المرتد، فإنه يمنع من حمله؛ لبقاء علقة الإسلام كما يمتنع على الكافر شراؤه. قال: (ولو كان لكافر عبد مسلم فدبره .. نقض وبيع عليه)؛ لأن التدبير لا يزيل الملك ولا يمنع من البيع. وصورة المسألة: أن يقع التدبير بعد الإسلام، فإن وقع قبله .. فسنذكره، وهذا يؤخذ من إدخال الفاء على (دبره). والرافعي لم يذكر هذه المسألة في (الشرحين) هنا، بل في (كتاب الكتابة) استطراد. وإنما قال المصنف: (نقض وبيع عليه) ولم يقتصر على البيع؛ لأنا إن جعلناه وصية .. فلا بد من نقضه قبل البيع وإن جعلناه تعليقًا بصفة بيع عليه، والأولى أن يكون على التقديم والتأخير؛ أي: بيع عليه ونقض تدبيره بالبيع.

وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَرْجِعِ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ .. نُزِعً مِنْ سَيِّدِهِ وَصُرِفَ َكْسُبُه إِلَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ: يُبَاعُ، وَلَهُ بَيْعُ المُدَبِّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو دبر كافر كافرًا فأسلم ولم يرجع السيد في التدبير) أي: بما يحصل به الرجوع من قول إن اكتفينا به، أو إزالة ملك إن اعتبرناه. قال: (.. نزع من سيده)؛ لما في بقائه في يده من الإذلال ويجعل تحت يد عدل ولا يباع، بل يبقي مدبرًا؛ لتوقع الحرية. قال: (وصرف كسبه إليه) أي: إلى سيده كما لو أسلمت مستولدته. قال: (وفي قول: يباع) أي: وينقض التدبير: دفعًا للإذلال، لأن العبد المسلم لا يقر في ملك الكافر، وإلى هذا ذهب جماعة من الأصحاب، وبه قال مالك، وهو مقابل لقوله: (نزع من يده). أما لو أسلم مكاتب الكافر .. فالمذهب أنه لا يباع، بل تبقى الكتابة؛ لانقطاع سلطنة السيد واستقلاله، فإن عجزه السيد .. بيع عليه. قال: (وله) أي: للسيد الجائز التصرف (بيع المدبر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم باعه. وكذلك له أن يتصرف فيه بجميع أنواع التصرفات التي كانت مشروعة له قبل التدبير، سواء كان التدبير مطلقًا أو مقيدًا، وسواء بيع في الدين أم غيره، لحاجة أم لغيرها. وقال أبو حنيفة: لا تجوز إزالة الملك عنه في التدبير المطلق. وقال مالك: لا يباع العابر مطلقًا، وأجاب عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم باعة للدين. ورد بأنه لو كأن كذلك .. لتوقف على طلب الغرماء، ولباع منه بقدر الدين، ولما دفع قيمته إلى المدبر، فدل على أنه ليس لأجل الدين، وهو قد روى والشافعي [1/ 226] والبيهقي [8/ 137] والحاكم [4/ 219] وقال: صحيح على شرط الشيخين عن

وَالتَّدبِيرُ: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: وَصِيَّةٌ، فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ .. لَمْ يَعُدِ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة: أنها باعت مدبرة لها سحرتها، ولم ينكر عليها ذلك أحد من الصحابة. ولا خلاف عندنا في جوازه، وفي معنى البيع: كل تصرف يزيل الملك كالصداق والخلع والهبة المقبوضة، فإن لم يقبض .. لم يبطل التدبير على الأصح، ورجح في (التنبيه) مقابله، وهو المنصوص في (الأم)، لكن يستثنى السفيه؛ فإنه يصح تدبيره ولا يصح منه بيعه، وكذا المميز إن صححناه، قال ابن الرفعة: ولو أراد الولي بيعة لإبطال التدبير .. لم يجز، كما لا يجوز للولي أن يرجع فيه بالقول قطعًا، فلو أذن له الصبي في البيع .. كان البيع بإذن الصبي رجوعًا بكل حال، قاله الماوردي. وهذا بيع لا يجوز للولي تعاطيه إلا بإذن الصبي. قال: (والتدبير: تعليق عتق بصفة) لا يحتاج إلى قبول بعد الموت، خلاف الوصية. قال: (وفي قول: وصية) أي: للعبد بالعتق نظرًا إلى أنه يعتبر من الثلث، وهذا نص عليه في (البويطي)، واختاره المزني والربيع، ورجحه القاضيان الطبري والروياني، والموفق بن طاهر، والجويني في (مختصره) ومن تبعه، والغزالي في (الخلاصة)، ويعضده قول الشافعي في (الأم): ولا أعلم من أدركتهم اختلفوا في أن التدبير وصية من الثلث. لكن يستثنى من إطلاقه ما لو أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنًا .. فإنه لا يتبعها كما سيأتي وإن كان ولد المعلقة المعتق يتبعها. قال: (فلو باعه ثم ملكه .. لم يعد التدبير على المذهب)؛ لأنا إن قلنا: وصية .. فكما لو وصى بشيء ثم باعة ثم عاد إلى ملكه، وإن قلنا: تعليق .. فعلى الخلاف في عود الحنث، والأصح: لا يعود.

وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِ كَأَبْطَلْتُهُ، فَسَخْتُهُ، نَقَضْتُهُ، رَجَعْتُ فِيهِ .. صَحَّ إِنْ قُلْنَا: وَصِيَّةٌ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ مُدَبَّرٍ بِصِفَةٍ .. صَحَّ وَعَتَقَ بِالأَسْبَقِ مِنَ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ، وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَةٍ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَإِنْ أَوْلَدَهَا .. بَطَلَ تَدْيِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو رجع عنه بقول كأبطلته، فسخته، نقضته، رجعت فيه .. صح إن قلنا: وصية)؛ لأن حكمها كذلك. قال: (وإلا .. فلا) كما في سائر التعليقات بالصفة، فلو قال: أعتقوا عني فلانًا إذا مت .. جاز أن يرجع فيه باللفظ قطعًا كسائر الوصايا، وإذا ضم إلى الموت صفة أخرى نحو: إذا مت فدخل الدار .. لم يجز الرجوع باللفظ قطعًا، وإنما الخلاف في التدبير. قال: (ولو علق عتق مدبر بصفة .. صح) ويبقى التدبير بحاله، كما لو دبر المعلق العتق يصفة .. فإنه يجوز. قال: (وعتق بالأسبق من الموت والصفة) تعجيلًا للعتق، فإن وجدت الصفة قبل الموت .. عتق بها، وإن مات قبلها .. عتق بالتدبير. قال: (ولو وطء مدبرة)؛ لبقاء ملكه. وروى مالك [2/ 814] والشافعي [أم 8/ 25] عن ابن عمر: أنه دبر أمتين وكان يطؤهما، وصح ذلك عن عدد من الصحابة، ولم يخالف فيه إلا الزهري، وهو محجوج بإجماع غيره. قال: (ولا يكون رجوعًا) وإن جعلناه وصية، سواء عزل عنها أم لا. قال: (فإن أولدها .. بطل تدبيره)؛ لأن الاستيلاء أقوى فيرتفع به الأضعف كما يتفع النكاح بملك اليمين، وقيل: لا يبطل التدبير، ويكون لعتقها بالموت سببان، وقيل: لا يبطل، بل يدخل في الاستيلاء كالحدث في الجنابة. وفائدة الخلاف فيما لو قال: كل مدبر لي حر هل يعتق؟ قال: (ولا يصح تدبير أم ولد)؛ لأنها تستحق العتق بالموت بالجهة القوية،

وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكاتبٍ وَكَتابةُ مُدَبَّرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس لنا ما يمتنع التدبير فيه مع وجود أهلية الملك إلا هذه الصورة، على أنه قد يتصور تدبير المستولدة فيما إذا قال لها السيد: إن مت .. فأنت حرة قبل موتي بشهر، وقلنا: إن هذا تدبير مقيد كما في (الحاوي الصغير) .. فإنه يصح تدبيرها في هذه الصورة، وفائدته: أن كسبها يكون لها في الزمن الذي بان أنها كانت فيه حرة قبل الموت. قال: (ويصح تدبير مكاتب) كما يصح تعليق عتقه بعد تدبيره على صفة، فإن أدى المال قبل موت السيد .. عتق بالكتابة وبطل التدبير، وإن لم يؤج حتى مات السيد .. عتق بالتدبير وبطلت الكتابة. قال: (وكتابة مدبر) بناء على أنه تعليق عتق بصفة ولا يبطل التدبير. وإن قلنا: إنه وصية .. بطل، فعلى الأول: يكون مديرًا مكاتبًا، فإن أدى النجوم .. عتق بالكتابة، وإن مات السيد قبل الأداء .. عتق بالتدبير، وإن لم يحتمله الثلث .. عتق قدر الثلث وثبتت الكتابة في الباقي، وقيل: يسأل، فإن أراد بكتابتها الرجوع .. فالقولان، وإلا .. فلا قطعًا. تتمة: جزم الشيخان بأنه إذا م يحتمل الثلث جميعه .. عتق الثلث وبقي ما زاد على الكتابة، فإذا أدى قسطها .. عتق. وسيأتي بعد هذا أنه دبر عبدًا وباقي ماله غائب .. لا يعاق العبد بموته؛ لاحتمال تلف المال، وفي ثلثه وجهان: أصحهما: أنه لا يعتق أيضًا؛ لأن في تنجيز العتق تنفيذًا للتبرع قبل تسلط الورثة على الثلثين. وقياس هذا ألا يتنجز العتق في شيء من المكاتب؛ لأن الورثة لم يصل إليهم مثلاه، لا جرم قال في (المهمات): فالمذكور هنا مفرع على الوجه الضعيف.

فصل: وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ مِنْ نِكَاحِ أَوْ زِنًا .. لًا يَثْبُتُ لِلْولَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الأَظْهَرِ, وَلَوْ دَبَّرَ حَامِلًا .. ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ عِلِى الْمَذْهَبِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فصل: ولدت مدبرة من نكاح أو زنا .. لا يثبت للولد حكم التدبير في الأظهر)؛ لأنه عقد يقبل الرفع فلا يسري إلى الولد كولد المرهونة والموصى بها, كذا صححه في (المحرر) , وجعله في (الروضة) الأظهر عند الأكثرين, وأقر صاحب (التنبيه) على تصحيحه. والثاني: يثبت له ذلك, حتى لو ماتت وبقي الولد .. عتق بموت السيد؛ لأن الولد يتبع أمه رقا وحرية, وكما يتبع ولد المستولدة والأضحية والهدي, وهذا صححه في (ألشرح الصغير) , وهو مذهب الأئمة الثلاثة. فعلى هذا: إذا لم يف الثلث إلا بأحدهما .. أقرع بينهما. كل هذا إذا حملت بعد التدبير وانفصل قبل موت السيد, فإن مات وهو حمل .. عتق معها بلا خلاف كما لو أعتق أمة حاملا, كذا قال الرافعي, وفيه وجه: أن الحمل لا يتبع, حكاه ابن يونس وابن الرفعة. وأما ولدها قبل التدبير .. فلا يتبعها خلاف, فلو أنفصل أحد توأمين قبل التدبير والآخر بعده .. فهل هما كالمنفصل قبل التدبير أو بالعكس, أو يعطى كل حكمه وهو الأشبه فيه نظر. وإنما قال المصنف: (لا يثبت) ولم يقل: لا يسري كعبارة (الوجيز)؛ لأن السراية لا تكون في الأشخاص, إنما تثبت بالتبعية كالبيع. قال: (ولو دبر حاملا .. ثبت له حكم التدبير على المذهب)؛ لأن الجنين بمنزله عضو من أعضائها وكما يتبعها في العتق والبيع. وقيل: وجهان: ثانيهما: المنع, كما لو دبر نصف عبده .. فإنه لا يسري إلى الباقي.

فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا .. دَامَ تَدْبِيرُهُ, وَقِيلَ: إِنْ رَجَعَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ .. فَلَا, وَلَوْ دَبَّرَ حَمْلًا .. صَحَّ, فَإِنْ مَاتَ .. عَتَقَ دُونَ الأُمِّ, وَإنْ بَاعَهَا .. صَحَّ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ. وَلَوْ وَلَدَتِ الُمَعَّلقُ عِتْقُهَا .. لَمْ يَعْتِقِ الْوِلِدُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبر المصنف بالثبوت؛ لأنه ليس على سبيل السراية كما تقرر, ويعرف كونه موجودا عند التدبير بأن تضعه لدون ستة أشهر كما في نظائره. قال: (فإن ماتت) أي: الأم في حياة السيد (أو رجع في تدبيرها .. دام تدبيره) كما لو دبر عبدين فمات أحدهما قبل موت السيد أو رجع فيه, ومراده: إذا رجع في تدبير الأم بالقول وجوزناه .. فبنظر, فإن قال: رجعت في تدبيرها دون الولد .. لم يخف حكمه, وإن أطلق .. فوجهان: أحدهما: يتبعها في الرجوع كما يتبعها في التدبير. والأصح: لا يتبعها كالرجوع بعد الانفصال, بخلاف التدبير؛ فإن فيه معنى العتق, وللعتق قوة. قال: (وقيل: إن رجع وهو متصل .. فلا) أي: لا يدوم تدبيره, بل يتبعها في الرجوع كما يتبعها في التدبير, وهذا تفريغ على جواز الرجوع أيضا. قال: (ولو دبر حملا .. صح) كما يصح إعتاقه ولا يتعدى إلى الأم. قال: (فإن مات) أي: السيد (عتق .. دون الأم)؛ إذ لا استتباع. قال: (وإن باعها) أي: حاملا (.. صح وكان رجوعا عنه) كما لو باع المدير ناسيا للتدبير. وقيل: إن قصد به الرجوع حصل, وصح البيع في الحمل والأم, وإن لم يقصد .. لم يحصل به الرجوع ولا يصح البيع في الولد ويبطل في الأم على الأصح, والصحيح: حصول الرجوع مطلقا قصده أم لا. قال: (ولو ولدت المعلق عتقها .. لم يعتق الولد)؛ لأن ولد المدبرة إنما يتبعها لمشابهتها المستولدة في العتق بموت السيد, وليس كذلك معلقة العتق بصفة.

وَفِي قَوْلٍ: إِنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ .. عَتَقَ. وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ, وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ قِنِّ, وَيَعْتِقُ بِالْمَوْتِ مِنَ الثُّلُثِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وفي قول: إن عتقت بالصفة .. عتق) المراد: أن الصفة إذا وجدت في الأم وعتقت هي .. يعتق الولد على هذا القول, ولو دخل الولد بنفسه .. لم يعتق, وقال الشيخ أبو محمد: يتعلق عتقه بدخوله في نفسه, فهو سراية عتق لا سراية تعليق. فعلى هذا: لا يعتق بدخولها ويعتق بدخوله, ولو بطل التعليق فيها بأن ماتت .. بطل في حق الولد أيضا, وقال ابن الصباغ: الفرق بينه وبين التدبير: أن الشرط دخول الأم الدار, فإذا فات .. فات ذلك, والشرط في المدبر موت السيد, ولم يفت ذلك في حق الولد, إلا أن يكون علقه بفعل نفسه أو غيرها فيكون كالمدبرة. ومحل الخلاف: في الحمل الكائن بعد التعليق, أما الموجود عنده .. فيتبعها قطعا, صرح به ابن الصباغ وغيره, وأجرى المصنف فيه الخلاف في (تصحيحه). قال: (ولا يتبع مدبرا ولده)؛ لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية لا الأب, وكذا في سبب الحرية. قال: (وجنايته كجناية قن)؛ لثبوت الملك عليه, ففي العمد يقتص منه ويفوت التدبير, وفي المال يفديه السيد, وفي قدر ما يفديه القولان في القن, وإن سلمه للبيع .. بطل التدبير. قال الجوهري: (القن): العبد الذي ملك هو وأبواه, يستوي فيه الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث, وربما قالوا: عبيد أقنان, ثم يجمع على أقنة, وينشد لجرير [من الرجز]: أولاد قوم خلقوا أقنة قال: (ويعتق بالموت من الثلث كله أو بعضه بعد الدين) وهو قول علي وابن عمر وسعيد بن المسيب والزهري والأئمة الثلاثة وإسحاق؛ لما روى ابن عمر: أن النبي

وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرضِ كَإِنْ دَخَلْتَ فِي مَرضَ ٍموْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ .. عَتَقَ مِنَ الثُّلُثِ, وَإِنِ احْتَمَلَتِ الصِّحَّةَ فَوُجِدَتْ فِي الْمَرَضِ .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم قال: (المدبر من الثلث) رواه الشافعي [أم 8/ 18] والدارقطني [4/ 138] وابن ماجه [2514] , وأطبق الحفاظ على تصحيح وقفه على ابن عمر, وأما رفعه .. فلم يصح. وأيضا فإنه تبرع يلزم بالموت فيكون من الثلث كالوصية, والمسألة تقدمت في قول المصنف: (ويعتبر من الثلث عتق علق بالموت). وإنما يعتق المدبر بعد الديون, فإذا كان عليه دين مستغرق للتركة .. لم يعتق منه شيء, وإن لم يكن دين ولا مال سواه .. عتق ثلثه, ولو دبر عبدا وباقي أمواله غائب .. لم يعتق ثلثاه؛ لاحتمال تلف المال, وكذا ثلثه الأخير في الأصح. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا قريبا, والحيلة في عتق عبده – إذا لم يكن له غيره – أن يقول: هو حر قبل مرض موتي بيوم, وإن مت فجأة .. فقبل موتي بيوم, فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم .. عتق من رأس المال, كذا نقله الشيخان عن إبراهيم المروروذي, وصرح به خلائق منهم القاضي حسين والماوردي والروياني والبغوي, وجزم به الرافعي أيضا في (كتاب الوصية) , وهذه الحيلة تأتي أيضا في جواز بيع المدبر بالاتفاق بيننا وبين المخالف, فإذا قال له ذلك وأراد بيعه .. جاز بالإجماع؛ لأنه معلق العتق بصفة. قال: (ولو علق عتقا على صفة تختص بالمرض كإن دخلت في مرض موتي فأنت حر .. عتق من الثلث) كما لو أعتقه حينئذ. قال: (وإن احتملت الصحة فوجدت في المرض .. فمن رأس المال في الأظهر) اعتبارا بحالة التعليق؛ لأنه لم يكن مهتما بإبطال حق الورثة. والثاني: من الثلث اعتبار بوقت وجود الصفة؛ فإن العتق حينئذ يحصل, وموضع الخلاف إذا وجدت الصفة بغير اختياره, فإن وجدت باختياره كدخوله الدار فدخل في مرضه .. اعتبر من الثلث جزما, قاله الرافعي تفقها, وبه صرح الماوردي.

وَلَوِ ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَ .. فَلَيْسَ بِرُجُوعِ, بَلْ يُحَلِّفَ. وَلَوْ وُجِدَ مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ فَقَالَ: كَسَبْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ, وَقَالَ الوَارِثُ: قَبْلَهُ .. صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا كان الحق لثالث, فإن كان لهما .. فالاعتبار بحالة التعليق بلا خلاف, حكاه في (التهذيب). ومنه: ما لو علقه بصفة فوجدت بعد ما جن أو حجر عليه بسفه .. فإنه يعتق قطعا؛ لأن حجر الجنون والسفه ليس لحق أحد, بخلاف حجر الفلس والمرض؛ فإنهما لحق الغير. قال: (ولو ادعى عبده التدبير فأنكر .. فليس برجوع) أي: إن لم نجوز الرجوع بالقول, وكذا إن جوزناه في الأصح, كما أن جحود الردة لا يكون إسلاما, وجحود الطلاق لا يكون رجعة. والمصنف خالف هذا في (أصل الروضة) في (باب الدعاوى) فجزم بأنه رجوع, والصواب: الأول؛ فقد حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما عن النص, وفي (التهذيب) وغيره أنه المذهب, وصححوا في إنكار الوكالة التفصيل بين أن يكون له غرض في الإخفاء أم لا, ولم يذكروه هنا, وكلام المصنف صريح في سماع دعوى العبد التدبير على سيده, وهو المذهب؛ لأنه حق ثابت في الحال يجوز تعليق الدعوى به. قال: (بل يحلف) أي: السيد, وله أن يسقط اليمين عن نفسه بأن يقول: إن كنت دبرته .. فقد رجعت إذا جوزناه الرجوع باللفظ, وكذا إن قامت بينة وحكم بها حاكم. قال: (ولو وجد مع مدبر مال فقال: كسبته بعد موت السيد, وقال الوارث: قبله .. صدق المدبر بيمينه)؛ لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمان, ولأن اليد له, بخلاف ولد المدبرة إذا قالت: ولدته بعد موت السيد .. فإن القول قول الوارث, خلافا للشاشي في (الحلية)؛ لأنها تزعم حريته, والحر لا يدخل تحت اليد.

وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ .. قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو أقاما بينتين .. قدمت بينته)؛ لاعتضادها باليد, ولو أقام الوارث بينة بأن هذا المال كان في يد المدبر في حياة السيد, فقال المدبر: كان في يدي لكن كان لفلان فملكته بعد موت السيد .. صدق المدبر أيضا على النص. تتمة: تقدم أنه إذا دبر أحد الشريكين نصيبه .. فالمشهور: أنه لا يسري, ولا يقوم عليه نصيب شريكه, فإن مات وعتق نصيبه .. لم يسر أيضا إلى نصيب الشريك؛ لأن الميت معسر, بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت وهو موسر .. فإنه يسري. ولو دبر بعض عبده .. صح ولا سراية على المشهور. * * * خاتمة قال لعبده: إذا قرأت القرآن ومت .. فأنت حر, فإن قرأ جميع القرآن قبل موت سيده .. عتق بموته, وإن بعضه .. لم يعتق بموت السيد. وإن قال: إن قرأت قرآنا ومت فأنت حر, فقرأ بعض القرآن ومات .. عتق, والفرق: التعريف والتنكير, كذا نقله الرافعي عن النص. والصواب ما قاله الإمام في (المحصول): أن القرآن يطلق على القليل والكثير؛

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه اسم جنس كالماء والعسل؛ لقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ}. وهذا الخطاب كان بمكة بالإجماع, لأن السورة مكية, وبعد ذلك نزل قرآن كثير, وما نقل عن الشافعي ليس على هذا الوجه؛ فإن القرآن بالهمز عند الشافعي يقع على الكثير والقليل, والقرآن بغير همز, عنده اسم للجميع, كذا أفاده البغوي في تفسير (سورة البقرة) , ولغة الشافعي بغير همز, والواقف على كلام الشافعي يظنه مهموزا وإنما نطق في ذلك بلغته المألوفة له لا بغيرها, وبهذا اتضح الإشكال وأجيب عن السؤال. * * *

كتاب الكتابة

كتاب الكتابة

كتاب الكتابة هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إِنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ أَمِينٌ قَوِيٌ عَلَى كَسْبٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الكتابة الأشهر في كافها الكسر, وهي: تعليق عتق بصفة تضمنت معاوضة منجمة, ولفظها إسلامي لا يعرف في الجاهلية, وهي معدولة عن القياس؛ لأنها بيع ماله بماله, سميت كتابة للعرف الجاري بكتابة ذلك في كتاب توثقة. وقيل: مشتقة من الكتب وهو الضم؛ إذ فيها ضم نجم إلى نجم. والنجم: والوقت الذي يحل فيه نجم مال الكتابة, سميت بذلك لأن العرب ما كانت تعرف الحساب والكتابة, وإنما تعرف الأوقات بالنجوم, وهي ثمانية وعشرون نجما منازل القمر, فسميت باسمها مجازا. قيل: وأول من كوتب عبد لعمر يقال له: أبو أمية. والأصل فيها: قوله تعالى: {والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أنزلت في صبيح - بضم الصاد - مولى حويطب بن عبد العزى جد محمد بن إسحاق من قبل أمه. وروى الحاكم [2/ 99] وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال من أعان مكاتبا في فك رقبته .. أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله). وانعقد الإجماع على جوازها. قال: (هي مستحبة إن طلبها رقيق أمين قوي على كسب)؛ إذ بهذين الوصفين فسر الشافعي الخير في الآية, فإن الخير ورد بمعنى المال في قوله: {إن تَرَكَ خَيْرًا} {وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وبمعنى العمل في قوله: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} فحمل هنا عليهما؛ لجواز إرادتهما ولتوقف المقصود عليهما؛ لأن غير الكسوب عاجز عن الأداء, وغير الأمين لا يوثق به.

قِيلَ: أَوْ غَيْرُ قَوِيٍّ, وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ, وَصِيغَتُهَا: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا مُنْجِّمًا إِذَا أَدَّيْتَهُ .. فَأَنْتَ حُرٌّ, وَيُبَيِّنُ عَدَدَ النُّجُومِ وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ. وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ التَّعْليِقِ ِوَنَوَاهُ .. جَازَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال عطاء وعمرو بن دينار وداوود: تجب كتابة من جمع القوة والأمانة. قال: (قيل: أو غير قوي)؛ لأنه إذا عرفت أمانته .. أعين بالصدقات ليعتق, وفيما إذا كان غير أمين وجه أيضا, لكنه دون الاستحباب فيما إذا اجتمع الشرطان, خلافا لابن القطان. قال: (ولا تكره بحال) وإن انتفى الوصفان؛ لأنها تفضي إلى العتق. قلت: ينبغي أن يستثنى من ذلك غير الكسوب؛ لما روى أبو داوود [سيل 185]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة من لا كسب له)؛ لئلا يكون كلا على الناس. وحكى صاحب (التلخيص) قولا بوجوبها إذا طلبها العبد؛ لظاهر الآية, وبه قال عطاء وعمرو بن دينار ومحمد بن جرير وأهل الظاهر. وقطع الجمهور بالندب, وحملوا الآية على بيان الرخصة؛ فإن بيع الرجل ماله بماله محظور. قال: (وصيغتها: كاتبتك على كذا منجما إذا أديته .. فأنت حر, ويبين عدد النجوم وقسط كل نجم)؛ صونا له عن الجهالة, وأشار المصنف بهذه الجملة إلى أركانها الأربعة: الصيغة, والعوض, والكاتب, والمكاتب, وسواء اشترط التساوي النجمين أو التفاضل, وقيل: يصح الإطلاق ويحمل على التسوية, ولا يشترط على الصحيح تعيين ابتداء النجوم, بل يكفي الإطلاق ويكون ابتداؤها من العقد, ويشترط العلم بجنس النجمين وقدرهما وصفتهما, وإشارة الأخرس كعبارته. قال: (ولو ترك لفظ التعليق ونواه .. جاز)؛ لحصول المقصود, وهذا

وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ, وَلَا نِيَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ, وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ: قَبِلْتُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ــ لا خلاف فيه, ووقع في (تصحيح التنبيه) حكاية خلاف فيه, ولا صحة له, ولم يخرجوه على الخلاف في انعقاد البيع بالكتابة. وسببه: أن المقصود عنا العتق, وهو يقع بالكتابة مع النية جزما؛ لاستقلال المخاطب بها, فكان النظر إلى مقصود العتق لا إلى صورته. ومراده بـ (التعليق) تعليق الحرية على الأداء, وفي تسميته تعليقا تجوز, إنما هو تعبير عن مقصود الكتابة وما لها. كل هذا في الكتابة الصحيحة, أما الفاسدة .. فلابد من التصريح بقوله: فإذا أديت .. فأنت حر كما قاله القاضي حسين وغيره. قال: (ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق, ولا نية على المذهب)؛ لأن الكتابة تقع على هذا العقد وعلى المخارجة كما تقدم, فلابد من تمييزه باللفظ أو النية. وفيه قول مخرج من التدبير, وتقدم هناك قول آخر: إنه يصح من الفقيه دون غيره. قال: (ويقول المكاتب: قبلت)؛ لينتظم العقد بالإيجاب والقبول, ويشترط القبول على الفور كالبيع, ولا يغني عن القبول التعليق بالأداء, بخلاف تعليق الطلاق على الإعطاء؛ للحاجة إلى استقلاله بالأكساب, ليؤدي النجوم, بخلاف الطلاق. وعبارة (المحرر) و (الشرح) و (الروضة): ويقول العبد: قبلت, وهي أحسن؛ لأنه قبل الكتابة من السيد عبد. فرع: قبل الكتابة من السيد أجنبي على أن يؤدي عن العبد كذا في نجمين, فإذا أداهما فهو حر .. فوجهان: أحدهما: تصح كخلع الأجنبي. والثاني: لا, وصححه المصنف في زوائد (الروضة)؛ لمخالفة موضوع

وَشَرْطُهُمَا: تَكْلِيفٌ وَإِطْلَاقٌ. وَكَتَابَةُ الْمَرِيضِ مِنَ الثُّلُثِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب, فعلى هذا: يجب كون القبول من العبد, لكن إذا أدى الأجنبي .. عتق بالصفة, ويتراجعان. قال. (وشرطهما: تكليف) فلا يكاتب الصبي ولا المجنون؛ لسلب عبارتهما, ولا يكاتبان أيضا, ولا أثر لإذن الولي للصبي والمجنون في ذلك, وليس للولي أن يكاتب عبد موليه بلا خلاف. وقوله: (تكليف) قد يفهم أنه لا تصح كتابة السكران العاصي بسكره؛ لأنه يرى أنه غير مكلف, والمذهب: أنه مكلف وأنه تصح تصرفاته. ولا فرق في ذلك بين أن يكون مسلما أو كافرا, ذميا كان أو مستأمنا أو حربيا, كتابيا أو مجوسيا؛ لأن سيد سلمان لما كاتبه كان يهوديا كما رواه البيهقي [10/ 340] وغيره. وسيأتي أنه لا تصح كتابة عبد مرهون ولا مستأجر, وتصح كتابة معلق العتق بالصفة والمدبر والمستولدة, لكن اشتراط التكليف في العبد إنما يكون إذا صدرت المكاتبة معه, فإن صدرت عليه تبعا .. فلا؛ لما سيأتي أن ولد المكاتب مكاتب. قال: (وإطلاق) هذا شرط في السيد, فلا تصح كتابة المحجور عليه بسفه كبيعه, وكذا بفلس على النص في (الأم) , ولا تصح مكاتبة المكاتب عبده وإن أذن له السيد, ونص الشافعي والأصحاب على اعتبار البلوغ والعقل في العبد لا غير. فتصح كتابة العبد السفيه, ويشترط فيهما أيضا الاختيار, فلا تصح من مكره واشترط في (الإبانة) أن يكون السيد بصيرا, بخلاف العبد, وهو حسن, وإذا كاتب السيد المطلق التصرف عبده الصبي أو المجنون .. لم يثبت لهذا العقد حكم الكتابة الفاسدة؛ لأن قولهما لغو, لكن إذا أديا المال .. عتقا بحكم الصيغة دون العقد, ولا يرجع السيد عليهما بشيء. قال: (وكتابة المريض) أي: مرض الموت (من الثلث) , سواء كاتبه بمثل قيمته أو بما فوقها أو بما دونها؛ لأن كسبه له.

فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلَاهُ .. صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ, فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ مِئَتَينِ وَقِيمَتُهُ مِئَةٌ .. عَتَقَ, وَإِنْ أَدَّى مِئَةً .. عَتَقَ ثُلُثَاهُ. وَلَوْ كَاتَبَ مُرْتَدٌّ .. بُنِيَ عَلَى أَقْواَلِ مِلْكِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن كان له مثلاه) أي: عند الموت (.. صحت كتابة كله)؛ لخروجه من الثلث. قال: (فإن لم يملك غيره وأدى في حياته مئتين) أي: وكان كاتبه عليهما (وقيمته مئة .. عتق)؛ لأنه يبقى للورثه مثلاه. قال: (وإن أدى مئة) أي: وكان كاتبه عليه (.. عتق ثلثاه)؛ لأنه إذا أخذ مئة وقيمته مئة .. فالجملة مئتان, فينفذ التبرع في ثلث المئتين. واحترز بقوله: (وأدى) عما إذا لم يؤد شيئا حتى مات السيد .. فتستقر الكتابة في ثلثه. ولا يتخرج على كتابة بعض العبد؛ لأن ذاك ابتداء الكتابة, وهنا وردت الكتابة على الجميع ثم دعت الحاجة إلى الإبطال في البعض, أما إذا لم يؤد في حياة السيد شيئا والصورة أنه لا يملك غيره, ولم يجز الورثة الزائد .. فثلثه مكاتب, فإذا أدى حصته من النجوم .. عتق. وهل يزاد في الكتابة بقدر نصف ما أدى وهو سدس العبد إذا كانت النجوم مثل القيمة؟ وجهان: أصحهما: لا؛ لأن الكتابة بطلت في الثلثين فلا تعود. والثاني: نعم, كما لو ظهر للميت دين أو نصب شبكة في الحياة فتتعلق بها صيد بعد الموت .. فإنه يزاد في الكتابة. قال: (ولو كاتب مرتد .. بني على أقوال ملكه) , فإن قلنا بالزوال .. فباطلة, أو بالبقاء .. فصحيحة, أ, بالوقف .. فموقوفة, وهذه طريقة (المحرر) فتبعها المصنف فلذلك قال:

فَإِنْ وَقَفْنَاهُ .. بَطَلَتْ عَلَى الْجَدِيدِ. وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ مَرْهُونٍ وَمُكْرَىّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإن وقفناه .. بطلت على الجديد) , وهو إبطال وقف العقود, وملخص ما في المسألة خمسة أوجه منصوصة ومخرجة: أظهرها: البطلان. والثاني: الصحة. والثالث: الوقف على إسلامه. والرابع: يصح قبل الحجر عليه. والخامس: يصح قبل أن يضرب عليه حجر إما بنفس الردة وإما بضرب القاضي. والأشبه: أن محل الطرق ما إذا لم يحجر الحاكم عليه وقلنا: لا يحصل الحجر بنفس الردة, فأما إذا كان في حال الحجر .. فلا تصح الكتابة بلا خلاف, والمسألة تقدمت في الكتاب في آخر (الردة) , وإنما ذكر قول الوقف بناء على اختياره أنه الأصح من الأقوال, لكن تقدم هناك أن المذهب زوال ملكه بنفس الردة. ولا يخفى أن هذا بالنسبة إلى السيد, أما العبد المرتد .. فتصح كتابته على النص, وقطع به الأصحاب, وقاسوه على بيعه, لكن سبق فيه وجه ينبغي مجيثه هنا, ثم إن أدى النجوم من كسبه أو تبرع عنه .. عتق, وإن لم يؤدها وأسلم .. بقي مكاتبا. قال: (ولا تصح كتابة مرهون) , لأنه بعقد الرهن معرض للبيع والكتابة تمنع منه فتنافيا. قال: (ومكرى)؛ لأن منافعه مستحقة للمستأجر, ولو صحت .. لاقتضت تسليطه على الاكتساب وملك منافعه, هذا الذي عليه الجمهور, ونص عليه في (الأم). وفيه وجه حكاه الرافعي في بابه, ولا تصح كتابة المغصوب أيضا, قاله في (البيان). وعلم من التمثيل بـ (المكرى): أن الموصى بمنفعته أولى منه بالمنع, وهو الأصح في (باب الوصية) من (الرافعي) , قال ابن الرفعة: هذا فيمن أبدت منفعته

وَشَرْطُ الْعِوَضِ: كَوْنُهُ دَيْنَا مُؤَجَّلًا وَلَوْ مَنْفَعَةً, وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بالوصية, أما من أوثي بمنفعته مدة .. فهو كالمستأجر. اهـ ويظهر أن يفرق فيها بين المدة القريبة والبعيدة, ولم يتعرضوا له. قال: (وشرط العوض: كونه دينا)؛ ليلتزمه في الذمة ثم يحصله فيؤديه, سواء كان نقدا أو عوضا موصوفا, أما الأعبان .. فإنه لا يملكها حتى يورد العقد عليها. قال: (مؤجلا) فلا يصح بالحال؛ لأن ذلك هو المأثور عن الصحابة فمن بعدهم عملا وقولا, ولأنه عاجز في الحال فيكون كالسلم فيما لا يوجد عند محله. وأجاز مالك وأبو حنيفة وغيرهما الحلول, واختاره الروياني في (ألحلية) , وابن عبد السلام, وكان يمكن المصنف الاستغناء بالأجل عن الدينية؛ لأن الأعيان لا تقبل التأجيل, وقد اعترض به الرافعلي على (الوجيز) , ثم وقع فيه في (ألمحرر) , وأجاب ابن الصلاح بأن دلالة الالتزام لا تكفي فيها المخاطبات, وهذان وصفان مقصودان. قال: (ولو منفعة) كخياطة وبناء ونسخ معلومات ونحوها, كما يجوز أن تجعل المنافع ثمنا وأجرة, فإن كاتبه على عملين ولم يذكر مالا .. لم يجز. فلو صرح فقال: خدمة المحرم نجما وخدمة صفر نجما .. لم يصح أيضا على الأصح المنصوص. واقتضى كلام المصنف اشتراط تأجيل المنفعة, وليست كذلك, بل إن كانت منفعة عين .. امتنع فيها التأجيل, واشترط اتصالها بالعقد, وإن كانت ملتزمة في الذمة .. جاز فيها التأجيل والتعجيل. قال: (ومنجما بنجمين فأكثر)؛ لاشتهار ذلك عن الصحابة فمن بعدهم. يروى: أن عثمان رضي الله عنه غضب على عبد فقال له: لا عاقبتك ولا كاتبتك على نجمين, رواه البيهقي [10/ 320]. وروى عنه وعن عمر أنهما قالا: الكتابة على نجمين, ورواه الشافعي عن علي أيضا. قال الماسرجسي: رأيت أبا إسحاق في مجلس النظر قرر ذلك وقال: كانت

وَقِيلَ: إِنْ مَلَكَ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ .. لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ. وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ .. صَحَّتْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابة يسارعون إلى القربان والطاعات, فلو جازت الكتابة على نجم واحد .. لبادروا إليها, ولأنها مشتقة من ضم النجوم بعضها إلى بعض, وأقل ما يحصل به الضم نجمان. وقال أبو حنيفة ومالك: تصح على نجم واحد, قال في (شرح مسلم): وهو قول جمهور أهل العلم, وقال ابن عبد السلام: إنه أقرب إلى تحصيل المقصود من العقد. وإطلاق المصنف وغيره يقتضي: أنه لو جعل محل النجم الأول آخر الشهر والثاني أول الذي يليه .. صح, وفيها وجهان, وجه المنع: أن الاتصال يجعلهما كالنجم الواحد. ويشمل إطلاقه الأجل القريب كما لو كاتبه على مال عظيم إلى ساعتين وهو الأصح, لأنه ربما قدر على تسليمه باستقراض ونحوه. قال: (وقيل: إن ملك بعضه وباقيه حر .. لم يشتط أجل وتنجيم)؛ لأنه قد يملك ببعضه الحر ما يؤديه, فلا يتحقق العجز في الحال, وقال في (البحر): إنه القياس, والأصح: المنع؛ لأنه بعيد كما سبق. قال: (ولو كاتب على خدمة شهر) أي: من الآن (ودينار عند انقضائه .. صحت)؛ لأن المنفعة مستحقة في الحال, والمدة لتقديرها والتوفية فيها, والدينار إنما تستحق المطالبة به بعد انقضاء الشهر, وإذا اختلف الاستحقاق .. حصل التنجيم. ولا بأس بكون المنفعة حالة, لأن التأجيل يشترط لحصول القدرة, وهو قادر على الاشتغال بالخدمة في الحال, بخلاف ما إذا كاتب على دينارين أحدهما حال والآخر مؤجل, وبهذا يتبين أن الأجل وإن أطلقوا اشتراطه .. فليس ذلك بشرط في المنفعة التي يقدر على الشروع فيها في الحال, ويدل لهذه الجملة ما رواه البيهقي [10/ 322]

أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا .. فَسَدَتْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كاتب يا سلمان) قال: فكاتبت أهلي على ثلاث مئة ودية أغرسها, وأربعين أوقية, فأعانني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالودي, ثم انطلق معي النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نحمل له الودي ويضعه بيده ويسوي عليها, فأطعم النخل كله في سنته – وفي رواية [هق 10/ 321]: إلا نخلة واحدة غرسها عمر, فنزعها النبي صلى الله عليه وسلم وغرسها بيده فأطعمت في سنتها – فال: وبقيت الدراهم, فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب فدعاني وقال: (خذ هذه يا سلمان) فقل،: أنى تبلغ هذه مما علي؟! فقال: (إن الله سيؤدي عنك) فوالذي نفس محمد بيده! لقد وزنت منها أربعين أوقية وعتقت. وفي مسألة الكتاب وجه أو قول مخرج: أنه لا يجوز؛ لأن استحقاق الدينار يتصل بالفراغ من الخدمة فيصيران كالنجم الواحد, ويحكى هذا عن اختيار أبي الطيب بن سلمة والطبري والقاضي أبي حامد. ومحل الجزم بالصحة: إذا قال: علي خدمة شهر ودينار بعد انقضائه بيوم أو شهر, فلو عكس فقدم تحمل المال على نجم العمل .. لم يجز, وإذا مرض في الشهر المذكور وفاتت الخدمة .. انفسخت الكتابة في قدر الخدمة, وأما في الباقي .. فهو كما لو باع عبدين فتلف أحدهما قبل القبض, ففي الباقي طريقان تقدما في بابه. تنبيه: إنما قال المصنف: (عند انقضائه) ليفهم انه لو قال: بعد انقضائه بيوم أو يومين مثلا .. أنه يصح من باب أولى, وأطلق الخدمة ليعلم أنه لا يشترط بيان عملها وتلزمه خدمة مثله وهو المذهب, وشرط البغوي بيان ذلك, ونقله الشيخان في (كتاب الإجارة) عن النص. قال: (أو على أن يبيعه كذا .. فسدت) وكذا على أن يشتري منه كذا؛ لأنه من قبيل إدخال بيعتين في بيعة, ولو قال: على ابتياع كذا .. كان أحسن؛ لشمول الطرفين.

وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ, وَنَجَّمَ الأَلْفَ وَعَلَّقَ الْحُرِّيَةَ بِأَدَائِهِ .. فَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ. وَلَوْ كَاتَبَ عَبِيدًا عَلَى عِوَضٍ مُنَجَّمٍ وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ .. فَالْمَنْصُوصُ: صِحَّتُهَا, وَيُوَزَّعُ عَلَى قِيمَتهِمِ ْيَوْمَ الكِتَابَةِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو قال: كاتبتك وبعتك هذا الثوب بألف, ونجم الألف وعلق الحرية بأدائه .. فالمذهب: صحة الكتابة دون البيع)؛ لتقدم أحد شقيه على مصير العبد من أهل مبايعة السيد. والمراد: أن العبد قبل العقدين إما معا كقبلتهما, أو مرتبا كقبلت الكتابة والبيع أو البيع والكتابة. والطريقة المشهورة بطلان البيع, وفي الكتابة قولا تفريق الصفقة؛ لأنه جمع في الصفقة الواحدة بين ما يجوز وما لا يجوز, والأظهر الصحة. والطريقة الثانية: تخريجها على القولين فيمن جمع بين عقدين مختلفي الحكم. ففي قول: يصحان, وفي آخر: يبطلان, فإن صححنا الكتابة – وهو الأظهر – صحت بالقسط ويوزع. قال: (ولو كاتب عبيدا على عوض منجم وعلق عتقهم بأدائه) كما إذا قال: كاتبتكم على ألف إلى وقتي كذا وكذا, فإذا أديتم .. فأنتم أحرار. قال: (.. فالمنصوص: صحتها)؛ لتشوف الشارع إلى العتق, ولأن مالك العوضين واحد, والصدار منهما لفظ واحد, فصار كما لو باع عبدين من واحد, والنص فيما إذا اشترى ثلاثة أعبد كل واحد منهم لواحد من ملاكهم: أن البيع باطل. ولو خالع نسوة على عوض واحد, أو نكح نسوة على صداق واحد .. ففي صحة المسمى قولان سبقا في (كتاب الصداق) عند ذكر المصنف المسألة, فيقابل النص قول مخرج من بيع العبيد الثلاثة. والأصح: طرد قولين فيهما, وكان ينبغي للمصنف أن يقول: ولو كاتب عبدين فصاعدا؛ لأن الاثنين كذلك, وأن يقول بعوض واحد, فإن تعدد .. صح بلا خلاف. قال: (ويوزع) أي: الثمن المسمى (على قيمتهم يوم الكتابة) فإذا كانت قيمة

فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ .. عَتَقَ, وَمَنْ عَجَزَ .. رَقَّ. وَتَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيِة حُرٌّ, فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ .. صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ كاَتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ .. فَسَدَتْ إِنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَاذَنْ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهم مئة .. والآخر مئتين والآخر ثلاث مئة .. فعلى الأول سدس الكتابة وعلى الثاني ثلثها وعلى الثالث نصفها, وقيل: على عدد رؤوسهم. وإنما اعتبر يوم الكتابة؛ لأنه وقت الحيلولة بين السيد وبينهم. قال: (فمن أدى حصته .. عتق, ومن عجز .. رق) ولا يتوقف عتق من أدى على أداء غيره, بل يعتق من أدى, وإن عجز غيره أو مات .. فإنه يموت رقيقا, ولا يقال: علق بأدائهم؛ لأن المكاتبة الصحيحة يغلب فيها حكم المعاوضة, ولا خلاف عندنا أنه لا يتحمل بعضهم عن بعض شيئا. وقال أبو حنيفة ومالك: يلزم كل واحد منهم ضمان ما على الآخر؛ لأن كتابتهم واحدة فاشتركوا في التزامها وضمان مالها, وصار كل واحد منهم مأخوذا بجميع مالها, ورد بأن الاجتماع على الكتابة كالاجتماع على الابتياع, فلما لم يلزم الضمان في الاجتماع على الابتياع .. لم يلزم في الاجتماع على الكتابة. قال: (وتصح كتابة بعض من باقية حر)؛ لأنها تفيده الاستقلال باستغراقها ما رق منه, لكن عبارته تشمل ما إذا أوصى بكتابة عبد فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم يجز الورثة, والأصح: أنه مكاتب ذلك القدر كما ذكره الرافعي في الحكم الثالث. قال: (فلو كاتب كله) أي: وهو حر البعض, سواء كان عالما بحرية بعضه, أو اعتقد رق جميعه فبان حر البعض. قال: (.. صح في الرق في الأظهر) هو الخلاف في تفريق الصفقة. قال: (ولو كاتب بعض رقيق .. فسدت إن كان باقية لغيره ولم يأذن)؛ لعدم الاستقلال, وفي وجه: تصح وإن لم يأذن كما ينفرد أحد الشريكين بالإعتاق والتدبير والتعليق. وقال في (الدقائق): قولي: (فسدت) هو مراد (المحرر) بقوله: فالكتابة باطلة, قال: والباطل والفاسد في العقود عندنا سواء في الحكم إلا في مواضع منها:

وَكَذَا إِنْ أَذِنَ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحج والعارية والخلع والكتابة, فتجوز (المحرر) في تسميتها باطلة, ومراده: أنها فاسدة تترتب عليها أحكام الفساد في العتق بالصفة وغيره لا أنها باطلة حقيقة, ولم يذكر المصنف صور الأربعة. أما تصوير الكتابة والخلع .. فواضح بأن الباطل منهما ما كان على عوض غير مقصود كالدم, أو رجع إلى خلل في العاقد كالصغر والسفه, والفاسد خلافه. وحكم الباطل: أنه لا يترتب عليه شيء, والفاسد يترتب عليه العتق والطلاق, ويرجع الزوج بالمهر والسيد بالقيمة. وأما الحج .. فيبطل بالردة ويفسد بالجماع, وحكم الباطل انه لا يجب قضاؤه ولا المضي فيه, بخلاف الفاسد. وأما العارية .. فتتصور في إعارة الدراهم والدنانير, فلو أبطلناها .. كانت مضمونة عند العراقيين؛ لأنها إعارة فاسدة, وفي طريقة المراوزة أنها غير مضمونة؛ لأنها غير قابلة للإعارة فهي باطلة. ومنع في (المهمات) وغيرها الحصر في الأربعة المذكورة وقال: بل يتصور الفرق أيضا في كل عقد صحيح غير مضمون كالإجازة والهبة وغيرهما؛ فإنه لو صدر من سفيه أو صبي وتلفت العين في يد المستأجر والمتهب .. وجب الضمان, ولو كان فاسدا .. لم يجب ضمانها؛ لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه. قال: (وكذا إن أذن أو كان له على المذهب)؛ لأن المكاتب يحتاج إلى تردد سفرا وحضرا لاكتساب النجوم, ولا يستقل بذلك إذا كان بعضه رقيقا فلا يحصل له مقصود الكتابة, وأيضا فلا يمكن صرف سهم المكاتبين إليه؛ لأن الصدقة لا تصرف إلى من نصفه رقيق ونصفه حر. وحاصل الخلاف في المسألتين طريقان: أصحهما: قولان: أظهرهما: المنع. ووجه مقابلة: أنه يستقل في البعض المكاتب عليه, وإذا جاز إفراد البعض بالإعتاق .. جاز إفراده بالعقد المفضي إلى العتق, وبهذا قال أبو حنيفة.

وَلَوْ كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا .. صَحَّ إِنِ اتَّفَقَتِ النُّجُومُ وَجُعِلَ الْمَالُ عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قلنا بالفساد .. عتق بالأداء وتراجعا إلا بقسط السراية. وإن قلنا بالصحة وبينهما مهايأة فأدى من كسبه في نوبته .. عتق وسرى عليه. وإن لم يكن فكسب ما يفي بقسط السيد والنجود وأداه .. عتق, وإن لم يكسب إلا قدر النجوم .. ففي العتق خلاف, وقياس نظيره عدم العتق. ويستثنى من إطلاق المصنف الفساد في كتابة البعض صور: منها: إذا أوصى بكتابة عبد فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم يجز الورثة .. فالأصح أنه مكاتب ذلك القدر. ومنها: إذا أوصى بكتابة بعض عبده .. جزم البغوي في (تعليقه) بالصحة, ونقله المروروذي عن النص. ومنها: ما ذكره الماوردي أنه لو كاتب في مرض موته بعض عبده وذلك البعض ثلث ماله .. صح قولا واحدا. ومنها: لو كان بعضه موقوفا على خدمة مسجد ونحوه من الجهات العامة وباقية رقيق, فكاتبه مالك بعضه .. فيشبه أن يصح على قولنا: الملك في الوقف ينتقل إلى الله تعالى. واستثنى صاحب (الخصال): إذا مات رجل عن ابنين فأقر أحدهما بالكتابة .. فيكون نصيبه مكاتبا. وفي استثناء هذه الصورة نظر, ومثله: لو ادعى العبد على سيديه أنهما كاتباه فصدقه أخدهما وكذبه الآخر. قال: (ولو كاتباه معا أو وكلا .. صح إن اتفقت النجوم وجعل المال على نسبة ملكيهما)؛ لئلا يؤدي إلى انتفاع أحدهما بملك الآخر. والمراد بـ (اتفاق النجوم): جنسا وأجلا وعددا. فإن اختلف الجنس أو قدر الأجل أو العدد أو شرطا التساوي في النجوم مع التفاوت

فَلَوْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الآخَرُ إِبْقَاءَهُ .. فَكَابِتِدَاءِ عَقْدٍ, وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَلَوْ أَبْرَأَ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ .. عَتَقَ نَصِيبُهُ, وَقُوِّمَ الْبَاقِي إِنْ كَانَ مُو سِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ في الملك أو بالعكس .. في صحة الكتابة القولان فيما إذا انفرد أحدهما بكتابة نصيبه بإذن الآخر, وقيل: يبطل قطعا؛ لأنا لو جوزنا ذلك .. لزم أن ينتفع أحدهما بملك الآخر, والصحيح: أنه لا يشترط تساوي الشريكين في ملك العبد. قال: (قلو عجز أحدهما وأراد الآخر إبقاءه .. فكابتداء عقد) فلا يجوز بغير إذن الشريك, وكذا بإذنه على المذهب لما تقدم. قال: (وقيل: يجوز) , لأن الدوام أقوى من الابتداء, وجعل هذا في (المحرر) طريقة لا وجها, وكذا هو في (الروضة). قال: (ولو أبرأ) أي: أحدهما (من نصيبه أو أعتقه .. عتق نصيبه, وقوم الباقي إن كان موسرا). إما في العتق .. فلما سبق في بابه. وأما في الإبراء .. فلأنه أسقط جميع ما يستحقه فأشبه ما لو كاتب جميعه وأبرأه عن النجوم. وعبارة المصنف تفهم أن التقويم والسراية في الحال وهو قول. والأظهر: أنه ليس كذلك, بل إن أدى نصيب الآخر من النجوم .. عتق عنه والولاء بينهما, ويأتي الخلاف في أنه يسري بنفس العجز أم بأداء القيمة, أم يتبين بأدائها أنه سرى من العجز. ولو كاتب رجل عبده ومات عن ابنين وعجز المكاتب فأرقه أحدهما وأراد الثاني إنظاره .. ففيه الطريقان. وهذه الصورة أولى بأن لا تنتفض فيها الكتابة؛ لأنها صدرت من واحد في الابتداء, وهناك من شخصين, والصفقة تتعدد بتعدد العاقد. تتمة: ليس للمكاتب أن يدفع لأحد الشريكين شيئا لم يدفع مثله للآخر في حال دفعه

فصل: يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنَ الْمَالِ, أَوْ يَدْفَعَهُ إِلَيه, ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه, فإذا أذن أحدهما في دفع شيء للآخر يختص به .. لم يصح القبض في أصح القولين. وصحح صاحب (الحاوي) و (البحر) الجواز. فعلى هذا: إن كان قدر صحته .. عتقت حصته إذا قبضها, وإن امتنع من القبض .. أجبر عليه, ثم إن كان معه وفاء نصيب الآخر .. دفعه وعتق, وإلا فبقول الباقي على القابض إن كان موسرا على المذهب, ولو قبض بالإجبار .. فكذلك الحكم؛ لأنه مختار في عقد الكتابة. نعم؛ لو كان المجبر على القبول الوارث .. لم يسر العتق اتفاقا. قال: (فصل: يلزم السيد أن يحط عنه جزءا من المال, أو يدفعه إليه)؛ لقوله تعالى: {وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. وظاهر الأمر الوجوب. وقال أبو حنيفة ومال: يستحب له ذلك, واختاره القاضي الروياني في (الحلية)؛ لأنه لو وجب بالشرع .. لتقدر كالزكاة. والمراد بالإيتاء في الآية: التزام المال لا بدله كما في الجزية. فإن قيل: من قواعد الشافعي أنه لا يستنبط من النص معنى يبطله, ولذلك منع أخذ القيمة في الزكاة, وتجويز الحط يبطل الإيتاء .. فالجواب: أن الإبطال حصل هنا في الطريق إلى براءة الذمة لا في نفسها, فكان من باب مفهوم الموافقة؛ لأن في الحط إيتاء وزيادة. وظاهر عبارته: أن الواجب أحد الأمرين, وهو وجه حكاه القاضي حسين. وقيل: الإيتاء أصل والحط بدل؛ لظاهر الآية. والأصح المنصوص في (الأم): أن الحط أصل والإيتاء بدل عنه؛ لأن المقصود إعانته ليعتق, والإعانة في الحط محققة, وفي البدل موهومة؛ فإنه قد ينفق المال في جهة أخرى.

وَالْحَطُّ أَوْلَى, وَفِي النَّجْمِ الأَخِيرِ أَلْيَقُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وفائدة الخلاف تظهر في الكتابة الفاسدة؛ فإنا إن قلنا: الأصل الإيتاء .. ففي وجوبه فيها وجهان, وإن قلنا: الحط .. لم يجب جزما. والألف واللام في (ألمال) للعهد, وهو مال الكتابة, فيجب عليه أن يحط عنه جزءا من المال المعقود عليه, أو يدفع إليه جزءا منه بعد قبضه. فإن كان المبذول من غير جنس مالها .. لم يلزم المكاتب قبوله على الصحيح, وإن رضي به .. جاز قطعا, وإن كان من جنسه .. فالصحيح اللزوم؛ لأن المقصود الإعانة على فك رقبته, كل هذا في الكتابة الصحيحة. واستثنى أصحاب (الرونق) و (اللباب) و (الشافي) و (التحرير) من الوجوب صورتين: إحداهما: أن يكاتبه على منفعة نفسه. والثانية: أن يكاتبه في مرض موته والثلث لا يحتمل أكثر من قيمته. وفي (البيان) وغيره: أنه لو وهب عبده النجوم .. عتق, وهل له أن يطالب سيده بالإيتاء؟ وجهان: الأصح على ما اقتضاه كلام (الشرح) و (الروضة) في (الصداق): المنع. قال: (والحط أولى)؛ لما تقدم من تحقق نفعه, وهو المروي عن الصحابة قولا وفعلا, منهم علي وابن عمر. قال: (وفي النجم الأخير أليق)؛ ليتخلص به من أسر الرق. وفي (الموطأ) [2/ 788] عن ابن عمر: أنه كاتب عبدا له على خمسة وثلاثين ألفا, وضع عنه منها في النجم الأخير خمسة آلاف. وقيل: يتعين فيه أو بعده, ولا يجوز قبله. وفي (فروع ابن القطان) تقييد الأخير بما إذا كاتبه على أكثر من نجمين, قال: فإن كان على نجمين .. فسبيله أن يعطيه في الأول؛ ليستعين به في الثاني.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الاِسْمُ [وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَالِ] , وَأَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ, وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (والأصح: أنه يكفي ما يقع عليه الاسم [ولا يختلف بحسب المال])؛ لأنه لم يرد فيه تقدير. والثاني: ينبغي أن يكون قدرا يليق بالحال ويستعين به على العتق دون القليل الذي لا وقع له, وعلى هذا: يختلف الحال بقلة المال وكثرته, فإن لم يتفقا على شيء .. قدره الحاكم باجتهاده مراعيا قوة العبد وكسبه, وقيل: يراعي يساره وإعساره. قال في (ألشرح الصغير): ويشبه أن ينظر إليهما جميعا كالمتعة, ونقله في (الكفاية) عن تصريح الماوردي. وتعبير المصنف بـ (الأصح) مخالف لتعبيره في (الروضة) بـ (الصحيح). قال: (وأن وقت وجوبه قبل العتق)؛ ليستعين به عليه, ويجوز بعده ويكون قضاء. وقيل: بعد العتق ليكون بلغة له كالمتعة بعد الطلاق, ويجوز من أول عقد الكتابة, وقيل: لا يجوز الإيتاء إلا في النجم الأخير. قال: (ويستحب الربع)؛ لما روى الحاكم [2/ 397] – وقال: صحيح الإسناد – عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: {وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ربع الكتابة. وقال ابن المنذر والنسائي [سك 5018]: الصواب وقفه عليه, ومع ذلك هو حجة؛ لأن مثله لا يقال بالرأي. وقال إسحاق بن راهوية: أجمع أهل التأويل في الآية على أنها ربع الكتابة. وفي وجه ضعيف: يستحب الثلث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الثلث, والثلث كثير)

وَإِلَّا .. فَالسُّبُعُ. وَيَحْرُمُ وَطْءُ مُكاتَبَتِهِ, وَلَا حَدَّ فِيهِ, وَيَجِبُ مُهْرٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فالسبع)؛ لأثر ابن عمر السابق, فلو مات السيد بعد الأخذ وقبل الإيتاء .. لزم الورثة الإيتاء, فإن كانوا صغارا .. تولاه الولي. فإن كان مال الكتابة باقيا .. أخذ منه الواجب, ولا يزاحمه أصاب الديون؛ لأن حقه في عينه. قال: (ويحرم وطء مكاتبته)؛ لاختلال ملكه وإن لم يقطعه كالطلاق الرجعي, فلو شرط في الكتابة أن يطأها .. فسد العقد, خلافا لمالك حيث قال: يصح العقد ويلغو الشرط, ولأحمد حيث قال بصحتها. والمراد: الكتابة الصحيحة؛ فإن الفاسدة كالتعليق بصفة. واقتصاره على الوطء قد يفهم جواز ما عداه, والذي في زوائد (الروضة) في (كتاب الظهار): أنه يحرم منها كل استمتاع, قال: وكذا المبغضة. وذكر الرافعي في (النكاح): أنه يحرم النظر إليها أيضا, وهو يوهم امتناع نظر المكاتب لسيدته, وحكاه في (الروضة) في زوائده هناك عن القاضي حسين, لكن نص الشافعي على الجواز, وجرى عليه العراقيون في هذا الباب. قال: (ولا حد فيه) ولو علم التحريم؛ لشبهة الملك, وفي قول ضعيف: يحد العالم, والصحيح: يعزران. قال: (ويجب مهر) إن كانت مكرهة؛ لأنه وطء لا حد فيه فأشبه ما لو وطئ أمة أوصي له برقبتها دون منفعتها, والمهر يكون لها, لأنها مستحقة المنافع. وقيل: إن طاوعته فلا؛ لأنها أهدرت بضعها بلا عوض, والصحيح المنصوص: الأول؛ لأن المطاوعة مع وجود الشبهة لا تقدح في وجوب المهر. وعن مالك: لا مهر لها بحال. لنا: أن منافع بضعها لها, بدليل أنه لو وطئها غيره بشبهة .. كان المهر لها, وإذا وجب المهر لها .. فلها أخذه في الحال, فإن حل عليها نجم وهما من جنس واحد .. فعلى الخلاف في التقاص, وإن عجزت قبل أخذه .. سقط, وإن عتقت بأداء النجوم .. فلها المطالبة به, فإذا وطئها ثانيا, فإن كان قبل قبضها المهر .. لم يتكرر,

وَالْوَلَدُ حُرٌّ, وَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ, وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً, فَإِنْ عَجَزَتْ .. عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ, وَوَلَدُهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ فِي الأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًا وَعِتْقًا, ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان بعد قبضه .. وجب مهر ثان. قال: (والولد حر) أي: نسيب بالاتفاق؛ لأنها علقت به في ملكه. قال: (ولا تجب قيمته على المذهب)؛ لحريته عند علوقها به لأنه ابن أمته والحق فيه له. وقيل: تجب قيمته بناء على أن الحق فيه لها, والخلاف هنا مبني على حكم ولدها من غيره, إن قلنا: لا يثبت له حكم الكتابة .. لم يلزمه؛ لأنه قن له, وإن قلنا: يثبت - وهو الأصح - ففي لزوم قيمته خلاف. قال: (وصارت مستولدة)؛ لأنها مملوكة علقت بولد حر من مالكها, والاستيلاد فيها لا يبطل حقا فأشبهت غير المكاتبة. واحترزنا بما ذكرناه عن المرهونة والجانية على قول. قال: (مكاتبة) عملا بالاستيلاد والكتابة. قال: (فإن عجزت .. عتقت بموته)؛ لأجل الاستيلاد, وهذا لا خلاف فيه, فلو أتت هذه بولد بعد الاستيلاد من نكاج أو زنا .. فهو ولد أم ولد وولد مكاتبة فيتبعها في الاستيلاد قطعا, وهل يتبعها في العتق بالكتابة؟ فيه القولان الآتيان. ولو علق عتق عبده بدخول الدار, ثم كاتبه, ثم دخل الدار .. عتق, وهل يقع عتقه عن الكتابة؟ فيه الخلاف في المكاتبة المستولدة. قال: (وولدها من نكاح أو زنا مكاتب في الأظهر يتبعها رقا وعتقا)؛ لأن الولد من كسبها, فتوقف أمره على رقها وحريتها؛ لأنه يتبعها في سبب الحرية كما يتبعها في الحرية كولد أم الولد. والثاني: يكون مملوكا للمولى يتصرف فيه بالبيع وغيره؛ لأن عقد الكتابة يقبل الفسخ, فلا يثبت حكمه في الولد ما أن ولده المرهونة يكون مرهونا, وقطع بعضهم بالقول الأول.

وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ, وَالْحَقُّ فِيهِ لِلسَّيِّدِ, وَفِي قَوْلٍ: لَهَا, فَلَوْ قُتِلَ .. فَقِيمَتُهث لِذِي الْحَقِّ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ أَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ, وَكَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهَا عَلَيْهِ, وَمَا فَضَلَ .. وُقِفَ, فَإِنْ عَتَقَ .. فَلَهُ, وَإِلَّا .. فَلِلسَّيِّدِ. وَلضا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنَ المُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْجَمِيعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (مكاتب) فيه تجوز, والمراد: أنه يثبت له حكم الكتابة لا أنه يصير مكاتبا, ويوضحه قوله بعد: (ويتبعها رقا وعتقا)؛ لأنه لم يوجد منه قول ولم يجز معه عقد. قال: (وليس عليه شيء) أي: من مال الكتابة ولا غيره بلا خلاف؛ لأنه لم يوجد منه التزام. قال: (والحق فيه للسيد) كما أن حق الملك في الأم له كولد أم الولد. قال: (وفي قول: لها)؛ لأنه يعتق بعتقها, ويتفرع على القولين صور شرع المصنف في ذكر صورتين منها فقال: (فلو قتل .. فقيمته لذي الحق) كقيمة الأم, وإن قلنا بالثاني .. فللمكاتبة تستعين به في أداء النجوم. قال: (والمذهب: أن أرش جناية عليه, وكسبه ومهره ينفق منها عليه, وما فضل .. وقف, فإن عتق .. فله, وإلا .. فللسيد) كما أن كسب الأم إذا عتقت يكون لها, وإلا .. فلا. وفي وجه: لا يوقف, بل يصرف إلى السيد كما تصرف إليه القيمة. هذا كله إذا قلنا بالقول الأول, فإن قلنا بالثاني .. فهي للأم تستعين بها في كتابتها, ويصرف ما حصل إليها يوما بيوم بلا وقف. فلو امتنعت الأم من الأداء مع القدرة فقال الولد: أنا أؤدي نجومها من كسبي لتعتق فأعتق .. لم يكن له ذلك؛ لأنه تابع. وإذا اختلفا في ولدها فقال السيد: ولدته قبل الكتابة .. فهو رقيق, قالت: بعدها والأمر محتمل .. فمن أقام بينه .. قضي له بها. قال: (ولا يعتق شيء من المكاتب حتى يؤدي الجميع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم.

وَلَوْ أَتَى بِمَالٍ فَقَالَ السَّيِّدُ: هَذَا حَرَامٌ وَلاَ بَيِّنَةَ .. حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلاَلٌ، وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ: تّاخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ [عَنْهُ]، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم: (من كاتب عبدًا على مئة درهم فأداها إلا عشرة دراهم .. فهو عبد) صححه ابن حبان [4321]. وفيه وفي (سنن أبي داوود) [3922] و (النسائي) [سك 5007] عن عمرو بن شعيب مرفوعًا: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم). قال في (الروضة): إنه أحسن، ولأنه إن كان المغلب فيه العتق بالصفة .. فلا يعتق قبل استكمالها، وإن غلب فيه المعاوضة كالبيع .. فلا يجب تسليمه إلا بقبض جميع ثمنه. ومقتضى كلامه: أن لا يعتق بغير ذلك، وليس كذلك؛ فكل من يعتق بأداء النجوم .. يعتق بالإبراء منها، وفي حصوله بالاستبدال عنها خلاف، وإذا جوزنا الحوالة بالنجوم أو عليها .. حصل العتق بنفس الحوالة أيضًا. ونظير المسألة: الرهن لا ينفك شيء منه حتى يؤدي الجميع، بخلاف أرش الجناية المتعلق برقبة العبد؛ فإنه ينفك منه بقدر ما أدى على الصحيح. قال: (ولو أتى بمال فقال السيد: هذا حرام، ولا بينة .. حلف المكاتب أنه حلال) ويصدق على ذلك عملًا بظاهر اليد، وهذا بخلاف ما لو اشتغلت ذمة شخص بلحم فأتى به فقال المسلم: هذا لحم ميتة، وقال المسلم إليه: بل لحم مذكاة .. فالقول قول المسلم، قاله العبادي في (أدب القضاء)، والزبيري في (المسكت)؛ لأن ذمته مشغولة بيقين، والفرع تقدم في السلم. قال: (ويقال للسيد: تأخذه أو تبرئه [عنه])؛ لظهور تعنته، فإذا أقام السيد بينة على أن المال حرام؛ لم يجبر على قبوله، وتسمع منه هذه البينة عند الأكثرين. وشرط المارودي والصيدلاني في سماعها: أن يعين له مالكًا، ولا يثبت بهذه البينة ملك من شهدت له، فإذا لم تكن بينة .. أجبر السيد على أحد الأمرين كما قاله المصنف.

فَإِنْ أَبَى .. قَبَضَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ .. حَلَفَ السَّيِّدُ. وَلَوْ خَرَجَ الْمُؤَدَّى مُسْتَحَقًّا .. رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الأَخِيرِ .. بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ كَانَ قَالَ عنْدَ أّخْذِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا أخذه السيد، فإن كان قد عين له مالكًا .. لزمه دفعه إليه قطعًا؛ لاعترافه له به وإن لم يقبل قوله على المكاتب. وإن اقتصر على قوله: هو مسروق أو مغصوب أو حرام .. فقيلك ينزعه الحاكم ويحفظه في بيت المال، والأصح: لا ينزع منه ويقال له: أمسكه حتى يتبين صاحبه، ويمنع من التصرف فيه، فإن كذب نفسه وقال: هو للمكاتب .. قال الإمام: الصحيح: أنه يقبل، قال: وإن قلنا: ينزعه الحاكم منه .. فالظاهر: أنه لو كذب نفسه .. لم يقبل. قال: (فإن أبى .. قبضه القاضي) أي: ويعتق المكاتب. قال: (وإن نكل المكاتب .. حلف السيد) وكان كإقامة البينة. وفي وجه: لا يحتاج السيد إلى بينة، كذا حكاه في (أصل الروضة)، وهو وهم، ولفظ الرافعي في حكايته. وعن ابن أبي هريرة وجه: أن المكاتب لا يحتاج إلى بينة، فظن المصنف أنه المكاتب بكسر التاء فصرح بالسيد. والذي في (الرافعي) وهم أيضًا، وصوابه: إبدال البينة باليمين كما صرح به في (الشرح الصغير)، والمشهور: ما جزم به المصنف من حلف السيد. قال: (ولو خرج المؤدى مستحقًا .. رجع السيد ببدله)؛ لفساد القبض (فإن كان في النجم الأخير .. بان أن العتق لم يقع)؛ لبطلان الأداء، فإن ظهر الاستحقاق بعد موت المكاتب .. بان أنه مات رقيقًا وأن ما تركه للسيد لا للورثة، بخلاف ما لو علق عتقه بإعطاء ألف فأعطاه ألفًا مغصوبًا .. فإنه يعتق في وجه، وكذا في الكتابة الفاسدة وفي الطلاق؛ لأن هذا معاوضة وذاك تعليق. قال: (وإن كان قال عند أخذه: أنت حر)، فإنه لا يقع؛ لأنه بناه على ظاهر الحال، وهو صحة الأداء وقد بان خلافه.

وَإِنْ خَرَجَ مَعِينًا .. فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ، وَلاَ يَتَزَوَّجُ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: يقع مؤاخذة له ويجريان في قوله له: اذهب فقد عتقت. ثم ظاهر كلام المصنف: أنه لا فرق بين أن يقول: أنت حر جوابًا عن سؤال حريته أو ابتداء؛ لشمول العذر. وكلام الإمام يشعر بالتفصيل بين وجود قرينة كقبض مثلًا ودونها، قال الرافعي: وهو قويم لا بأس بالأخذ به؛ لكن في (الوسيط): أنه لا فرق بين أن يكون متصلًا بقبض النجوم أم لا. قال: (وإن خرج معيبًا .. فله رده وأخذ بدله) أي: إذا لم يرض به كالثمن المعيب، ولا فرق عندنا بين العيب اليسير والفاحش؛ لأنه دون حقه، وقال أبو حنيفة: لا يرد باليسير. فإن كان العيب في النجم الأخير، فإن رضي به .. نفذ العتق قطعًا، ويكون رضاه بالعيب كالإبراء من بعض الحق، وهل نقول: ملكه بالقبض ثم انتقض الملك بالرد أو نقول: إذا رد تبين أنه لم يملكه؟ فيه قولان تنبني عليهما فروع كثيرة في (الشرح) و (الروضة). ولو تلف عند السيد ما قبضه ثم علم عيبه .. قال الإمام: إن رضي .. فالعتق نافذ، وإن طلب الأرش .. تبين أن العتق لم يحصل، فإذا أدى الأرش .. حصل حينئذ، وإن عجز .. فللسيد إرقاقه، ويأتي الوجه الآخر أنه يرتفع العتق بعد حصوله، هذا هو الصواب في التعبير كما في (الشرح الصغير)، ووقع في (الكبير) و (الروضة): يرتفع العقد بعد حصوله، وهو سبق قلم. ولو حدث عند السيد عيب يمنع من الرد .. كان وقوع العتق موقوفًا على ما يستقر بينهما. هذا كله في نقصان الوصف، فأما إذا بان ناقص الأجزاء من الكيل أو الوزن .. فلا يعتق بقبضه بلا خلاف. قال: (ولا يتزوج إلا بإذن سيده)؛ رعاية لحقه، وجزم المحاملي في (المقنع) بوجوب إجابة المكاتب إلى التزويج، وما اقتضاه كلامه من الصحة بإذنه هو أصح الطرق.

وَلاَ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَهُ شِرِاءُ الْجَوَارِي لِتِجَارَةٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا .. فَلاَ حَدَّ، وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ لِدُنِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .. تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا، وَلاَ تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً فِي الأَظْهَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ... وقيل: إنه على القولين في تبرعاته، واقتضى إيراد الوسيط ترجيح هذه الطريقة تبعًا للإمام، وعليها اقتصر جماعة. ووجه المنع: أن نفقة الزوجة تستغرق أكسابه فلا يحصل مقصود الكتابة، أما المكاتبة .. فتزويجها بإذنها صحيح على الصحيح. وقال القفال: لا تزوج أصلًا؛ لضعف ملك السيد ونقصها. قال: (ولا يتسرى بإذن سيده على المذهب)؛ لضعف ملكه، وخوفًا من هلاك الجارية بالطلق. والطريقة الثانية: بناء على ذلك على أن العبد يملك بالتمليك إن قلنا: لا لم يحل له الوطء والتسري، وهو الأصح. والصواب المنصوص في (الأم) و (البويطي): الذي صححه المصنف، لكنه مخالف لما اقتضاه كلام (الروضة) في الباب الحادي عشر من (كتاب النكاح) وآخر (معاملات العبيد)؛ فإن فيهما أن فيه القولين في تبرعاته، ومقتضاه الصحة. قال: (وله شراء الجواري لتجارة)؛ لأنه متمكن من جهات الكسب تحصيلًا للمقصود. قال: (فإن وطئها .. فلا حد)؛ للشبهة، وكذا لا مهر؛ لأنه لو ثبت .. لكان له. قال: (والوالد نسيب)؛ لشبهة الملك. قال: (فإن ولدته في الكتابة أو بعد عتقه لدون ستة أشهر .. تبعه رقًا وعتقًا)؛ لأن العلوق وقع في الرق، ولكن لا يعتق في الحال؛ لضعف ملكه، فيوقف عتقه على عتق أبيه؛ وإلا .. رق وصار للسيد. قال: (ولا تصير مستولدة في الأظهر)؛ لأنها علقت بمملوك فأشبهت الأمة المنكوحة.

وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِفَوْقَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَطَؤُهَا .. فَهْوَ حُرٌّ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ .. وَلَوْ عَجَّلَ النُّجُومَ .. لَمْ يُجْبَرِ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ إِنْ كَانَ لَهُ فِي الامْتِنَاعِ غَرَضٌ كَمُؤْنَةِ حِفْظٍ َأَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ .. فَيُجْبَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: تصير مستولدة في الحال، وبه قال مالك وأحمد، واختاره المزني؛ لأنه ثبت للولد حق الحرية فثبت لها حرمة الاستيلاد. قال: (وإن ولدته بعد العتق لفوق ستة أشهر) كذل في (المحرر)، والذي في (الروضة) و (الشرحين): لستة أشهر فأكثر. قال: (وكان يطؤها .. فهو حر وهي أم ولد)؛ لظهور العلوق بعد الحرية، والولد في هذه الحالة لا ولاء عليه إلا بالولاء على أبيه، ولا ينظر إلى احتمال العلوق في الرق؛ تغليبًا للحرية، وإن لم يطأها بعد الحرية .. فالاستيلاد على الخلاف. قال: (ولو عجل النجوم .. لم يجبر السيد على القبول إن كان له في الامتناع غرض كمؤنة حفظ) كالطعام الكثير، وكذلك مؤنة العلف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وهذا لا خلاف فيه، فلو كاتبه وقت النهب وعجل فيه .. فقيل يجبر؛ لاستواء الحالين، والأصح: المنع. قال: (أو خوف عليه) أي: من ضياع أو فساد أو نهب، وكذا إذا أتى به في غير بلد العقد، فإن: كان لنقله مؤنة أو كان الطريق أو ذلك البلد مخوفًا .. لم يجبر، وإلا .. أجبر. قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن له في الامتناع غرض صحيح (.. فيجبر)؛ لما روى البيهقي [10/ 334] عن أنس بن سيرين قال: كاتبني أنس بن مالك، فاشتريت وبعت حتى ربحت مالًا، وجئت أنسًا بكتابي كلها، فأبى أن يقبلها إلا نجومًا، فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال: أراد أنس الميراث، ثم كتب إليه فقبلها. ولأن للمكاتب غرضًا ظاهرًا فيه وهو يتخير العتق أو تقريبه، ولا ضرر على السيد.

فَإِنْ أَبَى .. قَبَضَهُ الْقَاضِي، وَلَوْ عَجَّلَ بَعْضَهَا لِيُبْرِئَهُ مِنَ الْبَاقِي فَأَبْرَأَ .. لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلاَ الإِبْرَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام في آخر (النهاية): وهذا لا خلاف فيه، بخلاف بقية الديون؛ فإن في إجبار رب الدين على قبولها قبل الحلول قولين، والفرق: طلب العتق في الكتابة، وبهذا جزم الرافعي في (كتاب الجراح)، قال: وهذا بخلاف سائر الديون المؤجلة؛ فإن فيها تفصيلًا وخلافًا. قال: (فإن أبى .. قبضه القاضي) أي: ويعتق؛ لأنه نائب الممتنعين، وكذلك الحكم لو كان غائبًا فعجله حيث لا ضرر .. يقبضه القاضي عنه، بخلاف من عجل دينًا لغائب في غير الكتابة .. لا يقبضه الحاكم في الأصح؛ ففي (سنن البيهقي) [10/ 334] عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه قال: اشترتني أم شريك – امرأة من بني ليث – بسوق ذي المجاز بسبع مئة درهم، ثم قدمت المدينة، فكاتبتني على أربعين ألف درهم فأديت إليها عامة ذلك، قال: ثم حملت ما بقي إليها فقلت: هذا مالك فاقبضيه، فقالت: لا والله حتى آخذه منك شهرًا بشهر وسنة بسنة، فخرجت به إلى عمر فذكرت ذلك له فقال: ادفعه إلى بيت المال، ثم بعث إليها فقال: هذا مالك في بيت المال، وقد عتق أبو سعيد، فإن شئت .. فخذي شهرًا بشهر وسنة بسنة، قال: فأرسلت فأخذته. قال أبو بكر النيسابوري: هذا حديث حسن. فإن قيل: يشكل قوله: (فإن أبى قبضه القاضي) مع قوله: أنه يجبر .. فالجواب: أنه يجبره، فإن عجز عن جبره أو لم يفد فيه الإجبار .. قبض له حينئذ. والتفصيل الذي ذكره المصنف تقدم نظيره في (كتاب السلم). ولو كان على المكاتب ديون للسيد فأدى المال ثم اختلفا، فقال المكاتب: أديته عن النجوم، وقال السيد: عن الديون .. فالصحيح: أن المصدق المكاتب. وقال في (المهمات): القياس تصديق السيد؛ لأن التعيين في الابتداء إليه، فالقياس أن يراعى؛ لأن الاختيار إليه، بخلاف سائر الديون. قال: (ولو عجل بعضها ليبرئه من الباقي فأبرأ .. لم يصح الدفع ولا الإبراء)؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ

وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ، وَلاَ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا، فَلَوْ بَاعَ وَأَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي .. لَمْ يَعْتِقْ فِي الأَظْهَرِ، وَيُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ وَالْمُكاتَبُ المُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه يشبه ربا الجاهلية، فإن الرجل كان إذا حلَّ دينه يقول لمن عليه: تقضي أو تزيد، فإن قضاه وإلا .. زاده في الدين وزاده في الأجل. وإذا لم يصح الدفع ولا الإبراء .. لم يعتق، وعلى السيد رد المأخوذ. ومثله: أبرأتك عن كذا بشرط أن تعجل الباقي، أو إذا عجلت كذا .. فقد أبرأتك عن الباقي، فعجل .. لم يصح، ولو أخذ السيد ما عجله المكاتب وأبرأه عن الباقي بلا شرط، أو عجز المكاتب نفسه فأخذ السيد ما معه وأبرأه عن الباقي .. جاز، أو أعتقه .. جاز. قال: (ولا يصح بيع النجوم)؛ لأنه بيع ما لم يقبض وبيع الدين لغير من عليه، لكن المصنف صحح في (الروضة) في (باب البيع) أن بيع الدين لغير من عليه صحيح، ومقتضاه: ترجيح بيع النجوم إذا قلنا بالعلة الأولى. قال: (ولا الاعتياض عنها) أي: الاستبدال عنها من المكاتب، والخلاف فيها مرتب على ما قبلها، وفيهما وجه ضعيف، لكنه في الأولى أضعف، وصوب في (المهمات) جواز الاعتياض عنها، ونقله عن نص (الأم) في (باب قطيعة المكاتب)، والمصنف خالف كلامه هنا ما قدمه في (باب الشفعة). قال: (فلو باع وأدى إلى المشتري .. لم يعتق في الأظهر) هذا تفريع على بطلان البيع، والمراد: أن المشتري إذا قبض النجم هل يعتق لأن البيع يتضمن الإذن في قبض النجوم فإذا بطل خصوص البيع .. بقي عموم الإذن، ويصير كالوكيل، أو لا يصح القبض ويبطل الإذن لبطلان ما هو في ضمنه ولا يعتق؟ فيه قولان: أظهرهما: الثاني؛ لأن الإذن في مقابلة سلامة العوض ولم يسلم، ويفارق الوكيل؛ فإنه يقبض للموكل وهذا يقبض لنفسه بحكم البيع الفاسد، ولم يصح قبضه .. فلم يعتق. قال: (ويطالب السيد المكاتب والمكاتب المشتري بما أخذ منه) هذا أيضًا تفريع على عدم العتق، فإن قلنا: يعتق بما أخذه المشتري .. يعطيه للسيد؛ لأنا جعلناه وكيله.

وَلاَ يَصَحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ فِي الْجَدِيدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولا يصح بيع رقبته في الجديد) وبه قال أبو حنيفة ومالك قياسًا على المستولدة. والقديم: الجواز، وبه قال أحمد كبيع المعلق العتق بصفة، ويحتج له بحديث بريرة؛ فإنها استعانت عائشة رضي الله عنها في كتابتها فقالت: إن باعوك صببت لهم ثمنك صبًا، فراجعتهم فأبوا أن يبيعوها إلا أن يكون الولاء لهم .. الحديث. ومن قال بالجديد .. قال: إنها عجزت نفسها ثم اشترتها عائشة رضي الله عنها، والبيع بعد فسخ الكتابة جائز، ولهذا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها، ولو بقيت الكتابة .. لعتقت بها. وقال ابن المنذر: بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة، ولو كان بيع المكاتب غير جائز .. لنهى عنه، ففي ذلك أبين بيان على جواز بيعه، ولا أعلم خبرًا يعارضه، ولا أعلم في شيء من الأخبار دلالة على عجزها، اهـ وامتناع البيع محله: إذا لم يرض المكاتب بالبيع، فإن رضي .. جاز وكان رضاه فسخًا، كذا نقله البيهقي في (سننه) عن نص الشافعي، وبه جزم القاضي حسين في (تعليقه)، وهو ظاهر؛ لأن الحق له وقد رضي بإبطاله. وقول الجرجاني في (الشافي): لا يصح البيع سواء رضي المكاتب أم لا .. ممنوع، وعلى القديم هل تنفسخ الكتابة؟ وجهان: أصحهما: المنع، وينتقل إلى المشتري مكاتبًا، والأصح: أن الولاء له، وينبغي أن يستثنى: ما إذا باعه من نفسه كما سيأتي في نظيره من المستولدة، وقد يمنع؛ فإن صفة أمية الولد لازمه، فيجوز البيع تعجيلًا للعتق، بخلاف المكاتب؛ فإنه قد يعجز. فتخلص أنه يباع في أربع صور: إذا رضي، وإذا عجز نفسه، وإذا جنى، وإذا اشترى نفسه. كل هذا في الكتابة الصحيحة، وأما الفاسدة .. فالمنصوص في (الأم): صحة البيع إذا علم البائع بفسادها؛ لبقائه على ملكه كالمعلق المعتق بصفة، وكذلك إذا جهل على المذهب.

فَلَوْ بَاعَ فَأَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي .. فَفِي عِتْقِهِ الْقَوْلاَنِ، وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ. وَلَوْ قَالَ [لَهُ] رَجُلٌ: أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَلَى كَذَا فَفَعَلَ .. عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ. فَصْلٌ: الْكِتَابَةُ لاَزِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فلو باع فأدى إلى المشتري .. ففي عتقه القولان) أي: فيما إذا باع نجومه فأدى إلى مشتريها، وتقدم أن أظهرهما: المنع. قال: (وهبته كبيعه) فيأتي فيها القولان أيضًا؛ لما فيها من إزالة الملك وتعرضه للرق، وأما الوصية به، فإن نجزها .. فكالبيع، وإن علقها على عجزه .. فوجهان: أصحهما: الصحة كما لو وصى بثمرة نخله وحمل أمته. والثاني: لا يصح؛ اعتبارًا بحالة التعليق. قال: (وليس له بيع ما في يد المكاتب وإعتاق عبده وتزويج أمته) ونحو ذلك من التصرفات؛ لأنه كالأجنبي معه. قال: (ولو قال [له] رجل: أعتق مكاتبك على كذا ففعل .. عتق ولزمه ما التزم) كما لو قال: أعتق مستولدتك على كذا، وهو بمنزلة فداء الأسير، فلو قال: أعتقه عني على كذا .. لم يعتق عن السائل، ويعتق عن المعتق على الأصح، ولا يستحق المال. تتمة: علق عتق المكاتب على صفة، فوجدت .. عتق ويضمن الإبراء عن النجوم حتى تتبعه أكسابه، قاله القاضي حسين في (كتاب الزكاة) من (تعليقه)، قال: والإبراء لا يقبل التعليق قصدًا، ويقبله ضمنًا. قال: (فصل: الكتابة لازمة من جهة السيد ليس له فسخها)؛ لأنها عقدت لحظ المكاتب لا لحظ

إِلاَّ أَنْ يَعْجِزَ عِنِ الأَدَاءِ، وَجَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَهُ تَرْكُ الأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ، فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ .. فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ وَالْفَسْخُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ .. بِالْحَاكِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السيد فكان السيد فيها كالراهن، هذا في الصحيحة، أما الفاسدة .. فهي جائزة من جهته على الصحيح. وقوله: (إلا أن يعجز عن الأداء) أي: عند المحل في النجم أو بعضه؛ لأنه تعذر عليه العوض فمكن من الفسخ كالبائع عند إفلاس المشتري بالثمن، ولا ترتفع الكتابة بمجرد تعجيزه نفسه، وإنما ترتفع إذا فسخها بعد العجز، كذا قاله الرافعي، وهو خلاف نص الشافعي؛ فإنه قال في (الأم) مستدلًا على بطلان الكتابة بالموت: وإذا قال المكاتب: عجزت .. بطلت الكتابة. وقال الماوردي: إذا عجز المكاتب .. احتاج الفسخ إلى شرطين: أن يقول المكاتب: قد عجزت، ويقول السيد: فسخت كتابتك. ويستثنى: ما إذا عجز عن القدر الذي يحط عنه أو ببدل له؛ فإنه لا يفسخ فإن عليه مثله، بل يرفع المكاتب الأمر إلى الحاكم ليفصل بينهما بطريقه، فلو لم يعجز ولكن امتنع من الأداء .. فللسيد الفسخ أيضًا، ويستحب أن يشهد بالفسخ استظهارًا وإن لم يجب. قال: (وجائزة للمكاتب)؛ لأنه عقد لحظه فأشبه المرتهن. قال: (فله ترك الأداء وإن كان معه وفاء)؛ لأن الحظ له فلم يجبر عليه. قال في (الذخائر): وحكى الفوراني وجهًا لأصحابنا: أنها لازمة من جهة العبد كمذهب أبي حنيفة، وقال في (المطلب): لم أره في (الإبانة). قال: (فإذا عجز نفسه .. فللسيد الصبر والفسخ بنفسه، وإن شاء .. بالحاكم)؛ لأنه فسخ مجمع عليه لا اجتهاد فيه فلم يشترط فيه الحاكم.

وَلِلْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ فِي الأَصَحِّ. وَإِنِ اسْتَمْهَلَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ .. اسْتُحِبَّ إِمْهَالُهُ، فَإِنْ أَمْهَلَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ .. فَلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد جاء عن عمر: أنه كاتب عبدًا له ثم قال: أنا عاجز، فقال: افسخ كتابتك، فقال: بل افسخ أنت. ثم إذا فسخ الحاكم .. فلا بد من ثبوت الكتابة وحلول النجم عنده. قال: (وللمكاتب الفسخ في الأصح) كما أن للمرتهن أن يفسخ الرهن؛ لأنها جائزة من جهته، سواء كان قادرًا على أداء النجوم أم لا. والثاني: المنع؛ إذ لا ضرر عليه في بقاء الكتابة، وله الامتناع من الأداء؛ لأنه تعليق عتق بصفة. قال الإمام: وهذا في الحقيقة عكس الصواب؛ فإن إلزام الكتابة وتجويز الامتناع من الوفاء كلام متناقض، لكن الرافعي جزم في أثناء المسألة الثانية من النظر الثالث بأن العبد لا يمكن من فسخ الكتابة ورفعها، صحيحة كانت أو فاسدة. قال: (وإن استمهل المكاتب عند حلول النجم .. استحب إمهاله)؛ مساعدة له في تحصيل العتق، ولما في إنظار المعسر من الفضل. قال: (فإن أمهل ثم أراد الفسخ .. فله)؛ لأن الدين الحال لا يتأجل، وقال أبو حنيفة: ليس له الفسخ؛ لأنه التزم بقربة فلا يتركها. وإذا طالبه بالمال فلا بد من الإمهال بقدر ما يخرج المال من الصندوق والدكان والمخزن ويزن، ولو أنظره بعد حلول النجم وأذن له في السفر، ثم بدا له أن يرجع .. لم يكن له الفسخ في الحال؛ لأن المكاتب غير مقصر في ذلك، ولكن يرفع الأمر إلى الحاكم ويقيم البينة على الحلول والغيبة، ويحلف أنه ما قبض النجم منه ولا من وكيله، ولا أبرأه، ولا أحال به إذا جوزنا ذلك، ويذكر مع ذلك أنه رجع عن الإنظار، فيكتب الحاكم بذلك إلى حاكم بلد الغيبة ويرتب عليه مقتضاه.

وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عُرُوضٌ .. أَمْهَلَهُ لِيَبِيعَهَا، فَإِنْ عَرَضَ كَسَادٌ .. فَلَهٌ أَنْ لاَ يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا .. أَمْهَلَهُ إِلَى الإِحْضَارِ إِنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَإِلاَّ .. فَلاَ. وَلَوْ حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ غَائِبٌ .. فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإن كان معه عروض .. أمهله ليبيعها)؛ رفقًا به، وهذا الإمهال واجب؛ لأنه واجد لما عليه باذل. قال: (فإن عرض كساد .. فله ألا يزيد في المهلة على ثلاثة أيام) كذا نقله الرافعي عن البغوي، ورأى الإمام جواز الفسخ، ونزله منزلة غيبة المال، قال الرافعي: وهذا أظهر. وإذا كان له دين حال على حاضر باذل .. وجب التأخير إلى استيفائه؛ لأنه كالعين الحاضرة أو الوديعة، هكذا أطلقوه من غير تقييد بمدة، ويظهر تقييده بما دون ثلاثة أيام. قال: (وإن كان ماله غائبًا .. أمهله إلى الإحضار إن كان دون مرحلتين)؛ لأنه بمنزلة الحاضر. قال: (وإلا .. فلا)؛ لطول المدة، وأطلق الإمام والغزالي الفسخ به، وهو محمول على هذا التفصيل، والمنصوص في (الأم) ما أطلقه الإمام وأتباعه. قال: (ولو حل النجم وهو غائب .. فللسيد الفسخ) أي: إن شاء بنفسه، وإن شاء بالحاكم في الأصح؛ لأن المكاتب كان ينبغي له أن يحضر أو يبعث المال إليه عند المحل، وقيل: لا يفسخ بنفسه، بل لا بد من الرفع إلى الحاكم؛ لأنه نائب الغائبين، ولا يجب على السيد تأخير الفسخ بكون الطريق مخوفًا أو المكاتب مريضًا. تنبيهات أحدها: قال في (المطلب): لم أر لهم تعرضًا لحد هذه الغيبة، والأشبه أنه لا فرق فيها بين القريبة والبعيدة، وقيدها في (الكفاية) بمسافة القصر، وهو قياس تنزيل غيبته كغيبة المال.

وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ .. فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الأَدَاءُ مِنْهُ. وَلاَ تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: محل الخلاف: إذا سافر بإذن السيد، فإن سافر بغير إذنه .. كان له الفسخ قطعًا، قاله ابن الصباغ. الثالث: كلامه صريح في جواز سفره بغير إذن سيده، وهو كذلك في الأصح، وقيل: في سفر التجارة لا منع للسيد، وفي غيره يمنع. قال: (ولو كان له مال حاضر .. فليس للقاضي الأداء منه) بل يمكن السيد من الفسخ؛ لأنه ربما عجز نفسه لو كان حاضرًا أو امتنع من الأداء. قال: (ولا تنفسخ بجنون المكاتب)؛ لأن ما كان لازمًا من أحد الطرفين لا ينفسخ بجنون أحد المتعاقدين كالرهن، وإنما تنفسخ به العقود الجائزة منها كالوكالة. وحكى الإمام قولًا أو وجهًا: أنها تنفسخ بجنونه، وهو غريب، لكنه القياس؛ لأنها جائزة من جهته، وإذا حاول السيد الفسخ .. فلا بد أن يأتي الحاكم فيثبت عنده الكتابة وحلول النجم، ويحلف على بقاء الاستحقاق، ثم يمكنه الحاكم من الفسخ، فإن أفاق وظهر له مال كان موجودًا قبل الفسخ .. فله دفعه إلى السيد ويعتق، ويبطل تعجيزه، كذا أطلقوه. قال الرافعي: وأحسن الإمام فقال: إن ظهر المال في يد السيد .. رد التعجيز، وإلا .. فلا، وفي هذه الحالة يلزم المكاتب رد ما أنفق السيد عليه؛ لأنه لم يتبرع وإنما أنفق على أنه عبده، وإذا لم تنفسخ بالجنون .. فبالإغماء أولى. كل هذا في الكتابة الصحيحة، أما في الفاسدة .. ففي بطلانها بجنونهما وإغمائهما أوجه: أحدها: نعم؛ لجوازها. والثاني: لا، وصححه الإمام. والثالث – وصححه الأكثرون -: أنها تبطل بجنون السيد وإغمائه، وبالحجر عليه، ولا تبطل بجنون العبد، وستأتي المسألة في كلام المصنف.

وَيُؤَدِّي الْقَاضِي إِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا، وَلاَ بِجُنُونِ السَّيِّد، وَيَدْفَعُ إِلَى وَلِيَّهِ، وَلاَ يَعْتَقُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ. وَلَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ .. فَلِوَارِثِهِ قِصَاصٌ، فِإِنْ عَفَا عَلَى دِيَةٍ أَوْ قَتَلَ خَطًا .. أَخَذَهَا مِمَّا مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ .. فَلَهُ تَعْجِيزُهُ فِي الأَصَحِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ويؤدي القاضي إن وجد له مالًا)؛ لأن المجنون ليس من أهل النظر لنفسه فناب الحاكم عنه، بخلاف الغائب الذي له مال، كذا أطلقه الجمهور. وقال الغزالي: إنما يؤدي إذا رأى المصلحة في الحرية، فإن رأى أنه يضيع بها لم .. يؤد، قال الرافعي: وهو حسن، لكنة قليل النفع من قولنا: إن السيد إذا وجد ماله .. له الاستقلال بأخذه، إلا أن يقال: يمنع من أخذه في هذه الحالة. قال: (ولا بجنون السيد)؛ لأنها لازمة من جهته، وعلم من هذا أنها لا تنفسخ بموته أيضًا كما أشار إليه المصنف في (فصل الكتابة الفاسدة). قال: (ويدفع) أي: النجوم (إلى وليه)؛ لأنه نائب عنه شرعًا (ولا يعتق بالدفع إليه)؛ لأن قبضه فاسد، وللمكاتب استرداده؛ لأنه على ملكه، بخلاف ما لو قبض السيد النجوم من المجنون .. فإنه يعتق؛ لحصول القبض المستحق. قال: (ولو قتل سيده) أي: عمدًا (.. فلوارثه قصاص) كجناية عبد غيره عليه، بل أولى؛ لمقابلة الإحسان بالإساءة. قال: (فإن عفا على دية أو قتل خطأ .. أخذها مما معه)؛ لأنه معه كالأجنبي في المعاملات، وما الذي يلزم المكاتب؟ أيلزمه الأرش بالغًا ما بلغ أم أقل الأمرين؟ فيه القولان في الجناية على الأجنبي، وقد جزم المصنف هناك بأن الواجب أقل الأمرين، والحكم واحد كما قاله في (الروضة)، والمصحح فيها وفي (الشرح) وجوب الأقل منها ومن قيمته، وسيأتي مجزومًا به في الكتاب في الجناية على الأجنبي وهما سواء. قال: (فإن لم يكن) أي: في يده مال (.. فله تعجيزه في الأصح)؛ دفعًا للضرر عنه. والثاني: ليس له تعجيزه؛ لأنه لو عجزه .. لصار قنًا له، فيسقط الأرش؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده شيء، بخلاف ما إذا عجزه الأجنبي .. فإن الأرش يتعلق برقبته، قال: وإذا عجز ورق .. فالأصح: سقوط الأرش، وقيل: يتبع به إذا عتق،

أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ .. فَاقْتِصَاصُهُ وَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ. وَإِنْ قَتَلَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَطَعَهُ فَعُفِيَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ خَطًا .. أَخَذَ مَمَّا مَعَهُ وَمِمَّا مَعَهُ وَمِمَّا سَيَكْسِبُهُ الأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالأَرْشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هما كالوجهين فيمن ملك عبدًا له عليه دين هل يسقط؟ قال: (أو قطع طرفه .. فاقتصاصه والدية كما سبق) أي: في قتله لسيده، فإن كانت الجناية عمدًا .. كان له أن يقتص، وإن كانت خطأ أو عفي على مال .. لم يجب؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده مال. ولو أعتق السيد المكاتب بعد جنايته عليه أو أبرأه عن النجوم، فإن لم يكن في يده شيء .. سقط الأرش؛ لأنه أزال الملك عن الرقبة التي كانت متعلق الأرض باختياره ولا مال غيرها، قال الإمام: وفيه احتمال أخذًا من استقلال المكاتب وثبوت حق السيد في ذمته. وإن كان بيده مال .. ففي تعلق الأرش بما في يده وجهان: أحدهما: المنع؛ لأن الأرش كان متعلقًا بالرقبة وقد تلفت. وأصحهما: التعلق؛ لأن الأرش كان متعلقًا برقبته وبما في يده، فلا يلزم من فوات أحدهما فوات الآخر. ولو أدى النجوم فعتق .. لم يسقط الواجب، كما لا يسقط فيما إذا جنى على أجنبي ثم عتق. قال: (وإن قتل أجنبيًا أو قطعه فعفي على مال أو كان خطأ .. أخذ مما معه ومما سيكسبه الأقل من قيمته والأرش)، فإن كان الواجب مثل قيمته أو أقل .. أخذ قطعًا، وإن كان أكثر .. فقولان: أحدهما: أنه يطالب بتمام الأرش كالحر، فله المطالبة ما دامت الكتابة باقية. وأظهرهما: أنه لا يطالب إلا بقدر قيمته؛ لأنه يملك تعجيز نفسه، وإذا عجزها .. لم يبق للأرش تعلق سوى رقبته. وقوله: (الأقل من قيمته والأرش) هو الصواب، ووقع في (المحرر): أو الأرش بالألف، والصواب حذفها كما نبه عليه في (الدقائق)، قال: ولم يستعملها

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَسَأَلَ الْمُسْتَحِقُّ تَعْجِيزَهُ .. عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَبِيعَ بِقَدْرِ الأَرْشِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ .. بَقِيَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ، وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ وَإِبْقَاؤُهُ مُكَاتَبًا. وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الجِنَايَةِ أَوْ أَبْرَأَهُ .. عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (المحرر) إلا في هذا الموضع، بخلاف غيره من المصنفين؛ فإنهم يستعملونها وهو ردئ. اهـ ووقع هذا الاستعمال في (الأم) و (المختصر)، وقد ذكرها في (المحرر) في كتاب (النكاح) أيضًا في قوله: (أفل الأمرين من ألف ومهر مثلها)، والعجب أن المصنف نبه عليها هناك. قال: (فإن لم يكن معه شيء وسأل المستحق تعجيزه .. عجزه القاضي وبيع بقدر الأرش) أي: فقط إن زادت قيمته عليه؛ لأنه القدر المحتاج إليه في الفداء. قال: (فإن بقي منه شيء .. بقيت فيه الكتابة)؛ لما في ذلك من الجمع بين الحقوق، فإذا أدى حصته من النجوم .. عتق منه ذلك القدر. وكلام المصنف يقتضي: أنه لا يتولى تعجيزه هنا إلا الحاكم، وأنه لا بد أن يعجزه أولًا، ثم يباع منه بقدر الأرش إذا لم يستغرق قيمته. قال ابن الرفعة: وكلام (التنبيه) يفهم أنه لا حاجة إلى التعجيز، بل نتبين بالبيع انفساخ الكتابة قبله كما نقول في بيع الرهن في أرش الجناية: لا يحتاج إلى فك الرهن. وقال القاضي حسين: للسيد أن يعجزه، ويباع في الجناية أو يفديه، وهو لا ينافي ما ذكرناه. قال: (وللسيد فداؤه وإبقاؤه مكاتبًا)؛ لما فيه من الجمع بين الحقوق الثلاثة، وعلى مستحق الأرش القبول على المذهب، وفيما يفديه به القولان. قال: (ولو أعتقه بعد الجناية) أي: نفذناه وهو المذهب (أو أبرأه .. عتق ولزمه الفداء)؛ لأنه فوت حق المجني عليه، فهو كما لو قتله، وفيما يفديه به السيد طريقان:

وَلَوْ قُتِلَ الْمُكَاتَبُ .. بَطَلَتْ وَمَاتَ رَقِيقًا، وَلِسَيِّدَهِ قِصَاصٌ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُكَافِىءِ، وَإِلاَّ .. فَالْقِيمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: على القولين الجديد والقديم. والثاني بالأقل طبعًا. نعم؛ لو جنى السيد على طرفه .. استقر عليه الأرش. ولو جنى جنايات ثم عتق بأداء النجوم .. فالغرم على المكاتب، وفيه قولان: أحدهما: يلزمه لكل واحد منهم الأقل من قيمته وأرش جنايته. وأصحهما: يلزمه للجميع الأقل من قيمته وأرش جناياتهم؛ لأنها متعلقة بالرقبة فإذا أتلفها فقط .. وزعت القيمة على قدر الجنايات. قال: (ولو قتل المكاتب .. بطلت ومات رقيقًا)؛ لفوات محل الكتابة، ولا يورث، وتكون أكسابه لسيده، وتجهيزه عليه، سواء خلف وفاء بالنجوم أم لا، وسواء كان الباقي قليلًا أم كثيرًا. قال: (ولسيده قصاص على قاتله المكافئ) كالقن؛ لبقاء ملكه عليه. قال: (وإلا .. فالقيمة) أي: إذا لم يكن القاتل مكافئًا له .. فالواجب عليه القيمة؛ لتعذر القصاص، لأنها جناية على عبد. هذا كله إذا قتله أجنبي، فإن قتله سيده .. فليس عليه إلا الكفارة، ولو قطع طرفه .. ضمنه، قال الجرجاني: وليس لنا من لا يضمن شخصًا ويضمن طرفه غيره، والفرق بطلان الكتابة بموته وبقاءها مع قطع طرفه والأرش من أكسابه. غريبة: قال في (الشامل): إذا ملك المكاتب أباه بوصية ثم إن المكاتب جنى على أبيه فقطع يده مثلًا .. فإنه يقتص من المكاتب؛ لأن حكم الأب معه كحكم الأجانب؛ فإنه لا يملك منعه من التصرف فيه، وجعلت حريته موقوفة على حريته ولا يعرف للشافعي مسألة يقتص من المالك للمملوك إلا هذه. اهـ. وحكى الروياني هذا في (البحر) عن نصه في (الأم) ثم قال: فأوجب القصاص

وَيَسْتَقِلُّ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ لاَ تَبَرُّعَ فِيهِ وَلاَ خَطَرَ، وَإِلاَّ .. فَلاَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على المكاتب بقتل مملوكه، ولم يجعل ملكه عليه شبهة، وهذا غريب. قال: (ويستقل) أي: المكاتب (بكل تصرف لا تبرع فيه ولا خطر) كالبيع والشراء والإجارة؛ لأن في ذلك تحصيلًا للغرض المقصود من الكتابة وهو العتق، لكنه لا يبيع بالنسيئة، سواء باع بمثل قيمته أو أكثر، وسواء استوثق بالرهن أو الكفيل أم لا؛ لأنه لا يدري عاقبته، كذا صححه الرافعي هنا، وخالف في (الرهن) فجعل حكمه حكم ولي الطفل حتى يصح على الأصح. وإذا باع أو اشترى .. لا يسلم ما في يده حتى يتسلم العوض؛ لأن رفع اليد عن المال بلا عوض نوع غرر، كذا أطلقه الرافعي. وقيده ابن الرفعة بما إذا كان العوض في غير المجلس، وجزم فيما إذا كان فيه بالجواز، ثمنًا كان أو مثمنًا؛ لأن ذلك يعسر ضبطه. وقال في (الأم) ليس للمكاتب أن يرهن في سلف ولا غيره، لأنه ليس له أن يتلف شيئًا من ماله، ولأن الرهن غير مضمون، وتبعه الجمهور على ذلك، ووقع للشيخين اضطراب في المسألة مذكور في (المهمات). قال: (وإلا .. فلا) أي: لا يصح منه تصرف فيه تبرع كهبة أو إبراء أو بيع بمحاباة أو عتق أو كتابة أو شراء قريبه؛ لأن أحكام الرق جارية عليه. وكذلك: لا يتصرف بما فيه خطر كدفعه ماله قراضًا؛ فإنه قد يخون أو يموت فيضيع، وله أن يأخذه قراضًا؛ لأنه نوع تكسب، ولأن الخطر على مالكه لا عليه. وكذلك: ليس له أن يقرض، وله أن يستقرض. وكذلك: ليس له تعجيل الديون المؤجلة؛ لما فيه من تفويت الانتفاع بالمال من غير ضرورة. وضابط التبرعات المردودة: التي تحسب كلها من الثلث إذا تبرع بها المريض في مرض الموت. قال الشيخ أبو محمد: ولا يحل له التبسط في الملابس والمآكل، ولا يكلف فيها التقتير المفرط أيضًا، وكذلك الحكم في السكن.

وَيَصِحُّ بَإِذْنِ سَيَّدِهِ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ .. صَحَّ؛ فَإِنْ عَجَزَ وَصَارَ لِسَيِّدِهِ .. عَتَقَ، أَوْ عَلَيْهِ .. لَمْ يَصِحَّ بِلاَ إِذْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا اعتراض للسيد عليه فيما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومسكن ومن تلزمه نفقته من زوجة وولد، ما لم يخرج في ذلك إلى حد السرف. قال: (ويصح بإذن سيده في الأظهر)؛ لأن المنع إنما كان لحقه، وقد زال بإذنه. والثاني: لا؛ لأنه ناقص الملك، والسيد لا يملك ما في يده، فلا يصح باجتماعهما؛ نظرًا إلى حق الله تعالى في العتق. هذا فيما عدا العتق والكتابة، أما هما .. فسيأتي حكمهما، وأما خلعه بالإذن .. فالأظهر: أنه على القولين، وقيل بالمنع مطلقًا. لكن يستثنى تبرعه على سيده، فيصبح قطعًا وإن لم يأذن له فيه؛ اكتفاء بقبوله بعد إيجابه، وهو نظير بيع المرهون من المرتهن من غير فك رهن. ولو تبرع بأداء دين السيد على مكاتب آخر وقبله منه السيد .. صح على الأصح كما لو أذن. قال: (ولو اشترى من يعتق على سيده .. صح) ويكون الملك فيه للمكاتب. قال: (فإن عجز وصار لسيده .. عتق) أي: فإن رق المكاتب .. صار القريب للسيد وعتق عليه، وهذا لا خلاف فيه. ولو اشترى بعض من يعتق على السيد أو اتهبه أو قبل الوصية .. صح أيضًا، وإذا رق .. عتق ذلك الشخص على السيد، وهل يسري إلى الباقي إذا كان السيد موسرًا؟ ينظر، إن عجز المكاتب نفسه من غير اختبار سيده .. لم يسر كما لو ورث بعض قريبه، وإن عجزه السيد .. فوجهان. قال: (أو عليه) أي: اشترى المكاتب من يعتق عليه من أصوله أو فروعه، أو كان حرًا. قال: (.. لم يصح بلا إذن)؛ لتضمنه العتق وليس من أهله.

وَبِإِذْنٍ .. فِيهِ الْقَوْلاَنِ، فَإِنْ صَحَّ .. تَكَاتَبَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَصِحُّ إِعْتَاقُهُ وَكِتَابَتُهُ بِإِذْنٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَصْلٌ: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ لِشَرْطٍ أَوْ عِوَضٍ أَوْ أَجَلٍ فَاسِدٍ كَالصحِيحَةِ في اسْتِقْلاَلِهِ بِكَسْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وبإذن .. فيه القولان) اللذين في تبرعاته، ومقتضاه الصحة كما سلف، وعن ابن سريج: يصح قطعًا؛ لأن فيه صلة رحم، وضعف بانه لو كان مقصودًا .. لجاز بدون الإذن. قال: (فإن صح) أي: الشراء (.. تكاتب عليه) فيعتق إذا عتق، ويرق برقه، وفيه وجه حكاه الماوردي وغيره، وزيفه الإمام. قال: (ولا يصح إعتاقه وكتابته بإذن على المذهب)؛ لتضمنه الولاء وليس أهلًا له، وسبق أنه لا يصح إعتاق المكاتب عبده بلا خلاف. والثاني: يصح؛ عملًا بالإذن، ويوقف الولاء، إن عتق .. كان له، وإلا .. فللسيد. والطريق الثاني: القطع بالأول. هذا في إعتاق عن نفسه، فلو أعتق عن سيده أو غيره بإذن السيد .. فهو كسائر التبرعات بالإذن، فيصح على الأظهر، ولا تأتي فيه الطريقة القاطعة بالمنع؛ لأن المعتق عنه من أهل الولاء، ولو أعتق عن غيره بعوض المثل .. صح قطعًا؛ لأنه بيع. تتمة: لا يصح إبراؤه عن الديون، ولا هبته مجانًا، ولا يشترط الثواب؛ لأن في قرده اختلافًا بين العلماء فقد يحكم حاكم بشيء قليل، ولأن الثواب إنما يستقر بإقباض الموهوب، وفيه خطر. ووصيته باطلة، سواء أوصى بعين أو بثلث ماله؛ لأن ملكه غير تام. قال: (فصل: الكتابة الفاسدة لشرط أو عوض أو أجل فاسد كالصحيحة في استقلاله بكسب

وَأَخْذِ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ وَمَهْرِ شُبْهَةٍ، وَفِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالأَدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخذ أرش جناية عليه ومهر شبهة) تقدم أن الكتابة تنقسم إلى باطلة وفاسدة: فالباطلة: التي اختل بعض أركانها بأن كان السيد صبيًا، أو مجنونًا، أو مكرهًا، أو كان العبد كذلك، أو لم يجر ذكر العوض، أو ذكر ما لا يقصد ولا مالية له كالدم والحشرات، أو اختلت الصيغة بأن فقد الإيجاب والقبول. والفاسدة: التي انتفت صحتها لفوات شرط في العوض، أو لشرط فاسد بأن كان العوض خمرًا أو خنزيرًا، أو لم يؤجله، أو كاتب بعض العبد. وحكم الباطلة الإلغاء كما تقدم، إلا أنه إذا صرح بالتعليق وهو ممن يصح تعليقه .. يحكم بمقتضاه. والفاسدة تشارك الصحيحة في بعض الأحكام وتفارقها في بعض: فأشار المصنف بقوله: (الشرط) كما إذا شرط أن أكسابه مشتركة بينهما، أو عتقه يتأخر عن الأداء، أو كاتب جماعة واشترط عليهم أن يتكلف بعضهم بدين بعض، أو نحو ذلك. وبقوله: (أو عوض أو أجل) إلى ما إذا كاتبه على خمر، أو خنزير، أو ميتة، أو مجهول، أو إلى أجل مجهول، أو جعله نجمًا واحدًا. وقوله: (فاسد) يعود إلى الثلاثة، واحترز بذلك عن الشرط الصحيح كشرط العتق عند الأداء واستقلاله بالكسب. وقوله: (كالصحيحة في استقلاله بكسب) أراد به أنه يعتق فيها بالأداء كالصحيحة. والأداء إنما يكون من الكسب، ولأن مقصود الكتابة العتق، وهو لا يبطل بالتعليق على فاسد، ولهذا خالف البيع وغيره من العقود، قال البندنيجي: وليس لنا عقد فاسد يملك فيه كالصحيح إلا هذا. وقوله: (وأخذ أرش جناية عليه ومهر شبهة) ليستعين بهما في كتابته. قال: (وفي أنه يعتق بالأداء) أي: اداء المسمى؛ لوجود الصفة التي علق العتق عليها.

وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ، وَكَالتَّعْلِيقِ فِي أَنَّهُ لاَ يَعْتِقُ بِإِبْرَاءٍ، وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، وَتَصحُّ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ، وَلاَ يُصْرَفُ إِلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ، وَتُخَالِفُهُمَا فِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ينبغي أن يقول: بالأداء إلى السيد؛ فإنه لا يعتق بالاعتياض، ولا بالأداء إلى الوارث والوصي. قال: (ويتبعه كسبه) كما في الصحيحة؛ لأنه ملكه، وكذلك يتبعها ولدها على المذهب. وذكر الإمام والغزالي أنها كالصحيحة أيضًا في سقوط نفقته عن السيد ووجوبها على نفسه، والمذكور في (فتاوى القفال): أنه يستحق النفقة على السيد، ويؤيده أن الرافعي وغيره جزموا بأن فطرته على سيده. والمغلب على الكتابة الصحيحة المعاوضة وإن كانت مشتملة على التعليق، والمغلب على الفاسدة التعليق وإن اشتملت على عوض. قال: (وكالتعليق في أنه لا يعتق بإبراء)؛ لأن المعلق عليه لم يوجد، وكذلك إن أدى الغير عنه كما تقدم. قال: (وتبطل بموت سيده)؛ لانتقال الملك فيه إلى الوارث، فإذا أدى إلى الوارث .. لم يعتق، بخلاف الصحيحة؛ فإنها لا تبطل بموث السيد. فإن كان قال: إن أديت إلى وارثي بعد موتي كذا فأنت حر .. عتق بالأداء. قال: (وتصح الوصية برقبته) إن علم فسادها قطعًا، وكذا إن ظنها على الأظهر كما لو باع ما ظنه لغيره وهو له، وهذا بخلاف الصحيحة؛ فإنه إذا أوصى برقبته .. لم يصح على الجديد. قال: (ولا يصرف إليه من سهم المكاتبين)؛ لأنها غير لازمة، والقبض بها غير موثوق به. وفي وجه حكاه القاضي حسين: يصرف له من ذلك؛ لأنها من الأكساب التي يتوصل بها إلى العتق. قال: (وتخالفهما) أي: تخالف الكتابة الصحيحة والتعليق (في أن للسيد فسخها)؛ لأنه لم يسلم له العوض.

وَأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَا يَاخُذُهُ، بَلْ يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ بِهِ إِنْ كَانَ مُتَقَوَّمًا، وَهُوَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ، فَإِنْ تَجَانَسَا .. فَأَقْوَالٌ التَّقَاصِّ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْفَضْلِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويفسخها بالفعل كالبيع ونحوه، وبالقول كأبطلت كتابته أو فسخها ونحو ذلك، ثم إن شاء .. فسخ بنفسه أو بالحاكم، ولا يبطلها القاضي بغير إذن السيد، فإذا فسخها أو حكم الحاكم بإبطالها ثم أدى المسمى .. لم يعتق؛ لأنه وإن كان تعليقًا .. فهو في ضمن معاوضة، وقد ارتفعت فارتفع ما تضمنته من التعليق. قال: (وأنه لا يملك ما يأخذه، بل يرجع المكاتب به إن كان متقومًا، وهو عليه بقيمته يوم العتق) أشار إلى أنه إذا أدى العبد المسمى في الكتابة الفاسدة وحصل العتق .. فيرجع على السيد بما أدى؛ لأنه لم يملكه، ويرجع السيد عليه بقيمة رقبته؛ لأن فيها معنى المعاوضة، وقد تلف المعقود عليه بالعتق، فهو كما لو تلف المبيع بيعًا فاسدًا في المشتري .. يرجع على البائع بما أدى، ويرجع البائع عليه بالقيمة، والاعتبار بقيمة يوم العتق؛ فإنه يوم التلف. وقيل: تعتبر قيمة يوم العقد كما في الكتابة الصحيحة؛ لأنه وقت الحيلولة، وههنا تحصل الحيلولة بالعتق. وإذا هلك المسمى في يد السيد بسبب .. رجع العتيق بمثله أو قيمته، فإن كان المسمى لا قيمة له كخمر أو خنزير .. لم يرجع العتيق على السيد بشيء، وهو يرجع على العتيق بقيمة رقبته، واحترز المصنف عنه بقوله: (متقومًا)، ولم يرد بالمتقوم قسيم المثل، فذلك يرجع به جزمًا. قال: (فإن تجانسا) أي: كالأثمان ونحوها. قال: (.. فأقوال التقاص) التي أحال عليها (المحرر) ولم يذكرها، وستأتي في كلام المصنف. قال: (ويرجع صاحب الفضل به)؛ لأنه حقه. وحقيقة أقوال التقاص: أن يثبت لكل من شخصين على الآخر دين بجهة واحدة أو جهتين، فإن كانا نقدا أو اتفقا جنسًا وحلولًا وسائر الصفات .. فالأظهر: يحصل التقاص بنفس ثبوت الدينين، وباقي الأقوال مذكورة في الكتاب.

قُلْتُ: أَصَحُّ أَقْوَالِ التَّقَاصِّ: سُقُوطُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ بِالآخَرِ بِلاَ رِضًا، وَالثَّانِي: بِرِضَاهُمَا، وَالثَّالِثُ: بِرِضَا أَحَدِهِمَا، وَالرَّابِعُ: لاَ يَسْقُطُ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن اختلفا جنسًا أو صفة كصحة وتكسير وحلول وتأجيل أو في قدر الأجل .. فلا تقاص جزمًا. وأما غير النقدين .. فالمذهب لا تقاص، وقيل: على الأقوال. مهمة: تراضيا على جعل الحال تقاصا عن المؤجل .. قال الشيخان: لا يجوز كما في الحوالة، وحكى أبو الفرج الزاز فيها وجهًا مستغربًا، والوجه الذي استغرباه هو مذهب الشافعي المنصوص في (الأم) في (باب الجناية على المكاتب)، ولأجل ذلك قال البندنيجي: إن الأصحاب يخالفون نصوص الشافعي لا عن قصد، ولكن لقلة نظرهم في كتبه. قال: (قلت: أصح أقوال التقاص: سقوط أحد الدينين بالآخر بلا رضًا)؛ إذ لا فائدة فيه؛ لأنه مطالبة كل واحد منهما بمثل ما عليه. قال: (والثاني: برضاهما)؛ لأنه إبدال ذمة فأشبه الحوالة يعتبر فيها رضا المحيل والمحتال. قال: (والثالث: برضا أحدهما)؛ لأن للمديون أن يقضي من حيث شاء، فإذا رضي أحدهما .. فقد وجد للقضاء منه. قال: (والرابع: لا يسقط والله أعلم) أي: وإن رضيا؛ لأنه بيع دين بدين، وقد ورد النهي عنه. وإذا حصل التقاص بين السيد والمكاتب وبرئت ذمته عن النجوم .. عتق كما لو أدى. فائدة: الكتابة الصحيحة تفارق الفاسدة في صور: منها ما تقدم أن للسيد فسخها، ولا يملك ما يأخذه، وليس له السفر بلا إذن على الأصح، ولا يجب فيها الإيتاء على

وَإِنْ فَسَخَهَا السَّيِّدُ .. فَلْيُشْهِدْ، فَلَوْ أَدَّى الْمَالَ فَقَالَ السَّيِّدُ: كُنْتُ فَسَخْتُ فَأَنْكَرَهُ .. صُدِّقَ الْعَبْدُ بِيَمِيِنِه، وَالأَصَحُّ: بُطْلاَنُ الْفَاسِدَةِ بِجُنُونِ السَّيِّدِ وَإِغْمَائِهِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ، لاَ بِجُنُونِ الْعَبْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيح، ولا تصح الوصية بنجومها، وإذا أعتقه أو وهبه .. كان فسخًا، وإذا عتق عن جهة الكتابة .. لا يتبعها لكسب والولد، وهو في الالتقاط كالقن على الصحيح، وتبطل بجنون السيد وإغمائه والحجر عليه كما سيأتي. ولا يعامل سيده على أقوى الوجهين وهو القياس، وفطرته على سيده كالقن، ولا يعتق بتعجيل نجومها على الأصح، وإذا عجزت عن الأداء فيها أو فسخ الكتابة قبل عجزها .. لم يجب الاستبراء على الصحيح. ولا تصح حوالته لسيده بالنجوم؛ لوضوح الفرق بين الكتابتين، قال بعض المتأخرين. قال: (وإن فسخها السيد .. فليشهد) احتياطًا وتحرزًا من التجاحد، لا أن الإشهاد شرط للفسخ كما قاله الماوردي وغيره. قال: (فلو أدى المال فقال السيد: كنت فسخت فأنكره .. صدق العبد بيمينه)؛ لأن الأصل عدم الفسخ، وعلى السيد البينة. قال: (والأصح: بطلان الفاسدة بجنون السيد وإغمائه والحجر عليه، لا بجنون العبد)؛ لأن الحظ في الكتابة للعبد لا للسيد. والثاني: بطلانها بجنونهما؛ لجوازها من الطرفين كالشركة والوكالة، ولا يبعد ترجيحه. والثالث: لا فيهما؛ لأن المغلب فيهما التعليق، وهو لا يبطل بالجنون. ولفظ (الإغماء) من زياداته على (المحرر)، ولو اقتصر عليه .. لفهم الجنون من باب أولى. وشمل قوله: (الحجر عليه) حجر السفه والفلس، وإنما صرحوا بالأول، وإذا

فَلَوِ ادَّعَي كِتَابَةً فَأَنْكَرَهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَارثُهُ .. صُدِّقَا، وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النُّجُومٍ أَوْ صِفَتِهَا .. تَحَالَفَا، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ مَا يَدَّعِيهِ .. لَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ فِي الأصَحِّ، بَلْ إِنْ لَمْ يَتَّفِقَا .. فَسَخَ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَعْضُ الْمَقْبُوضِ وَدِيعَةٌ .. عَتَقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قلنا: يبطل، فأدى المسمى .. لم يعتق في الأصح؛ لارتفاعها. قال: (فلو ادعى كتابة فأنكره سيده أو وارثه .. صدقا)؛ لأن الأصل عدمها. قال: (ويحلف الوارث على نفي العلم) أي: والسيد على البت كسائر الحقوق المدعي بها، فلو ادعى السيد الكتابة وأنكرها العبد .. ففي (كتاب ابن كج): إن لم يعترف بأداء المال والسيد بالقبض .. عاد رقيقًا، ويكون إنكاره تعجيزًا لنفسه، وإن اعترف بالقبض وأنه عتق .. فهو حر. قال: (ولو اختلفا في قدر النجوم أو صفتها .. تحالفا) كما في البيع وغيره. وينبغي أن يكون مراده: الاختلاف في القدر الزائد على الواجب، فلو قال السيد: كاتبتك على نجم، فقال: بل على نجمين .. فالمنصوص: أنهما يتحالفان، قال البغوي: صدق السيد بيمينه؛ لأنه يدعي فساد العقد، وأقره الشيخان عليه، ولعل البغوي إنما قاله؛ لأنه يرى في البيع أن القول قول مدعي الفساد، وهو خلاف الأصح المنصوص. قال: (ثم) أي: بعد التحالف (إن لم يكن قبض ما يدعيه) أي: السيد (.. لم تنفسخ الكتابة في الأصح)؛ قياسًا على البيع، والنبي صلى الله عليه وسلم أثبت للمتابعين التخابر بعد التحالف. والثاني: تنفسخ؛ لأن العقد انتهى إلى النزاع، فكأنه لم يكن. قال: (بل إن لم يتفقا .. فسخ القاضي)؛ لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد، كذا جزم به الشيخان هنا تبعًا لجماعة، وحكيا في نظيره من البيع التخيير بين القاضي، أو هما أو احدهما، والفرق: أن الفسخ هنا غير منصوص عليه، بل مجتهد فيه فأشبه العنة. قال: (وإن كان قبضه وقال المكاتب: بعض المقبوض وديعة .. عتق)؛ لاتفاقهما على وقوع العتق على التقديرين.

وَرَجَعَ هُوَ بِمَا أَدَّى، وَالسَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ، وَقَدْ يَتَقَاصَّانِ. وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ .. صُدِّقَ السَّيِّدُ إِنْ عُرِفَ سَبْقُ مَا ادَّعَاهُ، وَإِلاَّ .. فَالْعَبْدُ. وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: وَضَعْتُ عَنْكَ النَّجْمَ الأَوَّلَ، أَوْ قَالَ: الْبَعْضَ، فَقَالَ: بَلِ الآخِرَ أَوِ الكُلَّ .. صُدِّقَ السَّيِّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ورجع هو بما أدى) أي: جميعه (والسيد بقيمته، وقد يتقاصان) عند وجود شرطه السالف. قال: (ولو قال: كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي فأنكر العبد) بأن قال: كاتبتني وأنت كامل. قال: (.. صدق السيد إن عرف سبق ما ادعاه)؛ لقوة جانبه وضعف جانب العبد، وقد تقدم في (البيع): أن هذا يستثني من قولهم: القول قول مدعي الصحة. قال: (وإلا .. فالعبد) أي: وإن لم يعرف سبقه .. صدق العبد؛ لضعف جانب السيد، والأصل عدم ما ادعاه، كذا جزموا به، وكان ينبغي تخريج الأولى على خلاف دعوى الصحة والفساد، حتى يكون القول قول العبد؛ لأنه يدعي الصحة. ويشهد له قوله في (كتاب النكاح): لو زوج ابنته ثم قال: كنت مجنونًا أو محجورًا يوم تزويجها، وأنكر الزوج، فإن لم يعهد ذلك .. فالقول قول الزوج؛ لأن الظاهر جريان النكاح، وإن عهد له ما يدعيه .. فوجهان. قال: (ولو قال السيد: وضعت عنك النجم الأول، أو قال: البعض، فقال بل الآخر أو الكل .. صدق السيد) أي: بيمينه؛ لأنه أعرف بمراده وفعله. لكنه أدخل الألف واللام على البعض والكل، وتقدم أن ذلك قليل. والذي جزم به المصنف هنا نقله في (الشرحين) عن البغوي خاصة، وهو المنصوص في (الأم) صريحًا. وفائدة اختلافهما هنا ترجع إلى اختلاف النجمين في القدر لا إلى التقديم والتأخير.

وَلَوْ مَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ وَعَبْدٍ فَقَالَ: كَاتَبَنِي أَبُوكُمَا، فَإِنْ أَنْكَرَا .. صُدِّقَا، وَإِنْ صَدَّقَاهُ .. فَمُكَاتَبٌ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ .. لَمْ يَعْتِقْ فِي الأَصَحَّ، بَلْ يُوقَفُ، فَإِنْ أَدَّى نَصِيبَ الآخرِ .. عَتَقَ كُلُّهُ وَوَلاَؤُهُ لِلأَبِ، وَإِنْ عَجَزَ .. قُوَّمَ عَلَى المُعْتِقِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (ولو مات عن ابنين وعبد فقال: كاتبني أبوكما، فإن أنكرا .. صدقا) أي: بيمينهما على نفي العلم بكتابة الأب، فإن حلفا .. فذاك، وإن نكلا وحلف العبد اليمين المردودة .. ثبتت الكتابة، وإن حلف احدهما دون الآخر .. ثبت الرق في نصيبه، وترد اليمين في نصيب الناكل. وإذا أراد إقامة البينة .. احتاج إلى شهادة عدلين؛ لأن مقصود الكتابة العتق دون المال، وهذه المسألة تقدمت في قول المصنف: (ولو ادعى كتابة فأنكره سيده أو وارثه) لكن أعادها هنا لضرورة التقسيم. قال: (وإن صدقاه .. فمكاتب) عملًا بقولهما، هذا إذا كانا أهلًا للتصديق، والمراد: أن حكمه حكم المكاتب إذا مات سيده وترك ابنين؛ فإنهما يقومان مقامه في انهما إذا استوفيا أو أعتقا أو أبرآه .. عتق. قال: (فإن أعتق أحدهما نصيبه .. لم يعتق في الأصح)؛ لعدم تمام ملكه. قال: (بل يوقف، فإن ادى نصيب الآخر .. عتق كله) هذا هو الأصح في (المحرر) تبعًا للبغوي. والمصحح في (الشرحين) و (الروضة): انه يعتق، لا جرم استدركه المصنف كما سيأتي، وكان ينبغي أن يعبر بالأظهر كما ذكره في الزيادة؛ فإن الخلاف قولان. قال: (وولاؤه للأب)؛ لأنه عتق بحكم كتابته، ثم ينتقل إليهما بالعصوبة، وقيل للابن. قال: (وإن عجز .. قوم على المعتق إن كان موسرًا) أي: وبطلت كتابة الأب، وكان ولاء الجميع للابن، وإن كان قد أبرأه عن نصيبه من النجوم .. لم يعتق شيء منه بالعجز؛ لأن الكتابة تبطل بالعجز، والعتق في غير الكتابة لا يحصل بالإبراء، كل هذا تفريع على قول الوقف.

وَإِلاَّ .. فَنَصِيبُهُ حُرٌّ، وَالْبَاقِي قِنٌّ لِلآخَرِ. قُلْتُ: بَلِ الأَظْهَرُ: الْعِتْقُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا .. فَنَصِيبُهُ مُكَاتَبٌ، وَنَصِيبُ الْمُكَذِّبِ قِنٌّ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُصَدِّقُ .. فَآلْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وإلا .. فنصيبه حر، والباقي قن للآخر)؛ لتعذر السراية بالإعسار. قال: (قلت: بل الأظهر: العتق والله أعلم) وكذلك الحكم لو أبرأه أحدهما عن نصيبه من النجوم. وعند أبي حنيفة والمزني: لا يعتق نصيبه بالإبراء حتى يبرئه الآخر ويستوفي نصيبه، كما لو كان الأب حيًا فأبرأه عن بعض النجوم. فعلى هذا: إن كان الذي أعتق نصيبه أو أبرأ معسرًا .. بقيت الكتابة في نصيب الآخر، فإن عجز .. عاد قنًا، فإن أدى وعتق .. فولاؤه للأب، والأصح: أن ولاء نصيب الأول للأب أيضًا. وإن كان موسرًا .. فالأصح: لا سراية، وفي قول: يسري، فعلى هذا: هل يسري في الحال، أو عند العجز؟ قولان: أظهرهما: الثاني. قال: (وإن صدقه أحدهما .. فنصيبه مكاتب)؛ لأنه أقر بما يضره، فقبل إقراره فيه، واغتفر التبعيض؛ فإن الضرورة أدت إليه كما لو أوصى أن يكاتب عبده عنه فلم يخرج إلا بعضه من الثلث، بخلاف التبعيض في الابتداء؛ فإنه ممتنع. وخرج بعضهم قولًا: إن الكتابة لا تثبت فيه؛ لأنها لا تتبعض. قال: (ونصيب المكذب قن)؛ استصحابًا لأصل الرق، والمراد: إذا حلف .. فيكون نصف الكسب له، ونصفه للمكاتب يصرفه إلى جهة النجوم. قال: (فإن أعتقه المصدق .. فالمذهب: أنه يقوم عليه إن كان موسرًا) اتفقوا على أن المصدق إذا اعتق نصيبه .. عتق، وهل يسري؟ فيه طريقان، قال الأكثرون: في السراية قولان: أحدهما: لا؛ لأنه عتق على أبيه دونه. والثاني: نعم، ويقوم عليه؛ لأنه شريك موسر أعتق باختياره. واحترز بقوله: (أعتقه) عما إذا أبرأه عن نصيبه من النجوم .. فإن المذهب فيه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم السراية، وعما إذا أدى نصيب المصدق إليه .. فلا سراية جزمًا، وإذا قلنا بالسراية .. تثبت هنا في الحال، ولا يأتي القول الآخر؛ لأن صاحبه منكر للكتابة. وقيل: تثبت السراية في الحال قطعًا؛ لأن منكر الكتابة يقول: هو رقيق لهما، فإذا اعتق صاحبه .. ثبتت السراية. تتمة: استشكل جماعة السراية من جهة أن نصيب المصدق محكوم في الظاهر بانه مكاتب، والمصدق لم يعترف بغير ذلك، ويزعم أن نصيب شريكة مكاتب أيضًا، ومقتضى كونه مكاتبًا: أن لا يسري، فكيف يلزم المصدق حكم السراية مع انه لم يعترف بموجبها؟ وأجاب الشيخ عنه بأن المكذب يزعم أن الجميع قن، ومقتضى ذلك: أن إعتاق شريكه نافذ سار، كما قال لشريكه في العبد القن: أنت أعتقت نصيبك وأنت موسر .. فإنا نؤاخذه، ونحكم بالسراية إلى نصيبه، لكنا هناك لا نلزم شريكه القيمة؛ لعدم ثبوت إعتاق المصدق وإعتاقه ثابت .. فهو بإعتاقه متلف لنصيب شريكه بالطريق المذكور، فيضمن قيمة ما اتلفه. ... خاتمة سبق أن سيد المكاتب إذا مات .. تبقى الكتابة ويعتق المكاتب بالأداء إلى الوارث، فلو كان له وارثان .. لم يعتق إلا بأداء حقهما، فإن كان الوارث صغيرًا أو مجنونًا .. لم يعتق إلا بالدفع إلى وليه، فإن كان له وصيان .. لم يعتق إلا بالدفع إليهما، إلا إذا ثبت لكل واحد منهما الاستقلال. ولو نكح الابن مكاتبة أبيه، ثم مات الأب وورثه الابن .. انفسخ النكاح، وكذا لو مات السيد وابنته تحت مكاتبه فورثت زوجها، أو اشترى المكاتب زوجته، أو اشترت المكاتبة زوجها .. انفسخ النكاح. ***

كتاب أمهات الأولاد

كتاب أمهات الأولاد

كِتَابُ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب أمهات الأولاد ختم المصنف كتابه بأبواب العتق, رجاء أن الله تعالى يعتقه وقارئه من النار, وأخر هذا الباب, لأنه عتق قهري مشوب بقضاء أو طار, ولذلك توقف الشيخ عز الدين فى كتاب (الشجرة) في كون الاستيلاء قربة. و (الأمهات): جمع أم, وتقدم فى أول (باب ما يحرم من النكاح) أن الأكثر فى جمعها: أمهات كما عبر به المصنف, ويجوز أمات على قلة, هذا فى الأناسى, فأما فى غيرها .. فبالعكس, أنشد الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} للمأمون بن الرشيد (من البسيط): وإنما أمهات الناس أوعية .... مستودعات وللآباء أبناء وأفتتح الباب في (المحرر) بقوله: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى مارية حين ولدت: (أعتقها ولدها) قال الحاكم [2/ 19] فى (كتاب الورع) من (مستدركه): إنه صحيح الإسناد, وصححه ابن حزم [المحلى 9/ 18] أيضًا, لكن إبن ماجة [2516] رواه بإسناد ضعيف, واستشهد البهيقي [6/ 160] بقول عائشة: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة) فدل على أن مارية عتقت بموته صلى الله عليه وسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: (أعتقها ولدها): أنه أثبت لها حرمة الحرية, لا أنها عتقت حقيقة. وفي (الصحيحين) [خ2229 - م1438/ 125] عن أبي موسى: قلنا يا رسول الله, إنا نأتى السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل؟ فقال: (ما عليكم أن لا تفعلوا, ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة). ففي قوله: (ونحب أثمانهن) دليل على أن بيعهن بالإستيلاد ممتنع. وأجمعوا على أن ولد الرجل من أمته ينعقد حرًا, لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أشراط الساعة: أن تلد الأمة ربتها (. فأقام الولد مقام أبيه, والأب حر فكذلك الولد, ولا ولاء عليه لأحد, لأن مانع الرق قارن سبب الملك فدفعه, بخلاف ما لو اشترى زوجته الحامل منه .. فإن الولد يعتق عليه وولاؤه له. وتظهر فائدة ولائه فيما لو أوصى لموالي فلان .. فإنه يدخل, وفي تحمل العقل, فإن المولى يتحمله والأب لا يتحمله ..

إِذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيًّا أَوْ مَيْتًا أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةً .. عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِدِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (إذا أحبل أمته فولدت حيًا أو ميتًا أو ما تجب فيه غرة .. عتقت بموت السيد) , لما روى الحاكم [2/ 19] وابن ماجة [2515] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما أمة ولدت من سيدها .. فهي حرة بعد موته). وروى البهيقي [10/ 346] عن ابن عمر أنه قال: (أم الولد أعتقها ولدها وإن كان سقطًا). وروى الدارقطني [4/ 134]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث, يستمتع بها مدة حياته, فإذا مات .. عتقت (لكن قال البهيقي [10/ 248]: إنه لم يصح إلا من كلام عمر. وشمل قوله: (الإحبال) ما إذا كان الوطء مباحًا أو محرمًا بأن كانت مزوجة أو محرمًا له أو مسلمة وهو كافر .. فهو كذلك, سواء أوجبنا عليه الحد إذا علم أم لا. وسيأتي في خاتمة الباب حكم عقوبته, لكن تعبيره بـ (الإحبال) يقتضي اعتبار فعله, فلو علقت منه باستدخال ذكره أو مائه .. كان الحكم كذلك كما يثبت النسب, وتؤيده رواية الدارقطني [4/ 131]: (أيما أمة ولدت من سيدها .. فهى حرة عن دبره). وعلم من قوله: (أو ما تجب فيه غرة): أنه لا يشترط انفصال جميعه فلو أخرج رأسه وباقيه مختف ثم مات السيد .. عتقت, وبه صرح الدارمي. كل هذا إذا لم يزاحم حق الغير, فإن زاحم بأن استولد الأمة التي تعلق بها رهن أو أرش جناية واستمر حتى مات السيد .. فإنها لا تعتق بموته, وكذلك أمة المحجور عليه بفلس إذا أولدها بعد الحجر. لكن يرد على إطلاقه المكاتب, فإنه إذا أحبل أمته ثم مات رقيقًا قبل العجز أو بعده .. لم يعتق بموته على الأصح. وشمل إطلاق (موته) ما لو قتلته, وبه صرح الرافعي فى (باب الوصية) ,

أَوْ أَمَةِ غَيْرَهُ بِنِكَاحٍ ... فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ- وَلَا تَصِيُر أُمَّ وَلَدٍ إِذَا مَلِكَهَا- أَوْ بِشُبْهَةٍ ... فَالْوَلَدْ حُرُّ، وَلَا تَصِيرُ أُمُّ وَلَدٍ إِذَا مَلِكَهَا فِي الْأَظْهَرِ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك لو كانت الأمة يملك بعضها على الصحيح المنصوص، والولد حر عند العراقيين، وهو صريح في أن الحرية لا تتبعض في الولد، وهو الأصح في (الشرح الصغير) وقيل: تتبعض، وصححه في (الروضة) في آخر (الكتابة). واحترز بقوله: (أو ما تجب فيه غرة) عما إذا وضعت مضغة ليس فيها تخطيط جلي ولا خفي، وشهد القوابل أنه مبدأ خلق آدمي لو بقي لتخطط ... فإن أمية الولد لا تثبت بذلك، كما لا تجب الغرة على المنصوص فيهما، ونص على أن العدة تحسب بذلك، وللأصحاب في ذلك طرق مشهورة تقدمت. فإن ألقت مضغة ظهر فيها التخطيط ... تثبت الغرة والاستيلاد. وأشار بقوله: (عتقت بموت السيد) إلى أنها تعتق من رأس المال، ويقدم عتقها على الديون كما سيذكره في آخر الباب. قال: (أو أمة غيره بنكاح) وكذلك بالزنا (... فالولد رقيق)؛ لأنه يتبع الأم فيكون لسيدها بالإجماع، لكنه يستثنى من طرده جارية ولده التي لم يستولدها، فإذا أولدها الأب ... صارت أم ولد، ومن عكسه: إذا غر بحرية أمة فنكحها وأولدها ... فالولد حر، وقد ذكره المصنف في (باب الخيار والإعفاف). قال: (ولا تصير أم ولد إذا ملكها)؛ لأن ثبوت الحرية للأمة فرع ثبوتها للولد وهو هنا رقيق، وفيه قول مخرج من المرهونة إذا بيعت في الدين ثم عادت إليه. ولو ملك الولد ... عتق عليه إن كان من نكاح لا من زنا. قال: (أو يشبهه) بأن وطئها ظانًا أنها زوجته الحرة أو أمته (... فالولد حر) بلا خلاف؛ نظرا إلى ظنه، فلو ظنها زوجته الأمة ... كان الولد رقيقًا، وهذه الصورة ترد على المصنف، واحترز عنها في (المحرر) بقوله: على ظن انه يطا زوجته الحرة. قال: (ولا تصير أم ولد إذا ملكها في الأظهر)؛ لأنها علقت به في غير ملكه، فأشبه ما لو علقت به في نكاح. والثاني: تصير؛ لأنها علقت بحر، والعلوق بالحر سبب للحرية بالموت

وَلَهُ وِطٌء أَمْ الْوَلَدِ وَاسْتِخْدَامِهَا وَإِجَارَتَهَا وَأَرَشْ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وموضع الخلاف في الحر، فإن وطىء العبد جارية غيره بشبهة ثم عتق ثم ملكها ... لا تصير قطعًا؛ لأنه لم ينفصل من حر. قال: (وله وطء أم الولد) بالإجماع. واستثنى الجرجاني منه أمة الكافر إذا أسلمت، وأخته من الرضاع إذا أحبلها جاهلًا بالتحريم؛ فإنها تصير مستولدة ووطؤها ممتنع. واستثنى الجيلي ثالثة وهي: أن من يطأ موطوءة اينه ... فتصير أم ولد، ولا يحل له وطؤها. وتستثني رابعة وهي: إذا أولد مكاتبته ... فإنها تصير أم ولد، ولا يحل له وطؤها ما دامت الكتابة الصحيحة باقية. قال: (واستخدامها وإجارتها)؛ لبقاء ملكه عليها كالمدبرة، وقال مالك: لا يؤجرها كما لا بييعها. وله أيضًا كتابتها؛ لأنه يملك كسبها، فإذا أعتقها على صفة ... جاز. فإن قيل: في الجزم بجواز الإجازة نظر؛ لأنها بيع، وقد قالوا في الأضحية المعينة: لا تصح إجارتها كما لا يصح بيعها إلحاقًا للمنافع بالأعيان ... قلنا: الفرق خروج الأضحية عن ملكه بالكلية، بخلاف المستولدة. وعلم من جواز الإجارة جواز الإعارة من باب أولى. قال: (وأرش جناية عليها)؛ لدوام ملكه، وكذا أرش الجناية على أولادها التابعين لها؛ لأنهم ملكه، وله قيمتهم أيضًا إذا قتلوا، ولو غصبهم غاصب فماتوا في يده ... ضمنهم بالقيمة للسيد. وأصل ذلك: أن أم الولد تضمن عندنا بالغصب، خلافًا لأبي حنيفة؛ بناء على أصله: أن التضمين يوجب التمليك. واحترز ب (أم الولد) عن المكاتبة؛ فأرش الجناية عليها لا لها.

وكَذَا تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيُحَرِّمُ بَيْعِهَا ... ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (وكذا تزويجها بغير إذنها في الأصح)؛ لأنه يملك رقبتها ومنافعها، حتى الاستمتاع، فملك تزويجها برضاها وبدونه كالمدبرة. والثاني: لا يجوز وإن رضيت؛ لأنها ناقصة في نفسها، وولاية الولي عليها ناقصة أيضًا، فأشبهت الصغيرة إذا زوجها الأخ برضاها. والثالث: يجوز له برضاها؛ لأنه ثبت لها حق الحرية بسبب لا يملك السيد إبطاله، فلا يملك تزويجها بغير إذنها كالمكانية. وكان الصواب: أن يعبر ب (الأظهر)؛ فإن الخلاف أقوال مذكورة في (التنبيه) وغيره. وإذا أراد أن يزوج بنت أم ولده ... فهي كالأم فيها الأقوال، وإذا جوزناه ... لا يحتاج إلى استيرائها، بخلاف أم الولد؛ فإنها ليست فراشًا للسيد، ولا يخفى أن هذا إذا كان السيد مسلمًا، فإن كان كافرًا وهي مسلمة ... فليس له تزويجها على الأصح؛ بناء على أنه يزوجها بالملك. قال: (ويحرم بيعها) هذا الذي قطع به الجمهور، وأول من قضى به عمر، ونص عليه الشافعي في خمسة عشر كتابًا، ويدل له حديث ابن عمر المتقدم، ولا يعرف للشافعي فيها إلا هذا القول، وجوز بيعها ابن القاص والمحاملي، ويحكى عن ابن عباس والشيعة وداوود، لقول جابر: (كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم) حي لا يرى بذلك بأسًا) رواه أبو داوود [3950]. والجواب: أنه منسوخ؛ فإن ابن أبي شيبة رواه عنه ثم قال: وذكر لي أنه رجع عنه.

وَرَهْنُهَا وَهَبْتُهَا. ... ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك، كما قال ابن عمر: (كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسًا، حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة فتركناها) وقد ناظر فيها أبو بكر بن داوود أبا العباس بن سريج فقال: أجمعنا على أنها قبل أمية الولد كانت تباع، فيستصحب هذا الإجماع إلى أن يثبت ما يخالفه، فقال له ابن سريج: أجمعنا على أنها حين كانت حاملًا بحر لا تباع، فيستصحب هذا الإجماع القريب إلى أن يثبت ما يخالفه، فأفحمه. واستثنى القفال بيعها من نفسها، فأفتى بجوازه؛ تغليبًا لجانب الافتداء. وقال في (اللباب): يجوز بيعها في ثلاث مسائل: المرهونة، والجانية، وأم ولد المكاتب. اهـ. والظاهر: أن استيلاد المفلس في حال الحجر كاستيلاد الراهن، وعبارة المصنف قد تشمل منع كتابتها؛ لأن الكتابة اعتياض عن الرقبة، ونقله الروياني عن النص، لكن رجح الرافعي الجواز، وحقيقة الثابت للسيد على المستولدة إنما هو اختصاص لا ملك، فيتصرف في منفعتها لا في عينها، كالموقوف ينتفع به ولا يبيعه. وتقدم أن القاضي إذا قضى بجواز بيعها ... نقض قضاؤه، وليس ذلك لمخالفة خير الواحد كما قاله الغزالي، بل لمخالفة الإجماع؛ لأن الخلاف الذي كان فيها قد ارتفع بالإجماع بعده، ووقع في (الروضة) في (كتاب القضاء) عن الروياني تصحيح عدم نقضه، وهو وجه مبني على أن الإجماع بعد الاختلاف لا يرفع حكم الاختلاف، ومنهم من بناء على الخلاف في اشتراط انقراض العصر، ولا اعتبار بخلاف الشيعة والظاهرية. قَالَ: (وَرَهْنُهَا وَهِبَتْهَا)؛ لِأَنَّ الْهِبَة تُبْطِلُ الْمَلِكُ، وَالْرَّهْنُ يُسَلِّطُ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَا

وَلَوْ وَلَدَت مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا ... فَالْوَلَدُ لِلْسَيِّدِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَهِيَ، ... ـــــــــــــــــــــــــــــ البيع، وإنما ذكرهما المصنف مع أنه إذا حرم بيعها حرم رهنها وهبتها؛ للتنبيه على أن تعاطي العقود الفاسدة حرام وإن لم يتصل بها المقصود كما نص عليه في (الأم)، وقد تقدم ذكر ذلك في (البيع) وغيره. وكذلك تحرم الوصية بها، وفي صحة وقفها خلاف تقدم في بابه. قال: (ولو ولدت من زوج أو زنًا) أي: بعد الاستيلاد (... فالولد للسيد يعتق بموته كهي) حكاه ابن المنذر عن أكثر الفقهاء؛ لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية، فكذا في سببه اللازم. ولا يأتي فيه الخلاف في ولد المدبرة والمكاتبة؛ لأن الاستيلاد أقوى، بدليل أنه لا يرتفع بحال بخلافهما، ولا يتوقف عتقه على عتق الأم، فلو ماتت قبل موت السيد ... بقى حكم الاستيلاد في حق الولد، وهذا أحد المواضع التي يزول فيها حكم المتبوع ويبقى حكم التابع كما في نتاج الماشية في الزكاة، وكذلك الموقوفة، فهي وإن كانت لا تباع بحال لا يتعدى حكم الوقف إلى ولدها على الأصح؛ لأن المقصود بالوقف حصول الفوائد والمنافع للموقوف عليه. وولد الموصى بمنفعته كالأم على الصحيح، رقبته للوارث ومنفعته للموصى له؛ لأن جزء من الأم، والمؤجر والمعار لا يتعدى حكمهما إلى الولد؛ لأن العقد لم يقتضه، وولد المعتقة بصفة والمكاتبة يتبعها، إن عتقت ... عتق، وولد الأضحية والمنذورة والهدي له حكمها؛ لزوال الملك عنها، وولد الماشية التي تجب الزكاة في عينها تزكى بحول الأصل. والأصح: أن ولد العرض مال تجارة، وولد المبيعة الحادث في مدة الحبس في يد البائع ليس للبائع حبسه، وولد المرهونة الحادث بعد الرهن غير مرهون، وولد المضمونة غير مضمون، وولد المغصوبة غير مغصوب، وولد المودعة كالثوب الذي أطارته الريح إلى داره، وولد الجانية لا يتبعها في الجناية، وولد المرتدين مرتد على الأظهر، وولد العدو في قبول شهادته ثلاثة أقوال لمالك تقدمت، وولد مال القراض يعود به المالك، وولد المستأجرة غير مستأجر.

وأولادها قبل الاستيلاد من زنا أو زوج لا يعتقدون بموت السيد، وله بيعهم، وعتق المستولدة من رأس المال. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: يستثنى من إطلاق المصنف صورتان: إحداهما: ما حكاه الرافعي قبيل (الصداق) عن (فتاوي البغوي) وأقره: أن الزوج إذا كان يظن أن أم الولد حرة ... فالولد حر، وعليه قيمته للسيد. والثانية: إذا أحبل الراهن المرهونة وهو معسر، وقلنا بالأصح: إنها لا تصير مستولدة، فبيعت في الدين، ثم ولدت عند المشتري أولادًا، ثم ملكها الراهن هي وأولادها ... فإنها تصير مستولدة على الصحيح، وأولادها أرقاء لا يعكون حكمها، قاله الرافعي في (باب الإقرار بالنسب) ... فالجواب: أنهم في المسألة الثانية ولدوا قبل الحكم بالاستيلاد، وفي الولى ليسوا أولاد أم ولد في ظنه. وقوله: (كهي فيه) جرّ الضمير بالكاف، وهو شاذ كما تقدم. قال: (وأولادها قبل الاستيلاد من زنًا أو زوج لا يعتقون بموت السيد، وله بيعهم)؛ لحدوثهم قبل أن يثبت لها سبب الحرية. قال: (وعتق المستولدة من رأس المال)، فيقدم على الديون والوصايا، سواء استولدها في الصحة أو المرض، أو مجز عتقها في مرض موته. أما عتقها ... فلما سبق من حديث ابن عباس، وسئل عكرمة عنها فقال: هي حرة، قيل له: بأي شيء تقوله؟ قال: بقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} وكان عمر من أولي الأمر، وقال: أعتقها ولدها وإن كان سقطًا. ولأن ولدها جزء منها، وقد انعقد جزءًا، فاستتبع الباقي كالعتق، لكن العتق فيه قوة فأثر في الحال، وهذا فيه ضعف فأثر بعد الموت. وأما كونه من رأس المال ... فلأنه إتلاف حصل بالاستمتاع، فأشبه الإتلاف بالأكل واللبس، وبالقياس على من تزوجها في مرض موته، فمن الأصحاب من حكى عن القديم: أنها لا تعتق بموته، ويكون الاستيلاد كالاستخدام.

ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أن الشافعي إنما حكى ذلك عن علي رضي الله عنه؛ فإنه خطب على منبر الكوفة فقال: اجتمع رأيي ورأي أمير المؤمنين عمر أن لا تباع أمهات الأولاد، وأنا الآن أرى بيعهن، فقال له عبيدة السلماني: رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك، فأطرق رأسه ثم قال: اقضوا فيه ما أنتم قاضون؛ فإني أكره أن أخالف أصحابي، كذا رواه البيهقي [10/ 343] وغيره، وقد تقدم عن عبيدة نظير هذه القصة في (ميراث الجد والإخوة). وأما جناية أم الولد ... فتقدم حكمها في (باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة). تتمة: وصى بأم الولد من الثلث بقصد الرفق بالورثة ... لم ينفذ، بخلاف ما إذا أوصى بحجة الإسلام من الثلث؛ لأن المستولدة كالمال الذي يتلفه بالأكل والشرب في حال المرض، فلا يحسب من الثلث، وهي تعتق بمجرد الموت، فليس للوصية فيها أثر. وفي (فتاوى القفال): أن من وطىء جارية ببيت المال ... يحد، فإن أولدها ... فلا نسب ولا استيلاد، سواء الفقير والغني؛ لأنه لا يجب الإعفاف في بيت المال. وختم الرافعي كتابه بقوله: وإذا أولد جاريته المحرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة ... لزمه التعزيز، وفي قول: الحد، ثم قال: وعلى القولين: لو أولدها ... يكون الولد حرًا نسبيًا، وتصير هي مستولدة. قال الأصحاب: ولا يتصور اجتماع هذه الأحكام مع ثبوت الحد إلا في هذه الصورة على أحد القولين، وما جزم به هنا من كون الولد نسبيًا مع القول بوجوب الحد صحح خلافه في آخر (كتاب النكاح)، وفي (باب حد الزنا). قال في (المهمات): والذي ذكره من أن هذه الأحكام لا تجتمع إلا في هذه الصورة غريب؛ فإنها تجتمع فيما إذا وطىء الأب جارية ابنه واستولدها ولم تكن مستولدة الابن، وإذا أولد الرجل المشتركة، وإذا أولد جاريته المزوجة، وإذا أولد جاريته المعتدة، وإذا أولد أمته المجوسية أو الوثنية، وإذا أولد الذمي أمته التي

ـــــــــــــــــــــــــــــ أسلمت قبل أن تباع عليه ... ففي جميع هذه الصور تثبت الحرية والنسب والاستيلاد مع وجوب الحد على قول كما قرره الرافعي في غير هذا الباب، والله سبحانه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب. ونختم الكتاب بما بدأنه به من حمد الله الذي يبدىي ويعيد، والصلاة والسلام على نبيه محمد المخصوص بعموم الشفاعة يوم الوعيد، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور وفتنة الأمل البعيد، ونسأله الفوز يوم يقال: شقي فلان وفلان سعيد. قال مؤلفه محمد بن موسى الدميري، وقال الله تعالى شر نفسه، وجعل يومه خيرًا من أمسه: فرغت منه في شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين وسبع مئة، جعله الله خالصًا لوجهه، موجبًا للفوز لديه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

§1/1